×
☰ فهرست و مشخصات
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

الجزء الرابع عشر‌

[تتمة كتاب الصلاة]

[فصل في واجبات الصلاة و أركانها]

فصل [في واجبات الصلاة و أركانها]واجبات الصّلاة أحد عشر: النيّة و القيام و تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود و القراءة و الذِّكر و التشهّد و السّلام و الترتيب و الموالاة (1).

______________________________
 (1) لا ريب في أنّ الصلاة مؤلّفة من عدة أُمور و قيود وجوديّة و عدميّة، فما كان معتبراً فيها قيداً و تقيّداً يعبّر عنه بالجزء، و ما كان التقيّد به معتبراً دون القيد فهو الشرط، ثم الثاني إن كان معتبراً في تمام حالات الصلاة حتى الآنات المتخللة بين الأجزاء كالطهارة و الاستقبال و الستر يعبّر عنها بشرائط الصلاة و مقدّماتها و قد مرّ البحث حولها سابقاً، و ما كان معتبراً في نفس الأجزاء دون الآنات المتخللة بينها يعبّر عنها بشرائط الأجزاء، سواء أ كانت معتبرة في تمام الأجزاء بالأسر كالترتيب و الموالاة و الطمأنينة، أم في بعضها كالقيام حال القراءة و الجلوس حال التشهد و نحوهما.و ممّا ذكرنا من ضابط الفرق بين الجزء و الشرط يظهر أنّ عدّ النيّة من الأجزاء‌

1
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........

______________________________
كما صنعه الماتن «1» و المحقق «2» و غيرهما في غير محلّه، لعدم تركب الماهيّة منها، و عدم دخلها في حقيقة الصلاة، بل هي إمّا شرط، أو لا جزء و لا شرط كما ستعرف.

كما أنّ عدّ الترتيب و الموالاة منها غير وجيه أيضاً، فإنّهما كما عرفت من شرائط الأجزاء لا أنهما برأسهما جزءان مستقلان في قبال الباقي، و لذا أهملهما المحقق في الشرائع، و إن أهمل الذكر أيضاً و عدّ الأجزاء ثمانية، و لعلّه من أجل أنّ الذكر من واجبات الركوع و السجود فليس جزءاً في قبالهما.

ثم إنّه كان على الماتن و غيره من الفقهاء عدّ الجلوس بين السجدتين أيضاً من الأجزاء، فإنّه معتبر في حدّ نفسه و بحياله في الصلاة قبال بقية الأجزاء و ليس اعتباره من أجل تحقق التعدّد بين السجدتين، ضرورة تقوّمها بمجرّد وضع الجبهة على الأرض، و لا يناط صدق التعدد بتخلل الجلوس بينهما قطعاً فلو سجد و بعد رفع الرأس سجد ثانياً من دون جلوس في البين صدق عنوان السجدتين بلا ارتياب.و قد اتضح من جميع ما ذكرناه: أنّ أجزاء الصلاة تسعة بإسقاط النيّة فإنّها شرط كما ستعرف، و كذا الترتيب و الموالاة فإنّهما من شرائط الأجزاء لا من أجزاء الصلاة كما عرفت، و بإضافة الجلوس بين السجدتين، بل و كذا الجلوس بعدهما المعبّر عنه بجلسة الاستراحة، بناءً على وجوبها كما لعلّه المعروف، و إن كان الأقوى عدم الوجوب.

______________________________
 (1) حيث جعلها في سياق سائر الأجزاء بعد فراغه عن البحث عن الشرائط. إلّا أن يُقال: إنّه (قدس سره) بصدد بيان واجبات الصلاة الأعم من الأجزاء و الشرائط القائمة بها كما قد يظهر من ملاحظة ما ذكره في نظائر المقام، مثل واجبات الركوع و واجبات السجود و نحوهما، فإنّها أيضاً من هذا النمط، و منه يظهر الحال في الترتيب و الموالاة.

(2) الشرائع 1: 95.

2
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

و الخمسة الأُولى أركان (1) بمعنى أنّ زيادتها و نقيصتها عمداً و سهواً موجبة للبطلان [1].



 (1) أمّا النيّة: فليست بجزء كما مرّت الإشارة إليه، فلا يحسن عدّها من الأجزاء الركنية.و أمّا القيام: فالواجب منه في الصلاة ثلاثة: القيام حال تكبيرة الإحرام و القيام المتصل بالركوع، و القيام بعد رفع الرأس عنه، لكن الأوّل من شرائط التكبير لا أنّه جزء مستقل في قباله، كما أنّ الثاني من مقوّمات الركوع، إذ هو ليس مجرّد الانحناء الخاص بل ما كان عن قيام، و منه قولهم: شجرة راكعة، أي منحنية بعد ما كانت قائمة، فليس هو أيضاً جزءاً مستقلا، نعم القيام بعد الركوع جزء مستقل لكنه ليس بركني، لعدم بطلان الصلاة بنقصه السهوي كما لا يخفى.و أمّا تكبيرة الإحرام: فالمشهور بطلان الصلاة بالإخلال بها زيادة أو نقيصة عمداً أو سهواً، و من هنا عدّوها من الأركان، لكن الأقوى عدم البطلان بالزيادة السهوية لعدم الدليل عليه، كما سيجي‌ء التعرض له في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى «1» إلّا أنّ ذلك لا يقدح في عدّها من الأركان، فإنّ المدار في صدق هذا العنوان بما أوجب نقصه البطلان حتى سهواً كما هو المناسب لمعناه اللغوي، سواء أ كانت الزيادة أيضاً كذلك أم لا، فانّ مفهوم الركن متقوّم بما يعتمد عليه الشي‌ء بحيث يوجب فقده زوال ذلك الشي‌ء، و أمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا مدخل له في صدق هذا المفهوم، و لم يرد لفظ الركن في شي‌ء من الأخبار، و إنّما هو مجرّد‌



 [1] الأقوى أنّ زيادة تكبيرة الإحرام سهواً لا توجب البطلان.



 (1) في ص 95.

3
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

لكن لا تتصوّر الزيادة في النيّة (1) بناءً على الداعي، و بناءً على الإخطار غير قادحة. و البقيّة واجبات غير ركنية فزيادتها و نقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً.



اصطلاح متداول في ألسنة الفقهاء.و بما أنّ نقص التكبيرة حتى سهواً يوجب البطلان فبهذا الاعتبار يصح عدّه من الأركان.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الأجزاء الركنية ثلاثة: الركوع و السجود، فإنّ الإخلال بهما نقصاً أو زيادة، عمداً أو سهواً يوجب البطلان بلا إشكال، و ثالثهما تكبيرة الإحرام بناءً على تفسير الركن بما عرفت كما هو الصحيح.

(1) فإنّه بناءً على تفسيرها بالداعي فلا ريب أنّه مستمر إلى آخر العمل فلا تتحقّق معه الزيادة، و بناءً على تفسيرها بالإخطار فهي غير قادحة بالضرورة كما نبّه عليه في المتن.

لكن كان ينبغي له أن يلحق القيام بالنية، فإنّه مثلها في عدم تصوّر الزيادة أما القيام حال تكبيرة الإحرام، فلأنّ زيادته إنّما تكون بزيادة التكبير الّذي هو من الأركان، فلا يكون البطلان مستنداً إلى خصوص القيام، و كذلك القيام المتصل بالركوع حيث إنّ زيادته أيضاً لا تمكن إلّا بزيادة الركوع، فلا يكون الإخلال إلّا به لا غير، بل هذا لا تتصور فيه النقيصة أيضاً إلا بنقص الركوع لتقوّمه بكونه هويّاً عن القيام كما مرّ. نعم، يتصوّر النقص في القيام حال التكبير لإمكان التكبير جالساً كما يتصوّر في النيّة و هو ظاهر.

و أمّا الزيادة و النقيصة في تكبيرة الإحرام، فهما و إن كانا متصوّرين فيها إلّا أنّ الأقوى كما عرفت عدم بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام سهواً. و عليه‌

4
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........



فلا تكون التكبيرة من الأركان بالمعنى المصطلح، و هو ما تكون زيادته و نقيصته عمداً و سهواً موجباً للبطلان. نعم، هو ركن بالمعنى اللغوي، و هو ما يوجب نقصه البطلان و لو سهواً. و أمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا دخل له في كونه ركناً إلّا من جهة الاصطلاح، و حيث إنّ كلمة الركن لم ترد في آية و لا رواية فلا مانع من عدّ التكبيرة ركناً بلحاظ المعنى اللغوي.ثم إنّه قد مرّت عليك في مطاوي كلماتنا «1» الإشارة إلى اختلاف القوم في أن النيّة هل أُخذت جزءاً في الصلاة أو شرطاً أو لا هذا و لا ذاك، بل لها دخل في تحقّق المصلحة المقتضية للصلاة؟فنقول: لا إشكال و لا خلاف في اعتبار النيّة في الصلاة، و أنّه لا بدّ من إتيان أجزائها بداعي القربة، فلو أتى بها من غير قصد أو بقصد الرياء تكون الصلاة باطلة.و يدلّنا على ذلك: قوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِذِكْرِي «2» و قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «3» و غيرهما من الآيات و الأخبار.و إنّما النزاع في أنّه هل أُخذت النيّة مضافاً إلى ذلك بحيالها في قبال سائر الأجزاء، بحيث يعتبر فيها جميع ما يعتبر في غيرها من الوقت و الاستقبال و الطهارة و نحوها، و يكون موطنها قبل تكبيرة الإحرام أو لا؟الحق عدم اعتبار ذلك لعدم الدليل عليه، فانّ ما ادعي من الإجماع بل الضرورة على اعتبار النيّة في الصلاة و غيرها من سائر العبادات، المتيقن منه هو أن لا يكون شي‌ء منها بغير داعي القربة، و أما اعتبارها في حدّ نفسها قبل‌



 (1) في ص 1.

(2) طٰه 20: 14.

(3) الكوثر 108: 2.

5
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........



العمل فلا دليل عليه، و إلّا كان اللازم جواز الاكتفاء بها و إن لم يأت بالأجزاء بداعي القربة. على أنّ الدليل قام على خلافه، حيث دلّ على أنّ أوّل الصلاة التكبير، و آخرها التسليم. فاحتمال الجزئية ساقط جزماً.و قد يقال: بسقوط الشرطية أيضاً، بتقريب أنّه لا ريب في صحة قولنا: أردت الصلاة فصليت، بلا عناية و لا تجوّز، و معه لا يمكن أن تكون النيّة مأخوذة لا جزءاً و لا شرطاً، لا في المسمى و لا في المأمور به، إذ على الأوّل يلزم اتحاد العارض و المعروض على الجزئية، و تقدم الشرط على نفسه على الشرطية. و على الثاني بما أنّ الإرادة ليست باختيارية يمتنع تعلّق الأمر بما لا يكون اختيارياً، سواء أ كان لعدم اختيارية جزئه، أم لعدم اختيارية شرطه. نعم، هي دخيلة في المصلحة و بذلك تمتاز الصلاة عن التوصلي.و لكنّه بمعزل عن التحقيق، أمّا أوّلًا: فلأنه خلط بين الإرادة بمعنى الشوق، و الإرادة بمعنى الاختيار، فإنّ الأول أمر غير اختياري، و هو ما يلائم الطبع من القوى الظاهرية أو الباطنية في قبال الكراهة التي هي ما ينافي الذوق كذلك، فانّ هذا ليس أمراً اختيارياً. و أما الثاني و هو طلب الخير، فهو و إن كانت مقدماته غير اختيارية إلّا أنّ نفسه اختياري و اختياريته بنفسه، و إلّا لزم الدور و التسلسل. و هكذا الحال في المشيئة في المبدأ الأعلى، فإنّ الأفعال الصادرة منه تعالى تكون بمشيئته، و أمّا نفس المشيئة فهي بنفسها. و قد بيّنا تفصيل الكلام حول ذلك في الأُصول في مبحث الطلب و الإرادة «1» و الأغلب في الاستعمال إنما هو المعنى الثاني أي طلب الخير دون الأوّل كما لا يخفى.و أمّا ثانياً: فلو سلّمنا أنّ الاختيار أيضاً غير اختياري، إلّا أنّ الممنوع إنما هو عدم اختيارية الجزء، و أمّا التقييد بأمر غير اختياري الذي هو معنى الشرط‌



 (1) محاضرات في أُصول الفقه 2: 36.

6
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........



فلا مانع منه «1» أ لا ترى أنّ الوقت و عدم الحيض و القبلة و نحوها أُمور غير اختيارية، و مع ذلك قد اشترط الصلاة بكل من ذلك، فإنّ إيقاع الصلاة في تلك الحالات أمر اختياري، فنفس الإرادة بمعنى الاختيار و إن فرض أنها أمر غير اختياري، إلّا أنّ إيقاع الصلاة عن إرادة و اشتراطها بذلك حيث إنه أمر اختياري، فلا مانع من أخذها شرطاً.و أمّا ثالثاً: فلأنّ هذا التقريب أجنبي عن المقام بالكلية، و ذلك لأنّ النيّة تطلق في مقامين.أحدهما: القصد إلى الفعل و العزم عليه، و هذا يشترك فيه العبادي و التوصلي فإنّه لا بدّ في كون الشي‌ء مصداقاً للواجب من أن يكون مقصوداً، و إلّا لم يكن مصداقاً للمأمور به. نعم، يمكن أن يدل الدليل على حصول الغرض و سقوط الواجب بذلك و هو أمر آخر. و البحث عن أنّ الإرادة اختيارية أو غير اختيارية إنما يتم على هذا المعنى.ثانيهما: الإتيان بالفعل بداعي الأمر و الانبعاث عن قصد التقرب، و هذا هو محل الكلام في أنه جزء أو شرط، و هو لا إشكال في كونه اختيارياً كما لا يخفى، سواء أقلنا بأنّ الإرادة أمر اختياري أو غير اختياري، و سواء أقلنا إنّ الشرط أمر اختياري أم لا، فانّ كل ذلك أجنبي عن المقام.فالحق أنّ النيّة إنما اعتبرت في الصلاة على نحو الشرطية لا غير.



 (1) هذا إنّما يتجه في شرط الوجوب لا الواجب كالنيّة في المقام، فانّ التقيد به داخل تحت الطلب كنفس الجزء، و ما كان كذلك لا بدّ و أن يكون القيد اختيارياً، كما صرّح (دام ظلّه) بذلك في مطاوي ما تقدّم من مباحث اللباس المشكوك [شرح العروة 12: 216].

7
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في النية ج 14 ص 8

[فصل في النيّة]

فصل في النيّة و هي القصد إلى الفعل بعنوان الامتثال و القربة (1)، و يكفي فيها الداعي القلبي، و لا يعتبر فيها الاخطار بالبال و لا التلفّظ، فحال الصلاة و سائر العبادات حال سائر الأعمال و الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و القيام و القعود و نحوها من حيث النيّة، نعم تزيد عليها باعتبار القربة فيها، بأن يكون الداعي و المحرّك هو الامتثال و القربة، و لغايات الامتثال درجات:



 (1) قد عرفت فيما مضى أنّ النيّة إنّما أُخذت في الصلاة على نحو الشرطية دون الجزئية، و عليه فيكفي فيها الداعي القلبي، بأن يكون إتيانه لها بداعي القربة و قصد الانبعاث عن الأمر، من دون فرق بين أوّل الصلاة و آخرها.و أمّا إخطار صورة الفعل في أُفق النفس و لو إجمالًا، و إحضارها في الذهن قبل الصلاة، ثمّ استمرارها حكماً كما عليه جمع، فلا دليل على ذلك بوجه.كما لا يلزم التلفظ بها، بل هو مكروه و موجب لإعادة الإقامة.و توهم أنّه مما يرجع إلى الصلاة، و قد دلّ الدليل على عدم قدح مثل هذا التكلّم، مدفوع بأنّ الدليل مختص بما يرجع إلى الجماعة من جهة تسوية الصفوف و نحوها، و إلّا كان اللازم عدم الكراهة بعد الإقامة بمثل قوله: لا تتكلّم معي فإنّي أُريد أن أُصلي، من جهة أوله إلى الصلاة و كونه من شؤونها، و هو كما ترى. فعموم كراهة التكلم بعد الإقامة شامل لمثل التلفظ بالنية.و كيف ما كان، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الداعي القلبي و إتيان الصلاة بداعي القربة، و للقربة مراتب و درجات حسبما أشار إليها في المتن.

8
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في النية ج 14 ص 8

أحدها: و هو أعلاها (1) أن يقصد امتثال أمر اللّٰه، لأنّه تعالى أهل للعبادة و الطاعة، و هذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: إلٰهي ما عبدتك خوفاً من نارك و لا طمعاً في جنّتك، بل وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك.

الثاني: أن يقصد شكر نعمة التي لا تحصى.

الثالث: أن يقصد به تحصيل رضاه و الفرار من سخطه.

الرابع: أن يقصد به حصول القرب إليه (2).

الخامس: أن يقصد به الثواب و رفع العقاب، بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه و تخليصه من النار.


 

(1) و أسماها، و لا ينالها إلّا الأوحدي، لخلوّها عن أيّة جهة ترجع إلى العبد.و مجمل القول حول هذه الدرجات: أنّ العبادة بما أنّها عمل اختياري صادر من عاقل مختار، و كل ما كان كذلك لا بدّ فيه من وجود غاية باعثة على ارتكاب العمل، فهذه الغاية في المقام إما أنّها ملحوظة في جانب العامل العابد، أو في ناحية المعبود.و الثاني إما أنّه لحاظ كماله الذاتي و أهليته للعبادة، و هو أرقى المراتب، أو من أجل حبّه الناشئ من نعمه و إحسانه. و الأوّل إمّا أنّه تحصيل رضاه، أو التقرّب منه، أو طمع في ثوابه، أو خشية من عقابه. (2) من الواضح جدّاً أنّ المراد بالقرب ليس هو القرب المكاني الحقيقي، بل و لا الادعائي التنزيلي، لوضوح أنّ القرب بين شيئين يتضمن التضايف بحيث أنّ أحدهما إذا كان قريباً كان الآخر أيضاً كذلك واقعاً أو تنزيلًا.و من البيِّن أنّه سبحانه قريب من جميع البشر، بل هو أقرب إلينا من حبل‌

9
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في النية ج 14 ص 8

و أمّا إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحته (1)، و ما ورد من صلاة الاستسقاء و صلاة الحاجة إنّما يصح إذا كان على الوجه الأوّل.



الوريد، و كل شي‌ء حاضر عنده حضوراً ذاتياً، بيد أنّ البعض منّا بعيد عنه لكونه غريقاً في الذنوب و الخطايا المستوجب لعدم توجهه و التفاته إليه، فهو قريب من عباده تنزيلًا، و هم بعيدون عنه.بل المراد من القرب الذي يتوخّاه العبد في عبادته هو طلب الحضور بين يدي الرب و الشهود عنده بحيث كأنه يراه و يشاهده شهوداً قلبياً لا بصرياً. و يستفاد من كثير من الأدعية و الروايات أنّ الغاية القصوى من العبادات هو لقاء اللّٰه تعالى، و الوصول إلى هذه المرتبة التي هي أرقى المراتب التي يمكن أن يصل إليها الإنسان، و ربما يتفق الوصول إليها بعد التدريب و مجاهدة النفس و التضلّع في العبادة المستتبعة بعد إزالة الملكات الخبيثة لصفاء القلب و قابليته لمشاهدة الرب و السير إليه، فيروم العابد بعبادته النيل إلى هذه المرتبة التي هي المراد من التقرب منه تعالى.

(1) بل لا ينبغي التأمل في البطلان، ضرورة أنّ الثواب أو دفع العقاب لا يترتّبان على ذات العمل لكي تصح المعاوضة و المبادلة بينهما، بل على العمل المتصف بالعبادية و الصادر بقصد الامتثال و الطاعة، فلو صلى ليدخل الجنة بطلت، إذ ليس لذات العمل هذا الأثر، بل المأتي به مضافاً إلى المولى. و مجرد قصد دخول الجنة لا يحقِّق الإضافة كما هو واضح، و إنما يتجه لو كان على سبيل الداعي على الداعي.و هكذا ما ورد في صلاة الاستسقاء أو الحاجة أو صلاة الليل، من الخواص و الآثار من طلب الرزق و نحوه، فإنّها لا تترتب على ذات الصلاة، بل المأتي بها‌

10
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 1يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج 14 ص 11

[مسألة 1: يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلًا متعدِّداً]

[1414] مسألة 1: يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلًا متعدِّداً و لكن يكفي التعيين الإجمالي كأن ينوي ما وجب عليه أوّلًا من الصلاتين مثلًا، أو ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلًا أو ثانياً، و لا يجب مع الاتحاد (1).

______________________________
بصفة العبادة، فلا يصح قصدها إلّا على النحو الذي عرفت.و بالجملة: الغايات المتقدمة من الثواب أو دفع العقاب أو شكر النعمة كلها غايات للامتثال و من قبيل الداعي على الداعي، لا يكاد يترتّب شي‌ء منها إلّا بعد اتصاف العمل بالعبادية، و الإتيان به بهذا العنوان، فبدونه و لو كان بنيّة صالحة كالتعليم فضلًا عن الرياء لا أثر له بوجه، فلو صلى أحد لا لكماله الذاتي، و لا لحبّه الناشئ من نعمه، و لا بداعي التقرب و إدراكه لذة الانس، بل لأمر آخر دنيوي أو أُخروي، لم يترتب عليه أيّ أثر، بل لا بدّ و أن تكون ثمّة واسطة بين العمل و بين تلك الغاية، و هي الإضافة إلى المولى على سبيل العبودية حسبما عرفت.

(1) قد يكون الثابت في الذمة تكليفاً واحداً، و قد يكون متعدداً.

فالأوّل: كما في صيام شهر رمضان حيث لا يصلح هذا الزمان لغير هذا النوع من الصيام، فيكفي فيه الإتيان بذات العمل مع قصد الأمر، فلو نوى في المثال صوم الغد متقرّباً كفى و لا حاجة إلى التعيين، بعد أن كان متعيناً في نفسه و غير صالح للاشتراك مع غيره ليفتقر إلى التمييز و التشخيص، و هذا ظاهر.

و أمّا الثاني: كما في صلاتي الظهر و العصر، فبما أنّ إحداهما تغاير الأُخرى ثبوتاً و إن اشتركتا في جميع الخصوصيات إثباتاً كما يكشف عن هذه المغايرة قوله (عليه السلام): «... إلّا أنّ هذه قبل هذه ...» «1» إلخ الدال على اعتبار‌

______________________________
 (1) الوسائل 4: 126/ أبواب المواقيت ب 4 ح 5.

11
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 1يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج 14 ص 11

..........

______________________________
الترتيب، و إلّا لم يكن مجال للاستثناء، لوضوح أنّ كل من يأتي بثمان ركعات فبطبيعة الحال تكون الأربع الأُولى قبل الأربع الثانية، كما أنّ الركعة الأُولى قبل الثانية، و هي قبل الثالثة و هكذا، فلو لم يكن تغاير و تباين ذاتي بينهما لم يكن وقع لهذا الكلام.

و أيضاً يكشف عنها: النصوص الواردة في العدول من اللاحقة إلى السابقة «1» كما لا يخفى.

فلا جرم لزم المتصدي للامتثال مراعاة عنوان العمل و قصد تعيينه مقدّمة لتحقيقه و امتثال أمره، فلو نوى ذات الأربع ركعات و لو متقرّباً من غير قصد عنوان الظهر و لا العصر بطل و لم يقع امتثالًا لشي‌ء منهما.

و بعبارة اخرى: إنّما يكتفى بقصد الأمر فيما إذا كان متعلقه ذات العمل، و أمّا إذا كان متعلقه العنوان كالظهرية لم يكن بدّ من قصده، و إلّا لم يكن المأتي به مصداقاً للمأمور به.

و من هذا القبيل فريضة الفجر و نافلته، حيث استكشفنا من اختلاف الآثار الّتي منها عدم جواز الإتيان بالنافلة لدى ضيق الوقت، أنّ لكل منهما عنواناً خاصّاً، فلو أتى بذات الركعتين من غير قصد شي‌ء من العنوانين بطل و لم يقع مصداقاً لشي‌ء منهما.و من هذا القبيل أيضاً الأداء و القضاء، حيث استفدنا من النصوص «2» الدالة على لزوم تقديم الحاضرة على الفائتة، أو أفضليته حسب الاختلاف في المسألة أنّ لكل منهما عنواناً به يمتاز عن الآخر، فلا مناص إذن من قصده، و بدونه لم يقع امتثالًا لشي‌ء منهما.

______________________________
 (1) راجع الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63. (2) الوسائل 4: 274/ أبواب المواقيت ب 57.

12
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

[مسألة 2: لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام]

[1415] مسألة 2: لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام (1) و لا الوجوب و الندب (2)، إلّا مع توقّف التعيين على قصد أحدهما.

______________________________
نعم، لو لم يكن للواجبين عنوان خاص، كما لو كان عليه قضاء يومين من شهر رمضان، أو استدان من زيد مرّتين فأصبح مديناً له بدرهمين، فحيث لا امتياز بين الفردين المشغولة بهما الذمّة حتى في صقع الواقع، و لم يتعلق الأمر إلّا بذات العمل من غير خصوصية للسابق أو اللّاحق، لم يلزمه قصد هذه الخصوصية في مقام الأداء.

فتحصّل: أنّ العبرة في لزوم التعيين بتعدد الواجب، و أن يكون لكل منهما عنوان به يمتاز عن الآخر، فلو لم يكن تعدد أو كان و لم يكن له عنوان خاص لم يلزمه ذلك.

(1) إذ اللّازم على المكلف إنّما هو الإتيان بذات المأمور به مع تعيينه فيما يحتاج إلى التعيين حسبما مرّ مع إضافته إلى المولى، و أمّا الزائد عليه من الخصوصيات الّتي تكتنف بالعمل من القصر و التمام، أو القضاء و الأداء، كالالتفات إلى بقيّة الأجزاء، فلم ينهض على اعتباره أيّ دليل، فلو لم يكن في ذمته إلّا الأداء تماماً، فقصد أربع ركعات بقصد الظهر صح و كفى، و إن لم يكن ملتفتاً إلى شي‌ء من الخصوصيتين تفصيلًا حين العمل.

(2) فإنّهما من كيفيات الأمر لا من خصوصيات المأمور به، و إن صحّ اتصافه بهما أيضاً، لكنه اسناد تبعي و الأصل فيه إنّما هو الأمر نفسه باعتبار اقترانه بالترخيص في الترك و عدمه، حيث ينتزع من الأوّل الاستحباب و من الثاني الوجوب.

و عليه فمجرّد الإتيان بالعمل بداعي الأمر كاف في تحقّق العبادة و إن لم يعلم‌

13
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صحّ إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق (1)

______________________________
أنّ الأمر المتعلق به وجوبي أو استحبابي، إذ لا دخل له لا في تحقق ذات المأمور به، و لا في إضافته إلى المولى.

و منه تعرف الحال في الأداء و القضاء، و أنّ المأمور به فيهما أيضاً حقيقة واحدة، غاية الأمر أنّ الأوّل مشروط بالوقوع في الوقت، و بعد خروجه و عدم امتثاله عصياناً أو نسياناً تلغو الخصوصية و يبقى الأمر بالطبيعة و لو بأمر جديد من غير أن يتقيد بالوقوع خارج الوقت، كيف و هو لازم عقلي و أمر ضروري غير اختياري لا بدّ منه، فلا موقع لمراعاة التقييد فيه.

و على الجملة: فالأداء شرط مأخوذ في الطبيعة كسائر الشرائط، كالطهارة من الخبث و الاستقبال و نحوهما، و هي برمّتها توصلية لا يعتبر الالتفات إليها تفصيلًا ليلزم قصدها.

و أمّا القضاء، فالأمر فيه أوضح، لما عرفت من أنّ خصوصية الوقوع خارج الوقت لم تكن قيداً شرعياً ملحوظاً في جانب المأمور به ليلزم قصده، و إنّما هو عقلي محض.

فتحصّل: أنّه لا تعتبر مراعاة شي‌ء من الخصوصيات المزبورة لا الأداء و القضاء، و لا القصر و التمام، و لا الوجوب و الندب، إلّا فيما إذا توقف التعيين عليه حسبما عرفت.

(1) فصّل (قدس سره) في مفروض المسألة بين ما إذا كان قصد الخصوصية من باب الاشتباه في التطبيق و بين ما إذا كان من باب التقييد، فحكم (قدس سره) بالصحة في الأوّل و البطلان في الثاني.

14
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

..........

 

______________________________
أقول: أمّا الأوّل، فظاهر الوجه، إذ بعد أن كانت الحقيقة واحدة و هي صلاة الفجر مثلًا، و كان لها أمر واحد على الفرض، فتخيّل المصلي أنّه استحبابي فبان أنّه وجوبي، أو أنّه أدائي فبان أنّه قضائي أو بالعكس، الراجع إلى الاشتباه في خصوصية من صفات الأمر أو المأمور به، لا مدخل له في صحة العبادة بعد اشتمالها على تمام ما هو المقوّم لها من ذات العمل مع قصد التقرّب كما هو المفروض و هذا واضح.

و أمّا الثاني، فغير واضح، بل في حيّز المنع، فانّ مستند البطلان هو أنّ المصلي بعد أن قيّد عمله بالخصوصية التي زعمها بحيث لو علم بفقدها لم يعمل لا أنّه يعمل على كل تقدير، غايته أنّه اشتبه في التطبيق كما في الصورة السابقة فهو في الحقيقة فاقد للنيّة بالإضافة إلى ما صدر منه لاندراجه في كبرى: ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

و لكنه كما ترى، لامتناع التقييد في أمثال المقام حسبما تكررت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح، ضرورة أنّه إنّما يتصور فيما هو قابل للتقييد كالمطلقات و الكليات التي هي ذات حصص و أصناف، كبيع منّ من الحنطة القابل للتقييد بكونها من المزرعة الفلانية.

و أمّا الجزئي الحقيقي و الموجود الخارجي كما في المقام فإنّه لا سعة فيه ليقبل التضييق و التقييد، فلو اعتقد أنّ زيداً صديقه فأكرمه فبان أنّه عدوّه، أو أنّ المال الفلاني يترقى فاشتراه ليربح فتنزّل، أو أنّ من في المحراب زيد فبان أنّه عمرو و هو لا يريد الاقتداء به و إن كان عادلًا فهذه الأفعال من الإكرام و الشراء و الاقتداء و منها الصلاة في محل الكلام، صادرة منه بالضرورة، و هي جزئيات خارجية لا يعقل فيها التقييد، فانّ الفاعل و إن كان بحيث لو علم بالخلاف لم يفعل إلّا أنّه بالأخرة فَعَل و صدر منه العمل، و هذا العمل الصادر جزئي حقيقي لا إطلاق فيه ليقبل التقييد. فلا جرم يكون التقييد المزعوم من‌

15
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

كأن قصد امتثال الأمر المتعلِّق به فعلًا و تخيّل أنّه أمر أدائي فبان قضائياً أو بالعكس، أو تخيّل أنّه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس، و كذا القصر و التمام (1) و أمّا إذا كان على وجه التقييد [1] فلا يكون صحيحاً، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلّا، أو الأمر الوجوبي ليس إلّا، فبان الخلاف فإنّه باطل.

______________________________
قبيل التخلّف في الداعي، و الاشتباه في التطبيق بطبيعة الحال، لأنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه، فهو مقصود لا محالة لا أنّه غير مقصود و إنّما الخطأ في الداعي الباعث على ارتكابه حسبما عرفت.فلا مناص من الحكم بالصحة في جميع هذه الموارد، و كيف لا يحكم بها في من صلّى نافلة الليل بزعم أنّ هذه ليلة الجمعة، أو زار الإمام (عليه السلام) كذلك بحيث لو كان يعلم أنّها ليلة أُخرى لم يصلّ و لم يزر، فانّ الحكم ببطلان الصلاة أو الزيارة كما ترى، ضرورة أنّ المعتبر في صحة العبادة إنّما هو الإتيان بذات العمل مع قصد التقرب، و قد فعل حسب الفرض، و معه لا مقتضي للبطلان بوجه. (1) عدّ هذا من باب الاشتباه في التطبيق غير واضح، فإنّ صلاة القصر مقيّدة بالتسليم على الركعتين و التمام بعدمه، فكل منهما مقيد بقيد مضادّ للآخر و من البيّن اعتبار قصد المأمور به بتمام أجزائه و لا يكفي البعض، غاية الأمر كفاية النيّة الإجمالية و لا يعتبر التفصيل، فلو جهل الوظيفة الفعلية و كانت الرِّسالة العملية موجودة عنده لا بأس حينئذ بالشروع بقصد ما في الذمّة، ثمّ‌

______________________________
 [1] لا أثر للتقييد فيما لا يعتبر فيه قصد العنوان و لو إجمالًا كالقصر و الإتمام و الوجوب و الندب و ما شاكلها، فانّ العبرة في الصحة في هذه الموارد إنّما هي بتحقق ذات المأمور به مع الإتيان بها على نحو قربي، نعم يصح ذلك في مثل الأداء و القضاء و نحوهما.

16
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج 14 ص 17

[مسألة 3: إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر]

[1416] مسألة 3: إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر يجوز له أن يعدل إلى التمام و بالعكس ما لم يتجاوز محل العدول، بل لو نوى أحدهما و أتمّ على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحّة، و لا يجب التعيين حين الشروع أيضاً (1).

______________________________
يراجع المسألة أثناء الصلاة و يسلّم في ظرفه اللّازم، كما لا بأس أيضاً لو ائتم بمقلّده مع علمه باتحادهما في الوظيفة فيسلّم بتبع تسليمه.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو نوى أحدهما ثم انكشف له أثناء العمل أنّ المأمور به غيره لم يجز، لفقد النيّة حتى الإجمالية فضلًا عن التفصيلية.

و بعبارة واضحة: من كانت وظيفته القصر مثلًا إذا قصد التمام، فقد نوى صلاة فاسدة لا أمر بها، و مقتضى ما تقدّم من لزوم قصد تمام الأجزاء من الأوّل هو الحكم بالبطلان، لأنّ المقصود غير مأمور به و المأمور به غير مقصود حتى إجمالًا بعد تغاير طبيعتي القصر و التمام، باعتبار اشتمال كلّ منهما على قيد مضادّ للآخر كما عرفت، و معه كيف يمكن إدراج المقام في باب الاشتباه في التطبيق.

و نظير المقام ما سيأتي «1» من أنّه لو نوى الظهر بزعم عدم الإتيان بها ثمّ انكشف إتيانها، ليس له العدول إلى العصر بدعوى كونه من باب الاشتباه في التطبيق و أنّه قاصد للأمر الفعلي، إذ كيف يكون كذلك مع أنّه لم يكن قاصداً لعنوان العصر لا إجمالًا و لا تفصيلًا، حتى مع الغض عن عدم جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة، لكن الاشكال مبني على تغاير طبيعتي القصر و التمام و ستعرف أنّهما طبيعة واحدة، فلا إشكال.

(1) إذ المفروض أنّ متعلق الأمر في هذه الأماكن هو الجامع بين بشرط لا‌

______________________________
(1) في ص 79 المسألة [1437].

17
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج 14 ص 17

نعم، لو نوى القصر فشكّ بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين (1) يشكل العدول إلى التمام و البناء على الثلاث، و إن كان لا يخلو من وجه، بل قد يقال [1] بتعيّنه، و الأحوط العدول و الإتمام مع صلاة الاحتياط و الإعادة.

______________________________
و بشرط شي‌ء، فلم تكن الخصوصية واجبة من أوّل الأمر لتحتاج إلى التعيين نظير السورة الواجبة في الصلاة بعد الحمد، حيث إنّ الواجب طبيعيها، فلا يجب تعينها منذ الشروع في الصلاة، بل لو عيّن آن ذاك له العدول بعد ذلك، كما أنّ له العدول في المقام أيضاً ما دام المحل باقياً، لما عرفت من خروج الخصوصية عن حيّز الأمر، و عدم تعلقه إلّا بالطبيعي الجامع بين ذات ركعتين و ذات الأربع.و منه تعرف أنّه لو نوى أحدهما و أتمّ على الآخر غفلة و من غير التفات إلى العدول صح، للإتيان بالمأمور به على وجهه من غير خلل فيه. (1) فهل يحكم حينئذ ببطلان الصلاة لبطلان الشك المزبور في الصلاة الثنائية أو بجواز العدول إلى التمام المستلزم لانقلاب الشك إلى الصحيح، لوقوعه في صلاة رباعية فيتم بعد البناء على الثلاث و يأتي بركعة الاحتياط، أو بوجوبه حذراً عن قطع الصلاة المحرّم؟ وجوه:أمّا البطلان و عدم المجال للعدول فيستدل له:تارة: بإطلاق ما دلّ على البطلان في الشك في الثنائية.و فيه: أنّ الشك بنفسه لم يكن مبطلًا كالحدث، و إنّما الممنوع المضي عليه و من ثمّ لو تروّى ثمّ ظنّ بأحد الطرفين بنى عليه، و من البيّن أنّه بعد العدول و البناء على الأكثر لم يكن ثمّة مضي على الشك في صلاة ثنائية لانعدام الموضوع.

______________________________
 [1] و هو الأوجه بناءً على شمول دليل حرمة قطع الصلاة لمثل المقام.

18
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج 14 ص 17

..........

______________________________
و اخرى: باختصاص مورد العدول بما إذا تمكن المصلي من إتمام الصلاة المعدول عنها كي يعدل من صلاة صحيحة إلى مثلها، و أمّا إذا لم يتمكّن لفسادها في نفسها مع قطع النظر عن العدول، فمثله غير مشمول لأدلته. و من ثمّ لو شكّ في صلاة الفجر بين الثنتين و الثلاث بعد الإكمال ليس له العدول إلى فائتة رباعية بضرورة الفقه.

و فيه: أنّ هذا إنّما يتّجه فيما إذا كان العدول ثابتاً بدليل خاص كالعدول من الحاضرة إلى الفائتة و نحو ذلك، لا ما كان ثابتاً بمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى دليل خاص كالمقام، حيث قد عرفت أنّ متعلق الأمر إنّما هو الجامع بين الثنائية و الرباعية، و التطبيق على الأوّل كان باختيار المكلّف لا بجعل من الشارع فهو لا يزال مكلفاً بذاك الجامع، إذن فما هو المانع من شمول أدلّة البناء على الأكثر لمثل ذلك، فانّ الخارج عنها إنّما هي الصلاة الثنائية حسب الجعل الشرعي لا الاختيار الشخصي، فله رفع اليد و اختيار الفرد الآخر و البناء فيه على الأكثر.

و نحوه ما لو كان بانياً على القصر فشكّ بين الثلاث و الأربع، فإنّ المأمور به لمّا كان هو الجامع فله العدول إلى الرباعية و البناء على الأكثر حسبما عرفت.

و أمّا وجوب العدول حذراً عن القطع المحرم، ففيه: أنّ دليل القطع لو تمّ فإنّما هو الإجماع، و مورده ما إذا كانت الصلاة صحيحة في نفسها مع قطع النظر عن العدول، لا ما إذا تمكن من تصحيحها بالعدول.

و بعبارة اخرى: مورد الحرمة ما إذا كان البطلان مستنداً إلى القطع، بحيث لولاه لكانت صلاة صحيحة في حدّ ذاتها، و لا يعمّ ما لو كانت الصحة متوقفة على أمر آخر اختياري كما في المقام.

فتحصّل: أنّ الأظهر إنّما هو الوجه الثاني.

19
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا ج 14 ص 20

 [مسألة 4: لا يجب في ابتداء العمل حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلًا]

[1417] مسألة 4: لا يجب في ابتداء العمل حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلًا، بل يكفي الإجمال (1) نعم، يجب نيّة المجموع من الأفعال جملة أو الأجزاء على وجه يرجع إليها، و لا يجوز تفريق النيّة (2) على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة، كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية.

[مسألة 5: لا ينافي نيّة الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة]

[1418] مسألة 5: لا ينافي نيّة الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة (3)، و لا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة، و لا تجديد النيّة على وجه الندب حين الإتيان بها.

______________________________
 (1) كأن ينوي ما أمره اللّٰه تعالى به من الأجزاء، لعدم الدليل على اعتبار الأزيد من ذلك. (2) لأنّ المأمور به لمّا كان هو المركب و هو عين الأجزاء بالأسر، فلا يتصف شي‌ء منها بالجزئية إلّا شريطة الانضمام بسائر الأجزاء، فلا يكفي لحاظه مستقلا لعرائه عن الأمر المانع عن صلاحية الإضافة إلى المولى، فلو قصد التكبيرة فقط ثمّ بدا له و قصد القراءة و هكذا، لم يتحقق به الامتثال. (3) لأنّ الفرد المشتمل عليها مصداق للطبيعة الواجبة، غاية الأمر أنّه أفضل الأفراد، نظير الصلاة في المسجد أو أوّل الوقت و نحو ذلك من الخصوصيات الّتي تستوجب مزيّة الفرد و أفضليّته عن الفاقد لها.هذا بناءً على تصوير الجزء الاستحبابي، و أمّا بناءً على إنكاره و عدم إمكانه لا بالنسبة إلى الفرد و لا الماهية كما هو الصواب على ما حقّق في الأُصول «1»‌

______________________________
 (1) مصباح الأُصول 3: 300.

20
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6الأحوط1 ترك التلفظ بالنية في الصلاة ج 14 ص 21

 [مسألة 6: الأحوط (1) ترك التلفظ بالنيّة في الصلاة]

______________________________

[1419] مسألة 6: الأحوط (1) ترك التلفظ بالنيّة في الصلاة خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك (2)، و إن كان الأقوى الصحة معه [1] (3).
و انّ ما يتراءى منه ذلك كالقنوت فهو مستحب نفسي ظرفه الواجب، فالأمر أوضح.

(1) منشأ الاحتياط ما يراه (قدس سره) من وجوب الإقامة و احتمال بطلانها بالتكلم و احتياجها إلى الإعادة، و عليه فيختص بغير موارد سقوطها، إذ لا مانع حينئذ من التلفظ بوجه.

و لكنّه (قدس سره) مع ذلك أفتى بالصحة، نظراً إلى انصراف دليل البطلان عن مثل هذا التكلم الراجع إلى شؤون الصلاة، كالأمر بتعديل الصفوف على ما نطق به بعض النصوص «1»، حيث يستفاد منه حكم كلِّي منطبق على المقام و غيره و قد تقدّم ما فيه «2».و كيف ما كان، فحيث إنّا لا نرى وجوب الإقامة فلا حاجة إلى هذا الاحتياط و إن كان الأولى ترك التلفظ كما مرّ.

(2) لاحتمال كونها جزءاً متمّماً على تقدير النقص، المستلزم لكون التلفّظ بالنيّة تلفظاً أثناء الصلاة.

(3) لما يرتئيه (قدس سره) من أنّها صلاة مستقلة، و إن شرّعت لتدارك النقص المحتمل، هذا.

______________________________
 [1] الأقوى عدم الصحة معه في صلاة الاحتياط.

______________________________
 (1) راجع الوسائل 8: 422/ أبواب صلاة الجماعة ب 70.

(2) شرح العروة 13: 355.

21
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه ج 14 ص 22

[مسألة 7: من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقّنه]

[1420] مسألة 7: من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقّنه (1) فيأتي بها جزءاً فجزءاً، و يجب عليه أن ينويها أوّلًا على الإجمال (2).

[مسألة 8: يشترط في نيّة الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء]

[1421] مسألة 8: يشترط في نيّة الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء، فلو نوى بها الرياء بطلت، بل هو من المعاصي الكبيرة، لأنّه شرك باللّٰه تعالى (3).

______________________________
و لكنّ المختار عندنا لمّا كان هو الاحتمال الأوّل، أي أنّ صلاة الاحتياط جزء متمّم للصلاة الأصلية على تقدير نقصها، فلا جرم كان الأقوى ترك التلفّظ حذراً عن احتمال وقوعه أثناء الصلاة من غير مؤمّن كما لا يخفى. (1) فإنّه من أنحاء القدرة الواجب عليه تحصيلها بعد وضوح كونها أعم من المباشرة بنفسه أو بواسطة التلقين. (2) حسبما تقدّم «1». (3) المشهور بين الفقهاء إن لم يكن إجماعاً اعتبار الخلوص في الصلاة بل مطلق العبادات، فلو نوى بها الرياء بطلت، بل كان آثماً لكونه من المعاصي الكبيرة، و قد عبّر عنه بالشرك في لسان الأخبار، و هذا في الجملة مما لا إشكال فيه، و لم ينقل الخلاف فيه عن أحد عدا السيّد المرتضى (قدس سره) في الانتصار القائل بالحرمة دون البطلان «2»، و خلافه ناظر إلى بعض الأقسام مما يرى فيه عدم التنافي بين الرياء و قصد القربة كما في الضميمة على ما سيجي‌ء تفصيلها «3» و إلّا فاعتبار القربة في العبادات لعلّه من الضروريات الّتي لا تقبل الإنكار.

______________________________
 (1) في ص 20.

(2) الانتصار: 100/ المسألة 9.

(3) في ص 41.

22
موسوعة الإمام الخوئي14

ثم إن دخول الرياء في العمل على وجوه ج 14 ص 23

 [ثمّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه]

ثمّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه:

[أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس]

أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس (1) من دون أن يقصد به امتثال أمر اللّٰه تعالى، و هذا باطل بلا إشكال، لأنّه فاقد لقصد القربة أيضاً.

[الثاني: أن يكون داعيه و محرِّكه على العمل القربة]

الثاني: أن يكون داعيه و محرِّكه على العمل القربة و امتثال الأمر و الرياء معاً، و هذا أيضاً باطل، سواء كانا مستقلّين أو كان أحدهما تبعاً و الآخر مستقلا، أو كانا معاً و منضمّاً محرّكاً و داعياً (2).

______________________________
و كيف كان، فأصل الاعتبار المستلزم لبطلان العبادة المراءى فيها ممّا لا غبار عليه، و قد تظافرت به الروايات التي عقد لها في الوسائل باباً مستقلا «1» إنّما الكلام في بعض خصوصيات المطلب و ستعرف الحال فيها في التعاليق الآتية. (1) بأن يكون الداعي الوحيد هو الرياء فحسب و لا يقصد به طاعة الربّ بوجه، و البطلان في هذا القسم ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف حتى من السيّد المرتضى، لفقد قصد القربة المعتبر في صحة الصلاة، فإنّ كون الصلاة عبادة و افتقار العبادة إلى قصد التقرب كاد أن يكون من الواضحات التي لا مرية فيها.

(2) و هذا القسم أعني ضمّ قصد الرياء إلى القربة ينحل إلى صور أربع:

إحداها: أن يكون الباعث على ارتكاب العمل و المحرِّك نحوه مجموع القصدين فكل منهما جزء من المؤثر بحيث لو انعزل أحدهما عن الآخر لما ترتب الأثر لقصور كل منهما وحده عن صلاحية الدعوة و التحريك، فلا يكون الداعي إلّا مجموع القصدين على صفة الانضمام.الثانية: أن يكون كل منهما مستقلا في التأثير في حدّ نفسه، بحيث لو انفرد‌

______________________________
 (1) راجع الوسائل 1: 70/ أبواب مقدمة العبادات ب 12.
 

23
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة ج 14 ص 23

..........

______________________________
عن الآخر كان تامّ الداعوية و صالحاً للتحريك، و إن كان التأثير الفعلي مستنداً إلى مجموع الأمرين لا خصوص كل منهما من جهة استحالة توارد علّتين على معلول واحد.

الثالثة: أن يكون الداعي الإلهي أصيلًا و الريائي تابعاً.

الرابعة: عكس ذلك.

لا ريب في البطلان في الصورة الاولى، من جهة الإخلال بقصد التقرب المعتبر في صحّة العبادة، إذ المعتبر فيها أن يكون الانبعاث نحو العمل عن قصد الأمر، و المفروض في المقام عدمه، لقصور هذا الداعي عن صلاحية الدعوة في حدّ نفسه على الفرض، فالبطلان في هذه الصورة على طبق القاعدة و لو لم يكن نص في البين، كما لا ريب في البطلان في الصورة الأخيرة كما هو واضح.

و أمّا الصورة الثانية، فمقتضى القاعدة الصحة، إذ لا يعتبر في اتصاف العمل بالعبادية أكثر من صدوره عن داعٍ قربي مستقل في الداعوية في حدّ نفسه المتحقق في الفرض، و لم يعتبر عدم اقترانه بداع آخر و لو كان مستقلا في الدعوة، فالمناط بلوغ الباعث الإلهي حدّا يصلح للدعوة التامّة من دون قصور فيها، سواء اقترن بداع آخر أم لا.

و من هنا يحكم بصحة الغسل مثلًا و لو كان قاصداً للتبريد أيضاً، على نحو يكون كل منهما في حدّ نفسه مستقلا في التحريك، كما يحكم بصحة الصوم ممّن له كرامة في المجتمع بحيث لا يكاد يتجاهر بالإفطار في شهر رمضان و لو لم يكن هناك رادع إلٰهي، تحفظاً على كرامته و مقامه.

و بالجملة: حيث إنّ الضميمة المزبورة لا ينثلم بها قصد التقرب المعتبر في العبادة، و لا توجب خللًا في صدق الطاعة، فمقتضى القاعدة الصحة في هذه الصورة.

24
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة ج 14 ص 23

..........

______________________________
و بطريق أولى في الصورة الثالثة كما لا يخفى، من دون فرق بين المقام و غيره من سائر الضمائم ممّا تكون الضميمة من هذا القبيل، أي كانت مستقلّة في التحريك كقصد القربة، أو كانت تابعة و التقرّب أصيلًا.

لكنّا خرجنا عنها في خصوص المقام أعني الرياء بمقتضى النصوص المتظافرة الدالّة بإطلاقها على البطلان حتى في هاتين الصورتين فضلًا عن غيرهما، و هي كثيرة جدّاً قد عقد لها في الوسائل باباً مستقلا و أكثرها مرويّة عن المحاسن نذكر بعضها:

فمنها: صحيحة زرارة و حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: لو أنّ عبداً عمل عملًا يطلب به وجه اللّٰه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً» «1».

و صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: يقول اللّٰه عزّ و جلّ: أنا خير شريك فمن عمل لي و لغيري فهو لمن عمله غيري» «2». و نحوهما غيرهما. فانّ المراد بالشرك الشرك في العبادة دون الربوبية كما هو واضح، و من أظهر آثاره الحرمة، فإذا كان حراماً بطل، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

و من الواضح أنّ إدخال رضا أحد من الناس صادق حتى فيما إذا كان الرياء تابعاً، فضلًا عما إذا كان مستقلا في التحريك في عرض الباعث الإلهي، و كذا قوله: «فمن عمل لي و لغيري» في الرواية الأخيرة، فالروايتان و غيرهما تشمل جميع الصور المتقدمة، فيحكم بالبطلان من أجلها.

______________________________
 (1) الوسائل 1: 67/ أبواب مقدمة العبادات ب 11 ح 11، المحاسن 1: 212/ 384.

(2) الوسائل 1: 72/ أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 7، المحاسن 1: 392/ 875.

25
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

 [الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضاً باطل]

الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضاً باطل، و إن كان محل التدارك باقياً، نعم في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن و الأذان و الإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختصّ البطلان به، فلو تدارك بالإعادة صح (1).

______________________________
 (1) أمّا نفس الجزء فباطل بلا ارتياب لصدوره رياءً حسب الفرض، و بتبعه تفسد الصلاة أيضاً، سواء تداركه مع بقاء محل التدارك أم لا، للإخلال بها من جهة النقيصة أو الزيادة كما لا يخفى.

و عن المحقق الهمداني «1» الصحة في فرض التدارك، بدعوى انصراف أدلة الزيادة عن مثل المقام، فإنّها خاصة بما إذا أحدث الزائد و لا تعمّ ما لو أوجد صفة الزيادة لما تحقق سابقاً، و المقام من هذا القبيل فإنّه لو اقتصر على الجزء المراءى فيه فالعمل فاسد من جهة النقص، و لو تداركه أوجب ذلك اتصاف الجزء السابق بالزيادة من هذا الحين بعد ما لم يكن كذلك ابتداء.

و قد ذكر (قدس سره) «2» نظير ذلك فيما لو أتى بجزء من الآية ثمّ رفع اليد عنه و استأنفها، كما لو قال مال ثمّ قال مالك يوم الدِّين، فإنّ الثاني و إن أوجب اتصاف الأوّل بالزيادة، لكن مثلها غير مبطل بلا إشكال، و المقام من هذا القبيل، هذا.

و الذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّ الجزء المراءى فيه إن كان من سنخ السجود و الركوع، فلا ينبغي الشك في بطلان الصلاة حينئذ، سواء أتى به بقصد الجزئية أم لا، لعدِّه حينئذ من الزيادة المبطلة، كما يفصح عنه ما ورد من النهي‌

______________________________
 (1) مصباح الفقيه (الصلاة): 238 السطر 10. (2) مصباح الفقيه (الصلاة): 540، السطر 15.

26
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

..........

______________________________
عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللًا باستلزامها سجود التلاوة و أنّه زيادة في المكتوبة «1»، مع أنّ سجدة التلاوة لم يؤت بها بقصد الجزئية، فكأنها حاكمة على أدلّة الزيادة المبطلة و مفسّرة لموضوعها، و أنّه عام يشمل حتى مثل ذلك و إن لم يقصد به الجزئية.

و أمّا إن كان من سنخ الأذكار كالقرآن و الدعاء و نحوهما، فان كان بقصد الجزئية، كما لو راءى في فاتحة الكتاب المأتي بها بقصد كونها من الصلاة فالأقوى حينئذ البطلان أيضاً، لصدق الزيادة العمدية المبطلة، إذ لا معنى للزيادة سوى الإتيان بشي‌ء بقصد كونه من الصلاة و لم يكن منها. و دعوى انصراف الأدلّة عن مثله كما تقدّم عن المحقق الهمداني (قدس سره) غير مسموعة.

و أمّا إذا لم يقصد به الجزئية، كما لو قرأ بعد الحمد مثلًا سورة الجمعة بقصد القرآنية رياءً و بعدها أتى بسورة أُخرى قاصداً بها الجزئية، فهل تبطل الصلاة حينئذ؟ إشكال ينشأ من شمول أدلّة مبطلية الكلام لمثله و عدمه.

اختار جمع منهم شيخنا الأُستاذ (قدس سره) الأوّل «2»، بدعوى أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ كل تكلم عمدي فهو مبطل للصلاة، و إنّما الخارج عنه بالتخصيص ما كان ذكراً أو قرآناً أو دعاءً مأموراً به وجوباً أو استحباباً، فغير المأمور به من هذه الأُمور داخل في عموم قوله (عليه السلام): «مَن تكلّم في صلاته متعمداً فعليه الإعادة» «3». و لا شك أنّ المأتي به رياءً من هذه الأُمور حيث إنّه محرّم فهو خارج عن عنوان المخصص و مشمول لعموم العام، فيكون مبطلًا.

______________________________
(1) راجع الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40.

(2) كتاب الصلاة 2: 18، 19.

(3) الوسائل 7: 281/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2 (نقل بالمضمون).

27
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

..........

______________________________
هذا، و لكنّ الأقوى الثاني، لقصور الأدلة المزبورة عن الشمول للمقام، فانّ المبطل من الكلام خاص بكلام الآدمي كما قيّد بذلك في كلمات الفقهاء، و سيجي‌ء بيانه في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى «1»، و لا ريب أنّ الذكر أو الدعاء أو القرآن خارج عن موضوع كلام الآدمي و إن كان محرّماً، فهو قرآن أو ذكر أو دعاء محرّم و لا يعدّ من كلام الآدمي في شي‌ء، و اختلاف الحكم من كونه مأموراً به و عدمه لا يؤثِّر في ذلك شيئاً، فهي خارجة عن الكلام المبطل خروجاً موضوعياً، و النسبة نسبة التخصص دون التخصيص.

فالأقوى: أنّ هذه الأُمور المأتي بها رياءً إنما تبطل الصلاة إذا كانت بعنوان الجزئية من جهة استلزام الزيادة حينئذ كما عرفت، دون ما إذا لم يقصد بها الجزئية، إلّا إذا استلزم الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة، كما إذا قرأ سورة طويلة رياءً، فإنّها توجب البطلان حينئذ من هذه الجهة و إن لم يقصد بها الجزئية.

و على الجملة: الرياء في الجزء بما هو كذلك لا يقتضي إلّا فساده في حدّ نفسه و إنّما يسري إلى الصلاة فيما إذا استلزم عروض عنوان آخر يقتضي الفساد، إما من جهة الزيادة، أو محو الصورة، أو التكلم العمدي على القول به كما عرفت هذا كلّه في الصلاة.

و أمّا فيما عداها من سائر العبادات ممّا لا تكون الزيادة مبطلة لها كالوضوء و الغسل و نحوهما، فلا موجب للبطلان أصلًا. فلو غسل يده اليمنى مثلًا رياءً حتى بقصد الجزئية ثم ندم فتداركه بقصد التقرب صحّ مع مراعاة الموالاة، لعدم كون الزيادة مبطلة في غير الصلاة.

نعم، هناك وجه آخر للبطلان لو تمّ لعمّ و شمل جميع أقسام العبادات، و هو‌

______________________________
 (1) في ص 293، شرح العروة 15: 445 شرح المسألة [1710].

28
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

..........

______________________________
التمسك بإطلاق قوله (عليه السلام): في الصحيحة المتقدمة «1» «و أدخل فيه رضا أحد من الناس» حيث إنّ مفاده أنّ كل عمل تضمّن الرياء و رضا أحد من الناس و لو باعتبار جزئه كان باطلًا، لسراية الفساد الناشئ من الرياء إلى الكل كسراية النار في القطن، فينتج فساد الوضوء في الفرض المزبور فضلًا عن الصلاة و كذا غيرهما من سائر العبادات.

لكن هذا الوجه مبني على أن يكون المراد من كلمة «فيه» في الصحيحة مطلق الظرفية، و من الواضح عدم إمكان الالتزام بذلك، و إلّا لزم القول بفساد الوضوء أو الصوم فيما لو قرأ في الأثناء سورة أو دعاءً أو ذكراً رياءً، لصدق إدخال رضا الناس فيه و كونه ظرفاً للرياء و إن كان مبايناً مع المظروف وجوداً و ماهية.

و هكذا يلزم فساد الحج لو أتى ببعض أجزائه رياءً كالطواف أو السعي و نحوهما و إن تداركه في محلّه، لصدق الظرفية، و هو كما ترى لا يمكن الالتزام به سيّما في الحج، بل هو غير محتمل جزماً كما صرّح به المحقق الهمداني في الحج و في الوضوء «2».

و على الجملة: ليس المراد بالظرفية معناها الواسع، بحيث يشمل كون العمل الصادر منه وعاءً لعمل آخر صادر لغير اللّٰه، بل المراد نفي الخلوص و تشريك غيره معه تعالى في العبادة، بحيث يصدر العمل الوحداني عن داع إلٰهي و داع ريائي، كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) بعد ذلك «كان مشركاً» المفقود فيما نحن فيه، بعد فرض التدارك، فلا جرم يختص البطلان بالجزء الذي راءى فيه و لا يعمّ غيره.

______________________________
(1) في ص 25.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 239 السطر 10.

29
موسوعة الإمام الخوئي14

الرابع أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء ج 14 ص 30

[الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبّة الرياء]

الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبّة الرياء كالقنوت في الصلاة و هذا أيضاً باطل على الأقوى [1] (1).

______________________________
و الحاصل: أنّ مجرّد الظرفية لا يستوجب الاتصاف بالمشركية إلّا بضرب من التجوّز و العناية باعتبار ملاحظة مجموع العمل، و من البيّن أنّه لا عبرة بهذا الاسناد المجازي، لعدم منعه عن صدق صدور تمام أجزاء العبادة بأسرها عن داع قربي لا غير و إن قورنت مع عمل آخر غير قربي.

فتحصّل: أنّ بطلان الجزء لا يسري إلى الكل فيما إذا تدورك و كان مصوناً عن محذور آخر في كافّة العبادات من الصلاة و غيرها حسبما عرفت.

(1) فيه نظر بل منع حتى لو بنينا على السراية في الجزء الوجوبي، لما ذكرناه في الأُصول «1» من أنّ الجزء المستحب غير معقول، سواء أُريد به جزء الماهية أم جزء الفرد، ضرورة أنّ افتراض الجزئية مساوق لافتراض الدخل في الطبيعة و تقوّمها به، و هو مضاد لمفهوم الاستحباب الذي معناه عدم الدخل و جواز الترك.

و ما يتراءى منه ذلك كالقنوت في الصلاة يراد به أنّه عمل مستقل ظرفه الواجب، كالأدعية المأثورة للصائم أو للناسك، فهو مزيّة خارجية تستوجب كون الفرد المشتمل عليها أفضل الأفراد، و التعبير عنه بالجزء المستحب مبني على ضرب من التوسّع و المسامحة. و قد عرفت أنّ مجرّد الظرفية لا يستلزم السراية و لا يقتضي البطلان إلّا إذا قورن بموجب آخر له من الفصل الطويل الماحي للصورة، أو الموجب لفوات الموالاة و نحو ذلك. إذن فما ذكره في المتن محل إشكال بل الأظهر هو عدم البطلان.

______________________________
[1] فيه إشكال، و الأظهر عدم البطلان.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 300.

30
موسوعة الإمام الخوئي14

الخامس أن يكون أصل العمل لله ج 14 ص 31

[الخامس: أن يكون أصل العمل للّٰه]

الخامس: أن يكون أصل العمل للّٰه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء، كما إذا أتى به في المسجد أو بعض المشاهد رياءً (1) و هذا أيضاً باطل على الأقوى (2).

______________________________
و المتحصّل من جميع ما مرّ: أنّ الرياء في الجزء مطلقاً لا يترتب عليه إلّا فساده، و لا يسري إلى المركب إلّا مع طروء عنوان آخر موجب للفساد من زيادة أو نقيصة أو فقدان شرط و نحو ذلك.

(1) فكان الرياء فيما هو خارج عن ذات العمل كلا أو جزءاً من الخصوصيّات الفردية المكانية أو الزمانية أو المكتنفة كما سيجي‌ء.

(2) إذ الخصوصية المفرّدة مصداق للطبيعة و محقّق لها، و من الضروري أنّ الكلي الطبيعي متحد مع مصداقه خارجاً، و موجودان بوجود واحد، يضاف مرّة إلى الطبيعة، و أُخرى إلى الفرد، فليست الصلاة الموجودة في الخارج شيئاً آخر مغايراً مع الصلاة في هذا المكان ليكونا موجودين بوجودين، و لا يسري الفساد من إحداهما إلى الأُخرى، بل بينهما الاتحاد و العينيّة، فلا جرم يحكم بالفساد، إذ المبغوض لا يكون مقرّباً، و الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

و كذلك الحال فيما بعده من الأمثلة، فإنّ الكل من سنخ الخصوصيّات المكانية التي يرجع الرياء فيها إلى الرياء في نفس العمل الواجب حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا راءى في الصلاة في هذا المكان، بأن كان مصبّ الرياء و مركزه هو مصداق الطبيعة بالذات، أعني الصلاة الكذائية.

و أمّا لو راءى في مجرّد الكون في هذا المكان، بأن تعلّق قصده الريائي بصرف البقاء في المسجد و اللّبث فيه أو في أحد المشاهد المشرّفة ليري الناس أنّه من أهل التقوى المعظِّمين لشعائر اللّٰه، و في خلال ذلك صلّى خالصاً لوجهه، فلا موجب‌

31
موسوعة الإمام الخوئي14

الخامس أن يكون أصل العمل لله ج 14 ص 31

و كذا إذا كان وقوفه في الصفّ الأوّل من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياءً.

[السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان]

السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان، كالصلاة في أوّل الوقت رياءً و هذا أيضاً باطل على الأقوى (1).

[السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل]

السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل، كالاتيان بالصلاة جماعة أو القراءة بالتأنّي أو بالخشوع أو نحو ذلك، و هذا أيضاً باطل على الأقوى (2).

______________________________
حينئذ للحكم بالفساد، لخروج الرياء عن حريم المأمور به و عدم مسّه بكرامته فلا اتحاد و لا عينية، غايته أنّه راءى في مقارنات العمل، و مثله لا ضير فيه كما سيجي‌ء.

(1) لاشتراك الخصوصية الزمانية مع المكانية في مناط البحث فيجري فيه ما مرّ بعينه و لا نعيد.

(2) لما عرفت من انطباق الطبيعة المتحدة وجوداً مع مصداقها على الفرد الريائي.

نعم، لمّا كان الخضوع و الخشوع، أو البكاء أو التباكي من الأفعال الاختيارية المقارنة للصلاة و لم تكن متحدة معها كالجماعة و الفرادى، فيمكن تصوير الرياء فيها على نحو لا يسري إلى الصلاة، بأن تعلّق قصده بالصلاة خالصاً لوجهه تعالى ثم بدا له أن يبكي أو يخشع، بحيث كان ذلك بنفسه موضوعاً مستقلا للرياء، لا أنّه من الأوّل قصد الصلاة المتصفة بالخشوع الريائي، فحينئذ لا موجب للفساد و إن ارتكب الإثم.

و عليه فينبغي التفصيل في الخشوع الريائي و أشباهه بين ما إذا تعلّق القصد‌

 

 

32
موسوعة الإمام الخوئي14

الثامن أن يكون في مقدمات العمل ج 14 ص 33

[الثامن: أن يكون في مقدّمات العمل]

الثامن: أن يكون في مقدّمات العمل، كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد، و الظاهر عدم البطلان في هذه الصورة (1).

[التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة]

التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة، و هذا لا يكون مبطلًا إلّا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنّكاً (2).

[العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّٰه]

العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّٰه، لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس و الظاهر عدم بطلانه أيضاً (3)

______________________________
بهذا الفرد الخاص من الصلاة فتبطل، إذ الطبيعة و إن كانت مقصودة للّٰه إلّا أنّها لمّا كانت متحدة مع فردها خارجاً فلا جرم يسري الفساد منه إليها، و بين ما إذا خشع أو بكى في ضمنها رياءً، فلا يسري لعدم الاتحاد.

(1) لوضوح أنّ المقدمات أُمور خارجة عن العمل، فلا مقتضي للسراية.

(2) كما ظهر وجهه في كلتا الصورتين ممّا قدمناه في الخشوع، من الاتحاد مع الطبيعة تارة و عدمه اخرى، فلاحظ و لا نعيد.

(3) فانّ صفة العجب و إن كانت منقصة ينبغي للمؤمن الحقيقي تنزيه نفسه عنها، إلّا أنّها لا تستوجب البطلان بعد فرض صدور العمل بكامله خالصاً لوجهه الكريم، سيّما و إنّها عامّة البلوى لا ينجو منها إلّا الأوحدي و العارف الحقيقي الذي لا يهمّه مدح الناس أو قدحهم، و كل همّه طلب مرضاته سبحانه و إلّا فغالب الناس تعجبهم عباداتهم و يدخلهم السرور من رؤية الناس، و يحبّون أن يُمدحوا بها، و يعرفوا بين الناس بأنّهم من المتعبّدين و من عباد اللّٰه الصالحين لكن مجرّد ذلك لا دليل على قدحه في صحّة العبادة، بل قد دلّت على عدم القدح صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد إلّا و هو‌

 

 

33
موسوعة الإمام الخوئي14

العاشرأن يكون العمل خالصا لله ج 14 ص 33

كما أنّ الخطور القلبي لا يضرّ (1) خصوصاً إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور (2) و كذا لا يضرّ الرياء بترك الأضداد (3).

______________________________
يحبّ أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» «1». و قد دلّ ذيلها على أنّه لو فعل الخير لغاية المعرفة فحسب بطل، لفقد قصد القربة حينئذ كما هو ظاهر.

(1) لعدم منافاته مع الإخلاص المعتبر في صحة العبادة و الانبعاث عن محض قصد الامتثال، بل هو من وساوس الشيطان كما جاء في بعض الأخبار «2».

(2) فانّ هذا التأذّي كاشف قطعي عن بلوغه مرتبة راقية من الخلوص و موجب لتأكد إضافة العمل إلى المولى سبحانه و تعالى.

(3) كما لو كان في مجلس يتكلم أهله بما يرجع إلى أُمور الدنيا، فأعرض عنهم و ترك مجالستهم مظهراً أنّه لا يحب اللغو و الخوض في غير أُمور الدين فكان مرائياً في هذا الابتعاد و الانفصال و قد تشاغل حينئذ في الصلاة، فإنّه لا موجب لفسادها، لعدم تعلق الرياء بها، بل بترك ضدّها و هو الاشتراك في ذاك المجلس الذي هو أمر آخر مقارن مع الصلاة، و لم يكن متّحداً معها.

و قد تحصّل من جميع الأقسام المتقدِّمة: أنّ الخصوصية المراءى فيها إن اتّحدت خارجاً مع العبادة كالصلاة جماعة أو أوّل الوقت أو في المسجد، بحيث كانت النسبة بينهما نسبة الطبيعي إلى أفراده، بطلت إذ الاتحاد يستوجب السراية لا محالة، و من البيِّن أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

______________________________
(1) الوسائل 1: 75/ أبواب مقدمة العبادات ب 15 ح 1.

(2) الوسائل 1: 107/ أبواب مقدمة العبادات ب 24 ح 3.

34
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ج 14 ص 35

[مسألة 9: الرياء المتأخر لا يوجب البطلان]

[1422] مسألة 9: الرياء المتأخر لا يوجب البطلان، بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمّ بعد تمامه بدا له في ذكره، أو عمل عملًا يدل على أنّه فعل كذا (1).

______________________________
و أمّا لو لم تتّحد كالتحنّك رياءً و التخشع أثنائها كذلك، فتلك الخصوصية و إن حرمت إلّا أنّها لمّا كانت وجوداً مستقلا مغايراً لنفس العبادة، و إن كان مقارناً معها، فلا مقتضي حينئذ للسراية بوجه.

(1) إذ المنافي للخلوص إنّما هو الرياء المقارن للعمل، فإنّه الذي يمنع عن صدوره على وجه العبادة، إمّا المتأخر فلا تأثير له في المتقدّم، ضرورة أنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

أجل، ورد في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه «قال: الإبقاء على العمل أشدّ من العمل. قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّٰه وحده لا شريك له فكتبت له سراً، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى و تكتب له رياءً» «1»، فإنّها صريحة في سقوط العبادة بالكلية بذكرها مرّتين، و لكنّها لمكان الإرسال غير صالحة للاستدلال.

نعم، لا ريب في أنّ الذكر المزبور و الرياء بعد العمل صفة رذيلة و منقصة في العبد ينبغي تنزيه ساحته عنها، كما تشهد به صحيحة جميل بن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ فَلٰا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقىٰ قال: قول الإنسان: صلّيت البارحة و صمت أمس و نحو‌

______________________________
(1) الوسائل 1: 75/ أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 2.

35
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

[مسألة 10: العجب المتأخر لا يكون مبطلًا]

[1423] مسألة 10: العجب المتأخر لا يكون مبطلًا، بخلاف المقارن فإنّه مبطل على الأحوط، و إن كان الأقوى خلافه (1).

______________________________
هذا، ثم قال (عليه السلام): إنّ قوماً كانوا يصبحون فيقولون صلّينا البارحة و صمنا أمس، فقال علي (عليه السلام): و لكنّي أنام الليل و النهار و لو أجد بينهما شيئاً لنمته» «1».

فإنّها ظاهرة في عدم محبوبيّة الإفشاء و الإشاعة، بل المحبوب كتمان العبادات عن الناس.

(1) لا شبهة في قبح صفة العجب تكويناً، بل كشفها عن خفّة عقل صاحبها ضرورة أنّ العاقل الكيِّس، متى لاحظ وفور نعم البارئ تعالى البالغة من الكثرة حدّا لا تحصى، و من أبرزها نعمة الوجود، ثم النعم الظاهرية و الباطنية يرى نفسه عاجزاً عن أداء شكر واحدة منها، كيف و هو ممكن لا يزال يستمد القوى من بارئه و لا يستغني عنه طرفة عين، بل يفتقر إليه في جميع حالاته حتى حالة التصدي للشكر، فيحتاج إلى شكر آخر فيتسلسل.

و منه تعرف أنّه لو استغرق في العبادة طيلة حياته و استوعبت ليله و نهاره لم يكن يقابل نعمة من نعمه الجزيلة، فكيف و هو لا يتشاغل بها إلّا في بضع ساعات، فإعجابه بعبادته الضئيلة التي استمدت مبادئها منه تعالى، و الحقيرة تجاه تلكم النعم العظيمة، و هو بهذه المثابة من العجز بحيث لا يستطيع من أداء شكر نعمة الوجود فقط، فضلًا عن سائر النعم في غاية القبح و الوهن، بل لا يكاد يجتمع مع سلامة العقل إلّا إذا فرض محالًا أنّه واجب وجود ثان، فلعلّ مثله يتمكّن من أداء شكره، لعدم انتساب وجوده إليه تعالى.

______________________________
(1) الوسائل 1: 74/ أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 1.

36
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
و أمّا حكمه تشريعاً، فلا ينبغي التأمل في حرمته، لأوله إلى هتك حرمة المولى و تحقير نعمه، إذ المعجب بعمله يرى نفسه غير مقصّر تجاه نعم ربّه، لأنّه قد أتى بما يساويها أو يزيد عليها، فلا يرى و العياذ باللّٰه فضلًا له تعالى عليه، و هو من أعظم الكبائر و الجرائم «1».

على أنّ النصوص الكثيرة و فيها المعتبرة قد دلت على الحرمة.

فمنها: ما رواه الكليني بإسناده، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) قال اللّٰه تعالى: إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده و لذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة و الليلتين، نظراً منّي له و إبقاءً عليه، فينام حتى يصبح فيقوم و هو ماقت لنفسه زارئ عليها، و لو أُخلّي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله و رضاه عن نفسه، حتى يظنّ أنّه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حدّ التقصير فيتباعد منِّي عند ذلك و هو يظن أنّه يتقرّب إليّ» «2».

______________________________
(1) هذا وجيه لو أُريد بالعجب ذلك، دون ما كان خارجاً عن الاختيار ممّا لا يصح تعلّق التكليف به، كالذي يعرض في الأثناء من الهواجس و الخواطر أو الاعتقاد الراسخ الناشئ من ضم الصغرى إلى الكبرى، و إن كان مخطئاً في الاستنتاج لاستناد مبادئه إلى نوع من الجهل و الغرور، فإنّه بهذا المعنى صفة نفسانية غير مسبوقة بالعزم و الإرادة لتقع مورداً للتكليف، و عليه يبتني ما اختاره المحقق الهمداني (قدس سره) من إنكار الحرمة كما صرّح به في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه: [123، السطر 6]. و اختاره (دام ظله) هناك [شرح العروة 6: 20].

(2) الوسائل 1: 98/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 1، الكافي 2: 60/ 4.

37
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
و هي و إن كانت واضحة الدلالة، إلّا أنّ السند ضعيف، لاشتماله على داود بن كثير الرقي الذي تعارض فيه التوثيق و التضعيف، فلا يمكن التعويل عليها «1».

و منها: معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق، ثم يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به، فقال: هو في حاله الاولى و هو خائف أحسن حالًا منه في حال عجبه» «2».

و هي أيضاً واضحة الدلالة، لأنّ مفادها أنّ المعصية مع الخوف أهون من العبادة مع العجب.

كما أنّها معتبرة السند، إذ ليس فيه من يتأمل فيه ما عدا محمد بن عيسى العبيدي الذي استثناه الصدوق تبعاً لشيخه ابن الوليد من روايات يونس لكنّك عرفت غير مرّة ما في هذا الاستثناء، و أنّه محكوم بالتوثيق، بل قيل إنّه من مثله، و لمزيد التوضيح راجع معجم الرجال «3».

إذن فلا ينبغي التأمّل في أنّ الإعجاب مبغوض عقلًا، و محرّم شرعاً، بل قد عدّ من المهلكات فيما رواه الصدوق بإسناده عن أبي حمزة الثمالي «4».

و إنّما الكلام في أنّه هل يستوجب البطلان أيضاً أو لا؟ ظاهر الأصحاب هو الثاني، و هو الصحيح.

______________________________
(1) لاحظ معجم رجال الحديث 8: 126/ 4429.

 (2) الوسائل 1: 99/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 2.

(3) معجم رجال الحديث 18: 119/ 11536.

(4) الوسائل 1: 102/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 12 [لكنّها ليست من الصدوق بل هي مروية من المحاسن للبرقي، و التي رواها الصدوق ليست عن أبي حمزة الثمالي].

38
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
أمّا في العجب المتأخر فظاهر جدّاً، لما تقدّم في الرياء اللّاحق من عدم تأثيره في السابق، إذ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

و أمّا في المقارن، فلأجل أنّ العجب فعل نفساني، و الصلاة عمل خارجي فلا اتحاد بينهما ليسري الفساد منه إليها، و لا دليل على بطلان الصلاة المقرونة بذلك بعد صدورها عن نيّة خالصة كما هو المفروض، و عدم خلل في شي‌ء مما يعتبر فيها.

فالصحة إذن مطابقة لمقتضى القاعدة. مضافاً إلى معتبرة يونس بن عمار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب، فقال: إذا كان أوّل صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان» «1» فإنّ الراوي لم يذكر في كتب الرجال، لكنّه موجود في أسناد كامل الزيارات «2».

نعم، ربّما يستفاد الفساد مما رواه في الكافي بإسناده عن علي بن سويد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات: منها: أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه و يحسب أنّه يحسن صنعاً، و منها: أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللّٰه عزّ و جلّ، و للّٰه عليه فيه المنّ» «3».

فإنّ السند صحيح، إذ الظاهر أنّ المراد بالراوي هو علي بن سويد السائي الذي وثّقه الشيخ «4» من غير معارض، و قد دلّت على أنّ مفسديّة العجب في‌

______________________________
(1) الوسائل 1: 107/ أبواب مقدمة العبادات ب 24 ح 3.

(2) لكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة، فلا يشمله التوثيق.

(3) الوسائل 1: 100/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 5، الكافي 2: 313/ 3.

(4) رجال الطوسي: 359/ 5320.

39
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
الجملة أمر مسلّم مفروغ عنه عند الراوي، و قد أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك.

و لكنّ الظاهر أنّها غير دالة على البطلان فيما نحن فيه، فانّ الفساد في الدرجة الأُولى لم يطرأ على العمل الصحيح الذي هو محل الكلام، بل العمل كان فاسداً من الأوّل، و إن حسب المعجب أنّه يحسن صنعاً، فتوصيف العجب بالمفسديّة من قبيل قولنا: ضيّق فم الركيّة، و قوله تعالى يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ «1» كما لا يخفى.

و أمّا في الدرجة الثانية فالفساد أيضاً واضح، ضرورة أنّ المنّ مبطل للعمل كما يكشف عنه قوله تعالى لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ «2» فانّ المنّة إذا كانت مبطلة للصدقة المعطاة للفقير، فكيف لا تبطل الإيمان باللّٰه الغني.

و أين هذا كلّه من الفساد و الذي نتكلّم حوله من إعجاب المرء بعبادته بحيث يرى نفسه غير مقصّر في مقام العبودية، و مؤدّياً لحقّ الربوبية. نعم، هو مبغوض و محرّم كما تقدم، إلّا أنّ إبطاله للعمل لا دليل عليه سواء أ كان بعده أم أثناءه.

و أمّا قبل العمل فنادر جدّاً، إذ لا موضوع له إلّا بلحاظ إعجابه بما يروم ارتكابه من العبادة و إعظامها.

و كيف ما كان، فما صنعه في المتن من الاحتياط الاستحبابي في مبطلية العجب المقارن حسن، حذراً عن مخالفة مَن ذهب إلى الإبطال على ما حكاه في الجواهر «3» عن بعض مشايخه.

______________________________
(1) الأحزاب 33: 33.

(2) البقرة 2: 264.

(3) الجواهر 2: 100.

40
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج 14 ص 41

[مسألة 11: غير الرياء من الضمائم إمّا حرام أو مباح أو راجح]

[1424] مسألة 11: غير الرياء من الضمائم إمّا حرام أو مباح أو راجح فان كان حراماً و كان متحداً مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء، و إن كان خارجاً عن العمل مقارناً له لم يكن مبطلًا، و إن كان مباحاً أو راجحاً فان كان تبعاً و كان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة، و إن كان مستقلا و كان داعي القربة تبعاً بطل، و كذا إذا كانا معاً منضمّين محرّكاً و داعياً على العمل، و إن كانا مستقلّين فالأقوى الصحّة، و إن كان الأحوط الإعادة (1).

______________________________
(1) ما قصده من الضميمة إمّا أن يكون متّحداً مع ما أتى به بقصد القربة و إمّا أن يكون خارجاً عنه مقارناً معه.

أمّا في الفرض الثاني، فلا إشكال في صحة العمل حتى فيما إذا كانت الضميمة محرّمة، و لكن بشرط عدم الإخلال بقصد القربة، بأن كان الداعي الإلهي مستقلا، سواء أ كان داعي الضميمة أيضاً كذلك أم لا.

و أمّا في الفرض الأوّل، فلا يخلو الحال من أنّ الضميمة إمّا أن تكون محرّمة أم لا، سواء أ كانت راجحة أم مباحةً أم مكروهةً.

أمّا إذا كانت الضميمة محرّمة فلا إشكال في بطلان العمل لما مرّ غير مرّة من عدم صلاحية الحرام للتقرب به.

و هل يجدي التدارك فيما إذا كانت الضميمة في خصوص الجزء أو لا؟

الكلام فيه هو الكلام في المسألة السابقة «1» و لا يفرق في الحكم بالبطلان بين الصور الأربع، من كون الداعيين مستقلّين أم منضمّين أم مختلفين، فانّ الوجه المزبور يأتي في جميع الصور و لذا حكم الماتن (قدس سره) بالبطلان على الإطلاق.

______________________________
(1) راجع ص 26.

41
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج 14 ص 41

..........

______________________________
و أمّا إذا كانت الضميمة مباحة أو راجحة أو مكروهة، كالاتيان بالصلاة بداعي الأمر و تعليم الغير تبرّعاً أو مع الأُجرة، فإن كان داعي الضميمة تبعاً، و داعي القربة مستقلا، فلا إشكال في الصحة، لعدم قادحية مثل هذه الضميمة التبعية بعد أن لم تكن مخلّة بقصد القربة الّذي هو المناط في صحة العبادة، كما أنّه في فرض العكس لا ينبغي الشك في البطلان من جهة عدم تحقق القربة، إذ المفروض أنّ الأمر الإلهي في نفسه لم يكن داعياً إلى الإتيان بالعبادة.

و منه يعلم حكم ما إذا كانا معاً منضمّين محرّكين و داعيين، فإنّه أيضاً تكون الصلاة باطلة من جهة الإخلال بقصد القربة.

و أمّا إذا كان كل واحد منهما مستقلا في الداعوية، و سبباً تامّاً في عالم الاقتضاء و كافياً في تحقيق العمل منعزلًا عن الآخر، و إن كان صدوره خارجاً مستنداً إليهما فعلًا، لاستحالة صدور الواحد عن سببين مستقلين، فالحق صحة العمل حينئذ، لصحة استناده إلى أمر المولى بعد كونه في نفسه سبباً تامّاً في التأثير، فإنّ ما دلّ على اعتبار القربة في العبادة لا يدل على أزيد من اعتبار كون العمل منبعثاً عن الداعي الإلهي، و أمّا اعتبار عدم وجود محرّك آخر نحو العمل، و خلوّه عن قصد آخر، فالدليل المزبور قاصر عن إثباته.

كما أنّ ما دلّ على اعتبار الخلوص منصرف إلى ما يقابل الشرك في العبادة أعني الرياء، كما أُشير إليه في بعض الأخبار «1» و لا أقل من عدم انعقاد إطلاق له بحيث يتناول سائر الضمائم كما لا يخفى. إذن فلا مانع من الصحة لا من ناحية الخلوص و لا من ناحية القربة.

بل كثيراً ما لا ينفك الرادع الإلهي عن مثل هذا القصد، أ لا ترى أنّ الوجيه و الشريف بمقتضى مكانته و كرامته بين الناس لا يكاد يتناول المفطر في السوق‌

______________________________
(1) الوسائل 1: 61/ أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 9.

42
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

[مسألة 12: إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها]

[1425] مسألة 12: إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها كأن قصد بركوعه تعظيم الغير و الركوع الصلاتي، أو بسلامه سلام التحيّة و سلام الصلاة، بطل إن كان من الأجزاء الواجبة قليلًا كان أم كثيراً، أمكن تداركه أم لا، و كذا في الأجزاء المستحبة غير القرآن و الذكر على الأحوط [1] و أمّا إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلًا إلّا إذا كان ممّا لا يجوز فعله في الصلاة، أو كان كثيراً (1).

______________________________
في شهر رمضان و إن لم يكن صائماً، حفظاً منه على شرافته، فيكون كل من الأمرين داعياً إلى الاجتناب عن المفطرات. فيظهر أنّ المدار في العبادية على إمكان داعوية الأمر الإلهي و صلاحيّته للبعث، و إن لم تستند الدعوة إليه بالفعل لمانع خارجي كما عرفت.

و بالجملة: كثرة وقوع الفرض بين الناس ما عدا الأوحدي منهم خير شاهد على عدم اعتبار انفراد الداعي الإلهي، و أنّ العبرة بكونه علة تامة في البعث أو الزجر لا علة منحصرة، و إن كان هذا هو الفرد الكامل، فالعمدة تمام العبودية و لا يعتبر كمالها. نعم، الأحوط الإعادة كما في المتن خروجاً عن شبهة الخلاف.

(1) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لحكم ما إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بعنوانين، بقصد عنوان الجزئية و بقصد عنوان آخر مغاير لها. فحكم (قدس سره) أنّ المأتي به إن كان من الأجزاء الواجبة بطل نفس الجزء، قليلًا كان أم كثيراً، كما أنّه يكون مبطلًا لأصل العمل بقرينة قوله (قدس سره): أمكن تداركه أم لا، فلا تصح الصلاة حتى مع التدارك.

و كأنّ الوجه فيه: أنّ الفعل الواحد الشخصي لا يصلح أن يقع مصداقاً‌

______________________________
[1] لا فرق بين القرآن و الذكر و بين غيرهما، و لعدم البطلان في الجميع وجه غير بعيد.

43
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

..........

______________________________
لعنوانين متغايرين، و وقوعه لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح. فهذا الجزء يكون بنفسه باطلًا، لعدم صلاحيّته لأن يقع جزءاً من الصلاة، فلو تداركه بعنوان الصلاة فقط لوقعت الزيادة العمدية في الصلاة فتبطل، فالجزء الأوّل يكون باطلًا و مبطلًا. و هذا بخلاف ما لو أتى من الأوّل بشي‌ء من الأجزاء لا بقصد الصلاة، بل بعنوان آخر، فإنّه لا يكون مبطلًا، لعدم استلزام التدارك الزيادة العمدية، إذ المفروض أنّ الجزء الأوّل لم يأت به بعنوان الجزئية و لو منضماً.

هذا، و أمّا إذا كان المأتي به من الأجزاء المستحبّة، فحكم (قدس سره) أنّه يكون أيضاً باطلًا و مبطلًا، إلّا إذا كان المأتي به من القرآن أو الذكر.

أمّا حكمه (قدس سره) بالبطلان فلعين ما مرّ. و أمّا الإبطال في غير الذكر و القرآن فهو مبني على أنّ مطلق الزيادة في الصلاة و إن لم يكن من الأجزاء الواجبة مبطل. و أمّا استثناؤهما فلما دلّ على عدم كون زيادتهما من الزيادة القادحة، بل هما من الصلاة كما ورد من أنّه كلّ ما ذكرت به ربّك في الصلاة، أو كلّ ما قرأت من القرآن فهو من الصلاة «1».

أقول: للمناقشة فيما أفاده (قدس سره) مجال واسع. أمّا ما ذكره من الحكم ببطلان العمل فيما إذا كان المأتي به من الأجزاء الواجبة، فهو على إطلاقه ممنوع و ذلك لأنّ العنوانين المقصودين قد يكونان متنافيين و غير قابلين للاجتماع في شي‌ء واحد بوجه كالمثالين المذكورين في المتن، فانّ الانحناء الركوعي في الصلاة لا بعنوان الصلاة يكون بمجرّده مبطلًا من جهة الزيادة العمدية كما في السجود و ما يكون مبطلًا كيف يمكن أن يقع جزءاً من الصلاة، فهما لا يجتمعان، و كذا الحال في التسليم بعنواني الصلاة و التحيّة.

______________________________
(1) الوسائل 7: 263/ أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2.

44
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

..........

______________________________
و قد لا يكونان متنافيين و إن كانا متغايرين، كالاتيان بالقراءة بعنوان الصلاة و بعنوان التعليم، فانّ هذا العنوان لا يكون من المبطلات.

أمّا في الفرض الأوّل: فالمأتي به يكون فاسداً و مفسداً، لا من جهة كبرى أنّ الفعل الواحد لا يمكن أن يكون مصداقاً لعنوانين متغايرين، لعدم كلية هذه الكبرى كما لا يخفى، بل من أجل أنّ هذا الركوع يكون بنفسه من الزيادة العمدية كالسجود، و كذلك السلام، و ما يكون مبطلًا للصلاة كيف يحسب جزءاً لها. فلا محالة يكون زيادة عمدية، فتفسد الصلاة من أجله.

و منه يعلم أنّه إذا أتى بالركوع أو السلام محضاً من غير قصد الصلاة يكون مفسداً لها أيضاً من جهة الزيادة العمدية. فما ذكره (قدس سره) من نفي البطلان في هذا الفرض يكون على إطلاقه ممنوعاً أيضاً.

و أمّا في الفرض الثاني: فلا مانع من صحة المأتي به، و لا وجه لكونه مفسداً للصلاة إذا لم يكن قصد الصلاة تبعياً، لأنّ المستفاد من الأدلة هو اعتبار كون الإتيان به منبعثاً عن الأمر الإلهي و المفروض تحققه، و أمّا اعتبار عدم انضمام شي‌ء آخر إليه فلا دليل عليه، بل هذا عند التأمل و الدقّة يكون من الضميمة في النيّة، فتكون من صغريات المسألة المتقدمة التي قد عرفت الحكم فيها بالصحة في مثل هذا الفرض.

فما أفاده صاحب الجواهر «1» (قدس سره) من اختلاف المسألتين موضوعاً نظراً إلى أنّ موضوع الضميمة الفعل الواحد الّذي له غايات و أراد المكلف ضمّها بنية واحدة، و موضوع هذه المسألة قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخّص مصداقاً لكليين متغايرين، و حكمه أنّه لو نواه لكل منهما لم يقع لشي‌ء منهما، لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلًا و شرعاً، و لذا لو نوى بالركعتين‌

______________________________
(1) الجواهر 9: 193.

45
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

..........

______________________________
الفرض و النفل لم يقع لأحدهما، كل ذلك محل تأمل و منع.

أمّا مثاله الأخير، فلأنه تختلف كل من الفرض و النفل عن الآخر ماهية من جهة اختلافهما في الآثار و الأحكام، فلا مورد للنقض بذلك كما لا يخفى.

و أمّا التداخل، فقد ذكرنا في محلّه «1» أنّ الأصل في المسببات هو التداخل فيما لو أمر بعنوانين كان بينهما العموم من وجه كإكرام العالم و الهاشمي، فأكرم من يكون متّصفاً بالوصفين، فإنّه قد امتثل كلا الأمرين، و من ثمّ التزمنا بالتداخل بين الغفيلة و نافلة المغرب.

و الحاصل: أنّ العنوانين إذا لم يكونا متنافيين لا مانع من قصدهما معاً مع مراعاة الشرط المتقدم.

و أمّا تفكيك الماتن في الأجزاء المستحبة بين القرآن و الذكر و غيرهما كجلسة الاستراحة، فلا نعرف له وجهاً صحيحاً، فإنّه إذا كان الوجه في إبطال مثل الجلسة لزوم الزيادة العمدية و لو باعتبار أنّ الأصل عدم التداخل، و عدم كون فعل واحد مصداقاً لعنوانين، فهذا الوجه بعينه يتمشّى في القرآن و الذِّكر أيضاً ضرورة أنّه إذا لم يقع مصداقاً لشي‌ء من العنوانين فلا محالة لا يكون مأموراً به فتقع زيادة في الصلاة، حيث إنّ المفروض قصد جزئيّته و لو على نحو الاستحباب و إذا قلنا بعدم قادحية الضميمة و أنّ الأصل هو التداخل، فالجلسة أيضاً لا بدّ من الالتزام بصحتها و عدم كونها مفسداً. فالتفكيك بينهما لا وجه له.

هذا، و لكنّ التحقيق هو صحة هذا الجزء و عدم كونه مفسداً على الإطلاق من غير فرق بين الذكر و القرآن و غيرهما، و ذلك لما بيّناه في محلِّه «2» من أنّه لا معنى للجزء المستحب، فانّ مقتضى الجزئية هو تقوّم المركّب بهذا الشي‌ء، و معنى‌

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 5: 124.

(2) مصباح الأُصول 3: 300.

46
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل ج 14 ص 47

[مسألة 13: إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل]

[1426] مسألة 13: إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل، إلّا إذا كان قصد الجزئية تبعاً و كان من الأذكار الواجبة (1).

______________________________
الاستحباب جواز تركه، و هذان الأمران مما لا يكاد اجتماعهما، فالتعبير بذلك يكون مبنياً على ضرب من المسامحة، بل هو عمل مستقل تعلق به أمر نفسي غايته أنّ وعاءه هو الصلاة، كما في كثير من الأدعية المأثورة للصائم في شهر رمضان، فيكون موجباً لمزية الفرد الذي يشتمل عليه.

فعليه لو أتى به قاصداً غير الصلاة أيضاً، يكون لغواً من دون أن تتّصف بالزيادة العمدية كي توجب فساد الصلاة، فلا يكون وجوده قادحاً في الصلاة بل غايته عدم ترتّب المزيّة و الفضيلة على الفرد المأتي به في ضمنه كما هو ظاهر.

(1) فانّ الواجب على المكلّف المتصدِّي للعبادة إنّما هو الإتيان بالطبيعة المأمور بها بقصد القربة، و أمّا الخصوصيات المكتنفة بها الأفراد من الإتيان في الزمان أو المكان، أو مع اللباس المعيّن و نحوها، كاختلاف مراتب رفع الصوت أو خفضه في الصلوات الجهرية أو الإخفاتية، فكلّها خارجة عن حريم المأمور به، و لا يعتبر فيها قصد التقرب و كان أمر التطبيق بيد المكلف، فله اختيار ما شاء من الخصوصيات الفردية.

و عليه فلو أتى بذات الجزء الواجب بداعي الأمر الإلهي و قد رفع صوته بداعي الاعلام مثلًا، لم يكن به بأس، لعدم قدحه في حصول الامتثال بوجه إلّا إذا كان الرفع المزبور مقصوداً بالذات و كانت جزئية أصل الذكر مقصودة بالتبع، فإنّه يبطل لعدم كفاية القصد التبعي في صدق التعبد كما تقدّم «1». فالجزء‌

______________________________
(1) في ص 42.

47
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل ج 14 ص 47

و لو قال اللّٰه أكبر مثلًا بقصد الذِّكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل (1)، مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية.

[مسألة 14: وقت النيّة ابتداء الصلاة و هو حال تكبيرة الإحرام]

[1427] مسألة 14: وقت النيّة ابتداء الصلاة و هو حال تكبيرة الإحرام و أمره سهل بناءً على الداعي (2) و على الاخطار اللّازم اتصال آخر النيّة المخطرة بأوّل التكبير، و هو أيضاً سهل.

______________________________
باطل لفقدان النية، بل و مبطل للصلاة لنقصان الجزء إن اقتصر عليه، و للزيادة العمدية إن تداركه، بل و إن لم يتدارك كما لا يخفى.

و على الجملة: مجرّد ضمّ نيّة أُخرى في خصوصيات الأفراد لم يكن قادحاً في الصحة كما هو الحال في غير المقام أيضاً. فلو كان عنده ماءان طاهران أحدهما نظيف دون الآخر، فاختار النظيف للوضوء و للتنظيف لم يكن به بأس بعد أن كان قاصداً للامتثال في أصل الوضوء مستقلا.

(1) كما نطقت به جملة من النصوص التي منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون في صلاته، و إلى جنبه رجل راقد فيريد أن يوقظه، فيسبّح و يرفع صوته لا يريد إلّا ليستيقظ الرجل، هل يقطع ذلك صلاته، و ما عليه؟ قال: لا يقطع ذلك صلاته و لا شي‌ء عليه» «1» و نحوها غيرها.

(2) و هو القصد الإجمالي الكامن في أُفق النفس الباعث نحو العمل في كافة الأفعال الاختيارية التي منها الصلاة، من غير فرق إلّا في الانبعاث عن قصد التقرّب، فهو إذن في غاية السهولة.

______________________________
(1) الوسائل 7: 257/ أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 9 [لكن في المصدر قرب الإسناد: 200/ 766 فيصيح بدل «فيسبّح»].

48
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة ج 14 ص 49

[مسألة 15: يجب استدامة النيّة إلى آخر الصلاة، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة]

[1428] مسألة 15: يجب استدامة النيّة إلى آخر الصلاة، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له ما تفعل يبقى متحيِّراً (1)، و أمّا مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضرّ الغفلة، و لا يلزم الاستحضار الفعلي (2).

______________________________
و هكذا الحال بناءً على تفسيرها بالإخطار الراجع إلى إحضار صورة العمل بتمامه في الذهن مقارناً للتكبير، و هو أيضاً لا صعوبة فيه و إن كان الأوّل أسهل، و ما عدا ذلك هواجس نفسانية، بل وساوس شيطانية ينبغي للعاقل الاجتناب عنها، و عدم الاشتغال بها و إتلاف الوقت في سبيلها.

و قد حكي عن بعض الأكابر أنّه لو وجب على الإنسان أن يصلي بلا نيّة لتعذّر، ضرورة أنّ الفعل الاختياري لا بدّ و أن يصدر مع القصد و لا يمكن تفكيكه عنه، فالصعوبة إذن في ترك النيّة لا في فعلها.

(1) لكشف التحيّر عن زوال تلك النيّة الإجمالية الارتكازية عن أُفق النفس، إذ مع بقائها لزم الالتفات إليها بأدنى توجه.

و بالجملة: فالعبرة في الاستدامة باستناد العمل بقاءً إلى ما كان مستنداً إليه حدوثاً، من غير فرق إلّا من ناحية الالتفات التفصيلي و الإجمالي.

و الوجه في وجوب الاستدامة واضح، ضرورة عدم صدق الإتيان بتمام أجزاء المركب عن نيّة إلّا بذلك.

(2) أي في تمام حالات الصلاة تفصيلًا، إذ مضافاً إلى تعذّره غالباً، بل و منافاته مع الخشوع و حضور القلب المرغوب فيه في الصلاة، لا دليل عليه بوجه.

 

49
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة ج 14 ص 49

موسوعة الإمام الخوئي؛ ج‌14، ص: 50

[مسألة 16: لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلًا أو بعد ذلك]

[1429] مسألة 16: لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلًا أو بعد ذلك أو نوى القاطع و المنافي فعلًا أو بعد ذلك، فإن أتمّ مع ذلك بطل. و كذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثم عاد إلى النيّة الأُولى، و أمّا لو عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء لم يبطل، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة. و لو نوى القطع أو القاطع و أتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثم عاد إلى النيّة الأُولى فالبطلان موقوف على كونه فعلًا كثيراً [1]، فان كان قليلًا لم يبطل خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة أيضاً (1).

______________________________
(1) بعد الفراغ عن اعتبار النيّة في تمام أجزاء الصلاة و استدامتها إلى آخرها تعرّض (قدس سره) لمسألة القطع و هي تنحل إلى فروع، و نحن نرتّبها على خلاف الترتيب المذكور في المتن، لكونه أسهل تناولًا كما ستعرف.

فمنها: أنّه لو نوى القطع أو القاطع في أثناء الصلاة فعلًا أو بعد ذلك، ثم عاد إلى النية الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء، فالمشهور حينئذ هو بطلان الصلاة. و ذهب المحقق في الشرائع «1» و جملة من المتأخرين منهم السيّد (قدس سره) في المتن إلى الصحة.

و استدلّ للمشهور بوجوه لا ينبغي التعرّض لأكثرها لوضوح فسادها. و العمدة منها إنّما هو وجه واحد و حاصله: أنّ المستفاد من أدلّة القواطع كقوله (عليه السلام): إنّ القهقهة أو الحدث أو التكلّم يقطع الصلاة «2»، و كذا ممّا دلّ على أنّ‌

______________________________
[1] أو كونه مما تبطل الصلاة بمطلق وجوده.

______________________________
(1) الشرائع 1: 95.

(2) راجع الوسائل 7: 250، 231، 281/ أبواب قواطع الصلاة ب 7، 1، 25.

 

 

50
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم «1»، أنّ للصلاة هيئة اتصالية ملحوظة بين المبدأ و المنتهى، و أنّها معتبرة في الصلاة، فكما أنّ الأجزاء من الأفعال و الأذكار من الصلاة، فكذلك الأكوان و الآنات المتخللة بينها، فلا بدّ من مراعاة النيّة و استدامتها في جميعها حتى في تلك الأكوان، لكونها منها كسائر الأجزاء، و النيّة شرط في جميعها، فكما أنّ الإخلال بسائر الشروط كالاستدبار و الحدث و التكلّم و نحوها يوجب البطلان حتى في تلك الأكوان بلا إشكال، فكذا استدامة النيّة و حيث إنّ نيّة القطع تستوجب الإخلال بالنيّة في هذه القطعة من الزمان و وقوعها عن غير نيّة، فلا محالة توجب بطلان الصلاة.

و بعبارة أُخرى: نيّة القطع إمّا أن توجب قطع الصلاة و الخروج عنها المساوق لبطلانها أو لا. فعلى الأوّل فهو المطلوب، و على الثاني و تسليم كونه بعد في الصلاة، فحيث إنّ هذا الكون الصلاتي عارٍ عن النيّة لا محالة فتختل استدامة النيّة في هذه القطعة من الزمان بالضرورة فيوجب البطلان من أجل فقدان الشرط قهراً.

و هذا أحسن ما قيل في وجه البطلان، و أمّا بقية الوجوه فكلّها ضعيفة ساقطة التي منها ما قيل من أنّ النيّة الأُولى بعد زوالها لا يجدي الرجوع إليها، لفوات المقارنة لأوّل العمل، و لا بدّ من صدور العمل عن نيّة سابقة عليه.

إذ فيه: أنّ النيّة اللازم سبقها على العمل هي نيّة المجموع و المفروض سبقها عند النيّة الأُولى، و أمّا نيّة الجميع أي نيّة كل جزء جزء قاصداً به الأمر الضمني المتعلِّق به، فهو مقارن لكل جزء لا سابق عليه، و هو حاصل بعد الرجوع و العود كما لا يخفى. و هكذا غيره من سائر الوجوه التي لا يخفى ضعفها على من لاحظها، فالعمدة إذن هو الوجه الذي عرفته.

______________________________
(1) راجع الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1، 415/ أبواب التسليم ب 1.

51
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
و الجواب: أنّا نختار الشق الثاني، و أنّ مجرد نيّة القطع أو القاطع لا يوجب الخروج عن الصلاة. قولكم إنّ اللّازم منه الإخلال باستدامة النيّة في الأكوان المتخللة، فيه: أنّه لا دليل على اعتبار الاستدامة فيما عدا الأجزاء من الأفعال و الأذكار.

و أمّا الاستشهاد لذلك بأدلّة القواطع، و بحديث التحليل و التحريم المستكشف بهما رعاية الهيئة الاتصالية، فيدفعه: أنّ غاية ما يثبت بها أنّ المصلِّي بعد شروعه في الصلاة ما لم يأت بالمنافي و لم يسلّم فهو في الصلاة و ليس خارجاً عنها، أي انّ الأجزاء السابقة صالحة لأن تنضمّ إليها الأجزاء اللّاحقة، و أين هذا من كون الأكوان المتخللة من الصلاة حتى يعتبر فيها ما يعتبر في الأجزاء و كم فرق بين الكون في الصلاة و بين أن يكون الشي‌ء من الصلاة. و المستفاد من تلك الأدلة إنّما هو الأوّل دون الثاني كما هو ظاهر.

بل إنّ المستفاد من صحيحة حماد «1» الواردة في بيان كيفية الصلاة و ما لها من الأجزاء، عدم كون الأكوان المتخللة منها، لعدم التعرض إليها.

و عليه فلا دليل على لزوم مراعاة النيّة في الأكوان المتخللة كي يصادمها نيّة القطع أو القاطع، فلو عاد عن نيّته و رجع إلى النيّة الأُولى صحّت صلاته للتحفّظ على استدامة النيّة فيما تعتبر فيه من الأجزاء أعني الأفعال و الأذكار.

هذا، و مع التنزّل عن ذلك و الشك في اعتبار النيّة في الأكوان، فتكفينا أصالة البراءة عن اعتبارها فيها بعد إمكان أخذها فيها شرعاً بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و ممّا ذكرنا يظهر حال فرع آخر و إن لم يتعرّض له في المتن و لعلّه لوضوحه-

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

52
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
و هو ما لو تردد في القطع ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء، فإنّ الصحة حينئذ بطريق أولى، إذ الحكم بالصحة مع نيّة القطع الجزمية يستوجب الحكم بها مع الترديد بالأولوية. على أنّ بعض الوجوه المذكورة للبطلان هناك غير جارٍ هنا كما لا يخفى.

و منها: لو نوى القطع أو القاطع فعلًا أو بعد ذلك و أتمّ صلاته مع هذه الحالة، و قد حكم في المتن بالبطلان حينئذ، و حيث إنّ المنافاة بين نيّة القطع المساوقة لرفع اليد عن الصلاة و الخروج عنها، و بين الإتمام بعنوان الصلاة ظاهرة، لما بينهما من المضادة، و يمتنع القصد فعلًا إلى المتضادين معاً، فلا بدّ من فرض كلامه (قدس سره) فيما إذا كان الإتمام لا بعنوان الصلاة، بل بعنوان آخر من التعليم و نحوه، أو بأن ينوي القطع في مقام الامتثال، بأن يفرض الأجزاء السابقة كالعدم و يبني على استئناف العمل و إن لم يقطعها خارجاً.

و كيف ما كان، فالظاهر هو البطلان سواء اقتصر عليها أم تدارك الأجزاء المأتي بها بعد نيّة القطع. أما الأوّل فظاهر، للإخلال بقصد الجزئية و استدامة النيّة المعتبرة في الصلاة. و كذا الثاني، للزوم الزيادة لو تداركها، و لا أقل من حيث زيادة السلام المبطل لها بلا إشكال.

و منه يظهر حكم ما لو أتى ببعض الأجزاء كركعة مثلًا ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل إتمام الصلاة، فإنّه يحكم أيضاً بالبطلان، سواء اقتصر عليها أم تداركها، للإخلال بقصد الجزئية على الأوّل كما مرّ، و للزوم الزيادة على الثاني في مثل الركوع و السجود، فانّ المأتي منهما أوّلًا و إن لم يكن بعنوان الجزئية كما عرفت إلّا أنّ المستفاد ممّا دلّ على المنع من قراءة سور العزائم في الصلاة معللًا بلزوم السجدة و أنّها زيادة في المكتوبة، أنّ مطلق الركوع و السجود زيادة في الصلاة و إن لم يقصد بهما الجزئية كما في سجدة التلاوة.

53
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
نعم، لو لم تكن تلك الأجزاء من قبيل الركوع و السجود، كما لو نوى القطع و هو في الركعة الثانية مثلًا فقرأ الفاتحة و السورة مع هذه الحالة ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل الركوع و تدارك القراءة، فالظاهر الصحة، لعدم اتصاف تلك القراءة بالزيادة بعد أن لم يقصد بها الجزئية كما هو المفروض اللّٰهمّ إلّا أن تكون تلك الأجزاء كثيرة، كما لو قرأ سورة طويلة بحيث كانت ماحية «1» لصورة الصلاة فتوجب البطلان حينئذ من هذه الجهة.

و ملخّص الكلام: أنّه مع نيّة القطع لو أتمّ الصلاة كذلك فهي محكومة بالبطلان مطلقاً، و لو عدل إلى النيّة الأُولى قبل الإتمام فيفصّل حينئذ بين ما إذا كانت الأجزاء المأتي بها في تلك الحالة من الأركان كالركوع و السجود، و بين ما كانت من غيرها كالقيام و القراءة و نحوهما فيحكم بالبطلان في الأُولى سواء تداركها أم لا، و بالصحة في الثاني مع التدارك، إلّا إذا كانت كثيرة ماحية للصورة.

هذا كله فيما إذا نوى القطع فعلًا، و أمّا إذا نوى القطع بعد ذلك فالظاهر البطلان مطلقاً، أي سواء أتمّها أم عدل إلى النيّة الأُولى قبل الإتمام، و سواء أ كانت من الأركان أم لا، و سواء تداركها أم لا، لأنّ الأجزاء المأتي بها لم يقصد بها الأمر الصلاتي قطعاً، إذ لا يجامع ذلك مع العزم على القطع فيما بعد، و لا بدّ في الصحة من استدامة النيّة إلى آخر الصلاة، الملازم للانبعاث عن الأمر النفسي المتعلق بمجموع الصلاة بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء، فهو غير قاصد لامتثال الأمر عند الإتيان بتلك الأجزاء، فهو كمن دخل في الصلاة غير قاصد إلّا إلى ركعة واحدة منها، التي بطلانها أظهر من أن يخفى.

______________________________
(1) السورة الطويلة غير ماحية للصورة كما سيأتي التعرّض لذلك، راجع العروة 1: 535/ الثامن، بعد الرقم [1740]، شرح العروة 15: 501.

54
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
فلم تقع تلك الأجزاء مصداقاً للمأمور به، و حيث إنّه يأتي بها بعنوان الجزئية كما هو لازم فرض البناء على القطع فيما بعد لا فعلًا فلا ينفعه التدارك بعدئذ، لاستلزامه اتصاف هذه الأفعال بالزيادة العمدية المبطلة، إذ لا نعني بها إلّا الإتيان بشي‌ء بعنوان الجزئية، و لم يكن منها المنطبق على المقام فيحكم بالبطلان و إن لم تكن من الأركان.

و منه يظهر الفرق بين هذه الصورة و الصورة السابقة، أعني نيّة القطع فعلًا فإنّ الأفعال لم يقصد بها الجزئية هناك بخلاف المقام.

هذا كلّه في نيّة القطع. و أمّا إذا نوى القاطع و مع ذلك استمرّ في العمل و أتى بالأجزاء، فإمّا أن ينويه فعلًا أو بعد ذلك.

أمّا في الأوّل: فالظاهر الصحة، ضرورة أنّ الاستمرار في العمل مع البقاء على نيّة القاطع فعلًا ممّا لا يجتمعان، فإنّهما متضادان، للتضاد بين التكلّم مثلًا و الصلاة المقيدة بعدمه، فمقتضى العزم على القاطع رفع اليد عن الصلاة، فكيف يجامع مع الإدامة بها و الإتيان بالأفعال بقصد الجزئية، فلا يمكن تصحيح الفرض إلّا بالعدول إلى النيّة الأُولى قبل الأخذ في الاستمرار، و قبل أن يأتي بشي‌ء من الأفعال، فيرجع حينئذ إلى الفرع الأوّل الّذي ذكرناه في صدر المسألة، أعني ما لو نوى القطع أو القاطع ثم عدل إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء، و قد عرفت هناك بما لا مزيد عليه أنّ الأقوى الصحة.

و أمّا الثاني: أعني نيّة القاطع فيما بعد، فيظهر حكمه مما مرّ آنفاً في نيّة القطع فيما بعد، الذي عرفت أنّ الأقوى البطلان حينئذ في جميع الصور. هكذا ينبغي أن تحرّر المسألة، و في عبارة الماتن في المقام خلط و تشويش كما لا يخفى على من لاحظها.

55
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 17لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطورا إلى غيرها صحت ج 14 ص 56

[مسألة 17: لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت]

[1430] مسألة 17: لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت على ما قام إليها، و لا يضرّ سبق اللسان و لا الخطور الخيالي (1).

[مسألة 18: لو دخل في فريضة فأتمّها بزعم أنّها نافلة غفلة]

[1431] مسألة 18: لو دخل في فريضة فأتمّها بزعم أنّها نافلة غفلة أو بالعكس صحّت على ما افتتحت عليه (2).

______________________________
(1) قد عرفت أنّ المناط في النيّة التي عليها تبتني صحة العمل هو الانبعاث عن إرادة نفسية ارتكازية باعثة على ارتكاب العمل و إن لم يلتفت إليها فعلًا بالتفصيل، و عليه فلا أثر لسبق اللسان و لا الخطورات الزائدة بعد صدور العمل عن تلك النيّة الارتكازية، فشي‌ء منها غير قادح فيها.

(2) ربما يعلل الحكم بمطابقته للقاعدة، حيث إنّ الإتمام منبعث عن النيّة الاولى لا غير، فغايته أنّ تخيل الخلاف يكون من باب الخطأ في التطبيق و الاشتباه في تعيين المنوي، و ذلك ممّا لا دخل له في الإتمام، فلا يقدح في الصحة على ما افتتحت عليه.

و فيه: أنّ باب الخطأ في التطبيق أجنبي عن أمثال المقام ممّا يتقوّم الامتثال بالقصد، و لا واقع له وراء ما نواه و قصده، و إنّما يجري فيما لو كان الاشتباه في الأُمور الخارجية الأجنبية عن حريم الامتثال، كما لو أتى بالعمل بداع قربي باعتقاد أنّه واجب فتبيّن أنّه مستحب، أو بالعكس، أو صام يوماً بتخيّل أنّه يوم مبارك كالجمعة مثلًا فتبيّن الخلاف، أو صلى خلف من في المحراب باعتقاد أنّه زيد فبان عمراً و نحو ذلك، فانّ كون الأمر وجوبياً أو استحبابياً أو اليوم ذا فضيلة و عدمه، أو من في المحراب زيداً أو عمراً لا دخل لشي‌ء من ذلك في تحقّق الامتثال بعد الإتيان بذات العمل على وجهه بداع قربي.

56
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة ج 14 ص 56

..........

______________________________
فتخيل الخلاف و الاشتباه في التطبيق غير قادح في الصحة في أمثال ذلك لكون المأتي به مصداقاً للمأمور به الواقعي، فالانطباق قهري و الإجزاء عقلي.

و أمّا إذا كان المأمور به في حدّ ذاته متقوّماً بالقصد بحيث لا واقع له وراء ذلك، فقصد الخلاف قادح في مثله بالضرورة، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به بعد الإخلال بالقصد الدخيل في حقيقته.

فلو اعتقد أنّ عليه فريضة قضائية فنواها، ثم تبيّن أنّ الذمة غير مشغولة إلّا بالأدائية، أو اعتقد الإتيان بنافلة الفجر فصلى فريضته، أو أراد بيع شي‌ء فاشتبه و وهبه، فإنّها لا تقع أداءً في الأوّل، و لا نافلة في الثاني، و لا بيعاً في الثالث بلا إشكال.

و السرّ هو ما عرفت من تقوّم تلك الأُمور بالقصود و دخلها في تحقّق الامتثال و قد تجرّد العمل عنها، فلا تقع مصداقاً للمأمور به قطعاً، و لا شك أنّ المقام من هذا القبيل، فانّ قصد الفريضة و الاستدامة على هذا القصد إلى آخر العمل دخيل في صحتها و وقوعها فريضة، فلو عدل عنها في الأثناء إلى النافلة غفلة فهي لا تقع مصداقاً للفريضة للإخلال بالنيّة بقاءً، كما أنّها لا تقع مصداقاً للنافلة لعدم القصد إليها حدوثاً، و كذا الحال فيما لو دخل في النافلة فأتمّها فريضة فإنّها لا تقع مصداقاً لشي‌ء منهما، و من المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من الفريضة و النافلة.

و على الجملة: فلا يمكن تصحيح هذه الصلاة على طبق القواعد بل مقتضى القاعدة بطلانها كما عرفت، و إنّما المستند الوحيد في صحتها و وقوعها على ما افتتحت عليه هي الروايات الخاصة الواردة في المقام، و عمدتها صحيحة عبد اللّٰه ابن المغيرة قال في كتاب حريز أنّه قال: «إنِّي نسيت أنِّي في صلاة فريضة (حتى ركعت) و أنا أنويها تطوّعاً. قال: فقال (عليه السلام) هي التي قمت فيها، إذا‌

57
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة ج 14 ص 56

..........

______________________________
كنت قمت و أنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة، و إن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، و إن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة» «1».

و دلالتها على المطلوب ظاهرة، و المراد من الشك في قوله (عليه السلام) «ثم دخلك الشك» السهو كما يطلق عليه كثيراً في لسان الأخبار، و السند صحيح فإنّ إبراهيم بن هاشم موثق، و كذا عبد اللّٰه بن المغيرة الذي هو من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، و لا يقدح روايته عن كتاب حريز لا عنه نفسه كي يتأمل في طريقه إلى الكتاب، فانّ حريزاً و إن كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) لكنّه بقي بعد وفاته (عليه السلام) بل قيل إنّه روى عن الكاظم (عليه السلام) و إن منعه النجاشي «2». و كيف كان فهو معاصر لابن المغيرة، بل إنّ كثيراً من أصحاب الكاظم (عليه السلام) رووا عن حريز «3» بلا واسطة، و عليه فطبع الحال يقتضي أن يكون كتابه معروفاً لديهم و واصلًا إليهم بطريق معتبر فروايته عنه إخبار عن الحسّ دون الحدس كما لا يخفى.

و هناك روايتان أُخريان موافقتان مع الصحيحة المتقدمة بحسب المضمون مؤيّدتان للمطلوب، إحداهما: رواية معاوية، و الأُخرى رواية عبد اللّٰه بن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 1.

(2) رجال النجاشي: 144/ 375.

(3) كثرة الرواية عن حريز نفسه لا تستوجب صحّة الطريق إلى كتابه، كما أنّ المعروفية لا تلازمها. و العمدة أنّ الرواية مضمرة فلا يعوّل عليها حتى لو صحّ السند، إذ لم يسندها إلى المعصوم، و لعلّه رواها عن زرارة نفسه، كما قد يعضده أنّ كتابه مشحون بنقل فتاواه و لم يكن في الجلالة بمثابة زرارة كي لا ينقل عن غير المعصوم، و كلمة (عليه السلام) زيادة من صاحب الوسائل أو تصرّف من النسّاخ لخلوّ المصدر و هو الكافي 3: 363/ 5، و التهذيب 2: 342/ 1418 عن ذلك.

58
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

[مسألة 19: لو شكّ فيما في يده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً]

[1432] مسألة 19: لو شكّ فيما في يده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً مثلًا (1)، قيل بنى على التي قام إليها، و هو مشكل، فالأحوط الإتمام و الإعادة [1] نعم لو رأى نفسه في صلاة معيّنة و شكّ في أنّه من الأوّل نواها أو نوى غيرها، بنى على أنّه نواها و إن لم يكن مما قام إليه، لأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.

______________________________
أبي يعفور «1» إلّا أنّ سندهما لا يخلو عن الخدش، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي فلا تصلحان إلّا للتأييد.

(1) تارة يفرض الكلام في المترتبتين كالظهرين و العشاءين، و أُخرى في غيرهما كالفريضة و النافلة، و الأداء و القضاء و نحوهما.

أمّا في الاولى: فلا ينبغي الإشكال في الصحة في فرض صحة العدول و بقاء محلّه، كما لو علم بعدم الإتيان بالظهر، أو شكّ فيه و رأى نفسه في صلاة لم يدر أنّه دخل فيها بعنوان الظهر أو العصر، فإنّه يعدل بها إلى الظهر و يتمّها كذلك و تصح بلا إشكال، لأنّه إن دخل فيها بعنوان الظهر فهو، و إلّا فله العدول إليه و هذا لا غبار عليه.

و كذا الحال في العشاءين مع بقاء محل العدول، كما لو كان الشك المزبور قبل الدخول في ركوع الركعة الرابعة.

و أمّا إذا لم يكن المورد من موارد العدول، كما إذا كان شكّه فيما في يده بعد العلم بالإتيان بالصلاة الاولى من الظهر أو المغرب، أو فرض الكلام في غير‌

______________________________
[1] هذا في غير المترتبتين، و أمّا فيهما فلو لم يكن آتياً بالأُولى جعل ما في يده الاولى و صحّت بلا إشكال.

______________________________
(1) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 2، 3.

59
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

..........

______________________________
المترتبتين كالفريضة و النافلة، و الأداء و القضاء، فتارة يعلم أنّه قام إلى صلاة معيّنة و يشك في أنّه دخل فيها بالعنوان الذي قام إليه، و أُخرى لا.

أمّا الثاني، فلا إشكال في البطلان، لعدم إحراز النيّة كما هو ظاهر.

و أمّا في الأوّل، فربّما يقال بالصحة و وقوعها على التي قام إليها، و يستدل له تارة: بأصالة عدم العدول عما قام إليه، و أُخرى: بخبر ابن أبي يعفور المتقدم فانّ قوله (عليه السلام) في صدره: «هي التي قمت فيها و لها» شامل للمقام و ظاهر في أنّ المدار على ما قام إليه و إن دخله الشك بعدئذ.

و في كلا الوجهين ما لا يخفى، فانّ العدول ليس بنفسه حكماً شرعياً و لا موضوعاً ذا أثر، و إنّما اللّازم إحراز استناد الصلاة إلى النيّة التي قام إليها و إثبات ذلك باستصحاب عدم العدول من أظهر أنحاء الأصل المثبت كما لا يخفى.

و أمّا الخبر فصدره و إن لم يأب عن الشمول للمقام كما عرفت إلّا أنّ ذيله شاهد على الخلاف و مفسّر للمراد من الصدر، فانّ قوله (عليه السلام): «و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي ...» إلخ، و قوله (عليه السلام): «إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته»، يشهد بأنّ المراد مراعاة النيّة التي افتتح بها صلاته و دخل فيها بها، لا ما قام إليها و إن لم يدر أنّه ابتدأ بها في أوّل صلاته أم لا كما في المقام. فالرواية ناظرة إلى المسألة السابقة، و هي ما لو دخل في الصلاة بنية معيّنة ثم أتمّها بنية أُخرى غفلة، و أجنبية عن المقام رأساً كما هو ظاهر.

هذا، مضافاً إلى عدم خلوّ سندها عن الخدش، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ، و إن كان رجال السند كلّهم موثقين مع الغض عن الطريق المزبور.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الحكم بالبطلان في مثل ذلك، لقاعدة الاشتغال بعد الشك في صدور النيّة على وجهها.

60
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

..........

______________________________
هذا كلّه فيما إذا كان شكه فيما في يده على نحو يشك في حالته الفعلية أيضاً.

و هناك نوع آخر تعرّض له في المتن، و هو ما إذا لم يتعلّق الشك بالحالة الفعلية، فيرى نفسه فعلًا في صلاة العصر مثلًا و شكّ في أنّه نواها من الأوّل كي تصح، أو نوى غيرها كالظهر مثلًا كي لا تصح، لعدم جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة. و ليفرض الكلام فيما لو كان آتياً بصلاة الظهر و إلّا إمّا جزماً أو احتمالًا فيعدل بها إليه و يتمّها ظهراً و لا إشكال كما تقدّم، أو رأى نفسه في الفريضة و شكّ في أنّه نواها من الأوّل، أو نوى النافلة.

حكم في المتن حينئذ بالصحة، و أنّه يبني على أنّه نواها كذلك من الأوّل و إن لم يكن ممّا قام إليه، و علّله بأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.

أقول: إن أراد (قدس سره) إجراء قاعدة التجاوز في نفس النيّة ابتداءً فعليه إشكال ظاهر كما ستعرف، و إن أراد إجراء القاعدة في شي‌ء آخر يلازم الشك في النيّة بحيث يكون مرجعه إلى الشك بعد تجاوز المحل على وجه دقيق لا أنّه منه ابتداءً، كما لا يبعد ظهور العبارة فيه، للتعبير بقوله: لأنّه يرجع ... إلخ فهو في غاية الجودة، و يحكم بصحة الصلاة من أجل ذلك، و بيانه: أنّه ربّما يشكل في المقام بعدم جريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى النيّة، لعدم كونه من الشك بعد تجاوز المحل، لتوقفه على أن يكون للمشكوك فيه محل موظف مقرر له بحيث كان تركه تركاً لما ينبغي أن يفعل، كما لو شكّ في القراءة بعد ما ركع، أو فيه بعد ما سجد و هكذا، فانّ محل القراءة سابق على الركوع و هو على السجود.

و معلوم أنّ الشك في النيّة ليس من هذا القبيل، فإنّ نيّة صلاة العصر مثلًا إنّما يكون محلّها قبلها «1» و ينبغي فعلها فيما إذا كانت الصلاة معنونة بصلاة العصر‌

______________________________
(1) ربّما يتراءى التنافي بين المقام و بين ما أُفيد في [العروة 1: 645 المسألة 2134] فليلاحظ.

61
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

..........

______________________________
لا نافلتها مثلًا، و إنّما تكون معنونة بالعصر فيما إذا سبقتها نيّة العصر لا كل نيّة.

و عليه، فإذا أُحرز أنّ الصلاة معنونة بالعصر فقد أُحرزت نيّتها، فلا حاجة لإثباتها بقاعدة التجاوز، و إذا لم يحرز ذلك و شكّ في عنوان ما بيده من الصلاة حينما دخل فيها، فلم يعلم أنّ نيّة العصر محلّها قبل هذه الصلاة، لاحتمال الدخول فيها بعنوان النافلة مثلًا و مثلها لا تتقدّمها نيّة العصر قطعاً، فلا يكون ترك نيّة العصر حينئذ تركاً لما ينبغي أن يوجد، فكون النيّة ممّا ينبغي أن تفعل تابع لعنوان العمل الذي تجاوز عنه، فهو من مقوّمات جريان القاعدة، فكيف تصلح القاعدة لإثباتها.

و هذا الاشكال وجيه جدّاً لا مدفع عنه، غير أنّ بالإمكان أن تجري القاعدة في شي‌ء آخر يصدق معه التجاوز الذي لا ينفك عنه الشك المزبور، بل يرجع إليه عند التحليل، و هي الأجزاء السابقة على الجزء الذي بيده، فلو رأى نفسه في الركعة الثانية مثلًا بانياً على صلاة العصر و شكّ في أنّه كان بانياً عليه أوّل العمل أولا، فهو لا محالة يشك في أنّ الأجزاء السابقة على هذه الركعة إلى أوّل التكبيرة هل وقعت بنيّة العصر أو بعنوان آخر كالظهر مثلًا.

و هذا الشك و إن لم يكن شكّاً في الوجود لعلمه بوجود التكبيرة مثلًا، بل هو شكّ فيما هو الموجود، و أنّ التكبيرة الواقعة هل كانت بعنوان العصر أو لا، إلّا أنّه بالأخرة يرجع إلى الشك في الوجود، للشك وجداناً في وجود التكبيرة للعصر كي تصح ما بيده عصراً، و عدمها كي لا تصح. و لا ريب في شمول القاعدة لكل من الشك في الوجود و الموجود، فكما أنّه إذا شكّ في الفاتحة بعد الدخول في السورة تجري القاعدة بالنسبة إليها، فكذلك إذا علم بعد الدخول فيها بأنّه قرأ سورة و ترددت بين كونها هي الفاتحة أم سورة أُخرى غيرها لرجوعه في الحقيقة إلى الشك في وجود الفاتحة و عدمها كما عرفت.

62
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى إلا في موارد خاصة ج 14 ص 63

[مسألة 20: لا يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى إلّا في موارد خاصّة]

[1433] مسألة 20: لا يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى (1) إلّا في موارد خاصّة:

______________________________
و عليه، ففي المقام يشك في وجود التكبيرة للعصر و عدمها، فيشمله قوله: «رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال: يمضي ...» «1» إلخ. و لا ريب في تجاوز محلها بالدخول في الجزء اللاحق فتشملها القاعدة، و ببركتها يحكم بوقوع التكبيرة للعصر.

و لا نعني من نيّة العصر إلّا وقوع التكبيرة و ما بعدها من الأجزاء بنيّة العصر، و قد تكفّلت القاعدة لإثباته، فهي و إن لم تجر في نفس النيّة ابتداءً، لكنّها تجري في شي‌ء آخر يلازمها، و يشارك إجراء القاعدة فيها بحسب النتيجة كما اتّضح بما لا مزيد عليه، و قد عرفت إمكان استظهاره من عبارة الماتن أيضاً فتدبّر جيداً.

(1) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ الصلاة الأُولى بعد فرض كونها مغايرة للصلاة الثانية، فالأمر المتعلق بإحداهما غير الأمر المتعلق بالأُخرى، و من الضروري أنّ كل أمر لا يدعو إلّا إلى متعلقه بتمامه بأجزائه و شرائطه، فلو أتى بإحداهما بقصد امتثال أمرها، فإنّها لا تقع امتثالًا إلّا له دون الأمر الآخر.

و عليه فلو أتى ببعض الصلاة ثم عدل بها إلى الأُخرى فهي لا تقع امتثالًا للأمر الأوّل، لعدم الإتيان ببقية الأجزاء بداعي ذلك الأمر، كما لا تقع امتثالًا للثاني، لفرض عدم الإتيان بالأجزاء السابقة بداعي هذا الأمر، فلا تقع امتثالًا لشي‌ء منهما، و من المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من عنوانين و متعلقة لأمرين.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل ب 23 ح 1.

63
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

[أحدها: في الصلاتين المرتبتين]

أحدها: في الصلاتين المرتبتين كالظهرين و العشاءين (1) إذا دخل في الثانية قبل الاولى، عدل إليها بعد التذكّر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول

______________________________
بل إنّ هذا التقرير يتّجه و لو لم تكن الصلاة من العبادات، و لا يتوقف بيانه على عباديتها، و ذلك لوضوح أنّ الصلوات حقائق مختلفة و ماهيات متباينة و إن اتحدت صورة كما في الظهرين، كما يكشف عن ذلك اختلافها بحسب الأحكام من النفل و الفرض، و لزوم رعاية الترتيب كما بين الظهر و العصر، و حيث لا ميز بين هذه الماهيات إلّا من ناحية العنوان، فلا بدّ من قصده في تحققه، و إلّا فلا يقع مصداقاً لشي‌ء منها. و من الضروري أنّ كلا من تلك الماهيات معنون بتمامها بعنوان خاص و ليست ملفّقة منه و من عنوان آخر. فلو عدل في الأثناء إلى صلاة أُخرى فلا تقع مصداقاً لشي‌ء من الماهيتين للإخلال بإحداهما حدوثاً و بالأُخرى بقاءً كما هو ظاهر.

نعم، ورد في الشرع موارد رخّص فيها في العدول تعبداً توسعة في مرحلة الامتثال، و حيث إنّ ذلك على خلاف القاعدة و لا ضير في الالتزام به تعبّداً الكاشف عن حصول الغرض منها بذلك، فلا بدّ من الاقتصار عليها، و عدم التعدي عن مواردها.

ثم إنّ العدول قد يكون من الحاضرة إلى الحاضرة، و أُخرى من الفائتة إلى مثلها، و ثالثة من الحاضرة إلى الفائتة، و أمّا عكس ذلك فلا يجوز لعدم ورود النص فيه، و قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة العدم، و سنتعرض لأحكامها.

(1) هذا من العدول من الحاضرة إلى الحاضرة، فإذا دخل في العصر ثم التفت في الأثناء أنّه لم يصلّ الظهر عدل بها إليها و أتمّها ظهراً ثم صلى العصر كما أنّه لو دخل في العشاء ثم التفت أنّه لم يصلّ المغرب عدل إليها، ما لم يتجاوز محل العدول، دون ما إذا تجاوزه، كما لو تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة.

64
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

و أمّا إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب فإنّه لا يجوز العدول، لعدم بقاء محلّه فيتمّها عشاءً [1] ثم يصلِّي المغرب و يعيد العشاء أيضاً احتياطاً، و أمّا إذا دخل في قيام الرابعة و لم يركع بعد فالظاهر بقاء محل العدول فيهدم القيام و يتمّها بنيّة المغرب.

______________________________
و قد تقدّم الكلام حول ذلك في فصل أوقات اليومية و نوافلها مستقصى «1» و ذكرنا دلالة النصوص المستفيضة عليه كصحيح زرارة و الحلبي و عبد الرحمن و غيرها «2».

نعم، قد يعارضها في العشاءين خبر الحسن بن زياد الصيقل «3» المتضمن أنّ من تذكر نسيان المغرب و هو في العشاء يتمّها و يأتي بالمغرب بعدها، معللًا الفرق بينها و بين العصر، بأنّ الثانية لا صلاة بعدها، لكراهة الصلاة بعد العصر فلو لم يعدل لزم ارتكاب المكروه، بخلاف العشاء إذ لا تكره الصلاة بعدها فلا مانع من الإتيان بالمغرب بعدها.

لكنّ الخبر لا يصلح للمعارضة لضعف السند، فانّ الحسن بن زياد لم يوثق. على أنّ في السند محمد بن سنان و هو ضعيف. نعم، في الوسائل الطبعة الجديدة هكذا: و بإسناده عن ابن مسكان ... إلخ، و إسناد الشيخ إليه صحيح في المشيخة «4»، لخلوّه عن ابن سنان، لكنّ الظاهر بل المقطوع به أنّ النسخة‌

______________________________
[1] بل يرفع اليد عنها على الأظهر، و إن كان ما في المتن أحوط.

______________________________
(1) شرح العروة 11: 398 و ما بعدها.

(2) راجع الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63.

(3) الوسائل 4: 293/ أبواب المواقيت ب 63 ح 5.

(4) [لم نعثر على طريق للشيخ إلى ابن مسكان لا في المشيخة و لا في الفهرست المطبوع و لكن نقل في معجم الرجال 11: 347 طريقاً له إليه عن النسخة المخطوطة للفهرست].

65
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

..........

______________________________
غلط، و الصواب و بالإسناد ... إلخ «1» بدل و بإسناده، على ما هو الموجود في الوسائل القديمة طبعة عين الدولة و المراد الإسناد المذكور في الرواية التي ذكرت قبل هذه الرواية متصلًا التي في سندها ابن سنان.

و كذا في التهذيب رواها هكذا: عنه أي عن الحسين بن سعيد عن محمد ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن بن زياد الصيقل «2».

نعم، في تعليقة التهذيب الطبعة القديمة هكذا: و رواها في الاستبصار بإسناده عن ابن مسكان، عن الحسن بن زياد الصيقل ... إلخ. لكنّا لم نجدها في الاستبصار. و الظاهر أنّ هذا أيضاً اشتباه، و كيف كان فالرواية ضعيفة من وجهين: محمد بن سنان، و الحسن بن زياد الصيقل، و لا أقل من الثاني فلا تصلح للمعارضة. و على أيّ حال فالحكم في الجملة مسلّم لا غبار عليه نعم يقع الكلام في جهتين:

الأُولى: أنّه إذا كان التذكر بعد تجاوز محل العدول كما لو تذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من العشاء، فقد حكم المشهور حينئذ ببطلان العشاء و لزوم استئنافها بعد المغرب، و قد حكى الماتن (قدس سره) هذه الفتيا عنهم في فصل الأوقات «3» دون أن يعلّق عليها، الظاهر في ارتضائها، غير أنّه (قدس سره) في المقام حكم بصحتها عشاءً، و إن احتاط بإعادتها بعد المغرب.

و الأقوى ما عليه المشهور، لإطلاق أدلّة اعتبار الترتيب القاضية بلزوم إيقاع العشاء بتمام أجزائها بعد المغرب، و عدم جواز إيقاع شي‌ء منها قبلها عمداً، فانّ لازم ذلك بطلان هذه الصلاة، لأنّه هب أنّ الأجزاء السابقة وقعت‌

______________________________
(1) هذا هو الموجود في الطبعة الجديدة.

(2) التهذيب 2: 270/ 1075.

(3) العروة الوثقى 1: 374 المسألة [1182].

66
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

..........

______________________________
قبلها سهواً فلا يعتبر فيها الترتيب، لكنّه متعمد في تقديم الركعة الأخيرة عليها فقد أخلّ برعاية الترتيب بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة عامداً، المانع عن صحة الصلاة، فلا يمكنه إتمامها عشاءً، و المفروض عدم إمكان العدول إلى المغرب لتجاوز محلها، فهي باطلة لا محالة.

و منه يظهر عدم إمكان التمسّك بحديث لا تعاد، لأنّه متعمد في الإخلال بالترتيب في الأجزاء اللاحقة كما عرفت، و الحديث غير شامل للعامد بلا إشكال.

الجهة الثانية: إذا تذكر عدم الإتيان بالمغرب بعد القيام إلى الركعة الرابعة من العشاء، فالمعروف بقاء محل العدول حينئذ، فيهدم القيام و يتمّها بنيّة المغرب كما صرّح به في المتن.

لكنّه لم يرد به النص، لاختصاصه بما إذا كان التذكر في الركعة الثانية من العشاء أو الثالثة دون الرابعة، و من هنا ربما يشكل في جواز العدول حينئذ لخلوّ النص عنه، و قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز، لكنّ الظاهر جواز العدول في المقام، فإنّه و إن لم يرد به نص بالخصوص، لكن يمكن استفادته من إطلاق قوله (عليه السلام) في موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه: «فاذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي ... إلخ» «1» الشامل لما إذا كان التذكّر بعد القيام إلى الرابعة.

نعم، لا يعمّ ما إذا كان بعد الدخول في ركوعها، للزوم زيادة الركن حينئذ فيعلم من ذلك أنّ ذكر الركعتين أو الثلاث في الأخبار و منها نفس هذا الخبر، إنّما هو من باب المثال لا لخصوصية فيهما.

و أمّا سند الخبر فليس هناك من يتأمل فيه عدا الحسين بن محمد الأشعري و معلى بن محمد.

______________________________
(1) الوسائل 4: 291/ أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

67
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

..........

______________________________
أمّا الأوّل، المعبّر عنه بما ذكر تارة، و بالحسين بن محمد بن عامر اخرى و بالحسين بن محمد بن عمران الذي هو جده ثالثة، فهو من مشايخ الكليني و قد أكثر الرواية عنه، فإن قلنا إنّ مجرد ذلك كاف في التوثيق، لكشف الإكثار عن الاعتماد عليه فهو، و إلّا فيكفي كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة، فلا وجه للغمز في السند من أجله، بل قد وثقه النجاشي أيضاً بعنوان الحسين بن محمد بن عمران «1»، و إن كان الموجود في كامل الزيارات بعنوان الحسين بن محمد بن عامر، فهو موثق بتوثيقهما بعد ما عرفت من اتحاد الرجل.

و أمّا الثاني، الذي هو شيخ الحسين بن محمد المزبور لروايته عنه كثيراً، فقد ذكر النجاشي أنّه مضطرب الحديث و المذهب «2»، و الظاهر أنّ مراده باضطراب الحديث روايته عن الضعفاء و اشتمال حديثه على المناكير، فلا يكون مستقيماً في حديثه و على نهج واحد، فهذا التعبير على حدّ ما يعبّر من أنّ فلاناً يعرف من حديثه و ينكر، و ليس المراد بذلك الخدش في وثاقه الرجل كما لا يخفى.

و أمّا الاضطراب في المذهب من كونه غالياً تارة، أو مائلًا إلى سائر المذاهب اخرى، فلا يقدح في التوثيق كما لا يخفى.

و على الجملة: لا يظهر من عبارة النجاشي تضعيف الرجل كي يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسانيد تفسير القمي، فالأقوى وثاقته لما ذكر فلا بأس بالاعتماد على الرواية لقوة السند و الدلالة، فمن أجلها يحكم بجواز العدول في المقام.

هذا مضافاً إلى إمكان الاستناد في ذلك إلى حديث لا تعاد، فانّ العدول إلى المغرب لو كان التذكر أثناء العشاء في الجملة ممّا لا إشكال فيه، و من هنا لو‌

______________________________
(1) رجال النجاشي: 66/ 156.

(2) رجال النجاشي: 418/ 1117.

68
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة ج 14 ص 69

[الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاءً فشرع في اللاحقة قبل السابقة]

الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاءً (1) فشرع في اللاحقة قبل السابقة، يعدل إليها مع عدم تجاوز محل العدول، كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكّر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر و العصر، و أمّا إذا تجاوز

______________________________
كان التذكر قبل القيام إلى الرابعة جاز العدول بلا ارتياب، فلو لم يجز بعده و حكم ببطلان الصلاة حينئذ كان البطلان مستنداً إلى القيام الذي هو داخل في المستثنى منه، و قد حكم في الحديث بعدم الإعادة لو كان الإخلال من غير ناحية الخمسة المستثناة.

و نتيجة ذلك: جواز العدول حينئذ أيضاً و عدم بطلان الصلاة. و لا نعني بهذا الكلام التمسك باستصحاب جواز العدول الثابت قبل القيام إلى الرابعة، لعدم حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية في نفسه سيّما التعليقي منه كما في المقام لأنّ الجواز المزبور كان معلّقاً على التذكر، فيقال في تقرير الاستصحاب لو كان التذكر قبل القيام إلى الرابعة جاز العدول فكذا ما بعد القيام إليها، و الاستصحاب التعليقي ساقط كما حقق في الأُصول «1».

بل المراد الاستناد إلى نفس حديث لا تعاد في الحكم بالصحة بالتقريب الذي عرفته.

ثم لا يخفى أنّ العدول في هذه الصورة أي من الحاضرة إلى الحاضرة واجب، بمعنى أنّه لا يجوز له إتمام الصلاة بالعنوان الذي دخل فيها من العصر أو العشاء للزوم الإخلال بالترتيب، فلو أراد إتمامها لزمه العدول، و أمّا الوجوب بمعنى عدم جواز رفع اليد عنها فهو مبني على القول بحرمة القطع اختياراً.

(1) هذا من العدول من الفائتة إلى الفائتة، فنقول:

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 137.

69
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة ج 14 ص 69

أتمّ ما بيده على الأحوط، و يأتي بالسابقة و يعيد اللّاحقة [1] كما مرّ في الأدائيتين و كذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنّه يعدل.

______________________________
قد يفرض ذلك في المرتبتين، كما لو دخل في العصر قضاءً فتذكّر فوت الظهر، أو العشاء كذلك فذكر فوت المغرب، و الكلام فيه بعينه هو الكلام في الحاضرتين المرتبتين، للزوم رعاية الترتيب بين الظهرين و العشاءين، سواء أ كانتا حاضرتين أو فائتتين بلا إشكال، فيجري فيه جميع ما مرّ حتى من حيث التجاوز عن المحل و عدمه.

و أُخرى يفرض في غيرهما، كما لو دخل في المغرب القضائي فتذكر فوت العصر أو في الظهر كذلك فتذكّر فوت الصبح السابق عليه، و حينئذ فان لم يتجاوز محل العدول جاز بل وجب العدول إلى السابقة بناءً على لزوم رعاية الترتيب في قضاء الفوائت، و إن كان الأقوى عدم اللزوم فلا يجب العدول.

و إن جاوز محله كما لو كان تذكر فوت الصبح بعد الدخول في ركوع الثالثة من الظهر، فبناءً على لزوم الترتيب في قضاء الفوائت بطل ما بيده، فيرفع اليد عنه لعدم إمكان تحصيل الشرط و يستأنفهما، و إن كان الأحوط إتمامه بما نواه ثم الإتيان بالسابقة و إعادة اللاحقة كما ذكره في المتن.

و أمّا بناءً على عدم اللزوم كما هو الأقوى، فحيث لا محل للعدول أتمها ظهراً ثمّ أتى بالسابقة.

و كيف كان، فأصل جواز العدول في هذه المسألة مستفاد من الإطلاق في صحيح عبد الرحمن و هو قوله (عليه السلام): «فاذا ذكرها و هو في صلاة بدأ‌

______________________________
[1] على الأحوط، و الأظهر عدم وجوبها في غير المترتبتين في أنفسهما.

70
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء ج 14 ص 71

[الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً]

الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً (1)، فإنّه يجوز له أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محل العدول، و العدول في هذه الصورة على وجه الجواز بل الاستحباب، بخلاف الصورتين الأولتين فإنّه على وجه الوجوب [1].

______________________________
بالتي نسي» «1»، فلا إشكال في الحكم، و قد مرّ بعض الكلام في فصل أحكام الأوقات «2»، و سيجي‌ء مزيد التوضيح في مبحث القضاء إن شاء اللّٰه تعالى «3».

(1) هذا من العدول من الحاضرة إلى الفائتة، و قد تضمّنته صحيحة زرارة صريحاً، فيجوز العدول إلى القضاء مع بقاء محله، كما لو تذكر فوت الصبح قبل الدخول في ركوع الثالثة من الظهر الأدائي، بل يجب بناءً على لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة، كما أنّه بناءً على هذا المبنى يجب رفع اليد عنه لو كان التذكّر بعد تجاوز المحل، كما لو كان التذكر بعد الدخول في الركوع المزبور، للزوم الإخلال بالترتيب لو أتمّه، و العدول غير ممكن على الفرض، لكن المبنى غير تام و الترتيب غير لازم في المقام. كما سيجي‌ء تفصيله في مبحث القضاء إن شاء اللّٰه تعالى «4».

و عليه، فمع بقاء المحل لا يجب العدول، بل غايته الجواز للصحيحة المتقدمة. نعم، هو مستحب بناءً على استحباب تقديم الفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

______________________________
[1] الحكم بالوجوب في الصورة الثانية مبني على القول بوجوب الترتيب.

______________________________
(1) الوسائل 4: 291/ أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(2) شرح العروة 11: 401.

(3) شرح العروة 16: 133.

(4) شرح العروة 16: 182.

71
موسوعة الإمام الخوئي14

الرابع العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة ج 14 ص 72

[الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة]

الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة (1) لمن نسي قراءة الجمعة و قرأ سورة أُخرى من التوحيد أو غيرها و بلغ النصف أو تجاوز [1] و أمّا إذا لم يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة.

______________________________
(1) كما يدل عليه موثق صباح بن صبيح قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هو اللّٰه أحد، قال: يتم ركعتين ثم يستأنف» «1»، فيظهر منه جواز العدول إلى النافلة حينئذ اهتماماً بشأن سورة الجمعة و دركاً لفضيلتها.

لكنّ الماتن قيّد الحكم في المقام بما إذا بلغ النصف من السورة التي شرع فيها من التوحيد أو غيرها أو تجاوز، و أمّا إذا لم يبلغ النصف فليس له العدول إلى النافلة، و إنّما له العدول عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد التي لا يجوز العدول عنها في غير المقام إلى سورة الجمعة، فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة، و تبعه على هذا التفصيل غيره، و كأنّ الوجه فيه دعوى أنّ ذلك هو مقتضى الجمع بين الموثق المتقدم و بين الروايات الدالة على جواز العدول من التوحيد إلى الجمعة يوم الجمعة «2». فيحمل الأوّل على ما إذا بلغ النصف أو تجاوزه، و الطائفة الثانية على ما إذا لم يبلغ النصف.

لكنه كما ترى جمع تبرعي لا شاهد عليه، مع أنّه لا تعارض بينهما كي يحتاج إلى الجمع كما لا يخفى، فلا مانع من الأخذ بإطلاق كل منهما، و الحكم‌

______________________________
[1] ما ذكره هو الأحوط، و الأظهر جواز العدول إلى النافلة أو إلى سورة الجمعة مطلقاً.

______________________________
(1) الوسائل 6: 159/ أبواب القراءة في الصلاة ب 72 ح 2.

(2) الوسائل 6: 152/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69.

72
موسوعة الإمام الخوئي14

الخامس العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة إذا دخل فيها ج 14 ص 73

[الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة إذا دخل فيها]

الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة (1) إذا دخل فيها و أُقيمت الجماعة و خاف السبق [1]. بشرط عدم تجاوز محل العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة.

______________________________
بجواز العدول إلى النافلة أو من التوحيد إلى سورة الجمعة مخيّراً بينهما من دون فرق في كل منهما بين بلوغ النصف و عدمه، فالأقوى جواز العدول إلى النافلة و إن لم يبلغ النصف. و سيأتي في مبحث القراءة إن شاء اللّٰه تعالى حكم العدول من سورة إلى أُخرى «1».

(1) كما دلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلِّي إذ أذّن المؤذِّن و أقام الصلاة، قال: فليصلّ ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام و ليكن الركعتان تطوّعاً» «2» و نحوه موثق سماعة «3». و من المعلوم اختصاص الحكم بما إذا لم يتجاوز محل العدول، بأن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة كما هو ظاهر.

ثم إنّ الماتن خصص الحكم بما إذا خاف السبق و عدم إدراك الجماعة و لو بركوع الركعة الاولى، فلا يجوز العدول مع الأمن من ذلك، بل يتم الفريضة و يعيدها جماعة لو شاء. و لم نعرف وجهاً لهذا التقييد بعد إطلاق النص، فالأقوى جواز العدول حتى مع الأمن و عدم الخوف عملًا بإطلاق النص.

______________________________
[1] بل مع عدم الخوف أيضاً على الأظهر.

______________________________
(1) في ص 347.

(2) الوسائل 8: 404/ أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1، 2.

(3) الوسائل 8: 404/ أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1، 2.

73
موسوعة الإمام الخوئي14

السادس العدول من الجماعة إلى الانفراد ج 14 ص 74

[السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد]

السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد (1) لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى [1].

[السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض]

السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض.

______________________________
(1) هذا خارج عن محل الكلام من موارد العدول، فانّ عنوان المسألة متمحض في البحث عن العدول من صلاة إلى صلاة أُخرى، لا العدول في صلاة واحدة من كيفية إلى أُخرى، و لا ريب أنّ الجماعة و الفرادى فردان من ماهية واحدة يختلفان بحسب الأحكام و الآثار من دون تعدد في نفس الصلاة بالذات فلا يجري هنا ما مرّ في تقرير أصالة عدم العدول و كونه على خلاف القاعدة.

نعم، لا يجوز العدول في المقام أيضاً لو كان عازماً على الانفراد من أوّل الأمر، لا لما ذكر، لاختصاصه بما إذا تعدّدت ماهية المعدول عنها و المعدول إليها كما عرفت، بل لعدم ثبوت مشروعية قصد الجماعة في بعض ركعات الصلاة و إنّما الثابت قصدها في تمامها، و العبادات توقيفية فلا بدّ في إثبات مشروعيّتها من قيام الدليل، و إلّا فمقتضى الأصل العدم.

و دعوى أنّه قاصد للجماعة في تمامها حين الشروع و إن كان بانياً على العدول إلى الانفراد في الأثناء كما ترى، فإنّهما متضادّان و كيفيتان متباينتان فالقصد إليهما معاً جمع بين المتضادين. و هذا نظير أن يقصد المسافر الإقامة في محل عشرة أيام، و مع ذلك يبني من الأوّل على الخروج إلى ما دون المسافة خلال العشرة فإنّ صدور مثل هذا القصد غير معقول، لامتناع القصد إلى المتضادين معاً في آن واحد.

______________________________
[1] إذا لم يكن ناوياً له من أوّل الأمر.

74
موسوعة الإمام الخوئي14

الثامن العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام ج 14 ص 75

[الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام]

الثامن: العدول من القصر إلى التمام (1) إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.

[التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها]

التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.

[العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير]

العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.

______________________________
و بالجملة: فنية العدول إلى الانفراد من الأوّل قادحة، سواء أ كان لعذر أم غيره. و سيجي‌ء تمام الكلام فيه، و فيما لو بدا له العدول في الأثناء دون أن يقصده من الأوّل، و أنّه يصح لعذر أم مطلقاً أم لا يصح في مبحث الجماعة إن شاء اللّٰه تعالى «1».

و ممّا ذكرنا يظهر حكم العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض و أنّه ليس من العدول المبحوث عنه في المقام، فلا وجه للتعرض له فيما نحن فيه، و سيجي‌ء البحث عنه في محلّه في أحكام الجماعة إن شاء اللّٰه تعالى «2».

(1) تعرّض (قدس سره) في هذا و في الموردين الآتيين إلى حكم العدول من القصر إلى التمام، و منه إلى القصر، و من كل منهما إلى الآخر.

فالأوّل: كما إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام فيعدل إلى التمام.

و الثاني: كما إذا بدا له في نيّة الإقامة في الأثناء بعد ما قصدها، فإنّه يعدل إلى القصر مع بقاء محل العدول، كما لو كان البداء قبل الدخول في ركوع الثالثة و أمّا مع التجاوز كما لو كان بعد الدخول فيه فتبطل الصلاة لا محالة، إذ المأمور به و هو القصر لا يتمكن منه و ما يتمكنه من التمام ليس بمأمور به بعد فرض العدول عن نيّة الإقامة.

______________________________
(1) العروة الوثقى 1: 574 المسألة [1883].

(2) العروة الوثقى 1: 574 المسألة [1881].

75
موسوعة الإمام الخوئي14

العاشرالعدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير ج 14 ص 75

..........

______________________________
و الثالث: كما في مواطن التخيير، فإنّه يجوز له العدول من كل منهما إلى الآخر مع بقاء محله.

و ممّا تقدم يظهر أنّ العدول في هذه الموارد ليس من العدول المبحوث عنه في المقام، إذ القصر و التمام ليسا حقيقتين متباينتين و ماهيتين من الصلاة، بل صلاة الظهر مثلًا ماهية واحدة ذات فردين مختلفين في الأحكام كالجماعة و الفرادى فيجب التسليم على الركعة الثانية إن كان مسافراً، و على الرابعة إن كان حاضراً، و محل الكلام هو العدول من صلاة إلى صلاة أُخرى، لا من فرد إلى فرد آخر مع اتحاد ماهيتهما كما في هذه الموارد. و من هنا ذكرنا سابقاً أنّه لو قصد أحد الفردين فأتمّ على الفرد الآخر غفلة كما في مواطن التخيير صحت صلاته، لعدم الإخلال بالمأمور به بوجه.

و توضيح المقام: أنّ الفرق بين القصر و التمام هو الفرق بين الطبيعة بشرط لا، و الطبيعة بشرط شي‌ء، فهما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بلحاظ العوارض اللاحقة للطبيعة، فصلاة الظهر مثلًا إن لوحظت مقيّدة بعدم اقترانها بالركعتين الأخيرتين فهي القصر، و إن لوحظ انضمامها بهما فهي التمام، فلا اختلاف بينهما من حيث الذات بل هما متحدان في الحقيقة و العنوان.

و إنّما الفرق نشأ من الخصوصيات الملحوظة في كل من الفردين، فليس حالهما كالفريضة و النافلة، و الأداء و القضاء، و الظهر و العصر، حيث إنّهما متعددان عنواناً، و مختلفان ماهية، و من هنا كان العدول فيهما على خلاف القاعدة، لعدم كون الصلاة حينئذ مصداقاً لشي‌ء من الماهيتين، فلا تقع امتثالًا لشي‌ء من العنوانين بعد وضوح عدم تعلق الأمر بالصلاة الملفّقة منهما، فيحتاج جواز العدول فيها إلى دليل بالخصوص، و قد عرفت اختصاصه بالحاضرتين و الفائتتين، و من الحاضرة إلى الفائتة، و من الفرض إلى النفل، دون غيرها من بقية الموارد على البيان الذي سبق في محله.

76
موسوعة الإمام الخوئي14

العاشرالعدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير ج 14 ص 75

..........

______________________________
و هذا بخلاف القصر و التمام، إذ بعد ما عرفت من كونهما حقيقة واحدة فجواز العدول حينئذ مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص، فانّ العدول من أحدهما إلى الآخر قد يفرض في مواطن التخيير و أُخرى في غيرها.

أمّا في الأوّل: فمرجع الوجوب التخييري على ما بيّناه في محله «1» إلى أنّ الواجب إنّما هو الجامع الانتزاعي أعني عنوان أحدهما لا بعينه فخصوصية كل من الفردين ملغاة في مقام تعلق الأمر و خارجة عن حريمه، إذ ليس المأمور به إلّا نفس الجامع. و عليه فلو شرع في الصلاة بقصد التمام جاز له العدول إلى القصر و بالعكس، فإنّه عدول من فرد إلى فرد، لا من واجب إلى واجب.

و هذا كما لو كان بانياً لدى الشروع في الصلاة على الإتيان بسورة خاصة ثم عند الفراغ من الفاتحة بدا له و عدل إلى سورة أُخرى، فإنّ هذا لا ضير فيه قطعاً، إذ الواجب إنّما هي الصلاة المقيّدة بجامع السورة و لا عدول في ذلك، و إنّما العدول من فرد إلى فرد لم يتعلق الأمر بشي‌ء منهما. و المقام من هذا القبيل كما هو واضح، بل له الشروع في الصلاة مقتصراً على نيّة الظهر مثلًا من دون قصد شي‌ء من القصر و التمام، ثم بعد البلوغ إلى حدّ الافتراق يختار أحد الفردين.

و أمّا في الثاني: كما لو شرع في الصلاة بنيّة التمام قاصداً للإقامة ثم بدا له فيها و عزم في الأثناء على السفر فعدل إلى القصر، فانّ العدول حينئذ و إن كان من واجب إلى واجب، لوجوب التمام بخصوصه لدى الشروع بعد كونه قاصداً للإقامة آن ذاك، إلّا أنّ الوجوب لم يكن فعليّاً منجّزاً، بل كان معلقاً على استدامته على ذاك القصد إلى الانتهاء عن الصلاة، كما كان مأموراً بالقصر أيضاً على تقدير العدول عن قصده.

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 4: 40.

77
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة ج 14 ص 78

[مسألة 21: لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة]

[1434] مسألة 21: لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة (1) فلو دخل في فائتة ثم ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها و استأنف و لا يجوز العدول على الأقوى.

[مسألة 22: لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض و لا من النفل إلى النفل]

[1435] مسألة 22: لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض و لا من النفل إلى النفل، حتى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت و السبق و اللّحوق (2).

[مسألة 23: إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا]

[1436] مسألة 23: إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا (3) كما لو نوى بالظهر العصر و أتمّها على نيّة العصر.

______________________________
و بعبارة اخرى: إنّ المكلف المزبور مخاطب عند افتتاح صلاته بخطابين مشروطين، و مكلف بتكليفين تعليقيين، فيؤمر بالتمام على تقدير البقاء على قصده، و في عين الحال يؤمر بالقصر على تقدير العدول عن قصده، فالمكلف بعدوله في الأثناء يخرج نفسه عن موضوع و يدخله في موضوع آخر قد تعلّق الأمر بكل منهما على النحو الذي عرفت، فجواز العدول من التمام إلى القصر و بالعكس مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى دليل بالخصوص.

(1) لعدم الدليل عليه، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز، لكون العدول على خلاف القاعدة كما مرّ. و منه يظهر الحال في المسألة اللاحقة.

(2) كالنوافل المرتّبة اليومية و نحوها.

(3) أمّا بطلان المعدول عنها و هو الظهر فللإخلال بنيّتها، و أمّا بطلان المعدول إليها و هو العصر فلعدم جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة لعدم الدليل عليه، و مقتضى القاعدة عدم الجواز كما مرّ. و منه يظهر الحال في المسألة الآتية. و هذا كله مما لا إشكال فيه لوضوحه مما سبق.

إنّما الكلام فيما ذكره في المسألة التي بعدها من أنّه لو عدل بزعم تحقق موضع‌

78
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنه قد فعلها ج 14 ص 79

[مسألة 24: لو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنّه قد فعلها]

[1437] مسألة 24: لو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنّه قد فعلها، لم يصح له العدول إلى العصر.

[مسألة 25: لو عدل بزعم تحقّق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء]

[1438] مسألة 25: لو عدل بزعم تحقّق موضع العدول (1) فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النيّة الأُولى كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثم بان أنّه صلّاها، فإنّها تصح عصراً لكن الأحوط الإعادة.

______________________________
العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء، كما لو اعتقد أثناء العصر أنّه لم يأت بالظهر فعدل إليها، ثم بان أنّه صلاها، فهل له حينئذ أن يعدل إلى النيّة الأُولى فيتمها عصراً أو لا؟ و ستعرف الحال فيها.

(1) مفروض كلامه (قدس سره) ما إذا أتى بعد العدول إلى الظهر ببعض الأجزاء بنيّة الظهر ثم انكشف الخلاف بعد الفراغ، أو في الأثناء. و أمّا إذا كان الانكشاف قبل أن يأتي بجزء أصلًا فعدل إلى العصر بعد عدوله إلى الظهر قبل أن يأتي بشي‌ء من الأجزاء بنيّة الظهر، فينبغي أن يكون هذا خارجاً عن محل الكلام، و يحكم فيه بالصحة بلا إشكال، إذ ليس هناك عدا مجرد عدول في النيّة فحسب و هو لا يزيد على نيّة القطع، ثم العود قبل أن يأتي بشي‌ء التي عرفت سابقاً عدم قدحها في الصحة.

ثم إنّ الأجزاء التي يأتي بها بعد العدول إلى الظهر بنيّة الظهر إمّا ركنية أم لا.

أمّا الثاني، كما لو اعتقد أثناء الفاتحة عدم الإتيان بالظهر فعدل إليها و أتمّ الفاتحة و السورة بنيّتها، ثم بان الخلاف قبل الدخول في الركوع فعدل إلى العصر، أو كان الاعتقاد المزبور حال التشهد فعدل و أتمّ التشهد و سلم بنيّة الظهر، ثم بان الخلاف بعد الفراغ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في صحّتها عصراً غايته لزوم إعادة تلك الأجزاء بنيّة العصر للإخلال بهذه النيّة، و لا ضير فيه‌

79
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء ج 14 ص 79

..........

______________________________
لعدم لزوم الزيادة المبطلة بعد عدم كونها ركنية، و ستعرف أنّ الإعادة أيضاً غير لازمة. فينبغي أن تكون هذه الصورة أيضاً خارجة عن محل الكلام.

و إنّما الكلام كله فيما لو كانت تلك الأجزاء ركنية، كما لو كان انكشاف الخلاف بعد الدخول في الركوع، أو بعد الفراغ و قد أتى بجزء ركني، فإنّه ربما يستشكل حينئذ في الصحة، بدعوى أنّ صحة العصر تتقوّم بقصد عنوان العصر في تمام الأجزاء بأسرها و إلّا لم تقع مصداقاً لهذا العنوان كما هو الشأن في كل صلاة ذات عنوان. فالجزء المأتي به غير مجز، للإخلال بنيّته حسب الفرض، و لا يمكن تداركه للزوم زيادة الركن، فمقتضى القاعدة بطلان الصلاة حينئذ لعدم إمكان تصحيحها بوجه.

لكن الأقوى وفاقاً للمتن صحتها عصراً، و ذلك للروايات المتقدمة الدالّة على أنّ العبرة في النيّة بما افتتحت به الصلاة، و أنّ من دخل في الفريضة و أتمّها بزعم النافلة غفلة، أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه، و موردها و إن كان هو العدول من الفرض إلى النفل و بالعكس الخارج عن محل الكلام إلّا أنّه يستفاد منها حكم المقام بالإطلاق بعد إلغاء خصوصية المورد، فانّ روايات الباب ثلاث على ما عرفت و العمدة منها صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة «1» و العبرة فيها بقوله (عليه السلام) في الجواب «هي التي قمت فيها ...» إلخ الذي هو بمنزلة التعليل للصحة، و أنّ العبرة بالنيّة التي قمت فيها في الصلاة، و مقتضى عموم العلة إطلاق الحكم لكل مورد.

و أظهر منها دلالة روايتا معاوية و ابن أبي يعفور «2» الصريحتان في أنّ العبرة بما افتتح الصلاة عليه كما في الأُولى و أنّه إنّما يحسب للعبد من صلاته التي‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 1.

(2) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 2، 3.

 

 

80
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 26لا بأس بترامي العدول كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها ج 14 ص 81

[مسألة 26: لا بأس بترامي العدول كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها]

[1439] مسألة 26: لا بأس بترامي العدول (1) كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها، فإنّه يعدل منها إليها و هكذا.

______________________________
ابتدأ في أوّل صلاته كما في الثانية و إن لم نستدل بهما لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ.

و كيف كان، فالمستفاد منها أنّ العدول إلى صلاة أُخرى غفلة كما في المقام غير قادح في الصحة، و إنّما العبرة بالنيّة الاولى، بل عن صاحب الجواهر «1» (قدس سره) احتمال شمولها لصورة العمد أيضاً، أخذاً بالإطلاق و إن كان ساقطاً قطعاً، لامتناع قصد أمر يعلم بعدمه إلّا على وجه التشريع المحرّم كما لا يخفى.

و على الجملة: فلا قصور في تلك الأخبار لشمولها للمقام فيحكم بالصحة على النيّة الأُولى و إن عدل إلى الظهر بزعم عدم إتيانها، فإنّه يلحق بالعدول السهوي لا العمدي، استناداً إلى هذه الروايات، و لا حاجة إلى إعادة تلك الأجزاء بنيّة العصر فلا نروم إثبات الصحة على طبق القاعدة كي يقال بأنّ القاعدة تقتضي البطلان، بل نستند في الصحة إلى هذه الأخبار التي هي على خلاف القاعدة.

(1) كما لو كان عليه المغرب فدخل فيها فتذكر أنّ عليه العصر فعدل إليها فتذكر أنّ عليه الظهر فعدل إليها، و منها إلى الصبح مثلًا و هكذا، فإنّه بعد البناء على جواز العدول في الفوائت من اللاحقة إلى السابقة كما هو مقتضى إطلاق صحيحة عبد الرحمن «فاذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي» «2» كان الترامي المزبور جائزاً بمقتضى الإطلاق من دون حاجة فيه إلى دليل بالخصوص.

______________________________
(1) الجواهر 9: 200.

(2) الوسائل 4: 291/ أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

81
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 27لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين ج 14 ص 82

[مسألة 27: لا يجوز العدول بعد الفراغ، إلّا في الظهرين]

[1440] مسألة 27: لا يجوز العدول بعد الفراغ (1)، إلّا في الظهرين إذا أتى بنيّة العصر بتخيل أنّه صلى الظهر فبان أنّه لم يصلها، حيث إنّ مقتضى رواية صحيحة (2) أنّه يجعلها ظهراً، و قد مرّ سابقاً.

______________________________
فما عن بعض من عدم ثبوت العدول في الفوائت من اللاحقة إلى السابقة فضلًا عن الترامي، لاختصاص النصوص بالعدول من الحاضرة إلى مثلها، أو منها إلى الفائتة، و ابتناء التعدي على القول بتبعية القضاء للأداء في غير محله لأنّ العمدة من نصوص العدول هما صحيحتا زرارة و عبد الرحمن «1» و قد عرفت عدم قصور في إطلاق الثانية للشمول للفوائت في أنفسها و للترامي فيها. و أمّا دعوى التبعية فساقطة كما مرّ في محلها «2».

(1) لخروجه عن مورد النصوص، لاختصاصها بالعدول في الأثناء، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز التي تقتضيها القاعدة كما عرفت.

(2) و هي صحيحة زرارة قال (عليه السلام) فيها: «إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة، أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع» «3» لكن النص معرض عنه، و قد أفتى الأصحاب باحتسابها عصراً و لزوم إتيان الظهر بعد ذلك، و أنّ شرطية الترتيب ساقطة حينئذ لكونه شرطاً ذكريا لا واقعياً كما استفيد ذلك من حديث لا تعاد لدخول الترتيب في المستثنى منه، و إلّا فليس على ذكريته دليل بالخصوص.

و كيف كان، فبناءً على مسلكنا من عدم قدح الإعراض كعدم جبر العمل‌

______________________________
(1) الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63 ح 1، 2.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 4: 62.

(3) الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

82
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 28يكفي في العدول مجرد النية من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النية ج 14 ص 83

[مسألة 28: يكفي في العدول مجرد النيّة من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النيّة]

[1441] مسألة 28: يكفي في العدول مجرد النيّة من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النيّة (1).

[مسألة 29: إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلًا فشرع في الصلاة بنيّة التمام]

[1442] مسألة 29: إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلًا فشرع في الصلاة بنيّة التمام قبل الوصول إلى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حدّ الترخص، فان لم يدخل في ركوع الثالثة فالظاهر أنّه يعدل إلى القصر و إن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام و الإعادة [1] قصراً و إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام (2).

______________________________
كان اللّازم العمل بالنص المزبور وفاقاً للمتن، إلّا أنّ الأحوط حذراً عن مخالفة المشهور أن يعدل بها إلى الظهر ثم يأتي بأربع بقصد ما في الذمة، فإنّ ما صلّاهُ صحيح قطعاً، إمّا ظهراً كما يقتضيه النص، أو عصراً كما عليه المشهور، فالذمة غير مشغولة إلّا بصلاة واحدة مرددة بين الظهر و العصر فيقصد بها ما في ذمته.

(1) لم يتضح المراد من العبارة، فإنّ النيّة بمعنى واحد في كلا الموردين، و هو القصد الارتكازي المتعلق نحو العمل على حد سائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب، و لم يتقدم منه (قدس سره) اعتبار شي‌ء آخر زائداً على ذلك في ابتداء النيّة كي لا يحتاج إليه في المقام. و من المعلوم أنّ نيّة الرياء و نحوه قادحة في كلا الموردين فلم يتضح الفرق بين المقامين، بل هما على حد سواء و بمعنى واحد فتدبر جيداً.

(2) فصّل (قدس سره) في من دخل في الصلاة بنيّة التمام لدى شروعه في‌

______________________________
[1] و إن كان الأظهر جواز القطع و الإعادة قصراً.

83
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام ج 14 ص 83

..........

______________________________
السفر و قد بلغ إلى حدّ الترخص قبل الفراغ منها، بين ما إذا كان البلوغ بعد الدخول في ركوع الثالثة، و ما إذا كان قبله، فذكر أنّ الأحوط الإتمام و الإعادة قصراً في الصورة الأُولى، و أنّه يعدل إلى القصر في الصورة الثانية.

أقول: أمّا ما ذكره من الاحتياط في الصورة الأُولى فهو حسن لكنّه غير لازم، بل الأقوى بطلانها، فيرفع اليد عنها و يأتي بالقصر، إذ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ من بلغ إلى حدّ الترخص وجب عليه القصر أنّ وظيفته الفعلية هي القصر، و إن أتى ببعض الصلاة قبل ذلك، لعدم قصور للإطلاق في شموله للمقام بعد تحقق موضوعه كما لا يخفى. و حيث إنّه لا يتمكن من تتميم هذه الصلاة قصراً لفرض تجاوز محل العدول، و لا تماماً لعدم الأمر به فتبطل لا محالة، إذ ما هو المأمور به لا يتمكن من إتيانه، و ما يتمكن منه ليس مأموراً به. فلا مناص من رفع اليد عنها و استئنافها قصراً.

و أمّا الصورة الثانية: فالظاهر صحتها و إتمامها قصراً و إن شرع فيها بنيّة التمام، و ذلك لما عرفت سابقاً من أنّ القصر و التمام ليسا حقيقتين مختلفتين و ماهيتين متباينتين كي يلزم قصد كل منهما بخصوصه، بل هما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بحسب الأحكام من وجوب التسليم على الثانية في الأوّل و على الرابعة في الثاني، فلا يلزم إلّا تعيين عنوان الصلاة من الظهر أو العصر و ينظر في تعيين أيّ الفردين لتشخيص الوظيفة الفعلية إلى حال المكلف في مرحلة الامتثال و أنّه حاضر أو مسافر، و حيث إنّه بعد الانتهاء عن الركعتين مسافر على الفرض و إن كان حاضراً قبله، فينقلب الموضوع و يجب عليه القصر حينئذ.

و بعبارة اخرى: لا شك أنّ الركعتين الأولتين واجبتان على عامة المكلفين من الحاضرين و المسافرين، و هذا قدر مشترك بين الطائفتين، و بعد الانتهاء منهما‌

84
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام ج 14 ص 83

..........

______________________________
و استكمالهما يقسّم المكلف حينئذ إلى الحاضر و يلحقه من لم يبلغ حدّ الترخّص و إلى المسافر أي البالغ حدّه، فان كان في هذا الحال مندرجاً تحت العنوان الأوّل خوطب بوجوب التمام، و إن اندرج في الثاني خوطب بوجوب القصر و التسليم على الركعتين، و حيث إنّ المفروض في المقام اندراج المكلف في هذه الحالة تحت العنوان الثاني و إن لم يكن كذلك لدى شروعه في الصلاة، فلا محالة يخاطب بوجوب القصر، لما عرفت من أنّ العبرة في ملاحظة الخطاب بقسميه إنّما هي بهذه الحالة دون ما قبلها، لاشتراك الطائفتين في الركعتين الأولتين.

نعم، إنّما يجب قصد أربع ركعات على الحاضر من حين شروعه في الصلاة لأنّ الظهر الواجب عليه إنّما هو هذا الفرد دون القصر، لا لخصوصية فيه زائداً على عنوان الظهرية مثلًا، و إلّا فهما حقيقة واحدة كما عرفت. و هذا إنّما يتحقق فيما إذا استمر على صفة الحضور إلى انتهاء الأربع ركعات دون ما إذا تبدل الوصف و انقلب إلى المسافر ببلوغه إلى حدّ الترخص في الأثناء كما في المقام.

و منه تعرف جواز الشروع في الصلاة و إن علم من الأوّل بلوغه إلى حدّ الترخص في الأثناء، غايته أنّه لا تجوز له نيّة التمام حينئذ لكونه من التشريع المحرّم، و إنّما يقصد ذات الظهر مقتصراً على هذا العنوان فحسب.

و من جميع ما ذكرناه يظهر حكم عكس المسألة، و أنّه إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام، أي يتمّها على أربع ركعات، لتبدل الموضوع حينئذ و اندارجه بعد الركعتين تحت عنوان الحاضر المخاطب بوجوب التمام، و الدخول بنيّة القصر ضم حجر لا تأثير له بعد ما عرفت من أنّ العبرة في القصر و التمام بملاحظة الحالة الفعلية بعد انتهائه عن الركعتين، من كونه فعلًا حاضراً أو مسافراً.

85
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 30إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا ج 14 ص 86

[مسألة 30: إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمّة فعلًا]

[1443] مسألة 30: إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمّة فعلًا، و تخيّل أنّها الظهر مثلًا، ثم تبيّن أنّ ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة [1]، لأنّ الاشتباه إنّما هو في التطبيق (1).

______________________________
(1) قد عرفت في بعض المباحث السابقة اختصاص باب الخطأ في التطبيق بما إذا لم يكن المأمور به من العناوين القصدية، فكان الاشتباه في شي‌ء لا يتقوّم الامتثال بقصده، كما لو تخيّل أنّ ما بيده هي الركعة الثانية فبان أنّها الأُولى، أو أنّ من في المحراب زيد فبان عمراً، أو أنّ من أعطاه الدرهم عادل فبان فاسقاً و هكذا، فإنّ خصوصية كون الركعة هي الثانية مثلًا، أو كون من في المحراب زيداً، أو من يعطيه عادلًا لا يعتبر قصد شي‌ء منها في تحقق الامتثال لخروجها عن حريم المأمور به، فقصد خلافها غير قادح، و كان باب الاشتباه في التطبيق واسعاً في أمثال ذلك.

و أمّا إذا كان المأمور به من العناوين القصدية بحيث لا يتحقق الامتثال إلّا بقصده و لو إجمالًا، كعنوان الظهرية و العصرية حيث لا ميز بينهما إلّا بقصد هذا العنوان، ففي مثله لا سبيل لتطبيق باب الخطأ في التطبيق فيما لو قصد أحد العنوانين بتخيّل أنّه الواجب معتقداً ذلك اعتقاداً جزمياً ثم بان الخلاف، لأنّ امتثال المأمور به لا يتحقق إلّا بقصده حسب الفرض، فما قصده لا واقع له، و ما له الواقع غير مقصود به، و لا يصححه ضمّ قصد ما في الذمة، إذ لا أثر لقصد هذا اللفظ قطعاً، و إنّما المؤثّر قصد واقع ما في الذمة، و كيف يمكنه قصد ذاك الواقع مع اعتقاده الجزمي بأنّ الواجب عليه حسب تخيله هو الظهر مثلًا و كان الواقع هو العصر، فهو غير قاصد إلّا إلى الظهر ليس إلّا، و لم يقصد العصر‌

______________________________
[1] بل الظاهر عدمها إذا اعتقد جزماً أنّ ما في ذمّته صلاة معيّنة كصلاة الظهر مثلًا و أتى بها بهذا العنوان ثم تبيّن أنّه كان غيرها.

86
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 31إذا تخيل أنه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين ج 14 ص 87

[مسألة 31: إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة اللّيل مثلًا فقصد الركعتين]

[1444] مسألة 31: إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة اللّيل مثلًا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك، فبان أنّه لم يصلّ الأولتين، صحت و حسبت له الأوّلتين، و كذا في نوافل الظهرين. و كذا إذا تبيّن بطلان الأولتين و ليس هذا من باب العدول، بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد كونهما أوّلتين أو ثانيتين، فتحسب على ما هو الواقع، نظير ركعات الصلاة حيث إنّه لو تخيل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلًا فبان أنّها الأُولى أو العكس أو نحو ذلك، لا يضر و يحسب على ما هو الواقع (1).

______________________________
بوجه حتى إجمالًا، فالتلفظ بقصد ما في الذمة حينئذ مجرد لقلقة لسان لا يجدي مثله شيئا.

نعم، إنّما يجدي ذلك فيما إذا تردد و شكّ فيما اشتغلت به الذمة و ما تعلّق به الأمر الفعلي من دون تخيل و اعتقاد، فلم يدر أنّ الواجب هو الظهر أو العصر فصلى بقصد ما في الذمة صحّت، لتعلق القصد حينئذ بما هو الواقع إجمالًا، فإنّه كافٍ، إذ لا يعتبر القصد التفصيلي كما مرّ سابقاً «1».

و الحاصل: أنّ قصد ما في الذمة لا يجتمع مع القصد إلى صلاة معيّنة بخصوصها و لا يكون ذلك من باب الخطأ في التطبيق. و هذا نظير ما إذا صام بقصد ما في الذمة معتقداً أنّ الذمة مشغولة بقضاء شهر رمضان فنوى القضاء بخصوصه، ثم انكشف أنّ الذمة غير مشغولة به، بل هي مشغولة بالصوم الاستئجاري، فهل يمكن القول بوقوعه امتثالًا عنه و فراغ ذمته عن الصوم النيابي الواجب عليه بدعوى كون قصد الخلاف من باب الخطأ في التطبيق.

(1) قد ظهر الحال ممّا قدّمناه في المسألة السابقة، فإنّ قصد كون الركعتين‌

______________________________
(1) في ص 11.

87
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

[فصل في تكبيرة الإحرام]

فصل في تكبيرة الإحرام و تسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً، و هي أوّل الأجزاء الواجبة للصلاة (1) بناءً على كون النيّة شرطاً، و بها يحرم على المصلي المنافيات (2) و ما لم يتمّها يجوز له قطعها.

______________________________
هما الأولتين من ركعات نافلة الليل أم الثالثة و الرابعة و هكذا غير معتبر في تحقق امتثال النافلة، كقصد كون الركعة التي بيده من الفريضة هي الركعة الأُولى أو الثانية، فقصد الخلاف غير قادح لكونه من باب الاشتباه في التطبيق غير القادح في أمثال المقام ممّا لا يتقوّم المأمور به بقصده، فيحسب له على ما هو الواقع عند خطئه، و ليس ذلك من باب العدول في شي‌ء كما صرّح به في المتن.

(1) على ما تشهد به النصوص الكثيرة «1» المصرّحة بأنّ أوّلها التكبيرة، أو افتتاحها أو تحريمها على اختلاف ألسنتها، و أمّا القيام حالها فليس من أفعال الصلاة، بل هو شرط للتكبيرة مختص بحال التمكن كسائر الشرائط من الستر و الاستقبال و نحوهما، فصحّت دعوى أنّ التكبيرة هي أوّل الأجزاء، بعد الفراغ عن أنّ النيّة شرط لا جزء كما مرّ «2».

(2) أمّا الحرمة الوضعية، فلإطلاق أدلّة المنافيات الشامل لمجرد الشروع في التكبيرة و إن لم يفرغ بعد عنها، فلو تكلم أو تقهقه أو أتى بسائر المنافيات‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

(2) في ص 5.

88
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و تركها عمداً و سهواً مبطل، كما أنّ زيادتها أيضاً كذلك [1] (1) فلو كبّر بقصد الافتتاح و أتى بها على الوجه الصحيح ثم كبّر بهذا القصد ثانياً بطلت و احتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج إلى خامسة، و هكذا تبطل بالشفع و تصح بالوتر.

______________________________
أثناءها بطلت، لصدق كونه في الصلاة بمجرد الشروع فيها، و لا يتوقف على استكمالها فتشمله المطلقات.

و أمّا الحرمة التكليفية، و أنّه هل يجوز قطعها ما لم يتمها أو لا، فهي من شؤون البحث عن حرمة قطع الفريضة اختياراً الذي عقد الماتن له فصلًا مستقلا بعد فصل المكروهات في الصلاة «1»، فيبحث عن أنّ الحرمة ثابتة أم لا، و على تقدير الثبوت فهل تعمّ المقام أو لا، فالأولى تأخير التعرض لذلك إلى حينه.

(1) على المشهور بينهم، و من هنا عدّوها من الأركان بعد أن فسّروها بما تبطل الصلاة بنقيصته و زيادته عمداً و سهواً، لكنّ الركن بلفظه لم يرد في شي‌ء من الروايات، و إنّما اصطلح عليه الفقهاء و تداول في ألسنتهم، و التفسير المزبور ممّا لا شاهد عليه بعد أن لم يساعده المفهوم اللغوي، فإنّه لا يقتضي إلّا الإخلال من حيث النقيصة دون الزيادة، أ لا ترى أنّ الأُسطوانات و هي أركان البناء ينهدم بفقدها و لا تضرّ زيادتها. و كيف كان فالمتبع في الحكم المذكور هو الدليل فلا بدّ من النظر إلى الأدلة، و يقع الكلام تارة من حيث النقيصة و أُخرى من حيث الزيادة، فهنا مقامان.

______________________________
[1] مرّ أنّ زيادتها سهواً لا توجب البطلان.

______________________________
(1) راجع العروة الوثقى 1: 540.

89
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
أمّا المقام الأوّل: فلا ريب أنّ مقتضى القاعدة هو البطلان بالإخلال العمدي كما هو الشأن في سائر الأجزاء، إذ أنّ ذلك هو مقتضى فرض الجزئية و الدخل في المركب الارتباطي. كما لا ريب أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية فيها و في سائر الأجزاء مع قطع النظر عن مثل حديث لا تعاد و نحوه هو البطلان أيضاً بتركها سهواً، لانتفاء المركب بانتفاء جزئه بعد إطلاق دليل الجزئية الشامل لحالتي الالتفات و عدمه كما صرّح به الشيخ (قدس سره) «1» على أنّ الحكم في المقام ممّا تسالم عليه الأصحاب، و لم ينقل الخلاف فيه عن أحد، بل ادعي الإجماع على البطلان بالنقص السهوي فضلًا عن العمدي في غير واحد من الكلمات محصّلًا و منقولًا.

و قد تضمّنت جملة من النصوص الصحيحة بطلان الصلاة بنسيان التكبيرة كصحيحة زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال: يعيد» «2» و موثقة عمار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: يعيد الصلاة، و لا صلاة بغير افتتاح» «3».

و صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع، قال: يعيد الصلاة» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب تكبيرة الإحرام.

نعم، بإزائها روايات أُخرى معتبرة فيها الصحيح و الموثق دلت صريحاً على عدم الإعادة التي منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتى دخل في الصلاة، فقال: أ ليس كان من‌

______________________________
(1) فرائد الأُصول 2: 483.

(2) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1، 7، 5.

(3) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1، 7، 5.

(4) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1، 7، 5.

90
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
نيّته أن يكبّر؟ قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته» «1». و نحوها غيرها ممّا تضمّن التفصيل بين كون التذكر قبل الركوع و بعده، و أنّه يكبّر في الأوّل و يمضي في الثاني كموثق أبي بصير «2»، أو بين كونه في الصلاة أو بعدها، فيكبّر قائماً في الأوّل و يقضيها و لا شي‌ء عليه في الثاني كصحيح زرارة «3» و غيرها ممّا ذكرت في الباب المزبور.

و قد يقال كما عن المحقق الهمداني (قدس سره) «4»: بإمكان الجمع بين صحيحة الحلبي و الطائفة الاولى بارتكاب التخصيص، حيث إنّ نسبة الصحيحة إليها نسبة الخاص إلى العام، لأنّ موردها من كان من نيّته أن يكبّر فنسي، و تلك الأخبار مطلقة، فتخصص بالصحيحة و تحمل على من لم يكن من نيّته ذلك، إلّا أنّه متعذّر في خصوص المقام، للزوم حمل تلك المطلقات على الفرد النادر.

لكنه كما ترى لا سبيل إلى التخصيص حتى لو جاز حمل المطلق على الفرد النادر و لم يكن مستهجناً، إذ النسبة بينهما هي التباين دون العموم و الخصوص ضرورة أنّ فرض نسيان التكبيرة مساوق لسبق الالتفات إلى جزئيتها الملازم للبناء على إتيانها حين إرادة الصلاة، فالناسي ناوٍ للتكبيرة و بانٍ عليها و من نيّته أن يكبّر مهما صلّى و لا تنفك عنه أبداً، و إلّا فهو إمّا جاهل أو عامد كما لا يخفى. فالموضوع في الطائفتين شي‌ء واحد قد حكم عليه بالإعادة تارة و بعدمها اخرى، فهما متعارضان من أوّل الأمر.

و ربما يجمع بينهما بالحمل على الاستحباب. و فيه: ما لا يخفى، لما تكرّر منّا غير مرّة من امتناع ذلك في مثل يعيد و لا يعيد كما في المقام إذ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد، و لا معنى لاستحباب الفساد.

______________________________
(1) الوسائل 6: 15/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9.

(2) الوسائل 6: 15/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10، 8.

(3) الوسائل 6: 15/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10، 8.

(4) مصباح الفقيه (الصلاة): 241 السطر 27.

91
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
فالأولى في المقام أن يقال: إن كان هناك إجماع على البطلان عند النسيان بحيث أورث القطع بالحكم، فالطائفة الثانية المتضمنة للصحة ساقطة عن الحجية في حدّ نفسها، فلا تصلح للمعارضة، بل يردّ علمها إلى أهله، و إن لم يورث القطع، للتشكيك في كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) كما لا يبعد، فان ثبت حينئذ أنّ فتوى العامّة هي الصحة حملت هذه الطائفة على التقية، و كان الترجيح مع الطائفة الأُولى لمخالفتها لهم، و إن لم يثبت لذهاب جمع منهم إلى البطلان أيضاً كما قيل «1»، فلا مناص من استقرار المعارضة حينئذ، فيتساقطان و يرجع إلى إطلاق دليل الجزئية من قوله (عليه السلام): افتتاحها التكبير، أو تحريمها التكبير «2» و نحو ذلك، و تكون النتيجة أيضاً هو البطلان عند النسيان، و لا سبيل للرجوع إلى حديث لا تعاد لتصحيحها لاختصاصه بمن تلبّس بالصلاة و شرع فيها، المتوقف على الإتيان بالتكبيرة التي هي افتتاحها، فناسي التكبيرة غير داخل بعد في الصلاة، بل هو خارج عنها و إن أتى ببقية الأجزاء فلا يشمله الحديث، و لعلّ هذا هو السر في عدم عدّ التكبيرة من المستثنيات، مع لزوم إعادة الصلاة بالإخلال بها و لو سهواً بلا إشكال كما في الخمسة المستثناة.

و أمّا المقام الثاني: أعني الإخلال من حيث الزيادة، فالمشهور هو البطلان‌

______________________________
(1) الذي يظهر من كتاب المغني لابن قدامة 1: 541 أنّ العامة على قولين: فمنهم من قال بالفساد مطلقاً و هو قول ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر. و منهم من قال بالاجتزاء بتكبيرة الركوع بدلًا عن تكبيرة الافتتاح، و هذا قول سعيد بن المسيب و الحسن و الزهري و قتادة و الحكم و الأوزاعي و لم يوجد قول لهم بالصحة مطلقاً، و لو كان فهو شاذ لا يعبأ به، و منه يظهر أنّ الروايات الدالة على الصحة هي المخالفة للعامة فينبغي الأخذ بها و طرح سواها.

(2) الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

92
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
و لذا عدّوها من الأركان، بعد تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً و سهواً كنقيصته، و من هنا ذكروا أنّه لو كبّر ثانياً بقصد الافتتاح بطلت و احتاج إلى الثالثة، فإن أبطلها بالرابعة احتاج إلى الخامسة، و هكذا تبطل بالشفع، و تصح بالوتر.

لكن البطلان بالثانية يتوقف على القول بعدم الخروج عن الصلاة بمجرد نيّة القطع، و أمّا على القول به كما عليه المشهور و إن كان خلاف التحقيق كما مرّ «1» فتصح الثانية من دون حاجة إلى الثالثة، إذ قصد الافتتاح بالثانية ملازم لقصد الخروج عن الأولى، فالبطلان في مرتبة سابقة على التكبيرة فلا تتصوّر الزيادة حينئذ كما لا يخفى.

و بهذا يشكل على المشهور في الجمع بين الأمرين، حيث ذهبوا إلى الخروج بمجرّد نيّة القطع، و مع ذلك حكموا في المقام ببطلان الثانية و الافتقار إلى الثالثة.

و كيف كان، فلا بدّ من فرض الكلام بعد الفراغ عن عدم الخروج بنيّة القطع كي تتصوّر الزيادة. و يقع الكلام تارة في الزيادة العمدية و أُخرى في السهوية.

أمّا الأوّل: فقد استدلّ على البطلان بوجوه نذكر عمدتها:

فمنها: ما عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) من أنّ الثانية زيادة واقعة على جهة التشريع فتحرم و تبطل الصلاة بها، لكونها من الكلام المبطل مع العمد إليه اتفاقاً «2».

و فيه: أنّ المبطل هو خصوص كلام الآدمي، و لم يثبت البطلان بمطلق الكلام المحرّم و إن كان ذكراً. على أنّ التشريع لا يجري فيما لو أعادها ثانياً من باب الرجاء و بقصد الاحتياط كما ستعرف فلا يتمّ على إطلاقه. هذا مع أنّ‌

______________________________
(1) في ص 50.

(2) كتاب الصلاة 1: 553.

93
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
ذلك لا يختص بالتكبير، بل يجري في سائر أجزاء الصلاة ممّا كان من قبيل الأقوال كما لا يخفى.

و منها: ما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره) من أنّ الثانية قادحة في صدق الهيئة الاتصالية المعتبرة بين الأجزاء، حيث إنّها مسبوقة لا محالة بالعزم على الخروج عن الصلاة برفع اليد عن الاولى حتى يتحقق الافتتاح بالثانية، و هذا العزم و إن لم يكن بمجرّده موجباً للبطلان، و لذا لم نقل بالخروج بمجرّد نيّة القطع، إلّا أنّ الجري على مقتضاه خارجاً باستئناف الصلاة و الإتيان بالثانية بقصد الافتتاح يوجب قطع الهيئة الاتصالية العرفية المانع عن صلاحية انضمام الأجزاء اللاحقة بالسابقة «1».

و فيه: ما لا يخفى، فإنّه لا مساغ للعرف لتشخيص كيفية اعتبار الهيئة الاتصالية بين الأجزاء، بل لا بدّ من أخذها من مخترعها و هو الشرع. نعم لا ريب في انقطاع الهيئة الاتصالية مع الفصل الطويل الماحي للصورة، كما لو كبّر و بعد نصف ساعة مثلًا قرأ و بعد هذا المقدار من الفصل ركع و هكذا، و أمّا مجرد إعادة التكبيرة و استئنافها فلا شك أنّ العرف لا يساعد على قدحها في صدق الهيئة الاتصالية إلّا بعد ثبوت الإخلال بها من قبل الشارع و تقيد الصلاة بعدمها، و هو بعد أوّل الكلام. فهذان الوجهان ضعيفان.

و أضعف منهما بقية الوجوه المذكورة في المقام التي منها دعوى الإجماع على ركنيتها، بعد تفسير الركن بما تبطل الصلاة بزيادته كنقيصته عمداً و سهواً، إذ فيه: ما عرفت من عدم الشاهد على هذا التفسير نصّاً، لخلوّها طرّاً عن هذا التعبير، و لا فتوًى لما يظهر من بعض الكلمات من تخصيص الإخلال بناحية النقص، كما لا يساعد عليه المفهوم لغة و لا عرفاً كما لا يخفى.

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 250 السطر 5.

94
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
فالأولى الاستدلال لذلك: بأنّ التكبيرة الثانية لا أمر بها بعد فرض صحة الأُولى، إذ لا معنى للافتتاح عقيب الافتتاح، و حيث إنّها تقع بقصد الجزئية، إذ لا تكاد تتصف بكونها تكبيرة الافتتاح إلّا إذا كانت مقرونة بهذا القصد، فهي لا محالة تقع على صفة الزيادة، إذ لا نعني بها إلّا الإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية و لم يكن مأموراً به، فتشمله أدلة الزيادة المبطلة كقوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1».

لكن هذا يختص بما إذا أعادها بقصد الجزئية، و أمّا إذا أعادها بقصد الرجاء و من باب الاحتياط كما لو شك في صحة الأُولى بشك لا يعتنى به شرعاً، كما لو كان بعد الفراغ عن الأُولى المحكومة بالصحة حينئذ ظاهراً، فأعادها رجاءً دركاً للواقع فقصد بها الافتتاح على تقدير فساد الاولى، و إلّا فتقع ذكراً فإنّه لا موجب للبطلان حينئذ، لعدم كونها من الزيادة المبطلة بعد عدم قصد الجزئية بها. هذا كله في الزيادة العمدية.

و أمّا السهوية: فالمشهور أيضاً هو البطلان، إلّا أنّ وجهه غير ظاهر، لعدم الدليل عليه، فانّ الوجوه المتقدمة لا تقتضيه في هذه الصورة كما لا يخفى، و التمسّك بالإجماع على ركنيتها بضميمة الإجماع على تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً و سهواً كنقيصته، قد عرفت ما فيه، إذ بعد تسليم الإجماع الأوّل لا دليل على الثاني، بل ثبت عدمه بعد اختلاف الكلمات حيث ظهر من بعضهم الاقتصار في تفسيره بالإخلال من ناحية النقص فحسب، و مفهوم الركن لغة و عرفاً لا يساعد على أكثر من ذلك، فإنّه ما يتقوّم به الشي‌ء، و الزيادة غير قادحة في التقوّم لو لم تكن مؤيّدة، و لم يرد اللفظ في شي‌ء من الروايات و إنما وقع التعبير به في كلمات الأصحاب خاصة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل ب 19 ح 2.

95
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و لو كان في أثناء صلاة فنسي و كبّر لصلاة أُخرى فالأحوط [1] إتمام الأُولى و إعادتها (1).

______________________________
و عليه فالأقوى عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً، عملًا بإطلاق حديث لا تعاد الحاكم على أدلة الزيادة المبطلة مثل قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1» و الموجب لتخصيصها بالزيادة العمدية، إذ لا قصور في شمول الحديث للمقام.

و دعوى اختصاصه بما إذا كان الإخلال من ناحية النقص لا شاهد عليها فانّ بعض ما ذكر في المستثنى و إن لم تتصور فيه الزيادة كالوقت و الطهور و القبلة، لكنّها تتصور في البعض الآخر كالركوع و السجود، فالمستفاد من إطلاق الحديث أنّ الإخلال العارض للصلاة سواء أ كان من ناحية النقيصة أم الزيادة، إن كان من ناحية الخمسة المستثناة فتعاد و إلّا فلا، و من الواضح دخول التكبيرة في عموم المستثنى منه فيشملها الحديث إن كان الإخلال من حيث الزيادة.

نعم، إذا كان من حيث النقيصة فقد عرفت عدم شموله لها حينئذ، لاعتبار التلبس بالصلاة المتوقف على الدخول و الشروع فيها، و ناسي التكبيرة غير شارع بعد في الصلاة.

(1) تقدّم حكم ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده، و عرفت أنّ الأقوى اختصاص البطلان بصورة العمد دون النسيان.

و أمّا إذا نسي فكبّر ثانياً لصلاة أُخرى، فقد احتاط في المتن بإتمام الاولى ثم‌

______________________________
[1] و الأظهر كفاية الإتمام بلا حاجة إلى الإعادة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل ب 19 ح 2.

96
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
إعادتها، و كأنّ الوجه في توقفه التردد في صدق الزيادة حينئذ على التكبيرة الثانية حتى يشملها ما دلّ على البطلان بالزيادة، فإنّ المتيقن في الصدق ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده لا لغيرها.

هذا، و لا ينبغي الريب في عدم الصدق، لتقوّم الزيادة بقصد الجزئية للصلاة المتلبس بها المنفي في الفرض، و إلّا فمجرّد الإتيان بشي‌ء عارياً عن القصد المزبور لا يدرجه في عنوان الزيادة المبطلة، و لذا لو جلس لحاجة كقتل العقرب مثلًا أو قام لغرض كالنظر إلى الأُفق، أو أعاد سورة الفاتحة هدية لميت لا يوجب شي‌ء منها البطلان. فانّ الجلوس و القيام و الفاتحة و إن كانت من أجزاء الصلاة، لكنّه حيث لم يقصد كونها منها، و لم يؤت بها بعنوان الجزئية فلا تكون زيادة في الصلاة.

نعم، ثبت في خصوص السجدة أنّ مجرد الزيادة الصورية قادحة و إن لم يقصد بها الجزئية، و ذلك للأخبار الناهية عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللًا بأنّ السجدة زيادة في المكتوبة «1»، مع أنّ المأتي بها سجدة التلاوة لا سجدة الصلاة، و يتعدى عنها إلى الركوع بطريق أولى كما لا يخفى. فيعلم من ذلك أنّ الشارع عيّن لكل ركعة كمية خاصة من السجود و الركوع لا يتجاوز عنها و لا يزاد عليها و لو صورة. و أمّا بقية الأجزاء و منها التكبيرة فحيث لم يرد فيها مثل هذا الدليل فلا يكون القادح فيها إلّا الزيادة الحقيقية المتقوّمة بقصد الجزئية دون الصورية.

و عليه فأدلة الزيادة المبطلة غير شاملة للمقام، فلا مانع من الحكم بالصحة استناداً إلى حديث لا تعاد، بعد ما عرفت من شمول الحديث لمطلق الإخلال سواء أ كان من ناحية النقيصة أو الزيادة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 1.

97
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و صورتها اللّٰه أكبر من غير تغيير و لا تبديل، و لا يجزئ مرادفها و لا ترجمتها بالعجمية أو غيرها (1).

______________________________
و مع الغض عنه فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية هذه التكبيرة، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين، بل يمكن الحكم بها حتى فيما إذا كبّر لصلاة أُخرى عامداً عالماً فضلًا عن النسيان، إذ لا موجب للبطلان بعد عدم صدق الزيادة، و قد تقدّم أنّ نيّة القطع بمجردها غير قادحة «1»، فالتكبيرة لصلاة أُخرى بمجردها بل و مع مقدار من الأجزاء غير الركوع و السجود لا تضرّ بصحة الصلاة الاولى لو رجع إليها ما لم يستلزم الفصل الطويل الماحي للصورة كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في جهات ثلاث:

الاولى: في وجوب المحافظة على هذه الصورة بما لها من المادة و الهيئة من غير تبديل و لا تغيير في شي‌ء منهما، فلا يجزئ مرادفها كقوله: الرّحمٰن أعظم و نحوه، أو ترجمتها بلغة اخرى، كما لا يجزئ الإخلال بالهيئة مثل تعريف أكبر أو تقديمه على لفظ الجلالة، أو الفصل بينهما بمثل كلمة سبحانه أو جلّ جلاله أو عزّ و جلّ أو تعالى، و نحو ذلك.

الثانية: في عدم وصلها بما سبقها من دعاء و نحوه.

الثالثة: في عدم وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة و نحوهما.

أمّا الجهة الاولى: فلا خلاف بين الفقهاء، بل قيل بين المسلمين قاطبة من الخاصة و العامة في وجوب الإتيان بتلك الصورة من غير تغيير و لا تبديل، و أنّه‌

______________________________
(1) في ص 50.

98
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
قلّت مسألة في الفقه تتفق عليها آراء عموم المسلمين كهذه «1». و هذا الإجماع بنفسه دليل مستقل صالح للاعتماد عليه، فان اكتفينا به، و إلّا فلا بدّ من إقامة الدليل على الحكم.

و قد استدل له تارة: بمرسلة الصدوق قال: «كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) أتمّ الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللّٰه أكبر بسم اللّٰه الرحمن الرحيم» «2» بضميمة قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله) «صلوا كما رأيتموني أُصلّي» «3».

و أُخرى: بما في خبر المجالس بإسناده في حديث «و أمّا قوله اللّٰه أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلّا بها» «4» فانّ مرجع الضمير في قوله «إلّا بها» هي التكبيرة المتقدم ذكرها على صورة اللّٰه أكبر، لا مطلق التكبيرة كما هو ظاهر.

و ربّما يورد على الوجه الأوّل: بأنّ المراد بالموصول في قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) «كما رأيتموني أُصلّي» لا يمكن أن تكون الصلاة المشتملة على جميع الخصوصيات، لاختلافها و عدم انضباطها، فلا بدّ و أن يراد البعض المعيّن من تلك الخصوصيات، و حيث لا قرينة عليه لعدم كونه متحصلًا لدينا فيكون مجملًا فلا يصلح للاستدلال.

______________________________
(1) و لكن الذي يظهر من ابن رشد في بداية المجتهد وجود الخلاف فيه قال في ج 1 ص 123 ما لفظه: قال مالك: لا يجزئ من لفظ التكبير إلّا اللّٰه أكبر. و قال الشافعي: اللّٰه أكبر و اللّٰه الأكبر اللفظان كلاهما يجزى به. و قال أبو حنيفة: يجزئ عن لفظ التكبير كل لفظ في معناه مثل: اللّٰه الأعظم و اللّٰه الأجل.

(2) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 11، الفقيه 1: 200/ 921.

(3) عوالي اللآلي 1: 198، السنن الكبرى 2: 345.

(4) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 12، أمالي الصدوق: 255/ 279.

99
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
و فيه: ما لا يخفى، فانّ الخصوصيات التي اقترنت بها صلاته (صلّى اللّٰه عليه و آله) و إن كان بعضها مختلفة كوقوعها في المسجد تارة و في الدار أُخرى، أو مع اللباس الشتوي مرّة، و الصيفي اخرى و نحو ذلك ممّا يقطع بعدم دخله في الصلاة، إلّا أنّ جملة أُخرى منها و منها التكبيرة معيّنة منضبطة كان يواظب عليها في جميع صلواته قطعاً، و إلّا لنقل إلينا بالضرورة فلا إجمال فيها.

نعم، يرد عليه أوّلًا: أنّ مرسلة الصدوق ضعيفة بالإرسال فلا تصلح للاستدلال. و ثانياً: قصور الدلالة لو لم تكن ظاهرة في الجواز، غاية ما هناك أنّ الصلاة حينئذ لا تكون من الموجز، لا أنّها لا تصح كما لا يخفى.

و ثالثاً: أنّ رواية «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» لم ترد بطرقنا و لم توجد في كتبنا، و إنّما ذكرت في كتب العامة و رويت بطرقهم فلا يمكن الاعتماد عليها، و إن أرسلها الأصحاب كالمحقق الهمداني «1» و غيره إرسال المسلمات من دون غمز في السند.

و أمّا الوجه الثاني: أعني خبر المجالس، فهو ضعيف السند أوّلًا، إذ الصدوق يرويه عن شيخه محمد بن علي ماجيلويه و هو مهمل في كتب الرجال، و مجرد كونه من مشايخ الإجازة لا يدل على التوثيق، كيف و قد صرّح الصدوق في حق بعض مشايخه بما لفظه: لم أر أنصب منه «2». هذا و قد اشتمل آخر السند على الحسن بن عبد اللّٰه بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و الحسن مجهول. نعم، والده من شهداء الطف المستغنين عن التوثيق بل التعديل، إذ ليسوا بأقل من شهداء بدر.

كما اشتمل وسطه على علي بن الحسين البرقي و هو أيضاً مجهول، فالسند‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 242 السطر 17.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 279/ 3.

100
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
ضعيف من جهات ثلاث فلا يمكن الاعتماد على الخبر.

كما أنّه قاصر الدلالة ثانياً، بل على خلاف المطلوب أدل، إذ المذكور في المجالس هكذا «... و أمّا قوله و اللّٰه أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلّا بها» فهو مشتمل على زيادة الواو على خلاف المنقول عنه في الوسائل كما نبّه عليه المعلّق. فالاستدلال بشي‌ء من الوجهين لا يتم.

و الأولى الاستدلال عليه من وجوه:

أحدها: إطلاق أدلة الجزئية مثل قوله (عليه السلام) «تحريمها التكبير» «1» بعد انصراف التكبير فيها إلى ما هو المعهود المتعارف المنقول عن صاحب الشرع، و المفروض في الأذان، و الذي يعرفه حتى النِّساء و الصبيان، و لم يختلف فيه اثنان، لا من الخاصة و لا من العامة كما عرفت. فالمعروفيّة بهذه المثابة من الكثرة و الشيوع في جميع الأعصار و الأمصار بحيث متى قيل لأحد كبّر لا يتفوّه إلّا بقوله اللّٰه أكبر، لا شك في أنّه يوجب صرف إطلاق التكبير في تلك الأدلة إلى هذه الكيفية الخاصة الرائجة بين عموم المسلمين، بل لعلّه لا يوجد تعارف أشد من ذلك في صرف الإطلاق، فمقتضى دليل الجزئية بعد التنزيل على المتعارف وجوب هذه الكيفية بخصوصها و عدم الاجتزاء بغيرها.

و معه لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى الأصل العملي الذي مقتضاه هو البراءة، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها عند الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و كذا عند الشك بين التعيين و التخيير الذي هو في الحقيقة من مصاديق الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و لا فرق بينهما إلّا في مجرّد التعبير كما أوضحناه في الأُصول «2». فما عن بعض من التفكيك بينهما‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 10.

(2) مصباح الأُصول 2: 453.

101
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
بالرجوع إلى البراءة في الأوّل، و الاشتغال في الثاني في غير محلّه.

الثاني: الأخبار الدالة على أنّ عدد التكبير في الصلوات الخمس اليومية خمس و تسعون، كموثق معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات، خمس و تسعون تكبيرة، منها تكبيرات القنوت خمس» «1». فانّ المستفاد منها أنّ تلك التكبيرات التي منها الافتتاح كلها من سنخ واحد و على صورة واحدة، فإذا انضمّ ذلك إلى قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللّٰه أكبر ...» «2» إلخ المشتملة على بيان الكيفية في تكبيرة الركوع، يظهر من ذلك أنّ تكبيرة الافتتاح أيضاً كذلك، لما عرفت من استظهار كون الجميع من سنخ واحد و بكيفية واحدة.

الثالث: و هو العمدة، و الاستدلال به أقوى من سابقه و أظهر صحيحة حماد الواردة في بيان كيفية الصلاة التي استدلّ بها الأصحاب في كثير من المقامات قال فيها: «و استقبل بأصابع رجليه (جميعاً) لم يحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة فقال: اللّٰه أكبر ...» إلخ «3» ثم قال (عليه السلام) في ذيلها «يا حماد هكذا صلّ ...» إلخ، فإنّ ظاهر الأمر وجوب الإتيان بتلك الكيفية الظاهر في الوجوب التعييني «4» بمقتضى الإطلاق. و لا يقدح في الاستدلال اشتمالها على‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 18/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

(2) الوسائل 6: 295/ أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(4) الاستدلال بهذه الصحيحة و إن تكرر في كلمات سيّدنا الأُستاذ (دام ظله) تبعاً لجمع من الأعلام، لكنه مبني على ظهور الأمر في قوله (عليه السلام) «يا حماد هكذا صلّ» في الوجوب، فيؤخذ به ما لم تقم قرينة على الخلاف حسبما قرره (دام ظله) إلا أنّ لقائل أن يقول: إنّ التأمل في صدر الصحيحة يقضي بأنّه (عليه السلام) لم يكن بصدد تعليم الصلاة الواجبة لإباء مقام حماد عن خفاء مثل ذلك عليه، و لا سيّما مع التقبيح و التوبيخ الشنيع بمثل قوله (عليه السلام) «ما أقبح بالرجل منكم» إلخ، أ فهل يحتمل أنّ مثل هذا الرجل العظيم و هو من أجلة الفقهاء، بل من أصحاب الإجماع يأتي عليه ستون أو سبعون سنة و هو لا يدري الحدود الواجبة للصلاة.

إذن فلا ينبغي التأمل في أنّه (عليه السلام) بصدد تعليم الصلاة بحدودها التامة و مزاياها الكاملة كما أُشير إليه في صحيحة أُخرى لحماد بقوله (عليه السلام) «إنّ للصلاة أربعة آلاف حد» [المستدرك 4: 84/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2]، و عليه فلا ظهور للأمر المزبور إلا في الإرشاد إلى مثل هذه الصلاة، دون الوجوب التعييني كما ادعي، فلا تصلح للاستشهاد حتى فيما لم تقم قرينة على الخلاف، لما عرفت من احتفافها بقرينة داخلية قاضية بعدم سوقها لبيان الحدود الواجبة.

و منه تعرف أنّ ما في المتن من الاستغراب في غير محله، بل ينبغي الاستغراب من الاستدلال بها في سائر المقامات فلاحظ.

102
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
جملة من المستحبات لما ثبت في محله من أنّ اقتران الكلام بما ثبت استحبابه من الخارج لا يمنع من الظهور في الوجوب فيما عداه الفاقد للقرينة على الخلاف «1» سيّما بناءً على مسلكنا من خروج الوجوب و الاستحباب عن مدلول الأمر و كونهما بحكم العقل و منتزعين من الاقتران بالترخيص في الترك و عدمه «2»، فما ثبت اقترانه بالترخيص في الترك كان مستحبّاً و إلّا حكم العقل بوجوبه، و حيث لم يثبت الترخيص المزبور في التكبير كان واجباً. و ليت شعري كيف غفل الأصحاب عن التمسك بهذه الصحيحة في المقام مع وضوح دلالتها و استنادهم إليها في كثير من المقامات متعرضين للإشكال المزبور و دفعه بما ذكر.

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 2: 138.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 2: 131.

103
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و الأحوط عدم وصلها بما سبقها من الدعاء (1) أو لفظ النيّة و إن كان الأقوى جوازه [1] و تحذف الهمزة من (اللّٰه) حينئذ.

______________________________
(1) هذه هي الجهة الثانية من الكلام، و قد اختار (قدس سره) جواز وصل التكبيرة بما سبقها من الدعاء و نحوه بحذف الهمزة من اللّٰه حينئذ، و إن ذكر (قدس سره) أنّ الأحوط هو عدم الوصل، و المشهور هو عدم الجواز و استدلّ لهم كما في الذكرى «1» بما يتألف من مقدّمتين: إحداهما: أنّ المعهود المنقول من صاحب الشرع هو قطع همزة اللّٰه و عدم وصلها بما تقدمها. الثانية: أنّه لا كلام قبل تكبيرة الإحرام، فلو تكلفه و استلزم سقوط همزة الوصل لكونه من خواص الدرج بكلام متصل، فقد تكلف ما لا يحتاج إليه، فيخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً.

و في كلتا المقدمتين ما لا يخفى، أمّا الأُولى: فلعدم الدليل على تخصيص الصادر من صاحب الشرع بذلك. نعم، المنقول عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله) ذلك، إلّا أنّه لم ينقل عدم صدور غيره منه، و مجرد ذلك لا يكون دليلًا على العدم، فلعله صدر و لم ينقل إلينا. فدعوى أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لم يأت بها إلّا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد عليها كما صرح به في الجواهر «2».

و أمّا الثانية: فإن أُريد من الكلام المنفي وجوده قبل تكبيرة الإحرام الكلام الواجب فهو صحيح، إلّا أنّ من المعلوم أنّ السقوط من خواص الدرج بكلام متصل واجباً كان أم لا، و إن أُريد النفي بقول مطلق حتى المستحب منه أو‌

______________________________
[1] فيه و فيما بعده إشكال فالاحتياط لا يترك.

______________________________
(1) الذكرى 3: 256.

(2) الجواهر 9: 206.

104
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

كما أنّ الأقوى جواز وصلها بما بعدها (1) من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما، و يجب حينئذ إعراب راء أكبر، لكن الأحوط عدم الوصل.

______________________________
المباح فهو مقطوع العدم، كيف و التكبيرة هي التحريم، فلا يحرم الكلام إلّا بعدها لا قبلها، و قد ثبت استحباب جملة من الأدعية قبلها و لا أقل من تكبيرات الافتتاح الست، فمن الجائز أن يوصل التكبيرة السادسة بالتكبيرة السابعة التي بها تفتتح الصلاة، المستلزم لسقوط همزة الوصل حينئذ الذي هو من شؤون الدرج بكلام متصل.

و من هنا قد يقوى في النظر بعد عدم قيام دليل على المنع جواز الوصل كما اختاره في المتن، استناداً إلى أصالة البراءة عن مانعيته، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين، و قد أشرنا إلى أنّ هذا الباب و باب الدوران بين التعيين و التخيير من وادٍ واحد، بل أحدهما عين الآخر، و الاختلاف في مجرد التعبير، فلا وجه للتفكيك بالرجوع إلى البراءة في الأوّل و الاشتغال في الثاني.

هذا، و لكن الحكم بالجواز مشكل جدّاً، لإمكان الاستدلال على المنع بصحيحة حماد المتقدمة «1» حيث ذكر فيها صورة التكبيرة منفصلة عن أيّ شي‌ء قبلها، ثم قال (عليه السلام) في ذيلها: «يا حماد هكذا صلّ»، و الأمر ظاهر في الوجوب التعييني، فجواز الوصل يحتاج إلى الدليل، و بدونه يتعيّن العمل بظاهر الأمر، فلا تصل النوبة إلى الرجوع إلى الأصل العملي المزبور. و كيف كان، فعدم جواز الوصل و وجوب قطع الهمزة إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

(1) هذه هي الجهة الثالثة من الكلام، فنقول: إذا بنينا على جواز الوصل‌

______________________________
(1) في ص 102.

105
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
بالسكون فلا ينبغي الإشكال حينئذ في جواز وصل التكبيرة بما بعدها، لحصول المحافظة على هيئتها من دون أيّ تغيير.

و أمّا إذا بنينا على عدم الجواز فالظاهر أيضاً جواز الوصل مع إعراب راء أكبر كي لا يلزم الوصل بالسكون إذ لا دليل على وجوب الوقف على أكبر بل مقتضى إطلاق صحيحة حماد «1» عدمه، سيّما و قد تعرّض فيها للوقف و التنفس بعد الفراغ عن التوحيد قبل الشروع في تكبيرة الركوع بقوله: «ثم قرأ الحمد بترتيل و قل هو اللّٰه أحد، ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس و هو قائم، ثم قال اللّٰه أكبر ...» إلخ مع أنّ الصبر و التنفس هنا غير واجب قطعاً، فلو كان الوقف في تكبيرة الإحرام واجباً كان ذكره أولى و التعرض له أحرى كما لا يخفى.

و كيف كان، فإطلاق الصحيحة رافع لاحتمال الوجوب، فانّ هذه الصحيحة و غيرها من الروايات الواردة لبيان كيفية الصلاة إنّما تتكفل ببيان الأجزاء بموادها، و أمّا إعراب الكلمات من الوقف و الحركات فهو محوّل إلى قانون اللغة و القواعد العربية و الأُصول المقررة لذلك، و من هنا لا نجد في شي‌ء من تلك الأخبار تعرّضاً لذلك. و عليه فاذا احتملنا لزوم مراعاة شي‌ء على خلاف ما تقتضيه تلك القواعد كوجوب الوقف في المقام و عدم وصل التكبيرة بما بعدها جاز التمسّك في دفعه بإطلاقها.

و لا ينافي ذلك ما تقدّم منّا من عدم جواز وصل التكبيرة بما قبلها استناداً إلى صحيحة حماد، لأنّ ذلك كان مستلزماً لتغيير مادة اللّفظ، لسقوط همزة اللّٰه في الدرج، و قد عرفت أنّ ظاهر الصحيحة الأمر بهذه الهيئة بمادتها، و أمّا في المقام فالتغيير راجع إلى الأعراب، و الصحيحة كغيرها من سائر الأخبار غير ناظرة إليه كما عرفت.

______________________________
(1) المتقدّمة في ص 102.

106
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و يجب إخراج حروفها من مخارجها (1) و الموالاة بينها، و بين الكلمتين.

[مسألة 1: لو قال: (اللّٰه تعالى أكبر) لم يصح]

[1445] مسألة 1: لو قال: (اللّٰه تعالى أكبر) لم يصح، و لو قال: (اللّٰه أكبر من أن يوصف) (2)، أو (من كل شي‌ء) فالأحوط [1] الإتمام و الإعادة و إن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد التشريع.

______________________________
هذا و مع الإغماض عن إطلاق الصحيحة، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية الوصل بما بعدها على المختار من جواز الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين، و في الدوران بين التعيين و التخيير، و قد أشرنا غير مرّة إلى اتحاد المسألتين و عدم المجال للتفكيك بينهما.

(1) كي لا تتغيّر الكلمة عمّا هي عليه القادح في الصحة، للزوم الإتيان بها لا بشي‌ء غيرها، كما لا ريب في لزوم الموالاة بين حروفها كلزومها بين الكلمتين تحفظاً على الهيئة الكلامية اللّازم مراعاتها و إلّا خرجت التكبيرة عن كونها كذلك.

(2) أمّا عدم صحة الأوّل، المستلزم لتغيير هيئة التكبيرة عن كيفيتها المتعارفة فقد سبق الكلام فيه مستقصى و علم وجهه ممّا مرّ «1».

و أمّا الثاني، فالظاهر أيضاً عدم الجواز، فإنّه و إن لم يستلزم تغييراً في الهيئة لكونه زيادة لاحقة، لكنّها مغيّرة للمعنى فلا تجوز، فانّ قوله: اللّٰه أكبر من أن يوصف، لا يدل على اختصاص الأكبرية من ذلك به تعالى و نفيها عن غيره فلعلّ هناك موجوداً كالنبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) أو ملك مُقرّب هو أيضاً أكبر من أن يوصف، كما أن قوله: اللّٰه أكبر من كل شي‌ء، لا يدل على‌

______________________________
[1] لا يترك الاحتياط بالإعادة.

______________________________
(1) في ص 98.

107
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لو قالالله أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولد الألف بطل ج 14 ص 108

[مسألة 2: لو قال: اللّٰه أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولّد الألف بطل]

[1446] مسألة 2: لو قال: اللّٰه أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولّد الألف بطل (1) كما أنّه لو شدّد راء أكبر بطل أيضاً.

[مسألة 3: الأحوط تفخيم اللّام من اللّٰه و الراء من أكبر]

[1447] مسألة 3: الأحوط تفخيم اللّام من اللّٰه و الراء من أكبر، و لكن الأقوى الصحة مع تركه أيضاً (2).

[مسألة 4: يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمداً كان أو سهواً]

[1448] مسألة 4: يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمداً كان أو سهواً [1] (3).

______________________________
أنّه تعالى غير محدود بحدّ و غير قابل للوصف، بل غايته أنّ كل موجود في الخارج فاللّٰه سبحانه أكبر منه، و أمّا أنّه تعالى أكبر من أن يوصف و أجل من أن يحدد بحد فلا دلالة للكلام عليه.

هذا بخلاف قولنا: (اللّٰه أكبر) مرسلًا عن كل قيد، فإنّه يدل على الأكبرية المطلقة الشاملة لجميع تلك المعاني، بل و غيرها كما لا يخفى، فيكون المعنى أشمل و المفهوم أوسع و أكمل، فلا يجوز تغييره بالتقييدين الموجبين للتضييق.

(1) للزوم زيادة الحرف الموجبة لتغيير الصورة، بل خروج الكلمة عن حقيقتها. و منه يظهر الحال في تشديد راء أكبر.

(2) فإنّ ذلك من قواعد التجويد غير اللازم مراعاتها، بعد عدم خروج الكلمة بالإخلال بها عن كونها عربية، فإن تلك القواعد من محسّنات الكلام لا من مقوّماته.

(3) ذكر (قدس سره) أنّه يعتبر في التكبيرة القيام و الاستقرار، بل هما ركنان فيها بمعنى أنّه لو ترك أحدهما عمداً أو سهواً بطل.

______________________________
[1] عدم البطلان بترك الاستقرار سهواً هو الأظهر.

108
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
أمّا القيام: فلا إشكال كما لا خلاف في اعتباره فيها، و تشهد له جملة من النصوص الواردة، إمّا في خصوص التكبيرة كصحيحة حماد «1» قال فيها: «فقام أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصباً إلى أن قال فقال: اللّٰه أكبر ...» إلخ بضميمة قوله في الذيل «يا حماد هكذا صلّ» الظاهر في الوجوب التعييني.

أو في حال الصلاة التي منها التكبيرة التي هي افتتاحها و أوّل جزء منها و هي كثيرة، كصحيح زرارة قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: و قم منتصباً فانّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «2»، و صحيح أبي حمزة «عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّٰه (عزّ و جلّ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ قال: الصحيح يصلّي قائماً ...» إلخ «3».

و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «4»، و نحوها غيرها.

ثم إنّ مقتضى إطلاق هذه النصوص اعتبار القيام و الانتصاب في التكبيرة مطلقاً، لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط و الخلاف «5» عدم اعتباره في المأموم قال: إذا كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته، و استدلّ عليه بأنّ الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير و انعقاد الصلاة به، و لم يفصّلوا بين أن يكبّر قائماً أو يأتي به منحنياً، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل.

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

(3) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

(4) الوسائل 5: 489/ أبواب القيام ب 2 ح 2.

(5) المبسوط 1: 105، الخلاف 1: 340/ مسألة 92.

109
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
و فيه: ما لا يخفى، إذ يكفي في الدليل إطلاق النصوص المتقدمة كما عرفت. و حكم الأصحاب بالصحة مسوق لبيان الاجتزاء بالتكبيرة المزبورة عن التكبيرتين، و سنتعرض لهذا الحكم في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى «1»، و ليسوا بصدد بيان الصحة على الإطلاق حتى مع الإخلال بسائر الشرائط المعتبرة في التكبيرة من القيام و نحوه، فانّ بيان ذلك موكول إلى محله و قد تعرضوا له، فلا إطلاق لكلامهم في المقام من هذه الجهة قطعاً.

على أنّه يكفي في الحكم بالبطلان الصحيحة الواردة في خصوص المقام، و هي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنّه «قال في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه: فقد أدرك الركعة» «2».

فانّ بعض المذكور في القضية الشرطية و إن كان من قبيل القيود المسوقة لبيان تحقق الموضوع التي لا مفهوم لها كإدراك الإمام في ركوعه، و كذا تكبير الرجل، إذ مع انتفاء الأول لا موضوع لإدراك الركعة، كما أنّه مع انتفاء الثاني لا موضوع للصلاة، إلّا أنّ البعض الآخر ليس من هذا القبيل كقوله «و هو مقيم صلبه» الذي هو محل الاستشهاد و قوله «ثم ركع» فانّ من يكبّر قد يقيم صلبه و قد لا يقيم، كما أنّه قد يركع و قد لا يركع، و قد ذكرنا في الأُصول في بحث المفاهيم أنّ الجملة الشرطية إذا اشتملت على قيدين أحدهما مسوق لبيان تحقق الموضوع و الآخر لغيره، كان للقضية مفهوم باعتبار الثاني و إن لم يكن له باعتبار الأوّل، كما في قولك: إن ركب الأمير و كان ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه، فيدل على عدم وجوب الأخذ بالركاب لو كان الركوب في غير يوم‌

______________________________
(1) شرح العروة 15: 75.

(2) الوسائل 8: 382/ أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.

110
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
الجمعة و إن لم يدل على عدم الوجوب مع عدم الركوب أصلًا، لانتفاء الموضوع حينئذ، كما في قولك: إن رزقت ولداً فاختنه «1».

و عليه فالصحيحة و إن لم يكن لها مفهوم باعتبار فقد أحد القيدين الأوّلين المسوقين لبيان تحقق الموضوع، لكنه ينعقد لها المفهوم باعتبار القيدين الآخرين فتدلّ بالمفهوم على أنّ من كبّر و لم يقم صلبه و ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فهو غير مدرك للركعة المساوق لبطلان الصلاة.

و تؤيِّدها: رواية أبي أُسامة يعني زيداً الشحام «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل انتهى إلى الامام و هو راكع، قال: إذا كبّر و أقام صلبه ثم ركع فقد أدرك» «2» و التقريب ما مرّ لكن سندها مخدوش، فإنّ أبا أُسامة و إن كان موثقاً لتصريح الشيخ بتوثيقه «3» على أنّه واقع في أسانيد كامل الزيارات «4»، مع أنّ العلّامة ذكر في شأنه عين العبارة التي ذكرها النجاشي بزيادة قوله ثقة عين «5»، و هو مشعر بأخذ العبارة منه، و لعلّ نسخة النجاشي الموجودة عنده كانت مشتملة على الزيادة، فيكون قد وثقه النجاشي أيضاً «6»، و إن كانت النسخة الواصلة إلينا الدارجة اليوم خالية عنها.

إلّا أنّ طريق الشيخ إلى الرجل فيه ضعف، لاشتماله على أبي جميلة مفضل ابن صالح و لم يوثق، فالرواية ضعيفة السند، و من هنا ذكرناها بعنوان التأييد.

______________________________
(1) دراسات في علم الأُصول 2: 200.

(2) الوسائل 8: 383/ أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3.

(3) الفهرست: 71/ 288.

(4) لا أثر له، لعدم كونه من المشايخ بلا واسطة.

(5) الخلاصة: 148/ 422.

(6) رجال النجاشي: 175/ 462.

111
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
فتحصّل: أنّ الأقوى اعتبار القيام في التكبيرة مطلقاً، من غير فرق بين المأموم و غيره.

و هل يختص اعتباره بحال الذكر أو يعمّ النسيان فتعدّ من الأركان، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت صلاته؟

مقتضى إطلاق حديث لا تعاد الحاكم على الأدلة الأولية هو الأوّل، لعدم كونه من الخمسة المستثناة، فيندرج تحت إطلاق المستثنى منه، فإنّ الإخلال بنفس التكبيرة نقصاً و إن لم يكن مشمولًا للحديث، لعدم الدخول بعد في الصلاة التي افتتاحها التكبيرة، و لعلها من أجله لم تذكر في عقد الاستثناء مع مسلّمية البطلان بتركها سهواً نصاً و فتوى كما تقدم، لكن الإخلال بالقيام مع الإتيان بذات التكبيرة غير مانع عن شمول الحديث، لصدق الشروع و الافتتاح و التلبس بالصلاة بمجرد حصول التكبيرة و إن كانت فاقدة لشرطها كما لا يخفى فلو كان هناك إخلال فهو من ناحية القيام لا التكبيرة فيشمله الحديث.

إلّا أنّ صريح موثقة عمار هو الثاني، أعني بطلان الصلاة بنسيان القيام، قال (عليه السلام) فيها: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم و لا يقتدي (و لا يعتد) بافتتاحه و هو قاعد» «1». فلا مناص من تخصيص الحديث بها، لكونها أخص منه مطلقاً.

و أمّا الاستقرار: بمعنى الطمأنينة و السكون في قبال الاضطراب و الحركة، فلم يرد على اعتباره في التكبيرة نص بالخصوص، و إنّما استدلّ له في المقام بما دلّ على اعتباره في الصلاة بعد كون التكبيرة منها و جزءاً لها. و قد استدلّ له بعد الإجماع المحقق بعدّة من الروايات.

______________________________
(1) الوسائل 5: 503/ أبواب القيام ب 13 ح 1.

112
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
منها: رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم، قال: يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ» «1» فإنّ التكبيرة حالها حال القراءة من هذه الجهة كما لا يخفى.

و هذه الرواية و إن كانت معتبرة سنداً، فانّ السكوني موثق، و كذا النوفلي الراوي عنه، لوقوعه في أسانيد تفسير القمي، لكنّها قاصرة الدلالة، إذ بعد تسليم شمول القراءة للتكبيرة و اتحادها معها في هذا الحكم، ليست الرواية ممّا نحن فيه، لكونها ناظرة إلى اعتبار الاستقرار في مقابل المشي، لا في مقابل الطمأنينة و الاضطراب، مع كونه واقفاً الذي هو محل الكلام.

و منها: رواية سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماش و لا راكب و لا مضطجع، إلّا أن يكون مريضاً و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» «2» بناءً على أنّ المراد من التمكن الاستقرار و الاطمئنان، كما لعله الظاهر.

و هي و إن صحّ سندها، بالرغم من اشتماله على صالح بن عقبة و قد ضعّفه ابن الغضائري «3»، إذ لا عبرة بتضعيفه، لعدم الاعتماد على كتابه، فلا يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسناد تفسير القمي و كامل الزيارات، لكنّها قاصرة الدلالة، لأنّه إن أُريد من التشبيه المماثلة في كيفية الاستقرار، فلا تعرّض فيها لحكمه، و إن أُريد التشبيه من حيث الحكم، فقد سبق في مبحث الإقامة «4»

______________________________
(1) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

(2) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

(3) مجمع الرجال 3: 207.

(4) العروة الوثقى 1: 444 [فصل في مستحبات الأذان و الإقامة].

113
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
عدم اعتبار الاستقرار فيها و إنّما هو مستحب، إذن فلا تدل على الوجوب في الصلاة، بل غايته المساواة في اعتبار الرجحان و أصل المطلوبية.

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن هارون بن حمزة الغنوي «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة، فقال: إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصَلّ قائماً، و إن كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعداً» «1» فقد دلّت على اعتبار الاستقرار على نحو يتقدم على القيام لو أوجب الإخلال به فيصلي قاعداً.

و يمكن الخدش في السند: بأنّ في طريق الصدوق إلى هارون بن حمزة، يزيد ابن إسحاق شَعَر، و لم يوثق كما صرح به الأردبيلي «2» نعم صحح الطريق في الخلاصة «3» بناءً على مسلكه من العمل برواية كل إمامي لم يرد فيه قدح.

هذا، و لكن الرجل واقع في أسانيد كامل الزيارات «4» فالرواية معتبرة، و لا ينبغي النقاش في سندها. لكنها قاصرة الدلالة، لعدم كون التفصيل ناظراً إلى استقرار المصلي و عدمه، بل إلى استقرار السفينة و اضطرابها لخفتها، و أنّها لو كانت خفيفة بحيث تكفأ لو قام المصلي في صلاته سقط القيام حينئذ و صلى قاعداً مخافة الوقوع في البحر لكونه مظنة الضرر. فقوله «تكفأ» أقوى شاهد على اضطراب السفينة الموجب لسقوط القيام لكونه في معرض التلف و الغرق دون اضطراب المصلي من حيث هو مع الأمن من القيام الذي هو محل الكلام.

فهذه الروايات لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منها على اعتبار الاستقرار في‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 504/ أبواب القيام ب 14 ح 2، الفقيه 1: 292/ 1329.

(2) جامع الرواة 2: 542.

(3) الخلاصة: 440.

(4) و لكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق.

114
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها من الأذكار ج 14 ص 115

[مسألة 5: يعتبر في صدق التلفّظ بها بل و بغيرها من الأذكار]

[1449] مسألة 5: يعتبر في صدق التلفّظ بها بل و بغيرها من الأذكار (1)

______________________________
الصلاة كي يثبت في التكبيرة التي هي جزء منها.

نعم، لو ثبت ما قد يدعى من اعتبار الاستقرار في مفهوم القيام الواجب حال التكبيرة نصاً و فتوى كما تقدم «1»، كان الدليل عليه دليلًا عليه، لكنه غير ثابت قطعاً، فانّ القيام لم يؤخذ في مفهومه إلّا انتصاب الظهر في الجملة، في مقابل الانحناء و الهيئات الأُخرى من الركوع و السجود و الاضطجاع و القعود و أمّا الحركة و السكون فخارجتان عن المفهوم، فقد يكون القائم متحركاً و قد يكون قارّاً.

فليس في البين ما يعتمد عليه في اعتبار الاستقرار في الصلاة الشاملة للتكبيرة إلّا الإجماع المحقق و التسالم بين الأصحاب قديماً و حديثاً، و حيث إنّه دليل لبي فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن و هي صورة العمد، فلا دليل على البطلان في صورة النسيان، بل مقتضى إطلاق حديث لا تعاد هي الصحة.

فدعوى ركنيته كما في المتن تبعاً للشهيد «2»، و أنّه تبطل الصلاة بالإخلال به حال التكبيرة عمداً و سهواً، لا يمكن المساعدة عليها. نعم، تصح الدعوى بالنسبة إلى القيام حالها كما عرفت.

(1) المشهور بين الأصحاب اعتبار سماع النفس تحقيقاً أو تقديراً في صدق التلفظ بالتكبيرة و غيرها من الأذكار و الأدعية و القرآن، فلو كان دون ذلك لم يصح.

______________________________
(1) في ص 109.

(2) لم نعثر عليه.

115
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها من الأذكار ج 14 ص 115

و الأدعية و القرآن، أن يكون بحيث يسمع نفسه تحقيقاً أو تقديراً، فلو تكلم بدون ذلك لم يصح [1].

______________________________
و قد يستدل له كما في المعتبر «1» و المنتهى «2» بدخل ذلك في تحقق الكلام فما لا يسمع لا يعدّ كلاماً و لا قراءة.

و فيه: ما لا يخفى، لمنع الدخل فلا يتوقف صدق الكلام على الإسماع، و لذا لو تكلم بمثل ذلك بكلام آدمي أثناء صلاته بطلت، و لا نظن تجويز مثل ذلك حتى من المستدل.

فالعمدة إذن الروايات الواردة في المقام، التي منها موثقة سماعة قال: «سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا قال: المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديداً» «3» فكأنه استصعب سماعة فهم المراد من الآية الشريفة، حيث إنّ الجهر و الإخفات من الضدين اللذين لا ثالث لهما، فكيف نهى سبحانه عنهما و أمر باتخاذ الوسط بينهما بقوله تعالى وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا «4» فأجاب (عليه السلام) بأنّ الخفت الممنوع ما كان دون السّمع، و الجهر كذلك ما تضمن الصوت الشديد، و ما بينهما هو الوسط المأمور به الذي ينقسم أيضاً إلى الجهر و الإخفات حسب اختلاف الصلوات كما فصّل في الروايات.

______________________________
[1] هذا إذا لم يصدق عليه التكلم بأن كان من مجرّد تحريك اللسان و الشفة، و إلّا فالصحة هو الأظهر.

______________________________
(1) المعتبر 2: 177.

(2) المنتهي 1: 268 السطر 22.

(3) الوسائل 6: 96/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 2.

(4) الإسراء 17: 110.

116
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

[مسألة 6: من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم]

[1450] مسألة 6: من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم (1)

______________________________
و يؤيدها: روايات اخرى بهذا العنوان لا تخفى على المراجع، فلا إشكال في الحكم و أنّه لا بدّ في الامتثال من التكلم بهذه الأُمور على نحو يسمع نفسه «1» إما تحقيقاً، أو تقديراً كما في الأصم لعارض، أو كان هناك مانع عن سماع الصوت.

(1) مراده (قدس سره) من عدم المعرفة بقرينة ذكر الملحون و غير القادر فيما بعد، من لم يعرفها صحيحة سواء لم يعرفها أصلًا، أو لم يعرف الصحيح منها.

ثم إنّ الوجوب في المقام ليس غيرياً شرعياً مقدمة لوجود الصحيح، و لا علمياً عقلياً مقدمة لإحراز الامتثال الواجب بحكم العقل، بل هو من صغريات وجوب تعلم الأحكام المردد بين كونه واجباً نفسياً أو طريقياً أو غيرهما، و قد وردت فيه النصوص من قوله (عليه السلام): «هلّا تعلّمت» «2» و من آية الذكر «3» و غيرهما، حسبما تعرّضنا له في الأُصول في خاتمة البراءة مستقصى «4»، فإنّ الكبرى المبحوث عنها هناك أعم من تعلم نفس الأحكام أو موضوعاتها المتلقاة من قبل الشارع التي عهدة بيانها عليه، و لا بدّ من الرجوع إليه في معرفتها و كيفياتها كما في المقام في قبال الموضوعات العرفية الموكول معرفتها إلى العرف.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ وجوب التعلم في المقام و غيره ثابت حتى قبل دخول‌

______________________________
(1) ما ذكره (دام ظله) في المقام هو المطابق لما سيجي‌ء في مبحث القراءة المسألة (27) و لما أورده في منهاجه المسألة (620) و لكنه مخالف لما جاء في تعليقته الشريفة على المقام فلاحظ.

(2) البحار 2: 29، 180.

(3) النحل 16: 43.

(4) مصباح الأُصول 2: 493، 495.

117
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

و لا يجوز له الدخول في الصلاة قبل التعلم (1) إلّا إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة (2).

______________________________
الوقت، لعدم كونه وجوباً غيرياً ترشحياً حتى يتوقف على فعلية وجوب ذي المقدمة كما عرفت، فانّ تعلم الأحكام بموضوعاتها المستنبطة واجب على الجاهل مطلقاً إمّا نفساً أو طريقاً كي لا تفوته الواقعيات في ظرفها المقرّر لها.

(1) لا بمعنى مجرّد عدم الصحة وضعاً، أو عدم الاجتزاء به عقلًا من أجل عدم إحراز أداء المأمور به، بل بمعنى عدم جوازه شرعاً زائداً على ذلك لكونه من التشريع المحرّم، لاحتمال عدم كون الصادر منه تكبيرة، أو أنّها تكون ملحونة، فإنّه على التقديرين لم يتعلّق به الأمر و ليس من أجزاء الصلاة، فافتتاح الصلاة و الدخول فيها بذلك، المساوق للإتيان به بعنوان الجزئية و بقصد الأمر تشريع محرّم.

(2) بلا خلاف، و يكفينا في ذلك إطلاقات الأمر بالتكبير مثل قوله (عليه السلام): «تحريمها التكبير» «1» فإنّه يشمل الصحيح و الملحون. و التقييد بالأوّل على صورة اللّٰه أكبر، إنّما كان من أجل الانصراف إلى المتعارف، أو لفعل الإمام (عليه السلام) و الأمر به كذلك كما في صحيحة حماد على ما تقدم «2»، و لا ريب أنّ كلا منهما خاص بحال الاختيار، فيبقى الإطلاق في صورة العجز و الاضطرار كما في المقام حيث لا يتمكن من تعلم الصحيح لضيق الوقت على حاله بعد صدق عنوان التكبير على كل من الصحيح و الغلط.

هذا، مضافاً إلى فحوى موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 10.

(2) في ص 109.

118
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

..........

______________________________
بإصبعه» «1» فانّ الاكتفاء بتحريك اللسان و الإشارة بالإصبع يستدعي الاجتزاء بالقراءة الملحونة، و كذا التكبير الملحون بطريق أولى.

و موثقة مسعدة بن صدقة قال: «سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إنّك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» «2».

فإنّها كما ترى ظاهرة الدلالة على المطلوب، حيث دلت على أنّ الذي يراد من المحرّم و هو الأعرابي- «3» و كذا العجم و يحسب له هو العمل الناقص حسبما يدركه و يستطيعه كما في الأخرس، و هذا شي‌ء لا يساوي مع الذي يراد من العالم الفصيح من العمل الكامل الصحيح. و مثل هذا التعبير شائع في العرف فيقال: لا يراد من زيد ما يراد من عمرو، يعنون به أنّ المطلوب منه هو العمل الناقص لكونه دون عمرو في الشأن و الدرك. فلا يورد على الرواية بعدم دلالتها على الاجتزاء بالناقص، بل غايتها عدم وجوب التام.

هذا، مع أنّ دعوى القطع بأنّ من لا يستطيع على أداء الصحيح وظيفته هو التلفظ بالملحون غير مجازفة، ضرورة أنّ مثل هذا كمن في لسانه آفة لا يتمكن من أداء الحروف عن مخارجها فيبدل بعضها ببعض كتبديل الراء بالياء و نحوه موجود في كل عصر، و لم يرد في شي‌ء من الأخبار التعرض لبيان وظيفتهم الخاصة من حيث جعل البدل كالترجمة و نحوها، أو سقوط التكليف عنهم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 1.

(2) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 2.

(3) أعرابي محرّم: جاف لم يخالط الحضر، كذا في المنجد [في مادة حرم] و الأقرب [1: 185].

119
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

..........

______________________________
فيعلم من ذلك إيكال الأمر إلى الوضوح، و أنّ وظيفتهم هو ما يستطيعون.

فتحصّل: أنّ مقتضى الوجوه الأربعة المتقدمة، و هي الإطلاقات و الروايتان و العلم الخارجي هو وجوب الإتيان بالملحون و الاجتزاء به.

مضافاً إلى موثقة أُخرى للسكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجمية فترفعه الملائكة على عربيته» «1»، بعد القطع بعدم خصوصية للقرآن، فيعمّ التكبيرة و غيرها.

و أمّا الاستدلال عليه بما ورد من أنّه كلّما غلب اللّٰه عليه فهو أولى بالعذر «2» و أنّه ما من شي‌ء حرّم اللّٰه تعالى إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه «3» فساقط، إذ غاية ما يستفاد منها سقوط الوجوب عن التام الذي يستقل به العقل من أجل قبح التكليف بما لا يطاق من دون حاجة إلى الاستناد بهذه الأخبار، لا إثبات وجوب الناقص الذي هو محل الكلام.

كما أنّ الاستدلال بحديث: «لا يترك الميسور بالمعسور» «4» و بما ورد من أنّ سين بلال شين عند اللّٰه «5» أيضاً ساقط، لضعف سند الحديث فلا أساس لهذه القاعدة كما تعرضنا له في الأُصول «6».

و أمّا الرواية، فلم تنقل بطرقنا و لذا لم يذكرها في الوسائل و إن ذكرت في‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 221/ أبواب قراءة القرآن ب 30 ح 4.

(2) الوسائل 8: 259/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 3.

(3) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 6، نقل بالمضمون.

(4) عوالي اللآلي 4: 58/ 205.

(5) المستدرك 4: 278/ أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 3.

(6) مصباح الأُصول 2: 477.

120
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

و إن لم يقدر فترجمتها من غير العربية [1] (1)،

______________________________
المستدرك، و إنّما هي مذكورة في كتب العامة و مروية بطرقهم فلا يعتمد عليها.

ثم إنّ صاحب الجواهر «1» (قدس سره) استدلّ في المقام بفحوى ما ورد في الألثغ و الألتغ، و الفأفاء، و التمتام، مع أنّا لم نجد رواية وردت في هؤلاء، و هو (قدس سره) أيضاً استند في الحكم لهم في مبحث القراءة بقاعدة الميسور «2» و لم يتعرض لرواية خاصة.

(1) قال في المدارك «3» هذا مذهب علمائنا و أكثر العامّة، ثم حكى عن بعضهم سقوط التكبير حينئذ، و احتمله هو (قدس سره) عملًا بأصالة البراءة لعدم الدليل على وجوب الترجمة بعد سقوط التكبيرة بالعجز. و كيف كان، فان كان هناك إجماع تعبدي يصلح للاستناد إليه، و إلّا فلا بدّ من إقامة الدليل.

و عن شيخنا المرتضى (قدس سره) «4» الاستدلال له بإطلاق الأمر بالتكبير في مثل قوله (عليه السلام) «تحريمها التكبير»، بدعوى أنّ المراد به مطلق الثناء على اللّٰه تعالى بصفة الكبرياء، و التقييد بالصورة الخاصة العربية إنّما هو من أجل الانصراف إلى المعهود و المتعارف، أو غيره من سائر الأدلة الخارجية و كلها قاصرة عن إفادته إلّا للقادر، فيبقى العاجز مشمولًا للإطلاق.

و فيه: ما لا يخفى، فانّ الظاهر أنّ التكبيرة المأمور بها من المصادر الجعلية كما في الحوقلة و الحيعلة، فلا يراد بها إلّا التلفظ بالعبارة المخصوصة على النحو‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) الجواهر 9: 211.

(2) الجواهر 9: 311.

(3) المدارك 3: 320.

(4) كتاب الصلاة 1: 546.

121
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

و لا يلزم أن يكون بلغته (1)، و إن كان أحوط، و لا يجزئ عن الترجمة غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربية. و إن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفاً فحرفاً قدّم على الملحون و الترجمة.

______________________________
المتعارف العربي، و إن كان ذلك مطلقاً من حيث الصحيح و الملحون كما مرّ فلا يعمّ الترجمة أصلًا، لعدم صدق التكبيرة عليها بوجه.

و بعبارة اخرى: دعوى الإطلاق على وجه يشمل الترجمة تتوقف على تمامية مقدماته التي منها كون المتكلم في مقام البيان، حتى من ناحية اللفظ الذي يعبِّر به عن تكبير اللّٰه و ثنائه حتى يشمل الترجمة بمقتضى الإطلاق بعد عدم التقييد بالعربية، و ليس كذلك، بل التكبير فيها منصرف إلى المعهود المتعارف غير الصادق على الترجمة بوجه.

نعم، يصح الاستدلال لذلك بما كان عارياً عن لفظ التكبير، كما ورد في ذيل موثقة عمار المتقدمة سابقاً من قوله (عليه السلام) «و لا صلاة بغير افتتاح» «1» فإنّها دلت على لزوم الافتتاح من غير تقييد بالتكبيرة، فيعمّ الترجمة بعد وضوح صدقه عليها.

و بالجملة: المستفاد من هذه الموثقة بعد ضمّها إلى أدلة التكبير: أنّ الواجب هو الافتتاح بالتكبيرة مع القدرة عليها، و أمّا مع العجز فلا بدّ من الافتتاح بشي‌ء و لا يشرع الدخول في القراءة و الركوع ابتداء كما هو مورد الموثقة، و حيث لا شي‌ء أقرب إلى التكبيرة من الترجمة فتتعين، فيقول مثلًا: خدا بزرگتر است، إن كان التكبير متضمناً للتفضيل، و إلّا فيقول: خدا بزرگ است.

(1) لعدم الدليل على التعيين، فيرجع إلى إطلاق «لا صلاة بغير افتتاح»‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 14/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 7.

122
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

..........

______________________________
الشامل لمطلق الترجمة كما مرّ. و مع الغض فيرجع إلى أصالة البراءة عن التقييد بلغة خاصة بناءً على المختار من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطي.

و قد يقال: بعد إنكار إطلاق يرجع إليه في بدلية الترجمة: إنّ المقام من الدوران بين التعيين و التخيير، و في مثله يرجع إلى الاشتغال و يعمل على التعيين.

قلت: قد عرفت وجود الإطلاق، و أمّا كون المقام من الدوران المزبور فقد مرّ قريباً أنّه بعينه هو الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطي، و لا فرق بينه و بين التعيين و التخيير إلّا في مجرد التعبير و تغيير اللفظ، فانّ التخيير هو الأقل و كلاهما هو الجامع المتيقن في البين، و الخصوصية الزائدة المشكوكة المدفوعة بأصالة البراءة هي التي يعبّر عنها بالتعيين تارة و بالأكثر اخرى، فلا وجه للتفكيك بين المسألتين بالرجوع إلى البراءة في الأُولى و الاشتغال في الثانية.

هذا، و قد يقال: بلزوم مراعاة الترتيب بين اللغات، فيكبّر أوّلًا بالعربية و إلّا فبالسريانية، و إلّا فبالفارسية، فإنّ الأوّل لغة القرآن الكريم، و الثاني لغة أغلب الكتب السماوية، و الثالث لغة كتاب المجوس.

و كان على هذا القائل إضافة العبرانية أيضاً، فإنّها لغة توراة موسى (عليه السلام) مع أنّ كتاب نبيّ المجوس لم يكن باللّغة الفارسية الدارجة اليوم، و إنّما كان بلغة الفرس القديمة التي لا يعرف الفارسي منها اليوم و لا كلمة واحدة. و كيف كان، فمثل هذه الوجوه الاعتبارية الاستحسانية لا تصلح لأن تكون مدركاً لحكم شرعي كما لا يخفى.

و قد تحصّل من جميع ما مرّ: أنه لدى العجز عن التكبيرة ينتقل إلى الترجمة بأيّ لغة كانت، و لا تجزئ غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربية، لأنّ الترجمة أقرب إلى التكبيرة الواجبة من غيرها بعد تعذّرها.

123
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان ج 14 ص 124

[مسألة 7: الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان]

[1451] مسألة 7: الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان، و إن عجز عن النطق أصلًا أخطرها بقلبه و أشار إليها مع تحريك لسانه إن أمكنه [1] (1).

______________________________
(1) المستند فيما ذكره (قدس سره) في وظيفة الأخرس العاجز عن النطق رأساً من الإخطار بالقلب و الإشارة إلى التكبيرة و تحريك اللسان هي موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1» بعد القطع بعدم الاختصاص بالمذكورات في الخبر، بل المراد عامة الأقوال الواجبة عليه فيشمل التكبير.

لكن الموثقة لم تتضمّن الإخطار بالقلب، كما أنّ الإشارة قيّدت فيها بالإصبع فيختلف مع ما في المتن الذي هو المشهور من ناحيتين، لكنه لا يقدح.

أمّا عدم التعرض للإخطار الذي هو بمعنى الالتفات نحو العمل و تصوّره و التوجه إليه فلوضوح اعتباره المغني عن التعرّض له، بداهة أنّ الصلاة حالها كسائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب، فكما أنّ كل فاعل مختار يتوجّه إلى ما يصدر منه من الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و منها الصلاة و يتصوره و يلتفت إليه و لو بالتفات إجمالي ارتكازي حين صدور العمل، و إلّا فمع الغفلة و الذهول لا يكون اختيارياً فلا يقع عبادة في مثل الصلاة و نحوها فكذا الأخرس إذ هو لا يشذّ عن غيره من هذه الجهة.

و بعبارة اخرى: الالتفات إلى أصل العمل المعبّر عنه بالإخطار بالقلب أمر يشترك فيه الأخرس و غيره و لا ميز بينهما في هذه المرحلة لوضوح قدرته عليه كغيره، و من هنا أُهمل ذكره في الخبر، و إنّما يفترقان في مرحلة التلفظ و النطق حيث إنّ الأخرس عاجز عن أداء العبادات القولية باللفظ، و الموثقة إنّما هي في‌

______________________________
[1] ما ذكره مبني على الاحتياط.

______________________________
(1) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 1.

124
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام ج 14 ص 125

[مسألة 8: حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام]

[1452] مسألة 8: حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام حتى في إشارة الأخرس.

[مسألة 9: إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحّت صلاته على الأقوى]

[1453] مسألة 9: إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحّت صلاته على الأقوى، و الأحوط القضاء بعد التعلم (1).

______________________________
مقام تعيين الوظيفة في هذه المرحلة فجعلت تحريك اللسان و الإشارة بدلًا عن النطق.

فما ذكره في المتن تبعاً للمشهور من الإخطار بالقلب بياناً لتمام ما هي وظيفته الفعلية هو الصحيح، و إن كانت الموثقة خالية عنه، لعدم كونها في مقام البيان إلّا من الجهة التي يختص الأخرس بها لا من تمام الجهات كما عرفت.

و أمّا تقييد الإشارة فيها بالإصبع، فالظاهر أنّه لأجل غلبة الإشارة بها لا لتعيّنها عليه بالخصوص، فهو منزّل منزلة الغالب، فلا دلالة فيه على عدم الاجتزاء بغيرها من اليد و الرأس و نحوهما، فالظاهر عدم تعيّن الإصبع كما أُطلق في المتن، نعم، لا ريب أنّها أحوط، جموداً على ظاهر أخذها في النص.

هذا في المشير، و أمّا المشار إليه فصريح المحقق في الشرائع أنّه يشير إلى معنى التكبير «1»، و لكنه كما ترى، ضرورة أنّ الواجب في الصلاة إنّما هو لفظ التكبيرة لا معناها، فلا بدّ من الإشارة إليه بعد العجز عن النطق، إذ ليس المأمور به المعنى المؤدّى بهذا اللّفظ قطعاً، بل نفسه سواء التفت إلى المعنى أم لا، و إن كان الالتفات و حضور القلب أفضل، فيعطي للفظ صورة ذهنية و يشير إلى تلك الصورة.

(1) أمّا الإثم فالوجه فيه ظاهر، فانّ الواجب على المكلف إنّما هو طبيعي الصلاة الصحيحة المحدودة بين المبدأ و المنتهى، و إنّما شرّع البدل الاضطراري‌

______________________________
(1) الشرائع 1: 96.

125
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحت صلاته على الأقوى ج 14 ص 125

..........

______________________________
من الصلاة المشتملة على التكبيرة الملحونة أو الترجمة بعد العجز في مجموع الوقت عن الصلاة الكاملة، فمع القدرة عليها فعلًا بالتعلم يجب الإتيان بها تامّة بتحصيل مقدمتها، فلا يجوز له التعجيز الاختياري بترك التعلم كي ينتقل إلى البدل، إذ هو في طول المبدل منه و مترتب على العجز عنه.

و ليس المقام كالقصر و التمام اللذين يجوز للمكلف إخراج نفسه من موضوع أحدهما و إدخاله في موضوع الآخر اختياراً، لأنّ الواجبين هناك عرضيان و لا ترتب لأحدهما على العجز عن الآخر، و هنا طوليان لا ينتقل إلى البدل إلّا بعد العجز عن المبدل منه بطبعه و من قبل نفسه.

بل المقام نظير الوضوء و التيمم، حيث لا يجوز التعجيز الاختياري عن الطهارة المائية بإراقة الماء بعد دخول الوقت، لكون وظيفته الفعلية هو الوضوء بعد كونه واجداً للماء دون التيمم، لأنّ موضوعه الفقدان و العجز عنه في مجموع الوقت لا في كل آن، و لذا لو كان في السرداب و أراد الصلاة و الماء في صحن الدار، أو كان في مكان و الماء قريب منه يستدعي تحصيله المشي إليه بمقدار دقيقة أو أكثر، لا يسوغ له التيمم قطعاً و إن كان فاقداً فعلًا في هذا الزمان أو هذا المكان، و حيث إنّ الوجدان متحقق بالفعل فلا يجوز التعجيز الاختياري بإراقة الماء، بل لولا قيام الدليل على صحة التيمم و الانتقال إلى البدل حينئذ كما سنشير إليه لقلنا بسقوط الصلاة عنه رأساً بعد التعجيز المزبور و عقابه عليه، لعدم شمول دليل بدلية التيمم لمثله، فإنّه وظيفة الفاقد في مجموع الوقت كما عرفت، و هذا قد كان واجداً في بعض الوقت، و بسوء اختياره فوّته على نفسه، فتسقط الصلاة عنه كما تسقط عن فاقد الطهورين، و لا قبح في عقابه بعد أن كان بسوء اختياره، فانّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا.

و على الجملة: فكما لا تجوز له إراقة الماء و تعجيز نفسه عن الطهارة المائية فكذا لا يجوز في المقام ترك التعلم المؤدّي إلى العجز الاختياري عن الإتيان‌

126
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

[مسألة 10: يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام]

[1454] مسألة 10: يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام فيكون المجموع سبعة، و تسمّى بالتكبيرات الافتتاحية، و يجوز الاقتصار على الخمس، و على الثلاث، و لا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام في أيّتها شاء، بل نيّة الإحرام بالجميع أيضاً [1]، لكن الأحوط اختيار الأخيرة (1).

______________________________
بالصلاة التامة، فلا حاجة في إثبات الإثم و العصيان إلى التشبث بتفويت الملاك و نحوه ممّا قيل في المقام.

و أمّا صحة الصلاة مع التكبيرة الملحونة أو ترجمتها بعد كونه آثماً بترك التعلم فلما ثبت بالإجماع و النص من عدم سقوط الصلاة بحال، فانّ هذا التعبير بلفظه و إن لم يرد في شي‌ء من النصوص، لكن مضمونه ورد في ذيل صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من قوله (عليه السلام): «و لا تدع الصلاة على حال» «1» بعد القطع بعدم خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم، بل لكونها فرداً من المكلفين. و عليه فالعاجز مكلف بالصلاة قطعاً، و حيث إنّ الأمر بالصلاة التامة ساقط لمكان التعذر، فلا مناص من كونه مكلفاً ببدلها ممّا اشتمل على التكبيرة الملحونة أو ترجمتها، فيجتزئ بها و تصح من دون حاجة إلى القضاء لعدم تحقق موضوعه و هو الفوت بعد الإتيان بما تقتضيه الوظيفة الفعلية من البدل الاضطراري و إن كان القضاء أحوط كما في المتن، لاحتمال عدم شمول البدل الاضطراري للتعجيز الاختياري.

(1) أمّا الاستحباب فلا إشكال فيه كما لا خلاف، للنصوص الكثيرة الدالة على استحباب إضافة الستة أو الأربعة أو الاثنين، كي يصير المجموع ثلاثة أو‌

______________________________
[1] بل هو بعيد.

______________________________
(1) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

127
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
خمسة أو سبعة كما سنتعرض لها، و تسمى بالتكبيرات الافتتاحية.

إنّما الكلام في تعيين تكبيرة الإحرام، فالمشهور أنّه مخيّر في التعيين، فله التطبيق على أيّ منها شاء، و قد اختاره في المتن و هو الأقوى كما ستعرف إن شاء اللّٰه تعالى.

و ذهب جمع منهم صاحب الحدائق «1» مصرّاً عليه إلى تعيّن الاولى، و ذهب جماعة من القدماء إلى تعيّن الأخيرة، و حكي عن والد المجلسي «2» (قدس سره) أنّ الافتتاح يقع بمجموع ما يختاره المكلف من السبع أو الخمس أو الثلاث، لا خصوص إحداها عيناً أو تخييراً، و مال إليه المحقق الهمداني (قدس سره) «3» لولا قيام الإجماع على الخلاف مدعياً ظهور الأخبار، بل صراحة بعضها في ذلك، و مرجع هذا القول إلى التخيير في إيقاع الافتتاح بين الواحدة و الثلاث و الخمس و السبع الذي هو من التخيير بين الأقل و الأكثر، و إن ما يختاره في الخارج بتمامه مصداق للمأمور به و عدل للواجب التخييري.

و لا بدّ من النظر في هذه الأخبار المدعى ظهورها في هذا القول و هي كثيرة:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: الإمام يجزئه تكبيرة واحدة، و يجزئك ثلاثاً مترسلًا إذا كنت وحدك» «4» فإنّها ظاهرة في إيقاع الافتتاح بمجموع الثلاث، و التفصيل بين الإمام و المأموم من جهة أنّ المطلوب من الإمام مراعاة أضعف المأمومين كما صرّح به في صحيحة معاوية ابن عمار «قال: إذا كنت إماماً أجزأتك تكبيرة واحدة، لأنّ معك ذا الحاجة‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 21.

(2) روضة المتقين 2: 284.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 246 السطر 21.

(4) الوسائل 6: 10/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 3.

128
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و الضعيف و الكبير» «1».

و منها: صحيحة زرارة «قال: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات أحسن، و سبع أفضل» «2».

و منها: موثقة زرارة قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً» «3» فإنّها ظاهرة كسابقتها في وقوع الاستفتاح بمجموع السبع، و نحوها غيرها و هي كثيرة كما لا يخفى على المراجع.

أقول: دعوى ظهور الأخبار في حدّ نفسها في هذا القول، مع قطع النظر عمّا يعارضها ممّا هو ظاهر في وقوع الاستفتاح بواحدة، كالنصوص المتضمنة لإخفات الإمام بست و الجهر بواحدة حتى يسمعها المأموم فيأتم كما سيجي‌ء «4» و إن كانت غير بعيدة و لا نضايق من احتمالها، لكنه لا يمكن المصير إليه، لامتناع التخيير بين الأقل و الأكثر عقلًا على ما حققناه في الأُصول في مبحث الواجب التخييري «5».

و ملخّصه: أنّ معنى الوجوب التخييري في كل مورد سواء أ كان في التخيير بين الأقل و الأكثر، أو المتباينين بعد وضوح المنافاة بين وجوب شي‌ء و جواز تركه، سواء أ كان إلى البدل أو بدونه كما لا يخفى، هو أنّ متعلق الوجوب إنّما هو الطبيعي الجامع بين الفردين أو الأفراد، مع إلغاء الخصوصيات الفردية و خروجها عن حريم المأمور به، فكل فرد مصداق للواجب بمعنى انطباق ما‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 9.

(2) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8.

(3) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

(4) في ص 150.

(5) محاضرات في أُصول الفقه 4: 44.

129
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
هو الواجب عليه من دون دخل للخصوصية في تحققه.

و عليه فلا يعقل التخيير في التدريجيات بين الأقل و الأكثر الحقيقي، بأن يكون الأقل مأخوذاً لا بشرط و الأكثر بشرط شي‌ء، أي مشتملًا عليه بتمامه مع الزيادة، إذ بعد وجود الأقل في الخارج ينطبق عليه الطبيعي الذي كان هو الواجب لا محالة فيسقط أمره قطعاً، إذ الانطباق قهري و الإجزاء عقلي، و معه لا يبقى أمر حتى يقع الأكثر امتثالًا له و يتصف بكونه مصداقاً للواجب كي يكون عدلًا آخر للواجب التخييري، فلا مناص من وقوع الزائد الذي يشتمل عليه الأكثر على صفة الاستحباب، و من هنا ذكرنا في باب التسبيحات الأربع أنّ الواجب إنّما هو الاولى و الزائد عليها مستحب «1».

نعم، يمكن ذلك فيما كان من قبيل الأقل و الأكثر صورة و إن لم يكن منه حقيقة، بأن كان الأقل مأخوذاً بشرط لا لا بنحو اللااقتضائيّ بشرط و الأكثر بشرط شي‌ء، كما في التخيير بين القصر و التمام، حيث إنّ الأقل هو الركعتان بشرط عدم زيادة شي‌ء عليهما، و الأكثر مشروط بزيادة ركعتين أُخريين.

و إن شئت فقل: الأقل مشروط بوقوع التسليم على الركعتين، و الأكثر بوقوعه على الأربع. و كما في التسبيحات الأربع مثلًا بأن يقال: الأقل هو التسبيحة الأُولى بشرط الاقتصار عليها، و عدم زيادة تسبيحة ثانية، و الأكثر هي المشروطة بإضافة ثنتين عليها حتى يكون المجموع ثلاثاً، فلا يقع الامتثال بالتسبيحتين، لعدم كونهما من الأقل و لا الأكثر. إلّا أنّ ذلك خارج في الحقيقة عن باب التخيير بين الأقل و الأكثر و إن كان على صورته، و داخل في باب التخيير بين المتباينين، لتقيّد كل منهما بقيد يضاد الآخر، فلا يكون الأكثر مشتملًا على تمام الأقل و زيادة، الذي هو مناط الدرج في باب الأقل و الأكثر.

______________________________
(1) في ص 492.

130
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و عليه فنقول: إن كان مراد القائل بوقوع الافتتاح بمجموع ما يختاره المكلف من الواحدة أو الثلاث أو الخمس أو السبع، الراجع إلى التخيير بين الأقل و الأكثر، أنّ الأقل و هي الواحدة مأخوذ بنحو اللّابدية بشرط، كي يكون من الأقل و الأكثر الحقيقي، فقد عرفت انّ هذا أمر غير معقول ثبوتاً، فكيف يمكن تنزيل الأخبار عليه. بل لو فرضنا صراحة الأخبار فيه فضلًا عن الظهور، فلا مناص من ارتكاب التأويل، لامتناع التعبد بالمستحيل، فيقال بأنّ إطلاق الافتتاح على المجموع مبني على ضرب من التجوّز، باعتبار الاشتمال على تكبيرة الافتتاح فأُطلق على المجموع مجازاً بعلاقة الجزء و الكل.

و إن كان مراده أنّ ذلك من التخيير بين الأقل و الأكثر الصوري، و إلّا فهما من المتباينين، لكون الأقل هي التكبيرة الواحدة بشرط لا، فهذا و إن كان أمراً معقولًا في حدّ نفسه كما عرفت، إلّا أنّه لا يمكن الالتزام به في المقام، إذ لازمه عدم انعقاد الافتتاح و بطلان الصلاة فيما لو كان لدى الشروع بانياً على اختيار الثلاث مثلًا و بعد الإتيان بتكبيرتين بدا له في الثالثة فتركها عامداً و اقتصر على الثنتين، إذ هما ليسا من الأقل و لا الأكثر، فينبغي بطلان الصلاة حينئذ كبطلانها فيما لو اقتصر على الثنتين من التسبيحات الأربع، بناءً على أن يكون الأقل فيها هي الواحدة بشرط لا، و لا يظن بهذا القائل فضلًا عن غيره الالتزام بذلك.

و أفحش من ذلك: ما لو ترك الثالثة نسياناً في الفرض المزبور فتذكرها بعد الفراغ من الصلاة، فإنّ اللّازم بطلانها حينئذ، للإخلال بما اختاره من التكبيرة الذي هو مجموع الثلاث حسب الفرض، و لا شك أنّ الإخلال بها عمداً و سهواً موجب للبطلان كما تقدّم «1»، مع أنّه لا يحتمل أن يلتزم به الفقيه.

______________________________
(1) في ص 89.

131
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
ثم إن مقتضى قوله (عليه السلام): «تحريمها التكبير» «1» حرمة المنافيات بمجرد الشروع في التكبير وضعاً فقط، أو وضعاً و تكليفاً على الخلاف في ذلك و لذا ذكرنا فيما سبق «2» أنّه لو أتى بالمنافي خلال كلمتي (اللّٰه) و (أكبر) بطلت و على القول بعدم جواز القطع و إن لم تتم التكبيرة كان حراماً أيضاً، و عليه فلازم هذا القول الالتزام بالبطلان لو أتى ببعض المنافيات خلال التكبيرات، فلو تكلم بين التكبيرة الثانية و الثالثة مثلًا بطلت صلاته، لأنّ ذلك بمثابة التكلم بين كلمتي (اللّٰه) و (أكبر)، بل و على القول بالحرمة التكليفية كان آثماً أيضاً، و هذا كما ترى، و لا يظن أن يلتزم به هذا القائل، و لا ينبغي أن يلتزم به، إذ لا مقتضي للبطلان بعد الإتيان بتكبيرة صحيحة بعد ذلك.

و على الجملة: لا سبيل إلى الالتزام بأنّ الأقل مأخوذ بنحو بشرط لا، لمكان هذه التوالي الفاسدة «3» و القائل المزبور لا يريده، لانصراف كلامه عنه قطعاً، و قد عرفت أنّ أخذه بنحو اللااقتضائيّ بشرط كي يكون من الأقل و الأكثر الحقيقي أمر غير معقول، و ظهور الأخبار فيه لو سلّم لا يمكن الأخذ به، فلا مناص من الالتزام بأنّ الواجب و ما يقع به الافتتاح إحدى تلك التكبيرات و الزائد فضل و مُستحب، لا أنّ المجموع أفضل أفراد الواجب التخييري كما يدّعيه القائل زاعماً ظهور الأخبار فيه، فانّ بعضها و إن لم يخل عن الظهور في ذلك إلّا أنّ كثيراً من الأخبار ظاهر فيما قلناه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 10.

(2) في ص 88.

(3) يمكن التفصي عن بعض هذه التوالي الفاسدة: بافتراض الأقل هو التكبيرة الأُولى بشرط عدم تعقبها بالثنتين لا المشروطة بعدم الزيادة عليها في مقابل الأكثر و هو المشروط بإضافة الثنتين، فلاحظ.

132
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
منها: صحيحة زيد الشحام قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) الافتتاح فقال: تكبيرة تجزئك. قلت: فالسبع، قال: ذلك الفضل» «1» فإنّها ظاهرة في أنّ الزائد على الواحدة و هي الست هي الفضل، لا أنّ مجموع السبع أفضل أفراد الواجب كما لا يخفى.

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كله» «2».

و منها: صحيحة زرارة المتقدمة «قال: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات أحسن، و سبع أفضل» «3».

فان ظهور هذه الأخبار و غيرها ممّا لا يخفى على المراجع فيما قلناه من استحباب الزائد بعد الإتيان بالواجب و هي التكبيرة الواحدة غير قابل للإنكار.

على أنّ الدعوى المزبورة لو سلّمت تماميتها في نفسها، فهي على خلاف الإجماع المحقق، إذ لم يذهب إليها عدا والد المجلسي (قدس سره) فلا يمكن الالتزام بها بوجه.

فتحصّل: أنّ الواجب و ما يقع به الافتتاح ليس إلّا إحدى تلك التكبيرات.

و قد ذهب صاحب الحدائق كما عرفت «4» تبعاً لجمع من المحدّثين كما نسبه إليهم إلى أنّها الاولى معيّناً، و مال إليه شيخنا البهائي «5»، و قد استدلّ له في الحدائق بطائفة من الأخبار:

______________________________
(1) الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 2.

(2) الوسائل 6: 10/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 4.

(3) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8.

(4) في ص 128.

(5) نقله عنه صاحب الحدائق 8: 21.

133
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الأُولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات» «1» بتقريب أنّ الافتتاح إنما يصدق على تكبيرة الإحرام التي بها يقع الافتتاح حقيقة، و يتحقق الدخول في الصلاة، فما يقع قبلها من التكبيرات بناءً على ما زعموه ليس من الافتتاح في شي‌ء.

نعم، يسمّى غيرها من سائر التكبيرات بتكبيرات الافتتاح، إلّا أنّ هذا الصدق لا يكون إلّا بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام، كي يتحقق بها الافتتاح الحقيقي و الدخول في الصلاة كما عرفت، و إلّا كان من قبيل الإقامة و نحوها ممّا يقدّم قبل الدخول في الصلاة.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام): «فارفع كفيك ثم ابسطهما ثم كبر ثلاث ...» إلخ، أنّ ذلك كله بيان لما يتحقق به الافتتاح، فقوله «إذا افتتحت» أي إذا أردت الافتتاح، فكيفيته هكذا كما وقع نظيره في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة و إن شئت ثلاثاً ...» إلخ «2».

و عليه فما يقع به الافتتاح هو مجموع السبع المذكورة في الصحيحة، و هذا كما ترى لا ينطبق بظاهره إلّا على مسلك والد المجلسي، فهو على خلاف المطلوب أدل، فإن أمكن الأخذ به، و إلّا فلا تعرّض للصحيحة لتعيين تكبيرة الإحرام كما لا يخفى.

و أمّا ما زعمه (قدس سره) من أنّ ما يقع قبل تكبيرة الإحرام ليس من الافتتاح في شي‌ء، بل هو من قبيل الإقامة، ففيه: أنّ ما يقع بعدها أيضاً ليس‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(2) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

134
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
منه في شي‌ء، بل هو من قبيل الاستعاذة و القراءة.

و بالجملة: الإطلاق الحقيقي منفي على التقديرين بعد الاعتراف بأنّ الافتتاح لا يتحقق إلّا بتكبيرة واحدة هي تكبيرة الإحرام لا مجموع التكبيرات الذي اختاره والد المجلسي، و الإطلاق المجازي بعناية الاشتمال على ما به الافتتاح بعلاقة الجزء و الكل متحقق على التقديرين أيضاً، إذ لا فرق في ذلك بين تقدم ذلك الجزء أو تأخره أو توسطه كما لا يخفى.

الثانية: صحيحة زرارة قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة إيماءً على دابّته إلى أن قال و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت به دابته، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجه» «1».

و فيه: ما لا يخفى، فانّ من يخاف اللص و السبع يقتصر بطبيعة الحال على أقل الواجب، و لا يسعه المجال لتكبيرات الافتتاح. فالمراد بقوله (عليه السلام) «بأوّل تكبيرة» أوّل تكبيرات الصلاة، أعني تكبيرة الإحرام في مقابل تكبيرة الركوع و السجود و نحوهما، لا في مقابل تكبيرات الافتتاح، فلا نظر فيها إلى هذه التكبيرات أصلًا.

هذا، مع أنّ الاستدلال مبني على أن يكون قوله: «حين يتوجه» قيداً لأوّل في قوله «أوّل تكبيرة» حتى يدل على أنّ ما يتوجّه و يدخل به في الصلاة و يفتتحها هو أوّل التكبيرات السبع، و هو غير ظاهر، و من الجائز أن يكون قيداً للتكبيرة المضاف إليه، فيكون المعنى اعتبار الاستقبال في أوّل تكبيرة متصفة بكون تلك التكبيرة ممّا يتوجه و يفتتح بها الصلاة، و أمّا أنّ تلك التكبيرة هل هي الأُولى أو الوسطى أو غيرهما فلا تتعرض الرواية لتعيينها أصلًا كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل 8: 441/ أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 8.

135
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الثالثة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنّه قال: خرج رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) إلى الصلاة و قد كان الحسين (عليه السلام) أبطأ عن الكلام إلى أن قال فافتتح رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) الصلاة فكبّر الحسين (عليه السلام) فلمّا سمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) تكبيره عاد فكبّر، فكبّر الحسين (عليه السلام) حتى كبّر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) سبع تكبيرات، و كبّر الحسين (عليه السلام) فجرت السنّة بذلك» «1» فانّ التكبير الذي كبّره (صلّى اللّٰه عليه و آله) أوّلًا هو تكبيرة الإحرام لإطلاق الافتتاح عليها، و العود إليها ثانياً و ثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين (عليه السلام)، فليس الافتتاح إلّا بالأوّل و الزائد هو المستحب، و قد جرت السنّة على هذه الكيفية كما صرّح بذلك في آخر الخبر.

و الجواب: أنّه لا ريب في وقوع الافتتاح منه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالتكبيرة الاولى في تلك القضية الشخصية، لعدم تشريع السبع بعد كما كان كذلك قبل تلك القضية، و مجرد ذلك لا يقتضي تعيّن الاولى فيما بعد التشريع و ليس في فعله (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعد إجماله دلالة على التعيين كما لا يخفى. نعم، ربما يوهمه قوله (عليه السلام) في ذيل الخبر «فجرت السنّة بذلك»، لكنّه مبني على أن يكون المراد من المشار إليه الكيفية المذكورة الصادرة منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) من وقوع الافتتاح بالأُولى، لا أصل تشريع السبع الذي هو الظاهر المنسبق إلى الذهن كما لا يخفى، لا أقل من احتماله المسقط لها عن الاستدلال.

الرابعة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قلت له: الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح، فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ ثم ركع»‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 4.

136
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
إلى آخر الرواية المتقدمة في نسيان تكبيرة الإحرام «1» فانّ تقييد المنسي بكونه أوّل التكبيرات يدل على أنّه هو تكبيرة الإحرام، إذ لو كانت الأخيرة مثلًا لما كان هناك أثر لنسيان غيرها من سائر التكبيرات المستحبة، فلا حاجة لتداركها في الأثناء أو بعد الفراغ كما تضمنته الصحيحة.

و فيه: بعد الغض عن مخالفة مضمونها للنص و الفتوى كما تقدم الكلام حوله في محله مستقصى «2» و لسنا الآن بصدد ذلك أنّها في حدِّ نفسها قاصرة الدلالة على مطلوبه (قدس سره) فانّ كلمة «من» في قوله «من الافتتاح» إمّا للتبعيض أو للبيان.

فإن أُريد الأوّل دلت الصحيحة حينئذ على أنّ مجموع التكبيرات السبع هي المحقق للافتتاح و المنسي بعض من هذا المركب، فتنطبق بظاهرها على مسلك والد المجلسي (قدس سره) فهي حينئذ على خلاف المطلوب أدل. على أنّه بناءً عليه كان المنسي هي السابعة لا الاولى و لا غيرها، لعدم اعتبار قصد عنوان الأوّلية أو الثانوية و نحوهما، فالنقص إنّما يرد على العدد الأخير المكمِّل للمجموع كما لا يخفى.

و إن أُريد الثاني كي يكون المعنى أنّ المنسي هي تكبيرة الإحرام التي يتحقق بها الافتتاح، فلا دلالة فيها على أنّها الأُولى أو الوسطى أو الأخيرة، و إطلاق الأوّل عليها باعتبار أنّها اولى تكبيرات الصلاة في مقابل تكبير الركوع و السجود و غيرهما.

فالإنصاف: أنّ هذه الوجوه التي استدل بها في الحدائق لا دلالة في شي‌ء منها على تعيّن الاولى، فالقول به ساقط.

______________________________
(1) الوسائل 6: 14/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8، المتقدمة في ص 91.

(2) في ص 91، 92.

137
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و أمّا القول بتعيّن الأخيرة، فقد استدل له أيضاً بوجوه:

أحدها: الفقه الرضوي «1» المتضمن للتصريح بذلك. لكنّه كما ترى لا حجية فيه فلا يصلح للاستناد إليه في شي‌ء من الأحكام كما مرّ مراراً.

الثاني: ما نقله المحقق الهمداني «2» عن كاشف اللثام في شرح الروضة من الاستدلال برواية أبي بصير، و فيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله: اللّٰهمّ أنت الملك الحق المبين ... إلخ، و الدعاء عقيب الاثنين بقوله: لبيك و سعديك و عقيب السادسة بقوله: يا محسن قد أتاك المسي‌ء، قال (عليه السلام): ثم تكبر للإحرام، لكنّا بعد التتبع لم نجدها في كتب الحديث كي ننظر في سندها. نعم مضمونها مذكور في صحيحة الحلبي المتقدمة «3» مع اختلاف يسير و ظني انّها اشتبهت بها، لكنها خالية عن الذيل الذي هو مورد الاستدلال فلاحظ.

الثالث: ما استظهره في الجواهر «4» من النصوص المتضمّنة لاخفات الإمام بست، و الجهر بواحدة، التي هي تكبيرة الإحرام بمناسبة الحكم و الموضوع بضميمة ما ورد من أنّ الإمام يجهر بكل ما يتلفّظ به و يسمع المأمومين كل ما يقوله في الصلاة، فإنّ الجمع بين الدليلين يقضي بتعيّن الأخيرة للافتتاح إذ لو كان ما عداها لزم ارتكاب التخصيص في الدليل الثاني كما لا يخفى، فتحفّظاً على أصالة العموم يحكم بأنّها الأخيرة، كي يكون ما قبلها من التكبيرات واقعة قبل الصلاة، فالاخفات فيها لا ينافي مع الإجهار المطلوب في الصلاة.

و ربما يجاب عنه: بأنّ أصالة العموم حجة في تشخيص المراد لا في كيفية الإرادة، فلا تجري إلّا لاستعلام الحكم لدى الشك فيه لا لتشخيص حال الموضوع‌

______________________________
(1) فقه الرِّضا: 105.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 248 السطر 30.

(3) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(4) الجواهر 9: 214.

138
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و في المقام لا شك في الحكم للقطع باخفات الست و خروجها عن دليل الإجهار في الصلاة، و إنّما الشك في أنّها من الصلاة كي يكون خروجها عن ذاك الدليل من باب التخصيص، أم ليست منها لكون الأخيرة هي الإحرام، كي يكون خروجها من باب التخصص، فهو نظير ما إذا ورد أكرم العلماء و علمنا من الخارج أن زيداً لا يجب إكرامه، و لم نعلم أنّه عالم كي يكون خروجه للتخصيص أم جاهل كي يكون للتخصص، فكما أنّ أصالة العموم لا تجري لإثبات حاله و أنّه جاهل لعدم الشك في المراد، فكذا لا تجري في المقام حتى يثبت بها أنّ الإحرام هي الأخيرة.

و فيه: أنّ الكبرى المذكورة و إن صحّت لكنها غير منطبقة على المقام لحصول الشك هنا في الحكم كالموضوع، فلا يعلم المراد أيضاً لإجمال المفهوم فهو كما لو علمنا بعدم وجوب إكرام زيد بعد ورود الأمر بإكرام العلماء و تردد زيد بين شخصين أحدهما عالم و الآخر جاهل، و لم يعلم أنّ المراد به الأوّل كي يكون الخروج تخصيصاً أم الثاني كي يكون تخصصاً، و لا شك أنّ المرجع في مثله أصالة العموم، لعدم العلم بورود التخصيص على عموم إكرام العلماء كي يخرج عنه زيد العالم، فيتمسك بأصالة عدم التخصيص و يثبت بها أنّ الخارج هو زيد الجاهل، لحجية مثبتات الأُصول اللفظية.

و المقام من هذا القبيل، فانّ المراد من الست المحكومة بالإخفات مردد بين الواقع قبل التكبيرة كي يكون خروجها عن دليل الإجهار في الصلاة من باب التخصص، و الواقع بعدها كي يكون من التخصيص، فهو مجمل مردّد بين فردين و في مثله يتمسك بأصالة العموم في دليل الإجهار للشك في ورود التخصيص عليه، و يثبت بها أنّ المراد هي الست الواقعة قبل التكبيرة، فينتج أنّ تكبيرة الإحرام هي الأخيرة، لما عرفت من حجية مثبتات الأُصول اللفظية.

إلّا أنّ أصالة العموم في دليل الإجهار في الصلاة تعارضها أصالة الإطلاق‌

139
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
في دليل الجهر بالواحدة و إخفات الست، فانّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم و الموضوع هي تكبيرة الإحرام كما تقدم «1» و مقتضى الإطلاق جواز إيقاعها قبل الست أو بعدها أو خلالها. و العموم و إن كان مقدّماً على الإطلاق لدى الدوران لكون الدلالة فيه وضعية، و في الثاني بمقدّمات الحكمة، إلّا أنّ في المقام خصوصية تستوجب قوّة الظهور في الإطلاق بحيث كاد يلحقه بالتصريح الموجب لتقديمه على العموم، و هو التعبير بالواحدة المقرون بالتعبير بالست في الإخفات إذ لو كان المراد بالواحدة خصوص الأخيرة فما يمنعه (عليه السلام) عن التعبير بالسابعة، فالعدول عنها مع أنّ المقام يقتضي التصريح بها لو كان الافتتاح متعيناً فيها إلى التعبير بالواحدة فيه قوة ظهور في الإطلاق و التخيير، و إلّا لم يكن وجه للإهمال المؤدّي إلى نوع من الإغراء بالجهل كما لا يخفى.

هذا، و مع التنزل فلا أقل من التكافؤ بين الظهورين، أعني ظهور العموم في تعين الأخيرة بالتقريب المتقدم و ظهور الإطلاق في عدمه، فيقع التعارض الموجب للإجمال فتسقط عن الاستدلال.

الرابع: النصوص المتضمنة لتعداد تكبيرات الصلوات و أنّها خمس و تسعون تكبيرة، التي منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات خمس و تسعون تكبيرة، منها تكبيرات القنوت خمس» «2» فإنّها لا تنطبق إلّا على القول بتعيّن الأخيرة للافتتاح، فيستقيم العدد حينئذ، إذ كل ركعة تشتمل على خمس تكبيرات: تكبيرة للركوع، و أُخرى للهوي إلى السجود، و ثالثة لرفع الرأس منه، و رابعة للسجدة الثانية، و خامسة لرفع الرأس منها، و بعد ضرب الخمسة في عدد ركعات الفرائض و هي سبع عشرة يصير المجموع خمساً و ثمانين، و بعد إضافة خمسة لتكبيرات القنوت في‌

______________________________
(1) في ص 138.

(2) الوسائل 6: 18/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

 

 

140
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الصلوات الخمس يصير المجموع تسعين، فاذا زيدت عليها لكل من الصلوات الخمس تكبيرة الإحرام صار المجموع خمساً و تسعين و استكمل العدد، و لا يحسب تكبيرات الافتتاح لخروجها عن الصلاة بناءً على هذا القول.

و أمّا بناءً على عدم تعيّن الأخيرة و جواز الافتتاح بالأُولى، المستلزم لإيقاع الست الأُخرى في الصلاة، كان اللّازم حينئذ زيادة ست تكبيرات لكل صلاة البالغة ثلاثين تكبيرة، فيصير المجموع مائة و خمساً و عشرين.

و أجاب عنه المحقق الهمداني (قدس سره) «1» بما ملخّصه: أنّ تكبيرات الافتتاح حيث لم يكن في موردها إلّا أمر واحد متعلق بالجميع بعنوان الافتتاح فمن هنا عدّ المجموع بمنزلة تكبيرة واحدة.

و هذا كما ترى، لظهور الأخبار في اختصاص كل تكبيرة منها بأمر مستقل كبقية تكبيرات الصلوات كما لا يخفى، فلا وجه لاهمالها في مقام العدّ.

و الصحيح في الجواب أن يقال: إنّ هذا الاستدلال إنّما ينفع في قبال دعوى صاحب الحدائق القائل بتعيّن التكبيرة في الأُولى، فيكون هذا ردّاً عليه بالتقريب المتقدم، و لعله (قدس سره) لو التفت إلى ذلك لعدل عن مذهبه، فإنّه أقوى شاهد على بطلانه.

و أمّا القائل بالتخيير كما عليه المشهور، فلا تكون هذه النصوص ردّاً عليه كي تتعين التكبيرة في الأخيرة، و ذلك لأنّ معنى التخيير في تطبيق التكبيرة على واحدة من السبع، أنّ الخصوصيات الفردية غير معتبرة في متعلق الأمر، و إنّما الماهية المأمور بها هي الطبيعي الجامع بين تلك الأفراد، و هي التكبيرة الواحدة التي قد تكون مسبوقة بالست، و أُخرى ملحوقة بها، و ثالثة متخللة بينها، فما لوحظ اعتباره في الماهية التي لا تتخلف عنه إنما هي التكبيرة الواحدة، و أمّا الزائد عليها فهو شي‌ء قد يكون و قد لا يكون، و لأجله يعدّ لو كان من‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 249 السطر 2.

141
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
خصوصيات الفرد و مزاياه، لا الخصوصيات الملحوظة في نفس الجامع، و إلّا لما تخلّفت عنه كما لم تتخلف سائر التكبيرات.

و من الواضح أنّ هذه النصوص إنما هي بصدد تعداد التكبيرات الملحوظة في ماهية الصلاة بقول مطلق لا في أفرادها التي لا اطراد فيها، و من هنا أُلغيت بقية التكبيرات الافتتاحية في مقام التعداد و لم يحتسب غير الواحدة منها. نعم، بناءً على قول صاحب الحدائق كان المجموع داخلًا في ماهية الصلاة و لزم احتسابها. فهذه الروايات إنّما تصلح ردّاً عليه كما عرفت، لا على مذهب المشهور كي تدل على تعيّن الأخيرة.

هذا، و ممّا يدل على بطلان هذا القول أعني تعين الأخيرة الروايات المتقدمة «1» الواردة في علّة تشريع السبع المشتملة على قصّة الحسين (عليه السلام) لوضوح أنّ افتتاح رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في تلك القضية الشخصية إنّما كان بالتكبيرة الاولى، و العود إليها ثانياً و ثالثاً و هكذا إنما كان لتمرين الحسين (عليه السلام) بعد الدخول في الصلاة بالأُولى.

و جريان السنة بذلك كما في ذيل تلك الأخبار إمّا إشارة إلى الكيفية الصادرة عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) أو إلى أصل تشريع السبع، و إن كان الأظهر الثاني كما تقدم «2»، و على التقديرين فلا يحتمل نسخ تلك الكيفية قطعاً، فلو كان اللازم تعيين الأخيرة فكيف اقتصر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) على تلك الصلاة.

و ممّا يدل على بطلانه أيضاً كبطلان القول بتعيّن الاولى: روايات استحباب الجهر بالواحدة للإمام، و إخفات الست التي مرّت الإشارة إليها «3»، لما عرفت‌

______________________________
(1) في ص 136.

(2) في ص 136.

(3) في ص 138.

142
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
من أنّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم و الموضوع هي تكبيرة الإحرام كي يسمعها المأمومون فيقتدون، و مقتضى ظهورها القوي في الإطلاق الذي هو في قوّة التصريح كما تقدم عدم الفرق في إيقاع تلك التكبيرة مسبوقة بالست أو ملحوقة أو متخللة.

و ممّا يدل على بطلانهما أيضاً، و إثبات التخيير الذي عليه المشهور إطلاقات الأمر بالتكبير و افتتاح الصلاة به، حيث لم تتقيّد بالسبق على الست و لا اللّحوق كما لا يخفى.

و المتلخص من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن: أنّ احتمال الافتتاح بجميع ما يختار كما عليه والد المجلسي ممّا لا سبيل إليه لامتناعه ثبوتاً، فلا تصل النوبة إلى مرحلة الإثبات. على أنّ بعض الأخبار و إن كان ظاهراً فيه لكنّه معارض بطائفة أُخرى ظاهرة في أنّ تكبيرة الإحرام إنّما هي تكبيرة واحدة، و الزائد فضل و مستحب كما مرّ، فيدور الأمر بين القول بتعيّن الاولى كما عليه صاحب الحدائق، أو الأخيرة كما اختاره جمع من القدماء، و مال إليه في الجواهر أوّلًا و إن ضعّفه أخيراً، أو التخيير كما عليه المشهور، و الأوّلان ساقطان لضعف مستندهما، مضافاً إلى قيام الدليل على الإطلاق و التخيير الذي منه روايات جهر الإمام بواحدة، الظاهرة و لو بمناسبة الحكم و الموضوع في أنّها هي تكبيرة الإحرام ليسمعها المأمومون فيقتدون كما مرّ كل ذلك مستقصى، فيتعيّن القول الأخير و هو الأقوى.

لكن هذا مبني على أن يكون لتكبيرة الإحرام عنوان به تمتاز عن بقية التكبيرات الافتتاحية، و تختلف عنها في الحقيقة و الذات و إن شاركتها في الصورة نظير الفرق بين الظهر و العصر.

و أمّا بناءً على أنّ الواجب هي ذات التكبيرة من دون تعنونها بعنوان خاص فلا مناص من الالتزام بتعين الاولى، لا لما استدلّ به في الحدائق من الوجوه‌

143
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

و لا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين [1] (1)

______________________________
المتقدمة إذ قد عرفت ضعفها، بل لأنّ طبيعي التكبير بعد خلوّه عن العنوان ينطبق على أوّل الوجودات لا محالة، فيقع بطبيعة الحال مصداقاً للواجب، فانّ الانطباق قهري و الإجزاء عقلي، فتقع البقية على صفة الاستحباب قهراً، هذا.

و لكنّ الصحيح إنما هو المبنى الأول، فإنّ المستفاد من الروايات أنّ تكبيرة الإحرام لها عنوان خاص به تمتاز عمّا عداها، و هو عنوان الإحرام و الافتتاح نظير التلبية في إحرام الحج، فما لم يقصد العنوان و لو إجمالًا لا يتحقق الامتثال فلا مناص من اختيار القول المشهور كما عرفت، إلّا أنّ الأحوط كما نبّه عليه في المتن اختيار الأخيرة، للقطع بصحة الصلاة معه على جميع التقادير.

أمّا على القول بتعيّن الأخيرة أو التخيير فظاهر، و أمّا على القول بتعيّن الأُولى أو المجموع، فغايته وقوع الست قبلها على صفة الزيادة غير القادحة بعد وقوعها قبل الصلاة فهي كالعدم، و هذا بخلاف ما لو اختار الأُولى، فإنّه بناءً على القول بتعيّن الأخيرة الراجع إلى عدم الأمر بالتكبيرة بعد الإتيان بتكبيرة الإحرام يلزم منه وقوع الست المأتي بها بعد الاولى على صفة الزيادة داخل الصلاة، و في بطلان الصلاة بمثل هذه الزيادة كلام، و إن كان الأقوى خلافه. و على أيّ حال فهو مخالف للاحتياط، لاحتمال البطلان من هذه الجهة، و من هنا كان الأحوط اختيار الأخيرة حذراً من هذه الشبهة.

(1) هذا فيما إذا كان الإبهام واقعياً، بأن لم يكن له تعيّن حتى في صقع الواقع فلا يكفي قصده حينئذ، إذ مثله لا تحقق له في الخارج، و الافتتاح أمر تكويني لا بدّ من تعلقه بالموجود الخارجي، و من الضروري أنّ الواحد لا بعينه مفهوم‌

______________________________
[1] هذا فيما إذا لم يكن لها تعيّن في الواقع، و أمّا مع تعيّنها فيه بعنوان ما، فالظاهر جواز الاكتفاء بقصدها و لو كانت غير معيّنة لدى المصلّي.

144
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

و الظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة و المندوبة (1)

______________________________
اعتباري لا تقرّر له خارجاً.

و أمّا إذا كان الإبهام عند المصلي خاصة مع تعيّنه في الواقع و إن كان مجهولًا لديه، فهذا لا ضير فيه، كما في المأموم الذي يقصد الافتتاح بما افتتح به الإمام من الأُولى أو الثالثة، أو الخامسة، أو السابعة، فإنّ ما يقع الافتتاح به معيّن في الواقع و إن جهله المصلي، إذ لا يعتبر التمييز بعد كون ما يفتتح به متشخّصاً في الخارج و قد قصده إجمالًا و إن لم يميِّزه عمّا عداه كما هو ظاهر.

(1) كما عليه المشهور لإطلاق الأدلة، و عن صاحب الحدائق (قدس سره) اختصاصها بالفرائض بل اليومية منها، لانصراف الإطلاق إليها «1».

و فيه: منع الانصراف على نحو يقدح في التمسك بالإطلاق، كيف و قد الحق النوافل بالفرائض في عامة الأحكام، من رعاية الأجزاء و الشرائط الواجبة و المستحبة، و من الموانع و القواطع، مع عدم اختصاصها بدليل، فلو منع الانصراف عن التمسك بالإطلاق في المقام لمنع هناك أيضاً، مع شمول تلك الأحكام لها بمقتضى الإطلاق بلا إشكال.

نعم، إنّما الشأن في ثبوت الإطلاق في المقام، فإنّ أغلب الأخبار موردها الفرائض كروايات جهر الإمام بواحدة، و إخفات الست «2»، و روايات تمرين الحسين (عليه السلام) «3» و غيرهما، و بعضها الآخر و إن كان لها الإطلاق كرواية‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 53.

(2) الوسائل 6: 33/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 12.

(3) الوسائل 6: 20/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7.

145
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

و ربّما يقال بالاختصاص بسبعة مواضع (1) و هي: كل صلاة واجبة، و أوّل ركعة من صلاة الليل، و مفردة الوتر، و أوّل ركعة من نافلة الظهر، و أوّل ركعة من نافلة المغرب، و أوّل ركعة من صلاة الإحرام، و الوتيرة، و لعل القائل أراد تأكدها في هذه المواضع.

______________________________
أبي بصير «1» و غيرها، لكنّها ضعيفة السند، و لكن الصحيح ثبوت الإطلاق بمقتضى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات، و خمس، و سبع أفضل» «2» فإنها تشمل بإطلاقها جميع الصلوات.

(1) كما عن الشيخين «3» و القاضي «4» و العلّامة في التحرير و التذكرة «5» و غيرهم و فسّر الماتن مقالتهم بإرادة تأكّد الاستحباب في هذه المواضع دون الاختصاص كما صرّح به في المقنعة، و المجلسي في البحار «6». و كيف كان فالكلام في مستند هذا القول تعييناً أو تأكيداً.

و الظاهر أنّهم استندوا في ذلك إلى ما في الفقه الرضوي «قال: ثم افتتح بالصلاة و توجه بعد التكبير فإنّه من السنّة الموجبة في ست صلوات، و هي أوّل ركعة من صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و أوّل ركعة من نوافل المغرب، و أوّل ركعة من ركعتي الزوال، و أوّل ركعة من ركعتي الإحرام، و أوّل ركعة من ركعات‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

(2) الوسائل 6: 23/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 9.

(3) المقنعة: 111، المبسوط 1: 104.

(4) المهذب 1: 98.

(5) تحرير الأحكام 1: 37، السطر 29، التذكرة 3: 119.

(6) البحار 81: 361.

146
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الفرائض» «1» و لا يقدح خلوّها عن الوتيرة، لما ثبت بالأخبار من أنّها إنّما شرّعت مخافة فوت الوتر «2»، فهي بمنزلته و محكومة بحكمه فلذا ألحقها الأصحاب به في هذا الحكم.

لكن الفقه الرضوي ضعيف السند فلا يمكن التعويل عليه كما تكرّر في مطاوي هذا الشرح. مضافاً إلى قصور الدلالة لعدم التصريح بتكبيرات الافتتاح، و إنّما المذكور هو التوجه بعد التكبير، و من الجائز أن يراد به دعاء التوجه أعني قوله وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي إلخ، كما تضمنه صحيح زرارة «قال: يجزئك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى اللّٰه أن تقول: وجّهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً ...» إلخ «3».

و استدل له أيضاً كما في الحدائق «4» بما رواه ابن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير: في أوّل الزوال، و صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و قد يجزئك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبّر تكبيرة لكل ركعتين» «5».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند بابن شمّون، و اختصاص موردها بالثلاثة دون السبعة، ما عرفت آنفاً من قصور الدلالة، لاحتمال كون المراد من التوجه دعاء التوجه لا تكبيرات الافتتاح التي هي محل الكلام.

فالإنصاف: عدم ثبوت دليل لهذا القول لا بنحو الاختصاص و لا التأكيد‌

______________________________
(1) فقه الرضا: 138.

(2) الوسائل 4: 96/ أبواب أعداد الفرائض ب 29 ح 7، 8.

(3) الوسائل 6: 25/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 2.

(4) الحدائق 8: 53.

(5) المستدرك 4: 139/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1، فلاح السائل: 241/ 142.

147
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس ج 14 ص 148

[مسألة 11: لمّا كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس]

[1455] مسألة 11: لمّا كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات بل أقوال: تعيين الأوّل، و تعيين الأخير، و التخيير، و الجميع، فالأولى لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات و مراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنّه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا و يعيّن في قلبه ما شاء، و إلّا فهو ما عند اللّٰه من الأوّل أو الأخير أو الجميع (1).

[مسألة 12: يجوز الإتيان بالسبع ولاءً من غير فصل بالدعاء]

[1456] مسألة 12: يجوز الإتيان بالسبع ولاءً من غير فصل بالدعاء (2)

______________________________
كما اعترف به غير واحد. و الأقوى ما عليه المشهور من شمول الحكم لعامة الصلوات من دون ميز بينها أصلًا، عملًا بإطلاق الأدلّة.

(1) أورد عليه بعض أعلام المحشين و تبعه غيره: بامتناع الجمع بين هذه الاحتمالات، و أنّه ليس من الاحتياط في شي‌ء.

لكن الإيراد لعله واضح الفساد، فإنّ التكبيرة كغيرها من العبادات لا يعتبر فيها سوى الإتيان بها بما هي عليها بإضافة قصد التقرب، و كلا الركنين متحقق في المقام بعد مراعاة الكيفية المزبورة، ضرورة أنّ ما هو مصداق لتكبيرة الإحرام واقعاً قد تحقق في الخارج قاصداً به الافتتاح و بوجه قربي على جميع التقادير غاية الأمر أنّ المصلي لا يشخّصه عن غيره، و لا يميّزه عمّا عداه، فهو مبهم عنده مع تعينه واقعاً، و مثله غير قادح في صحة العبادة، إذ لا يعتبر التمييز. و قد مرّ قريباً أنّ الإبهام و جهالة المكلف بما هو مصداق للافتتاح لا يضر بالصحة، بعد تعلق القصد و لو إجمالًا بما يقع به الافتتاح واقعاً، مع كونه متعيناً في الواقع كما في المقام.

(2) لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة، بل التصريح بالولاء في موثقة‌

148
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج 14 ص 148

لكن الأفضل أن يأتي بالثلاث ثم يقول: «اللّٰهمّ أنت الملك الحق لا إلٰه إلّا أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت» ثم يأتي باثنتين و يقول: «لبّيك و سعديك، و الخير في يديك، و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلّا إليك، سبحانك و حنانيك تباركت و تعاليت، سبحانك ربّ البيت» ثم يأتي باثنتين و يقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ عالم الغيب و الشهادة حنيفاً مسلماً وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين» ثم يشرع في الاستعاذة و سورة الحمد.

و يُستحب أيضاً أن يقول قبل التكبيرات: «اللّٰهمّ إليك توجّهت و مرضاتك ابتغيت، و بك آمنت و عليك توكلت، صلّ على محمد و آل محمد و افتح قلبي لذكرك، و ثبّتني على دينك و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب».

و يستحب أيضاً أن يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام: «اللّٰهمّ ربّ هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة، بلّغ محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله) الدرجة و الوسيلة و الفضل و الفضيلة، باللّٰه استفتح و باللّٰه أستنجح و بمحمّد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و عليهم أتوجه، اللّٰهمّ صلِّ على محمّد و آل محمّد و اجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين».

______________________________
زرارة قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً» «1» نعم، ورد استحباب تفريق التكبيرات و الدعاء خلالها و قبلها‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

149
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج 14 ص 148

و أن يقول بعد تكبيرة الإحرام: «يا محسن قد أتاك المسي‌ء و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء، أنت المحسن و أنا المسي‌ء بحق محمّد و آل محمّد، صلِّ على محمّد و آل محمّد، و تجاوز عن قبيح ما تعلم منِّي».

[مسألة 13: يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام]

[1457] مسألة 13: يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام (1) على وجه يسمع من خلفه، دون الست فإنّه يستحب الإخفات بها.

[يستحب رفع اليدين بالتكبير]

[1458] يستحب رفع اليدين بالتكبير (2)

______________________________
و بعدها على نحو يقرب من المذكور في المتن، بعضها في الرواية المعتبرة كصحيح الحلبي و بعضها في غيرها «1» و إن لم تطابق المذكور في المتن كلا كما لا يخفى، إلّا أنّ الاستحباب المزبور لا يوجب تقييد تلك المطلقات كي يختص استحباب السبع بالاقتران بتلك الأدعية، لما تقرر في الأُصول «2» من عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات، و لا سيّما بعد ورود التصريح بالولاء في المقام كما عرفت.

(1) للنصوص الكثيرة التي مرّت الإشارة إليها فيما سبق، المتضمّنة لاستحباب جهر الإمام بواحدة و إخفات الست كصحيحتي الحلبي. و روايتي ابن راشد و أبي بصير «3». نعم، لم يصرّح بتكبيرة الإحرام في شي‌ء من تلك الأخبار، و إنّما ذكر الجهر بواحدة، لكن القرائن الداخلية و الخارجية سيّما مناسبة الحكم و الموضوع تقضي بإرادتها منها و تعينها فيها كما لا يخفى.

(2) على المشهور المعروف بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عليه دعوى‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 5: 381.

(3) الوسائل 6: 33/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 12.

150
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
الإجماع في غير واحد من الكلمات، للأمر به في جملة وافرة من النصوص المحمول على الاستحباب كما ستعرف.

و عن الإسكافي القول بوجوبه في تكبيرة الإحرام خاصة «1». و ذهب السيّد المرتضى (قدس سره) في محكي الانتصار إلى وجوبه في جميع تكبيرات الصلاة مدعياً عليه الإجماع، و أنّه مما انفردت به الإمامية «2».

و يبعد جدّاً إرادته (قدس سره) الوجوب النفسي فيما عدا تكبيرة الإحرام لعدم اجتماعه مع استحبابها كما لا يخفى. نعم، لا مانع من إرادة الوجوب الشرطي، لإمكان اقترانه مع استحباب ذات العمل كما في الإقامة فإنّها مع استحبابها يجب فيها القيام و الطهارة وجوباً شرطياً كما تقدم، و كما في اشتراط النوافل بما يعتبر في الفرائض من الأجزاء و الشرائط.

و كيف كان، فقد تعجب غير واحد من دعواه الإجماع في المقام، مع أنّه لم يذهب إلى ما ذهب إليه أحد من الأصحاب سواه، حتى أنّهم جعلوا ذلك قرينة على إرادته تأكد الاستحباب من الوجوب.

و قد طعن عليه (قدس سره) في الحدائق «3»، بل ربما أساء الأدب، بعد أن اختار مذهبه (قدس سره) زاعماً دلالة الأخبار عليه بوضوح، فلا حاجة إلى دعوى الإجماع فيما لا قائل به سواه.

و لعمري إنّ هذا من غرائب كلماته و لا يكاد ينقضي العجب من استدلاله على الوجوب بروايات لا إشعار فيها فضلًا عن الظهور، كالروايات الحاكية لفعل المعصوم (عليه السلام) و أنّ الراوي رآه (عليه السلام) قد رفع يديه عند‌

______________________________
(1) حكاه عنه في الذكرى 3: 374.

(2) الانتصار: 147.

(3) الحدائق 8: 42.

151
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
التكبير في الصلاة أو عند افتتاحها، كصحيحة معاوية بن عمار قال: «رأيت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلًا» و نحوها صحيحة صفوان و ابن سنان و غيرهما «1» فانّ فعله (عليه السلام) لا يدل على الوجوب بل غايته الاستحباب، حتى أنّ هذه الأخبار خالية عن كلمة «كان» المشعر بالدوام و الاستمرار كي يستأنس منه الوجوب.

على أنّه لو سلم فغايته وجوب الرفع عند تكبيرة الإحرام، لا كل تكبيرة لعدم إطلاق بالنسبة إليها.

نعم، يمكن أن يستدل على الوجوب بأحد أمرين:

الأوّل: ما رواه الكليني (قدس سره) بسنده عن إسماعيل بن جابر و غيره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه إلى أن قال دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلّا مرّة واحدة حين يفتتح الصلاة، فإنّ الناس قد شهروكم بذلك، و اللّٰه المستعان و لا حول و لا قوة إلّا باللّٰه» «2» فإنّها ظاهرة في أنّ ترك الرفع في بقية التكبيرات لأجل التقية و خوف الشهرة، و إلّا فلولا المانع كان الوجوب ثابتاً كما ثبت في تكبيرة الإحرام حيث لا تقية هناك لموافقته لهم.

و فيه أوّلًا: أنّها ضعيفة السند بطرقها الثلاثة.

و ثانياً: أنّها قاصرة الدلالة، إذ غايتها التزام الشيعة بأمر أوجب اشتهارهم بين الناس و امتيازهم عن مخالفيهم فردعهم الإمام عن ذلك تقية، و لعل ما التزموا به كان من الأُمور المستحبة كالقنوت في الصلاة و غيره من المستحبات التي يلتزم بها و هي كثيرة جدّاً.

______________________________
(1) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9.

(2) الوسائل 6: 28/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 9، الكافي 8: 7/ 1.

152
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
الثاني: ما رواه في المجالس بسنده عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) «قال: لما نزلت على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربّي؟ قال: يا محمد إنّها ليست نحيرة و لكنها رفع الأيدي في الصلاة» «1».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند، فإنّ أكثر رجاله ممّن لم تثبت وثاقته، بل هم من أبناء العامة، فلم تثبت الوثاقة حتى على مسلك العلامة الذي يكتفي فيها بمجرد كون الرجل إمامياً لم يرد فيه قدح «2»، أنّ الدلالة أيضاً قاصرة، إذ لم يعلم المراد من رفع الأيدي، و لعلّها كناية عن القنوت، أو عن الرفع في خصوص تكبيرة الإحرام، لا في جميع تكبيرات الصلاة كما هو المدّعى.

فتحصل: أنّه لا دليل على وجوب رفع اليدين حال التكبيرات كما يزعمه صاحب الحدائق.

بل يمكن أن يقال بقيام الدليل على العدم، و هي صحيحة حماد الواردة لبيان كيفية الصلاة «3»، فإنّها مع اشتمالها على الخصوصيات المعتبرة فيها حتى نبذاً من المستحبات، خالية عن التعرّض لرفع الأيدي إلّا عند التكبير للهوي إلى السجود على نسخة الفقيه «4»، أو بإضافة تكبيرة الركوع على نسخة الكافي «5» و لعلّها أضبط، و على التقديرين فهي خالية عن سائر التكبيرات، فلو كانت واجبة كما زعمه المحدّث المزبور لزم التعرض لها، فكيف أهملها (عليه السلام)

______________________________
(1) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 13، أمالي الطوسي: 377/ 806.

(2) كما يظهر من الخلاصة: 66/ 86 في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة.

(3) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(4) الفقيه 1: 196/ 916، [و لكن هذا موافق لما نقله الوسائل عن الفقيه و أما النسخة المطبوعة من الفقيه فهي مشتملة على رفع الأيدي عند التكبير للركوع أيضاً].

(5) الكافي 3: 311/ 8.

153
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
و هو في مقام التعليم و بيان كل ما يعتبر فيها حتى أنّه (عليه السلام) أشار إلى بعض المستحبات كما عرفت. مع أنّ هذه أحرى بالذكر على تقدير الوجوب. و بالجملة فلا ينبغي الارتياب في فساد هذا القول.

و أمّا مقالة الإسكافي، من اختصاص الوجوب بتكبيرة الإحرام، فيمكن أن يستدل له بعدّة روايات:

منها: صحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات ...» إلخ «1» فانّ ظاهر الأمر بالرفع الوجوب، و لا يقدح الاشتمال على بسط الكفين و الدعاء و نحوهما من الأُمور المستحبة، لقيام القرينة الخارجية على الاستحباب فيها دونه كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: «هو رفع يديك حذاء وجهك» «2» و حيث إنّ المخاطب في قوله (عليه السلام) «هو رفع يديك» هو عبد اللّٰه بن سنان، فيعلم أنّ توجه الخطاب في قوله تعالى وَ انْحَرْ إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لكونه فرداً من المصلين، لا بما أنّه نبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و إلّا لما طبّقه الإمام (عليه السلام) عند تفسير الآية على الراوي.

فيظهر من ذلك أنّ الخطاب في الآية المباركة عام لجميع المصلين، فلا يتوقف الاستدلال بهذه الصحيحة على إثبات قاعدة الاشتراك بيننا و بينه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) التي قد يتأمّل فيها، لاختصاصه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) بأحكام لا تعدوه و لعلّ المقام منها. نعم، ربما يحتاج إلى القاعدة في غير هذه الصحيحة ممّا ورد في تفسير الآية كرواية الأصبغ بن نباتة و نحوها «3».

______________________________
(1) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(2) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 4.

(3) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 13.

154
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
و منها: صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «قال: ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك و لا ترفعهما كل ذلك» «1».

و منها: صحيحته الأُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك، و لا تجاوز بكفيك أُذنيك، أي حيال خديك» «2». فهذه صحاح أربع دلت على وجوب الرفع على ما يقتضيه ظاهر الأمر المؤيدة بروايات أُخر، و إن كانت أسانيدها مخدوشة.

و ربما يجاب: بحمل الأمر فيها على الاستحباب، بقرينة ما في بعض النصوص من تعليل الرفع بأنّه زينة كما في خبر مقاتل بن حيّان «3» أو بأنّه ضرب من الابتهال و التضرع، و بأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة و إقبال القلب كما في رواية الفضل بن شاذان «4» مما هو ظاهر في الاستحباب.

و فيه: أنّه نعم الحمل لولا الضعف في أسانيد هذه النصوص كما أشرنا آنفاً فلا يمكن رفع اليد عن تلك الصحاح بهذه النصوص الضعيفة.

و الصحيح أن يجاب أوّلًا: بأنّ الوجوب لو كان ثابتاً في هذه المسألة العامّة البلوى الكثيرة الدوران لابتلاء كل مكلف بها في كل يوم على الأقل خمس مرّات لكان واضحاً مبيّناً لم يقع الخلاف فيه من أحد، كيف و قد تسالم الأصحاب على خلافه، إذ لم ينسب الوجوب إلّا إلى الإسكافي لو صدقت النسبة و إلى السيّد المرتضى مع احتمال إرادة الاستحباب، لقرينة في كلامه مرّت الإشارة إليها «5»، فهذه القرينة التي تمسّكنا بها في كثير من المقامات ممّا تورث القطع بعدم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 31/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 1.

(2) الوسائل 6: 31/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 6: 30/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 14.

(4) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 11.

(5) في ص 151.

155
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
الوجوب و إرادة الاستحباب.

و يؤيده: خلوّ صحيحة حماد الواردة في مقام التعليم عن التعرض لذلك، فلو كان الرفع واجباً لكان أحرى بالذكر من جملة من الأُمور المستحبة المذكورة فيها.

و ثانياً: أنّه تدل على إرادة الاستحباب من الأوامر الواردة في هذه الصحاح: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) الواردة في وصية النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لعلي (عليه السلام) «قال: و عليك برفع يديك في صلاتك و تقليبهما» «1» فانّ التنبيه على ذلك في مقام الوصية من مثل النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لوصيه الأكرم (عليه السلام) أقوى شاهد على استحبابه و العناية بشأنه كي لا يترك، و إلّا فلو كان واجباً لعرفه كل أحد حتى النساء، فلا حاجة إلى مزيد الاهتمام بشأنه في مقام الإيصاء، بل هو أمر لا بدّ من مراعاته في الصلاة كسائر الأجزاء و الشرائط التي يتحفظ عليها كل من يتصدى للصلاة، أ فهل ترى صحة أن يوصي أحد أحداً سيّما إذا كان عالماً فقيهاً أن يراعي الاستقبال أو الطهارة في الصلاة، أم هل وردت في شي‌ء من الروايات الوصية و لا سيّما من مثل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) للوصي (عليه السلام) بمراعاة واجبات الصلاة من الأجزاء و الشرائط.

و ثالثاً: أنّه تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «قال: قال على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» «2» فإنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقضي بأنّ المراد رفع اليدين حال تكبير الإحرام كي يتبين للمأموم دخول الإمام في الصلاة فيأتم.

______________________________
(1) الوسائل 6: 28/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 8.

(2) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 7.

156
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

إلى الأُذنين أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر (1)

______________________________
و قد دلّت صريحاً على عدم الوجوب في المأموم، فكذا الإمام، لعدم القول بالفصل، فتحمل على الاستحباب مع اختلاف مرتبة الفضل و أنّه في الإمام آكد. و لا يعارض بقلب الدعوى و جعل الأمر بالعكس، لاستلزام طرح النفي في قوله «ليس على غيره» بالكلية، بخلاف الأوّل، فإنّ الأمر حينئذ محمول على الاستحباب كما عرفت.

هذا، و صاحب الحدائق قد تعرّض لهذه الصحيحة و ناقش فيها بالإجمال و احتمال إرادة القنوت فيها «1».

و هذا من غرائب كلماته، فانّ مناسبة الحكم و الموضوع كما عرفت تقضي بإرادة تكبيرة الإحرام، و لم يحتمل أحد التفصيل بين الإمام و المأموم في القنوت و السيرة القطعية شاهدة بخلافه.

هذا، مع أنّ الرواية وردت بطريق آخر صرّح فيها برفع اليدين في التكبيرة و قد نقل هذا الطريق في الوسائل متصلًا بالطريق الأوّل، و من المقطوع به عادة أنّ صاحب الحدائق لاحظه و اطلع عليه فكيف أهمله و أعرض عنه و أبدى الاحتمال المزبور.

نعم، هذا الطريق ضعيف عندنا من جهة عبد اللّٰه بن الحسن الواقع في سند الحميري، و لكنه يراه صحيحاً و يعتمد عليه، فلا سبيل للاعتذار عنه بذلك.

(1) فانّ المستفاد من مجموع الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض، هو التخيير بين الأُمور الثلاثة، لتعلّق الأمر بكل منها.

______________________________
(1) الحدائق 8: 45.

157
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
أمّا النحر: فيدل عليه صريحاً المرسل المروي في مجمع البيان عن علي (عليه السلام) «في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ أنّ معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة» «1» فما في الحدائق «2» من عدم وقوفه على لفظ النحر في شي‌ء من الأخبار غريب «3». و قد وقع كما اعترف به في صحيحة معاوية بن عمار ما يؤدي هذا المعنى و إن لم يكن بلفظه، قال: «رأيت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قريباً» «4»، فانّ القريب من أسفل الوجه ملازم للنحر.

و أمّا حيال الوجه: فالأخبار الواردة فيه كثيرة، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان «5» و غيرها فلاحظ.

و أمّا إلى الأُذنين: فتدل عليه رواية أبي بصير «إذا افتتحت الصلاة فكبّرت فلا تجاوز أُذنيك» «6» فإنّ النهي عن تجاوز الاذن يدل على أنّ غاية حدّ الرفع هو البلوغ إلى الاذن، فهذا هو أقصى حدّ الاستحباب.

______________________________
(1) الوسائل 6: 30/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 15، مجمع البيان 10: 837.

(2) الحدائق 8: 47.

(3) ربما يظهر من عبارة المجمع 10: 837، أنّ هذا المرسل نقل بالمعنى و مصطاد من النصوص لا أنّه عين لفظ النص، فلا يكون صريحاً في الرد على الحدائق. و الأولى تبديله بمرسل الصدوق في الفقيه قال «و ارفع يديك بالتكبير إلى نحرك» الفقيه 1: 198/ 917. و كيف ما كان فمرسل المجمع مروي من طرقنا لا من طرق العامة كما جاء في جامع الأحاديث 5: 315/ 7839.

(4) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 2. [و الموجود في الوسائل و التهذيب قليلًا].

(5) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 3.

(6) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 5.

158
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

مبتدئاً بابتدائه و منتهياً بانتهائه (1) فإذا انتهى التكبير و الرفع أرسلهما، و لا فرق بين الواجب منه و المستحب في ذلك. و الأولى أن لا يتجاوز بهما الأُذنين (2) نعم، ينبغي ضم أصابعهما حتى الإبهام و الخنصر، و الاستقبال بباطنهما القبلة.

______________________________
(1) كما يقتضيه ظاهر المقارنة بين التكبير و الرفع في صحيحة معاوية بن عمار: «حين افتتح الصلاة يرفع يديه ...» إلخ «1» فإنّ إطلاق القضية الحينية يقتضي الاقتران في تمام أجزاء المتقارنين، و نتيجته اقتران أوّل التكبير بأوّل الشروع في الرفع، و اقتران آخره بالانتهاء عنه، الذي هو غاية حدّ الرفع.

نعم، مقتضى صحيح الحلبي: «فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات» «2» وقوع التكبير بعد حصول الرفع فلا تعتبر المقارنة. فهذه الطريقة أيضاً مجزئة في العمل بالاستحباب. و أمّا التكبير بعد انتهاء الرفع و حال إرسال اليدين فلا دليل عليه.

(2) للنهي عنه في صحيح زرارة بقوله: «و لا تجاوز بكفيك أُذنيك» «3»، و قد وقع الخلاف في أنّه تنزيهي كما يظهر من المتن أو تحريمي، و على الثاني فهل هو نفسي أو غيري؟ لكن الظاهر أنّه إرشاد إلى تقيد المستحب، و هو رفع اليدين بعدمه.

و توضيحه: أنّا و إن ذكرنا في محله «4» عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات، لكنه خاص بما إذا كان القيد مستحباً كالمطلق، و الوجه في عدم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 2.

(2) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(3) الوسائل 6: 31/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 2.

(4) محاضرات في أُصول الفقه 5: 381.

159
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

و يجوز التكبير من غير رفع اليدين، بل لا يبعد جواز العكس (1).

______________________________
الحمل حينئذ ظاهر، إذ بعد جواز ترك القيد كما هو مقتضى فرض استحبابه لم يكشف عن تقيّد المطلق به.

و أمّا إذا كان المقيد بلسان النهي كما في المقام فلا مناص من حمل المطلق عليه، إذ لا وجه لحمل النهي على التنزيه بعد كونه ظاهراً في التحريم. نعم قامت القرينة العامة في باب المركبات على انقلاب ظهور الأوامر و النواهي من الوجوب و التحريم إلى الإرشاد إلى الجزئية و الشرطية أو المانعية.

و عليه فالنهي في المقام يرشد إلى مانعية التجاوز عن الاذن عن العمل بالرفع المستحب، فيكشف لا محالة عن تقيد موضوع الاستحباب بعدمه، و نتيجة ذلك حمل المطلق على المقيد، و أنّ العمل بالاستحباب مشروط بعدم التجاوز عن الاذن.

(1) أمّا التكبير من غير الرفع فهو مقتضى فرض استحباب الرفع لا وجوبه كما تقدم «1». و أمّا عكسه أعني الرفع من غير تكبير فلا دليل عليه، إذ لم يثبت استحبابه في نفسه، و الاستدلال له بالتعليل الوارد في بعض النصوص المتقدمة «2» من أنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع كما في خبر الفضل بن شاذان «3» مخدوش بضعف سند الخبر في نفسه كما مرّ، مضافاً إلى قصور الدلالة إذ ظاهرها إرادة الرفع حال التكبير لا مطلقاً كما لا يخفى «4».

______________________________
(1) في ص 150.

(2) في ص 155.

(3) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 11.

(4) و لكن يمكن الاستدلال له بموثقة ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع و السجود و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود قال: هي العبودية». الوسائل 6: 297/ أبواب الركوع ب 2 ح 3. حيث لم يفرض فيها اقتران الرفع بالتكبير.

160
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنما هو على الأفضلية ج 14 ص 161

[مسألة 15: ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية]

[1459] مسألة 15: ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية (1) و إلّا فيكفي مطلق الرفع، بل لا يبعد جواز رفع إحدى اليدين [1] دون الأُخرى.

______________________________
(1) فإنّ ما سبق في الكيفية من رفع اليدين إلى الأُذنين أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر و إن ورد بها النص كما عرفت، إلّا أنّه يدل على الاكتفاء بمطلق الرفع ما ورد في وصية النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لعلي (عليه السلام) من قوله: «و عليك برفع يديك في صلاتك و تقليبهما» «1» إذ لا مقتضي لحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات، فتكون تلك الكيفية أفضل الأفراد مع عموم الاستحباب لغيرها.

و منه تعرف أنّ الاستقبال بباطن اليدين إلى القبلة المذكور في رواية منصور «2» أيضاً كذلك.

و أمّا جواز رفع إحدى اليدين دون الأُخرى فهو مشكل و إن لم يستبعده في المتن، لاختصاص النصوص برفع اليدين معاً، فلا دليل على استحباب الواحدة عدا توهم استفادته من التعليل الوارد في رواية الفضل بن شاذان المتقدمة «3» من أنّه ضرب من الابتهال و التبتل. و فيه: مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ، أنّ مورده‌

______________________________
[1] لا بأس بالإتيان به رجاءً.

______________________________
(1) الوسائل 6: 28/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 8.

(2) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6.

(3) في ص 155.

161
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

[مسألة 16: إذا شكّ في تكبيرة الإحرام، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم]

[1460] مسألة 16: إذا شكّ في تكبيرة الإحرام، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم، و إن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجّه أو الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان [1]، و إن شكّ بعد إتمامها أنّه أتى بها صحيحة أو لا بنى على العدم [2]، لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها، و إن شكّ في الصحة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحة (1).

______________________________
أيضاً رفع اليدين، و لعل لانضمامهما مدخلية في حصول العلّة، فلا يمكن الجزم بالاستحباب، نعم لا بأس بالإتيان بعنوان الرجاء.

(1) قد يفرض الشك في وجود التكبيرة و أُخرى في صحتها بعد العلم بالوجود.

أمّا الأوّل: فلا ريب في وجوب الاعتناء و البناء على العدم فيما إذا كان الشك قبل الدخول فيما بعدها، لمفهوم قوله (عليه السلام) في بعض أخبار قاعدة التجاوز: «إذا شككت في شي‌ء و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» الدال على لزوم الاعتناء بالشك قبل تجاوز المحل. مضافاً إلى استصحاب العدم السالم عن أيّ دليل حاكم.

كما لا ريب في عدم الاعتناء فيما إذا كان الشك بعد الدخول فيما بعدها من الجزء الوجوبي كالقراءة، لقاعدة التجاوز المستفادة من نصوص كثيرة الحاكمة على الاستصحاب المزبور، بل إنّ صحيحة زرارة «1» صريحة في عدم الاعتناء بالشك في التكبير بعد ما قرأ.

______________________________
[1] يشكل ذلك قبل الدخول في القراءة، و لا بأس بالإتيان بها رجاءً.

[2] الأظهر هو البناء على الصحة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

162
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

..........

______________________________
إنّما الكلام فيما إذا كان الشك المذكور بعد الدخول في الجزء المستحب من الاستعاذة أو دعاء التوجه، فانّ في جريان القاعدة حينئذ خلافاً تعرّضنا له و لتحقيق الحال فيه في الأُصول «1» و ملخّصه:

أنّه قد اعتبر في لسان أخبار الباب عنوان الدخول في الغير، فهل المراد به مطلق ما كان مغايراً للمشكوك و إن لم يكن مترتباً عليه كالفعل العادي أو مطلق الذكر و الدعاء و القرآن، أو المراد خصوص ما كان مترتباً؟ و على الثاني فهل يختص الجزء المترتب بما كان مسانخاً للمشكوك فيه في الوجوب أو يعمّه و غير المسانخ؟

وجوه، بل أقوال. فعلى الأوّل و الأخير تجري القاعدة في المقام دون الثاني.

لكن لا سبيل إلى الأوّل، لأنّ المأخوذ في الأخبار عنوان الدخول في الغير المستلزم للخروج عن المشكوك فيه، و حيث لا معنى للخروج عن نفسه للشك في أصله، فلا محالة يراد به الخروج عن محله المتوقف على الدخول فيما هو مترتب عليه، و إلّا فمجرد الإتيان بغيرٍ لا ترتب بينه و بين المشكوك فيه لا يحقق عنوان التجاوز عن المحل بالضرورة، فعنوان الدخول و الخروج يستدعيان اختصاص الغير بما يكون مترتّباً.

و من هنا ذكرنا في محلّه «2» أنّه لو قام إلى الركعة الثالثة و شكّ في الإتيان بالسجدتين مع تذكره حينئذ فوت التشهد لا تجري القاعدة فيهما، فانّ الشك المزبور و إن كان بعد الدخول في الغير و هو القيام إلّا أنّ هذا القيام لأجل وقوعه على صفة الزيادة من جهة ترك التشهد المستلزم لهدمه و تداركه، لا يكون مترتباً على المشكوك فيه، لعدم كونه مصداقاً للمأمور به. نعم، بناءً على القول‌

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 300.

(2) في شرح المسألة [2150].

163
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

..........

______________________________
الآخر أعني الاكتفاء بمطلق الغير تجري القاعدة حينئذ.

كما لا سبيل إلى القول الأخير المبني على التمسك بإطلاق قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة: «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» «1» الذي هو بمنزلة إعطاء ضابط كلي، إذ فيه: أنّ الأمثلة المذكورة في الصحيحة من الشك في التكبيرة و هو في القراءة، و فيها و هو في الركوع، و فيه و هو في السجود كلها من قبيل الشك بعد الدخول في الجزء الوجوبي، فلا ينعقد الإطلاق لذاك الضابط بحيث يعمّ الجزء الاستحبابي، إذ من الجائز أن تكون هذه قرينة على اختصاص الضابط بموارد الجزء الوجوبي فيكون من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة الموجب للإجمال، إذ معه لم يحرز كونه (عليه السلام) في مقام البيان من جميع الجهات كي ينعقد الإطلاق.

هذا، مع أنّا أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى التنافي بين الجزئية و الاستحباب، إذ مقتضى الأوّل دخل شي‌ء في الماهية و تقوّمها به المستلزم لانتفائها بانتفائه، فكيف يجتمع ذلك مع الثاني الراجع إلى جواز الترك و عدم الدخل، فما يتراءى من الأجزاء المستحبّة مرجعها إلى استحباب شي‌ء ظرفه الواجب. و عليه فعدم جريان القاعدة حينئذ أظهر، لعدم ترتبٍ بين المستحب و المشكوك فيه بوجه.

و من جميع ما ذكرناه تعرف: أنّ المتعيّن إنّما هو القول الثاني، أعني اختصاص الغير بالجزء الوجوبي، فلا يكفي الدخول في المستحب، بل الشك معه من الشك في المحل، و يزيده وضوحاً أنّه لا شك في عدم جريان قاعدة التجاوز لو رأى نفسه في التعقيب و شكّ في أنّه هل صلّى أو دخل في التعقيب ابتداءً، مع أنّه مستحب مترتب على الصلاة، فلو كان مطلق الدخول في الغير‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

164
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

..........

______________________________
المترتب و إن لم يكن مسانخاً كافياً في جريان القاعدة، لزم البناء على الإتيان بالصلاة في المثال، مع أنّه لا يبنى عليه بلا إشكال فتأمّل.

و أمّا الثاني: أعني الشك في الصحة بعد العلم بالوجود، فان كان بعد الدخول في الغير، فلا ينبغي الشك في الحكم بالصحة لقاعدة الفراغ، بناءً على ما هو الصحيح من جريانها في أجزاء المركب كنفسه، لعدم قصور في إطلاق قوله (عليه السلام) في موثق ابن مسلم: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» «1» للشمول للأجزاء، بل إنّ الشك في الصحة يرجع في الحقيقة إلى الشك في الوجود أي في وجود الصحيح إذ لا نعني به إلّا الشك في وجود المأمور به المساوق للصحيح لا في مطلق الوجود، فتشمله أدلّة قاعدة التجاوز، و لذا ذكرنا في محله أنّ القاعدتين الفراغ و التجاوز مرجعهما إلى قاعدة واحدة، و تمام الكلام في محله «2».

و أمّا إذا كان قبل الدخول في الغير، فالأقوى أيضاً ذلك، لعدم اعتبار الدخول في الغير في مورد قاعدة الفراغ أعني الشك في الصحة، و إنّما اعتبرناه في مورد التجاوز، لعدم صدق المضي و التجاوز عن الشي‌ء المشكوك وجوده إلّا بالتجاوز عن محلّه المتوقف على الدخول في الغير، و أمّا المشكوك صحته فالمضي عنه إنّما يتحقق بمجرّد الفراغ منه من دون حاجة إلى الدخول في الغير، فيشمله قوله (عليه السلام) في موثق ابن مسلم المتقدم: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو».

فما أفاده في المتن من البناء على العدم حينئذ في غير محله.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل في الصلاة ب 23 ح 3.

(2) مصباح الأُصول 3: 269، [اختار فيه إمكان كونهما قاعدة واحدة هي قاعدة التجاوز بحسب مقام الثبوت، و أمّا بحسب مقام الإثبات فقد اختار أنهما قاعدتان].

165
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

و إذا كبّر ثم شكّ في كونه تكبيرة الإحرام أو تكبير الركوع بنى على أنّه للإحرام (1).

[فصل في القيام]

فصل في القيام و هو أقسام: إمّا ركن و هو القيام حال تكبيرة الإحرام (2)، و القيام المتصل بالركوع، بمعنى أن يكون الركوع عن قيام، فلو كبّر للإحرام جالساً أو في

______________________________
و أمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّ الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها فعجيب، إذ كيف يكون الإبطال موافقاً للاحتياط مع احتمال صحة الصلاة كما هو المختار على ما عرفت و البناء على حرمة قطع الفريضة كما عليه المشهور. فهذا الاحتياط و إن أُحرز معه صحة الصلاة لكنه مخالف للاحتياط من جهة أُخرى، لاحتمال ارتكاب الحرام من أجل قطع الفريضة، بل إنّ سبيل الاحتياط في المقام الإتيان بتكبيرة اخرى رجاءً بقصد أنّه إن كانت الأُولى باطلة فالافتتاح يقع بهذه و إلّا فتقع ذكراً. و مثل هذه الزيادة المأتي بها بقصد القربة المطلقة لا بقصد الجزئية غير مشمولة لأدلّة الزيادة العمدية المبطلة، لاختصاصها بما إذا أتى بها بنيّة جزميّة لا بقصد الرجاء كما عرفت سابقاً.

(1) و الوجه فيه ظاهر، إذ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في وجود القراءة و حيث إنّه في المحل لزم الاعتناء به عملًا بالاستصحاب و قاعدة الشك في المحل.

(2) لا ريب في وجوب القيام في الصلاة في الجملة كتاباً و سنّة.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً ... إلخ «1» بضميمة ما ورد في تفسيره «2» من أنّ الذكر هو الصلاة، و القيام فيها وظيفة الأصحّاء، كما‌

______________________________
(1) آل عمران 3: 191.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

166
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

حال النهوض بطل و لو كان سهواً، و كذا لو ركع لا عن قيام بأن قرأ جالساً ثم ركع، أو جلس بعد القراءة أو في أثنائها و ركع، و إن نهض متقوِّساً إلى هيئة الركوع القيامي.

______________________________
أنّ القعود وظيفة المرضى، وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ من هو دون المرضى.

و أمّا السنّة، فروايات كثيرة جملة منها معتبرة كصحيحة زرارة قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: و قم منتصباً فانّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «1» و غيرها.

و هل هو ركن مطلقاً أو في خصوص حال التكبير للإحرام و المتصل بالركوع أو ليس بركن؟

مقتضى إطلاق كلمات جملة من الأصحاب أنّه ركن على الإطلاق تبطل الصلاة بنقيصته عمداً و سهواً، مستدلين عليه بإطلاق دليل الوجوب ممّا عرفت الشامل لحال السهو، بل و زيادته كذلك بناءً على ما هو المعروف عندهم من تفسير الركن بما يعمّ الإخلال من حيث الزيادة كالنقيصة.

و من هنا أشكل الأمر في كيفية تصوير الزيادة في القيام من حيث هو، فإنّه لا يتحقق في تكبيرة الإحرام إلّا بتكرارها كما لا يتحقق في المتصل بالركوع إلّا بتعدد الركوع، و حينئذ يستند البطلان إلى زيادة تكبيرة الإحرام أو الركوع دون القيام و إلّا فمن الضروري أنّ زيادة مجرد القيام كما لو نسي التشهد فقام ثم تذكّر فعاد لا يوجب البطلان.

و الذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّ الإخلال بالقيام حال تكبيرة الإحرام مبطل للصلاة عمداً كان أو سهواً. أمّا الأوّل، فلدليل وجوبه من الكتاب‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

167
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

..........

______________________________
و السنّة كما مرّ. و أما الثاني، فلموثقة عمّار، قال (عليه السلام) فيها: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم» إلخ «1». فهو ركن فيها بمعنى أنّ تركه عمداً و سهواً مبطل.

و هل هو ركن مستقل في عرض تكبيرة الإحرام أو أنّه شرط فيها و مقوّم لركنيتها، فليس الركن إلّا التكبيرة المقيدة بكونها في حال القيام، كما لعله الأظهر؟ لا أثر عملي لهذا البحث أصلًا كما لا يخفى.

و أمّا الإخلال به فيها من حيث الزيادة فقد عرفت أنّه لا يتصور إلّا بزيادة تكبيرة الإحرام، و حينئذ فتبطل الصلاة بزيادتها أيضاً سهواً فضلًا عن العمد، بناءً على المشهور في ذلك، و أمّا على المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً كما عرفت سابقاً فلا، و قد أشرنا فيما سبق أنّ المناط في الركنية رعاية الإخلال العمدي و السهوي من حيث النقيصة دون الزيادة.

و أمّا القيام حال القراءة، فهو واجب بالأدلة المتقدمة، لكنّه ليس بركن فلا يقدح الإخلال به سهواً، فلو قرأ جالساً سهواً مع مضي محل التدارك صحت صلاته، عملًا بعموم حديث لا تعاد، لعدم كون القيام من الخمسة المستثناة. و منه يظهر الحال في القيام بعد الركوع.

و أمّا القيام المتصل بالركوع، فهو واجب ركني تبطل الصلاة بتركه حتى سهواً، و ذلك لدخله في مفهوم الركوع، فانّ حقيقته متقوّم بالانحناء الخاص عن قيام، يقال: شجرة راكعة، أي منحنية بعد الاستقامة، و إلّا فمجرّد الانحناء غير المسبوق بالقيام كالمخلوق كذلك، و كما لو نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي، لا يطلق عليه الركوع لا لغة و لا عرفاً، بل هو على هيئة الراكع.

______________________________
(1) الوسائل 5: 503/ أبواب القيام ب 13 ح 1.

168
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

..........

______________________________
و عليه فالإخلال بمثل هذا القيام حيث إنّه يؤدي إلى الإخلال بالركوع فتركه حتى سهواً يوجب البطلان، لكونه في الحقيقة إخلالًا بالركوع الذي هو من أحد الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد. و أمّا الإخلال به من حيث الزيادة فلا تتصور إلّا بزيادة الركوع المبطلة و لو سهواً بلا إشكال، و هنا أيضاً كالتكبير لا أثر للبحث عن أنّ القيام ركن مستقل أم شرط مقوّم للركوع، و إن كان الأظهر هو الثاني كما عرفت-، فإنّ الإخلال به نقصاً و زيادة لا يكون إلّا بنقيصة الركوع و زيادته، و معهما يتحقق البطلان، سواء استند إلى الإخلال بالركوع أم بالقيام المتصل به.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ القيام في حالات تكبيرة الإحرام، و القراءة و المتصل بالركوع، و ما بعد الركوع واجب، كل ذلك لإطلاق الأدلّة، و الركن منها هو الأوّل و الثالث، فتبطل الصلاة بتركه فيهما عمداً و سهواً، كما تبطل بزيادته و لو سهواً في الثالث بلا إشكال، و كذا في الأوّل على المشهور من البطلان بزيادة تكبيرة الإحرام السهوية، و إن كان الأقوى خلافه.

و بذلك يستغنى عن التعرض لكثير ممّا ذكر في المقام من النقض و الإبرام، إذ لا طائل تحتها كما لا يخفى، هذا.

و قد يناقش فيما ذكرناه من دخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع: بمنع الدخل، إذ الركوع من الجالس ركوع قطعاً عرفاً مع عدم سبقه بالقيام فالدليل على ركنيته منحصر بالإجماع.

و فيه: من الخلط ما لا يخفى، إذ لا ندعي دخل مطلق القيام في كل ركوع بل المدعى تقوّم الركوع بالقيام المناسب له حسب الوظيفة الفعلية، فالركوع من الجالس متقوّم بالانحناء عن استقامة جلوسية، كما أنّ الركوع القيامي متقوّم بالانحناء عن استقامة قيامية، فمن كانت وظيفته الركوع القيامي لا يجديه سبقه بالاستقامة الجلوسية، بأن يقوم عن الجلوس متقوّساً إلى حدّ الركوع، فانّ ذلك معتبر في من كانت وظيفته الركوع الجلوسي لا مطلقاً.

169
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

و كذا لو جلس ثم قام متقوِّساً من غير أن ينتصب ثم يركع [1] و لو كان ذلك كلّه سهواً (1).

______________________________
و هذا نظير أن يصلي متيمماً مع كونه واجداً للماء، فانّ التيمم و إن كان طهوراً و لا صلاة إلّا بطهور، لكنه وظيفة الفاقد دون الواجد، فكما لا يكفي التيمم هناك، لا تكفي الاستقامة الجلوسية فيما نحن فيه، للزوم جري المكلف على طبق وظيفته الفعلية. و على الجملة: فليست الدعوى تقوّم الركوع بالقيام مطلقاً حتى يتوجه النقض بالركوع الجلوسي كما ذكر.

فالدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع و ركنيته ليس إلّا ما عرفت من دخله في مفهوم الركوع لتقومه به، فالإخلال به إخلال به.

و أمّا الاستدلال بالإجماع فساقط، لعدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) بعد احتمال استناد المجمعين لهذا الوجه، لو لم ندّع القطع بذلك لاستدلال غير واحد به صريحاً.

(1) قد عرفت تقوّم الركوع بالقيام، فلو أخلّ به بأن لم يأت بالقيام أصلًا كما لو قرأ جالساً، أو جلس بعد القراءة أو أثنائها ثم نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي بطلت صلاته و لو كان ذلك سهواً، للإخلال بالركوع، فانّ غير المسبوق منه بالقيام ليس من حقيقة الركوع في شي‌ء، و إنّما هو على هيئة الراكع كما عرفت.

و أمّا لو قام في هذه الفروض متقوّساً إلى أن تجاوز حدّ الركوع، غير أنّه لم‌

______________________________
[1] الانتصاب حال القيام الواجب و إن كان لازماً مطلقاً إلّا انّه غير معتبر في حقيقته و بما أنّه لا دليل على وجوب القيام قبل الركوع غير دخله في تحققه فلو قام متقوساً إلى أن وصل إلى حدّ القيام ثمّ ركع من غير انتصاب سهواً أجزأه ذلك على الأظهر.

 

 

170
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

و واجب غير ركن، و هو القيام حال القراءة و بعد الركوع (1)، و مستحب و هو القيام حال القنوت و حال تكبير الركوع، و قد يكون مباحاً، و هو القيام

______________________________
ينتصب قائماً ثم ركع فكان ركوعه عن قيام غير منتصب، فلا شك في البطلان حينئذ لو كان ذلك عن عمد، لإخلاله بالانتصاب الواجب بمقتضى إطلاق الأدلّة، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «1» «قم منتصباً» الشامل بإطلاقه لمثل هذا القيام.

و بعبارة اخرى: دلت هذه الأدلة بمقتضى الإطلاق على وجوب الانتصاب مهما وجب القيام، فلا يجتزأ بالقيام الانحنائي، و قد ثبت وجوب القيام في المقام بمقتضى دخله في مفهوم الركوع كما عرفت. و بعد ضم الكبرى إلى الصغرى ينتج وجوب الانتصاب في القيام المتصل بالركوع، فالإخلال به عمداً يوجب البطلان.

و أمّا لو أخلّ به سهواً، فالأقوى عدم البطلان، و ذلك لما عرفت من عدم الدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع فضلًا عن ركنيته عدا دخله في تحقق الركوع و تقوّمه به، و من الواضح أنّ الدخيل إنّما هو جامع القيام الأعم من المشتمل على الانتصاب و عدمه، فانّ الركوع المسبوق بالقيام الانحنائي ركوع حقيقة، فالانتصاب واجب آخر معتبر في القيام، و عليه فالإخلال به سهواً غير قادح أخذاً بعموم حديث لا تعاد، لعدم كون الانتصاب من الخمسة المستثناة.

(1) قد تحصّل من جميع ما قدمناه أنّ القيام على أقسام: واجب ركني بمعنى بطلان الصلاة بتركه عمداً و سهواً، و واجب غير ركني، و مستحب، و مباح.

أمّا الأوّل: فهو القيام حال تكبيرة الإحرام و المتصل بالركوع.

و أمّا الثاني: فهو القيام حال القراءة فإنّه واجب بمقتضى الكتاب و السنّة كما‌

______________________________
(1) في ص 167.

171
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

بعد القراءة أو التسبيح أو القنوت أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشي‌ء، و ذلك في غير المتصل بالركوع و غير الطويل الماحي للصورة.

[مسألة 1: يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أوّلها إلى آخرها]

[1461] مسألة 1: يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أوّلها إلى آخرها بل يجب من باب المقدّمة قبلها و بعدها (1) فلو كان جالساً و قام للدخول في الصلاة و كان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقق القيام بطل، كما أنّه لو كبّر المأموم و كان الراء من أكبر حال الهوي للرّكوع كان باطلًا، بل يجب أن يستقرّ قائماً ثم يكبِّر، و يكون مستقرّاً بعد التكبير ثم يركع.

______________________________
مرّ، و ليس بركن بمقتضى حديث لا تعاد، الدال على صحة الصلاة مع الإخلال بكل جزء أو شرط عدا الخمسة المستثناة، و كذا الحال في القيام بعد الركوع.

و أمّا الثالث: فهو القيام حال القنوت، و المراد من استحبابه حاله جواز تركه بترك القنوت كما سيتعرض له الماتن «1»، لا تركه حال القنوت بأن يقنت جالساً، لعدم الدليل على مشروعيته كذلك، فهو في الحقيقة واجب شرطي و ليس من المستحب الاصطلاحي، فحاله حال الطهارة لصلاة النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة، لا الإتيان بالنافلة بدونها كما هو ظاهر.

و أمّا الرابع: فهو القيام بعد القراءة، أو التسبيح، أو القنوت أو أثنائها، فإنّه يجوز الفصل بينها بمقدار لا تمحى معه الصورة كما يجوز الوصل، فالقيام حال هذه السكنات مباح إلّا مع الفصل الطويل الماحي فيحرم.

(1) أي من باب المقدمة العلمية، حيث إنّ القيام في تكبيرة الإحرام واجب من أوّلها إلى آخرها، و بما أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية فلا يكاد يحصل القطع بالفراغ و حصول الامتثال خارجاً إلّا بسبق القيام على‌

______________________________
(1) في ص 175.

172
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان ج 14ص 173

[مسألة 2: هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان]

[1462] مسألة 2: هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان، الأحوط الأوّل و الأظهر الثاني [1] فلو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو في أثنائها صحت قراءته و فات محل القيام، و لا يجب استئناف القراءة لكن الأحوط الاستئناف قائماً (1).

______________________________
أوّلها آناً ما، و لحوقه بها من آخرها كذلك.

و عليه فاللازم على المأموم الصبر هنيئة حتى يقطع بوقوع تمام التكبيرة حال القيام ثم يهوي إلى الركوع، فلو وقع الراء من أكبر حال الهوي بطل.

(1) تردّد (قدس سره) في أنّ القيام حال القراءة، و كذا التسبيحات الأربع هل هو شرط فيهما كما قد يقتضيه ظواهر النصوص، أو أنّه واجب مستقل حالهما في عرض سائر الأجزاء، كما لعلّه الظاهر من كلمات الأصحاب حيث يعدّونه جزءاً مستقلا من أجزاء الصلاة، و يساعده ظاهر قوله (عليه السلام): «و قم منتصباً» في صحيحة زرارة المتقدمة «1»، ثم استظهر الثاني و جعل الأوّل أحوط.

و فرّع (قدس سره) على مختاره صحة القراءة و عدم وجوب استئنافها فيما لو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو أثناءها، إذ لا إخلال حينئذ إلّا بالقيام و أمّا القراءة فهي صحيحة قد سقط أمرها، لعدم اشتراطها بشي‌ء على الفرض و حيث فات محل القيام لسقوط الأمر بالقراءة فلا موقع لتداركه، و بما أنّ فوته مستند إلى النسيان فهو مشمول لحديث لا تعاد، و هذا بخلاف المبنى الآخر‌

______________________________
[1] بما أنّ أجزاء الصلاة ارتباطية فكل جزء منها مشروط بغيره من الأجزاء المتقدّمة و المتأخّرة و المقارنة، و عليه فالقراءة في غير حال القيام فاقدة للشرط و لو كان القيام بنفسه جزءاً، فيجب استئنافها تحصيلًا للحصة الواجبة قبل فوات محلّها.

______________________________
(1) في ص 167.

173
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان ج 14ص 173

..........

______________________________
لبطلان القراءة حينئذ من جهة الإخلال بشرطها فلم يسقط أمرها، و حيث إنّ محلها باق لفرض التذكر قبل الدخول في الركوع وجب استئنافها.

أقول: الظاهر أنّه لا أثر لهذا النزاع، و البحث علمي بحت كما ذكرنا نظيره في القيام حال تكبيرة الإحرام، فإنّ الثمرة العملية المزبورة غير تامّة للزوم استئناف القراءة على التقديرين، أما على الشرطية فواضح كما مرّ، و أما بناءً على وجوبه حال القراءة، فلوضوح أنّ أجزاء الصلاة بأسرها ارتباطية، و مقتضى ذلك اختصاص الجزئية بصورة الانضمام بسائر الأجزاء. فالركوع مثلًا إنّما يعدّ من أجزاء الصلاة إذا كان مسبوقاً بالقراءة و ملحوقاً بالسجود، و مقارناً للستر و الاستقبال و الطهارة و نحوها، و هكذا الحال في سائر الأجزاء، فانّ فرض الارتباطية بينها يستدعي الاشتراط بأمر سابق أو لاحق أو مقارن على سبيل منع الخلو.

و عليه فالقراءة الواجبة المحسوبة من أجزاء الصلاة هي الحصّة المقارنة للقيام بعد فرض وجوبه حالها، فغير المقارن غير واجب، و القراءة الجلوسية ليست من أجزاء الصلاة للمتمكن من القيام، فلو قرأ جالساً لم يأت بعد بالجزء الواجب فيجب استئناف القراءة لعدم سقوط أمرها، فاذا استأنفها قائماً صحّت الأجزاء السابقة من التكبيرة أو الركعة أيضاً، لحصول شرطها أعني اللحوق بالقراءة المأمور بها.

و بعبارة اخرى: لا قصور في تلك الأجزاء في حدّ أنفسها، عدا عدم اتصافها بالملحوقية بالقراءة المأمور بها بمقتضى الارتباطية الملحوظة بينها، و بعد استئنافها يحصل الاتصاف لا محالة، فلا موجب لإعادتها كما توهّم. و على الجملة: لا مناص من أخذ القيام قيداً مقارناً للقراءة بمقتضى الارتباطية، سواء لوحظ شرطاً مقوّماً لها أم واجباً مستقلا حالها، فمع الإخلال به وجب استئنافها على التقديرين لعدم حصول الجزء فلا أثر عملي لهذا البحث.

174
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3المراد من كون القيام مستحبا حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه ج 14ص 175

[مسألة 3: المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت أنّه يجوز تركه بتركه]

[1463] مسألة 3: المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت (1) أنّه يجوز تركه بتركه، لا أنّه يجوز الإتيان بالقنوت جالساً عمداً، لكن نقل عن بعض العلماء جواز إتيانه جالساً، و أنّ القيام مستحب فيه لا شرط، و على ما ذكرنا فلو أتى به جالساً عمداً لم يأت بوظيفة القنوت بل تبطل صلاته للزيادة [1] (2).

______________________________
(1) تقدّمت الإشارة «1» إلى أنّ إطلاق المستحب على القيام حال القنوت مبني على ضرب من التسامح و أنّه بالوجوب الشرطي أشبه، إذ ليس المراد جواز تركه حال القنوت، لعدم ثبوت مشروعية القنوت جالساً، بل المراد تركه بترك القنوت، فهو نظير الطهارة بالإضافة إلى صلاة النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة لا تركها حال التنفل. و هذا، أعني عدم مشروعية القنوت جالساً كأنه من المسلّمات المفروغ عنها بينهم، و أنّ القيام شرط فيه لا مستحب حاله.

و يمكن الاستدلال عليه مضافاً إلى الأخبار المتضمنة لتعيين محله و أنّه بعد القراءة و قبل الركوع، إذ لا ينسبق إلى الذهن منها الجلوس بينهما كما لا يخفى بموثقة عمار الواردة في نسيان القنوت قال (عليه السلام) فيها: «إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائماً و ليقنت ثم ليركع ...» إلخ «2».

(2) أمّا عدم الإتيان بوظيفة القنوت فظاهر ممّا مرّ، لاختصاص الوظيفة‌

______________________________
[1] فيه إشكال بل منع.

______________________________
(1) في ص 172.

(2) الوسائل 6: 286/ أبواب القنوت ب 15 ح 2.

175
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته ج 14ص 176

[مسألة 4: لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته]

[1464] مسألة 4: لو نسي القيام حال القراءة (1) و تذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته، و لو تذكر قبله فالأحوط الاستئناف على ما مرّ [1].

______________________________
بحال القيام و عدم ثبوت مشروعيته جالساً، بل قد يكون مرتكباً للحرام إذا قصد به التشريع كما لا يخفى.

و أمّا بطلان الصلاة بذلك من جهة الزيادة ففيه إشكال، بل منع، لاختصاص الزيادة المبطلة بإدخال شي‌ء في الصلاة بقصد الجزئية و لم يكن مأموراً به، و حيث إنّ القنوت لم يقصد به الجزئية أبداً، حتى القنوت المأمور به الواقع حال القيام لما تقدّم من المنافاة بين الجزئية و الاستحباب، فلا يكاد يتصف القنوت المزبور بالزيادة، بل غايته أنّه عمل عبث واقع أثناء الصلاة، و مثله لا يقتضي البطلان ما لم يستلزمه من ناحية أُخرى كالفصل الطويل الماحي للصورة و نحو ذلك.

(1) بأن قرأ جالساً، فان تذكره بعد الدخول في الركوع و الوصول إلى حدّه صحت صلاته، لتجاوز محل التدارك بالدخول في الركن، إذ التدارك حينئذ يستلزم زيادة الركن المبطلة.

و إن كان التذكر قبله، فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط الاستئناف، لكنه ظهر ممّا مرّ أنّ الأقوى ذلك، لما عرفت من أنّ القراءة الواجبة هي الحصة المقارنة للقيام بمقتضى فرض الارتباطية، فغير المقارن لا يكون مصداقاً للواجب، و حيث أنّه أخلّ به و المحل باق وجب التدارك.

______________________________
[1] بل الأظهر ذلك كما مرّ.

176
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحت صلاته ج 14ص 177

[مسألة 5: لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحّت صلاته]

[1465] مسألة 5: لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحّت صلاته إن ركع عن قيام، فليس المراد من كون القيام المتصل بالركوع ركناً أن يكون بعد تمام القراءة (1).

[مسألة 6: إذا زاد القيام، كما لو قام في محل القعود سهواً لا تبطل صلاته]

[1466] مسألة 6: إذا زاد القيام، كما لو قام في محل القعود سهواً لا تبطل صلاته، و كذا إذا زاد القيام حال القراءة بأن زاد القراءة سهواً، و أمّا زيادة القيام الركني فغير متصورة من دون زيادة ركن آخر، فانّ القيام حال تكبيرة الإحرام لا يزاد إلّا بزيادتها، و كذا القيام المتصل بالركوع لا يزاد إلّا بزيادته، و إلّا فلو نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع و تذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع و أتى بما نسي ثم ركع و صحت صلاته، و لا يكون القيام السابق على الهوي الأول متصلًا بالركوع حتى يلزم زيادته إذ لم يتحقق الركوع بعده فلم يكن متصلًا به، و كذا إذا انحنى للركوع فتذكر قبل أن يصل إلى حده أنّه أتى به، فإنّه يجلس للسجدة و لا يكون قيامه قبل الانحناء متصلًا بالركوع ليلزم الزيادة (2).

______________________________
(1) بل المراد القيام آناً ما قبل الركوع بحيث يركع عن قيام، سواء أ كان بعد تمام القراءة أو في أثنائها أم بدونها كما هو واضح.

(2) قد تفرض الزيادة في القيام غير الواجب، و أُخرى في الواجب غير الركن و ثالثة في القيام الركني.

أمّا الأوّل: كما لو قام في محل القعود سهواً، فلا إشكال في عدم البطلان لعدم قصد الجزئية بعد فرض عدم الوجوب، و لا تتحقق الزيادة إلّا بقصدها كما مرّ، و في وجوب سجدة السهو عليه حينئذ كلام يأتي في محله «1»، بل لا يبعد‌

______________________________
(1) العروة الوثقى 1: 635 بعد المسألة [2102]، السادس.

177
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

[مسألة 7: إذا شكّ في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده]

[1467] مسألة 7: إذا شكّ في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده (1)،

______________________________
الجواز حتى مع العمد، كما لو قام لغاية أُخرى ما لم يستلزم البطلان من جهة أُخرى كالفصل الطويل الماحي للصورة.

و أمّا الثاني: فكالقيام حال القراءة، و القيام بعد الركوع، و الأوّل لا تتصوّر الزيادة فيه إلّا بزيادة القراءة، إذ الواجب إنما هي الحصة المقارنة للقراءة جزءاً أو شرطاً على الخلاف المتقدِّم التي لا تتكرر إلّا بتكرر نفس القراءة، و مثله أيضاً لا يوجب البطلان إذا كان سهواً، عملًا بحديث لا تعاد. و كذا الحال في الثاني، كما لو اعتقد عند الهويّ إلى السجود عدم القيام بعد الركوع، فقام ثم تذكر الإتيان، فإنّ هذه الزيادة أيضاً غير مبطلة لما عرفت من الحديث.

و أمّا الثالث: فكالقيام حال تكبيرة الإحرام، و القيام المتصل بالركوع، و هما أيضاً لا تتصور الزيادة فيهما إلّا بزيادة التكبير أو الركوع، فيحكم بالبطلان في الثاني بلا إشكال، و في الأوّل على المشهور دون المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً.

و كيف كان، فلو نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع و تذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع و أتى بما نسي ثم ركع و صحت صلاته، إذ لا يكون القيام السابق متصلًا بالركوع حتى تلزم الزيادة.

و مثله ما لو انحنى إلى الركوع باعتقاد عدم الإتيان به و قبل أن يصل إلى حدّه تذكّر أنّه فعله، فإنّه يهوي حينئذ للسجود، و لا يكون قيامه السابق على الانحناء متّصلًا بالركوع لتلزم الزيادة، لعدم تعقبه به كما هو واضح.

(1) غير خفي أنّ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في صحة التكبيرة، سواء أقلنا بأنّ القيام شرط فيها أم بنينا على أنّه واجب حالها و ركن مستقل في‌

178
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

أو في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول إلى حدّه [1] (1) أو في القيام بعد الركوع بعد الهويّ إلى السجود و لو قبل الدخول [2] فيه (2) لم يعتن به و بنى على الإتيان.

______________________________
عرضها، أمّا على الأوّل فواضح، و كذا على الثاني، بناءً على ما عرفت من أنّ فرض الارتباطية بين الأجزاء يستدعي فرض اشتراط بعضها ببعض على نحو الشرط المتقدم أو المتأخر أو المقارن على سبيل منع الخلو، فالتكبيرة الصحيحة هي الحصة المقارنة للقيام.

و عليه فالشك في المقام مجرى لقاعدة الفراغ دون التجاوز، و قد مرّ قريباً عدم اعتبار الدخول في الغير في جريانها، فالشك المزبور لا يعتنى به، سواء أ كان ذلك بعد الدخول فيما بعد التكبير أم قبله.

(1) قد عرفت أنّ القيام المتصل بالركوع لا دليل على اعتباره عدا دخله في تحقق الركوع و تقوّمه به من جهة اعتبار الانحناء عن القيام في ماهية الركوع و إلّا فليس هذا القيام واجباً مستقلا برأسه، و عليه فمرجع الشك المزبور إلى تحقق الركوع و عدمه، و أنّ هذه الهيئة الخاصة هل كانت عن قيام كي تتصف بالركوع أو عن جلوس كي لا تتصف به و إنما هي على صورة الركوع و شكله، و حيث إنّ الشك في المحل وجب الاعتناء به، لقاعدة الشك في المحل. مضافاً إلى الاستصحاب فيجب تدارك القيام ثم الركوع بعده، و إن كان الأحوط الإتمام ثم الإعادة.

(2) أمّا إذا كان الشك فيه بعد الدخول في السجود فلا إشكال في عدم الاعتناء لقاعدة التجاوز الجارية في المقام بلا كلام. و أمّا إذا كان في حالة الهوي قبل‌

______________________________
[1] إذا لم يعلم كون الهيئة الخاصة عن قيام لم يحرز كونها ركوعاً، و معه لم يحرز الدخول في الغير، و عليه فالأحوط الرجوع إلى القيام ثم الركوع و إتمام الصلاة ثم الإعادة.

[2] الأظهر في هذا الفرض وجوب العود إلى القيام.

179
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
الدخول في السجود، فان بنينا على أنّ المراد من القيام الواجب بعد الركوع خصوص المتصل به من غير تخلل الفصل، بأن يتعقب الركوع بالقيام من دون أن يفصل بينهما بشي‌ء، فلا إشكال أيضاً في عدم الاعتناء، لعدم إمكان التدارك بعد فرض تخلل الفصل بالهوي إلى السجود، بل الأمر كذلك حتى لو تذكر حينئذ تركه فضلًا عن الشك فيه، لما عرفت من مضي محل التدارك، فإنّه لا يمكن إلّا بإعادة الركوع المستلزم لزيادة الركن.

و أمّا إذا بنينا على أنّ المراد به مطلق القيام، سواء أ كان موصولًا أم مفصولًا فيبتني عدم الاعتناء على جريان قاعدة التجاوز عند الدخول في مقدمات الأجزاء إذ لا ريب أنّ الهوي مقدّمة للسجود، و ليس واجباً مستقلا برأسه، فبناءً على تعميم الغير الذي يعتبر الدخول فيه في جريان القاعدة للمقدمات، كما يظهر من المتن و لعله المشهور، يحكم بجريان القاعدة في المقام، و كذا لو شكّ في السجود عند النهوض إلى القيام. و أمّا بناءً على الاختصاص بالدخول في الأجزاء نفسها كما هو الأقوى على ما ستعرف فلا تجري، بل لا بدّ من الاعتناء، لكونه من الشك في المحل.

و قد استدلّ للتعميم تارة: بإطلاقات الأدلة، مثل قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» «1» فانّ الغير صادق على المقدمة أيضاً.

و أُخرى: بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع، قال: قد ركع» «2» فإنّها صريحة في عدم الاعتناء بالشك عند الدخول في الهوي.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل ب 23 ح 1.

(2) الوسائل 6: 318/ أبواب الركوع ب 13 ح 6.

180
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
و يندفع الأوّل: بأنّ الإطلاق المذكور مسبوق بأمثلة ذكرت في صدر الصحيحة كلّها من قبيل الشك في الشي‌ء بعد الدخول في جزء واجب مستقل كالشك في التكبيرة بعد الدخول في القراءة، و فيها بعد الدخول في الركوع، و فيه بعد الدخول في السجود، و من الجائز أن يراد من الضابط المذكور في الذيل ما يكون من سنخ هذه الأمثلة فلا ينعقد الإطلاق لما يشمل الدخول في المقدمات من جهة احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة «1» الموجب للإجمال، لو لم نقل بالظهور في الخلاف من أجل تلك القرينة كما لا يخفى.

هذا، مع أنّه يمكن استفادة عدم كفاية الدخول في المقدّمات من جملة من النصوص، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالشك في الركوع فيما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود، الظاهر في لزوم الاعتناء قبله، و لو كان في حال الهوي.

و التقييد المزبور و إن كان واقعاً في كلام السائل في جملة منها، كصحيحة حماد ابن عثمان قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): أشك و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا، قال: امض»، و نحوها صحيحته الأُخرى، و صحيحة ابن مسلم «2» و غيرها فلا يمكن الاستدلال بها، اللّٰهمّ إلّا من حيث إشعارها في مفروغية الحكم أعني لزوم الاعتناء بالشك لو كان قبل الدخول في السجود و لو في حال الهوي لدى الرواة و السائلين، و من هنا قيّدوه بالدخول في السجود، و قد أقرّهم الإمام (عليه السلام) على ما هو المغروس في أذهانهم.

إلّا أنّ بعض تلك النصوص قد تضمّن التصريح بالتقييد في كلام الإمام (عليه السلام) نفسه، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما‌

______________________________
(1) مضافاً إلى وجه آخر تعرّض (دام ظله) له في مباحث الخلل في شرح المسألة [2030].

(2) الوسائل 6: 317/ أبواب الركوع ب 13 ح 1، 2، 5.

181
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
قام فليمض، كل شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» «1» و تقريب الاستدلال بها على عدم كفاية الدخول في الهوي من وجهين:

أحدهما: من ناحية المفهوم، لا من حيث مفهوم الشرط، ضرورة أنّ مفهوم القضية الشرطية عدم الشك في الركوع بعد ما سجد، لا الشك في الركوع قبل أن يسجد الذي هو المطلوب كما لا يخفى، بل من حيث مفهوم الوصف، حيث قيّد عدم الاعتناء بالشك في الركوع بما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود و قد ذكرنا في الأُصول «2» أنّ الوصف و إن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح أعني العلية المنحصرة المساوقة للانتفاء عند الانتفاء، لكنّها تدل على أصل العلية أعني عدم كون الطبيعة على إطلاقها و سريانها موضوعاً للحكم، و إلّا كان التقييد بالوصف لغواً محضاً، فالتقييد في المقام يدل على أنّ طبيعي الشك في الركوع أينما سرى و حيثما تحقق و لو كان في حال الهوي ليس موضوعاً لعدم الاعتناء «3» و إلّا كان التقييد بما بعد السجود لغواً و هذا هو المطلوب فتدبّر جيداً.

ثانيهما: قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة: «كل شي‌ء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» حيث طبّق (عليه السلام) هذه الكبرى على ما ذكره في الصدر، من الشك في الركوع بعد ما سجد، و الشك في السجود‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 317/ أبواب الركوع ب 13 ح 4.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 5: 133.

(3) نعم، لم يكن الطبيعي موضوعاً، لكن يكفي في صدقه لزوم الاعتناء لو كان الشك قبل الهوي، و أمّا بعده فلا يدل المفهوم عليه. و بعبارة اخرى: الشك في الركوع تارةً يكون قبل الهوي، و أُخرى حاله، و ثالثة بعد الدخول في السجود، و التقييد بالسجود لا يكشف إلا عن عدم كون طبيعي الشك موضوعاً للحكم بالمضي، و أمّا أنّ الشك حال الهوي هل هو ملحق بالشك حال السجود أو بالشك قبل الهوي، فالرواية ساكتة و المفهوم لا يعيّن ذلك بوجه.

182
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
بعد ما قام، حيث يظهر أنّ المراد من الغير هو السجود و القيام، لا الهوي و النهوض و إلّا كان التطبيق عليهما مع سبقهما أولى كما لا يخفى، بل يكون هذا شاهداً على أنّ المراد بهذه الكلية المذكورة في غير هذه الصحيحة كصحيحة زرارة المتقدمة «1» أيضاً ذلك.

و على الجملة: فالاستدلال بالإطلاق في غير محلّه، سيّما بعد ملاحظة هذه الصحيحة.

و يندفع الثاني: بابتنائه على أن يكون المراد من كلمة «أهوى» حالة الهوي و ليس كذلك، فإنّها لغة بمعنى السقوط إلى الأرض المساوق للدخول في السجود. نعم، لو كانت الكلمة بصيغة المضارع «يهوي» بدل الماضي تمّ الاستدلال لظهورها في الاشتغال بحالة الهوي، و هذا نظير قولك: صلى زيد أو يصلي، فإنّ الأوّل ظاهر في تحقّق الصلاة منه، و الثاني في الاشتغال بها.

و مع الغض و التسليم، فغايته إطلاق الصحيحة، و أنّ قوله (عليه السلام): «أهوى إلى السجود» يشمل حالتي الدخول في السجود و عدمه، فيقيّد الإطلاق بمقتضى صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة «2»، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالدخول في السجود بأحد التقريبين.

و المتحصل من جميع ما ذكرناه: عدم كفاية الدخول في المقدمات من الهوي و النهوض في جريان قاعدة التجاوز، و عليه فلو شكّ في الركوع، أو في القيام بعد الركوع عند الهوي إلى السجود قبل الدخول فيه، وجب عليه الاعتناء و التدارك لقاعدة الشك في المحل، مضافاً إلى الاستصحاب.

______________________________
(1) في ص 180.

(2) في ص 181.

183
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

[مسألة 8: يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار]

[1468] مسألة 8: يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار [1] و الاستقلال [2] (1) حال الاختيار، فلو انحنى قليلًا، أو مال إلى أحد الجانبين بطل، و كذا إذا لم يكن مستقرّاً، أو كان مستنداً على شي‌ء من إنسان أو جدار أو خشبة أو نحوها.

______________________________
(1) أمّا الأوّلان، فقد مرّ الكلام حولهما في مبحث التكبير في المسألة الرابعة إذ لا فرق بين القيام المعتبر في التكبير و بين غيره فيما له من الأحكام، و عرفت وجوب الأوّل بالروايات الخاصة التي منها قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة «و قم منتصباً ...» إلخ «1». و كذا الثاني بمقتضى الإجماع، و إلّا فالأدلة اللفظية قاصرة عن إثباته، و منه تعرف أنّ اعتباره أي الاستقرار في القيام المتصل بالركوع محل إشكال بل منع، لما تقدّم «2» من عدم وجوبه في نفسه، و إنّما يعتبر من أجل تقوّم الركوع به و دخله في تحققه، و ظاهر معقد الإجماع اختصاصه بالقيام الواجب في نفسه لا أقل من الشك، و حيث إنّه دليل لبي فلا إطلاق له بحيث يشمل مثل هذا القيام، و من الواضح أنّ الذي يتقوّم به الركوع إنّما هو جامع القيام، سواء تضمّن الاستقرار أم لا.

و أمّا الاستقلال في القيام و عدم الاعتماد على شي‌ء بحيث لو أُزيل لسقط فالمشهور اعتباره في حال الاختيار، بل عليه دعوى الإجماع في كثير من الكلمات و خالف فيه أبو الصلاح «3» من القدماء، و جملة من المتأخرين، و هو الأقوى.

______________________________
[1] اعتباره في القيام المتصل بالركوع لا يخلو من إشكال بل منع.

[2] على الأحوط، و جواز الاستناد على كراهة لا يخلو من قوّة.

______________________________
(1) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

(2) في ص 168.

(3) الكافي في الفقه: 125.

184
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
و يستدل للاعتبار بوجوه:

الأوّل: الإجماع. و فيه: أنّ المحصّل منه غير حاصل، و المنقول غير مقبول. مضافاً إلى عدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) للقطع باستناد المجمعين إلى الوجوه الآتية أو بعضها و لا أقل من احتماله.

الثاني: اعتباره في مفهوم القيام كما نصّ عليه جمع من الأعلام. و فيه: ما لا يخفى، ضرورة أنّ القيام عبارة عن نفس الهيئة الخاصة التي هي حالة من الحالات قبال سائر الهيئات من القعود و الاضطجاع و نحوهما، و لا يعتبر في تحققها الاستقلال و عدم الاعتماد جزماً.

الثالث: دعوى الانصراف إليه و إن لم يؤخذ في مفهومه. و هي ممنوعة و عهدتها على مدّعيها.

الرابع: أنّه المعهود من النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و الأئمة (عليهم السلام) فيجب الاقتصار عليه تأسِّياً لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم): «صلّوا كما رأيتموني أُصلي» «1» و قد يقرّر هذا بقاعدة الشغل، فانّ القطع بالفراغ عن التكليف المعلوم لا يحصل إلّا بالقيام مستقلا.

و فيه: أنّ الصادر عنهم (عليهم السلام) و إن كان كذلك يقيناً، إلّا أنّ الفعل لمكان إجماله لا يدل إلّا على أصل المشروعية دون الوجوب الذي هو المطلوب و إثباته بالنبوي المذكور ممنوع، إذ مضافاً إلى ضعف سنده كما تقدّم «2» سابقاً لعدم روايته إلّا عن طرق العامّة، قاصر الدلالة، لعدم وجوب رعاية جميع الخصوصيات التي تضمّنتها صلاته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) بلا إشكال و لا تعيّن لبعضها فيوجب الإجمال.

______________________________
(1) عوالي اللآلي 1: 198، السنن الكبرى 2: 345.

(2) في ص 100.

185
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
و صحيحة حماد «1» و إن تضمّن ذيلها الأمر بقوله (عليه السلام) «يا حماد هكذا فصلّ»، إلّا أنّها خالية عن ذكر الاستقلال، فانّا و إن كنا نقطع بكونه (عليه السلام) مستقلا غير معتمد على شي‌ء في الصلاة التي صلاها تعليماً، إلّا أنّه لم يكن شيئاً مفروغاً عنه بين الإمام (عليه السلام) و حماد بحيث يكون ملحوظاً في مقام التعليم، و إلّا كان الأحرى التعرض فيها كما لا يخفى.

و منه تعرف أنّ قاعدة الشغل لا مسرح لها بعد إطلاق الأدلّة، مع أنّ مقتضى الأصل هي البراءة في أمثال المقام دون الاشتغال كما هو ظاهر.

فتحصل: أنّ هذه الوجوه كلّها ساقطة، و العمدة في المقام روايتان معتبرتان:

إحداهما: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا تمسك بخمرك و أنت تصلي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي إلّا أن تكون مريضاً» «2» هكذا في الوسائل، و الموجود في نسخ الحدائق غير الطبعة الجديدة و كذا في الذخيرة «3» «لا تستند» بدل «لا تمسك» و المعنى واحد. و كيف كان فالخمر بالفتح و التحريك-: ما واراك من شجر و غيرها، و الدلالة ظاهرة.

الثانية: موثقة ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط، فقال: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد» «4» و التعبير عنها بالخبر في بعض الكلمات المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى، و الدلالة أيضاً ظاهرة كسابقتها.

لكن بإزائها عدة روايات فيها الصحيح و الموثق دلت على الجواز صريحاً‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) الذخيرة: 261 السطر 4.

(4) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

186
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علة؟ فقال: لا بأس. و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ فقال: لا بأس به» «1».

و موثق ابن بكير «عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط، قال: لا بأس بالتوكأ على عصا، و الاتكاء على الحائط» «2» و نحوهما غيرهما.

هذا، و مقتضى الجمع العرفي بينهما الحمل على الكراهة، لصراحة الطائفة الثانية في الجواز، فيرفع اليد بها عن ظهور الطائفة الاولى في المنع و تحمل على الكراهة.

لكن الأصحاب جمعوا بينهما بحمل الطائفة الأُولى على الاتكاء و الاستناد المشتمل على الاعتماد، بحيث لو أُزيل السناد لسقط، و الثانية على مجرّد الاستناد العاري عن الاعتماد.

و هذا كما ترى من أردأ أنحاء الجمع، فإنّه تبرّعي لا شاهد عليه، إذ الموضوع فيهما واحد و هو الاتكاء أو الاستناد، فكيف يحمل في إحداهما على ما تضمن الاعتماد و في الأُخرى على ما تجرّد عنه مع فقد ما يشهد بهذا الجمع.

بل ذكر في الحدائق «3» أنّ الاتكاء قد اعتبر في مفهومه الاعتماد لغة، و عليه فيسقط هذا الجمع من أصله كما لا يخفى.

و عن صاحب الجواهر (قدس سره) حمل الطائفة الثانية على التقية لموافقتها‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 499/ أبواب القيام ب 10 ح 1.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 4.

(3) الحدائق 8: 62.

187
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
للعامة «1»، فلا مجال للأخذ بها، سيّما و قد أعرض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية.

و فيه: أنّ الحمل على التقية فرع استقرار المعارضة، و لا تعارض بعد إمكان الجمع الدلالي بالحمل على الكراهة كما عرفت، فلا تصل النوبة إلى الترجيح بالجهة بعد وجود الجمع العرفي.

و أمّا الإعراض فمضافاً إلى منع الكبرى، لعدم قدحه في الحجية كما حققناه في الأُصول «2»، لا صغرى له في المقام، ضرورة اعتناء الأصحاب بهذه الطائفة كما يفصح عنه تصديهم لعلاج المعارضة إمّا بالحمل على الاستناد العاري عن الاعتماد كما مرّ، أو بجعل عمل المشهور على طبق الاولى مرجّحاً لها عليها.

و الحاصل: أنّ الإعراض القادح في الحجية هو الكاشف عن بناء الأصحاب على خلل في السند و قصور في الصدور، و لذا قيل إنّه كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض بعداً، و هذا غير محتمل في المقام بعد ما عرفت من الاعتناء المزبور الذي يظهر منه عدم غمز في السند و المفروغية عن صحته.

و قد تحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار الاستقلال، و جواز الاستناد على كراهة و إن كان الأحوط ذلك حذراً عن مخالفة المشهور.

ثم على تقدير تسليم اعتباره في القيام، فهل يعتبر ذلك في النهوض أيضاً فلا تجوز له الاستعانة حاله؟

ربما يقال بذلك أخذاً بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان المتقدمة «3»: «لا تمسك بخمرك و أنت تصلي» بدعوى أنّ قوله (عليه السلام) و أنت تصلي شامل للنهوض أيضاً.

______________________________
(1) الجواهر 9: 248.

(2) مصباح الأُصول 2: 241.

(3) في ص 186.

188
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

نعم، لا بأس بشي‌ء منها حال الاضطرار (1)

______________________________
و فيه أوّلًا: أنّ الصلاة اسم لمجموع الأجزاء خاصة، دون المركب منها و من المقدمات، و النهوض مقدّمة للجزء و ليس منه، فليس من الصلاة، فلا تشمله الصحيحة الظاهرة في اعتبار الاستقلال في الصلاة نفسها.

و ثانياً: لو سلّم الإطلاق، فهو مقيّد بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة «1» حيث تضمّن ذيلها التصريح بجواز الاستعانة حال النهوض، فانّ الإعراض على تقدير تسليم قدحه غير متحقق بالنسبة إلى هذه الفقرة جزماً، لاختصاص الشهرة باعتبار الاستقلال في القيام دون النهوض.

(1) بناءً على اعتبار الاستقلال في القيام و قد عرفت منعه فلا ريب في اختصاصه بحال الاختيار، فيسقط اعتباره لدى الاضطرار بلا خلاف و لا إشكال، و قد قام عليه الإجماع، و تسالمت عليه كلمات الأصحاب من غير نكير.

و هل السقوط حينئذ على طبق القاعدة أو لا؟ يختلف ذلك باختلاف مدارك اعتباره، فان كان المستند فيه دخل الاستقلال في مفهوم القيام، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوطه رأساً و الانتقال إلى الجلوس، شأن كل عاجز عن القيام على ما تقتضيه الآية و الروايات كما سبق، فتحتاج كفاية القيام غير الاستقلالي إلى الدليل، فانّ الاجتزاء به على خلاف القاعدة.

و بالجملة: بناءً على هذا المبنى تلزمه الصلاة جالساً، و لا يكتفى بالقيام من غير استقلال، لعدم كونه من القيام و لا القعود على الفرض. مع أنّ المتسالم عليه الاكتفاء به كما مرّ، و إن كان المستند انصراف الأدلّة إلى القيام الاستقلالي فالحكم على طبق القاعدة، إذ الانصراف على تقدير تسليمه مختص بحال الاختيار‌

______________________________
(1) في ص 187.

189
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

و كذا يعتبر فيه عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً (1) بحيث يخرج عن صدق القيام، و أمّا إذا كان بغير الفاحش فلا بأس.

______________________________
ففي غيره يتمسك بإطلاقات القيام بعد صدقه على العاري عن الاستقلال حسب الفرض.

و كذا الحال لو كان المستند الأخبار الخاصة المتقدمة، إذ الظاهر منها اعتبار الاستقلال شرطاً مستقلا ملحوظاً في القيام الواجب، و هذا يقتضي الاختصاص بحال الاختيار، إذ العجز عنه «1» لا يستوجب سقوط أصل القيام، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها، هذا.

و على جميع المباني و التقادير فالمستفاد من نفس النصوص سقوط اعتباره لدى العجز لقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان المتقدمة «2»، «إلّا أن تكون مريضاً» إذ المراد به بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع المريض العاجز عن الاستقلال و كذا قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير «3» «ما بلغ أبوك هذا بعد» الظاهر في أنّ أباه (بكير) لو بلغ هذا الحد بحيث عجز عن القيام مستقلا جاز له القيام الاتكائي.

(1) أمّا التفريج الفاحش المخل بصدق القيام فلا إشكال في عدم جوازه لمنافاته مع القيام الواجب، و أمّا غير الفاحش، أو الفاحش غير المخل بحيث‌

______________________________
(1) العجز من الشرط عجز من المشروط فيسقط التكليف به لا محالة، و تعلق تكليف آخر بالفاقد يحتاج إلى دليل، و لا يثبته حديث الرفع كما لا يخفى، كما لا يعيّنه دليل عدم سقوط الصلاة بحال، لاحتمال كون الوظيفة هو الجلوس، نعم تعيّنه نصوص الباب الخاصة، فهي العمدة.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

190
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
صدق معه القيام، فالمشهور هو الجواز تمسكاً بإطلاقات أدلة القيام، لكن عن المفيد في المقنعة «1»، و الصدوق في المقنع «2»، و مال إليه في الحدائق «3» عدم التباعد بين الرجلين أزيد من الشبر.

و استندوا في ذلك إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأُخرى، و دع بينهما فصلًا إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره ...» إلخ «4» هكذا رواها في الوسائل في أبواب القيام، و هو المطابق للكافي و الحدائق «5»، و رواها أيضاً في الوسائل في أبواب أفعال الصلاة «6» لكن بزيادة كلمة «من» بين لفظي «أقل» و «ذلك» فنقلها هكذا «إصبعاً أقل من ذلك إلى شبر أكثره» و هو الموافق للتهذيب الطبعة القديمة، و أمّا الجديدة، فموافقة للأُولى «7».

لكن الصحيح هي العبارة الأُولى، لعدم استقامة المعنى على الثانية كما لا يخفى. هذا، و قد حمل شيخنا البهائي (قدس سره) «8» الإصبع المذكور في هذه الصحيحة على الطول كي يطابق التحديد بثلاثة أصابع مفرّجات، المذكور في صحيحة حماد «9» و لا يخفى بعده فانّ المتداول في التحديد بالإصبع إرادة العرض دون الطول.

______________________________
(1) لاحظ المقنعة: 104.

(2) لاحظ المقنع: 76.

(3) الحدائق 8: 65.

(4) الوسائل 5: 511/ أبواب القيام ب 17 ح 2.

(5) الكافي 3: 334/ 1، الحدائق 8: 3.

(6) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3. [و لكن زيادة «من» توجد في الطبعة المصححة بتصحيح الشيخ عبد الرحيم الرباني].

(7) التهذيب 2: 83/ 308.

(8) الحبل المتين: 212.

(9) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

191
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

و الأحوط الوقوف على القدمين دون الأصابع و أصل القدمين، و إن كان الأقوى كفايتهما أيضاً، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة (1).

______________________________
و كيف كان، فهذه الصحيحة و إن كان ظاهرها عدم جواز التفريج أكثر من الشبر كما ذكره أُولئك الأعلام، لكنه لا يمكن الأخذ به، أمّا أوّلًا: فلأنّها مشتملة على ذكر عدة من الآداب و المستحبات، و وحدة السياق تشهد بإرادة الندب من الجميع، إذ يبعد جدّاً إرادة الوجوب من هذه الخصوصية و الاستحباب من جميع ما عداها، فلاحظ.

و أمّا ثانياً: و هو العمدة، أنّا لا نحتمل الوجوب في مثل هذه المسألة العامة البلوى الكثيرة الدوران، إذ لو كان لبان و شاع و ذاع و كان من الواضحات، كيف و قد ذهب المشهور إلى خلافه، و لم ينسب الوجوب إلّا إلى المفيد و الصدوق، مع أنّ التفريج أمر متعارف في الصلاة، سيّما في السمين و البدين الذي يتحقق التباعد بين رجليه غالباً أزيد من الشبر بكثير، و لو كان معتبراً لأُشير إليه في الأخبار أكثر من ذلك، فلا محيص من الحمل على الاستحباب.

(1) ينبغي التكلم في جهات:

الاولى: أنّه لو وقف على القدمين، إمّا لاختياره ذلك، أو لوجوبه على القول به كما ستعرف، فهل يجب تسوية الرجلين في الاعتماد أو لا؟ و قد تعرّض الماتن لهذه الجهة مستقلا في المسألة الحادية عشرة الآتية، و نحن نقدّمها لمناسبتها مع المقام.

الثانية: في أنّه هل يعتبر الوقوف على تمام القدمين، أو يكفي بعضها من الأصابع أو أصلهما.

الثالثة: في أنّه هل يجزي الوقوف على الواحدة، أو يعتبر على القدمين معاً.

192
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
أمّا الجهة الأُولى: فيقع الكلام تارة في التسوية في مرتبة الاعتماد و أُخرى في أصله.

إمّا التسوية من حيث المرتبة، بأن لا يكون الثقل على إحدى الرجلين أكثر من الأُخرى، فربما ينسب كما في الجواهر «1» إلى جمع لزوم مراعاتها، استناداً إلى الأصل و دليل التأسي من قوله (صلى اللّٰه عليه و آله): «صلّوا كما رأيتموني أُصلي» «2» و بأنه المتبادر من الأمر بالقيام، و بعدم الاستقرار بدونها.

و الكل كما ترى، فان مقتضى الأصل هو البراءة، بناءً على ما هو الحق من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطي. و دليل التأسي مضافاً إلى منعه كبروياً لما تقدّم «3» من النقاش في الحديث سنداً و دلالة لا صغرى له في المقام، إذ لم تثبت رعاية هذه الكيفية في صلاته (صلّى اللّٰه عليه و آله) لو لم ندّع القطع بعدم تقيده (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) بذلك كما لا يخفى. و التبادر ممنوع جدّاً، فإنه على تقديره بدوي لا اعتبار به. و مثله دعوى توقف الاستقرار على ذلك، بداهة إمكان حصوله و لو بدون التسوية كما هو ظاهر، و عليه فإطلاق أدلة القيام هو المحكّم.

و يؤيده: صحيح محمد بن أبي حمزة عن أبيه قال: «رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) في فناء الكعبة في الليل و هو يصلي فأطال القيام حتى جعل يتوكّأ مرّة على رجله اليمنى، و مرّة على رجله اليسرى ...» إلخ «4» و ظاهره و إن كان هو النافلة التي يجوز فيها ترك القيام حتى اختياراً، إلّا أنّ المنسبق منه و لو‌

______________________________
(1) الجواهر 9: 251.

(2) عوالي اللآلي 1: 198، السنن الكبرى 2: 345.

(3) في ص 100، 185.

(4) الوسائل 5: 490/ أبواب القيام ب 3 ح 1.

193
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
بضميمة أصالة الاشتراك «1» الثابتة بين الفريضة و النافلة في الأحكام، جواز مثل ذلك في الفريضة أيضاً، و التعبير عنه بالخبر كما في مصباح الفقيه «2» المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى. و كيف كان، فالعمدة هي المطلقات كما عرفت.

و أمّا التسوية في أصل الاعتماد، بأن لا يكون تمام ثقله على إحدى الرجلين بحيث لا يصدر من الأُخرى سوى مماسّة الأرض من دون مشاركتها للأُولى في حمل الثقل فقد اعتبرها في الجواهر «3» مصرّحاً بإلحاق مثل ذلك برفع إحدى الرجلين بالكلية القادح في الصحة. و ما ذكره (قدس سره) من الإلحاق وجيه ضرورة عدم صدق الوقوف مع مجرد المماسّة، إذ الوقوف على الشي‌ء متقوّم بنحو من الاعتماد و الاتكاء، فهو في حكم الواقف على إحداهما، إلّا أنّ مثل ذلك غير ضائر بالصحة كما ستعرف، فالحكم في المقيس كالمقيس عليه هو الجواز.

و أمّا الجهة الثانية: فقد يقال كما في الجواهر: بوجوب الوقوف على تمام القدمين، و عدم الاكتفاء بالبعض من الأصابع أو الأُصول، استناداً إلى الأصل و دليل التأسي، و التبادر، و عدم الاستقرار بدون ذلك.

و في الجميع ما لا يخفى، فانّ مقتضى الأصل هو البراءة كما مرّ، مع أنّه لا مجال له بعد إطلاق الدليل. و أمّا التأسي فلأنّ الصادر منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و إن كان كذلك جزماً، فالصغرى مسلّمة، لكن الكبرى ممنوعة كما تقدّم. و التبادر في غاية المنع، إذ لا يعتبر في حقيقة القيام التي هي هيئة مخصوصة في مقابل الجلوس كيفية خاصة قطعاً، و كذا الاستقرار، إذ لا تلازم بين الوقوف‌

______________________________
(1) هذا الأصل لا أصل له كما سيأتي في مطاوي المسألة الخامسة عشرة.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 258 السطر 12.

(3) الجواهر 9: 251.

194
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
على الأصابع أو أصل القدمين و بين عدمه كما هو ظاهر، فلا مجال لشي‌ء من هذه الوجوه بعد إطلاق الدليل الذي هو المتبع.

و قد يستدل له برواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال: كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل اللّٰه سبحانه طه. مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ» «1». و قد وقع الكلام في المراد من هذا الحديث الوارد في تفسير الآية المباركة، فقيل: إنّ الآية ناسخة لما كان يفعله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) من تلك الكيفية، فتدل على نفي المشروعية. و عليه مبنى الاستدلال.

و قيل: بل هي ناظرة إلى نفي الإلزام نظير قوله تعالى وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» فلا تدل على نفي المشروعية، بل تلك الكيفية باقية على ما هي عليه من الرجحان و المحبوبية، غايته أنّها غير واجبة.

لكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم، أمّا الأوّل: فلأنّ سياق الآية يشهد بورودها في مقام الامتنان و رفع ما يوجب الشقاء، و هو التعب و الكلفة عن النبي الأقدس (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم)، و ذلك إنّما يناسب نفي الإلزام دون المشروعية كما لا يخفى.

و أمّا الثاني: فلوضوح أنّ ما كان يصدر منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) من تلك الكيفية لم يكن بقصد اللزوم و الوجوب كي تنزل الآية لرفعه، و لذا لم يأمر المسلمين بتلك الكيفية، و إنّما اختارها هو (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لنفسه مع عدم وجوبها حرصاً منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في مزيد طلب الجهد‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 490/ أبواب القيام ب 3 ح 2.

(2) الحج 22: 78.

195
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأحوط انتصاب العنق أيضا و إن كان الأقوى جواز الإطراق ج 14ص 196

[مسألة 9: الأحوط انتصاب العنق أيضاً و إن كان الأقوى جواز الإطراق]

[1469] مسألة 9: الأحوط انتصاب العنق أيضاً و إن كان الأقوى جواز الإطراق (1).

______________________________
و المشقّة في سبيل الطاعة، من باب أنّ أفضل الأعمال أحمزها، فدأب عليها فترة طويلة حتى تورّمت قدماه، فنزلت الآية الكريمة تحثه على تركها إشفاقاً به و تحذيراً من إلقاء نفسه الشريفة في المشقة و الكلفة، و إيعازاً إلى أنّه لا مزية لهذا الفرد و لا فضيلة له على غيره.

فظهر أنّ الآية لا تدل على نفي الإلزام كي تقتضي الاستحباب، و لا على نفي المشروعية حتى تدل على النسخ و عدم الجواز، بل مفادها نفي الفضيلة و الرجحان فالاستدلال بها على عدم الجواز ساقط، فالأقوى هو الجواز عملًا بالإطلاق.

و أمّا الجهة الثالثة: فقد ذهب جمع إلى عدم جواز الوقوف على الواحدة مستدلًا عليه بالأصل، و دليل التأسي، و التبادر، و عدم الاستقرار.

و في الجميع ما عرفت، و استدل أيضاً بموثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي و هو قائم و رفع إحدى رجليه حتى أنزل اللّٰه تعالى طه. مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ فوضعها» «1» و الكلام في دلالة الآية على النسخ أو نفي الإلزام قد مرّ آنفاً، فالأقوى جواز الوقوف على الواحدة أيضاً عملًا بإطلاق الأدلّة.

(1) قد عرفت «2» وجوب انتصاب الظهر، لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم): «لا صلاة لمن لم يقم صلبه». و أمّا انتصاب العنق، فالمشهور استحبابه خلافاً‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 491/ أبواب القيام ب 3 ح 4.

(2) في ص 109، 184.

196
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته ج 14ص 197

[مسألة 10: إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسياً صحّت صلاته]

[1470] مسألة 10: إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسياً صحّت صلاته، و إن كان ذلك في القيام الركني، لكن الأحوط فيه الإعادة (1).

______________________________
للصدوق فأوجبه أيضاً «1»، و خلافاً للحلبي حيث حكي عنه استحباب الإطراق كما هو شأن الأتقياء على ما ذكره في الجواهر «2».

و قد استند الصدوق «3» إلى مرسلة حريز عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: النحر الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه و نحره» «4»، فان بنينا على أنّ مراسيل حريز حجة كمسانيد غيره، تمّ الاستدلال و ثبتت مقالة الصّدوق، و إلّا فإن بنينا على ثبوت الاستحباب بأدلّة التسامح في السنن، ثبت الاستحباب بهذه المرسلة و تمّت مقالة المشهور، و إلّا كما هو الأقوى فلا يثبت الوجوب و لا الاستحباب.

و أمّا استحباب الإطراق المنسوب إلى الحلبي فمستنده غير ظاهر، و لعلّ وجهه أنه نوع من الخضوع و التذلل، كما يصنعه الصغير أمام الكبير، فهو بهذا العنوان الثانوي مستحب، و إن لم يكن كذلك بعنوانه الأوّلي.

(1) أمّا نسيان هذه الأُمور في القيام غير الركني فعدم إخلاله بالصحة ظاهر‌

______________________________
(1) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 2: 304، السطر الأخير، و حكاه عنه في الجواهر 9: 253.

(2) الجواهر 9: 253.

(3) [لم نعثر على استناد الصدوق إلى هذه الرواية، بل لم نعثر على هذه الرواية في كتبه فلعل التعبير الصحيح أن يقال: و يشهد للصدوق مرسلة حريز كما في المستمسك 6: 107].

(4) الوسائل 5: 489/ أبواب القيام ب 2 ح 3.

197
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته ج 14ص 197

..........

______________________________
بعد ملاحظة حديث لا تعاد، و كذا الحال في القيام الركني، فانّ المتصل منه بالركوع قد عرفت عدم وجوبه مستقلا، و إنّما اعتبر من أجل الدخل في حقيقة الركوع و تقوّمه به، و من الظاهر أنّ الذي يتوقف عليه مفهومه إنّما هو جامع القيام، فلا يعتبر فيه الانتصاب و لا الاستقرار و لا الاستقلال، لعدم دخل شي‌ء منها في مفهوم القيام. نعم، ثبت اعتبار الانتصاب في مثل هذا القيام أيضاً بإطلاق الأدلة كما تقدّم «1»، فلا يجوز الإخلال به عمداً، و أمّا مع السهو فلا بأس به عملًا بحديث لا تعاد.

و أمّا الاستقرار، فقد عرفت عدم الدليل على اعتباره في مثل هذا القيام فيجوز الإخلال به حتى مع العمد، فمع السهو بطريق أولى. و على فرض اعتباره في حال العمد فينتفي اعتباره عند السهو بالحديث المزبور.

و أمّا الاستقلال، فقد مرّ عدم وجوبه رأساً «2»، و على القول بالوجوب فينتفي اعتباره عند النسيان بحديث لا تعاد. فاتّضح عدم قدح الإخلال السهوي بشي‌ء من هذه الأُمور. نعم، لو قلنا بدخلها في حقيقة القيام اتجه البطلان حينئذ لأدائها إلى الإخلال بالركوع المستثنى من حديث لا تعاد، لكن المبنى في حيّز المنع كما أشرنا إليه.

و أمّا القيام حال تكبيرة الإحرام، فقد سبق في محلّه أنّ الركن إنّما هو ذات القيام، و أمّا هذه الأُمور فهي واجبات في القيام و لا دخل لها في حقيقة الركن و عليه فالإخلال بشي‌ء منها سهواً مشمول لحديث لا تعاد «3».

و ممّا ذكرنا ظهر التناقض بين ما أفاده (قدس سره) في المقام من الصحة لو‌

______________________________
(1) في ص 109، 184.

(2) في ص 184.

(3) لاحظ ص 112.

198
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته ج 14ص 197

[1471] مسألة 11: لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما و لو على القول بوجوب الوقوف عليهما (1).

[1472] مسألة 12: لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط أو الإنسان أو الخشبة، و لا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشية، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات (2).

______________________________
أخلّ نسياناً بالاستقرار أو أحد أخويه و لو في القيام الركني، و بين ما سبق منه (قدس سره) في المسألة الرابعة من مبحث التكبير من البطلان لو أخلّ بالاستقرار حال التكبير عمداً كان أو سهواً، فانّ التهافت بينهما ظاهر، و الصحيح ما أفاده في المقام كما عرفت.

(1) قدّمنا الكلام حول هذه المسألة في ذيل المسألة الثامنة فلاحظ.

(2) قد عرفت «1» جواز الاعتماد حتى اختياراً، و على القول بالمنع فلا ريب في الجواز مع الاضطرار، و لا يختص حينئذ بالاعتماد على شي‌ء معيّن، بل يجوز على كل شي‌ء يمكن الاتكاء عليه من الحائط أو الإنسان أو الخشبة و نحوها و ذلك لأنّ مستند الحكم كان صحيحة ابن سنان، و موثقة ابن بكير المتقدمتين «2» و المذكور فيهما و إن كان هو الخمر و الحائط و العصا، إلّا أنّ ذكر هذه من باب المثال، و إلّا فلو كان الحكم مقصوراً عليها كان اللّازم جواز الاعتماد حال الاختيار على غير هذه الأُمور من إنسان و نحوه، و لا شك أنّ الأصحاب لم يلتزموا بذلك، فانّ من منع عن الاعتماد اختياراً لم يفرّق بين تلك الأُمور و غيرها قطعاً، فيكشف ذلك عن أنّ ذكرها إنّما هو من باب المثال.

______________________________
(1) في ص 184.

(2) في ص 186.

199
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره ج 14ص 200

[مسألة 13: يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره]

[1473] مسألة 13: يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما (1).

______________________________
فالمتحصل من الروايتين على القول بالمنع: عدم جواز الاستناد على شي‌ء مطلقاً اختياراً، و جوازه كذلك اضطراراً.

و منه تعرف الحال في سناد الأقطع، و أنّه لا يعتبر فيه أن يكون الخشبة المعدّة لمشية، بل يجوز الاعتماد على غيرها من المذكورات كما ذكره في المتن. على أنّ الحكم، أعني عدم الاختصاص بشي‌ء معيّن، مورد للإجماع و تسالم الأصحاب.

ثم مع الغض عن ذلك و الانتهاء إلى الأصل العملي فمقتضاه هو البراءة عن تعيّن شي‌ء بخصوصه كما هو الشأن في الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطي. و ما يقال من أنّ المقام من موارد الشك في التعيين و التخيير و المرجع فيه أصالة الاحتياط قد عرفت ما فيه غير مرّة، و أنّ الثاني من صغريات الأوّل بل هو بعينه يعبّر عنه تارة بالأقل و الأكثر و أُخرى بالتعيين و التخيير، و المرجع هو البراءة دون الاشتغال.

(1) لا إشكال في وجوب الاستناد على شي‌ء حال الاضطرار عند التمكن منه و لو مع الواسطة، من شراء أو استئجار أو استيهاب و نحوها، فانّ المقدور مع الواسطة مقدور، فيجب تحصيل السناد شرعاً بشراء و نحوه من باب المقدّمة لتوقف الاستناد الواجب عليه على الفرض، إن قلنا بوجوب المقدمة شرعاً و إلّا فيجب عقلًا، لما عرفت من توقف امتثال الواجب عليه، نظير شراء الماء للوضوء، فلا يجوز له الاستناد على المغصوب من غير شراء أو استئجار و نحوهما فإنّ المقدّمة و إن كانت هي جامع السناد، لكن وجوبها يختص بالفرد المباح و لا يتعلّق الأمر شرعاً أو عقلًا إلّا بالحصة المباحة كما حرّر في محلّه في الأُصول «1».

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 2: 431، الثاني.

200
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

[مسألة 14: القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين]

[1474] مسألة 14: القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين أو مع الاعتماد أو مع عدم الاستقرار، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين [1] مقدّم على الجلوس (1).

______________________________
(1) تعرّض (قدس سره) لصور الدوران بين ترك القيام رأساً، بأن يصلي جالساً، و بين الإتيان بالقيام الاضطراري الفاقد لأحد الأُمور المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقلال أو الاستقرار، أو عدم التفريج، ثم تعرض (قدس سره) لصور الدوران بين ترك أحد هذه الأُمور.

فنقول: قد ذكرنا في بحث مكان المصلي «1» أنّه إذا دار الأمر بين ترك أحد جزأين أو أحد شرطين، أو واحداً من الجزء أو الشرط، لم يكن ذلك داخلًا في باب التزاحم ليلاحظ مرجّحات هذا الباب من الأهمية أو محتملها، لأنّ الضابط في ذاك الباب العجز عن امتثال تكليفين نفسيين استقلاليين، و أمّا في المقام فليس إلّا أمر وحداني متعلق بالمركب من عدة أجزاء و شرائط.

بل المقام داخل في باب التعارض، فانّ ذاك الأمر المتعلق بالمركب ساقط لدى العجز عن الإتيان بتمام متعلقه كما هو الفرض بالضرورة، إذ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوط التكليف رأساً، غير أنّا في خصوص باب الصلاة علمنا من الخارج أنّها لا تسقط بحال، فنقطع من أجله بتعلق أمر جديد بالباقي من الأجزاء و الشرائط الممكنة، لكن متعلقه مجهول و أنّه المؤلف من هذا الجزء أو الشرط أو من ذاك، فلا محالة يقع التعارض بين دليلي ما يتعذر الجمع بينهما من جزء أو شرط.

______________________________
[1] مع صدق القيام معه، و الّا فالجلوس يتقدم عليه على الأظهر.

______________________________
(1) شرح العروة 13: 74.

201
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
فلا بدّ من مراعاة قواعد باب التعارض بتقديم الدليل اللفظي على اللبي، و إذا كانا لفظيين يقدّم ما كان بالوضع على ما كان بالإطلاق كما ذكرنا تفصيله في باب التعادل و التراجيح «1»، و في بحث مقدمة الواجب، و إذا كانا بالإطلاق كما هو الغالب فيتساقطان و يرجع إلى الأصل العملي، و مقتضاه في المقام هو التخيير لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين، إذ المتيقن وجوبه إنّما هو الجامع المحتمل انطباقه على الوجوب التخييري، لا أحدهما المعيّن كي يجب الاحتياط و الجمع بالتكرار، لما عرفت من احتمال أن تكون الوظيفة الواقعية حينئذ هو التخيير، فلا يقاس المقام بموارد الدوران بين القصر و التمام، التي يجب فيها الجمع بينهما، إذ المتيقن هناك وجوب هذا أو ذاك و لا يحتمل التخيير الواقعي فلا مناص من التكرار عملًا بقاعدة الاشتغال.

و أمّا في المقام فيتطرّق احتمال ثالث بالضرورة، فلأجله ليس لنا علم بأكثر من وجوب الجامع المحتمل انطباقه على كل من المحتملات الثلاثة: وجوب هذا بخصوصه، وجوب ذاك بخصوصه، التخيير بينهما، و حيث إنّ كلّاً من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بأصالة البراءة، و نتيجة ذلك هو التخيير.

و منه تعرف ما في كلام الماتن و غيره في المقام من الحكم بوجوب التكرار و الجمع في بعض فروع المسألة فلاحظ. هذا هو حكم الكبرى، و أمّا التطبيق على المقام، ففيما إذا دار الأمر بين ترك القيام رأساً و بين ترك الانتصاب، فمقتضى القاعدة حينئذ بعد سقوط الإطلاقين هو التخيير كما عرفت، لكن في خصوص المقام يتعيّن الثاني فيصلي عن قيام انحنائي، و لا ينتقل إلى الصلاة جالساً، و ذلك لتقييد هذا الانتقال في غير واحد من الأخبار ممّا ورد في تفسير قوله تعالى:

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 377.

202
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً «1» و غيرها، و لعلّ أوضحها قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة جميل: «... إذا قوي فليقم» «2»، بالعجز عن القيام الظاهر بمقتضى الإطلاق في إرادة الطبيعي منه، فمتى كان قادراً على طبيعي القيام صلى قائماً، و إن كان عاجزاً عن بعض الخصوصيات المعتبرة فيه التي منها الانتصاب، و لأجله يتقيد قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم): «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» «3» بالمتمكن من ذلك.

و بعبارة أُخرى: صحيحة جميل حاكمة على دليل وجوب الانتصاب، إذ النظر في دليل الوجوب مثل قوله (عليه السلام): «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» مقصور على مجرد اعتبار إقامة الصلب في الصلاة، سواء أ كانت عن قيام أو عن جلوس على ما هو الحق تبعاً للمشهور من اعتباره فيهما معاً من غير أن يكون لهذا الدليل نظر إلى تعيين الوظيفة، و أنّها الصلاة قائماً أو جالساً، و إنّما يستفاد ذلك من دليل آخر. و بما أنّ صحيحة جميل قد دلت على أنّ الوظيفة عند التمكن من مطلق القيام إنّما هي الصلاة قائماً، فلا جرم لم يبق موضوع لدليل وجوب الانتصاب، إذ المفروض عدم التمكن منه إلّا مع الجلوس و قد دلّت الصحيحة على أنّه لا تصل النوبة إلى الصلاة جالساً.

و ممّا يدل على ذلك بالخصوص: صحيحة علي بن يقطين الواردة في الصلاة في السفينة، فقد روى الشيخ في الصحيح عنه عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلي فيها و هو جالس يومئ أو يسجد؟ قال: يقوم و إن حنى ظهره» «4» و هي كما ترى صريحة في المدعى‌

______________________________
(1) آل عمران: 3: 191.

(2) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(3) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1، (نقل بالمضمون).

(4) الوسائل 5: 505/ أبواب القيام ب 14 ح 5، التهذيب 3: 298/ 906.

203
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
و أنّ من تمكن من الصلاة عن قيام و لو بغير الانتصاب تعيّن و قدّم على الصلاة جالساً.

و فيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً و بين الصلاة قائماً من غير استقلال قدّم الثاني أيضاً بلا إشكال، أمّا أوّلًا: فلأن وجوب الاستقلال على القول به و قد تقدم أنّ الأظهر منعه «1» مقيّد بالتمكن و حالة الاختيار، فإنّ عمدة الدليل عليه هو صحيحة ابن سنان «2» و موثقة ابن بكير «3» و كل منهما مقيد بذلك.

و أمّا ثانياً: فلأنّه مع الغض و تسليم وجود دليل مطلق، قد عرفت آنفاً أنّ الصلاة جالساً مقيّدة بعدم التمكن من مطلق القيام، فمع التمكّن منه و لو في الجملة، و فاقداً لبعض الخصوصيات المعتبرة فيه كما في المقام لا تصل النوبة إلى الصلاة عن جلوس.

و فيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً و بين الصلاة قائماً غير مستقر، فقد يراد من الاستقرار ما يقابل الاضطراب و أُخرى ما يقابل المشي.

فعلى الأوّل: قدّم الثاني، سواء أ كان مدرك اعتباره الإجماع كما هو الأظهر أم الروايات. أمّا الأوّل: فظاهر، ضرورة أنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه و هو غير صورة الدوران المزبور.

و أمّا الثاني: بدعوى استفادته من مثل قوله (عليه السلام): «و ليتمكّن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» «4» الذي هو دليل لفظي، فلما عرفت أيضاً من أنّ‌

______________________________
(1) في ص 184.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

(4) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

204
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
الصلاة قائماً بأي مرتبة كانت مقدّمة على الصلاة جالساً، لتقيّد دليلها بالعجز عن مطلق القيام حسبما تقدم.

و على الثاني: فقد احتاط الماتن فيه بالتكرار كما نبّه عليه في المسألة الثامنة عشرة من الفروع الآتية.

و اختار جماعة تقديم الصلاة جالساً على الصلاة ماشياً، بل قد نسب ذلك إلى المشهور.

و علّله المحقق الهمداني «1» (قدس سره) بأنّ الاستقرار المقابل للمشي مأخوذ في مفهوم القيام، لا بمعنى أخذه فيه لغة أو اصطلاحاً، كيف و الماشي مصداق للقائم البتة، بل بدعوى الانصراف عن الماشي في خصوص باب الصلاة بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، نظراً إلى أنّها بحسب الارتكاز عبادة فناسب أداؤها حالة الوقوف الحاوية لنوع من السكينة و الخشوع، فالوقوف إذن مقوّم للقيام انصرافاً، و لأجله كانت أدلة اعتباره في الصلاة منصرفة إلى القيام مع الوقوف، فلا جرم كان العاجز عنه عاجزاً عن القيام الصلاتي، فينتقل إلى الصلاة جالساً بطبيعة الحال.

و لكنّك خبير بأنّ هذه الدعوى غير بيّنة و لا مبيّنة و عهدتها على مدّعيها كيف و قد صحّت النافلة حال المشي حتى اختياراً مع ضرورة صدق القائم على المصلي.

و بالجملة: لا ريب في اعتبار الوقوف حال الاختيار في القيام كغيره مما اعتبر فيه من الانتصاب و الاستقلال و نحوهما، كما يكشف عنه مضافاً إلى الارتكاز المزبور، ما ورد «2» في من يريد التخطي في صلاته من الأمر بالكف‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 261 السطر 18.

(2) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

205
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
عن القراءة، فالوقوف فيه زائداً على القيام اعتبر في الصلاة بمقتضى النص. و أمّا اعتباره على سبيل الإطلاق، بدعوى دخله في مفهوم القيام و لو انصرافاً فهو أوّل الكلام، بل ممنوع، لما عرفت من عدم وضوح أيّ مستند للانصراف المزبور و عليه فمقتضى القاعدة على ضوء الضابطة السابقة بعد المعارضة بين الدليلين هو التخيير بين الصلاة قائماً ماشياً و بين الصلاة جالساً.

و لكن الأظهر لزوم تقديم الأوّل، لصحيحة جميل «1» الناطقة بتقديم الصلاة عن مطلق القيام على الجلوس و إن كان فاقداً لبعض القيود المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال، لما عرفت «2» من حكومتها على جميع أدلّة تلك القيود، و نتيجته تقديم الصلاة ماشياً على الصلاة جالساً.

و قد اتضح ممّا ذكرناه: ما في دعوى الماتن من تكرار الصلاة، حيث إنّه مبني على العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بخصوصه من غير تعيين، و قد عرفت لزوم تقديم الصلاة ماشياً، و معه لا تصل النوبة إلى العلم الإجمالي المزبور.

و فيما إذا دار الأمر بين الصلاة قائماً مع التفريج الفاحش بين الرجلين، و بين الصلاة جالساً قدّم الأوّل كما في المتن.

و هذا وجيه فيما إذا كان التفريج المزبور بمثابة يصدق معه عنوان القيام، بل قد تقدّم «3» جواز ذلك حتى اختياراً فضلًا عن صورة الدوران، لعدم الدليل على قدح مثله ما لم يستوجب الإخلال بالقيام، و أمّا لو أخلّ به بحيث لم يصدق معه عنوانه، بل تشكلت هيئة أُخرى في مقابل القيام و الجلوس، فيشكل التقديم حينئذ، بل هو ممنوع كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(2) في ص 203.

(3) في ص 190.

206
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

و لو دار الأمر بين التفريج الفاحش و الاعتماد، أو بينه و بين ترك الاستقرار قدّما عليه (1)

______________________________
و دعوى أنّ هذه الهيئة أقرب إلى القيام فتجب بقاعدة الميسور كما ترى فإنّها تشبه الاجتهاد في مقابلة النص، إذ النصوص المتكاثرة قد دلت على أنّ وظيفة العاجز عن القيام إنّما هي الانتقال إلى الجلوس، فإيجاب هيئة ثالثة اجتهاد تجاه النص.

على أنّ القاعدة غير تامة في نفسها كما مرّ مراراً، و لو تمّت لم تنفع في المقام لما عرفت من دلالة النصوص على وجوب الصلاة جالساً لمن لم يتمكّن من القيام، و المفروض أنّ تلك الهيئة ليست بقيام، فلا جرم تنتقل الوظيفة إلى الصلاة عن جلوس.

هذا كله فيما إذا دار الأمر بين القيام الاضطراري بأقسامه و بين الجلوس، أي ترك أصل القيام و بين الإخلال ببعض القيود المعتبرة فيه، و قد عرفت لزوم تقدّم القيام في الجميع، و أمّا لو دار الأمر بين تقديم بعض القيود على البعض الآخر مع المحافظة على أصل القيام، فسيأتي الكلام عليه في التعاليق الآتية من هذه المسألة.

(1) فيما إذا كان التفريج المزبور مخلًّا بصدق القيام، لرجوع المسألة حينئذ إلى الدوران بين ترك القيام و بين ترك الاستقلال أو ترك الاستقرار، و قد سبق «1» أنّ المتعيّن هو الثاني.

و أمّا إذا لم يبلغ هذا الحد، بل كان عنوان القيام محفوظاً معه، فالأمر بالعكس لما عرفت من عدم البأس بهذا النوع من التفريج حتى اختياراً، و معه لم يكن‌

______________________________
(1) في ص 204.

207
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

أو بينه و بين الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين قدّم ما هو أقرب إلى القيام [1] (1).

______________________________
ثمّة مسوغ للإخلال بشرطية الاستقلال أو الاستقرار.

(1) الظاهر أنّ المستند في التقديم المزبور قاعدة الميسور، و لكنّها مضافاً إلى عدم تماميتها في نفسها، لا تصلح للاستناد إليها في المقام.

و توضيحه: أنّه قد يفرض صدق عنوان القيام على كل من طرفي الدوران أعني التفريج و الانحناء أو الميل إلى الجانبين، و أُخرى صدقه على الأوّل خاصة و ثالثة عكسه، و رابعة عدم صدقه على شي‌ء منهما. و لعل الأخير هو مراد الماتن (قدس سره) للتعبير بالأقربية إلى القيام الكاشف عن عدم كون شي‌ء منهما مصداقاً للقيام.

و كيف ما كان، فلا ينبغي الشك في لزوم تقديم التفريج في الصورة الأُولى للمحافظة حينئذ على كل من القيام و الانتصاب، بخلاف عكسه للزوم الإخلال حينئذ بشرطية الانتصاب من غير مسوّغ.

و أوضح حالًا من ذلك: الصورة الثانية، فيتعين فيها تقديم التفريج بطريق أولى، للزوم الإخلال في عكسه بشرطية الانتصاب مضافاً إلى أصل القيام فيختل الأمران معاً من غير أيّ معذّر، بعد إمكان المحافظة عليهما بالتقديم المزبور. و بعبارة اخرى: هذا التفريج يجوز حتى اختياراً بعد فرض صدق القيام عليه، فكيف بما إذا كان تركه موجباً لترك القيام.

نعم، يتجه العكس في الصورة الثالثة، لكونها من صغريات الدوران بين القيام و الانتصاب، و قد تقدّم أنّ مراعاة القيام أولى، فيصلي منحنياً أو مائلًا لا متفرّجاً.

______________________________
[1] إذا صدق القيام على أحدهما فقط تعيّن ذلك، و إذا صدق على كليهما قدّم التفريج، و إذا لم يصدق على شي‌ءٍ منهما تعيّن الجلوس، و يختلف ذلك باختلاف الموارد.

208
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

و لو دار الأمر بين ترك الانتصاب و ترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال فيقوم منتصباً معتمداً (1). و كذا لو دار بين ترك الانتصاب و ترك الاستقرار قدّم ترك الاستقرار (2)

______________________________
و أمّا الصورة الرابعة: فحيث إنّ المفروض فيها العجز عن القيام، فلا جرم تتعيّن فيها الصلاة جالساً، لما تقدّم من عدم الواسطة بينهما.

هذا ما تقتضيه الصناعة حسبما بأيدينا من الأدلة الشرعية التي تعيّن الوظيفة الفعلية بحيث لا يبقى معها موضوع لقاعدة الميسور. فالقول إذن باختيار ما هو الأقرب إلى القيام يشبه الاجتهاد في مقابلة النص كما لا يخفى.

(1) أمّا على القول بعدم وجوبه فالأمر ظاهر. و أمّا على القول بالوجوب فلاختصاص دليله كما تقدم «1» بصورة التمكن و عدم العجز و المرض، بخلاف الانتصاب فانّ لسان دليله مطلق من هذه الجهة، فلا جرم يتقدم، إذ مع المحافظة على الانتصاب لا يكون المكلف قادراً على الاستقلال فلا يجب بطبيعة الحال.

(2) فانّ دليل اعتبار الاستقرار إن كان هو الإجماع فمن الواضح أنّ القدر المتيقن منه غير صورة الدوران و تعارضه مع الانتصاب، فالمقتضي حينئذ قاصر في حد نفسه.

و إن كان هو النص مثل قوله (عليه السلام): «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» «2» فاللازم أيضاً تقديم الانتصاب، لأظهرية دليله و هو قوله (عليه السلام): «من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «3» في الاعتبار من دليل الاستقرار‌

______________________________
(1) في ص 189.

(2) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

(3) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

209
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

و لو دار بين ترك الاستقلال و ترك الاستقرار، قدّم الأوّل (1) فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال و الاستقرار، و مراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال.

______________________________
حيث إنّه تضمّن نفي حقيقة الصلاة و ماهيتها عمّن لم يقم صلبه المقيد طبعاً بصورة التمكن و القدرة الحاصلة في مفروض المسألة. و هذا بخلاف الاستقرار فانّ دليله دلّ على اعتباره بعد فرض صدق اسم الصلاة عليه، على ما يقتضيه قوله (عليه السلام) «كما يتمكن في الصلاة» فغايته أنّه ينتفي قيد من قيودها أمّا ذاك الدليل فينفي صدق الاسم عن فاقد الانتصاب كما عرفت.

و على الجملة: أحد الدليلين ينفي موضوع الصلاة، و الآخر يثبت قيداً فيما صدق عليه اسم الصلاة. فلا جرم يتقدّم الأوّل.

(1) أمّا بناءً على عدم وجوب الاستقلال في نفسه فالأمر ظاهر. و أمّا بناءً على القول بالوجوب فالتقدم المزبور لا يخلو عن الإشكال، لأنّ دليل الوجوب و إن كان مختصاً بحال التمكن كما تقدم، إلّا أنّ المكلف في مفروض المسألة متمكن منه، غايته أنّه عاجز عن الجمع بينه و بين رعاية الاستقرار.

فلا بدّ إذن من النظر في دليل الاستقرار، فان كان هو الإجماع كما عن غير واحد، فبما أنّه دليل لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن، و هو غير صورة الدوران، و نتيجة ذلك تقديم الاستقلال على الاستقرار عكس ما أثبته في المتن.

و إن كان هو النص على ما مرّ فتتحقق المعارضة طبعاً بين الدليلين بالإطلاق و النتيجة بعد التساقط هو التخيير، دفعاً لكل من الخصوصيتين بالأصل، لا رعاية الأمرين معاً بالاحتياط و التكرار كما عن بعضهم، لعدم العلم الإجمالي بوجوب أحدهما لا بعينه ليكون من الشك في المكلف به، لجواز أن يكون الحكم الواقعي حينئذ هو التخيير.

210
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

[مسألة 15: إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع]

[1475] مسألة 15: إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع [1] (1) صلّى من جلوس (2)، و كان الانتصاب جالساً بدلًا عن القيام، فيجري فيها حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد و غيره.

______________________________
و الذي يهوّن الخطب ما عرفت من عدم الدليل على وجوب الاستقلال فيصح ما أثبته في المتن من تقديم الاستقرار، لوضوح عدم المعارضة بين الواجب و المستحب.

(1) ظاهر العبارة أنّ من تمكن من القيام و لو بهذه الصورة تعيّن و كان مقدّماً على الجلوس.

و هو وجيه على تقدير صدق القيام عليه كالمخلوق بهيئة الركوع، أو المنحني ظهره لهرم و نحوه، حيث إنّ قيام مثل هذا الشخص إنّما هو بهذا النحو.

و أمّا مع عدم الصدق، كما لو كان الانحناء بهذا المقدار لأمر عارض من مرض أو خوف من الظالم أو انخفاض السقف، انتقل حينئذ إلى الصلاة جالساً لعجزه عن القيام فعلًا.

(2) بلا خلاف فيه و لا إشكال، لقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً ... «1» إلخ، المفسّر في مصحح أبي حمزة، بأنّ الصحيح يصلي قائماً و المريض يصلي جالساً «2» و قد نطقت به نصوص كثيرة و هذا مما لا غبار عليه.

و إنّما الكلام في أنّ الأُمور المعتبرة في القيام من الانتصاب و الاستقرار‌

______________________________
[1] هذا فيما صدق عليه القيام كالمخلوق كذلك أو المنحني ظهره، و إلّا قدّم الجلوس مع القدرة عليه أيضاً.

______________________________
(1) آل عمران 3: 191.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

211
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و الاستقلال هل هي معتبرة في الجلوس أيضاً أو لا؟

أمّا الانتصاب فلا ينبغي الشك في اعتباره لإطلاق الدليل، فانّ قوله (عليه السلام) «من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «1» مطلق يشمل حالتي القيام و الجلوس معاً.

و أمّا الاستقرار فكذلك، سواء أ كان مستنده الإجماع أم الرواية المتقدمة «2» لإطلاق كلمات المجمعين كالنص.

و أمّا الاستقلال، فعلى تقدير تسليم وجوبه حال القيام فاعتباره حال الجلوس لا يخلو عن الاشكال، لقصور الدليل عن الشمول له، فإنّه منحصر في روايتين:

إحداهما: موثقة عبد اللّٰه بن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط، فقال: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد» «3».

ثانيتهما: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا تمسك بخمرك و أنت تصلي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي، إلّا أن تكون مريضاً» «4».

أمّا عدم دلالة الموثقة فظاهر، إذ الاتكاء قد جعل فيها مقابلًا للقعود، فلا جرم يراد به الاتكاء حال القيام، فالاتكاء لدى الجلوس خارج عن مفروضها سؤالًا و جواباً، و لا نظر فيها إليه بوجه.

و أمّا الصحيحة، فربما يستدل بها لذلك، نظراً إلى إطلاق قوله (عليه‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 2.

(2) في ص 209.

(3) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

(4) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

212
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و مع تعذّره صلّى مضطجعاً (1)

______________________________
السلام): «و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي» الشامل لحالتي القيام و القعود بعد منع دعوى الانصراف إلى الأوّل.

و لكنه يندفع باستظهار اختصاصها بالأوّل أيضاً بقرينة استثناء المريض «1» حيث يظهر منه اختصاص النهي عن الاستناد بغير المريض و غير العاجز، و من البيّن أنّ مثله يصلي قائماً لا قاعداً، فلا نظر فيها إثباتاً أو نفياً إلى الاتكاء الجلوسي بتاتاً، هذا.

و قد يقال: إنّ دليل بدلية الجلوس عن القيام بنفسه كافٍ في ترتيب الأحكام و إسراء شرائط المبدل منه إلى البدل، فيلتزم بوجوب الاستقلال في المقام قضاءً للبدلية.

و لكنه واضح الضعف، لعدم ثبوت البدلية بهذا النحو و أنّ جلوس المريض قيام، ليتمسك حينئذ بعموم المنزلة، لعدم وضوح ورود دليل بلسان التنزيل بل المستفاد من الأدلة تنويع المكلفين و تقسيمهم إلى صحيح و مريض، أو فقل إلى قادر و عاجز، و أنّ الأوّل يصلي قائماً، و الثاني قاعداً، فاختلف الحكم باختلاف موضوعه، و أنّ لكل وظيفة تخصه حسب حاله، و هذا بمجرده لا يستدعي انسحاب ما لأحدهما من الأحكام إلى الآخر ما لم ينهض عليه دليل آخر.

(1) بلا خلاف فيه ظاهراً و لا إشكال، و قد دلت عليه جملة من الأخبار:

منها: النصوص الواردة في تفسير قوله تعالى:

______________________________
(1) المستثنى بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع هو المريض العاجز عن الاستقلال و هو أعم من عجزه عن القيام أيضاً و عدمه، فالقرينة غير واضحة.

213
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ «1» من أنّ الصحيح يصلي قائماً و المريض يصلي جالساً و الذي هو أضعف منه يصلي على جنبه «2».

و منها: موثقة سماعة قال: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصلّ و هو مضطجع ...» إلخ «3».

و منها: موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى، إمّا أن يوجه فيومئ إيماءً و قال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده و ينام على جانبه (جنبه) الأيمن، ثم يومئ بالصلاة، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً» «4».

نعم، لا يخلو متن هذه الموثقة عن نوع من الاضطراب، لعدم ذكر عدل للشرطية المنفصلة، أعني قوله (عليه السلام) «إمّا أن يوجّه» بل قال في الحدائق «5» إنّ الكثير من روايات عمار كذلك، و لكنه لا يقدح في الاستدلال بها لما هو محل الكلام من الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع على الجانب الأيمن بعد صراحتها في ذلك.

هذا، و قد روى المحقق في المعتبر قال: روى أصحابنا عن حماد «6» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجّه كما‌

______________________________
(1) آل عمران 3: 191.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 5.

(4) الوسائل 5: 483/ أبواب القيام ب 1 ح 10.

(5) الحدائق 8: 76.

(6) المستدرك 4: 116/ أبواب القيام ب 1 ح 4، المعتبر 2: 161.

214
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
يوجّه الرجل في لحده و ينام على جانبه الأيمن ...» إلى آخر ما في رواية عمار المتقدمة، بل هي عينها، غير أنّها خالية عن تلك الفقرات المستوجبة للاضطراب.

و تبعه الشهيدان في الذكرى و الروض «1»، و عليه فلا اضطراب في الرواية بوجه.

بل ظاهر الذخيرة «2» أنّهما رواية واحدة عن عمار، و إن أسندها المحقق إلى حماد، و لعلّه سهو من قلمه، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك، كما أنّ بعض نسخ التهذيب أيضاً كذلك.

و لكن صاحب الحدائق «3» أنكر الاتحاد، لعدم الموجب لذلك بعد أن نرى أنّ المحقق قد روى في المعتبر أخباراً زائدة على ما في الكتب الأربعة من الأُصول التي عنده، فلعل هذه الرواية كانت من تلك الأُصول، و لا سيّما و أنّ الاضطراب الموجود في تلك الرواية لم يوجد في هذه.

و لكن الظاهر أنّ ما ذكره السبزواري في الذخيرة هو الصحيح، فانّ المحقق لو روى بإسناده عن حماد لأمكن القول بأنّه نقلها عن أصل وصل إليه و لم يصل إلينا، و لأجله لم يذكر في الكتب الأربعة و لكنّه (قدس سره) عبّر بقوله: روى أصحابنا، الظاهر في كون الرواية معروفة مشهورة، و معه كيف يمكن القول بأنّه رواها عن أصل غير معروف وصل إليه خاصة. إذن فالظاهر هو الاتحاد، و أنّ ذكر حماد بدل عمار إمّا سهو منه نشأ من تشابه الكلمتين، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك.

و على أيّ حال، فعلى تقدير التعدد لا يمكن التعويل عليها، لعدم العلم بطريقه إلى تلك الأُصول، فتكون في حكم المرسل. و العمدة في الاستدلال ما‌

______________________________
(1) الذكرى 3: 271، الروض: 251 السطر الأخير.

(2) الذخيرة: 262 السطر 30.

(3) الحدائق 8: 76.

215
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
عرفت من موثقتي سماعة و عمّار، و الروايات المفسّرة للآية المباركة المؤيّدة بنصوص أُخر ضعيفة. مضافاً إلى التسالم و عدم الخلاف فيه كما تقدم.

إلّا أنّ بإزاء هذه النصوص روايات أُخر دلّت على أنّ من لم يتمكّن من الصلاة جالساً صلى مستلقياً، و لكنّها مضافاً إلى ضعف أسنادها، مخالفة لما اتفق عليه الأصحاب و تسالموا عليه من الصلاة مضطجعاً كما عرفت فلا تقاوم ما سبق.

فمنها: مرسلة الصدوق قال: «قال الصادق (عليه السلام) يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً ...» إلخ «1».

و رواها الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «2». و رواها الشيخ بإسناده تارة عن أحمد ابن محمد، عن عبد اللّٰه بن القاسم، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه، و أُخرى عن الكليني بالسند المتقدم «3»، فالنتيجة أنّها بشتى طرقها مرسلة لا يمكن التعويل عليها بوجه.

و منها: ما رواه الصدوق أيضاً في عيون الأخبار عن محمد بن عمر الحافظ عن جعفر بن محمد بن الحسين (الحسيني)، عن عيسى بن مهران، عن عبد السلام ابن صالح الهروي، عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصلّ جالساً فان لم يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماءً» «4»

______________________________
(1) الوسائل 5: 484/ أبواب القيام ب 1 ح 13، الفقيه 1: 235/ 1033.

(2) الكافي 3: 411/ 12.

(3) التهذيب 3: 176/ 393، التهذيب 2: 169/ 671.

(4) الوسائل 5: 486/ أبواب القيام ب 1 ح 18، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 68/ 316.

216
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

على الجانب الأيمن كهيئة المدفون (1).

______________________________
و هي أيضاً ضعيفة بجميع من في السند ما عدا الراوي الأخير.

و رواها الصدوق أيضاً بعدة أسناد تقدمت في كتاب الطهارة، في باب إسباغ الوضوء «1» كما أشار إليها في الوسائل «2»، و لكنّها أيضاً بأجمعها ضعاف بعدّة من المجاهيل كما تقدم في محله.

و بالجملة: فلا تنهض شي‌ء من هذه لمعارضة ما سبق، فلا بدّ من رفع اليد عنها أو حملها على صورة العجز عن الاضطجاع كما حملها بعضهم عليها.

و كيف ما كان، فلا ينبغي التأمل في لزوم الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع لا الاستلقاء، عملًا بتلك النصوص المعتبرة السليمة عمّا يصح للمعارضة، و هذا ممّا لا إشكال و لا غبار عليه. و إنّما الكلام في جهات:

(1) الجهة الأُولى: هل يجب اختيار الجانب الأيمن لدى الاضطجاع، أو أنّه مخيّر بينه و بين الجانب الأيسر؟

نسب إلى جماعة منهم الشيخ في المبسوط «3» و العلامة في التذكرة و النهاية «4» التخيير، و هو ظاهر المحقق في الشرائع «5» حيث لم يقيده بالجانب الأيمن، و لكنّ المنسوب إلى معظم الفقهاء، هو التقييد مع التمكن منه، بل ادعي الإجماع عليه في بعض الكلمات.

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 36/ 91.

(2) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 19.

(3) المبسوط 1: 100.

(4) التذكرة 3: 93، نهاية الإحكام 1: 440.

(5) الشرائع 1: 97.

217
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و هذا هو الأصح، فإنّ مقتضى الأصل، بل الإطلاق في موثقة سماعة «1»، و كذا الآية المباركة المفسّرة بما مرّ «2» و إن كان هو الأوّل، إلّا أنّه لا بدّ من الخروج عنهما بموثقة عمّار «3»، الصريحة في الاختصاص بالجانب الأيمن.

و دعوى أنّها مضطربة المتن فلا يجوز العمل بها، و رواية حماد «4» و إن خلت عن الاضطراب إلّا أنّها مرسلة، مدفوعة بخلوّها عن الاضطراب في محل الاستشهاد، فإنّها في الدلالة على لزوم تقديم الجانب الأيمن ظاهرة بل صريحة و من البيّن أنّ الاضطراب في سائر الفقرات لا يمنع عن الاستدلال بما لا اضطراب فيه بعد عدم سريانه إليه، إذ لا ينبغي الشك في أنّ المراد بقوله (عليه السلام) في الصدر «كيف قدر صلى» ليس هو التخيير بين الكيفيات، ليكون منافياً مع التقييد بالأيمن في الذيل و يستوجب الاضطراب فيه، بل المراد أنّه يصلي على حسب استطاعته و قدرته، نظير قولنا: إذا دخل الوقت فصلّ كيف ما قدرت، أي إن قدرت على الوضوء فتوضأ، و إلّا فتيمم، و إن قدرت قائماً فصلّ قائماً و إلّا فجالساً، و هكذا، و ليس المراد التخيير بين هذه الأفراد بالضرورة.

إذن فقوله (عليه السلام) بعد ذلك: «يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده و ينام على جانبه الأيمن ...» إلخ، الذي هو محل الاستشهاد، لا ينافي ما قبله و إنّما هو بيان له، و أنّ الذي يصلي على غير الأيمن هو الذي لا يقدر على الأيمن، أمّا مع التمكّن منه فلا تصل النوبة إلى غيره.

______________________________
(1) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 5.

(2) في ص 213.

(3) الوسائل 5:/ 483 أبواب القيام ب 1 ح 10.

(4) المستدرك 4: 116/ أبواب القيام ب 1 ح 4.

218
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

فان تعذّر فعلى الأيسر، عكس الأوّل (1).

______________________________
و تؤيدها مرسلة الصدوق قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) المريض يصلي قائماً، فان لم يستطع صلى جالساً، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فان لم يستطع استلقى و أومأ إيماءً و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده اخفض من ركوعه» «1».

و قد نسب الصدوق هذه الرواية إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) على سبيل الجزم، الكاشف عن ثبوتها عنده بطريق صحيح، لكن الثبوت عنده لا يستوجب الثبوت عندنا، و من الجائز أن لا نوافقه في تصحيح الطريق لو اطلعنا عليه، فهي إذن لا تخرج عن حدّ الإرسال، فلا يمكن الاستدلال بها و العمدة ما عرفت من الموثقة.

(1) الجهة الثانية: لو تعذّر الجانب الأيمن، فبناءً على القول بالتخيير بينه و بين الجانب الأيسر، لا ريب في تعيّن الثاني كما هو الشأن في كل واجب تخييري تعذّر أحد فرديه، فلا تصل النوبة إلى الاستلقاء.

و أمّا بناءً على القول المشهور من تقديم الجانب الأيمن و تعيّنه الذي عرفت أنّه الأصح، فهل ينتقل حينئذ إلى الجانب الأيسر أيضاً أو إلى الاستلقاء؟

المعروف بين المتأخرين كما ذكره شيخنا الأنصاري «2» (قدس سره) هو الأوّل، و لكن كلمات القدماء من الأصحاب خالية عن ذلك حيث إنّهم ذكروا أنّه يصلي مضطجعاً إلى الجانب الأيمن، و إلّا مستلقياً، و ظاهرهم هو اختيار الثاني. و كيف ما كان فالمتبع هو الدليل.

______________________________
(1) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 15، الفقيه 1: 236/ 1037.

(2) كتاب الصلاة 1: 242.

219
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

فإن تعذّر صلّى مستلقياً كالمحتضر (1)

______________________________
و يشهد للقول الأخير: رواية الجعفريات و فيها «و إن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جانبه الأيمن مستقبل القبلة، فان لم يستطع أن يصلي على جانبه الأيمن صلّى مُستلقياً» «1» و نحوها رواية الدعائم «2»، لكن ضعف سندهما يمنع عن الاعتماد عليهما.

و الأظهر هو القول الأوّل، لا لمرسلة الصدوق المتقدمة آنفاً، فانّ ضعفها يمنع عن الاعتماد عليها، و الانجبار لو سلّمنا كبراه فالصغرى ممنوعة، لما عرفت من عدم التعرض للجانب الأيسر في كلمات القدماء الذين هم المدار في حصول الانجبار.

بل لإطلاق الأمر بالاضطجاع في جملة من النصوص المتقدمة «3» من موثقة سماعة و غيرها، و قد قيّدناه بالجانب الأيمن بمقتضى موثقة عمّار كما تقدّم «4»، إلّا أنّ من الواضح أنّ مورد التقييد إنّما هو صورة التمكن، أمّا العاجز عنه فهو باق تحت الإطلاق، و مقتضاه اختيار الجانب الأيسر، إذ هو حينئذ قادر على الاضطجاع و مع القدرة عليه لا دليل على الانتقال إلى الاستلقاء، و به يندفع ما قد يتوهم من أنّ مقتضى الإطلاق في ذيل موثقة عمار أنّ العاجز عن الجانب الأيمن مخيّر بين الأيسر و بين الاستلقاء.

(1) الجهة الثالثة: إذا تعذّر كل من الجانبين، فالمشهور حينئذ تعيّن الاستلقاء‌

______________________________
(1) المستدرك 4: 115/ أبواب القيام ب 1 ح 3، الجعفريات: 47.

(2) المستدرك 4: 116/ أبواب القيام ب 1 ح 5، الدعائم 1: 198.

(3) في ص 214.

(4) في ص 218.

220
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و يجب الانحناء للركوع و السجود بما أمكن [1] (1).

______________________________
استناداً تارة إلى النصوص المتقدمة «1» الناطقة بأنّ العاجز عن الصلاة جالساً يصلي مستلقياً، و قد عرفت أنّها بأجمعها ضعيفة السند. و أُخرى إلى ما أرسله الصدوق من النبوي المتقدم «2» المصرّح بأنّ العاجز عن الجانب الأيسر يصلي مستلقياً، و ضعفه أيضاً ظاهر.

و الأولى أن يستدل له: بأنّ ذلك هو مقتضى ما دلّ على اعتبار الاستقبال في الصلاة، ضرورة أنّه بعد فرض العجز عن كل من الجانبين، فمراعاة الاستقبال لا تتيسّر إلّا بالاستلقاء.

(1) فمن يصلِّي جالساً بل قائماً أيضاً كفاقد الساتر إذا كان عاجزاً عن الركوع أو السجود ينحني إليهما بقدر الإمكان، و لا يجب الإيماء حينئذ، و إنّما يجب مع العجز عنه أيضاً.

و عن بعضهم: وجوب الجمع بين الانحناء و الإيماء، و لكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم.

أمّا في المتن، فلأنه إنّما يتّجه مع صدق الركوع أو السجود على الانحناء المزبور، و لو برفع المسجد لوضع الجبهة عليه، و أمّا مع عدم الصدق فلم يعرف وجهه، بل ظاهر النصوص الآتية، و كذلك الروايات المتقدمة في كيفية الصلاة عارياً انتقال العاجز عن الركوع أو السجود إلى الإيماء، لخلوّها عن ذكر الانحناء و حملها على صورة العجز عنه أيضاً كما ترى، إذ لا موجب لارتكاب التقييد‌

______________________________
[1] هذا فيما إذا صدق على الانحناء الركوع أو السجود و لو برفع المسجد لوضع الجبهة عليه، و إلا لم يجب الانحناء.

______________________________
(1) في ص 216.

(2) في ص 219.

221
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و مع عدم إمكانه (1) يومئ برأسه [1] (2).

______________________________
بعد كونها بأسرها مطلقة و عدم نهوض ما يستوجبه بوجه.

و أمّا ما عن ذلك البعض، فلعدم وضوح مستند للجمع ما عدا قاعدة الميسور التي هي غير تامة في نفسها. مضافاً إلى منع الصغرى، بداهة أنّ الانحناء المزبور مقدمة للوصول إلى حدّي الركوع و السجود، فهو خارج عن حقيقتهما و ليس من مراتبهما ليعدّ ميسوراً لهما. إذن فالانحناء المذكور غير واجب لا بنفسه، و لا بضميمة الإيماء.

(1) و لو لأجل العسر و الحرج الرافعين للتكليف.

(2) سواء أ كانت وظيفته الصلاة جالساً، أم مضطجعاً، أم مستلقياً.

أمّا الأوّل: فلإطلاق صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود، قال: يومئ برأسه إيماءً، و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» «1» فإنّ إطلاقها يشمل مستطيع الجلوس و عدمه، و مقتضاه أنّ من استطاعة فكانت وظيفته الصلاة جالساً و لم يستطع السجود يومئ إليه، و يلحق به الإيماء للركوع، للقطع بعدم الفرق، و حيث إنّ المراد من عدم الاستطاعة ما يشمل الحرج و المشقة لا عدم الاستطاعة العقلية خاصة كما أشرنا إليه، فمن ثمّ حكم في ذيل الصحيحة أنّ تحمّل المشقة و الإتيان بنفس السجود أحب إليه (عليه السلام).

و عليه فينبغي الاستدلال للمطلوب بهذه الصحيحة، و معه لا حاجة إلى الاستدلال بالعلم الخارجي ببدلية الإيماء عنهما، و أنّه مع العجز عن المبدل منه‌

______________________________
[1] على الأحوط وجوباً.

______________________________
(1) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 2.

222
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
ينتقل إلى البدل، فانّ هذا العلم و إن كان موجوداً إلّا أنّ الاستدلال بالنص الخاص أولى كما لا يخفى.

و أمّا الثاني: فلموثقة عمّار المتقدمة حيث ورد فيها قوله (عليه السلام) «... ثم يومئ بالصلاة إيماءً» «1» المؤيّدة بما تقدم من مرسلة الصدوق عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فانّ قوله في ذيلها «و أومأ إيماءً ...» إلخ «2» يرجع إلى جميع ما تقدّم، لا خصوص الاستثناء، فيشمل المضطجع على أحد جانبيه.

ثم إن المضطجع المزبور لو تمكن من أن ينقلب على وجهه و يسجد فهل يتعين عليه ذلك، و إن استوجب الإخلال بالاستقبال، أو أنّ وظيفته الإيماء إليه مراعياً للقبلة. و بعبارة اخرى: لو دار الأمر بين مراعاة السجود و بين مراعاة الاستقبال مومئاً إليه فأيّهما المقدّم؟

الظاهر هو الثاني، لإطلاق موثقة عمّار، حيث لم يقيّد الأمر بالإيماء فيها بصورة العجز عن السجود المزبور فلاحظ.

و أمّا الثالث: فلموثقة عمار أيضاً، قال (عليه السلام) في ذيلها «... فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً»، فإنّه من الواضح أنّ من جملة ما قدر هو الصلاة مستلقياً فعليه الإيماء.

و أوضح منها: موثقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة أربعين يوماً، أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام إلّا إيماءً و هو على حاله، فقال: لا بأس بذلك و ليس شي‌ء ممّا حرّم اللّٰه إلّا و قد أحله لمن اضطر إليه» «3» فإنّها صريحة في أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 483/ أبواب القيام ب 1 ح 10.

(2) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 15، الفقيه 1: 236/ 1037.

(3) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 6.

223
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و مع تعذّره فبالعينين، بتغميضهما (1).

______________________________
وظيفة المستلقي هي الإيماء.

و العجب من صاحب الحدائق أنّه مع نقله لهاتين الروايتين «1» كيف ادعى اختصاص نصوص الإيماء بالاضطجاع، و أنّه لم يرد في الاستلقاء إلّا غمض العينين «2» مع أنّ موثقة سماعة صريحة في وجوب الإيماء «3» لدى الاستلقاء و موثقة عمار دالة عليه بالإطلاق كما سمعت.

(1) و يستدل له بمرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام): «يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً يكبّر ثم يقرأ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثم سبّح، فاذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثم سبّح فاذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد و ينصرف» «4» بعد التعدي عن موردها و هو الاستلقاء إلى الاضطجاع، بعدم القول بالفصل.

و قد أسندها في الجواهر «5» إلى بزيع المؤذّن، و لكنه سهو من قلمه الشريف‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 72، 75.

(2) الحدائق 8: 80.

(3) لكنّها في الحدائق تبعاً للتهذيب 3: 306 خالية عن ذكر الإيماء و إنّما هو مذكور في الفقيه [1: 235/ 1035]، و لعل صاحب الحدائق لم يطلع عليه، و منه تعرف أنّ ما في الوسائل من نسبته إلى الشيخ في غير محله.

(4) الوسائل 5: 484/ أبواب القيام ب 1 ح 13، الفقيه 1: 235/ 1033.

(5) الجواهر 9: 267.

224
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و لعلّ الذي أوقعه في الاشتباه هو أنّ صاحب الوسائل روى قبل المرسلة بلا فصل رواية أُخرى عن بزيع، فاشتبه و ألحق متن إحداهما بسند الأُخرى.

و كيف ما كان، فالرواية من جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال، و لا نقول بالانجبار، و إسناد الصدوق لها إلى الصادق (عليه السلام) بضرس قاطع لا يقتضي أزيد من اعتقاده بذلك لا متابعتنا له في ذلك.

و الأولى: أن يستدل له بوجه آخر، و هو أنّا قد علمنا من صحيحة زرارة الواردة في باب المستحاضة «1» المعتضدة بما في موثقة عمّار المتقدمة «2» من قوله (عليه السلام) «... فكيف ما قدر فإنّه له جائز» أنّ الصلاة لا تسقط بحال، و أنّه يأتي مهما أمكن بما قدر منها و تيسّر، هذا من ناحية.

و من ناحية أُخرى، قد علمنا من حديث التثليث «3» و غيره من النصوص أنّ الركوع و السجود من مقوّمات الصلاة الدخيلة في صدق اسمها و تحقيق ماهيتها، كما و علمنا أيضاً أنّ الشارع قد جعل لدى العجز عنهما بدلًا يعدّ مرتبة نازلة عنهما و هو الإيماء بالرأس.

إذن يستنتج من هاتين المقدمتين أنّ الشارع الأقدس لا بدّ و أن يجعل بدلًا آخر لدى العجز عن هذا البدل، حذراً عن الإخلال بماهية ما لا يسقط بحال و حيث لا يحتمل أن يكون ذاك البدل شيئاً آخر غير غمض العينين من الإيماء باليد أو الرجل مثلًا سيّما و أنّ الإيماء بالعينين أقرب إلى الإيماء بالرأس من غيره، مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه فلا جرم كان هو المتعيّن، فليتأمّل.

______________________________
(1) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

(2) في ص 214.

(3) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

225
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و ليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه [1] (1)،

______________________________
(1) على المشهور، بل عن الذكرى «1» نسبته إلى الأصحاب، فإن تمّ الإجماع التعبّدي و لا يتم و إلّا فإثباته بحسب الصناعة مشكل جدّاً، لضعف ما استدل له فإنّه أُمور:

منها: مرسلتا الصدوق النبوية و العلوية «2» ففي أُولاها: «... و جعل سجوده أخفض من ركوعه»، و في الثانية: «... و يجعل السجود أخفض من الركوع».

و لكن الإرسال مانع عن الاستدلال، و لا نقول بالانجبار.

و منها: خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنه «قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فان لم يجد صلى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه» «3».

و هي مضافاً إلى ضعف سندها بأبي البختري واردة في المتمكّن من الركوع و السجود، غير أنّه يتركهما لمانع، فكيف يتعدى إلى غير المتمكّن لمرض و نحوه كما في المقام.

و منها: موثقة سماعة قال: «سألته عن الصلاة في السفر إلى أن قال-

______________________________
[1] فيه إشكال و الأظهر عدم وجوب ذلك.

______________________________
(1) الذكرى 3: 270.

(2) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 15، 16، الفقيه 1: 236/ 1037، 1038.

(3) الوسائل 4: 451/ أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

226
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و ليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلًا، و إن كان راكباً فليصلّ على دابته و هو راكب، و لتكن صلاته إيماءً، و ليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه» «1». و لكن موردها النافلة، و المتمكّن من الركوع و السجود في حدّ نفسه و إن لم يتيسر له حال الركوب، فلا يمكن التعدي إلى صلاة الفريضة و من هو عاجز في نفسه.

و منها: صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يصلي على راحلته، قال: يومئ إيماءً، يجعل السجود أخفض من الركوع» «2».

و صحيحته الأُخرى قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة في السفر و أنا أمشي، قال: أوم إيماءً و اجعل السجود أخفض من الركوع» «3».

و صحيحته الثالثة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) إلى أن قال قلت: يصلي و هو يمشي؟ قال: نعم، يومئ إيماءً، و ليجعل السجود أخفض من الركوع» «4». لكن الظاهر أنّ مورد هذه الصحاح هو النافلة أيضاً. على أنّ موردها المتمكن كما عرفت فلا سبيل للتعدي منها إلى المقام.

فالمتحصّل: أنّه لا دليل على مراعاة الأخفضية، بل الظاهر عدم وجوبها و إن كانت أحوط.

______________________________
(1) الوسائل 4: 331/ أبواب القبلة ب 15 ح 14.

(2) الوسائل 4: 332/ أبواب القبلة ب 15 ح 15.

(3) الوسائل 4: 335/ أبواب القبلة ب 16 ح 3، 4.

(4) الوسائل 4: 335/ أبواب القبلة ب 16 ح 3، 4.

227
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و يزيد في غمض العين للسجود [1] على غمضها للركوع (1)، و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة [2] (2).

______________________________
(1) كما عن جماعة و لعله المشهور، و كأنّه إيماءً للفرق بين الإيماءين بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، و لكنه كما ترى، إذ لا دليل على لزوم رعاية الفرق المزبور بعد خلوّ النص عنه، فانّ الواجب بمقتضى الإطلاق إنّما هو الغمض بمقدار الذكر الواجب، و لا دليل على الزيادة عليه، سواء أُريد بها تطويل الغمض أو تشديده.

(2) في المسألة أقوال خمسة: وجوب الوضع تعييناً، التخيير بينه و بين الإيماء، لزوم الجمع بينهما، أفضلية ضمّ الوضع إلى الإيماء، بدلية الوضع عن الإيماء.

أمّا القول الأوّل: فيستدل له بموثقة سماعة المتقدمة قال: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فإنّه يجزئ عنه، و لم يكلف اللّٰه ما لا طاقة له به» «1».

و فيه أوّلًا: أنّها معارضة بإطلاق النصوص الدالة و هي في مقام البيان على أنّ وظيفة العاجز عن الركوع و السجود إنّما هي الإيماء، و حملها على ما إذا لم يتمكن من وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة و لو بالاستعانة من الغير الميسورة غالباً حمل على الفرد النادر جدّاً، فكيف يمكن حمل تلك الروايات الكثيرة و هي في مقام بيان تمام الوظيفة على ذلك.

______________________________
[1] الظاهر عدم وجوبها.

[2] لا يبعد جواز تركه، و أمّا الإيماء بالمساجد فلم نتصور له معنى معقولًا.

______________________________
(1) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 5.

228
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و ثانياً: أنّ الموثقة في نفسها غير قابلة للدلالة على الوجوب التعييني، لظهور القضية الشرطية في قوله (عليه السلام): «و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد» في أنّه بعد حصول الشرط و تحقق السجود خارجاً يجب عليه الوضع المزبور فكأنه مأمور بالسجود أوّلًا، و بالوضع ثانياً، و حيث إنّ السجود الحقيقي متعذّر حسب الفرض، فلا جرم يراد به بدله و هو الإيماء، فيكون محصل المعنى أنّه إذا أومأ يضع شيئاً على جبهته. إذن لا يمكن أن يراد خصوص الوضع من دون الإيماء كما هو المدعى.

بل إنّ دقيق النظر يقضي بلزوم رد علم الموثقة إلى أهله، لأنّ حمل السجود فيها على معناه الحقيقي ليجب الجمع بينه و بين الوضع على الجبهة مقطوع العدم كيف و لازمه أن يكون المريض أسوأ حالًا و أشق تكليفاً من الصحيح و هو كما ترى.

و توجيهه: بأنّ سجود المضطجع المريض لمّا كان فاقداً لشرائط الصحة غالباً فمن ثمّ أُمر بوضع شي‌ء على جبهته أيضاً، بعيد جدّاً كما لا يخفى.

فلا مناص من أن يراد به إمّا بدله و هو السجود التنزيلي أعني الإيماء، أو إرادته يعني متى أراد أن يسجد فليضع شيئاً على جبهته بدلًا عنه.

أمّا الثاني، فقد عرفت معارضته مع نصوص بدلية الإيماء، و عرفت أيضاً أنّ حمل تلك النصوص على صورة العجز عن الوضع المزبور حمل للمطلق على الفرد النادر، فتسقط الموثقة من أجل المعارضة و عدم المقاومة تجاهها.

و أمّا الأوّل، فغير واضح أيضاً، لأنّ حمل السجود على الإيماء الذي هو خارج عن مفهومه يحتاج إلى الدليل و لا دليل، و مجرد بدليته عنه لدليل خاص لا يستوجب حمل اللفظ عليه عند الإطلاق. إذن لا نعقل معنى صحيحاً للموثقة و لا بدّ من رد علمها إلى أهله.

229
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و بمضمون الموثقة مرسلة الفقيه قال: «و سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس أ يصلي و هو مضطجع و يضع على جبهته شيئاً؟ قال: نعم، لم يكلفه اللّٰه إلّا طاقته» «1».

و لكنها مضافاً إلى ضعف السند قاصرة الدلالة، إذ الحكم بالوضع لم يذكر إلّا في كلام السائل، و جواب الإمام (عليه السلام) بقوله: «نعم» لا يدل على الوجوب، لجواز إرادة الاستحباب بل مطلق الجواز، و أنّه أمر سائغ لا يضرّ بصلاته فليتأمل.

و لعلّ نظر الفقيه في هذه المرسلة إلى تلك الموثقة بقرينة ما في ذيلها من أنّه لا يكلّف اللّٰه إلّا طاقته. و كيف ما كان، فالعمدة هي الموثقة و قد عرفت ما فيها.

و أمّا القول الثاني: فيستدل له بأنّه مقتضى الجمع بين الموثقة و بين نصوص الإيماء، بعد رفع اليد عن ظهور كل منهما في الوجوب التعييني فينتج التخيير بينهما.

و فيه: أنّ كثرة نصوص الإيماء الواردة في الموارد المتفرّقة، و أوضحيّتها في الدلالة على البدلية، بعد كونها في مقام بيان تمام الوظيفة، يعطي لها قوة ظهور في إرادة الوجوب التعييني بحيث لا تقبل الحمل على التخيير، لا سيّما مع جواز أن يكون المراد من السجود في الموثقة الإيماء إليه، لتضمّنها حينئذ الأمر بالوضع في فرض الإيماء، فكيف تحمل على التخيير بينهما.

و أمّا القول الثالث: فيستدل له بأنّه مقتضى تقييد إطلاقات الإيماء بالموثقة، فانّ نتيجته وجوب الجمع بينهما.

و ربما يجاب عنه: بمعارضته مع صحيحتي زرارة و الحلبي الظاهرتين في استحباب الوضع زائداً على الإيماء، ففي الأُولى عن أبي جعفر (عليه السلام)

______________________________
(1) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 14، الفقيه 1: 235/ 1034.

230
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
قال: «سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال: على خمرة، أو على مروحة، أو على سواك يرفعه إليه، هو أفضل من الإيماء» «1».

و في الثانية: عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود، قال يومئ برأسه إيماءً، و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» «2».

و فيه: أنّهما غير ناظرتين إلى ما هو محل الكلام من وضع شي‌ء على الجبهة مع الإيماء، بل المراد أنّ من كان السجود حرجياً بالنسبة إليه فله أن يومئ بدلًا عنه، و لكنه مع ذلك إذا تحمّل المشقة و سجد على الأرض أو على غيرها قدر ما يطيق فهو أفضل، و قد تقدم «3» هذا المعنى عند التكلم حول صحيحة الحلبي. و بالجملة: محل كلامنا وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة، لا وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فلا ارتباط للصحيحتين بالمقام.

فالأولى أن يجاب: بما تقدم «4» من أنّ الموثقة مطروحة، لأنّها غير صحيحة المفاد فلا تنهض لتقييد المطلقات.

على أنّا لو تنازلنا و سلمنا دلالتها بعد ارتكاب التقييد المزبور على وجوب كلا الأمرين فلم يكن بدّ من رفع اليد عنها، نظراً إلى أنّ المسألة كثيرة الدوران و محل للابتلاء غالباً. و قد تعرّض الأصحاب لها القدماء منهم و المتأخرون، فلو كان الوجوب ثابتاً لأصبح من الواضحات، فكيف خلت منه فتاوى القدماء و لم يرد في شي‌ء من الروايات على كثرتها تنصيص عليه.

و ممّا ذكرنا يظهر لك مستند القول الرابع مع جوابه.

______________________________
(1) الوسائل 5: 364/ أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 2.

(3) في ص 222.

(4) في ص 229.

231
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و الإيماء بالمساجد الأُخر أيضاً (1)، و ليس بعد المراتب المزبورة حدّ موظّف فيصلي كيف ما قدر، و ليتحرّ الأقرب إلى صلاة المختار، و إلّا فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط (2).

______________________________
و أمّا القول الخامس فمستنده حمل ما دلّ على الوضع على صورة العجز عن الإيماء بشهادة خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: «سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء كيف يصلي و هو مضطجع؟ قال: يرفع مروحة إلى وجهه و يضع على جبينه و يكبّر هو» «1».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند بعبد اللّٰه بن الحسن أنّها قاصرة الدلالة، إذ لم يذكر فيها وضع شي‌ء على الجبهة عند السجود، ليتوهم أنّه بدل عن الإيماء لدى تعذره، بل ذكر الوضع المزبور عند التكبير و هو أجنبي عن محل الكلام.

و قد تلخّص من جميع ما تقدّم: أنّ الوظيفة لدى العجز عن الركوع و السجود إنّما هي الإيماء إليهما فحسب، استناداً إلى المطلقات التي هي المحكّم بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد، و أمّا الوضع فلم يثبت استحبابه فضلًا عن وجوبه.

(1) هذا مضافاً إلى أنّه لم يتصوّر له معنى معقول لم ينهض عليه دليل مقبول لاختصاص الدليل بالإيماء بالرأس أو العين، و لم يرد ما يشمل سائر الأعضاء.

(2) هذا وجيه بالإضافة إلى أصل الصلاة، فإنّها لا تسقط بحال، و أمّا بالنسبة إلى الركوع و السجود إذا لم يتمكن منهما و لا من بدلهما أعني الإيماء إليهما بالرأس أو العين فقد ذكر كاشف الغطاء (قدس سره) أنه يومئ بسائر أعضائه «2».

______________________________
(1) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 21.

(2) كشف الغطاء: 241 السطر الأخير.

232
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

[مسألة 16: إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس]

[1476] مسألة 16: إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس و ركع جالساً (1)

______________________________
لكنك عرفت آنفاً أنّه لا دليل عليه، فانّ من البديهي خروج الإيماء عن مفهوم الركوع و السجود، فلا بدّ في بدليته عنهما من إقامة الدليل، و هو مختص بالإيماء بالرأس أو بالعين، و أمّا الإيماء بسائر الأعضاء، فلا دليل عليه.

و من ثم كان العاجز عن البدل المزبور غير قادر على الركوع و السجود رأساً فيكون كفاقد الطهورين، حيث إنّ الركوع و السجود كالطهارة من المقوّمات الدخيلة في صدق الماهية، كما يكشف عنه حديث التثليث «1»، فلو قلنا بسقوط الصلاة عن فاقد الطهورين قلنا بسقوطها في المقام أيضاً، لوحدة المناط و قضائها بعد ذلك، و إن كان الأحوط الجمع بين القضاء و بين أن يأتي في الوقت بالمقدور من أجزاء الصلاة.

(1) لا ريب أنّ من تمكن من القيام لا تسوغ له الصلاة جالساً لقوله (عليه السلام): «إذا قوي فليقم» «2»، و أمّا إذا تمكن منه و عجز عن الركوع قائماً فقد ذكر (قدس سره) أنّه يجلس و يركع جالساً. و هذا و إن لم يرد به نص بالخصوص لكنه مطابق للقاعدة، فإنّ الركوع الجلوسي ركوع حقيقة و لا تنتقل الوظيفة إلى الإيماء إلّا بعد العجز عن الركوع الحقيقي، فأدلّة الإيماء غير شاملة للمقام و المفروض العجز عن الركوع القيامي، فتتعيّن الوظيفة في الركوع جالساً «3».

______________________________
(1) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

(2) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(3) و لكنّه يشكل بظهور دليل البدلية في كون الإيماء بدلًا عن الركوع الذي هو وظيفته الشرعية حسب حالته الفعلية إن قائماً أو جالساً، لا عن طبيعي الركوع، فمن يصلي قائماً إنّما يومي فيما إذا كان عاجزاً عمّا لو كان قادراً عليه في هذه الحالة لفعل و هو الركوع القيامي دون الجلوسي، كيف و هو وظيفة العاجز عن القيام و هذا قادر عليه حسب الفرض و من ثمّ يومئ العاري قائماً و لا يركع جالساً، و هكذا الحال في من يصلي جالساً، و حيث إنّه موظّف في مفروض المسألة بالركوع القيامي و قد عجز عنه فلا جرم ينتقل إلى الإيماء كما صرّح (دام ظلّه) بذلك في تعليقته الشريفة على المسألة الثانية من مبحث الركوع و كذا في بحثه الشريف هناك على ما ضبطناه عنه في شرح العروة 15: 28 و صرّح (دام ظلّه) به أيضاً في المنهاج، المسألة 593 و في المسائل المنتخبة، المسألة 292 و لم أعثر عاجلًا على موافق له.

233
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

و إن لم يتمكن من الركوع و السجود صلى قائماً و أومأ للركوع و السجود و انحنى لهما [1] بقدر الإمكان (1) و إن تمكّن من الجلوس جلس لايماء السجود (2).

______________________________
(1) أمّا الإيماء فلا إشكال، و قد تقدّم «1» أنّه بدل اضطراري عن الركوع و السجود. و أمّا الانحناء فليس عليه دليل ظاهر عدا قاعدة الميسور.

و فيه أوّلًا: أنّ القاعدة ممنوعة في نفسها.

و ثانياً: مع التسليم فلا صغرى لها في المقام، إذ الانحناء من مقدمات الركوع فهو مباين معه، و المباين لا يعدّ من مراتب الشي‌ء كي يكون ميسوراً له كما لا يخفى.

و ثالثاً: مع تسليم الكبرى و الصغرى فلا مجال لها في المقام أيضاً، إذ تدفعها إطلاقات أدلة الإيماء المعيّنة للوظيفة الفعلية، و من الواضح أنّ القاعدة إنّما تجري مع عدم تعيّن الوظيفة من قبل الشارع.

(2) هذا لا دليل عليه أيضاً، عدا كون الإيماء جالساً أقرب إلى هيئة السجود‌

______________________________
[1] الظاهر عدم وجوبه و عدم وجوب الجلوس للإيماء إلى السجود.

______________________________
(1) في ص 222.

234
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

..........

______________________________
و هو كما ترى وجه اعتباري لا يصلح مدركاً لحكم شرعي، و قد عرفت النقاش في قاعدة الميسور من الوجوه الثلاثة، فالأقوى عدم الوجوب.

و قد يقال: بوجوبه رعاية للجلوس الواجب بين السجدتين، فانّ سقوطهما بالتعذّر الموجب للانتقال إلى الإيماء لا يستدعي سقوط الجلوس الواجب بينهما بعد فرض القدرة عليه.

و فيه أوّلًا: أنّ إطلاقات أدلّة الإيماء دافعة لهذا الاحتمال، إذ مقتضاها أنّ وظيفة العاجز عن السجود إنّما هو الإيماء ليس إلّا، سواء تمكن من الجلوس بين السجدتين أم لا، فعدم التقييد بذلك مع كونه (عليه السلام) في مقام بيان الوظيفة الفعلية يدفع احتمال وجوبه.

و ثانياً: أنّ الجلوس بين السجدتين ليس واجباً مستقلا، و إنّما هو بيان لحد رفع الرأس عن السجدة ردّاً لما زعمه أبو حنيفة «1» من كفاية مجرد الرفع كيف ما اتفق و لو بمقدار يسير يمكن إدخال شي‌ء فيما بين الجبهة و المسجد و لو بمقدار إصبع أو أقل، بل قد ذهب إلى عدم وجوب الرفع أصلًا، كما لو حفر و هو في حال السجدة حفيرة فوضع جبهته فيها، و أنّ هذا المقدار كاف في صدق التعدّد فاشير في هذه الأخبار إلى عدم الكفاية و بطلان هذه المقالة، و أنّ الحدّ الشرعي لرفع الرأس الموجب لتعدّد السجدة إنّما هو البلوغ حدّ الجلوس، و عليه فالجلوس إنّما يجب في فرض وجوب السجود، و أمّا مع سقوطه لتعذّره و الانتقال إلى بدله و هو الإيماء، فلا موضوع لوجوب الجلوس، بل هو ساقط قطعاً، فلا وجه لمراعاته.

______________________________
(1) المغني لابن قدامة 1: 598، المجموع 3: 440.

 

 

235
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه [1] على جبهته إن أمكن (1).

[مسألة 17: لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع و السجود]

[1477] مسألة 17: لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع و السجود (2) فالأحوط تكرار الصلاة [2]، و في الضيق يتخير بين الأمرين.

______________________________
(1) تقدّم الكلام فيه «1»، و عرفت أنّ الأظهر عدم وجوبه، و على تقدير الوجوب فهو خاص بالمضطجع لاختصاص الدليل به، و لا يعمّ سائر موارد الإيماء كما مرّ تفصيله.

(2) كما إذا انحصر موضع الصلاة في مكانين، أحدهما ضيّق فلا يتمكن فيه من السجود و الركوع، و الآخر قصير فلم يتمكن فيه من القيام، و قد أفاد (قدس سره) أنّ الأحوط حينئذ تكرار الصلاة مع سعة الوقت و في الضيق يتخيّر.

و ما ذكره (قدس سره) مبني على العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بخصوصه و أنّ الواجب هو المؤلّف من خصوص هذا، أو خصوص ذاك، فيجب الاحتياط بالتكرار عملًا بالعلم الإجمالي تحصيلًا للفراغ اليقيني عن التكليف المقطوع، كما في موارد الدوران بين القصر و الإتمام، أو الظهر و الجمعة و نحوهما.

هذا مع سعة الوقت، و أمّا في الضيق فلا مناص من الاقتصار على أحدهما مخيّراً، تنزّلًا عن الامتثال اليقيني المتعذر إلى الامتثال الاحتمالي الذي يستقل به العقل لدى العجز عن الأوّل، هذا.

و لكنّك خبير بعدم انحصار أطراف العلم بما ذكر، بل هناك احتمال ثالث و هو‌

______________________________
[1] مرّ حكمه آنفاً.

[2] تقدم أنّ الأظهر هو التخيير مطلقاً.

______________________________
(1) في ص 228.

 

 

236
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 17لو دار أمره بين الصلاة قائما مومئا أو جالسا مع الركوع و السجود ج 14ص 236

..........

______________________________
التخيير واقعاً، فانّ هذا الاحتمال يتطرّق في المقام بالوجدان من غير دافع. و معه فلا علم بإحدى الخصوصيتين كي يجب الاحتياط بالتكرار، بل تدفع كل منهما بأصالة البراءة، فيكون مقتضى القاعدة هو التخيير، لاندراج المقام في باب الدوران بين التعيين و التخيير، و المختار فيه هو البراءة، لرجوعه في الحقيقة إلى الشك بين الأقل و الأكثر الارتباطيين كما مرّ مراراً، فينبغي إذن ابتناء المسألة على الخلاف في أنّ الأصل الجاري في هذا الباب هل هو البراءة أو الاشتغال و قد عرفت أنّ الأوّل هو الصواب.

هذا، و لشيخنا الأُستاذ (قدس سره) تعليقتان متهافتتان، فحكم في تعليقته الأنيقة على المقام بتقديم القيام، و قد تقدم عين الفرع في مبحث المكان، و علّق (قدس سره) ثمة بتقديم الركوع و السجود، و نظره الشريف هنا بالترجيح بالسبق الزماني الذي هو من أحد المرجّحات في التدريجيات، كمن دار أمره بين ترك الصوم في اليوم الأوّل من شهر رمضان أو الثاني، فإنّ السابق متقدّم بلا إشكال و نظره (قدس سره) هناك بالترجيح بالأهمية، حيث إنّ الركوع و السجود أهم من القيام كما يظهر من حديث التثليث، قال (عليه السلام): «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود» «1».

و هذا منه (قدس سره) مبني على إدراج المقام في باب التزاحم كي يراعى مرجحات هذا الباب، و قد مرّ غير مرّة في مطاوي هذا الشرح أنّ المقام و أمثاله أجنبي عن هذا الباب، لاختصاصه بالتكليفين المستقلين، و ليس في المقام إلّا تكليف وحداني متعلِّق بالمركّب، بل هو داخل في باب التعارض، إذ بعد سقوط ذاك التكليف بالعجز علمنا من دليل عدم سقوط الصلاة بحال، تعلّق تكليف جديد بالباقي من الأجزاء الممكنة، و حيث إنّ متعلقه مجهول مردد بين المؤلّف‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

237
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج 14ص 238

[مسألة 18: لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً فالأحوط التكرار أيضاً]

[1478] مسألة 18: لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً فالأحوط التكرار أيضاً [1] (1).

______________________________
من هذا الجزء أو من ذاك، فلا محالة يقع التعارض بين دليل الجزأين اللذين يتعذّر الجمع بينهما، و بما أنّهما بالإطلاق غالباً، فيسقطان بعد التعارض و يرجع إلى الأصل العملي، و مقتضاه البراءة عن كل من الخصوصيتين، و نتيجة ذلك هو التخيير كما عرفت آنفاً.

فاتضح من جميع ما مرّ أنّ الأقوى هو التخيير من غير فرق بين سعة الوقت و ضيقه.

(1) حكم (قدس سره) حينئذ بالتكرار كما في المسألة السابقة لاتحاد المبنى و هو ما عرفت من حديث العلم الإجمالي، فجعل المسألتين من وادٍ واحد، لكن الظاهر الفرق، فيحكم هناك بالتخيير على طبق القاعدة كما مرّ. و أمّا في المقام فيقدّم الصلاة ماشياً، لأنّ المعارضة حينئذ بين دليل اعتبار القيام من قوله (عليه السلام): «إذا قوي فليقم» «1» و بين دليل اعتبار الاستقرار.

و عليه فان قلنا بأنّ مدرك الثاني هو الإجماع، فتقديم الأوّل ظاهر، لأنّ المتيقن منه غير المقام. و إن قلنا بأنّ مدركه رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم، قال: يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ» «2»، فان بنينا على ضعف الخبر فالأمر ظاهر أيضاً.

______________________________
[1] و إن كان الأظهر تعين الصلاة قائماً ماشياً.

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(2) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

238
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج 14ص 238

..........

______________________________
و إن بنينا على صحته كما هو الأقوى من جهة وقوع النوفلي في أسانيد تفسير القمي، فقد يتوهم جريان التخيير المزبور حينئذ أيضاً، باعتبار تساقط الدليلين بعد المعارضة، فيرجع إلى أصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فينتج التخيير.

لكنه غير تام، لعدم صلاحية هذه الرواية للمعارضة مع دليل اعتبار القيام فانّ موردها خاص بالمتمكن من القيام و الاستقرار، و إنّما يريد باختياره المشي و التقدم إلى مكان آخر لغاية ككونه أفضل، كما قد يتفق في الحرم الشريف فيتقدم ليكون أقرب إلى الضريح المقدس مثلًا، فحكم (عليه السلام) بالكف و لزوم مراعاة الاستقرار في مثل هذه الصورة، فلا تدل على لزوم رعايته حتى في مثل المقام الذي لم يتمكن فيه من القيام لو أراد الاستقرار.

و بالجملة: لا تدل هذه الرواية على اعتبار الاستقرار حتى مع العجز عن القيام، لأنّ موردها التمكن منه، بخلاف دليل اعتبار القيام فإنّ إطلاقه يشمل صورة العجز عن الاستقرار فهو المحكّم، فلأجله يحكم بتقديم القيام في المقام و إن أخلّ بالاستقرار.

و ربما يستدل على هذا الحكم: برواية سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه (عليه السلام) «المريض إنّما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائماً» «1».

و كلمة «أن يمشي» بعد قوله «صار» الموجودة في الوسائل مستدرك، و الصحيح حذفها كما في التهذيب «2»، لإخلالها بالمعنى و عدم استقامتها كما لا يخفى.

و كيف كان، فقد قيل إنّ مفاد الرواية أنّ الانتقال إلى الصلاة جالساً إنّما هو‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 4.

(2) التهذيب 3: 178/ 402.

239
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج 14ص 238

..........

______________________________
بعد العجز عن الصلاة ماشياً، فلو دار الأمر بينهما قدّم الثاني و هو المطلوب.

و يقع الكلام فيها تارة من حيث السند، و أُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا السند: فالظاهر أنّه لا بأس به، فانّ سليمان موثّق، لا لتوثيق العلّامة إيّاه «1»، لما نراه من ضعف مبناه في التوثيق، فإنّه يعتمد على كل إمامي لم يظهر منه فسق، اعتماداً على أصالة العدالة «2»، و هو كما ترى، بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات «3».

و أما الدلالة: فالظاهر أنّها أجنبية عمّا نحن فيه من فرض الدوران، و إنّما هي ناظرة إلى بيان حدّ المرض الذي ينتقل معه إلى الصلاة جالساً، و أنّه يستعلم ذلك بالعجز عن المشي مقداراً من الزمان الذي يسع لوقوع الصلاة فيه قائماً كأربع دقائق مثلًا، فانّ المريض ربّما يقوم و يمشي لبعض حوائجه كقضاء الحاجة و نحوه، فان رأى من نفسه أنّه يتمكن من المشي هذا المقدار كشف ذلك عن قدرته على الصلاة قائماً، فإنّ القدرة على المشي تستدعي القدرة على القيام بطريق أولى، و إن رأى من نفسه العجز عن ذلك كشف عن العجز عن القيام فتنتقل الوظيفة حينئذ إلى الجلوس، هذا هو ظاهر الرواية، و هو كما ترى أجنبي عن محل الكلام.

إلّا أنّه مع ذلك يجب رد علمها إلى أهله، ضرورة أنّ العجز عن المشي مقدار الصلاة مستمراً كأربع دقائق مثلًا لا يلازم العجز عن الصلاة قائماً حتى يكون أمارة عليه و كاشفاً عنه، لعدم استمرار القيام في هذه المدّة حال الاشتغال بالصلاة فإنّه يركع و يسجد خلال ركعاتها فيمكث قليلًا في سجوده و قعوده‌

______________________________
(1) لم نعثر عليه.

(2) كما يظهر من الخلاصة: 66/ 86 ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة.

(3) و لكنه (دام ظله) عدل عنه أخيراً، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

240
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو كان وظيفته الصلاة جالسا و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك ج 14ص 241

[مسألة 19: لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك]

[1479] مسألة 19: لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك (1).

______________________________
و يستريح هنيئة فيذهب تعبه و تتجدد قواه، ثم يقوم إلى الركعة الأُخرى، فذاك العجز لا يكشف عن هذا العجز أبداً. فكيف يناط الانتقال إلى الجلوس بالعجز عن المشي، مع أنّ الاعتبار بالعجز عن القيام ليس إلّا كما أُنيط به في الكتاب و السنّة على ما مرّ سابقاً. و من هنا لم يحدد ذلك في شي‌ء من الأخبار بحدّ معيّن، و لم يجيبوا (عليهم السلام) عن السؤال عن التحديد إلّا بمثل قولهم (عليهم السلام): بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه، هو أعلم بما يطيقه، و غير ذلك «1».

هذا مع أنّ ظاهر إطلاق الرواية أنّ العجز عن المشي مقدار تمام الصلاة إلى أن يفرغ يوجب الانتقال إلى الجلوس حتى و لو تمكن من المشي مقدار بعض الصلاة، و ليس الحكم كذلك جزماً، فإنّه لو تمكن من القيام في بعض ركعات الصلاة وجب ذلك بلا إشكال كما سيجي‌ء قريباً إن شاء اللّٰه تعالى، فتكون صلاته ملفّقة من القيام و الجلوس حسب اختلاف حاله عند كل ركعة.

فالإنصاف: أنّ الرواية مجملة المفاد غير ظاهرة المراد، فلا تصلح للاعتماد بل يردّ علمها إلى أهله.

(1) هذه غير مسألة الدوران بين مراعاة القيام في أوّل الركعة أو آخرها التي سيتعرض لها في المسألة الآتية، بل مفروض هذه المسألة التمكّن من القيام آناً ما قبل الركوع، كي يكون ركوعه عن قيام، و لا ريب في وجوب ذلك عليه، إذ لا سبيل للانتقال إلى الركوع الجلوسي بعد فرض التمكن من الركوع قائماً.

______________________________
(1) الوسائل 5: 494/ أبواب القيام ب 6 ح 1، 2.

241
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع ج 14ص 242

[مسألة 20: إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع]

[1480] مسألة 20: إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز، و كذا إذا تمكّن منه في بعض الركعة لا في تمامها. نعم، لو علم من حاله أنّه لو قام أوّل الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلّا ركعة أو بعضها، و إذا جلس أوّلًا يقدر على الركعتين قائماً أو أزيد مثلًا لا يبعد [1] وجوب تقديم الجلوس، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار الصلاة، كما أنّ الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أوّل الركعة قائماً و العجز حال الركوع أو العكس أيضاً تكرار الصلاة (1).

______________________________
(1) قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة في من دار أمره بين ترك أحد الشرطين مع تساوي الدليلين هو التخيير، لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فبمقتضاها ينبغي الحكم في المقام بالتخيير بين رعاية القيام في الركعة السابقة أو اللّاحقة.

إلّا أنّ الأقوى في خصوص المقام رعاية القيام في السابقة، فيقوم إلى أن يتجدد العجز كما أفاده في المتن، و ذلك لإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة جميل: «إذا قوي فليقم» «1»، فإنّها و إن وردت جواباً عن السؤال عن حد المرض الموجب للانتقال إلى الصلاة قاعداً في مجموع الصلاة، إلّا أنّ إطلاقها غير قاصر الشمول للمجموع و للأبعاض، كما لا يخفى. فتدل على أنّ المكلف مهما تمكّن من القيام فيما يجب فيه القيام وجب ذلك، و لا ينتقل فيه إلى القعود إلّا مع العجز عنه.

______________________________
[1] بل هو بعيد و الظاهر وجوب تقديم القيام فيه و في الفرض الثاني.

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

242
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع ج 14ص 242

..........

______________________________
و عليه فبما أنّه لدى الاشتغال بالركعة الأُولى قادر على القيام على الفرض فيشمله إطلاق الصحيح، فيجب عليه القيام لفعلية الشرط و هو كونه قد قوي عليه، فلا عذر له في تركه، بخلاف تركه في الركعة اللّاحقة لحصول العجز حينئذ.

و منه تعرف أنّه لا فرق في هذا الحكم أعني تقديم السابق أخذاً بإطلاق الدليل بين ما إذا كان طرفا الترديد متساويين من حيث القلة و الكثرة كالمثال المتقدم، أو مختلفين كما لو دار أمره بين القيام في الركعة الأُولى و القعود في الركعتين الباقيتين أو الثلاث، و بين العكس، و أنّه يتعين تقديم القيام حينئذ أيضاً و إن استلزم الجلوس في الأكثر من الركعة الواحدة، لما عرفت من عدم العذر في ترك القيام سابقاً مع القدرة عليه، و الحكم يتبع في فعليته فعلية موضوعه و هو متحقق على الفرض فيشمله قوله (عليه السلام): «إذا قوي فليقم» بخلاف تركه في الركعات اللاحقة، فإنّه مستند إلى العجز بعد صرف قدرته في الركعة السابقة، و ليس المقام من موارد التزاحم كي يراعى فيه الأهمية و يرجّح بها كما مرّ مراراً.

فما أفاده في المتن من عدم استبعاده وجوب تقديم الجلوس في هذه الصورة لا يمكن المساعدة عليه، كما لا وجه للاحتياط بتكرار الصلاة و إن كان حسناً على كل حال.

و من جميع ما ذكرناه تعرف حكم الدوران بين إدراك أوّل الركعة قائماً و العجز آخرها المؤدي إلى الركوع جالساً، و بين العكس، و أنّ اللّازم حينئذ تقديم الأوّل بالبيان المتقدم من عدم المعذورية سابقاً و العذر لاحقاً، و قد عرفت أنّ المقام ليس من باب التزاحم كي يراعى فيه أهمية الركوع، فتنتقل الوظيفة لا محالة إلى الركوع جالساً.

243
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشيا أو راكبا ج 14ص 244

[مسألة 21: إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكباً]

[1481] مسألة 21: إذا عجز عن القيام و دار أمره بين الصلاة ماشياً أو راكباً قدّم المشي على الركوب (1).

[مسألة 22: إذا ظنّ التمكّن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير]

[1482] مسألة 22: إذا ظنّ التمكّن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير [1]، بل و كذا مع الاحتمال (2).

______________________________
(1) قد عرفت في المسألة الثامنة عشرة أنّه لو دار الأمر بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً، قدّم الأوّل لتقديم دليل القيام على دليل الاستقرار بالبيان المتقدم، فبمقتضى ذلك يجب تقديم المشي على الركوب في المقام كما لا يخفى.

بل يزيد المقام على ما سبق، أنّ الإخلال بالاستقرار لازم على التقديرين أي سواء صلّى ماشياً أم راكباً، و يزداد الثاني بالإخلال بالقيام أيضاً، فلا مناص من اختيار الأوّل الذي يتحفظ معه على القيام، فانّ دليل اعتباره حينئذ سليم عن المعارض.

(2) هذه المسألة من صغريات البحث عن جواز البدار لذوي الأعذار و عدمه مع احتمال زوال العذر أو الظن به، بعد الفراغ عن الجواز في صورة اليأس و قد تكرّر التعرّض لنظائر هذا الفرع في مطاوي هذا الشرح مراراً، و قلنا إنّ الأقوى هو التفصيل في الجواز بين مرحلتي الواقع و الظاهر، فبحسب الحكم الواقعي لا يجوز البدار فيما إذا صادف ارتفاع العذر، لأنّ التكليف الأوّلي قد تعلّق بطبيعي الصلاة الجامعة لتمام الأجزاء و الشرائط المحدودة بين الحدين من المبدأ و المنتهى كالزوال و الغروب مثلًا، فالطبيعي الجامع بين الأفراد الطولية بل و كذا العرضية هو المأمور به و إنّما تنتقل الوظيفة إلى البدل الاضطراري و التكليف الثانوي بعد العجز عن هذه الطبيعة الذي لا يتحقق إلّا بالعجز عن‌

______________________________
[1] على الأحوط، و لا يبعد جواز البدار كما تقدم.

244
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 22إذا ظن التمكن من القيام في آخر الوقت وجب التأخير ج 14ص 244

..........

______________________________
تمام الأفراد.

فمع التمكن من فردٍ من الأفراد الطولية و لو كان هو الواقع في نهاية الحد و في آخر الوقت لا سبيل للانتقال إلى البدل، للقدرة على المأمور به الاختياري الذي هو الطبيعي الصادق على ذاك الفرد، فكما أنّ العجز عن الفرد العرضي لا يسوّغ الانتقال إلى البدل بلا إشكال، فلو كان عاجزاً عن القيام في هذا المكان و قادراً عليه في مكان آخر و كلاهما في زمان واحد، لا تنتقل الوظيفة إلى الجلوس بالضرورة، فكذا العجز عن الفرد الطولي.

و السر هو ما عرفت من أنّ المأمور به ليست الأفراد لا العرضية و لا الطولية كي يكون العجز عن فرد مسوّغاً للانتقال إلى البدل، و إنّما هو الطبيعي الجامع بين الحدين الذي لا يكاد يتحقق العجز عنه إلّا بالعجز عن تمام أفرادها عرضيّها و طوليّها. و عليه فمع فرض ارتفاع العذر في آخر الوقت، فبما أنّ الفريضة الاختيارية مقدورة للمكلف بتطبيق الطبيعي على ذاك الفرد فلا يجوز له البدار و الاقتصار على الاضطرارية، لعدم تحقق موضوعها حينئذ كما عرفت هذا كله بحسب الواقع.

و أمّا في مرحلة الظاهر، فلا مانع من جواز المبادرة اعتماداً على استصحاب بقاء العذر، و عدم ارتفاعه إلى نهاية الوقت المنقّح للعذر المستوعب الذي هو الموضوع للانتقال إلى البدل الاضطراري، بناءً على ما هو الصحيح من جريان الاستصحاب في الأُمور الاستقبالية كالحالية، غاية الأمر أنّ الأمر في موارد الاستصحاب حيث إنّه ظاهري فإجزاؤه عن الأمر الواقعي و جواز الاقتصار عليه منوط بعدم انكشاف الخلاف، فالحكم بالصحة مراعى بعدم زوال العذر فان زال في الوقت كشف عن البطلان و وجبت الإعادة على طبق الوظيفة الاختيارية، و إن استمرّ كشف عن الصحة، بل إنّ هذا هو الحال حتى مع القطع الوجداني باستمرار العذر، فانّ زوال العذر حينئذ يكشف عن أنّ الأمر كان‌

245
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 23إذا تمكن من القيام لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس ج 14ص 246

[مسألة 23: إذا تمكّن من القيام لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس]

[1483] مسألة 23: إذا تمكّن من القيام لكن خاف حدوث مرض أو بطء برئه جاز له الجلوس، و كذا إذا خاف من الجلوس جاز له الاضطجاع و كذا إذا خاف من لص أو عدو، أو سبع أو نحو ذلك (1).

______________________________
وهمياً خيالياً، و هو غير مجز عن الأمر الواقعي بلا إشكال.

(1) تقدم «1» حكم العاجز عن القيام، و أمّا من كان متمكناً منه فعلًا لكنه خاف حدوث المرض لو قام، أو بطء برئه، أو خاف من لص، أو عدو، أو سبع فقد ذكر (قدس سره) أنّه يجوز له الانتقال إلى الجلوس أو الاضطجاع و الاستلقاء حسب اختلاف المراتب، و مراده (قدس سره) بالجواز هو الوجوب و أنّ الوظيفة تتعين في ذلك كما هو ظاهر.

و كيف كان، فالحكم مسلّم لا خلاف فيه كما لا إشكال، و المستند فيه حديث نفي الضرر، فانّ ظاهر الحديث و إن كان هو الضرر الواقعي كما هو الشأن في كل حكم مترتب على موضوعه، فلا بدّ من إحرازه بدليل قاطع من علم وجداني و نحوه، فلا سبيل للتمسك به مع الشك و خوف الضرر، بل إنّ مقتضى الأصل عدمه، فيستصحب بقاء الوظيفة الاختيارية، و لا ينتقل إلى الاضطرارية إلّا عند الضرر المقطوع.

إلّا أنّا استفدنا التعميم لصورة الخوف من الموارد المتفرقة كالصوم و التيمم و نحوهما من الموارد التي استشهد الإمام (عليه السلام) على سقوط الوظيفة الأوّلية، و الانتقال إلى البدل عند مجرد الخوف بدليل نفي الضرر أو العسر و الحرج.

هذا، مع أنّ خوف الضرر أمارة نوعية و طريق عقلائي لاستكشاف الضرر الواقعي، فإنّ العقلاء لا يزالون يعاملون مع خوف الضرر معاملة الضرر‌

______________________________
(1) في ص 211.

246
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول ج 14ص 247

[مسألة 24: إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأوّل]

[1484] مسألة 24: إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأوّل (1).

______________________________
المقطوع، فكأنّ الضرر محرز بمجرّد الخوف، و عليه فلا مجال للتشكيك في الاستناد إلى دليل نفي الضرر في أمثال المقام.

و تؤيّده: صحيحة محمد بن مسلم الواردة في خصوص المقام قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرّجل و المرأة يذهب بصره فيأتيه الأطبّاء فيقولون نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي، فرخّص في ذلك، و قال فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ» «1» فانّ قول الأطبّاء لا يورث القطع بالعذر عادة، بل غايته الخوف و مع ذلك فقد رخّص (عليه السلام) فيه و أجرى عليه حكم الضرر مستشهداً بالآية الشريفة. و من المعلوم عدم الفرق بين مورد الصحيحة و بين غيره من سائر موارد الضرر.

(1) حكم (قدس سره) حينئذ بلزوم تقديم الاستقبال، و قد يقال بلزوم تقديم القيام لأنّه ركن، و ربما يفصّل بين ما إذا كان الإخلال بالاستقبال بنحو يوجب الاستدبار فيقدّم على القيام، و بين ما إذا كان بحيث يوجب الانحراف إلى اليمين أو اليسار فيقدّم القيام عليه، لما دلّ على أنّ ما بين المشرق و المغرب قبلة.

و الصحيح: هو ما أفاده في المتن، فانّ مقتضى القاعدة في أمثال المقام و إن كان هو التخيير كما مرّ، إلّا أنّه يقدّم الاستقبال في خصوص المقام، لا لأهميته المستفادة من استثنائه في حديث لا تعاد كما قيل حتى يعارض بأهمية القيام لركنيته، فانّ الترجيح بالأهمية من خواص باب التزاحم، و المقام و أمثاله أجنبي‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 496/ أبواب القيام ب 7 ح 1.

247
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24إذا دار الأمر بين مراعاة الاستقبال أو القيام فالظاهر وجوب مراعاة الأول ج 14ص 247

..........

______________________________
عن ذاك الباب و داخل في باب التعارض كما أشرنا إليه مراراً.

بل لأنّ دليل اعتبار الاستقبال يختلف لسانه عن دليل اعتبار القيام، فإنّ الأوّل بلسان نفي الحقيقة، و أنّ الفاقد للاستقبال ليس من حقيقة الصلاة في شي‌ء كما يفصح عنه قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا إلى القبلة» «1»، بخلاف الثاني فإنّ لسانه مجرد اعتبار شي‌ء في الصلاة «2» لقوله: «الصحيح يصلي قائماً و قعوداً المريض يصلي جالساً» الوارد في تفسير الآية المباركة «3»، و غيره ممّا سبق في محله و من المعلوم أنّه كلّ ما دار الأمر بين ترك شي‌ء تفوت معه حقيقة الصلاة و بين غيره قدّم الثاني.

و منه يظهر الجواب عمّا تقدّم من القول بلزوم تقديم القيام لأنّه ركن، فانّ القيام إنّما يجب رعايته في الصلاة، فلا بدّ من تحقق الموضوع و هو الصلاة قبل ذلك، و قد عرفت أنّ مقتضى دليل اعتبار الاستقبال نفي الحقيقة و عدم تحقق الموضوع بدونه، فالفاقد للاستقبال ليس من حقيقة الصلاة في شي‌ء حتى يراعى فيه القيام.

و أمّا التفصيل المتقدم فيدفعه: أنّ كون ما بين المشرق و المغرب قبلة تنزيل مختص بمورده، و هو الجاهل الذي لا يميّز جهة الكعبة، و أمّا غيره ممّن يميّزها و يشخّصها كما هو محل الكلام، فلا ريب أنّ قبلته هي الكعبة، فلا مناص له من استقبالها، و التوسعة المزبورة غير شاملة لمثله جزماً. فظهر أنّ الأقوى مراعاة الاستقبال و الانتقال إلى الصلاة جالساً كما ذكر في المتن.

______________________________
(1) الوسائل 4: 300/ أبواب القبلة ب 2 ح 9.

(2) أمّا قوله: «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» فهو ناظر إلى الانتصاب الممكن رعايته في الصلاة جالساً أيضاً كما سبق، لا إلى القيام فلا تغفل.

(3) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

248
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس ج 14ص 249

[مسألة 25: لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس]

[1485] مسألة 25: لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس، و لو عجز عنه انتقل إلى الاضطجاع، و لو عجز عنه انتقل إلى الاستلقاء، و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر (1).

______________________________
(1) قد عرفت أنّ للمصلي باعتبار العجز و التمكّن حالات، فيصلي قائماً إن تمكن، و إلّا فجالساً، و إلّا فمضطجعاً، و إلّا فمستلقياً، و يختلف الحكم باختلاف هذه الأحوال كما مرّ تفصيلًا، هذا فيما إذا كان تمام الصلاة على حالة واحدة.

و أمّا إذا كانت ملفّقة من حالتين، فقد يكون قادراً، ثم يطرؤه العجز في الأثناء بإحدى مراتبه، و قد يكون الأمر بالعكس فتتجدد القدرة بعد ما كان عاجزاً، و هذه المسألة ناظرة إلى الصورة الأُولى كما أنّ المسألة الآتية تنظر إلى الثانية.

فنقول: العجز الطارئ في الأثناء قد يكون مستمراً إلى آخر الوقت، و قد يزول قبل خروجه، أمّا في المستمر فلا ريب في انتقال الوظيفة إلى المرتبة النازلة، فلو عجز عن القيام انتقل إلى الجلوس أو إلى الاضطجاع و هكذا، و هذا ممّا لا خلاف فيه منا.

نعم، خالف فيه بعض العامة فحكم بالاستئناف «1»، إذ لم تعهد الصلاة الملفقة من الوظيفتين. و يدفعه: أنّ ذلك هو مقتضى إطلاق أدلة البدلية الشامل للعجز الطارئ، فكما أنّ إطلاق الأدلّة الأوّلية كقوله (عليه السلام): «إذا قوي فليقم» «2» يعمّ تمام الصلاة و أبعاضها، فكذا إطلاق أدلّة الابدال.

فالتلفيق هو مقتضى الجمع بين الإطلاقين، و لا ضير في الالتزام به بعد‌

______________________________
(1) المجموع 4: 321.

(2) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

249
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لو تجدد العجز في أثناء الصلاة عن القيام انتقل إلى الجلوس ج 14ص 249

..........

______________________________
مساعدة الدليل فلا وجه للاستئناف، بل ليس له ذلك و إن قلنا بجواز إبطال الصلاة اختياراً، لاستلزامه التفويت الاختياري المحرّم عقلًا بالإضافة إلى الجزء الذي أتى به حسب الوظيفة الاختيارية قبل طروء العجز، إذ مع الإبطال و الإعادة ينتقل لا محالة إلى الوظيفة الاضطرارية في تمام الصلاة، فيلزم التعجيز الاختياري بالإضافة إلى ذلك الجزء، بخلاف ما لو أتمّها كذلك كما لا يخفى.

ثم إنّه يلزمه ترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال إلى أن يستقر كما أفاده في المتن، إذ مضافاً إلى منافاته لشرطية الاستقرار لدى القدرة عليه لا دليل على مشروعية القراءة عند الهوي، فانّ محلها المقرّر لها بحسب الأدلة إنّما هو حال القيام، أو الجلوس، أو الاضطجاع، و ليس الهوي شيئاً منها.

و دعوى أنّ الهوي أقرب إلى القيام، فكانت القراءة عنده أولى منها حال الجلوس، اجتهاد في مقابل النص كما لا يخفى.

هذا كله مع استمرار العجز، و أمّا لو ارتفع أثناء الوقت فظاهر إطلاق المشهور هو الاجتزاء أيضاً، فلا حاجة إلى الإعادة، حيث لم يفصّلوا في الحكم بالصحة بين الصورتين، إلّا أنّه لا يمكن الأخذ بهذا الإطلاق، بل لا بدّ من حمل كلامهم على إرادة الصورة الأُولى، إذ لا وجه للصحة في الثانية، لما عرفت فيما سبق من أنّ العجز المسوّغ للانتقال إلى البدل إنّما هو العجز عن طبيعي الفريضة الاختيارية الذي هو المأمور به، لا خصوص فرد منها، و إنّما يتحقق العجز عن الطبيعي مع استيعاب العذر لتمام الوقت، و إلّا فمع الارتفاع في الأثناء تكون الطبيعة مقدورة فلا مجال للانتقال إلى البدل، فزوال العذر في الأثناء يكشف عن عدم كون الفرد الاضطراري المأتي به مصداقاً للمأمور به، فلا بدّ من رفع اليد عنه و استئناف الصلاة كما هو مقتضى القاعدة في أمثال المقام ممّا لم يرد فيه دليل على كفاية العجز حين العمل كما في موارد التقية.

250
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 26لو تجددت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه ج 14ص 251

[مسألة 26: لو تجدّدت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه]

[1486] مسألة 26: لو تجدّدت القدرة على القيام في الأثناء انتقل إليه (1) [1]، و كذا لو تجدّد للمضطجع القدرة على الجلوس، أو للمستلقي القدرة على الاضطجاع، و يترك القراءة أو الذكر في حال الانتقال.

[مسألة 27: إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع]

[1487] مسألة 27: إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع، و ليس عليه إعادة القراءة، و كذا لو تجددت في أثناء القراءة لا يجب استئنافها، و لو تجددت بعد الركوع، فان كان بعد تمام الذكر انتصب للارتفاع [2] منه و إن كان قبل تمامه ارتفع منحنياً [3] إلى حدّ الركوع القيامي، و لا يجوز له الانتصاب ثم الركوع، و لو تجددت بعد رفع الرأس من الركوع لا يجب عليه القيام للسجود، لكون انتصابه الجلوسي بدلًا عن الانتصاب القيامي و يجزئ عنه، لكن الأحوط القيام للسجود عنه.

______________________________
(1) قد عرفت أنّ هذا عكس المسألة السابقة، و تفصيل الكلام في المقام على نحو يتضح به حال المسألة الآتية أيضاً، أنّه تارة يفرض الكلام في ضيق الوقت بحيث لا يسع للاستئناف، و أُخرى في سعته.

أمّا في الضيق: فالصحيح ما أفاده في المتن من الاجتزاء بما صدر منه من البدل، و الانتقال في بقيّة العمل إلى الوظيفة الاختيارية من دون حاجة إلى إعادة ما سبق، لأنّه أتى به حسب الوظيفة الفعلية، و أدلة البدلية كما تعمّ مجموع‌

______________________________
[1] هذا إنّما يتم في ضيق الوقت، و أمّا في السعة فإن أمكن التدارك بلا إعادة الصلاة كما إذا تجدّدت القدرة بعد القراءة و قبل الركوع وجب، و إلّا وجبت الإعادة في القيام الركني دون غيره، و بذلك يظهر الحال في المسألة الآتية.

[2] في وجوب الانتصاب إشكال بل منع.

[3] في وجوبه إشكال بل منع.

251
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 27إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع ج 14ص 251

..........

______________________________
العمل تشمل أبعاضها أيضاً كما مرّ، و المفروض استيعاب العذر لتمام الوقت لعدم التمكن من الاستئناف و تداركها بتمامها بعد فرض الضيق، فتكون الصلاة ملفقة من الوظيفتين الاختيارية و الاضطرارية، و مقتضى إطلاق الأدلة صحتها كما مرّ، و يجب الكفّ عن القراءة و الذكر في حال الانتقال بعد فرض التمكن من الإتيان بالواجب الأصلي الاختياري.

و هذا كله واضح لا سترة عليه، غير أنّ هناك فروعاً نبّه عليها في المسألة الآتية ينبغي التعرض لها:

منها: أنّه لو تجددت القدرة قبل الركوع، سواء أ كان أثناء القراءة أم بعدها وجب عليه القيام رعاية للركوع الاختياري المتقوّم بالانحناء عن القيام و لا يجب عليه إعادة القراءة، كما لا يجب استئنافها لو كان التجدد أثناءها، لما عرفت من صحتها بعد الإتيان بها حسب الوظيفة الفعلية، و عدم التمكن من التدارك لمكان الضيق و هذا ظاهر.

و منها: أنّه لو تجددت القدرة بعد الدخول في الركوع، فصّل الماتن (قدس سره) حينئذ بين ما إذا كان ذلك بعد تمام الذكر فيجب الانتصاب للارتفاع منه تحصيلًا للقيام بعد الركوع، و بين ما إذا كان قبل الإتمام، سواء لم يأت بالذكر أصلًا أو لم يستكمله، فيجب حينئذ أن يرتفع منحنياً إلى حدّ الركوع القيامي كي يأتي بالذكر الواجب فيه، و لا يجوز له الانتصاب ثم الركوع كي لا تلزم زيادة الركوع.

أقول: أمّا ما ذكره (قدس سره) من الانتصاب في الصورة الاولى فلا دليل عليه، لأنّ الواجب إنّما هو رفع الرأس عن الركوع إلى حدّ الانتصاب المناسب للركوع، فان كان الواجب هو الركوع عن قيام كان اللازم الانتصاب القيامي و إن كان عن جلوس لزم الانتصاب الجلوسي، و ليس الانتصاب القيامي واجباً حتى في الركوع الجلوسي بالضرورة، كما لا يجدي الانتصاب الجلوسي في الركوع‌

252
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 27إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع ج 14ص 251

..........

______________________________
القيامي، و لذا لو انتقل عن هيئة الركوع إلى الجلوس منتصباً من دون تخلل القيام لم يأت بالواجب، و لا يمكن تداركه أيضاً للإخلال بالاتصال.

و بالجملة: الواجب من القيام بعد الركوع الانتصاب عن كل ركوع بحسبه على ما تقتضيه الوظيفة الفعلية من الركوع القيامي أو الجلوسي، و حيث إنّ المفروض صحة ما صدر عنه من الركوع الجلوسي، فلا يجب في القيام المعتبر بعده إلّا الانتصاب الجلوسي على ما عرفت، فلا وجه للقيام أصلًا.

و أمّا ما ذكره في الصورة الثانية، من أنّه يرتفع منحنياً و يقوم متقوّساً إلى حدّ الركوع القيامي فهو أيضاً لا يمكن المساعدة عليه، لما تقدم غير مرّة من تقوّم الركوع بالانحناء عن قيام، و لذا قلنا بدخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع، فانّ مجرّد هذه الهيئة غير المسبوقة بالقيام ليست من حقيقة الركوع في شي‌ء، و إنّما هي على صورة الركوع و شكله، و عليه فالارتفاع متقوِّساً لا ينفع، إذ لا يتحقق معه الركوع القيامي، كما أنّ الانتصاب و الإتيان بالركوع القيامي غير جائز لاستلزامه زيادة الركوع كما صرّح به (قدس سره)، فلا مناص له من إتمام الذكر في نفس هذا الركوع الجلوسي المفروض صحته ثم الانتصاب عنه جالساً كما مرّ آنفاً ثم إتمام الصلاة حسب الوظيفة الاختيارية.

و منها: أنّه لو تجددت القدرة بعد رفع الرأس من الركوع، ذكر في المتن أنّه لا يجب عليه القيام للسجود، لكون انتصابه الجلوسي بدلًا عن الانتصاب القيامي.

و هذا هو الصحيح كما عرفت وجهه آنفاً من أنّ الانتصاب عن كل ركوع بحسبه، و المفروض أنّ وظيفته هي الركوع الجلوسي. نعم، الأحوط القيام للسجود عنه كما أشار إليه في المتن، لاحتمال دخل ذلك في السجود، لا كونه من توابع الركوع، و سيجي‌ء مزيد توضيح له في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى، هذا كله في فرض الضيق.

253
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 27إذا تجددت القدرة بعد القراءة قبل الركوع قام للركوع ج 14ص 251

..........

______________________________
و أمّا في السعة: فمقتضى إطلاق كلماتهم الحكم بالصحة هنا أيضاً، فيتم صلاته حسب الوظيفة الاختيارية و يجتزئ بها، و كأنهم اعتمدوا في ذلك على استفادة الإطلاق من أدلة البدلية، فالجزء الاضطراري مجزئ، سواء أتمكن من الاستئناف لسعة الوقت أم لا.

لكنك عرفت النقاش في ثبوت هذا الإطلاق فلا نعيد، و لذا لم نقل بإجزاء الأوامر الاضطرارية عن الواقعية، و إن قلنا بجواز البدار لذوي الأعذار.

فالتحقيق في المقام أن يقال: إنّ من تجددت له القدرة أثناء الصلاة إمّا أن يتمكن من التدارك من دون حاجة إلى الإعادة أو لا.

فالأوّل: كما لو كبّر قائماً و هو قادر ثم طرأ العجز فجلس و قرأ، ثم تجددت القدرة فقام قبل الركوع، فانّ هذه الصلاة لا نقص فيها إلّا من حيث وقوع القراءة حال الجلوس فيتداركها و يعيدها قائماً، و لا يلزم منه إلّا زيادة القراءة و الجلوس، و هي زيادة غير مبطلة، لكونه معذوراً فيها فيشملها حديث لا تعاد.

و أمّا الثاني: أعني ما يتوقف التدارك على الإعادة، فإن كان ذلك من جهة استلزام التدارك زيادة الركن وجبت الإعادة، كما لو تجددت القدرة بعد الركوع، فإنّ الوظيفة حينئذ الإتيان بالركوع القيامي، فان أتى به لزم زيادة الركوع لتكرره، و إن اقتصر على ما أتى به لزم الإخلال بالوظيفة الفعلية، فلا مناص من الإعادة.

و أمّا إذا كان ذلك من جهة الإخلال بالقيام غير الركني، كما لو طرأ العجز و هو في الركوع القيامي فجلس سواء سجد أم لا-، ثم تجددت القدرة، فإنّه قد أخلّ بالقيام الواجب بعد الركوع، و هو و إن لم يكن ركناً إلّا أنّه لا يسعه التدارك، لأنّ الواجب هو القيام المتصل بالركوع، أعني رفع الرأس عنه منتصباً لا مطلق القيام، و هذا لا يمكن تحصيله فعلًا إلّا بإعادة الركوع المستلزم لزيادة‌

254
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 28لو ركع قائما ثم عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصبا ج 14ص 255

[مسألة 28: لو ركع قائماً ثم عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصباً]

[1488] مسألة 28: لو ركع قائماً ثم عجز عن القيام فان كان بعد تمام الذكر جلس منتصباً [1] ثم سجد، و إن كان قبل الذكر هوى متقوّساً [2] إلى حدّ الركوع الجلوسي ثم أتى بالذكر (1).

______________________________
الركن، فمقتضى القاعدة حينئذ هو الإعادة.

إلّا أنّ مقتضى حديث لا تعاد عدمها، لعدم كون القيام من الخمسة المستثناة فلأجل ذلك يحكم بالصحة و سقوط اعتبار القيام بعد الركوع في هذا الحال عملًا بالحديث المزبور.

(1) فصّل (قدس سره) حينئذ بين ما إذا كان ذلك بعد تمام الذكر، فيجلس منتصباً ثم يسجد تحصيلًا للانتصاب الجلوسي الذي هو بدل عن الانتصاب القيامي الواجب بعد الركوع، و بين ما كان قبله فيهوي متقوّساً إلى حدّ الركوع الجلوسي ثم يأتي بالذكر.

و في كلا الشقين ما لا يخفى.

أمّا الأوّل: فلما عرفت قريباً من أنّ القيام بعد الركوع ليس واجباً مستقلا بنفسه، و إنّما اللازم رفع الرأس عن الركوع إلى أن يبلغ حدّ الانتصاب، فان كانت الوظيفة الركوع القيامي وجب الانتصاب قائماً، و إن كانت الركوع الجلوسي وجب الانتصاب جالساً، فلا يجب بعد أيّ ركوع إلّا الانتصاب المناسب له، فان تمكن منه و إلّا سقط بالعجز.

و حيث إنّ وظيفته في مفروض الكلام الركوع القيامي، و هو عاجز عن رفع الرأس عنه إلى حد الانتصاب القيامي، فيسقط وجوبه لا محالة بالتعذر، و لا‌

______________________________
[1] في وجوبه إشكال بل منع.

[2] في وجوبه إشكال و الأظهر عدم وجوبه.

255
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات ج 14ص 256

[مسألة 29: يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات]

[1489] مسألة 29: يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات (1)

______________________________
دليل على بدلية الانتصاب الجلوسي عن الانتصاب القيامي، لما عرفت من عدم وجوب ذاك القيام مستقلا و إنّما الواجب رفع الرأس عن الركوع، و الانتصاب عن كل ركوع بحسبه و قد سقط الانتصاب القيامي بالتعذّر، و الانتصاب الجلوسي لا يجب إلّا عن الركوع الجلوسي الذي لا مورد له في المقام.

فالأقوى عدم الحاجة إلى الجلوس منتصباً، بل يهوي إلى السجود و يتم صلاته.

و أمّا الثاني: فلأنّ أصل الركوع قد أتى به على الفرض، و لم يبق عليه إلّا الذكر الواجب حاله، غير الدخيل في حقيقة الركوع قطعاً، و هو ساقط بالتعذر و أمّا الهوي متقوّساً إلى حد الركوع الجلوسي، فان كان ذلك ركوعاً آخر فيلزم زيادة الركن، و إلّا فهو عبث لا فائدة فيه.

فالأقوى عدم الحاجة إليه، و سقوط الذكر لتعذر محله كما عرفت.

(1) تقدّم «1» التعرّض لذلك في بعض المباحث السابقة، و أشرنا إلى مستند الحكم في وجوب الاستقرار بكلا معنييه، أعني ما يقابل المشي و هو موثقة السكوني الآمرة بالكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ «2»، و ما يقابل الاضطراب من قوله (عليه السلام) «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة» «3» الظاهر في مفروغية اعتبار التمكّن و الاطمئنان فيها و من الإجماع الذي هو العمدة في المقام كما سبق.

______________________________
(1) في ص 112.

(2) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

(3) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

256
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات ج 14ص 256

و حال ذكر الركوع و السجود، بل في جميع أفعال الصلاة و أذكارها، بل في حال القنوت و الأذكار المستحبة [1]، كتكبيرة الركوع و السجود، نعم لو كبّر بقصد الذكر المطلق في حال عدم الاستقرار لا بأس به، و كذا لو سبّح أو هلّل فلو كبّر بقصد تكبير الركوع في حال الهوي له، أو للسجود كذلك، أو في حال النهوض يشكل صحته، فالأولى لمن يكبّر كذلك أن يقصد الذكر المطلق نعم، محل قوله «بحول اللّٰه و قوّته» حال النهوض للقيام.

______________________________
و هذا لا إشكال فيه، كما لا خلاف بالنسبة إلى القراءة و الأذكار الواجبة في القيام و القعود، و الركوع و السجود، و إنّما الكلام في اعتباره في الأذكار المستحبة. فعن السيّد الطباطبائي (قدس سره) في ارجوزته «1» دعوى الإجماع على اعتباره فيها أيضاً، مفسّراً اعتباره فيها بالوجوب الشرطي الذي لا ينافي الاستحباب.

و ادعاه صاحب الجواهر أيضاً «2»، مستشهداً بمقالة السيّد (قدس سره) و لم تنقل دعواه عن غيرهما.

و الاعتماد في تحققه على هذا المقدار مشكل جدّاً، سيّما و كلمات قدماء الأصحاب خالية عن التعرّض لذلك رأساً، إذ قد أهملوا التنبيه على هذا الشرط في مباحث القنوت و سائر الأذكار المستحبة، و اقتصروا فيه على الواجب منها فحسب و ليس لمعقد الإجماع إطلاق يعم المستحبات كما لا يخفى.

بل لو فرضنا وجوده، بل التصريح بالإطلاق و أنّ الاستقرار شرط في تمام‌

______________________________
[1] الظاهر عدم وجوب الاستقرار فيها و في القنوت.

______________________________
(1) الدرة النجفية: 96.

(2) الجواهر 9: 260.

257
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29يجب الاستقرار حال القراءة و التسبيحات ج 14ص 256

..........

______________________________
أجزاء الصلاة مطلقاً مع أنّه لم يوجد قطعاً لما صحّ الاعتماد عليه في انسحاب الحكم إلى المستحبات، لما عرفت فيما سبق من أنّا لا نعقل فرض الجزء الاستحبابي للمنافاة الظاهرة بين الجزئية و الاستحباب، فماهية الصلاة لا تتألف إلّا من الأجزاء الواجبة و هي ليست اسماً إلّا لها. و أمّا المستحبات فهي ليست إلّا أُموراً عبادية ظرفها الصلاة و ليست منها في شي‌ء، و إطلاق الجزء عليها مبني على ضرب من المسامحة.

و عليه فإطلاق القول باعتبار الاستقرار في الصلاة لا يراد به إلّا الأذكار الواجبة دون المستحبة، فالأقوى عدم اعتبار الاستقرار فيها.

نعم، لا يجوز له الإتيان بتكبيرة الركوع أو السجود حال الهوي إليهما، إلّا أن يقصد بها مطلق الذكر، لا لاعتبار الاستقرار فيها، و إن رتّبه عليه في المتن، بل لأنّ هذه الأذكار يختص محلها المقرر لها شرعاً بما قبل الدخول في الركوع أو السجود، أعني حال الانتصاب، فالإتيان بها في حال الهوي إتيان بها في غير محلها الموظف لها، فتبطل بمعنى عدم مطابقتها للمأمور به، بل قد يكون حراماً إذا قصد بها التشريع، و حينئذ يقع الكلام في بطلان الصلاة بها، لا من أجل صدق الزيادة القادحة، لأنّ صدق الزيادة متقوّم بقصد الجزئية، و قد عرفت آنفاً امتناع هذا القصد في المستحبات للتنافي بين الاستحباب و الجزئية، بل من جهة التكلم بالذكر المحرّم، بدعوى شمول كلام الآدمي المبطل لذلك، و سيجي‌ء التعرض له في محله مفصّلًا إن شاء اللّٰه تعالى.

و كيف كان، فالأولى لمن أراد الإتيان بها حال الهوي أن يقصد بها الذكر المطلق كما نبّه عليه في المتن. نعم، محل قوله: بحول اللّٰه و قوّته، حال النهوض للقيام، فلا يعتبر فيه الاستقرار كما هو ظاهر، و قد أشار إليه في المتن أيضاً.

258
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 30من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه ج 14ص 259

[مسألة 30: من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه]

[1490] مسألة 30: من لا يقدر على السجود يرفع موضع سجوده إن أمكنه (1) و إلّا وضع ما يصح السجود عليه على جبهته كما مرّ [1].

[مسألة 31: من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس]

[1491] مسألة 31: من يصلي جالساً يتخير بين أنحاء الجلوس (2) نعم، يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء و هو أن يرفع فخذيه و ساقيه و إذا أراد أن يركع ثنى رجليه، و أمّا بين السجدتين و حال التشهد فيستحب أن يتورّك.

______________________________
(1) فانّ اعتبار المساواة بين موقف المصلي و موضع سجوده و عدم الاختلاف أكثر من مقدار أربع أصابع شرط مختص بحال التمكّن، فيسقط اعتباره لدى العجز. و أمّا وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة، فقد تقدم أنّه على القول به يختص بالصلاة مستلقياً، و لا يعمّ مطلق العاجز عن السجود. مع أنّه لا يتم فيه أيضاً، لضعف مستنده كما مرّ مفصلًا فلاحظ «1».

(2) لإطلاق الأمر بالجلوس في النصوص. مضافاً إلى التصريح به في صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة و صفوان و ابن أبي عمير عن أصحابهم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الصلاة في المحمل، فقال: صل متربّعاً و ممدود الرجلين و كيف ما أمكنك» «2» نعم، يستحب له أن يجلس جلوس القرفصاء، و هو كما فسّره في المتن أن يرفع فخذيه و ساقيه و يجلس على أليتيه. و هذا لم يرد به نص، نعم ورد في حسنة حمران بن أعين عن أحدهما (عليهما السلام) «قال: كان أبي إذا صلى جالساً تربّع، فاذا ركع ثنى رجليه» «3» بناءً على تفسير التربّع بذلك كما هو‌

______________________________
[1] و قد مرّ أنّه لا يبعد عدم وجوبه.

______________________________
(1) ص 228، 236.

(2) الوسائل 5: 502/ أبواب القيام ب 11 ح 5.

(3) الوسائل 5: 502/ أبواب القيام ب 11 ح 4.

259
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 32يستحب في حال القيام أمور ج 14ص 260

[مسألة 32: يستحب في حال القيام أُمور]

[1492] مسألة 32: يستحب في حال القيام أُمور:

أحدها: إسدال المنكبين. الثاني: إرسال اليدين. الثالث: وضع الكفين على الفخذين قبال الركبتين، اليمنى على الأيمن و اليسرى على الأيسر. الرابع: ضم جميع أصابع الكفّين. الخامس: أن يكون نظره إلى موضع سجوده. السادس: أن ينصب فقار ظهره و نحره. السابع: أن يصفّ قدميه مستقبلًا بهما متحاذيتين بحيث لا تزيد إحداهما على الأُخرى و لا تنقص عنها. الثامن: التفرقة بينهما بثلاث أصابع مفرّجات أو أزيد إلى الشبر. التاسع: التسوية بينهما في الاعتماد العاشر: أن يكون مع الخضوع و الخشوع كقيام العبد الذليل بين يدي المولى الجليل.

______________________________
المشهور و إن لم يساعده كلام اللغويين.

ففي المجمع «1» تفسير التربّع بأن يقعد على وركيه، و يمدّ ركبته اليمنى إلى جانب يمينه، و قدمه إلى جانب يساره، و اليسرى بالعكس، و إن كان الظاهر عدم الاختصاص بهذه الكيفية، بل هي من أحد معانيه، بل قد ذكر في القاموس «2» أنّ التربع في الجلوس خلاف جثى واقعي، الظاهر في شموله لجميع الهيئات عدا الجلوس جاثياً و مقعياً، و لعل الوجه في تفسير المشهور و الحمل على ذاك المعنى كونه أنسب بمقام العبودية و الخضوع، لكونه أقرب إلى القيام و المثول بين يدي المولى.

و قد يطلق التربع على وضع إحدى القدمين على الركبة و الأُخرى تحت الفخذ و هو جلوس المتكبرين الجبابرة كما قيل، فلا يمكن إرادته من الحسنة كما لا يخفى.

______________________________
(1) مجمع البحرين 4: 331.

(2) القاموس 3: 27.

260
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 32يستحب في حال القيام أمور ج 14ص 260

..........

______________________________
و أمّا ما ذكره في المتن من استحباب أن يثني رجليه حين الركوع، و هو افتراش الرجلين تحت الفخذين، فتشهد له الحسنة المتقدمة.

و أمّا ما ذكره من استحباب التورّك حال التشهد و ما بين السجدتين فلم يرد به نص بلفظه، نعم ورد مضمونه في صحيحة زرارة «قال: و إذا قعدت في تشهّدك فألصق ركبتيك بالأرض و فرّج بينهما شيئاً، و ليكن ظاهر قدمك اليسرى على الأرض، و ظاهر قدمك اليمنى على باطن قدمك اليسرى، و أليتاك على الأرض و أطراف إبهامك اليمنى على الأرض» «1».

لكنّه كما ترى مختص بحال التشهّد، فلا دليل على التعدِّي إلى ما بين السجدتين «2»، فالأظهر فيه و كذا في جلسة الاستراحة التربع عملًا بإطلاق الحسنة المتقدمة فلاحظ.

ثم إنّ الماتن تعرّض لجملة من المستحبات حال القيام أكثرها مذكورة في صحيحة حماد و زرارة «3» الواردتين في كيفية الصلاة، و بعضها لا دليل عليها سوى روايات مرسلة أو ضعيفة لا يهمّنا التعرض لها، لسهولة الخطب في باب المستحبات، و كفاية الإتيان بها بقصد الرجاء، و اللّٰه العالِم.

______________________________
(1) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3.

(2) بل ورد ذلك في صحيحة حماد [المروية في الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1] صريحاً فلاحظ.

(3) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1، 3.

261
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

[فصل في القراءة]

فصل في القراءة يجب في صلاة الصبح و الركعتين الأولتين من سائر الفرائض قراءة سورة الحمد (1).

______________________________
(1) لا إشكال كما لا خلاف من أحد من المسلمين في وجوب قراءة القرآن في ركعتي الفجر، و كذا في الركعتين الأولتين من سائر الفرائض الثلاثية و الرباعية كما أُشير إليه في الكتاب العزيز بقوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ «1» الظاهر في الوجوب بعد الاتفاق على عدم الوجوب في غيرها.

كما لا خلاف أيضاً في تعين تلك القراءة في سورة الحمد خاصة و قد قام عليه الإجماع و التسالم، بل إنّ نقله مستفيض، بل متواتر من الأصحاب، بل من سائر فرق المسلمين، إذ لم ينقل فيه خلاف معتدّ به، بل لعله يعدّ من الواضحات و الضروريات التي لا يعتريها شوب الاشكال.

و تدل عليه أيضاً: سيرة المتشرعة بل المسلمين، فانّ المعهود منهم و المتعارف بينهم خلفاً عن سلف الالتزام بقراءة فاتحة الكتاب في الصلوات. و هذه السيرة و الالتزام منهم و إن لم تدل بمجرّدها على الوجوب، لجواز الالتزام و المواظبة على بعض المستحبات في الصلاة، كالتزام الخاصة و جريان سيرتهم على القنوت فيها، فإنّ السيرة عمل خارجي لا لسان له، إلّا أنّها بعد ضمّها بطائفة من الروايات المصرّحة ببطلان الصلاة الفاقدة للقراءة و إن لم يصرّح فيها بخصوص الحمد تدل على الوجوب، فتلك تفسّر المراد من القراءة في‌

______________________________
(1) المزمّل 73: 20.

262
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
هذه و هذه تكشف عن أنّ ما قامت عليه السيرة واجب، فيعتضد إحداهما بالأُخرى.

على أنّ بعضها مصرّحة بالحمد و ببطلان الصلاة بتركها، كصحيحة محمد بن مسلم و موثقة سماعة الآتيتين، و إليك بعض تلك النصوص:

فمنها: صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إنّ اللّٰه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود و القراءة سنّة، فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة، و من نسي فلا شي‌ء عليه» و عن محمد بن مسلم مثله، إلّا أنّه قال: «و من نسي القراءة فقد تمّت صلاته و لا شي‌ء عليه» «1».

و منها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال: إن كان متعمداً فلا صلاة له، و إن كان نسي فلا بأس» «2». فهذه الأخبار تدل على وجوب القراءة و هي تنصرف إلى المتعارف المعهود التي هي فاتحة الكتاب كما عرفت.

و تدل عليه أيضاً: الأخبار المصرّحة بوجوب قراءة الحمد خاصة و هي كثيرة.

منها: صحيحة حماد الواردة في بيان كيفية الصلاة بضميمة قوله (عليه السلام) في الذيل: «يا حمّاد هكذا صلّ» «3» الظاهر في الوجوب.

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 87/ أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 1، 2.

(2) الوسائل 6: 88/ أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 5.

(3) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

263
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

و سورة كاملة [1] غيرها بعدها (1).

______________________________
جهر أو إخفات» «1» و هي و إن لم يصرح فيها بموضع القراءة، لكنه معلوم من الخارج بالإجماع و الضرورة و السيرة، بل و صحيحة حماد كما مرّ.

و منها: موثقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب، قال: فليقل أستعيذ باللّٰه من الشيطان الرجيم إنّ اللّٰه هو السميع العليم ثم ليقرأها ما دام لم يركع، فإنه لا صلاة له حتى يقرأ بها في جهر أو إخفات فإنّه إذا ركع أجزأه إن شاء اللّٰه تعالى» «2»، و نحوها غيرها، و هي كثيرة و إن كان أسانيد جملة منها لا تخلو من الضعف، و فيما ذكرناه كفاية.

(1) على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً كما في الجواهر «3»، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، بل نسبته إلى المذهب.

و عن جملة من القدماء منهم الديلمي عدم الوجوب «4»، و قواه من المتأخرين صاحب المدارك «5»، و تبعه بعض من تأخر عنه، و إن كان القول بالوجوب بين المتأخرين أكثر و أشهر، بل لعله من المتسالم عليه في الأعصار المتأخرة. و كيف ما كان، فالمتبع هو الدليل.

و قد استدلّ على الوجوب بطائفة من الأخبار:

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) الوسائل 6: 88/ أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 4.

(2) الوسائل 6: 89/ أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.

(3) الجواهر 9: 331.

(4) المراسم: 69.

(5) المدارك 3: 347.

264
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
منها: صحيحة عبيد اللّٰه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً» «1» فانّ مفهومها ثبوت البأس و عدم جواز الاقتصار على فاتحة الكتاب عند الاختيار و عدم الاستعجال، بل لا بدّ من ضمّ السورة معها.

و نوقش فيها: بأنّ هذا اللسان من البيان أعني تعليق الحكم على عدم العجلة ممّا يناسب الاستحباب جدّاً، كما ورد نظيره في ترك الأذان من الأخبار المتضمّنة للأمر بالأذان و الإقامة مع جواز الاقتصار على الثانية إذا بادر أمراً يخاف فوته، كما في رواية أبي بصير و غيرها ممّا تقدّمت في محلها «2».

و فيه: أنّ ظاهر الأمر المستفاد من مفهوم الشرط هو الوجوب في كلا المقامين و إنّما يرفع اليد عنه و يحمل على الاستحباب في باب الأذان لقيام الدليل الخارجي على جواز تركه كما تقدم في محله «3». و حيث إنّ ذاك الدليل مفقود في المقام فلا مناص من الأخذ بظاهر الأمر.

و أضعف من ذلك: ما عن صاحب الحدائق، من دعوى أنّ ثبوت البأس أعم من التحريم «4». إذ فيه: أنّ البأس لغة هو الشدة «5» المناسبة للمنع، فهو ظاهر في الحرمة و عدم الجواز. كما أنّ عدم البأس ظاهر في الجواز و لا ينبغي التشكيك في ذلك.

______________________________
(1) الوسائل 6: 40/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 2.

(2) شرح العروة 13: 265.

(3) شرح العروة 13: 242.

(4) الحدائق 8: 122.

(5) الصحاح 3: 906، مجمع البحرين 4: 50.

265
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
فالإنصاف: أنّ دلالة الصحيحة على الوجوب تامة. نعم، يستفاد منها أنّ وجوب السورة ليس على حذو سائر الأجزاء، بل هي دونها في الاهتمام و العناية بشأنها و لذا يسقط وجوبها بمجرّد الاستعجال العرفي لأمر دنيوي أو أُخروي و لا يناط ذلك بالبلوغ حدّ الضرر أو العسر و الحرج كما في سائر الواجبات و هذا المعنى غير قابل للإنكار كما تشهد به سائر الأخبار، لكنه لا ينافي أصل الوجوب و لزوم الإتيان بها عند عدم الاستعجال، و إن كانت مرتبته ضعيفة كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها، و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوّع بالليل و النهار» «1». فانّ التقييد بالمريض يدل على عدم جواز الاقتصار على الفاتحة في حال الصحة.

و أُورد عليه: بأنّ مفهوم الوصف ليس بحجة، و من الجائز أن تكون النكتة في التعرض للمريض بخصوصه عدم تأكد الاستحباب في حقه.

و يندفع: بما حققناه في الأُصول «2» من ثبوت المفهوم له لا بالمعنى المصطلح أعني الانتفاء عند الانتفاء، بل بمعنى عدم كون الطبيعي على إطلاقه و سريانه موضوعاً للحكم، و إلّا كان التقييد لغواً محضاً، و عليه فتدل الصحيحة بمقتضى المفهوم على أنّ الموضوع لجواز الاقتصار على الفاتحة ليس هو مطلق المكلّفين و أنّ السورة واجبة على بعضهم في الجملة و هو المطلوب، إذ لا ندعي وجوبها على الإطلاق، و لذا ذكرنا آنفاً سقوطها لدى الاستعجال.

______________________________
(1) الوسائل 6: 130/ أبواب القراءة في الصلاة ب 55 ح 1.

(2) الذي حققه (دام ظله) في الأُصول حسما ضبطناه عنه و أثبته في المحاضرات ج 5 ص 127 هو اختصاص المفهوم بالوصف المعتمد على الموصوف دون غير المعتمد كما في المقام، فإنّه ملحق باللقب و خارج عن محل الكلام.

266
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و يؤيد ذلك أعني عدم الوجوب على الإطلاق و السقوط في بعض الأحوال ما في ذيل الصحيحة من جواز الاقتصار على الفاتحة أيضاً للصحيح في قضاء صلاة التطوع ... إلخ، أي في النوافل الليلية و النهارية، و المراد بالقضاء معناه اللغوي، أعني مطلق الإتيان بالشي‌ء دون المعنى المصطلح، فانّ سقوط وجوب السورة عن النوافل تعم الأداء و القضاء كما هو ظاهر.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: من غلط في سورة فليقرأ قل هو اللّٰه أحد ثم ليركع» «1» فإنّها لو لم تجب لجاز له الاقتصار على السورة المغلوط فيها فيكتفي بما أتى به و يترك الباقي، و لم يكن وجه للأمر بقراءة سورة أُخرى، الظاهر في الوجوب.

و نوقش: بأن تقييد السورة المعدول إليها بالتوحيد آية الاستحباب لعدم وجوبها بخصوصها قطعاً فيكون المراد انّ السورة الأُخرى تجزئ عن التي غلط فيها من غير دلالة لها على الوجوب بوجه.

و فيه: أنّ العدول من سورة غير التوحيد و الجحد إلى أُخرى جائز مطلقاً ما لم يبلغ النصف، و أمّا إذا تجاوزه فلا يجوز إلّا إلى التوحيد بمقتضى هذه الصحيحة، فغاية ما هناك تقييدها بصورة التجاوز عن النصف، فيتجه التقييد بالتوحيد حينئذ و يجب العدول إليها خاصة، عملًا بظاهر الأمر.

و منها: صحيحة منصور بن حازم قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «2» فإنّ النهي عن الأقل ظاهر في وجوب السورة الكاملة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 110/ أبواب القراءة في الصلاة ب 43 ح 1.

(2) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2.

267
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و ناقش فيها صاحب المدارك «1» سنداً تارة، و دلالة اخرى. أمّا السند فبمحمد ابن عبد الحميد إذ لم يرد فيه توثيق، و أمّا الدلالة، فلأنّ النهي قد تعلّق بالتبعيض و القران و حيث قد ثبت من الخارج جواز القرآن فالنهي بالإضافة إليه تنزيهي لا محالة فيكون الحال كذلك في التبعيض، و إلّا لزم استعمال اللفظ الواحد في أكثر من معنى و هو غير جائز، فغاية ما هناك كراهتهما، و هذا لا يقتضي إلّا استحباب السورة الواحدة الكاملة لا وجوبها.

و الجواب: أمّا عن السند فبما أفاده صاحب الحدائق (قدس سره) «2» و قد أجاد، و حاصله: أنّ الطعن في السند غفلة نشأت عن الاقتصار على ملاحظة عبارة العلّامة في الخلاصة التي هي عين عبارة النجاشي مع تقطيع، بحيث لو لوحظت عبارة النجاشي لارتفعت الشبهة الناشئة عن التقطيع، فإنّ العلّامة قال هكذا: محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) و كان ثقة من أصحابنا الكوفيين انتهى «3».

و ظاهر هذه العبارة رجوع التوثيق إلى الأب دون الابن، كما نبّه عليه الشهيد في تعليقته «4»، مع أنّ هذه العبارة بعينها مأخوذة عن النجاشي بإضافة قوله بعد ذلك بلا فصل: له كتاب النوادر ... إلخ «5»، فإنّ مرجع الضمير المجرور هو محمد أعني الابن الذي هو المقصود بالترجمة، حيث إنّ النجاشي لا يعنون إلّا من له كتاب، و عليه فوحدة السياق تقضي بأن يكون مرجع الضمير في قوله و كان ثقة، هو الابن أيضاً، فإنّ التفكيك بين المرجعين خارج عن أُسلوب الكلام كما‌

______________________________
(1) المدارك 3: 350.

(2) الحدائق 8: 119.

(3) الخلاصة: 257/ 882.

(4) تعليقة الشهيد الثاني على الخلاصة: 73.

(5) رجال النجاشي: 339/ 906.

268
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
لا يخفى على الأعلام. فقوله: روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) جملة معترضة، و كم لها نظير في عبارات النجاشي.

و بالجملة: فتقطيع العلامة في النقل هو الذي أوقع صاحب المدارك و قبله الشهيد (قدس سره) في الاشتباه، مع أنّ عبارة النجاشي كالصريحة في رجوع التوثيق إلى الابن «1» كما عرفت، فالمناقشة من حيث السند ساقطة.

و أمّا عن الدلالة، فعلى فرض تسليم كراهة القرآن بين السورتين و عدم حرمته مع أنّه محل الكلام، إنّما يتم ما ذكره بناءً على أن تكون الحرمة و الكراهة و كذا الوجوب و الاستحباب، معنيين مختلفين للّفظ لغة، و أمّا بناءً على ما هو التحقيق كما بيّناه في الأُصول «2» من عدم استعمال صيغة النهي و كذا الأمر إلّا في معنى واحد، و إنّما تستفاد الخصوصية من حكم العقل المنتزع من الاقتران بالترخيص في الفعل أو الترك و عدمه، فلا مجال للإشكال أصلًا، إذ النهي حينئذ لم يستعمل إلّا في معنى واحد و هو طلب الترك، و قد اقترن ذلك بالترخيص في الفعل من الخارج بالإضافة إلى القرآن، و لم يقترن بالنسبة إلى التبعيض فالالتزام بكراهة الأوّل و حرمة الثاني لا يستلزم الاستعمال في أكثر من معنى واحد بوجه.

______________________________
(1) هكذا أفاده (دام ظله) في بحثه الشريف. و لكنه اختار في المعجم 10: 297/ 6283 رجوع التوثيق إلى الأب مستظهراً ذلك من العطف بالواو في قوله «و كان ثقة إلخ» إذ لا جملة تامة قبل ذلك إلّا جملة «روى عبد الحميد إلخ» فلا بدّ و إن يكون عطفاً عليها. فلا توثيق للابن، و إن كان هو أيضاً موثقاً عنده لكونه من رجال كامل الزيارات كما صرح به في المعجم 17: 221/ 11055 غير انّه (دام ظله) عدل عنه أخيراً لبنائه على اختصاص التوثيق بمشايخ ابن قولويه بلا واسطة، فبحسب النتيجة تصبح الرواية ضعيفة.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 2: 131.

269
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و قد يناقش في دلالة الصحيحة أيضاً: بأنّ النهي عن التبعيض لا يستدعي وجوب قراءة السورة، بل غايته أنّه على تقدير الشروع فيها لا يجعلها ناقصة بل يتمها، كما لا يقارن بين سورتين، فهي ناظرة إلى المنع عن قراءة بعض السورة، و أين هذا من وجوب الإتيان بالسورة الذي هو محل الكلام.

و هي كما ترى في غاية الضعف، ضرورة أنّه على تقدير عدم وجوب السورة فقراءة بعضها غير محرّمة قطعاً، كيف و قراءة القرآن مندوب في جميع الأحوال. فلا يحتمل المنع عن قراءة البعض «1» بما هي كذلك إلّا من جهة الإخلال بقراءة السورة الكاملة المستلزم لوجوبها، فالنهي عن التبعيض في قوة الأمر بقراءة السورة الكاملة، بل هو ظاهر فيه عرفاً كما لا يخفى.

فالإنصاف: أنّ هذه الصحيحة قوية السند ظاهرة الدلالة على الوجوب.

و منها: صحيحة زرارة الواردة في المأموم المسبوق بركعتين قال (عليه السلام) فيها: «إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف إمام في نفسه بأُم الكتاب و سورة، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أُمّ الكتاب ...» إلخ «2».

فإنّ الأمر بقراءة السورة مع الفاتحة ظاهر في الوجوب، نعم لا نضايق من أنّها سيقت لدفع توهم ضمان الإمام عن المأموم مطلقاً حتى المسبوق، و أنّ‌

______________________________
(1) نعم، لا يحتمل المنع تحريماً، و أمّا تنزيهاً فلا دافع لاحتماله بعد تعلق النهي به في لسان الدليل. و بالجملة: النهي عن الأقل كما يحتمل أن يكون كناية عن لزوم الإتيان بسورة كاملة حسبما أفاده (دام ظلّه) كذلك يمكن أن يكون محمولًا على الكراهة بالمعنى المناسب للعبادة، بل قد يعضده عطف النهي عن الأكثر المحمول عنده (دام ظله) عليها، فيكون محصّل الصحيحة كراهة كل من القرآن و التبعيض.

(2) الوسائل 8: 388/ أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

270
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
الضمان خاص بالأولتين دون الأخيرتين، لكنه لا ينافي ورود الأمر في مقام التشريع و ظهوره في الوجوب كما ذكرناه. فلا وجه لدعوى وروده في مقام إبقاء مشروعية القراءة على ما هي عليه من الوجوب و الاستحباب كما لا يخفى فتأمّل.

هذه جملة الروايات التي يمكن الاستدلال بها على الوجوب. و قد عرفت أنّها قوية سنداً و دلالة.

و هناك روايات اخرى استدل بها عليه مع أنّها غير صالحة للاستدلال للخدش في السند أو الدلالة على سبيل منع الخلو.

فمنها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللّٰه الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم مع السورة؟ قال: نعم» «1».

و فيه: أنّها واردة في مقام بيان الوجوب الشرطي، أعني جزئية البسملة للسورة كجزئيتها للفاتحة. و ليست في مقام بيان وجوب السورة بعد الفاتحة و لذا لم يصرح فيها بخصوص الفريضة، مع اختصاص الحكم بها و عدم وجوبها في النافلة بلا إشكال، بل قد عرفت سقوطها عن الفريضة أيضاً في موارد الاستعجال.

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة، فقال: لا، لكل ركعة سورة» «2».

و قد رواها في الجواهر «3» عن العلاء، و هو اشتباه منه أو من النسّاخ، فانّ‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 58/ أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 5.

(2) الوسائل 6: 44/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 3.

(3) الجواهر 9: 334.

271
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
علاء لم يرو بلا واسطة إلّا عن الصادق (عليه السلام) دون الباقر إلّا بواسطة محمد بن مسلم، و هذه الرواية مروية عن أحدهما (عليهما السلام) فكلمة عن محمد بن مسلم ساقطة عن القلم جزماً و كيف كان، فهذه أيضاً قاصرة الدلالة فإنّها ناظرة إلى المنع عن القرآن، و أنّه لم تشرع لكل ركعة إلّا سورة واحدة و أما أنّ التشريع بنحو الوجوب أو الاستحباب فليست الرواية بصدده.

و منها: صحيحة محمد بن إسماعيل قال: «سألته: قلت أكون في طريق مكة فننزل للصلاة في مواضع فيها الأعراب أ يصلى المكتوبة على الأرض فيقرأ أم الكتاب وحدها، أم يصلى على الراحلة فيقرأ فاتحة الكتاب و السورة؟ قال: إذا خفت فصلّ على الراحلة المكتوبة و غيرها، و إذا قرأت الحمد و السورة أحبّ إليّ، و لا أرى بالذي فعلت بأساً» «1».

تقريب الاستدلال: ما حكاه في الوسائل عن بعض المحققين، من أنّه لولا وجوب السورة لما جاز لأجله ترك الواجب من القيام و غيره، إذ الواجب لا يزاحمه المستحب، فمع دوران الأمر بين ترك القيام و بين ترك السورة كما هو مفروض الخبر كان المتعين هو الثاني، دون التخيير الذي تضمنته الصحيحة فالحكم بالتخيير لا يستقيم إلّا مع وجوب السورة.

و فيه: أنّها على خلاف المطلوب أدلّ، لما عرفت من أنّ السورة على تقدير وجوبها ليست على حد سائر الواجبات، بل تسقط بأدنى شي‌ء حتى مجرّد الاستعجال العرفي، فمثلها لا تصلح للمزاحمة مع القيام الذي هو ركن، أو دخيل في الركن، و كذا الاستقبال و الاستقرار حيث يلزم الإخلال بكل ذلك غالباً لو صلّى راكباً.

و عليه فلا يمكن حمل الرواية على فرض الدوران بين الصلاة على المحمل‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 1.

272
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
الفاقدة للقيام و ما ذكر، و بين الصلاة على الأرض الفاقدة لمجرّد السورة، إذ حينئذ يتعين الثاني، و لا مجال للتخيير بالضرورة.

بل إنّ مفاد الصحيحة كما لعلّه الظاهر منها إنّك إذا خفت فصلّ على الراحلة، و إن لم تخف فعلى الأرض، كل ذلك على سبيل التعيين، و على التقديرين فالصلاة مع السورة أحب إليّ، و لا أرى بالذي فعلته من ترك السورة بأساً، و هذا كله كما ترى كالصريح في الاستحباب.

و منها: رواية يحيى بن أبي عمران قال: «كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم في صلاته وحده في أُمّ الكتاب، فلما صار إلى غير أُمّ الكتاب من السورة تركها؟ فقال العباسي أو العياشي كما في بعض النسخ ليس بذلك بأس، فكتب بخطه: يعيدها مرتين (أي كرر لفظة يعيدها مرّتين) على رغم أنفه يعني العباسي» «1» و رواها في الكافي «2» و التهذيب و الجواهر «3» عن يحيى بن عمران لا أبي عمران. و على التقديرين الرجل مجهول، و الرواية ضعيفة السند.

و أمّا من حيث الدلالة فهي ظاهرة في الوجوب، إذ الأمر بإعادة الصلاة الكاشف عن بطلانها لا وجه له إلّا الإخلال بالسورة المأمور بها من أجل فقدها لجزئها و هي البسملة، فلولا وجوب السورة لما اتجه الأمر بإعادة الصلاة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 58/ أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 6.

(2) الموجود في الكافي [3: 313/ 2] بطبعتيه: يحيى بن أبي عمران، و ما في التهذيب [2: 69/ 252] من حذف كلمة «أبي» سقط من قلم الشيخ أو النسّاخ، كما نبّه (دام ظله) عليه في المعجم 21: 30/ 13473، و الرجل ثقة، لكونه من رواة تفسير علي ابن إبراهيم. أذن فالرواية معتبرة و ظاهرة الدلالة، فينبغي ذكرها في عداد الطائفة السابقة.

(3) الجواهر 9: 334.

273
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و نوقش فيها: بأنّ مرجع الضمير في قوله (عليه السلام) «يعيدها» هي السورة دون الصلاة، و المراد بيان جزئية البسملة للسورة، و أنّ الفاقدة للبسملة لا تجزئ عن السورة المأمور بها، سواء أ كان الأمر وجوبياً أم استحبابياً.

و فيه: أنّ عود الضمير إلى السورة بعيد غايته و مخالف للظاهر جدّاً، فانّ المسئول عنه قضية خارجية استفتى عنها العباسي أوّلًا ثم الإمام (عليه السلام) فحكم بخلافه، و كل ذلك بطبيعة الحال بعد فراغ المصلي عن صلاته، لا حين الاشتغال بها كي يتجه الأمر بإعادة السورة خاصة، فلا يمكن التدارك بعد فرض وجود الخلل لترك البسملة عن السورة عمداً إلّا بإعادة الصلاة رأساً كما لا يخفى. و منه تعرف ضعف احتمال عود الضمير إلى البسملة.

و بالجملة: فالدلالة ظاهرة غير أنّ السند ضعيف كما عرفت، فلا تصلح للاستدلال.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللّٰه أحد و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» «1» فإنّ الأمر بالمضي ظاهر في وجوب الإتيان بالسورة.

و فيه: أنّها في مقام بيان عدم جواز العدول من التوحيد إلى سورة أُخرى في غير يوم الجمعة، لا في مقام بيان وجوب السورة، بل إنّ هذا الحكم ثابت حتى لو كانت مستحبة، و أنّه لو شرع في التوحيد لا يجوز له العدول إلى غيرها فالأمر بالمضي كناية عن عدم العدول لا عن أصل الوجوب كما لا يخفى.

و منها: غير ذلك ممّا هو ضعيف سنداً أو دلالة، فلا حاجة للتعرض إليها. و العمدة منها ما ذكرناه أوّلًا مما كانت قوية سنداً و دلالة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 153/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 2.

274
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و بإزائها روايات اخرى دلّت على عدم الوجوب و هي على طائفتين إحداهما: ما دلّت على جواز الاقتصار على الحمد و عدم وجوب ضم السورة معه. و الثانية: ما دلّت على جواز التبعيض في السورة فيكفي بعضها، و لا يجب الإتيان بسورة كاملة.

و هذه الطائفة بمجردها لا تدل على عدم الوجوب، لجواز القول بأصل الوجوب في الجملة، و إن جاز التبعيض فلا تدل على جواز ترك القراءة رأساً إلّا أن يتمم الاستدلال بها بما ادعاه شيخنا الأنصاري (قدس سره) «1» من الإجماع على عدم الفصل و إنّ من قال بالوجوب يرى عدم جواز التبعيض، كما أنّ القائل بالجواز يرى عدم الوجوب، فالقول بوجوب السورة و جواز التبعيض خرق للإجماع المركب، و حينئذ فجواز التبعيض الذي تضمنته هذه النصوص يستلزم جواز ترك السورة رأساً فيصح الاستدلال بها.

أمّا الطائفة الأُولى: فمنها صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: إنّ فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة» «2». و نحوها صحيحة الحلبي عنه (عليه السلام) «قال: إنّ فاتحة الكتاب تجزئ وحدها في الفريضة» «3».

هذا، و ربّما تحمل الصحيحتان على صورة الاستعجال و الضرورة، جمعاً بينهما و بين صحيحة أُخرى للحلبي و قد تقدّمت «4» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوف شيئاً» «5». فإنّ النسبة بين مفهوم هذه‌

______________________________
(1) كتاب الصلاة 1: 318.

(2) الوسائل 6: 39/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 1، 3.

(3) الوسائل 6: 39/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 1، 3.

(4) في ص 265.

(5) الوسائل 6: 40/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 2.

 

275
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
الصحيحة و تينك الصحيحتين نسبة الخاص إلى العام، فيقيد إطلاقهما بهذه و تحملان على صورة العجلة و الضرورة.

و هذا كما ترى لا يمكن المساعدة عليه و إن ذكره جمع من الأكابر منهم المحقق الهمداني «1» و غيره، إذ ليس هو في المقام من الجمع العرفي في شي‌ء، ضرورة أنّ حمل المطلق على المقيد إنّما يصح فيما إذا أمكن إرادته منه و جاز صرف الإطلاق إليه، لا في مثل المقام ممّا يشبه الحمل على الفرد النادر، فانّ موارد الاستعجال و الخوف «2» قليلة جدّاً، فكيف يمكن إرادتها من الإطلاق.

و بالجملة: ظاهر الصحيحتين أنّ الإمام (عليه السلام) في مقام بيان وظيفة المصلي بحسب طبعه الأوّلي، لا بلحاظ الطوارئ و العوارض الخارجية، و إلّا فبملاحظتها ربما تسقط الحمد أيضاً كما في ضيق الوقت، أو عدم التمكن من التعلم و نحو ذلك، فلا وجه لقصر النظر في ذلك على السورة فقط، فهما كالصريح في جواز الاقتصار على الحمد وحده حتى في حال الاختيار، فلا مناص من حمل البأس في مفهوم هذه الصحيحة على الكراهة، إذ الأمر دائر بين رفع اليد عن ظهوره في المنع، و بين ارتكاب التقييد في الأولتين بالحمل على الضرورة و العجلة، و لا ريب أنّ الأوّل أولى، لوجود المحذور في الثاني و عدم كونه من الجمع العرفي كما عرفت، فاستدلال صاحب المدارك «3» بهاتين الصحيحتين على عدم الوجوب في محله.

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 287 السطر 17.

(2) إذا أُضيف إليهما المريض كما هو مورد النص و عمّم الحكم لمطلق المريض و إن لم تشق عليه قراءة السورة كما سيصرح به سيدنا الأُستاذ (دام ظله) في التعليق الآتي خرج الحمل المزبور عن الندرة.

(3) المدارك 3: 348.

276
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و قد يجمع بينهما أيضاً: بالحمل على التقية، لموافقتهما لمذهب العامة «1».

و فيه: أنّ الترجيح بمخالفة العامة فرع استقرار المعارضة، و لا تعارض بعد إمكان الجمع الدلالي «2» و التوفيق العرفي بالحمل على الاستحباب كما عرفت، فلا تصل النوبة إلى الحمل على التقية.

و قد يقال أيضاً: بأنّهما مخالفتان للإجماع، فتطرحان لعدم كونهما حجة حينئذ فلا تصلحان للمعارضة مع هذه الصحيحة.

و يدفعه: أنّ جمعاً من القدماء و جملة من المتأخرين ذهبوا إلى عدم وجوب السورة كما مرّ و ستعرف، و معه كيف يمكن دعوى الإجماع.

فالإنصاف: أنّ دلالة الصحيحتين على عدم الوجوب كسندهما قوية.

و منها: صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة في أدلّة القائلين بالوجوب «3» و قد عرفت أنّها على عدم الوجوب أدلّ، و أنّ ما حكاه صاحب الوسائل عن بعض المحققين في الدلالة على الوجوب غير صحيح، لعدم صلاحية السورة للمزاحمة مع القيام عند الدوران، بل مفاد الصحيحة أنّه يصلي على الراحلة مع الخوف، و إلّا فعلى الأرض، و على التقديرين فالصلاة مع السورة أحب، و التعبير بكلمة «أحب» كالصريح في الاستحباب كما مرّ «4».

______________________________
(1) المجموع 3: 388.

(2) ضابط هذا الجمع على ما تكرر منه (دام ظله) كون الدليلين بحيث لو اجتمعا في لسان واحد و أُلقيا على العرف لم يبق أهله متحيّراً، بل جعل أحدهما قرينة على التصرّف في الآخر، كما في قوله: افعل مع قوله: لا بأس بتركه، و ليس المقام كذلك، فانّ مفاد أحد الدليلين ثبوت البأس و الآخر نفيه، و هما متهافتان عرفاً، على أنّ نتيجة هذا الجمع كراهة الاقتصار على الحمد لا استحباب السورة.

(3) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 1.

(4) في ص 272.

277
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و أمّا الطائفة الثانية: فهي عدة نصوص فيها المعتبرة و غيرها.

فمنها: صحيحة علي بن يقطين في حديث قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن تبعيض السورة، فقال: أكره و لا بأس به في النافلة» «1» دلّت على جواز التبعيض، لا لظهور لفظ الكراهة في المعنى المصطلح، فإنّه اصطلاح حادث عند الفقهاء و غير معهود في لسان الأخبار، و لم يستعمل فيها إلّا في المعنى اللغوي أعني المرجوحية المطلقة الظاهرة في التحريم لولا قيام الدليل على الجواز، بل من جهة إسناد الكراهة إلى نفسه بصيغة المتكلم، و مقابلته لنفي البأس عنه في النافلة، فإنّه ظاهر في الكراهة الشخصية، و أنّه (عليه السلام) يجتنب عن ذلك لا أنّ الحكم كذلك في الشريعة المقدسة، و إلّا لقال (عليه السلام) بدل «أكره» لا، فإنّه أخصر و أظهر، فالعدول عنه إلى هذه الكلمة ظاهر فيما ذكرناه من إرادة الكراهة الشخصية المساوقة للمعنى الاصطلاحي الملازم للجواز كما لا يخفى. نعم، لو كان التعبير هكذا «يكره» أو «مكروه» كان ظاهراً في التحريم.

و منها: مرسلة أبان بن عثمان عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته هل تقسم السورة في ركعتين؟ قال: نعم، اقسمها كيف شئت» «2» و الدلالة ظاهرة غير أنّها ضعيفة السند بالإرسال.

و منها: صحيحة سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل قرأ في ركعة الحمد و نصف سورة هل يجزئه في الثانية أن لا يقرأ الحمد و يقرأ ما بقي من السورة؟ فقال: يقرأ الحمد ثم يقرأ ما بقي من السورة» «3».

و منها: صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل قرأ‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 44/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 4.

(2) الوسائل 6: 44/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 5.

(3) الوسائل 6: 45/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 6.

278
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
سورة في ركعة فغلط، أ يدع المكان الذي غلط فيه و يمضي في قراءته، أو يدع تلك السورة و يتحول منها إلى غيرها؟ فقال: كل ذلك لا بأس به و إن قرأ آية واحدة فشاء أن يركع بها ركع» «1».

و منها: صحيحة إسماعيل بن فضل قال: «صلى بنا أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) أو أبو جعفر (عليه السلام) فقرأ بفاتحة الكتاب و آخر سورة المائدة فلمّا سلّم التفت إلينا فقال: أما إنّي أردت أن أُعلّمكم» «2».

و قد حملها المحقق الهمداني على إرادة تعليم كيفية التقية «3»، و هو كما ترى ساقط جدّاً، ضرورة عدم احتياج التقية إلى التعليم، بل يكتفى بمجرّد البيان و أنّ السورة ساقطة لدى التقيّة، و المجوّز للتبعيض على تقدير وجوب السورة الكاملة إنّما هو نفس التقيّة و واقعها لا تعليمها كما لا يخفى، فلا ينبغي الترديد في ظهور الصحيحة في إرادة تعليم الوظيفة الواقعية من جواز ترك السورة الكاملة في الصلاة، و هو و إن كان مرجوحاً و مكروهاً في نفسه، إلّا أنّ في التعليم مصلحة غالبة على هذه المنقصة تتدارك بها، بل يكون راجحاً حينئذ و قد صدرت نظائر ذلك عن الأئمة (عليهم السلام) كثيراً كما لا يخفى.

و منها: رواية سليمان بن أبي عبد اللّٰه قال: «صليت خلف أبي جعفر (عليه السلام) فقرأ بفاتحة الكتاب و آي من البقرة فجاء أبي فسئل فقال: يا بنيّ إنّما صنع ذا ليفقّهكم و يعلّمكم» «4» لكنها ضعيفة السند و يجري فيها ما سبق آنفاً من الحمل على التقيّة مع جوابه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 45/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 7.

(2) الوسائل 6: 46/ أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 1.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 288 السطر 1.

(4) الوسائل 6: 46/ أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 3.

279
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «أنه سئل عن السورة أ يصلي بها الرجل في ركعتين من الفريضة؟ قال: نعم، إذا كانت ست آيات قرأ بالنصف منها في الركعة الأُولى، و النصف الآخر في الركعة الثانية» «1» و هي و إن كانت ضعيفة السند أيضاً، لكنّها ظاهرة الدلالة على المطلوب.

و منها: رواية عمر بن يزيد قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أ يقرأ الرجل السورة الواحدة في الركعتين من الفريضة؟ قال: لا بأس إذا كانت أكثر من ثلاث آيات» «2».

و حملها على إرادة التكرّر من جنس واحد بأن يأتي بفردين من سورة واحدة في ركعتين خلاف الظاهر جدّاً، بل هو مناف للتقييد بأكثر من ثلاث آيات، إذ لا يظهر وجه للتقييد على هذا التقدير كما لا يخفى، بل المراد توزيع السورة الواحدة بقراءة بعضها في الركعة الأُولى، و الباقي في الثانية، فهي بحسب المدلول تطابق الرواية السابقة.

و منها: صحيحة الحلبي و الكناني و أبي بصير كلّهم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الرجل يقرأ في المكتوبة بنصف السورة ثم ينسى فيأخذ في أُخرى حتى يفرغ منها ثم يذكر قبل أن يركع، قال: يركع و لا يضره» «3» فإنّها ناظرة إلى من شرع في سورة ثم في أثنائها انتقل غفلة إلى سورة اخرى، إمّا لمشابهة بعض آيات السورتين كما قد يتفق كثيراً أو لغير ذلك، فقرأ الصدر من سورة و الذيل من سورة أُخرى ثم تذكر ذلك قبل الركوع، فحكمه (عليه السلام) بالركوع و أنّه لا يضرّه، مع أنّه لم يقرأ سورة تامّة يدل على جواز التبعيض‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 46/ أبواب القراءة في الصلاة ب 5 ح 2.

(2) الوسائل 6: 47/ أبواب القراءة في الصلاة ب 6 ح 3.

(3) الوسائل 6: 101/ أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 4.

 

 

280
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و حملها على نسيان الباقي من السورة التي بيده و الانتقال إلى سورة أُخرى تامّة بعيد جدّاً، إذ ظاهرها أنّ الأخذ في الأُخرى مستند إلى النسيان و مبني عليه كما هو مقتضى فاء التفريع «1» في قوله «فيأخذ».

و يبعّده أيضاً: قوله: «حتى يفرغ منها» الظاهر بضميمة قوله «ثم يذكر» في استمرار النسيان و الذهول عن الانتقال إلى الفراغ من السورة، فإنّه لا يلائم إلّا مع المعنى الذي ذكرناه كما لا يخفى.

و منها: صحيحة علي بن جعفر قال: «سألته عن الرجل يفتتح سورة فيقرأ بعضها ثم يخطئ و يأخذ في غيرها حتى يختمها ثم يعلم أنّه قد أخطأ، هل له أن يرجع في الذي افتتح و إن كان قد ركع و سجد؟ قال: إن كان لم يركع فليرجع إن أحبّ، و إن ركع فليمض» «2» فإنّها ظاهرة في المعنى الذي قدّمناه. و قوله (عليه السلام) «إن أحب» كالصريح في جواز التبعيض كما لا يخفى.

هذه مجموع الروايات التي استدلّ بها على عدم الوجوب من كلا النوعين. أعني ما كان صريحاً فيه، و ما دلّ على جواز التبعيض المستلزم لذلك بالتقريب المتقدم، و مقتضى الجمع العرفي بينها و بين الطائفة التي ذكرناها أوّلًا ممّا كان ظاهراً في الوجوب، هو الحمل على الاستحباب كما هو مقتضى الصناعة في جميع الأبواب من رفع اليد عن ظهور أحد الدليلين بصراحة الآخر، فانّ الطائفة السابقة ظاهرة في الوجوب، و هذه صريحة في الجواز، فيرفع اليد عن ظهور‌

______________________________
(1) التفريع لا يقتضي أكثر من أن سبب انتقاله إلى السورة الأُخرى هو نسيانه لتتمة السورة الأُولى، و أمّا أنّ انتقاله هذا كان مستنداً إلى الاشتباه و النسيان أيضاً فلا يدل عليه بوجه، بل لعل منصرف الأخذ هو الشروع من الأوّل دون الوسط. و منه يظهر النظر في المبعّد الذي ذكره (دام ظله).

(2) الوسائل 6: 89/ أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 3.

281
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
تلك بصراحة هذه و تحمل على الاستحباب، إلّا أنّه ربما يناقش في ذلك في خصوص المقام من وجهين:

أحدهما: سقوط الطائفة الثانية عن الحجية باعراض المشهور عنها، فلا تصلح للمعارضة مع الطائفة الأُولى الظاهرة في الوجوب.

و فيه أوّلًا: ما ذكرناه في الأُصول من منع الكبرى، و أنّ الإعراض لا يسقط الصحيح عن الحجية، كما أنّ العمل لا ينجبر به الضعف «1».

و ثانياً: على تقدير التسليم فالصغرى ممنوعة، فانّ الإعراض إنّما يورث الوهن لكشفه عن خلل في السند فلا يوثق بصدوره، و لذا قيل كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض وهناً و بعداً. و لا ينبغي الريب في حصول الوثوق بصدور جملة من هذه الأخبار، كيف و هي من الكثرة بمكان تتجاوز حدّ الاستفاضة، و رواة أكثرها من أعاظم الأصحاب كزرارة و محمد بن مسلم و أضرابهما. و قد ضبطها أرباب الحديث في مجاميعهم، بل قد أفتى جم غفير من أساطين الأعلام بمضمونها من القدماء و المتأخرين، كالشيخ في النهاية «2»، و العلّامة في المنتهي «3» و المحقق في المعتبر «4»، و الديلمي في المراسم «5»، و كذا ابن أبي عقيل و الإسكافي «6» و قواه في‌

______________________________
(1) مصباح الأُصول 2: 240، 241.

(2) النهاية: 75.

(3) انظر المنتهي 1: 272 [و لكن عبارة المنتهي صريحة في الوجوب و إن نسب الاستحباب إليه جماعة من الأعلام].

(4) المعتبر 2: 173.

(5) المراسم: 69.

(6) حكاه عنه في المختلف 2: 161، [و لم نعثر على قول ابن أبي عقيل و الموجود في المختلف و غيره أنّه قائل بالوجوب].

282
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
التنقيح «1»، و اختاره في المدارك «2» و السبزواري في الذخيرة و الكفاية «3» و صاحب المفاتيح «4» و غيرهم.

نعم، القول بالوجوب أكثر و أشهر، و لكن القائل بالعدم أيضاً كثير كما عرفت، و معه كيف يمكن دعوى الوثوق بعدم صدور هذه الأخبار و هي بمرأى منهم و مسمع، بل إنّ النفس تطمئن بصدور جملة منها فضلًا عن الوثوق به كما لا يخفى. و الإعراض إنّما يوجب الوهن لو كانت الرواية واحدة أو اثنتين ممّا يوجب سلب الوثوق بالصدور لكشفه عن خلل في السند كما مرّ، لا ما إذا كانت بهذه المثابة من الكثرة.

ثانيهما: أنّها موافقة لغير مذهبنا فتحمل على التقية.

و يردّه: ما هو المقرّر في محلّه من أنّ الترجيح بالجهة فرع استقرار المعارضة المتوقف على امتناع الجمع الدلالي «5»، و هو ممكن في المقام بالحمل على الاستحباب الذي به يحصل التوفيق العرفي بين الطائفتين كما هو المطرد في جميع الأبواب فلا تصل النوبة إلى الترجيح المزبور، و لذا لو أغضينا النظر عن موافقة الجمهور لإحدى الطائفتين، و عن ذهاب المشهور إلى الأُخرى، و قصرنا النظر على نفس مدلولهما فحسب، لجمعنا بينهما بالحمل على الاستحباب بلا ارتياب كما هو الحال في سائر الأبواب.

فالإنصاف: أنّ المناقشتين ضعيفتان، و مقتضى الصناعة هو الالتزام باستحباب‌

______________________________
(1) التنقيح 1: 198.

(2) المدارك 3: 347.

(3) الذخيرة: 268 السطر 42، الكفاية: 18 السطر 22.

(4) المفاتيح: 1: 131.

(5) مصباح الأُصول 3: 376.

283
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

إلّا في المرض و الاستعجال (1) فيجوز الاقتصار على الحمد، و إلّا في ضيق الوقت أو الخوف و نحوهما من أفراد الضرورة، فيجب الاقتصار عليها و ترك السورة.

______________________________
السورة، إلّا أنّه مع ذلك كلّه ففي النفس منه شي‌ء، و الجزم به مشكل جدّاً لمخالفته مع الشهرة الفتوائية و الإجماعات المنقولة على الوجوب كما تقدّمت «1» من أعاظم الأصحاب و قد عرفت قوة الاشتهار به سيّما بين المتأخرين، بل كادت تبلغ الإجماع لديهم كما مرّ، و ليس من الهيّن رفضها و عدم الاعتناء بها فالمسألة لا تخلو عن الاشكال، و لا نجد في المقام أجدر من التوقف و الاحتياط الذي هو سبيل النجاة و حسن على كل حال، و اللّٰه سبحانه أعلم.

(1) بناءً على وجوب السورة كما هو الأحوط على ما عرفت، فلا ريب في سقوطها في موارد:

منها: المأموم المسبوق إذا خاف عدم إدراك الإمام في الركوع، و يدلُّ على السقوط فيه صحيحة زرارة المتقدمة في أدلة القول بالوجوب «2».

و هذا لا إشكال فيه كما لا خلاف، إنّما الكلام في أنّ السقوط هل هو على وجه العزيمة أو الرخصة؟

الظاهر هو الأوّل، بل لا ينبغي الريب فيه، لمنافاة القراءة مع المتابعة الواجبة سواء أ كان وجوبها شرطيّاً كما هو المختار أم نفسياً كما عليه الماتن، فالإتيان بها إمّا موجب للإثم، أو مخلّ بشرط الجماعة و على التقديرين فهي ليست جزءاً من الصلاة، نعم بناءً على جواز العدول إلى الفرادى في الأثناء فالسقوط رخصة فيجوز له الإتيان بها بقصد الجزئية بعد تحقق القصد المزبور المرخّص فيه. و تمام‌

______________________________
(1) في ص 264.

(2) الوسائل 8: 388/ أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

284
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
الكلام في مبحث الجماعة إن شاء اللّٰه تعالى.

و منها: حال المرض، و لا إشكال أيضاً في السقوط فيه، للتصريح به في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة: «يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة بفاتحة الكتاب وحدها» «1».

إنّما الكلام في جهتين: إحداهما: أنّ السقوط هل هو على وجه الرخصة أو العزيمة؟

الظاهر هو الثاني فيما لو أراد الإتيان بها بقصد الجزئية، لمنافاة الجزئية مع فرض السقوط، فمع الالتزام بسقوطها حال المرض كما تضمنه الصحيح المتقدم لا يعقل أن يكون جزءاً في هذا الحال، فانّ الجزء ما يتقوّم به المأمور به و لا يسوغ تركه لانتفاء المركّب بفقده، فكيف يجتمع ذلك مع الحكم بالسقوط المستلزم لجواز الترك، و عليه فالإتيان بها بقصد الجزئية تشريع محرّم، فيكون سقوطها على وجه العزيمة لا محالة.

نعم، لو أُريد بها قصد القرآن دون الجزئية، أو أتى بها بعنوان الجزء المستحب كما عبّر به في كلماتهم، المبني على ضرب من التوسع و المسامحة كما لا يخفى، كان السقوط حينئذ على وجه الرخصة، و الوجه فيه ظاهر.

الثانية: هل السقوط في هذا الحال يختص بحصول المشقة في فعلها فلا سقوط بدونها أو لا؟ ظاهر جمع منهم المحقق الهمداني (قدس سره) الأوّل، و علله (قدس سره) بأنّ ذلك مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع «2».

أقول: قد يكون الأمر كذلك في بادئ النظر، لكن الظاهر خلافه، إذ المريض‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 40/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 5.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 288 السطر 28.

285
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
بأيّ مرحلة فرضناه حتى المصلي مستلقياً لا مشقة عليه غالباً في التكلم بسورة يسيرة كالتوحيد مثلًا سيّما مع عدم احتياجه إلى مئونة الإسماع، لعدم كون المخاطب من البشر. نعم، ربما يفرض شدّة المرض بمثابة يشق عليه ذلك أيضاً لاقترانه بثقل في لسانه، أو استيلاء المرض شديداً بحيث يصعب عليه حتى تلك التلاوة اليسيرة، لكنه فرض نادر جدّاً «1» لا يمكن حمل الإطلاق عليه، فالأقوى في النظر تعميم السقوط لصورتي المشقة و عدمها، عملًا بإطلاق الدليل بعد امتناع حمله على الفرد النادر، و من الجائز أن تكون الصحة دخيلة في ملاك الوجوب كما يقتضيه الإطلاق، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

و منها: موارد الاستعجال و الخوف، و يدلُّ على السقوط فيهما صريحاً صحيح الحلبي المتقدم: «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئاً» «2».

و الكلام هنا من حيث كون السقوط على وجه الرخصة أو العزيمة، و أنّ الحكم يختص بحال المشقة أم لا، هو الكلام فيما تقدّم في المريض حرفاً بحرف، فهو على وجه العزيمة مع قصد الجزئية، و على وجه الرخصة بقصد القرآن، كما أنّه يعم صورتي المشقة و عدمها عملًا بإطلاق النص، إذ فرض بلوغ العجلة و الخوف مثابة يشق عليه التأخير حتى بمقدار قراءة سورتين قصيرتين لا يستوجبان من الزمان أكثر من دقيقة واحدة بل أقل، فرض نادر جدّاً لا يمكن حمل الإطلاق‌

______________________________
(1) غير خفي أنّ مناسبة الحكم و الموضوع التي ادّعاها المحقق الهمداني (قدس سره) تكون كقرينة متصلة تستوجب الاختصاص بهذا الفرض و إن قل و ندر، إذ ليت شعري كيف يحتمل سقوط السورة عن المريض الذي ينفعه التكلم أو لا يضره و لا ينفعه، لعدم ارتباطه به بوجه، فلا مناص من أن يراد به من يشق التكلم عليه. و من البيّن أنّه لا مانع من الحمل على الفرد النادر إذا اقتضته القرينة.

(2) الوسائل 6: 40/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 2.

286
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
عليه كما مرّ.

ثم إنّ السقوط بمجرد الاستعجال العرفي و إن لم يبلغ حدّ المشقة لا ينافي أصل الوجوب، كما ربما يتوهم، إذ لا غرابة في ذلك بعد مساعدة الدليل، و من الجائز أن يختص ملاك الوجوب بغير صورة العجلة، و قد وقع نظيره في القصر و الإتمام فالركعتان الأخيرتان من الرباعية تسقطان لدى السفر و إن كان السفر باختياره و لم تكن حاجة تدعو إليه و لا مشقة في صلاة المسافر تاماً، فكما أنّ ملاك وجوب التمام مقيّد بعدم السفر سواء أ كانت هناك مشقة أم لا، فليكن ملاك وجوب السورة أيضاً مقيداً بعدم العجلة من غير فرق بين المشقة و عدمها.

و منها: ضيق الوقت، و لا خلاف أيضاً في سقوطها به. و تفصيل الكلام أنّه قد يفرض الضيق بالنسبة إلى مجموع الصلاة فلا يمكنه درك تمام الصلاة في الوقت مع القراءة، و أُخرى يفرض بالنسبة إلى الركعة الواحدة، فلو قرأ السورة لا يدرك من الوقت حتى مقدار الركعة الواحدة.

أمّا في الصورة الاولى: فلا محالة تقع المعارضة بين دليل الوقت و بين دليل وجوب السورة، و حيث إنّ الدليل الأوّل له إطلاق يعم حال التمكن من السورة و عدمه، كقوله تعالى أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ ... «1» إلخ و قوله (عليه السلام): «إذا زالت الشمس فقد وجبت الصلاتان إلّا أنّ هذه قبل هذه، ثم إنّك في سعة منهما حتى تغيب الشمس ...» إلخ «2» و ليس كذلك الثاني، إذ ليس في أدلّة السورة ما يتضمن إطلاقاً يصح التعويل عليه، فانّ عمدتها مفهوم صحيحة الحلبي المتقدمة «3» و لا ريب أنّها ناظرة إلى المتمكن من السورة و أنّه في فرض التمكّن‌

______________________________
(1) الإسراء 17: 78.

(2) الوسائل 4: 126/ أبواب المواقيت ب 4 ح 5، (نقل بالمضمون).

(3) الوسائل 6: 40/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 2.

287
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
تجب إن لم تكن عجلة و إلّا فتسقط، فلا إطلاق لها لغير المتمكن كي تعمّ المقام و كذا الحال في صحيحة عبد اللّٰه بن سنان «1» و معاوية بن عمار «2» و غيرهما فإنّها بأجمعها ناظرة إلى صورة التمكّن. و عليه فلا مناص من تقديم الدليل الأوّل فتسقط السورة حينئذ لعدم التمكّن منها بعد وجوب مراعاة الوقت، بل إنّ سقوطها على وجه العزيمة أيضاً، فليس له الإتيان بالسورة، لاستلزامه التعجيز الاختياري بالنسبة إلى الوقت الأوّلي الذي هو محرّم عقلًا، و لا مجال للتمسك بدليل من أدرك في مثل ذلك كما لا يخفى.

و أمّا في الصورة الثانية: فقد يقال إنّ الحال أيضاً كذلك، فانّ وجوب مراعاة الوقت الاختياري ساقط بالعجز حسب الفرض، و بما أنّه متمكن من إدراك الركعة فتنتقل الوظيفة إلى مراعاة الوقت الثانوي الذي هو بدل اضطراري فهو مكلف بالصلاة في الوقت بعد ملاحظة دليل التوسعة، فتقع المعارضة حينئذ بين هذا الدليل و بين دليل وجوب السورة، و حيث إنّ الثاني لا إطلاق له يعمّ المقام كما مرّ بخلاف الأوّل، فيتقدم فيجب إدراك الركعة و إن استلزم ترك السورة لقصور دليلها عن إثبات الوجوب في الفرض.

و فيه: أنّ دليل وجوب السورة و إن لم يكن له إطلاق كما ذكر، إلّا أنّه لا مجال للتمسك بدليل من أدرك أيضاً، فإنّه يشبه التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ الدليل يختص لا محالة بالمتمكن من إدراك الركعة، و صدقه في المقام يتوقف على عدم وجوب السورة كي لا تكون دخيلة في الركعة التامة، مع أنّه بعد أوّل الكلام، إذ من الجائز وجوبها واقعاً و إن كان الدليل عليه في مرحلة الإثبات قاصراً، و مع احتمال الدخل كيف يمكن التمسك بإطلاق من أدرك، و من‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 40/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 5.

(2) الوسائل 6: 110/ أبواب القراءة في الصلاة ب 43 ح 1.

288
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
المعلوم عدم تعرض هذا الدليل لمصداق الركعة و الأجزاء المعتبرة فيها، و هل التمسك به إلّا من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

و بالجملة: كما لا إطلاق لدليل السورة، لا إطلاق لدليل الوقت أيضاً فتوجّه التكليف إليه بالصلاة في الوقت مشكوك من أصله، لاحتمال سقوطها عنه و الانتقال إلى القضاء، كما في فاقد الطهورين، و حينئذ قد يبدو في النظر ما احتمله المحقق الهمداني من لزوم الجمع بين الأداء و القضاء، عملًا بالعلم الإجمالي بوجوب أحدهما «1»، لكن الأقوى تعيّن الأداء، فيأتي بركعة خالية عن السورة في الوقت و يتم الصلاة خارجه، و لا حاجة إلى القضاء و ذلك نتيجة الجمع بين أُمور ثلاثة:

أحدها: ما دلّ على عدم سقوط الصلاة بحال، من الإجماع و الضرورة و خصوص صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من قوله (عليه السلام) «فإنّها لا تدع الصلاة بحال» «2» كما مرّ التعرض لها غير مرّة.

ثانيها: ما هو المعلوم من عدم كون السورة و لو قلنا بوجوبها من مقوّمات الصلاة و أركانها، و عدم دخلها في حقيقتها و ماهيتها، فيصدق اسمها على الفاقد لها بالضرورة، بل يظهر من حديث التثليث أنّ قوامها بالطهور و الركوع و السجود، فصدق الصلاة كصدق الركعة لا يتوقف على الاشتمال على السورة قطعاً، فيشملها دليل عدم سقوط الصلاة بحال.

و نتيجة هذين الأمرين أنّ من تمكن من الصلاة في الوقت و إن كانت فاقدة السورة وجبت، و بعد ضمهما إلى الأمر الثالث و هو حديث من أدرك، الموجب لاتساع الوقت، ينتج ما ذكرناه من وجوب الصلاة فعلًا، و التكليف نحوها‌

______________________________
(1) انظر مصباح الفقيه (الصلاة): 288 السطر 33.

(2) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5 (نقل بالمضمون).

289
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

و لا يجوز تقديمها عليها (1).

______________________________
بإيقاع ركعة و إن خلت عن السورة في الوقت و إتمامها خارجه و احتسابها أداءً.

أمّا صدق الصلاة فبمقتضى الأمر الثاني، و أمّا وجوبها فبمقتضى الأمر الأوّل، و أمّا كونها في الوقت فللأمر الثالث، لما عرفت من أنّ صدق الركعة لا يتوقف على الاشتمال على السورة، فلا مجال للتأمل في شمول الحديث للمقام و ليس ذلك من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في شي‌ء، و مع ذلك فالاحتياط بضم القضاء لا ينبغي تركه.

(1) اتفق الفقهاء على وجوب تقديم الحمد على السورة، فلو خالف الترتيب عمداً بطل، و هذا ممّا لا خلاف فيه فتوى، إنّما الكلام في مستنده.

فقد استدل له بسيرة المسلمين و التابعين، بل المعصومين أنفسهم (عليهم السلام) فانّ المعهود عنهم خلفاً عن سلف مراعاة الترتيب.

و فيه: أنّ فعلهم (عليهم السلام) لا يدل على الوجوب. و منه يظهر الحال في السيرة فإنّها لا تكشف إلّا عن أصل الجواز، و غاية ما يترتب على المواظبة و الاستدامة منهم على عمل إنّما هو رجحانه و استحبابه دون الوجوب، إذ كثيراً ما نرى استمرارهم و اهتمامهم بالنسبة إلى الأُمور المستحبة كما لا يخفى.

و استدلّ له في المستند «1»: بصحيحة محمد بن مسلم «2» المتقدمة راوياً لها «يبدأ» بدل «يقرأ» لكن الموجود في الوسائل و الحدائق «3» «يقرأ» كما تقدم‌

______________________________
(1) المستند 5: 98.

(2) الوسائل 6: 37/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 1.

(3) الحدائق 8: 92.

290
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

فلو قدّمها عمداً بطلت الصلاة للزيادة العمدية إن قرأها ثانياً [1]، و عكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها (1).

______________________________
و الظاهر أنّه الصحيح «1»، و لا أقل من اختلاف النسخ و عدم الوثوق بالصحيح منها، فتسقط عن الاستدلال.

و يظهر من الجواهر أنّ النسخة التي عنده كانت «يبدأ» أيضاً كما في المستند لتعبيره بروايات البدأة بصيغة الجمع، مع أنّها ليست إلّا اثنتين كما ستعرف فلولا أنّه (قدس سره) يرى أنّ الصحيحة ثالثة لهما لم يحسن منه التعبير المزبور.

و كيف كان، فالأولى الاستدلال عليه بصحيحة حماد «2»، حيث تضمنت تقديم الحمد على السورة بضميمة قوله (عليه السلام) في الذيل «يا حماد هكذا صلّ» الظاهر في الوجوب. و بموثقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب إلى أن قال فليقرأها ما دام لم يركع، فإنّه لا قراءة حتى يبدأ بها في جهر أو إخفات» «3».

و بخبر الفضل بن شاذان المشتمل على التصريح بالبدأة بالحمد «4» لكنه ضعيف السند، لضعف طريق الصدوق إلى الفضل، فلا يصلح إلّا للتأييد. و العمدة ما عرفت من صحيحة حماد و الموثقة، فلا إشكال في الحكم.

(1) الإخلال بالترتيب تارة يكون عن عمدٍ، و أُخرى عن سهو.

______________________________
[1] الظاهر صدق الزيادة العمدية و إن لم يقرأها ثانياً.

______________________________
(1) بل الظاهر أنّ الصحيح ما في المستند، لتطابقه مع الكافي الذي هو أضبط، لاحظ الكافي 3: 317/ 28.

(2) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 6: 38/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 2، 3.

(4) الوسائل 6: 38/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 2، 3.

291
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
أمّا في صورة العمد، فتارة يأتي بالسورة قبل الحمد بقصد الجزئية، و أُخرى بقصد الوظيفة الشرعية، و ثالثة بقصد القرآن أو مطلق الذكر.

لا ريب في البطلان في الصورة الأُولى، للزوم الزيادة العمدية المبطلة بمجرّد الشروع في السورة قاصداً بها الجزئية، سواء أتداركها بعد ذلك و أتى بها بعد الحمد ثانياً أم لا، فانّ قوام الزيادة بالإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية و لم يكن بجزء واقعاً، و هذا العنوان صادق من أوّل الأمر، و لا يناط ذلك بالإتيان بالوجود الثاني من الطبيعة كما يظهر من المتن و غيره، بل الحال كذلك حتى لو قلنا باستحباب السورة، لعدم الفرق في صدق الزيادة بالمعنى المتقدم بين الوجوب و الاستحباب، كما لو قنت في الركعة الأُولى بقصد الجزئية.

و لو لم يتم ما ذكرناه من صدق الزيادة من الأوّل، و توقف صدقها على الإتيان بالوجود الثاني كما ذكره في المتن، لم يكن وجه للحكم بالبطلان في المقام إذ المستفاد من أدلة الزيادة أنّ المبطل منها إنّما هو إحداث الزائد لا إحداث صفة الزيادة لما سبق، فلا يتحقق البطلان إلّا إذا أوجد الزائد متصفاً من أوّل حدوثه بصفة الزيادة، كما لو أتى بعد الانتهاء عن الجزء المأمور به بفرد ثانٍ من الطبيعة، و أمّا إذا ارتكب عملًا أوجب اتصاف السابق بالزيادة كما في المقام فلا دليل على البطلان. و لذا لو شرع في بعض كلمات الآية و قبل استكمالها بدا له في العدول لداع من الدواعي فرفع اليد عنها ثم استأنفها كما لو قال: أيا ثم قال: إياك نعبد لا يحكم بالبطلان، لأنّه أحدث صفة الزيادة للسابق، لا أنّه أحدث الزائد.

و بالجملة: فتعليل الحكم بالبطلان في المقام بلزوم الزيادة العمدية إن قرأها ثانياً و عكس الترتيب الواجب إن لم يقرأها كما فعله في المتن غير وجيه، بل الصحيح تعليله بلزوم الزيادة العمدية من أوّل الأمر، سواء قرأها بعد ذلك أم لا كما عرفت.

292
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
و أمّا الصورة الثانية: أعني ما لو قدّم السورة بعنوان الاستحباب و الوظيفة الشرعية دون أن يقصد بها الجزئية، فأدلة الزيادة العمدية غير شاملة لمثل ذلك، لما عرفت من تقوّمها بقصد الجزئية المنفي في الفرض، فلا بطلان من هذه الجهة. نعم، هو تشريع محرّم كما لو قنت في الركعة الأُولى بقصد الوظيفة الشرعية.

و هل يوجب ذلك البطلان في المقام؟ تقدم الكلام حوله سابقاً «1»، و قلنا إنّه قد يقال به بدعوى عدم شمول ما دلّ على نفي البأس من قراءة القرآن في الصلاة لمثله، لانصرافه إلى القراءة المحللة دون المحرّمة، فيندرج ذلك تحت عمومات مبطلية التكلم في الصلاة.

و فيه: ما عرفت من أنّ المبطل خصوص كلام الآدمي لا مطلق الكلام و القراءة المزبورة لا تخرج بالحرمة عن القرآنية حتى تندرج في كلام الآدمي فهو قرآن محرّم كقراءة سور العزائم المحرّمة على الجنب و الحائض، و ليس من كلام الآدمي في شي‌ء.

و بالجملة: أدلة استحباب القراءة و إن لم تشمل هذا الفرد إلّا أنّ أدلة مبطلية الكلام أيضاً غير شاملة له، و المرجع في مثله أدلة البراءة عن المانعية.

فالأقوى في هذه الصورة عدم البطلان و إن كان آثماً، فيأتي بالسورة بقصد الجزئية بعد الحمد، و معه يحصل الترتيب.

و أمّا الصورة الثالثة: أعني ما لو قدّم السورة لا بقصد الجزئية و لا الوظيفة الشرعية، بل بقصد القرآن، فلا وجه حينئذ للبطلان إلّا إذا بنينا على حرمة القرآن بين السورتين، و عمّمناه لمثل المقام ممّا وقع فيه الفصل بين السورتين بالحمد كما ربّما يؤيده إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة منصور المتقدمة: «لا تقرأ‌

______________________________
(1) في ص 27.

293
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

و لو قدّمها سهواً و تذكّر قبل الركوع أعادها بعد الحمد أو أعاد غيرها و لا يجب عليه إعادة الحمد إذا كان قد قرأها (1).

______________________________
في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «1»، الشامل لصورتي الفصل و الوصل و عمّمناه أيضاً لإعادة السورة نفسها لو أُعيدت نفسها في المقام.

إلّا أنّك ستعرف إن شاء اللّٰه تعالى في محلّه أنّ الأقوى كراهة القرآن لا حرمته و أمّا التعميم الأوّل فلا يخلو عن وجه دون الثاني، و تمام الكلام في محله، فالأظهر عدم البطلان.

(1) تقدّم الكلام في الإخلال العمدي بالترتيب، و أمّا لو أخلّ به سهواً فان كان التذكّر بعد الدخول في الركوع فلا شي‌ء عليه، لمضي محل القراءة المعتبر فيها الترتيب، فيشملها حديث لا تعاد، لعدم كون الترتيب من الخمسة المُستثناة «2» و هذا واضح.

و إن كان قبل الدخول في الركوع، فقد يكون التذكّر أثناء السورة، و أُخرى بعد الفراغ منها، و ثالثة بعد الدخول في الحمد، سواء تذكّر أثناءها أم بعد الفراغ منها.

أمّا الأوّل: فلا إشكال في الصحة، فإنّ ما تقدم من السورة زيادة سهوية غير مبطلة، فيأتي بالحمد و بعده بالسورة و هذا ظاهر.

و أمّا الثاني: فمقتضى القاعدة لزوم إعادة السورة بعد الحمد، فانّ السورة المأتي بها حيث لم تقع على وجهها لمخالفة الترتيب فهي كالعدم، و قد عرفت أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2.

(2) و إن شئت فقل: إنّ مرجع الإخلال المزبور إلى نقص السورة و زيادتها، و كلاهما مشمول للحديث.

294
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
الزيادة السهوية غير مبطلة، و مقتضى إطلاق أدلّة الترتيب بعد فرض بقاء المحل وجوب إعادة السورة بعد الحمد و عدم الاكتفاء بما سبق، إذ لا دليل على سقوط السورة حينئذ.

إلّا أنّ في المقام رواية ربما يظهر منها الاجتزاء بما سبق، فلا يجب عليه إلّا الحمد فقط، فكأنّ الترتيب شرط ذكرى يسقط لدى السهو، و هي رواية علي ابن جعفر قال: «سألته عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة قال: يمضي في صلاته و يقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل» «1».

و حملها صاحب الوسائل على من تذكّر بعد الركوع، و هو كما ترى، لكونه مخالفاً لما لعله يقرب من صريح الرواية لقوله «ثم ذكر بعد ما فرغ من السورة» فإنّه كالصريح في كون التذكّر قبل الدخول في الركوع، بل قبل الشروع في الفاتحة.

و أجاب في الجواهر «2»: بأنّ ظاهرها قراءة الفاتحة فيما يستقبل من الركعات بدلًا عن هذه الركعة، و هو مخالف للإجماع، فظاهرها غير ممكن الأخذ، و التأويل لا شاهد عليه فتطرح.

و فيه: ما لا يخفى، فانّ قوله (عليه السلام) «فيما يستقبل» غير ظاهر في إرادة الركعات الآتية كي يخالف الإجماع، بل ظاهره ما يستقبله في الآن اللّاحق للتذكر و في نفس هذه الركعة، فيمضي في صلاته و يأتي بالفاتحة حسب ما تقتضيه الوظيفة الفعلية، لبقاء محلها ما لم يركع، فغايته سقوط رعاية الترتيب لا سقوط الفاتحة عن هذه الركعة.

و قد يقال: إنّها ظاهرة في إرادة المضي في الصلاة و الإتيان بالفاتحة، و بعدها‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 89/ أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 4.

(2) الجواهر 9: 343.

295
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القراءة ج 14 ص 262

..........

______________________________
بالسورة حسبما تقتضيه الوظيفة من مراعاة الترتيب بينهما، فلا دلالة فيها على سقوط السورة و الاجتزاء بما سبق كي تخالف القاعدة.

و فيه: أنّ هذا أيضاً خلاف الظاهر و بعيد عن سياقها جدّاً، فانّ ظاهرها الاقتصار على الحمد فحسب كما لا يخفى.

فالإنصاف: أنّ دلالة الرواية على الاجتزاء بما سبق من السورة قوية، لكنّ الذي يهوّن الخطب أنّها ضعيفة السند لمكان عبد اللّٰه بن الحسن، فلا يمكن الاعتماد عليها في الخروج عمّا تقتضيه القاعدة من لزوم إعادة السورة محافظة على الترتيب.

و أمّا الثالث: أعني ما لو كان التذكّر بعد الدخول في الحمد، أمّا أثناءها، أو بعد الفراغ منها ما لم يركع، فلا ريب في وجوب إعادة السورة، لعدم وقوعها على وجهها، فيعيدها أو يأتي بسورة أُخرى، و هل تجب إعادة الحمد أيضاً قبلها أو يقتصر على إعادة السورة؟

قد يقال بالأوّل: بل ربما يستظهر ذلك من كل من عبّر باستئناف القراءة و ربما يعلل بأنّ مراعاة الترتيب كما تقتضي تأخير السورة كذلك تقتضي تقديم الفاتحة و أن لا يتقدمها سورة، فكما أنّ السورة المتقدمة باطلة فكذا الفاتحة المتأخرة، للزوم كون البدأة بها، و حيث إنّ المفروض كون الفاتحة مسبوقة بالسورة فلا يمكن الاجتزاء بها، بل لا بدّ من إعادتهما معاً فيجب استئناف الفاتحة ثم السورة بعدها.

و فيه: أنّ المستفاد من أدلة اعتبار الترتيب ليس إلّا عدم مسبوقية الفاتحة بالسورة المأمور بها، لا عدم المسبوقية بطبيعي السورة و إن لم تكن مصداقاً للمأمور به، و في المقام ما هو السابق ليس بمأمور به لوقوعه سهواً، و ما هو المأمور به متأخر عنه، فليس تقدم مطلق السورة و لو لم تكن مصداقاً للمأمور به بل مشابهاً له قادحاً في مراعاة الترتيب و مخلًا بصدق البدأة بالفاتحة.

296
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 1القراءة ليست ركنا ج 14 ص 297

[مسألة 1: القراءة ليست ركناً]

[1493] مسألة 1: القراءة ليست ركناً (1) فلو تركها و تذكّر بعد الدخول في الركوع صحت الصلاة و سجد سجدتي السهو مرّتين [1] مرّة للحمد و مرّة للسورة، و كذا إن ترك إحداهما و تذكّر بعد الدخول في الركوع صحّت الصّلاة و سجد سجدتي السهو،

______________________________
ثم لو تنازلنا و شككنا في مانعية السورة المشابهة، بأن احتملنا اعتبار عدم سبق طبيعي السورة، فيكفي في رفع هذا الاحتمال إطلاق أدلة البدأة بالحمد و على فرض عدم ثبوت مثل هذا الإطلاق فتكفينا أصالة البراءة عن مانعية السورة المشابهة السابقة على الحمد.

هذا، و لو بنينا على ثبوت المانعية فمقتضاها بطلان الصلاة رأساً لا إعادة الفاتحة فحسب، لعدم حصول التدارك بذلك، إذ مهما أعادها فهي لا محالة مسبوقة بطبيعي السورة، فلا يمكن الإتيان بفاتحة غير مسبوقة بالسورة كما هو ظاهر.

و نظير المقام ما لو سها فقدّم الصلاة على النبي و آله على التشهد ثم تذكّر فإنّه لا ريب في عدم الحاجة إلى إعادة التشهد ثم الصلاة بل يقتصر على الإتيان بها عقيب التشهد المأتي به، و السر هو ما عرفت من أنّه إنّما يعتبر في التشهد أن لا يكون مسبوقاً بالصلاة المأمور بها دون طبيعيّها كي لا يصح الاجتزاء بالتشهد المأتي به.

(1) بلا خلاف و لا إشكال و إن كان ظاهر بعض النصوص هو الركنية كصحيح محمد بن مسلم «1» و موثق سماعة «2» المتقدمين الدالّين على أنّه لا صلاة إلّا بفاتحة‌

______________________________
[1] على الأحوط، و سيجي‌ء اختصاص الوجوب بموارد خاصة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 88/ أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 4.

(2) الوسائل 6: 89/ أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.

297
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 1القراءة ليست ركنا ج 14 ص 297

..........

______________________________
الكتاب، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد من ظاهرهما و حملهما على فرض تعمد الترك، و ذلك لجملة من الروايات المعتبرة الدالّة على أنّ القراءة سنّة و من نسي السنّة فلا شي‌ء عليه، كصحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «قال: إنّ اللّٰه تبارك و تعالى فرض الركوع و السجود، و القراءة سنّة، فمن ترك القراءة متعمداً أعاد الصلاة، و من نسي فلا شي‌ء عليه» «1» و صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عمّن ترك قراءة القرآن ما حاله؟ قال: إن كان متعمداً فلا صلاة له، و إن كان نسي فلا بأس» «2». و صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه «قال: لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة: الطهور، و الوقت، و القبلة، و الركوع، و السجود، ثم قال: القراءة سنّة، و التشهد سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة» «3».

إلى غير ذلك من الروايات التي تفسّر الطائفة الاولى من الأخبار و توجب حملها على فرض العمد، فعدم الركنية ممّا لا إشكال فيه. و عليه فلو تركها سهواً و تذكّر بعد الدخول في الركوع صحت صلاته، لفوات محلها من جهة استلزام تداركها زيادة الركن و هو الركوع و هذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما الكلام في أنّه هل تجب عليه سجدتا السهو أو لا؟ و على فرض الوجوب هل اللازم التعدد مرّة للحمد و أُخرى للسورة كما في المتن، أو تكفي المرّة الواحدة؟

سيجي‌ء التعرض لذلك إن شاء اللّٰه تعالى في مبحث الخلل، و يتبين ثمّة أنّ السجدة ليست لكل زيادة و نقيصة، و إنّما هي خاصة بموارد مخصوصة ليس‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 87/ أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 1.

(2) الوسائل 6: 88/ أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 5.

(3) الوسائل 6: 91/ أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 5.

298
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 1القراءة ليست ركنا ج 14 ص 297

و لو تركهما أو إحداهما و تذكّر في القنوت أو بعده قبل الوصول إلى حدّ الركوع (1) رجع و تدارك، و كذا لو ترك الحمد و تذكّر بعد الدخول في السورة رجع و أتى بها ثم بالسورة.

[مسألة 2: لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال]

[1494] مسألة 2: لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال (2)، فان قرأه عامداً بطلت صلاته و إن لم يتمه إذا كان من نيّته الإتمام حين الشروع، و أمّا إذا كان ساهياً، فان تذكّر بعد الفراغ أتمّ الصلاة و صحت و إن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً [1] و لا يحتاج إلى إعادة سورة أُخرى، و إن تذكّر في الأثناء عدل إلى غيرها إن كان في سعة الوقت، و إلّا تركها و ركع و صحت الصلاة.

______________________________
المقام منها، و أنّ العبرة إنّما هي بوحدة السهو و تعدده دون المنسي، و إلّا لزم أن يكون لكل آية سجدة خاصة و هو كما ترى، و تمام الكلام هناك.

(1) لبقاء محل التدارك، بعد عدم وقوع القنوت في محله، فيشمله إطلاق ما دلّ على الإتيان بالقراءة عند نسيانها ما لم يركع، و منه يظهر الحال فيما بعده.

(2) هذا ممّا لا خلاف فيه و لا إشكال، إلّا أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية ناشئة من اقتضاء الأمر بالشي‌ء و هو إيقاع الصلاة بتمامها في الوقت للنهي عن الضد و هو قراءة السور الطوال لتفسد العبادة لمكان النهي، لفساد المبنى كما حقق في الأُصول «1»، و إنّما هي حرمة عرضية من جهة استلزامها تفويت الوقت، و إيقاع بعض الصلاة خارجه و هو محرّم، و إلّا فمجرّد قراءة السورة الطويلة ليست بنفسها محرّمة. و على هذا يحمل ما ورد في صحيح أبي بكر الحضرمي‌

______________________________
[1] الصحة في هذا الفرض لا تخلو من إشكال بل منع.

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 3: 9 و ما بعدها.

299
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج 14 ص 299

..........

______________________________
عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام): «لا تقرأ في الفجر شيئاً من آل حم» «1»، فانّ آل حم لا خصوصية لها، و إنّما يكون النهي من جهة استتباعها وقوع بعض الصلاة خارج الوقت.

و توضّح ما ذكرناه: موثقة عامر بن عبد اللّٰه قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) يقول: من قرأ شيئاً من آل حم في صلاة الفجر فاته الوقت» «2»، فإنّها تكشف عن أنّ النهي عن قراءة تلك السورة إنّما هو بملاك فوات الوقت من جهة قصر أمد ما بين الطلوعين و طول تلك السورة.

و هل المراد بذلك وقت الفضيلة أو الأجزاء؟ «3» لا يهمنا ذلك فيما نحن بصدده من تعيين الملاك و إن كان النهي على الأوّل تنزيهياً و على الثاني تحريمياً.

و عامر الراوي للخبر و إن تضاربت فيه الروايات من حيث المدح و الذم، إلّا أنّ تلك الروايات بأجمعها ضعاف لا يمكن الاعتماد عليها، و العمدة وقوعه في أسانيد كامل الزيارات، فتكون الرواية موثقة كما ذكرنا.

______________________________
(1) الوسائل 6: 111/ أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 2.

(2) الوسائل 6: 111/ أبواب القراءة في الصلاة ب 44 ح 1.

(3) يشكل إرادة وقت الفضيلة: بأنّ قراءة سورة الدخان التي هي من الحواميم لا تستغرق أكثر من بضع دقائق، مع أنّ وقت الفضيلة يستمر إلى أن يتجلّل الصبح السماء. و أشكل منه إرادة وقت الإجزاء، فانّ قراءة أطول الحواميم و هي سورة غافر لا تستغرق على أبعد التقادير أكثر من نصف ساعة، مع أنّ ما بين الطلوعين يزيد على ذلك بكثير.

أضف إلى ذلك: أنّ في القرآن سوراً كثيرة أطول من الحواميم بكثير، فلما ذا خصّها الإمام (عليه السلام) بالذكر. و التحقيق: أنّ رواية عامر لا عبرة بها لضعف سندها. و لا ينفع وجود عامر في أسناد كامل الزيارات بعد أن لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

و أمّا صحيحة الحضرمي فهي عارية عن التعليل فلتحمل على ضرب من الكراهة و التنزيه.

300
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج 14 ص 299

..........

______________________________
و كيف ما كان، فلو خالف فقرأ السور الطوال في تلك الحال، فان كان متعمداً في ذلك فالمتسالم عليه بين الأصحاب هو بطلان الصلاة، و ليس وجهه هو حرمة قراءة هذه السورة، و الحرام لا يمكن التقرب به.

إذ فيه أوّلًا: أنّ هذه الحرمة ليست ذاتية بل عرضية كما عرفت، فهي بنفسها صالحة للتقرب بها.

و ثانياً: سلّمنا أنّها ذاتية إلّا أنّك عرفت قريباً أنّ المبطل إنّما هو خصوص كلام الآدمي، و أمّا غيره فلا دليل على بطلان الصلاة به، و إن كان قرآناً محرّماً فمجرد كون قراءة هذه السورة محرّمة لا يقتضي البطلان، و لذا لو قرأها لا بعنوان الجزئية بل بعنوان مطلق القرآن ثم عدل عنها إلى سورة قصيرة و لم يقع شي‌ء من الصلاة خارج الوقت، صحت صلاته بلا إشكال.

و ثالثاً: سلّمنا أنّ مطلق الكلام المحرّم مبطل لا خصوص كلام الآدمي، إلّا أنّ غايته بطلان خصوص هذا الجزء لا أصل الصلاة، فلو عدل عنها إلى سورة أُخرى قصيرة إن كان الوقت واسعاً، أو ترك السورة رأساً من جهة أنّ ضيق الوقت من مسوّغات تركها صحت صلاته، إذ ليس هناك ما يوجب البطلان كما لا يخفى.

كما و ليس الوجه هو لزوم ترك الجزء لو اقتصر على تلك السورة المفروض عدم جزئيتها لحرمتها، و تحقق القرآن المحرّم لو قرأ سورة أُخرى قصيرة.

إذ فيه أوّلًا: منع حرمة القرآن، بل غايته الكراهة كما سيجي‌ء إن شاء اللّٰه تعالى في محله «1».

و ثانياً: أنّه على فرض الحرمة فهي مختصة بما يصلح أن يكون فرداً و مصداقاً للمأمور به، دون مثل المقام الذي لا تصلح إحدى السورتين أن تكون فرداً‌

______________________________
(1) في ص 334.

301
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج 14 ص 299

..........

______________________________
للمأمور به و جزءاً للصلاة كما عرفت.

بل الوجه في ذلك: أنّها لمكان حرمتها من أجل كونها مفوّتة للوقت خارجة عن حيّز الأمر، و غير صالحة للجزئية. إذن فالإتيان بها بهذا القصد مصداق للزيادة العمدية المبطلة، فإنّها كما عرفت غير مرّة متقوّمة بإتيان شي‌ء بقصد الجزئية «1» و لم يكن في الواقع جزءاً، فيشمله قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «2» لعدم قصور في شموله لهذا المورد.

نعم، لو قرأ هذه السورة لا بعنوان الجزئية بل بعنوان القرآن، ثم عدل إلى سورة قصيرة، أو لم يقرأ من جهة ضيق الوقت و أدرك و لو ركعة من الوقت صحت صلاته، لعدم الإخلال بشي‌ء منها كما هو واضح.

ثم إنّه لا فرق في الحكم ببطلان الصلاة في فرض التعمّد بين ما إذا كان قاصداً قراءة تلك السورة من أوّل الشروع في الصلاة، و بين ما إذا قصدها بعد الفراغ من الفاتحة، غايته أنّه في الفرض الأوّل تكون الصلاة باطلة من أوّل الشروع، لعدم الأمر بهذه الصلاة، إذ الأمر متعلق بالمركب من غير هذه السورة و مع عدم الأمر تكون الصلاة باطلة، فإنّ ما هو المأمور به لم يقصد، و ما قصد ليس بمأمور به. و أمّا في الفرض الثاني فحيث إنّه كان عند الشروع قاصداً للأمر الواقعي المتعلق بالمركب من غير هذه السورة، فما لم يشرع في تلك السورة‌

______________________________
(1) قصد الجزئية في المقام يتوقف على القول بوجوب السورة، و السيد الأُستاذ (دام ظله) يستشكل فيه و يحتاط وجوباً كما تقدم [في ص 264] كما و ينكر الجزء الاستحبابي فعلى مبناه (دام علاه) ليس للمصلي أن يقصد الجزئية الجزمية بالسورة المأتية، فإنّه تشريع محرّم، و لا الرجائية، لعدم احتمالها فيما يفوت به الوقت، على أنّها لم تكن حينئذ من الزيادة العمدية كما لا يخفى، فلا مناص من الإتيان بعنوان القرآن، و معه لا يبقى مجال للاستدلال.

(2) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل ب 19 ح 2.

302
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج 14 ص 299

..........

______________________________
كانت الصلاة صحيحة، و إنّما تبطل بالشروع فيها و إن لم يتمها، لتحقق الزيادة العمدية بمجرد ذلك كما عرفت، هذا كله في فرض العمد.

و أمّا إذا كان ساهياً، فقد يكون التذكّر بعد الفراغ من السورة و قد يكون أثناءها. أمّا الفرض الأوّل، فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يتم الصلاة و تصح و إن لم يكن قد أدرك ركعة من الوقت أيضاً.

أقول: أمّا إذا كان قد أدرك ركعة من الوقت فضلًا عما إذا أدرك جميع الوقت و لو من دون قراءة السورة في الركعة الثانية فالحكم بالصحة واضح، لأنّ السورة المقروءة باعتبار كونها زيادة سهوية فغايته أن يكون وجودها كعدمها و عدم الإتيان بسورة أُخرى غير ضائر بعد فرض ضيق الوقت الذي هو من مسوّغات تركها، و مقتضى أنّ من أدرك ركعة من الوقت فكأنما أدرك الوقت كله، هو كون هذه الصلاة بمنزلة الواقعة بتمامها في الوقت، فلا خلل فيها بوجه.

و أمّا إذا لم يدرك حتى مقدار ركعة من الوقت فلا نعرف حينئذ وجهاً للصحة ضرورة أنّه في هذا الحال لا أمر له حتى الاضطراري منه بالصلاة أداءً، كما أنّه لم يكن بعد مأموراً بالقضاء. و الصلاة الملفّقة من الأداء و القضاء، بأن يكون بعضها بداعي الأمر الأدائي، و بعضها الآخر بداعي الأمر القضائي لا دليل عليه فبداعي أيّ أمر يأتي بهذه الصلاة.

نعم، قد يقال: كما قواه المحقق الهمداني (قدس سره) «1» إنّ الصلاة الأدائية و القضائية واجبة بملاك واحد و هو الإتيان بطبيعي الصلاة، سواء أ كانت في الوقت أم في خارجه غايته أنّ وجوب الصلاة أداءً له ملاك آخر، و هو أن يؤتى بتلك الطبيعة في الوقت، فتكون الصلاة الأدائية واجبة بملاكين من باب تعدّد المطلوب، و لذا يكون القضاء تابعاً للأداء، فإذا لم يكن متمكناً من إيقاع‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 295 السطر 29.

303
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجوز قراءة ما يفوت الوقت بقراءته من السور الطوال ج 14 ص 299

..........

______________________________
تمام الصلاة في الوقت وجب عليه أن يأتي بها بنفس ذاك الأمر الأوّلي، ففي الفرض يكون المصلي قاصداً للأمر لا أنّه لا أمر له.

إلّا أنّ هذا لا يمكن المساعدة عليه بوجه، فإنّه خلاف ظواهر الأدلّة جدّاً فانّ ظاهرها وجوب الصلاة بين الحدين بأمر واحد و ملاك فأرد، و من باب وحدة المطلوب، و لذا قالوا إنّ القضاء يحتاج إلى أمر جديد، و أنكروا تبعيته للأداء، و الأمر مفقود إلّا بعد خروج الوقت، كما أنّ الأمر الأدائي أيضاً غير متحقق فلا أمر رأساً، و لذا تكون الصلاة في هذا الفرض باطلة.

و أمّا إذا كان التذكر في أثناء السورة، فإن كان الوقت واسعاً لتمام الصلاة مع سورة قصيرة عدل إليها تحفّظاً على إيقاع الصلاة الكاملة في الوقت، و لا تقدح تلك الزيادة لكونها سهوية. و إن كان الوقت لا يسع لتمام الصلاة إلّا مع ترك السورة رأساً تركها بالكلية، لما عرفت من كون ضيق الوقت من مسوّغات سقوطها، و إن كان لا يدرك من الوقت إلّا ركعة واحدة مع السورة القصيرة قرأها و صحّت صلاته من جهة قاعدة من أدرك، كما أنّها تصح إذا أدرك الركعة من غير سورة، نظراً إلى سقوط السورة مع ضيق الوقت.

و أمّا إذا لم يدرك حتى ركعة واحدة من غير سورة فيجري فيه حينئذ ما مرّ في الفرض السابق بعينه، فإنّه لا وجه للحكم بالصحة حينئذ، لعدم وجود الأمر بالصلاة في هذا الحال لا أداءً و لا قضاءً و لا تلفيقاً. و قد عرفت أنّ ما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره) من قضية الملاك، و أنّ القضاء تابع للأداء لا يمكن المساعدة عليه بوجه، ففي هذا الفرض لا بدّ من الحكم بالبطلان، و إن كان ظاهر إطلاق كلام الماتن هو الصحة، لكنّها غير صحيحة كما عرفت.

304
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

[مسألة 3: لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة]

 

[1495] مسألة 3: لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة [1] (1) فلو قرأها عمداً استأنف الصلاة و إن لم يكن قرأ إلّا البعض و لو البسملة أو شيئاً منها، إذا كان من نيّته حين الشروع الإتمام أو القراءة إلى ما بعد آية السجدة.

______________________________
(1) على المعروف و المشهور، بل ادعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات بل عن غير واحد نسبته إلى فتوى علمائنا أجمع، فكأنّ الحكم مورد للتسالم و لم يسند الخلاف إلّا إلى الإسكافي «1»، فذكر أنه يومئ إلى السجود بدلًا عنه ثم يسجد للتلاوة بعد الفراغ عن الصلاة.

و يقع الكلام تارة فيما إذا قرأ سورة العزيمة عمداً و سجد لها، و أُخرى فيما إذا لم يسجد سواء أومأ إليه كما ذكره ابن الجنيد أم لا.

أمّا الأوّل: فلا إشكال في عدم جوازه و بطلان الصلاة بذلك، للزوم الزيادة العمدية في المكتوبة التي هي مبطلة بلا خلاف و لا إشكال، كما وقع التصريح بذلك في روايتين إحداهما معتبرة، و هما رواية زرارة الضعيفة بالقاسم بن عروة و صحيحة علي بن جعفر «2» التي رواها صاحب الوسائل عن كتابه، و طريقه إلى الكتاب صحيح، فقد ورد فيها قوله (عليه السلام) «و ذلك زيادة في الفريضة» «3» فانّ عنوان الزيادة و إن كان متقوّماً بقصد الجزئية كما مرّ غير مرّة‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 175.

(2) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 1، 4.

(3) هذه الجملة أثبتها صاحب الوسائل نقلًا للرواية عن قرب الإسناد [قرب الإسناد: 202/ 776] و كتاب علي بن جعفر [مسائل علي بن جعفر: 185/ 366]. لكن العلّامة المجلسي أوردها في البحار 82: 171 نقلًا عن الكتابين خالية عنها، كما أنّ كتاب قرب الإسناد بطبعتيه الحجرية و النجفية خالية عنها، نعم هي موجودة فيما نقله في البحار 10: 285 عن كتاب علي بن جعفر. و بالجملة: فاشتمال كتاب علي بن جعفر على هذه الجملة التي هي محل الاستشهاد غير ثابت بعد تعارض ما نقله العاملي و المجلسي في بعض مجلدات البحار مع ما نقله في البعض الآخر، و معه يشكل الاستدلال بها.

 

305
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
المنفي في المقام، لأنّه يسجد للتلاوة لا للصلاة، لكنه يستثني من ذلك خصوص السجود بمقتضى هاتين الروايتين المصرّحتين بأنّه زيادة في المكتوبة أو في الفريضة و يلحق به الركوع بطريق أولى.

فيظهر من ذلك أنّ خصوص الركوع و السجود يمتازان عن بقية الأجزاء بعدم ارتضاء الشارع بزيادتهما حتى الصورية منها، و أنّ لكل ركعة ركوعاً و سجدتين لا يضاف عليها شي‌ء و لو بعنوان آخر من سجدة الشكر أو التلاوة و نحوهما.

إلّا أنّ هناك روايات ربما يستظهر منها جواز تلاوة السورة و السجود لها في الصلاة، لكن لا بدّ من حملها على النافلة أو على الإعادة و استئناف الصلاة جمعاً بينها و بين الروايتين المتقدمتين.

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «أنّه سئل عن الرجل يقرأ بالسجدة في آخر السورة، قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب ثم يركع و يسجد» «1» فإنّها مطلقة تحمل على النافلة بقرينة الروايتين و قيام التسالم على عدم جواز زيادة السجدة في الصلاة كما عرفت، أو على استئناف الصلاة كما يشهد به قوله (عليه السلام): «ثم يقوم فيقرأ فاتحة الكتاب» فانّ هذا التعبير مع كونه آتياً بالفاتحة كناية عن الإعادة، و لا يقدح عدم التعرض لتكبيرة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 102/ أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 1.

306
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
الإحرام، فقد وقع نظير ذلك في أخبار ركعة الاحتياط «1» فأمر بالقيام و قراءة الفاتحة و أهمل التكبيرة مع أنّها ركعة مستقلّة.

و منها: موثقة سماعة «قال: من قرأ إقرَأ بِاسمِ رَبّك فاذا ختمها فليسجد فاذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع» «2» و هذه أيضاً يجري فيها الوجهان من الحمل على النافلة، أو الاستئناف «3».

و منها: رواية علي بن جعفر عن أخيه قال: «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب ...» إلخ «4» و هي مروية بطريقين، في أحدهما ضعف لمكان عبد اللّٰه بن الحسن، و الآخر الذي يرويه صاحب الوسائل عن كتاب علي ابن جعفر «5» معتبر، و هذه لا يجري فيها الوجه الأوّل للتصريح بالفريضة فتحمل على الاستئناف.

و كيف كان، فلا إشكال في البطلان مع تعمد التلاوة و تحقق السجدة.

و أمّا الثاني: و هو ما إذا لم يسجد سواء أومأ إليه أم لا، فالمشهور حينئذ هو البطلان أيضاً و يستدل له بوجوه:

الأوّل: ما استقربه في الجواهر «6» بدعوى أنّ الأمر بالسجود أمر بالإبطال‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 215/ أبواب الخلل ب 9 ح 2.

(2) الوسائل 6: 102/ أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.

(3) و لكنّها مقطوعة لا تصلح للاستناد كما سيُصرِّح به الأستاذ في المسألة السادسة [ص 324].

(4) الوسائل 6: 106/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 4.

(5) مسائل علي بن جعفر: 185/ 366.

(6) الجواهر 9: 344.

307
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
لكونه زيادة عمدية في المكتوبة و هي مبطلة، فكيف يجتمع ذلك مع الأمر بالمضي في الصلاة، و هل ذلك إلّا أمر بالمتضادين. فنفس الأمر بالسجود يقتضي البطلان سواء أسجد أم لا، لانتفاء الأمر بالإتمام معه. و هذا نظير ما إذا وجب ارتكاب أحد المفطرات على الصائم كالارتماس لإنقاذ الغريق أو القي‌ء لأكل المغصوب أو الوطء لمضي أربعة أشهر، أو غير ذلك، فكما لا يجتمع الأمر بإتمام الصوم مع الأمر بما يبطله، و لذا يحكم ببطلان الصوم بلا إشكال سواء ارتكب تلك المفطرات أم لا، فكذا في المقام.

و فيه: أنّه يمكن تصحيح الأمر بالضدّين بنحو الترتب كما حقق في الأُصول «1» فيؤمر أوّلًا بالسجود للتلاوة، و على تقدير العصيان يؤمر بإتمام الصلاة، و إنّما لا يجري هذا في مورد التنظير لعدم صحة الترتب هناك، إذ يشترط في مورده أن يكون من الضدين اللذين لهما ثالث بحيث يمكن امتثال الأمر بالمهم و عدمه في ظرف عصيان الأهم، و أمّا الذي يدور أمره بين الوجود و العدم كالنقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما فلا يعقل فيه الترتب، إذ فرض عدم أحدهما مساوق لفرض وجود الآخر، و معه لا معنى لتعلق الأمر، فكما لا يمكن أن يقال افعل و إلّا فلا تفعل، أو تحرّك و إلّا فأسكن أو بالعكس، لأنّ وجود أحدهما في ظرف عدم الآخر ضروري لا يصح تعلق التكليف به، فكذا لا يمكن أن يقال في مورد التنظير كل و إلّا فلا تأكل، أو يجب القي‌ء و إلّا فيحرم و يجب المضي في الصوم.

نعم، نظير المقام ما إذا لم يتعلق الأمر بذات المبطل، بل بعنوان الابطال، كما لو وجب السفر على الصائم لجهة من الجهات فإنّه يؤمر أوّلًا بإبطال صومه بالسفر و على تقدير العصيان يؤمر بالمضي في الصوم، فانّ السفر ليس من‌

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 3: 102.

308
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
المفطرات، بل من شرائط وجوب الصوم فيعتبر عدمه في وجوبه، و هما من الضدين اللذين لهما ثالث، إذ يمكن أن لا يسافر و لا يصوم، هذا.

و التحقيق: أنّ مورد التنظير حكمه حكم المقام بعينه فيجري فيه الترتب أيضاً، لكونه من الضدّين اللّذين لهما ثالث كما فيما نحن فيه، و توضيحه: أنّ النقيضين أو الضدين اللذين لا ثالث لهما كالحركة و السكون إذا لوحظا بنحو الطبيعة المطلقة لم تكن بينهما واسطة، و أمّا إذا قيّد أحدهما بقيد تثبت الواسطة لا محالة، و كانا مما لهما ثالث، و هو الفاقد لذلك القيد، كما إذا قال: تحرّك و إلّا فأسكن في المكان الكذائي، فإنّه يمكن عدمهما بالسكون في المكان الآخر.

و المقام من هذا القبيل، لأنّ ترك القي‌ء مثلًا لوحظ مقيداً بقصد التقرّب، لأنّ الصوم عبادي، فالتروك المعتبرة فيه تعبدية، فيؤمر أوّلًا بالقي‌ء و على تقدير العصيان يؤمر بتركه للّٰه، و الواسطة بينهما هو تركه لا للّٰه، فيكونان من الضدّين اللذين لهما ثالث فيجري فيها الترتب.

و بالجملة: أحد النقيضين تعبدي و الآخر توصلي، و مثلهما ممّا له ثالث، كما يمكن ذلك في التوصليين إذا لوحظ أحدهما مقيداً بقيد كالمثال المتقدم، و إنّما يكونان مما لا ثالث له إذا لوحظا مطلقين كما عرفت، فالصحيح صحة الصوم في مورد التنظير لجريان الترتب فيه كالمقام.

الوجه الثاني: أنّ قراءة السورة معرض للوقوع في أحد المحذورين فتحرم لأنّه إن سجد للتلاوة فيلزمه إبطال الصلاة لمكان الإتيان بالزيادة العمدية المبطلة و هو حرام، و إن لم يسجد يلزمه ترك السجود الذي هو واجب فوري فهذه السورة محرّمة لأدائها إلى أحد المحذورين، و الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً، و المبغوض لا يصلح لأن يتقرّب به، و حرمة العبادة تقتضي الفساد.

309
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
و فيه أوّلًا: أنّه مبني على حرمة قطع الصلاة، و هي محل تأمل أو منع.

و ثانياً: أنّ معرضية السورة لما ذكر لا تستدعي أكثر من حرمتها عقلًا من باب المقدّمات المفوّتة فراراً عن الوقوع في أحد المحذورين المزبورين، لا حرمتها شرعاً كي تقتضي الفساد، لعدم كون مقدمة الحرام حراماً. و الحاصل: أنّ السورة في حد ذاتها لم يتعلق بها نهي شرعاً و لا تكون مبغوضة، بل هي صالحة لأن يتقرب بها لعدم قصورها في حد نفسها عن ذلك، و إنّما العقل يستقل بتركها حذراً عن الوقوع في الحرام، فلو عصى بسوء اختياره و لم يسجد للتلاوة لم يكن مانع عن صحتها، لما عرفت من عدم قصورها عن وقوعها مصداقاً للواجب.

و ثالثاً: مع التسليم، فغايته بطلان السورة دون الصلاة، فله العدول عنها إلى سورة أُخرى و إن كان آثماً و صحت صلاته.

و العمدة في المقام إنّما هو الوجه الثالث، و هي الروايات الناهية عن قراءة سورة العزيمة في الفريضة، و لا إشكال فيها من حيث السند، لصحّة أسانيد بعضها و إن كانت جملة أُخرى منها ضعيفة، إنّما الإشكال في الدلالة، و وجه الاشكال: أنّ النهي في هذه الأخبار لا يحتمل أن يراد به النهي التكليفي المولوي، إذ لا يحتمل أن تكون قراءة العزيمة في الصلاة من المحرّمات الإلهية، و السرّ أنّ الأوامر و النواهي في باب المركبات من العبادات و المعاملات قد انقلب ظهورها الأوّلي من التكليف النفسي المولوي الوجوبي أو التحريمي إلى الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية أو المانعية.

على أنّه لو سلم ذلك فلا موجب للبطلان، إذ المبطل خاص بكلام الآدمي و القراءة المزبورة لا تخرج بحرمتها عن كونها قرآناً و لا تعدّ من كلام الآدمي كي تكون مبطلة، بل غايته أنّه قرآن محرّم، و قد تقدم التعرض لذلك قريباً.

310
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
و كيف كان، فلا ينبغي الريب في كون النهي في المقام إرشادياً، و هل هو إرشاد إلى المانعية، نظير النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، أو إرشاد إلى تقيّد السورة المأمور بها بعدم كونها من سور العزائم، و أنّ هذه ليست جزءاً من الصلاة، بل الجزء سورة أُخرى غيرها، نظير النهي عن السجود على القير الذي هو إرشاد إلى أنّ مثله ليس مصداقاً للسجود الواجب، بل هو مقيد بغيره، أو أنّه إرشاد إلى معنى آخر لا هذا و لا ذاك.

أمّا الأوّل، فبعيد عن سياق هذه الأخبار غايته، إذ النهي لم يتعلق بالصلاة مع هذه السورة كما في مثال ما لا يؤكل، بل بجزء منها و هي القراءة، فغايته فساد الجزء لا أصل الصلاة، فهو نظير النهي عن السجود على القير الذي يكون مقتضى القاعدة في مثله فساد السجود خاصة، و جواز الإتيان بسجود آخر على غير القير لولا قيام الدليل على بطلان الصلاة بزيادة السجود عمداً.

و أمّا الثاني، فهو و إن لم يكن بعيداً بحسب النظر البدوي لكن يضعّفه أمران:

أحدهما: أنّه مبني على الالتزام بوجوب السورة حتى يقيد إطلاق دليله بذلك، و قد عرفت انّه محل مناقشة، بل منع، و إنما الوجوب كان مبنيّاً على الاحتياط فالجزئية غير ثابتة من أصلها فكيف تكون إرشاداً إلى تقييدها فليتأمل.

ثانيهما: تعليل النهي في ذيل بعض هذه الأخبار بأنّه زيادة في المكتوبة فيظهر من ذلك أنّ سورة العزيمة في حدّ نفسها لا قصور في اتصافها بالوجوب و وقوعها مصداقاً للمأمور به، فلا يتقيد دليل وجوب السورة بعدمها، لكونها واجدة لعين الملاك الذي تشتمل عليه سائر السور، و إنّما المانع من قراءتها لزوم السجود الذي هو زيادة في الفريضة.

فالصواب: أنّ النهي في هذه الأخبار إرشاد إلى أمر خارجي، و هو التحذير‌

311
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
عن إيقاع المكلّف نفسه في الورطة من دون حزازة في السورة نفسها أصلًا، و هي أنّه بعد القراءة إمّا أن يسجد أو لا، فعلى الأوّل يلزمه إبطال الصلاة، لمكان الزيادة العمدية، و هو نقض لغرضه من إتمام الصلاة و المضي فيها فإنّ المؤمن المتشاغل بالصلاة همّه تفريغ الذمة بالامتثال لا الإبطال، و على الثاني يلزمه ترك السجود الذي هو واجب فوري، فليس النهي إرشاداً لا إلى المانعية و لا الشرطية، بل إرشاد إلى ما ذكرناه. و عليه فلو عصى و لم يسجد و استرسل في صلاته صحت و إن كان آثماً.

ثم لو بنينا على الوجه الثاني، أعني الإرشاد إلى الشرطية و تقيد السورة الواجبة بعدم كونها من العزائم، فغايته بطلان السورة دون الصلاة، فلو تداركها و أتى بسورة أُخرى من دون أن يسجد للتلاوة صحت صلاته، بخلاف ما لو قلنا بالإرشاد إلى المانعية، فإنّها تبطل حينئذ كما هو ظاهر.

ثم إنّه ربما يستدل على جواز قراءة العزيمة في الصلاة فيسجد لها و تصح صلاته بروايتين، فتحمل النهي في سائر الأخبار على الكراهة جمعاً.

إحداهما: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه قال: «سألته عن الرجل يقرأ في الفريضة سورة النجم أ يركع بها أو يسجد ثم يقوم فيقرأ بغيرها؟ قال: يسجد ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب و يركع، و ذلك زيادة في الفريضة و لا يعود يقرأ في الفريضة بسجدة» «1»، و قد رويت بطريقين في أحدهما ضعف لمكان عبد اللّٰه بن الحسن، و الآخر و هو الذي يرويه صاحب الوسائل بطريق الشيخ عن كتاب علي بن جعفر «2» معتبر، لصحة الطريق.

______________________________
(1) الوسائل 6: 106/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 4.

(2) مسائل علي بن جعفر: 185/ 366.

312
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
بتقريب أنّ المستفاد منها سؤالًا و جواباً المفروغية عن جواز القراءة، و إنّما السؤال عن أنّه متى يسجد و ما ذا حكمه فارغاً عن عدم قادحية السجدة؟ و قد أقرّ الإمام (عليه السلام) على هذا المعهود في ذهن السائل غير أنّه (عليه السلام) نهاه عن العود المحمول على الكراهة بقرينة الصدر، و حينئذ فقوله «و ذلك زيادة في الفريضة» أي شبيهة بها، لا أنّه منها، و إلّا لحكم (عليه السلام) بالبطلان.

و فيه: أنّ قوله (عليه السلام): «و ذلك زيادة في الفريضة» كالصريح في البطلان «1»، فإنّ مبطلية الزيادة العمدية ممّا لا يخفى على أحد فضلًا عن مثل علي ابن جعفر، فلا وجه لحملة على الشبيه بالزيادة، و يشهد له قوله (عليه السلام): «ثم يقوم فيقرأ بفاتحة الكتاب» فإنّه لا موجب لقراءتها بعد ما قرأها أوّلًا، فهو كناية عن البطلان و استئناف الصلاة، و لا يقدح عدم التعرض لتكبيرة الإحرام إذ قد وقع نظير ذلك في أخبار ركعة الاحتياط كما أشرنا إليه سابقاً «2»، و عليه فالنهي في الذيل محمول على الإرشاد بالمعنى الذي قدّمناه، و لا موجب لحملة على الكراهة.

______________________________
(1) هذه العبارة بمجردها مع الغض عمّا دلّ على مبطلية الزيادة لا ظهور لها في البطلان فضلًا عن الصراحة، و لم يثبت كون المبطلية المزبورة في تلكم الأعصار من الواضحات الجلية، كيف و كتاب علي بن جعفر المندرج في البحار و قرب الاسناد ملي‌ء بالسؤال عن أُمور واضحة في هذه الأعصار بحيث لا يكاد يقع السؤال عنها إلّا من العوام فكيف يجعل ذلك دليلًا على صراحة الصحيحة في البطلان.

إلّا أن يقال: إنّ خفاء المبطلية على الراوي لو سلّم لم يكن قادحاً في الاستدلال، لظهور الصحيحة في تحقق صغرى الزيادة بمقتضى الأخذ بما هو المنسبق منها من إرادة الزيادة الحقيقية دون التنزيلية، و بعد الضم إلى الكبرى المستفادة من سائر الأدلة من مبطلية الزيادة العمدية و إن خفيت على الراوي نفسه يتم المطلوب.

(2) في ص 307.

313
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
الثانية: روايته الأُخرى قال: «و سألته عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدّم غيره فيسجد و يسجدون و ينصرف و قد تمّت صلاتهم» «1» و هذه صريحة في المطلوب غير أنّها ضعيفة السند لمكان عبد اللّٰه بن الحسن.

نعم، رويت بسند آخر صحيح و هو إسناد الشيخ عن أحمد بن محمد عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، غير أنّ المتن مضطرب لم يعلم أنّه كما ذكر أم أنّه هكذا، «سألته عن إمام قرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال: يقدّم غيره فيتشهد و يسجد و ينصرف هو و قد تمّت صلاتهم» «2» فانّ السندين متحدان، و كذا المتن إلّا يسيراً، فهما رواية واحدة، فلو كان الصادر عن المعصوم (عليه السلام) هو المتن الثاني كانت الرواية أجنبية عن المقام، إذ لم يتعرض فيها لسجود المأمومين، فهي ناظرة إلى عدم وجوب السجود بمجرّد السماع و لا ربط لها بمحل الكلام كما لا يخفى.

نعم، هناك رواية أُخرى دلت على جواز قراءة ما عدا آية السجدة، و هي موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: في الرجل يسمع السجدة إلى أن قال و عن الرجل يقرأ في المكتوبة سورة فيها سجدة من العزائم، فقال: إذا بلغ موضع السجدة فلا يقرأها، و إن أحبّ أن يرجع فيقرأ سورة غيرها و يدع التي فيها السجدة فيرجع إلى غيرها» «3» دلت على جواز قراءة سورة العزيمة في الصلاة ما لم يقرأ آية السجدة، و أنّه مخيّر بين الاقتصار عليها و العدول إلى سورة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 106/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 5.

(2) الوسائل 6: 240/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 4، التهذيب 2: 293/ 1178.

(3) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 3.

314
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

و أمّا لو قرأها ساهياً فان تذكر قبل بلوغ آية السجدة وجب عليه العدول إلى سورة أُخرى و إن كان قد تجاوز النصف، و إن تذكّر بعد قراءة آية السجدة أو بعد الإتمام، فإن كان قبل الركوع فالأحوط إتمامها إن كان في أثنائها [1] و قراءة سورة غيرها بنية القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة أو الإتيان بها و هو في الفريضة ثم إتمامها و إعادتها من رأس.

و إن كان بعد الدخول في الركوع و لم يكن سجد للتلاوة فكذلك أومأ إليها أو سجد و هو في الصلاة ثم أتمّها و أعادها، و إن كان سجد لها نسياناً أيضاً فالظاهر صحة صلاته و لا شي‌ء عليه، و كذا لو تذكّر قبل الركوع مع فرض الإتيان بسجود التلاوة أيضاً نسياناً، فإنّه ليس عليه إعادة الصلاة حينئذ (1).

______________________________
أُخرى، لكنه موقوف على الالتزام بجواز التبعيض في السورة و عدم وجوب الإتيان بها كاملة، و قد عرفت فيما مرّ أنّه مورد للإشكال.

هذا كله فيما إذا قرأ السورة عمداً، و أمّا إذا قرأها سهواً فستعرف حكمها في التعليق الآتي.

(1) إذا قرأ سورة العزيمة ساهياً فهناك فروض:

أحدها: أن يكون التذكر قبل بلوغ آية السجدة و قبل تجاوز النصف، و لا إشكال في الصحة حينئذ فيعدل بها إلى سورة أُخرى، لبقاء محل العدول ما لم يتجاوز النصف، و ما أتى به من الزيادة لكونها سهوية غير قادحة، بل تصح‌

______________________________
[1] بل الأظهر جواز الاكتفاء بالإتمام، و الأحوط الإيماء إلى السجدة في الصلاة ثم الإتيان بها بعدها في الفرض و فيما إذا تذكر بعد الدخول في الركوع.

315
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
حتى على القول بمانعية السورة في الصلاة لاختصاصها بحال العمد، إذ مع السهو تدفع بحديث لا تعاد كما هو ظاهر.

الثاني: أن يكون التذكر قبل بلوغ الآية و بعد تجاوز النصف، و الحكم أيضاً هو الصحة، فإنّ الزيادة السهوية غير قادحة، و الأخبار المانعة عن العدول بعد تجاوز النصف منصرفة عن المقام، لاختصاصها بمن كان متمكناً من إتمام السورة المتعذّر فيما نحن فيه، إنّما الإشكال في الفرض:

الثالث: و هو ما إذا كان التذكر بعد تلاوة الآية الملازم لتجاوز النصف كما لا يخفى، فانّ فيه وجوهاً:

أحدها: وجوب السجدة، و حيث أنّها زيادة في المكتوبة فتبطل، فكأنّ هذا الوجه هو مقتضى الجمع بين فوريّة السجدة و مبطلية الزيادة.

و فيه: أنّه لا دليل على فورية السجدة بهذا المقدار بحيث لا يمهل في تأخيرها بعد الصلاة بعد عدم كونه مخلًّا بصدق الفورية العرفية، سيّما إذا كان أمد التأخير قصيراً، كما لو قرأها في الركعة الثانية من صلاة الفجر فإنّه لا يستوعب من الزمان إلّا مقدار دقيقة، بل أقل. و أمّا الروايات المتقدمة «1» المتضمنة للزوم الزيادة في المكتوبة التي يستفاد منها لزوم السجدة في الصلاة فوراً، فموردها العمد فلا تشمل المقام كما لا يخفى «2».

ثانيها: ما عن كاشف الغطاء «3» من أنّه يسجد و صحت صلاته لعدم لزوم الزيادة، لاختصاصها بما إذا أتى بالسجدة بقصد الجزئية، و المفروض إتيانها‌

______________________________
(1) في ص 305.

(2) لا يخلو التفرقة في فورية السجدة بين المتعمد و الساهي، عن نوع من الخفاء لولا المنع فلاحظ.

(3) كشف الغطاء: 236 السطر 26 [و لكن التعليل غير مذكور].

316
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
بقصد التلاوة لا بعنوان الصلاة، فلا تشملها أدلة الزيادة المبطلة.

و فيه: أنّ هذا يشبه الاجتهاد في مقابل النص، لصراحة الأخبار في مبطلية مثل هذه الزيادة، و إن كانت صورية و لم تكن منها حقيقة، و قد عرفت فيما مرّ أنّ السجود و الركوع يمتازان عن بقية الأجزاء في هذا الحكم عملًا بتلك النصوص. هذا مضافاً إلى ما عرفت آنفاً من عدم الدليل على فورية السجدة حتى بهذا المقدار بحيث لا يمهل لإتمام الصلاة.

ثالثها: أنّه يتم صلاته و يسجد للتلاوة بعد الفراغ عنها، و هذا هو مقتضى التحفظ بين إطلاق دليل وجوب السجدة بعد ما عرفت من عدم الدليل على فوريته أكثر من هذا المقدار، و بين دليل جواز المضي في الصلاة و إتمامها، أو وجوب ذلك على الخلاف في حرمة الإبطال و عدمه، فهذا الوجه هو مقتضى الجمع بين الدليلين و هو الأوجه في النظر.

رابعها: ما هو المشهور من أنّه يومئ بدلًا عن السجود و يتم صلاته، و احتمال أنّ الإيماء زيادة في المكتوبة ساقط جدّاً، لأنّ مورد الأخبار المتضمنة لذلك هو السجود فلا يتعدى إلى بدله كما هو ظاهر.

و يستدل للمشهور بعدة روايات و هي أربع:

الأُولى: موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إن صليت مع قوم فقرأ الإمام اقرأ باسم ربك الذي خلق أو شيئاً من العزائم، و فرغ من قراءته و لم يسجد فأوم إيماءً ...» إلخ «1».

و الاعتراض عليها بدلالتها على وجوب السجود مع سجود الإمام فلا تدل على كفاية الإيماء مطلقاً، يندفع بأنّ ظاهرها أنّ القوم من العامّة و هم قد يسجدون‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 103/ أبواب القراءة في الصلاة ب 38 ح 1.

317
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
و قد لا يسجدون، فلزوم السجود مع سجودهم مبني على التقية لعدم إمكان التخلّف عنهم، فالوظيفة الأوّلية هي الإيماء، و السجود إنّما هو لضرورة تقتضيه فبدونها كما لو كان منفرداً أو لم يسجد الإمام لم يجب إلّا الإيماء.

الثانية: موثقة سماعة «قال: مَن قرأ اقْرَأ بِاسْمِ رَبّكَ فإذا ختمها فليسجد فاذا قام فليقرأ فاتحة الكتاب و ليركع. قال: و إذا ابتليت بها مع إمام لا يسجد فيجزئك الإيماء و الركوع ...» إلخ «1». و الاعتراض السابق مع جوابه يجريان هنا أيضاً.

الثالثة: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون في صلاة جماعة فيقرأ إنسان السجدة كيف يصنع؟ قال: يومئ برأسه» «2».

الرابعة: صحيحته الأُخرى قال: «و سألته عن الرجل يكون في صلاته فيقرأ آخرُ السجدةَ، فقال: يسجد إذا سمع شيئاً من العزائم الأربع ثم يقوم فيتم صلاته، إلّا أن يكون في فريضة فيومئ برأسه إيماءً» «3» و الأخيرتان أقوى دلالة من سابقتيهما، لسلامتهما عن الاعتراض المزبور كما لا يخفى.

هذا، و لكن الظاهر عدم تمامية الاستدلال بشي‌ء من هذه الأخبار لكونها أجنبية عما نحن فيه، إذ موردها السماع دون القراءة السهوية التي هي محل الكلام، و يشكل التعدي منه إلى المقام و إن كان غير بعيد. و من هنا كان الأحوط الجمع بين الإيماء و بين السجود بعد الصلاة الذي عرفت أنّه الأقوى لاحتمال شمول هذه الأخبار للمقام.

______________________________
(1) الوسائل 6: 102/ أبواب القراءة في الصلاة ب 37 ح 2.

(2) الوسائل 6: 243/ أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 3، 4.

(3) الوسائل 6: 243/ أبواب قراءة القرآن ب 43 ح 3، 4.

318
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3لا يجوز قراءة إحدى سور العزائم في الفريضة ج 14 ص 305

..........

______________________________
ثم إنّه هل يقتصر على هذه السورة أو يجب الإتيان بسورة أُخرى؟

يبتني الوجوب على كون النهي في الأخبار السابقة إرشاداً إلى تقيّد السورة المأمور بها بعدم كونها من العزائم، إذ حينئذ وجود هذه السورة كالعدم فلا بدّ من الإتيان بالأُخرى كي يتحقق الجزء. و أمّا بناءً على ما عرفت من كونه إرشاداً إلى الفرار عن الوقوع في أحد المحذورين من دون قصور في السورة نفسها عن اتصافها بالجزئية فلا تجب الإعادة، فيقتصر عليها مع الإيماء و السجود بعد الصلاة احتياطاً كما عرفت من دون محذور.

ثم إنّه لو قرأ السورة سهواً و سجد لها نسياناً ثم تذكر صحّت صلاته بلا إشكال، لأنّ زيادة السجدة الواحدة سهواً غير قادحة كما هو واضح. هذا كلّه فيما إذا كان التذكر قبل الركوع.

و أمّا إذا تذكر بعد الركوع فيجري فيه جميع ما مرّ إلّا من حيث احتمال الإتيان بسورة أُخرى، فإنّه لا مجال له في المقام لمضي محله بالدخول في الركوع.

ثم إنّ الماتن ذكر أنّ الأحوط أحد الأمرين: إمّا إتمام السورة و الإتيان بأُخرى بقصد القربة المطلقة بعد الإيماء إلى السجدة، و إمّا الإتيان بالسجدة و هو في الفريضة، ثم إتمامها و إعادتها من رأس.

و أنت خبير بأنّ الجمع بين هذين النحوين بجعل كل منهما طريقاً للاحتياط ممتنع لاختلاف المبنى فيهما، فإنّ الأوّل مبني على شمول أدلة الإيماء للمقام المستلزم لقادحية السجود في الأثناء، و الثاني مبني على وجوب السجدة و عدم كفاية الإيماء. فالجمع بينهما بجعل الاحتياط في السجود و في تركه يشبه الجمع بين النقيضين كما لا يخفى.

بل إنّ طريقة الاحتياط كما عرفت إنّما هي بالجمع بين الإيماء و بين السجود‌

319
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة ج 14 ص 320

[مسألة 4: لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها في أثناء الصلاة]

[1496] مسألة 4: لو لم يقرأ سورة العزيمة لكن قرأ آيتها (1) في أثناء الصلاة [1] عمداً بطلت صلاته، و لو قرأها نسياناً أو استمعها من غيره، أو سمعها [2] فالحكم كما مرّ من انّ الأحوط الإيماء إلى السجدة أو السجدة و هو في الصلاة و إتمامها و إعادتها.

______________________________
بعد الصلاة، و قد مرّ أنّ تأخير السجود بهذا المقدار لا ينافي فوريته، كما مرّ أنّ الإيماء لا يعدّ من الزيادة القادحة، لاختصاصها بنفس السجود و لا تعمّ بدله لعدم الدليل على التعميم.

(1) الحال في هذه المسألة يظهر ممّا مرّ في المسألة السابقة و إن كان الأمر هنا أهون، لعدم الإتيان بالآية بقصد الجزئية فلا يجري هنا بعض الوجوه المتقدمة و قد عرفت المختار من صحة الصلاة على تقدير القراءة، و إن كان آثماً في ترك السجود مع العمد. و أمّا مع السهو فيكفي الإيماء، و إن كان الأحوط ضمّ السجود بعد الانتهاء عن الصلاة، و قد مرّ وجه ذلك كله.

و أمّا السماع فسيجي‌ء البحث عنه في محله «1» إن شاء اللّٰه تعالى، و ستعرف أنّه لا يوجب السجود حتى في غير الصلاة لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان.

و أمّا الاستماع فيجب فيه الإيماء، لصحيحتي علي بن جعفر المتقدمتين الواردتين في خصوص المقام من دون حاجة إلى التعدي الذي عرفت أنّه محل إشكال و كلام.

______________________________
[1] يظهر حكم هذه المسألة بتمامها ممّا تقدم آنفاً.

[2] بناءً على وجوب السجدة بالسماع.

______________________________
(1) شرح العروة 15: 192.

320
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5لا يجب في النوافل قراءة السورة ج 14 ص 321

[مسألة 5: لا يجب في النوافل قراءة السورة]

[1497] مسألة 5: لا يجب في النوافل قراءة السورة (1).

______________________________
(1) فيجوز فيها تبعيض السورة، بل تركها رأساً بلا خلاف و لا إشكال، بل عن جمع دعوى الإجماع عليه.

أما إذا قلنا بجواز ذلك في الفريضة فهنا بطريق أولى، إذ لا تزيد هي عليها من حيث الأجزاء و الشرائط كما هو ظاهر. و أمّا إذا قلنا بوجوب السورة الكاملة في الفرائض فيقع الكلام هنا تارة في جواز التبعيض، و اخرى في جواز الترك رأساً.

أمّا الأوّل: فتدل عليه مضافاً إلى قصور المقتضي، لاختصاص ما دلّ على المنع عنه بالفريضة كصحيحة منصور: «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «1» و غيرها، أو أنّه لا إطلاق له، لكونه مسوقاً لبيان عدم جواز العدول من سورة إلى أُخرى في غير يوم الجمعة كصحيحة الحلبي: «إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللّٰه أحد و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» «2»، على أنّ استثناء يوم الجمعة يشهد بإرادة الفريضة كما لا يخفى صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن تبعيض السورة، فقال: أكره، و لا بأس به في النافلة» «3».

و أمّا الثاني: فمضافاً إلى قصور المقتضي أيضاً، لاختصاص دليل الوجوب بالفريضة أو المكتوبة، أو أنّها مقيّدة بالركعتين الأوّلتين في قبال الثالثة أو‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2.

(2) الوسائل 6: 153/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 2.

(3) الوسائل 6: 44/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 4.

321
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5لا يجب في النوافل قراءة السورة ج 14 ص 321

و إن وجبت بالنذر أو نحوه (1)، فيجوز الاقتصار على الحمد، أو مع قراءة بعض السورة.

______________________________
الرابعة الظاهر في الفريضة، فلا إطلاق فيها تعمّ النافلة، فيرجع إلى أصالة البراءة عن الجزئية بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها حتى في المستحبّات لنفي الوجوب الشرطي، تدل عليه صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: يجوز للمريض أن يقرأ في الفريضة فاتحة الكتاب وحدها و يجوز للصحيح في قضاء صلاة التطوع بالليل و النهار» «1»، فانّ القضاء هنا بمعناه اللغوي أعني مطلق الإتيان لا خصوص خارج الوقت الذي هو المعنى المصطلح كما تقدم سابقاً «2».

(1) فانّ الوجوب الناشئ من قبل النذر تابع للالتزام النذري سعة و ضيقاً و حيث إنّ متعلقه فعل النافلة على ما هي عليه من المشروعية، و المفروض أنّ المشروع منها هو الطبيعي الجامع بين الواجد للسورة و الفاقد لها، فلا محالة يكون متعلق الوجوب هو الجامع، لما عرفت من أنّه تابع لما التزم كما التزم.

و يمكن أن يستأنس لذلك: بصحيحة ابن سنان المتقدمة آنفاً، حيث يظهر منها أنّ وجوب السورة أو سقوطها عن الفريضة أو النافلة مترتب على كونها كذلك بعنوان أنّها صلاة، لا بعنوان آخر من كونها متعلقاً للنذر أو الإجارة أو إطاعة السيد و نحوها من العناوين العرضية، و من المعلوم أنّ النافلة لا تخرج بالنذر عن كونها صلاة نافلة فيشملها دليل السقوط.

و إن أمكن الخدش في ذلك: بأنّ ظاهر الصحيحة أنّ موضوع السقوط هو‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 40/ أبواب القراءة في الصلاة ب 2 ح 5.

(2) في ص 267.

322
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5لا يجب في النوافل قراءة السورة ج 14 ص 321

نعم، النوافل التي تستحب بالسورة المعيّنة يعتبر في كونها تلك النافلة قراءة تلك السورة، لكن في الغالب يكون تعيين السور من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب لا التقييد (1).

______________________________
عنوان التطوّع لا النافلة، و هذا العنوان يزول بالنذر لا محالة لعدم اتصافها بالتطوع بعدئذٍ، و لذا تقدم في محله «1» أنّ دليل المنع عن التطوع في وقت الفريضة لا يعم النافلة المنذورة، لخروجها عن عنوان التطوع بعد تعلق النذر و صيرورتها فريضة، فيناقش بمثل ذلك في المقام أيضاً.

فالصحيح في الاستدلال هو ما عرفت.

(1) استدرك (قدس سره) من عدم اعتبار السورة في النافلة، النوافل التي قرّر لها في الشريعة سور معيّنة كصلاة جعفر (عليه السلام)، و النوافل الواردة في شهر رمضان و نحوها، فيعتبر الإتيان بها بتلك السور عملًا بدليل تشريعها و إلّا لما وقعت تلك النافلة الخاصة، ثم ذكر أخيراً جواز تركها أيضاً، إذ الغالب فيها أنّها من باب المستحب في المستحب على وجه تعدد المطلوب، لا التقييد كي لا يشرع الإتيان بها إلّا بتلك السورة الخاصة.

و ما ذكره (قدس سره) أخيراً وجيه لو كان هناك إطلاق زائداً على دليل التقييد، كما لو ورد الأمر بصلاة جعفر (عليه السلام) مطلقاً ثم ورد في دليل آخر الأمر بها مقيّدة بسورة معيّنة، فإنّه لا مانع حينئذ من الأخذ بكلا الدليلين بناءً على ما هو الصحيح من عدم حمل المطلق على المقيّد في باب المستحبات فيحمل ذلك على اختلاف مراتب الفضل و تعدد المطلوب كما أفاده (قدس سره).

و أمّا إذا لم يكن في البين إلّا دليل واحد مقيّد، فمقتضى القاعدة حينئذ عدم‌

______________________________
(1) شرح العروة 11: 345 و ما بعدها.

323
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6يجوز قراءة العزائم في النوافل ج 14 ص 324

[مسألة 6: يجوز قراءة العزائم في النوافل]

[1498] مسألة 6: يجوز قراءة العزائم في النوافل (1) و إن وجبت بالعارض فيسجد بعد قراءة آيتها و هو في الصلاة ثم يتمّها.

______________________________
مشروعيتها بغير تلك السورة، فإنّ العبادة توقيفية تحتاج مشروعيتها إلى ثبوت الأمر بها، و لم يحرز تعلق الأمر بالجامع على الفرض، و كون الغالب في هذا الباب أنّه من تعدد المطلوب، و إن كان مسلّماً، و لكنه لا يجدي إلّا الظن الذي لا اعتبار به، فلا جزم بالأمر بالفاقد. نعم، لا بأس بالإتيان به رجاءً.

(1) بلا خلاف، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه، و يدلُّ عليه: قصور المقتضي للمنع فيها، فإنّ الأخبار الناهية بأجمعها مختصة بالفريضة أو المكتوبة و ليس فيها ما يتضمن الإطلاق الشامل للنوافل، و مقتضى القاعدة حينئذ هو الجواز، و عليه فلو قرأ آيتها سجد و هو في الصلاة و لا يضرّ بصحتها، إذ قادحية مثل هذه الزيادة مختصة بالفريضة، لعدم الدليل على قدحها في غيرها.

و ربما يستدل للحكم: بموثقة سماعة «قال: من قرأ اقْرَأ بِاسْمِ رَبّكَ فاذا ختمها فليسجد إلى أن قال-: و لا تقرأ في الفريضة، اقرأ في التطوّع» «1». لكن الرواية مقطوعة لم تسند إلى الإمام (عليه السلام)، و من الجائز أن يكون ذلك فتوى سماعة نفسه، و إن كان يظن أنّه رواية عن الإمام (عليه السلام) لكن الجزم به مشكل بعد الاحتمال المزبور.

و قد عبّر عنها المحقق الهمداني «2» (قدس سره) و غيره بالمضمرة، لكنها ليست بمضمرة و لا مسندة، بل مقطوعة كما عرفت على ما ذكره في الوسائل و الحدائق «3»

______________________________
(1) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 2.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 294 السطر 32.

(3) الحدائق 8: 152.

324
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7 سور العزائم أربع 1 الم السجدة و حم السجدة و النجم و اقرأ باسم ص 325

[1499] مسألة 7: سور العزائم أربع (1): الم السجدة و حم السجدة، و النجم، و اقرأ باسم.

______________________________
و التهذيب «1» و الاستبصار «2»، فلا يصح الاعتماد عليها، و العمدة في مستند الحكم هو ما عرفت من قصور المقتضي.

ثم إنّ الحكم كذلك حتى في النوافل الواجبة لعارض من نذر و نحوه، فيجوز فيها قراءة العزيمة لعين ما مرّ في المسألة السابقة من تبعية الوجوب الناشئ من قبل النذر لما التزم به الناذر، و حيث إنّ المنذور هي النافلة المشروعة على ما هي عليه و المفروض جواز قراءة العزيمة فيها، فمتعلق الوجوب هو الجامع كما مرّ.

(1) بلا خلاف، بل إجماعاً، و يدلُّ عليها و على تعيين الأربع بما في المتن صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا قرأت شيئاً من العزائم التي يسجد فيها فلا تكبّر قبل سجودك و لكن تكبّر حين ترفع رأسك. و العزائم أربعة: حم السجدة، و تنزيل، و النجم، و اقرأ باسم ربّك» «3».

و استدل أيضاً: برواية داود بن سرحان «قال: إنّ العزائم أربع: اقرأ باسم ربك الذي خلق، و النجم، و تنزيل السجدة، و حم السجدة» «4» لكن سندها لا يخلو عن خدش، و إن عبّر عنها بالصحيحة في بعض الكلمات، لأنّ الصدوق يرويها عن شيخه أحمد بن محمد بن يحيى «5» و لم يوثق، و قد مرّ غير مرّة أنّ‌

______________________________
(1) التهذيب 2: 292/ 1174، الاستبصار 1: 320/ 1191.

(2) التهذيب 2: 292/ 1174، الاستبصار 1: 320/ 1191.

(3) الوسائل 6: 239/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 1.

(4) الوسائل 6: 241/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 7.

(5) على ما في الطبعة الحديثة من الوسائل، لكن الموجود في طبعه عين الدولة و كذا في الخصال 252/ 124 هكذا: «أبي عن سعد بن عبد اللّٰه، عن أحمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ... إلخ» و معه لا إشكال في صحة السند.

325
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8البسملة جزء من كل سورة فيجب قراءتها عدا سورة براءة ج 14ص 326

[مسألة 8: البسملة جزء من كل سورة فيجب قراءتها عدا سورة براءة]

[1500] مسألة 8: البسملة جزء من كل سورة (1) فيجب قراءتها عدا سورة براءة.

______________________________
مجرد الكون من مشايخ الإجازة لا يكفي في التوثيق.

و استدل أيضاً: بخبر أبي بصير «إذا قرئ بشي‌ء من العزائم الأربع ...» إلخ «1». و فيه: مضافاً إلى ضعف سندها بعلي بن أبي حمزة، أنّها قاصرة الدلالة، لعدم التعرض فيها لتعيين الأربع، فلاحظ. فالعمدة في الاستدلال ما ذكرناه.

(1) هذه من المسائل الخلافية بين الخاصّة و العامّة، فالمتسالم عليه بين الخاصّة أنّها جزء من كل سورة، و المشهور بين العامة أنّها جزء لخصوص الفاتحة دون سائر السور «2»، و على هذا جرت المصاحف حتى اليوم فإنّهم يذكرون علامة الآية بعد بسملة الفاتحة دون غيرها من بقية السور، و أمّا براءة فليست جزءاً منها باتفاق الجميع.

و الذي يدل على أنّها جزء لكل سورة: عدة أخبار عمدتها صحيحة معاوية ابن عمار «3» قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): إذا قمت للصلاة أقرأ بسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: نعم، قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم مع السورة؟ قال: نعم» «4» فإنّ السؤال ليس عن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 240/ أبواب قراءة القرآن ب 42 ح 2.

(2) المجموع 3: 334، المغني 1: 558، 568.

(3) و أوضح منها دلالة معتبرة يحيى بن أبي عمران، الوسائل 6: 58/ أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 6.

(4) الوسائل 6: 58/ أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 5.

326
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح ج 14 ص 327

[مسألة 9: الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح]

[1501] مسألة 9: الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف (1) و كذا و الضحى و أ لم نشرح، فلا يجزئ في الصلاة إلّا جمعهما مرتبتين مع البسملة بينهما.

______________________________
الجواز فإنّه مسلّم عند الكل، بل من الضروريات، و لا عن الاستحباب لوضوحه أيضاً، لا سيّما لمثل معاوية بن عمار، فانّ جواز قراءة القرآن مساوق لرجحانه فلا محالة يكون عن الوجوب، و قد أمضاه الإمام (عليه السلام) بقوله: «نعم». و من الواضح أنّ الوجوب في أمثال المقام يلازم الجزئية لعدم احتمال النفسية. نعم، هي معارضة بجملة أُخرى، بل في بعضها النهي عن قراءتها كصحيحة الحلبيين «1» و لكنّها محمولة على التقية كما لا يخفى.

(1) بلا خلاف بل إجماعاً كما عن جماعة، بل نسب الإقرار به إلى دين الإمامية كما عن الأمالي «2»، أو إلى آل محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كما عن الانتصار «3»، أو هو قول علمائنا كما عن غير واحد. و لا يخفى أنّ هذا البحث إنّما هو بعد الفراغ عن وجوب سورة كاملة في الفريضة، و أمّا بناءً على العدم، أو جواز التبعيض، فلا إشكال في جواز التفكيك و الاقتصار على إحداهما.

ثم إنّه ينبغي التكلم في جهات:

الاولى: أنّه بناءً على تعدد السورتين فهل يجب الجمع بينهما في الصلاة، أو يجوز الاقتصار على الواحدة؟

المشهور هو الأوّل، و ظاهر الماتن هو الثاني، حيث فرّع وجوب الجمع على الاتحاد الظاهر في عدمه لو بني على التعدّد.

______________________________
(1) الوسائل 6: 61/ أبواب القراءة في الصلاة ب 12 ح 2.

(2) أمالي الصدوق: 740.

(3) لم نجده في الانتصار، و لعل المراد به الإستبصار 1: 317.

327
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح ج 14 ص 327

..........

______________________________
و كيف كان، فقد قال في المدارك «1»: إنّه لم أقف على دليل معتبر يدل على وجوب قراءتهما معاً. و الذي وقفت عليه روايتان:

إحداهما: صحيحة زيد الشحام قال: «صلى بنا أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) فقرأ الضحى و أ لم نشرح في ركعة» «2» و لا دلالة لها على الوجوب لإجمال الفعل.

الثانية: رواية مفضّل بن صالح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سمعته يقول لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و أ لم نشرح، و أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ و لِإِيلٰافِ قُرَيْشٍ» «3»، و هي مضافاً إلى ضعف سندها بمفضل نفسه، و كذا طريق العياشي إليه لإرساله، قاصرة الدلالة، فإنّه استثناء عن النهي عن القرآن الذي هو محرّم أو مكروه على الخلاف، فغايته نفي الحرمة أو الكراهة في هاتين السورتين دون الوجوب. انتهى ملخّصاً.

و ما أفاده (قدس سره) وجيه جدّاً بناءً على تعدد السورتين، لما عرفت من حال الروايتين. و أمّا غيرهما مما ذكر في المقام فكلها ضعاف أو مراسيل لا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها.

الجهة الثانية: في تحقيق الصغرى، و أنّ الضحى و الانشراح، و كذا الفيل و الإيلاف، هل هما سورتان أو أنّهما سورة واحدة؟

المعروف بل المتسالم عليه عند الأصحاب هو الثاني، و قد عرفت نقل الإجماعات المحكية على ذلك في صدر المسألة، و المشهور بين المتأخرين هو الأوّل، و لعل أوّل من خالف في ذلك هو المحقق كما نبّه عليه في الحدائق «4».

______________________________
(1) المدارك 3: 377.

(2) الوسائل 6: 54/ أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 1.

(3) الوسائل 6: 55/ أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 5.

(4) الحدائق 8: 202.

328
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح ج 14 ص 327

..........

______________________________
و يقع الكلام تارة في وجود ما يدل على الاتحاد، و أُخرى فيما يخالفه.

أمّا الأوّل: فقد استدلّ له بعدّة روايات كلّها ضعاف أو مراسيل كالفقه الرضوي و مرسل الهداية، و مراسيل الطبرسي، و أبي العباس، و أُبيّ، و المحقق، و الراوندي و غيرها ممّا لا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها «1» فمن يرى اعتبار العدالة في الراوي كصاحب المدارك «2» أو الوثاقة كما هو المختار، ليس له التعويل على شي‌ء من هذه الأخبار، و دعوى الانجبار ممنوعة كما حقق في الأُصول «3». فلم يبق في البين عدا الإجماعات المحكية ممّا تقدمت، و هي كما ترى بعد وضوح المستند فالمقتضي للاتحاد قاصر لعدم دليل «4» معتبر عليه.

و أمّا الثاني: أعني ما يخالفه ممّا يدل على التعدد فهو أيضاً ضعيف، فانّ ما استدل به لذلك وجوه:

______________________________
(1) الوسائل 6: 54/ أبواب القراءة في الصلاة ب 10.

(2) لم نعثر عليه.

(3) مصباح الأُصول 2: 240.

(4) يمكن الاستدلال له بصحيحة زيد الشحام المتقدمة آنفاً، بتقريب أنّ مقتضى نصوص القرآن حرمته أو كراهته مطلقاً، و حيث إنّ الإمام (عليه السلام) لا يصدر منه المكروه فضلًا عن الحرام، فلا مناص من حمل الجمع الصادر منه على اللزوم و لا وجه له عدا اتحاد السورتين.

إلّا أن يقال: إنّ المستكشف من فعله (عليه السلام) إنّما هو عدم حرمة القرآن و لا كراهته في خصوص المورد، و حينئذ فعلى التعدد كان ذلك تخصيصاً في أدلة القرآن و على الاتحاد تخصصاً، و من المقرّر في محله عدم صحة التمسك بأصالة العموم لإثبات الثاني أو يقال: بعدم المانع من صدور المكروه عنه (عليه السلام) إمّا تنبيهاً على عدم الحرمة، أو إيعازاً إلى جواز فعل المكروه، و لا سيّما في العبادة التي يراد به فيها أقلية الثواب.

329
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح ج 14 ص 327

..........

______________________________
أحدها: ما ذكره في المدارك من إثبات الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف كسائر السور «1».

و أُجيب: بأنّ هذه الكيفية من جمع الخلفاء فلا يدل على أنّ النزول كان كذلك.

و فيه: أنّ مرجع ذلك إلى دعوى التحريف «2» من ناحية الزيادة التي هي مقطوعة البطلان باتفاق المسلمين، و انّما الخلاف في التحريف من ناحية النقيصة. على أنّا قد أثبتنا في بحث التفسير بطلان ذلك أيضاً بما لا مزيد عليه، فلاحظ إن شئت «3».

فالصواب في الجواب: أنّ مجرد اشتمال السورة على البسملة لا يقتضي تغايرها عن غيرها، و لا يكشف عن التعدد، و إن كان الغالب كذلك، لكنه ليس بدائمي إذ لا دليل عليه كما لا يخفى.

الثاني: ما استدلّ به صاحب الحدائق «4» من رواية زيد الشحام «قال: صلى بنا أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) فقرأ في الأُولى و الضحى، و في الثانية ألم نشرح لك صدرك» «5» و قد وصفها في الحدائق بالصحة، و ذكر أنّها أولى بالاستدلال لصاحبي المعتبر و المدارك لو اطلعا عليها، لكن عدم اطلاعهما عليها بعيد غايته، و إنّما لم‌

______________________________
(1) المدارك 3: 378.

(2) التحريف المزبور متقوّم بزيادة شي‌ء في القرآن على أنّه جزء منه، و ليس المقام كذلك بل إنّما زيدت البسملة رمزاً لفواصل السور و كعلامة على استقلالها كسائر العلامات أو البيانات المذكورة في أوائل السور، و لذلك لا تجعل عليها علامة الآية فيما عدا سورة الفاتحة كما سبق.

(3) البيان: 197.

(4) الحدائق 8: 205.

(5) الوسائل 6: 54/ أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 3.

330
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح ج 14 ص 327

..........

______________________________
يستدلا بها لضعف سندهما كما ستعرف، و قد حملها الشيخ على النافلة «1» و هو بعيد جدّاً، لقوله «صلى بنا» «2» الظاهر في الجماعة، و لا جماعة في النافلة.

و أجاب في الحدائق: بأنّ غايتها الدلالة على جواز التبعيض، فيكون سبيلها سبيل الأخبار الدالة عليه.

و فيه: أنّ الكلام في هذه المسألة كما أشرنا إليه في صدر المبحث إنّما هو بعد الفراغ عن عدم جواز التبعيض، و إلّا فلا إشكال في جواز الاقتصار على إحداهما.

و الصحيح في الجواب: أنّ الرواية ضعيفة السند بالإرسال، و إن كان المرسل ابن أبي عمير، و كون مراسيله كمسانيد غيره كلام مشهوري لا أساس له كما تعرضنا له في مطاوي هذا الشرح غير مرّة، فلا يمكن الاعتماد عليها، و الانجبار بالعمل لا نقول به.

الثالث: ما استدلّ به في المعتبر «3» من رواية مفضّل بن صالح المتقدمة «4» المتضمنة لاستثناء الضحى و أ لم نشرح، و كذا الفيل و لإيلاف عن الجمع بين سورتين في ركعة واحدة، فإنّ ظاهر الاستثناء هو الاتصال، فيدل على أنّهما سورتان قد استثنيا عن حكم القرآن.

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ، أنّه يكفي في صحة الاستثناء و اتصاله كونهما متعددين بحسب الصورة، و ما يعتقده الناس من تسميتهما بسورتين لمكان الفصل بينهما بالبسملة في المصاحف.

______________________________
(1) التهذيب 2: 72/ 265، الاستبصار 1: 318/ 1184.

(2) كلمة «بنا» موجودة في الاستبصار 1: 318/ 1184 دون التهذيب 2: 72/ 265.

(3) المعتبر 2: 188.

(4) الوسائل 6: 55/ أبواب القراءة في الصلاة ب 10 ح 5.

331
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح ج 14 ص 327

..........

______________________________
و المتحصّل من جميع ما قدمناه: أنّه لا دليل على وحدة السورتين و لا على تعددهما، لعدم تمامية شي‌ء مما استدلّ به للطرفين، فتنتهي النوبة إلى ما يقتضيه الأصل العملي.

و الظاهر أنّ مقتضى الأصل حينئذ هو الاشتغال، و ليس المقام من قبيل الأقل و الأكثر الارتباطي كي يرجع فيه إلى البراءة على ما هو التحقيق من الرجوع إليها فيه.

و توضيحه: أنّ الضابط في ذاك الباب ما إذا كان المأمور به و ما تعلّق به التكليف بنفسه مجملًا دائراً بين الأقل و الأكثر، كالسورة بالنسبة إلى الصلاة حيث لم يعلم أنّ مصبّ التكليف هي الصلاة المشتملة عليها، أو الأعم من الواجدة و الفاقدة، فيقال إنّ الجامع و هو الأقل متيقن، و الزائد عليه من تقيده بالسورة يشك في تعلق التكليف به فيدفع بالبراءة.

و هذا الضابط غير منطبق على المقام، إذ ليس المأمور به خصوص سورة الفيل، أو خصوص سورة و الضحى كي يشك في سعة دائرة المأمور به و ضيقها من جهة الترديد في جزئية لإيلاف في الأوّل، و الانشراح في الثاني، كالترديد في جزئية السورة للصلاة حتى يكون من الدوران بين الأقل و الأكثر، بل المأمور به هو طبيعي السورة بالضرورة، و لا إجمال في هذا المفهوم قطعاً. و إنّما الترديد في انطباقها على الفيل وحدها، أو الضحى كذلك، فالشك إنّما هو في محصّل ذاك الطبيعي و محقق العنوان المأمور به، فيعود الشك لا محالة إلى مرحلة الامتثال بعد العلم بالتكليف لا إلى أصل تعلق التكليف، و مثله مجرى للاشتغال بلا إشكال.

فالأقوى وجوب الجمع بينهما في الصلاة مترتبتين كما أفاده في المتن، و إن لم يعلم أنّهما سورتان أم سورة واحدة.

نعم، إنّ ما ذكرناه مبني على ما هو الأقوى من عدم حرمة القرآن بين‌

332
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأقوى اتحاد سورة الفيل و لإيلاف و كذا و الضحى و أ لم نشرح ج 14 ص 327

..........

______________________________
السورتين، و إلّا فيندرج المقام في باب الدوران بين المحذورين، إذ بعد قراءة الفيل مثلًا يدور أمر الإيلاف بين الوجوب لو كانتا سورة واحدة، و الحرمة لو كانتا سورتين، و في مثله يتعذر الاحتياط، فاللازم على هذا المبنى اختيار سورة أُخرى من أوّل الأمر، و إن كان لو قرأ الفيل يخيّر بين ضم الإيلاف و عدمه كما هو مقتضى القاعدة في الدوران بين المحذورين، إلّا أنّ الاجتزاء بمثل هذه الصلاة لا يخلو عن الاشكال كما لا يخفى. و الذي يهوّن الخطب أنّ المبنى فاسد كما عرفت و ستعرف تفصيله إن شاء اللّٰه تعالى.

الجهة الثالثة: بعد ما عرفت من وجوب الجمع بين السورتين عملًا بقاعدة الاشتغال، فهل يجب الفصل بينهما بالبسملة كما اختاره في المتن أو يؤتى بهما موصولة؟

فيه خلاف بين الاعلام، بل ربما ينسب الثاني إلى الأكثر، بل عن التهذيب: عندنا لا يفصل بينهما بالبسملة «1»، و عن التبيان و مجمع البيان أنّ الأصحاب لا يفصلون بينهما بها «2».

و كيف كان، فربما يستدل للأوّل بثبوتها في المصاحف المعروفة عند المسلمين من صدر الإسلام.

و فيه: أنّ الثبوت فيها لا يدل على الجزئية، و لذا ترى أنّ أكثر أصحاب المصاحف مع بنائهم على عدم جزئية البسملة يثبتونها في كل سورة.

و ربما يستدل للثاني: بالفقه الرضوي «3»، و بما روي من سقوطها عن مصحف ابيّ بن كعب «4».

______________________________
(1) لم نجده في التهذيب و إنما هو في الاستبصار 1: 317.

(2) التبيان 10: 371، مجمع البيان 10: 769.

(3) فقه الرضا (عليه السلام): 113.

(4) مجمع البيان 10: 827.

333
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة ج 14 ص 334

[مسألة 10: الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة]

[1502] مسألة 10: الأقوى جواز قراءة سورتين (1) أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة، و الأحوط تركه، و أما في النافلة فلا كراهة.

______________________________
و فيه: أنّ الفقه الرضوي ليس بحجة، و سقوطها عن مصحف ابيّ لم يثبت. على أنّه لو ثبت فهو اجتهاد منه باعتقاد أنّهما سورة واحدة، لا أنّه رواية فلا حجية فيه.

و على الجملة: فلم يثبت لدينا شي‌ء من القولين، فتنتهي النوبة إلى الأصل العملي، و مقتضاه الثبوت عملًا بقاعدة الاشتغال لكونه من الشك في المحصّل، لا من باب الأقل و الأكثر بعين التقريب الذي قدّمناه في الجهة السابقة حرفاً بحرف فلاحظ.

(1) كما هو المشهور بين المتأخرين من جواز القرآن على كراهة، خلافاً لما هو المشهور بين القدماء من عدم الجواز، بل عن الصدوق أنّه من دين الإمامية «1» و عن السيد أنّه من متفرداتهم «2».

و منشأ الخلاف اختلاف الروايات، فقد ورد النهي عن القرآن في غير واحد من النصوص، جملة منها معتبرة و فيها غنى و كفاية.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «سألته عن الرجل يقرأ السورتين في الركعة، فقال: لا، لكل سورة ركعة «3».

و موثقة عبد اللّٰه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا بأس أن تجمع في النافلة من السور ما شئت» «4» فانّ نفي البأس عن النافلة يدل‌

______________________________
(1) أمالي الصدوق: 741.

(2) الانتصار: 146.

(3) الوسائل 6: 50/ أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح 1.

(4) الوسائل 6: 51/ أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح 7.

334
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة ج 14 ص 334

..........

______________________________
بمفهوم الوصف «1» بالمعنى الذي هو حجة عندنا على ثبوته في الفريضة التي هي محل الكلام، حيث يظهر من التقييد أنّ طبيعي الصلاة ليس موضوعاً لجواز القرآن، و إلّا كان القيد لغواً، فمن إثبات الجواز للنافلة يعلم عدمه في الفريضة.

و منها: رواية منصور بن حازم قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «2» و قد وصفها في الحدائق و مصباح الفقيه بالصحة «3»، نعم حكى في الحدائق عن صاحب المدارك أنّ السند ضعيف «4» و استظهر أنّ نظره في الضعف إلى سيف بن عميرة حيث إنّه واقفي «5» و إن كان ثقة، و صاحب المدارك يعتبر العدالة في الراوي، و يمكن أن يكون نظره إلى أنّ أحمد بن إدريس لا يمكنه أن يروي عن أحمد بن محمد بن يحيى لاختلاف الطبقة فامّا أنّ الرواية مرسلة أو أنّ نسخة الوسائل مغلوطة.

و الصحيح: عن محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى، كما يؤيّده أنّه الراوي غالباً عن محمد بن عبد الحميد، و لكنه ظهر بعد المراجعة أنّ نسخة الكافي و الوسائل و التهذيب كلها عن محمد بن أحمد بن محمد بن يحيى فكلمة (محمد) ساقطة عن الوسائل الطبعة الجديدة، و كذا طبع عين الدولة، و كذا الاستبصار الطبعة الجديدة، فالرواية صحيحة السند بلا إشكال «6».

______________________________
(1) تقدم [في ص 266] أنّ الوصف غير المعتمد على الموصوف لا مفهوم له.

(2) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2.

(3) الحدائق 8: 146، مصباح الفقيه (الصلاة): 286، السطر 3.

(4) الحدائق 8: 146، المدارك 3: 356.

(5) كما عن معالم ابن شهرآشوب [56/ 377] و لكنه سهو من القلم كما أفاده (دام ظله) في المعجم 9: 382/ 5668.

(6) بل فيه إشكال، إذ في السند (محمد بن عبد الحميد) و قد تقدم في أوائل الفصل ص 268 البحث حول وثاقته من أجل الترديد في رجوع توثيق النجاشي إلى الأب أو الابن، و عدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة، و لعل تضعيف صاحب المدارك ناظر إلى هذه الجهة.

335
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10الأقوى جواز قراءة سورتين أو أزيد في ركعة مع الكراهة في الفريضة ج 14 ص 334

..........

______________________________
و بإزائها صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن القرآن بين السورتين في المكتوبة و النافلة قال: لا بأس» «1». و مقتضى الجمع العرفي بينها و بين الطائفة الاولى هو حمل النهي فيها على الكراهة كما ربما يؤيده التعبير ب‍ «لا يصلح»، أو «يكره»، أو «أنّه أفضل»، أو «لكل سورة حقاً فأعطها حقها» و نحو ذلك مما ورد في سائر الأخبار المشعرة بالكراهة «2».

نعم، ربما يناقش في ذلك من وجهين:

أحدهما: أنّ إعراض الأصحاب عن هذه الصحيحة يسقطها عن الحجية، لما عرفت من أنّ المشهور بين القدماء هو الحرمة.

و فيه: مضافاً إلى منع الكبرى و عدم قادحية الاعراض، أنّ الصغرى ممنوعة إذ لم يثبت إعراضهم و طرحهم للصحيحة، بل من الجائز أنّهم رجّحوا تلك الطائفة عليها في مقام علاج المعارضة بأشهريتها و أكثريتها و نحو ذلك من سائر المرجّحات.

ثانيهما: ما ذكره في الحدائق من حمل الصحيحة على التقية «3».

و فيه: ما لا يخفى، فانّ الحمل على التقية فرع استقرار المعارضة و عدم إمكان الجمع الدلالي و التوفيق العرفي، و قد عرفت إمكانه بحمل النهي على الكراهة فالأقوى ما هو المشهور بين المتأخرين من الكراهة دون الحرمة، هذا كله في الفريضة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 52/ أبواب القراءة في الصلاة ب 8 ح 9.

(2) الوسائل 6: 50/ أبواب القراءة في الصلاة ب 8.

(3) الحدائق 8: 148.

336
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج 14 ص 337

[مسألة 11: الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها]

[1503] مسألة 11: الأقوى عدم وجوب تعيين [1] السورة قبل الشروع فيها (1)، و إن كان هو الأحوط، نعم لو عيّن البسملة لسورة لم تكف لغيرها فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة.

______________________________
و أمّا النافلة فلا إشكال كما لا خلاف في الجواز من دون كراهة، لاختصاص نصوص المنع بالفريضة، بل التصريح بالجواز في النافلة في غير واحد من الأخبار.

(1) فلا يجب تعيين البسملة لسورة خاصة، بل له أن يقرأها من غير تعيين ثم يأتي بعدها بأيّ سورة شاء. نعم، لو عيّنها لسورة لم تكف لغيرها، فلو عدل عنها وجب إعادة البسملة لعدم وقوعها جزءاً للسورة المعدول إليها.

و توضيح المقام يستدعي التكلم في جهات:

الجهة الاولى: لا ريب في وجوب قراءة القرآن في الصلاة و الإتيان بسورة الحمد و سورة اخرى بعنوان أنّها من القرآن، للأمر بذلك بقوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ «1» المفسّر بما ذكر، كما لا ريب في عدم تحقق ذلك إلّا بالإتيان بألفاظ مماثلة للألفاظ النازلة على النبي الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بقصد الحكاية عنها، فبدون هذا القصد لا يصدق عنوان القرآن، بل هو قول مطابق له، و لفظ مشابه معه، و لذا لو تكلّم بداعٍ آخر غير قصد الحكاية بطلت صلاته لكونه من كلام الآدمي و إن كان متحداً مع ألفاظ القرآن، كما لو أراد الإخبار عن مجي‌ء رجل من أقصى المدينة فقال: و جاء رجل من أقصى المدينة أو كان عنده مسمّى بيحيى و أراد أمره بأخذ الكتاب فقال: يا يحيى خذ الكتاب بقوة، و كذا الحال في إنشاد القصيدة، أو كتابة شي‌ء، فكل ذلك يتوقف على‌

______________________________
[1] بل الأقوى وجوب التعيين و لو بنحو الإشارة الإجمالية.

______________________________
(1) المزمل 73: 20.

337
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج 14 ص 337

..........

______________________________
استعمال الألفاظ أو كتابتها بقصد الحكاية عمّا يشابهها من الألفاظ التي يروم الإتيان بها بعناوينها من القرآن أو القصيدة و نحوهما. و الظاهر أنّ هذا مما لا إشكال فيه و لا شبهة تعتريه.

الجهة الثانية: بعد ما عرفت من توقف صدق القرآن على قصد الحكاية فهل اللّازم حكاية شخص الألفاظ النازلة على النبي الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله) و القصد إلى خصوص الفرد المعيّن، أو تكفي حكاية الطبيعي الجامع و إن لم يتعلّق القصد إلى حصة خاصة منها.

و يترتّب على ذلك: أنّه لو قرأ الجنب بسملة العزيمة من دون قصد سورة معيّنة، أو كتب الجامع بين الآيات المشتركة كآية فَبِأَيِّ آلٰاءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ* أو الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ* أو بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ* و نحوها من الآيات المتكررة في القرآن الكريم، من دون أن يقصد الكاتب الحكاية عن فرد معيّن فعلى الأوّل لا تحرم القراءة على الجنب في الصورة الأُولى، و لا مس الكتابة على المحدث في الصورة الثانية، لعدم صدق القرآن بعد عدم الحكاية عن الحصة الخاصة، و على الثاني يحرم لكونه من القرآن بمجرد قصد الحكاية عن الجامع و طبيعي الآية و إن لم يقصد الفرد المعيّن.

قد يقال بالأوّل و عدم صدق القرآن على الجامع، نظراً إلى أنّ النازل على النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) إنّما هو نفس الحصص الخاصة و الجامع اعتبار ينتزعه العقل و لا وجود له وراء الفرد، و الحكاية عن الطبيعي لا تستلزم الحكاية عن الأفراد، فما هو الموجود في الخارج و هو الفرد غير مقصود بالحكاية على الفرض، و ما هو المقصود غير موجود مستقلا، إذ ليس النازل إلّا الفرد دون الجامع، هكذا أُفيد.

و لكنّه كما ترى واضح البطلان، ضرورة أنّ الطبيعي و إن لم يكن له وجود‌

338
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج 14 ص 337

..........

______________________________
مستقل وراء فرده إلّا أنّه لا إشكال في وجوده خارجاً بوجود الفرد، و أنّ كليهما موجودان بوجود واحد يصح إسناده و إضافته إلى كل منهما حقيقة و من دون عناية، فوجود زيد في الدار بعينه وجود للإنسان و مصداق للكلي المتحصص بهذه الحصة، فيضاف ذاك الوجود إلى الفرد و إلى الطبيعي من نوع أو جنس قريب أو بعيد.

و عليه فالنازل على الرسول الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و إن كان هو الفرد المعيّن و الحصة الخاصة، إلّا أنّ ذلك الوجود كما يضاف إلى الفرد يضاف بعينه إلى الطبيعي و الجامع المتحصص بتلك الحصة، فكل منهما صالح لإضافة الوجود و إسناد النزول إليه، و كلاهما قرآن، و إن كانا موجودين بوجود واحد كما عرفت، و لا ينفك أحدهما عن الآخر بالضرورة، فقصد الجامع قصد للقرآن و حكاية له بلا إشكال. و كيف يمكن أن يقال إنّ تلاوة فَبِأَيِّ آلٰاءِ رَبِّكُمٰا تُكَذِّبٰانِ* بقصد طبيعي المقروء، و الجامع المنزل على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في سورة الرحمن من غير نيّة التعيين في خصوص الآية الأُولى منها أو ما عداها ليس من القرآن، و أنّ ذلك بمثابة قراءتها من غير قصد الحكاية أصلًا حيث عرفت أنّها لا تعدّ من القرآن، بل قول مشابه له و لفظ مماثل معه، فانّ الفرق بينهما في غاية الوضوح.

الجهة الثالثة: بعد ما عرفت من كفاية قصد الجامع في صدق القرآن، و أنّ قراءة اللفظ المشترك كالبسملة قاصداً بها الحكاية عن الجامع المنزل و إن لم يقصد الشخص المعيّن مصداق للقرآن، فهل يجتزأ بذلك في مرحلة الامتثال و تتحقق معه القراءة المأمور بها في الصلاة؟

أمّا بالنسبة إلى بسملة الحمد فلا ينبغي الإشكال في عدم الاجتزاء، إذ المأمور به إنّما هو قراءة سورة الحمد بخصوصها لا طبيعي السورة، فلا بدّ من‌

339
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج 14 ص 337

..........

______________________________
الإتيان بها بتمام أجزائها، و واضح أنّ جزأها بسملتها لا مطلق البسملة، فكما يعتبر الإتيان بسائر آياتها بقصد أنّها من الفاتحة، فلا يكفى قول: الحمد للّٰه ربّ العالمين بقصد الآية الواقعة في سورة أُخرى، و لا بقصد الجامع بينهما بلا إشكال فكذا الحال في البسملة، و الظاهر أنّ هذا مسلّم لا ريب فيه، و لم يقع فيه خلاف من أحد.

إنّما الكلام في بسملة السورة، فقد يقال بكفاية قصد الجامع فلا يعتبر التعيين نظراً إلى أنّ المأمور به إنّما هو طبيعي السورة الجامع بين أفراده، و حيث إنّ جزأها البسملة فلا محالة يكون الواجب منها هو الطبيعي الجامع بين البسملات فاذا قصد هذا الكلي فقد امتثل أمره، و هو صالح لأن تلحق به بقية الآيات من طبيعي السورة المأمور بها، فاذا أتى بفرد منها و ضمّها إلى البسملة المأتي بها فقد امتثل التكليف بالسورة التامة، و قد اختار هذا القول المحقق الهمداني «1» و قرّبه بعين هذا التقريب.

لكنّه مخدوش، فإنّ المأمور به و إن كان هو طبيعي السورة لكنه الطبيعي الصادق على كل سورة بما لها من الأجزاء، و من الواضح أنّ الجزء من كل سورة إنّما هي الحصة الخاصة من البسملة و الفرد المعيّن منها، دون الطبيعي الجامع المشترك بين جميع السور، فلا بدّ في حصول ذاك الجزء من تعلق القصد بتلك الحصّة الخاصّة، و إن كان هو مخيّراً في اختيار أيّة حصّة شاء على ما يقتضيه فرض تعلق الأمر بطبيعي السورة، فلا يكفي قصد الحكاية عن القدر المشترك بين البسملات، لعدم كونه مصداقاً لبعض أجزاء السورة المأمور بها كما هو الحال في سائر آيات السورة، فلو كانت مشتركة بين سورتين أو أكثر لا بدّ من تعيين كونها من سورة خاصّة.

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 320 السطر 32.

340
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11الأقوى عدم وجوب تعيين السورة قبل الشروع فيها ج 14 ص 337

..........

______________________________
و ما عن صاحب الجواهر «1» من كفاية قصد الجامع و عدم وجوب تعيين البسملة، إذ لا ينحصر التشخيص في القصد بل قد يحصل من أجل متابعة السورة المعيّنة و لحوقها بها فيصدق عرفاً تعيّن البسملة لها، كما ترى، ضرورة أنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا هو عليه، و الصدق العرفي انّما هو لبنائهم على قصد التعيين من أوّل الأمر، و إلّا فالصدق مع اطلاعهم على قصد الجامع ممنوع، و لو سلّم فهو مبني على ضرب من المسامحة قطعاً، لما عرفت من امتناع انقلاب الشي‌ء عما وقع عليه، فانّ البسملة الواقعة بقصد الجامع كيف تنقلب بلحوق السورة و تقع لخصوصها، و قياسه بالمركبات الخارجية كنحت الخشب الصالح لصنعه سريراً أو باباً و نحوهما مع الفارق، لعدم الحاجة إلى القصد فيها، بخلاف المقام الذي هو مركب اعتباري متقوّم بالقصد.

فتحصل من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوى وجوب تعيين البسملة للسورة قبل الشروع فيها، و عدم كفاية قصد الجامع و إن كان حينئذ قرآنا أيضاً. نعم لا يعتبر التعيين تفصيلًا، بل يكفي القصد الإجمالي، كأن يقصد البسملة للسورة المعيّنة عند اللّٰه و إن كانت مجهولة لديه، كما لو كتب سورة و وضعها في يده ثم نسيها فقصد البسملة لهذه السورة.

ثم إنّه على التقديرين أي سواء أقلنا بلزوم قصد التعيين أم لا لو عيّنها لسورة خاصة ثم عدل عنها لا يجوز الاكتفاء بها، بل تجب إعادة البسملة بلا إشكال كما نبّه عليه في المتن، فإنّ المأتي بها بقصد الجامع يمكن أن يقال كما قيل بكفايتها من أجل أنّ حكاية الجامع حكاية للفرد و إن عرفت ما فيه، و أمّا المأتي بها بقصد الفرد المعيّن فلا يمكن أن تكون حكايته حكاية لفرد آخر مباين معه كما هو ظاهر.

______________________________
(1) الجواهر 10: 56.

341
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا عين البسملة لسورة ثم نسيها فلم يدر ما عين ج 14 ص 342

[مسألة 12: إذا عيّن البسملة لسورة ثم نسيها فلم يدر ما عيّن]

[1504] مسألة 12: إذا عيّن البسملة لسورة ثم نسيها فلم يدر ما عيّن، وجب إعادة البسملة لأيّ سورة أراد، و لو علم أنّه عيّنها لإحدى السورتين من الجحد و التوحيد و لم يدر أنّه لأيّتهما أعاد البسملة [1] و قرأ إحداهما، و لا يجوز قراءة غيرهما (1).

______________________________
ثم إنّ صاحب الحدائق (قدس سره) بعد أن اختار عدم وجوب التعيين استدل له بخلوّ النصوص عن التعرض لذلك، فيرجع إلى أصالة العدم من حديث الحجب و غيره من أخبار أدلة البراءة «1».

و فيه: أنّ اعتبار التعيين إنّما هو من أجل دخله في صدق القراءة المأمور بها في الصلاة كما عرفت، فلو كان هناك شك فهو في الانطباق و حصول الامتثال و مثله مجرى للاشتغال دون البراءة.

(1) بعد ما بنى (قدس سره) على عدم وجوب تعيين البسملة، و أنّه لو عيّنها لسورة وجب إعادتها لو عدل إلى أُخرى، رتّب على ذلك فروعاً تعرّض لها في ضمن مسائل، و لنقدّم الكلام فيما ذكره في المسألة الرابعة عشرة لكونه أسهل تناولًا. ثم نتكلّم في بقية الفروع على وجه يتضح الحال فيها أجمع إلى نهاية المسألة الخامسة عشرة، فنقول:

لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو أثنائها في ابتداء الركعة مثلًا على قراءة سورة معيّنة، أو كانت عادته كذلك ثم نسي فقرأ سورة أُخرى ذاهلًا عن عزمه الأوّل صحت و لم تجب إعادة السورة بلا إشكال، إذ المأمور به هو طبيعي‌

______________________________
[1] لا أثر للإعادة مع العلم التفصيلي بعدم جزئيتها للصلاة، و الأحوط قراءة كلتا السورتين بقصد جزئية ما وقعت البسملة له من دون فصل بينهما بها.

______________________________
(1) الحدائق 8: 223.

342
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء ج 14 ص 343

[مسألة 13: إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء]

[1505] مسألة 13: إذا بسمل من غير تعيين سورة فله أن يقرأ ما شاء [1]، و لو شكّ في أنّه عيّنها لسورة معيّنة أو لا فكذلك، لكن الأحوط في هذه الصورة إعادتها، بل الأحوط إعادتها مطلقاً لما مرّ من الاحتياط في التعيين.

[مسألة 14: لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو أوّل الركعة أن يقرأ سورة معيّنة فنسي]

[1506] مسألة 14: لو كان بانياً من أوّل الصلاة أو أوّل الركعة أن يقرأ سورة معيّنة فنسي و قرأ غيرها، كفى و لم يجب إعادة السورة، و كذا لو كانت عادته سورة معيّنة فقرأ غيرها.

[مسألة 15: إذا شكّ في أثناء سورة أنّه هل عيّن البسملة لها أو لغيرها]

[1507] مسألة 15: إذا شكّ في أثناء سورة أنّه هل عيّن البسملة لها أو لغيرها و قرأها نسياناً، بنى على أنّه لم يعيّن غيرها.

______________________________
السورة، و لا دليل على تعينها في مصداق خاص بمجرد البناء و العزم و إن تجدّد عزم آخر على خلافه، فلا قصور في اتصاف الأُخرى بكونها مصداقاً للمأمور به بعد صدورها عن قصد و إرادة، و إن كان ذلك مبنيّاً على الذهول عن الداعي الأوّل الذي كان بانياً عليه في افتتاح الصلاة، و هذا واضح لا سترة عليه.

و أمّا بقية الفروع فيجمعها أنّه تارة: يعلم بأنّه عيّن البسملة لسورة خاصة و أُخرى: يعلم بعدم التعيين و أنّه أطلق، و ثالثة: يشك في الإطلاق و التعيين و رابعة: يعلم بالتعيين إجمالًا و يجهل متعلقه، و أنّه عيّنها لهذه السورة أم للأُخرى.

أمّا الصورة الأُولى: فهي مبحث العدول من سورة إلى أُخرى، و قد تعرّض لها في المسألة السادسة عشرة، و سيجي‌ء البحث عنها مفصلًا إن شاء اللّٰه تعالى.

و أمّا الصورة الثانية: فبناءً على مختار المتن من عدم وجوب التعيين، له أن يقرأ بعدها أيّ سورة شاء كما صرح به في المسألة الثالثة عشرة، لكن عرفت‌

______________________________
[1] مرّ أنّ الأقوى وجوب التعيين و منه يظهر حكم ما فرّع عليه.

343
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها ج 14 ص 343

..........

______________________________
أنّ الأقوى خلافه، فلا يجتزئ بها، بل لا بدّ من إعادة البسملة بقصد سورة معيّنة.

و أمّا الصورة الثالثة: أعني الدوران بين التعيين و الإطلاق قبل الدخول في السورة، فقد صرح في المتن أنّه كذلك، أي له أن يقرأ بعدها ما شاء. و هذا وجيه على مسلكه من عدم اعتبار التعيين لأصالة عدم التعيين، و ليس ذلك من الأصل المثبت، و لا معارضاً بأصالة عدم الإطلاق، إذ ليس المراد بالإطلاق في المقام لحاظ الطبيعة السارية في أفرادها المقابل للتقييد، اللذين هما أمران وجوديان كل منهما مسبوق بالعدم، و يكونان متقابلين بتقابل التضاد حتى يكون الأصل في كل منهما معارضاً بالآخر كما في باب الإنشائيات، حيث إنّ المنشئ لا بد له من لحاظ أحد الأمرين كل منهما مجرى لأصالة العدم.

بل المراد به هنا الطبيعة المهملة الجامعة بين اللّابدية بشرط القسمي و المقسمي بأقسامه الثلاثة المعراة عن كل قيد و لحاظ، الذي هو مدلول الألفاظ، فلم يعلم أنّه حين الشروع في البسملة هل لاحظ التقييد فعيّنها لسورة معيّنة أو أهملها فلم يقصد إلّا الطبيعة الجامعة، و حيث إنّ الثاني هو المتيقن المطابق للأصل لاحتياج الأوّل إلى مئونة زائدة مدفوعة بالأصل، فبأصالة عدم التعيين السليمة عن المعارض ينتج أنّه قصد الطبيعة غير المتحصصة بحصة خاصة، و المفروض أنّ حكمه جواز القراءة بعدها بأيّ سورة شاء.

فما أفاده (قدس سره) جيّد على مبناه إلّا أنّ المبنى غير صحيح كما عرفت فالأقوى عدم الاكتفاء بتلك البسملة للزوم التعيين و لم يحرز، فلا بدّ من إعادتها لسورة معينة.

و أمّا الصورة الرابعة: أعني ما لو شكّ بعد البسملة في أنّه هل عيّنها لهذه السورة أو لسورة أُخرى؟ فقد يكون الشك أثناء السورة، و أُخرى قبل الدخول فيها.

344
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها ج 14 ص 343

..........

______________________________
أمّا الأوّل: فلا إشكال في عدم الاعتناء و البناء على أنّه لم يعيّن غيرها، كما نبّه عليه في المسألة الخامسة عشرة، عملًا بقاعدة التجاوز لرجوع الشك حينئذ إلى وجود الجزء و عدمه، و أنّه هل بسمل لهذه السورة أو لا، و لا فرق في جريان القاعدة بين الجزء و بين جزء الجزء كما حرّر في محله «1».

و أمّا الثاني: فله فروض ثلاثة، إذ قد يكون الترديد بين سورتين غير الجحد و التوحيد، و أُخرى بينهما خاصّة، و ثالثة بين سورة أُخرى و إحدى هاتين السورتين.

أمّا الفرض الأوّل: فليس له الاجتزاء بتلك البسملة، إذ لو أتى بأيّ من السورتين يشك في وقوع البسملة لها فلا يحصل اليقين بامتثال السورة التامّة فلا بدّ من إعادتها و الإتيان بأيّ سورة أراد، عملًا بقاعدة الاشتغال و تحصيلًا لليقين بالفراغ، و هذا ظاهر.

و أما في الفرض الثاني: فليس له إعادة البسملة للعلم التفصيلي بعدم الأمر بها، لأنّه لو أعادها لإحداهما فامّا أنّها تكون هي التي بسمل لها أوّلًا فقد سقط أمرها بالامتثال، أو غيرها فلا أمر بها، لعدم جواز العدول من إحداهما إلى الأُخرى، كما ليس له قراءة إحداهما، لعدم الجزم بوقوع البسملة لها، فلم يحرز الإتيان بالسورة التامّة، و لا قراءة سورة أُخرى غيرهما لعدم جواز العدول عنهما، فلا مناص له من قراءة السورتين معاً مقتصراً على البسملة السابقة قاصداً الجزئية بإحداهما المعيّنة واقعاً، و معه يقطع بحصول السورة التامة، و لا محذور فيه، عدا توهّم القرآن بين السورتين. و فيه: مضافاً إلى أنّ الأقوى عدم حرمته بل غايته الكراهة كما مرّ، أنّ الممنوع منه حرمة أو كراهة إنّما هو صورة التمكّن من إتمام السورة الواحدة و الاجتزاء بها، فلا يشمل المقام الذي لا يتيسر ذلك كما عرفت.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 297.

345
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا شك في أثناء سورة أنه هل عين البسملة لها أو لغيرها ج 14 ص 343

..........

______________________________
وعدا توهم لزوم الفصل بين السورة و بسملتها الموجب للإخلال بالموالاة المعتبرة بينهما. و فيه: أنّه لا ضير فيه بهذا المقدار، و لا تفوت معه الموالاة العرفية، بل تجوز قراءة القرآن بين السورة و بسملتها عمداً و اختياراً فضلًا عن مثل المقام كما لا يخفى.

و ممّا ذكر تعرف أنّ ما ذكره في المتن في المسألة الثانية عشرة في هذا الفرض من إعادة البسملة و قراءة إحدى السورتين، لا يمكن المساعدة عليه.

و أما الفرض الثالث: كما لو تردد ما عيّن له البسملة بين القدر و التوحيد مثلًا، فليس له قراءة إحدى السورتين من غير إعادة البسملة، لعدم إحراز بسملتها، و هذا واضح. كما ليس له قراءة القدر مع البسملة لها، للعلم التفصيلي بعدم الأمر بهذه البسملة، فإنّ البسملة السابقة إن كانت للقدر فقد سقط أمرها بالامتثال، و إن كانت للتوحيد فلا يجوز العدول عنها.

هذا، و إطلاق كلام الماتن أعني قوله في المسألة الثانية عشرة: وجب إعادة البسملة لأي سورة أراد شامل لذلك، و مقتضاه جواز قراءة القدر مع البسملة لها، و قد عرفت ما فيه.

فالظاهر أنّ المتعيّن في حقه اتخاذ أحد طريقين:

الأول: أن يعيد البسملة للتوحيد و يقرأها، إذ لا ضير فيه عدا احتمال الزيادة من جهة احتمال أن تكون البسملة السابقة لها فتتكرر بسملتها، و هو غير ضائر بعد أصالة عدم الزيادة، و لا أقل من الإتيان بها رجاء أو بقصد القرآنية، و لو كانت السابقة للقدر فلا تقدح لجواز العدول من غير التوحيد إليها.

الثاني: أن يعيد البسملة لسورة أُخرى غير التوحيد و القدر كالكوثر، فيقرأ سورة الكوثر مثلًا مع بسملتها. و هذا أيضاً لا ضير فيه عدا احتمال العدول الممنوع لو كانت السابقة للتوحيد، و هو أيضاً مدفوع بالأصل لأصالة عدم قراءة التوحيد، و لا تعارض بأصالة عدم قراءة القدر إذ لا أثر لها إلّا إذا ثبت‌

346
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

[مسألة 16: يجوز العدول من سورة إلى أُخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف]

[1508] مسألة 16: يجوز العدول من سورة إلى أُخرى اختياراً ما لم يبلغ النصف [1] (1).

______________________________
بها قراءة التوحيد، و الأصل لا يتكفل بإثباتها لعدم حجية الأُصول المثبتة.

و بالجملة: جواز العدول ليس من آثار قراءة القدر كي يجري فيها الأصل بل من آثار قراءة سورة لم تكن توحيداً، كما أنّ عدم جوازه من آثار قراءة التوحيد، و حيث إنّ طبيعي القراءة متيقنة و كونها توحيداً مشكوك، فبعد دفعه بالأصل و ضمّه إلى الوجدان يحرز أنّ المقروء سورة غير التوحيد، فيترتب عليه جواز العدول من غير أصل معارض كما هو ظاهر جدّاً.

(1) لا إشكال كما لا خلاف في جواز العدول من سورة إلى أُخرى اختياراً في الجملة، بل هو المطابق لمقتضى القاعدة، فإنّ المأمور به إنّما هو طبيعي السورة و لا دليل على تعيّنه في سورة معيّنة بمجرد الشروع فيها «1»، و احتمال وجوب المضي و الإتمام مدفوع بالأصل. و قد ذكرنا نظير ذلك في مسألة القصر و الإتمام في مواطن التخيير، و قلنا إنّ المأمور به إنّما هو الطبيعي، و لا يعتبر قصد إحدى الخصوصيتين و لا يتعين فيها الطبيعي لو قصد، فلو نوى التمام و قبل تجاوز الحد المشترك بدا له العدول إلى القصر، أو بالعكس جاز و صحت صلاته.

و يقتضيه أيضاً إطلاق بعض نصوص المقام كما ستعرف، فلا إشكال في الحكم.

______________________________
[1] أمّا بعد بلوغه فالأحوط وجوباً عدم العدول ما بينه و بين الثلثين.

______________________________
(1) هذا على المسلك المشهور من عدم جواز التبعيض، و أما بناءً على الجواز كما يميل إليه سيدنا الأُستاد (دام ظله) بمقتضى الصناعة حسبما تقدم فغير واضح، لتحقق الامتثال بالبعض المأتي به و سقوط الأمر و امتناع الامتثال عقيب الامتثال و معه لا موضوع للعدول، إلّا أن يراد به العدول الرجائي أو عن السورة الكاملة المستحبة إلى مثلها سواء أقلنا بجزئيتها للصلاة أم بظرفيتها لها.

347
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
إنّما الكلام في المورد الذي لا يجوز فيه العدول، فإنّه المحتاج إلى الدليل لكونه على خلاف الأصل كما عرفت، و الأقوال فيه أربعة:

أحدها: ما عن الصدوق «1» و تبعه بعض من تحديد ذلك بعدم بلوغ النصف فلا يجوز العدول إذا بلغ نصف السورة.

الثاني: ما هو المشهور بين الأصحاب قديماً و حديثاً، بل ادعي عليه الإجماع في كثير من الكلمات من تحديده بعدم تجاوز النصف فيجوز مع بلوغ النصف و إنّما يمنع إذا جاوزه و أخذ في النصف الآخر.

الثالث: ما هو المحكي عن كشف الغطاء «2» من التحديد ببلوغ ثلثي السورة.

الرابع: ما اختاره في الحدائق «3» من جواز العدول مطلقاً من غير تحديد بحد.

أمّا القول الأوّل: فليس له مستند ظاهر، و لم ينقل عليه الإجماع، نعم يوافقه الفقه الرضوي «4»، لكن الإشكال في اعتباره معلوم كما تكرر غير مرّة، فلا يمكن الاعتماد عليه. على أنّه معارض ببعض النصوص المصرّح فيها بجواز العدول مع بلوغ النصف، كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل أراد أن يقرأ سورة فقرأ غيرها، هل يصلح له أن يقرأ نصفها ثم يرجع إلى السورة التي أراد؟ قال: نعم ...» إلخ «5» فإنّها و إن رويت بطريق ضعيف لمكان عبد اللّٰه بن الحسن، لكن صاحب الوسائل رواها أيضاً عن كتاب علي بن‌

______________________________
(1) الفقيه 1: 201.

(2) كشف الغطاء: 235 السطر 35.

(3) الحدائق 8: 215.

(4) فقه الرضا (عليه السلام): 130.

(5) الوسائل 6: 100/ أبواب القراءة في الصلاة ب 35 ح 3.

348
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
جعفر «1»، و طريقه إلى الكتاب المنتهى إلى طريق الشيخ إليه صحيح.

و موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ غيرها، قال: له أن يرجع ما بينه و بين أن يقرأ ثلثيها» «2» فهذا القول ساقط جزماً.

و أمّا القول الثاني: فإن كان هناك إجماع تعبدي يطمأن أو يوثق معه بقول المعصوم (عليه السلام) فهو، و إلّا فإثباته بحسب الروايات مشكل لعدم تماميّتها إذ ليس له مستند عدا مرسلة الدعائم، و رواية الشهيد في الذكرى، قال في دعائم الإسلام: و روينا عن جعفر بن محمد (عليه السلام) «أنّه قال: من بدأ بالقراءة في الصلاة بسورة ثم رأى أن يتركها و يأخذ في غيرها فله ذلك ما لم يأخذ في نصف السورة الأُخرى ...» إلخ «3».

و فيه: مضافاً إلى ضعف روايات الدعائم بالإرسال، بل و جهالة مؤلفه و إن بالغ النوري في اعتباره «4» أنّها قاصرة الدلالة، فإنّها ظاهرة في العدول عن نصف سورة إلى النصف الآخر من السورة الأُخرى، بحيث يكون المجموع سورة ملفّقة من سورتين، كما يشهد له تأنيث كلمة «الأُخرى» التي هي صفة للسورة لا للنصف. و عليه فتكون أجنبية عما نحن فيه من العدول إلى سورة أُخرى تامّة.

نعم، حكى المحقق الهمداني «5» عن المستند «6» أنّ النسخة التي عنده كانت هكذا‌

______________________________
(1) مسائل علي بن جعفر: 164/ 260.

(2) الوسائل 6: 101/ أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 2.

(3) المستدرك 4: 200/ أبواب القراءة في الصلاة ب 27 ح 1، الدعائم 1: 161.

(4) راجع المعجم 20: 184/ 13102.

(5) مصباح الفقيه (الصلاة): 323 السطر 21.

(6) المستند 5: 112.

349
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
«في نصف السورة الآخر» بتذكير الآخر كي يكون صفة للنصف، و حينئذ للاستدلال بها وجه، و إن كانت العبارة حينئذ لا تخلو عن الركاكة كما لا يخفى و كان الأولى لو أُريد ذلك أن يعبّر هكذا: في النصف الثاني، أو في النصف الآخر بل الظاهر أنّ النسخة مضافاً إلى عدم الوثوق بها مغلوطة، و الصحيح ما أثبتناه فتخرج عن محل الكلام كما عرفت.

و أمّا رواية الشهيد فقد حكى في الوسائل، و كذا المجلسي في البحار «1» عن الذكرى نقلًا من كتاب نوادر البزنطي، عن أبي العباس عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في الرجل يريد أن يقرأ السورة فيقرأ في أُخرى، قال: يرجع إلى التي يريد و إن بلغ النصف» «2» بتقريب أنّها ظاهرة في أنّ بلوغ النصف هو غاية الحد و لذا عبّر عنها بكلمة إن الوصلية، لإدراج الفرد الخفي، و إلّا لقال و إن جاوز النصف.

و فيه أوّلًا: أنّها ضعيفة السند، لعدم وضوح طريق الذكرى إلى كتاب البزنطي «3» فتكون الرواية مرسلة، و المراد بأبي العباس هو الفضل بن عبد الملك البقباق لأنّ الواقع في هذه الطبقة ليس غيره فلا إشكال من أجله.

هذا، مع أنّ صاحب الحدائق «4» ذكر أنّ النسخ التي وقف عليها من الذكرى عارية عن إسناد الرواية إلى أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) بل مروية عن أبي العباس نفسه، و لم يعلم أنّها فتواه أم رواية عن الإمام (عليه السلام) و عليه فتكون الرواية مضافاً إلى الإرسال مقطوعة أيضاً.

______________________________
(1) البحار 82: 61.

(2) الوسائل 6: 101/ أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 3، الذكرى 3: 356.

(3) يمكن تصحيحه بأنّ للشهيد طريقاً صحيحاً إلى الشيخ الطوسي، و طريق الشيخ إلى كتاب البزنطي صحيح.

(4) الحدائق 8: 210.

350
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
و ثانياً: بإمكان الخدشة في الدلالة، فإنّ ما ذكر لا يتجاوز الإشعار و لا يبلغ حدّ الاستدلال، لإمكان أن يكون التعبير بقوله: «و إن بلغ النصف» إشارة إلى الفرد النادر، إذ قلّ ما يعدل المصلي عن السورة بعد بلوغ نصفها، و الغالب في العدول قبل البلوغ هذا الحد كما لا يخفى. فلا يدل على أنّ هذا نهاية الحد الشرعي لجواز العدول.

على أنّ هاتين الروايتين رواية الدعائم و الذكرى تعارضهما موثقة عبيد ابن زرارة المتقدمة «1» المصرّحة بجواز العدول ما بينه و بين أن يقرأ ثلثي السورة.

و بذلك يظهر مستند القول الثالث الذي اختاره في كشف الغطاء، فإنه استند فيه إلى هذه الموثقة التي هي قوية السند صريحة الدلالة و لا إشكال عليها، إلّا من حيث إعراض الأصحاب عنها، لأنّ المشهور هو القول الثاني كما عرفت. فان بنينا على قادحية الإعراض سقطت عن الحجية، و إلّا كما هو المختار فلا مانع من الاعتماد عليها. و من ذلك تعرف قوة هذا القول.

و أمّا القول الرابع: أعني جواز العدول مطلقاً الذي اختاره صاحب الحدائق فقد استدل (قدس سره) له بإطلاق الأخبار و قدمه على التحديدات المذكورة في رواية الفقه الرضوي و غيرها التي هي حجة عنده، و لا يتم ذلك على مسلكه كما لا يخفى.

نعم، يمكن تقريب هذا القول، بل و تقويته ببيان آخر نتيجته جواز العدول مطلقاً، و حمل التحديد بالنصف أو الثلثين على ضرب من الكراهة و المرجوحية على اختلاف مراتبها. و هذا البيان نتيجة الالتزام بمبنيين: أحدهما جواز التبعيض و الآخر جواز القرآن بين السورتين اللذين عرفت فيما مضى أنّهما الأقوى بالنظر إلى الأدلّة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 101/ أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 2.

351
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
و عليه نقول التحديد بالثلثين الذي تضمنه موثق عبيد المتقدم لا يمكن حمله على اللّزوم على وجه لا يجوز العدول بعده، لأنّ الوجه في عدم الجواز إن كان هو وجوب إتمام هذه السورة التي بيده فقد بنينا على جواز التبعيض و عدم وجوب الإتيان بسورة تامّة حسب الفرض، و إن كان عدم جواز القرآن بين السورتين بدعوى شموله للزائد من السورة الواحدة و إن لم تتم السورتان كما قد يقتضيه إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة منصور المتقدمة سابقاً: «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «1»، فقد بنينا على جواز القرآن فليس لهذا التحديد وجه ظاهر و يبعد جدّاً حمله على التعبد المحض فتأمل. فلا مناص من حمله على ضرب من المرجوحية و الكراهة، التي دونها في المرتبة ما لو كان العدول قبل هذا الحد، و بعد تجاوز النصف الذي تضمنته صحيحة علي ابن جعفر المتقدمة «2».

بل يمكن أن يقال: بتعين الوجه الأوّل، لعدم شمول القرآن الممنوع للعدول المبحوث عنه في المقام، لأنّ أخبار الباب قد تضمنت بأجمعها التعبير ب‍ «الرجوع» و ظاهره رفع اليد عن السورة التي بيده، و الإتيان بسورة أُخرى على نحو يشبه تبديل الامتثال بالامتثال، و أين هذا من القرآن الذي هو عبارة عن الامتثال بكلتا السورتين و جعلهما معاً مصداقاً للمأمور به، فلا علاقة بين المسألتين بوجه، إذن فالوجه في المنع عن العدول بعد ما عرفت من استبعاد التعبد المحض ليس إلّا المنع عن التبعيض و قد بنينا على جوازه.

و المتحصل من مجموع الأخبار: أنه إذا لم يبلغ الثلثين جاز له العدول، بمعنى رفع اليد عما بيده، و تبديل الامتثال بامتثال آخر، فيعدل إلى سورة أُخرى‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2.

(2) في ص 348.

352
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

إلّا من الجحد و التوحيد فلا يجوز العدول منهما (1) إلى غيرهما، بل من إحداهما إلى الأُخرى بمجرد الشروع فيها و لو بالبسملة.

______________________________
بقصد الجزئية، إذ التحديد بالنصف أو تجاوزه لم ينهض عليه دليل معتبر كما مرّ. و أمّا إذا بلغ هذا الحد فالعدول بهذا المعنى غير جائز في حقه، للتحديد بذلك في موثقة عبيد بن زرارة و لا مانع من العمل بها. فليس له رفع اليد عن هذه السورة بل يجب إتمامها، لكنه ليس ذلك إلّا من جهة عدم جواز التبعيض، و لا يحتمل له وجه آخر، فان بنينا على العدم فلا مناص من الإتمام، و التحديد حينئذ مبني على اللّزوم، و أمّا إذا بنينا على جواز التبعيض كما هو الأقوى بالنظر إلى الأدلّة و إن كان الأحوط وجوباً خلافه كما مرّ سابقاً فله العدول بمعنى رفع اليد عن هذه السورة و الاقتصار على ما قرأ، و إن أراد أن يأتي بسورة أُخرى فله ذلك، لكنه يأتي بها بقصد مطلق القرآن، لا بقصد الجزئية و تبديل الامتثال، لما عرفت من دلالة الموثقة على المنع عن ذلك، فلا تصلح السورة الأُخرى بعدئذ للجزئية.

نعم، لو أراد أن يأتي بسورة كاملة بقصد الجزئية لا محيص له من إتمام هذه السورة. و عليه فالتحديد المزبور مبني على ضرب من الكراهة و المرجوحية دون اللّزوم. و نتيجة ذلك جواز العدول بمعنى رفع اليد عمّا بيده و الاجتزاء بما قرأ، لا بمعنى تبديل الامتثال بالامتثال مطلقاً كما ذكره صاحب الحدائق، لكن لا للوجه الذي ذكره، بل لما عرفت. و هذا القول غير بعيد لو بنينا على جواز التبعيض و إلّا فالأقوى التحديد بالثلثين كما اختاره كاشف الغطاء فتأمل، و لكنّ الأحوط ما عليه المشهور.

(1) بلا خلاف و لا إشكال، فلا يجوز العدول عنهما بعد الشروع بالمعنى الذي‌

353
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
قدّمناه أعني تبديل الامتثال بالامتثال فتسقط سائر السور عن صلاحية الجزئية، فإن بنينا على المنع عن التبعيض وجب الإتمام، و إلّا جاز الاقتصار على ما قرأ، و رفع اليد عن الباقي كما عرفت تفصيله فيما مرّ.

و مستند الحكم عدّة نصوص معتبرة كصحيحة عمرو بن أبي نصر قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) الرجل يقوم في الصلاة فيريد أن يقرأ سورة فيقرأ قل هو اللّٰه أحد، و قل يا أيها الكافرون، فقال: يرجع من كل سورة إلّا من قل هو اللّٰه أحد، و قل يا أيها الكافرون» «1».

و صحيحة الحلبي قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) رجل قرأ في الغداة سورة قل هو اللّٰه أحد، قال: لا بأس، و من افتتح سورة ثم بدا له أن يرجع في سورة غيرها فلا بأس إلّا قل هو اللّٰه أحد، و لا يرجع منها إلى غيرها، و كذلك قل يا أيّها الكافرون» «2» و غير ذلك من الأخبار كصحيحة علي بن جعفر «3» و نحوها.

و مقتضى الإطلاق فيها عدم جواز العدول حتى بالشروع في أوّل آية منها و لو بالبسملة، إذ يصدق قراءتها و افتتاحها بمجرد ذلك، فلا فرق في الحكم بين بلوغ النصف و عدمه.

كما أنّ مقتضى الإطلاق أيضاً عدم جواز العدول من كل منهما حتى إلى الأُخرى.

______________________________
(1) الوسائل 6: 99/ أبواب القراءة في الصلاة ب 35 ح 1.

(2) الوسائل 6: 99/ أبواب القراءة في الصلاة ب 35 ح 2.

(3) الوسائل 6: 100/ أبواب القراءة في الصلاة ب 35 ح 3.

354
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

نعم، يجوز العدول منهما [1] إلى الجمعة و المنافقين في خصوص يوم الجمعة حيث إنّه يستحب في الظهر أو الجمعة منه أن يقرأ في الركعة الأُولى الجمعة و في الثانية المنافقين، فإذا نسي و قرأ غيرهما حتى الجحد و التوحيد يجوز العدول إليهما ما لم يبلغ النصف. و أما إذا شرع في الجحد أو التوحيد عمداً فلا يجوز العدول إليهما أيضاً على الأحوط (1).

______________________________
(1) يقع الكلام في جهات:

الاولى: لا ينبغي الإشكال في جواز العدول من كل سورة حتى الجحد و التوحيد إلى الجمعة و المنافقين في خصوص يوم الجمعة في الجملة كما عليه المشهور.

و يدلُّ عليه في خصوص التوحيد: عدة نصوص معتبرة كصحيحة محمد بن مسلم «في الرجل يريد أن يقرأ سورة الجمعة في الجمعة فيقرأ قل هو اللّٰه أحد قال: يرجع إلى سورة الجمعة» «1» و صحيحة الحلبي «إذا افتتحت صلاتك بقل هو اللّٰه أحد و أنت تريد أن تقرأ بغيرها فامض فيها و لا ترجع، إلّا أن تكون في يوم الجمعة فإنّك ترجع إلى الجمعة و المنافقين منها» «2» و نحوهما موثقة عبيد «3» و غيرها.

و أمّا الجحد، فإلحاقه بالتوحيد مبني على القول بعدم الفصل كما قيل، و أنّه لا فرق بينهما في العدول جوازاً و منعاً، لكن الجزم به مشكل.

و الأولى الاستدلال له بصحيحة علي بن جعفر قال: «سألته عن القراءة في الجمعة بما يقرأ؟ قال: سورة الجمعة، و إذا جاءك المنافقون، و إن أخذت في‌

______________________________
[1] مرّ حكم ذلك في مسائل العدول [في المسألة 1433 المورد الرابع].

______________________________
(1) الوسائل 6: 152/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 1، 2.

(2) الوسائل 6: 152/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 1، 2.

(3) الوسائل 6: 153/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 3.

355
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
غيرها و إن كان قل هو اللّٰه أحد فاقطعها من أوّلها و ارجع إليها» «1».

أمّا من حيث السند، فهي صحيحة كما ذكرنا، فانّ صاحب الوسائل و إن حكاها عن قرب الإسناد «2» بطريق ضعيف لاشتماله على عبد اللّٰه بن الحسن، إلّا أنّ صاحب الحدائق رواها عن كتاب علي بن جعفر «3» و طريقه إليه المنتهى إلى طريق الشيخ صحيح كما أشرنا إليه غير مرّة، و الظاهر أنّ اقتصار صاحب الوسائل على الطريق الأوّل في المقام، و عدم التعرّض للطريق الثاني غفلة منه (قدس سره)، إذ قد ذكر السؤال و الجواب الواقعين قبل هذا الحديث «4» في الباب الخامس و الثلاثين من أبواب القراءة الحديث الثالث، و أشار هناك إلى الطريقين معاً حيث قال: و رواه علي بن جعفر في كتابه فلاحظ، و كيف كان فلا شبهة في صحة السند.

و أمّا من حيث الدلالة، فيمكن تقريبها من وجهين:

أحدهما: استظهار التعميم لجميع السور من أجل تخصيص التوحيد بالذكر بكلمة إن الوصلية، الظاهرة في إدراج الفرد الخفي و أنّه آخر الأفراد التي ينتهي الأمر إليها و لا يمكن الرجوع عنها، الكاشف عن كونها أعظم شأناً من غيرها في حكم العدول، لأنّها أولى بالإتمام من غيرها، فاذا جاز العدول عنها إليهما جاز عن غيرها و منها الجحد بطريق أولى.

______________________________
(1) الوسائل 6: 153/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 4.

(2) قرب الاسناد: 214/ 839.

(3) الحدائق 8: 209.

(4) لقائل أن يقول: إنّ تلك رواية أُخرى لا ترتبط بهذه إلّا من حيث الاشتراك في السائل و المسؤول عنه، و لو صح هذا مناطاً للاتحاد لأصبح جميع مسائل علي بن جعفر رواية واحدة.

356
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
الثاني: مع الغض عمّا ذكر و تسليم عدم الظهور في التعميم، فلا ريب أنّ إطلاقها يشمل الجحد، و حينئذ تكون النسبة بينها و بين ما دلّ على عدم جواز العدول عن الجحد إلى غيرها كما سبق نسبة العموم من وجه، إذ الأُولى مطلقة من حيث الجحد و غيرها و خاصة بيوم الجمعة و بما إذا كانت المعدول إليها خصوص الجمعة أو المنافقين، و الثانية بعكس ذلك فيتعارضان في مادة الاجتماع، و بعد التساقط يرجع إلى الأصل المقتضي للجواز كما قدّمناه في صدر المبحث، و إلى الإطلاقات كموثقة عبيد بن زرارة «1» و غيرها، فليتأمل. و بذلك يثبت أصل الجواز.

و أمّا الاستحباب، فيدل عليه إطلاق الأخبار الآمرة بقراءة الجمعة و المنافقين يوم الجمعة، و أنّه لا ينبغي تركهما كصحيحة زرارة «2» و غيرها، فإنّ إطلاقها يشمل حتى من شرع في سورة أُخرى و إن كانت هي الجحد، فلا إشكال في شمول الحكم لهما معاً.

الجهة الثانية: هل المراد بالصلاة المستثناة عن هذا الحكم في يوم الجمعة هي صلاة الجمعة خاصة كما اختاره صاحب الحدائق «3»، أو بإضافة الظهر إليها كما عليه المشهور، أو بزيادة العصر أيضاً كما عن جامع المقاصد «4»، أو الجميع مع صلاة الغداة كما احتمله في الجواهر «5» و إن لم يظهر له قائل، أو يضاف على‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 101/ أبواب القراءة في الصلاة ب 36 ح 2.

(2) الوسائل 6: 120/ أبواب القراءة في الصلاة ب 49 ح 6.

(3) الحدائق 8: 220.

(4) جامع المقاصد 2: 280 [و لكن الموجود في النسخة المطبوعة التي بأيدينا من جامع المقاصد اختصاص الحكم بالظهر و صلاة الجمعة و أمّا صلاة العصر فقد حكاه عنه في الجواهر 10: 67].

(5) الجواهر 10: 67.

357
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
الكل بعد إخراج العصر صلاة العشاء من ليلة الجمعة كما عن الجعفي «1»؟

وجوه بل أقوال، و الأقوى ما عليه المشهور كما ستعرف.

أمّا مقالة الحدائق، فقد استدل عليها بأنّ لفظ الجمعة في هذه الأخبار كصحيحة محمد بن مسلم، و موثقة عبيد، و صحيحة ابن جعفر «2» منصرف إلى صلاة الجمعة. نعم، في صحيحة الحلبي «3» «يوم الجمعة» لكن الإطلاق منزّل على صلاة الجمعة بقرينة تلك الأخبار، فيحمل المطلق على المقيد، و يقتصر في جواز العدول على المتيقن، و يرجع في غيره إلى إطلاق دليل المنع.

لكنه كما ترى، إذ فيه أوّلًا: أنّه لا موجب لرفع اليد عن إطلاق صحيح الحلبي المخصص لعموم المنع، إذ ليس المقام من موارد حمل المطلق على المقيّد لاختصاصه بالمتنافيين، و ما إذا كان المطلوب في المطلق صرف الوجود، و لا تنافي بين الدليلين في المقام بعد كونهما مثبتين كما هو ظاهر، فالمحكّم إذن إطلاق دليل المخصص المقدّم على عموم العام.

و ثانياً: أنّ تلك الأخبار في أنفسها غير صالحة للتقييد، فإنّ السائل كعلي ابن جعفر متى سنح له في عصر موسى بن جعفر (عليه السلام) و غيره أن يصلي صلاة الجمعة إماماً حتى يكون هو القارئ كي يسأل عن حكم العدول و لو كان مأموماً فوظيفته الظهر في نفسه خلف الإمام المخالف.

و على الجملة: إرادة خصوص صلاة الجمعة من هذه الأخبار يلزمها التعرض لبيان حكم لم يتحقق في الخارج، فلا بدّ و أن يكون المراد الأعم من صلاة الجمعة و ظهرها لا خصوص الأُولى، إذ لم تكن صلاة الجمعة معهودة‌

______________________________
(1) حكاه عنه في الذكرى 3: 355.

(2) الوسائل 6: 152/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 1، 3، 4.

(3) الوسائل 6: 153/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 2.

358
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
و لا محلّاً للابتلاء بالإضافة إلى أصحاب الأئمة (عليهم السلام) حتى يتعرض لحكمها من حيث العدول في القراءة و عدمه فليتأمل.

و ثالثاً: أنّ دعوى انصراف لفظ الجمعة إلى صلاتها كما ذكره (قدس سره) ممنوع، بل الظاهر أنّه موضوع للأعم منها و من الظهر يوم الجمعة كما أُطلق على ذلك في غير واحد من الأخبار، لأنّهما حقيقة واحدة قد أُبدلت الركعتان الأخيرتان بالخطبتين. و من ذلك كله تعرف أنّ الأقوى شمول الحكم لهما كما عليه المشهور. نعم، في رواية دعائم الإسلام التصريح بأنّه في صلاة الجمعة خاصة «1»، لكنه لا يعتمد على هذا الكتاب كما مرّ مراراً.

و أمّا إلحاق العصر، فوجهه إطلاق اليوم في صحيحة الحلبي «2»، و لا يقدح اشتمال بقية الأخبار على الجمعة، الظاهر في صلاة الجمعة و ظهرها، لعدم التنافي حتى يلزم حمل المطلق على المقيد.

و يدفعه: أنّ هذا الإطلاق غير متبع، إذ ليس الوجه في ثبوت هذا الحكم أعني جواز العدول استحباب قراءة الجمعة و المنافقين في صلاة الجمعة و ظهرها، كي يسري إلى العصر لثبوت الاستحباب فيه أيضاً، و إلّا لزم التعدي إلى سائر الصلوات، لاستحباب قراءة سور خاصة فيها كسورة الفجر في صلاة الغداة أو الدهر، أو هل أتيك حديث الغاشية في العشاء و غيرها من صلوات سائر الأيام، و هو كما ترى.

بل الوجه في ذلك: شدة الاهتمام و تأكد العناية بقراءتهما في صلاة الجمعة بالمعنى الأعم، الشامل للظهر بحيث كاد أن يكون واجباً كما يفصح عنه التعبير بكلمة «لا ينبغي» في صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث‌

______________________________
(1) المستدرك 4: 221/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1، الدعائم 1: 161.

(2) الوسائل 6: 153/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 2.

359
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
طويل يقول: «اقرأ سورة الجمعة و المنافقين، فانّ قراءتهما سنّة يوم الجمعة في الغداة و الظهر و العصر، و لا ينبغي لك أن تقرأ بغيرهما في صلاة الظهر يعني يوم الجمعة إماماً كنت أو غير إمام» «1».

و عليه فمناسبة الحكم و الموضوع تقتضي اختصاص الحكم بصلاة الجمعة بالمعنى الأعم، و لأجل ذلك ينصرف الإطلاق في صحيحة الحلبي إليها فإنّ الاستحباب و إن كان ثابتاً في العصر أيضاً كما ذكر في هذه الصحيحة، إلّا أنّ تلك العناية و الاهتمام خاصة بالظهر، لاختصاصها بالتعبير ب‍ «لا ينبغي» أي لا يتيسر كما عرفت.

و أمّا إلحاق الغداة، فوجهه إطلاق اليوم الشامل لصلاة الغداة كما مرّ في العصر.

و قد يقال: بأنّ المناط في العدول استحباب السورتين غير الثابت في صلاة الغداة.

و فيه: أنّ الاستحباب ثابت فيها كالعصر، كما نطقت به صحيحة زرارة المتقدمة آنفاً.

فالصحيح في الجواب أوّلًا: ما عرفت من انصراف الإطلاق بمناسبة الحكم و الموضوع إلى صلاة الجمعة بالمعنى الأعم، لشدة الاهتمام بقراءتهما فيها، و ليس المدار في هذا الحكم على مطلق استحباب السورة، و إلّا لاتجه النقض بما عرفت.

و ثانياً: أنّ شمول إطلاق اليوم لصلاة الغداة غير معلوم، فانّ اليوم و إن كان قد يطلق على ما بين طلوع الفجر و غروب الشمس، لكن أكثر إطلاقه خاص بما بين طلوع الشمس و غروبها، فله إطلاقان و لم يحرز أنّ المراد به في المقام المعنى الأوّل. فالمقتضي للتعميم قاصر في نفسه كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل 6: 120/ أبواب القراءة في الصلاة ب 49 ح 6.

360
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
و أمّا إلحاق ليلة الجمعة، فلم يظهر له وجه أصلًا بعد وضوح عدم صدق اليوم على الليلة.

فاتضح أنّ الأقوى ما عليه المشهور من اختصاص الحكم بصلاة الجمعة و ظهرها.

الجهة الثالثة: هل يختص الحكم بجواز العدول إلى الجمعة و المنافقين بما إذا لم يتجاوز النصف، فبعد التجاوز لا يجوز العدول إليهما كما لا يجوز إلى غيرهما، أو يعمّ الحكم صورة التجاوز أيضاً؟

يقع الكلام تارة في العدول عن غير الجحد و التوحيد، و أُخرى في العدول عنهما.

أمّا الأوّل: فقد عرفت أنّ التحديد بعدم تجاوز النصف لم ينهض عليه دليل معتبر عدا الإجماع، و هو لو تمّ دليل لبيّ يقتصر على المتيقن منه، و هو العدول إلى غير الجمعة و المنافقين، و أمّا فيهما فلم يعلم بتحققه، و لو سلّم قيام دليل لفظي معتبر عليه و كان له إطلاق، أو بنينا على التحديد بالثلثين كما نطق به موثق عبيد المتقدم «1» و اختاره كاشف الغطاء، و عرفت أنّه الأقوى، فالنسبة بين هذه الموثقة أو ذاك الدليل اللفظي لو كان، و بين ما دل على جواز العدول إلى الجمعة و المنافقين من الروايات المتقدمة عموم من وجه، إذ مقتضى إطلاق الأوّل المنع عن العدول بعد تجاوز النصف أو بعد بلوغ الثلثين إلى أيّ سورة سواء أ كانت الجمعة و المنافقين أم غيرهما، و مقتضى إطلاق الثاني جواز العدول إليهما سواء أ كان قبل تجاوز النصف أو الثلثين أم بعدهما، فيتعارضان في مادة الاجتماع و هي العدول إلى السورتين بعد تجاوز النصف أو الثلثين، و بعد التساقط يرجع إلى الأصل أو عموم ما دلّ على‌

______________________________
(1) في ص 349.

361
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16يجوز العدول من سورة إلى أخرى اختيارا ما لم يبلغ النصف ج 14 ص 347

..........

______________________________
جواز الرجوع من كل سورة إلى غيرها، و بذلك يثبت الجواز. و أمّا الاستحباب فيكفي فيه إطلاق ما دلّ على أنّه لا ينبغي ترك الجمعة و المنافقين في يوم الجمعة كما تقدم «1» في صحيحة زرارة الطويلة.

و أمّا الثاني: أعني العدول عن الجحد و التوحيد، فالظاهر أيضاً ثبوته على الإطلاق، لإطلاق ما دلّ على جواز العدول عنهما إلى الجمعة و المنافقين من الروايات المتقدمة، فإنّه يشمل النصف و الثلثين و غيرهما، إذ لم يرد هنا تحديد بل كان المنع ذاتياً غير مختص بحد معيّن، فإطلاق دليل المخصص الدال على جواز العدول منهما إليهما هو المحكّم.

فظهر أنّ الأقوى جواز العدول إلى الجمعة و المنافقين مطلقاً، من غير فرق بين الجحد و التوحيد و غيرهما، و لا بين تجاوز النصف أو الثلثين و عدمهما. نعم في رواية الفقه الرضوي التحديد بالنصف «2»، لكنّها ليست بحجة كما مرّ غير مرّة.

الجهة الرابعة: هل يختص الحكم بجواز العدول من الجحد و التوحيد و كذا من غيرهما و إن جاوز الثلثين إلى سورة الجمعة و المنافقين بصورة النسيان، فاذا شرع فيها عامداً لا يجوز العدول إليهما، أو يعمّ صورة العمد أيضاً؟

فيه خلاف و إشكال، و قد احتاط في المتن بتخصيص الحكم بالأُولى.

و وجه الاشكال: أنّ الروايات المانعة عن العدول على طائفتين، فبعضها و هي الأكثر موردها الناسي كصحيحة عمرو بن أبي نصر و علي بن جعفر و غيرهما «3» و البعض الآخر و هي صحيحة الحلبي «4» موردها العمد لقوله «ثم بدا له» و أمّا‌

______________________________
(1) في ص 359.

(2) فقه الرضا (عليه السلام): 130.

(3) الوسائل 6: 99/ أبواب القراءة في الصلاة ب 35، ح 1، 3.

(4) الوسائل 6: 99/ أبواب القراءة في الصلاة ب 35 ح 2.

362
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 17الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة ج 14 ص 363

[مسألة 17: الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة]

[1509] مسألة 17: الأحوط عدم العدول من الجمعة و المنافقين إلى غيرهما في يوم الجمعة و إن لم يبلغ النصف (1).

______________________________
الروايات المسوّغة للعدول إلى الجمعة و المنافقين فهي بأجمعها مختصّة بالنسيان فتخصص الطائفة الاولى من الروايات المانعة. و أمّا الطائفة الثانية فهي سليمة عن المخصص، فيؤخذ بإطلاق المنع فيها.

و لكن الظاهر شمول الحكم لصورة العمد أيضاً، فإنّ الروايات المجوّزة أيضاً على طائفتين، إذ فيها ما له إطلاق يشمل العامد، و هي صحيحة علي بن جعفر «1» فإنّها صحيحة السند كما مرّ، و المذكور فيها عنوان الأخذ الشامل للعمد و النسيان فتكون هذه مقيّدة لجميع الأخبار السابقة المانعة عن العدول، إذ النسبة بينها و بين مجموع تلك الأخبار نسبة الخاص إلى العام، لأنّ مفادها عدم جواز العدول في العمد و النسيان إلى أيّ سورة، و مفاد هذه الصحيحة الجواز فيهما إلى خصوص الجمعة و المنافقين، فتقيّد تلك بهذه، و نتيجته شمول الحكم لصورتي العمد و النسيان كما ذكرنا.

(1) هذا لم يرد في شي‌ء من النصوص غير ما عن كتاب دعائم الإسلام «2» المصرّح بعدم جواز العدول عنهما و ليس بحجة، و ليست هناك شهرة ينجبر بها الضعف على القول به، لأنّ المسألة خلافية، فلم يبق إلّا الوجه الاستحساني و هو أنّ جواز العدول عن الجحد و التوحيد إليهما مع كونه ممنوعاً في نفسه يكشف عن أهميتهما بالنسبة إليهما و شدة العناية و المحافظة على قراءتهما أكثر ممّا روعي في التوحيد و الجحد، فاذا لم يجز العدول عنهما لم يجز في الجمعة و المنافقين‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 153/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69 ح 4.

(2) المستدرك 4: 221/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1، دعائم الإسلام 1: 161.

363
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18يجوز العدول من سورة إلى أخرى في النوافل مطلقا ج 14 ص 364

[مسألة 18: يجوز العدول من سورة إلى أُخرى في النوافل مطلقاً]

[1510] مسألة 18: يجوز العدول من سورة إلى أُخرى في النوافل مطلقاً و إن بلغ النصف [1] (1).

______________________________
بطريق أولى، إلّا أنّ هذه الأولوية ليست بقطعية لعدم العلم بملاكات الأحكام و مجرّد الاستحسان لا يصلح أن يكون مدركاً لحكم شرعي على سبيل البتّ و الجزم. فالأقوى هو الجواز و إن كان الاحتياط حسناً على كل حال.

(1) إذا استندنا في المنع عن العدول إلى الإجماع، فغير خفي أنّه دليل لبي لا إطلاق له حتى يشمل النوافل، فتبقى تحت المطلقات أو أصالة الجواز.

و أمّا إذا استندنا إلى الأدلة اللفظية من الروايات الضعيفة كمرسلة الذكرى أو الفقه الرضوي المانعة عن العدول بعد تجاوز النصف، أو إلى موثقة عبيد المانعة عنه بعد الثلثين، فتلكم الروايات مطلقة تعمّ الفرائض و النوافل، و لكن الظاهر انصرافها إلى الأُولى، لأنّ العدول الذي تضمنته هذه النصوص جوازاً و منعاً فيما قبل الحد و بعده معناه تبديل الامتثال بالامتثال و عدمه كما مرّ، و أنّه يجوز التبديل قبل بلوغ الحد من النصف أو الثلثين، و لا يجوز بعد البلوغ.

و عليه فهي ناظرة إلى الصلاة التي تقرّرت فيها سورة واحدة حتى يحكم بجواز تبديلها بامتثال آخر أو بعدم الجواز، و هي ليست إلّا الفرائض التي لا يجوز فيها القرآن لقوله (عليه السلام): «لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة و لا بأكثر» «1» و أمّا النوافل فلم تكن السورة المقررة فيها و لو استحباباً محدودة بحد، و لا مقيدة بالوحدة، لاختصاص القرآن الممنوع حرمة أو كراهة بغيرها، بل كل ما أتى‌

______________________________
[1] الأحوط الإتيان بالمعدول إليه بقصد القربة المطلقة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 43/ أبواب القراءة في الصلاة ب 4 ح 2.

364
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتى في الجحد و التوحيد ج 14 ص 365

[مسألة 19: يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتى في الجحد و التوحيد]

[1511] مسألة 19: يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف (1) حتى في الجحد و التوحيد، كما إذا نسي بعض السورة، أو خاف فوت الوقت بإتمامها، أو كان هناك مانع آخر،

______________________________
به من السورة فهي الوظيفة الفعلية، لا أنّ الامتثال مختص بالوجود الأوّل حتى يكون العدول عنها من تبديل الامتثال بالامتثال، بل هو بنفسه مصداق للامتثال. فبهذه القرينة تنصرف تلك الأخبار إلى الفرائض و لا تعمّ النوافل فتبقى تحت أصالة الجواز، فتدبر جيداً.

(1) مراده (قدس سره) بالجواز المعنى الأعم المقابل للحرمة و المجامع للوجوب لا المعنى الأخص المساوق للإباحة، لوضوح أنّ العدول في الموارد التي يذكرها واجب، و ليس بمباح.

و كيف كان، فبعد ما فرغ عن حكم العدول و أنّه غير جائز بعد تجاوز النصف، استثنى عن ذلك مورد الاضطرار و العجز بحيث لا يمكنه إتمام السورة التي شرع فيها، و هو قد يكون تكوينياً كما لو نسي بعض السورة، أو تشريعياً كما لو خاف فوت الوقت بإتمامها، فإنّه يجوز العدول حينئذ و لو عن الجحد و التوحيد أو بعد تجاوز النصف أو الثلثين، بل يجب بناءً على وجوب السورة الكاملة، و ذلك لقصور شمول دليل المنع لمثل المقام، لاختصاصه بما إذا تمكن من إتمام السورة، حيث إنّ ظاهره وجوب الإتمام المختص بصورة التمكن، و المفروض عجزه عن ذلك تكويناً أو تشريعاً، فيبقى العدول حينئذ تحت أصالة الجواز.

و هذا ظاهر لا إشكال فيه، إذ طروء العجز و العذر يكشف عن عدم تعلق الأمر بهذه السورة من الأوّل، فلا يعدّ ذلك من تبديل الامتثال.

365
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتى في الجحد و التوحيد ج 14 ص 365

و من ذلك ما لو نذر أن يقرأ سورة معيّنة (1) في صلاته فنسي و قرأ غيرها فانّ الظاهر جواز العدول [1] و إن كان بعد بلوغ النصف، أو كان ما شرع فيه الجحد أو التوحيد.

______________________________
(1) عدّ (قدس سره) من موارد العذر التشريعي ما لو نذر قراءة سورة معيّنة في صلاته ثم غفل و شرع في سورة أُخرى، فإنّه يجوز له العدول عنها و إن كانت هي الجحد أو التوحيد، أو بعد تجاوز النصف في غيرهما، فيعدل عنها إلى السورة المنذورة، لعدم التمكن من إتمام ما شرع، لاستلزامه ترك الوفاء بالنذر الممنوع شرعاً.

و ليعلم أنّ محل الكلام ما لو تعلق النذر بالأمر الوجودي، و هو قراءة سورة معيّنة كما ذكرنا، و أمّا إذا كان متعلقه أمراً عدميا كنذر أن لا يقرأ سورة أُخرى غير ما عيّن، فهو خارج عن محل الكلام، لبطلان مثل هذا النذر في نفسه و لو لم يكن مزاحماً بحكم آخر، ضرورة اعتبار الرجحان في متعلّق النذر، و لا رجحان في ترك قراءة سائر السور، سيّما إذا لوحظ معها مثل التوحيد التي تستحب قراءتها مطلقاً، أو بعض السور كهل أتى، و الأعلى، و الغاشية التي يستحب قراءتها بخصوصها في بعض الأيام، و في بعض الصلوات.

فمحل الكلام و الذي ينظر إليه في المتن إنّما هو القسم الأوّل بلا ريب، إذ الكلام إنّما هو في النذر الصحيح المنعقد في حد نفسه مع قطع النظر عن الابتلاء بالمزاحم، و لا شك في صحة نذر أن يقرأ سورة معيّنة في صلاته، لرجحانها و إن كان غيرها أرجح منها، إذ لا يعتبر في صحة النذر إلّا رجحان المتعلق في نفسه‌

______________________________
[1] فيه إشكال بل منع، و الأظهر جواز القطع و إعادة الصلاة مع السورة المنذورة، و الأحوط أن تكون الإعادة بعد العدول و الإتمام.

366
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتى في الجحد و التوحيد ج 14 ص 365

..........

______________________________
لا أن لا يكون شي‌ء أرجح منه، و من هنا ترى صحة نذر زيارة مسلم (عليه السلام) ليلة عرفة لرجحانها، و إن كانت زيارة الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة أفضل.

و قد يقال في محل الكلام: بجواز ترك السورة المنذورة و قراءة غيرها حتى اختياراً، إذ ليست فيه مخالفة للنذر، فانّ نذر قراءتها كان مشروطاً باشتغال الذمّة بالسورة كما هو مقتضى تقييدها بالصلاة، و معلوم أنّ النذر المشروط بشرط لا يقتضي حفظ شرطه، بل له إعدامه ليرتفع موضوع الوفاء، فله تفويت الشرط بتفريغ ذمته عن السورة الواجبة في الصلاة بقراءة سورة أُخرى غير المنذورة فلا يبقى موضوع لوجوب الوفاء.

و هذا كما ترى من غرائب الكلام، ضرورة أنّ الشرط هو اشتغال الذمة الذي يكفي في تحققه الاشتغال آناً ما و قد تحقق بالشروع «1» في الصلاة جزماً فالشرط حاصل و النذر معه نافذ لفعلية المشروط بفعلية شرطه، و معه كيف يسوغ له التفويت المؤدي إلى مخالفة النذر، و هذا نظير ما لو نذر أن يدفع زكاته لزيد مهما اشتغلت ذمته بها، فإنّه لا إشكال في حصول الحنث لو دفعها إلى عمرو، مع أنّ الموضوع حينئذ غير باقٍ، لعدم اشتغال ذمته بالزكاة بعد الدفع المزبور، إلى غير ذلك من النظائر التي لا تخفى ممّا لا يمكن الالتزام فيها بما ذكر. و السرّ أنّ شرط التكليف و إن لم يجب تحصيله أو التحفظ عليه، لكنه لا يجوز تفويته بعد حصوله و فعلية التكليف كما هو ظاهر.

و مما ذكرنا يظهر أنّ ما ذكره هذا القائل من التخيير بين الإتمام و العدول لو قرأ غير المنذورة نسياناً و كان مما يجوز العدول عنه كغير الجحد و التوحيد قبل بلوغ النصف، لا يمكن المساعدة عليه بوجه، بل يجب عليه العدول وفاءً بالنذر‌

______________________________
(1) بل قبله أيضاً إذ لا يناط الاشتغال بالشروع فتدبر.

367
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتى في الجحد و التوحيد ج 14 ص 365

..........

______________________________
لنفوذه بعد حصول شرطه.

و كيف ما كان، فاذا نذر قراءة سورة معيّنة في صلاته فشرع في أُخرى نسياناً و تذكّر بعد تجاوز النصف على المشهور، أو بعد تجاوز الثلثين على المختار، أو كان ما شرع فيه التوحيد أو الجحد، فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّه يجوز أي يجب العدول حينئذ، لعدم شمول دليل حرمة العدول للمقام، لاختصاصه بما إذا كان قادراً على الإتمام، و لا قدرة عليه شرعاً بعد وجوب الوفاء بالنذر المقتضي للإتيان بالسورة المنذورة.

و ما أفاده (قدس سره) وجيه لو شمل دليل الوفاء لمثل المقام لكنه غير شامل و هذا النذر باطل في نفسه كما اعترف به غير واحد من الأعلام، و الوجه في ذلك: ما ذكرناه في الأُصول «1» في بحث التزاحم في مسألة الترتب من أنّ أمثال المقام و إن كان داخلًا في باب التزاحم فيتزاحم وجوب الوفاء بالنذر مع حرمة العدول، لكن الترجيح مع الثاني، لقصور دليل النذر عن مزاحمة حكم من الأحكام، لاشتراط نفوذه بأن لا يكون محللًا للحرام، أو محرّماً للحلال فلا يتغير من أجله حكم من الأحكام.

و من هنا ذكرنا أنّ في كل مورد وقع التزاحم بين الوفاء بالنذر و بين واجب آخر كان مشروطاً بالقدرة عقلًا قدّم الثاني، إذ القدرة مأخوذة في الأوّل في لسان الدليل، فهي معتبرة فيه شرعاً، و القدرة العقلية مقدّمة على الشرعية لإطلاق دليلها الموجب للعجز عن الآخر. و بذلك ينكشف عدم انعقاد النذر من أوّل الأمر فيحرم عليه العدول في المقام عملًا بإطلاق دليله السليم عن المزاحم.

و لكن التحقيق: أنّ ما ذكر إنّما يتم فيما إذا كان متعلق النذر الصلاة الشخصية و أمّا إذا كان متعلقه طبيعي الصلاة كما هو كذلك غالباً، فلا موجب لرفع اليد‌

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 3: 251.

368
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19يجوز مع الضرورة العدول بعد بلوغ النصف حتى في الجحد و التوحيد ج 14 ص 365

..........

______________________________
عن عموم دليل الوفاء بالنذر، إذ يمكن امتثاله برفع اليد عن هذه الصلاة و إعادتها مع السورة المنذورة، لعدم تعلق النذر بهذه الصلاة بخصوصها حسب الفرض. و هذا لا محذور فيه، إذ لا يصادم حكماً من الأحكام عدا حرمة قطع الصلاة على القول بها، لكنّها لو سلّمت فهي غير شاملة للمقام، إذ لا دليل معتبر عليها إلّا الإجماع و هو دليل لبّي يقتصر على المتيقن منه الذي هو غير ما نحن فيه و ما يضاهيه كما لو نذر زيارة الأمير (عليه السلام) مثلًا في ساعة معيّنة، فنسي و شرع في الصلاة في تلك الساعة، فإنّه لا ينبغي الإشكال في جواز القطع، بل وجوبه و الوفاء بنذره، لما عرفت من عدم شمول الإجماع على حرمة القطع لمثل ذلك.

فالأقوى: نفوذ النذر في المقام، فيقطع صلاته و يعيدها مع السورة المنذورة و لكن الأحوط حذراً عن احتمال «1» حرمة القطع ضم ما ذكرناه إلى ما أفاده‌

______________________________
(1) و لكنّه معارض باحتمال حرمة العدول الشامل إطلاق دليلها للمقام من غير مزاحم حسب اعترافه (دام ظله) بل إنّ هذا الاحتمال أولى بالمراعاة بعد أن كان دليل حرمة القطع لبيا يحتمل عدم شموله للمقام رأساً. و بالجملة: الأمر دائر بين العدول و الإتمام و القطع. لا سبيل للأوّل لإطلاق دليل حرمته، و لا الثاني لكونه مفوّتاً للوفاء بالنذر، فيتعيّن الثالث.

و منه تعرف تعذر الاحتياط في المقام، و لا محيص من القطع و الاستئناف مع السورة المنذورة، فما في بحثه الشريف تبعاً لتعليقته الأنيقة من حصول الاحتياط بالعدول و الإعادة غير واضح كالتعبير في التعليقة بقوله (دام ظله): و الأظهر جواز القطع، إلّا أن يريد به الجواز بالمعنى الأعم المجامع للوجوب، ثم إنه بناءً على ما يراه (دام بقاؤه) من جواز القرآن بين السورتين، يمكن التخلص بإتمام السورة ثم تعقيبها بالسورة المنذورة و بذلك يكون قد وفى بنذره و لم يرتكب العدول المحرّم، إلّا أن يكون متعلق نذره في مفروض المسألة الإتيان بها مصداقاً لطبيعي السورة الواجب عليه في الصلاة، المنطبق طبعاً على السورة الأُولى، هذا.

و يمكن أن يُقال: بابتناء الاشكال على أن تكون حرمة العدول تكليفية كحرمة القطع، و أمّا إذا كانت وضعيّة محضة كما لعله الظاهر من أخبار الباب بمعنى عدم صحة الصلاة بغير تلك السورة و أنّها المتعيّنة للجزئية، فلا إشكال فلاحظ و تدبر.

369
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

[مسألة 20: يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء]

[1512] مسألة 20: يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء، و يجب الإخفات في الظهر و العصر في غير يوم الجمعة، و أما فيه فيستحب الجهر في صلاة الجمعة، بل في الظهر أيضاً على الأقوى (1).

______________________________
في المتن، فيتم صلاته بعد العدول ثم يعيدها مع السورة المنذورة.

و من جميع ما ذكرناه يظهر: فساد الاحتمال الثالث الذي ذكر في المقام، من رفع اليد عن كل من دليلي وجوب الوفاء بالنذر و حرمة العدول، لتساقط الدليلين المتزاحمين بعد عدم ترجيح في البين، و نتيجة ذلك هو التخيير بين العدول و عدمه.

إذ فيه: أنّ النذر لو كان متعلقاً بالشخص فهو في نفسه منحل، لقصور دليله عن الشمول للمقام كما عرفت، فالمتعيّن العمل بإطلاق الدليل الآخر و إن كان متعلقاً بالطبيعي كما ذكرنا أنه الغالب، فالمتعيّن الأخذ بإطلاق كلا الدليلين لعدم تزاحم في البين، فلا يعدل، بل يقطع و يعيدها بتلك السورة، فاحتمال التخيير ساقط على التقديرين.

(1) المشهور بين الأصحاب وجوب الجهر على الرجال في صلاة الغداة، و في الركعتين الأولتين من صلاة المغرب و العشاء، و وجوب الإخفات في ثالثة المغرب و في الركعتين الأخيرتين من كل رباعية. بل عن الخلاف الإجماع عليه «1»، و لم‌

______________________________
(1) الخلاف 1: 332، 372.

370
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
ينسب الخلاف إلّا إلى السيد المرتضى «1» و ابن الجنيد (قدس سرهما) «2» فذهبا إلى استحباب الجهر و عدم وجوبه، بل صرّح السيد المرتضى بتأكد الاستحباب للأمر بالإعادة لو أخل به في بعض الأخبار، و اختاره من المتأخرين صاحب المدارك «3» و تبعه السبزواري «4»، و مال إليه بعض آخر. و محل الكلام هو الرجال و أمّا النساء فسيأتي حكمها.

و استدل للمشهور بوجوه كلها ضعيفة ما عدا صحيحتين لزرارة سنذكرهما.

فمنها: السيرة الجارية على مراعاة الجهر في الموارد المذكورة المتصلة بزمان المعصومين (عليهم السلام) و لا بدّ من التأسي بهم.

و فيه: أنّ السيرة كفعل المعصومين (عليهم السلام) لا يدل على الوجوب بل غايته الرجحان. و أمّا دليل التأسي من قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) «صلّوا كما رأيتموني أُصلِّي» «5» فلم يثبت من طرقنا، مضافاً إلى النقاش في الدلالة كما مرّ مراراً.

و منها: رواية الفضل بن شاذان الواردة في علة الجهر في بعض الصلوات من أنّها في أوقات مظلمة فيجهر ليعلم المارّ أنّ هناك جماعة «6».

و فيه: أنّها واردة في مقام حكم آخر، فلا تدل على وجوب الجهر أو استحبابه بالمعنى الاصطلاحي المبحوث عنه في المقام كما لا يخفى.

______________________________
(1) حكاه عنه في المعتبر 2: 176.

(2) حكاه عنه في المختلف 2: 170.

(3) المدارك 3: 358.

(4) الذخيرة: 274 السطر 22.

(5) صحيح البخاري 1: 162، السنن الكبرى 3: 120.

(6) الوسائل 6: 82/ أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 1.

371
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
و منها: رواية يحيى بن أكثم القاضي «أنّه سأل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن صلاة الفجر لم يجهر فيها بالقراءة و هي من صلوات النهار، و إنما يجهر في صلاة الليل، فقال: لأنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كان يغلس بها فقرّبها من الليل» «1».

و فيه: أيضاً عدم الدلالة على الوجوب، فانّ كونه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) يغلس بها أعم من ذلك.

و منها: غيرها من عدة روايات لا تخلو عن الخدش في السند أو الدلالة على سبيل منع الخلو.

و العمدة في المقام صحيحتان لزرارة: إحداهما: عن أبي جعفر (عليه السلام) «عن رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال: أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه و قد تمت صلاته» «2»، و قد رواها كل من الصدوق و الشيخ بسند صحيح عن حريز عن زرارة «3».

و الأُخرى: ما رواه الشيخ أيضاً بسند صحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له رجل جهر بالقراءة فيما لا ينبغي الجهر فيه، أو أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، و ترك القراءة فيما ينبغي القراءة فيه، أو قرأ فيما لا ينبغي القراءة فيه، فقال: أيّ ذلك فعل ناسياً أو ساهياً فلا شي‌ء عليه» «4» و قد دلّت الاولى منطوقاً و الثانية مفهوماً على وجوب الجهر و الإخفات في الجملة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 84/ أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 3.

(2) الوسائل 6: 86/ أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 1.

(3) الفقيه 1: 227/ 1003، التهذيب 2: 162/ 635.

(4) الوسائل 6: 86/ أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 2، التهذيب 2: 147/ 577.

372
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
و هاتان هما العمدة في مدرك المشهور مؤيداً ببعض الأخبار ممّا تقدم و غيره.

و بإزائهما صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى قال: «سألته عن الرجل يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة هل عليه أن لا يجهر؟ قال: إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل» «1».

و قد استدل بها صاحب المدارك «2» على عدم الوجوب، و بها رفع اليد عن الصحيحتين المتقدمتين و حملهما على الاستحباب، و قال أنّها أظهر سنداً و دلالة فلا وجه لحملها على التقية، بل مقتضى الجمع العرفي بينها و بين تينك الصحيحتين الحمل على الاستحباب كما اختاره المرتضى (قدس سره).

و أجاب عنها المتأخرون: بإعراض الأصحاب عنها، فليست بحجة في نفسها حتى تصلح للمعارضة. و هذا الجواب كما ترى لا يتم على مسلكنا من عدم قادحية الاعراض.

فيبقى الكلام في وجه الجمع بعد البناء على حجيتها في نفسها، و هل ذلك بالحمل على الاستحباب كما صنعه صاحب المدارك؟

الظاهر لا، لتضمن الصحيحتين المتقدمتين الأمر بالإعادة منطوقاً، و مفهوماً على وجه و قد ذكرنا غير مرّة أنّه ليس حكماً تكليفياً و إنّما هو إرشاد إلى الفساد و عدم سقوط الأمر الأوّل، فوجوب الإعادة بحكم العقل، و واضح أنّه لا معنى لاستحباب الفساد. فالصحيحتان غير قابلتين للحمل على الاستحباب بل هما كالصريح في الوجوب.

و من ذلك تعرف أنّ ما ذكره في المدارك من أنّ صحيحة علي بن جعفر أقوى دلالة غير واضح. بل هما متكافئتان في ميزان الدلالة فكما أنّ هذه‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 85/ أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 6.

(2) المدارك 3: 357.

373
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
صريحة في الجواز، فكذلك هما صريحتان في الوجوب كما عرفت.

و أمّا ما ذكره (قدس سره) من أنّها أقوى سنداً فلم يتضح وجهه أيضاً، و قد اعتذر عنه في الحدائق بأنّه لم يلاحظ إلّا طريق الشيخ و هو كما ذكره، و لم يقف على طريق الصدوق الذي هو في أعلى مراتب الصحة «1».

و فيه: أنّ طريق الشيخ إلى حريز أيضاً صحيح كطريق الصدوق، فالإنصاف أنّهما متكافئتان سنداً و دلالة، فالأقوائية ممنوعة مطلقاً، فهذا الجمع ساقط.

فلا بدّ من ملاحظة الترجيح بعد استقرار المعارضة و امتناع الجمع الدلالي و حيث إنّ صحيحة علي بن جعفر موافقة للعامة، لأنّهم لا يرون وجوب الجهر أبداً «2»، فلا مناص من حملها على التقية كما صنعه الشيخ «3» فتطرح و يكون الترجيح مع تينك الصحيحتين المخالفتين للعامّة، فيتعيّن العمل بهما كما عليه المشهور.

و أمّا ما ذكره في المدارك من ترجيح صحيحة علي بن جعفر لموافقتها مع الأصل و الكتاب فلم يظهر وجهه. أمّا الأصل فهو و إن كان يقتضي الجواز لكنه لا أثر له بعد قيام الدليل على الوجوب، و هما الصحيحتان بل الصحاح الثلاث باعتبار رواية إحداهما بطريقين كما عرفت. على أنّ موافقة الأصل ليست من المرجحات، فإنّ الأصل مرجع لا مرجّح كما ذكر في محله.

و أمّا الكتاب فليس فيه ما يرتبط بالمقام عدا قوله تعالى وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا «4» و إذ من الضروري عدم خلوّ القراءة‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 131.

(2) المجموع 3: 389، مغني المحتاج 1: 162.

(3) التهذيب 2: 162.

(4) الإسراء 17: 110.

374
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
عن الجهر أو الإخفات، و عدم ثبوت الواسطة بينهما حتى يؤمر بها و ينهى عنهما فهذه قرينة قطعية مضافاً إلى الروايات الواردة في تفسير الآية المباركة على أنّ المراد عدم الإفراط في الجهر كالمؤذّن، و عدم التفريط في الإخفات بحيث يكون مجرد تحريك الشفتين و لا يسمع حتى نفسه ما يقول، فلا دلالة في الآية على حكم الجهر و الإخفات وجوباً أو جوازاً، فلا ينافي ذلك وجوب الجهر في بعض الموارد إذا ثبت من الخارج.

و كيف كان، فمقتضى قواعد الترجيح في المقام ليس إلّا الحمل على التقية كما عرفت.

نعم، ربما يناقش في دلالة الصحيحتين كما عن صاحب الذخيرة «1» من وجهين: أحدهما: أنّ المروي في بعض النسخ «نقص» بالصاد المهملة، الدال على نقصان الثواب الملازم للاستحباب لا «نقض» كي يقتضي البطلان.

ثانيهما: أنّ كلمة «ينبغي» ظاهرة في الاستحباب و لا تناسب الوجوب و كلاهما ليس بشي‌ء، أما الأوّل فيردّه أوّلًا: أنّ الموجود في جميع كتب الروايات كما قيل «2» «نقض» بالضاد المعجمة، و لم ينقل «نقص» إلّا عن بعض الكتب الفقهية و لا اعتبار بالرواية ما لم تؤخذ من مصدرها من كتب الحديث.

______________________________
(1) انظر الذخيرة: 274 السطر 22.

(2) لكنه معارض بما عن منتقى الجمان 2: 12 من أنّه لم ينقل ضبطها بالمعجمة، و كيف ما كان، فقد ذكر في هامش الاستبصار ج 1 ص 313 طبع نجف أنّ في بعض نسخ الكتاب «نقص» بالمهملة، و في البحار 82: 77 بعد نقل صحيحة زرارة عن الصدوق قال: و في بعض النسخ «نقص» بالمهملة، و في بعضها بالمعجمة، و ظاهر كلامه اختلاف نسخ الفقيه في ذلك.

و منه تعرف أنّ المهملة منقولة عن بعض نسخ الكتب الحديثية أيضاً، و لا تختص بالفقهية كما أُفيد في المتن.

375
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
و ثانياً: لو سلّم فلا تضر بالدلالة، إذ النقص في مقابل التمام المذكور في ذيل الصحيحة، فمعناه البطلان كما يدل عليه قوله: «و عليه الإعادة».

و أمّا الثاني ففيه أوّلًا: أنّ كلمة لا ينبغي ظاهرة في عدم الجواز، و أنّه لا يتيسر كما ذكرناه مراراً، فإنّه الموافق لمعناه اللغوي، و الاستعمالات القرآنية و غيرها على ذلك كما في قوله تعالى لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهٰا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ «1» أي لا يتيسر لها، لا أنّه لا يليق.

و ثانياً: مع الغض عن ذلك فهذه الكلمة واقعة في كلام السائل و الاستدلال إنّما هو بكلام الإمام (عليه السلام) المصرّح بأنّ عليه الإعادة الظاهرة في البطلان.

و المتحصل من جميع ما قدمناه: لزوم العمل بالصحيحتين، و حمل صحيحة ابن جعفر على التقية. هذا مع تسليم دلالة هذه الصحيحة و إلّا فللمناقشة فيها مجال، نظراً إلى أنّ الظاهر من قوله «يصلي من الفريضة ما يجهر فيه بالقراءة» أنّ المفروض في مورد السؤال أنّ القراءة جهرية، إمّا على وجه الوجوب أو الاستحباب، و على أيّ تقدير فكون القراءة جهرية أمر مفروض مفروغ عنه و مع هذا فأيّ معنى لقوله، هل عليه أن لا يجهر، فإنّه لا موقع لهذا السؤال بعد ذاك الفرض. فلا مناص من أن يكون السؤال ناظراً إلى غير القراءة من سائر الأذكار كالتشهد و ذكر الركوع و السجود و نحوهما، و أنّه هل يجب عليه أن لا يجهر في هذه الأذكار في صلاة يجهر منها بالقراءة أو لا؟

و عليه فالصحيحة أجنبية عمّا نحن فيه بالكلية، فلا موضوع للمعارضة كي يتصدى للعلاج فليتأمل.

و يؤيد ما ذكرناه: أنّ لعلي بن جعفر نفسه رواية أُخرى سأل فيها عن حكم هذه الأذكار من حيث الجهر و الإخفات، فإنّه يقرب دعوى كون السؤال في‌

______________________________
(1) يس 36: 40.

376
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
هذه الصحيحة أيضاً مسوقاً لذلك، قال: «سألته عن الرجل هل يجهر بالتشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت؟ قال: إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «1» و رواها أيضاً في الباب العشرين من أبواب القنوت الحديث الثاني «2»، لكن بتبديل كلمة «هل» بكلمة «إن» و هو غلط.

و نحوه أيضاً: صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن الماضي (عليه السلام) عن الرجل هل يصلح له أن يجهر بالتشهد و القول في الركوع و السجود و القنوت، فقال: إن شاء جهر و إن شاء لم يجهر» «3». و قد ذكر في الجواهر «4» هذا المتن و أسنده إلى علي بن جعفر مع أنّه لابن يقطين، و المتن السابق لعلي بن جعفر كما ذكرناه، فألحق أحد المتنين بالسند الآخر و هذه غفلة منه (قدس سره) نشأت من ذكر الخبرين متوالياً في الوسائل، و كيف كان فالمطلب واحد و الأمر سهل.

و أمّا ما قيل في صحيحة علي بن جعفر السابقة من أنّ بعض النسخ «5» «هل له أن لا يجهر» لا «هل عليه»، فيتجه السؤال و يندفع الاشكال، ففيه: أنّها مرويّة في جميع كتب الحديث بلفظ «عليه» لا «له» و لم تنقل كذلك إلّا عن بعض الكتب الفقهية و لا عبرة بها. على أنّه لا أقل من احتمال ذلك، فتسقط عن الاستدلال و صلاحية المعارضة لعدم العلم بصحة النسخة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 332/ أبواب الركوع ب 25 ح 1.

(2) الوسائل 6: 290/ أبواب القنوت ب 20 ح 2، 1.

(3) الوسائل 6: 290/ أبواب القنوت ب 20 ح 2، 1.

(4) الجواهر 9: 369.

(5) و هناك نسختان أُخريان، إحداهما: ما في قرب الإسناد [205/ 796] و هي «هل عليه أن يجهر» بحذف لا. ثانيهما: ما عن بعض نسخ الاستبصار على ما في جامع الأحاديث 5: 340/ 7928 و فيها «هل يجوز عليه أن لا يجهر». و بناءً عليهما فالسؤال و الجواب منسجمان و المعنى واضح و لا إشكال.

377
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
و أمّا ما يقال من احتمال قراءة همزة أن في قوله «هل عليه ان لا يجهر» مكسورة و المعنى هل عليه شي‌ء إن لم يجهر بالقراءة، فعجيب، أوّلًا: أنّ لازمه تقدير كلمة شي‌ء، و التقدير على خلاف الأصل. و ثانياً: أنّ اللازم حينئذ ذكر كلمة «لم» الجازمة بدل «لا» النافية كما لا يخفى «1».

و ثالثاً: أنّ الجواب على هذا لا يطابق السؤال، فإنّ اللازم حينئذ أن يجيب بقوله: لا، أي لا شي‌ء عليه، الذي هو مصب السؤال على الفرض، لا أن يجيب بقوله: إن شاء جهر و إن شاء لم يفعل، لعدم كونه متعلقاً للسؤال.

و كيف ما كان، فالقراءة المذكورة لا ينبغي احتمالها، و المتعيّن قراءة الهمزة مفتوحة، و هي محمولة على المعنى الذي ذكرناه فلا معارضة، و مع التسليم فهي محمولة على التقية كما عرفت، فالأقوى ما عليه المشهور من وجوب الجهر.

إنّما الكلام في مصداق ما يجهر فيه و أنّه يجب في أيّ صلاة من الصلوات اليومية، و في أيّ مورد من الصلاة، و كذا الحال في الإخفات فإنّ إثبات ذلك بحسب الروايات لا يخلو عن الإشكال.

أما من حيث المورد فقد ورد التصريح بالقراءة في رواية محمد بن عمران و يحيى بن أكثم و غيرهما «2» إلّا أنّهما لأجل ضعف السند لا تصلحان للاستدلال و الانجبار لا نقول به. نعم، تدل عليه صحيحة زرارة الثانية و صحيحة علي بن جعفر المتقدمة «3»، و بعض روايات باب الجمعة و الجماعة كصحيحة الحلبي: «إذا‌

______________________________
(1) لكنه ورد في الذكر الحكيم قوله تعالى إِلّٰا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّٰهُ [التوبة 9: 40] و قوله تعالى إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ [الأنفال 8: 73].

(2) الوسائل 6: 83/ أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 2، 3.

(3) في ص 372، 373.

378
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
صليت خلف إمام تأتم به فلا تقرأ خلفه، سمعت قراءته أم لم تسمع، إلّا أن تكون صلاة تجهر فيها بالقراءة» «1»، و صحيحة علي بن يقطين «2»، و غيرهما مؤيداً بالروايات الضعاف المتقدمة، فإنّه يظهر منها المفروغية عن ثبوت الجهر بالقراءة.

و هل يختص ذلك بالركعتين الأوّلتين، أو يعم الأخيرتين لو اختار القراءة فيهما؟ سيجي‌ء الكلام عليها عند تعرض الماتن لها في فصل مستقل إن شاء اللّٰه تعالى «3».

و أمّا بقيّة الأذكار غير القراءة، فمقتضى الأصل الجواز، لعدم الدليل على وجوب الجهر فيها أو الإخفات. مضافاً إلى التصريح بالتخيير في صحيحتي علي ابن جعفر و علي بن يقطين المتقدمتين «4»، و التسليم و إن لم يذكر فيهما، فانّ المذكور هو التشهد، و ذكر الركوع و السجود و القنوت، لكنه ملحق بها قطعاً فانّ الظاهر منها أنّ ذكر هذه الأُمور من باب المثال كما لا يخفى. على أنّه لم يقع في شي‌ء ممّا ذكر خلاف و لا إشكال، هذا كله من حيث المورد.

و أمّا من حيث تعيين الصلاة، فلم يرد التصريح في شي‌ء من الأخبار.

نعم، تدل عليه السيرة القطعية المتصلة إلى زمن المعصومين (عليهم السلام) الجارية على الجهر بالقراءة في صلاة الغداة و المغرب و العشاء، و الإخفات في الظهرين، و بذلك يتعين موضوع الروايات من قوله فيها: «جهر فيما لا ينبغي» أو «أخفت فيما لا ينبغي» «5»، و يفسّر المراد منهما، و أنّ الصلوات كانت على نوعين:

______________________________
(1) الوسائل 8: 355/ أبواب الجماعة ب 31 ح 1، 11.

(2) الوسائل 8: 355/ أبواب الجماعة ب 31 ح 1، 11.

(3) في ص 481.

(4) في ص 376، 377.

(5) الوسائل 6: 86/ أبواب القراءة في الصلاة ب 26.

379
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
يجهر في بعض و يخفت في بعض، كما هو المتعارف اليوم، و ليس هذا استدلالًا بتلك الصحيحة لتعيين المورد، فانّ المورد مستفاد من السيرة التي أُشير إليها في هذه الصحيحة، و الحكم و هو الوجوب مستفاد منها كما مرّ.

نعم، يستفاد وجوب الإخفات في الظهر من غير يوم الجمعة من بعض أخبار الجمعة الآتية. و يؤيّد الحكم عدّة روايات متضمنة لتعيين الصلوات ممّا اشتمل على الجهر و الإخفات، كرواية محمد بن عمران (حمران)، و يحيى بن أكثم و غيرهما «1» لكنها لضعف أسانيدها لا تصلح إلّا للتأييد.

بقي الكلام في صلاة الجمعة و ظهرها.

أمّا صلاة الجمعة، فقد ادعى غير واحد من الأعلام قيام الإجماع على استحباب الإجهار في قراءتها، و تشهد له جملة من النصوص كصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث في الجمعة «قال: و القراءة فيها بالجهر» «2». و صحيح عمر بن يزيد «قال: ليقعد قعدة بين الخطبتين و يجهر بالقراءة» «3» و صحيح العرزمي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا أدركت الإمام يوم الجمعة و قد سبقك بركعة فأضف إليها ركعة أُخرى و اجهر فيها» «4» و غيرها و ظاهرها كما ترى هو الوجوب، غير أنّهم حملوها على الاستحباب بقرينة الإجماع المدعى في كلمات الأصحاب كما عرفت.

نعم، ناقش صاحب الجواهر (قدس سره) «5» في قيام الإجماع على الاستحباب حيث لم يوجد تصريح بالندب في كلمات من تقدم على المحقق فلا يبعد أن يكون مرادهم مطلق الرجحان القابل للحمل على الوجوب في قبال وجوب الإخفات‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 83/ أبواب القراءة في الصلاة ب 25 ح 2، 3.

(2) الوسائل 6: 160/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 2، 4، 5.

(3) الوسائل 6: 160/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 2، 4، 5.

(4) الوسائل 6: 160/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 2، 4، 5.

(5) الجواهر 11: 133.

380
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........
______________________________
في الظهر في غير يوم الجمعة.
و ما أفاده (قدس سره) متين جدّاً، فلا موجب لرفع اليد عن ظهور هذه الأخبار في الوجوب، لعدم إحراز قيام الإجماع على الخلاف، فالقول بالوجوب لو لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.
و أمّا الظهر يوم الجمعة، فلا ينبغي الإشكال في استحباب الجهر فيها، كما لا خلاف أيضاً إلّا عن ابن إدريس «1» حيث ذكر أنّ الأحوط الإخفات، لقاعدة الاشتغال لكنه شاذ، و مستند الحكم عدة روايات كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قال لنا صلّوا في السفر صلاة الجمعة جماعة بغير خطبة، و اجهروا بالقراءة فقلت: إنّه ينكر علينا الجهر بها في السفر فقال: اجهروا بها» «2».
و صحيحة عمران الحلبي «عن الرجل يصلي الجمعة أربع ركعات، أ يجهر فيها بالقراءة؟ قال: نعم» «3»، و مصحح الحلبي «عن القراءة في الجمعة إذا صليت وحدي أربعاً أجهر بالقراءة؟ فقال: نعم» «4»، المؤيدة بخبر محمد بن مروان «عن صلاة الظهر يوم الجمعة كيف نصليها في السفر؟ فقال: تصليها في السفر ركعتين و القراءة فيها جهراً» «5».
و ظاهرها و إن كان هو الوجوب «6» لكنه يرفع اليد عنه و تحمل على الاستحباب من أجل القرينة العامة التي تمسكنا بها في كثير من المقامات، و هو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران التي هي محل الابتلاء لجميع‌
______________________________
 (1) السرائر 1: 298.
 (2) الوسائل 6: 160/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6، 1، 3، 7.
 (3) الوسائل 6: 160/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6، 1، 3، 7.
 (4) الوسائل 6: 160/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6، 1، 3، 7.
 (5) الوسائل 6: 160/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 6، 1، 3، 7.
 (6) هذا في غير صحيحتي الحلبي، أمّا فيهما فيمكن أن يكون السؤال عن الجواز دون الوجوب.

381
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

..........

______________________________
المكلفين في كل أسبوع لاشتهر و بان و شاع و ذاع، بل كان من المسلّمات الواضحات و لم يقع فيه خلاف من أحد، فكيف ذهب المشهور بل عامة الأصحاب ما عدا ابن إدريس إلى الاستحباب، بل هو المرتكز في أذهان المتشرعة و قد قامت سيرتهم و عملهم على عدم الوجوب حتى في زماننا هذا، و إن كان شيخنا الأُستاذ (قدس سره) يحتاط في ذلك برهة من الزمن بتكرار الصلاة تارة، و بتكرار القراءة قاصداً بإحداهما الواجب الواقعي مدة أُخرى.

فيظهر أنّ عدم الوجوب كان أمراً مفروغاً مسلّماً عندهم، حتى أنّ ابن إدريس جعل الإخفات أحوط كما سمعت، فلو كان الجهر واجباً أو محتمل الوجوب لم يكن ذاك احتياطاً كما لا يخفى.

فان قلت: إنّ هذا الوجه بعينه يجري في صلاة الجمعة، فكيف اخترتم فيها وجوب الجهر و لم تلتزموا بالاستحباب.

قلت: كلا، و لا مجال لقياس إحداهما بالأُخرى، فإنّ صلاة الجمعة لم تكن شائعة عند الشيعة، بل هي متروكة مهجورة في عصر الغيبة، فلم تكن محلّاً للابتلاء، و من المسائل الكثيرة الدوران الذي هو الضابط في التمسك بهذا الوجه فتبقى ظواهر النصوص الآمرة بالجهر سليمة عن القرينة على الخلاف، بخلاف الظهر من يوم الجمعة التي يبتلى بها عامة المكلفين. فلا مناص من حمل نصوص المقام على الاستحباب كما عرفت.

بل إنّ هناك صحيحتين ربما يستشكل من أجلهما حتى في الاستحباب لتضمنهما النهي عن الإجهار بالقراءة فتعارض النصوص السابقة.

إحداهما: صحيحة جميل قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الجماعة يوم الجمعة في السفر، فقال: يصنعون كما يصنعون في غير يوم الجمعة في الظهر‌

382
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20يجب على الرجال الجهر بالقراءة في الصبح و الركعتين الأولتين من المغرب و العشاء ج 14 ص 370

 

..........

______________________________
و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة، إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «1» و هذه و ما بعدها هي التي أشرنا فيما سبق أنّه يظهر من بعض أخبار الجمعة لزوم الإخفات في الظهر من غير يوم الجمعة.

الثانية: صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت عن صلاة الجمعة في السفر فقال: تصنعون كما تصنعون في الظهر و لا يجهر الإمام فيها بالقراءة و إنّما يجهر إذا كانت خطبة» «2».

لكن الاشكال المزبور ضعيف، إذ النهي فيهما واقع موقع توهم الوجوب، لما عرفت من وجوب الجهر في صلاة الجمعة الواقعة فيهما بإزاء صلاة الظهر فيتخيل وجوبه في ظهر الجمعة أيضاً، و لا فرق بين الأمر و النهي في ذلك، فكما أنّ الأمر الواقع عقيب توهم الحظر لا يدل على الوجوب بل غايته الجواز، فكذا النهي الواقع عقيب توهم الوجوب لا يقتضي إلّا الجواز و لا يدل على التحريم فلا ينبغي الريب في ثبوت الاستحباب.

و لا فرق في ذلك بين الإمام و المنفرد، خلافاً للسيد المرتضى (قدس سره) «3» حيث فصّل بين الإمام فيجهر، و المنفرد فيخفت، استناداً إلى خبر علي بن جعفر قال: «سألته عن رجل صلى العيدين وحده، و الجمعة هل يجهر فيهما بالقراءة؟ قال: لا يجهر إلّا الإمام» «4» لكنها ضعيفة السند، لمكان عبد اللّٰه بن الحسن الواقع في الطريق. مع أنّها معارضة بصحيحة الحلبي المتقدمة «5» الآمرة بالجهر مع تصريح السائل بأنّه يصلِّي وحده.

______________________________
(1) الوسائل 6: 161/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 8.

(2) الوسائل 6: 162/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 9.

(3) حكاه عنه في المختلف 2: 178.

(4) الوسائل 6: 162/ أبواب القراءة في الصلاة ب 73 ح 10.

(5) في ص 381.

 

383
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة ج‌6 ص 296

 

[مسألة 21: يُستحب الجهر بالبسملة في الظّهرين للحمد و السورة]

[1513] مسألة 21: يُستحب الجهر بالبسملة في الظّهرين للحمد و السورة (1).

______________________________
فالأقوى ثبوت الاستحباب في الإمام و المنفرد، و إن كان الإخفات أحوط.

(1) لا إشكال كما لا خلاف في رجحان الجهر بالبسملة في الركعتين الأوّلتين من الصلوات الإخفاتية، و المشهور استحباب ذلك بل نسب إلى الأصحاب تارة و إلى علمائنا اخرى، و عن الخلاف دعوى الإجماع عليه «1»، و لم ينسب الخلاف إلّا إلى الصدوق و ابن البراج فذهبا إلى الوجوب «2»، و كذا أبو الصلاح حيث خصّ الوجوب بالركعتين الأوّلتين «3»، و لا يبعد أن يكون مراد من أطلق هو ذلك.

و كيف كان، فقد استدل للوجوب بروايتين، إحداهما: ما رواه في الكافي بإسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة طويلة قال (عليه السلام) فيها «... و ألزمت الناس الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم ...» إلخ «4».

الثانية: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليه السلام) «قال: و الإجهار ببسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم في الصلاة واجب» «5».

و ربما يجاب بأنّ ضعف الخبرين في نفسهما و إعراض الأصحاب عنهما مانع عن الاعتماد عليهما.

______________________________
(1) الخلاف 1: 331.

(2) الفقيه 1: 202، المهذب 1: 92.

(3) الكافي في الفقه: 117.

(4) الوسائل 1: 457/ أبواب الوضوء ب 38 ح 3، الكافي 8: 58/ 21.

(5) الوسائل 6: 75/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 5، الخصال: 604/ 9.

 

384
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة ج‌6 ص 296

 

..........

______________________________
و فيه: أنّ الخدش في السند و إن كان في محله بالإضافة إلى رواية الأعمش كما لا يخفى، لكنه لا يتم في الرواية الأُولى، فإنّ سليم بن قيس و إن لم يوثق في كتب الرجال صريحاً، لكن يمكن استفادة توثيقه من كلام البرقي حيث قال: إنّه كان من أولياء أصحاب علي (عليه السلام) «1» فيظهر أنّه كان من خواص أصحابه و من الطبقة الراقية الغنية عن التوثيق، بل يمكن استفادته أيضاً من كلام الشيخ في رجاله حيث قال: و قد صحب عليّاً (عليه السلام) «2»، إذ من المعلوم أنّ جميع من ذكره في باب أصحابه (عليه السلام) قد صحبه، فلا يختص هذا التوصيف به، فيظهر أنّه كان يمتاز عن غيره بشدة الملازمة به (عليه السلام) و كونه من خواصه و أنّه كان من الأولياء كما ذكره البرقي.

فالمناقشة السندية في هذه الرواية غير تامّة «3»، بل الظاهر أنّها صحيحة كما وصفها بها في الحدائق «4».

نعم، يمكن النقاش الدلالي فيهما، أمّا أوّلًا: فللقرينة العامة التي تكررت منا في أمثال المقام، و هو أنّ الوجوب لو كان ثابتاً في مثل هذه المسألة الكثيرة الدوران لاشتهر و بان و شاع و ذاع، فكيف يمكن خفاؤه بحيث لم يفت به إلّا هؤلاء الثلاثة.

و ثانياً: أنّ رواية سليم بن قيس لم يظهر أنّ المراد بها الجهر بالبسملة في‌

______________________________
(1) رجال البرقي: 4.

(2) رجال الطوسي: 114/ 1136.

(3) بل تامة، إذ الراوي عن سليم في هذه الرواية هو إبراهيم بن عثمان الذي هو من أصحاب الصادق و الكاظم (عليهما السلام) و في روايته عن سليم الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) إشكال كما صرّح (دام ظله) به في معجم الرجال 1: 233/ 208. و أشرنا إليه في هامش شرح العروة 17: في شرح المسألة [1869].

(4) الحدائق 8: 168.

 

385
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة ج‌6 ص 296

 

..........

______________________________
كافّة الصلوات حتى الإخفاتية، فإنّها حكاية قضية في واقعة و لا إطلاق لها كي يتمسك به، و لعل المراد الإجهار بها في خصوص الصلوات الجهرية، فإنّ من تقدّمه (عليه السلام) من الولاة تركوها من أصلها حتى فيها كما هو مذهب العامة «1»، فأمرهم بالإجهار بها لتزول البدعة.

و أما النقاش في دلالة رواية الأعمش فأظهر، إذ الوجوب فيها بمعناه اللّغوي و هو الثبوت دون المصطلح، فلا تدل على أكثر من الاستحباب. على أنّها ضعيفة السند كما عرفت.

هذا، مضافاً إلى معارضتهما بصحيحتين لصفوان ظاهرتين في الاستحباب قال: «صليت خلف أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أياماً فكان يقرأ في فاتحة الكتاب ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم، فاذا كانت صلاة لا يجهر فيها بالقراءة جهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم و أخفى ما سوى ذلك» «2».

و قال في صحيحته الأُخرى «صليت خلف أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أيّاماً فكان إذا كانت صلاة لا يجهر فيها جهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم، و كان يجهر في السورتين جميعاً» «3». و القاسم بن محمد الواقع في طريق الثاني المراد به الجوهري الذي هو ثقة لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات «4».

و قد دلّتا بوضوح على عدم وجوب الجهر بالبسملة، و أنّه كان أمراً مستحبّاً يلتزم به الصادق (عليه السلام) في صلاته و كان من خواصه، و إلّا فلو كان واجباً لم يكن وجه للتخصيص بالذكر، فإنه نظير «5» أن يقول صليت خلفه‌

______________________________
(1) المجموع 3: 342، المغني 1: 557، المبسوط 1: 15.

(2) الوسائل 6: 57/ أبواب القراءة في الصلاة ب 11 ح 1.

(3) الوسائل 6: 74/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 1.

(4) و لكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

(5) في التنظير ما لا يخفى.

 

386
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة ج‌6 ص 296

 

..........

______________________________
(عليه السلام) و كان يركع أو يسجد.

و نظيرهما رواية أبي حفص الصائغ «1».

هذا، و ربما يستدل على عدم الوجوب بصحيحة الحلبيين عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «أنّهما سألاه عمّن يقرأ بسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: نعم، إن شاء سرّاً و إن شاء جهراً، فقالا أ فيقرؤها مع السورة الأُخرى؟ فقال: لا» «2» و هي صريحة في عدم الوجوب لولا الاقتران بالذيل المشتمل على النهي عن البسملة في السورة الأُخرى، فإنّه يقرب ورودها مورد التقية فيمنع عن الاستدلال بها، و التفكيك بين الصدر و الذيل مشكل كما لا يخفى.

و كيف كان، فيكفي في الدلالة على الاستحباب ما عرفت. و يؤيده عدّة روايات لا تخلو عن ضعف في السند أو الدلالة، كما روي في جملة من النصوص من عدّه من علامات المؤمن «3»، فإنّه من الجائز أن يراد بها الإجهار في الصلوات الجهرية، إذ لا إطلاق لها تعم الإخفاتية.

و كرواية الفضل بن شاذان «قال: و الإجهار ببسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم في جميع الصلوات سنّة» «4»، فإنّها ضعيفة السند كرواية رجاء بن الضحاك عن الرضا (عليه السلام) «أنّه كان يجهر ببسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم في جميع صلواته بالليل و النهار» «5». و صاحب الحدائق اشتبه عليه الأمر فأسند هذا المتن إلى رواية الفضل مع أنّه رواية رجاء كما نبّه عليه معلّق الحدائق «6».

______________________________
(1) الوسائل 6: 76/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 8.

(2) الوسائل 6: 61/ أبواب القراءة في الصلاة ب 12 ح 2.

(3) الوسائل 14: 478/ أبواب المزار ب 56 ح 1.

(4) الوسائل 6: 76/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 6.

(5) الوسائل 6: 76/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 7.

(6) الحدائق 8: 169.

 

387
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة ج‌6 ص 296

 

..........

______________________________
و رواية أبي حمزة قال: قال علي بن الحسين (عليه السلام) «يا ثمالي إنّ الصلاة إذا أُقيمت جاء الشيطان إلى قرين الإمام فيقول هل ذكر ربه؟ فان قال: نعم ذهب، و إن قال: لا، ركب على كتفيه فكان إمام القوم حتى ينصرفوا. قال فقلت: جعلت فداك أ ليس يقرءون القرآن؟ قال: بلى، ليس حيث تذهب يا ثمالي إنّما هو الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم» «1» فإنها ضعيفة بالإرسال.

و رواية هارون عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قال لي: كتموا بسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم فنعم و اللّٰه الأسماء كتموها، كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) إذا دخل إلى منزله و اجتمعت قريش يجهر ببسم اللّٰه الرّحمٰن الرّحيم و يرفع بها صوته فتولى قريش فراراً» «2». و هذه الرواية صحيحة السند فانّ المسمّى ب‍ (هارون) ممّن له كتاب المنصرف إليه اللفظ عند الإطلاق مشترك بين عدّة أشخاص كلهم من أصحاب الصادق (عليه السلام) و كلهم ثقات، فلا يهمّنا التصدي للتعيين، لكنّها قاصرة الدلالة، لعدم التعرّض فيها للصلاة الإخفاتية كي يستحب فيها بعنوانها. و بالجملة: فهذه النصوص كلّها تؤيد المطلوب. و العمدة في الاستدلال ما عرفت فلا ريب في ثبوت الاستحباب.

و يقع الكلام في جهات.

الجهة الأُولى: مقتضى إطلاق الأدلة تعميم الحكم للإمام و لغيره كما عليه المشهور. و عن ابن الجنيد «3» التخصيص بإمام الجماعة، استناداً إلى صحيحتي صفوان المتقدمتين «4» فإنّهما ظاهرتان في ذلك.

______________________________
(1) الوسائل 6: 75/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 4.

(2) الوسائل 6: 74/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 2.

(3) حكاه عنه في المختلف 2: 172.

(4) في ص 386.

 

388
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة ج‌6 ص 296

 

..........

______________________________
و فيه: أنّ الظاهر أنّ صفوان حكى ذلك عن الصادق (عليه السلام) بما أنّه كان يصلي لا بما أنّه كان إمام الجماعة «1»، بل لم يعلم انعقاد الجماعة من الأوّل و لعلّه لحق الإمام (عليه السلام) و صلّى خلفه في الأثناء، لا أنّه ائتمّ به في افتتاح الصلاة.

و استدل أيضاً: برواية أبي حمزة المتقدمة.

و فيه: أنّها ضعيفة بالإرسال كما عرفت. فالأقوى ثبوت الحكم للإمام و للمنفرد لإطلاق الأدلة.

الجهة الثانية: هل يعمّ الحكم للركعتين الأخيرتين لو اختار فيهما القراءة كما عليه المشهور تمسكاً بإطلاق النصوص، أو يختص بالأوّلتين كما اختاره الحلِّي «2» و ذكر أنّ الإخفات في الأخيرتين هو الأحوط؟

لا يخفى أنّ روايات الباب لم يتم شي‌ء منها عدا صحيحتين لصفوان، فانّ بقية الأخبار كصحيحة هارون و خبر الأعمش و ابن شاذان و رجاء و رواية علائم المؤمن لم تخل عن النقاش سنداً و دلالة كما مرّ.

فالعمدة هما الصحيحتان، و هما قاصرتان عن الشمول للركعتين الأخيرتين فإنهما حكاية فعل، و مثله لا إطلاق له، بل إنّ الظاهر هو عدم الشمول، إذ الأفضل فيهما هو التسبيح «3»، و من البعيد جدّاً أنّ الإمام (عليه السلام) يترك الأفضل و يختار المفضول مداوماً عليه في أيام عديدة صلى فيها خلفه صفوان.

بل إنّ الصحيحة الأُخرى «4» كالصريح في الأوّلتين لقوله «و كان يجهر في‌

______________________________
(1) لا سبيل لنا، بل و لا لصفوان إلى معرفة ذلك ما لم يخبر به الإمام (عليه السلام) و مجرد احتمال اللّحوق لا يكفي في إحرازه كما لعلّه واضح.

(2) السرائر 1: 218.

(3) لكنك ستعرف أنّه (دام ظله) يستشكل في الأفضلية و إن كان المشهور ذلك.

(4) الوسائل 6: 74/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 1.

 

389
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21يستحب الجهر بالبسملة في الظهرين للحمد و السورة ج‌6 ص 296

 

..........

______________________________
السورتين جميعاً» إذ ليست في الأخيرتين سورة.

و بالجملة: فإثبات الاستحباب من الأخبار مشكل جدّاً، فان بنينا على التسامح في أدلّة السنن و قلنا بشموله لفتوى الفقيه ثبت الاستحباب بقاعدة التسامح لفتوى المشهور بذلك كما عرفت، و إلّا كما هو الصحيح فالجزم به مشكل.

و الذي يهوّن الخطب: أنّ دليل الإخفات في الأخيرتين أيضاً قاصر الشمول للبسملة، فانّ دليل وجوب الإخفات فيهما هو إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «1» «رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه» المتضمنة للبطلان لو كان متعمداً، و المتيقن ممّا لا ينبغي الإجهار فيه في الأخيرتين إنّما هو نفس القراءة بالسيرة القطعية و غيرها كما سيجي‌ء إن شاء اللّٰه تعالى. و أمّا بسملتها فلم يعلم كونها مما لا ينبغي، كيف و قد ذهب المشهور إلى استحباب الجهر فيها كما عرفت، و معلوم أنّ الصحيحة لا تتكفل لحال الصغرى و لا تعيّن المصداق بل لا بدّ من إحراز ذلك من الخارج و لم يحرز، فدليل الإخفات قاصر الشمول كدليل استحباب الجهر على ما عرفت، فهو مخيّر بين الأمرين.

الجهة الثالثة: هل يعمّ الحكم للاخفات لعارض كالمأموم المسبوق بركعة في صلاة جهرية حيث يجب عليه إخفات القراءة لعارض الجماعة، فهل يستحب له أيضاً الجهر بالبسملة أو لا؟

الظاهر العدم، بل لا يشرع للأمر باخفات القراءة حينئذ بقوله (عليه السلام) «يقرأ في نفسه» «2» و مقتضى الإطلاق وجوبه حتى في البسملة، فإنّها جزء من السورة، و ما دلّ على استحباب الجهر بالبسملة مورده الصلاة الإخفاتية بالذات كالظهرين، فالتعدِّي منها إلى الإخفات العرضي يحتاج إلى دليل مفقود في المقام فإطلاق دليل الخفت هو المحكّم فلم يثبت مشروعية الجهر حينئذ فضلًا عن‌

______________________________
(1) في ص 372.

(2) الوسائل 8: 388/ أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4، (نقل بالمضمون).

 

390
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 22إذا جهر في موضع الإخفات أو أخفت في موضع الجهر عمدا بطلت صلاته ج 14 ص 391

 

[مسألة 22: إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت صلاته]

[1514] مسألة 22: إذا جهر في موضع الإخفات، أو أخفت في موضع الجهر عمداً بطلت صلاته، و إن كان ناسياً، أو جاهلًا و لو بالحكم صحّت سواء كان الجاهل بالحكم متنبّهاً للسؤال و لم يسأل أم لا، لكن الشرط حصول قصد القربة منه، و إن كان الأحوط في هذه الصورة الإعادة (1).

[مسألة 23: إذا تذكّر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة]

[1515] مسألة 23: إذا تذكّر الناسي أو الجاهل قبل الركوع لا يجب عليه إعادة القراءة، بل و كذا لو تذكّر في أثناء القراءة، حتى لو قرأ آية لا يجب إعادتها، لكن الأحوط الإعادة، خصوصاً إذا كان في الأثناء.

[مسألة 24: لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلًا بوجوبهما]

[1516] مسألة 24: لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلًا بوجوبهما، أو جاهلًا بمحلّهما، بأن علم إجمالًا أنّه يجب في بعض الصلوات الجهر، و في بعضها الإخفات، إلّا أنّه اشتبه عليه أنّ الصبح مثلًا جهرية و الظهر إخفاتية بل تخيّل العكس، أو كان جاهلًا بمعنى الجهر و الإخفات، فالأقوى معذوريته في الصورتين، كما أنّ الأقوى معذوريته إذا كان جاهلًا بأنّ المأموم يجب عليه الإخفات عند وجوب القراءة عليه و إن كانت الصلاة جهرية فجهر، لكن الأحوط فيه و في الصورتين الأوّلتين الإعادة.

______________________________
استحبابه، لما عرفت من قصور الدليل.

(1) أمّا البطلان في صورة العمد فقد ظهر وجهه ممّا مرّ.

و أمّا الصحة في فرض النسيان أو الجهل، فلا إشكال فيها كما لا خلاف فتوى و نصّاً، لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «1» «فان فعل ذلك ناسياً‌

______________________________
(1) في ص 372.

 

391
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما ج 14 ص 391

 

..........

______________________________
أو ساهياً أو لا يدري فلا شي‌ء عليه و قد تمّت صلاته». و في ثبوت العقاب و أنّه على مخالفة الواقع أو شي‌ء آخر، كلام طويل الذيل تعرّضنا له في الأُصول «1».

و المتيقن من الجاهل هو الجاهل المركب غير الملتفت إلى جهله رأساً، و كذا الجاهل بالحكم عن قصور و عذر و إن كان ملتفتاً، كمن كان نظره أو نظر مقلده هو الجهر في مورد مثلًا ثم انكشف الخلاف، و يلحقه الجاهل المقصّر غير الملتفت الذي لم يتنبّه للسؤال كما هو الغالب في العوام، إذ يصدق في حقه أنّه لا يدري. و دعوى التخصيص بالقاصر لم يظهر وجهه.

و أمّا شموله للمقصّر المتردد و إن تمشّى منه قصد القربة، كأن أتى به رجاءً ليسأل عن الحكم بعدئذ ثم انكشف الخلاف فمشكل جدّاً، بل الظاهر العدم، لأنّ المنسبق من النص الجاهل الذي يعتقد فراغ ذمته و يأتي به كما يأتي به غيره، بحيث يرى أنّ هذا موجب للتفريغ عن عهدة التكليف المشغول به الذمة من دون أن يحتاج إلى الإعادة، و أمّا المتردد فلا يرى ذلك، بل وظيفته الإعادة بحكم العقل.

ثم إنّ الماتن ذكر بمناسبة المقام فروعاً، و نتكلم في جهات يظهر منها حال تلك الفروع و غيرها مما لم تذكر في المتن.

الجهة الاولى: في بيان موضوع الحكم، هل الحكم بالصحة عند الجهل و النسيان خاص بالرجال أو يعم النساء؟

أمّا بالنسبة إلى السهو و النسيان و الجهل القصوري فلا إشكال في الصحة لحديث لا تعاد بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث للجاهل القاصر من دون حاجة إلى شمول هذه الأخبار. إنّما الكلام في الجاهل المقصّر غير المعذور الذي لا يشمله الحديث، و لا ينبغي الشك أيضاً في شمول هذه النصوص لها‌

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 3: 160.

 

392
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما ج 14 ص 391

 

..........

______________________________
فانّ ذكر الرجل في الصحيح من باب المثال، فيثبت الحكم في غيره بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع، إلّا فيما ثبت من الخارج اختصاص الحكم بأحدهما كما هو الحال في غير المقام، فانّ كثيراً من الأحكام مستفاد من أخبار قد ذكر فيها الرجل و مع ذلك يتعدى إلى النساء بلا إشكال فكذا في المقام.

الجهة الثانية: في بيان مورد الحكم، هل يختص بالركعتين الأوّلتين أو يعم الأخيرتين؟ أمّا في غير الجاهل المقصّر فلا إشكال في الصحة لحديث لا تعاد كما عرفت، و أمّا فيه فالظاهر أيضاً ذلك لإطلاق النص، فإنّه يصدق أنّه أجهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه و هو لا يدري، و لا وجه لدعوى الانصراف إلى الركعتين الأولتين كما لا يخفى.

كما أنّ مقتضى الإطلاق شمول الحكم للاخفات الواجب لعارض، كالمأموم المسبوق بركعة في صلاة جهرية لعين ما ذكر، خلافاً لجماعة حيث ذهبوا إلى انصراف الإطلاق إلى الجهر و الإخفات الذاتيين، و أنّ المنسبق من النص الصلاة الجهرية في طبعها و بحسب ذاتها، فلا يشمل العارض.

و لم يظهر وجهه، فانّ موضوع الحكم عام و ضابطه يشمل المقام، و هو أنّه أجهر فيما ينبغي فيه الإخفات و هو لا يدري سواء أ كان الانبغاء لأمر ذاتي أو عارضي، فإنّ الصلاة لها صنفان و هذا الصنف مما لا ينبغي فيه الإخفات فعلًا و إن كانت في ذاتها جهرية. و بالجملة فهذا الإخفات راجع إلى الصلاة و من شرائطها و إن كان لأمر عارضي.

نعم، لو وجب الإخفات لأمر آخر و لجهة خارجية غير مرتبطة بالصلاة بحيث لا يعدّ من شرائطها لا ذاتاً و لا عرضاً، بل كان حكماً مستقلا في نفسه كما لو وجب الخفت خوفاً من العدو لئلا يسمع صوته فيقع في المهلكة، أو كان المصلي امرأة و عندها أجنبي و قلنا إنّ صوتها عورة و الإسماع حرام و لا نقول به فمثله غير مشمول للصحيحة، لانصرافها إلى الجهر و الإخفات المربوطين‌

 

393
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما ج 14 ص 391

 

..........

______________________________
بالصلاة و المعدودين من شرائطها بحيث لو أخلّ بهما بطلت الصلاة لفقد شرطها لا ما إذا اعتبرا في أنفسهما. و عليه فبما أنّ هذه القراءة تقع مصداقاً للحرام لاتحاد الجهر مع القراءة نفسها، فهي واقعة على صفة المبغوضية و لا يمكن التقرب بها فلا بدّ من إعادتها مع بقاء محل التدارك كما لا يخفى.

الجهة الثالثة: في بيان خصوصيات الجهل و النسيان.

أمّا النسيان، فالظاهر أنّه أعم من نسيان الحكم و موضوعه، لإطلاق النص، و إن أبيت إلّا عن انصراف النص إلى الثاني فيكفي اندراج الأول في قوله (عليه السلام) «لا يدري» «1» فإنّ ناسي الحكم جاهل فعلًا و إن كان منشأ جهله هو النسيان.

و أمّا الجهل، فالمتيقن منه الجاهل المركب الغافل بالمرة، و كذا الجاهل بالحكم عن قصور و عذر و إن كان ملتفتاً، كمن كان نظره أو نظر مقلده الجهر في مورد ثم انكشف الخلاف، بل إنّ هذا كالنسيان مشمول لحديث لا تعاد بناءً على ما هو الصحيح من شمول الحديث لمثل هذا الجهل، و يلحقه المقصّر إذا كان غافلًا حين العمل كأكثر العوام، إذ يصدق في حقه أنّه لا يدري، فلا وجه لدعوى انصراف النص عنه.

و أمّا الجاهل المقصّر المتردد المتمكن من الفحص و السؤال مع تمشّي قصد القربة منه، كما لو أتى به بقصد الرجاء، فقد ذكروا أنه أيضاً مشمول لإطلاق النص، لكنّه مشكل جدّاً كما تقدم، لانصرافه إلى مَن يصلي كما يصلي غيره معتقداً فراغ ذمته عن عهدة التكليف، و يرى صحة عمله من دون حاجة إلى الإعادة و في المقام ليس كذلك، فإنّ قاعدة الاشتغال تقضي بالإعادة و إن لم ينكشف الخلاف. و قد قلنا بمثل هذا في حديث لا تعاد و منعنا عن شموله للمتردد الذي‌

______________________________
(1) في صحيحة زرارة المتقدمة في ص 372.

 

394
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما ج 14 ص 391

 

..........

______________________________
لا يعتقد عدم الإعادة، لاختصاصه بمن يرى عدمها و الاجتزاء به في مقام الامتثال كما لا يخفى.

و أولى بالإشكال أو مثله، ما لو كان جهله في التطبيق لا في أصل الحكم كما لو علم إجمالًا بوجوب الجهر في صلاة الصبح أو الظهر فتخيل أنّ مورده الظهر فصلاها جهراً، فإنّه لا يعتقد صحة ما صدر منه و لا يراه مجزئاً، لقضاء العقل بلزوم الإعادة، عملًا بالعلم الإجمالي و قاعدة الاشتغال، و قد عرفت أنّ النص منصرف عن مثل ذلك فلا يشمل الجهل بالتطبيق فتدبر جيداً.

نعم، لو كان جاهلًا بمعنى الجهر و الإخفات فأتى ببعض مراتب الإخفات زاعماً أنّه جهر أو بالعكس، فالظاهر الصحة، لصدق أنّه لا يدري.

هذا كله فيما إذا كان الالتفات بعد الفراغ من الصلاة، أو بعد الدخول في الركوع بحيث جاوز محل التدارك، و أمّا إذا كان قبله فسيأتي الكلام عليه.

الجهة الرابعة: إذا أخلّ بالجهر أو الإخفات و تذكر أثناء القراءة أو قبل الدخول في الركوع، فهل هو محكوم بالصحة أيضاً و يشمله النص؟

المشهور ذلك للإطلاق. و قد يقال: بانصراف النص عنه، لظهور قوله (عليه السلام): «فلا شي‌ء عليه و قد تمت صلاته» «1» فيما إذا مضى و تجاوز المحل بحيث لا يمكن التدارك إلّا بإعادة الصلاة، و أنّ الإعادة غير واجبة في صورة عدم العمد، و في المقام لا حاجة إلى الإعادة بعد التمكن من تدارك القراءة على ما هي عليها لعدم تجاوز المحل، فالنص لا يشمل هذا الفرض و مقتضى القاعدة وجوب التدارك.

لكن الظاهر الصحة و عدم الحاجة إلى الإعادة، أمّا بناءً على القول بوجوب الجهر أو الإخفات في الصلاة مستقلا غايته أنّ ظرفهما القراءة من دون أن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 86/ أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 1.

 

395
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24لا فرق في معذورية الجاهل بالحكم في الجهر و الإخفات بين أن يكون جاهلا بوجوبهما ج 14 ص 391

..........

______________________________
يكونا شرطاً في صحتها و معتبراً فيها فظاهر، لعدم إمكان التدارك، إذ القراءة قد وقعت على صفة الصحة، لعدم خلل فيها في نفسها على الفرض فقد تحقق الجزء و سقط أمره، فلو أعادها فليست هي من أجزاء الصلاة، و محل الجهر أو الإخفات هي القراءة الواجبة في الصلاة المعدودة من أجزائها، فلا سبيل للتدارك بعدئذ لمضي المحل كما هو واضح.

لكن الظاهر فساد المبنى و أنّهما معتبران في القراءة شرطاً لا مستقلا، بل إنّ الحال كذلك في كل ما هو معتبر في الصلاة، فإنّ الجميع معتبر على وجه الشرطية كما هو مقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء و الشرائط، فالقراءة الواجبة المعدودة من الأجزاء هي المسبوقة بالتكبير و الملحوقة بالركوع و المقارنة للجهر أو الإخفات، و كذا الستر و الاستقبال و نحوهما، فالفاقدة لشي‌ء منها لا تكون جزءاً، فانّ فرض الارتباطية تلازم الشرطية و تنافي الاستقلالية كما لا يخفى.

و عليه فالقراءة الفاقدة للجهر مثلًا المعتبر فيها ليست بجزء، فوجودها كالعدم فمحل التدارك باقٍ ما لم يركع، و مقتضى القاعدة لزوم التدارك، فلو قلنا بشمول النص له و أنّ الجهر و الإخفات شرط واقعي معتبر في القراءة لزمه الإعادة لبقاء المحل.

لكن الأقوى مع ذلك الصحة، لقصور المقتضي في دليل الاشتراط عن الشمول لذلك، فانّ الدليل منحصر في صحيحة زرارة كما تقدّم «1»، و هي لا تدل على أكثر من اعتبار الجهر و الإخفات بالنسبة إلى خصوص العالم العامد و قوله (عليه السلام): «فان فعل ذلك ناسياً ...» إلخ بيان لمفهوم الشرطية الأُولى فالمدار في وجوب الإعادة على العمد، و حيث لا تعمّد في مفروض الكلام فلا‌

______________________________
(1) في ص 372.

396
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية ج 14 ص 397

[مسألة 25: لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية]

[1517] مسألة 25: لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية (1) بل يتخيّرن بينه و بين الإخفات مع عدم سماع الأجنبي، و أمّا معه فالأحوط إخفاتهنّ.

______________________________
مقتضي للإعادة إذ لم ينهض دليل يقضي بوجوب الجهر أو الإخفات على الإطلاق كي يكون شرطاً واقعياً حتى تجب الإعادة و التدارك مع بقاء المحل فمقتضى الوجوب قاصر في حد نفسه، و الوجوب خاص بالعالم العامد، و غيره لا وجوب عليه و لو شكّ فيه يدفع بالأصل.

على أنه يمكن أن يقال: إنّ الصحيحة بنفسها تدل على عدم وجوب التدارك في المقام، لإطلاق قوله (عليه السلام): «و لا شي‌ء عليه»، أي لا إعادة الصلاة و لا تدارك القراءة، فالأقوى الصحة سواء أ كان التذكر بعد الفراغ عن الصلاة أم بعد الدخول في الركوع، أم قبله أثناء القراءة، أو بعدها كما عليه المشهور.

و من جميع ما ذكرناه في الجهات المتقدمة يظهر حال الفروع المذكورة في المتن إلى نهاية المسألة الرابعة و العشرين فلاحظ.

(1) بلا خلاف بل إجماعاً كما عن غير واحد. و يدلُّ عليه:

أوّلًا: قصور المقتضي، لتقييد موضوع الحكم بالرجل في صحيحتي زرارة المتقدمتين «1» اللتين هما المدرك الوحيد في المسألة، و التعدي يحتاج إلى دليل الاشتراك في التكليف، و مستنده الإجماع القائم على اتحادهما في الأحكام، إلّا ما خرج بالدليل الثابت في كثير من المقامات، و لم يقم إجماع في المقام، كيف و الإجماع قائم على العدم كما عرفت.

و ثانياً: السيرة القطعية العملية القائمة على عدم الوجوب المتصلة بزمن‌

______________________________
(1) في ص 372.

397
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية ج 14 ص 397

 

..........

______________________________
المعصومين (عليهم السلام)، مع أنّ المسألة كثيرة الدوران و محل الابتلاء، و لو كان الوجوب ثابتاً كالرجال لاشتهر و بان، فالسيرة القولية و العملية كاشفة عن عدم الوجوب، و هي بنفسها دليل مستقل.

و ربما يستدل للحكم: بخبر علي بن جعفر قال: «و سألته عن النساء هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال: لا ...» إلخ «1».

لكنه ضعيف السند من أجل عبد اللّٰه بن الحسن فليس بمعتمد. و دعوى الانجبار ممنوعة كبرى، بل و كذا صغرى، للقطع بعدم استناد الأصحاب إلى هذا الخبر، فانّ البناء و كذا السيرة على عدم وجوب الجهر عليهنّ كان ثابتاً في الأزمنة السالفة حتى قبل صدور هذه الرواية، و قبل أن يخلق علي بن جعفر.

و ربما يستدل أيضاً: بأنّ صوت المرأة عورة فمن أجله سقط عنها الجهر.

و فيه أوّلًا: أنّه لا دليل عليه، بل إنّ السيرة العملية منذ عهد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) إلى زماننا هذا قائم على الاستماع و التكلم معهنّ و إسماعهنّ الرجال، فلم ينهض دليل على أنّ صوتها عورة كي يحرم السماع أو الإسماع.

و ثانياً: أنّ اللّازم مع التسليم اختصاص الحكم بما إذا سمع صوتها الأجنبي فمع عدمه وجب الجهر عليهنّ، لفقد المانع حينئذ بعد شمول دليل الجهر لهنّ كما هو المفروض، مع أنّه لم يقل به أحد، بل هي مخيّرة فيه على التقديرين إجماعاً.

و ثالثاً: أنّ لازم ذلك حرمة الجهر عليهنّ، لحرمة الإسماع لا عدم الوجوب و لا قائل بالحرمة، بل الفتوى على سقوط الجهر و عدم الوجوب.

و ممّا يدل على عدم حرمة الجهر عليهن و يكشف «2» أيضاً عن عدم كون‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 95/ أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3.

(2) هذا الكشف غير واضح، لابتنائه على انعقاد الإطلاق من حيث شمول الإسماع للأجنبي، و هو قابل للمنع، لعدم كونه (عليه السلام) بصدد البيان من هذه الجهة بل بصدد بيان إسماع المأمومين لا غير، بل يكفينا مجرد الشك في ذلك كما لا يخفى.

 

398
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية ج 14 ص 397

 

..........

______________________________
صوتها عورة: صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال: «سألته عن المرأة تؤمّ النساء ما حدّ رفع صوتها بالقراءة و التكبير؟ فقال: بقدر ما تسمع» «1». و نحوها صحيحة علي بن جعفر التي هي بعين هذا المتن إلّا في قوله «فقال» العاري عن الفاء في هذه الصحيحة «2» فإنّ السائل قد فرض رفع الصوت الملازم للجهر و سأل عن حده، و الإمام (عليه السلام) أمضى أصل الجهر و حدده بأن تسمع الغير، أو بأن تكون القراءة مسموعة، كما هو ظاهر قوله «تسمع» سواء قرئ مبنياً للمفعول (تُسْمَع) أو للفاعل من باب الافعال (تُسمِع).

و أمّا ما عن الحدائق «3» من احتمال قراءة «تَسْمَع» أي تسمع نفسها الملازم للاخفات فلا تدل على جواز الجهر، فساقط لبعده جدّاً، لما عرفت من فرض رفع الصوت الملازم للجهر و السؤال عن حده و قد أمضاه الإمام (عليه السلام) و حدده بما عرفت، و لو كان المراد ما ذكره كان اللازم أن يجيب (عليه السلام) بقوله: لا ترفع، لا أن يحدد الرفع بما ذكر.

و بالجملة: فالمستفاد من النصوص جواز الجهر لهنّ.

و ربما يقال بوجوبه عليها إذا كانت إماماً، لرواية علي بن جعفر المتقدمة «هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة؟ قال: لا، إلّا أن تكون امرأة تؤمّ النساء فتجهر بقدر ما تسمع قراءتها» «4» فانّ ظاهر كلمة «على» الوجوب.

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند بعبد اللّٰه بن الحسن كما مرّ، أنّ الإسماع غير‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 95/ أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 1، 2.

(2) الوسائل 6: 95/ أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 1، 2.

(3) الحدائق 8: 142.

(4) الوسائل 6: 95/ أبواب القراءة في الصلاة ب 31 ح 3.

 

399
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لا يجب الجهر على النساء في الصلاة الجهرية ج 14 ص 397

 

و أمّا في الإخفاتية فيجب عليهنّ الإخفات كالرجال (1) و يعذرن فيما يعذرون فيه (2).

______________________________
واجب حتى على الرجل فضلًا عن المرأة، فسياقها سياق ما دلّ على استحباب الإسماع، و أنّه يستحب للإمام أن يسمع من خلفه، فلا ظهور لها في الوجوب.

فتحصّل: أنّ المرأة تتخيّر بين الجهر و الإخفات في الصلوات الجهرية مطلقاً إماماً كانت أم منفردة، من غير فرق بين سماع الأجنبي و عدمه، فالاحتياط المذكور في المتن غير لازم.

(1) كما هو المشهور، و خالف فيه الأردبيلي «1» و بعض من تبعه فذهب إلى التخيير كما في الجهرية، مستنداً إلى تقييد موضوع الحكم في صحيحة زرارة التي هي المدرك لوجوب الخفت بالرجل، فلا دليل في المرأة و المرجع الأصل.

و فيه: ما لا يخفى، فانّ ذكر الرجل فيها كما في غيرها من الأخبار التي يستفاد منها أحكام الشكوك و الموانع و السهو في الركعات بل و غيرها من الأبواب المتفرقة في الفقه، إنّما هو من باب المثال و بعنوان أنّه مكلف و مصلّ، لا بما أنّه رجل، فيتعدى إلى المرأة بقاعدة الاشتراك في التكليف إلّا فيما ثبت الاختصاص بدليل خارجي الثابتة بالإجماع، و لا ينتقض بما قدّمناه من إنكار ذلك في الصلاة الجهرية، لقيام الإجماع هناك على الخلاف غير المتحقق في المقام.

(2) لقاعدة الاشتراك كما تقدم توضيحه في الجهة الاولى من المسألة السابقة فلاحظ.

______________________________
(1) مجمع الفائدة و البرهان 2: 228.

 

400
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 26مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه ج 14 ص 401

[مسألة 26: مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه]

[1518] مسألة 26: مناط [1] الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه، فيتحقق الإخفات بعدم ظهور جوهرة و إن سمعه من بجانبه قريباً و بعيداً (1).

______________________________
(1) ذكر جمع أنّ المناط في الجهر أن يسمع غيره، و في الإخفات أو أدنى الإخفات أن يسمع نفسه، و هذا مضافاً إلى أنّه لا دليل عليه، غير قابل للتصديق إذ الظاهر عدم تحققه في الخارج، للملازمة بين سماع النفس و إسماع الغير، و لو بأن يضع الغير اذنه على فم القارئ، ففرض الخفت على حد يصل الصوت إلى إذن القارئ و لا يصل إلى اذن غيره بوجه، حتى يتحقق سماع النفس دون سماع الغير، مجرّد فرض لا واقع له، و لو بدّلوا هذا التعريف بأنّ الجهر ما يسمعه البعيد و الإخفات ما لا يسمعه القريب أيضاً إلّا همساً كما هو مضمون مرسلة علي بن إبراهيم في تفسيره قال: و روى عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) «قال: الإجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك، و الإخفات أن لا تسمع من معك إلّا يسيراً» «1» لكان له وجه «2» لمعقوليته في نفسه، و إن كان هذا أيضاً لا دليل عليه لضعف المرسلة.

______________________________
[1] بل المناط هو الصدق العرفي، و لا ينبغي الإشكال في عدم صدق الإخفات فيما يشبه كلام المبحوح و نحوه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 7، تفسير القمي 2: 30.

(2) بل لا وجه له، لورود المرسلة في تفسير الجهر و الإخفات المنهيين في الآية الشريفة و لا ترتبط بالمعنى المبحوث عنه منهما في المقام كما يظهر بملاحظة نص عبارة التفسير و هي هكذا: روي أيضاً عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا قال: الإجهار أن ترفع صوتك تسمعه من بعُد عنك، و الإخفات أن لا تسمع من معك إلّا سراً (يسيراً) ج 2 ص 30 و لعل منشأ الغفلة الاقتصار على ملاحظة الوسائل حيث حذف الآية الكريمة عن متن الحديث.

 

401
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 26مناط الجهر و الإخفات ظهور جوهر الصوت و عدمه ج 14 ص 401

 

..........

______________________________
و من هنا ذكر جماعة آخرون و منهم الماتن أنّ مناط الجهر و الإخفات ظهور الصوت و عدمه.

و هذا أيضاً لا دليل عليه. على أنّ لازمه أن يكون الصوت الشبيه بالمبحوح إخفاتاً، لعدم ظهور جوهر الصوت معه مع أنّه لا يمكن الالتزام به.

فالظاهر إيكال تحديدهما إلى الصدق العرفي، فإنّ الإجهار هو الإعلان و يقابله الإخفات، و المتبع فيه نظر العرف، فكلما صدق عليه عرفاً أنّه جهر أو أنّه إخفات ترتب عليه حكمه.

و الظاهر أنّ الصوت الشبيه بالمبحوح ليس من الإخفات في نظر العرف، فان تمّ هذا الاستظهار فهو، و إلّا فماذا يقتضيه الأصل العملي؟

ذكر المحقق الهمداني (قدس سره): أنّ مقتضى القاعدة حينئذ هو الاشتغال لأنّا مأمورون بالجهر أو الإخفات، و نشك في الصدق على هذا الفرد فاللّازم تركه، و اختيار غيره تحصيلًا للفراغ عن عهدة التكليف المقطوع «1».

و ذكر بعضهم: أنّ المرجع البراءة، إذ ليس الشك في المصداق كي يكون من الشك في المكلف به، بل هو من الشك في التكليف للترديد في سعة المفهوم و ضيقه، و أنّ مفهوم الإخفات هل اعتبرت فيه خصوصية بحيث لا تنطبق على المبحوح أو لا، و من المعلوم أنّ المرجع في الشبهة المفهومية أصالة البراءة، للعلم بالجامع و الشك في الخصوصية الزائدة، و الأصل عدمها.

و لا يخفى أنّ هذا متين بحسب الكبرى. و قد ذكرنا نظائره كثيراً فيما مرّ كالصعيد و نحوه، إلّا أنّه لا يمكن الالتزام به في خصوص المقام للعلم الإجمالي باعتبار عدمه، إمّا في مفهوم الجهر أو في مفهوم الإخفات لعدم الواسطة بين الأمرين، فانّا مكلفون بالجهر في صلاة الغداة و بالإخفات في صلاة الظهر مثلًا و نعلم إجمالًا بتقيّد أحد التكليفين بعدم وقوع القراءة على صفة المبحوح، و أصالة‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 301 السطر 36.

 

402
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 27المناط في صدق القراءة قرآنا كان أو ذكرا أو دعاء ما مر في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 403

[مسألة 27: المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً، أو دعاءً ما مرّ في تكبيرة الإحرام]

[1519] مسألة 27: المناط في صدق القراءة قرآناً كان أو ذكراً، أو دعاءً ما مرّ (1) في تكبيرة الإحرام، من أن يكون بحيث يسمعه نفسه تحقيقاً أو تقديراً بأن كان أصم أو كان هناك مانع من سماعه، و لا يكفي سماع الغير الذي هو أقرب إليه من سمعه.

______________________________
عدم التقييد في كل منهما معارض بالآخر، فلا مناص من ترك هذا النوع من القراءة رأساً، رعاية لتنجيز العلم الإجمالي و اختيار غيره، تحصيلًا للقطع بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم.

(1) قد مرّ بعض الكلام في مبحث التكبير، و توضيح المقام يستدعي التكلّم تارة في كفاية سماع الغير في صدق القراءة و إن لم يسمعه نفسه، كما لو كان الغير أقرب إليه من سمعه، و عدم الكفاية بل لا بدّ من سماع نفسه، و لو تقديراً كما لو كان أصم أو كان هناك مانع خارجي عن السماع. و أُخرى في أنّه على تقدير الكفاية فهل يجزئ ذلك في امتثال الأمر بالقراءة في الصلاة أو لا؟ فهنا جهتان:

أمّا الجهة الأُولى: فعلى تقدير تسليم الفرض و تحققه خارجاً مع أنّه محل تأمل بل منع، إذ بعد تحقق الصوت و تموّج الهواء فهو يسمع لا محالة كما يسمعه غيره و لا نعقل التفكيك فلا ينبغي الريب في صدق الكلام و القراءة عليه، و لذا لو تكلم بمثل ذلك و كان من كلام الآدمي بطلت صلاته بلا إشكال، إذ لم يعتبر في مفهوم الكلام و لا في مصداقه إسماع النفس، و هذا ظاهر.

و أمّا الجهة الثانية: فالظاهر كما عليه المشهور عدم الاجتزاء بمثل ذلك في الصلاة و إن صدق عليه عنوان القراءة، للنصوص الكثيرة الناهية عن ذلك التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: لا يكتب من القراءة و الدعاء إلّا ما أسمع نفسه» «1»، و موثقة سماعة قال: «سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ:

______________________________
(1) الوسائل 6: 96/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 1.

403
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 28لا يجوز من الجهر ما كان مفرطا خارجا عن المعتاد كالصياح ج 14 ص 404

[مسألة 28: لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجاً عن المعتاد كالصياح]

[1520] مسألة 28: لا يجوز من الجهر ما كان مفرطاً خارجاً عن المعتاد (1) كالصياح، فان فعل فالظاهر البطلان.

______________________________
وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا؟ قال: المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديداً» «1» و نحوهما غيرهما فلاحظ.

نعم، بإزائها صحيحة علي بن جعفر قال: «سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال: لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهم توهماً» «2» فإنّها صريحة في عدم اعتبار سماع النفس، بل الاكتفاء بمجرّد التوهّم و حديث النفس، لكنّها مخالفة للكتاب و السنّة إذ مرجعها إلى عدم اعتبار القراءة في الصلاة فيخالفها قوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ «3» و كذا الأخبار الكثيرة الآمرة بقراءة الفاتحة في الصلاة أو هي مع سورة أُخرى، فلا بدّ من طرحها أو ردّ علمها إلى أهله.

و عن الشيخ حملها على من يصلي خلف من لا يقتدى به «4»، و هو و إن كان بعيداً في نفسه جدّاً، لظهور الصحيحة في حال الاختيار دون التقية و الاضطرار إلّا أنّه لا بأس به «5» حذراً عن طرحها رأساً.

(1) بلا خلاف فيه، للأخبار الكثيرة الناهية عن ذلك الواردة في تفسير الآية المباركة وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ «6» كموثقة سماعة و صحيحة عبد اللّٰه بن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 96/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 2.

(2) الوسائل 6: 97/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 5.

(3) المزمل 73: 20.

(4) التهذيب 2: 97/ 365.

(5) و قد دلّ بعض النصوص على جواز ذلك في هذه الحالة، راجع الوسائل 8: 363/ أبواب صلاة الجماعة ب 33.

(6) الإسراء 17: 110.

404
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج 14 ص 405

[مسألة 29: من لا يكون حافظاً للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف]

[1521] مسألة 29: من لا يكون حافظاً للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف، بل يجوز ذلك للقادر الحافظ أيضاً على الأقوى (1).

______________________________
سنان و غيرهما «1» و هذا ممّا لا إشكال فيه، و حيث إنّ ظاهر النهي الإرشاد إلى المانعية فالظاهر البطلان كما أُفيد في المتن.

(1) أمّا مع العجز فلا إشكال في الجواز حتى مع التمكن من الائتمام، لإطلاق الأدلة كما هو ظاهر، بل لا خلاف فيه و عليه الإجماع في كثير من الكلمات، إنّما الكلام في جواز ذلك مع القدرة و التمكن من القراءة عن ظهر القلب كما يتفق كثيراً أنّ المصلي ربما يحب أن يقرأ سورة طويلة لا يحفظها مع تمكنه من قراءة طبيعي السورة عن ظهر القلب، فعن غير واحد هو الجواز أيضاً لإطلاق الأدلّة.

و ذهب جمع آخرون إلى المنع و يستدل له بوجوه:

الأول: دعوى الانصراف. و فيه: ما لا يخفى بل هو ممنوع جدّاً، فإنّ القراءة من المصحف أيضاً مصداق للقراءة، و لذا لو قرأ الخطيب خطبة من كتاب نهج البلاغة، أو رواية من كتاب الوسائل، أو قصيدة مكتوبة يتحقق في الجميع عنوان القراءة، و يصدق الامتثال لو كان مأموراً بشي‌ء ممّا ذكر، إذ لا يعتبر في مفهومها ظهر القلب بلا إشكال.

الثاني: التأسي بالنبي و المعصومين (عليهم السلام) إذ لم يعهد عنهم القراءة في الصلاة من المصحف. و فيه: مضافاً إلى ضعف دليل التأسي، و أنّ فعلهم لا يكشف عن الوجوب كما مرّ غير مرّة، أنّهم (عليهم السلام) حافظون للقرآن و مستغنون عن القراءة في المصحف فلا يقاس بهم غيرهم.

الثالث: قاعدة الاشتغال للشك في الامتثال لو قرأ عن المصحف، و الاشتغال‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 96/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 2، 3.

405
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج 14 ص 405

..........

______________________________
اليقيني يستدعي الفراغ كذلك، و لا يحصل إلّا بالقراءة عن ظهر القلب.

و فيه: مضافاً إلى أنّه لا مجال للتمسّك بالأصل بعد إطلاق الدليل، أنّ مقتضاه البراءة، للشك في حدوث تكليف زائد كما هو الشأن في موارد الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطي.

الرابع: خبر ابن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل و المرأة يضع المصحف أمامه ينظر فيه و يقرأ و يصلي، قال: لا يعتد بتلك الصلاة» «1». و فيه: أنّ الدلالة و إن كانت تامة لكنه ضعيف السند بعبد اللّٰه بن الحسن، و ليست في المقام شهرة على المنع حتى يدعى انجباره بالعمل لو سلّم كبرى الانجبار، فلا يمكن الاستدلال به.

الخامس: أنّ القراءة من المصحف مكروه إجماعاً، و لا شي‌ء من المكروه بواجب لتضاد الأحكام بأسرها.

و يردّه أوّلًا: أنّ المكروه إنّما هو النظر في المصحف لكونه شاغلًا و مانعاً عن حضور القلب في الصلاة لا نفس القراءة و إن استلزمته، فاختلف مورد الوجوب عن الكراهة و لم يردا على محل واحد.

و ثانياً: لو سلّم كراهة القراءة نفسها فلا ينافي ذلك اتصافها بوقوعها مصداقاً للواجب، لعدم تعلق الوجوب بشخص تلك القراءة حتى تتحقق المنافاة، بل الواجب طبيعي القراءة الجامع بين كونها في المصحف أو عن ظهر القلب، و لا مانع من انطباق الطبيعي على الفرد المكروه، إذ كل مكروه فهو مرخّص فيه غايته أن يكون فرداً مرجوحاً و ثوابه أقل من غيره، كما هو الحال في سائر العبادات المكروهة.

فلا منافاة بين وجوب الطبيعي و كراهة الفرد، و إنّما التنافي بينه و بين حرمته‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 107/ أبواب القراءة في الصلاة ب 41 ح 2.

406
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج 14 ص 405

..........

______________________________
إذ مقتضى إطلاق الأوّل الترخيص في التطبيق حتى على هذا الفرد، و مقتضى الثاني عدمه، فلا مناص في مثله عن الالتزام بالتخصيص، و أنّ دائرة المأمور به مقيدة بعدم انطباقها على هذا الفرد، و هذا بخلاف المكروه لما عرفت من اشتماله على الترخيص فلا ينافي الإطلاق.

السادس: خبر عبد اللّٰه بن أوفى «إنّ رجلًا سأل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقال: إنّي لا أستطيع أن أحفظ شيئاً من القرآن فماذا أصنع؟ فقال (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) له: قل سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه» «1» فلو جازت القراءة من المصحف لأمره بذلك.

و لا يخفى أنّ هذا من أردأ أنحاء الاستدلال، إذ فيه: أوّلًا: أنّ الرواية عامية و لم ترد عن طرقنا فهي ضعيفة السند. و ثانياً: أنّ موردها ليست القراءة في الصلاة التي هي محل الكلام، بل قراءة مطلق القرآن، فهي أجنبية عمّا نحن فيه.

و ثالثاً: أنّ موردها صورة الاضطرار، و يجوز فيها القراءة في المصحف إجماعاً.

و رابعاً: أنّ سياقها يشهد أنّ السائل عامّي محض لا يستطيع القراءة في المصحف فلا يمكن أمره بذلك، فلا يقاس عليه من يتمكن منها الذي هو محل الكلام.

و قد ظهر من جميع ما ذكرنا: أنّ الأقوى هو جواز القراءة في المصحف حتى مع الاختيار، لإطلاق أدلة القراءة و عدم نهوض ما يوجب التقييد.

هذا، و ربما يستدل للجواز برواية الحسن بن زياد الصيقل قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): ما تقول في الرجل يصلي و هو ينظر في المصحف يقرأ فيه يضع السراج قريباً منه؟ فقال: لا بأس بذلك» «2».

______________________________
(1) سنن البيهقي 2: 381، سنن أبي داود 1: 220/ 832.

(2) الوسائل 6: 107/ أبواب القراءة في الصلاة ب 41 ح 1.

407
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29من لا يكون حافظا للحمد و السورة يجوز أن يقرأ في المصحف ج 14 ص 405

كما يجوز له اتباع من يلقّنه آية فآية (1) لكن الأحوط اعتبار عدم القدرة على الحفظ و على الائتمام.

[مسألة 30: إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه]

[1522] مسألة 30: إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه و لو توهماً [1]، و الأحوط تحريك لسانه بما يتوهمه (2).

______________________________
لكنها ضعيفة السند و إن عبّر عنها بالمصححة في بعض الكلمات، فانّ الحسن ابن زياد الصيقل لم يوثق. نعم، ورد في أسانيد كامل الزيارات الحسن بن زياد و لم يعلم أنّ المراد به الصيقل «1»، بل الظاهر أنّ المراد به الضبيّ مولى بني ضبة المعبّر عنه بالطائي أيضاً، فإنّه المعروف الذي له كتاب دون الصيقل، و لا أقل من الشك فلم يثبت توثيقه، فلا يمكن الاعتماد عليها حتى يجمع بينها و بين خبر علي بن جعفر المتقدم في الوجه الرابع بالحمل على الكراهة كما قيل، لضعفهما معاً كما عرفت.

(1) كما مرّ في التكبير، فإنّ القدرة المعتبرة في التكليف إنّما هي القدرة الحاصلة في ظرف العمل و لو تدريجاً، و لا يعتبر فعلية القدرة على المجموع قبل الشروع، فيجوز متابعة الملقّن و إن تمكن من الحفظ و الائتمام.

(2) إذا كان المصلي قادراً على القراءة الصحيحة فلا كلام، و أمّا إذا كان عاجزاً ففروضه ثلاثة: إذ قد يكون عاجزاً عن القراءة الصحيحة فيأتي بها ملحونة كما في الفأفاء و التمتام و نحوهما ممّن لا يتمكن من تأدية الحروف عن مخارجها، كأن يبدل الراء ياءً، أو كان أعجمياً غريباً عن اللغة العربية فيبدل‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) و لكن الرجل على التقديرين لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق.

408
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 30إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه ج 14 ص 408

..........

______________________________
الضاد زاء مثلًا و لا يستطيع أن يتعلم، و قد يكون عاجزاً عن القراءة رأساً و هذا تارة يكون لمانع ذاتي كما في الأخرس، و أُخرى لمانع عرضي كمن به آفة في لسانه.

أمّا القسم الأوّل: فلا شك أنّ وظيفته الإتيان بما يتمكن من القراءة و ما يتيسر له، فانّ هذه هي قراءته، و لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا، و تدل عليه موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: قال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) «إنّ الرجل الأعجمي من أُمتي ليقرأ القرآن بعجمية فترفعه الملائكة على عربيته» «1» و قد بنينا أخيراً على العمل بروايات السكوني و اعتبارها، لأنّه موثق بتوثيق الشيخ و إن كان عاميا، و النوفلي الراوي عنه موجود في أسانيد كامل الزيارات و تفسير القمي.

و تؤيّده: معتبرة مسعدة بن صدقة قال: «سمعتُ جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إنّك قد ترى من المحرم «2» من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك فهذا بمنزلة العجم و المحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» «3».

و هل يجب عليه الائتمام مع التمكن منه؟ الظاهر لا، لأنّ وظيفته ذلك، و هي منه بمنزلة القراءة الصحيحة من الفصيح فيشمله إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة «الصلوات فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها و لكنها سنّة» «4».

______________________________
(1) الوسائل 6: 221/ أبواب قراءة القرآن ب 30 ح 4.

(2) يقال أعرابي محرم: جافٍ لم يخالط الحضر. أقرب الموارد [1: 185].

(3) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 2.

(4) الوسائل 8: 285/ أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.

409
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 30إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه ج 14 ص 408

..........

______________________________
و أمّا القسم الثاني: و هو العاجز رأساً لمانع ذاتي كالأخرس، فالمشهور كما في المتن أنّه يحرّك لسانه و يشير بيده على حذو تفهيم سائر مقاصده، بل إنّ هذا في الجملة ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف، و تدل عليه موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة، تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1»، و تؤيّده معتبرة مسعدة بن صدقة المتقدمة.

إنّما الكلام في أنّه يشير إلى أيّ شي‌ء، فانّ المعاني لا يلزم قصدها أو التوجه إليها حتى في المختار، فانّ كثيراً من الناس بل أكثرهم يصلّون و لا يدرون ما يقولون، أو لا يلتفتون، فقصد المعنى غير معتبر قطعاً حتى تجب الإشارة إليه.

و أمّا الألفاظ، فقد يقال بامتناع إشارة الأخرس إليها، إذ هو لكونه أصم لملازمة الخرس للصم لم يسمع الألفاظ منذ عمره و طيلة حياته، فكيف يشير إليها و هو لا يعرفها، فهو بالنسبة إلى الألفاظ كالأعمى بالنسبة إلى الألوان.

لكن الظاهر أنّه يشير إلى اللفظ، إذ هو يعلم و لو إجمالًا أنّه يخرج من الناس نوع صوت في مقام تفهيم مقاصدهم، لما يراه من تحريك اللسان و الشفتين و سائر الملابسات كما يخرج عن نفسه أيضاً، و إن كان من نفسه مهملًا، فيشير إلى تلك الأصوات و الألفاظ عند القراءة كما في غيرها فتدبر جيداً.

و أمّا آلة الإشارة ففي المتن كغيره من سائر كلمات القوم أنّها اليد، و المذكور في النص الإصبع، و الظاهر أنّهما متلازمان و مآلهما واحد، فإنّ الإصبع جزء من اليد فلو أشار به يصدق أنّه أشار بيده كالعكس فلا فرق بين الأمرين.

و ممّا ذكرنا تعرف عدم وجوب الائتمام عليه، لأنّ هذه هي قراءته و هي منه بمنزلة الصحيح من الفصيح. مضافاً إلى إطلاق النص المعيّن للوظيفة الفعلية.

______________________________
(1) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 1.

410
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 30إذا كان في لسانه آفة لا يمكنه التلفظ يقرأ في نفسه ج 14 ص 408

..........

______________________________
و أمّا القسم الثالث: و هو العاجز عن القراءة لمانع عارضي كمن في لسانه آفة، فقد ذكر في المتن تبعاً لجمع أنّه يقرأ في نفسه و لو توهّماً مثل حديث النفس، و هذا بخصوصه لم يرد في شي‌ء من الأخبار، لكن صاحب الجواهر (قدس سره) «1» استدلّ له تارة: بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة: «سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته و يحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يسمع نفسه؟ قال: لا بأس أن لا يحرّك لسانه يتوهم توهّماً» «2».

و قد أسلفنا الكلام حولها و أنّه لا بدّ من رد علمها إلى أهله، حيث إنّ ظاهرها المختار و هو على خلاف الكتاب و السنة، و تقدّم «3» ما عن الشيخ من حملها على الائتمام خلف المخالف، و عرفت أنّ هذا و إن كان بعيداً جدّاً، لكنه لا بأس به حذراً من الطرح. و على كل حال فهي أجنبية عن محل الكلام كما لا يخفى.

و أُخرى: بخبره الآخر المروي عن قرب الاسناد «4» لكنه مضافاً إلى ضعف سنده بعبد اللّٰه بن الحسن أجنبي عن المقام أيضاً و لا شاهد على حمله عليه.

و ثالثة: بمرسل محمد بن أبي حمزة «قال: يجزئك من القراءة معهم مثل حديث النفس» «5» لكنها مضافاً إلى ضعفها بالإرسال كالصريح في الائتمام خلف المخالف لقوله (عليه السلام) «معهم»، فهي أيضاً أجنبية عن المقام.

و على الجملة: فليس في البين نص يعتمد عليه، و حينئذ فان قلنا بأنّ الأخرس بمفهومه شامل لمحل الكلام، و أنّه عبارة عن مطلق من لم يتمكن من التكلّم و إن‌

______________________________
(1) الجواهر 9: 317.

(2) الوسائل 6: 97/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 5.

(3) في ص 404.

(4) الوسائل 6: 128/ أبواب القراءة في الصلاة ب 52 ح 4، قرب الاسناد: 203/ 785.

(5) الوسائل 6: 128/ أبواب القراءة في الصلاة ب 52 ح 3.

411
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 31الأخرس يحرك لسانه و يشير بيده إلى ألفاظ القراءة بقدرها ج 14 ص 412

[مسألة 31: الأخرس يحرّك لسانه و يشير بيده إلى ألفاظ القراءة بقدرها]

[1523] مسألة 31: الأخرس يحرّك لسانه و يشير بيده إلى ألفاظ القراءة بقدرها (1).

[مسألة 32: من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم]

[1524] مسألة 32: من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم [1] (2) و إن كان متمكناً من الائتمام، و كذا يجب تعلم سائر أجزاء الصلاة،

______________________________
كان لجهة عارضية، فيشمله حكمه لكونه من مصاديقه حينئذ، و إلّا كما لعله الأقوى لانصرافه إلى المانع الذاتي كالعمى، فكما أنّ الأعمى لا يصدق على من لا يبصر فعلًا لعارض موقّت مع قبوله للعلاج، فكذا الأخرس فإنّه ينصرف عمن طرأ عارض موقّت على لسانه يزول بالعلاج فالظاهر أيضاً كذلك، فإنّه و إن خرج عنه موضوعاً لكنه داخل حكماً، إذ مناسبة الحكم و الموضوع تقضي بأنّ الخرس لا خصوصية له و إنّما أُخذ في لسان الدليل باعتبار أنّه لا يتمكن من التكلم، فهو الموضوع في الحقيقة و الأخرس من أحد مصاديقه، فيعمّ الحكم لمثل المقام أيضاً. فالأقوى أنّ وظيفته هي وظيفة الأخرس، لكن الأحوط أن يضمّ معها ما في المتن من القراءة في النفس و لو توهّماً فيحرّك لسانه بما يتوهّمه لذهاب جماعة إليه.

(1) قد ظهر حالها ممّا مرّ فلاحظ.

(2) إن قلنا بأنّ التعلم واجب نفسي كما اختاره المحقق الأردبيلي «1» (قدس سره) أخذاً بظواهر بعض النصوص كقوله «طلب العلم فريضة» «2» و نحوه، فلا إشكال في الوجوب. و أمّا إذا أنكرنا ذلك و بنينا على أنّ الوجوب طريقي تحفّظاً على الأحكام الواقعية كما هو الصحيح، و يشهد له ما ورد من أنّ العبد يؤتى به‌

______________________________
[1] لا وجه لوجوبه مع التمكن من الصلاة الصحيحة بالائتمام.

______________________________
(1) مجمع الفائدة و البرهان 2: 110.

(2) الكافي 1: 30/ 2.

412
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 32من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم ج 14 ص 412

فان ضاق الوقت مع كونه قادراً على التعلم فالأحوط الائتمام إن تمكّن منه [1] (1).

______________________________
يوم القيامة فيقال هلّا عملت؟ فيقول: ما علمت، فيقال هلّا تعلّمت؟ ... إلخ «1» فلا دليل على وجوب التعلم في المقام حتى مع التمكن من الائتمام، فإنّه أيضاً طريق يوصل إلى الواقع، و المفروض أنّ التعلم لا خصوصية له عدا الإيصال و عدم الإخلال بالواقع، فمع الأمن منه لا يجب التعلم، و من هنا ذكرنا و ذكر الماتن أيضاً في أوائل الكتاب في مبحث التقليد أنّ من يعلم أنّه لا يبتلى بمسائل الشك لا يجب عليه تعلم أحكامه «2».

(1) تفصيل الكلام في المقام: أنّه قد يفرض أنّ المكلف عاجز عن التعلم فلا يقدر عليه، لقصور فيه إمّا ذاتاً أو عرضاً كضيق الوقت أو لأنّه أسلم في مكان لا يجد من يعلّمه من بيداء أو محبس و نحوهما، و قد يفرض قدرته عليه غير أنّه فرّط و قصّر في التعلم إلى أن ضاق الوقت فأصبح عاجزاً بسوء اختياره.

أمّا العاجز القاصر، فلا شك في سقوط القراءة عنه فإنّه تكليف بما لا يطاق و أنّ الوظيفة حينئذ تنتقل إلى البدل و سيأتي الكلام عليه.

و هل يجب عليه الائتمام حينئذ إن تمكن منه؟ لا ينبغي الإشكال في العدم و الظاهر أنّه لا قائل به أيضاً، و وجهه ظاهر، أمّا بناءً على أنّ الائتمام مسقط للقراءة كما هو الصحيح لا أنّه عدل للواجب التخييري فالأمر واضح، لأنّه‌

______________________________
[1] بل الأقوى ذلك فيما إذا كان متمكناً من التعلّم قبلًا كما هو المفروض.

______________________________
(1) ورد هذا المضمون في رواية معتبرة أخرجها في البحار 2: 29 عن أمالي المفيد و في ص 180 عن قبس المصباح، و أوردها في تفسير البرهان 2: 492 عن أمالي الشيخ الطوسي.

(2) شرح العروة 1: 252.

413
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 32من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم ج 14 ص 412

..........

______________________________
غير مأمور بالقراءة رأساً لمكان العجز فلا تكليف بها حتى يحتاج إلى المسقط و لزوم الإتيان بالمسقط في حد نفسه لا دليل عليه.

و أمّا على المبنى الآخر، فكذلك أخذاً بإطلاق أدلة البدلية كما ستعرف قريباً إن شاء اللّٰه تعالى، من أنّ الوظيفة حينئذ تنتقل إلى التكبير و التسبيح أو الإتيان بالميسور، أو قراءة غير الفاتحة من سور القرآن، فانّ مقتضى الإطلاق في تلك الأدلة عدم الفرق بين صورتي التمكن من الائتمام و عدمه، و من البيّن أنّ عدل الائتمام هو مطلق الفرادى الأعم من المشتملة على القراءة أو على بدلها، لا خصوص الاولى.

مضافاً إلى إطلاق قوله (عليه السلام): «الصلوات فريضة و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها و لكنّها سنّة» «1» فانّ مقتضاه استحباب الجماعة مطلقاً خرج عنه ما ثبت وجوبها فيه كالجمعة فيبقى الباقي و منه المقام تحت الإطلاق. و مع الغض عن الإطلاقين المزبورين فاحتمال وجوب الجماعة أو اشتراطها منفي بأصالة البراءة كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ الائتمام غير واجب حتى على القول بالوجوب التخييري.

و أمّا العاجز المقصّر الذي ترك التعلم مع قدرته عليه عالماً عامداً حتى ضاق الوقت، فالكلام فيه يقع في مقامين، أحدهما: ما إذا لم يتمكن من الائتمام. و ثانيهما: مع التمكن منه.

أمّا المقام الأوّل، فقد ذهب بعضهم إلى سقوط الأداء حينئذ و تعيّن القضاء، إذ الواجب هي الصلاة عن قراءة صحيحة و كان متمكناً منها و ضيّعها على نفسه بتقصيره في التعلم بسوء اختياره، و لا دليل على الانتقال إلى البدل، لاختصاص أدلّة البدلية بالعاجز القاصر و انصرافها عن المقصّر، كما لا دليل على الاجتزاء بالناقص بقاعدة الميسور لعدم تماميتها، فلا مناص عن الالتزام بسقوط الصلاة‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 285/ أبواب صلاة الجماعة ب 1 ح 2.

414
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 32من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم ج 14 ص 412

..........

______________________________
و الانتقال إلى القضاء.

و ذكر المحقق الهمداني (قدس سره) «1» في بعض موارد الاضطرار: أنّ القاعدة تقتضي ذلك، أي سقوط الأداء في كافة التفويتات الاختيارية، فلو أراق الماء عمداً فقد فوّت على نفسه الصلاة الاختيارية، و لا دليل في مثله على الانتقال إلى التيمم، لانصراف دليل البدل إلى العجز القهري لا الاختياري العمدي، نعم مقتضى دليل عدم سقوط الصلاة بحال لزوم الانتقال إلى البدل و بذلك يخرج عن مقتضى القاعدة، غير أنّه قد تردد في شمول هذا الدليل لمثل المقام من جهة التشكيك في مفاده، لاحتمال أن يراد بالحالة الحالات الطارئة على المكلّف بحسب طبعه من مرض أو سفر و نحوهما دون حال العصيان، فمن الجائز أن لا يشمل حال التفويت الاختياري، و من هنا ذكر أنّ الأحوط في أمثال المقام الجمع بين الأداء و القضاء عملًا بالعلم الإجمالي.

و هذا القول أعني سقوط الأداء وجيه لولا قيام الدليل على عدم سقوط الصلاة بحال، فإنّه و إن لم يرد بلفظة في دليل معتبر لكن مضمونه مستفاد ممّا ورد في أخبار المستحاضة كقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة «و لا تدع الصلاة بحال» «2» للقطع بعدم خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم، و لا ينبغي الريب في شمول الحال لمثل المقام فإنّه من جملة الأحوال، و التشكيك المزبور لم نعرف له وجهاً صحيحاً، فلا مانع من التمسك بالإطلاق بعد صدق اسم الصلاة على الفاقد للقراءة، لعدم تقوّمها بأكثر من الركوع و السجود و الطهور.

فالمتعيّن هو الأداء فقط دون القضاء، إذ لا ينتهي الأمر إليه بعد تعيّن الوظيفة في الوقت، المانع من صدق الفوت الذي هو موضوع القضاء، و دون الجمع، إذ لا تصل النوبة إلى العلم الإجمالي كما هو ظاهر.

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 278 السطر 10.

(2) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

415
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 32من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم ج 14 ص 412

..........

______________________________
و أمّا المقام الثاني: فهل يجب الائتمام مع التمكن منه؟

يقع الكلام تارة في الوجوب التكليفي، و أُخرى في الوجوب الوضعي.

أمّا الأوّل: فقد احتاط فيه في المتن و إن لم يصرّح بالتكليفي و قد جزم (قدس سره) به في أوائل أحكام الجماعة، حيث ذكر أنّها مستحبة لكنها تجب في موارد و عدّ المقام فيها.

و ربما يقال: بعدم الوجوب، استناداً إلى أصالة البراءة، بناءً على أنّ الائتمام مسقط كما هو الصحيح لا أنّه عدل للواجب التخييري، فإنّ الأمر بالقراءة ساقط و لو بالتعذر المستند إلى التقصير، و إيجاب المسقط يحتاج إلى الدليل و حيث لا دليل فيدفع بأصالة البراءة، و يقتصر على المقدار الممكن.

و ربما يستدل عليه أيضاً: بصحيحة عبد اللّٰه بن سنان قال: «قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام): إنّ اللّٰه فرض من الصلاة الركوع و السجود، أ لا ترى لو أنّ رجلًا دخل في الإسلام لا يحسن أن يقرأ القرآن أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلي» «1» حيث إنّ مقتضى إطلاقها أنّ غير المتمكن من القراءة يجزئه التسبيح و إن كان متمكناً من الائتمام، فيظهر أنّ القراءة ليست من المقوّمات و إنّما المقوّم للصلاة الركوع و السجود كما صرّح بهما في صدر الصحيحة، و كذا الطهور كما يظهر من بعض الأخبار.

و الجواب: أمّا عن الصحيحة، فبأنّ القراءة و إن لم تكن مقوّمة لكنها من أجزاء الصلاة و واجبة مع التمكن بلا إشكال، لقوله (عليه السلام) «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «2»، و المفروض في المقام التمكن من تعلمها فتجب لا محالة، غير أنّ المكلف فوّتها على نفسه بتقصيره و سوء اختياره فكيف تشمله هذه الصحيحة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 42/ أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1.

(2) عوالي اللآلي 1: 196/ 2، المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

416
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 32من لا يحسن القراءة يجب عليه التعلم ج 14 ص 412

..........

______________________________
التي موردها العاجز القاصر الذي لا يقدر على التعلم كما هو ظاهر قوله (عليه السلام): «لو أنّ رجلًا دخل في الإسلام ...» إلخ حيث إنّ المنسبق منه أنّ عدم إحسانه للقراءة لكونه جديد عهد بالإسلام فمنصرفه العجز القصوري الذي هو أجنبي عن محل الكلام.

و أمّا عن الأصل، ففيه: أنّ البراءة غير جارية في المقام، إذ موردها الشك في التكليف، و لا شك أنّه كان مكلفاً بالصلاة مع القراءة لفرض قدرته على التعلم، فهو مستحق للعقاب على تفويته الاختياري جزماً. نعم، في وسعه دفع العقاب بالائتمام، إذ لم يفت عنه حينئذ شي‌ء، فلا جرم يستقل به العقل فراراً عن العقاب المقطوع استحقاقه لا المحتمل، لما عرفت من أنّه كان قادراً و لم يتعلّم بسوء اختياره إلى أن ضاق الوقت، فهو يعاقب لا محالة على تركه للمرتبة الراقية و الصلاة الاختيارية.

و على الجملة: فالائتمام و إن لم يكن واجباً في نفسه شرعاً بعد فرض كونه مسقطاً لا عدلًا للواجب التخييري كما هو مبنى الكلام، إلّا أنّ العقل يستقل بوجوبه دفعاً للعقاب المقطوع استحقاقه، و معه كيف يسوغ تركه رأساً استناداً إلى أصالة البراءة.

فتحصّل: أنّ وجوب الائتمام تكليفاً ممّا لا ينبغي الارتياب فيه.

و أمّا الثاني: فالظاهر عدمه، لأصالة البراءة عن تقيّدها به، فإنّه قيد زائد يشك في اعتباره في المأمور به فيدفع بالأصل، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إلى البراءة في الأقل و الأكثر الارتباطي، فلو لم يأتم صحّت صلاته و إن كان آثماً، و من الواضح عدم المنافاة بين الوجوب تكليفاً و عدمه وضعاً، فالمقام نظير ما لو نذر أن يأتي بالفريضة جماعة، فلو حنث و صلى منفرداً صحت صلاته و إن كان عاصياً.

417
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 33من لا يقدر إلا على الملحون أو تبديل بعض الحروف ج 14 ص 418

[مسألة 33: مَن لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف]

[1525] مسألة 33: مَن لا يقدر إلّا على الملحون أو تبديل بعض الحروف و لا يستطيع أن يتعلم أجزأه ذلك و لا يجب عليه الائتمام، و إن كان أحوط و كذا الأخرس لا يجب عليه الائتمام (1).

[مسألة 34: القادر على التعلّم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلّم]

[1526] مسألة 34: القادر على التعلّم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلّم، و قرأ من سائر القرآن [1] عوض البقيّة، و الأحوط مع ذلك تكرار ما يعلمه بقدر البقية، و إذا لم يعلم منها شيئاً قرأ من سائر القرآن بعدد آيات الفاتحة [2] بمقدار حروفها (2).

______________________________
(1) تقدّم «1» الكلام في هذه المسألة مستقصى فلا حاجة إلى الإعادة فلاحظ.

(2) المشهور أنّ مَن لم يتعلّم القراءة إلى أن ضاق الوقت سواء أ كان قادراً على التعلم فقصّر أم كان قاصراً قرأ من الفاتحة ما تيسر، فان عجز عنها بأن لم يتعلم شيئاً منها قرأ من سائر القرآن، فان عجز عن ذلك أيضاً كبّر و سبّح.

و ظاهر المحقق في الشرائع «2» إلغاء الترتيب، و أنّه بعد العجز عن الفاتحة يتخيّر بين قراءة سائر القرآن و بين التسبيح.

و هذا مضافاً إلى أنه لا قائل به عدا ما ينقل عن الشيخ في موضع من المبسوط «3» فهو قول شاذ لا يعبأ به لا دليل عليه، بل الدليل قائم على خلافه كما ستعرف، هذا.

______________________________
[1] على الأحوط الأولى، و لا يجب عليه تكرار ما تعلّم.

[2] على الأحوط فيه و فيما بعده.

______________________________
(1) في ص 413.

(2) الشرائع 1: 98.

(3) المبسوط 1: 107.

418
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 34القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم ج 14 ص 418

..........

______________________________
و قد استدلّ على المشهور من اعتبار الترتيب المزبور بوجوه كلها ضعيفة، ما عدا صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «1» حيث أُنيط فيها إجزاء التكبير و التسبيح بالعجز عن قراءة القرآن لا عن خصوص الفاتحة، فالانتقال إلى الذكر متفرع على العجز عن طبيعي القراءة، و لازم ذلك هو الترتيب و الطولية فيسقط التخيير.

و يؤيّدها قوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ «2»، و ما في خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) من أنّ العلة في قراءة القرآن في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجوراً، و العلة في اختصاص الفاتحة بالوجوب لاشتمالها على جوامع الكلم «3» حيث يظهر منه تعدد المطلوب، فاذا فات المطلوب الأرقى بقي المطلوب الأدنى بحاله، فوجب قراءة غير الفاتحة من سائر القرآن مهما أمكن رعاية لأدنى المطلوبين، لكن العمدة ما ذكرناه من الصحيحة، إذ في هذين الوجهين ما لا يخفى و سنشير إليه فلا يصلحان إلّا للتأييد.

هذا إذا لم يتمكن من الفاتحة أصلًا، و أمّا إذا تمكن من بعضها، فان كان المقدور هو معظم الفاتحة فلم يرد النقص إلّا على مقدار يسير منها كربعها بل و ثلثها، بحيث صدق على الباقي عنوان الفاتحة، فلا إشكال في وجوب الإتيان به و وجهه ظاهر، و أمّا إذا كان الفائت مقداراً معتنى به كالنصف أو الثلثين، بحيث لم يصدق على المقدور عنوان الفاتحة، فقد استدلّ على وجوب قراءته حينئذ بوجوه ضعيفة كقاعدة الميسور، و ما لا يدرك، و قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم): «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» «4»، و الاستصحاب، و الكل كما ترى.

______________________________
(1) الوسائل 6: 42/ أبواب القراءة في الصلاة ب 3 ح 1.

(2) المزمل 73: 20.

(3) الوسائل 6: 38/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 3.

(4) عوالي اللآلي 4: 58.

419
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 34القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم ج 14 ص 418

..........

______________________________
و العمدة الاستدلال عليه بأحد وجهين:

أحدهما: تسالم الأصحاب و اتفاقهم على ذلك بحيث لم ينقل الخلاف عن أحد.

ثانيهما: صحيحة ابن سنان المتقدمة بضميمة العلم الخارجي بتقدم الفاتحة على غيرها من سائر القرآن في الصلاة، فإنّ مقتضى الصحيحة أنّ التسبيح إنّما يجزئ بعد العجز عن طبيعي القرآن، غير المتحقق في المقام بعد تمكنه من بعض الفاتحة، فإنّه مصداق للقرآن كما هو ظاهر، فلا تصل النوبة إلى التسبيح، و حيث إنّا نقطع من الخارج أنّ الفاتحة مقدمة على بقية سور القرآن في القراءة المعتبرة في الصلاة و لذا تتقدم على ما عداها لدى الاختيار، فلا نحتمل تقدم غيرها أو التخيير بينها و بين الفاتحة و لو بعضها في المقام. فالصحيحة بضميمة هذا العلم الخارجي تنتج وجوب الإتيان بالفاتحة بالمقدار الممكن.

و هل يجب التعويض حينئذ عن الباقي؟ فيه خلاف نسب إلى المشهور الوجوب و استدلّ عليه بأُمور:

أحدها: قاعدة الاشتغال، إذ لا جزم بفراغ الذمة عن عهدة التكليف المقطوع إلّا بالتعويض.

و الجواب: عنه ظاهر، فإنّه من موارد الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطي و الصحيح أنّه مجرى البراءة دون الاشتغال.

ثانيها: قوله تعالى فَاقْرَؤُا مٰا تَيَسَّرَ مِنْهُ «1» و ظاهر الأمر الوجوب.

و فيه أوّلًا: أنّ الآية المباركة غير ناظرة إلى حال الصلاة، بل هي مطلقة و معلوم أنّ الأمر حينئذ محمول على الاستحباب.

و ثانياً: على تقدير كونها ناظرة إلى الصلاة و مختصة بها، فليس المراد كل ما‌

______________________________
(1) المزمل 73: 20.

420
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 34القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم ج 14 ص 418

..........

______________________________
تيسر، و إلّا وجب بالمقدار الذي يمكنه و إن كان سورة البقرة مع أنّه غير واجب قطعاً، بل المراد طبيعي ما يتيسر، الصادق على المقدار الممكن من القراءة، فلا موجب للتعويض.

ثالثها: قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «1»، فانّ ظاهره نفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للفاتحة المستلزم للبطلان، خرجت عنه ما اشتملت على الفاتحة الناقصة المعوّضة بالإجماع، فيبقى غيره تحت عموم النفي. و لعلّ هذه أحسن الوجوه.

و الجواب: أنّ الاستدلال مبني على أن تكون الرواية بصدد الإخبار عن الدخل في الحقيقة، و ليس كذلك، بل هي إرشاد إلى الجزئية و لو بضميمة العلم الخارجي بعدم دخل الفاتحة في حقيقة الصلاة و أنّها لا تسقط بحال، و أنّ المقوّم لها ليس إلّا الركوع و السجود و الطهور حسبما ثبت بالنص «2».

و عليه فالجملة المزبورة في قوة الأمر بالفاتحة، المختص بحال التمكّن جزماً فيسقط لدى العجز لا محالة، فالأمر بالتعويض يحتاج إلى الدليل، و الأصل البراءة. و بالجملة: غاية ما يثبت بهذه الرواية جزئية الفاتحة، و أمّا وجوب البدل فكلّا.

رابعها: خبر الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) «أنّه قال: أُمر الناس بالقراءة في الصلاة لئلّا يكون القرآن مهجوراً إلى أن قال و إنما بدئ بالحمد دون سائر السور لأنّه ليس شي‌ء من القرآن و الكلام جمع فيه من جوامع الخير و الحكمة ما جمع في سورة الحمد» «3» الدال على وجوب كل من قراءة القرآن و من خصوص سورة الحمد من باب تعدد المطلوب، فإذا تعذّر‌

______________________________
(1) عوالي اللآلي 1: 196/ 2، المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

(2) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

(3) الوسائل 6: 38/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 3.

421
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 34القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم ج 14 ص 418

..........

______________________________
المطلوب الأرقى لزم التحفّظ على المطلوب الأدنى، فيجب التعويض محافظة على أدنى المطلوبين بعد تعذر الآخر.

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند كما لا يخفى، قصور الدلالة، بداهة أنّ المراد من قراءة القرآن الذي هو المطلوب الأدنى الطبيعي الصادق على المقدار الميسور من الفاتحة، فالمصلحة القائمة بقراءة القرآن من عدم كونه مهجوراً حاصلة، و القائمة بالفاتحة ساقطة بالعجز، و التبديل عن المقدار الفائت يحتاج إلى الدليل، و الأصل البراءة.

فتحصّل من جميع ما مرّ: أنّ ما ذكره بعضهم من عدم وجوب التعويض هو الأظهر، و إن كان مراعاته أحوط.

ثم على تقدير الوجوب، فهل يتعيّن أن يكون العوض من سائر القرآن غير الفاتحة، إذ لا أثر للتكرار، فإنّ الشي‌ء الواحد لا يكون أصلًا و بدلًا فلا يجمع بينهما، أو يتعيّن أن يكون منها، فيكرّر ما يعلمه حتى يستكمل مقدار الفاتحة لكونه أقرب إلى المتعذر من غيره، لاشتراكهما في كونهما من أجزاء الفاتحة؟

قيل بكلّ منهما، و كلاهما ليس بشي‌ء، إذ مستندهما وجه اعتباري لا يصلح لأن يكون مدركاً لحكم شرعي، و أيّ مانع من أن يكون الشي‌ء الواحد باعتبار وجوده الأول أصلًا و بلحاظ الوجود الثاني بدلًا، و الأقربية المزبورة لم يقم دليل على وجوب مراعاتها. فالتعيين لا دليل عليه، و لعلّه برعاية هذين الوجهين جمع الماتن بينهما و جعل ذلك أحوط.

نعم، لا يبعد أن يكون الجمع واجباً لو كان المستند في أصل وجوب التعويض قاعدة الاشتغال، فانّ هذا الاستدلال كما يقتضي أصل التعويض يقتضي وجوب الجمع في المقام بملاك واحد، إذ لا يحصل الجزم بالفراغ إلّا بذلك، لاحتمال وجوب كل منهما كما مرّ. كما أنّ الحال كذلك لو كان المستند قوله (عليه السلام)

 

422
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 34القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم ج 14 ص 418

و إن لم يعلم شيئاً من القرآن سبّح و كبّر و ذكر بقدرها، و الأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربعة بقدرها (1).

______________________________
«لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «1» إذ المتيقن خروجه عن عموم النفي صورة الجمع فيبقى ما عداها تحت العموم المقتضي للبطلان بالتقريب المتقدم، لعدم العلم بالخروج لو اقتصر على واحد منهما، و من هنا كان الجمع أحوط، و إن كان الأقوى عدم وجوب التعويض من أصله كما عرفت.

ثم على تقدير الوجوب فهل يعتبر أن يكون البدل من الفاتحة أو من غيرها مساوياً للمقدار الفائت في الحروف و الآيات و الكلمات أو لا؟

يجري فيه الكلام المتقدم آنفاً بعينه، فانّ المستند لو كان قاعدة الاشتغال أو قوله (عليه السلام): «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» فاللازم الاحتياط، فلا بدّ من رعاية كل ذلك مما يحتمل دخله في الواجب، نعم ما لا يحتمل كعدد الحروف الساكنة أو المتحركة و عدد الفتح و الضم و الكسر و نحوها ممّا يقطع بعدم اعتبارها لا يلزم رعايتها، و لو احتمل اعتبار هذه أيضاً وجب الاحتياط فيها.

(1) إذا لم يتمكّن من قراءة القرآن أصلًا لا الفاتحة و لا غيرها فما هي الوظيفة حينئذ؟

نسب إلى المشهور أنّه يسبّح اللّٰه و يهلّله و يكبّره، و زاد بعضهم التحميد، و اكتفى بعضهم بمطلق الذكر كما عن الشهيد في اللّمعة «2»، و ذكر بعضهم أنّه يأتي بالتسبيحات الأربع الواجبة في الركعتين الأخيرتين على هيئتها الخاصة.

و كل ذلك ممّا لا دليل عليه، فانّ الوارد في المقام نبويّان، أحدهما: تضمّن‌

______________________________
(1) عوالي اللآلي 1: 196/ 2، المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

(2) الروضة البهية 1: 268.

423
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 34القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم ج 14 ص 418

..........

______________________________
التكبير و التهليل و التحميد «1»، و الآخر: تضمّن التسبيحات الأربع بزيادة قوله: و لا حول و لا قوة إلّا باللّٰه، أو مع إضافة العلي العظيم «2»، و معلوم أنّ سند النبويين قاصر و لم يعمل بمضمونهما الأصحاب حتى ينجبر الضعف بالعمل لو سلّم كبرى الانجبار، فانّ التسبيح يلتزم به المشهور و النبوي الأوّل خال عنه كما أنّ الزيادة التي يشتمل عليها النبوي الآخر لا يلتزمون بها.

و بالجملة: فلم نعرف مستنداً صحيحاً لهذه الأقوال. إذن لا مناص من الرجوع إلى صحيحة عبد اللّٰه بن سنان المتقدمة «3»، و المذكور فيها قوله (عليه السلام) «أجزأه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي ...» إلخ، و المستفاد من الصحيحة أنّ الركن المقوّم للصلاة إنّما هو الركوع و السجود، و أمّا القراءة فهي واجبة في حق المتمكّن، و أمّا العاجز فيجزئه أن يكبّر و يسبّح و يصلّي.

و لا يبعد أن يكون قوله (عليه السلام) «و يصلي» بمعنى يركع، أي يمضي في صلاته، و إلّا فهو من الأوّل داخل في الصلاة. فعلى هذا، الواجب بدلًا عن القراءة إنّما هو التسبيح فقط، و أمّا التكبير المذكور قبله فهي تكبيرة الإحرام، فما ذكره المحقق الأردبيلي «4» من نفي البعد عن كون التكبير المزبور تكبيرة الصلاة لا أن يكون مع التسبيح بدلًا عن القراءة وجه حسن جدّاً، بل هو الظاهر من الصحيحة كما عرفت.

فالظاهر الاجتزاء بالتسبيح فقط، و إن كان الأولى و الأحوط الإتيان بالتسبيحات الأربع جمعاً بين الأقوال و تحصيلًا للقطع بالموافقة.

______________________________
(1) سنن البيهقي 2: 380، سنن أبي داود 1: 228/ 861.

(2) سنن أبي داود 1: 220/ 832، سنن البيهقي 2: 381.

(3) في ص 416.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 2: 216.

424
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 34القادر على التعلم إذا ضاق وقته قرأ من الفاتحة ما تعلم ج 14 ص 418

و يجب تعلّم السورة أيضاً، و لكن الظاهر عدم وجوب البدل لها في ضيق الوقت و إن كان أحوط (1).

[مسألة 35: لا يجوز أخذ الأُجرة على تعليم الحمد و السورة]

[1527] مسألة 35: لا يجوز أخذ الأُجرة [1] على تعليم الحمد و السورة بل و كذا على تعليم سائر الأجزاء الواجبة من الصلاة، و الظاهر جواز أخذها على تعليم المستحبات (2).

______________________________
(1) لا ريب في وجوب تعلّم السورة كالفاتحة بملاك واحد، غير أنّ التعويض غير واجب في الثاني، فلو لم يتعلم السورة قصوراً أو تقصيراً سقطت و اجتزأ بالفاتحة على التفصيل المتقدم، لعدم الدليل على وجوب التعويض هنا، و الأصل البراءة.

بل يمكن إقامة الدليل على العدم، فانّ المستفاد من صحيحة ابن سنان المتقدمة «1» أنّ الانتقال إلى البدل إنّما هو لدى العجز عن طبيعي القراءة، فمع التمكن منه لا تصل النوبة إلى التسبيح بدلًا عن السورة، كما أنّه مع العجز عنه يجزئ التسبيح بدلًا عن القراءة الواجبة لا أنّه يأتي بمقدار بدلًا عن الفاتحة و مقداراً آخر بدلًا عن السورة، فإنّ هذا يحتاج إلى مئونة يدفعها الإطلاق و الأصل كما لا يخفى.

(2) لا ينبغي الشك في أنّ التعليم كالتعلم واجب في مثل المقام، لما دلّ على وجوب تبليغ أحكام الشريعة المقدسة و بثّها و نشرها كما يرشد إليه قوله تعالى فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ ... «2» إلخ، حيث دلّت الآية المباركة على وجوب التعليم‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) في ص 416.

(2) التوبة 9: 122.

425
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 35لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة ج 14 ص 425

..........

______________________________
للعالم كوجوب التعلم للجاهل، و هل يجوز أخذ الأُجرة عليه أو لا؟

تكلّمنا حول هذه المسألة و نظائرها في بحث المكاسب المحرّمة «1» و قلنا إنّ المشهور و إن نسب إليهم عدم جواز أخذ الأُجرة على الواجبات، بل عمّم المنع بعضهم إلى الواجبات الكفائية إلّا ما خرج بالدليل.

لكنّه لا يمكن المساعدة عليه، إذ الوجوب بما هو لا يقتضي إلّا لزوم الإتيان بالعمل تكليفاً. و هذا بمجرده لا يكون مانعاً عن الإيجار، و إلّا لمنع حتى في التوصّليات، لعدم التنافي بين الأمرين، فإنّ الوجوب بنفسه لا يقتضي سقوط العمل عن المالية أو سلب سلطنة العامل عليه أو خروجه عن ملكه كي لا يتمكن من تمليكه للغير حتى يتنافى مع أخذ الأُجرة عليه، فكما أنّ الواجب يمكن وقوعه شرطاً في ضمن عقد لازم، فكذا يمكن إيجاره، غايته أنّه يجب حينئذ لملاكين و بوجوبين، وجوبه لنفسه، و وجوبه من قبل الأمر الاستيجاري أو الأمر بالوفاء بالشرط، فهذا الأمر ممّا يؤكد الوجوب و يعضده لا أنّه ينافيه و يعارضه.

و بالجملة: حيثية الوجوب في نفسها لا ينافي الإيجار، فإنّ الأوّل باب التكليف، و الثاني باب الوضع، فالحيثيّتان متغايرتان، و كل منهما لا يأبى عن الآخر، فما أُفيد من أنّ الوجوب سالب للمالية، أو أنّ المكلف بعد تعلق الوجوب بالعمل لا يكون مسلّطاً عليه لخروجه عن ملكه و صيرورته ملكاً للّٰه تعالى، غير سديد، ضرورة أنّ العمل لا يكون ملكاً له تعالى تلك الملكية المصطلحة، و إنّما ملكيته تعالى ليس إلّا بمعنى الوجوب التكليفي المحض، غير المنافي لوقوعه‌

______________________________
(1) [مصباح الفقاهة 1: 459] لمزيد التفصيل يلاحظ ما ضبطناه عنه (دام ظله) في كتاب الإجارة المسألة [3342].

426
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 35لا يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحمد و السورة ج 14 ص 425

..........

______________________________
مورداً للإجارة، فهو باق على ملك العامل و تحت حيطته و سلطنته فله إيجاره كما أنّ للمستأجر إجباره لو امتنع لا من باب الأمر بالمعروف، بل من باب الوفاء بالعقد و المطالبة بالحق.

كما أنّ حيثية العبادية بما هي أيضاً لا تنافيه، و لذا التزموا بجواز الاستئجار في المستحبات حتى العبادية، و لو كانت مانعة لعمّ المنع للواجبات و المستحبات بملاك واحد مشترك بينهما كما لا يخفى.

و دعوى منافاة الإيجار للخلوص المعتبر في العبادة، إذ العمل حينئذ يؤتى للّٰه تعالى و لداعي أخذ الأُجرة، كما ترى، ضرورة أنّ الأُجرة يستحقها المؤجر بمجرّد عقد الإيجار، سواء أتى بالعمل أم لا، فلا داعي للعبادة إلّا نفس الأمر الأوّل المتعلق بها المتأكد بالأمر الثاني الناشئ من قبل الإجارة، و أمّا الأُجرة فهي مملوكة بنفس العقد كما عرفت من دون توقّف على الامتثال و الوفاء، فحيث إنّ شيئاً من الوجوب و العبادية لا ينافي الإيجار، فاجتماعهما في مورد أيضاً لا ينافيه.

و بذلك كلّه يظهر أنّ الأقوى جواز أخذ الأُجرة على الواجب و إن كان عباديّاً سواء أ كان عينياً أم كفائياً كما في المقام.

نعم، لا بدّ و أن يكون هناك نفع عائد للمستأجر و أثر مترتب عليه فبدونه يبطل، لكونه من أكل المال بالباطل كما في غير الواجبات، مثل ما لو استأجر زيداً أن ينام في بيته نفسه، فإنّ المستأجر لا ينتفع من مثل ذلك و يعدّ أخذ الأُجرة حينئذ من الأكل بالباطل، إلّا أنّ المنع في هذه الصورة لم ينشأ من قبل الوجوب بل لجهة أُخرى مشتركة بين الواجب و غيره، فلو كان الواجب أو العبادة أو الواجب العبادي من هذا القبيل بطلت الإجارة لهذه الجهة لا لجهة الوجوب أو العبادية، إذ الكلام في الإجارة الصحيحة في نفسها، و إذا لم يكن من هذا القبيل صحّ مطلقا.

427
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 36يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة و بين كلماتها و حروفها و كذا الموالاة ج 14 ص 428

[مسألة 36: يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة و بين كلماتها و حروفها، و كذا الموالاة]

[1528] مسألة 36: يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة و بين كلماتها و حروفها (1)، و كذا الموالاة (2)،

______________________________
نعم، ربما لا يصح في بعض الموارد، كما إذا علمنا من الخارج بناء العمل على المجانية لكونه مورداً لحق الناس، و أنّه ممّا يستحقونه على العامل و لو كفاية، كما لا يبعد دعواه في تجهيزات الميت كغسله و كفنه و دفنه و الصلاة عليه، لقيام ارتكاز المتشرعة على أنّه حق للميت على المسلمين مجّاناً، و أنّ اللّٰه تعالى أوجبه كذلك.

و من جميع ما ذكرناه تعرف: أنّ الأقوى جواز أخذ الأُجرة على تعليم القراءة و غيرها من أجزاء الصلاة الواجبة و المستحبة، فلا بأس بإمرار المعاش و الارتزاق من هذه الناحية، و إن كان الأحوط تركه، حذراً عن مخالفة المشهور.

(1) أمّا الترتيب بين نفس الحمد و السورة بتقديم الأوّل على الثاني، فقد تقدم الكلام فيه سابقاً فلاحظ «1».

و أمّا بين الآيات و الكلمات و الحروف، فلا إشكال فيه كما لا خلاف، فانّ مفهوم الحمد أو السورة يتقوّم بتلك الآيات على النهج الخاص و الترتيب المقرّر بينهما بمالها من الأجزاء، فمع الإخلال لا يصدق عنوان السورة التي هي متعلق التكليف، فلم يتحقق المأمور به فيحكم بالبطلان، و إن تداركه بالتكرار مراعياً للترتيب، من جهة الزيادة العمدية المبطلة، ضرورة أنّها تتحقق بنفس القراءة الأُولى على خلاف الترتيب لأنه أتى بها بقصد الجزئية حسب الفرض، نعم لو قصد بذلك مطلق القرآن دون الجزئية لم يكن به بأس، لعدم كونه من الزيادة القادحة حينئذ.

(2) بلا خلاف فيه و لا إشكال، لتقوّم مفهوم الكلمة أو الآية بذلك، من جهة اعتبار الوحدة الاتصالية العرفية بين الأجزاء، بحيث لو تخلّل الفصل الطويل‌

______________________________
(1) في ص 290.

428
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 36يجب الترتيب بين آيات الحمد و السورة و بين كلماتها و حروفها و كذا الموالاة ج 14 ص 428

فلو أخلّ بشي‌ء من ذلك عمداً بطلت صلاته (1).

______________________________
بسكوت و نحوه الماحي للصورة أو للهيئة الكلامية خرجت الكلمة أو الآية عن حقيقتها، فلو قال: ما، و بعد مدّة قال: ل‍، و بعد مدّة أُخرى قال: ك، لم يعد ذلك مصداقاً لكلمة مالك، بل يعد غلطاً في العرف و اللغة، و يكون خارجاً عن العربية.

و كذا لو قال: مالك، و بعد فصل طويل قال: يوم، و بعد فصل كذلك قال: الدين، لم يكن ذلك مصداقاً للآية المباركة، بل كان خارجاً عن قانون المحاورة و عن الكلام العربي، و كذا الحال بين الآيات بعضها مع بعض، فصدق عنوان السورة أو الآية أو الكلمة موقوف على مراعاة تلك الهيئة الاتصالية الملحوظة بين أجزائها بحيث لو أخلّ خرج عن الكلام العربي، بل ربّما عد غلطاً كما عرفت. و من المعلوم أنّ الواجب إنّما هو قراءة القرآن على النهج العربي الصحيح، و لأجل ذلك اعتبرنا الموالاة بين الإيجاب و القبول، و بين فصول الأذان و الإقامة و نحوهما ممّا اعتبرت فيه الهيئة الاتصالية العرفية.

و على الجملة: فالموالاة بهذا المقدار معتبرة جزماً، و أمّا الزائد عليه فلا دليل على اعتباره، و الظاهر أنّ المشهور أيضاً لا يعتبرون أكثر من ذلك.

(1) فيما إذا كان بانياً على الإخلال من أوّل الأمر، و الوجه في البطلان حينئذ ظاهر، و ذلك لأجل الزيادة العمدية المبطلة. مضافاً إلى صدق كلام الآدمي لخروج مورد الإخلال عن القرآن و الذكر و الدعاء، فيستوجب البطلان من ناحيتين و لا ينفعه التدارك بتكرار القراءة بعد حصول ما يبطل معه الصلاة، فما في بعض الكلمات من بطلان القراءة بذلك في غير محله، بل الظاهر بطلان الصلاة كما عرفت.

429
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 37لو أخل بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدل حرفا بحرف ج 14 ص 430

[مسألة 37: لو أخلّ بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدّل حرفاً بحرف]

[1529] مسألة 37: لو أخلّ بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدّل حرفاً بحرف حتى الضاد بالظاء أو العكس بطلت، و كذا لو أخلّ بحركة بناء أو إعراب أو مد واجب أو تشديد أو سكون لازم، و كذا لو أخرج حرفاً من غير مخرجه بحيث يخرج عن صدق ذلك الحرف في عرف العرب (1).

______________________________
نعم، إذا لم يكن بانياً عليه من الأوّل بل بدا له ذلك في الأثناء، كما لو أخذه السعال أو العطاس أو انقطع النفس أثناء الآية أو الكلمة بحيث تخلل الفصل المخل، فالظاهر الصحة لو تدارك، بل لا ينبغي الإشكال فيها لعدم تحقق الزيادة المبطلة حينئذ، لما مرّ غير مرّة من أنّ المستفاد من قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1» أنّ المبطل هو إحداث الزائد من أوّل الأمر لا إحداث صفة الزيادة لما تقدمه كما في المقام، فإنّه بعد التكرار و التدارك يتصف السابق بصفة الزيادة من دون أن يكون متصفاً بها حين حدوثه، فمثل هذا غير مشمول لتلك الأدلة.

و من هنا ذكرنا أنّ جواز العدول من سورة إلى أُخرى، أو من الحمد إلى التسبيحات الأربع في الركعتين الأخيرتين مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى دليل خاص، فانّ ذلك هو مقتضى التخيير المفروض في المقام، إذ لا دليل على تعيّن الواجب فيما اختاره أوّلًا ما لم يفرغ عنه، كما أنّ الزيادة العمدية غير متحققة في أمثال المقام لما عرفت آنفاً.

(1) أمّا الإخلال في المواد بتغيير كلمة أو تبديل حرف و لو بما يقاربه في المخرج، كالضاد بالظاء أو بالعكس بناءً على تعدد الحرفين و تغاير المخرجين فلا إشكال في البطلان مع العمد، للزوم الزيادة المبطلة. مضافاً إلى كونه من‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل ب 19 ح 2.

430
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 37لو أخل بشي‌ء من الكلمات أو الحروف أو بدل حرفا بحرف ج 14 ص 430

..........

______________________________
كلام الآدمي بعد عدم كونه من القرآن و لا الذكر و لا الدعاء. و أمّا مع السهو فتبطل الكلمة خاصة، فتصح القراءة مع التدارك كما هو ظاهر.

و أمّا الإخلال في الهيئات، فإن كان بتغيير في ترتيب الحروف بتقديم و تأخير كتغيير الحمد بالمدح و إن اتحد المعنى، فحاله كالتغيير في المواد الذي مرّ حكمه من البطلان مع العمد، و بطلان خصوص الكلمة مع السهو، فإنّه من مصاديق ذلك كما لا يخفى.

و يلحق بذلك التغيير في حركات الكلمة من أوّلها أو وسطها أو آخرها إذا كانت مبنية و نعبّر عنها بالحركات اللّازمة، فإنّه أيضاً تغيير في القرآن فلا يكون منه، و يجري فيه ما مرّ من بطلان الصلاة مع العمد، و بطلان الكلمة مع السهو.

و أمّا التغيير في الحركات غير اللّازمة كالأعراب، فان عدّ غلطاً في كلام العرب، كقوله الحمد بالكسر، فهو أيضاً ملحق بما سبق، لكونه مغايراً للكلام النازل على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و لا بدّ من قراءة القرآن قراءة صحيحة كما نزلت، فيجري فيه أيضاً ما مرّ من بطلان الصلاة أو الكلمة مع العمد أو السهو.

إنما الكلام فيما إذا لم يكن غلطاً و لا مغيّراً للمعنى، و هذا كما في الصفة ككلمة الرب في قوله الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و كلمة مالك في مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، حيث قالوا بجواز الوجوه الثلاثة في إعرابها الجر تبعاً للموصوف كما هو الشائع الذائع و النصب بتقدير كلمة أعني، و الرفع خبراً لمبتدإ محذوف، فهل يجوز في الصلاة اختيار كل ذلك، أو يتعين الأوّل كما هو المتعارف فلا يتغير عما هو عليه؟

ربما يقال بالجواز، نظراً إلى أنّ اللّازم هو الإتيان بقراءة صحيحة و هي متحققة في كل ذلك، لكن الظاهر البطلان لأنّا مأمورون بقراءة القرآن كما انزل و كما يقرأه الناس، للنصوص الدالة على ذلك كما سيجي‌ء، لا بكل كلام عربي‌

431
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 38يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزةالله والرحمن والرحيم واهدنا و نحو ذلك ج 14 ص 432

[مسألة 38: يجب حذف همزة الوصل في الدرج مثل همزة (اللّٰه) و (الرّحمٰن) و (الرّحيم) و (اهدنا) و نحو ذلك]

[1530] مسألة 38: يجب حذف همزة الوصل في الدرج (1) مثل همزة (اللّٰه) و (الرّحمٰن) و (الرّحيم) و (اهدنا) و نحو ذلك، فلو أثبتها بطلت، و كذا يجب إثبات همزة القطع كهمزة (أنعمت) فلو حذفها حين الوصل بطلت.

[مسألة 39: الأحوط ترك الوقف بالحركة و الوصل بالسكون]

[1531] مسألة 39: الأحوط ترك الوقف بالحركة و الوصل بالسكون (2).

______________________________
صحيح فصيح، فليس كل صحيح مجزئاً، بل اللّازم قراءة القرآن على الوجه النازل، فلا يجوز التغيير عمّا هو عليه و إن لم يخرج بذلك عن الصحة، و إلّا لجاز التغيير و التبديل في المواد أيضاً مع التحفظ على المعنى، كأن يقول بدل قوله تعالى يس. وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ. إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ «1» هكذا: يس و الكتاب الحكيم إنّك لمن النبيين، و هو كما ترى.

و على الجملة: فلا يجوز التخطي عن القراءات المتعارفة لا في المواد و لا في الهيئات، سواء صحت بحسب اللغة و القواعد العربية أم لا.

و ممّا قدّمنا يظهر الحال في التشديد، فلا يجوز تغييره و الإخلال به، فلو قال بدل إنّا أنزلناه، إننا أنزلناه بالتفكيك، بطل لكونه على خلاف القرآن المنزل، بل ربما يعد من الغلط في كلام العرب كما لا يخفى.

و أمّا المدّ الواجب و كذا تغيير الحروف عن مخارجها فسيجي‌ء الكلام عليها.

(1) كما نصّ عليه علماء الأدب من غير خلاف، فلا يجوز الإظهار فإنّه يعدّ من الغلط في كلام العرب، إلّا في ضرورة الشعر، كما أنّ همزة القطع لا بدّ من إظهارها على ما صرّحوا به أيضاً، فلو أدرجها كان من الإخلال بالحروف الذي مرّ حكمه من بطلان الصلاة مع العمد، و القراءة مع السهو.

(2) الظاهر أنّه لا دليل على اعتبار شي‌ء منهما بعد ما رأينا الخطباء و الفصحاء‌

______________________________
(1) يس 36: 1 3.

432
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 40يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها ج 14 ص 433

[مسألة 40: يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها]

[1532] مسألة 40: يجب أن يعلم حركة آخر الكلمة إذا أراد أن يقرأها بالوصل بما بعدها (1) مثلًا إذا أراد أن لا يقف على (الْعٰالَمِينَ) و يصلها بقوله (الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ) يجب أن يعلم أنّ النون مفتوح و هكذا. نعم، إذا كان يقف على كل آية لا يجب عليه أن يعلم حركة آخر الكلمة.

[مسألة 41: لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد]

[1533] مسألة 41: لا يجب أن يعرف مخارج الحروف (2) على طبق ما ذكره علماء التجويد، بل يكفي إخراجها منها و إن لم يلتفت إليها، بل لا يلزم إخراج الحرف من تلك المخارج، بل المدار صدق التلفظ بذلك الحرف و إن

______________________________
من ادباء العرب لا يلتزمون بذلك في محاوراتهم، فلا يعدّ ذلك عيباً في الكلام و لا لحناً أو خروجاً عن قانون اللغة أو القواعد العربية. نعم، ربما يعدّ ذلك نقصاً في مقام الخطابة، أو نظم الشعر، إلّا أنّ اعتباره في صحة الكلام العربي بمثابة يورث الإخلال به اللحن ممنوع، و لو شكّ فيه فمقتضى الأصل البراءة عن مانعية كل منهما. و قد تقدم «1» في بحث الأذان جواز الوصل بالسكون كما هو المتعارف، فلا يقاس المقام بهمزتي الوصل و القطع كما لا يخفى، إلّا أنّ الأحوط و الأولى مع ذلك تركهما.

(1) إحرازاً للصحة، و حذراً عن الوقوع في الغلط المحتمل، كما هو الشأن في وجوب التعلم كلية، نعم لا يجب التعلم لو أراد الوقف، لعدم كونه واجباً نفسياً بل طريق لإحراز الصحيح، فلا حاجة إليه بعد التمكن من الطريق الآخر.

(2) غير خفي أنّ أكثر العرب لا يعرفون المخارج على ما هي عليه ممّا ذكره علماء التجويد، بل لا يعرفها إلّا أقل القليل منهم، و إنّما يتكلمون على رسلهم و بمقتضى طبعهم، و كذا الحال عند غير العرب، غايته أنّ المخارج عند العرب أكثر.

______________________________
(1) [لم نجد تصريحاً بذلك فيما تقدّم].

433
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 41لا يجب أن يعرف مخارج الحروف على طبق ما ذكره علماء التجويد ج 14 ص 433

خرج من غير المخرج الذي عيّنوه، مثلًا إذا نطق بالضاد أو الظاء على القاعدة لكن لا بما ذكروه من وجوب جعل طرف اللسان من الجانب الأيمن أو الأيسر على الأضراس العليا صح، فالمناط الصدق في عرف العرب و هكذا في سائر الحروف، فما ذكره علماء التجويد مبني على الغالب.

[مسألة 42: المدّ الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد]

[1534] مسألة 42: المدّ الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد (1) و هي الواو المضموم ما قبلها، و الياء المكسور ما قبلها، و الألف المفتوح ما قبلها همزة مثل جاء، و سوء، و جي‌ء [1]، أو كان بعد أحدها سكون لازم خصوصاً إذا كان مدغماً في حرف آخر مثل الضالّين.

______________________________
و منه يظهر أنّ العبرة في أداء الحرف تميّزه عمّا عداه بحيث لا يلتبس بالآخر فالمناط الصدق عند العرب، و أمّا ما ذكره علماء التجويد من المخارج المعيّنة فإن توقف أداء الحرف على رعايتها فلا كلام، و أمّا إذا تمكن المتكلم من أداء نفس الحرف عن ذاك المخرج المعيّن و عن غيره من دون أي تغيير فيه كما قد يتّفق «1» فلا دليل حينئذ على لزوم رعاية تلك المخارج بخصوصها. فالمدار على صدق التلفّظ بذلك الحرف، سواء خرج عن المخرج الذي عيّنوه أم لا.

(1) مراده (قدس سره) بذلك اجتماع حرف المدّ و الهمزة في كلمة واحدة المُعبّر عنه بالمد المتّصل، كالأمثلة المذكورة في المتن، و أمّا الواقع في كلمتين المُسمّى‌

______________________________
[1] وجوب المدّ في هذه الموارد مبنيّ على الاحتياط.

______________________________
(1) و الاستشكال في إمكان الفرض بل دعوى استحالته عادة كما عن المحقق النائيني (قدس سره) [العروة الوثقى مع تعليقات عدة من الفقهاء 2: 517] و غيره، لعله في غير محله، لقضاء الوجدان بأداء الحروف بعينها و إفصاحها عمّا يقارب المخارج الستة عشر أيضاً، التي ذكرها علماء التجويد و غيرهم، و إن اختلفت مرتبة الإفصاح بمقدار لا يقدح في الصدق العرفي بوجه فلاحظ.

434
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 42المد الواجب هو فيما إذا كان بعد أحد حروف المد ج 14 ص 434

[مسألة 43: إذا مدّ في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل]

[1535] مسألة 43: إذا مدّ في مقام وجوبه أو في غيره أزيد من المتعارف لا يبطل إلّا إذا خرجت الكلمة عن كونها تلك الكلمة.

[مسألة 44: يكفي في المد مقدار ألفين و أكمله إلى أربع ألفات]

[1536] مسألة 44: يكفي في المد مقدار ألفين [1] و أكمله إلى أربع ألفات، و لا يضرّ الزائد ما لم يخرج الكلمة عن الصدق.

______________________________
بالمد المنفصل فغير واجب، و كلامه (قدس سره) غير ناظر إليه بشهادة الأمثلة المزبورة.

و كيف كان، فالظاهر عدم الوجوب حتى في المتصل لعدم الدليل عليه. نعم المد بمقدار يظهر حرف الألف أو الواو أو الياء الواقعة قبل الهمزة ممّا لا بدّ منه فالإخلال به بحيث يقول: جَأَ بدل جاء، أو: سُؤ بدل سوء، أو جِئ بدل جي‌ء قادح قطعاً، فإنّه من الإخلال بالحرف الذي تقدم حكمه من بطلان الصلاة مع العمد، و بطلان القراءة مع السهو.

و أمّا الزائد على هذا المقدار حتى قيل إنّ أقله ألفان، و أكثره أربعة، فالظاهر عدم وجوبه لفقد دليل معتبر عليه، و إنّما هو تزيين للكلام في مقام إلقاء الخطب و نحوها، و أمّا في غيره كمقام المحاورة و التكلّم العادي فليس تزييناً بل و لا متعارفاً في كلام العرب، فهل ترى أنّ المولى إذا أعطى نقداً لعبده ليقسّمه بين المستحقين يقول له: أعطه للفقراء بالمد و هكذا في سائر موارد المد، ليس الأمر كذلك جزماً، بل هو على خلاف قانون المحاورة.

و كيف كان، فصحة القراءة غير متوقفة على ذلك بلا إشكال، و إنّما اللّازم إظهار الحرف فقط، فلا يجب المد أكثر من ذلك، و لو شك فالمرجع هو البراءة.

و أمّا إذا مدّ بأكثر من المقدار المتعارف، أو مدّ في غير مورده، فان خرجت‌

______________________________
[1] الظاهر كفاية أداء الحرف على الوجه الصحيح و إن كان المدّ بأقلّ من ذلك.

435
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 45إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة اختيارا أو اضطرارا بحيث خرجت عن الصدق بطلت ج 14 ص 436

[مسألة 45: إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة اختياراً أو اضطراراً بحيث خرجت عن الصدق بطلت]

[1537] مسألة 45: إذا حصل فصل بين حروف كلمة واحدة اختياراً أو اضطراراً بحيث خرجت عن الصدق بطلت و مع العمد أبطلت [1].

[مسألة 46: إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نَفَسه فحصل الوقف بالحركة]

[1538] مسألة 46: إذا أعرب آخر الكلمة بقصد الوصل بما بعده فانقطع نَفَسه فحصل الوقف بالحركة، فالأحوط إعادتها، و إن لم يكن الفصل كثيراً اكتفى بها.

[مسألة 47: إذا انقطع نَفَسه في مثل (الصراط المستقيم) بعد الوصل بالألف و اللّام و حذف الألف]

[1539] مسألة 47: إذا انقطع نَفَسه في مثل (الصراط المستقيم) بعد الوصل بالألف و اللّام و حذف الألف، هل يجب إعادة الألف و اللّام بأن يقول: المستقيم أو يكفي قوله مستقيم؟ الأحوط الأوّل، و أحوط منه إعادة الصراط أيضاً، و كذا إذا صار مدخول الألف و اللّام غلطاً، كأن صار مستقيم غلطاً فإذا أراد أن يعيده فالأحوط أن يعيد الألف و اللام أيضاً بأن يقول: المستقيم و لا يكتفي بقوله: مستقيم، و كذا إذا لم يصح المضاف إليه فالأحوط إعادة المضاف، فاذا لم يصح لفظ المغضوب فالأحوط أن يعيد لفظ غير أيضاً (1).

______________________________
الكلمة بذلك عن كونها تلك الكلمة كان من الإخلال بالكلمة الذي تقدّم حكمه من بطلان الصلاة أو القراءة في صورتي العمد و السهو، و إلّا فلا ضير فيه كما نبّه (قدس سره) عليه في المسألة الآتية.

و من جميع ما تلوناه عليك يظهر الحال في جملة من الفروع الآتية فلا حاجة إلى التعرض لها.

(1) قد عرفت اعتبار الموالاة بين الآيات و الكلمات و الحروف و أنّها في الأخيرة أضيق ممّا قبلها، و هي أيضاً أضيق من سابقتها، فتختلف دائرتها سعة و ضيقاً‌

______________________________
[1] هذا إذا كان من الأوّل قاصداً لذلك.

436
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 48الإدغام في مثل مد و رد مما اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب ج 14 ص 437

[مسألة 48: الإدغام في مثل مدّ و ردّ ممّا اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب]

[1540] مسألة 48: الإدغام في مثل مدّ و ردّ ممّا اجتمع في كلمة واحدة مثلان واجب، سواء كانا متحركين كالمذكورين، أو ساكنين كمصدرهما (1).

______________________________
باختلاف الموارد، و عليه فحيث إنّ لام التعريف يعدّ جزءاً من الكلمة، فإذا انقطع النَّفَس عليه في مثل (المستقيم) فهل يجب حينئذ أداء الكلمة مع إعادة أداة التعريف أو مع إعادة الموصوف و هو الصراط أيضاً، أو مع إعادة الفعل و هو اهدنا؟ وجوه.

أمّا الأوّل، فلا ينبغي الشك فيه، و إلّا لزم الفصل بين أجزاء الكلمة، لما عرفت من أنّ لام التعريف يعد جزءاً منها فتفوت معها الموالاة المعتبرة بين أجزاء الكلمة الواحدة كما مرّ، إلّا أن يكون الفصل يسيراً جدّاً بحيث لم يخل بالهيئة الاتصالية المعتبرة في الكلمة، و كذا الحال لو صار مدخول اللّام غلطاً فاللازم إعادة اللام أيضاً لما عرفت.

و الأحوط في الصورتين إعادة الموصوف أيضاً، فيقول: الصراط المستقيم إذ الصفة و الموصوف كالمضاف و المضاف إليه أيضاً في حكم الكلمة الواحدة، لما بينهما من شدة الارتباط، فالإخلال قادح، لا لكونه من الفصل بالأجنبي لعدم كون الكلمة المعادة أجنبية، بل لاحتمال الإخلال بالهيئة الاتصالية كما عرفت و لذا كان التكرار أحوط.

و أحوط منه إعادة الفعل أيضاً فيقول: اهدنا الصراط المستقيم، لما ذكر من احتمال اعتبار الاتصال بين الفعل و متعلقاته.

و ممّا ذكرناه من اعتبار الاتصال بين المضاف و المضاف إليه، يظهر أنّه إذا لم يصح لفظ المغضوب فوقع غلطاً، فالأحوط إعادة لفظ غير أيضاً، و يقصد به كما في غيره ممّا سبق من موارد الإعادة الجامع بين الجزئية و القرآنية.

(1) لا شك في وجوب الإدغام فيما إذا اجتمع حرفان متماثلان في كلمة‌

437
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 49الأحوط الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف ج 14 ص 438

[مسألة 49: الأحوط الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف]

[1541] مسألة 49: الأحوط الإدغام إذا كان بعد النون الساكنة أو التنوين أحد حروف يرملون مع الغنّة فيما عدا اللّام و الراء، و لا معها فيهما لكن الأقوى عدم وجوبه (1).

______________________________
واحدة، سواء أ كانا متحركين كمدّ و ردّ، أو ساكنين كمصدرهما، لاعتبار ذلك في صحة الكلمة و وقوعها عربية، فالتفكيك على خلاف قواعد اللغة لا يصار إليه إلّا لدى الضرورة، كما قيل: الحمد للّٰه العلي الأجلل، و كيف كان فهو في حال الاختيار غير جائز بلا إشكال كما نص عليه علماء الأدب، و أمّا الإدغام في كلمتين فسيأتي في المسألة الآتية.

(1) صرّح علماء التجويد بوجوب الإدغام فيما إذا تعقب التنوين أو النون الساكنة أحد حروف يرملون مع رعاية الغنّة فيما عدا اللّام و الراء، و نسب الوجوب إلى الرضي (قدس سره) أيضاً «1»، لكن الظاهر أنّه لم يثبت الاعتبار بمثابة يستوجب الإخلال به الغلطية أو الخروج عن قواعد اللغة و قانون المحاورة و إنّما هو من محسّنات الكلام. و على تقدير الشك و احتمال الدخل في صحة القراءة فالمرجع أصالة البراءة كما في غيره من موارد الأقل و الأكثر.

و ما يقال بل قيل: من أنّ المقام من الدوران بين التعيين و التخيير الذي يتعين فيه الاشتغال، قد تكرر الجواب عنه في نظائر المقام مراراً، من أنّ باب الدوران بين التعيين و التخيير هو بعينه باب الدوران بين الأقل و الأكثر، و لا فرق بينهما إلّا من حيث التعبير، فالمرجع ليس إلّا البراءة كما عرفت.

و عليه فالأقوى عدم وجوب الإدغام و إن كان الأحوط رعايته.

______________________________
(1) شرح الشافية 3: 272.

438
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 50الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة ج 14 ص 439

[مسألة 50: الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة]

[1542] مسألة 50: الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة و إن كان الأقوى عدم وجوبها، بل يكفي القراءة على النهج العربي [1]، و إن كانت مخالفة لهم في حركة بنية أو إعراب (1).

______________________________
(1) فصّلنا الكلام حول القراءات في مبحث التفسير، و مجملة: أنّه لا شك أنّ القرّاء السبعة المعروفين الّذين أوّلهم نافع و آخرهم الكسائي، متأخرون عن زمن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و لم يدركه واحد منهم، و إن كان قبلهم قرّاء آخرون أدركوه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كابن مسعود و ابن عباس و أُبيّ و غيرهم، أمّا هؤلاء فكانوا معاصرين للصادق (عليه السلام) و أدرك بعضهم الباقر (عليه السلام) أيضاً، و بقي بعض آخر منهم إلى ما بعد الصادق (عليه السلام) آخرهم الكسائي الذي مات سنة 190 تقريباً.

و عليه فلا ينبغي الريب في عدم كون هذه القراءات متواترة عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم)، بل و لا مسندة إليه حتى بالخبر الواحد، و لم يدّع ذلك أحد منهم، و لا نسب قراءته إليه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لا بطريق مسند و لا مرسل، و إنّما هو اجتهاد منهم، أو من أساتيذهم و رأي ارتأوه، بل إنّ هذه القراءات لم يثبت تواترها حتى من نفس هؤلاء القرّاء، و إنّما أُسند إليهم بأخبار آحاد بتوسيط تلاميذهم. على أنّ بعض هؤلاء التلاميذ معروفون بالفسق و الكذب كحفص الراوي لقراءة عاصم على ما صرّح به في ترجمته «1».

و على الجملة: فلم تثبت هذه القراءات ثبوتاً قطعياً عن نفس القرّاء فضلًا‌

______________________________
[1] فيه منع ظاهر، فانّ الواجب إنّما هو قراءة القرآن بخصوصه لا ما تصدق عليه القراءة العربية الصحيحة، نعم الظاهر جواز الاكتفاء بكل قراءة متعارفة عند الناس و لو كانت من غير السبع.

______________________________
(1) لاحظ تفسير البيان ص 82، 123.

439
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 50الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة ج 14 ص 439

..........

______________________________
عن النبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و إنّما حكيت عنهم بطريق الآحاد. هذا و حيث قد جرت القراءة الخارجية على طبق هذه القراءات السبع لكونها معروفة مشهورة ظن بعض الجهلاء أنّها المعنيّ بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) على ما روى عنه «إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف» «1» و هذا كما ترى غلط فاحش، فإنّ أصل الرواية لم تثبت و إنّما رُويت من طريق العامّة، بل هي منحولة مجعولة كما نصّ الصادق (عليه السلام) على تكذيبها بقوله (عليه السلام): «كذبوا أعداء اللّٰه و لكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد» «2».

و على تقدير الصحة فلها معنى آخر، إذ لا يحتمل تطبيقها على هذه القراءات السبع المستحدثة المتأخر أصحابها عن عصر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كما عرفت. و عليه فلا خصوصية و لا امتياز لهذه السبع من بين القراءات جزماً.

إذن مقتضى القاعدة الأوّلية بعد ورود الأمر بقراءة الفاتحة و بسورة بعدها هو الأخذ بالمقدار المتيقن الذي لا اختلاف فيه، و ما تضمّن الاختلاف يكرّر القراءة، فيقرأ مرّة مثلًا ملك و أُخرى مالك، و يختار من السورة المأمور بها ما اتفقت فيه القراءات، و لو اختار مورد الخلاف يكرّر عملًا بقاعدة الاشتغال و خروجاً عن عهدة التكليف المعلوم، فيقصد بأحدهما لا بعينه القرآن، و بالآخر الذكر المطلق.

نعم، وردت في المقام عدة روايات تضمّنت الأمر بالقراءة كما يقرؤها الناس فيظهر منها الاجتزاء بكل قراءة متعارفة بين الناس، و لا شك أنّها غير محصورة في السبع، و قد عدها بعضهم إلى أربع عشرة و صنّف في ذلك كتاباً و أنهاها بعض آخر إلى سبعين، و إن كانت جملة منها شاذة لا محالة، و بذلك يخرج عن مقتضى القاعدة المتقدمة لو تمت هذه النصوص فلا بدّ من التعرض إليها.

______________________________
(1) مسند أحمد 2: 300، مستدرك الحاكم 1: 553، تفسير الطبري 1: 9.

(2) الكافي 2: 630/ 13.

440
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 50الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة ج 14 ص 439

..........

______________________________
فمنها: ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان مرسلًا عن الشيخ الطوسي قال روي عنهم (عليهم السلام) جواز القراءة بما اختلف القرّاء فيه «1» و هي كما ترى مرسلة من جهتين، و لعل المراد إحدى الروايات الآتية.

و منها: رواية سفيان بن السمط قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن ترتيل القرآن، فقال: اقرأوا كما علمتم» «2» و هي أيضاً ضعيفة بسهل و بسفيان نفسه.

و منها: ما رواه الكليني عن عدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن سليمان عن بعض أصحابه عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «قلت له جعلت فداك إنّا نسمع الآيات من القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها و لا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال: لا، اقرأوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم» «3» و هي ضعيفة أيضاً بسهل و بالإرسال.

و منها: و هي العمدة ما رواه الكليني بسنده عن سالم أبي سلمة كما في الوسائل قال: «قرأ رجل على أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و أنا أستمع، حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) كفّ عن هذه القراءة، اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّٰه على حده و أخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام)» إلخ «4».

و هي كما ترى ظاهرة الدلالة، إنّما الكلام في سندها، فانّ الموجود في الوسائل عن سالم أبي سلمة كما قدّمناه الذي هو سالم بن مكرم، و هو ثقة على‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 5، مجمع البيان 1: 80.

(2) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 3.

(3) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 2، الكافي 2: 619/ 2.

(4) الوسائل 6: 162/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 1، الكافي 2: 633/ 23.

441
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 50الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة ج 14 ص 439

..........

______________________________
الأظهر، و إن نسب العلامة إلى الشيخ أنّه ضعفه في مورد «1»، لكنه لا يتم، بل هو من الخطأ في التطبيق كما تعرّضنا له في المعجم «2» و المذكور في الوافي و الحدائق «3» هكذا: سالم بن سلمة، بتبديل الأب بالابن و هو مجهول.

و الموجود في الطبعة الحديثة من الكافي «4» في باب النوادر من القرآن: سالم ابن أبي سلمة بالجمع بين الأب و الابن و في جامع الرواة «5» أيضاً كذلك، و هو ضعيف قد ضعّفه النجاشي و الشيخ «6»، إذن يتردد الراوي الأخير بين الثقة و المجهول و الضعيف، فتسقط الرواية عن الاستدلال «7».

فقد ظهر من جميع ما مرّ أنّه ليست عندنا رواية يعتمد عليها في الحكم بالاجتزاء بكل قراءة متعارفة حتى يخرج بذلك عن مقتضى القاعدة الأوّلية.

لكنه مع ذلك كله لا ينبغي الشك في الاجتزاء، لجريان السيرة القطعية من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) على ذلك، فانّ اختلاف القراءات أمر شائع ذائع بل كان متحققاً بعد عصر النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كقراءة ابيّ و ابن عباس و ابن مسعود و غيرهم، و قد صنّف في ذلك كتب كالمصاحف للسجستاني و غيره، و قد أحرق عثمان جميع المصاحف سوى مصحف واحد حذراً عن الاختلاف‌

______________________________
(1) الخلاصة: 354/ 1404.

(2) معجم رجال الحديث 9: 24/ 4966.

(3) الوافي 9: 1777/ 9087، الحدائق 8: 100.

(4) الموجود في الطبعة الحديثة: سالم بن سلمة.

(5) جامع الرواة 1: 347.

(6) رجال النجاشي: 190/ 509، الفهرست: 79/ 327.

(7) و لكنه (دام ظله) رجّح في المعجم 9: 20/ 4948، 4954. نسخة صاحب الوسائل و وقوع التحريف في غيرها، و بذلك تصبح الرواية معتبرة.

442
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 50الأحوط القراءة بإحدى القراءات السبعة ج 14 ص 439

..........

______________________________
و مع ذلك تحقق الاختلاف بعد ذلك كثيراً حتى اشتهرت القراءات السبع و غيرها في عصر الأئمة، و كانت على اختلافها بمرأى و مسمع منهم (عليهم السلام)، فلو كانت هناك قراءة معيّنة تجب رعايتها بالخصوص لاشتهر و بان و كان من الواضحات و كان ينقله بطبيعة الحال كابر عن كابر و راوٍ عن راوٍ، و ليس كذلك بالضرورة، فيظهر جواز القراءة بكل منها كما عليه العامّة و إلّا لبيّنوه (عليهم السلام) و نقل إلينا بطريق التواتر، كيف و لم يرد منهم تعيين حتى بخبر واحد.

نعم، إنّ هناك رواية واحدة قد يظهر منها التعيين، و هي رواية داود بن فرقد، و المعلى بن خنيس جميعاً قالا: «كنّا عند أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) فقال: إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال، ثم قال أما نحن فنقرؤه على قراءة أُبيّ» «1» و احتمل ضعيفاً أن تكون العبارة هكذا على قراءة أبي يعني الباقر (عليه السلام).

و كيف كان، فهي محمولة على إرادة مورد خاص «2» كانت القراءة فيه شاذّة أو مغيّرة للمعنى، لما عرفت من أنّ التعيين لو كان ثابتاً لنقل بالتواتر و كان من الواضحات، كيف و قد ادعي الإجماع على جواز القراءة بكل قراءة متعارفة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 163/ أبواب القراءة في الصلاة ب 74 ح 4.

(2) و لكن يبعّده ملاحظة متن الحديث بتمامه، فإنّه كما في الكافي 2: 634/ 27 هكذا: عبد اللّٰه بن فرقد و المعلى بن خنيس قالا: «كنا عند أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) و معنا ربيعة الرأي فذكرنا فضل القرآن، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قرائتنا فهو ضال، فقال: ربيعة ضال؟ فقال: نعم، ضال، ثم قال أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) أما نحن فنقرأ على قراءة ابيّ».

فانّ قول أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «إن كان ابن مسعود ...» إلخ بعد تذاكر القوم في فضل القرآن بشكل عام لا ينسجم مع كون نظره (عليه السلام) إلى مورد خاص كما لا يخفى.

443
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 51يجب إدغام اللام مع الألف و اللام في أربعة عشر حرفا ج 14 ص 444

[مسألة 51: يجب إدغام اللّام مع الألف و اللّام في أربعة عشر حرفاً]

[1543] مسألة 51: يجب إدغام اللّام مع الألف و اللّام في أربعة عشر حرفاً و هي التاء، و الثاء، و الدال، و الذال، و الراء، و الزاي، و السين، و الشين و الصاد، و الضاد، و الطاء، و الظاء، و اللّام، و النون، و إظهارها في بقيّة الحروف فتقول في (اللّٰه)، و (الرّحمٰن)، و (الرّحيم)، و (الصراط)، و (الضالين)، مثلًا بالإدغام، و في (الحمد)، و (العالمين)، و (المستقيم)، و نحوها بالإظهار (1).

______________________________
متداولة. على أنّ متن الخبر لا يخلو عن شي‌ء، فانّ الأنسب أن يقال: إن كان ابن مسعود لم يقرأ إلخ، دون «لا يقرأ» لظهور الثاني في زمان الحال «1» و أن ابن مسعود حيّ حاضر مع أن زمانه متقدم عليه (عليه السلام) بكثير.

و قد تحصّل من جميع ما قدّمناه: أنّ الأقوى جواز القراءة بكل ما قام التعارف الخارجي عليه، و كان مشهوراً متداولًا بين الناس، كي لا تحصل التفرقة بين المسلمين، و لا شك أنّ المشهور غير منحصر في السبع المعهودة، فلا خصوصية و لا امتياز لها من بين القراءات أبداً، فكل معروف يجزئ و إن كان من غير السبع، فالعبرة بما يقرأه الناس و إن كان الاختلاف من جهة اختلاف البلدان كالبصرة و الكوفة و نحوهما.

(1) إذا دخل حرف التعريف على أحد الحروف الشمسية أُدغم فيها و هي أربعة عشر: التاء و الثاء من أوائل حروف التهجي و اللّام و النون من آخرها و الدال و ما بعدها إلى الظاء. و إذا دخل على ما عداها من بقية الحروف و هي المسمّاة بالحروف القمرية وجب الإظهار فتقول مثلًا: الصراط و الضالين بالإدغام و الحمد و العالمين بالإظهار، و المستند فيه دخل ذلك في صحة اللفظ العربي كما تشهد به الاستعمالات الدارجة بينهم بحيث لو أُبدل فادغم في مورد الإظهار أو‌

______________________________
(1) بل في الماضي كالأوّل، و الدال عليه هو (كان) قال تعالى إِنَّهُ كٰانَ لٰا يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ الْعَظِيمِ [الحاقة 69: 33] و قال تعالى أَ وَ لَوْ كٰانَ آبٰاؤُهُمْ لٰا يَعْلَمُونَ شَيْئاً [المائدة 5: 104].

444
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 52الأحوط الإدغام في مثلاذهب بكتابي و يدرككم مما اجتمع المثلان في كلمتين ج 14 ص 445

[مسألة 52: الأحوط الإدغام في مثل: اذهب بكتابي، و يدرككم ممّا اجتمع المثلان في كلمتين]

[1544] مسألة 52: الأحوط الإدغام في مثل: اذهب بكتابي، و يدرككم ممّا اجتمع المثلان في كلمتين مع كون الأوّل ساكناً، لكن الأقوى عدم وجوبه (1).

[مسألة 53: لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسّنات]

[1545] مسألة 53: لا يجب ما ذكره علماء التجويد من المحسّنات (2) كالإمالة، و الإشباع، و التفخيم، و الترقيق، و نحو ذلك، بل و الإدغام غير ما ذكرنا، و إن كان متابعتهم أحسن.

[مسألة 54: ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين و النون الساكنة]

[1546] مسألة 54: ينبغي مراعاة ما ذكروه من إظهار التنوين و النون الساكنة، إذا كان بعدهما أحد حروف الحلق، و قلبهما فيما إذا كان بعدهما حرف الباء، و إدغامهما إذا كان بعدهما أحد حروف يرملون، و إخفاؤهما إذا كان بعدهما بقيّة لحروف، لكن لا يجب شي‌ء من ذلك حتى الإدغام في يرملون كما مرّ.

______________________________
بالعكس عدّ لحناً في الكلام، و كان من الأغلاط كما لا يخفى فليتأمل.

(1) لعدم ثبوت وجوب الإدغام في مثل المقام بمثابة يوجب الإخلال به اللحن في كلام العرب.

(2) فانّ ما ذكروه من القواعد التجويدية كالإمالة و الإشباع و التفخيم و الترقيق كلّها من محسّنات الكلام و ليست دخيلة في الصحة، و كذا ما ذكروه من الحالات الأربع للتنوين أو النون الساكنة، من الإظهار فيما إذا وقع بعدهما أحد حروف الحلق، و هي الهمزة، و الهاء، و الحاء، و الخاء، و العين، و الغين. و القلب فيما إذا وقع بعدهما حرف الباء، و الإدغام فيما إذا كان الواقع أحد حروف يرملون مع مراعاة الغنّة فيما عدا اللّام و الراء، و الإخفات لو كان الواقع بقية الحروف، فانّ هذه كلّها من محسّنات الكلام الفصيح فلا تجب مراعاتها بعد أداء الكلمة صحيحة و إن كان الأحسن ذلك «1». و منه يظهر الحال في المسألة الآتية.

______________________________
(1) هذا على إطلاقه بحيث يتناول الإدغام الكبير و هو إدراج المتحرك بعد الإسكان في المتحرك متماثلين أو متقاربين في كلمة: كسلككم و خلقكم، أو كلمتين: كيعلم ما بين أيديهم، و من زحزح عن النار مشكل بل ممنوع كما نبّه عليه جملة من أعلام المحققين و منهم سيدُنا الأُستاذ (دام ظله) في المسألة 279 من المسائل المنتخبة حيث قال: إنّ بعضاً منها لا يخلو عن إشكال كالادغام في كلمتي سلككم و خلقكم بإدغام الكاف أو القاف في الكاف.

445
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 55ينبغي أن يميز بين الكلمات و لا يقرأ بحيث يتولد بين الكلمتين كلمة مهملة ج 14 ص 446

[مسألة 55: ينبغي أن يميّز بين الكلمات، و لا يقرأ بحيث يتولّد بين الكلمتين كلمة مهملة]

[1547] مسألة 55: ينبغي أن يميّز بين الكلمات، و لا يقرأ بحيث يتولّد بين الكلمتين كلمة مهملة كما إذا قرأ (الحمد للّٰه). بحيث يتولد لفظ دلل، أو تولد من (للّٰه رب) لفظ (هرب) و هكذا في (مالك يوم الدين) تولد (كيو) و هكذا في بقية الكلمات، و هذا معنى ما يقولون إنّ في الحمد سبع كلمات مهملات و هي: دلل، و هرب، و كيو، و كنع، و كنس و تع، و بع.

[مسألة 56: إذا لم يقف على (أحد) في (قل هو اللّٰه أحد) و وصله ب‍ (اللّٰه الصمد)]

[1548] مسألة 56: إذا لم يقف على (أحد) في (قل هو اللّٰه أحد) و وصله ب‍ (اللّٰه الصمد) يجوز أن يقول: أحد اللّٰه الصمد، بحذف التنوين من أحد [1] و أن يقول: أحدن اللّٰه الصمد، بأن يكسر نون التنوين (1) و عليه ينبغي أن يرقق اللام من اللّٰه، و أما على الأوّل فينبغي تفخيمه كما هو القاعدة الكلية من تفخيمه إذا كان قبله مفتوحاً أو مضموماً، و ترقيقه إذا كان مكسوراً.

[مسألة 57: يجوز قراءة مالك و ملك يوم الدين]

[1549] مسألة 57: يجوز قراءة مالك و ملك يوم الدين، و يجوز في الصراط بالصاد و السين، بأن يقول: السراط المستقيم و سراط الذين.

______________________________
(1) أمّا الوجه الثاني، فلا إشكال في صحته و أنّه على القاعدة، فيكسر النون من أجل التقاء الساكنين كما هو ظاهر.

و أمّا الوجه الأوّل، فصحته لا تخلو من إشكال، بعد مخالفته للقاعدة المقتضية‌

______________________________
[1] فيه إشكال و الأحوط عدم الحذف.

446
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 58يجوز في كفوا أحد أربعة وجوهكفؤا بضم الفاء و بالهمزة ج 14 ص 447

[مسألة 58: يجوز في كفوا أحد أربعة وجوه: كفُؤاً بضم الفاء و بالهمزة]

[1550] مسألة 58: يجوز في كُفُواً أَحَدٌ أربعة وجوه: كفُؤاً بضم الفاء و بالهمزة، و كفْؤاً بسكون الفاء و بالهمزة و كفواً بضم الفاء و بالواو، و كفْواً بسكون الفاء و بالواو و إن كان الأحوط ترك الأخيرة (1).

[مسألة 59: إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أنّه الصاد مثلًا أو السين أو نحو ذلك]

[1551] مسألة 59: إذا لم يدر إعراب كلمة أو بناءها أو بعض حروفها أنّه الصاد مثلًا أو السين أو نحو ذلك، يجب عليه أن يتعلّم، و لا يجوز له أن يكرِّرها بالوجهين [1] لأنّ الغلط من الوجهين ملحق بكلام الآدميين (2).

______________________________
للزوم إظهار التنوين، فحذفه لا دليل عليه، و إن نسب الطبرسي «1» إلى أبي عمرو الذي هو أحد القرّاء أنّه قرأ كذلك، لكنّه لم يثبت، فلم يحرز أنّه من القراءة المتعارفة. و معه يشكل الحكم بالإجزاء.

نعم، ربما يسقط لدى الضرورة كما في الشعر، و كذا يسقط عن العلم الواقع بعده لفظ الابن فيقال: علي بن أبي طالب، و محمد بن عبد اللّٰه، بحذف التنوين لثقله حينئذ. و أمّا فيما عدا ذلك فالسقوط على خلاف القاعدة، و عليه فالأحوط لزوماً اختيار الوجه الثاني فقط.

(1) الوجوه الثلاثة الأُول، أعني كفؤاً بالهمزة مع ضم الفاء و سكونه، و كفواً مع ضم الفاء، كل منها قد ثبتت قراءتها، بل هي معروفة متداولة فلا ريب في إجزائها، و أمّا الوجه الأخير، أعني مع الواو و سكون الفاء، فهو و إن نسب إلى بعضهم لكنه لم يثبت، فالأحوط تركه كما ذكره في المتن.

(2) حكم (قدس سره) حينئذ بوجوب التعلم و عدم جواز تكرار الكلمة‌

______________________________
[1] في إطلاقه منع ظاهر.

______________________________
(1) مجمع البيان 10: 856.

447
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 60إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف ج 14 ص 448

[مسألة 60: إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف]

[1552] مسألة 60: إذا اعتقد كون الكلمة على الوجه الكذائي (1) من حيث الأعراب أو البناء أو مخرج الحرف، فصلى مدّة على تلك الكيفية، ثم تبين له كونه غلطاً، فالأحوط الإعادة أو القضاء، و إن كان الأقوى عدم الوجوب.

______________________________
بالوجهين، لأنّ الغلط من أحدهما ملحق بكلام الآدميين و موجب للبطلان.

و هذا الذي أفاده (قدس سره) إنّما يتم فيما إذا كان الوجه الآخر غلطاً في كلام العرب، و أمّا إذا كانت الكلمة صحيحة على التقديرين غير أنّه لم يعلم أنّ القرآن المنزل أيّ منهما، كإعراب الرّحمٰن الرّحيم، حيث يجوز في الصفة وجوه ثلاثة باعتبارات مختلفة، و كل منها صحيح في لغة العرب، لكنّه لم يدر أنّ المنزل على النبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أيّ منها، فلا مانع حينئذ أن يقصد بأحد الوجهين أو الوجوه ما هو القرآن و بما عداه ذكر اللّٰه «1». فما أفاده في المتن لا يتم على إطلاقه.

(1) حكم (قدس سره) بعدم وجوب الإعادة و لا القضاء في من اعتقد صحة كلمة و صلّى مدة على تلك الكيفية ثم تبيّن لحنها، و إن كان ذلك أحوط.

و ما ذكره (قدس سره) هو الصحيح، عملًا بحديث لا تعاد، بناءً على ما هو الأقوى من عدم اختصاصه بالناسي و شموله للجاهل القاصر الذي يرى صحة عمله و لا يحتمل الخلاف. نعم، إذا كان مقصِّراً و إن اعتقد الصحة، أو كان ملتفتاً متردِّداً و مع ذلك صلّى، فالأظهر البطلان حينئذ، لعدم شمول الحديث لمثل ذلك. و سيجي‌ء تمام الكلام في مبحث الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________
(1) هذا إنّما يستقيم فيما إذا كان ما عداه مصداقاً لذكر اللّٰه، و ليس كل القرآن كذلك كما لا يخفى.

448
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

[فصل في الركعة الثالثة و الرابعة]

فصل [في الركعة الثالثة و الرابعة] في الركعة الثالثة من المغرب و الأخيرتين من الظهرين و العشاء يتخير بين قراءة الحمد أو التسبيحات الأربع (1).

______________________________
(1) على المعروف و المشهور بين الأصحاب، بل قد ادعي الإجماع عليه في الجملة في كثير من الكلمات، و إن كان هناك خلاف فيما هو الأفضل منهما. و ذكر شيخنا الأنصاري (قدس سره) «1» أنّ مورد الإجماع على التخيير إنّما هو المنفرد و أمّا في الجماعة فليس إجماع.

و كيف ما كان، فيقع الكلام في المنفرد تارة و في الإمام اخرى، و في المأموم ثالثة.

و قبل التعرض لذلك ينبغي التنبيه على أمر: و هو أنّه قد ورد في التوقيع الذي رواه الطبرسي في الاحتجاج ما يظهر منه تعيّن الحمد مطلقاً، روى الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) «أنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين قد كثرت فيهما الروايات فبعض يرى أنّ قراءة الحمد وحدها أفضل، و بعض يرى أنّ التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيّهما لنستعمله؟ فأجاب (عليه السلام) قد نسخت قراءة أُم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، و الذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام) كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج إلّا للعليل أو من‌

______________________________
(1) كتاب الصلاة 1: 322.

449
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
يكثر عليه السهو فيتخوف بطلان الصلاة عليه» «1».

لكنّها كما ترى لا تصلح للاعتماد عليها.

أمّا أوّلًا: فلمخالفتها للأخبار الكثيرة المتظافرة الآمرة بالتسبيح، و في بعضها أنّه أفضل من القراءة، و قد جرت سيرة المتشرعة على ذلك، فهي ممّا يقطع ببطلانها فلا تكون حجة.

و ثانياً: أنّها ضعيفة السند في نفسها لمكان الإرسال، فإنّ الطبرسي يرويها مرسلة.

و ثالثاً: أنّ متنها غير قابل للتصديق، فانّ قول العالم (عليه السلام) «كل صلاة لا قراءة» إلخ لا يدل إلّا على اعتبار القراءة في المحل المقرّر لها، أعني الركعتين الأولتين، و مثل هذا كيف يكون ناسخاً للتسبيح المقرر في محل آخر و إلّا فليكن ناسخاً للتشهّد أيضاً، فاعتبار القراءة في محل لا يصادم اعتبار التسبيح في محل آخر حتى يكون ناسخاً له، إذ لكل منهما محل مستقل و أحدهما أجنبي عن الآخر، فالرواية ساقطة بكل معنى الكلمة.

و كيف كان، فقد عرفت أنّ الكلام يقع في موارد ثلاثة:

المورد الأوّل: في المنفرد، و هو المتيقن من مورد الإجماع على التخيير، و قد جرت السيرة عليه من غير نكير، و يستدل له بجملة من الأخبار:

منها: رواية علي بن حنظلة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللّٰه فهو سواء، قال: قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال: هما و اللّٰه سواء إن شئت سبّحت، و إن شئت قرأت» «2».

______________________________
(1) الوسائل 6: 127/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 14، الاحتجاج 2: 585/ 357.

(2) الوسائل 6: 108/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 3.

450
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
لكنها ضعيفة السند فانّ علي بن حنظلة لم يوثق «1»، إلّا أن يدعى أنّ في السند الحسن بن علي بن فضال، و قد ورد في حق بني فضال بالأخذ بما رووا و طرح ما رأوا كما ادعاه شيخنا الأنصاري (قدس سره) «2». لكن الرواية لم تثبت في نفسها لضعف سندها. و على تقدير الثبوت فلا تدل على أكثر من توثيق بني فضال و عدم سقوطهم بالانحراف عن الوثاقة، لا أنّ رواياتهم تقبل حتى لو رووا عن فاسق أو ضعيف أو مجهول بحيث يكونون أعظم شأناً من زرارة و محمد بن مسلم و أضرابهما بل و منهم أنفسهم حال الاستقامة.

أو يدعى أنّ في السند عبد اللّٰه بن بكير و هو من أصحاب الإجماع.

و فيه: أيضاً ما لا يخفى، لعين المناقشة المتقدمة، فإنّ أصحاب الإجماع يصدقون فيما يقولون، فهم موثوقون في أنفسهم، لا أنّ رواياتهم تقبل حتى عن ضعيف أو مجهول كما أشرنا إليه مراراً. فهذه الرواية ساقطة و الأولى الاستدلال بالروايات الآتية.

و منها: صحيحة عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: تسبّح و تحمد اللّٰه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» «3» و هي صحيحة السند ظاهرة الدلالة، غير أنّها خاصة بالظهر فيتعدى إلى غيرها بعدم القول بالفصل.

و العمدة في المقام صحيحتان، إحداهما: صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين‌

______________________________
(1) سيأتي في ذيل المسألة الثانية [ص 479] توثيقه و إن خلت عنه كتب الرجاليين لرواية معتبرة دالة عليه.

(2) كتاب الصلاة 1: 36.

(3) الوسائل 6: 107/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 1.

451
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
فقال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبّح، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» «1».

و الأُخرى: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب، و إن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» «2» و مورد الاستدلال ذيل الصحيحتين كما هو ظاهر.

المورد الثاني: في الإمام، و قد تضمنت جملة من الأخبار الأمر بقراءة الفاتحة كصحيحتي معاوية و منصور المتقدمتين، و ظاهر الأمر الوجوب، غير أنّها حملت على التقية لموافقتها العامة، حيث ينسب إليهم تعينها في الركعات مطلقاً «3».

و يمكن أن يقال: إنّ الأمر المزبور و إن كان ظاهراً في الوجوب، لكنه يحمل «4» على الاستحباب أو الجواز على الخلاف كما سيجي‌ء بقرينة صحيحة سالم ابن أبي خديجة «5» الذي هو سالم بن مكرم الجمال عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين، و على الذين خلفك أن يقولوا: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر و هم قيام، فاذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب و على الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين» «6».

قوله (عليه السلام): «و على الذين خلفك أن يقولوا ...» إلخ لا بدّ من حمله‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 108/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 2.

(2) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 11.

(3) المغني 1: 561، الام 1: 107، المجموع 3: 361.

(4) لكنه سيأتي في مطاوي المسألة الثانية [ص 477] تعذّر هذا الجمع و استقرار التعارض و الحكم بالتساقط.

(5) سيأتي في التعليق الآتي [ص 465] زيادة كلمة (ابن) و أنّ الصحيح سالم أبي خديجة.

(6) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13.

452
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
على صورة عدم السماع، و إلّا وجب الإنصات، أو على الصلاة الإخفاتية و الضمير في قوله (عليه السلام) «فاذا كان ...» إلخ عائد إلى الائتمام، و لذا حكم (عليه السلام) بوجوب القراءة على المأمومين حينئذ لأنها أوّل ركعتهم. و محل الاستشهاد قوله (عليه السلام) «و على الإمام أن يسبّح ...» إلخ و بذلك يرفع اليد عن ظهور الأمر بالقراءة في الأخبار المتقدمة في الوجوب، و يحمل على الجواز أو الاستحباب كما عرفت، و أمّا أنّ أيّهما أفضل فسيجي‌ء الكلام حوله إن شاء اللّٰه تعالى «1»، فظهر أنّ الإمام حاله كالمنفرد في ثبوت التخيير.

المورد الثالث: في المأموم، و يقع الكلام في الصلاة الإخفاتية تارة، و في الجهرية اخرى.

أمّا الإخفاتية: فالظاهر أيضاً هو التخيير، لصحيحة ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ و كان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأولتين، و قال يجزئك التسبيح في الأخيرتين، قلت: أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال: أقرأ فاتحة الكتاب» «2».

فانّ قوله (عليه السلام) «يجزئ» يدل على التخيير و جواز الإتيان بكل منهما، و لعل اختياره (عليه السلام) للفاتحة لأفضليتها أو لوجه آخر.

و أمّا في الجهرية: فمقتضى بعض الأخبار تعيّن التسبيح، إذ لم ترد رواية تدل على جواز القراءة بالنسبة إليه، إلّا المطلقات المقيدة بهذه الأخبار فهي المحكّم و قد ورد ذلك أعني الأمر بالتسبيح في صحيحتين:

إحداهما: صحيحة سالم بن أبي خديجة المتقدمة آنفاً، فانّ قوله (عليه السلام)

______________________________
(1) في ص 473.

(2) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 12.

453
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
«مثل ما يسبّح القوم في الأخيرتين» يظهر منه أنّ التسبيح في الأخيرتين كان متعيّناً للمأموم و لذا شبّه الإمام به.

الثانية: التي هي أوضح دلالة، صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة أيضاً المتعرّضة لحكم الإمام و المأموم و المنفرد قال (عليه السلام) فيها «و من خلفه يسبّح» «1» و ظاهر الأمر الوجوب التعييني، و حيث لا معارض لذلك تعيّن الأخذ به.

نعم، هي مطلقة من حيث الجهر و الإخفات، فتقيد بصحيحة ابن سنان الدالّة على جواز القراءة في الإخفاتية كما تقدم، فتحمل على الجهرية إذ لا دليل على جواز القراءة فيها كما عرفت. فاذن مقتضى القاعدة تعيّن التسبيح على المأموم في الجهرية عملًا بهاتين الصحيحتين و لا سيما الثانية، فإن كان هناك إجماع على ثبوت التخيير فيه أيضاً فهو، و إلّا فيتعيّن التسبيح في حقه، و من هنا كان الأحوط لزوماً اختيار التسبيح بالنسبة إليه.

هذا كلّه حكم الركعتين الأخيرتين بالعنوان الأوّلي، و قد عرفت أنّه التخيير إلّا في بعض الصور، و هل الحكم كذلك حتى لو نسي القراءة في الركعتين الأوّلتين أو تتبدّل الوظيفة إليها حينئذ فتجب القراءة معيّناً عند نسيانها في الأولتين؟

المشهور هو الأوّل، و نسب إلى الشيخ في الخلاف «2» الثاني كي لا تخلو الصلاة عن القراءة، و إن صرّح في المبسوط بالتخيير «3»، و قد نسبه إليه جمع منهم الشهيد في الذكرى «4»، لكن نوقش في النسبة بأنّ عبارة الخلاف المحكية عنه‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 108/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 2.

(2) الخلاف 1: 341 المسألة 93.

(3) المبسوط 1: 106.

(4) الذكرى 3: 316.

454
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
لا تدل على أكثر من الاحتياط من جهة رواية الحسين بن حماد الآتية «1» دون الفتوى، و قد مال إلى هذا القول صاحب الحدائق «2»، مدعياً دلالة الصحيحة عليه، غير أنّه توقف فيه أخيراً، إذ لم يجد قائلًا به صريحاً، و ناقش في عبارة الخلاف بما عرفت.

و كيف كان، فلا بدّ من النظر إلى الأخبار، و لا شك أنّ مقتضى الإطلاقات هو بقاء التخيير كما عليه المشهور، فان ثبت التخصيص و إلّا فالإطلاق هو المحكّم، و قد استدلّ للوجوب بوجوه:

أحدها: النبوي «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» «3» و بمضمونه صحيحة محمد ابن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته، قال: لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات ...» إلخ «4» حيث إنّ ظاهرها نفي حقيقة الصلاة عن الفاقدة للفاتحة، فلو نسيها في الأولتين لا مناص من الإتيان في الأخيرتين كي لا تخلو الصلاة عنها.

و فيه أوّلًا: أنها منصرفة إلى العامد كما لا يخفى.

و ثانياً: لو سلّم الإطلاق و دلالتها على الاعتبار في حقيقة الصلاة مطلقاً فغاية ما يُستفاد منها اعتبار الفاتحة في المحل المعيّن المعهود المقرّر له شرعاً أعني الركعتين الأولتين، فلو كنا نحن و الصحيحة مع قطع النظر عن حديث لا تعاد لحكمنا بالبطلان لدى الإخلال بها و لو سهواً في محلها الموظف لها، غير أنّ مقتضى الحديث الحاكم عليها هو الصحة. و أمّا لزوم الإتيان بها في محل‌

______________________________
(1) في ص 457.

(2) الحدائق 8: 420.

(3) عوالي اللآلي 1: 196، المستدرك 4: 158/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 5.

(4) الوسائل 6: 37/ أبواب القراءة في الصلاة ب 1 ح 1.

455
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
آخر كالركعتين الأخيرتين فهو محتاج إلى الدليل، و هذه الصحيحة لا تتكفل بإثباته.

و على الجملة: عند النسيان إمّا أن يحكم بالبطلان مع قطع النظر عن حديث لا تعاد، و مع قطع النظر عما ذكرناه أوّلًا، من الانصراف إلى العامد، أو يحكم بالصحة بملاحظة الحديث، أو الانصراف المزبور، فالأمر دائر بينهما و لا ثالث. و أمّا احتمال التدارك في محل آخر بحيث لو استمرّ النسيان إلى ما بعد الركعتين الأخيرتين فتذكّر في ركوع الرابعة أو سجودها أو التشهّد الأخير وجب التدارك كي لا تخلو الصلاة من الفاتحة، فيحتاج إلى دليل آخر، و هذه الصحيحة قاصرة عن عهدة إثباته إذ لا تقتضي أكثر من الاعتبار في المحل المعهود كما عرفت.

الثاني: ما استدلّ به في الحدائق «1» من صحيحة زرارة المروية في الفقيه عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له رجل نسي القراءة في الأولتين فذكرها في الأخيرتين، فقال: يقضي القراءة و التكبير و التسبيح الذي فاته في الأولتين و لا شي‌ء عليه» «2». هكذا ذكرت في الوسائل.

و صاحب الحدائق (قدس سره) نقلها بزيادة كلمة «في الأخيرتين» في آخر الخبر قبل قوله «و لا شي‌ء عليه» و قال: إنّ بعض المتأخرين نقلها عارية عن هذا اللّفظ و الظاهر أنّ مراده صاحب الوسائل كما عرفت فحملها على القضاء بعد التسليم و الفراغ من الصلاة، لكن المنقول عن كتب الأخبار ما أثبتناه من الاشتمال على هذه الكلمة. و عليه فهي صريحة الدلالة على هذا القول من تعيّن الفاتحة في الركعتين الأخيرتين، و كأنّ من ذكر «3» أنّه لم يجد دليلًا على هذا القول‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 421.

(2) الوسائل 6: 94/ أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 6، الفقيه 1: 227/ 1003.

(3) [المراد به هو الشهيد في الذكرى 3: 316].

456
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
لم يلتفت إلى هذه الصحيحة، انتهى ملخّصاً.

و فيه أوّلًا: أنّه لم يثبت اشتمال الصحيحة على تلك الزيادة، بل قد قيل إنّ النسخ المصحّحة للفقيه كلّها خالية عنها، و لعلّ النسخة المشتملة عليها الموجودة عند صاحب الحدائق لم تكن مصحّحة. و عليه فظاهر الصحيحة وجوب القضاء خارج الصلاة «1» كما حملها عليه صاحب الوسائل لا في الأخيرتين، و حيث لا يحتمل الوجوب، بل و لا قائل به، فيحمل الأمر على الاستحباب جزماً للقطع بصحة الصلاة و أنّه لا شي‌ء عليه، فتكون الصحيحة أجنبية عن محل الكلام رأساً.

و ثانياً: لو سلّم اشتمال الصحيحة على تلك الزيادة، و أنّ النسخ المصححة كذلك، فغاية ما يستفاد منها وجوب القضاء في الأخيرتين زائداً على الوظيفة المقررة فيهما من التخيير، لا أنّ الوظيفة تتبدل من التخيير إلى القضاء كي تتعيّن الفاتحة مقتصراً عليها، فإنّها لا تدل على ذلك بوجه، و حيث لا يحتمل وجوب القضاء زائداً على الوظيفة المقررة فلا مناص من الحمل على الاستحباب، فظهر أنّ الصحيحة قاصرة الدلالة، لا أنّ الشهيد لم يلتفت إليها، سواء أ كانت مشتملة على تلك الزيادة أم لا.

الثالث: رواية الحسين بن حماد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قلت له: أسهو عن القراءة في الركعة الأُولى، قال: اقرأ في الثانية، قلت: أسهو في الثانية، قال: اقرأ في الثالثة، قلت: أسهو في صلاتي كلها، قال: إذا حفظت‌

______________________________
(1) لعل ظاهر الأمر بالقضاء في جواب السؤال عمّن تذكّر و هو في الركعتين الأخيرتين هو وجوبه في زمان التذكر، إذ لو أُريد ما بعد الصلاة لقيّد به كما قيّد به في نصوص قضاء الأجزاء المنسية، و منه تعرف أنّ دعوى انصراف القضاء في لسان الأخبار إلى ما بعد الصلاة غير واضحة.

457
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
الركوع و السجود فقد تمت صلاتك» «1».

و هذه هي العمدة فيما استند إليه الشيخ في الخلاف من تعين القراءة على ما نسب إليه، و استدل بها في الحدائق أيضاً، قائلًا إنّ ظاهر الأمر الإيجاب عيناً.

و الإنصاف: أنّها من حيث الدلالة تامة، فإنّ قوله (عليه السلام) «اقرأ في الثالثة» ظاهر في أنّ تمام الوظيفة في هذه الحالة هي القراءة معيناً.

و الإيراد عليها بمعارضتها بروايات التخيير كما قيل، ساقط جدّاً لأنّها مطلقة و هذه مقيّدة، و لا ريب أنّ ظهور المخصص مقدّم على ظهور العام. و إنّما الكلام في سندها، فانّ الحسين بن حماد مهمل لم يوثق في كتب الرجال، و أمّا عبد الكريم الواقع في السند فهو ثقة كما نصّ عليه النجاشي «2» و إن صرّح الشيخ بأنّه واقفي خبيث «3»، فانّ العبرة بوثاقة الراوي لا عدالته، فالمناقشة السندية إنّما هي من أجل الحسين فحسب.

هذا، و على تقدير صحة الرواية فهي معارضة بروايتين يستظهر منهما عدم الوجوب:

إحداهما: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال «قلت: الرجل يسهو عن القراءة في الركعتين الأولتين فيذكر في الركعتين الآخرتين أنّه لم يقرأ، قال: أتمّ الركوع و السجود؟ قلت: نعم، قال: إنّي أكره أن أجعل آخر صلاتي أوّلها» «4».

فانّ المراد بكراهة جعل آخر الصلاة أوّلها إن كان كراهة قراءة الحمد فهي‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 93/ أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 3.

(2) رجال النجاشي: 245/ 645.

(3) رجال الطوسي: 339/ 5051.

(4) الوسائل 6: 92/ أبواب القراءة في الصلاة ب 30 ح 1.

458
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

و هي: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر، و الأقوى إجزاء المرّة و الأحوط الثلاث (1).

______________________________
صريحة في المطلوب من عدم الوجوب، بل و أفضلية التسبيح حتى للساهي كما احتمله جماعة، و إن كان المراد ما استظهره في الحدائق «1» من كراهة قراءة الحمد و السورة معاً، حيث إنّها التي يترتّب عليها قلب الصلاة، فهي ظاهرة في المطلوب و إن لم تكن بتلك الصراحة، حيث يظهر من ذكر ذلك في مقام البيان أنّ الوظيفة في فرض النسيان هي التخيير أيضاً، و أنّ السهو لم يترتّب عليه شي‌ء و إلّا وجب التنبيه عليه.

و بالجملة: ظهورها في عدم ترتب أثر على السهو غير قابل للإنكار، و إلّا بقي السؤال بلا جواب كما لا يخفى. فهي كالصريح في عدم لزوم تدارك الحمد و بقاء الحكم السابق، أعني التخيير لولا السهو على ما هو عليه، و كأنّه (عليه السلام) أشار بذلك إلى رد العامة حيث يوجبون قراءة الحمد «2».

الثانية: موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إن نسي أن يقرأ في الأُولى و الثانية أجزأه تسبيح الركوع و السجود» «3».

و المتحصل من جميع ما قدمناه: أنّ ما ذكره المشهور من التخيير في الركعتين الأخيرتين حتى لمن نسي القراءة في الأوّلتين هو الصحيح.

(1) قد وقع الخلاف في تعيين التسبيح الذي هو طرف التخيير على أقوال:

أحدها: أنّ صورته هكذا: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 421.

(2) المغني 1: 561، المجموع 3: 361.

(3) الوسائل 6: 90/ أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 3.

459
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
يكرّرها ثلاثاً، فيكون المجموع اثني عشر تسبيحاً كما هو المتعارف. نسب ذلك إلى الشيخ في النهاية و الاقتصاد «1»، و إلى ابن أبي عقيل حيث ذكر أنّه يقولها أي التسبيحات الأربعة سبعاً أو خمساً، و أدناها ثلاث «2».

و قد استدل له بأُمور: منها: الفقه الرضوي «3»، حيث صرّح فيه بذلك.

و فيه: ما تقدّم مراراً من أنّه لم يثبت كونه رواية فضلًا عن أن يكون معتبراً.

و منها: رواية رجاء بن أبي الضحاك «أنه صحب الرضا (عليه السلام) من المدينة إلى مرو فكان يسبّح في الأُخراوين يقول: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إله إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر ثلاث مرات ثم يركع» «4».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند، و إلى أنّه حكاية فعل مجمل العنوان فلا يدل على الوجوب، بل غايته المشروعية أو الرجحان و لعل اختياره (عليه السلام) لذلك لكونه أفضل الأفراد أو أحدها، أنّها لم تثبت بهذا المتن، فقد ذكر المجلسي على ما حكى عنه صاحب الحدائق «5» أنّ النسخ المصححة القديمة من العيون غير مشتملة على التكبير، فيكون المجموع تسع تسبيحات الذي هو أحد الأقوال في المسألة كما سيجي‌ء.

على أنّه يكفي مجرد الاحتمال الناشئ من اختلاف النسخ، لعدم الوثوق حينئذ بما هو الصادر عن المعصوم (عليه السلام).

و منها: و هو العمدة ما رواه ابن إدريس في أوّل السرائر نقلًا عن كتاب‌

______________________________
(1) النهاية: 76، الاقتصاد: 261.

(2) حكاه عنه في المختلف 2: 164.

(3) فقه الرضا: 105.

(4) الوسائل 6: 110/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 8.

(5) الحدائق 8: 414، البحار 82: 88.

460
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنه قال: لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام، قال قلت: فما أقول فيهما؟ قال: إذا كنت إماماً أو وحدك فقل: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر ثلاث مرات ثم تكبّر و تركع» «1».

و هي صريحة في المدعى، إلّا أنّ الشأن في سندها أوّلًا و متنها ثانياً أمّا السند فقد ذكرنا غير مرّة أنّ طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز غير معلوم، و لعلّ الكتاب الواصل إليه لم يكن هو كتابه إمّا كلا أو بعضاً، و عدم عمله بأخبار الآحاد لا يجدي، إذ لعله اعتمد على قرينة تفيد القطع له و لا تفيد لغيره.

و أمّا المتن فلم يثبت كونه كذلك، كيف و قد رواها ابن إدريس نفسه في آخر السرائر فيما استطرفه من كتاب حريز بعين السند و المتن، غير أنّه لم يذكر فيه التكبير «2»، بل قد ذكر المجلسي في البحار على ما حكاه عنه في الحدائق «3» أنّ النسخ المتعددة التي رأيناها متفقة على ذلك، و عليه فلم يعلم أنّ الصحيح هو ما ذكره ابن إدريس في أوّل السرائر أم ما أثبته في آخره. و من هنا احتمل بعض و منهم المجلسي أن تكونا روايتين قد رواهما زرارة على الوجهين، و كذا حريز عنه في كتابه، فأثبتهما ابن إدريس في الموضعين، و إن كان بعيداً غايته كما لا يخفى.

و كيف كان، فلا يخلو إمّا أنّهما روايتان، أو هما رواية واحدة دائرة بين الزيادة و النقيصة، فعلى الثاني، يدور الأمر بين الحجة و اللّاحجة، إذ الصادر ليس إلّا أحدهما، و بما أنّه غير معلوم لاشتباهه بالآخر فلا يمكن الحكم بصحة المشتمل على التكبير، لعدم الوثوق بصدوره فيسقط عن الاستدلال.

______________________________
(1) الوسائل 6: 123/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 2، السرائر 1: 219.

(2) السرائر 3: 585.

(3) الحدائق 8: 412، البحار 82: 87.

461
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
و على الأوّل، فمع بعده في نفسه كما عرفت سيّما من مثل زرارة، إذ بعد أن سأل حكم المسألة عن الإمام (عليه السلام) كيف يسأله مرّة أُخرى فغاية ما هناك أنّهما روايتان تضمّنت إحداهما الأمر بالتكبير، و الأُخرى عدم الأمر الظاهر بمقتضى الإطلاق في جواز تركه، لكونه مسوقاً في مقام البيان و تعيين تمام الوظيفة و لا شك أنّ مقتضى الجمع العرفي بينهما هو الحمل على الاستحباب و أنّ الواجب هي التسبيحات التسع، و الثلاث الزائدة في الرواية الأُخرى مستحبّة هذا.

و ممّا يؤيد زيادة كلمة التكبير في الرواية و أنّها سهو من قلم النساخ من جهة انس الذهن الناشئ من المعهودية الخارجية: أنّ الصدوق رواها بعينها بطريق صحيح عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) من دون ذكر التكبير مصرّحاً بالتسع، بحيث لا يحتمل معه النقص، حيث قال: «... فقل سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه ثلاث مرات تكمله تسع تسبيحات ثم تكبِّر و تركع» «1».

فتحصّل: أنّ هذا القول ساقط لعدم الدليل عليه.

القول الثاني: أنّها عشر تسبيحات فيقول هكذا: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إله إلّا اللّٰه ثلاث مرات، ثم يقول: اللّٰه أكبر، فيكون المجموع عشراً. نسب ذلك إلى السيد المرتضى «2» و الشيخ في الجمل و المبسوط «3»، و ابن إدريس «4» و سلّار «5» و ابن البراج «6»، و مال إليه في الحدائق «7» معترفاً كغيره من جملة من الأصحاب‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 122/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1، الفقيه 1: 256/ 1158.

(2) جمل العلم و العمل (رسائل الشريف المرتضى 3): 33.

(3) الجمل و العقود (ضمن الرسائل العشر): 181، المبسوط 1: 106.

(4) السرائر 1: 222.

(5) المراسم: 72.

(6) المهذب 1: 97.

(7) الحدائق 8: 416.

462
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
بعدم الوقوف على رواية تدل عليه، غير أنّه (قدس سره) تصدى لإثباته بضم بعض الأخبار إلى بعض.

هذا، و يمكن أن يستدل لهذا القول بصحيحة زرارة على رواية الصدوق المتقدمة آنفاً، بناءً على حمل التكبير في قوله (عليه السلام) «ثم تكبّر و تركع» على ما هو من متمم التسبيح الواجب في الركعتين الأخيرتين لا على تكبير الركوع.

لكنه كما ترى بعيد جدّاً، فانّ ظاهرها أنّ تمام الواجب إنّما هو التسع و أنّ التكبير هو تكبير الركوع، و لذا عطفه على سابقه بكلمة «ثم» الظاهر في الانفصال و إلّا كان الأحرى أن يقال: تكمله تسع تسبيحات و تكبّر ثم تركع، أو تكمله عشر تسبيحات ثم تكبّر و تركع.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في ضعف هذا القول أيضاً، و صاحب الحدائق «1» قد استند في التسع إلى هذه الصحيحة و في التكبير المتمم للعشر إلى الروايات الأُخر، و هو أيضاً لا يتم كما لا يخفى.

القول الثالث: أنّها تسع تسبيحات: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه يكرّرها ثلاث مرّات. نسب إلى الصدوق «2» و والده «3» و أبي الصلاح «4». و نسب أيضاً إلى حريز الراوي للتسع «5» و هو من قدماء الأصحاب. فيظهر أنّ فتواه أيضاً كذلك، مضافاً إلى روايته.

و الدليل عليه: هو صحيح حريز عن زرارة المتقدم آنفاً، الذي نقله الصدوق‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 412، 416.

(2) الفقيه 1: 256/ 1158، الهداية: 135.

(3) حكاه عنه في المختلف 2: 164.

(4) الكافي في الفقه: 117.

(5) حكاه عنه في المعتبر 2: 189.

463
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
و قدر مرّ أنّ ابن إدريس أيضاً رواه كذلك في آخر السرائر نقلًا عن كتاب حريز عن زرارة.

و هذا القول لا بأس به، فإنّ الرواية صحيحة صريحة، فان ثبت جواز الاكتفاء بما دونه و إلّا فلا بدّ من الالتزام به.

القول الرابع: الاجتزاء بالتسبيحات الأربع مرة واحدة، اختاره جمع كثير بل نسب ذلك إلى المشهور.

و تدل عليه صريحاً: صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال: أن تقول: سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إله إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر، و تكبّر و تركع» «1»، و هي واضحة الدلالة للتصريح بالإجزاء، فالزائد عليه من الأذكار فضل و ندب، و بذلك نرفع اليد عن القول السابق، أعني التسع و يحكم باستحبابها، و يؤيّده: رواية محمد بن عمران و محمد ابن حمزة «2».

و قد يستدل لذلك كما في الحدائق «3» بصحيحة سالم بن مكرم أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: إذا كنت إمام قوم فعليك أن تقرأ في الركعتين الأولتين، و على الذين خلفك أن يقولوا سبحان اللّٰه و الحمد للّٰه و لا إلٰه إلّا اللّٰه و اللّٰه أكبر و هم قيام، فاذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك أن يقرءوا فاتحة الكتاب و على الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين» «4».

______________________________
(1) الوسائل 6: 109/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 5.

(2) الوسائل 6: 123/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 3.

(3) الحدائق 8: 412.

(4) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13.

464
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
و هذه الرواية صحيحة السند، إذ ليس في الطريق من يغمز فيه عدا الراوي الأخير، و الظاهر أنّه سالم بن مكرم المكنى بأبي خديجة مرّة و أبي سلمة اخرى فأبو خديجة كنية له لا لأبيه، فما وقع في الوسائل في المقام من قوله: سالم بن أبي خديجة سهو من قلمه الشريف أو من النسّاخ. و قد ذكر (قدس سره) هذه الرواية بعينها في باب 32 من الجماعة بحذف كلمة ابن فقال: عن سالم أبي خديجة «1»، و كذا في التهذيب 3: 275/ 800 و هو صحيح كما عرفت.

و هذا الرجل أعني سالم بن مكرم قد وثقه النجاشي و قال: إنّه ثقة ثقة «2» إلّا أنّ الشيخ (قدس سره) قد ضعّفه في الفهرست «3» صريحاً و إن وثقه في موضع آخر على ما حكاه العلّامة «4» و لكن الظاهر أنّ تضعيف الشيخ يبتني على تخيل اتحاده مع سالم بن أبي سلمة الكندي السجستاني و هو سهو منه بلا شك، و قد أوضح ذلك سيدُنا الأُستاد (دام ظله) «5» في المعجم 9: 27/ 4966 فليلاحظ.

و كيف كان، فلا ينبغي الريب في صحة السند، و من هنا عبّر عنها في الحدائق بالصحيحة «6».

و لكنّها قاصرة الدلالة على الاجتزاء بالمرّة و إن ادعاها صاحب الحدائق و لعلّه باعتبار ذكر التسبيح مرّة واحدة في الركعتين الأوّلتين، و هو كما ترى فانّ‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 362/ ح 6.

(2) رجال النجاشي: 188/ 501.

(3) الفهرست: 79/ 327.

(4) الخلاصة: 354/ 1404.

(5) [هذا خروج عن رسم التقريرات، و كم له نظير في هذه الموسوعة].

(6) لم أظفر على تصريح من الحدائق بذلك في المقام و لعلّه عبّر عنها بذلك في مقام آخر فلاحظ.

465
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
النظر فيها مقصور على بيان التفرقة بين الركعتين الأوّلتين و الأخيرتين، و أنّ الإمام يقرأ في الأوّلتين و المأموم يسبّح، و أمّا في الأخيرتين فهما سواء، و أمّا أنّ كيفية التسبيح في الأخيرتين أيّ شي‌ء فهي ساكتة عنه بالكلية، و مجرد ذكر تسبيح خاص في الأوّلتين لا يقتضي كونه في الأخيرتين كذلك، فهذا الاستدلال ساقط، و العمدة فيه صحيحة زرارة المؤيّدة بالروايتين كما تقدم.

القول الخامس: ما نسب إلى ابن الجنيد «1» من كفاية ثلاث تسبيحات بأن يقول: الحمد للّٰه و سبحان اللّٰه و اللّٰه أكبر، و هذا القول أيضاً غير بعيد ككفاية التسبيحات الأربع، إذ قد دلت عليه صحيحة الحلبي صريحاً، فقد روى الشيخ في الصحيح عنه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل الحمد للّٰه و سبحان اللّٰه و اللّٰه أكبر» «2».

و قد رواها في الاستبصار و التهذيب «3» غير أنّ كلمة «الأخيرتين» غير مذكورة في الثاني، و لعلها سقطت من قلمه الشريف. و كيف كان، فالدلالة ظاهرة سواء جعلنا قوله (عليه السلام) «لا تقرأ فيهما» صفة «للأخيرتين» أو جزاء للشرط بأن تكون نهياً أو نفياً تفيده، لكونها في مقام الإنشاء.

القول السادس: ما نسب إلى ابن أبي عقيل «4» من كفاية التسبيح ثلاثاً بأن يقول: «سبحان اللّٰه سبحان اللّٰه سبحان اللّٰه» و قد استدلّ له برواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: أدنى ما يجزئ من القول في الركعتين الأخيرتين ثلاث تسبيحات أن تقول: سبحان، اللّٰه سبحان اللّٰه، سبحان اللّٰه» «5».

______________________________
(1) حكاه عنه في المختلف 2: 164.

(2) الوسائل 6: 124/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 7.

(3) الاستبصار 1: 322/ 1203، التهذيب 2: 99/ 372.

(4) لم نعثر عليه.

(5) الوسائل 6: 109/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 7.

466
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
و فيه: أن الدلالة و إن كانت تامة لكن السند ضعيف لضعف طريق الصدوق إلى و هيب بن حفص بشيخه محمد بن علي ماجيلويه فإنه لم يوثق، و بمحمد بن علي الهمداني الذي استظهر الأردبيلي في جامعه «1» أنه محمد بن علي القرشي أبو سمينة المعروف بالكذب و لكنه في غير محله بل هو محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني وكيل الناحية و إن كان ضعيفاً أيضاً حيث استثناه ابن الوليد من رجال نوادر الحكمة «2»، و لأجل ذلك لا يمكن الاعتماد على رواياته. فهذا القول ساقط. نعم، بناءً على جواز الاكتفاء بمطلق الذكر و انه ليس في التسبيح شي‌ء موقت كما هو أحد الأقوال و سيجي‌ء الكلام عليه ان شاء اللّٰه تعالى أمكن الاكتفاء به حينئذ لا لخصوصية فيه بل لكونه مصداقاً للذكر المطلق.

و المتحصل: من جميع ما قدمناه لحد الآن جواز الاقتصار على التسبيحات التسع، بل الاكتفاء بالتسبيحات الأربع مرة واحدة، بل بالتسبيحات الثلاث لورود النص الصحيح على كل ذلك، كما تقدم في بيان القول الثالث و الرابع و الخامس.

بل لا يبعد الاكتفاء بالتسبيح و التهليل و التكبير و الدعاء، لصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: عشر ركعات، ركعتان من الظهر و ركعتان من العصر، و ركعتا الصبح، و ركعتا المغرب، و ركعتا العشاء الآخرة لا يجوز فيهنّ الوهم إلى أن قال-: و هي الصلاة التي فرضها اللّٰه، و فوّض إلى محمد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) فزاد النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في الصلاة سبع ركعات هي سنّة ليس فيهنّ قراءة، إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء فالوهم إنّما هو فيهنّ» الحديث «3». و بمضمونها روايته الأُخرى الواردة في المأموم‌

______________________________
(1) جامع الرواة 2: 392، 542.

(2) رجال النجاشي: 348/ 939.

(3) الوسائل 6: 109/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 6.

467
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
المسبوق «1».

كما لا يبعد الاجتزاء بأقل من ذلك، أعني التسبيح و التحميد و الاستغفار لوروده في صحيحة عبيد بن زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر، قال: تسبّح و تحمد اللّٰه و تستغفر لذنبك، و إن شئت فاتحة الكتاب فإنها تحميد و دعاء» «2».

بل يظهر من ذيلها جواز الاكتفاء بأقل من ذلك أيضاً، أعني مجرد التحميد و الدعاء، فلا حاجة إلى التسبيح و الاستغفار إلّا من جهة كونه مصداقاً للدعاء لتعليل الاجتزاء بالفاتحة باشتمالها على التحميد و الدعاء، و من الواضح أنّها غير متضمنة للاستغفار، فيظهر أنّ العبرة بالدعاء، كان استغفاراً أم لا. و من جميع ما سردناه يظهر قوّة:

القول السابع: من التخيير بين جميع هذه الصور و جواز العمل بكل ما تضمنته النصوص الصحيحة المتقدمة، المنسوب إلى ابن طاوس «3» و المحقق في المعتبر «4»، و مال إليه جملة من المتأخرين، فإنّ هذا القول قريب جدّاً، لصحة تلكم الأخبار سنداً و دلالة كما عرفت، و لا تعارض بينها، غايته أنّ الأمر في كل منها ظاهر في الوجوب التعييني فيحمل على التخيير جمعاً. بقي الكلام في القول الأخير و هو:

القول الثامن: من الاجتزاء بمطلق الذكر و إن لم يكن بإحدى الصور المتقدمة في النصوص السابقة كما نسب إلى بعض، و يمكن أن يستدل له بوجوه:

الأوّل: أنّ الاختلاف الكبير الواقع في الأخبار في تعيين الأذكار كما مرّ‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 388/ أبواب صلاة الجماعة ب 47 ح 4.

(2) الوسائل 6: 107/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 1.

(3) حكاه عنه في الذكرى 3: 315.

(4) المعتبر 2: 190.

468
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
يكشف عن أنّ الاعتبار بمطلق الذكر و أنّه ليس هناك شي‌ء مؤقّت. فالواجب إنّما هو طبيعي ذكر اللّٰه و لا خصوصية للمذكور في النصوص و إنّما هي أمثلته و بيان بعض مصاديقه. فالمقام نظير الأخبار الواردة في باب صلاة الميت، فكما أنّا استفدنا من الاختلاف الكثير الواقع في كيفية تعيين الأدعية أنّ العبرة بمطلق الدعاء و ليس هناك شي‌ء موقّت، فكذا في المقام طابق النعل بالنعل.

و فيه: أنّ القياس مع الفارق، فإنّ الأمر و إن كان كذلك في باب صلاة الميت لكنه ليس لأجل اختلاف الأخبار فحسب، بل للتصريح في تلك الأخبار بأنّه ليس هناك شي‌ء موقّت. و مثل هذا التصريح لم يرد في نصوص المقام حتى يلتزم بإلغاء تلك الخصوصيات الواردة فيها، إذ من الواضح أنّ مجرّد الاختلاف و إن كثر لا يقتضي ذلك بل لا بدّ من مراعاتها، غاية الأمر أنّ الأمر الوارد في كل خبر ظاهر في نفسه بمقتضى الإطلاق في الوجوب التعييني فيرفع اليد عنه و يحمل على التخييري جمعاً بينها كما تقدم، فلا يجوز له اختيار ذكر لا نص فيه لعدم الدليل عليه.

الثاني: رواية علي بن حنظلة و قد تقدمت «1» قال: «سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟، فقال: إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب، و إن شئت فاذكر اللّٰه فهو سواء، قال قلت: فأيّ ذلك أفضل؟ فقال: هما و اللّٰه سواء إن شئت سبّحت و إن شئت قرأت» «2» فيظهر منها أنّ العبرة بمطلق ذكر اللّٰه كيف ما تحقق.

و فيه أوّلًا: أنّها ضعيفة السند كما مرّ «3» و إن عبّر عنها بالموثقة في كلمات بعض فانّ علي بن حنظلة «4» لم يوثق و إن كان أخوه عمر تقبل رواياته و يعبّر عنها‌

______________________________
(1) في ص 450.

(2) الوسائل 6: 108/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 3.

(3) في ص 451.

(4) سيجي‌ء قريباً في أواخر المسألة الثانية [ص 479] توثيق الرجل فلاحظ.

469
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

..........

______________________________
بالمقبولة.

و ثانياً: مع الغض عن السند فالدلالة قاصرة، إذ غايتها أنّها بالإطلاق فيقيد بما ورد في سائر الأخبار من التقييد بالذكر المخصوص كما هو مقتضى صناعة الإطلاق و التقييد، بل يمكن دعوى منع انعقاد الإطلاق من أصله، للتصريح في الذيل بقوله (عليه السلام) «إن شئت سبّحت ...» إلخ، الكاشف عن أنّ المراد بالذكر في الصدر خصوص التسبيح لا مطلق الذكر فتدبر جيداً.

الثالث: ما ادّعاه المحقق الهمداني (قدس سره) من أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «إنّما هو تسبيح و تهليل و تكبير و دعاء ...» إلخ «1» هو الاجتزاء بكل واحد من هذه الأُمور، و أنّ ذلك من باب التنويع. ثم قال (قدس سره) و لو سلّم عدم ظهور الصحيحة في نفسها في ذلك فلتحمل عليه بقرينة رواية علي بن حنظلة المتقدمة، انتهى ملخصاً «2».

و هذه الدعوى كما ترى لم نتحققها، فانّ ظاهر الواو هو الجمع، فارادة التنويع كي يكون بمعنى أو خلاف الظاهر لا يصار إليه من دون قرينة. و أضعف من ذلك: الاستشهاد برواية علي بن حنظلة، إذ قد عرفت أنّها في نفسها ضعيفة سنداً و دلالة فكيف يستشهد بها.

فظهر أنّ القول بالاجتزاء بمطلق الذكر ساقط.

و قد تحصل لك من جميع ما قدمناه: أنّ الأقوى هو الاجتزاء في التسبيح بكل ما ورد في النصوص الصحيحة كما ذكره جماعة، لكن الأحوط اختيار التسبيحات الأربعة مرة واحدة، و أحوط من ذلك تكرارها ثلاثاً، فإنه مجزٍ و مبرئ للذمة قطعاً، لعدم الخلاف فيه من أحد كما عرفت.

______________________________
(1) الوسائل 6: 109/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 6.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 318 السطر 21.

470
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

و الأولى إضافة الاستغفار إليها (1) و لو بأن يقول: اللّٰهمّ اغفر لي.

______________________________
(1) للأمر به في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة قال (عليه السلام): «تسبّح و تحمد اللّٰه و تستغفر لذنبك ...» إلخ «1» المحمول على الاستحباب لخلو سائر الأخبار عنه. مضافاً إلى عدم القائل بالوجوب. نعم، ربما يستظهر أو يستشعر من كلام العلّامة في المنتهي وجود القائل به، حيث إنّه بعد أن سلّم دلالة الصحيحة عليه قال: الأقرب عدم وجوب الاستغفار «2»، فإنّ التعبير بالأقرب يشعر بوجود الخلاف، لكن الظاهر أنّ مراده (قدس سره) الأقرب بالنظر إلى الصحيحة لا في قبال قول آخر.

و كيف ما كان، فالظاهر عدم الوجوب لقصور الصحيحة في نفسها عن الدلالة عليه، فانّ ذيلها يشهد بأنّ الاستغفار إنّما ذكر لكونه مصداقاً للدعاء لا لخصوصية فيه، لقوله (عليه السلام): «و إن شئت فاتحة الكتاب فإنّها تحميد و دعاء» فيكشف عن أنّ العبرة بالدعاء، و الاستغفار المذكور في الصدر من مصاديقه «3»، و لا يحتمل العكس لخلوّ الفاتحة عن الاستغفار.

على أنّه مع التسليم فغايته وجوب الاستغفار فيما لو اكتفى بالتحميد و التسبيح المشتمل عليهما هذه الصحيحة، أمّا لو اختار ذكراً آخر مذكوراً في بقية النصوص فلما ذا؟ فما ذكره الفقهاء من الاستحباب هو المتعيّن.

______________________________
(1) الوسائل 6: 107/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 1.

(2) المنتهي 1: 275، السطر الأخير.

(3) المفهوم من الصحيحة أنّ التسبيح تحميد كما أنّ الاستغفار دعاء، و سورة الحمد مشتملة عليهما معاً، و غاية ما يستفاد من الذيل جواز الإتيان بكل ما يشتمل على التحميد و الدعاء، لا جواز ترك الاستغفار و عدم تبديله بما يشتمل على الدعاء لو اختار المكلف التسبيح كما هو المدعى.

471
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في الركعة الثالثة و الرابعة ج 14 ص 449

و من لا يستطيع يأتي بالممكن (1) منها، و إلّا أتى بالذكر المطلق [1] (2) و إن كان قادراً على قراءة الحمد تعيّنت حينئذ (3).

[مسألة 1: إذا نسي الحمد في الركعتين الأُوليين، فالأحوط اختيار قراءته في الأخيرتين]

[1553] مسألة 1: إذا نسي الحمد في الركعتين الأُوليين، فالأحوط اختيار قراءته في الأخيرتين، لكن الأقوى بقاء التخيير بينه و بين التسبيحات (4).

______________________________
(1) و هذا هو الصحيح، لا لقاعدة الميسور لعدم تماميتها، بل لأنّ المستفاد من الأخبار بمقتضى الفهم العرفي أنّ كلا من التسبيح و التحميد و التهليل و التكبير جزء مستقل، لا أنّ المجموع جزء واحد، و عليه فلو عجز عن البعض لم يسقط الأمر بالباقي لإطلاق دليله.

(2) لا يمكن المساعدة عليه، لما مرّ «1» من أنّ الاكتفاء بالذكر المطلق لا دليل عليه، فلا يجزئ في المقام حتى لو بني على تمامية قاعدة الميسور، إذ الإتيان بفرد آخر من الذكر غير ما هو الموجود في النصوص الصحيحة، كقوله: اللّٰه خالق أو رازق و نحو ذلك مباين لما هو الواجب المذكور في تلك النصوص من التسبيح و التحميد و التهليل و نحوها، لا أنّه ميسور لها و من مراتبها كما لا يخفى.

(3) بلا إشكال كما هو الحال في كل واجب تخييري تعذّر ما عدا الواحد من أطرافه، فانّ الواجب يتعين فيه عقلًا، و لا تنتقل الوظيفة إلى البدل الواقع في طوله.

(4) تقدم الكلام في هذه المسألة مفصلًا «2»، و ظهر حالها بما لا مزيد عليه، فلا حاجة إلى الإعادة.

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) في ص 468.

(2) في ص 454.

472
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

[مسألة 2: الأقوى كون التسبيحات أفضل]

[1554] مسألة 2: الأقوى كون التسبيحات أفضل [1] من قراءة الحمد في الأخيرتين، سواء كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً (1).

______________________________
(1) كما نسب ذلك إلى جمع كثير من الأصحاب، و قيل بأفضلية القراءة إمّا لخصوص الإمام أو مطلقاً، و قيل بالتساوي و عدم ترجيح في البين، و حيث إنّ منشأ الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في المقام فلا بدّ من التعرّض إليها، فنقول: مقتضى طائفة كثيرة من النصوص و أغلبها صحيح أو موثق أفضلية التسبيح و قد تقدم التعرض لها و نشير إليها إجمالًا و هي:

صحيحة زرارة التي رواها الصدوق «1» و صحيحته الأُخرى «2» و بمضمونهما صحيحتان أخريان له «3».

و صحيحة الحلبي «4» «إذا قمت في الركعتين الأخيرتين لا تقرأ فيهما، فقل: الحمد للّٰه و سبحان اللّٰه و اللّٰه أكبر»، سواء أ كان قوله (عليه السلام) «لا تقرأ فيهما» صفة للأخيرتين أم جزاءً للشرط، و إن كان الأول أظهر، و الجزاء هو قوله: فقل ... إلخ، و إن كان الأنسب دخول الفاء على هذه الجملة كما لا يخفى.

و كيف كان، فالنهي عن القراءة أو نفيها و إن كان ظاهراً في عدم المشروعية لكنه محمول على المرجوحية بقرينة الأخبار الأُخر كما مرّ، فينتج أفضلية التسبيح.

______________________________
[1] في ثبوت الأفضلية في الإمام و المنفرد إشكال، نعم هو أفضل للمأموم في الصلوات الإخفاتية من القراءة، و أمّا في الصلوات الجهرية فالأحوط له وجوباً اختيار التسبيح.

______________________________
(1) الوسائل 6: 122/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1، الفقيه 1: 256/ 1158.

(2) الوسائل 6: 109/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 6.

(3) الوسائل 8: 187/ أبواب الخلل ب 1 ح 1 و 388/ أبواب الجماعة ب 47 ح 4.

(4) الوسائل 6: 124/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 7.

473
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

..........

______________________________
و صحيحة محمد بن قيس «1» فانّ التعبير ب‍ «كان» يدل على الاستمرار الكاشف عن أفضلية التسبيح، و ظاهرها الإطلاق، لأنّه (عليه السلام) كان يصلي إماماً و مأموماً و منفرداً.

هذه جملة الروايات المعتبرة الدالّة على أفضلية التسبيح مطلقاً. و يؤيدها روايات أُخر، و إن كانت أسانيدها لا تخلو عن الخدش كرواية رجاء بن الضحاك «2» و رواية محمد بن عمران «3» المصرّحة بأفضلية التسبيح و غيرهما ممّا لا يخفى على المراجع.

و بإزائها طائفة أُخرى من الأخبار تقتضي أفضلية الحمد مطلقاً، و هي روايتان إحداهما: رواية محمد بن حكيم قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) أيّهما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال: القراءة أفضل» «4» لكنها ضعيفة السند بمحمد بن الحسن بن علان و محمد بن حكيم، فإنّهما لم يوثقا.

الثانية: رواية الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري عن صاحب الزمان (عليه السلام) «أنّه كتب إليه يسأله عن الركعتين الأخيرتين إلى أن قال فأجاب (عليه السلام) قد نسخت قراءة أُم الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح و الذي نسخ التسبيح قول العالم (عليه السلام) «كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج ...» إلخ «5»، و قد تقدّم التعرّض لها في أوّل الفصل «6»، و عرفت أنّها ضعيفة السند بالإرسال أوّلًا، و مشوّشة المتن ثانياً. و لو تمت لكانت حاكمة على جميع‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 125/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 9.

(2) الوسائل 6: 110/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 8.

(3) الوسائل 6: 123/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 3.

(4) الوسائل 6: 125/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 10.

(5) الوسائل 6: 127/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 14، الاحتجاج 2: 585/ 357.

(6) في ص 449.

474
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

..........

______________________________
أخبار الباب.

فظهر أنّه ليست هناك رواية يعتمد عليها تقتضي أفضلية الحمد مطلقاً حتى تعارض الطائفة السابقة من الأخبار المقتضية لأفضلية التسبيح مطلقاً، فهذا القول ساقط.

يبقى الكلام: في التفصيل الذي قيل به بين الإمام و غيره. و يقع الكلام تارة: في المنفرد، و اخرى: في الإمام، و ثالثة: في المأموم.

أمّا المنفرد، فلم يرد في شي‌ء من النصوص ما تضمن الأمر بالفاتحة خاصة بالنسبة إليه، عدا رواية جميل بن دراج «... و يقرأ الرجل فيهما إذا صلى وحده بفاتحة الكتاب» «1» لكنها ضعيفة السند بعلي بن السندي، فإنّه لم يوثق إلّا من نصر بن صباح «2» و لا عبرة به، لعدم ثبوت وثاقته في نفسه. و من هنا لا يبعد القول بأفضلية التسبيح بالإضافة إليه كما نبّه عليه سيدنا الأُستاذ (دام ظله) في تعليقته الشريفة «3» عملًا بالنصوص المتقدمة، و إن كان هذا أيضاً لا يخلو عن شي‌ء كما ستعرف.

و أمّا الإمام، فمقتضى النصوص المتقدمة أفضلية التسبيح له، بل قد يظهر من صحيحة سالم أبي خديجة «4» تعيّنه كما لا يخفى.

لكن بإزائها صحيحتان تضمّنتا الأمر بالفاتحة خاصة، و هما: صحيحة معاوية ابن عمار «عن القراءة خلف الإمام في الركعتين الأخيرتين، فقال: الإمام يقرأ بفاتحة الكتاب و من خلفه يسبِّح، فاذا كنت وحدك فاقرأ فيهما و إن شئت فسبّح» «5»

______________________________
(1) الوسائل 6: 108/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 4.

(2) رجال الكشي: 598/ 1119، معجم رجال الحديث 13: 50/ 8195.

(3) [تقدم في التعليقة الإشكال في أفضلية التسبيح للمنفرد. راجع ص 473].

(4) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13.

(5) الوسائل 6: 108/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 2.

475
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

..........

______________________________
و صحيحة منصور بن حازم «إذا كنت إماماً فاقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب و إن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل» «1».

و قد جمع المحقق الهمداني (قدس سره) «2» بينهما بالالتزام بالتخصيص، و أنّ خصوص الإمام تتعين عليه الفاتحة، فتحمل النصوص السابقة على غير الإمام و هو كما ترى فانّ في بعض تلك النصوص التصريح بالتسبيح في خصوص الإمام كصحيحة سالم أبي خديجة المتقدمة آنفاً، فتقع المعارضة لا محالة، و لا سبيل للتخصيص، بل إنّ مقتضى الجمع العرفي بينهما هو الحمل على التخيير، لظهور كل منهما في التعيين، فيرفع اليد عن خصوصية التعينية و يحمل على التخيير.

و منه تعرف أنّه لا مجال لحمل الصحيحتين على التقية كما ارتكبه صاحب الحدائق «3»، إذ الحمل المزبور فرع تعذر الجمع العرفي و قد عرفت إمكانه بما ذكرناه و نتيجة ذلك هو الحكم بالتخيير من دون ترجيح لأحدهما على الآخر.

هذا، و التحقيق عدم إمكان الحمل على التقية في نفسه، فإنّ الأمر بالقراءة في الصحيحتين ظاهر في الوجوب، فامّا أن يراد به الوجوب التعييني أو التخييري لا سبيل للثاني للتصريح في ذيلهما بثبوت التخيير للمنفرد أيضاً، فلم يبق فرق بينه و بين الإمام، و من الواضح أنّ التفصيل قاطع للشركة.

كما لا سبيل للأوّل أيضاً، إذ لم يقل به أحد حتى من العامة، فإنّ مذهبهم أفضلية القراءة في الأخيرتين لا تعيّنها فكيف يحمل على التقية.

و دعوى حمل الأمر على الاستحباب، ثم الحمل على التقية، كما ترى، إذ لا مقتضي لحمل اللفظ على خلاف ظاهره ثم الحمل على التقية.

______________________________
(1) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 11.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 285، السطر 28.

(3) الحدائق 8: 402.

476
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

..........

______________________________
و ممّا ذكرنا تعرف أنّ ما قدّمناه «1» من الجمع العرفي أيضاً ساقط، لما عرفت من تعذر الحمل على التخيير، فلا مناص من الالتزام باستقرار المعارضة بينهما و بين صحيحة سالم أبي خديجة المتقدمة الصريحة في تعيّن التسبيح للإمام فيتساقطان لا محالة، و المرجع بعدئذ إطلاق صحيحة عبيد بن زرارة «2» القاضية بالتخيير و المساواة بين القراءة و التسبيح من دون ترجيح.

فان قلت: قد ورد النهي عن القراءة في بعض النصوص المحمول على الكراهة جمعاً، و لازمه أفضلية التسبيح فكيف يلتزم بالتخيير.

قلت: النهي عن القراءة لم يرد إلّا في صحيحتين، إحداهما: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إن كنت خلف إمام فلا تقرأنّ شيئاً في الأولتين، و أنصت لقراءته، و لا تقرأنّ شيئاً في الأخيرتين، فإنّ اللّٰه عزّ و جل يقول للمؤمنين وَ إِذٰا قُرِئَ الْقُرْآنُ يعني في الفريضة خلف الإمام فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، فالأخيرتان تبعاً للأوّلتين» «3».

و هي كما ترى ظاهرة في المنع عن القراءة في الصلوات الجهرية، و لا معارض لها في موردها، فلو كنّا نحن و هذه الصحيحة لحكمنا بعدم جواز القراءة في الأخيرتين للمأموم في الصلاة الجهرية، إذ لا مقتضي لحمل النهي على خلاف ظاهره بعد سلامته عن المعارض في مورده، غير أنّ المشهور لم يلتزموا بذلك.

و من هنا كان الأحوط وجوباً اختيار التسبيح بالنسبة إليه، كما نبّه عليه سيدُنا الأُستاذ (دام ظله) في التعليقة «4».

______________________________
(1) في ص 452.

(2) الوسائل 6: 107/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 1.

(3) الوسائل 8: 355/ أبواب الجماعة ب 31 ح 3.

(4) تقدمت في ص 473.

477
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

..........

______________________________
الثانية: صحيحته الأُخرى عنه (عليه السلام) «أنّه قال: لا تقرأنّ في الركعتين الأخيرتين من الأربع الركعات المفروضات شيئاً إماماً كنت أو غير إمام ...» إلخ «1» لكن هذا النهي باعتبار تأكيده بالنون المثقلة و تنكير لفظ الشي‌ء غير قابل للحمل على الكراهة كما لا يخفى، و مقتضى الجمع بينها و بين سائر الأخبار المرخّصة للقراءة، هو إرادة النهي عن القراءة بعنوان الوظيفة المقررة في الركعتين الأخيرتين، فلا يجوز الإتيان بها فيهما بهذا العنوان، أي بعنوان الوظيفة الأصلية و الواجب الأوّلي، على حد الإتيان بها في الأوّلتين كما تفعله العامة كذلك، فلا ينافي ذلك جواز الإتيان بها فيهما بعنوان أنّها مصداق للتسبيح، و باعتبار اشتمالها على التحميد و الدعاء كما صرح بذلك في صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة.

و ملخّص الكلام في المقام: أنّ المستفاد من الأخبار بعد ضمّ بعضها إلى بعض، أنّ الوظيفة الأوّلية في الركعتين الأخيرتين اللتين هما ممّا سنّة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و يدخلهما الوهم، إنّما هو التسبيح فقط في مقابل الركعتين الأوّلتين اللتين هما من فرض اللّٰه و لا يدخلهما الوهم، فإن الوظيفة فيهما القراءة فحسب، و قد جعل هذا الفرق امتيازاً لما فرضه اللّٰه عمّا سنّة النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كما أُشير إلى ذلك في بعض النصوص «2»، فالقراءة بعنوانها الأوّلي غير مشروعة في الأخيرتين، بل المقرر إنّما هو التسبيح كما تشهد بذلك الصحاح الثلاث لزرارة المصرّحة بأنّه ليس فيهنّ قراءة «3».

فلو كنا نحن و هذه النصوص، لحكمنا بعدم مشروعية القراءة في الأخيرتين مطلقاً، إلّا أنّه يظهر من صحيحة عبيد بن زرارة المتقدمة جواز القراءة فيهما‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 122/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 1.

(2) الوسائل 6: 124/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 4.

(3) الوسائل 6: 109/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 6، 124/ ب 51 ح 6، الوسائل 8: 187/ أبواب الخلل ب 1 ح 1.

478
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

..........

______________________________
أيضاً، لا بعنوانها الأوّلي، بل لمكان اشتمالها على التحميد و الدعاء، فتكون أيضاً فرداً من أفراد التسبيح، فهي و التسبيحات المقررة على حد سواء، و المكلف مخير عقلًا بين الأمرين، لأنّ المأمور به هو جامع التسبيح و طبيعيه، و بما أنّ القراءة من أفراده بمقتضى هذه الصحيحة، فيكون التخيير بينهما عقلياً، فهذه الصحيحة حاكمة على جميع أخبار الباب و مثبتة للتساوي بين الأمرين من غير ترجيح في البين، و قد عرفت «1» أنّ الأمر بالقراءة للإمام في صحيحتي معاوية و منصور معارض بالأمر بالتسبيح في صحيحة سالم أبي خديجة، و بعد التساقط يرجع إلى إطلاق هذه الصحيحة المثبتة للتخيير على الإطلاق من غير فرق بين الإمام و المأموم و المنفرد، إلّا قسماً خاصاً من المأموم كما تقدم، لورود النص الخاص فيه السليم عن المعارض.

و يدلُّ على ما ذكرناه من التخيير مطلقاً: مضافاً إلى صحيحة عبيد، موثقة علي بن حنظلة «2» بل هي أصرح منها، لتضمنها الحلف على التساوي بين القراءة و التسبيح، و نحن و إن ناقشنا فيما سبق «3» في سند هذه الرواية، بل حكمنا بضعفها من جهة عدم ثبوت وثاقة علي بن حنظلة، و لا أخيه عمر في كتب الرجال، و إن تلقّى الأصحاب روايات الثاني بالقبول و أسموها مقبولة عمر بن حنظلة.

لكن الظاهر وثاقة الرجل علي بن حنظلة فإن ما تقدم من التضعيف كان مبنياً على الغفلة عمّا ورد في شأنه من رواية صحيحة تدل على وثاقته بل ما فوقها، و هي ما رواه في بصائر الدرجات «4» بسند صحيح عن عبد الأعلى بن‌

______________________________
(1) في ص 475.

(2) الوسائل 6: 108/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 3.

(3) في ص 451، 469.

(4) بصائر الدرجات: 348/ 2، و قد أشار (دام ظله) إلى ذلك في المعجم 12: 429/ 8115.

479
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2الأقوى كون التسبيحات أفضل ج 14 ص 473

..........

______________________________
أعين قال: «دخلت أنا و علي بن حنظلة على الصادق (عليه السلام) فسأله علي ابن حنظلة فأجابه فقال: فإن كان كذا و كذا فأجابه فيها حتى أجابه بأربعة وجوه، فالتفت إليّ علي بن حنظلة قال: يا أبا محمد قد أحكمناه فسمع الصادق (عليه السلام) فقال: لا تقل هكذا يا أبا الحسن فإنّك رجل ورع، إنّ من الأشياء أشياء ضيّقة ...» إلخ، فإن أبا الحسن كنية علي بن حنظلة و قد وصفه الإمام بالورع الذي هو فوق العدالة فضلًا عن الوثاقة. فلا ينبغي التشكيك في وثاقه الرجل.

و عليه فروايته في المقام موثقة، و لو لا وقوع عبد اللّٰه بن بكير و الحسن بن علي بن فضال في السند لعبّرنا عنها بالصحيحة، لكنّها موثقة من أجلهما و مقتضاها كصحيحة عبيد هو التخيير و التساوي بين الأمرين مطلقاً كما عرفت.

و من جميع ما ذكرناه يظهر الحال في المأموم، فإنّ الروايات فيه أيضاً متعارضة كالإمام. فيظهر من بعضها أنّ الوظيفة هي التسبيح كرواية سالم أبي خديجة «1» حيث قال (عليه السلام): «و على الإمام أن يسبّح مثل ما يسبّح القوم في الركعتين الأخيرتين». فإنّ ظاهرها أنّ كون وظيفة المأمومين هي التسبيح أمر مسلّم بحيث شبّه به تسبيح الإمام.

و يظهر من بعضها أنّ الوظيفة إنّما هي القراءة، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إن كنت خلف الإمام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة حتى يفرغ و كان الرجل مأموناً على القرآن فلا تقرأ خلفه في الأوّلتين. و قال: يجزئك التسبيح في الأخيرتين قلت: أيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال: أقرأ فاتحة الكتاب» «2».

______________________________
(1) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 13.

(2) الوسائل 6: 126/ أبواب القراءة في الصلاة ب 51 ح 12.

480
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد و في الأخرى التسبيحات ج 14 ص 481

[مسألة 3: يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد و في الأُخرى التسبيحات]

[1555] مسألة 3: يجوز أن يقرأ في إحدى الأخيرتين الحمد و في الأُخرى التسبيحات، فلا يلزم اتحادهما في ذلك (1).

[مسألة 4: يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات]

[1556] مسألة 4: يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات (2).

______________________________
فانّ التعبير بالإجزاء يكشف عن أنّ الوظيفة الأوّلية إنّما هي القراءة و إن أجزأ عنها التسبيح، و لا سيّما بملاحظة قوله (عليه السلام) في الذيل «أقرأ فاتحة الكتاب» فيعارض مضمونها الصحيحة الأُولى و بعد التساقط يرجع إلى إطلاق صحيحة عبيد و موثقة علي بن حنظلة الدال على التخيير بين الأمرين و التساوي بينهما كما عرفت.

و المتحصّل من جميع ما قدمناه: أنّه لم تثبت أفضلية شي‌ء من التسبيح أو القراءة، بل الأقوى هو التخيير و المساواة بينهما، من غير فرق بين الإمام و المأموم و المنفرد، ما عدا صورة واحدة و هي المأموم في الصلوات الجهرية، فانّ الأحوط وجوباً اختياره التسبيح حينئذ كما عرفت وجهه «1».

(1) لإطلاق نصوص التخيير، فانّ الموضوع فيها كل واحدة من الأخيرتين لا مجموعهما.

(2) على المشهور المعروف، بل عليه دعوى الإجماع، و ذهب بعض منهم صاحب الحدائق إلى التخيير «2»، و لا يخفى أنّه لم يرد في شي‌ء من الأخبار التعرّض لحكم الأخيرتين من حيث الجهر أو الإخفات، و إنّما هي مسوقة لبيان حكم الأوّلتين أو سائر الأذكار من ذكر الركوع و السجود و التشهد و نحوها.

______________________________
(1) في ص 477.

(2) الحدائق 8: 437.

481
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات ج 14 ص 481

..........

______________________________
و مع ذلك فالأقوى ما عليه المشهور، للسيرة القائمة من الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم، بل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و كذا المتشرعة متصلة بهم على مراعاة الإخفات في الأخيرتين، بحيث لم ينقل الجهر عن أحدهم، و هذه السيرة بمجرّدها و إن لم تدل على الوجوب، لإمكان قيامها على أمر راجح كالقنوت الذي تلتزم به الخاصة مع استحبابه، بل غايتها عدم وجوب الجهر و أنّ الإخفات مشروع إباحة أو ندباً، لكنها تحقق صغرى لكبرى تضمنتها صحيحة زرارة من عدم جواز الإجهار متعمداً في كل ما لا ينبغي الإجهار فيه قال: (عليه السلام) «في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال: أيّ ذلك فعل متعمداً فقد نقض صلاته و عليه الإعادة» «1» فبضم الصغرى الثابتة بالسيرة و هي إنّ الإجهار في الأخيرتين ممّا لا ينبغي إلى الكبرى المستفادة من الصحيحة و هي البطلان في صورة العمد ينتج المطلوب.

فانّ المراد بكلمة «ينبغي» في هذه الصحيحة ليس هو الوجوب و لا الاستحباب قطعاً لوضوح الحكم على التقديرين، و هو أنّ الإخلال بالجهر مع وجوبه يقتضي البطلان، و مع استحبابه لا يقتضي، فلا حاجة إلى السؤال، بل المراد به في المقام ما هو اللائق بحال الصلاة و المناسب لها بحسب التداول و التعارف الخارجي، و حيث إنّ الوظيفة المقررة في الأخيرتين من التسبيح أو القراءة ممّا يليق بها الإخفات كما كشفت عنه السيرة و التداول الخارجي على ما عرفت، فكان هو ممّا ينبغي، و الإجهار فيها مما لا ينبغي فتشملها الصحيحة حينئذ من أنّ الإجهار في مثله موجب للإعادة.

نعم، في الصحيحة الأُخرى لزرارة تخصيص الحكم بالقراءة فلا تعم التسبيح‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 86/ أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 1.

482
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات ج 14 ص 481

..........

______________________________
لو اختاره في الأخيرتين «1» لكن المستند هي الصحيحة الأُولى المطلقة، إذ لا تنافي بين المثبتين حتى تراعى صناعة الإطلاق و التقييد كما لا يخفى.

و ربما يستدل للحكم بصحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الإمام أ يقرأ فيهما بالحمد و هو إمام يقتدى به؟ فقال: إن قرأت فلا بأس، و إن سكتّ فلا بأس» «2» بناءً على إرادة الإخفات من الصمت، إذ لا صمت للإمام في شي‌ء من الركعات إجماعاً و إرادة الأخيرتين من الركعتين، فانّ توصيفهما بذلك يكشف عن معهودية الحكم كذلك، و أنّ الخفت فيهما شي‌ء مسلّم مفروغ عنه.

لكنه كما ترى، فانّ المراد بالركعتين الأولتان قطعاً، بشهادة الجواب بتخيير المأموم بين القراءة و السكوت، إذ لا سكوت في الأخيرتين، لعدم تحمل الإمام هنالك بالضرورة، و إنّما مورده الأولتان اللتان يتحمل فيهما الإمام. فالصحيحة ناظرة إلى حكم الأوّلتين من الصلوات الإخفاتية، فتكون أجنبية عمّا نحن فيه بالكلية.

و يؤيد ما ذكرناه: أنّ لابن يقطين صحيحة أُخرى بعين هذا السند عن أبي الحسن (عليه السلام) و قد سأله عن حكم الأوّلتين في الصلوات الجهرية «3» فسأله (عليه السلام) عن حكم المأموم في الركعتين الأوّلتين تارة في الجهرية و أُخرى في الإخفاتية فأجاب (عليه السلام) فيهما بالتخيير بين القراءة و السكوت. فالعمدة في الاستدلال ما عرفت. و أمّا بقية الوجوه المذكورة في المقام فكلها ساقطة لا ينبغي الالتفات إليها.

______________________________
(1) الوسائل 6: 86/ أبواب القراءة في الصلاة ب 26 ح 2.

(2) الوسائل 8: 358/ أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 13.

(3) الوسائل 8: 358/ أبواب صلاة الجماعة ب 31 ح 11.

483
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيهما الإخفات سواء قرأ الحمد أو التسبيحات ج 14 ص 481

نعم، إذا قرأ الحمد يُستحب الجهر بالبسملة على الأقوى [1] و إن كان الإخفات فيها أيضاً أحوط (1).

______________________________
(1) يقع الكلام تارة في جواز الجهر بالبسملة، و أُخرى في استحبابه على تقدير الجواز، أمّا أصل الجواز فالمشهور ذلك، و خالف فيه ابن إدريس فذهب إلى المنع «1»، و استدل له تارة: بأنّه مقتضى الاحتياط، إذ لا يحتمل وجوب الجهر.

و فيه: أنّ المورد من موارد الأقل و الأكثر، و المختار فيه البراءة دون الاشتغال.

و أُخرى: بأنّ ذلك هو مقتضى إطلاق ما دلّ على وجوب الإخفات في الأخيرتين، فإنّه يشمل الفاتحة بأجزائها لو اختار القراءة، و لا شك أنّ البسملة جزء لها. فالقائل بالتقييد و جواز الجهر فيها لا بدّ له من إقامة الدليل و إلّا فالإطلاق حجة عليه، و لعله من أجل ذلك ذكر في المتن أنّ الإخفات أحوط.

و الجواب: أنّ هذا إنّما يتم لو كان الإخفات في الأخيرتين مستفاداً من دليل لفظي فيتجه حينئذ التمسك بإطلاقه، لكنك عرفت أنّ المستند فيه إنّما هي السيرة و التعارف الخارجي المحققة لصغرى ما لا ينبغي الإجهار فيه، بضميمة صحيحة زرارة بالتقريب المتقدم «2»، و حيث إنّ السيرة دليل لبي فلا إطلاق لها كي يتمسك به، بل لا يحتمل الإطلاق بعد ذهاب المشهور إلى جواز الجهر في البسملة بل استحبابه كما عرفت، و لم يثبت أنّ سيرة الأئمة (عليهم السلام) و أصحابهم كانت على الإخفات فيها لخلوّ الأخبار إلّا ما شذّ عن التعرّض‌

______________________________
[1] فيه إشكال، و الأحوط لزوماً الإخفات.

______________________________
(1) السرائر 1: 218.

(2) في ص 481.

484
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5إذا أجهر عمدا بطلت صلاته ج 14 ص 485

[مسألة 5: إذا أجهر عمداً بطلت صلاته]

[1557] مسألة 5: إذا أجهر عمداً بطلت صلاته (1)، و أما إذا أجهر جهلًا أو نسياناً صحت، و لا يجب الإعادة و إن تذكّر قبل الركوع.

______________________________
لاختيارهم (عليهم السلام) القراءة في الأخيرتين فضلًا عن بيان الإخفات في بسملتها فدعوى قيام السيرة منهم أو من غيرهم على الخفت فيها ساقطة جدّاً، سيّما بعد كون الغالب اختيار التسبيح في الأخيرتين.

و بالجملة: فالقائل بالجواز يكفيه عدم الدليل على المنع، و لا يحتاج إلى إقامة الدليل على الجواز بعد كونه مطابقاً للأصل كما عرفت.

و أمّا الاستحباب فالمشهور أيضاً ذلك إلّا أنّ إثباته بحسب الدليل مشكل فانّ ما استدل به جملة من النصوص قد تقدّمت «1» الإشارة إليها في المسألة الحادية و العشرين من الفصل السابق، و هي قاصرة سنداً و دلالة من أجل انصرافها إلى القراءة في الركعتين الأوّلتين و لا تعمّ الأخيرتين.

نعم، قد يظهر من موثقة هارون «2» استحباب الجهر بالبسملة مطلقاً، لكنه لا يختص بحال الصلاة، فإثبات الاستحباب بهذا العنوان مشكل إلّا أنّ يستند فيه بقاعدة التسامح بناءً على شمولها لفتوى المشهور، لكن القاعدة لم تثبت، و على تقدير ثبوتها فالمبنى ضعيف كما مرّ غير مرّة، فالأولى لمن أراد الجهر بها بهذا العنوان أن يقصد الرجاء، و إلّا فالأحوط الإخفات.

(1) مرّ الكلام حوله مفصلًا في المسألة الثانية و العشرين من الفصل السابق فلاحظ «3».

______________________________
(1) في ص 384.

(2) الوسائل 6: 74/ أبواب القراءة في الصلاة ب 21 ح 2.

(3) ص 391.

485
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6إذا كان عازما من أول الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات ج 14 ص 486

[مسألة 6: إذا كان عازماً من أوّل الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات]

[1558] مسألة 6: إذا كان عازماً من أوّل الصلاة على قراءة الحمد يجوز له أن يعدل عنه إلى التسبيحات، و كذا العكس (1)، بل يجوز العدول في أثناء أحدهما إلى الآخر، و إن كان الأحوط عدمه.

[مسألة 7: لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط عدم الاجتزاء به]

[1559] مسألة 7: لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط عدم الاجتزاء به (2)، و كذا العكس.

______________________________
(1) إذ لا دليل على تعين الواجب التخييري فيما عزم على اختياره من أحد الطرفين بمجرد القصد، فيبقى إطلاق دليل التخيير بحاله، بل الحال كذلك حتى لو شرع في أحدهما ثم بدا له في الأثناء العدول إلى الآخر، فانّ مقتضى القاعدة حينئذ جوازه أيضاً، و من هنا ذكرنا فيما سبق أنّ العدول من سورة إلى أُخرى على طبق القاعدة إلّا ما خرج بالنص كالعدول من الجحد أو التوحيد أو فيما بعد تجاوز النصف أو الثلثين على تفصيل تقدم في محله «1»، و ذلك لأنّ المأمور به هو الطبيعي الجامع و ما لم يسقط أمره بالفراغ عما اختاره من الفرد له رفع اليد عنه و اختيار الفرد الآخر، إذ لا يترتب عليه محذور عدا توهم الزيادة المبطلة و قد أشرنا غير مرّة إلى أنّ أدلّة الزيادة قاصرة الشمول لأمثال المقام، لانصرافها إلى ما لو أوجد الزائد من أوّل الأمر لا ما لو أحدث صفة الزيادة لما وقع سابقاً كما فيما نحن فيه، فالأقوى هو الجواز و إن كان الأحوط تركه كما في المتن حذراً عن هذه الشبهة.

(2) بل الأقوى ذلك، لفقد القصد مع السبق، و لا بدّ في تحقّق العبادة من القصد و الاختيار. و بالجملة: سبق اللسان مساوق للسهو و لذا لا يوجب البطلان لو وقع مثله في كلام الآدمي فهو مقابل للعمد فينتفي معه القصد المعتبر في صحة العبادة.

______________________________
(1) في ص 347.

486
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7لو قصد الحمد فسبق لسانه إلى التسبيحات فالأحوط عدم الاجتزاء به ج 14 ص 486

نعم، لو فعل ذلك غافلًا من غير قصد إلى أحدهما (1) فالأقوى الاجتزاء به، و إن كان من عادته خلافه.

[مسألة 8: إذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين فذكر أنّه في إحدى الأخيرتين]

[1560] مسألة 8: إذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين (2) فذكر أنّه في إحدى الأخيرتين، فالظاهر الاجتزاء به

______________________________
(1) فسّرت العبارة بانتفاء القصد السابق على أحدهما مع صدور ما وقع منه عن قصد، بأن يكون حين الشروع في الصلاة غافلًا عن وظيفة الأخيرتين فلم يكن قاصداً وقتئذ لا للتسبيح و لا القراءة، لكنه في ظرف العمل قصد و امتثل لكنه كما ترى فان حكم هذا قد ظهر من المسألة السابقة بالأولوية القطعية حيث ذكر هناك أنّه لو كان عازماً أوّل الصلاة على أحدهما جاز له العدول إلى الآخر، فاذا جاز ذلك مع قصد الخلاف من أوّل الأمر فالجواز مع انتفاء القصد من أصله لمكان الغفلة بطريق أولى، فالتعرّض له هنا مستقلا يصبح لغواً مستدركاً.

فالظاهر أن مراده (قدس سره) بذلك على ما يقتضيه ظاهر العبارة أيضاً ما لو صدر منه أحدهما من غير قصد إليه بخصوصه، مع تعلق القصد بالطبيعي الجامع، فخصوصية الصادر مغفول عنها فلا قصد إليها، لكن الطبيعي المأمور به مقصود كما يتفق ذلك كثيراً، و نظيره اختيار السورة، فإنّ المصلي بعد الانتهاء من الفاتحة ربما يشرع في سورة من غير قصد إليها بخصوصها لأجل غفلته عنها، و إنّما يقصد طبيعي السورة المأمور بها. و الأقوى حينئذ الصحة و إن كان من عادته خلافه كما أفاده في المتن، لوضوح أنّ الخصوصية غير مأمور بها فلا مقتضي لقصدها، و إنّما الواجب هو الطبيعي و قد قصده حسب الفرض، فلم يلزم منه الإخلال فيما تتقوّم به العبادة.

(2) أمّا إذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأولتين، فذكر أنّه في إحدى‌

487
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8إذا قرأ الحمد بتخيل أنه في إحدى الأولتين فذكر أنه في إحدى الأخيرتين ج 14 ص 487

و لا يلزم الإعادة، أو قراءة التسبيحات و إن كان قبل الركوع، كما أنّ الظاهر أنّ العكس كذلك، فإذا قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأخيرتين ثم تبيّن أنّه في إحدى الأُوليين لا يجب عليه الإعادة.

______________________________
الأخيرتين، فلا ينبغي الشك في الصحة، فإنّ المأمور به حينئذ و إن كان هو الطبيعي الجامع بين الحمد و التسبيح لا خصوص أحدهما، إلّا أنّ تعلّق القصد بخصوص الحمد بزعم أنّه في إحدى الأولتين لا ينفك عن تعلق القصد بالطبيعي المأمور به، فانّ الفرد يتضمن الطبيعي و زيادة، فقصده ملازم لقصده لا محالة، فلا قصور في ناحية العبادة بوجه. و من هنا ترى أنّ كثيراً من العوام يأتون بالتسبيح في الأخيرتين قاصدين خصوصيته، غافلين عن أنّ الواجب هو الطبيعي بينه و بين الحمد، أو يقرءون التوحيد بعد الفاتحة بزعم أنّه بخصوصه واجب لا طبيعي السورة، و لم يستشكل أحد في صحة صلاتهم، و سرّه ما عرفت من أنّ قصد الفرد لا ينفك عن قصد الجامع. فلا خلل في تحقق المأمور به بوجه.

و أمّا عكس ذلك أعني ما لو قرأ الحمد بتخيل أنّه في إحدى الأخيرتين فبان أنّه في إحدى الأولتين فربما يتوهم عدم الاجتزاء به حينئذ، بدعوى أنّه لم يقصد بالحمد حسب زعمه إلّا الطبيعي، و أما خصوصية الحمد الواقع في الأولتين فغير مقصودة و لا بدّ من تعلق القصد بهذه الخصوصية كما هو شأن الوظيفة المقررة في الأوّلتين، فيلزم الخلل في العبادة، إذ ما هو الواجب غير مقصود، و ما هو المقصود غير واجب.

و لكنه ليس بشي‌ء، ضرورة أنّ الواجب إنّما هو ذات الحمد و قد حصل، و لا يعتبر قصد خصوصية كونه واقعاً في إحدى الأوّلتين، فإنّ هذا القصد غير دخيل في موضوع الأمر قطعاً، و من هنا ترى أنّه لو ركع أو سجد بتخيل أنّه‌

488
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8إذا قرأ الحمد بتخيل أنه في إحدى الأولتين فذكر أنه في إحدى الأخيرتين ج 14 ص 487

نعم، لو قرأ التسبيحات ثم تذكّر قبل الركوع أنّه في إحدى الأولتين يجب عليه قراءة الحمد و سجود السهو بعد الصلاة [1] لزيادة التسبيحات (1).

[مسألة 9: لو نسي القراءة و التسبيحات و تذكّر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته]

[1561] مسألة 9: لو نسي القراءة و التسبيحات و تذكّر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته و عليه سجدتا السهو للنقيصة، و لو تذكّر قبل ذلك وجوب الرجوع (2).

______________________________
في الأُولى فقصد بهما هذا العنوان الخاص ثم بان أنّه في الثانية مثلًا أجزأ عنه بلا إشكال، لعدم مدخلية لقصد الأوّلية و الثانوية في حصول الواجب بلا ريب.

(1) حكم (قدس سره) بوجوب قراءة الحمد و بسجود السهو بعد الصلاة لزيادة التسبيحات، أمّا الأخير فهو مبني على القول بوجوب سجدة السهو لكل زيادة و نقيصة، لكنه لم يثبت، و إنّما الثابت وجوبها في موارد خاصة ليس المقام منها، كما سيجي‌ء التعرّض له في محلِّه إن شاء اللّٰه تعالى. و أمّا الأوّل فوجهه ظاهر، لعدم الإتيان بوظيفة الأولتين و المحل باق على الفرض، لكون التذكر قبل الركوع فلا مناص من تداركها، فهو على طبق القاعدة مضافاً إلى ورود النص الخاص في ناسي القراءة المتضمن لوجوب التدارك ما لم يركع، كموثق سماعة «عن الرجل يقوم في الصلاة فينسى فاتحة الكتاب إلى أن قال-: ليقرأها ما دام لم يركع ...» «1».

(2) حكم (قدس سره) حينئذ بصحة الصلاة و بوجوب سجدتي السهو للنقيصة إمّا سجدة السهو فقد مرّ الكلام عليها آنفاً، و أمّا الصحة فهي على طبق القاعدة من أجل حديث لا تعاد، بعد أن لم تكن القراءة من الخمسة‌

______________________________
[1] على الأحوط الأولى، و كذا في المسألة الآتية.

______________________________
(1) الوسائل 6: 89/ أبواب القراءة في الصلاة ب 28 ح 2.

489
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10لو شك في قراءتهما بعد الهوي للركوع لم يعتن ج 14 ص 490

[مسألة 10: لو شكّ في قراءتهما بعد الهويّ للركوع لم يعتن]

[1562] مسألة 10: لو شكّ في قراءتهما بعد الهويّ للركوع لم يعتن (1) و إن كان قبل الوصول إلى حدّه [1]، و كذا لو دخل في الاستغفار (2).

______________________________
المستثناة. مضافاً إلى النصوص الخاصة التي منها صحيحة منصور قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): إنّي صليت المكتوبة فنسيت أن أقرأ في صلاتي كلّها، فقال: أ ليس قد أتممت الركوع و السجود؟ قلت: بلى، قال: قد تمّت صلاتك إذا كانت نسياناً «1».

هذا كله إذا كان التذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع، و أمّا لو تذكّر قبل ذلك، سواء أ كان في حال الهوي أم قبله، وجب الرجوع و تدارك القراءة بلا إشكال كما ذكره في المتن، لما عرفت في المسألة السابقة من كونه مطابقاً للقاعدة. مضافاً إلى النص الخاص الوارد فيه كما عرفت بالنسبة إلى القراءة.

(1) هذا مبني على كفاية الدخول في المقدمات في جريان قاعدة التجاوز و عدم اعتبار الدخول في نفس الجزء المترتب على المشكوك، فيكفي الدخول في الهوي أو النهوض اللذين هما مقدمة للركوع و للقيام لو شكّ في تحقق الجزء السابق، لكنه لم يثبت، بل الأقوى عدم الكفاية كما تعرضنا له عند البحث عن القاعدة مستقلا «2» و في بعض المباحث السابقة، و سيأتي الكلام عليه في بحث الخلل إن شاء اللّٰه تعالى.

(2) هذا أيضاً مبني على كفاية الدخول في الجزء الاستحبابي في جريان قاعدة التجاوز، و عدم اختصاصه بالجزء الوجوبي، و بما أنّ الاستغفار من الأجزاء المستحبة فالدخول فيه كافٍ في الحكم بعدم الاعتناء.

______________________________
[1] الظاهر وجوب العود في هذا الفرض و فيما بعده.

______________________________
(1) الوسائل 6: 90/ أبواب القراءة في الصلاة ب 29 ح 2.

(2) مصباح الأُصول 3: 301.

490
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود ج 14 ص 491

[مسألة 11: لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث إذا لم يكن بقصد الورود]

[1563] مسألة 11: لا بأس بزيادة التسبيحات على الثلاث (1) إذا لم يكن بقصد الورود بل كان بقصد الذكر المطلق.

______________________________
و فيه أوّلًا: أنّ المبنى غير تام، فانّا لا نعقل الجزء الاستحبابي، لمنافاة الجزئية مع الاستحباب، فان مقتضى الأول الدخل في الماهية، و مقتضى الثاني عدم الدخل، فهو في نفسه لا تعقّل له كي يبحث عن كفاية الدخول فيه و عدمها، بل إنّ ما يسمى بالجزء المستحب كالقنوت فهو في الحقيقة مستحب ظرفه الواجب لا أنّه من الجزء المترتب.

و ثانياً: على تقدير التسليم و تصور الكبرى فالاستغفار ليس من هذا القبيل إذ هو لم يرد في شي‌ء من الأخبار إلّا في صحيحة عبيد المتقدمة «1» و قد عرفت فيما مرّ «2» أنّ المراد به بقرينة الذيل هو الدعاء، و الاستغفار من مصاديقه فالمأمور به هو مطلق الدعاء لا خصوص الاستغفار، و حيث قد بيّنا فيما سبق عند التعرض لكيفية التسبيح أنّ المأمور به هو كل تسبيح وارد في النصوص الصحيحة التي منها هذه الصحيحة، غايته أنّ الوجوب حينئذ تخييري لا تعييني فلو اختار العمل بهذه الصحيحة المشتملة على الدعاء و أتى بالاستغفار بهذا العنوان فهو حينئذ جزء وجوبي و إن كان تخييرياً لا أنّه جزء استحبابي و حيث إنّ الظاهر من كل واحد من النصوص مراعاة الترتيب بين أجزاء التسبيح الواردة فيها، فلو كان في الاستغفار و شك في تحقق الجزء السابق جرت قاعدة التجاوز بالنسبة إليه بناءً على جريانها في جزء الجزء كما سيجي‌ء، لكنّه من باب الدخول في الجزء الوجوبي دون الاستحبابي كما عرفت.

(1) فان التحديدات الواردة في التسبيح التي أقصاها اثنتا عشرة تسبيحة‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 107/ أبواب القراءة في الصلاة ب 42 ح 1.

(2) في ص 471.

491
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة ج 14 ص 492

[مسألة 12: إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة]

[1564] مسألة 12: إذا أتى بالتسبيحات ثلاث مرات فالأحوط أن يقصد القربة [1] و لا يقصد الوجوب و الندب حيث إنّه يحتمل أن يكون الأُولى واجبة و الأخيرتين على وجه الاستحباب، و يحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجباً، فيكون من باب التخيير بين الإتيان بالواحدة و الثلاث و يحتمل أن يكون الواجب أيّاً منها شاء مخيّراً بين الثلاث، فحيث إنّ الوجوه متعددة فالأحوط الاقتصار على قصد القربة، نعم لو اقتصر على المرّة له أن يقصد الوجوب (1).

______________________________
تكون لا بشرط بالإضافة إلى الزائد عليها إذا لم يكن بقصد الورود، فلا بأس بالزيادة على المقدار المقرّر إذا قصد بالزائد الذكر المطلق، لما دلّ على جواز الذكر و الدعاء و القرآن في الصلاة، و أنّ كل ما ذكرت به ربّك في الصلاة فهو من الصلاة.

(1) ذكر (قدس سره) أنّ مقتضى الاحتياط فيما إذا أتى بالتسبيحات ثلاثاً أن لا يقصد بها الوجوب و لا الندب، بل يقصد بها القربة المطلقة، لما تقدّم «1» من اختلاف الأقوال في ذلك، فيحتمل أن يكون المجموع من حيث المجموع واجباً من باب التخيير بين الواحدة و الثلاث، كما يحتمل أن يكون الواجب خصوص الاولى، و الأخيرتان على وجه الاستحباب، كما يحتمل أن يكون الواجب أيّاً منها شاء مخيّراً بين الثلاث، فلأجل اختلاف الوجوه و تعدّدها كان قضية الاحتياط الاقتصار على قصد القربة من دون تعرّض للوجه من الوجوب و الندب. نعم لدى الاقتصار على المرّة جاز له قصد الوجوب كما هو ظاهر، هذا.

و قد اتضح لك من جميع ما أسلفناه أنّ الواجب من بين الثلاث إنّما هو‌

______________________________
[1] لا ينبغي الإشكال في جواز قصد الوجوب في التسبيحة الأُولى.

______________________________
(1) في ص 459.

492
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في مستحبات القراءة ج 14 ص 493

[فصل في مستحبات القراءة]

فصل في مستحبات القراءة و هي أُمور (1):

الأوّل: الاستعاذة قبل الشروع في القراءة في الركعة الأُولى (2) بأن يقول: «أعوذ باللّٰه من الشيطان الرجيم»، أو يقول: «أعوذ باللّٰه السميع العليم من الشيطان الرجيم» و ينبغي أن يكون بالإخفات.

______________________________
طبيعي التسبيح الصادق على الوجود الأوّل، فإنّ الانطباق قهري و الإجزاء عقلي فلا سبيل إلى اختيار المكلف في التطبيق كما لا سبيل إلى التخيير بين الواحدة و الثلاث، لامتناع التخيير عقلًا بين الأقل و الأكثر في الوجودات المستقلّة، و ما إذا كان للأقل وجود منحاز بحياله في مقابل الأكثر كما في أمثال المقام.

و عليه فلا مناص من اتصاف التسبيحة الأُولى بالوجوب، و الأخيرتين بالاستحباب، فله قصد الوجوب بالأُولى سواء اقتصر عليها فكانت مرّة، أم أتى بها ثلاث مرات.

(1) ذكر (قدس سره) في هذا الفصل جملة من المستحبات و نحن نتعرّض للبعض منها لوضوح الباقي.

(2) كما هو المشهور المعروف، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و لم ينسب الخلاف إلّا إلى الشيخ أبي علي بن الشيخ الطوسي من القول بالوجوب «1» و على تقدير صدق النسبة فهو قول شاذ منفرد به محجوج عليه بالإجماع قبله و بعده على خلافه.

______________________________
(1) حكاه عنه في الذكرى 3: 331.

493
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في مستحبات القراءة ج 14 ص 493

الثاني: الجهر بالبسملة في الإخفاتية و كذا في الركعتين الأخيرتين (1) إن قرأ الحمد، بل و كذا في القراءة خلف الإمام [1] حتى في الجهرية، و أمّا في الجهرية فيجب الإجهار بها على الإمام و المنفرد.

______________________________
و كأنه استند فيه إلى الأمر بها في صحيحة الحلبي الظاهر في الوجوب «1».

و فيه أوّلًا: أنّ الأمر الواقع فيها غير ظاهر في الوجوب في حد نفسه، لاقترانه بجملة من المستحبات كرفع الكف و بسطها و الإتيان بتكبيرات الافتتاح و الأدعية في خلالها و غير ذلك مما يشهد بمقتضى اتحاد السياق بإرادة الاستحباب من الأمر في الجميع بمثابة يورث القطع بعدم إرادة الوجوب من هذا الأمر كما لا يخفى.

و ثانياً: مع الغض عن هذه القرائن الداخلية فالقرينة الخارجية تشهد بعدم إرادة الوجوب، فإنّ المسألة كثيرة الدوران و محل الابتلاء لكل مكلف في كل يوم، فلو كانت الاستعاذة واجبة لكانت ظاهرة واضحة و لم يقع فيها الخلاف كيف و المشهور ذهبوا إلى عدم الوجوب بل لم ينسب القول بالوجوب إلّا إلى ابن الشيخ كما عرفت، فهو محمول على الاستحباب قطعاً.

هذا، مضافاً إلى ما يظهر من بعض النصوص من عدم الوجوب كخبر فرات ابن أحنف «2»، و مرسل الصدوق «3» لكنها لضعف أسانيدها لا تصلح إلّا للتأييد. و العمدة ما عرفت من قصور المقتضي للوجوب.

(1) أمّا في الجهرية فلا إشكال في وجوب الجهر بالبسملة بعد ما عرفت من‌

______________________________
[1] جواز الجهر بالبسملة فيها فضلًا عن استحبابه لا يخلو من إشكال.

______________________________
(1) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(2) الوسائل 6: 135/ أبواب القراءة في الصلاة ب 58 ح 1.

(3) الوسائل 6: 135/ أبواب القراءة في الصلاة ب 58 ح 2، الفقيه 1: 200/ 921.

494
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في مستحبات القراءة ج 14 ص 493

..........

______________________________
جزئيتها لكل سورة كما تقدّم «1»، و أمّا فيما عداها فقد ذكر في المتن استحباب الجهر بالبسملة في مواضع ثلاثة: في الأولتين من الإخفاتية إماماً كان أو منفرداً و لا يتصوّر في المأموم لسقوط القراءة عنه و في الركعتين الأخيرتين إن اختار الحمد، و فيما إذا وجب الإخفات لعارض الائتمام كالمأموم المسبوق حتى في الجهرية.

أمّا الأوّلان فقد تقدم حكمهما «2»، و عرفت ثبوت الاستحباب في الأولتين للنصوص الكثيرة الدّالة عليه، كما عرفت الإشكال في ثبوته في الأخيرتين بعنوان أنّها من الصلاة، لعدم دليل يعتمد عليه عدا فتوى المشهور بناءً على قاعدة التسامح كما مرّ مستقصى فلاحظ.

و أمّا الأخير أعني المأموم المسبوق فلم يتقدم حكمه «3»، و الظاهر عدم مشروعية الجهر بالنسبة إليه حتى في الجهرية، فضلًا عن الاستحباب، للأمر باخفات القراءة في محل الكلام و أنّه يقرأها في نفسه في صحيحة زرارة الواردة في المأموم المسبوق، «قال ... إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين و فاتته ركعتان قرأ في كل ركعة ممّا أدرك خلف الإمام في نفسه بأُم الكتاب و سورة ...» إلخ «4».

و مقتضى الإطلاق وجوب الإخفات في جميع أجزاء القراءة التي منها البسملة و لا معارض لهذا الأمر في المقام لا خصوصاً كما هو ظاهر، و لا عموماً لانصراف إطلاقات الجهر بالبسملة إلى الركعتين الأولتين كما عرفت سابقاً.

إذن فالأحوط وجوباً لو لم يكن أقوى مراعاة الإخفات في المقام، فالقول بالجواز مشكل جدّاً فضلًا عن الاستحباب.

______________________________
(1) في ص 326.

(2) في ص 384، 389.

(3) [لم يتقدّم في المتن و إن تقدّم في الشرح في ص 390].

(4) الوسائل 8: 388/ أبواب الجماعة ب 47 ح 4.

495
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في مستحبات القراءة ج 14 ص 493

الثالث: الترتيل أي التأنّي في القراءة و تبيين الحروف على وجه يتمكن السامع من عدّها.

الرابع: تحسين الصوت بلا غناء.

الخامس: الوقف على فواصل الآيات.

السادس: ملاحظة معاني ما يقرأ و الاتعاظ بها.

السابع: أن يسأل اللّٰه عند آية النعمة أو النقمة ما يناسب كلا منها.

الثامن: السكتة بين الحمد و السورة، و كذا بعد الفراغ منها بينها و بين القنوت أو تكبير الركوع.

التاسع: أن يقول بعد قراءة سورة التوحيد: كذلك اللّٰه ربي مرّة، أو مرّتين أو ثلاث، أو كذلك اللّٰه ربنا، و أن يقول بعد فراغ الإمام من قراءة الحمد إذا كان مأموماً: الحمد للّٰه رب العالمين، بل و كذا بعد فراغ نفسه إن كان منفرداً.

العاشر: قراءة بعض السور المخصوصة في بعض الصلوات كقراءة عمّ يتساءلون، و هل أتى، و هل أتاك، و لا اقسم، و أشباهها في صلاة الصبح و قراءة سبّح اسم، و الشمس و نحوهما في الظهر و العشاء، و قراءة إذا جاء نصر اللّٰه، و ألهيكم التكاثر في العصر و المغرب، و قراءة سورة الجمعة في الركعة الأُولى، و المنافقين في الثانية في الظهر و العصر من يوم الجمعة، و كذا في صبح يوم الجمعة، أو يقرأ فيها في الأُولى الجمعة، و التوحيد في الثانية و كذا في العشاء في ليلة الجمعة يقرأ في الأُولى الجمعة، و في الثانية المنافقين و في مغربها الجمعة في الأُولى، و التوحيد في الثانية، و يستحب في كل صلاة قراءة إنا أنزلناه في الأُولى و التوحيد في الثانية، بل لو عدل عن غيرهما إليهما لما فيهما من الفضل أُعطي أجر السورة التي عدل عنها مضافاً إلى أجرهما، بل ورد

496
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في مستحبات القراءة ج 14 ص 493

أنّه لا تزكو صلاة إلّا بهما، و يستحب في صلاة الصبح من الاثنين و الخميس سورة هل أتى في الأولى، و هل أتاك في الثانية.

[مسألة 1: يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمسة]

[1565] مسألة 1: يكره ترك سورة التوحيد في جميع الفرائض الخمسة.

[مسألة 2: يكره قراءة التوحيد بنَفَس واحد]

[1566] مسألة 2: يكره قراءة التوحيد بنَفَس واحد، و كذا قراءة الحمد و السورة بنَفَس واحد.

[مسألة 3: يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين إلّا سورة التوحيد]

[1567] مسألة 3: يكره أن يقرأ سورة واحدة في الركعتين إلّا سورة التوحيد.

[مسألة 4: يجوز تكرار الآية في الفريضة و غيرها و البكاء]

[1568] مسألة 4: يجوز تكرار الآية في الفريضة و غيرها و البكاء، ففي الخبر: كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا قرأ مالك يوم الدِّين يكرِّرها حتى يكاد أن يموت. و في آخر: عن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرّجل يصلي، له أن يقرأ في الفريضة فتمرّ الآية فيها التخويف فيبكي و يردِّد الآية؟ قال (عليه السلام) يردّد القرآن ما شاء و إن جاءه البكاء فلا بأس.

[مسألة 5: يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا صلّاهما فقرأ غير الجمعة و المنافقين]

[1569] مسألة 5: يستحب إعادة الجمعة أو الظهر في يوم الجمعة إذا صلّاهما فقرأ غير الجمعة و المنافقين، أو نقل النية إلى النفل إذا كان في الأثناء و إتمام ركعتين ثم استئناف الفرض بالسورتين.

[مسألة 6: يجوز قراءة المعوّذتين في الصلاة]

[1570] مسألة 6: يجوز قراءة المعوّذتين في الصلاة، و هما من القرآن.

[مسألة 7: الحمد سبع آيات، و التوحيد أربع آيات]

[1571] مسألة 7: الحمد سبع آيات، و التوحيد أربع آيات [1] (1).

______________________________
(1) أمّا الأوّل فلا إشكال فيه كما لا خلاف. و أمّا الثاني فقيل إنّ آياته أربع بل إنّ هذا هو المعروف عند العامة بناءً على مسلكهم من عدم عدّ البسملة‌

______________________________
[1] بل هي خمس آيات عند معظم الإمامية.

497
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب بقولهإياك نعبد و إياك نستعين ج 14 ص 498

[مسألة 8: الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب بقوله: إياك نعبد و إياك نستعين]

[1572] مسألة 8: الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب بقوله إِيّٰاكَ نَعْبُدُ (1) وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ إذا قصد القرآنية أيضاً، بأن يكون قاصداً للخطاب

______________________________
جزءاً من السورة «1»، و قيل إنّها ثلاث بناءً على أنّ لم يلد و لم يولد إلى آخر السورة آية واحدة.

و الصحيح أنّ آياته خمس، بناءً على ما هو المعروف عند معظم الإمامية و هو الصواب كما تقدم «2» من أنّ البسملة جزء من كل سورة، و أنّ لم يلد و لم يولد ... إلى أحد، آيتان.

ثم إنّه لا يترتب هناك أثر مهم على تحقيق عدد الآيات لوجوب الإتيان بسورة كاملة على كل حال، عدا ما يقال من ظهور الأثر في صلاة الآيات لو أراد تقطيع السورة، و تقسيط الآيات على الركعات، فإنّه إنّما يصح لو كانت الآيات خمساً كي يأتي قبل كل ركوع بآية تامة، لاشتمال كل ركعة على خمسة ركوعات. لكنّا سنذكر في محله إن شاء اللّٰه تعالى عدم لزوم الإتيان بآية تامة لكل ركوع لعدم الدليل عليه. و إنّما اللازم قراءة بعض السورة سواء أ كانت آية كاملة أم لا. و عليه فيجوز التقطيع في سورة التوحيد مطلقاً كانت الآيات خمساً أم أقل.

نعم، ربما يظهر أثر غير مهم بالنسبة إلى الجنب و الحائض، حيث يكره لهما قراءة أكثر من سبع آيات، فيختلف الحال حينئذ في مقدار آيات التوحيد لو أراد احتسابها من السبع.

(1) قد يقال بعدم جواز الجمع بين قصد الإنشاء و قصد القرآنية، فلا يجوز إنشاء الخطاب بقوله إِيّٰاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ، و لا إنشاء الحمد بقوله الحمد للّٰه‌

______________________________
(1) المغني 1: 558، 568، بداية المجتهد 1: 126، المجموع 3: 334.

498
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب بقولهإياك نعبد و إياك نستعين ج 14 ص 498

بالقرآن، بل و كذا في سائر الآيات، فيجوز إنشاء الحمد بقوله الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و إنشاء المدح في الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، و إنشاء طلب الهداية في اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ، و لا ينافي قصد القرآنية مع ذلك.

______________________________
ربّ العالمين، و لا إنشاء الدعاء و طلب الهداية في قوله اهْدِنَا الصِّرٰاطَ الْمُسْتَقِيمَ و هكذا، للزوم استعمال اللفظ المشترك في معنيين، فانّ قصد القرآنية يتقوّم باستعمال اللفظ في شخص الألفاظ التي نزل بها الروح الأمين على قلب سيد المرسلين (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم)، إذ القرآن عبارة عن ذاك الفرد المعيّن النازل، فقصده لا يتحقق إلّا بالاستعمال في شخص ذاك الفرد من اللفظ، فهو من باب استعمال اللفظ في اللفظ كما في قولك: زيد في ضرب زيد فاعل، فانّ المستعمل فيه لكلمة زيد الأوّل هو لفظ زيد الواقع بعد ضرب، و لم يستعمل في معناه، و إلّا فهو باعتباره مبتدأ لا فاعل، و قصد الإنشاء بها يتقوّم بالاستعمال في نفس المعنى كما لا يخفى، فيلزم الجمع بين استعمال اللفظ في المعنى و اللفظ، و هو ما عرفت من استعمال المشترك في معنيين.

و يندفع: بأنّ قصد القرآنية خارج عن باب الاستعمال رأساً، و إنّما هو حكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد المماثل لما هو النازل.

و توضيحه: أنّ قوام القرآن و ما يترتب عليه من الفصاحة و البلاغة و الإعجاز كغيره من قصيدة أو شعر أو نثر إنّما هو بطبيعي تلك الألفاظ المترتبة على هيئة معيّنة و شكل خاص. و أمّا شخص الفرد النازل أو الصادر من الشاعر أو الخطيب فلا دخالة له في صدق هذا العنوان بالضرورة. نعم، النازل أو الصادر إنّما هو الفرد و الشخص الخاص، لامتناع وجود الطبيعي في الخارج إلّا في ضمن فرد معيّن، إلّا أنّ المناط بالطبيعي الموجود في ضمنه، و أمّا خصوصية الفرد الذي يوجد و ينصرم فلا دخل لها في صدق القرآن أو الشعر و نحوهما قطعاً، فلا‌

499
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8الأقوى جواز قصد إنشاء الخطاب بقولهإياك نعبد و إياك نستعين ج 14 ص 498

..........

______________________________
مقتضي لاستعمال اللفظ فيه.

و عليه فقصد ذاك العنوان في مقام التلفظ مرجعه إلى الحكاية عن ذاك الطبيعي بإيجاد فرد آخر مشابه للفرد الأوّل الذي نزل على قلب النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم)، أو صدر عن الشاعر أو المتكلم، فكما أنّ قراءة شعر المتنبّي أو قصيدة امرئ القيس عبارة عن إيجاد فرد من تلك الألفاظ المنسّقة على النهج الخاص المماثل لما صدر منه بقصد الحكاية عن الطبيعي، فكذا في القرآن.

و نظير المقام ما لو سألك أحد عن العصفور مثلًا و أنّه أيّ شي‌ء، و لم يره طيلة عمره، فأخذت عصفوراً بيدك و أريته و قلت هذا العصفور، فإنّك قصدت بذلك إراءة الطبيعي الذي وضع له هذا اللفظ باراءة هذا الفرد، فقد حكيت عن الطبيعي باراءة المصداق، لا أنّ لفظ العصفور موضوع لفرد معيّن و قد أريته باراءة هذا الفرد.

و على الجملة: فلا نعقل لقصد القرآنية معنى آخر وراء هذا، و ليس ذلك من استعمال اللفظ في اللفظ لعدم خصوصية فيه، و إنّما هو حكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد المماثل كما عرفت، هذا.

و من المعلوم أنّ الحكاية عن ذاك الطبيعي بالإضافة إلى قصد المعنى من خبر أو إنشاء تكون لا بشرط، سواء فسّرنا الإنشاء بإيجاد المعنى باللفظ كما عليه القوم، أو بمعنى آخر، إذ لم تتقيد بعدمه بالضرورة، فإذا اقترنت الحكاية المزبورة بقصد المعنى كان هناك استعمال للفظ في معناه زائداً على الحكاية، و إلّا فهي حكاية صرفة و ليست من الاستعمال في شي‌ء.

و عليه فلا مانع من أداء المقاصد بالحكاية عن القرآن كغيره من شعر و نحوه سواء أ كانت خبرية كما لو أردت الاخبار عن مجي‌ء رجل من أقصى البلد فقلت جاء رجل من أقصى المدينة، أم كانت إنشائية كما لو أردت إنشاء الحمد أو‌

500
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9قد مر أنه يجب كون القراءة و سائر الأذكار حال الاستقرار ج 14 ص 501

[مسألة 9: قد مرّ أنّه يجب كون القراءة و سائر الأذكار حال الاستقرار]

[1573] مسألة 9: قد مرّ أنّه يجب كون القراءة و سائر الأذكار حال الاستقرار (1)، فلو أراد حال القراءة التقدم أو التأخر قليلًا، أو الحركة إلى أحد الجانبين، أو أن ينحني لأخذ شي‌ء من الأرض أو نحو ذلك، يجب أن يسكت حال الحركة و بعد الاستقرار يشرع في قراءته، لكن مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين لا يضر، و إن كان الأولى بل الأحوط تركه أيضاً.

______________________________
الخطاب بقولك: الحمد للّٰه ربّ العالمين أو إيّاك نعبد، و هكذا.

فظهر لك بما سردناه بوضوح: أنّ الجمع بين الأمرين ليس من ضم استعمالين في استعمال واحد، كي يلزم استعمال اللفظ المشترك في معنيين، و إنّما هو استعمال واحد في المعنى فقط، مقترناً بالحكاية عن الطبيعي بإيجاد الفرد المماثل التي هي خارجة عن باب الاستعمال رأساً كما عرفت بما لا مزيد عليه. على أنّ بطلان الاستعمال المزبور و إن كان هو المشهور إلّا أنّ الحق جوازه كما بيّناه في الأُصول «1» هذا.

و يؤيد ما ذكرناه: أنّ قصد المعاني يعدّ من كمال القراءة، و قد أُمرنا بتلاوة القرآن عن تدبر و خشوع و تضرع و خضوع و حضور للقلب المستلزم لذلك لا محالة، و إلّا فمجرد الألفاظ العارية عن قصد تلك المعاني، أو المشتملة على مجرّد التصور و الخطور لا يخرج عن مجرّد لقلقة اللسان المنافي لكمال قراءة القرآن.

(1) بمعنى السكون في مقابل الحركة و المشي، و قد عرفت «2» أنّ المستند فيه موثقة السكوني «3» الآمرة بالكف عن القراءة لو أراد التقدم أو التأخر قليلًا كالخطوة مثلًا، أو الانحناء لأخذ شي‌ء من الأرض، فالواجب عليه حينئذ‌

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 1: 205.

(2) في ص 113، 256.

(3) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

501
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10إذا سمع اسم النبيصلى الله عليه و آله و سلم في أثناء القراءة ج 14 ص 502

[مسألة 10: إذا سمع اسم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في أثناء القراءة]

[1574] مسألة 10: إذا سمع اسم النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في أثناء القراءة يجوز بل يستحب أن يصلّي عليه (1)، و لا ينافي الموالاة (2) كما في سائر مواضع الصلاة، كما أنّه إذا سلّم عليه مَن يجب ردّ سلامه يجب و لا ينافي.

[مسألة 11: إذا تحرّك حال القراءة قهراً بحيث خرج عن الاستقرار]

[1575] مسألة 11: إذا تحرّك حال القراءة قهراً بحيث خرج عن الاستقرار فالأحوط إعادة ما قرأه [1] في تلك الحالة (3).

______________________________
الإمساك عن القراءة، و بعد الاستقرار يسترسل فيها من حيث أمسك كما تضمنته الموثقة.

و أمّا الاستقرار بمعنى الاطمئنان في مقابل الاضطراب، فقد عرفت «1» أنّ العمدة في مستنده الإجماع، و حيث إنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه. و عليه فلا يضر مثل تحريك اليد أو أصابع الرجلين حال القراءة أو الإشارة بتحريك الرأس خفضاً أو رفعاً في مقام الجواب ب‍ «لا» أو «نعم» مثلًا، لعدم إطلاق للإجماع يعمّ أمثال ذلك كما هو ظاهر.

(1) لعموم صحيح زرارة «و صلّ على النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك» إلخ «2».

(2) أي المعتبرة بين الآيات، و أمّا المعتبرة بين الكلمات المترابطة من الآية الواحدة، فربما تفوت بذلك و لا سيّما مع التكرار مرات عديدة و لا بدّ حينئذٍ من تداركها.

(3) احتاط (قدس سره) حينئذ بإعادة ما قرأه في تلك الحالة، و كأنه استناداً إلى إطلاق ما دلّ على اعتبار الاستقرار حالها الشامل لصورتي الاختيار و الاضطرار.

______________________________
[1] لا بأس بتركه.

______________________________
(1) في ص 115.

(2) الوسائل 5: 451/ أبواب الأذان و الإقامة ب 42 ح 1.

502
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز ج 14 ص 503

[مسألة 12: إذا شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز]

[1576] مسألة 12: إذا شكّ في صحّة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز [1] و يجوز بقصد الاحتياط مع التجاوز، و لا بأس بتكرارها مع تكرّر الشك ما لم يكن عن وسوسة (1).

______________________________
و فيه: أنّ الدليل المزبور لو كان لفظياً اتجه ما أُفيد، لكنك عرفت أنّه لبي و هو الإجماع على اعتبار الاطمئنان في القراءة، و المتيقن منه حال الاختيار، فلم ينهض دليل على اعتباره حال الاضطرار، و مع الشك فالمرجع أصالة البراءة كما هو الشأن في باب الأقل و الأكثر الارتباطي، فالأقوى عدم وجوب الإعادة حينئذ و إن كانت أحوط.

(1) قد ذكرنا في محله عند التكلم حول قاعدة الفراغ و التجاوز أنّه إذا شكّ في شي‌ء فالمشكوك فيه إمّا أن يكون أصل وجود الشي‌ء أو صحته بعد العلم بوجوده، و على التقديرين لا ريب في عدم الاعتناء مع التجاوز عنه للنصوص الخاصة المعتبرة الحاكمة على الاستصحاب.

غير أنّ صدق التجاوز يختلف في الموردين.

فعلى الأوّل، يراد به التجاوز عن محله، لا عن نفس المشكوك للشك في أصل تحققه حسب الفرض فكيف يحرز التجاوز عنه، و من الواضح أنّ التجاوز عن المحل لا يكاد يتحقق إلّا بالدخول في الجزء المترتب عليه، و من هنا يعتبر الدخول في الغير في جريان قاعدة التجاوز كما نطقت به الصحيحة «إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» «1».

و أمّا على الثاني، فيراد به التجاوز عن نفس الشي‌ء المتحقق بمجرّد الفراغ عنه و من هنا حكمنا بعدم اعتبار الدخول في الغير في جريان قاعدة الفراغ لعدم‌

______________________________
[1] بأن كان الشك أثناء القراءة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل ب 23 ح 1.

503
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز ج 14 ص 503

..........

______________________________
المقتضي للاعتبار بعد صدق التجاوز بدون ذلك كما عرفت، و إليه يشير ما في بعض نصوص الباب من قوله: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» «1».

و على الجملة: إذا كان المشكوك أصل الوجود فهو مورد لقاعدة التجاوز و إذا كان صحته فهو مورد لقاعدة الفراغ، و يعتبر فيهما التجاوز عن المشكوك إلّا أنّ صدقه في الأوّل يتوقف على الدخول في الغير دون الثاني.

ثم إنّ قاعدة الفراغ لا يختص جريانها بما بعد الفراغ عن مجموع العمل المركّب بل يجري في الأثناء أيضاً كقاعدة التجاوز لإطلاق الأدلّة، فلو شكّ في الأثناء في وجود الجزء السابق أو في صحته جرت القاعدتان و حكم بعدم الاعتناء، إنّما الكلام في أنّه هل يختص بالأجزاء المستقلّة كالقراءة و الركوع و السجود و نحوها أو يعمّ أجزاء الأجزاء كأبعاض القراءة من الفاتحة و السورة، و ما تشتملان عليه من الآيات و الكلمات.

اختار شيخنا الأُستاذ (قدس سره) الأوّل، نظراً إلى أنّها المذكورة في صحيحة زرارة المتقدمة «2» فيقتصر عليها، إذ لا دليل على التعدِّي «3».

لكن الظاهر أنّ المذكورات من باب المثال حيث أكثر زرارة في السؤال، فسأله أوّلًا عمّن شكّ في الأذان و هو في الإقامة، ثم عن الشك في التكبير، ثم القراءة ثم الركوع، ثم السجود، فأراد الإمام (عليه السلام) قطع أسئلته فأعطاه ضابطة كلية فقال (عليه السلام) في ذيلها كما تقدّم «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» و هذا بإطلاقه يعمّ جميع موارد الشك حتى في جزء الجزء كما لا يخفى، فيشمل ما لو شكّ في الفاتحة و هو في السورة بل لو شكّ في آية و هو في آية أُخرى، كما أنّ الصحيحة الأُخرى المتقدمة المتعرضة‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل ب 23 ح 3.

(2) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل ب 23 ح 1.

(3) أجود التقريرات 2: 473 475.

504
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا شك في صحة قراءة آية أو كلمة يجب إعادتها إذا لم يتجاوز ج 14 ص 503

و معه يشكل الصحة إذا أعاد [1] (1).

______________________________
لقاعدة الفراغ تعمّ بإطلاقها ذلك أيضاً. إذن فلا اختصاص للقاعدتين بالأجزاء الأصلية المستقلة، بل تعم غيرها.

نعم، الظاهر أنّه لا مسرح لهما بالإضافة إلى الكلمات فضلًا عن الحروف فلو شكّ عند قوله نستعين أنّه هل أتى بكلمة إياك أو لا، أو أنّه أتى بها صحيحة أو لا، لزمه الاعتناء، فإنّ إطلاق النص و إن لم يأب عن الشمول له كما عرفت، إلّا أنّ الفهم العرفي لا يساعد عليه، فانّ الجملة أو الآية المؤلّفة من عدة كلمات يعدّ في نظرهم موجوداً واحداً، فالشك فيها شك في أثناء شي‌ء واحد لا بعد التجاوز أو الفراغ، و إن كان بحسب التدقيق كذلك، لكن العرف لا يساعد عليه. و أوضح حالًا ما لو شكّ في حروف الكلمة الواحدة كهمزة (إيّاك) عند التلفّظ بالكاف، فانّ عدم المساعدة حينئذ أظهر.

و من جميع ما ذكرناه يظهر: أنّ ما أفاده في المتن من التعميم عند الشك في الصحة للكلمة لا يمكن المساعدة عليه، كما أنّ قوله «إذا لم يتجاوز» المعلّق عليه وجوب الإعادة، يفسّر على مسلكنا بعدم الفراغ لا بعدم الدخول في الغير لما عرفت من عدم اعتباره في جريان قاعدة الفراغ التي هي المفروض في هذه المسألة، لكون الشك في الصحة لا في الوجود، و إن كان الظاهر من مسلكه الثاني لاعتباره الدخول في الغير حتى في جريان قاعدة الفراغ كما يظهر من حكمه في نظائر المقام.

(1) لا ريب في جواز الإعادة بقصد الاحتياط مع التجاوز، فان العمل و إن كان معه محكوماً بالصحة ظاهراً، لكن الاحتياط لإدراك الواقع حسن على كل‌

______________________________
[1] لا يبعد الحكم بالصحة.

505
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرة في التسبيحات الأربعة ج 14 ص 506

[مسألة 13: في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرّة في التسبيحات الأربعة]

[1577] مسألة 13: في ضيق الوقت يجب الاقتصار على المرّة في التسبيحات الأربعة.

[مسألة 14: يجوز في إياك نعبد و إياك نستعين القراءة بإشباع كسر الهمزة و بلا إشباعه]

[1578] مسألة 14: يجوز في إياك نعبد و إياك نستعين القراءة بإشباع كسر الهمزة و بلا إشباعه.

[مسألة 15: إذا شكّ في حركة كلمة أو مخرج حروفها]

[1579] مسألة 15: إذا شكّ في حركة كلمة أو مخرج حروفها لا يجوز أن يقرأ بالوجهين مع فرض العلم ببطلان أحدهما، بل مع الشك أيضاً كما مرّ [1]، لكن لو اختار أحد الوجهين مع البناء على إعادة الصلاة لو كان باطلًا لا بأس به.

______________________________
حال، بل لا بأس بتكرارها مع تكرر الشك ما لم يكن عن وسوسة، للنهي عن العمل على مقتضى الوسواس المحرّم عند المشهور.

و هل يحكم بالبطلان لو ارتكب الحرام؟ استشكل فيه في المتن، لكن الأقوى الصحة كما مرّ غير مرّة من أنّ القراءة المحرّمة لا تخرج بذلك عن كونها قرآناً غايته أنّه قرآن محرّم فلا تندرج في كلام الآدمي كي يستوجب البطلان.

و الحاصل: أنّ الاستشكال في الصحة إمّا من أجل صدق الزيادة العمدية المبطلة، و هو منفي بعد فرض الإتيان بقصد الرجاء و الاحتياط دون الجزئية و إلّا لحكم بالبطلان حتى في غير الوسواس، و إن كان من جهة الحرمة فهي بمجرّدها لا تقتضي البطلان ما لم ينطبق عليها كلام الآدمي، و القرآن أو الذكر أو الدعاء بحرمتها لا تندرج في ذلك، بل هي بعد قرآن غايته أنّه قرآن محرّم.

______________________________
[1] و قد مرّ ما في إطلاقه [في المسألة 1551].

506
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16الأحوط فيما يجب قراءته جهرا أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات ج 14 ص 507

[مسألة 16: الأحوط فيما يجب قراءته جهراً أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات]

[1580] مسألة 16: الأحوط [1] فيما يجب قراءته جهراً أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات حتى أواخر الآيات بل جميع حروفها (1)، و إن كان لا يبعد اغتفار الإخفات في الكلمة الأخيرة من الآية فضلًا عن حرف آخرها (2).

______________________________
(1) لإطلاق دليل الجهر الشامل لجميع أجزاء القراءة.

(2) لكنه غير واضح، فانّ المستند فيه إمّا دعوى صدق الجهر عرفاً لو اتصف معظم الأجزاء به، فلا يضر الإخفات في الكلمة الواحدة.

و يردّها: أنّ الصدق المزبور مبني على المساهلة و المسامحة قطعاً، و لا دليل على حجية الصدق العرفي المبني على ذلك بعد وضوح المفهوم الذي تعلّق به الأمر. على أنّه لو سلّم فلا وجه للتخصيص بآخر الآية، بل يعمّ الأوّل و الوسط لصدق الجهر بالمعظم في الجميع.

و إمّا دعوى قيام التعارف الخارجي على أنّ المتكلم أو الخطيب يخفت غالباً عند أداء الكلمة الأخيرة، و الأمر بالجهر بالقراءة منصرف إلى ما هو المتعارف في كيفية الإجهار. و هذه الدعوى و إن لم تكن بعيدة في الجملة، إلّا أنّ كون التعارف بمثابة يوجب الانصراف بحيث تتقيد به إطلاقات الجهر مشكل بل ممنوع و إلّا جرى مثله في القراءة الإخفاتية، فانّ التعارف أيضاً قائم على عدم قدح الجهر في الكلمة الواحدة من الكلام الإخفاتي، و هل يمكن الالتزام باغتفار الجهر حتى في كلمة واحدة من القراءة الإخفاتية؟ فالأقوى عدم الاغتفار مطلقاً و اللّٰه سبحانه أعلم.

______________________________
[1] بل الأظهر ذلك.

507
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16الأحوط فيما يجب قراءته جهرا أن يحافظ على الإجهار في جميع الكلمات ج 14 ص 507

..........
______________________________
هذا ما أردنا إيراده في هذا الجزء، و يتلوه الجزء الرابع مبتدءاً ب‍ «فصل: في الركوع»، و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً و ظاهراً و باطناً، و صلّى اللّٰه على محمّد و آله الطاهرين، و كان الفراغ في السلخ من شهر رجب المرجّب سنة ألف و ثلاثمائة و ثمانين من الهجرة النبوية (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في جوار القبّة العلويّة (عليه السلام) في النجف الأشرف، و قد حرّره بيمناه الداثرة مرتضى بن علي محمّد البروجردي أصلًا، و النجفي مولداً و مسكناً و مدفناً إن شاء اللّٰه تعالى.

508