×
☰ فهرست و مشخصات
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

الجزء الرابع عشر‌

[تتمة كتاب الصلاة]

[فصل في واجبات الصلاة و أركانها]

فصل [في واجبات الصلاة و أركانها]واجبات الصّلاة أحد عشر: النيّة و القيام و تكبيرة الإحرام و الركوع و السجود و القراءة و الذِّكر و التشهّد و السّلام و الترتيب و الموالاة (1).

______________________________
 (1) لا ريب في أنّ الصلاة مؤلّفة من عدة أُمور و قيود وجوديّة و عدميّة، فما كان معتبراً فيها قيداً و تقيّداً يعبّر عنه بالجزء، و ما كان التقيّد به معتبراً دون القيد فهو الشرط، ثم الثاني إن كان معتبراً في تمام حالات الصلاة حتى الآنات المتخللة بين الأجزاء كالطهارة و الاستقبال و الستر يعبّر عنها بشرائط الصلاة و مقدّماتها و قد مرّ البحث حولها سابقاً، و ما كان معتبراً في نفس الأجزاء دون الآنات المتخللة بينها يعبّر عنها بشرائط الأجزاء، سواء أ كانت معتبرة في تمام الأجزاء بالأسر كالترتيب و الموالاة و الطمأنينة، أم في بعضها كالقيام حال القراءة و الجلوس حال التشهد و نحوهما.و ممّا ذكرنا من ضابط الفرق بين الجزء و الشرط يظهر أنّ عدّ النيّة من الأجزاء‌

1
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........

______________________________
كما صنعه الماتن «1» و المحقق «2» و غيرهما في غير محلّه، لعدم تركب الماهيّة منها، و عدم دخلها في حقيقة الصلاة، بل هي إمّا شرط، أو لا جزء و لا شرط كما ستعرف.

كما أنّ عدّ الترتيب و الموالاة منها غير وجيه أيضاً، فإنّهما كما عرفت من شرائط الأجزاء لا أنهما برأسهما جزءان مستقلان في قبال الباقي، و لذا أهملهما المحقق في الشرائع، و إن أهمل الذكر أيضاً و عدّ الأجزاء ثمانية، و لعلّه من أجل أنّ الذكر من واجبات الركوع و السجود فليس جزءاً في قبالهما.

ثم إنّه كان على الماتن و غيره من الفقهاء عدّ الجلوس بين السجدتين أيضاً من الأجزاء، فإنّه معتبر في حدّ نفسه و بحياله في الصلاة قبال بقية الأجزاء و ليس اعتباره من أجل تحقق التعدّد بين السجدتين، ضرورة تقوّمها بمجرّد وضع الجبهة على الأرض، و لا يناط صدق التعدد بتخلل الجلوس بينهما قطعاً فلو سجد و بعد رفع الرأس سجد ثانياً من دون جلوس في البين صدق عنوان السجدتين بلا ارتياب.و قد اتضح من جميع ما ذكرناه: أنّ أجزاء الصلاة تسعة بإسقاط النيّة فإنّها شرط كما ستعرف، و كذا الترتيب و الموالاة فإنّهما من شرائط الأجزاء لا من أجزاء الصلاة كما عرفت، و بإضافة الجلوس بين السجدتين، بل و كذا الجلوس بعدهما المعبّر عنه بجلسة الاستراحة، بناءً على وجوبها كما لعلّه المعروف، و إن كان الأقوى عدم الوجوب.

______________________________
 (1) حيث جعلها في سياق سائر الأجزاء بعد فراغه عن البحث عن الشرائط. إلّا أن يُقال: إنّه (قدس سره) بصدد بيان واجبات الصلاة الأعم من الأجزاء و الشرائط القائمة بها كما قد يظهر من ملاحظة ما ذكره في نظائر المقام، مثل واجبات الركوع و واجبات السجود و نحوهما، فإنّها أيضاً من هذا النمط، و منه يظهر الحال في الترتيب و الموالاة.

(2) الشرائع 1: 95.

2
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

و الخمسة الأُولى أركان (1) بمعنى أنّ زيادتها و نقيصتها عمداً و سهواً موجبة للبطلان [1].



 (1) أمّا النيّة: فليست بجزء كما مرّت الإشارة إليه، فلا يحسن عدّها من الأجزاء الركنية.و أمّا القيام: فالواجب منه في الصلاة ثلاثة: القيام حال تكبيرة الإحرام و القيام المتصل بالركوع، و القيام بعد رفع الرأس عنه، لكن الأوّل من شرائط التكبير لا أنّه جزء مستقل في قباله، كما أنّ الثاني من مقوّمات الركوع، إذ هو ليس مجرّد الانحناء الخاص بل ما كان عن قيام، و منه قولهم: شجرة راكعة، أي منحنية بعد ما كانت قائمة، فليس هو أيضاً جزءاً مستقلا، نعم القيام بعد الركوع جزء مستقل لكنه ليس بركني، لعدم بطلان الصلاة بنقصه السهوي كما لا يخفى.و أمّا تكبيرة الإحرام: فالمشهور بطلان الصلاة بالإخلال بها زيادة أو نقيصة عمداً أو سهواً، و من هنا عدّوها من الأركان، لكن الأقوى عدم البطلان بالزيادة السهوية لعدم الدليل عليه، كما سيجي‌ء التعرض له في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى «1» إلّا أنّ ذلك لا يقدح في عدّها من الأركان، فإنّ المدار في صدق هذا العنوان بما أوجب نقصه البطلان حتى سهواً كما هو المناسب لمعناه اللغوي، سواء أ كانت الزيادة أيضاً كذلك أم لا، فانّ مفهوم الركن متقوّم بما يعتمد عليه الشي‌ء بحيث يوجب فقده زوال ذلك الشي‌ء، و أمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا مدخل له في صدق هذا المفهوم، و لم يرد لفظ الركن في شي‌ء من الأخبار، و إنّما هو مجرّد‌



 [1] الأقوى أنّ زيادة تكبيرة الإحرام سهواً لا توجب البطلان.



 (1) في ص 95.

3
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

لكن لا تتصوّر الزيادة في النيّة (1) بناءً على الداعي، و بناءً على الإخطار غير قادحة. و البقيّة واجبات غير ركنية فزيادتها و نقصها عمداً موجب للبطلان لا سهواً.



اصطلاح متداول في ألسنة الفقهاء.و بما أنّ نقص التكبيرة حتى سهواً يوجب البطلان فبهذا الاعتبار يصح عدّه من الأركان.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ الأجزاء الركنية ثلاثة: الركوع و السجود، فإنّ الإخلال بهما نقصاً أو زيادة، عمداً أو سهواً يوجب البطلان بلا إشكال، و ثالثهما تكبيرة الإحرام بناءً على تفسير الركن بما عرفت كما هو الصحيح.

(1) فإنّه بناءً على تفسيرها بالداعي فلا ريب أنّه مستمر إلى آخر العمل فلا تتحقّق معه الزيادة، و بناءً على تفسيرها بالإخطار فهي غير قادحة بالضرورة كما نبّه عليه في المتن.

لكن كان ينبغي له أن يلحق القيام بالنية، فإنّه مثلها في عدم تصوّر الزيادة أما القيام حال تكبيرة الإحرام، فلأنّ زيادته إنّما تكون بزيادة التكبير الّذي هو من الأركان، فلا يكون البطلان مستنداً إلى خصوص القيام، و كذلك القيام المتصل بالركوع حيث إنّ زيادته أيضاً لا تمكن إلّا بزيادة الركوع، فلا يكون الإخلال إلّا به لا غير، بل هذا لا تتصور فيه النقيصة أيضاً إلا بنقص الركوع لتقوّمه بكونه هويّاً عن القيام كما مرّ. نعم، يتصوّر النقص في القيام حال التكبير لإمكان التكبير جالساً كما يتصوّر في النيّة و هو ظاهر.

و أمّا الزيادة و النقيصة في تكبيرة الإحرام، فهما و إن كانا متصوّرين فيها إلّا أنّ الأقوى كما عرفت عدم بطلان الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام سهواً. و عليه‌

4
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........



فلا تكون التكبيرة من الأركان بالمعنى المصطلح، و هو ما تكون زيادته و نقيصته عمداً و سهواً موجباً للبطلان. نعم، هو ركن بالمعنى اللغوي، و هو ما يوجب نقصه البطلان و لو سهواً. و أمّا الإخلال من حيث الزيادة فلا دخل له في كونه ركناً إلّا من جهة الاصطلاح، و حيث إنّ كلمة الركن لم ترد في آية و لا رواية فلا مانع من عدّ التكبيرة ركناً بلحاظ المعنى اللغوي.ثم إنّه قد مرّت عليك في مطاوي كلماتنا «1» الإشارة إلى اختلاف القوم في أن النيّة هل أُخذت جزءاً في الصلاة أو شرطاً أو لا هذا و لا ذاك، بل لها دخل في تحقّق المصلحة المقتضية للصلاة؟فنقول: لا إشكال و لا خلاف في اعتبار النيّة في الصلاة، و أنّه لا بدّ من إتيان أجزائها بداعي القربة، فلو أتى بها من غير قصد أو بقصد الرياء تكون الصلاة باطلة.و يدلّنا على ذلك: قوله تعالى وَ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِذِكْرِي «2» و قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ «3» و غيرهما من الآيات و الأخبار.و إنّما النزاع في أنّه هل أُخذت النيّة مضافاً إلى ذلك بحيالها في قبال سائر الأجزاء، بحيث يعتبر فيها جميع ما يعتبر في غيرها من الوقت و الاستقبال و الطهارة و نحوها، و يكون موطنها قبل تكبيرة الإحرام أو لا؟الحق عدم اعتبار ذلك لعدم الدليل عليه، فانّ ما ادعي من الإجماع بل الضرورة على اعتبار النيّة في الصلاة و غيرها من سائر العبادات، المتيقن منه هو أن لا يكون شي‌ء منها بغير داعي القربة، و أما اعتبارها في حدّ نفسها قبل‌



 (1) في ص 1.

(2) طٰه 20: 14.

(3) الكوثر 108: 2.

5
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........



العمل فلا دليل عليه، و إلّا كان اللازم جواز الاكتفاء بها و إن لم يأت بالأجزاء بداعي القربة. على أنّ الدليل قام على خلافه، حيث دلّ على أنّ أوّل الصلاة التكبير، و آخرها التسليم. فاحتمال الجزئية ساقط جزماً.و قد يقال: بسقوط الشرطية أيضاً، بتقريب أنّه لا ريب في صحة قولنا: أردت الصلاة فصليت، بلا عناية و لا تجوّز، و معه لا يمكن أن تكون النيّة مأخوذة لا جزءاً و لا شرطاً، لا في المسمى و لا في المأمور به، إذ على الأوّل يلزم اتحاد العارض و المعروض على الجزئية، و تقدم الشرط على نفسه على الشرطية. و على الثاني بما أنّ الإرادة ليست باختيارية يمتنع تعلّق الأمر بما لا يكون اختيارياً، سواء أ كان لعدم اختيارية جزئه، أم لعدم اختيارية شرطه. نعم، هي دخيلة في المصلحة و بذلك تمتاز الصلاة عن التوصلي.و لكنّه بمعزل عن التحقيق، أمّا أوّلًا: فلأنه خلط بين الإرادة بمعنى الشوق، و الإرادة بمعنى الاختيار، فإنّ الأول أمر غير اختياري، و هو ما يلائم الطبع من القوى الظاهرية أو الباطنية في قبال الكراهة التي هي ما ينافي الذوق كذلك، فانّ هذا ليس أمراً اختيارياً. و أما الثاني و هو طلب الخير، فهو و إن كانت مقدماته غير اختيارية إلّا أنّ نفسه اختياري و اختياريته بنفسه، و إلّا لزم الدور و التسلسل. و هكذا الحال في المشيئة في المبدأ الأعلى، فإنّ الأفعال الصادرة منه تعالى تكون بمشيئته، و أمّا نفس المشيئة فهي بنفسها. و قد بيّنا تفصيل الكلام حول ذلك في الأُصول في مبحث الطلب و الإرادة «1» و الأغلب في الاستعمال إنما هو المعنى الثاني أي طلب الخير دون الأوّل كما لا يخفى.و أمّا ثانياً: فلو سلّمنا أنّ الاختيار أيضاً غير اختياري، إلّا أنّ الممنوع إنما هو عدم اختيارية الجزء، و أمّا التقييد بأمر غير اختياري الذي هو معنى الشرط‌



 (1) محاضرات في أُصول الفقه 2: 36.

6
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في واجبات الصلاة و أركانها ج 14 ص 1

..........



فلا مانع منه «1» أ لا ترى أنّ الوقت و عدم الحيض و القبلة و نحوها أُمور غير اختيارية، و مع ذلك قد اشترط الصلاة بكل من ذلك، فإنّ إيقاع الصلاة في تلك الحالات أمر اختياري، فنفس الإرادة بمعنى الاختيار و إن فرض أنها أمر غير اختياري، إلّا أنّ إيقاع الصلاة عن إرادة و اشتراطها بذلك حيث إنه أمر اختياري، فلا مانع من أخذها شرطاً.و أمّا ثالثاً: فلأنّ هذا التقريب أجنبي عن المقام بالكلية، و ذلك لأنّ النيّة تطلق في مقامين.أحدهما: القصد إلى الفعل و العزم عليه، و هذا يشترك فيه العبادي و التوصلي فإنّه لا بدّ في كون الشي‌ء مصداقاً للواجب من أن يكون مقصوداً، و إلّا لم يكن مصداقاً للمأمور به. نعم، يمكن أن يدل الدليل على حصول الغرض و سقوط الواجب بذلك و هو أمر آخر. و البحث عن أنّ الإرادة اختيارية أو غير اختيارية إنما يتم على هذا المعنى.ثانيهما: الإتيان بالفعل بداعي الأمر و الانبعاث عن قصد التقرب، و هذا هو محل الكلام في أنه جزء أو شرط، و هو لا إشكال في كونه اختيارياً كما لا يخفى، سواء أقلنا بأنّ الإرادة أمر اختياري أو غير اختياري، و سواء أقلنا إنّ الشرط أمر اختياري أم لا، فانّ كل ذلك أجنبي عن المقام.فالحق أنّ النيّة إنما اعتبرت في الصلاة على نحو الشرطية لا غير.



 (1) هذا إنّما يتجه في شرط الوجوب لا الواجب كالنيّة في المقام، فانّ التقيد به داخل تحت الطلب كنفس الجزء، و ما كان كذلك لا بدّ و أن يكون القيد اختيارياً، كما صرّح (دام ظلّه) بذلك في مطاوي ما تقدّم من مباحث اللباس المشكوك [شرح العروة 12: 216].

7
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في النية ج 14 ص 8

[فصل في النيّة]

فصل في النيّة و هي القصد إلى الفعل بعنوان الامتثال و القربة (1)، و يكفي فيها الداعي القلبي، و لا يعتبر فيها الاخطار بالبال و لا التلفّظ، فحال الصلاة و سائر العبادات حال سائر الأعمال و الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و القيام و القعود و نحوها من حيث النيّة، نعم تزيد عليها باعتبار القربة فيها، بأن يكون الداعي و المحرّك هو الامتثال و القربة، و لغايات الامتثال درجات:



 (1) قد عرفت فيما مضى أنّ النيّة إنّما أُخذت في الصلاة على نحو الشرطية دون الجزئية، و عليه فيكفي فيها الداعي القلبي، بأن يكون إتيانه لها بداعي القربة و قصد الانبعاث عن الأمر، من دون فرق بين أوّل الصلاة و آخرها.و أمّا إخطار صورة الفعل في أُفق النفس و لو إجمالًا، و إحضارها في الذهن قبل الصلاة، ثمّ استمرارها حكماً كما عليه جمع، فلا دليل على ذلك بوجه.كما لا يلزم التلفظ بها، بل هو مكروه و موجب لإعادة الإقامة.و توهم أنّه مما يرجع إلى الصلاة، و قد دلّ الدليل على عدم قدح مثل هذا التكلّم، مدفوع بأنّ الدليل مختص بما يرجع إلى الجماعة من جهة تسوية الصفوف و نحوها، و إلّا كان اللازم عدم الكراهة بعد الإقامة بمثل قوله: لا تتكلّم معي فإنّي أُريد أن أُصلي، من جهة أوله إلى الصلاة و كونه من شؤونها، و هو كما ترى. فعموم كراهة التكلم بعد الإقامة شامل لمثل التلفظ بالنية.و كيف ما كان، فلا ينبغي الإشكال في كفاية الداعي القلبي و إتيان الصلاة بداعي القربة، و للقربة مراتب و درجات حسبما أشار إليها في المتن.

8
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في النية ج 14 ص 8

أحدها: و هو أعلاها (1) أن يقصد امتثال أمر اللّٰه، لأنّه تعالى أهل للعبادة و الطاعة، و هذا ما أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: إلٰهي ما عبدتك خوفاً من نارك و لا طمعاً في جنّتك، بل وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك.

الثاني: أن يقصد شكر نعمة التي لا تحصى.

الثالث: أن يقصد به تحصيل رضاه و الفرار من سخطه.

الرابع: أن يقصد به حصول القرب إليه (2).

الخامس: أن يقصد به الثواب و رفع العقاب، بأن يكون الداعي إلى امتثال أمره رجاء ثوابه و تخليصه من النار.


 

(1) و أسماها، و لا ينالها إلّا الأوحدي، لخلوّها عن أيّة جهة ترجع إلى العبد.و مجمل القول حول هذه الدرجات: أنّ العبادة بما أنّها عمل اختياري صادر من عاقل مختار، و كل ما كان كذلك لا بدّ فيه من وجود غاية باعثة على ارتكاب العمل، فهذه الغاية في المقام إما أنّها ملحوظة في جانب العامل العابد، أو في ناحية المعبود.و الثاني إما أنّه لحاظ كماله الذاتي و أهليته للعبادة، و هو أرقى المراتب، أو من أجل حبّه الناشئ من نعمه و إحسانه. و الأوّل إمّا أنّه تحصيل رضاه، أو التقرّب منه، أو طمع في ثوابه، أو خشية من عقابه. (2) من الواضح جدّاً أنّ المراد بالقرب ليس هو القرب المكاني الحقيقي، بل و لا الادعائي التنزيلي، لوضوح أنّ القرب بين شيئين يتضمن التضايف بحيث أنّ أحدهما إذا كان قريباً كان الآخر أيضاً كذلك واقعاً أو تنزيلًا.و من البيِّن أنّه سبحانه قريب من جميع البشر، بل هو أقرب إلينا من حبل‌

9
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في النية ج 14 ص 8

و أمّا إذا كان قصده ذلك على وجه المعاوضة من دون أن يكون برجاء إثابته تعالى فيشكل صحته (1)، و ما ورد من صلاة الاستسقاء و صلاة الحاجة إنّما يصح إذا كان على الوجه الأوّل.



الوريد، و كل شي‌ء حاضر عنده حضوراً ذاتياً، بيد أنّ البعض منّا بعيد عنه لكونه غريقاً في الذنوب و الخطايا المستوجب لعدم توجهه و التفاته إليه، فهو قريب من عباده تنزيلًا، و هم بعيدون عنه.بل المراد من القرب الذي يتوخّاه العبد في عبادته هو طلب الحضور بين يدي الرب و الشهود عنده بحيث كأنه يراه و يشاهده شهوداً قلبياً لا بصرياً. و يستفاد من كثير من الأدعية و الروايات أنّ الغاية القصوى من العبادات هو لقاء اللّٰه تعالى، و الوصول إلى هذه المرتبة التي هي أرقى المراتب التي يمكن أن يصل إليها الإنسان، و ربما يتفق الوصول إليها بعد التدريب و مجاهدة النفس و التضلّع في العبادة المستتبعة بعد إزالة الملكات الخبيثة لصفاء القلب و قابليته لمشاهدة الرب و السير إليه، فيروم العابد بعبادته النيل إلى هذه المرتبة التي هي المراد من التقرب منه تعالى.

(1) بل لا ينبغي التأمل في البطلان، ضرورة أنّ الثواب أو دفع العقاب لا يترتّبان على ذات العمل لكي تصح المعاوضة و المبادلة بينهما، بل على العمل المتصف بالعبادية و الصادر بقصد الامتثال و الطاعة، فلو صلى ليدخل الجنة بطلت، إذ ليس لذات العمل هذا الأثر، بل المأتي به مضافاً إلى المولى. و مجرد قصد دخول الجنة لا يحقِّق الإضافة كما هو واضح، و إنما يتجه لو كان على سبيل الداعي على الداعي.و هكذا ما ورد في صلاة الاستسقاء أو الحاجة أو صلاة الليل، من الخواص و الآثار من طلب الرزق و نحوه، فإنّها لا تترتب على ذات الصلاة، بل المأتي بها‌

10
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 1يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج 14 ص 11

[مسألة 1: يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلًا متعدِّداً]

[1414] مسألة 1: يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلًا متعدِّداً و لكن يكفي التعيين الإجمالي كأن ينوي ما وجب عليه أوّلًا من الصلاتين مثلًا، أو ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلًا أو ثانياً، و لا يجب مع الاتحاد (1).

______________________________
بصفة العبادة، فلا يصح قصدها إلّا على النحو الذي عرفت.و بالجملة: الغايات المتقدمة من الثواب أو دفع العقاب أو شكر النعمة كلها غايات للامتثال و من قبيل الداعي على الداعي، لا يكاد يترتّب شي‌ء منها إلّا بعد اتصاف العمل بالعبادية، و الإتيان به بهذا العنوان، فبدونه و لو كان بنيّة صالحة كالتعليم فضلًا عن الرياء لا أثر له بوجه، فلو صلى أحد لا لكماله الذاتي، و لا لحبّه الناشئ من نعمه، و لا بداعي التقرب و إدراكه لذة الانس، بل لأمر آخر دنيوي أو أُخروي، لم يترتب عليه أيّ أثر، بل لا بدّ و أن تكون ثمّة واسطة بين العمل و بين تلك الغاية، و هي الإضافة إلى المولى على سبيل العبودية حسبما عرفت.

(1) قد يكون الثابت في الذمة تكليفاً واحداً، و قد يكون متعدداً.

فالأوّل: كما في صيام شهر رمضان حيث لا يصلح هذا الزمان لغير هذا النوع من الصيام، فيكفي فيه الإتيان بذات العمل مع قصد الأمر، فلو نوى في المثال صوم الغد متقرّباً كفى و لا حاجة إلى التعيين، بعد أن كان متعيناً في نفسه و غير صالح للاشتراك مع غيره ليفتقر إلى التمييز و التشخيص، و هذا ظاهر.

و أمّا الثاني: كما في صلاتي الظهر و العصر، فبما أنّ إحداهما تغاير الأُخرى ثبوتاً و إن اشتركتا في جميع الخصوصيات إثباتاً كما يكشف عن هذه المغايرة قوله (عليه السلام): «... إلّا أنّ هذه قبل هذه ...» «1» إلخ الدال على اعتبار‌

______________________________
 (1) الوسائل 4: 126/ أبواب المواقيت ب 4 ح 5.

11
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 1يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلا متعددا ج 14 ص 11

..........

______________________________
الترتيب، و إلّا لم يكن مجال للاستثناء، لوضوح أنّ كل من يأتي بثمان ركعات فبطبيعة الحال تكون الأربع الأُولى قبل الأربع الثانية، كما أنّ الركعة الأُولى قبل الثانية، و هي قبل الثالثة و هكذا، فلو لم يكن تغاير و تباين ذاتي بينهما لم يكن وقع لهذا الكلام.

و أيضاً يكشف عنها: النصوص الواردة في العدول من اللاحقة إلى السابقة «1» كما لا يخفى.

فلا جرم لزم المتصدي للامتثال مراعاة عنوان العمل و قصد تعيينه مقدّمة لتحقيقه و امتثال أمره، فلو نوى ذات الأربع ركعات و لو متقرّباً من غير قصد عنوان الظهر و لا العصر بطل و لم يقع امتثالًا لشي‌ء منهما.

و بعبارة اخرى: إنّما يكتفى بقصد الأمر فيما إذا كان متعلقه ذات العمل، و أمّا إذا كان متعلقه العنوان كالظهرية لم يكن بدّ من قصده، و إلّا لم يكن المأتي به مصداقاً للمأمور به.

و من هذا القبيل فريضة الفجر و نافلته، حيث استكشفنا من اختلاف الآثار الّتي منها عدم جواز الإتيان بالنافلة لدى ضيق الوقت، أنّ لكل منهما عنواناً خاصّاً، فلو أتى بذات الركعتين من غير قصد شي‌ء من العنوانين بطل و لم يقع مصداقاً لشي‌ء منهما.و من هذا القبيل أيضاً الأداء و القضاء، حيث استفدنا من النصوص «2» الدالة على لزوم تقديم الحاضرة على الفائتة، أو أفضليته حسب الاختلاف في المسألة أنّ لكل منهما عنواناً به يمتاز عن الآخر، فلا مناص إذن من قصده، و بدونه لم يقع امتثالًا لشي‌ء منهما.

______________________________
 (1) راجع الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63. (2) الوسائل 4: 274/ أبواب المواقيت ب 57.

12
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

[مسألة 2: لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام]

[1415] مسألة 2: لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام (1) و لا الوجوب و الندب (2)، إلّا مع توقّف التعيين على قصد أحدهما.

______________________________
نعم، لو لم يكن للواجبين عنوان خاص، كما لو كان عليه قضاء يومين من شهر رمضان، أو استدان من زيد مرّتين فأصبح مديناً له بدرهمين، فحيث لا امتياز بين الفردين المشغولة بهما الذمّة حتى في صقع الواقع، و لم يتعلق الأمر إلّا بذات العمل من غير خصوصية للسابق أو اللّاحق، لم يلزمه قصد هذه الخصوصية في مقام الأداء.

فتحصّل: أنّ العبرة في لزوم التعيين بتعدد الواجب، و أن يكون لكل منهما عنوان به يمتاز عن الآخر، فلو لم يكن تعدد أو كان و لم يكن له عنوان خاص لم يلزمه ذلك.

(1) إذ اللّازم على المكلف إنّما هو الإتيان بذات المأمور به مع تعيينه فيما يحتاج إلى التعيين حسبما مرّ مع إضافته إلى المولى، و أمّا الزائد عليه من الخصوصيات الّتي تكتنف بالعمل من القصر و التمام، أو القضاء و الأداء، كالالتفات إلى بقيّة الأجزاء، فلم ينهض على اعتباره أيّ دليل، فلو لم يكن في ذمته إلّا الأداء تماماً، فقصد أربع ركعات بقصد الظهر صح و كفى، و إن لم يكن ملتفتاً إلى شي‌ء من الخصوصيتين تفصيلًا حين العمل.

(2) فإنّهما من كيفيات الأمر لا من خصوصيات المأمور به، و إن صحّ اتصافه بهما أيضاً، لكنه اسناد تبعي و الأصل فيه إنّما هو الأمر نفسه باعتبار اقترانه بالترخيص في الترك و عدمه، حيث ينتزع من الأوّل الاستحباب و من الثاني الوجوب.

و عليه فمجرّد الإتيان بالعمل بداعي الأمر كاف في تحقّق العبادة و إن لم يعلم‌

13
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

بل لو قصد أحد الأمرين في مقام الآخر صحّ إذا كان على وجه الاشتباه في التطبيق (1)

______________________________
أنّ الأمر المتعلق به وجوبي أو استحبابي، إذ لا دخل له لا في تحقق ذات المأمور به، و لا في إضافته إلى المولى.

و منه تعرف الحال في الأداء و القضاء، و أنّ المأمور به فيهما أيضاً حقيقة واحدة، غاية الأمر أنّ الأوّل مشروط بالوقوع في الوقت، و بعد خروجه و عدم امتثاله عصياناً أو نسياناً تلغو الخصوصية و يبقى الأمر بالطبيعة و لو بأمر جديد من غير أن يتقيد بالوقوع خارج الوقت، كيف و هو لازم عقلي و أمر ضروري غير اختياري لا بدّ منه، فلا موقع لمراعاة التقييد فيه.

و على الجملة: فالأداء شرط مأخوذ في الطبيعة كسائر الشرائط، كالطهارة من الخبث و الاستقبال و نحوهما، و هي برمّتها توصلية لا يعتبر الالتفات إليها تفصيلًا ليلزم قصدها.

و أمّا القضاء، فالأمر فيه أوضح، لما عرفت من أنّ خصوصية الوقوع خارج الوقت لم تكن قيداً شرعياً ملحوظاً في جانب المأمور به ليلزم قصده، و إنّما هو عقلي محض.

فتحصّل: أنّه لا تعتبر مراعاة شي‌ء من الخصوصيات المزبورة لا الأداء و القضاء، و لا القصر و التمام، و لا الوجوب و الندب، إلّا فيما إذا توقف التعيين عليه حسبما عرفت.

(1) فصّل (قدس سره) في مفروض المسألة بين ما إذا كان قصد الخصوصية من باب الاشتباه في التطبيق و بين ما إذا كان من باب التقييد، فحكم (قدس سره) بالصحة في الأوّل و البطلان في الثاني.

14
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

..........

 

______________________________
أقول: أمّا الأوّل، فظاهر الوجه، إذ بعد أن كانت الحقيقة واحدة و هي صلاة الفجر مثلًا، و كان لها أمر واحد على الفرض، فتخيّل المصلي أنّه استحبابي فبان أنّه وجوبي، أو أنّه أدائي فبان أنّه قضائي أو بالعكس، الراجع إلى الاشتباه في خصوصية من صفات الأمر أو المأمور به، لا مدخل له في صحة العبادة بعد اشتمالها على تمام ما هو المقوّم لها من ذات العمل مع قصد التقرّب كما هو المفروض و هذا واضح.

و أمّا الثاني، فغير واضح، بل في حيّز المنع، فانّ مستند البطلان هو أنّ المصلي بعد أن قيّد عمله بالخصوصية التي زعمها بحيث لو علم بفقدها لم يعمل لا أنّه يعمل على كل تقدير، غايته أنّه اشتبه في التطبيق كما في الصورة السابقة فهو في الحقيقة فاقد للنيّة بالإضافة إلى ما صدر منه لاندراجه في كبرى: ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

و لكنه كما ترى، لامتناع التقييد في أمثال المقام حسبما تكررت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح، ضرورة أنّه إنّما يتصور فيما هو قابل للتقييد كالمطلقات و الكليات التي هي ذات حصص و أصناف، كبيع منّ من الحنطة القابل للتقييد بكونها من المزرعة الفلانية.

و أمّا الجزئي الحقيقي و الموجود الخارجي كما في المقام فإنّه لا سعة فيه ليقبل التضييق و التقييد، فلو اعتقد أنّ زيداً صديقه فأكرمه فبان أنّه عدوّه، أو أنّ المال الفلاني يترقى فاشتراه ليربح فتنزّل، أو أنّ من في المحراب زيد فبان أنّه عمرو و هو لا يريد الاقتداء به و إن كان عادلًا فهذه الأفعال من الإكرام و الشراء و الاقتداء و منها الصلاة في محل الكلام، صادرة منه بالضرورة، و هي جزئيات خارجية لا يعقل فيها التقييد، فانّ الفاعل و إن كان بحيث لو علم بالخلاف لم يفعل إلّا أنّه بالأخرة فَعَل و صدر منه العمل، و هذا العمل الصادر جزئي حقيقي لا إطلاق فيه ليقبل التقييد. فلا جرم يكون التقييد المزعوم من‌

15
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لا يجب قصد الأداء و القضاء و لا القصر و التمام ج 14 ص 13

كأن قصد امتثال الأمر المتعلِّق به فعلًا و تخيّل أنّه أمر أدائي فبان قضائياً أو بالعكس، أو تخيّل أنّه وجوبي فبان ندبياً أو بالعكس، و كذا القصر و التمام (1) و أمّا إذا كان على وجه التقييد [1] فلا يكون صحيحاً، كما إذا قصد امتثال الأمر الأدائي ليس إلّا، أو الأمر الوجوبي ليس إلّا، فبان الخلاف فإنّه باطل.

______________________________
قبيل التخلّف في الداعي، و الاشتباه في التطبيق بطبيعة الحال، لأنّ ما وقع لا ينقلب عمّا هو عليه، فهو مقصود لا محالة لا أنّه غير مقصود و إنّما الخطأ في الداعي الباعث على ارتكابه حسبما عرفت.فلا مناص من الحكم بالصحة في جميع هذه الموارد، و كيف لا يحكم بها في من صلّى نافلة الليل بزعم أنّ هذه ليلة الجمعة، أو زار الإمام (عليه السلام) كذلك بحيث لو كان يعلم أنّها ليلة أُخرى لم يصلّ و لم يزر، فانّ الحكم ببطلان الصلاة أو الزيارة كما ترى، ضرورة أنّ المعتبر في صحة العبادة إنّما هو الإتيان بذات العمل مع قصد التقرب، و قد فعل حسب الفرض، و معه لا مقتضي للبطلان بوجه. (1) عدّ هذا من باب الاشتباه في التطبيق غير واضح، فإنّ صلاة القصر مقيّدة بالتسليم على الركعتين و التمام بعدمه، فكل منهما مقيد بقيد مضادّ للآخر و من البيّن اعتبار قصد المأمور به بتمام أجزائه و لا يكفي البعض، غاية الأمر كفاية النيّة الإجمالية و لا يعتبر التفصيل، فلو جهل الوظيفة الفعلية و كانت الرِّسالة العملية موجودة عنده لا بأس حينئذ بالشروع بقصد ما في الذمّة، ثمّ‌

______________________________
 [1] لا أثر للتقييد فيما لا يعتبر فيه قصد العنوان و لو إجمالًا كالقصر و الإتمام و الوجوب و الندب و ما شاكلها، فانّ العبرة في الصحة في هذه الموارد إنّما هي بتحقق ذات المأمور به مع الإتيان بها على نحو قربي، نعم يصح ذلك في مثل الأداء و القضاء و نحوهما.

16
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج 14 ص 17

[مسألة 3: إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر]

[1416] مسألة 3: إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر يجوز له أن يعدل إلى التمام و بالعكس ما لم يتجاوز محل العدول، بل لو نوى أحدهما و أتمّ على الآخر من غير التفات إلى العدول فالظاهر الصحّة، و لا يجب التعيين حين الشروع أيضاً (1).

______________________________
يراجع المسألة أثناء الصلاة و يسلّم في ظرفه اللّازم، كما لا بأس أيضاً لو ائتم بمقلّده مع علمه باتحادهما في الوظيفة فيسلّم بتبع تسليمه.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّه لو نوى أحدهما ثم انكشف له أثناء العمل أنّ المأمور به غيره لم يجز، لفقد النيّة حتى الإجمالية فضلًا عن التفصيلية.

و بعبارة واضحة: من كانت وظيفته القصر مثلًا إذا قصد التمام، فقد نوى صلاة فاسدة لا أمر بها، و مقتضى ما تقدّم من لزوم قصد تمام الأجزاء من الأوّل هو الحكم بالبطلان، لأنّ المقصود غير مأمور به و المأمور به غير مقصود حتى إجمالًا بعد تغاير طبيعتي القصر و التمام، باعتبار اشتمال كلّ منهما على قيد مضادّ للآخر كما عرفت، و معه كيف يمكن إدراج المقام في باب الاشتباه في التطبيق.

و نظير المقام ما سيأتي «1» من أنّه لو نوى الظهر بزعم عدم الإتيان بها ثمّ انكشف إتيانها، ليس له العدول إلى العصر بدعوى كونه من باب الاشتباه في التطبيق و أنّه قاصد للأمر الفعلي، إذ كيف يكون كذلك مع أنّه لم يكن قاصداً لعنوان العصر لا إجمالًا و لا تفصيلًا، حتى مع الغض عن عدم جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة، لكن الاشكال مبني على تغاير طبيعتي القصر و التمام و ستعرف أنّهما طبيعة واحدة، فلا إشكال.

(1) إذ المفروض أنّ متعلق الأمر في هذه الأماكن هو الجامع بين بشرط لا‌

______________________________
(1) في ص 79 المسألة [1437].

17
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج 14 ص 17

نعم، لو نوى القصر فشكّ بين الاثنين و الثلاث بعد إكمال السجدتين (1) يشكل العدول إلى التمام و البناء على الثلاث، و إن كان لا يخلو من وجه، بل قد يقال [1] بتعيّنه، و الأحوط العدول و الإتمام مع صلاة الاحتياط و الإعادة.

______________________________
و بشرط شي‌ء، فلم تكن الخصوصية واجبة من أوّل الأمر لتحتاج إلى التعيين نظير السورة الواجبة في الصلاة بعد الحمد، حيث إنّ الواجب طبيعيها، فلا يجب تعينها منذ الشروع في الصلاة، بل لو عيّن آن ذاك له العدول بعد ذلك، كما أنّ له العدول في المقام أيضاً ما دام المحل باقياً، لما عرفت من خروج الخصوصية عن حيّز الأمر، و عدم تعلقه إلّا بالطبيعي الجامع بين ذات ركعتين و ذات الأربع.و منه تعرف أنّه لو نوى أحدهما و أتمّ على الآخر غفلة و من غير التفات إلى العدول صح، للإتيان بالمأمور به على وجهه من غير خلل فيه. (1) فهل يحكم حينئذ ببطلان الصلاة لبطلان الشك المزبور في الصلاة الثنائية أو بجواز العدول إلى التمام المستلزم لانقلاب الشك إلى الصحيح، لوقوعه في صلاة رباعية فيتم بعد البناء على الثلاث و يأتي بركعة الاحتياط، أو بوجوبه حذراً عن قطع الصلاة المحرّم؟ وجوه:أمّا البطلان و عدم المجال للعدول فيستدل له:تارة: بإطلاق ما دلّ على البطلان في الشك في الثنائية.و فيه: أنّ الشك بنفسه لم يكن مبطلًا كالحدث، و إنّما الممنوع المضي عليه و من ثمّ لو تروّى ثمّ ظنّ بأحد الطرفين بنى عليه، و من البيّن أنّه بعد العدول و البناء على الأكثر لم يكن ثمّة مضي على الشك في صلاة ثنائية لانعدام الموضوع.

______________________________
 [1] و هو الأوجه بناءً على شمول دليل حرمة قطع الصلاة لمثل المقام.

18
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3إذا كان في أحد أماكن التخيير فنوى القصر ج 14 ص 17

..........

______________________________
و اخرى: باختصاص مورد العدول بما إذا تمكن المصلي من إتمام الصلاة المعدول عنها كي يعدل من صلاة صحيحة إلى مثلها، و أمّا إذا لم يتمكّن لفسادها في نفسها مع قطع النظر عن العدول، فمثله غير مشمول لأدلته. و من ثمّ لو شكّ في صلاة الفجر بين الثنتين و الثلاث بعد الإكمال ليس له العدول إلى فائتة رباعية بضرورة الفقه.

و فيه: أنّ هذا إنّما يتّجه فيما إذا كان العدول ثابتاً بدليل خاص كالعدول من الحاضرة إلى الفائتة و نحو ذلك، لا ما كان ثابتاً بمقتضى القاعدة من غير حاجة إلى دليل خاص كالمقام، حيث قد عرفت أنّ متعلق الأمر إنّما هو الجامع بين الثنائية و الرباعية، و التطبيق على الأوّل كان باختيار المكلّف لا بجعل من الشارع فهو لا يزال مكلفاً بذاك الجامع، إذن فما هو المانع من شمول أدلّة البناء على الأكثر لمثل ذلك، فانّ الخارج عنها إنّما هي الصلاة الثنائية حسب الجعل الشرعي لا الاختيار الشخصي، فله رفع اليد و اختيار الفرد الآخر و البناء فيه على الأكثر.

و نحوه ما لو كان بانياً على القصر فشكّ بين الثلاث و الأربع، فإنّ المأمور به لمّا كان هو الجامع فله العدول إلى الرباعية و البناء على الأكثر حسبما عرفت.

و أمّا وجوب العدول حذراً عن القطع المحرم، ففيه: أنّ دليل القطع لو تمّ فإنّما هو الإجماع، و مورده ما إذا كانت الصلاة صحيحة في نفسها مع قطع النظر عن العدول، لا ما إذا تمكن من تصحيحها بالعدول.

و بعبارة اخرى: مورد الحرمة ما إذا كان البطلان مستنداً إلى القطع، بحيث لولاه لكانت صلاة صحيحة في حدّ ذاتها، و لا يعمّ ما لو كانت الصحة متوقفة على أمر آخر اختياري كما في المقام.

فتحصّل: أنّ الأظهر إنّما هو الوجه الثاني.

19
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4لا يجب في ابتداء العمل حين النية تصور الصلاة تفصيلا ج 14 ص 20

 [مسألة 4: لا يجب في ابتداء العمل حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلًا]

[1417] مسألة 4: لا يجب في ابتداء العمل حين النيّة تصوّر الصلاة تفصيلًا، بل يكفي الإجمال (1) نعم، يجب نيّة المجموع من الأفعال جملة أو الأجزاء على وجه يرجع إليها، و لا يجوز تفريق النيّة (2) على الأجزاء على وجه لا يرجع إلى قصد الجملة، كأن يقصد كلا منها على وجه الاستقلال من غير لحاظ الجزئية.

[مسألة 5: لا ينافي نيّة الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة]

[1418] مسألة 5: لا ينافي نيّة الوجوب اشتمال الصلاة على الأجزاء المندوبة (3)، و لا يجب ملاحظتها في ابتداء الصلاة، و لا تجديد النيّة على وجه الندب حين الإتيان بها.

______________________________
 (1) كأن ينوي ما أمره اللّٰه تعالى به من الأجزاء، لعدم الدليل على اعتبار الأزيد من ذلك. (2) لأنّ المأمور به لمّا كان هو المركب و هو عين الأجزاء بالأسر، فلا يتصف شي‌ء منها بالجزئية إلّا شريطة الانضمام بسائر الأجزاء، فلا يكفي لحاظه مستقلا لعرائه عن الأمر المانع عن صلاحية الإضافة إلى المولى، فلو قصد التكبيرة فقط ثمّ بدا له و قصد القراءة و هكذا، لم يتحقق به الامتثال. (3) لأنّ الفرد المشتمل عليها مصداق للطبيعة الواجبة، غاية الأمر أنّه أفضل الأفراد، نظير الصلاة في المسجد أو أوّل الوقت و نحو ذلك من الخصوصيات الّتي تستوجب مزيّة الفرد و أفضليّته عن الفاقد لها.هذا بناءً على تصوير الجزء الاستحبابي، و أمّا بناءً على إنكاره و عدم إمكانه لا بالنسبة إلى الفرد و لا الماهية كما هو الصواب على ما حقّق في الأُصول «1»‌

______________________________
 (1) مصباح الأُصول 3: 300.

20
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6الأحوط1 ترك التلفظ بالنية في الصلاة ج 14 ص 21

 [مسألة 6: الأحوط (1) ترك التلفظ بالنيّة في الصلاة]

______________________________

[1419] مسألة 6: الأحوط (1) ترك التلفظ بالنيّة في الصلاة خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك (2)، و إن كان الأقوى الصحة معه [1] (3).
و انّ ما يتراءى منه ذلك كالقنوت فهو مستحب نفسي ظرفه الواجب، فالأمر أوضح.

(1) منشأ الاحتياط ما يراه (قدس سره) من وجوب الإقامة و احتمال بطلانها بالتكلم و احتياجها إلى الإعادة، و عليه فيختص بغير موارد سقوطها، إذ لا مانع حينئذ من التلفظ بوجه.

و لكنّه (قدس سره) مع ذلك أفتى بالصحة، نظراً إلى انصراف دليل البطلان عن مثل هذا التكلم الراجع إلى شؤون الصلاة، كالأمر بتعديل الصفوف على ما نطق به بعض النصوص «1»، حيث يستفاد منه حكم كلِّي منطبق على المقام و غيره و قد تقدّم ما فيه «2».و كيف ما كان، فحيث إنّا لا نرى وجوب الإقامة فلا حاجة إلى هذا الاحتياط و إن كان الأولى ترك التلفظ كما مرّ.

(2) لاحتمال كونها جزءاً متمّماً على تقدير النقص، المستلزم لكون التلفّظ بالنيّة تلفظاً أثناء الصلاة.

(3) لما يرتئيه (قدس سره) من أنّها صلاة مستقلة، و إن شرّعت لتدارك النقص المحتمل، هذا.

______________________________
 [1] الأقوى عدم الصحة معه في صلاة الاحتياط.

______________________________
 (1) راجع الوسائل 8: 422/ أبواب صلاة الجماعة ب 70.

(2) شرح العروة 13: 355.

21
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقنه ج 14 ص 22

[مسألة 7: من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقّنه]

[1420] مسألة 7: من لا يعرف الصلاة يجب عليه أن يأخذ من يلقّنه (1) فيأتي بها جزءاً فجزءاً، و يجب عليه أن ينويها أوّلًا على الإجمال (2).

[مسألة 8: يشترط في نيّة الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء]

[1421] مسألة 8: يشترط في نيّة الصلاة بل مطلق العبادات الخلوص عن الرياء، فلو نوى بها الرياء بطلت، بل هو من المعاصي الكبيرة، لأنّه شرك باللّٰه تعالى (3).

______________________________
و لكنّ المختار عندنا لمّا كان هو الاحتمال الأوّل، أي أنّ صلاة الاحتياط جزء متمّم للصلاة الأصلية على تقدير نقصها، فلا جرم كان الأقوى ترك التلفّظ حذراً عن احتمال وقوعه أثناء الصلاة من غير مؤمّن كما لا يخفى. (1) فإنّه من أنحاء القدرة الواجب عليه تحصيلها بعد وضوح كونها أعم من المباشرة بنفسه أو بواسطة التلقين. (2) حسبما تقدّم «1». (3) المشهور بين الفقهاء إن لم يكن إجماعاً اعتبار الخلوص في الصلاة بل مطلق العبادات، فلو نوى بها الرياء بطلت، بل كان آثماً لكونه من المعاصي الكبيرة، و قد عبّر عنه بالشرك في لسان الأخبار، و هذا في الجملة مما لا إشكال فيه، و لم ينقل الخلاف فيه عن أحد عدا السيّد المرتضى (قدس سره) في الانتصار القائل بالحرمة دون البطلان «2»، و خلافه ناظر إلى بعض الأقسام مما يرى فيه عدم التنافي بين الرياء و قصد القربة كما في الضميمة على ما سيجي‌ء تفصيلها «3» و إلّا فاعتبار القربة في العبادات لعلّه من الضروريات الّتي لا تقبل الإنكار.

______________________________
 (1) في ص 20.

(2) الانتصار: 100/ المسألة 9.

(3) في ص 41.

22
موسوعة الإمام الخوئي14

ثم إن دخول الرياء في العمل على وجوه ج 14 ص 23

 [ثمّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه]

ثمّ إنّ دخول الرياء في العمل على وجوه:

[أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس]

أحدها: أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس (1) من دون أن يقصد به امتثال أمر اللّٰه تعالى، و هذا باطل بلا إشكال، لأنّه فاقد لقصد القربة أيضاً.

[الثاني: أن يكون داعيه و محرِّكه على العمل القربة]

الثاني: أن يكون داعيه و محرِّكه على العمل القربة و امتثال الأمر و الرياء معاً، و هذا أيضاً باطل، سواء كانا مستقلّين أو كان أحدهما تبعاً و الآخر مستقلا، أو كانا معاً و منضمّاً محرّكاً و داعياً (2).

______________________________
و كيف كان، فأصل الاعتبار المستلزم لبطلان العبادة المراءى فيها ممّا لا غبار عليه، و قد تظافرت به الروايات التي عقد لها في الوسائل باباً مستقلا «1» إنّما الكلام في بعض خصوصيات المطلب و ستعرف الحال فيها في التعاليق الآتية. (1) بأن يكون الداعي الوحيد هو الرياء فحسب و لا يقصد به طاعة الربّ بوجه، و البطلان في هذا القسم ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف حتى من السيّد المرتضى، لفقد قصد القربة المعتبر في صحة الصلاة، فإنّ كون الصلاة عبادة و افتقار العبادة إلى قصد التقرب كاد أن يكون من الواضحات التي لا مرية فيها.

(2) و هذا القسم أعني ضمّ قصد الرياء إلى القربة ينحل إلى صور أربع:

إحداها: أن يكون الباعث على ارتكاب العمل و المحرِّك نحوه مجموع القصدين فكل منهما جزء من المؤثر بحيث لو انعزل أحدهما عن الآخر لما ترتب الأثر لقصور كل منهما وحده عن صلاحية الدعوة و التحريك، فلا يكون الداعي إلّا مجموع القصدين على صفة الانضمام.الثانية: أن يكون كل منهما مستقلا في التأثير في حدّ نفسه، بحيث لو انفرد‌

______________________________
 (1) راجع الوسائل 1: 70/ أبواب مقدمة العبادات ب 12.
 

23
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة ج 14 ص 23

..........

______________________________
عن الآخر كان تامّ الداعوية و صالحاً للتحريك، و إن كان التأثير الفعلي مستنداً إلى مجموع الأمرين لا خصوص كل منهما من جهة استحالة توارد علّتين على معلول واحد.

الثالثة: أن يكون الداعي الإلهي أصيلًا و الريائي تابعاً.

الرابعة: عكس ذلك.

لا ريب في البطلان في الصورة الاولى، من جهة الإخلال بقصد التقرب المعتبر في صحّة العبادة، إذ المعتبر فيها أن يكون الانبعاث نحو العمل عن قصد الأمر، و المفروض في المقام عدمه، لقصور هذا الداعي عن صلاحية الدعوة في حدّ نفسه على الفرض، فالبطلان في هذه الصورة على طبق القاعدة و لو لم يكن نص في البين، كما لا ريب في البطلان في الصورة الأخيرة كما هو واضح.

و أمّا الصورة الثانية، فمقتضى القاعدة الصحة، إذ لا يعتبر في اتصاف العمل بالعبادية أكثر من صدوره عن داعٍ قربي مستقل في الداعوية في حدّ نفسه المتحقق في الفرض، و لم يعتبر عدم اقترانه بداع آخر و لو كان مستقلا في الدعوة، فالمناط بلوغ الباعث الإلهي حدّا يصلح للدعوة التامّة من دون قصور فيها، سواء اقترن بداع آخر أم لا.

و من هنا يحكم بصحة الغسل مثلًا و لو كان قاصداً للتبريد أيضاً، على نحو يكون كل منهما في حدّ نفسه مستقلا في التحريك، كما يحكم بصحة الصوم ممّن له كرامة في المجتمع بحيث لا يكاد يتجاهر بالإفطار في شهر رمضان و لو لم يكن هناك رادع إلٰهي، تحفظاً على كرامته و مقامه.

و بالجملة: حيث إنّ الضميمة المزبورة لا ينثلم بها قصد التقرب المعتبر في العبادة، و لا توجب خللًا في صدق الطاعة، فمقتضى القاعدة الصحة في هذه الصورة.

24
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني أن يكون داعيه و محركه على العمل القربة ج 14 ص 23

..........

______________________________
و بطريق أولى في الصورة الثالثة كما لا يخفى، من دون فرق بين المقام و غيره من سائر الضمائم ممّا تكون الضميمة من هذا القبيل، أي كانت مستقلّة في التحريك كقصد القربة، أو كانت تابعة و التقرّب أصيلًا.

لكنّا خرجنا عنها في خصوص المقام أعني الرياء بمقتضى النصوص المتظافرة الدالّة بإطلاقها على البطلان حتى في هاتين الصورتين فضلًا عن غيرهما، و هي كثيرة جدّاً قد عقد لها في الوسائل باباً مستقلا و أكثرها مرويّة عن المحاسن نذكر بعضها:

فمنها: صحيحة زرارة و حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: لو أنّ عبداً عمل عملًا يطلب به وجه اللّٰه و الدار الآخرة و أدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركاً» «1».

و صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: يقول اللّٰه عزّ و جلّ: أنا خير شريك فمن عمل لي و لغيري فهو لمن عمله غيري» «2». و نحوهما غيرهما. فانّ المراد بالشرك الشرك في العبادة دون الربوبية كما هو واضح، و من أظهر آثاره الحرمة، فإذا كان حراماً بطل، إذ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

و من الواضح أنّ إدخال رضا أحد من الناس صادق حتى فيما إذا كان الرياء تابعاً، فضلًا عما إذا كان مستقلا في التحريك في عرض الباعث الإلهي، و كذا قوله: «فمن عمل لي و لغيري» في الرواية الأخيرة، فالروايتان و غيرهما تشمل جميع الصور المتقدمة، فيحكم بالبطلان من أجلها.

______________________________
 (1) الوسائل 1: 67/ أبواب مقدمة العبادات ب 11 ح 11، المحاسن 1: 212/ 384.

(2) الوسائل 1: 72/ أبواب مقدمة العبادات ب 12 ح 7، المحاسن 1: 392/ 875.

25
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

 [الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضاً باطل]

الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضاً باطل، و إن كان محل التدارك باقياً، نعم في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض أو لا ينافيها الزيادة في الأثناء كقراءة القرآن و الأذان و الإقامة إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان اختصّ البطلان به، فلو تدارك بالإعادة صح (1).

______________________________
 (1) أمّا نفس الجزء فباطل بلا ارتياب لصدوره رياءً حسب الفرض، و بتبعه تفسد الصلاة أيضاً، سواء تداركه مع بقاء محل التدارك أم لا، للإخلال بها من جهة النقيصة أو الزيادة كما لا يخفى.

و عن المحقق الهمداني «1» الصحة في فرض التدارك، بدعوى انصراف أدلة الزيادة عن مثل المقام، فإنّها خاصة بما إذا أحدث الزائد و لا تعمّ ما لو أوجد صفة الزيادة لما تحقق سابقاً، و المقام من هذا القبيل فإنّه لو اقتصر على الجزء المراءى فيه فالعمل فاسد من جهة النقص، و لو تداركه أوجب ذلك اتصاف الجزء السابق بالزيادة من هذا الحين بعد ما لم يكن كذلك ابتداء.

و قد ذكر (قدس سره) «2» نظير ذلك فيما لو أتى بجزء من الآية ثمّ رفع اليد عنه و استأنفها، كما لو قال مال ثمّ قال مالك يوم الدِّين، فإنّ الثاني و إن أوجب اتصاف الأوّل بالزيادة، لكن مثلها غير مبطل بلا إشكال، و المقام من هذا القبيل، هذا.

و الذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّ الجزء المراءى فيه إن كان من سنخ السجود و الركوع، فلا ينبغي الشك في بطلان الصلاة حينئذ، سواء أتى به بقصد الجزئية أم لا، لعدِّه حينئذ من الزيادة المبطلة، كما يفصح عنه ما ورد من النهي‌

______________________________
 (1) مصباح الفقيه (الصلاة): 238 السطر 10. (2) مصباح الفقيه (الصلاة): 540، السطر 15.

26
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

..........

______________________________
عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللًا باستلزامها سجود التلاوة و أنّه زيادة في المكتوبة «1»، مع أنّ سجدة التلاوة لم يؤت بها بقصد الجزئية، فكأنها حاكمة على أدلّة الزيادة المبطلة و مفسّرة لموضوعها، و أنّه عام يشمل حتى مثل ذلك و إن لم يقصد به الجزئية.

و أمّا إن كان من سنخ الأذكار كالقرآن و الدعاء و نحوهما، فان كان بقصد الجزئية، كما لو راءى في فاتحة الكتاب المأتي بها بقصد كونها من الصلاة فالأقوى حينئذ البطلان أيضاً، لصدق الزيادة العمدية المبطلة، إذ لا معنى للزيادة سوى الإتيان بشي‌ء بقصد كونه من الصلاة و لم يكن منها. و دعوى انصراف الأدلّة عن مثله كما تقدّم عن المحقق الهمداني (قدس سره) غير مسموعة.

و أمّا إذا لم يقصد به الجزئية، كما لو قرأ بعد الحمد مثلًا سورة الجمعة بقصد القرآنية رياءً و بعدها أتى بسورة أُخرى قاصداً بها الجزئية، فهل تبطل الصلاة حينئذ؟ إشكال ينشأ من شمول أدلّة مبطلية الكلام لمثله و عدمه.

اختار جمع منهم شيخنا الأُستاذ (قدس سره) الأوّل «2»، بدعوى أنّ المستفاد من الأدلّة أنّ كل تكلم عمدي فهو مبطل للصلاة، و إنّما الخارج عنه بالتخصيص ما كان ذكراً أو قرآناً أو دعاءً مأموراً به وجوباً أو استحباباً، فغير المأمور به من هذه الأُمور داخل في عموم قوله (عليه السلام): «مَن تكلّم في صلاته متعمداً فعليه الإعادة» «3». و لا شك أنّ المأتي به رياءً من هذه الأُمور حيث إنّه محرّم فهو خارج عن عنوان المخصص و مشمول لعموم العام، فيكون مبطلًا.

______________________________
(1) راجع الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40.

(2) كتاب الصلاة 2: 18، 19.

(3) الوسائل 7: 281/ أبواب قواطع الصلاة ب 25 ح 2 (نقل بالمضمون).

27
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

..........

______________________________
هذا، و لكنّ الأقوى الثاني، لقصور الأدلة المزبورة عن الشمول للمقام، فانّ المبطل من الكلام خاص بكلام الآدمي كما قيّد بذلك في كلمات الفقهاء، و سيجي‌ء بيانه في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى «1»، و لا ريب أنّ الذكر أو الدعاء أو القرآن خارج عن موضوع كلام الآدمي و إن كان محرّماً، فهو قرآن أو ذكر أو دعاء محرّم و لا يعدّ من كلام الآدمي في شي‌ء، و اختلاف الحكم من كونه مأموراً به و عدمه لا يؤثِّر في ذلك شيئاً، فهي خارجة عن الكلام المبطل خروجاً موضوعياً، و النسبة نسبة التخصص دون التخصيص.

فالأقوى: أنّ هذه الأُمور المأتي بها رياءً إنما تبطل الصلاة إذا كانت بعنوان الجزئية من جهة استلزام الزيادة حينئذ كما عرفت، دون ما إذا لم يقصد بها الجزئية، إلّا إذا استلزم الفصل الطويل الماحي لصورة الصلاة، كما إذا قرأ سورة طويلة رياءً، فإنّها توجب البطلان حينئذ من هذه الجهة و إن لم يقصد بها الجزئية.

و على الجملة: الرياء في الجزء بما هو كذلك لا يقتضي إلّا فساده في حدّ نفسه و إنّما يسري إلى الصلاة فيما إذا استلزم عروض عنوان آخر يقتضي الفساد، إما من جهة الزيادة، أو محو الصورة، أو التكلم العمدي على القول به كما عرفت هذا كلّه في الصلاة.

و أمّا فيما عداها من سائر العبادات ممّا لا تكون الزيادة مبطلة لها كالوضوء و الغسل و نحوهما، فلا موجب للبطلان أصلًا. فلو غسل يده اليمنى مثلًا رياءً حتى بقصد الجزئية ثم ندم فتداركه بقصد التقرب صحّ مع مراعاة الموالاة، لعدم كون الزيادة مبطلة في غير الصلاة.

نعم، هناك وجه آخر للبطلان لو تمّ لعمّ و شمل جميع أقسام العبادات، و هو‌

______________________________
 (1) في ص 293، شرح العروة 15: 445 شرح المسألة [1710].

28
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء و هذا أيضا باطل ج 14 ص 26

..........

______________________________
التمسك بإطلاق قوله (عليه السلام): في الصحيحة المتقدمة «1» «و أدخل فيه رضا أحد من الناس» حيث إنّ مفاده أنّ كل عمل تضمّن الرياء و رضا أحد من الناس و لو باعتبار جزئه كان باطلًا، لسراية الفساد الناشئ من الرياء إلى الكل كسراية النار في القطن، فينتج فساد الوضوء في الفرض المزبور فضلًا عن الصلاة و كذا غيرهما من سائر العبادات.

لكن هذا الوجه مبني على أن يكون المراد من كلمة «فيه» في الصحيحة مطلق الظرفية، و من الواضح عدم إمكان الالتزام بذلك، و إلّا لزم القول بفساد الوضوء أو الصوم فيما لو قرأ في الأثناء سورة أو دعاءً أو ذكراً رياءً، لصدق إدخال رضا الناس فيه و كونه ظرفاً للرياء و إن كان مبايناً مع المظروف وجوداً و ماهية.

و هكذا يلزم فساد الحج لو أتى ببعض أجزائه رياءً كالطواف أو السعي و نحوهما و إن تداركه في محلّه، لصدق الظرفية، و هو كما ترى لا يمكن الالتزام به سيّما في الحج، بل هو غير محتمل جزماً كما صرّح به المحقق الهمداني في الحج و في الوضوء «2».

و على الجملة: ليس المراد بالظرفية معناها الواسع، بحيث يشمل كون العمل الصادر منه وعاءً لعمل آخر صادر لغير اللّٰه، بل المراد نفي الخلوص و تشريك غيره معه تعالى في العبادة، بحيث يصدر العمل الوحداني عن داع إلٰهي و داع ريائي، كما يفصح عنه قوله (عليه السلام) بعد ذلك «كان مشركاً» المفقود فيما نحن فيه، بعد فرض التدارك، فلا جرم يختص البطلان بالجزء الذي راءى فيه و لا يعمّ غيره.

______________________________
(1) في ص 25.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 239 السطر 10.

29
موسوعة الإمام الخوئي14

الرابع أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبة الرياء ج 14 ص 30

[الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبّة الرياء]

الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبّة الرياء كالقنوت في الصلاة و هذا أيضاً باطل على الأقوى [1] (1).

______________________________
و الحاصل: أنّ مجرّد الظرفية لا يستوجب الاتصاف بالمشركية إلّا بضرب من التجوّز و العناية باعتبار ملاحظة مجموع العمل، و من البيّن أنّه لا عبرة بهذا الاسناد المجازي، لعدم منعه عن صدق صدور تمام أجزاء العبادة بأسرها عن داع قربي لا غير و إن قورنت مع عمل آخر غير قربي.

فتحصّل: أنّ بطلان الجزء لا يسري إلى الكل فيما إذا تدورك و كان مصوناً عن محذور آخر في كافّة العبادات من الصلاة و غيرها حسبما عرفت.

(1) فيه نظر بل منع حتى لو بنينا على السراية في الجزء الوجوبي، لما ذكرناه في الأُصول «1» من أنّ الجزء المستحب غير معقول، سواء أُريد به جزء الماهية أم جزء الفرد، ضرورة أنّ افتراض الجزئية مساوق لافتراض الدخل في الطبيعة و تقوّمها به، و هو مضاد لمفهوم الاستحباب الذي معناه عدم الدخل و جواز الترك.

و ما يتراءى منه ذلك كالقنوت في الصلاة يراد به أنّه عمل مستقل ظرفه الواجب، كالأدعية المأثورة للصائم أو للناسك، فهو مزيّة خارجية تستوجب كون الفرد المشتمل عليها أفضل الأفراد، و التعبير عنه بالجزء المستحب مبني على ضرب من التوسّع و المسامحة. و قد عرفت أنّ مجرّد الظرفية لا يستلزم السراية و لا يقتضي البطلان إلّا إذا قورن بموجب آخر له من الفصل الطويل الماحي للصورة، أو الموجب لفوات الموالاة و نحو ذلك. إذن فما ذكره في المتن محل إشكال بل الأظهر هو عدم البطلان.

______________________________
[1] فيه إشكال، و الأظهر عدم البطلان.

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 300.

30
موسوعة الإمام الخوئي14

الخامس أن يكون أصل العمل لله ج 14 ص 31

[الخامس: أن يكون أصل العمل للّٰه]

الخامس: أن يكون أصل العمل للّٰه لكن أتى به في مكان و قصد بإتيانه في ذلك المكان الرياء، كما إذا أتى به في المسجد أو بعض المشاهد رياءً (1) و هذا أيضاً باطل على الأقوى (2).

______________________________
و المتحصّل من جميع ما مرّ: أنّ الرياء في الجزء مطلقاً لا يترتب عليه إلّا فساده، و لا يسري إلى المركب إلّا مع طروء عنوان آخر موجب للفساد من زيادة أو نقيصة أو فقدان شرط و نحو ذلك.

(1) فكان الرياء فيما هو خارج عن ذات العمل كلا أو جزءاً من الخصوصيّات الفردية المكانية أو الزمانية أو المكتنفة كما سيجي‌ء.

(2) إذ الخصوصية المفرّدة مصداق للطبيعة و محقّق لها، و من الضروري أنّ الكلي الطبيعي متحد مع مصداقه خارجاً، و موجودان بوجود واحد، يضاف مرّة إلى الطبيعة، و أُخرى إلى الفرد، فليست الصلاة الموجودة في الخارج شيئاً آخر مغايراً مع الصلاة في هذا المكان ليكونا موجودين بوجودين، و لا يسري الفساد من إحداهما إلى الأُخرى، بل بينهما الاتحاد و العينيّة، فلا جرم يحكم بالفساد، إذ المبغوض لا يكون مقرّباً، و الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

و كذلك الحال فيما بعده من الأمثلة، فإنّ الكل من سنخ الخصوصيّات المكانية التي يرجع الرياء فيها إلى الرياء في نفس العمل الواجب حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا راءى في الصلاة في هذا المكان، بأن كان مصبّ الرياء و مركزه هو مصداق الطبيعة بالذات، أعني الصلاة الكذائية.

و أمّا لو راءى في مجرّد الكون في هذا المكان، بأن تعلّق قصده الريائي بصرف البقاء في المسجد و اللّبث فيه أو في أحد المشاهد المشرّفة ليري الناس أنّه من أهل التقوى المعظِّمين لشعائر اللّٰه، و في خلال ذلك صلّى خالصاً لوجهه، فلا موجب‌

31
موسوعة الإمام الخوئي14

الخامس أن يكون أصل العمل لله ج 14 ص 31

و كذا إذا كان وقوفه في الصفّ الأوّل من الجماعة أو في الطرف الأيمن رياءً.

[السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان]

السادس: أن يكون الرياء من حيث الزمان، كالصلاة في أوّل الوقت رياءً و هذا أيضاً باطل على الأقوى (1).

[السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل]

السابع: أن يكون الرياء من حيث أوصاف العمل، كالاتيان بالصلاة جماعة أو القراءة بالتأنّي أو بالخشوع أو نحو ذلك، و هذا أيضاً باطل على الأقوى (2).

______________________________
حينئذ للحكم بالفساد، لخروج الرياء عن حريم المأمور به و عدم مسّه بكرامته فلا اتحاد و لا عينية، غايته أنّه راءى في مقارنات العمل، و مثله لا ضير فيه كما سيجي‌ء.

(1) لاشتراك الخصوصية الزمانية مع المكانية في مناط البحث فيجري فيه ما مرّ بعينه و لا نعيد.

(2) لما عرفت من انطباق الطبيعة المتحدة وجوداً مع مصداقها على الفرد الريائي.

نعم، لمّا كان الخضوع و الخشوع، أو البكاء أو التباكي من الأفعال الاختيارية المقارنة للصلاة و لم تكن متحدة معها كالجماعة و الفرادى، فيمكن تصوير الرياء فيها على نحو لا يسري إلى الصلاة، بأن تعلّق قصده بالصلاة خالصاً لوجهه تعالى ثم بدا له أن يبكي أو يخشع، بحيث كان ذلك بنفسه موضوعاً مستقلا للرياء، لا أنّه من الأوّل قصد الصلاة المتصفة بالخشوع الريائي، فحينئذ لا موجب للفساد و إن ارتكب الإثم.

و عليه فينبغي التفصيل في الخشوع الريائي و أشباهه بين ما إذا تعلّق القصد‌

 

 

32
موسوعة الإمام الخوئي14

الثامن أن يكون في مقدمات العمل ج 14 ص 33

[الثامن: أن يكون في مقدّمات العمل]

الثامن: أن يكون في مقدّمات العمل، كما إذا كان الرياء في مشيه إلى المسجد لا في إتيانه في المسجد، و الظاهر عدم البطلان في هذه الصورة (1).

[التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة]

التاسع: أن يكون في بعض الأعمال الخارجة عن الصلاة كالتحنك حال الصلاة، و هذا لا يكون مبطلًا إلّا إذا رجع إلى الرياء في الصلاة متحنّكاً (2).

[العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّٰه]

العاشر: أن يكون العمل خالصاً للّٰه، لكن كان بحيث يعجبه أن يراه الناس و الظاهر عدم بطلانه أيضاً (3)

______________________________
بهذا الفرد الخاص من الصلاة فتبطل، إذ الطبيعة و إن كانت مقصودة للّٰه إلّا أنّها لمّا كانت متحدة مع فردها خارجاً فلا جرم يسري الفساد منه إليها، و بين ما إذا خشع أو بكى في ضمنها رياءً، فلا يسري لعدم الاتحاد.

(1) لوضوح أنّ المقدمات أُمور خارجة عن العمل، فلا مقتضي للسراية.

(2) كما ظهر وجهه في كلتا الصورتين ممّا قدمناه في الخشوع، من الاتحاد مع الطبيعة تارة و عدمه اخرى، فلاحظ و لا نعيد.

(3) فانّ صفة العجب و إن كانت منقصة ينبغي للمؤمن الحقيقي تنزيه نفسه عنها، إلّا أنّها لا تستوجب البطلان بعد فرض صدور العمل بكامله خالصاً لوجهه الكريم، سيّما و إنّها عامّة البلوى لا ينجو منها إلّا الأوحدي و العارف الحقيقي الذي لا يهمّه مدح الناس أو قدحهم، و كل همّه طلب مرضاته سبحانه و إلّا فغالب الناس تعجبهم عباداتهم و يدخلهم السرور من رؤية الناس، و يحبّون أن يُمدحوا بها، و يعرفوا بين الناس بأنّهم من المتعبّدين و من عباد اللّٰه الصالحين لكن مجرّد ذلك لا دليل على قدحه في صحّة العبادة، بل قد دلّت على عدم القدح صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يعمل الشي‌ء من الخير فيراه إنسان فيسرّه ذلك، قال: لا بأس، ما من أحد إلّا و هو‌

 

 

33
موسوعة الإمام الخوئي14

العاشرأن يكون العمل خالصا لله ج 14 ص 33

كما أنّ الخطور القلبي لا يضرّ (1) خصوصاً إذا كان بحيث يتأذّى بهذا الخطور (2) و كذا لا يضرّ الرياء بترك الأضداد (3).

______________________________
يحبّ أن يظهر له في الناس الخير إذا لم يكن صنع ذلك لذلك» «1». و قد دلّ ذيلها على أنّه لو فعل الخير لغاية المعرفة فحسب بطل، لفقد قصد القربة حينئذ كما هو ظاهر.

(1) لعدم منافاته مع الإخلاص المعتبر في صحة العبادة و الانبعاث عن محض قصد الامتثال، بل هو من وساوس الشيطان كما جاء في بعض الأخبار «2».

(2) فانّ هذا التأذّي كاشف قطعي عن بلوغه مرتبة راقية من الخلوص و موجب لتأكد إضافة العمل إلى المولى سبحانه و تعالى.

(3) كما لو كان في مجلس يتكلم أهله بما يرجع إلى أُمور الدنيا، فأعرض عنهم و ترك مجالستهم مظهراً أنّه لا يحب اللغو و الخوض في غير أُمور الدين فكان مرائياً في هذا الابتعاد و الانفصال و قد تشاغل حينئذ في الصلاة، فإنّه لا موجب لفسادها، لعدم تعلق الرياء بها، بل بترك ضدّها و هو الاشتراك في ذاك المجلس الذي هو أمر آخر مقارن مع الصلاة، و لم يكن متّحداً معها.

و قد تحصّل من جميع الأقسام المتقدِّمة: أنّ الخصوصية المراءى فيها إن اتّحدت خارجاً مع العبادة كالصلاة جماعة أو أوّل الوقت أو في المسجد، بحيث كانت النسبة بينهما نسبة الطبيعي إلى أفراده، بطلت إذ الاتحاد يستوجب السراية لا محالة، و من البيِّن أنّ الحرام لا يكون مصداقاً للواجب.

______________________________
(1) الوسائل 1: 75/ أبواب مقدمة العبادات ب 15 ح 1.

(2) الوسائل 1: 107/ أبواب مقدمة العبادات ب 24 ح 3.

34
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الرياء المتأخر لا يوجب البطلان ج 14 ص 35

[مسألة 9: الرياء المتأخر لا يوجب البطلان]

[1422] مسألة 9: الرياء المتأخر لا يوجب البطلان، بأن كان حين العمل قاصداً للخلوص ثمّ بعد تمامه بدا له في ذكره، أو عمل عملًا يدل على أنّه فعل كذا (1).

______________________________
و أمّا لو لم تتّحد كالتحنّك رياءً و التخشع أثنائها كذلك، فتلك الخصوصية و إن حرمت إلّا أنّها لمّا كانت وجوداً مستقلا مغايراً لنفس العبادة، و إن كان مقارناً معها، فلا مقتضي حينئذ للسراية بوجه.

(1) إذ المنافي للخلوص إنّما هو الرياء المقارن للعمل، فإنّه الذي يمنع عن صدوره على وجه العبادة، إمّا المتأخر فلا تأثير له في المتقدّم، ضرورة أنّ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

أجل، ورد في مرسل علي بن أسباط عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه «قال: الإبقاء على العمل أشدّ من العمل. قال: و ما الإبقاء على العمل؟ قال: يصل الرجل بصلة و ينفق نفقة للّٰه وحده لا شريك له فكتبت له سراً، ثم يذكرها فتمحى فتكتب له علانية، ثم يذكرها فتمحى و تكتب له رياءً» «1»، فإنّها صريحة في سقوط العبادة بالكلية بذكرها مرّتين، و لكنّها لمكان الإرسال غير صالحة للاستدلال.

نعم، لا ريب في أنّ الذكر المزبور و الرياء بعد العمل صفة رذيلة و منقصة في العبد ينبغي تنزيه ساحته عنها، كما تشهد به صحيحة جميل بن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن قول اللّٰه عزّ و جلّ فَلٰا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقىٰ قال: قول الإنسان: صلّيت البارحة و صمت أمس و نحو‌

______________________________
(1) الوسائل 1: 75/ أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 2.

35
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

[مسألة 10: العجب المتأخر لا يكون مبطلًا]

[1423] مسألة 10: العجب المتأخر لا يكون مبطلًا، بخلاف المقارن فإنّه مبطل على الأحوط، و إن كان الأقوى خلافه (1).

______________________________
هذا، ثم قال (عليه السلام): إنّ قوماً كانوا يصبحون فيقولون صلّينا البارحة و صمنا أمس، فقال علي (عليه السلام): و لكنّي أنام الليل و النهار و لو أجد بينهما شيئاً لنمته» «1».

فإنّها ظاهرة في عدم محبوبيّة الإفشاء و الإشاعة، بل المحبوب كتمان العبادات عن الناس.

(1) لا شبهة في قبح صفة العجب تكويناً، بل كشفها عن خفّة عقل صاحبها ضرورة أنّ العاقل الكيِّس، متى لاحظ وفور نعم البارئ تعالى البالغة من الكثرة حدّا لا تحصى، و من أبرزها نعمة الوجود، ثم النعم الظاهرية و الباطنية يرى نفسه عاجزاً عن أداء شكر واحدة منها، كيف و هو ممكن لا يزال يستمد القوى من بارئه و لا يستغني عنه طرفة عين، بل يفتقر إليه في جميع حالاته حتى حالة التصدي للشكر، فيحتاج إلى شكر آخر فيتسلسل.

و منه تعرف أنّه لو استغرق في العبادة طيلة حياته و استوعبت ليله و نهاره لم يكن يقابل نعمة من نعمه الجزيلة، فكيف و هو لا يتشاغل بها إلّا في بضع ساعات، فإعجابه بعبادته الضئيلة التي استمدت مبادئها منه تعالى، و الحقيرة تجاه تلكم النعم العظيمة، و هو بهذه المثابة من العجز بحيث لا يستطيع من أداء شكر نعمة الوجود فقط، فضلًا عن سائر النعم في غاية القبح و الوهن، بل لا يكاد يجتمع مع سلامة العقل إلّا إذا فرض محالًا أنّه واجب وجود ثان، فلعلّ مثله يتمكّن من أداء شكره، لعدم انتساب وجوده إليه تعالى.

______________________________
(1) الوسائل 1: 74/ أبواب مقدمة العبادات ب 14 ح 1.

36
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
و أمّا حكمه تشريعاً، فلا ينبغي التأمل في حرمته، لأوله إلى هتك حرمة المولى و تحقير نعمه، إذ المعجب بعمله يرى نفسه غير مقصّر تجاه نعم ربّه، لأنّه قد أتى بما يساويها أو يزيد عليها، فلا يرى و العياذ باللّٰه فضلًا له تعالى عليه، و هو من أعظم الكبائر و الجرائم «1».

على أنّ النصوص الكثيرة و فيها المعتبرة قد دلت على الحرمة.

فمنها: ما رواه الكليني بإسناده، عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) قال اللّٰه تعالى: إنّ من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي، فيقوم من رقاده و لذيذ وساده فيجتهد لي الليالي فيتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة و الليلتين، نظراً منّي له و إبقاءً عليه، فينام حتى يصبح فيقوم و هو ماقت لنفسه زارئ عليها، و لو أُخلّي بينه و بين ما يريد من عبادتي لدخله العجب من ذلك، فيصيّره العجب إلى الفتنة بأعماله، فيأتيه من ذلك ما فيه هلاكه لعجبه بأعماله و رضاه عن نفسه، حتى يظنّ أنّه قد فاق العابدين و جاز في عبادته حدّ التقصير فيتباعد منِّي عند ذلك و هو يظن أنّه يتقرّب إليّ» «2».

______________________________
(1) هذا وجيه لو أُريد بالعجب ذلك، دون ما كان خارجاً عن الاختيار ممّا لا يصح تعلّق التكليف به، كالذي يعرض في الأثناء من الهواجس و الخواطر أو الاعتقاد الراسخ الناشئ من ضم الصغرى إلى الكبرى، و إن كان مخطئاً في الاستنتاج لاستناد مبادئه إلى نوع من الجهل و الغرور، فإنّه بهذا المعنى صفة نفسانية غير مسبوقة بالعزم و الإرادة لتقع مورداً للتكليف، و عليه يبتني ما اختاره المحقق الهمداني (قدس سره) من إنكار الحرمة كما صرّح به في كتاب الطهارة من مصباح الفقيه: [123، السطر 6]. و اختاره (دام ظله) هناك [شرح العروة 6: 20].

(2) الوسائل 1: 98/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 1، الكافي 2: 60/ 4.

37
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
و هي و إن كانت واضحة الدلالة، إلّا أنّ السند ضعيف، لاشتماله على داود بن كثير الرقي الذي تعارض فيه التوثيق و التضعيف، فلا يمكن التعويل عليها «1».

و منها: معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): الرجل يعمل العمل و هو خائف مشفق، ثم يعمل شيئاً من البر فيدخله شبه العجب به، فقال: هو في حاله الاولى و هو خائف أحسن حالًا منه في حال عجبه» «2».

و هي أيضاً واضحة الدلالة، لأنّ مفادها أنّ المعصية مع الخوف أهون من العبادة مع العجب.

كما أنّها معتبرة السند، إذ ليس فيه من يتأمل فيه ما عدا محمد بن عيسى العبيدي الذي استثناه الصدوق تبعاً لشيخه ابن الوليد من روايات يونس لكنّك عرفت غير مرّة ما في هذا الاستثناء، و أنّه محكوم بالتوثيق، بل قيل إنّه من مثله، و لمزيد التوضيح راجع معجم الرجال «3».

إذن فلا ينبغي التأمّل في أنّ الإعجاب مبغوض عقلًا، و محرّم شرعاً، بل قد عدّ من المهلكات فيما رواه الصدوق بإسناده عن أبي حمزة الثمالي «4».

و إنّما الكلام في أنّه هل يستوجب البطلان أيضاً أو لا؟ ظاهر الأصحاب هو الثاني، و هو الصحيح.

______________________________
(1) لاحظ معجم رجال الحديث 8: 126/ 4429.

 (2) الوسائل 1: 99/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 2.

(3) معجم رجال الحديث 18: 119/ 11536.

(4) الوسائل 1: 102/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 12 [لكنّها ليست من الصدوق بل هي مروية من المحاسن للبرقي، و التي رواها الصدوق ليست عن أبي حمزة الثمالي].

38
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
أمّا في العجب المتأخر فظاهر جدّاً، لما تقدّم في الرياء اللّاحق من عدم تأثيره في السابق، إذ الشي‌ء لا ينقلب عمّا وقع عليه.

و أمّا في المقارن، فلأجل أنّ العجب فعل نفساني، و الصلاة عمل خارجي فلا اتحاد بينهما ليسري الفساد منه إليها، و لا دليل على بطلان الصلاة المقرونة بذلك بعد صدورها عن نيّة خالصة كما هو المفروض، و عدم خلل في شي‌ء مما يعتبر فيها.

فالصحة إذن مطابقة لمقتضى القاعدة. مضافاً إلى معتبرة يونس بن عمار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب، فقال: إذا كان أوّل صلاته بنية يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته و ليخسأ الشيطان» «1» فإنّ الراوي لم يذكر في كتب الرجال، لكنّه موجود في أسناد كامل الزيارات «2».

نعم، ربّما يستفاد الفساد مما رواه في الكافي بإسناده عن علي بن سويد، عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن العجب الذي يفسد العمل، فقال: العجب درجات: منها: أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه و يحسب أنّه يحسن صنعاً، و منها: أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على اللّٰه عزّ و جلّ، و للّٰه عليه فيه المنّ» «3».

فإنّ السند صحيح، إذ الظاهر أنّ المراد بالراوي هو علي بن سويد السائي الذي وثّقه الشيخ «4» من غير معارض، و قد دلّت على أنّ مفسديّة العجب في‌

______________________________
(1) الوسائل 1: 107/ أبواب مقدمة العبادات ب 24 ح 3.

(2) لكنّه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة، فلا يشمله التوثيق.

(3) الوسائل 1: 100/ أبواب مقدمة العبادات ب 23 ح 5، الكافي 2: 313/ 3.

(4) رجال الطوسي: 359/ 5320.

39
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10العجب المتأخر لا يكون مبطلا ج 14 ص 36

..........

______________________________
الجملة أمر مسلّم مفروغ عنه عند الراوي، و قد أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك.

و لكنّ الظاهر أنّها غير دالة على البطلان فيما نحن فيه، فانّ الفساد في الدرجة الأُولى لم يطرأ على العمل الصحيح الذي هو محل الكلام، بل العمل كان فاسداً من الأوّل، و إن حسب المعجب أنّه يحسن صنعاً، فتوصيف العجب بالمفسديّة من قبيل قولنا: ضيّق فم الركيّة، و قوله تعالى يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ «1» كما لا يخفى.

و أمّا في الدرجة الثانية فالفساد أيضاً واضح، ضرورة أنّ المنّ مبطل للعمل كما يكشف عنه قوله تعالى لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ «2» فانّ المنّة إذا كانت مبطلة للصدقة المعطاة للفقير، فكيف لا تبطل الإيمان باللّٰه الغني.

و أين هذا كلّه من الفساد و الذي نتكلّم حوله من إعجاب المرء بعبادته بحيث يرى نفسه غير مقصّر في مقام العبودية، و مؤدّياً لحقّ الربوبية. نعم، هو مبغوض و محرّم كما تقدم، إلّا أنّ إبطاله للعمل لا دليل عليه سواء أ كان بعده أم أثناءه.

و أمّا قبل العمل فنادر جدّاً، إذ لا موضوع له إلّا بلحاظ إعجابه بما يروم ارتكابه من العبادة و إعظامها.

و كيف ما كان، فما صنعه في المتن من الاحتياط الاستحبابي في مبطلية العجب المقارن حسن، حذراً عن مخالفة مَن ذهب إلى الإبطال على ما حكاه في الجواهر «3» عن بعض مشايخه.

______________________________
(1) الأحزاب 33: 33.

(2) البقرة 2: 264.

(3) الجواهر 2: 100.

40
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج 14 ص 41

[مسألة 11: غير الرياء من الضمائم إمّا حرام أو مباح أو راجح]

[1424] مسألة 11: غير الرياء من الضمائم إمّا حرام أو مباح أو راجح فان كان حراماً و كان متحداً مع العمل أو مع جزء منه بطل كالرياء، و إن كان خارجاً عن العمل مقارناً له لم يكن مبطلًا، و إن كان مباحاً أو راجحاً فان كان تبعاً و كان داعي القربة مستقلا فلا إشكال في الصحة، و إن كان مستقلا و كان داعي القربة تبعاً بطل، و كذا إذا كانا معاً منضمّين محرّكاً و داعياً على العمل، و إن كانا مستقلّين فالأقوى الصحّة، و إن كان الأحوط الإعادة (1).

______________________________
(1) ما قصده من الضميمة إمّا أن يكون متّحداً مع ما أتى به بقصد القربة و إمّا أن يكون خارجاً عنه مقارناً معه.

أمّا في الفرض الثاني، فلا إشكال في صحة العمل حتى فيما إذا كانت الضميمة محرّمة، و لكن بشرط عدم الإخلال بقصد القربة، بأن كان الداعي الإلهي مستقلا، سواء أ كان داعي الضميمة أيضاً كذلك أم لا.

و أمّا في الفرض الأوّل، فلا يخلو الحال من أنّ الضميمة إمّا أن تكون محرّمة أم لا، سواء أ كانت راجحة أم مباحةً أم مكروهةً.

أمّا إذا كانت الضميمة محرّمة فلا إشكال في بطلان العمل لما مرّ غير مرّة من عدم صلاحية الحرام للتقرب به.

و هل يجدي التدارك فيما إذا كانت الضميمة في خصوص الجزء أو لا؟

الكلام فيه هو الكلام في المسألة السابقة «1» و لا يفرق في الحكم بالبطلان بين الصور الأربع، من كون الداعيين مستقلّين أم منضمّين أم مختلفين، فانّ الوجه المزبور يأتي في جميع الصور و لذا حكم الماتن (قدس سره) بالبطلان على الإطلاق.

______________________________
(1) راجع ص 26.

41
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11غير الرياء من الضمائم إما حرام أو مباح أو راجح ج 14 ص 41

..........

______________________________
و أمّا إذا كانت الضميمة مباحة أو راجحة أو مكروهة، كالاتيان بالصلاة بداعي الأمر و تعليم الغير تبرّعاً أو مع الأُجرة، فإن كان داعي الضميمة تبعاً، و داعي القربة مستقلا، فلا إشكال في الصحة، لعدم قادحية مثل هذه الضميمة التبعية بعد أن لم تكن مخلّة بقصد القربة الّذي هو المناط في صحة العبادة، كما أنّه في فرض العكس لا ينبغي الشك في البطلان من جهة عدم تحقق القربة، إذ المفروض أنّ الأمر الإلهي في نفسه لم يكن داعياً إلى الإتيان بالعبادة.

و منه يعلم حكم ما إذا كانا معاً منضمّين محرّكين و داعيين، فإنّه أيضاً تكون الصلاة باطلة من جهة الإخلال بقصد القربة.

و أمّا إذا كان كل واحد منهما مستقلا في الداعوية، و سبباً تامّاً في عالم الاقتضاء و كافياً في تحقيق العمل منعزلًا عن الآخر، و إن كان صدوره خارجاً مستنداً إليهما فعلًا، لاستحالة صدور الواحد عن سببين مستقلين، فالحق صحة العمل حينئذ، لصحة استناده إلى أمر المولى بعد كونه في نفسه سبباً تامّاً في التأثير، فإنّ ما دلّ على اعتبار القربة في العبادة لا يدل على أزيد من اعتبار كون العمل منبعثاً عن الداعي الإلهي، و أمّا اعتبار عدم وجود محرّك آخر نحو العمل، و خلوّه عن قصد آخر، فالدليل المزبور قاصر عن إثباته.

كما أنّ ما دلّ على اعتبار الخلوص منصرف إلى ما يقابل الشرك في العبادة أعني الرياء، كما أُشير إليه في بعض الأخبار «1» و لا أقل من عدم انعقاد إطلاق له بحيث يتناول سائر الضمائم كما لا يخفى. إذن فلا مانع من الصحة لا من ناحية الخلوص و لا من ناحية القربة.

بل كثيراً ما لا ينفك الرادع الإلهي عن مثل هذا القصد، أ لا ترى أنّ الوجيه و الشريف بمقتضى مكانته و كرامته بين الناس لا يكاد يتناول المفطر في السوق‌

______________________________
(1) الوسائل 1: 61/ أبواب مقدمة العبادات ب 8 ح 9.

42
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

[مسألة 12: إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها]

[1425] مسألة 12: إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها كأن قصد بركوعه تعظيم الغير و الركوع الصلاتي، أو بسلامه سلام التحيّة و سلام الصلاة، بطل إن كان من الأجزاء الواجبة قليلًا كان أم كثيراً، أمكن تداركه أم لا، و كذا في الأجزاء المستحبة غير القرآن و الذكر على الأحوط [1] و أمّا إذا قصد غير الصلاة محضاً فلا يكون مبطلًا إلّا إذا كان ممّا لا يجوز فعله في الصلاة، أو كان كثيراً (1).

______________________________
في شهر رمضان و إن لم يكن صائماً، حفظاً منه على شرافته، فيكون كل من الأمرين داعياً إلى الاجتناب عن المفطرات. فيظهر أنّ المدار في العبادية على إمكان داعوية الأمر الإلهي و صلاحيّته للبعث، و إن لم تستند الدعوة إليه بالفعل لمانع خارجي كما عرفت.

و بالجملة: كثرة وقوع الفرض بين الناس ما عدا الأوحدي منهم خير شاهد على عدم اعتبار انفراد الداعي الإلهي، و أنّ العبرة بكونه علة تامة في البعث أو الزجر لا علة منحصرة، و إن كان هذا هو الفرد الكامل، فالعمدة تمام العبودية و لا يعتبر كمالها. نعم، الأحوط الإعادة كما في المتن خروجاً عن شبهة الخلاف.

(1) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لحكم ما إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بعنوانين، بقصد عنوان الجزئية و بقصد عنوان آخر مغاير لها. فحكم (قدس سره) أنّ المأتي به إن كان من الأجزاء الواجبة بطل نفس الجزء، قليلًا كان أم كثيراً، كما أنّه يكون مبطلًا لأصل العمل بقرينة قوله (قدس سره): أمكن تداركه أم لا، فلا تصح الصلاة حتى مع التدارك.

و كأنّ الوجه فيه: أنّ الفعل الواحد الشخصي لا يصلح أن يقع مصداقاً‌

______________________________
[1] لا فرق بين القرآن و الذكر و بين غيرهما، و لعدم البطلان في الجميع وجه غير بعيد.

43
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

..........

______________________________
لعنوانين متغايرين، و وقوعه لأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجح. فهذا الجزء يكون بنفسه باطلًا، لعدم صلاحيّته لأن يقع جزءاً من الصلاة، فلو تداركه بعنوان الصلاة فقط لوقعت الزيادة العمدية في الصلاة فتبطل، فالجزء الأوّل يكون باطلًا و مبطلًا. و هذا بخلاف ما لو أتى من الأوّل بشي‌ء من الأجزاء لا بقصد الصلاة، بل بعنوان آخر، فإنّه لا يكون مبطلًا، لعدم استلزام التدارك الزيادة العمدية، إذ المفروض أنّ الجزء الأوّل لم يأت به بعنوان الجزئية و لو منضماً.

هذا، و أمّا إذا كان المأتي به من الأجزاء المستحبّة، فحكم (قدس سره) أنّه يكون أيضاً باطلًا و مبطلًا، إلّا إذا كان المأتي به من القرآن أو الذكر.

أمّا حكمه (قدس سره) بالبطلان فلعين ما مرّ. و أمّا الإبطال في غير الذكر و القرآن فهو مبني على أنّ مطلق الزيادة في الصلاة و إن لم يكن من الأجزاء الواجبة مبطل. و أمّا استثناؤهما فلما دلّ على عدم كون زيادتهما من الزيادة القادحة، بل هما من الصلاة كما ورد من أنّه كلّ ما ذكرت به ربّك في الصلاة، أو كلّ ما قرأت من القرآن فهو من الصلاة «1».

أقول: للمناقشة فيما أفاده (قدس سره) مجال واسع. أمّا ما ذكره من الحكم ببطلان العمل فيما إذا كان المأتي به من الأجزاء الواجبة، فهو على إطلاقه ممنوع و ذلك لأنّ العنوانين المقصودين قد يكونان متنافيين و غير قابلين للاجتماع في شي‌ء واحد بوجه كالمثالين المذكورين في المتن، فانّ الانحناء الركوعي في الصلاة لا بعنوان الصلاة يكون بمجرّده مبطلًا من جهة الزيادة العمدية كما في السجود و ما يكون مبطلًا كيف يمكن أن يقع جزءاً من الصلاة، فهما لا يجتمعان، و كذا الحال في التسليم بعنواني الصلاة و التحيّة.

______________________________
(1) الوسائل 7: 263/ أبواب قواطع الصلاة ب 13 ح 2.

44
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

..........

______________________________
و قد لا يكونان متنافيين و إن كانا متغايرين، كالاتيان بالقراءة بعنوان الصلاة و بعنوان التعليم، فانّ هذا العنوان لا يكون من المبطلات.

أمّا في الفرض الأوّل: فالمأتي به يكون فاسداً و مفسداً، لا من جهة كبرى أنّ الفعل الواحد لا يمكن أن يكون مصداقاً لعنوانين متغايرين، لعدم كلية هذه الكبرى كما لا يخفى، بل من أجل أنّ هذا الركوع يكون بنفسه من الزيادة العمدية كالسجود، و كذلك السلام، و ما يكون مبطلًا للصلاة كيف يحسب جزءاً لها. فلا محالة يكون زيادة عمدية، فتفسد الصلاة من أجله.

و منه يعلم أنّه إذا أتى بالركوع أو السلام محضاً من غير قصد الصلاة يكون مفسداً لها أيضاً من جهة الزيادة العمدية. فما ذكره (قدس سره) من نفي البطلان في هذا الفرض يكون على إطلاقه ممنوعاً أيضاً.

و أمّا في الفرض الثاني: فلا مانع من صحة المأتي به، و لا وجه لكونه مفسداً للصلاة إذا لم يكن قصد الصلاة تبعياً، لأنّ المستفاد من الأدلة هو اعتبار كون الإتيان به منبعثاً عن الأمر الإلهي و المفروض تحققه، و أمّا اعتبار عدم انضمام شي‌ء آخر إليه فلا دليل عليه، بل هذا عند التأمل و الدقّة يكون من الضميمة في النيّة، فتكون من صغريات المسألة المتقدمة التي قد عرفت الحكم فيها بالصحة في مثل هذا الفرض.

فما أفاده صاحب الجواهر «1» (قدس سره) من اختلاف المسألتين موضوعاً نظراً إلى أنّ موضوع الضميمة الفعل الواحد الّذي له غايات و أراد المكلف ضمّها بنية واحدة، و موضوع هذه المسألة قصد المكلف كون الفعل الواحد المشخّص مصداقاً لكليين متغايرين، و حكمه أنّه لو نواه لكل منهما لم يقع لشي‌ء منهما، لأصالة عدم التداخل في الأفعال عقلًا و شرعاً، و لذا لو نوى بالركعتين‌

______________________________
(1) الجواهر 9: 193.

45
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12إذا أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها ج 14 ص 43

..........

______________________________
الفرض و النفل لم يقع لأحدهما، كل ذلك محل تأمل و منع.

أمّا مثاله الأخير، فلأنه تختلف كل من الفرض و النفل عن الآخر ماهية من جهة اختلافهما في الآثار و الأحكام، فلا مورد للنقض بذلك كما لا يخفى.

و أمّا التداخل، فقد ذكرنا في محلّه «1» أنّ الأصل في المسببات هو التداخل فيما لو أمر بعنوانين كان بينهما العموم من وجه كإكرام العالم و الهاشمي، فأكرم من يكون متّصفاً بالوصفين، فإنّه قد امتثل كلا الأمرين، و من ثمّ التزمنا بالتداخل بين الغفيلة و نافلة المغرب.

و الحاصل: أنّ العنوانين إذا لم يكونا متنافيين لا مانع من قصدهما معاً مع مراعاة الشرط المتقدم.

و أمّا تفكيك الماتن في الأجزاء المستحبة بين القرآن و الذكر و غيرهما كجلسة الاستراحة، فلا نعرف له وجهاً صحيحاً، فإنّه إذا كان الوجه في إبطال مثل الجلسة لزوم الزيادة العمدية و لو باعتبار أنّ الأصل عدم التداخل، و عدم كون فعل واحد مصداقاً لعنوانين، فهذا الوجه بعينه يتمشّى في القرآن و الذِّكر أيضاً ضرورة أنّه إذا لم يقع مصداقاً لشي‌ء من العنوانين فلا محالة لا يكون مأموراً به فتقع زيادة في الصلاة، حيث إنّ المفروض قصد جزئيّته و لو على نحو الاستحباب و إذا قلنا بعدم قادحية الضميمة و أنّ الأصل هو التداخل، فالجلسة أيضاً لا بدّ من الالتزام بصحتها و عدم كونها مفسداً. فالتفكيك بينهما لا وجه له.

هذا، و لكنّ التحقيق هو صحة هذا الجزء و عدم كونه مفسداً على الإطلاق من غير فرق بين الذكر و القرآن و غيرهما، و ذلك لما بيّناه في محلِّه «2» من أنّه لا معنى للجزء المستحب، فانّ مقتضى الجزئية هو تقوّم المركّب بهذا الشي‌ء، و معنى‌

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 5: 124.

(2) مصباح الأُصول 3: 300.

46
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل ج 14 ص 47

[مسألة 13: إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل]

[1426] مسألة 13: إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل، إلّا إذا كان قصد الجزئية تبعاً و كان من الأذكار الواجبة (1).

______________________________
الاستحباب جواز تركه، و هذان الأمران مما لا يكاد اجتماعهما، فالتعبير بذلك يكون مبنياً على ضرب من المسامحة، بل هو عمل مستقل تعلق به أمر نفسي غايته أنّ وعاءه هو الصلاة، كما في كثير من الأدعية المأثورة للصائم في شهر رمضان، فيكون موجباً لمزية الفرد الذي يشتمل عليه.

فعليه لو أتى به قاصداً غير الصلاة أيضاً، يكون لغواً من دون أن تتّصف بالزيادة العمدية كي توجب فساد الصلاة، فلا يكون وجوده قادحاً في الصلاة بل غايته عدم ترتّب المزيّة و الفضيلة على الفرد المأتي به في ضمنه كما هو ظاهر.

(1) فانّ الواجب على المكلّف المتصدِّي للعبادة إنّما هو الإتيان بالطبيعة المأمور بها بقصد القربة، و أمّا الخصوصيات المكتنفة بها الأفراد من الإتيان في الزمان أو المكان، أو مع اللباس المعيّن و نحوها، كاختلاف مراتب رفع الصوت أو خفضه في الصلوات الجهرية أو الإخفاتية، فكلّها خارجة عن حريم المأمور به، و لا يعتبر فيها قصد التقرب و كان أمر التطبيق بيد المكلف، فله اختيار ما شاء من الخصوصيات الفردية.

و عليه فلو أتى بذات الجزء الواجب بداعي الأمر الإلهي و قد رفع صوته بداعي الاعلام مثلًا، لم يكن به بأس، لعدم قدحه في حصول الامتثال بوجه إلّا إذا كان الرفع المزبور مقصوداً بالذات و كانت جزئية أصل الذكر مقصودة بالتبع، فإنّه يبطل لعدم كفاية القصد التبعي في صدق التعبد كما تقدّم «1». فالجزء‌

______________________________
(1) في ص 42.

47
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13إذا رفع صوته بالذكر أو القراءة لإعلام الغير لم تبطل ج 14 ص 47

و لو قال اللّٰه أكبر مثلًا بقصد الذِّكر المطلق لإعلام الغير لم يبطل (1)، مثل سائر الأذكار التي يؤتى بها لا بقصد الجزئية.

[مسألة 14: وقت النيّة ابتداء الصلاة و هو حال تكبيرة الإحرام]

[1427] مسألة 14: وقت النيّة ابتداء الصلاة و هو حال تكبيرة الإحرام و أمره سهل بناءً على الداعي (2) و على الاخطار اللّازم اتصال آخر النيّة المخطرة بأوّل التكبير، و هو أيضاً سهل.

______________________________
باطل لفقدان النية، بل و مبطل للصلاة لنقصان الجزء إن اقتصر عليه، و للزيادة العمدية إن تداركه، بل و إن لم يتدارك كما لا يخفى.

و على الجملة: مجرّد ضمّ نيّة أُخرى في خصوصيات الأفراد لم يكن قادحاً في الصحة كما هو الحال في غير المقام أيضاً. فلو كان عنده ماءان طاهران أحدهما نظيف دون الآخر، فاختار النظيف للوضوء و للتنظيف لم يكن به بأس بعد أن كان قاصداً للامتثال في أصل الوضوء مستقلا.

(1) كما نطقت به جملة من النصوص التي منها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يكون في صلاته، و إلى جنبه رجل راقد فيريد أن يوقظه، فيسبّح و يرفع صوته لا يريد إلّا ليستيقظ الرجل، هل يقطع ذلك صلاته، و ما عليه؟ قال: لا يقطع ذلك صلاته و لا شي‌ء عليه» «1» و نحوها غيرها.

(2) و هو القصد الإجمالي الكامن في أُفق النفس الباعث نحو العمل في كافة الأفعال الاختيارية التي منها الصلاة، من غير فرق إلّا في الانبعاث عن قصد التقرّب، فهو إذن في غاية السهولة.

______________________________
(1) الوسائل 7: 257/ أبواب قواطع الصلاة ب 9 ح 9 [لكن في المصدر قرب الإسناد: 200/ 766 فيصيح بدل «فيسبّح»].

48
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة ج 14 ص 49

[مسألة 15: يجب استدامة النيّة إلى آخر الصلاة، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة]

[1428] مسألة 15: يجب استدامة النيّة إلى آخر الصلاة، بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة بحيث يزول الداعي على وجه لو قيل له ما تفعل يبقى متحيِّراً (1)، و أمّا مع بقاء الداعي في خزانة الخيال فلا تضرّ الغفلة، و لا يلزم الاستحضار الفعلي (2).

______________________________
و هكذا الحال بناءً على تفسيرها بالإخطار الراجع إلى إحضار صورة العمل بتمامه في الذهن مقارناً للتكبير، و هو أيضاً لا صعوبة فيه و إن كان الأوّل أسهل، و ما عدا ذلك هواجس نفسانية، بل وساوس شيطانية ينبغي للعاقل الاجتناب عنها، و عدم الاشتغال بها و إتلاف الوقت في سبيلها.

و قد حكي عن بعض الأكابر أنّه لو وجب على الإنسان أن يصلي بلا نيّة لتعذّر، ضرورة أنّ الفعل الاختياري لا بدّ و أن يصدر مع القصد و لا يمكن تفكيكه عنه، فالصعوبة إذن في ترك النيّة لا في فعلها.

(1) لكشف التحيّر عن زوال تلك النيّة الإجمالية الارتكازية عن أُفق النفس، إذ مع بقائها لزم الالتفات إليها بأدنى توجه.

و بالجملة: فالعبرة في الاستدامة باستناد العمل بقاءً إلى ما كان مستنداً إليه حدوثاً، من غير فرق إلّا من ناحية الالتفات التفصيلي و الإجمالي.

و الوجه في وجوب الاستدامة واضح، ضرورة عدم صدق الإتيان بتمام أجزاء المركب عن نيّة إلّا بذلك.

(2) أي في تمام حالات الصلاة تفصيلًا، إذ مضافاً إلى تعذّره غالباً، بل و منافاته مع الخشوع و حضور القلب المرغوب فيه في الصلاة، لا دليل عليه بوجه.

 

49
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15يجب استدامة النية إلى آخر الصلاة بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرة ج 14 ص 49

موسوعة الإمام الخوئي؛ ج‌14، ص: 50

[مسألة 16: لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلًا أو بعد ذلك]

[1429] مسألة 16: لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلًا أو بعد ذلك أو نوى القاطع و المنافي فعلًا أو بعد ذلك، فإن أتمّ مع ذلك بطل. و كذا لو أتى ببعض الأجزاء بعنوان الجزئية ثم عاد إلى النيّة الأُولى، و أمّا لو عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء لم يبطل، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة. و لو نوى القطع أو القاطع و أتى ببعض الأجزاء لا بعنوان الجزئية ثم عاد إلى النيّة الأُولى فالبطلان موقوف على كونه فعلًا كثيراً [1]، فان كان قليلًا لم يبطل خصوصاً إذا كان ذكراً أو قرآناً، و إن كان الأحوط الإتمام و الإعادة أيضاً (1).

______________________________
(1) بعد الفراغ عن اعتبار النيّة في تمام أجزاء الصلاة و استدامتها إلى آخرها تعرّض (قدس سره) لمسألة القطع و هي تنحل إلى فروع، و نحن نرتّبها على خلاف الترتيب المذكور في المتن، لكونه أسهل تناولًا كما ستعرف.

فمنها: أنّه لو نوى القطع أو القاطع في أثناء الصلاة فعلًا أو بعد ذلك، ثم عاد إلى النية الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء، فالمشهور حينئذ هو بطلان الصلاة. و ذهب المحقق في الشرائع «1» و جملة من المتأخرين منهم السيّد (قدس سره) في المتن إلى الصحة.

و استدلّ للمشهور بوجوه لا ينبغي التعرّض لأكثرها لوضوح فسادها. و العمدة منها إنّما هو وجه واحد و حاصله: أنّ المستفاد من أدلّة القواطع كقوله (عليه السلام): إنّ القهقهة أو الحدث أو التكلّم يقطع الصلاة «2»، و كذا ممّا دلّ على أنّ‌

______________________________
[1] أو كونه مما تبطل الصلاة بمطلق وجوده.

______________________________
(1) الشرائع 1: 95.

(2) راجع الوسائل 7: 250، 231، 281/ أبواب قواطع الصلاة ب 7، 1، 25.

 

 

50
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
افتتاحها التكبير و اختتامها التسليم «1»، أنّ للصلاة هيئة اتصالية ملحوظة بين المبدأ و المنتهى، و أنّها معتبرة في الصلاة، فكما أنّ الأجزاء من الأفعال و الأذكار من الصلاة، فكذلك الأكوان و الآنات المتخللة بينها، فلا بدّ من مراعاة النيّة و استدامتها في جميعها حتى في تلك الأكوان، لكونها منها كسائر الأجزاء، و النيّة شرط في جميعها، فكما أنّ الإخلال بسائر الشروط كالاستدبار و الحدث و التكلّم و نحوها يوجب البطلان حتى في تلك الأكوان بلا إشكال، فكذا استدامة النيّة و حيث إنّ نيّة القطع تستوجب الإخلال بالنيّة في هذه القطعة من الزمان و وقوعها عن غير نيّة، فلا محالة توجب بطلان الصلاة.

و بعبارة أُخرى: نيّة القطع إمّا أن توجب قطع الصلاة و الخروج عنها المساوق لبطلانها أو لا. فعلى الأوّل فهو المطلوب، و على الثاني و تسليم كونه بعد في الصلاة، فحيث إنّ هذا الكون الصلاتي عارٍ عن النيّة لا محالة فتختل استدامة النيّة في هذه القطعة من الزمان بالضرورة فيوجب البطلان من أجل فقدان الشرط قهراً.

و هذا أحسن ما قيل في وجه البطلان، و أمّا بقية الوجوه فكلّها ضعيفة ساقطة التي منها ما قيل من أنّ النيّة الأُولى بعد زوالها لا يجدي الرجوع إليها، لفوات المقارنة لأوّل العمل، و لا بدّ من صدور العمل عن نيّة سابقة عليه.

إذ فيه: أنّ النيّة اللازم سبقها على العمل هي نيّة المجموع و المفروض سبقها عند النيّة الأُولى، و أمّا نيّة الجميع أي نيّة كل جزء جزء قاصداً به الأمر الضمني المتعلِّق به، فهو مقارن لكل جزء لا سابق عليه، و هو حاصل بعد الرجوع و العود كما لا يخفى. و هكذا غيره من سائر الوجوه التي لا يخفى ضعفها على من لاحظها، فالعمدة إذن هو الوجه الذي عرفته.

______________________________
(1) راجع الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1، 415/ أبواب التسليم ب 1.

51
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
و الجواب: أنّا نختار الشق الثاني، و أنّ مجرد نيّة القطع أو القاطع لا يوجب الخروج عن الصلاة. قولكم إنّ اللّازم منه الإخلال باستدامة النيّة في الأكوان المتخللة، فيه: أنّه لا دليل على اعتبار الاستدامة فيما عدا الأجزاء من الأفعال و الأذكار.

و أمّا الاستشهاد لذلك بأدلّة القواطع، و بحديث التحليل و التحريم المستكشف بهما رعاية الهيئة الاتصالية، فيدفعه: أنّ غاية ما يثبت بها أنّ المصلِّي بعد شروعه في الصلاة ما لم يأت بالمنافي و لم يسلّم فهو في الصلاة و ليس خارجاً عنها، أي انّ الأجزاء السابقة صالحة لأن تنضمّ إليها الأجزاء اللّاحقة، و أين هذا من كون الأكوان المتخللة من الصلاة حتى يعتبر فيها ما يعتبر في الأجزاء و كم فرق بين الكون في الصلاة و بين أن يكون الشي‌ء من الصلاة. و المستفاد من تلك الأدلة إنّما هو الأوّل دون الثاني كما هو ظاهر.

بل إنّ المستفاد من صحيحة حماد «1» الواردة في بيان كيفية الصلاة و ما لها من الأجزاء، عدم كون الأكوان المتخللة منها، لعدم التعرض إليها.

و عليه فلا دليل على لزوم مراعاة النيّة في الأكوان المتخللة كي يصادمها نيّة القطع أو القاطع، فلو عاد عن نيّته و رجع إلى النيّة الأُولى صحّت صلاته للتحفّظ على استدامة النيّة فيما تعتبر فيه من الأجزاء أعني الأفعال و الأذكار.

هذا، و مع التنزّل عن ذلك و الشك في اعتبار النيّة في الأكوان، فتكفينا أصالة البراءة عن اعتبارها فيها بعد إمكان أخذها فيها شرعاً بناءً على ما هو الصحيح من جواز الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين.

و ممّا ذكرنا يظهر حال فرع آخر و إن لم يتعرّض له في المتن و لعلّه لوضوحه-

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

52
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
و هو ما لو تردد في القطع ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء، فإنّ الصحة حينئذ بطريق أولى، إذ الحكم بالصحة مع نيّة القطع الجزمية يستوجب الحكم بها مع الترديد بالأولوية. على أنّ بعض الوجوه المذكورة للبطلان هناك غير جارٍ هنا كما لا يخفى.

و منها: لو نوى القطع أو القاطع فعلًا أو بعد ذلك و أتمّ صلاته مع هذه الحالة، و قد حكم في المتن بالبطلان حينئذ، و حيث إنّ المنافاة بين نيّة القطع المساوقة لرفع اليد عن الصلاة و الخروج عنها، و بين الإتمام بعنوان الصلاة ظاهرة، لما بينهما من المضادة، و يمتنع القصد فعلًا إلى المتضادين معاً، فلا بدّ من فرض كلامه (قدس سره) فيما إذا كان الإتمام لا بعنوان الصلاة، بل بعنوان آخر من التعليم و نحوه، أو بأن ينوي القطع في مقام الامتثال، بأن يفرض الأجزاء السابقة كالعدم و يبني على استئناف العمل و إن لم يقطعها خارجاً.

و كيف ما كان، فالظاهر هو البطلان سواء اقتصر عليها أم تدارك الأجزاء المأتي بها بعد نيّة القطع. أما الأوّل فظاهر، للإخلال بقصد الجزئية و استدامة النيّة المعتبرة في الصلاة. و كذا الثاني، للزوم الزيادة لو تداركها، و لا أقل من حيث زيادة السلام المبطل لها بلا إشكال.

و منه يظهر حكم ما لو أتى ببعض الأجزاء كركعة مثلًا ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل إتمام الصلاة، فإنّه يحكم أيضاً بالبطلان، سواء اقتصر عليها أم تداركها، للإخلال بقصد الجزئية على الأوّل كما مرّ، و للزوم الزيادة على الثاني في مثل الركوع و السجود، فانّ المأتي منهما أوّلًا و إن لم يكن بعنوان الجزئية كما عرفت إلّا أنّ المستفاد ممّا دلّ على المنع من قراءة سور العزائم في الصلاة معللًا بلزوم السجدة و أنّها زيادة في المكتوبة، أنّ مطلق الركوع و السجود زيادة في الصلاة و إن لم يقصد بهما الجزئية كما في سجدة التلاوة.

53
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
نعم، لو لم تكن تلك الأجزاء من قبيل الركوع و السجود، كما لو نوى القطع و هو في الركعة الثانية مثلًا فقرأ الفاتحة و السورة مع هذه الحالة ثم عاد إلى النيّة الأُولى قبل الركوع و تدارك القراءة، فالظاهر الصحة، لعدم اتصاف تلك القراءة بالزيادة بعد أن لم يقصد بها الجزئية كما هو المفروض اللّٰهمّ إلّا أن تكون تلك الأجزاء كثيرة، كما لو قرأ سورة طويلة بحيث كانت ماحية «1» لصورة الصلاة فتوجب البطلان حينئذ من هذه الجهة.

و ملخّص الكلام: أنّه مع نيّة القطع لو أتمّ الصلاة كذلك فهي محكومة بالبطلان مطلقاً، و لو عدل إلى النيّة الأُولى قبل الإتمام فيفصّل حينئذ بين ما إذا كانت الأجزاء المأتي بها في تلك الحالة من الأركان كالركوع و السجود، و بين ما كانت من غيرها كالقيام و القراءة و نحوهما فيحكم بالبطلان في الأُولى سواء تداركها أم لا، و بالصحة في الثاني مع التدارك، إلّا إذا كانت كثيرة ماحية للصورة.

هذا كله فيما إذا نوى القطع فعلًا، و أمّا إذا نوى القطع بعد ذلك فالظاهر البطلان مطلقاً، أي سواء أتمّها أم عدل إلى النيّة الأُولى قبل الإتمام، و سواء أ كانت من الأركان أم لا، و سواء تداركها أم لا، لأنّ الأجزاء المأتي بها لم يقصد بها الأمر الصلاتي قطعاً، إذ لا يجامع ذلك مع العزم على القطع فيما بعد، و لا بدّ في الصحة من استدامة النيّة إلى آخر الصلاة، الملازم للانبعاث عن الأمر النفسي المتعلق بمجموع الصلاة بمقتضى فرض الارتباطية الملحوظة بين الأجزاء، فهو غير قاصد لامتثال الأمر عند الإتيان بتلك الأجزاء، فهو كمن دخل في الصلاة غير قاصد إلّا إلى ركعة واحدة منها، التي بطلانها أظهر من أن يخفى.

______________________________
(1) السورة الطويلة غير ماحية للصورة كما سيأتي التعرّض لذلك، راجع العروة 1: 535/ الثامن، بعد الرقم [1740]، شرح العروة 15: 501.

54
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16لو نوى في أثناء الصلاة قطعها فعلا أو بعد ذلك ج 14 ص 50

..........

______________________________
فلم تقع تلك الأجزاء مصداقاً للمأمور به، و حيث إنّه يأتي بها بعنوان الجزئية كما هو لازم فرض البناء على القطع فيما بعد لا فعلًا فلا ينفعه التدارك بعدئذ، لاستلزامه اتصاف هذه الأفعال بالزيادة العمدية المبطلة، إذ لا نعني بها إلّا الإتيان بشي‌ء بعنوان الجزئية، و لم يكن منها المنطبق على المقام فيحكم بالبطلان و إن لم تكن من الأركان.

و منه يظهر الفرق بين هذه الصورة و الصورة السابقة، أعني نيّة القطع فعلًا فإنّ الأفعال لم يقصد بها الجزئية هناك بخلاف المقام.

هذا كلّه في نيّة القطع. و أمّا إذا نوى القاطع و مع ذلك استمرّ في العمل و أتى بالأجزاء، فإمّا أن ينويه فعلًا أو بعد ذلك.

أمّا في الأوّل: فالظاهر الصحة، ضرورة أنّ الاستمرار في العمل مع البقاء على نيّة القاطع فعلًا ممّا لا يجتمعان، فإنّهما متضادان، للتضاد بين التكلّم مثلًا و الصلاة المقيدة بعدمه، فمقتضى العزم على القاطع رفع اليد عن الصلاة، فكيف يجامع مع الإدامة بها و الإتيان بالأفعال بقصد الجزئية، فلا يمكن تصحيح الفرض إلّا بالعدول إلى النيّة الأُولى قبل الأخذ في الاستمرار، و قبل أن يأتي بشي‌ء من الأفعال، فيرجع حينئذ إلى الفرع الأوّل الّذي ذكرناه في صدر المسألة، أعني ما لو نوى القطع أو القاطع ثم عدل إلى النيّة الأُولى قبل أن يأتي بشي‌ء، و قد عرفت هناك بما لا مزيد عليه أنّ الأقوى الصحة.

و أمّا الثاني: أعني نيّة القاطع فيما بعد، فيظهر حكمه مما مرّ آنفاً في نيّة القطع فيما بعد، الذي عرفت أنّ الأقوى البطلان حينئذ في جميع الصور. هكذا ينبغي أن تحرّر المسألة، و في عبارة الماتن في المقام خلط و تشويش كما لا يخفى على من لاحظها.

55
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 17لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطورا إلى غيرها صحت ج 14 ص 56

[مسألة 17: لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت]

[1430] مسألة 17: لو قام لصلاة و نواها في قلبه فسبق لسانه أو خياله خطوراً إلى غيرها صحّت على ما قام إليها، و لا يضرّ سبق اللسان و لا الخطور الخيالي (1).

[مسألة 18: لو دخل في فريضة فأتمّها بزعم أنّها نافلة غفلة]

[1431] مسألة 18: لو دخل في فريضة فأتمّها بزعم أنّها نافلة غفلة أو بالعكس صحّت على ما افتتحت عليه (2).

______________________________
(1) قد عرفت أنّ المناط في النيّة التي عليها تبتني صحة العمل هو الانبعاث عن إرادة نفسية ارتكازية باعثة على ارتكاب العمل و إن لم يلتفت إليها فعلًا بالتفصيل، و عليه فلا أثر لسبق اللسان و لا الخطورات الزائدة بعد صدور العمل عن تلك النيّة الارتكازية، فشي‌ء منها غير قادح فيها.

(2) ربما يعلل الحكم بمطابقته للقاعدة، حيث إنّ الإتمام منبعث عن النيّة الاولى لا غير، فغايته أنّ تخيل الخلاف يكون من باب الخطأ في التطبيق و الاشتباه في تعيين المنوي، و ذلك ممّا لا دخل له في الإتمام، فلا يقدح في الصحة على ما افتتحت عليه.

و فيه: أنّ باب الخطأ في التطبيق أجنبي عن أمثال المقام ممّا يتقوّم الامتثال بالقصد، و لا واقع له وراء ما نواه و قصده، و إنّما يجري فيما لو كان الاشتباه في الأُمور الخارجية الأجنبية عن حريم الامتثال، كما لو أتى بالعمل بداع قربي باعتقاد أنّه واجب فتبيّن أنّه مستحب، أو بالعكس، أو صام يوماً بتخيّل أنّه يوم مبارك كالجمعة مثلًا فتبيّن الخلاف، أو صلى خلف من في المحراب باعتقاد أنّه زيد فبان عمراً و نحو ذلك، فانّ كون الأمر وجوبياً أو استحبابياً أو اليوم ذا فضيلة و عدمه، أو من في المحراب زيداً أو عمراً لا دخل لشي‌ء من ذلك في تحقّق الامتثال بعد الإتيان بذات العمل على وجهه بداع قربي.

56
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة ج 14 ص 56

..........

______________________________
فتخيل الخلاف و الاشتباه في التطبيق غير قادح في الصحة في أمثال ذلك لكون المأتي به مصداقاً للمأمور به الواقعي، فالانطباق قهري و الإجزاء عقلي.

و أمّا إذا كان المأمور به في حدّ ذاته متقوّماً بالقصد بحيث لا واقع له وراء ذلك، فقصد الخلاف قادح في مثله بالضرورة، لعدم انطباق المأمور به على المأتي به بعد الإخلال بالقصد الدخيل في حقيقته.

فلو اعتقد أنّ عليه فريضة قضائية فنواها، ثم تبيّن أنّ الذمة غير مشغولة إلّا بالأدائية، أو اعتقد الإتيان بنافلة الفجر فصلى فريضته، أو أراد بيع شي‌ء فاشتبه و وهبه، فإنّها لا تقع أداءً في الأوّل، و لا نافلة في الثاني، و لا بيعاً في الثالث بلا إشكال.

و السرّ هو ما عرفت من تقوّم تلك الأُمور بالقصود و دخلها في تحقّق الامتثال و قد تجرّد العمل عنها، فلا تقع مصداقاً للمأمور به قطعاً، و لا شك أنّ المقام من هذا القبيل، فانّ قصد الفريضة و الاستدامة على هذا القصد إلى آخر العمل دخيل في صحتها و وقوعها فريضة، فلو عدل عنها في الأثناء إلى النافلة غفلة فهي لا تقع مصداقاً للفريضة للإخلال بالنيّة بقاءً، كما أنّها لا تقع مصداقاً للنافلة لعدم القصد إليها حدوثاً، و كذا الحال فيما لو دخل في النافلة فأتمّها فريضة فإنّها لا تقع مصداقاً لشي‌ء منهما، و من المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من الفريضة و النافلة.

و على الجملة: فلا يمكن تصحيح هذه الصلاة على طبق القواعد بل مقتضى القاعدة بطلانها كما عرفت، و إنّما المستند الوحيد في صحتها و وقوعها على ما افتتحت عليه هي الروايات الخاصة الواردة في المقام، و عمدتها صحيحة عبد اللّٰه ابن المغيرة قال في كتاب حريز أنّه قال: «إنِّي نسيت أنِّي في صلاة فريضة (حتى ركعت) و أنا أنويها تطوّعاً. قال: فقال (عليه السلام) هي التي قمت فيها، إذا‌

57
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دخل في فريضة فأتمها بزعم أنها نافلة غفلة ج 14 ص 56

..........

______________________________
كنت قمت و أنت تنوي فريضة ثم دخلك الشك فأنت في الفريضة، و إن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة فأنت في النافلة، و إن كنت دخلت في فريضة ثم ذكرت نافلة كانت عليك مضيت في الفريضة» «1».

و دلالتها على المطلوب ظاهرة، و المراد من الشك في قوله (عليه السلام) «ثم دخلك الشك» السهو كما يطلق عليه كثيراً في لسان الأخبار، و السند صحيح فإنّ إبراهيم بن هاشم موثق، و كذا عبد اللّٰه بن المغيرة الذي هو من أصحاب الكاظم (عليه السلام)، و لا يقدح روايته عن كتاب حريز لا عنه نفسه كي يتأمل في طريقه إلى الكتاب، فانّ حريزاً و إن كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) لكنّه بقي بعد وفاته (عليه السلام) بل قيل إنّه روى عن الكاظم (عليه السلام) و إن منعه النجاشي «2». و كيف كان فهو معاصر لابن المغيرة، بل إنّ كثيراً من أصحاب الكاظم (عليه السلام) رووا عن حريز «3» بلا واسطة، و عليه فطبع الحال يقتضي أن يكون كتابه معروفاً لديهم و واصلًا إليهم بطريق معتبر فروايته عنه إخبار عن الحسّ دون الحدس كما لا يخفى.

و هناك روايتان أُخريان موافقتان مع الصحيحة المتقدمة بحسب المضمون مؤيّدتان للمطلوب، إحداهما: رواية معاوية، و الأُخرى رواية عبد اللّٰه بن‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 1.

(2) رجال النجاشي: 144/ 375.

(3) كثرة الرواية عن حريز نفسه لا تستوجب صحّة الطريق إلى كتابه، كما أنّ المعروفية لا تلازمها. و العمدة أنّ الرواية مضمرة فلا يعوّل عليها حتى لو صحّ السند، إذ لم يسندها إلى المعصوم، و لعلّه رواها عن زرارة نفسه، كما قد يعضده أنّ كتابه مشحون بنقل فتاواه و لم يكن في الجلالة بمثابة زرارة كي لا ينقل عن غير المعصوم، و كلمة (عليه السلام) زيادة من صاحب الوسائل أو تصرّف من النسّاخ لخلوّ المصدر و هو الكافي 3: 363/ 5، و التهذيب 2: 342/ 1418 عن ذلك.

58
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

[مسألة 19: لو شكّ فيما في يده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً]

[1432] مسألة 19: لو شكّ فيما في يده أنّه عيّنها ظهراً أو عصراً مثلًا (1)، قيل بنى على التي قام إليها، و هو مشكل، فالأحوط الإتمام و الإعادة [1] نعم لو رأى نفسه في صلاة معيّنة و شكّ في أنّه من الأوّل نواها أو نوى غيرها، بنى على أنّه نواها و إن لم يكن مما قام إليه، لأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.

______________________________
أبي يعفور «1» إلّا أنّ سندهما لا يخلو عن الخدش، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي فلا تصلحان إلّا للتأييد.

(1) تارة يفرض الكلام في المترتبتين كالظهرين و العشاءين، و أُخرى في غيرهما كالفريضة و النافلة، و الأداء و القضاء و نحوهما.

أمّا في الاولى: فلا ينبغي الإشكال في الصحة في فرض صحة العدول و بقاء محلّه، كما لو علم بعدم الإتيان بالظهر، أو شكّ فيه و رأى نفسه في صلاة لم يدر أنّه دخل فيها بعنوان الظهر أو العصر، فإنّه يعدل بها إلى الظهر و يتمّها كذلك و تصح بلا إشكال، لأنّه إن دخل فيها بعنوان الظهر فهو، و إلّا فله العدول إليه و هذا لا غبار عليه.

و كذا الحال في العشاءين مع بقاء محل العدول، كما لو كان الشك المزبور قبل الدخول في ركوع الركعة الرابعة.

و أمّا إذا لم يكن المورد من موارد العدول، كما إذا كان شكّه فيما في يده بعد العلم بالإتيان بالصلاة الاولى من الظهر أو المغرب، أو فرض الكلام في غير‌

______________________________
[1] هذا في غير المترتبتين، و أمّا فيهما فلو لم يكن آتياً بالأُولى جعل ما في يده الاولى و صحّت بلا إشكال.

______________________________
(1) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 2، 3.

59
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

..........

______________________________
المترتبتين كالفريضة و النافلة، و الأداء و القضاء، فتارة يعلم أنّه قام إلى صلاة معيّنة و يشك في أنّه دخل فيها بالعنوان الذي قام إليه، و أُخرى لا.

أمّا الثاني، فلا إشكال في البطلان، لعدم إحراز النيّة كما هو ظاهر.

و أمّا في الأوّل، فربّما يقال بالصحة و وقوعها على التي قام إليها، و يستدل له تارة: بأصالة عدم العدول عما قام إليه، و أُخرى: بخبر ابن أبي يعفور المتقدم فانّ قوله (عليه السلام) في صدره: «هي التي قمت فيها و لها» شامل للمقام و ظاهر في أنّ المدار على ما قام إليه و إن دخله الشك بعدئذ.

و في كلا الوجهين ما لا يخفى، فانّ العدول ليس بنفسه حكماً شرعياً و لا موضوعاً ذا أثر، و إنّما اللّازم إحراز استناد الصلاة إلى النيّة التي قام إليها و إثبات ذلك باستصحاب عدم العدول من أظهر أنحاء الأصل المثبت كما لا يخفى.

و أمّا الخبر فصدره و إن لم يأب عن الشمول للمقام كما عرفت إلّا أنّ ذيله شاهد على الخلاف و مفسّر للمراد من الصدر، فانّ قوله (عليه السلام): «و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي ...» إلخ، و قوله (عليه السلام): «إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته»، يشهد بأنّ المراد مراعاة النيّة التي افتتح بها صلاته و دخل فيها بها، لا ما قام إليها و إن لم يدر أنّه ابتدأ بها في أوّل صلاته أم لا كما في المقام. فالرواية ناظرة إلى المسألة السابقة، و هي ما لو دخل في الصلاة بنية معيّنة ثم أتمّها بنية أُخرى غفلة، و أجنبية عن المقام رأساً كما هو ظاهر.

هذا، مضافاً إلى عدم خلوّ سندها عن الخدش، لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ، و إن كان رجال السند كلّهم موثقين مع الغض عن الطريق المزبور.

فتحصّل: أنّ الأقوى هو الحكم بالبطلان في مثل ذلك، لقاعدة الاشتغال بعد الشك في صدور النيّة على وجهها.

60
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

..........

______________________________
هذا كلّه فيما إذا كان شكه فيما في يده على نحو يشك في حالته الفعلية أيضاً.

و هناك نوع آخر تعرّض له في المتن، و هو ما إذا لم يتعلّق الشك بالحالة الفعلية، فيرى نفسه فعلًا في صلاة العصر مثلًا و شكّ في أنّه نواها من الأوّل كي تصح، أو نوى غيرها كالظهر مثلًا كي لا تصح، لعدم جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة. و ليفرض الكلام فيما لو كان آتياً بصلاة الظهر و إلّا إمّا جزماً أو احتمالًا فيعدل بها إليه و يتمّها ظهراً و لا إشكال كما تقدّم، أو رأى نفسه في الفريضة و شكّ في أنّه نواها من الأوّل، أو نوى النافلة.

حكم في المتن حينئذ بالصحة، و أنّه يبني على أنّه نواها كذلك من الأوّل و إن لم يكن ممّا قام إليه، و علّله بأنّه يرجع إلى الشك بعد تجاوز المحل.

أقول: إن أراد (قدس سره) إجراء قاعدة التجاوز في نفس النيّة ابتداءً فعليه إشكال ظاهر كما ستعرف، و إن أراد إجراء القاعدة في شي‌ء آخر يلازم الشك في النيّة بحيث يكون مرجعه إلى الشك بعد تجاوز المحل على وجه دقيق لا أنّه منه ابتداءً، كما لا يبعد ظهور العبارة فيه، للتعبير بقوله: لأنّه يرجع ... إلخ فهو في غاية الجودة، و يحكم بصحة الصلاة من أجل ذلك، و بيانه: أنّه ربّما يشكل في المقام بعدم جريان قاعدة التجاوز بالإضافة إلى النيّة، لعدم كونه من الشك بعد تجاوز المحل، لتوقفه على أن يكون للمشكوك فيه محل موظف مقرر له بحيث كان تركه تركاً لما ينبغي أن يفعل، كما لو شكّ في القراءة بعد ما ركع، أو فيه بعد ما سجد و هكذا، فانّ محل القراءة سابق على الركوع و هو على السجود.

و معلوم أنّ الشك في النيّة ليس من هذا القبيل، فإنّ نيّة صلاة العصر مثلًا إنّما يكون محلّها قبلها «1» و ينبغي فعلها فيما إذا كانت الصلاة معنونة بصلاة العصر‌

______________________________
(1) ربّما يتراءى التنافي بين المقام و بين ما أُفيد في [العروة 1: 645 المسألة 2134] فليلاحظ.

61
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو شك فيما في يده أنه عينها ظهرا أو عصرا ج 14 ص 59

..........

______________________________
لا نافلتها مثلًا، و إنّما تكون معنونة بالعصر فيما إذا سبقتها نيّة العصر لا كل نيّة.

و عليه، فإذا أُحرز أنّ الصلاة معنونة بالعصر فقد أُحرزت نيّتها، فلا حاجة لإثباتها بقاعدة التجاوز، و إذا لم يحرز ذلك و شكّ في عنوان ما بيده من الصلاة حينما دخل فيها، فلم يعلم أنّ نيّة العصر محلّها قبل هذه الصلاة، لاحتمال الدخول فيها بعنوان النافلة مثلًا و مثلها لا تتقدّمها نيّة العصر قطعاً، فلا يكون ترك نيّة العصر حينئذ تركاً لما ينبغي أن يوجد، فكون النيّة ممّا ينبغي أن تفعل تابع لعنوان العمل الذي تجاوز عنه، فهو من مقوّمات جريان القاعدة، فكيف تصلح القاعدة لإثباتها.

و هذا الاشكال وجيه جدّاً لا مدفع عنه، غير أنّ بالإمكان أن تجري القاعدة في شي‌ء آخر يصدق معه التجاوز الذي لا ينفك عنه الشك المزبور، بل يرجع إليه عند التحليل، و هي الأجزاء السابقة على الجزء الذي بيده، فلو رأى نفسه في الركعة الثانية مثلًا بانياً على صلاة العصر و شكّ في أنّه كان بانياً عليه أوّل العمل أولا، فهو لا محالة يشك في أنّ الأجزاء السابقة على هذه الركعة إلى أوّل التكبيرة هل وقعت بنيّة العصر أو بعنوان آخر كالظهر مثلًا.

و هذا الشك و إن لم يكن شكّاً في الوجود لعلمه بوجود التكبيرة مثلًا، بل هو شكّ فيما هو الموجود، و أنّ التكبيرة الواقعة هل كانت بعنوان العصر أو لا، إلّا أنّه بالأخرة يرجع إلى الشك في الوجود، للشك وجداناً في وجود التكبيرة للعصر كي تصح ما بيده عصراً، و عدمها كي لا تصح. و لا ريب في شمول القاعدة لكل من الشك في الوجود و الموجود، فكما أنّه إذا شكّ في الفاتحة بعد الدخول في السورة تجري القاعدة بالنسبة إليها، فكذلك إذا علم بعد الدخول فيها بأنّه قرأ سورة و ترددت بين كونها هي الفاتحة أم سورة أُخرى غيرها لرجوعه في الحقيقة إلى الشك في وجود الفاتحة و عدمها كما عرفت.

62
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20لا يجوز العدول من صلاة إلى أخرى إلا في موارد خاصة ج 14 ص 63

[مسألة 20: لا يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى إلّا في موارد خاصّة]

[1433] مسألة 20: لا يجوز العدول من صلاة إلى أُخرى (1) إلّا في موارد خاصّة:

______________________________
و عليه، ففي المقام يشك في وجود التكبيرة للعصر و عدمها، فيشمله قوله: «رجل شكّ في التكبير و قد قرأ، قال: يمضي ...» «1» إلخ. و لا ريب في تجاوز محلها بالدخول في الجزء اللاحق فتشملها القاعدة، و ببركتها يحكم بوقوع التكبيرة للعصر.

و لا نعني من نيّة العصر إلّا وقوع التكبيرة و ما بعدها من الأجزاء بنيّة العصر، و قد تكفّلت القاعدة لإثباته، فهي و إن لم تجر في نفس النيّة ابتداءً، لكنّها تجري في شي‌ء آخر يلازمها، و يشارك إجراء القاعدة فيها بحسب النتيجة كما اتّضح بما لا مزيد عليه، و قد عرفت إمكان استظهاره من عبارة الماتن أيضاً فتدبّر جيداً.

(1) و الوجه فيه ظاهر، فإنّ الصلاة الأُولى بعد فرض كونها مغايرة للصلاة الثانية، فالأمر المتعلق بإحداهما غير الأمر المتعلق بالأُخرى، و من الضروري أنّ كل أمر لا يدعو إلّا إلى متعلقه بتمامه بأجزائه و شرائطه، فلو أتى بإحداهما بقصد امتثال أمرها، فإنّها لا تقع امتثالًا إلّا له دون الأمر الآخر.

و عليه فلو أتى ببعض الصلاة ثم عدل بها إلى الأُخرى فهي لا تقع امتثالًا للأمر الأوّل، لعدم الإتيان ببقية الأجزاء بداعي ذلك الأمر، كما لا تقع امتثالًا للثاني، لفرض عدم الإتيان بالأجزاء السابقة بداعي هذا الأمر، فلا تقع امتثالًا لشي‌ء منهما، و من المعلوم أنّه ليست في الشريعة المقدّسة صلاة ملفّقة من عنوانين و متعلقة لأمرين.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل ب 23 ح 1.

63
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

[أحدها: في الصلاتين المرتبتين]

أحدها: في الصلاتين المرتبتين كالظهرين و العشاءين (1) إذا دخل في الثانية قبل الاولى، عدل إليها بعد التذكّر في الأثناء إذا لم يتجاوز محلّ العدول

______________________________
بل إنّ هذا التقرير يتّجه و لو لم تكن الصلاة من العبادات، و لا يتوقف بيانه على عباديتها، و ذلك لوضوح أنّ الصلوات حقائق مختلفة و ماهيات متباينة و إن اتحدت صورة كما في الظهرين، كما يكشف عن ذلك اختلافها بحسب الأحكام من النفل و الفرض، و لزوم رعاية الترتيب كما بين الظهر و العصر، و حيث لا ميز بين هذه الماهيات إلّا من ناحية العنوان، فلا بدّ من قصده في تحققه، و إلّا فلا يقع مصداقاً لشي‌ء منها. و من الضروري أنّ كلا من تلك الماهيات معنون بتمامها بعنوان خاص و ليست ملفّقة منه و من عنوان آخر. فلو عدل في الأثناء إلى صلاة أُخرى فلا تقع مصداقاً لشي‌ء من الماهيتين للإخلال بإحداهما حدوثاً و بالأُخرى بقاءً كما هو ظاهر.

نعم، ورد في الشرع موارد رخّص فيها في العدول تعبداً توسعة في مرحلة الامتثال، و حيث إنّ ذلك على خلاف القاعدة و لا ضير في الالتزام به تعبّداً الكاشف عن حصول الغرض منها بذلك، فلا بدّ من الاقتصار عليها، و عدم التعدي عن مواردها.

ثم إنّ العدول قد يكون من الحاضرة إلى الحاضرة، و أُخرى من الفائتة إلى مثلها، و ثالثة من الحاضرة إلى الفائتة، و أمّا عكس ذلك فلا يجوز لعدم ورود النص فيه، و قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة العدم، و سنتعرض لأحكامها.

(1) هذا من العدول من الحاضرة إلى الحاضرة، فإذا دخل في العصر ثم التفت في الأثناء أنّه لم يصلّ الظهر عدل بها إليها و أتمّها ظهراً ثم صلى العصر كما أنّه لو دخل في العشاء ثم التفت أنّه لم يصلّ المغرب عدل إليها، ما لم يتجاوز محل العدول، دون ما إذا تجاوزه، كما لو تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة.

64
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

و أمّا إذا تجاوز كما إذا دخل في ركوع الرابعة من العشاء فتذكّر ترك المغرب فإنّه لا يجوز العدول، لعدم بقاء محلّه فيتمّها عشاءً [1] ثم يصلِّي المغرب و يعيد العشاء أيضاً احتياطاً، و أمّا إذا دخل في قيام الرابعة و لم يركع بعد فالظاهر بقاء محل العدول فيهدم القيام و يتمّها بنيّة المغرب.

______________________________
و قد تقدّم الكلام حول ذلك في فصل أوقات اليومية و نوافلها مستقصى «1» و ذكرنا دلالة النصوص المستفيضة عليه كصحيح زرارة و الحلبي و عبد الرحمن و غيرها «2».

نعم، قد يعارضها في العشاءين خبر الحسن بن زياد الصيقل «3» المتضمن أنّ من تذكر نسيان المغرب و هو في العشاء يتمّها و يأتي بالمغرب بعدها، معللًا الفرق بينها و بين العصر، بأنّ الثانية لا صلاة بعدها، لكراهة الصلاة بعد العصر فلو لم يعدل لزم ارتكاب المكروه، بخلاف العشاء إذ لا تكره الصلاة بعدها فلا مانع من الإتيان بالمغرب بعدها.

لكنّ الخبر لا يصلح للمعارضة لضعف السند، فانّ الحسن بن زياد لم يوثق. على أنّ في السند محمد بن سنان و هو ضعيف. نعم، في الوسائل الطبعة الجديدة هكذا: و بإسناده عن ابن مسكان ... إلخ، و إسناد الشيخ إليه صحيح في المشيخة «4»، لخلوّه عن ابن سنان، لكنّ الظاهر بل المقطوع به أنّ النسخة‌

______________________________
[1] بل يرفع اليد عنها على الأظهر، و إن كان ما في المتن أحوط.

______________________________
(1) شرح العروة 11: 398 و ما بعدها.

(2) راجع الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63.

(3) الوسائل 4: 293/ أبواب المواقيت ب 63 ح 5.

(4) [لم نعثر على طريق للشيخ إلى ابن مسكان لا في المشيخة و لا في الفهرست المطبوع و لكن نقل في معجم الرجال 11: 347 طريقاً له إليه عن النسخة المخطوطة للفهرست].

65
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

..........

______________________________
غلط، و الصواب و بالإسناد ... إلخ «1» بدل و بإسناده، على ما هو الموجود في الوسائل القديمة طبعة عين الدولة و المراد الإسناد المذكور في الرواية التي ذكرت قبل هذه الرواية متصلًا التي في سندها ابن سنان.

و كذا في التهذيب رواها هكذا: عنه أي عن الحسين بن سعيد عن محمد ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن بن زياد الصيقل «2».

نعم، في تعليقة التهذيب الطبعة القديمة هكذا: و رواها في الاستبصار بإسناده عن ابن مسكان، عن الحسن بن زياد الصيقل ... إلخ. لكنّا لم نجدها في الاستبصار. و الظاهر أنّ هذا أيضاً اشتباه، و كيف كان فالرواية ضعيفة من وجهين: محمد بن سنان، و الحسن بن زياد الصيقل، و لا أقل من الثاني فلا تصلح للمعارضة. و على أيّ حال فالحكم في الجملة مسلّم لا غبار عليه نعم يقع الكلام في جهتين:

الأُولى: أنّه إذا كان التذكر بعد تجاوز محل العدول كما لو تذكر بعد الدخول في ركوع الركعة الرابعة من العشاء، فقد حكم المشهور حينئذ ببطلان العشاء و لزوم استئنافها بعد المغرب، و قد حكى الماتن (قدس سره) هذه الفتيا عنهم في فصل الأوقات «3» دون أن يعلّق عليها، الظاهر في ارتضائها، غير أنّه (قدس سره) في المقام حكم بصحتها عشاءً، و إن احتاط بإعادتها بعد المغرب.

و الأقوى ما عليه المشهور، لإطلاق أدلّة اعتبار الترتيب القاضية بلزوم إيقاع العشاء بتمام أجزائها بعد المغرب، و عدم جواز إيقاع شي‌ء منها قبلها عمداً، فانّ لازم ذلك بطلان هذه الصلاة، لأنّه هب أنّ الأجزاء السابقة وقعت‌

______________________________
(1) هذا هو الموجود في الطبعة الجديدة.

(2) التهذيب 2: 270/ 1075.

(3) العروة الوثقى 1: 374 المسألة [1182].

66
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

..........

______________________________
قبلها سهواً فلا يعتبر فيها الترتيب، لكنّه متعمد في تقديم الركعة الأخيرة عليها فقد أخلّ برعاية الترتيب بالإضافة إلى الأجزاء اللاحقة عامداً، المانع عن صحة الصلاة، فلا يمكنه إتمامها عشاءً، و المفروض عدم إمكان العدول إلى المغرب لتجاوز محلها، فهي باطلة لا محالة.

و منه يظهر عدم إمكان التمسّك بحديث لا تعاد، لأنّه متعمد في الإخلال بالترتيب في الأجزاء اللاحقة كما عرفت، و الحديث غير شامل للعامد بلا إشكال.

الجهة الثانية: إذا تذكر عدم الإتيان بالمغرب بعد القيام إلى الركعة الرابعة من العشاء، فالمعروف بقاء محل العدول حينئذ، فيهدم القيام و يتمّها بنيّة المغرب كما صرّح به في المتن.

لكنّه لم يرد به النص، لاختصاصه بما إذا كان التذكر في الركعة الثانية من العشاء أو الثالثة دون الرابعة، و من هنا ربما يشكل في جواز العدول حينئذ لخلوّ النص عنه، و قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة عدم الجواز، لكنّ الظاهر جواز العدول في المقام، فإنّه و إن لم يرد به نص بالخصوص، لكن يمكن استفادته من إطلاق قوله (عليه السلام) في موثقة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه: «فاذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي ... إلخ» «1» الشامل لما إذا كان التذكّر بعد القيام إلى الرابعة.

نعم، لا يعمّ ما إذا كان بعد الدخول في ركوعها، للزوم زيادة الركن حينئذ فيعلم من ذلك أنّ ذكر الركعتين أو الثلاث في الأخبار و منها نفس هذا الخبر، إنّما هو من باب المثال لا لخصوصية فيهما.

و أمّا سند الخبر فليس هناك من يتأمل فيه عدا الحسين بن محمد الأشعري و معلى بن محمد.

______________________________
(1) الوسائل 4: 291/ أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

67
موسوعة الإمام الخوئي14

أحدهافي الصلاتين المرتبتين ج 14 ص 64

..........

______________________________
أمّا الأوّل، المعبّر عنه بما ذكر تارة، و بالحسين بن محمد بن عامر اخرى و بالحسين بن محمد بن عمران الذي هو جده ثالثة، فهو من مشايخ الكليني و قد أكثر الرواية عنه، فإن قلنا إنّ مجرد ذلك كاف في التوثيق، لكشف الإكثار عن الاعتماد عليه فهو، و إلّا فيكفي كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة، فلا وجه للغمز في السند من أجله، بل قد وثقه النجاشي أيضاً بعنوان الحسين بن محمد بن عمران «1»، و إن كان الموجود في كامل الزيارات بعنوان الحسين بن محمد بن عامر، فهو موثق بتوثيقهما بعد ما عرفت من اتحاد الرجل.

و أمّا الثاني، الذي هو شيخ الحسين بن محمد المزبور لروايته عنه كثيراً، فقد ذكر النجاشي أنّه مضطرب الحديث و المذهب «2»، و الظاهر أنّ مراده باضطراب الحديث روايته عن الضعفاء و اشتمال حديثه على المناكير، فلا يكون مستقيماً في حديثه و على نهج واحد، فهذا التعبير على حدّ ما يعبّر من أنّ فلاناً يعرف من حديثه و ينكر، و ليس المراد بذلك الخدش في وثاقه الرجل كما لا يخفى.

و أمّا الاضطراب في المذهب من كونه غالياً تارة، أو مائلًا إلى سائر المذاهب اخرى، فلا يقدح في التوثيق كما لا يخفى.

و على الجملة: لا يظهر من عبارة النجاشي تضعيف الرجل كي يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسانيد تفسير القمي، فالأقوى وثاقته لما ذكر فلا بأس بالاعتماد على الرواية لقوة السند و الدلالة، فمن أجلها يحكم بجواز العدول في المقام.

هذا مضافاً إلى إمكان الاستناد في ذلك إلى حديث لا تعاد، فانّ العدول إلى المغرب لو كان التذكر أثناء العشاء في الجملة ممّا لا إشكال فيه، و من هنا لو‌

______________________________
(1) رجال النجاشي: 66/ 156.

(2) رجال النجاشي: 418/ 1117.

68
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة ج 14 ص 69

[الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاءً فشرع في اللاحقة قبل السابقة]

الثاني: إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاءً (1) فشرع في اللاحقة قبل السابقة، يعدل إليها مع عدم تجاوز محل العدول، كما إذا دخل في الظهر أو العصر فتذكّر ترك الصبح القضائي السابق على الظهر و العصر، و أمّا إذا تجاوز

______________________________
كان التذكر قبل القيام إلى الرابعة جاز العدول بلا ارتياب، فلو لم يجز بعده و حكم ببطلان الصلاة حينئذ كان البطلان مستنداً إلى القيام الذي هو داخل في المستثنى منه، و قد حكم في الحديث بعدم الإعادة لو كان الإخلال من غير ناحية الخمسة المستثناة.

و نتيجة ذلك: جواز العدول حينئذ أيضاً و عدم بطلان الصلاة. و لا نعني بهذا الكلام التمسك باستصحاب جواز العدول الثابت قبل القيام إلى الرابعة، لعدم حجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية في نفسه سيّما التعليقي منه كما في المقام لأنّ الجواز المزبور كان معلّقاً على التذكر، فيقال في تقرير الاستصحاب لو كان التذكر قبل القيام إلى الرابعة جاز العدول فكذا ما بعد القيام إليها، و الاستصحاب التعليقي ساقط كما حقق في الأُصول «1».

بل المراد الاستناد إلى نفس حديث لا تعاد في الحكم بالصحة بالتقريب الذي عرفته.

ثم لا يخفى أنّ العدول في هذه الصورة أي من الحاضرة إلى الحاضرة واجب، بمعنى أنّه لا يجوز له إتمام الصلاة بالعنوان الذي دخل فيها من العصر أو العشاء للزوم الإخلال بالترتيب، فلو أراد إتمامها لزمه العدول، و أمّا الوجوب بمعنى عدم جواز رفع اليد عنها فهو مبني على القول بحرمة القطع اختياراً.

(1) هذا من العدول من الفائتة إلى الفائتة، فنقول:

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 137.

69
موسوعة الإمام الخوئي14

الثاني إذا كان عليه صلاتان أو أزيد قضاء فشرع في اللاحقة قبل السابقة ج 14 ص 69

أتمّ ما بيده على الأحوط، و يأتي بالسابقة و يعيد اللّاحقة [1] كما مرّ في الأدائيتين و كذا لو دخل في العصر فذكر ترك الظهر السابقة فإنّه يعدل.

______________________________
قد يفرض ذلك في المرتبتين، كما لو دخل في العصر قضاءً فتذكّر فوت الظهر، أو العشاء كذلك فذكر فوت المغرب، و الكلام فيه بعينه هو الكلام في الحاضرتين المرتبتين، للزوم رعاية الترتيب بين الظهرين و العشاءين، سواء أ كانتا حاضرتين أو فائتتين بلا إشكال، فيجري فيه جميع ما مرّ حتى من حيث التجاوز عن المحل و عدمه.

و أُخرى يفرض في غيرهما، كما لو دخل في المغرب القضائي فتذكر فوت العصر أو في الظهر كذلك فتذكّر فوت الصبح السابق عليه، و حينئذ فان لم يتجاوز محل العدول جاز بل وجب العدول إلى السابقة بناءً على لزوم رعاية الترتيب في قضاء الفوائت، و إن كان الأقوى عدم اللزوم فلا يجب العدول.

و إن جاوز محله كما لو كان تذكر فوت الصبح بعد الدخول في ركوع الثالثة من الظهر، فبناءً على لزوم الترتيب في قضاء الفوائت بطل ما بيده، فيرفع اليد عنه لعدم إمكان تحصيل الشرط و يستأنفهما، و إن كان الأحوط إتمامه بما نواه ثم الإتيان بالسابقة و إعادة اللاحقة كما ذكره في المتن.

و أمّا بناءً على عدم اللزوم كما هو الأقوى، فحيث لا محل للعدول أتمها ظهراً ثمّ أتى بالسابقة.

و كيف كان، فأصل جواز العدول في هذه المسألة مستفاد من الإطلاق في صحيح عبد الرحمن و هو قوله (عليه السلام): «فاذا ذكرها و هو في صلاة بدأ‌

______________________________
[1] على الأحوط، و الأظهر عدم وجوبها في غير المترتبتين في أنفسهما.

70
موسوعة الإمام الخوئي14

الثالث إذا دخل في الحاضرة فذكر أن عليه قضاء ج 14 ص 71

[الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً]

الثالث: إذا دخل في الحاضرة فذكر أنّ عليه قضاءً (1)، فإنّه يجوز له أن يعدل إلى القضاء إذا لم يتجاوز محل العدول، و العدول في هذه الصورة على وجه الجواز بل الاستحباب، بخلاف الصورتين الأولتين فإنّه على وجه الوجوب [1].

______________________________
بالتي نسي» «1»، فلا إشكال في الحكم، و قد مرّ بعض الكلام في فصل أحكام الأوقات «2»، و سيجي‌ء مزيد التوضيح في مبحث القضاء إن شاء اللّٰه تعالى «3».

(1) هذا من العدول من الحاضرة إلى الفائتة، و قد تضمّنته صحيحة زرارة صريحاً، فيجوز العدول إلى القضاء مع بقاء محله، كما لو تذكر فوت الصبح قبل الدخول في ركوع الثالثة من الظهر الأدائي، بل يجب بناءً على لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة، كما أنّه بناءً على هذا المبنى يجب رفع اليد عنه لو كان التذكّر بعد تجاوز المحل، كما لو كان التذكر بعد الدخول في الركوع المزبور، للزوم الإخلال بالترتيب لو أتمّه، و العدول غير ممكن على الفرض، لكن المبنى غير تام و الترتيب غير لازم في المقام. كما سيجي‌ء تفصيله في مبحث القضاء إن شاء اللّٰه تعالى «4».

و عليه، فمع بقاء المحل لا يجب العدول، بل غايته الجواز للصحيحة المتقدمة. نعم، هو مستحب بناءً على استحباب تقديم الفائتة ما لم يتضيق وقت الحاضرة.

______________________________
[1] الحكم بالوجوب في الصورة الثانية مبني على القول بوجوب الترتيب.

______________________________
(1) الوسائل 4: 291/ أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

(2) شرح العروة 11: 401.

(3) شرح العروة 16: 133.

(4) شرح العروة 16: 182.

71
موسوعة الإمام الخوئي14

الرابع العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة ج 14 ص 72

[الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة لمن نسي قراءة الجمعة]

الرابع: العدول من الفريضة إلى النافلة يوم الجمعة (1) لمن نسي قراءة الجمعة و قرأ سورة أُخرى من التوحيد أو غيرها و بلغ النصف أو تجاوز [1] و أمّا إذا لم يبلغ النصف فله أن يعدل عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد إلى سورة الجمعة فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة.

______________________________
(1) كما يدل عليه موثق صباح بن صبيح قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) رجل أراد أن يصلي الجمعة فقرأ بقل هو اللّٰه أحد، قال: يتم ركعتين ثم يستأنف» «1»، فيظهر منه جواز العدول إلى النافلة حينئذ اهتماماً بشأن سورة الجمعة و دركاً لفضيلتها.

لكنّ الماتن قيّد الحكم في المقام بما إذا بلغ النصف من السورة التي شرع فيها من التوحيد أو غيرها أو تجاوز، و أمّا إذا لم يبلغ النصف فليس له العدول إلى النافلة، و إنّما له العدول عن تلك السورة و لو كانت هي التوحيد التي لا يجوز العدول عنها في غير المقام إلى سورة الجمعة، فيقطعها و يستأنف سورة الجمعة، و تبعه على هذا التفصيل غيره، و كأنّ الوجه فيه دعوى أنّ ذلك هو مقتضى الجمع بين الموثق المتقدم و بين الروايات الدالة على جواز العدول من التوحيد إلى الجمعة يوم الجمعة «2». فيحمل الأوّل على ما إذا بلغ النصف أو تجاوزه، و الطائفة الثانية على ما إذا لم يبلغ النصف.

لكنه كما ترى جمع تبرعي لا شاهد عليه، مع أنّه لا تعارض بينهما كي يحتاج إلى الجمع كما لا يخفى، فلا مانع من الأخذ بإطلاق كل منهما، و الحكم‌

______________________________
[1] ما ذكره هو الأحوط، و الأظهر جواز العدول إلى النافلة أو إلى سورة الجمعة مطلقاً.

______________________________
(1) الوسائل 6: 159/ أبواب القراءة في الصلاة ب 72 ح 2.

(2) الوسائل 6: 152/ أبواب القراءة في الصلاة ب 69.

72
موسوعة الإمام الخوئي14

الخامس العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة إذا دخل فيها ج 14 ص 73

[الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة إذا دخل فيها]

الخامس: العدول من الفريضة إلى النافلة لإدراك الجماعة (1) إذا دخل فيها و أُقيمت الجماعة و خاف السبق [1]. بشرط عدم تجاوز محل العدول بأن دخل في ركوع الركعة الثالثة.

______________________________
بجواز العدول إلى النافلة أو من التوحيد إلى سورة الجمعة مخيّراً بينهما من دون فرق في كل منهما بين بلوغ النصف و عدمه، فالأقوى جواز العدول إلى النافلة و إن لم يبلغ النصف. و سيأتي في مبحث القراءة إن شاء اللّٰه تعالى حكم العدول من سورة إلى أُخرى «1».

(1) كما دلّ عليه صحيح سليمان بن خالد قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلِّي إذ أذّن المؤذِّن و أقام الصلاة، قال: فليصلّ ركعتين ثم ليستأنف الصلاة مع الإمام و ليكن الركعتان تطوّعاً» «2» و نحوه موثق سماعة «3». و من المعلوم اختصاص الحكم بما إذا لم يتجاوز محل العدول، بأن كان قبل الدخول في ركوع الركعة الثالثة كما هو ظاهر.

ثم إنّ الماتن خصص الحكم بما إذا خاف السبق و عدم إدراك الجماعة و لو بركوع الركعة الاولى، فلا يجوز العدول مع الأمن من ذلك، بل يتم الفريضة و يعيدها جماعة لو شاء. و لم نعرف وجهاً لهذا التقييد بعد إطلاق النص، فالأقوى جواز العدول حتى مع الأمن و عدم الخوف عملًا بإطلاق النص.

______________________________
[1] بل مع عدم الخوف أيضاً على الأظهر.

______________________________
(1) في ص 347.

(2) الوسائل 8: 404/ أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1، 2.

(3) الوسائل 8: 404/ أبواب صلاة الجماعة ب 56 ح 1، 2.

73
موسوعة الإمام الخوئي14

السادس العدول من الجماعة إلى الانفراد ج 14 ص 74

[السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد]

السادس: العدول من الجماعة إلى الانفراد (1) لعذر أو مطلقاً كما هو الأقوى [1].

[السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض]

السابع: العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض.

______________________________
(1) هذا خارج عن محل الكلام من موارد العدول، فانّ عنوان المسألة متمحض في البحث عن العدول من صلاة إلى صلاة أُخرى، لا العدول في صلاة واحدة من كيفية إلى أُخرى، و لا ريب أنّ الجماعة و الفرادى فردان من ماهية واحدة يختلفان بحسب الأحكام و الآثار من دون تعدد في نفس الصلاة بالذات فلا يجري هنا ما مرّ في تقرير أصالة عدم العدول و كونه على خلاف القاعدة.

نعم، لا يجوز العدول في المقام أيضاً لو كان عازماً على الانفراد من أوّل الأمر، لا لما ذكر، لاختصاصه بما إذا تعدّدت ماهية المعدول عنها و المعدول إليها كما عرفت، بل لعدم ثبوت مشروعية قصد الجماعة في بعض ركعات الصلاة و إنّما الثابت قصدها في تمامها، و العبادات توقيفية فلا بدّ في إثبات مشروعيّتها من قيام الدليل، و إلّا فمقتضى الأصل العدم.

و دعوى أنّه قاصد للجماعة في تمامها حين الشروع و إن كان بانياً على العدول إلى الانفراد في الأثناء كما ترى، فإنّهما متضادّان و كيفيتان متباينتان فالقصد إليهما معاً جمع بين المتضادين. و هذا نظير أن يقصد المسافر الإقامة في محل عشرة أيام، و مع ذلك يبني من الأوّل على الخروج إلى ما دون المسافة خلال العشرة فإنّ صدور مثل هذا القصد غير معقول، لامتناع القصد إلى المتضادين معاً في آن واحد.

______________________________
[1] إذا لم يكن ناوياً له من أوّل الأمر.

74
موسوعة الإمام الخوئي14

الثامن العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام ج 14 ص 75

[الثامن: العدول من القصر إلى التمام إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام]

الثامن: العدول من القصر إلى التمام (1) إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام.

[التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها]

التاسع: العدول من التمام إلى القصر إذا بدا له في الإقامة بعد ما قصدها.

[العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير]

العاشر: العدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير.

______________________________
و بالجملة: فنية العدول إلى الانفراد من الأوّل قادحة، سواء أ كان لعذر أم غيره. و سيجي‌ء تمام الكلام فيه، و فيما لو بدا له العدول في الأثناء دون أن يقصده من الأوّل، و أنّه يصح لعذر أم مطلقاً أم لا يصح في مبحث الجماعة إن شاء اللّٰه تعالى «1».

و ممّا ذكرنا يظهر حكم العدول من إمام إلى إمام إذا عرض للأوّل عارض و أنّه ليس من العدول المبحوث عنه في المقام، فلا وجه للتعرض له فيما نحن فيه، و سيجي‌ء البحث عنه في محلّه في أحكام الجماعة إن شاء اللّٰه تعالى «2».

(1) تعرّض (قدس سره) في هذا و في الموردين الآتيين إلى حكم العدول من القصر إلى التمام، و منه إلى القصر، و من كل منهما إلى الآخر.

فالأوّل: كما إذا قصد في الأثناء إقامة عشرة أيام فيعدل إلى التمام.

و الثاني: كما إذا بدا له في نيّة الإقامة في الأثناء بعد ما قصدها، فإنّه يعدل إلى القصر مع بقاء محل العدول، كما لو كان البداء قبل الدخول في ركوع الثالثة و أمّا مع التجاوز كما لو كان بعد الدخول فيه فتبطل الصلاة لا محالة، إذ المأمور به و هو القصر لا يتمكن منه و ما يتمكنه من التمام ليس بمأمور به بعد فرض العدول عن نيّة الإقامة.

______________________________
(1) العروة الوثقى 1: 574 المسألة [1883].

(2) العروة الوثقى 1: 574 المسألة [1881].

75
موسوعة الإمام الخوئي14

العاشرالعدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير ج 14 ص 75

..........

______________________________
و الثالث: كما في مواطن التخيير، فإنّه يجوز له العدول من كل منهما إلى الآخر مع بقاء محله.

و ممّا تقدم يظهر أنّ العدول في هذه الموارد ليس من العدول المبحوث عنه في المقام، إذ القصر و التمام ليسا حقيقتين متباينتين و ماهيتين من الصلاة، بل صلاة الظهر مثلًا ماهية واحدة ذات فردين مختلفين في الأحكام كالجماعة و الفرادى فيجب التسليم على الركعة الثانية إن كان مسافراً، و على الرابعة إن كان حاضراً، و محل الكلام هو العدول من صلاة إلى صلاة أُخرى، لا من فرد إلى فرد آخر مع اتحاد ماهيتهما كما في هذه الموارد. و من هنا ذكرنا سابقاً أنّه لو قصد أحد الفردين فأتمّ على الفرد الآخر غفلة كما في مواطن التخيير صحت صلاته، لعدم الإخلال بالمأمور به بوجه.

و توضيح المقام: أنّ الفرق بين القصر و التمام هو الفرق بين الطبيعة بشرط لا، و الطبيعة بشرط شي‌ء، فهما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بلحاظ العوارض اللاحقة للطبيعة، فصلاة الظهر مثلًا إن لوحظت مقيّدة بعدم اقترانها بالركعتين الأخيرتين فهي القصر، و إن لوحظ انضمامها بهما فهي التمام، فلا اختلاف بينهما من حيث الذات بل هما متحدان في الحقيقة و العنوان.

و إنّما الفرق نشأ من الخصوصيات الملحوظة في كل من الفردين، فليس حالهما كالفريضة و النافلة، و الأداء و القضاء، و الظهر و العصر، حيث إنّهما متعددان عنواناً، و مختلفان ماهية، و من هنا كان العدول فيهما على خلاف القاعدة، لعدم كون الصلاة حينئذ مصداقاً لشي‌ء من الماهيتين، فلا تقع امتثالًا لشي‌ء من العنوانين بعد وضوح عدم تعلق الأمر بالصلاة الملفّقة منهما، فيحتاج جواز العدول فيها إلى دليل بالخصوص، و قد عرفت اختصاصه بالحاضرتين و الفائتتين، و من الحاضرة إلى الفائتة، و من الفرض إلى النفل، دون غيرها من بقية الموارد على البيان الذي سبق في محله.

76
موسوعة الإمام الخوئي14

العاشرالعدول من القصر إلى التمام أو بالعكس في مواطن التخيير ج 14 ص 75

..........

______________________________
و هذا بخلاف القصر و التمام، إذ بعد ما عرفت من كونهما حقيقة واحدة فجواز العدول حينئذ مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى قيام دليل عليه بالخصوص، فانّ العدول من أحدهما إلى الآخر قد يفرض في مواطن التخيير و أُخرى في غيرها.

أمّا في الأوّل: فمرجع الوجوب التخييري على ما بيّناه في محله «1» إلى أنّ الواجب إنّما هو الجامع الانتزاعي أعني عنوان أحدهما لا بعينه فخصوصية كل من الفردين ملغاة في مقام تعلق الأمر و خارجة عن حريمه، إذ ليس المأمور به إلّا نفس الجامع. و عليه فلو شرع في الصلاة بقصد التمام جاز له العدول إلى القصر و بالعكس، فإنّه عدول من فرد إلى فرد، لا من واجب إلى واجب.

و هذا كما لو كان بانياً لدى الشروع في الصلاة على الإتيان بسورة خاصة ثم عند الفراغ من الفاتحة بدا له و عدل إلى سورة أُخرى، فإنّ هذا لا ضير فيه قطعاً، إذ الواجب إنّما هي الصلاة المقيّدة بجامع السورة و لا عدول في ذلك، و إنّما العدول من فرد إلى فرد لم يتعلق الأمر بشي‌ء منهما. و المقام من هذا القبيل كما هو واضح، بل له الشروع في الصلاة مقتصراً على نيّة الظهر مثلًا من دون قصد شي‌ء من القصر و التمام، ثم بعد البلوغ إلى حدّ الافتراق يختار أحد الفردين.

و أمّا في الثاني: كما لو شرع في الصلاة بنيّة التمام قاصداً للإقامة ثم بدا له فيها و عزم في الأثناء على السفر فعدل إلى القصر، فانّ العدول حينئذ و إن كان من واجب إلى واجب، لوجوب التمام بخصوصه لدى الشروع بعد كونه قاصداً للإقامة آن ذاك، إلّا أنّ الوجوب لم يكن فعليّاً منجّزاً، بل كان معلقاً على استدامته على ذاك القصد إلى الانتهاء عن الصلاة، كما كان مأموراً بالقصر أيضاً على تقدير العدول عن قصده.

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 4: 40.

77
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 21لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة ج 14 ص 78

[مسألة 21: لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة]

[1434] مسألة 21: لا يجوز العدول من الفائتة إلى الحاضرة (1) فلو دخل في فائتة ثم ذكر في أثنائها حاضرة ضاق وقتها أبطلها و استأنف و لا يجوز العدول على الأقوى.

[مسألة 22: لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض و لا من النفل إلى النفل]

[1435] مسألة 22: لا يجوز العدول من النفل إلى الفرض و لا من النفل إلى النفل، حتى فيما كان منه كالفرائض في التوقيت و السبق و اللّحوق (2).

[مسألة 23: إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا]

[1436] مسألة 23: إذا عدل في موضع لا يجوز العدول بطلتا (3) كما لو نوى بالظهر العصر و أتمّها على نيّة العصر.

______________________________
و بعبارة اخرى: إنّ المكلف المزبور مخاطب عند افتتاح صلاته بخطابين مشروطين، و مكلف بتكليفين تعليقيين، فيؤمر بالتمام على تقدير البقاء على قصده، و في عين الحال يؤمر بالقصر على تقدير العدول عن قصده، فالمكلف بعدوله في الأثناء يخرج نفسه عن موضوع و يدخله في موضوع آخر قد تعلّق الأمر بكل منهما على النحو الذي عرفت، فجواز العدول من التمام إلى القصر و بالعكس مطابق للقاعدة من دون حاجة إلى دليل بالخصوص.

(1) لعدم الدليل عليه، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز، لكون العدول على خلاف القاعدة كما مرّ. و منه يظهر الحال في المسألة اللاحقة.

(2) كالنوافل المرتّبة اليومية و نحوها.

(3) أمّا بطلان المعدول عنها و هو الظهر فللإخلال بنيّتها، و أمّا بطلان المعدول إليها و هو العصر فلعدم جواز العدول من السابقة إلى اللاحقة لعدم الدليل عليه، و مقتضى القاعدة عدم الجواز كما مرّ. و منه يظهر الحال في المسألة الآتية. و هذا كله مما لا إشكال فيه لوضوحه مما سبق.

إنّما الكلام فيما ذكره في المسألة التي بعدها من أنّه لو عدل بزعم تحقق موضع‌

78
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 24لو دخل في الظهر بتخيل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنه قد فعلها ج 14 ص 79

[مسألة 24: لو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنّه قد فعلها]

[1437] مسألة 24: لو دخل في الظهر بتخيّل عدم إتيانها فبان في الأثناء أنّه قد فعلها، لم يصح له العدول إلى العصر.

[مسألة 25: لو عدل بزعم تحقّق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء]

[1438] مسألة 25: لو عدل بزعم تحقّق موضع العدول (1) فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء لا يبعد صحتها على النيّة الأُولى كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر ثم بان أنّه صلّاها، فإنّها تصح عصراً لكن الأحوط الإعادة.

______________________________
العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء، كما لو اعتقد أثناء العصر أنّه لم يأت بالظهر فعدل إليها، ثم بان أنّه صلاها، فهل له حينئذ أن يعدل إلى النيّة الأُولى فيتمها عصراً أو لا؟ و ستعرف الحال فيها.

(1) مفروض كلامه (قدس سره) ما إذا أتى بعد العدول إلى الظهر ببعض الأجزاء بنيّة الظهر ثم انكشف الخلاف بعد الفراغ، أو في الأثناء. و أمّا إذا كان الانكشاف قبل أن يأتي بجزء أصلًا فعدل إلى العصر بعد عدوله إلى الظهر قبل أن يأتي بشي‌ء من الأجزاء بنيّة الظهر، فينبغي أن يكون هذا خارجاً عن محل الكلام، و يحكم فيه بالصحة بلا إشكال، إذ ليس هناك عدا مجرد عدول في النيّة فحسب و هو لا يزيد على نيّة القطع، ثم العود قبل أن يأتي بشي‌ء التي عرفت سابقاً عدم قدحها في الصحة.

ثم إنّ الأجزاء التي يأتي بها بعد العدول إلى الظهر بنيّة الظهر إمّا ركنية أم لا.

أمّا الثاني، كما لو اعتقد أثناء الفاتحة عدم الإتيان بالظهر فعدل إليها و أتمّ الفاتحة و السورة بنيّتها، ثم بان الخلاف قبل الدخول في الركوع فعدل إلى العصر، أو كان الاعتقاد المزبور حال التشهد فعدل و أتمّ التشهد و سلم بنيّة الظهر، ثم بان الخلاف بعد الفراغ، فلا ينبغي الإشكال أيضاً في صحّتها عصراً غايته لزوم إعادة تلك الأجزاء بنيّة العصر للإخلال بهذه النيّة، و لا ضير فيه‌

79
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 25لو عدل بزعم تحقق موضع العدول فبان الخلاف بعد الفراغ أو في الأثناء ج 14 ص 79

..........

______________________________
لعدم لزوم الزيادة المبطلة بعد عدم كونها ركنية، و ستعرف أنّ الإعادة أيضاً غير لازمة. فينبغي أن تكون هذه الصورة أيضاً خارجة عن محل الكلام.

و إنّما الكلام كله فيما لو كانت تلك الأجزاء ركنية، كما لو كان انكشاف الخلاف بعد الدخول في الركوع، أو بعد الفراغ و قد أتى بجزء ركني، فإنّه ربما يستشكل حينئذ في الصحة، بدعوى أنّ صحة العصر تتقوّم بقصد عنوان العصر في تمام الأجزاء بأسرها و إلّا لم تقع مصداقاً لهذا العنوان كما هو الشأن في كل صلاة ذات عنوان. فالجزء المأتي به غير مجز، للإخلال بنيّته حسب الفرض، و لا يمكن تداركه للزوم زيادة الركن، فمقتضى القاعدة بطلان الصلاة حينئذ لعدم إمكان تصحيحها بوجه.

لكن الأقوى وفاقاً للمتن صحتها عصراً، و ذلك للروايات المتقدمة الدالّة على أنّ العبرة في النيّة بما افتتحت به الصلاة، و أنّ من دخل في الفريضة و أتمّها بزعم النافلة غفلة، أو بالعكس صحت على ما افتتحت عليه، و موردها و إن كان هو العدول من الفرض إلى النفل و بالعكس الخارج عن محل الكلام إلّا أنّه يستفاد منها حكم المقام بالإطلاق بعد إلغاء خصوصية المورد، فانّ روايات الباب ثلاث على ما عرفت و العمدة منها صحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة «1» و العبرة فيها بقوله (عليه السلام) في الجواب «هي التي قمت فيها ...» إلخ الذي هو بمنزلة التعليل للصحة، و أنّ العبرة بالنيّة التي قمت فيها في الصلاة، و مقتضى عموم العلة إطلاق الحكم لكل مورد.

و أظهر منها دلالة روايتا معاوية و ابن أبي يعفور «2» الصريحتان في أنّ العبرة بما افتتح الصلاة عليه كما في الأُولى و أنّه إنّما يحسب للعبد من صلاته التي‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 1.

(2) الوسائل 6: 6/ أبواب النيّة ب 2 ح 2، 3.

 

 

80
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 26لا بأس بترامي العدول كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها ج 14 ص 81

[مسألة 26: لا بأس بترامي العدول كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها]

[1439] مسألة 26: لا بأس بترامي العدول (1) كما لو عدل في الفوائت إلى سابقة فذكر سابقة عليها، فإنّه يعدل منها إليها و هكذا.

______________________________
ابتدأ في أوّل صلاته كما في الثانية و إن لم نستدل بهما لضعف طريق الشيخ إلى العياشي كما مرّ.

و كيف كان، فالمستفاد منها أنّ العدول إلى صلاة أُخرى غفلة كما في المقام غير قادح في الصحة، و إنّما العبرة بالنيّة الاولى، بل عن صاحب الجواهر «1» (قدس سره) احتمال شمولها لصورة العمد أيضاً، أخذاً بالإطلاق و إن كان ساقطاً قطعاً، لامتناع قصد أمر يعلم بعدمه إلّا على وجه التشريع المحرّم كما لا يخفى.

و على الجملة: فلا قصور في تلك الأخبار لشمولها للمقام فيحكم بالصحة على النيّة الأُولى و إن عدل إلى الظهر بزعم عدم إتيانها، فإنّه يلحق بالعدول السهوي لا العمدي، استناداً إلى هذه الروايات، و لا حاجة إلى إعادة تلك الأجزاء بنيّة العصر فلا نروم إثبات الصحة على طبق القاعدة كي يقال بأنّ القاعدة تقتضي البطلان، بل نستند في الصحة إلى هذه الأخبار التي هي على خلاف القاعدة.

(1) كما لو كان عليه المغرب فدخل فيها فتذكر أنّ عليه العصر فعدل إليها فتذكر أنّ عليه الظهر فعدل إليها، و منها إلى الصبح مثلًا و هكذا، فإنّه بعد البناء على جواز العدول في الفوائت من اللاحقة إلى السابقة كما هو مقتضى إطلاق صحيحة عبد الرحمن «فاذا ذكرها و هو في صلاة بدأ بالتي نسي» «2» كان الترامي المزبور جائزاً بمقتضى الإطلاق من دون حاجة فيه إلى دليل بالخصوص.

______________________________
(1) الجواهر 9: 200.

(2) الوسائل 4: 291/ أبواب المواقيت ب 63 ح 2.

81
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 27لا يجوز العدول بعد الفراغ إلا في الظهرين ج 14 ص 82

[مسألة 27: لا يجوز العدول بعد الفراغ، إلّا في الظهرين]

[1440] مسألة 27: لا يجوز العدول بعد الفراغ (1)، إلّا في الظهرين إذا أتى بنيّة العصر بتخيل أنّه صلى الظهر فبان أنّه لم يصلها، حيث إنّ مقتضى رواية صحيحة (2) أنّه يجعلها ظهراً، و قد مرّ سابقاً.

______________________________
فما عن بعض من عدم ثبوت العدول في الفوائت من اللاحقة إلى السابقة فضلًا عن الترامي، لاختصاص النصوص بالعدول من الحاضرة إلى مثلها، أو منها إلى الفائتة، و ابتناء التعدي على القول بتبعية القضاء للأداء في غير محله لأنّ العمدة من نصوص العدول هما صحيحتا زرارة و عبد الرحمن «1» و قد عرفت عدم قصور في إطلاق الثانية للشمول للفوائت في أنفسها و للترامي فيها. و أمّا دعوى التبعية فساقطة كما مرّ في محلها «2».

(1) لخروجه عن مورد النصوص، لاختصاصها بالعدول في الأثناء، فيبقى تحت أصالة عدم الجواز التي تقتضيها القاعدة كما عرفت.

(2) و هي صحيحة زرارة قال (عليه السلام) فيها: «إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها و أنت في الصلاة، أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صلّ العصر، فإنّما هي أربع مكان أربع» «3» لكن النص معرض عنه، و قد أفتى الأصحاب باحتسابها عصراً و لزوم إتيان الظهر بعد ذلك، و أنّ شرطية الترتيب ساقطة حينئذ لكونه شرطاً ذكريا لا واقعياً كما استفيد ذلك من حديث لا تعاد لدخول الترتيب في المستثنى منه، و إلّا فليس على ذكريته دليل بالخصوص.

و كيف كان، فبناءً على مسلكنا من عدم قدح الإعراض كعدم جبر العمل‌

______________________________
(1) الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63 ح 1، 2.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 4: 62.

(3) الوسائل 4: 290/ أبواب المواقيت ب 63 ح 1.

82
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 28يكفي في العدول مجرد النية من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النية ج 14 ص 83

[مسألة 28: يكفي في العدول مجرد النيّة من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النيّة]

[1441] مسألة 28: يكفي في العدول مجرد النيّة من غير حاجة إلى ما ذكر في ابتداء النيّة (1).

[مسألة 29: إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلًا فشرع في الصلاة بنيّة التمام]

[1442] مسألة 29: إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلًا فشرع في الصلاة بنيّة التمام قبل الوصول إلى حد الترخص فوصل في الأثناء إلى حدّ الترخص، فان لم يدخل في ركوع الثالثة فالظاهر أنّه يعدل إلى القصر و إن دخل في ركوع الثالثة فالأحوط الإتمام و الإعادة [1] قصراً و إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام (2).

______________________________
كان اللّازم العمل بالنص المزبور وفاقاً للمتن، إلّا أنّ الأحوط حذراً عن مخالفة المشهور أن يعدل بها إلى الظهر ثم يأتي بأربع بقصد ما في الذمة، فإنّ ما صلّاهُ صحيح قطعاً، إمّا ظهراً كما يقتضيه النص، أو عصراً كما عليه المشهور، فالذمة غير مشغولة إلّا بصلاة واحدة مرددة بين الظهر و العصر فيقصد بها ما في ذمته.

(1) لم يتضح المراد من العبارة، فإنّ النيّة بمعنى واحد في كلا الموردين، و هو القصد الارتكازي المتعلق نحو العمل على حد سائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب، و لم يتقدم منه (قدس سره) اعتبار شي‌ء آخر زائداً على ذلك في ابتداء النيّة كي لا يحتاج إليه في المقام. و من المعلوم أنّ نيّة الرياء و نحوه قادحة في كلا الموردين فلم يتضح الفرق بين المقامين، بل هما على حد سواء و بمعنى واحد فتدبر جيداً.

(2) فصّل (قدس سره) في من دخل في الصلاة بنيّة التمام لدى شروعه في‌

______________________________
[1] و إن كان الأظهر جواز القطع و الإعادة قصراً.

83
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام ج 14 ص 83

..........

______________________________
السفر و قد بلغ إلى حدّ الترخص قبل الفراغ منها، بين ما إذا كان البلوغ بعد الدخول في ركوع الثالثة، و ما إذا كان قبله، فذكر أنّ الأحوط الإتمام و الإعادة قصراً في الصورة الأُولى، و أنّه يعدل إلى القصر في الصورة الثانية.

أقول: أمّا ما ذكره من الاحتياط في الصورة الأُولى فهو حسن لكنّه غير لازم، بل الأقوى بطلانها، فيرفع اليد عنها و يأتي بالقصر، إذ مقتضى إطلاق ما دلّ على أنّ من بلغ إلى حدّ الترخص وجب عليه القصر أنّ وظيفته الفعلية هي القصر، و إن أتى ببعض الصلاة قبل ذلك، لعدم قصور للإطلاق في شموله للمقام بعد تحقق موضوعه كما لا يخفى. و حيث إنّه لا يتمكن من تتميم هذه الصلاة قصراً لفرض تجاوز محل العدول، و لا تماماً لعدم الأمر به فتبطل لا محالة، إذ ما هو المأمور به لا يتمكن من إتيانه، و ما يتمكن منه ليس مأموراً به. فلا مناص من رفع اليد عنها و استئنافها قصراً.

و أمّا الصورة الثانية: فالظاهر صحتها و إتمامها قصراً و إن شرع فيها بنيّة التمام، و ذلك لما عرفت سابقاً من أنّ القصر و التمام ليسا حقيقتين مختلفتين و ماهيتين متباينتين كي يلزم قصد كل منهما بخصوصه، بل هما فردان من حقيقة واحدة يختلفان بحسب الأحكام من وجوب التسليم على الثانية في الأوّل و على الرابعة في الثاني، فلا يلزم إلّا تعيين عنوان الصلاة من الظهر أو العصر و ينظر في تعيين أيّ الفردين لتشخيص الوظيفة الفعلية إلى حال المكلف في مرحلة الامتثال و أنّه حاضر أو مسافر، و حيث إنّه بعد الانتهاء عن الركعتين مسافر على الفرض و إن كان حاضراً قبله، فينقلب الموضوع و يجب عليه القصر حينئذ.

و بعبارة اخرى: لا شك أنّ الركعتين الأولتين واجبتان على عامة المكلفين من الحاضرين و المسافرين، و هذا قدر مشترك بين الطائفتين، و بعد الانتهاء منهما‌

84
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 29إذا شرع في السفر و كان في السفينة أو العربة مثلا فشرع في الصلاة بنية التمام ج 14 ص 83

..........

______________________________
و استكمالهما يقسّم المكلف حينئذ إلى الحاضر و يلحقه من لم يبلغ حدّ الترخّص و إلى المسافر أي البالغ حدّه، فان كان في هذا الحال مندرجاً تحت العنوان الأوّل خوطب بوجوب التمام، و إن اندرج في الثاني خوطب بوجوب القصر و التسليم على الركعتين، و حيث إنّ المفروض في المقام اندراج المكلف في هذه الحالة تحت العنوان الثاني و إن لم يكن كذلك لدى شروعه في الصلاة، فلا محالة يخاطب بوجوب القصر، لما عرفت من أنّ العبرة في ملاحظة الخطاب بقسميه إنّما هي بهذه الحالة دون ما قبلها، لاشتراك الطائفتين في الركعتين الأولتين.

نعم، إنّما يجب قصد أربع ركعات على الحاضر من حين شروعه في الصلاة لأنّ الظهر الواجب عليه إنّما هو هذا الفرد دون القصر، لا لخصوصية فيه زائداً على عنوان الظهرية مثلًا، و إلّا فهما حقيقة واحدة كما عرفت. و هذا إنّما يتحقق فيما إذا استمر على صفة الحضور إلى انتهاء الأربع ركعات دون ما إذا تبدل الوصف و انقلب إلى المسافر ببلوغه إلى حدّ الترخص في الأثناء كما في المقام.

و منه تعرف جواز الشروع في الصلاة و إن علم من الأوّل بلوغه إلى حدّ الترخص في الأثناء، غايته أنّه لا تجوز له نيّة التمام حينئذ لكونه من التشريع المحرّم، و إنّما يقصد ذات الظهر مقتصراً على هذا العنوان فحسب.

و من جميع ما ذكرناه يظهر حكم عكس المسألة، و أنّه إن كان في السفر و دخل في الصلاة بنيّة القصر فوصل إلى حدّ الترخص يعدل إلى التمام، أي يتمّها على أربع ركعات، لتبدل الموضوع حينئذ و اندارجه بعد الركعتين تحت عنوان الحاضر المخاطب بوجوب التمام، و الدخول بنيّة القصر ضم حجر لا تأثير له بعد ما عرفت من أنّ العبرة في القصر و التمام بملاحظة الحالة الفعلية بعد انتهائه عن الركعتين، من كونه فعلًا حاضراً أو مسافراً.

85
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 30إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمة فعلا ج 14 ص 86

[مسألة 30: إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمّة فعلًا]

[1443] مسألة 30: إذا دخل في الصلاة بقصد ما في الذمّة فعلًا، و تخيّل أنّها الظهر مثلًا، ثم تبيّن أنّ ما في ذمته هي العصر أو بالعكس فالظاهر الصحة [1]، لأنّ الاشتباه إنّما هو في التطبيق (1).

______________________________
(1) قد عرفت في بعض المباحث السابقة اختصاص باب الخطأ في التطبيق بما إذا لم يكن المأمور به من العناوين القصدية، فكان الاشتباه في شي‌ء لا يتقوّم الامتثال بقصده، كما لو تخيّل أنّ ما بيده هي الركعة الثانية فبان أنّها الأُولى، أو أنّ من في المحراب زيد فبان عمراً، أو أنّ من أعطاه الدرهم عادل فبان فاسقاً و هكذا، فإنّ خصوصية كون الركعة هي الثانية مثلًا، أو كون من في المحراب زيداً، أو من يعطيه عادلًا لا يعتبر قصد شي‌ء منها في تحقق الامتثال لخروجها عن حريم المأمور به، فقصد خلافها غير قادح، و كان باب الاشتباه في التطبيق واسعاً في أمثال ذلك.

و أمّا إذا كان المأمور به من العناوين القصدية بحيث لا يتحقق الامتثال إلّا بقصده و لو إجمالًا، كعنوان الظهرية و العصرية حيث لا ميز بينهما إلّا بقصد هذا العنوان، ففي مثله لا سبيل لتطبيق باب الخطأ في التطبيق فيما لو قصد أحد العنوانين بتخيّل أنّه الواجب معتقداً ذلك اعتقاداً جزمياً ثم بان الخلاف، لأنّ امتثال المأمور به لا يتحقق إلّا بقصده حسب الفرض، فما قصده لا واقع له، و ما له الواقع غير مقصود به، و لا يصححه ضمّ قصد ما في الذمة، إذ لا أثر لقصد هذا اللفظ قطعاً، و إنّما المؤثّر قصد واقع ما في الذمة، و كيف يمكنه قصد ذاك الواقع مع اعتقاده الجزمي بأنّ الواجب عليه حسب تخيله هو الظهر مثلًا و كان الواقع هو العصر، فهو غير قاصد إلّا إلى الظهر ليس إلّا، و لم يقصد العصر‌

______________________________
[1] بل الظاهر عدمها إذا اعتقد جزماً أنّ ما في ذمّته صلاة معيّنة كصلاة الظهر مثلًا و أتى بها بهذا العنوان ثم تبيّن أنّه كان غيرها.

86
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 31إذا تخيل أنه أتى بركعتين من نافلة الليل مثلا فقصد الركعتين ج 14 ص 87

[مسألة 31: إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة اللّيل مثلًا فقصد الركعتين]

[1444] مسألة 31: إذا تخيّل أنّه أتى بركعتين من نافلة اللّيل مثلًا فقصد الركعتين الثانيتين أو نحو ذلك، فبان أنّه لم يصلّ الأولتين، صحت و حسبت له الأوّلتين، و كذا في نوافل الظهرين. و كذا إذا تبيّن بطلان الأولتين و ليس هذا من باب العدول، بل من جهة أنّه لا يعتبر قصد كونهما أوّلتين أو ثانيتين، فتحسب على ما هو الواقع، نظير ركعات الصلاة حيث إنّه لو تخيل أنّ ما بيده من الركعة ثانية مثلًا فبان أنّها الأُولى أو العكس أو نحو ذلك، لا يضر و يحسب على ما هو الواقع (1).

______________________________
بوجه حتى إجمالًا، فالتلفظ بقصد ما في الذمة حينئذ مجرد لقلقة لسان لا يجدي مثله شيئا.

نعم، إنّما يجدي ذلك فيما إذا تردد و شكّ فيما اشتغلت به الذمة و ما تعلّق به الأمر الفعلي من دون تخيل و اعتقاد، فلم يدر أنّ الواجب هو الظهر أو العصر فصلى بقصد ما في الذمة صحّت، لتعلق القصد حينئذ بما هو الواقع إجمالًا، فإنّه كافٍ، إذ لا يعتبر القصد التفصيلي كما مرّ سابقاً «1».

و الحاصل: أنّ قصد ما في الذمة لا يجتمع مع القصد إلى صلاة معيّنة بخصوصها و لا يكون ذلك من باب الخطأ في التطبيق. و هذا نظير ما إذا صام بقصد ما في الذمة معتقداً أنّ الذمة مشغولة بقضاء شهر رمضان فنوى القضاء بخصوصه، ثم انكشف أنّ الذمة غير مشغولة به، بل هي مشغولة بالصوم الاستئجاري، فهل يمكن القول بوقوعه امتثالًا عنه و فراغ ذمته عن الصوم النيابي الواجب عليه بدعوى كون قصد الخلاف من باب الخطأ في التطبيق.

(1) قد ظهر الحال ممّا قدّمناه في المسألة السابقة، فإنّ قصد كون الركعتين‌

______________________________
(1) في ص 11.

87
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

[فصل في تكبيرة الإحرام]

فصل في تكبيرة الإحرام و تسمّى تكبيرة الافتتاح أيضاً، و هي أوّل الأجزاء الواجبة للصلاة (1) بناءً على كون النيّة شرطاً، و بها يحرم على المصلي المنافيات (2) و ما لم يتمّها يجوز له قطعها.

______________________________
هما الأولتين من ركعات نافلة الليل أم الثالثة و الرابعة و هكذا غير معتبر في تحقق امتثال النافلة، كقصد كون الركعة التي بيده من الفريضة هي الركعة الأُولى أو الثانية، فقصد الخلاف غير قادح لكونه من باب الاشتباه في التطبيق غير القادح في أمثال المقام ممّا لا يتقوّم المأمور به بقصده، فيحسب له على ما هو الواقع عند خطئه، و ليس ذلك من باب العدول في شي‌ء كما صرّح به في المتن.

(1) على ما تشهد به النصوص الكثيرة «1» المصرّحة بأنّ أوّلها التكبيرة، أو افتتاحها أو تحريمها على اختلاف ألسنتها، و أمّا القيام حالها فليس من أفعال الصلاة، بل هو شرط للتكبيرة مختص بحال التمكن كسائر الشرائط من الستر و الاستقبال و نحوهما، فصحّت دعوى أنّ التكبيرة هي أوّل الأجزاء، بعد الفراغ عن أنّ النيّة شرط لا جزء كما مرّ «2».

(2) أمّا الحرمة الوضعية، فلإطلاق أدلّة المنافيات الشامل لمجرد الشروع في التكبيرة و إن لم يفرغ بعد عنها، فلو تكلم أو تقهقه أو أتى بسائر المنافيات‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

(2) في ص 5.

88
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و تركها عمداً و سهواً مبطل، كما أنّ زيادتها أيضاً كذلك [1] (1) فلو كبّر بقصد الافتتاح و أتى بها على الوجه الصحيح ثم كبّر بهذا القصد ثانياً بطلت و احتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج إلى خامسة، و هكذا تبطل بالشفع و تصح بالوتر.

______________________________
أثناءها بطلت، لصدق كونه في الصلاة بمجرد الشروع فيها، و لا يتوقف على استكمالها فتشمله المطلقات.

و أمّا الحرمة التكليفية، و أنّه هل يجوز قطعها ما لم يتمها أو لا، فهي من شؤون البحث عن حرمة قطع الفريضة اختياراً الذي عقد الماتن له فصلًا مستقلا بعد فصل المكروهات في الصلاة «1»، فيبحث عن أنّ الحرمة ثابتة أم لا، و على تقدير الثبوت فهل تعمّ المقام أو لا، فالأولى تأخير التعرض لذلك إلى حينه.

(1) على المشهور بينهم، و من هنا عدّوها من الأركان بعد أن فسّروها بما تبطل الصلاة بنقيصته و زيادته عمداً و سهواً، لكنّ الركن بلفظه لم يرد في شي‌ء من الروايات، و إنّما اصطلح عليه الفقهاء و تداول في ألسنتهم، و التفسير المزبور ممّا لا شاهد عليه بعد أن لم يساعده المفهوم اللغوي، فإنّه لا يقتضي إلّا الإخلال من حيث النقيصة دون الزيادة، أ لا ترى أنّ الأُسطوانات و هي أركان البناء ينهدم بفقدها و لا تضرّ زيادتها. و كيف كان فالمتبع في الحكم المذكور هو الدليل فلا بدّ من النظر إلى الأدلة، و يقع الكلام تارة من حيث النقيصة و أُخرى من حيث الزيادة، فهنا مقامان.

______________________________
[1] مرّ أنّ زيادتها سهواً لا توجب البطلان.

______________________________
(1) راجع العروة الوثقى 1: 540.

89
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
أمّا المقام الأوّل: فلا ريب أنّ مقتضى القاعدة هو البطلان بالإخلال العمدي كما هو الشأن في سائر الأجزاء، إذ أنّ ذلك هو مقتضى فرض الجزئية و الدخل في المركب الارتباطي. كما لا ريب أنّ مقتضى القاعدة الأوّلية فيها و في سائر الأجزاء مع قطع النظر عن مثل حديث لا تعاد و نحوه هو البطلان أيضاً بتركها سهواً، لانتفاء المركب بانتفاء جزئه بعد إطلاق دليل الجزئية الشامل لحالتي الالتفات و عدمه كما صرّح به الشيخ (قدس سره) «1» على أنّ الحكم في المقام ممّا تسالم عليه الأصحاب، و لم ينقل الخلاف فيه عن أحد، بل ادعي الإجماع على البطلان بالنقص السهوي فضلًا عن العمدي في غير واحد من الكلمات محصّلًا و منقولًا.

و قد تضمّنت جملة من النصوص الصحيحة بطلان الصلاة بنسيان التكبيرة كصحيحة زرارة قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح، قال: يعيد» «2» و موثقة عمار قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال: يعيد الصلاة، و لا صلاة بغير افتتاح» «3».

و صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يفتتح الصلاة حتى يركع، قال: يعيد الصلاة» «4»، إلى غير ذلك من الأخبار المذكورة في الوسائل في الباب الثاني من أبواب تكبيرة الإحرام.

نعم، بإزائها روايات أُخرى معتبرة فيها الصحيح و الموثق دلت صريحاً على عدم الإعادة التي منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتى دخل في الصلاة، فقال: أ ليس كان من‌

______________________________
(1) فرائد الأُصول 2: 483.

(2) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1، 7، 5.

(3) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1، 7، 5.

(4) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 1، 7، 5.

90
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
نيّته أن يكبّر؟ قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته» «1». و نحوها غيرها ممّا تضمّن التفصيل بين كون التذكر قبل الركوع و بعده، و أنّه يكبّر في الأوّل و يمضي في الثاني كموثق أبي بصير «2»، أو بين كونه في الصلاة أو بعدها، فيكبّر قائماً في الأوّل و يقضيها و لا شي‌ء عليه في الثاني كصحيح زرارة «3» و غيرها ممّا ذكرت في الباب المزبور.

و قد يقال كما عن المحقق الهمداني (قدس سره) «4»: بإمكان الجمع بين صحيحة الحلبي و الطائفة الاولى بارتكاب التخصيص، حيث إنّ نسبة الصحيحة إليها نسبة الخاص إلى العام، لأنّ موردها من كان من نيّته أن يكبّر فنسي، و تلك الأخبار مطلقة، فتخصص بالصحيحة و تحمل على من لم يكن من نيّته ذلك، إلّا أنّه متعذّر في خصوص المقام، للزوم حمل تلك المطلقات على الفرد النادر.

لكنه كما ترى لا سبيل إلى التخصيص حتى لو جاز حمل المطلق على الفرد النادر و لم يكن مستهجناً، إذ النسبة بينهما هي التباين دون العموم و الخصوص ضرورة أنّ فرض نسيان التكبيرة مساوق لسبق الالتفات إلى جزئيتها الملازم للبناء على إتيانها حين إرادة الصلاة، فالناسي ناوٍ للتكبيرة و بانٍ عليها و من نيّته أن يكبّر مهما صلّى و لا تنفك عنه أبداً، و إلّا فهو إمّا جاهل أو عامد كما لا يخفى. فالموضوع في الطائفتين شي‌ء واحد قد حكم عليه بالإعادة تارة و بعدمها اخرى، فهما متعارضان من أوّل الأمر.

و ربما يجمع بينهما بالحمل على الاستحباب. و فيه: ما لا يخفى، لما تكرّر منّا غير مرّة من امتناع ذلك في مثل يعيد و لا يعيد كما في المقام إذ الأمر بالإعادة إرشاد إلى الفساد، و لا معنى لاستحباب الفساد.

______________________________
(1) الوسائل 6: 15/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 9.

(2) الوسائل 6: 15/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10، 8.

(3) الوسائل 6: 15/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 10، 8.

(4) مصباح الفقيه (الصلاة): 241 السطر 27.

91
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
فالأولى في المقام أن يقال: إن كان هناك إجماع على البطلان عند النسيان بحيث أورث القطع بالحكم، فالطائفة الثانية المتضمنة للصحة ساقطة عن الحجية في حدّ نفسها، فلا تصلح للمعارضة، بل يردّ علمها إلى أهله، و إن لم يورث القطع، للتشكيك في كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) كما لا يبعد، فان ثبت حينئذ أنّ فتوى العامّة هي الصحة حملت هذه الطائفة على التقية، و كان الترجيح مع الطائفة الأُولى لمخالفتها لهم، و إن لم يثبت لذهاب جمع منهم إلى البطلان أيضاً كما قيل «1»، فلا مناص من استقرار المعارضة حينئذ، فيتساقطان و يرجع إلى إطلاق دليل الجزئية من قوله (عليه السلام): افتتاحها التكبير، أو تحريمها التكبير «2» و نحو ذلك، و تكون النتيجة أيضاً هو البطلان عند النسيان، و لا سبيل للرجوع إلى حديث لا تعاد لتصحيحها لاختصاصه بمن تلبّس بالصلاة و شرع فيها، المتوقف على الإتيان بالتكبيرة التي هي افتتاحها، فناسي التكبيرة غير داخل بعد في الصلاة، بل هو خارج عنها و إن أتى ببقية الأجزاء فلا يشمله الحديث، و لعلّ هذا هو السر في عدم عدّ التكبيرة من المستثنيات، مع لزوم إعادة الصلاة بالإخلال بها و لو سهواً بلا إشكال كما في الخمسة المستثناة.

و أمّا المقام الثاني: أعني الإخلال من حيث الزيادة، فالمشهور هو البطلان‌

______________________________
(1) الذي يظهر من كتاب المغني لابن قدامة 1: 541 أنّ العامة على قولين: فمنهم من قال بالفساد مطلقاً و هو قول ربيعة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي ثور و ابن المنذر. و منهم من قال بالاجتزاء بتكبيرة الركوع بدلًا عن تكبيرة الافتتاح، و هذا قول سعيد بن المسيب و الحسن و الزهري و قتادة و الحكم و الأوزاعي و لم يوجد قول لهم بالصحة مطلقاً، و لو كان فهو شاذ لا يعبأ به، و منه يظهر أنّ الروايات الدالة على الصحة هي المخالفة للعامة فينبغي الأخذ بها و طرح سواها.

(2) الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1.

92
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
و لذا عدّوها من الأركان، بعد تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً و سهواً كنقيصته، و من هنا ذكروا أنّه لو كبّر ثانياً بقصد الافتتاح بطلت و احتاج إلى الثالثة، فإن أبطلها بالرابعة احتاج إلى الخامسة، و هكذا تبطل بالشفع، و تصح بالوتر.

لكن البطلان بالثانية يتوقف على القول بعدم الخروج عن الصلاة بمجرد نيّة القطع، و أمّا على القول به كما عليه المشهور و إن كان خلاف التحقيق كما مرّ «1» فتصح الثانية من دون حاجة إلى الثالثة، إذ قصد الافتتاح بالثانية ملازم لقصد الخروج عن الأولى، فالبطلان في مرتبة سابقة على التكبيرة فلا تتصوّر الزيادة حينئذ كما لا يخفى.

و بهذا يشكل على المشهور في الجمع بين الأمرين، حيث ذهبوا إلى الخروج بمجرّد نيّة القطع، و مع ذلك حكموا في المقام ببطلان الثانية و الافتقار إلى الثالثة.

و كيف كان، فلا بدّ من فرض الكلام بعد الفراغ عن عدم الخروج بنيّة القطع كي تتصوّر الزيادة. و يقع الكلام تارة في الزيادة العمدية و أُخرى في السهوية.

أمّا الأوّل: فقد استدلّ على البطلان بوجوه نذكر عمدتها:

فمنها: ما عن شيخنا الأنصاري (قدس سره) من أنّ الثانية زيادة واقعة على جهة التشريع فتحرم و تبطل الصلاة بها، لكونها من الكلام المبطل مع العمد إليه اتفاقاً «2».

و فيه: أنّ المبطل هو خصوص كلام الآدمي، و لم يثبت البطلان بمطلق الكلام المحرّم و إن كان ذكراً. على أنّ التشريع لا يجري فيما لو أعادها ثانياً من باب الرجاء و بقصد الاحتياط كما ستعرف فلا يتمّ على إطلاقه. هذا مع أنّ‌

______________________________
(1) في ص 50.

(2) كتاب الصلاة 1: 553.

93
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
ذلك لا يختص بالتكبير، بل يجري في سائر أجزاء الصلاة ممّا كان من قبيل الأقوال كما لا يخفى.

و منها: ما ذكره المحقق الهمداني (قدس سره) من أنّ الثانية قادحة في صدق الهيئة الاتصالية المعتبرة بين الأجزاء، حيث إنّها مسبوقة لا محالة بالعزم على الخروج عن الصلاة برفع اليد عن الاولى حتى يتحقق الافتتاح بالثانية، و هذا العزم و إن لم يكن بمجرّده موجباً للبطلان، و لذا لم نقل بالخروج بمجرّد نيّة القطع، إلّا أنّ الجري على مقتضاه خارجاً باستئناف الصلاة و الإتيان بالثانية بقصد الافتتاح يوجب قطع الهيئة الاتصالية العرفية المانع عن صلاحية انضمام الأجزاء اللاحقة بالسابقة «1».

و فيه: ما لا يخفى، فإنّه لا مساغ للعرف لتشخيص كيفية اعتبار الهيئة الاتصالية بين الأجزاء، بل لا بدّ من أخذها من مخترعها و هو الشرع. نعم لا ريب في انقطاع الهيئة الاتصالية مع الفصل الطويل الماحي للصورة، كما لو كبّر و بعد نصف ساعة مثلًا قرأ و بعد هذا المقدار من الفصل ركع و هكذا، و أمّا مجرد إعادة التكبيرة و استئنافها فلا شك أنّ العرف لا يساعد على قدحها في صدق الهيئة الاتصالية إلّا بعد ثبوت الإخلال بها من قبل الشارع و تقيد الصلاة بعدمها، و هو بعد أوّل الكلام. فهذان الوجهان ضعيفان.

و أضعف منهما بقية الوجوه المذكورة في المقام التي منها دعوى الإجماع على ركنيتها، بعد تفسير الركن بما تبطل الصلاة بزيادته كنقيصته عمداً و سهواً، إذ فيه: ما عرفت من عدم الشاهد على هذا التفسير نصّاً، لخلوّها طرّاً عن هذا التعبير، و لا فتوًى لما يظهر من بعض الكلمات من تخصيص الإخلال بناحية النقص، كما لا يساعد عليه المفهوم لغة و لا عرفاً كما لا يخفى.

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 250 السطر 5.

94
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
فالأولى الاستدلال لذلك: بأنّ التكبيرة الثانية لا أمر بها بعد فرض صحة الأُولى، إذ لا معنى للافتتاح عقيب الافتتاح، و حيث إنّها تقع بقصد الجزئية، إذ لا تكاد تتصف بكونها تكبيرة الافتتاح إلّا إذا كانت مقرونة بهذا القصد، فهي لا محالة تقع على صفة الزيادة، إذ لا نعني بها إلّا الإتيان بشي‌ء بقصد الجزئية و لم يكن مأموراً به، فتشمله أدلة الزيادة المبطلة كقوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1».

لكن هذا يختص بما إذا أعادها بقصد الجزئية، و أمّا إذا أعادها بقصد الرجاء و من باب الاحتياط كما لو شك في صحة الأُولى بشك لا يعتنى به شرعاً، كما لو كان بعد الفراغ عن الأُولى المحكومة بالصحة حينئذ ظاهراً، فأعادها رجاءً دركاً للواقع فقصد بها الافتتاح على تقدير فساد الاولى، و إلّا فتقع ذكراً فإنّه لا موجب للبطلان حينئذ، لعدم كونها من الزيادة المبطلة بعد عدم قصد الجزئية بها. هذا كله في الزيادة العمدية.

و أمّا السهوية: فالمشهور أيضاً هو البطلان، إلّا أنّ وجهه غير ظاهر، لعدم الدليل عليه، فانّ الوجوه المتقدمة لا تقتضيه في هذه الصورة كما لا يخفى، و التمسّك بالإجماع على ركنيتها بضميمة الإجماع على تفسير الركن بما تقدح زيادته عمداً و سهواً كنقيصته، قد عرفت ما فيه، إذ بعد تسليم الإجماع الأوّل لا دليل على الثاني، بل ثبت عدمه بعد اختلاف الكلمات حيث ظهر من بعضهم الاقتصار في تفسيره بالإخلال من ناحية النقص فحسب، و مفهوم الركن لغة و عرفاً لا يساعد على أكثر من ذلك، فإنّه ما يتقوّم به الشي‌ء، و الزيادة غير قادحة في التقوّم لو لم تكن مؤيّدة، و لم يرد اللفظ في شي‌ء من الروايات و إنما وقع التعبير به في كلمات الأصحاب خاصة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل ب 19 ح 2.

95
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و لو كان في أثناء صلاة فنسي و كبّر لصلاة أُخرى فالأحوط [1] إتمام الأُولى و إعادتها (1).

______________________________
و عليه فالأقوى عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً، عملًا بإطلاق حديث لا تعاد الحاكم على أدلة الزيادة المبطلة مثل قوله (عليه السلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» «1» و الموجب لتخصيصها بالزيادة العمدية، إذ لا قصور في شمول الحديث للمقام.

و دعوى اختصاصه بما إذا كان الإخلال من ناحية النقص لا شاهد عليها فانّ بعض ما ذكر في المستثنى و إن لم تتصور فيه الزيادة كالوقت و الطهور و القبلة، لكنّها تتصور في البعض الآخر كالركوع و السجود، فالمستفاد من إطلاق الحديث أنّ الإخلال العارض للصلاة سواء أ كان من ناحية النقيصة أم الزيادة، إن كان من ناحية الخمسة المستثناة فتعاد و إلّا فلا، و من الواضح دخول التكبيرة في عموم المستثنى منه فيشملها الحديث إن كان الإخلال من حيث الزيادة.

نعم، إذا كان من حيث النقيصة فقد عرفت عدم شموله لها حينئذ، لاعتبار التلبس بالصلاة المتوقف على الدخول و الشروع فيها، و ناسي التكبيرة غير شارع بعد في الصلاة.

(1) تقدّم حكم ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده، و عرفت أنّ الأقوى اختصاص البطلان بصورة العمد دون النسيان.

و أمّا إذا نسي فكبّر ثانياً لصلاة أُخرى، فقد احتاط في المتن بإتمام الاولى ثم‌

______________________________
[1] و الأظهر كفاية الإتمام بلا حاجة إلى الإعادة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 231/ أبواب الخلل ب 19 ح 2.

96
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
إعادتها، و كأنّ الوجه في توقفه التردد في صدق الزيادة حينئذ على التكبيرة الثانية حتى يشملها ما دلّ على البطلان بالزيادة، فإنّ المتيقن في الصدق ما إذا كبّر ثانياً للصلاة التي بيده لا لغيرها.

هذا، و لا ينبغي الريب في عدم الصدق، لتقوّم الزيادة بقصد الجزئية للصلاة المتلبس بها المنفي في الفرض، و إلّا فمجرّد الإتيان بشي‌ء عارياً عن القصد المزبور لا يدرجه في عنوان الزيادة المبطلة، و لذا لو جلس لحاجة كقتل العقرب مثلًا أو قام لغرض كالنظر إلى الأُفق، أو أعاد سورة الفاتحة هدية لميت لا يوجب شي‌ء منها البطلان. فانّ الجلوس و القيام و الفاتحة و إن كانت من أجزاء الصلاة، لكنّه حيث لم يقصد كونها منها، و لم يؤت بها بعنوان الجزئية فلا تكون زيادة في الصلاة.

نعم، ثبت في خصوص السجدة أنّ مجرد الزيادة الصورية قادحة و إن لم يقصد بها الجزئية، و ذلك للأخبار الناهية عن قراءة سور العزائم في الصلاة معللًا بأنّ السجدة زيادة في المكتوبة «1»، مع أنّ المأتي بها سجدة التلاوة لا سجدة الصلاة، و يتعدى عنها إلى الركوع بطريق أولى كما لا يخفى. فيعلم من ذلك أنّ الشارع عيّن لكل ركعة كمية خاصة من السجود و الركوع لا يتجاوز عنها و لا يزاد عليها و لو صورة. و أمّا بقية الأجزاء و منها التكبيرة فحيث لم يرد فيها مثل هذا الدليل فلا يكون القادح فيها إلّا الزيادة الحقيقية المتقوّمة بقصد الجزئية دون الصورية.

و عليه فأدلة الزيادة المبطلة غير شاملة للمقام، فلا مانع من الحكم بالصحة استناداً إلى حديث لا تعاد، بعد ما عرفت من شمول الحديث لمطلق الإخلال سواء أ كان من ناحية النقيصة أو الزيادة.

______________________________
(1) الوسائل 6: 105/ أبواب القراءة في الصلاة ب 40 ح 1.

97
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و صورتها اللّٰه أكبر من غير تغيير و لا تبديل، و لا يجزئ مرادفها و لا ترجمتها بالعجمية أو غيرها (1).

______________________________
و مع الغض عنه فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية هذه التكبيرة، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين، بل يمكن الحكم بها حتى فيما إذا كبّر لصلاة أُخرى عامداً عالماً فضلًا عن النسيان، إذ لا موجب للبطلان بعد عدم صدق الزيادة، و قد تقدّم أنّ نيّة القطع بمجردها غير قادحة «1»، فالتكبيرة لصلاة أُخرى بمجردها بل و مع مقدار من الأجزاء غير الركوع و السجود لا تضرّ بصحة الصلاة الاولى لو رجع إليها ما لم يستلزم الفصل الطويل الماحي للصورة كما لا يخفى.

(1) يقع الكلام في جهات ثلاث:

الاولى: في وجوب المحافظة على هذه الصورة بما لها من المادة و الهيئة من غير تبديل و لا تغيير في شي‌ء منهما، فلا يجزئ مرادفها كقوله: الرّحمٰن أعظم و نحوه، أو ترجمتها بلغة اخرى، كما لا يجزئ الإخلال بالهيئة مثل تعريف أكبر أو تقديمه على لفظ الجلالة، أو الفصل بينهما بمثل كلمة سبحانه أو جلّ جلاله أو عزّ و جلّ أو تعالى، و نحو ذلك.

الثانية: في عدم وصلها بما سبقها من دعاء و نحوه.

الثالثة: في عدم وصلها بما بعدها من الاستعاذة أو البسملة و نحوهما.

أمّا الجهة الاولى: فلا خلاف بين الفقهاء، بل قيل بين المسلمين قاطبة من الخاصة و العامة في وجوب الإتيان بتلك الصورة من غير تغيير و لا تبديل، و أنّه‌

______________________________
(1) في ص 50.

98
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
قلّت مسألة في الفقه تتفق عليها آراء عموم المسلمين كهذه «1». و هذا الإجماع بنفسه دليل مستقل صالح للاعتماد عليه، فان اكتفينا به، و إلّا فلا بدّ من إقامة الدليل على الحكم.

و قد استدل له تارة: بمرسلة الصدوق قال: «كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) أتمّ الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال: اللّٰه أكبر بسم اللّٰه الرحمن الرحيم» «2» بضميمة قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله) «صلوا كما رأيتموني أُصلّي» «3».

و أُخرى: بما في خبر المجالس بإسناده في حديث «و أمّا قوله اللّٰه أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلّا بها» «4» فانّ مرجع الضمير في قوله «إلّا بها» هي التكبيرة المتقدم ذكرها على صورة اللّٰه أكبر، لا مطلق التكبيرة كما هو ظاهر.

و ربّما يورد على الوجه الأوّل: بأنّ المراد بالموصول في قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) «كما رأيتموني أُصلّي» لا يمكن أن تكون الصلاة المشتملة على جميع الخصوصيات، لاختلافها و عدم انضباطها، فلا بدّ و أن يراد البعض المعيّن من تلك الخصوصيات، و حيث لا قرينة عليه لعدم كونه متحصلًا لدينا فيكون مجملًا فلا يصلح للاستدلال.

______________________________
(1) و لكن الذي يظهر من ابن رشد في بداية المجتهد وجود الخلاف فيه قال في ج 1 ص 123 ما لفظه: قال مالك: لا يجزئ من لفظ التكبير إلّا اللّٰه أكبر. و قال الشافعي: اللّٰه أكبر و اللّٰه الأكبر اللفظان كلاهما يجزى به. و قال أبو حنيفة: يجزئ عن لفظ التكبير كل لفظ في معناه مثل: اللّٰه الأعظم و اللّٰه الأجل.

(2) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 11، الفقيه 1: 200/ 921.

(3) عوالي اللآلي 1: 198، السنن الكبرى 2: 345.

(4) الوسائل 6: 12/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 12، أمالي الصدوق: 255/ 279.

99
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
و فيه: ما لا يخفى، فانّ الخصوصيات التي اقترنت بها صلاته (صلّى اللّٰه عليه و آله) و إن كان بعضها مختلفة كوقوعها في المسجد تارة و في الدار أُخرى، أو مع اللباس الشتوي مرّة، و الصيفي اخرى و نحو ذلك ممّا يقطع بعدم دخله في الصلاة، إلّا أنّ جملة أُخرى منها و منها التكبيرة معيّنة منضبطة كان يواظب عليها في جميع صلواته قطعاً، و إلّا لنقل إلينا بالضرورة فلا إجمال فيها.

نعم، يرد عليه أوّلًا: أنّ مرسلة الصدوق ضعيفة بالإرسال فلا تصلح للاستدلال. و ثانياً: قصور الدلالة لو لم تكن ظاهرة في الجواز، غاية ما هناك أنّ الصلاة حينئذ لا تكون من الموجز، لا أنّها لا تصح كما لا يخفى.

و ثالثاً: أنّ رواية «صلّوا كما رأيتموني أُصلّي» لم ترد بطرقنا و لم توجد في كتبنا، و إنّما ذكرت في كتب العامة و رويت بطرقهم فلا يمكن الاعتماد عليها، و إن أرسلها الأصحاب كالمحقق الهمداني «1» و غيره إرسال المسلمات من دون غمز في السند.

و أمّا الوجه الثاني: أعني خبر المجالس، فهو ضعيف السند أوّلًا، إذ الصدوق يرويه عن شيخه محمد بن علي ماجيلويه و هو مهمل في كتب الرجال، و مجرد كونه من مشايخ الإجازة لا يدل على التوثيق، كيف و قد صرّح الصدوق في حق بعض مشايخه بما لفظه: لم أر أنصب منه «2». هذا و قد اشتمل آخر السند على الحسن بن عبد اللّٰه بن الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و الحسن مجهول. نعم، والده من شهداء الطف المستغنين عن التوثيق بل التعديل، إذ ليسوا بأقل من شهداء بدر.

كما اشتمل وسطه على علي بن الحسين البرقي و هو أيضاً مجهول، فالسند‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 242 السطر 17.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 279/ 3.

100
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
ضعيف من جهات ثلاث فلا يمكن الاعتماد على الخبر.

كما أنّه قاصر الدلالة ثانياً، بل على خلاف المطلوب أدل، إذ المذكور في المجالس هكذا «... و أمّا قوله و اللّٰه أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلّا بها» فهو مشتمل على زيادة الواو على خلاف المنقول عنه في الوسائل كما نبّه عليه المعلّق. فالاستدلال بشي‌ء من الوجهين لا يتم.

و الأولى الاستدلال عليه من وجوه:

أحدها: إطلاق أدلة الجزئية مثل قوله (عليه السلام) «تحريمها التكبير» «1» بعد انصراف التكبير فيها إلى ما هو المعهود المتعارف المنقول عن صاحب الشرع، و المفروض في الأذان، و الذي يعرفه حتى النِّساء و الصبيان، و لم يختلف فيه اثنان، لا من الخاصة و لا من العامة كما عرفت. فالمعروفيّة بهذه المثابة من الكثرة و الشيوع في جميع الأعصار و الأمصار بحيث متى قيل لأحد كبّر لا يتفوّه إلّا بقوله اللّٰه أكبر، لا شك في أنّه يوجب صرف إطلاق التكبير في تلك الأدلة إلى هذه الكيفية الخاصة الرائجة بين عموم المسلمين، بل لعلّه لا يوجد تعارف أشد من ذلك في صرف الإطلاق، فمقتضى دليل الجزئية بعد التنزيل على المتعارف وجوب هذه الكيفية بخصوصها و عدم الاجتزاء بغيرها.

و معه لا تصل النوبة إلى الرجوع إلى الأصل العملي الذي مقتضاه هو البراءة، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها عند الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و كذا عند الشك بين التعيين و التخيير الذي هو في الحقيقة من مصاديق الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطيين، و لا فرق بينهما إلّا في مجرّد التعبير كما أوضحناه في الأُصول «2». فما عن بعض من التفكيك بينهما‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 10.

(2) مصباح الأُصول 2: 453.

101
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
بالرجوع إلى البراءة في الأوّل، و الاشتغال في الثاني في غير محلّه.

الثاني: الأخبار الدالة على أنّ عدد التكبير في الصلوات الخمس اليومية خمس و تسعون، كموثق معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات، خمس و تسعون تكبيرة، منها تكبيرات القنوت خمس» «1». فانّ المستفاد منها أنّ تلك التكبيرات التي منها الافتتاح كلها من سنخ واحد و على صورة واحدة، فإذا انضمّ ذلك إلى قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة: «إذا أردت أن تركع فقل و أنت منتصب: اللّٰه أكبر ...» «2» إلخ المشتملة على بيان الكيفية في تكبيرة الركوع، يظهر من ذلك أنّ تكبيرة الافتتاح أيضاً كذلك، لما عرفت من استظهار كون الجميع من سنخ واحد و بكيفية واحدة.

الثالث: و هو العمدة، و الاستدلال به أقوى من سابقه و أظهر صحيحة حماد الواردة في بيان كيفية الصلاة التي استدلّ بها الأصحاب في كثير من المقامات قال فيها: «و استقبل بأصابع رجليه (جميعاً) لم يحرفهما عن القبلة بخشوع و استكانة فقال: اللّٰه أكبر ...» إلخ «3» ثم قال (عليه السلام) في ذيلها «يا حماد هكذا صلّ ...» إلخ، فإنّ ظاهر الأمر وجوب الإتيان بتلك الكيفية الظاهر في الوجوب التعييني «4» بمقتضى الإطلاق. و لا يقدح في الاستدلال اشتمالها على‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 18/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

(2) الوسائل 6: 295/ أبواب الركوع ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(4) الاستدلال بهذه الصحيحة و إن تكرر في كلمات سيّدنا الأُستاذ (دام ظله) تبعاً لجمع من الأعلام، لكنه مبني على ظهور الأمر في قوله (عليه السلام) «يا حماد هكذا صلّ» في الوجوب، فيؤخذ به ما لم تقم قرينة على الخلاف حسبما قرره (دام ظله) إلا أنّ لقائل أن يقول: إنّ التأمل في صدر الصحيحة يقضي بأنّه (عليه السلام) لم يكن بصدد تعليم الصلاة الواجبة لإباء مقام حماد عن خفاء مثل ذلك عليه، و لا سيّما مع التقبيح و التوبيخ الشنيع بمثل قوله (عليه السلام) «ما أقبح بالرجل منكم» إلخ، أ فهل يحتمل أنّ مثل هذا الرجل العظيم و هو من أجلة الفقهاء، بل من أصحاب الإجماع يأتي عليه ستون أو سبعون سنة و هو لا يدري الحدود الواجبة للصلاة.

إذن فلا ينبغي التأمل في أنّه (عليه السلام) بصدد تعليم الصلاة بحدودها التامة و مزاياها الكاملة كما أُشير إليه في صحيحة أُخرى لحماد بقوله (عليه السلام) «إنّ للصلاة أربعة آلاف حد» [المستدرك 4: 84/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 2]، و عليه فلا ظهور للأمر المزبور إلا في الإرشاد إلى مثل هذه الصلاة، دون الوجوب التعييني كما ادعي، فلا تصلح للاستشهاد حتى فيما لم تقم قرينة على الخلاف، لما عرفت من احتفافها بقرينة داخلية قاضية بعدم سوقها لبيان الحدود الواجبة.

و منه تعرف أنّ ما في المتن من الاستغراب في غير محله، بل ينبغي الاستغراب من الاستدلال بها في سائر المقامات فلاحظ.

102
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
جملة من المستحبات لما ثبت في محله من أنّ اقتران الكلام بما ثبت استحبابه من الخارج لا يمنع من الظهور في الوجوب فيما عداه الفاقد للقرينة على الخلاف «1» سيّما بناءً على مسلكنا من خروج الوجوب و الاستحباب عن مدلول الأمر و كونهما بحكم العقل و منتزعين من الاقتران بالترخيص في الترك و عدمه «2»، فما ثبت اقترانه بالترخيص في الترك كان مستحبّاً و إلّا حكم العقل بوجوبه، و حيث لم يثبت الترخيص المزبور في التكبير كان واجباً. و ليت شعري كيف غفل الأصحاب عن التمسك بهذه الصحيحة في المقام مع وضوح دلالتها و استنادهم إليها في كثير من المقامات متعرضين للإشكال المزبور و دفعه بما ذكر.

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 2: 138.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 2: 131.

103
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و الأحوط عدم وصلها بما سبقها من الدعاء (1) أو لفظ النيّة و إن كان الأقوى جوازه [1] و تحذف الهمزة من (اللّٰه) حينئذ.

______________________________
(1) هذه هي الجهة الثانية من الكلام، و قد اختار (قدس سره) جواز وصل التكبيرة بما سبقها من الدعاء و نحوه بحذف الهمزة من اللّٰه حينئذ، و إن ذكر (قدس سره) أنّ الأحوط هو عدم الوصل، و المشهور هو عدم الجواز و استدلّ لهم كما في الذكرى «1» بما يتألف من مقدّمتين: إحداهما: أنّ المعهود المنقول من صاحب الشرع هو قطع همزة اللّٰه و عدم وصلها بما تقدمها. الثانية: أنّه لا كلام قبل تكبيرة الإحرام، فلو تكلفه و استلزم سقوط همزة الوصل لكونه من خواص الدرج بكلام متصل، فقد تكلف ما لا يحتاج إليه، فيخرج اللفظ عن أصله المعهود شرعاً.

و في كلتا المقدمتين ما لا يخفى، أمّا الأُولى: فلعدم الدليل على تخصيص الصادر من صاحب الشرع بذلك. نعم، المنقول عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله) ذلك، إلّا أنّه لم ينقل عدم صدور غيره منه، و مجرد ذلك لا يكون دليلًا على العدم، فلعله صدر و لم ينقل إلينا. فدعوى أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لم يأت بها إلّا مقطوعة عن الكلام السابق لا شاهد عليها كما صرح به في الجواهر «2».

و أمّا الثانية: فإن أُريد من الكلام المنفي وجوده قبل تكبيرة الإحرام الكلام الواجب فهو صحيح، إلّا أنّ من المعلوم أنّ السقوط من خواص الدرج بكلام متصل واجباً كان أم لا، و إن أُريد النفي بقول مطلق حتى المستحب منه أو‌

______________________________
[1] فيه و فيما بعده إشكال فالاحتياط لا يترك.

______________________________
(1) الذكرى 3: 256.

(2) الجواهر 9: 206.

104
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

كما أنّ الأقوى جواز وصلها بما بعدها (1) من الاستعاذة أو البسملة أو غيرهما، و يجب حينئذ إعراب راء أكبر، لكن الأحوط عدم الوصل.

______________________________
المباح فهو مقطوع العدم، كيف و التكبيرة هي التحريم، فلا يحرم الكلام إلّا بعدها لا قبلها، و قد ثبت استحباب جملة من الأدعية قبلها و لا أقل من تكبيرات الافتتاح الست، فمن الجائز أن يوصل التكبيرة السادسة بالتكبيرة السابعة التي بها تفتتح الصلاة، المستلزم لسقوط همزة الوصل حينئذ الذي هو من شؤون الدرج بكلام متصل.

و من هنا قد يقوى في النظر بعد عدم قيام دليل على المنع جواز الوصل كما اختاره في المتن، استناداً إلى أصالة البراءة عن مانعيته، بناءً على ما هو الصحيح من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين، و قد أشرنا إلى أنّ هذا الباب و باب الدوران بين التعيين و التخيير من وادٍ واحد، بل أحدهما عين الآخر، و الاختلاف في مجرد التعبير، فلا وجه للتفكيك بالرجوع إلى البراءة في الأوّل و الاشتغال في الثاني.

هذا، و لكن الحكم بالجواز مشكل جدّاً، لإمكان الاستدلال على المنع بصحيحة حماد المتقدمة «1» حيث ذكر فيها صورة التكبيرة منفصلة عن أيّ شي‌ء قبلها، ثم قال (عليه السلام) في ذيلها: «يا حماد هكذا صلّ»، و الأمر ظاهر في الوجوب التعييني، فجواز الوصل يحتاج إلى الدليل، و بدونه يتعيّن العمل بظاهر الأمر، فلا تصل النوبة إلى الرجوع إلى الأصل العملي المزبور. و كيف كان، فعدم جواز الوصل و وجوب قطع الهمزة إن لم يكن أقوى فلا ريب أنّه أحوط.

(1) هذه هي الجهة الثالثة من الكلام، فنقول: إذا بنينا على جواز الوصل‌

______________________________
(1) في ص 102.

105
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

..........

______________________________
بالسكون فلا ينبغي الإشكال حينئذ في جواز وصل التكبيرة بما بعدها، لحصول المحافظة على هيئتها من دون أيّ تغيير.

و أمّا إذا بنينا على عدم الجواز فالظاهر أيضاً جواز الوصل مع إعراب راء أكبر كي لا يلزم الوصل بالسكون إذ لا دليل على وجوب الوقف على أكبر بل مقتضى إطلاق صحيحة حماد «1» عدمه، سيّما و قد تعرّض فيها للوقف و التنفس بعد الفراغ عن التوحيد قبل الشروع في تكبيرة الركوع بقوله: «ثم قرأ الحمد بترتيل و قل هو اللّٰه أحد، ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس و هو قائم، ثم قال اللّٰه أكبر ...» إلخ مع أنّ الصبر و التنفس هنا غير واجب قطعاً، فلو كان الوقف في تكبيرة الإحرام واجباً كان ذكره أولى و التعرض له أحرى كما لا يخفى.

و كيف كان، فإطلاق الصحيحة رافع لاحتمال الوجوب، فانّ هذه الصحيحة و غيرها من الروايات الواردة لبيان كيفية الصلاة إنّما تتكفل ببيان الأجزاء بموادها، و أمّا إعراب الكلمات من الوقف و الحركات فهو محوّل إلى قانون اللغة و القواعد العربية و الأُصول المقررة لذلك، و من هنا لا نجد في شي‌ء من تلك الأخبار تعرّضاً لذلك. و عليه فاذا احتملنا لزوم مراعاة شي‌ء على خلاف ما تقتضيه تلك القواعد كوجوب الوقف في المقام و عدم وصل التكبيرة بما بعدها جاز التمسّك في دفعه بإطلاقها.

و لا ينافي ذلك ما تقدّم منّا من عدم جواز وصل التكبيرة بما قبلها استناداً إلى صحيحة حماد، لأنّ ذلك كان مستلزماً لتغيير مادة اللّفظ، لسقوط همزة اللّٰه في الدرج، و قد عرفت أنّ ظاهر الصحيحة الأمر بهذه الهيئة بمادتها، و أمّا في المقام فالتغيير راجع إلى الأعراب، و الصحيحة كغيرها من سائر الأخبار غير ناظرة إليه كما عرفت.

______________________________
(1) المتقدّمة في ص 102.

106
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في تكبيرة الإحرام ج 14 ص 88

و يجب إخراج حروفها من مخارجها (1) و الموالاة بينها، و بين الكلمتين.

[مسألة 1: لو قال: (اللّٰه تعالى أكبر) لم يصح]

[1445] مسألة 1: لو قال: (اللّٰه تعالى أكبر) لم يصح، و لو قال: (اللّٰه أكبر من أن يوصف) (2)، أو (من كل شي‌ء) فالأحوط [1] الإتمام و الإعادة و إن كان الأقوى الصحة إذا لم يكن بقصد التشريع.

______________________________
هذا و مع الإغماض عن إطلاق الصحيحة، فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن مانعية الوصل بما بعدها على المختار من جواز الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطيين، و في الدوران بين التعيين و التخيير، و قد أشرنا غير مرّة إلى اتحاد المسألتين و عدم المجال للتفكيك بينهما.

(1) كي لا تتغيّر الكلمة عمّا هي عليه القادح في الصحة، للزوم الإتيان بها لا بشي‌ء غيرها، كما لا ريب في لزوم الموالاة بين حروفها كلزومها بين الكلمتين تحفظاً على الهيئة الكلامية اللّازم مراعاتها و إلّا خرجت التكبيرة عن كونها كذلك.

(2) أمّا عدم صحة الأوّل، المستلزم لتغيير هيئة التكبيرة عن كيفيتها المتعارفة فقد سبق الكلام فيه مستقصى و علم وجهه ممّا مرّ «1».

و أمّا الثاني، فالظاهر أيضاً عدم الجواز، فإنّه و إن لم يستلزم تغييراً في الهيئة لكونه زيادة لاحقة، لكنّها مغيّرة للمعنى فلا تجوز، فانّ قوله: اللّٰه أكبر من أن يوصف، لا يدل على اختصاص الأكبرية من ذلك به تعالى و نفيها عن غيره فلعلّ هناك موجوداً كالنبيّ الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) أو ملك مُقرّب هو أيضاً أكبر من أن يوصف، كما أن قوله: اللّٰه أكبر من كل شي‌ء، لا يدل على‌

______________________________
[1] لا يترك الاحتياط بالإعادة.

______________________________
(1) في ص 98.

107
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2لو قالالله أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولد الألف بطل ج 14 ص 108

[مسألة 2: لو قال: اللّٰه أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولّد الألف بطل]

[1446] مسألة 2: لو قال: اللّٰه أكبر بإشباع فتحة الباء حتى تولّد الألف بطل (1) كما أنّه لو شدّد راء أكبر بطل أيضاً.

[مسألة 3: الأحوط تفخيم اللّام من اللّٰه و الراء من أكبر]

[1447] مسألة 3: الأحوط تفخيم اللّام من اللّٰه و الراء من أكبر، و لكن الأقوى الصحة مع تركه أيضاً (2).

[مسألة 4: يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمداً كان أو سهواً]

[1448] مسألة 4: يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمداً كان أو سهواً [1] (3).

______________________________
أنّه تعالى غير محدود بحدّ و غير قابل للوصف، بل غايته أنّ كل موجود في الخارج فاللّٰه سبحانه أكبر منه، و أمّا أنّه تعالى أكبر من أن يوصف و أجل من أن يحدد بحد فلا دلالة للكلام عليه.

هذا بخلاف قولنا: (اللّٰه أكبر) مرسلًا عن كل قيد، فإنّه يدل على الأكبرية المطلقة الشاملة لجميع تلك المعاني، بل و غيرها كما لا يخفى، فيكون المعنى أشمل و المفهوم أوسع و أكمل، فلا يجوز تغييره بالتقييدين الموجبين للتضييق.

(1) للزوم زيادة الحرف الموجبة لتغيير الصورة، بل خروج الكلمة عن حقيقتها. و منه يظهر الحال في تشديد راء أكبر.

(2) فإنّ ذلك من قواعد التجويد غير اللازم مراعاتها، بعد عدم خروج الكلمة بالإخلال بها عن كونها عربية، فإن تلك القواعد من محسّنات الكلام لا من مقوّماته.

(3) ذكر (قدس سره) أنّه يعتبر في التكبيرة القيام و الاستقرار، بل هما ركنان فيها بمعنى أنّه لو ترك أحدهما عمداً أو سهواً بطل.

______________________________
[1] عدم البطلان بترك الاستقرار سهواً هو الأظهر.

108
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
أمّا القيام: فلا إشكال كما لا خلاف في اعتباره فيها، و تشهد له جملة من النصوص الواردة، إمّا في خصوص التكبيرة كصحيحة حماد «1» قال فيها: «فقام أبو عبد اللّٰه (عليه السلام) مستقبل القبلة منتصباً إلى أن قال فقال: اللّٰه أكبر ...» إلخ بضميمة قوله في الذيل «يا حماد هكذا صلّ» الظاهر في الوجوب التعييني.

أو في حال الصلاة التي منها التكبيرة التي هي افتتاحها و أوّل جزء منها و هي كثيرة، كصحيح زرارة قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: و قم منتصباً فانّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «2»، و صحيح أبي حمزة «عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول اللّٰه (عزّ و جلّ) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ قال: الصحيح يصلّي قائماً ...» إلخ «3».

و صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له» «4»، و نحوها غيرها.

ثم إنّ مقتضى إطلاق هذه النصوص اعتبار القيام و الانتصاب في التكبيرة مطلقاً، لكن المحكي عن الشيخ في المبسوط و الخلاف «5» عدم اعتباره في المأموم قال: إذا كبّر المأموم تكبيرة واحدة للافتتاح و الركوع و أتى ببعض التكبير منحنياً صحّت صلاته، و استدلّ عليه بأنّ الأصحاب حكموا بصحة هذا التكبير و انعقاد الصلاة به، و لم يفصّلوا بين أن يكبّر قائماً أو يأتي به منحنياً، فمن ادعى البطلان احتاج إلى دليل.

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

(3) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

(4) الوسائل 5: 489/ أبواب القيام ب 2 ح 2.

(5) المبسوط 1: 105، الخلاف 1: 340/ مسألة 92.

109
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
و فيه: ما لا يخفى، إذ يكفي في الدليل إطلاق النصوص المتقدمة كما عرفت. و حكم الأصحاب بالصحة مسوق لبيان الاجتزاء بالتكبيرة المزبورة عن التكبيرتين، و سنتعرض لهذا الحكم في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى «1»، و ليسوا بصدد بيان الصحة على الإطلاق حتى مع الإخلال بسائر الشرائط المعتبرة في التكبيرة من القيام و نحوه، فانّ بيان ذلك موكول إلى محله و قد تعرضوا له، فلا إطلاق لكلامهم في المقام من هذه الجهة قطعاً.

على أنّه يكفي في الحكم بالبطلان الصحيحة الواردة في خصوص المقام، و هي صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) أنّه «قال في الرجل إذا أدرك الإمام و هو راكع و كبّر الرجل و هو مقيم صلبه ثم ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه: فقد أدرك الركعة» «2».

فانّ بعض المذكور في القضية الشرطية و إن كان من قبيل القيود المسوقة لبيان تحقق الموضوع التي لا مفهوم لها كإدراك الإمام في ركوعه، و كذا تكبير الرجل، إذ مع انتفاء الأول لا موضوع لإدراك الركعة، كما أنّه مع انتفاء الثاني لا موضوع للصلاة، إلّا أنّ البعض الآخر ليس من هذا القبيل كقوله «و هو مقيم صلبه» الذي هو محل الاستشهاد و قوله «ثم ركع» فانّ من يكبّر قد يقيم صلبه و قد لا يقيم، كما أنّه قد يركع و قد لا يركع، و قد ذكرنا في الأُصول في بحث المفاهيم أنّ الجملة الشرطية إذا اشتملت على قيدين أحدهما مسوق لبيان تحقق الموضوع و الآخر لغيره، كان للقضية مفهوم باعتبار الثاني و إن لم يكن له باعتبار الأوّل، كما في قولك: إن ركب الأمير و كان ركوبه يوم الجمعة فخذ بركابه، فيدل على عدم وجوب الأخذ بالركاب لو كان الركوب في غير يوم‌

______________________________
(1) شرح العروة 15: 75.

(2) الوسائل 8: 382/ أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 1.

110
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
الجمعة و إن لم يدل على عدم الوجوب مع عدم الركوب أصلًا، لانتفاء الموضوع حينئذ، كما في قولك: إن رزقت ولداً فاختنه «1».

و عليه فالصحيحة و إن لم يكن لها مفهوم باعتبار فقد أحد القيدين الأوّلين المسوقين لبيان تحقق الموضوع، لكنه ينعقد لها المفهوم باعتبار القيدين الآخرين فتدلّ بالمفهوم على أنّ من كبّر و لم يقم صلبه و ركع قبل أن يرفع الإمام رأسه فهو غير مدرك للركعة المساوق لبطلان الصلاة.

و تؤيِّدها: رواية أبي أُسامة يعني زيداً الشحام «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل انتهى إلى الامام و هو راكع، قال: إذا كبّر و أقام صلبه ثم ركع فقد أدرك» «2» و التقريب ما مرّ لكن سندها مخدوش، فإنّ أبا أُسامة و إن كان موثقاً لتصريح الشيخ بتوثيقه «3» على أنّه واقع في أسانيد كامل الزيارات «4»، مع أنّ العلّامة ذكر في شأنه عين العبارة التي ذكرها النجاشي بزيادة قوله ثقة عين «5»، و هو مشعر بأخذ العبارة منه، و لعلّ نسخة النجاشي الموجودة عنده كانت مشتملة على الزيادة، فيكون قد وثقه النجاشي أيضاً «6»، و إن كانت النسخة الواصلة إلينا الدارجة اليوم خالية عنها.

إلّا أنّ طريق الشيخ إلى الرجل فيه ضعف، لاشتماله على أبي جميلة مفضل ابن صالح و لم يوثق، فالرواية ضعيفة السند، و من هنا ذكرناها بعنوان التأييد.

______________________________
(1) دراسات في علم الأُصول 2: 200.

(2) الوسائل 8: 383/ أبواب صلاة الجماعة ب 45 ح 3.

(3) الفهرست: 71/ 288.

(4) لا أثر له، لعدم كونه من المشايخ بلا واسطة.

(5) الخلاصة: 148/ 422.

(6) رجال النجاشي: 175/ 462.

111
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
فتحصّل: أنّ الأقوى اعتبار القيام في التكبيرة مطلقاً، من غير فرق بين المأموم و غيره.

و هل يختص اعتباره بحال الذكر أو يعمّ النسيان فتعدّ من الأركان، فلو تركه عمداً أو سهواً بطلت صلاته؟

مقتضى إطلاق حديث لا تعاد الحاكم على الأدلة الأولية هو الأوّل، لعدم كونه من الخمسة المستثناة، فيندرج تحت إطلاق المستثنى منه، فإنّ الإخلال بنفس التكبيرة نقصاً و إن لم يكن مشمولًا للحديث، لعدم الدخول بعد في الصلاة التي افتتاحها التكبيرة، و لعلها من أجله لم تذكر في عقد الاستثناء مع مسلّمية البطلان بتركها سهواً نصاً و فتوى كما تقدم، لكن الإخلال بالقيام مع الإتيان بذات التكبيرة غير مانع عن شمول الحديث، لصدق الشروع و الافتتاح و التلبس بالصلاة بمجرد حصول التكبيرة و إن كانت فاقدة لشرطها كما لا يخفى فلو كان هناك إخلال فهو من ناحية القيام لا التكبيرة فيشمله الحديث.

إلّا أنّ صريح موثقة عمار هو الثاني، أعني بطلان الصلاة بنسيان القيام، قال (عليه السلام) فيها: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم و لا يقتدي (و لا يعتد) بافتتاحه و هو قاعد» «1». فلا مناص من تخصيص الحديث بها، لكونها أخص منه مطلقاً.

و أمّا الاستقرار: بمعنى الطمأنينة و السكون في قبال الاضطراب و الحركة، فلم يرد على اعتباره في التكبيرة نص بالخصوص، و إنّما استدلّ له في المقام بما دلّ على اعتباره في الصلاة بعد كون التكبيرة منها و جزءاً لها. و قد استدلّ له بعد الإجماع المحقق بعدّة من الروايات.

______________________________
(1) الوسائل 5: 503/ أبواب القيام ب 13 ح 1.

112
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
منها: رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم، قال: يكف عن القراءة في مشيه حتى يتقدّم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ» «1» فإنّ التكبيرة حالها حال القراءة من هذه الجهة كما لا يخفى.

و هذه الرواية و إن كانت معتبرة سنداً، فانّ السكوني موثق، و كذا النوفلي الراوي عنه، لوقوعه في أسانيد تفسير القمي، لكنّها قاصرة الدلالة، إذ بعد تسليم شمول القراءة للتكبيرة و اتحادها معها في هذا الحكم، ليست الرواية ممّا نحن فيه، لكونها ناظرة إلى اعتبار الاستقرار في مقابل المشي، لا في مقابل الطمأنينة و الاضطراب، مع كونه واقفاً الذي هو محل الكلام.

و منها: رواية سليمان بن صالح عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا يقيم أحدكم الصلاة و هو ماش و لا راكب و لا مضطجع، إلّا أن يكون مريضاً و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» «2» بناءً على أنّ المراد من التمكن الاستقرار و الاطمئنان، كما لعله الظاهر.

و هي و إن صحّ سندها، بالرغم من اشتماله على صالح بن عقبة و قد ضعّفه ابن الغضائري «3»، إذ لا عبرة بتضعيفه، لعدم الاعتماد على كتابه، فلا يعارض به التوثيق المستفاد من وقوعه في أسناد تفسير القمي و كامل الزيارات، لكنّها قاصرة الدلالة، لأنّه إن أُريد من التشبيه المماثلة في كيفية الاستقرار، فلا تعرّض فيها لحكمه، و إن أُريد التشبيه من حيث الحكم، فقد سبق في مبحث الإقامة «4»

______________________________
(1) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

(2) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

(3) مجمع الرجال 3: 207.

(4) العروة الوثقى 1: 444 [فصل في مستحبات الأذان و الإقامة].

113
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4يجب فيها القيام و الاستقرار فلو ترك أحدهما بطل عمدا كان أو سهوا ج 14 ص 108

..........

______________________________
عدم اعتبار الاستقرار فيها و إنّما هو مستحب، إذن فلا تدل على الوجوب في الصلاة، بل غايته المساواة في اعتبار الرجحان و أصل المطلوبية.

و منها: ما رواه الصدوق بإسناده عن هارون بن حمزة الغنوي «أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة في السفينة، فقال: إن كانت محملة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرك فصَلّ قائماً، و إن كانت خفيفة تكفأ فصلّ قاعداً» «1» فقد دلّت على اعتبار الاستقرار على نحو يتقدم على القيام لو أوجب الإخلال به فيصلي قاعداً.

و يمكن الخدش في السند: بأنّ في طريق الصدوق إلى هارون بن حمزة، يزيد ابن إسحاق شَعَر، و لم يوثق كما صرح به الأردبيلي «2» نعم صحح الطريق في الخلاصة «3» بناءً على مسلكه من العمل برواية كل إمامي لم يرد فيه قدح.

هذا، و لكن الرجل واقع في أسانيد كامل الزيارات «4» فالرواية معتبرة، و لا ينبغي النقاش في سندها. لكنها قاصرة الدلالة، لعدم كون التفصيل ناظراً إلى استقرار المصلي و عدمه، بل إلى استقرار السفينة و اضطرابها لخفتها، و أنّها لو كانت خفيفة بحيث تكفأ لو قام المصلي في صلاته سقط القيام حينئذ و صلى قاعداً مخافة الوقوع في البحر لكونه مظنة الضرر. فقوله «تكفأ» أقوى شاهد على اضطراب السفينة الموجب لسقوط القيام لكونه في معرض التلف و الغرق دون اضطراب المصلي من حيث هو مع الأمن من القيام الذي هو محل الكلام.

فهذه الروايات لا يمكن الاستدلال بشي‌ء منها على اعتبار الاستقرار في‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 504/ أبواب القيام ب 14 ح 2، الفقيه 1: 292/ 1329.

(2) جامع الرواة 2: 542.

(3) الخلاصة: 440.

(4) و لكنه لم يكن من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة فلا يشمله التوثيق.

114
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها من الأذكار ج 14 ص 115

[مسألة 5: يعتبر في صدق التلفّظ بها بل و بغيرها من الأذكار]

[1449] مسألة 5: يعتبر في صدق التلفّظ بها بل و بغيرها من الأذكار (1)

______________________________
الصلاة كي يثبت في التكبيرة التي هي جزء منها.

نعم، لو ثبت ما قد يدعى من اعتبار الاستقرار في مفهوم القيام الواجب حال التكبيرة نصاً و فتوى كما تقدم «1»، كان الدليل عليه دليلًا عليه، لكنه غير ثابت قطعاً، فانّ القيام لم يؤخذ في مفهومه إلّا انتصاب الظهر في الجملة، في مقابل الانحناء و الهيئات الأُخرى من الركوع و السجود و الاضطجاع و القعود و أمّا الحركة و السكون فخارجتان عن المفهوم، فقد يكون القائم متحركاً و قد يكون قارّاً.

فليس في البين ما يعتمد عليه في اعتبار الاستقرار في الصلاة الشاملة للتكبيرة إلّا الإجماع المحقق و التسالم بين الأصحاب قديماً و حديثاً، و حيث إنّه دليل لبي فلا بدّ من الاقتصار على القدر المتيقن و هي صورة العمد، فلا دليل على البطلان في صورة النسيان، بل مقتضى إطلاق حديث لا تعاد هي الصحة.

فدعوى ركنيته كما في المتن تبعاً للشهيد «2»، و أنّه تبطل الصلاة بالإخلال به حال التكبيرة عمداً و سهواً، لا يمكن المساعدة عليها. نعم، تصح الدعوى بالنسبة إلى القيام حالها كما عرفت.

(1) المشهور بين الأصحاب اعتبار سماع النفس تحقيقاً أو تقديراً في صدق التلفظ بالتكبيرة و غيرها من الأذكار و الأدعية و القرآن، فلو كان دون ذلك لم يصح.

______________________________
(1) في ص 109.

(2) لم نعثر عليه.

115
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5يعتبر في صدق التلفظ بها بل و بغيرها من الأذكار ج 14 ص 115

و الأدعية و القرآن، أن يكون بحيث يسمع نفسه تحقيقاً أو تقديراً، فلو تكلم بدون ذلك لم يصح [1].

______________________________
و قد يستدل له كما في المعتبر «1» و المنتهى «2» بدخل ذلك في تحقق الكلام فما لا يسمع لا يعدّ كلاماً و لا قراءة.

و فيه: ما لا يخفى، لمنع الدخل فلا يتوقف صدق الكلام على الإسماع، و لذا لو تكلم بمثل ذلك بكلام آدمي أثناء صلاته بطلت، و لا نظن تجويز مثل ذلك حتى من المستدل.

فالعمدة إذن الروايات الواردة في المقام، التي منها موثقة سماعة قال: «سألته عن قول اللّٰه عزّ و جلّ وَ لٰا تَجْهَرْ بِصَلٰاتِكَ وَ لٰا تُخٰافِتْ بِهٰا قال: المخافتة ما دون سمعك، و الجهر أن ترفع صوتك شديداً» «3» فكأنه استصعب سماعة فهم المراد من الآية الشريفة، حيث إنّ الجهر و الإخفات من الضدين اللذين لا ثالث لهما، فكيف نهى سبحانه عنهما و أمر باتخاذ الوسط بينهما بقوله تعالى وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلًا «4» فأجاب (عليه السلام) بأنّ الخفت الممنوع ما كان دون السّمع، و الجهر كذلك ما تضمن الصوت الشديد، و ما بينهما هو الوسط المأمور به الذي ينقسم أيضاً إلى الجهر و الإخفات حسب اختلاف الصلوات كما فصّل في الروايات.

______________________________
[1] هذا إذا لم يصدق عليه التكلم بأن كان من مجرّد تحريك اللسان و الشفة، و إلّا فالصحة هو الأظهر.

______________________________
(1) المعتبر 2: 177.

(2) المنتهي 1: 268 السطر 22.

(3) الوسائل 6: 96/ أبواب القراءة في الصلاة ب 33 ح 2.

(4) الإسراء 17: 110.

116
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

[مسألة 6: من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم]

[1450] مسألة 6: من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلّم (1)

______________________________
و يؤيدها: روايات اخرى بهذا العنوان لا تخفى على المراجع، فلا إشكال في الحكم و أنّه لا بدّ في الامتثال من التكلم بهذه الأُمور على نحو يسمع نفسه «1» إما تحقيقاً، أو تقديراً كما في الأصم لعارض، أو كان هناك مانع عن سماع الصوت.

(1) مراده (قدس سره) من عدم المعرفة بقرينة ذكر الملحون و غير القادر فيما بعد، من لم يعرفها صحيحة سواء لم يعرفها أصلًا، أو لم يعرف الصحيح منها.

ثم إنّ الوجوب في المقام ليس غيرياً شرعياً مقدمة لوجود الصحيح، و لا علمياً عقلياً مقدمة لإحراز الامتثال الواجب بحكم العقل، بل هو من صغريات وجوب تعلم الأحكام المردد بين كونه واجباً نفسياً أو طريقياً أو غيرهما، و قد وردت فيه النصوص من قوله (عليه السلام): «هلّا تعلّمت» «2» و من آية الذكر «3» و غيرهما، حسبما تعرّضنا له في الأُصول في خاتمة البراءة مستقصى «4»، فإنّ الكبرى المبحوث عنها هناك أعم من تعلم نفس الأحكام أو موضوعاتها المتلقاة من قبل الشارع التي عهدة بيانها عليه، و لا بدّ من الرجوع إليه في معرفتها و كيفياتها كما في المقام في قبال الموضوعات العرفية الموكول معرفتها إلى العرف.

و ممّا ذكرنا يظهر أنّ وجوب التعلم في المقام و غيره ثابت حتى قبل دخول‌

______________________________
(1) ما ذكره (دام ظله) في المقام هو المطابق لما سيجي‌ء في مبحث القراءة المسألة (27) و لما أورده في منهاجه المسألة (620) و لكنه مخالف لما جاء في تعليقته الشريفة على المقام فلاحظ.

(2) البحار 2: 29، 180.

(3) النحل 16: 43.

(4) مصباح الأُصول 2: 493، 495.

117
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

و لا يجوز له الدخول في الصلاة قبل التعلم (1) إلّا إذا ضاق الوقت فيأتي بها ملحونة (2).

______________________________
الوقت، لعدم كونه وجوباً غيرياً ترشحياً حتى يتوقف على فعلية وجوب ذي المقدمة كما عرفت، فانّ تعلم الأحكام بموضوعاتها المستنبطة واجب على الجاهل مطلقاً إمّا نفساً أو طريقاً كي لا تفوته الواقعيات في ظرفها المقرّر لها.

(1) لا بمعنى مجرّد عدم الصحة وضعاً، أو عدم الاجتزاء به عقلًا من أجل عدم إحراز أداء المأمور به، بل بمعنى عدم جوازه شرعاً زائداً على ذلك لكونه من التشريع المحرّم، لاحتمال عدم كون الصادر منه تكبيرة، أو أنّها تكون ملحونة، فإنّه على التقديرين لم يتعلّق به الأمر و ليس من أجزاء الصلاة، فافتتاح الصلاة و الدخول فيها بذلك، المساوق للإتيان به بعنوان الجزئية و بقصد الأمر تشريع محرّم.

(2) بلا خلاف، و يكفينا في ذلك إطلاقات الأمر بالتكبير مثل قوله (عليه السلام): «تحريمها التكبير» «1» فإنّه يشمل الصحيح و الملحون. و التقييد بالأوّل على صورة اللّٰه أكبر، إنّما كان من أجل الانصراف إلى المتعارف، أو لفعل الإمام (عليه السلام) و الأمر به كذلك كما في صحيحة حماد على ما تقدم «2»، و لا ريب أنّ كلا منهما خاص بحال الاختيار، فيبقى الإطلاق في صورة العجز و الاضطرار كما في المقام حيث لا يتمكن من تعلم الصحيح لضيق الوقت على حاله بعد صدق عنوان التكبير على كل من الصحيح و الغلط.

هذا، مضافاً إلى فحوى موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 10.

(2) في ص 109.

118
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

..........

______________________________
بإصبعه» «1» فانّ الاكتفاء بتحريك اللسان و الإشارة بالإصبع يستدعي الاجتزاء بالقراءة الملحونة، و كذا التكبير الملحون بطريق أولى.

و موثقة مسعدة بن صدقة قال: «سمعت جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول: إنّك قد ترى من المحرّم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح، و كذلك الأخرس في القراءة في الصلاة و التشهد و ما أشبه ذلك، فهذا بمنزلة العجم و المحرّم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» «2».

فإنّها كما ترى ظاهرة الدلالة على المطلوب، حيث دلت على أنّ الذي يراد من المحرّم و هو الأعرابي- «3» و كذا العجم و يحسب له هو العمل الناقص حسبما يدركه و يستطيعه كما في الأخرس، و هذا شي‌ء لا يساوي مع الذي يراد من العالم الفصيح من العمل الكامل الصحيح. و مثل هذا التعبير شائع في العرف فيقال: لا يراد من زيد ما يراد من عمرو، يعنون به أنّ المطلوب منه هو العمل الناقص لكونه دون عمرو في الشأن و الدرك. فلا يورد على الرواية بعدم دلالتها على الاجتزاء بالناقص، بل غايتها عدم وجوب التام.

هذا، مع أنّ دعوى القطع بأنّ من لا يستطيع على أداء الصحيح وظيفته هو التلفظ بالملحون غير مجازفة، ضرورة أنّ مثل هذا كمن في لسانه آفة لا يتمكن من أداء الحروف عن مخارجها فيبدل بعضها ببعض كتبديل الراء بالياء و نحوه موجود في كل عصر، و لم يرد في شي‌ء من الأخبار التعرض لبيان وظيفتهم الخاصة من حيث جعل البدل كالترجمة و نحوها، أو سقوط التكليف عنهم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 1.

(2) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 2.

(3) أعرابي محرّم: جاف لم يخالط الحضر، كذا في المنجد [في مادة حرم] و الأقرب [1: 185].

119
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

..........

______________________________
فيعلم من ذلك إيكال الأمر إلى الوضوح، و أنّ وظيفتهم هو ما يستطيعون.

فتحصّل: أنّ مقتضى الوجوه الأربعة المتقدمة، و هي الإطلاقات و الروايتان و العلم الخارجي هو وجوب الإتيان بالملحون و الاجتزاء به.

مضافاً إلى موثقة أُخرى للسكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله): إنّ الرجل الأعجمي من أُمّتي ليقرأ القرآن بعجمية فترفعه الملائكة على عربيته» «1»، بعد القطع بعدم خصوصية للقرآن، فيعمّ التكبيرة و غيرها.

و أمّا الاستدلال عليه بما ورد من أنّه كلّما غلب اللّٰه عليه فهو أولى بالعذر «2» و أنّه ما من شي‌ء حرّم اللّٰه تعالى إلّا و قد أحلّه لمن اضطر إليه «3» فساقط، إذ غاية ما يستفاد منها سقوط الوجوب عن التام الذي يستقل به العقل من أجل قبح التكليف بما لا يطاق من دون حاجة إلى الاستناد بهذه الأخبار، لا إثبات وجوب الناقص الذي هو محل الكلام.

كما أنّ الاستدلال بحديث: «لا يترك الميسور بالمعسور» «4» و بما ورد من أنّ سين بلال شين عند اللّٰه «5» أيضاً ساقط، لضعف سند الحديث فلا أساس لهذه القاعدة كما تعرضنا له في الأُصول «6».

و أمّا الرواية، فلم تنقل بطرقنا و لذا لم يذكرها في الوسائل و إن ذكرت في‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 221/ أبواب قراءة القرآن ب 30 ح 4.

(2) الوسائل 8: 259/ أبواب قضاء الصلوات ب 3 ح 3.

(3) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 6، نقل بالمضمون.

(4) عوالي اللآلي 4: 58/ 205.

(5) المستدرك 4: 278/ أبواب قراءة القرآن ب 23 ح 3.

(6) مصباح الأُصول 2: 477.

120
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

و إن لم يقدر فترجمتها من غير العربية [1] (1)،

______________________________
المستدرك، و إنّما هي مذكورة في كتب العامة و مروية بطرقهم فلا يعتمد عليها.

ثم إنّ صاحب الجواهر «1» (قدس سره) استدلّ في المقام بفحوى ما ورد في الألثغ و الألتغ، و الفأفاء، و التمتام، مع أنّا لم نجد رواية وردت في هؤلاء، و هو (قدس سره) أيضاً استند في الحكم لهم في مبحث القراءة بقاعدة الميسور «2» و لم يتعرض لرواية خاصة.

(1) قال في المدارك «3» هذا مذهب علمائنا و أكثر العامّة، ثم حكى عن بعضهم سقوط التكبير حينئذ، و احتمله هو (قدس سره) عملًا بأصالة البراءة لعدم الدليل على وجوب الترجمة بعد سقوط التكبيرة بالعجز. و كيف كان، فان كان هناك إجماع تعبدي يصلح للاستناد إليه، و إلّا فلا بدّ من إقامة الدليل.

و عن شيخنا المرتضى (قدس سره) «4» الاستدلال له بإطلاق الأمر بالتكبير في مثل قوله (عليه السلام) «تحريمها التكبير»، بدعوى أنّ المراد به مطلق الثناء على اللّٰه تعالى بصفة الكبرياء، و التقييد بالصورة الخاصة العربية إنّما هو من أجل الانصراف إلى المعهود و المتعارف، أو غيره من سائر الأدلة الخارجية و كلها قاصرة عن إفادته إلّا للقادر، فيبقى العاجز مشمولًا للإطلاق.

و فيه: ما لا يخفى، فانّ الظاهر أنّ التكبيرة المأمور بها من المصادر الجعلية كما في الحوقلة و الحيعلة، فلا يراد بها إلّا التلفظ بالعبارة المخصوصة على النحو‌

______________________________
[1] على الأحوط.

______________________________
(1) الجواهر 9: 211.

(2) الجواهر 9: 311.

(3) المدارك 3: 320.

(4) كتاب الصلاة 1: 546.

121
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

و لا يلزم أن يكون بلغته (1)، و إن كان أحوط، و لا يجزئ عن الترجمة غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربية. و إن أمكن له النطق بها بتلقين الغير حرفاً فحرفاً قدّم على الملحون و الترجمة.

______________________________
المتعارف العربي، و إن كان ذلك مطلقاً من حيث الصحيح و الملحون كما مرّ فلا يعمّ الترجمة أصلًا، لعدم صدق التكبيرة عليها بوجه.

و بعبارة اخرى: دعوى الإطلاق على وجه يشمل الترجمة تتوقف على تمامية مقدماته التي منها كون المتكلم في مقام البيان، حتى من ناحية اللفظ الذي يعبِّر به عن تكبير اللّٰه و ثنائه حتى يشمل الترجمة بمقتضى الإطلاق بعد عدم التقييد بالعربية، و ليس كذلك، بل التكبير فيها منصرف إلى المعهود المتعارف غير الصادق على الترجمة بوجه.

نعم، يصح الاستدلال لذلك بما كان عارياً عن لفظ التكبير، كما ورد في ذيل موثقة عمار المتقدمة سابقاً من قوله (عليه السلام) «و لا صلاة بغير افتتاح» «1» فإنّها دلت على لزوم الافتتاح من غير تقييد بالتكبيرة، فيعمّ الترجمة بعد وضوح صدقه عليها.

و بالجملة: المستفاد من هذه الموثقة بعد ضمّها إلى أدلة التكبير: أنّ الواجب هو الافتتاح بالتكبيرة مع القدرة عليها، و أمّا مع العجز فلا بدّ من الافتتاح بشي‌ء و لا يشرع الدخول في القراءة و الركوع ابتداء كما هو مورد الموثقة، و حيث لا شي‌ء أقرب إلى التكبيرة من الترجمة فتتعين، فيقول مثلًا: خدا بزرگتر است، إن كان التكبير متضمناً للتفضيل، و إلّا فيقول: خدا بزرگ است.

(1) لعدم الدليل على التعيين، فيرجع إلى إطلاق «لا صلاة بغير افتتاح»‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 14/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 7.

122
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 6من لم يعرفها يجب عليه أن يتعلم ج 14 ص 117

..........

______________________________
الشامل لمطلق الترجمة كما مرّ. و مع الغض فيرجع إلى أصالة البراءة عن التقييد بلغة خاصة بناءً على المختار من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطي.

و قد يقال: بعد إنكار إطلاق يرجع إليه في بدلية الترجمة: إنّ المقام من الدوران بين التعيين و التخيير، و في مثله يرجع إلى الاشتغال و يعمل على التعيين.

قلت: قد عرفت وجود الإطلاق، و أمّا كون المقام من الدوران المزبور فقد مرّ قريباً أنّه بعينه هو الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطي، و لا فرق بينه و بين التعيين و التخيير إلّا في مجرد التعبير و تغيير اللفظ، فانّ التخيير هو الأقل و كلاهما هو الجامع المتيقن في البين، و الخصوصية الزائدة المشكوكة المدفوعة بأصالة البراءة هي التي يعبّر عنها بالتعيين تارة و بالأكثر اخرى، فلا وجه للتفكيك بين المسألتين بالرجوع إلى البراءة في الأُولى و الاشتغال في الثانية.

هذا، و قد يقال: بلزوم مراعاة الترتيب بين اللغات، فيكبّر أوّلًا بالعربية و إلّا فبالسريانية، و إلّا فبالفارسية، فإنّ الأوّل لغة القرآن الكريم، و الثاني لغة أغلب الكتب السماوية، و الثالث لغة كتاب المجوس.

و كان على هذا القائل إضافة العبرانية أيضاً، فإنّها لغة توراة موسى (عليه السلام) مع أنّ كتاب نبيّ المجوس لم يكن باللّغة الفارسية الدارجة اليوم، و إنّما كان بلغة الفرس القديمة التي لا يعرف الفارسي منها اليوم و لا كلمة واحدة. و كيف كان، فمثل هذه الوجوه الاعتبارية الاستحسانية لا تصلح لأن تكون مدركاً لحكم شرعي كما لا يخفى.

و قد تحصّل من جميع ما مرّ: أنه لدى العجز عن التكبيرة ينتقل إلى الترجمة بأيّ لغة كانت، و لا تجزئ غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربية، لأنّ الترجمة أقرب إلى التكبيرة الواجبة من غيرها بعد تعذّرها.

123
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان ج 14 ص 124

[مسألة 7: الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان]

[1451] مسألة 7: الأخرس يأتي بها على قدر الإمكان، و إن عجز عن النطق أصلًا أخطرها بقلبه و أشار إليها مع تحريك لسانه إن أمكنه [1] (1).

______________________________
(1) المستند فيما ذكره (قدس سره) في وظيفة الأخرس العاجز عن النطق رأساً من الإخطار بالقلب و الإشارة إلى التكبيرة و تحريك اللسان هي موثقة السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه» «1» بعد القطع بعدم الاختصاص بالمذكورات في الخبر، بل المراد عامة الأقوال الواجبة عليه فيشمل التكبير.

لكن الموثقة لم تتضمّن الإخطار بالقلب، كما أنّ الإشارة قيّدت فيها بالإصبع فيختلف مع ما في المتن الذي هو المشهور من ناحيتين، لكنه لا يقدح.

أمّا عدم التعرض للإخطار الذي هو بمعنى الالتفات نحو العمل و تصوّره و التوجه إليه فلوضوح اعتباره المغني عن التعرّض له، بداهة أنّ الصلاة حالها كسائر الأفعال الاختيارية بإضافة قصد التقرب، فكما أنّ كل فاعل مختار يتوجّه إلى ما يصدر منه من الأفعال الاختيارية كالأكل و الشرب و منها الصلاة و يتصوره و يلتفت إليه و لو بالتفات إجمالي ارتكازي حين صدور العمل، و إلّا فمع الغفلة و الذهول لا يكون اختيارياً فلا يقع عبادة في مثل الصلاة و نحوها فكذا الأخرس إذ هو لا يشذّ عن غيره من هذه الجهة.

و بعبارة اخرى: الالتفات إلى أصل العمل المعبّر عنه بالإخطار بالقلب أمر يشترك فيه الأخرس و غيره و لا ميز بينهما في هذه المرحلة لوضوح قدرته عليه كغيره، و من هنا أُهمل ذكره في الخبر، و إنّما يفترقان في مرحلة التلفظ و النطق حيث إنّ الأخرس عاجز عن أداء العبادات القولية باللفظ، و الموثقة إنّما هي في‌

______________________________
[1] ما ذكره مبني على الاحتياط.

______________________________
(1) الوسائل 6: 136/ أبواب القراءة في الصلاة ب 59 ح 1.

124
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام ج 14 ص 125

[مسألة 8: حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام]

[1452] مسألة 8: حكم التكبيرات المندوبة فيما ذكر حكم تكبيرة الإحرام حتى في إشارة الأخرس.

[مسألة 9: إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحّت صلاته على الأقوى]

[1453] مسألة 9: إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحّت صلاته على الأقوى، و الأحوط القضاء بعد التعلم (1).

______________________________
مقام تعيين الوظيفة في هذه المرحلة فجعلت تحريك اللسان و الإشارة بدلًا عن النطق.

فما ذكره في المتن تبعاً للمشهور من الإخطار بالقلب بياناً لتمام ما هي وظيفته الفعلية هو الصحيح، و إن كانت الموثقة خالية عنه، لعدم كونها في مقام البيان إلّا من الجهة التي يختص الأخرس بها لا من تمام الجهات كما عرفت.

و أمّا تقييد الإشارة فيها بالإصبع، فالظاهر أنّه لأجل غلبة الإشارة بها لا لتعيّنها عليه بالخصوص، فهو منزّل منزلة الغالب، فلا دلالة فيه على عدم الاجتزاء بغيرها من اليد و الرأس و نحوهما، فالظاهر عدم تعيّن الإصبع كما أُطلق في المتن، نعم، لا ريب أنّها أحوط، جموداً على ظاهر أخذها في النص.

هذا في المشير، و أمّا المشار إليه فصريح المحقق في الشرائع أنّه يشير إلى معنى التكبير «1»، و لكنه كما ترى، ضرورة أنّ الواجب في الصلاة إنّما هو لفظ التكبيرة لا معناها، فلا بدّ من الإشارة إليه بعد العجز عن النطق، إذ ليس المأمور به المعنى المؤدّى بهذا اللّفظ قطعاً، بل نفسه سواء التفت إلى المعنى أم لا، و إن كان الالتفات و حضور القلب أفضل، فيعطي للفظ صورة ذهنية و يشير إلى تلك الصورة.

(1) أمّا الإثم فالوجه فيه ظاهر، فانّ الواجب على المكلف إنّما هو طبيعي الصلاة الصحيحة المحدودة بين المبدأ و المنتهى، و إنّما شرّع البدل الاضطراري‌

______________________________
(1) الشرائع 1: 96.

125
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9إذا ترك التعلم في سعة الوقت حتى ضاق أثم و صحت صلاته على الأقوى ج 14 ص 125

..........

______________________________
من الصلاة المشتملة على التكبيرة الملحونة أو الترجمة بعد العجز في مجموع الوقت عن الصلاة الكاملة، فمع القدرة عليها فعلًا بالتعلم يجب الإتيان بها تامّة بتحصيل مقدمتها، فلا يجوز له التعجيز الاختياري بترك التعلم كي ينتقل إلى البدل، إذ هو في طول المبدل منه و مترتب على العجز عنه.

و ليس المقام كالقصر و التمام اللذين يجوز للمكلف إخراج نفسه من موضوع أحدهما و إدخاله في موضوع الآخر اختياراً، لأنّ الواجبين هناك عرضيان و لا ترتب لأحدهما على العجز عن الآخر، و هنا طوليان لا ينتقل إلى البدل إلّا بعد العجز عن المبدل منه بطبعه و من قبل نفسه.

بل المقام نظير الوضوء و التيمم، حيث لا يجوز التعجيز الاختياري عن الطهارة المائية بإراقة الماء بعد دخول الوقت، لكون وظيفته الفعلية هو الوضوء بعد كونه واجداً للماء دون التيمم، لأنّ موضوعه الفقدان و العجز عنه في مجموع الوقت لا في كل آن، و لذا لو كان في السرداب و أراد الصلاة و الماء في صحن الدار، أو كان في مكان و الماء قريب منه يستدعي تحصيله المشي إليه بمقدار دقيقة أو أكثر، لا يسوغ له التيمم قطعاً و إن كان فاقداً فعلًا في هذا الزمان أو هذا المكان، و حيث إنّ الوجدان متحقق بالفعل فلا يجوز التعجيز الاختياري بإراقة الماء، بل لولا قيام الدليل على صحة التيمم و الانتقال إلى البدل حينئذ كما سنشير إليه لقلنا بسقوط الصلاة عنه رأساً بعد التعجيز المزبور و عقابه عليه، لعدم شمول دليل بدلية التيمم لمثله، فإنّه وظيفة الفاقد في مجموع الوقت كما عرفت، و هذا قد كان واجداً في بعض الوقت، و بسوء اختياره فوّته على نفسه، فتسقط الصلاة عنه كما تسقط عن فاقد الطهورين، و لا قبح في عقابه بعد أن كان بسوء اختياره، فانّ الممتنع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا.

و على الجملة: فكما لا تجوز له إراقة الماء و تعجيز نفسه عن الطهارة المائية فكذا لا يجوز في المقام ترك التعلم المؤدّي إلى العجز الاختياري عن الإتيان‌

126
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

[مسألة 10: يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام]

[1454] مسألة 10: يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافاً إلى تكبيرة الإحرام فيكون المجموع سبعة، و تسمّى بالتكبيرات الافتتاحية، و يجوز الاقتصار على الخمس، و على الثلاث، و لا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام في أيّتها شاء، بل نيّة الإحرام بالجميع أيضاً [1]، لكن الأحوط اختيار الأخيرة (1).

______________________________
بالصلاة التامة، فلا حاجة في إثبات الإثم و العصيان إلى التشبث بتفويت الملاك و نحوه ممّا قيل في المقام.

و أمّا صحة الصلاة مع التكبيرة الملحونة أو ترجمتها بعد كونه آثماً بترك التعلم فلما ثبت بالإجماع و النص من عدم سقوط الصلاة بحال، فانّ هذا التعبير بلفظه و إن لم يرد في شي‌ء من النصوص، لكن مضمونه ورد في ذيل صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة من قوله (عليه السلام): «و لا تدع الصلاة على حال» «1» بعد القطع بعدم خصوصية للمستحاضة في هذا الحكم، بل لكونها فرداً من المكلفين. و عليه فالعاجز مكلف بالصلاة قطعاً، و حيث إنّ الأمر بالصلاة التامة ساقط لمكان التعذر، فلا مناص من كونه مكلفاً ببدلها ممّا اشتمل على التكبيرة الملحونة أو ترجمتها، فيجتزئ بها و تصح من دون حاجة إلى القضاء لعدم تحقق موضوعه و هو الفوت بعد الإتيان بما تقتضيه الوظيفة الفعلية من البدل الاضطراري و إن كان القضاء أحوط كما في المتن، لاحتمال عدم شمول البدل الاضطراري للتعجيز الاختياري.

(1) أمّا الاستحباب فلا إشكال فيه كما لا خلاف، للنصوص الكثيرة الدالة على استحباب إضافة الستة أو الأربعة أو الاثنين، كي يصير المجموع ثلاثة أو‌

______________________________
[1] بل هو بعيد.

______________________________
(1) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

127
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
خمسة أو سبعة كما سنتعرض لها، و تسمى بالتكبيرات الافتتاحية.

إنّما الكلام في تعيين تكبيرة الإحرام، فالمشهور أنّه مخيّر في التعيين، فله التطبيق على أيّ منها شاء، و قد اختاره في المتن و هو الأقوى كما ستعرف إن شاء اللّٰه تعالى.

و ذهب جمع منهم صاحب الحدائق «1» مصرّاً عليه إلى تعيّن الاولى، و ذهب جماعة من القدماء إلى تعيّن الأخيرة، و حكي عن والد المجلسي «2» (قدس سره) أنّ الافتتاح يقع بمجموع ما يختاره المكلف من السبع أو الخمس أو الثلاث، لا خصوص إحداها عيناً أو تخييراً، و مال إليه المحقق الهمداني (قدس سره) «3» لولا قيام الإجماع على الخلاف مدعياً ظهور الأخبار، بل صراحة بعضها في ذلك، و مرجع هذا القول إلى التخيير في إيقاع الافتتاح بين الواحدة و الثلاث و الخمس و السبع الذي هو من التخيير بين الأقل و الأكثر، و إن ما يختاره في الخارج بتمامه مصداق للمأمور به و عدل للواجب التخييري.

و لا بدّ من النظر في هذه الأخبار المدعى ظهورها في هذا القول و هي كثيرة:

منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: الإمام يجزئه تكبيرة واحدة، و يجزئك ثلاثاً مترسلًا إذا كنت وحدك» «4» فإنّها ظاهرة في إيقاع الافتتاح بمجموع الثلاث، و التفصيل بين الإمام و المأموم من جهة أنّ المطلوب من الإمام مراعاة أضعف المأمومين كما صرّح به في صحيحة معاوية ابن عمار «قال: إذا كنت إماماً أجزأتك تكبيرة واحدة، لأنّ معك ذا الحاجة‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 21.

(2) روضة المتقين 2: 284.

(3) مصباح الفقيه (الصلاة): 246 السطر 21.

(4) الوسائل 6: 10/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 3.

128
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و الضعيف و الكبير» «1».

و منها: صحيحة زرارة «قال: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات أحسن، و سبع أفضل» «2».

و منها: موثقة زرارة قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً» «3» فإنّها ظاهرة كسابقتها في وقوع الاستفتاح بمجموع السبع، و نحوها غيرها و هي كثيرة كما لا يخفى على المراجع.

أقول: دعوى ظهور الأخبار في حدّ نفسها في هذا القول، مع قطع النظر عمّا يعارضها ممّا هو ظاهر في وقوع الاستفتاح بواحدة، كالنصوص المتضمنة لإخفات الإمام بست و الجهر بواحدة حتى يسمعها المأموم فيأتم كما سيجي‌ء «4» و إن كانت غير بعيدة و لا نضايق من احتمالها، لكنه لا يمكن المصير إليه، لامتناع التخيير بين الأقل و الأكثر عقلًا على ما حققناه في الأُصول في مبحث الواجب التخييري «5».

و ملخّصه: أنّ معنى الوجوب التخييري في كل مورد سواء أ كان في التخيير بين الأقل و الأكثر، أو المتباينين بعد وضوح المنافاة بين وجوب شي‌ء و جواز تركه، سواء أ كان إلى البدل أو بدونه كما لا يخفى، هو أنّ متعلق الوجوب إنّما هو الطبيعي الجامع بين الفردين أو الأفراد، مع إلغاء الخصوصيات الفردية و خروجها عن حريم المأمور به، فكل فرد مصداق للواجب بمعنى انطباق ما‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 9.

(2) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8.

(3) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

(4) في ص 150.

(5) محاضرات في أُصول الفقه 4: 44.

129
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
هو الواجب عليه من دون دخل للخصوصية في تحققه.

و عليه فلا يعقل التخيير في التدريجيات بين الأقل و الأكثر الحقيقي، بأن يكون الأقل مأخوذاً لا بشرط و الأكثر بشرط شي‌ء، أي مشتملًا عليه بتمامه مع الزيادة، إذ بعد وجود الأقل في الخارج ينطبق عليه الطبيعي الذي كان هو الواجب لا محالة فيسقط أمره قطعاً، إذ الانطباق قهري و الإجزاء عقلي، و معه لا يبقى أمر حتى يقع الأكثر امتثالًا له و يتصف بكونه مصداقاً للواجب كي يكون عدلًا آخر للواجب التخييري، فلا مناص من وقوع الزائد الذي يشتمل عليه الأكثر على صفة الاستحباب، و من هنا ذكرنا في باب التسبيحات الأربع أنّ الواجب إنّما هو الاولى و الزائد عليها مستحب «1».

نعم، يمكن ذلك فيما كان من قبيل الأقل و الأكثر صورة و إن لم يكن منه حقيقة، بأن كان الأقل مأخوذاً بشرط لا لا بنحو اللااقتضائيّ بشرط و الأكثر بشرط شي‌ء، كما في التخيير بين القصر و التمام، حيث إنّ الأقل هو الركعتان بشرط عدم زيادة شي‌ء عليهما، و الأكثر مشروط بزيادة ركعتين أُخريين.

و إن شئت فقل: الأقل مشروط بوقوع التسليم على الركعتين، و الأكثر بوقوعه على الأربع. و كما في التسبيحات الأربع مثلًا بأن يقال: الأقل هو التسبيحة الأُولى بشرط الاقتصار عليها، و عدم زيادة تسبيحة ثانية، و الأكثر هي المشروطة بإضافة ثنتين عليها حتى يكون المجموع ثلاثاً، فلا يقع الامتثال بالتسبيحتين، لعدم كونهما من الأقل و لا الأكثر. إلّا أنّ ذلك خارج في الحقيقة عن باب التخيير بين الأقل و الأكثر و إن كان على صورته، و داخل في باب التخيير بين المتباينين، لتقيّد كل منهما بقيد يضاد الآخر، فلا يكون الأكثر مشتملًا على تمام الأقل و زيادة، الذي هو مناط الدرج في باب الأقل و الأكثر.

______________________________
(1) في ص 492.

130
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و عليه فنقول: إن كان مراد القائل بوقوع الافتتاح بمجموع ما يختاره المكلف من الواحدة أو الثلاث أو الخمس أو السبع، الراجع إلى التخيير بين الأقل و الأكثر، أنّ الأقل و هي الواحدة مأخوذ بنحو اللّابدية بشرط، كي يكون من الأقل و الأكثر الحقيقي، فقد عرفت انّ هذا أمر غير معقول ثبوتاً، فكيف يمكن تنزيل الأخبار عليه. بل لو فرضنا صراحة الأخبار فيه فضلًا عن الظهور، فلا مناص من ارتكاب التأويل، لامتناع التعبد بالمستحيل، فيقال بأنّ إطلاق الافتتاح على المجموع مبني على ضرب من التجوّز، باعتبار الاشتمال على تكبيرة الافتتاح فأُطلق على المجموع مجازاً بعلاقة الجزء و الكل.

و إن كان مراده أنّ ذلك من التخيير بين الأقل و الأكثر الصوري، و إلّا فهما من المتباينين، لكون الأقل هي التكبيرة الواحدة بشرط لا، فهذا و إن كان أمراً معقولًا في حدّ نفسه كما عرفت، إلّا أنّه لا يمكن الالتزام به في المقام، إذ لازمه عدم انعقاد الافتتاح و بطلان الصلاة فيما لو كان لدى الشروع بانياً على اختيار الثلاث مثلًا و بعد الإتيان بتكبيرتين بدا له في الثالثة فتركها عامداً و اقتصر على الثنتين، إذ هما ليسا من الأقل و لا الأكثر، فينبغي بطلان الصلاة حينئذ كبطلانها فيما لو اقتصر على الثنتين من التسبيحات الأربع، بناءً على أن يكون الأقل فيها هي الواحدة بشرط لا، و لا يظن بهذا القائل فضلًا عن غيره الالتزام بذلك.

و أفحش من ذلك: ما لو ترك الثالثة نسياناً في الفرض المزبور فتذكرها بعد الفراغ من الصلاة، فإنّ اللّازم بطلانها حينئذ، للإخلال بما اختاره من التكبيرة الذي هو مجموع الثلاث حسب الفرض، و لا شك أنّ الإخلال بها عمداً و سهواً موجب للبطلان كما تقدّم «1»، مع أنّه لا يحتمل أن يلتزم به الفقيه.

______________________________
(1) في ص 89.

131
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
ثم إن مقتضى قوله (عليه السلام): «تحريمها التكبير» «1» حرمة المنافيات بمجرد الشروع في التكبير وضعاً فقط، أو وضعاً و تكليفاً على الخلاف في ذلك و لذا ذكرنا فيما سبق «2» أنّه لو أتى بالمنافي خلال كلمتي (اللّٰه) و (أكبر) بطلت و على القول بعدم جواز القطع و إن لم تتم التكبيرة كان حراماً أيضاً، و عليه فلازم هذا القول الالتزام بالبطلان لو أتى ببعض المنافيات خلال التكبيرات، فلو تكلم بين التكبيرة الثانية و الثالثة مثلًا بطلت صلاته، لأنّ ذلك بمثابة التكلم بين كلمتي (اللّٰه) و (أكبر)، بل و على القول بالحرمة التكليفية كان آثماً أيضاً، و هذا كما ترى، و لا يظن أن يلتزم به هذا القائل، و لا ينبغي أن يلتزم به، إذ لا مقتضي للبطلان بعد الإتيان بتكبيرة صحيحة بعد ذلك.

و على الجملة: لا سبيل إلى الالتزام بأنّ الأقل مأخوذ بنحو بشرط لا، لمكان هذه التوالي الفاسدة «3» و القائل المزبور لا يريده، لانصراف كلامه عنه قطعاً، و قد عرفت أنّ أخذه بنحو اللااقتضائيّ بشرط كي يكون من الأقل و الأكثر الحقيقي أمر غير معقول، و ظهور الأخبار فيه لو سلّم لا يمكن الأخذ به، فلا مناص من الالتزام بأنّ الواجب و ما يقع به الافتتاح إحدى تلك التكبيرات و الزائد فضل و مُستحب، لا أنّ المجموع أفضل أفراد الواجب التخييري كما يدّعيه القائل زاعماً ظهور الأخبار فيه، فانّ بعضها و إن لم يخل عن الظهور في ذلك إلّا أنّ كثيراً من الأخبار ظاهر فيما قلناه.

______________________________
(1) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 10.

(2) في ص 88.

(3) يمكن التفصي عن بعض هذه التوالي الفاسدة: بافتراض الأقل هو التكبيرة الأُولى بشرط عدم تعقبها بالثنتين لا المشروطة بعدم الزيادة عليها في مقابل الأكثر و هو المشروط بإضافة الثنتين، فلاحظ.

132
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
منها: صحيحة زيد الشحام قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام) الافتتاح فقال: تكبيرة تجزئك. قلت: فالسبع، قال: ذلك الفضل» «1» فإنّها ظاهرة في أنّ الزائد على الواحدة و هي الست هي الفضل، لا أنّ مجموع السبع أفضل أفراد الواجب كما لا يخفى.

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: التكبيرة الواحدة في افتتاح الصلاة تجزئ و الثلاث أفضل، و السبع أفضل كله» «2».

و منها: صحيحة زرارة المتقدمة «قال: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجّه تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات أحسن، و سبع أفضل» «3».

فان ظهور هذه الأخبار و غيرها ممّا لا يخفى على المراجع فيما قلناه من استحباب الزائد بعد الإتيان بالواجب و هي التكبيرة الواحدة غير قابل للإنكار.

على أنّ الدعوى المزبورة لو سلّمت تماميتها في نفسها، فهي على خلاف الإجماع المحقق، إذ لم يذهب إليها عدا والد المجلسي (قدس سره) فلا يمكن الالتزام بها بوجه.

فتحصّل: أنّ الواجب و ما يقع به الافتتاح ليس إلّا إحدى تلك التكبيرات.

و قد ذهب صاحب الحدائق كما عرفت «4» تبعاً لجمع من المحدّثين كما نسبه إليهم إلى أنّها الاولى معيّناً، و مال إليه شيخنا البهائي «5»، و قد استدلّ له في الحدائق بطائفة من الأخبار:

______________________________
(1) الوسائل 6: 9/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 2.

(2) الوسائل 6: 10/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 4.

(3) الوسائل 6: 11/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 1 ح 8.

(4) في ص 128.

(5) نقله عنه صاحب الحدائق 8: 21.

133
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الأُولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات» «1» بتقريب أنّ الافتتاح إنما يصدق على تكبيرة الإحرام التي بها يقع الافتتاح حقيقة، و يتحقق الدخول في الصلاة، فما يقع قبلها من التكبيرات بناءً على ما زعموه ليس من الافتتاح في شي‌ء.

نعم، يسمّى غيرها من سائر التكبيرات بتكبيرات الافتتاح، إلّا أنّ هذا الصدق لا يكون إلّا بتأخيرها عن تكبيرة الإحرام، كي يتحقق بها الافتتاح الحقيقي و الدخول في الصلاة كما عرفت، و إلّا كان من قبيل الإقامة و نحوها ممّا يقدّم قبل الدخول في الصلاة.

و فيه: أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام): «فارفع كفيك ثم ابسطهما ثم كبر ثلاث ...» إلخ، أنّ ذلك كله بيان لما يتحقق به الافتتاح، فقوله «إذا افتتحت» أي إذا أردت الافتتاح، فكيفيته هكذا كما وقع نظيره في رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت واحدة و إن شئت ثلاثاً ...» إلخ «2».

و عليه فما يقع به الافتتاح هو مجموع السبع المذكورة في الصحيحة، و هذا كما ترى لا ينطبق بظاهره إلّا على مسلك والد المجلسي، فهو على خلاف المطلوب أدل، فإن أمكن الأخذ به، و إلّا فلا تعرّض للصحيحة لتعيين تكبيرة الإحرام كما لا يخفى.

و أمّا ما زعمه (قدس سره) من أنّ ما يقع قبل تكبيرة الإحرام ليس من الافتتاح في شي‌ء، بل هو من قبيل الإقامة، ففيه: أنّ ما يقع بعدها أيضاً ليس‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(2) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

134
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
منه في شي‌ء، بل هو من قبيل الاستعاذة و القراءة.

و بالجملة: الإطلاق الحقيقي منفي على التقديرين بعد الاعتراف بأنّ الافتتاح لا يتحقق إلّا بتكبيرة واحدة هي تكبيرة الإحرام لا مجموع التكبيرات الذي اختاره والد المجلسي، و الإطلاق المجازي بعناية الاشتمال على ما به الافتتاح بعلاقة الجزء و الكل متحقق على التقديرين أيضاً، إذ لا فرق في ذلك بين تقدم ذلك الجزء أو تأخره أو توسطه كما لا يخفى.

الثانية: صحيحة زرارة قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): الذي يخاف اللصوص و السبع يصلي صلاة المواقفة إيماءً على دابّته إلى أن قال و لا يدور إلى القبلة، و لكن أينما دارت به دابته، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجه» «1».

و فيه: ما لا يخفى، فانّ من يخاف اللص و السبع يقتصر بطبيعة الحال على أقل الواجب، و لا يسعه المجال لتكبيرات الافتتاح. فالمراد بقوله (عليه السلام) «بأوّل تكبيرة» أوّل تكبيرات الصلاة، أعني تكبيرة الإحرام في مقابل تكبيرة الركوع و السجود و نحوهما، لا في مقابل تكبيرات الافتتاح، فلا نظر فيها إلى هذه التكبيرات أصلًا.

هذا، مع أنّ الاستدلال مبني على أن يكون قوله: «حين يتوجه» قيداً لأوّل في قوله «أوّل تكبيرة» حتى يدل على أنّ ما يتوجّه و يدخل به في الصلاة و يفتتحها هو أوّل التكبيرات السبع، و هو غير ظاهر، و من الجائز أن يكون قيداً للتكبيرة المضاف إليه، فيكون المعنى اعتبار الاستقبال في أوّل تكبيرة متصفة بكون تلك التكبيرة ممّا يتوجه و يفتتح بها الصلاة، و أمّا أنّ تلك التكبيرة هل هي الأُولى أو الوسطى أو غيرهما فلا تتعرض الرواية لتعيينها أصلًا كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل 8: 441/ أبواب صلاة الخوف و المطاردة ب 3 ح 8.

135
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الثالثة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنّه قال: خرج رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) إلى الصلاة و قد كان الحسين (عليه السلام) أبطأ عن الكلام إلى أن قال فافتتح رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) الصلاة فكبّر الحسين (عليه السلام) فلمّا سمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) تكبيره عاد فكبّر، فكبّر الحسين (عليه السلام) حتى كبّر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) سبع تكبيرات، و كبّر الحسين (عليه السلام) فجرت السنّة بذلك» «1» فانّ التكبير الذي كبّره (صلّى اللّٰه عليه و آله) أوّلًا هو تكبيرة الإحرام لإطلاق الافتتاح عليها، و العود إليها ثانياً و ثالثاً إنما وقع لتمرين الحسين (عليه السلام)، فليس الافتتاح إلّا بالأوّل و الزائد هو المستحب، و قد جرت السنّة على هذه الكيفية كما صرّح بذلك في آخر الخبر.

و الجواب: أنّه لا ريب في وقوع الافتتاح منه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بالتكبيرة الاولى في تلك القضية الشخصية، لعدم تشريع السبع بعد كما كان كذلك قبل تلك القضية، و مجرد ذلك لا يقتضي تعيّن الاولى فيما بعد التشريع و ليس في فعله (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعد إجماله دلالة على التعيين كما لا يخفى. نعم، ربما يوهمه قوله (عليه السلام) في ذيل الخبر «فجرت السنّة بذلك»، لكنّه مبني على أن يكون المراد من المشار إليه الكيفية المذكورة الصادرة منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) من وقوع الافتتاح بالأُولى، لا أصل تشريع السبع الذي هو الظاهر المنسبق إلى الذهن كما لا يخفى، لا أقل من احتماله المسقط لها عن الاستدلال.

الرابعة: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: قلت له: الرجل ينسى أوّل تكبيرة من الافتتاح، فقال: إن ذكرها قبل الركوع كبّر ثم قرأ ثم ركع»‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 4.

136
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
إلى آخر الرواية المتقدمة في نسيان تكبيرة الإحرام «1» فانّ تقييد المنسي بكونه أوّل التكبيرات يدل على أنّه هو تكبيرة الإحرام، إذ لو كانت الأخيرة مثلًا لما كان هناك أثر لنسيان غيرها من سائر التكبيرات المستحبة، فلا حاجة لتداركها في الأثناء أو بعد الفراغ كما تضمنته الصحيحة.

و فيه: بعد الغض عن مخالفة مضمونها للنص و الفتوى كما تقدم الكلام حوله في محله مستقصى «2» و لسنا الآن بصدد ذلك أنّها في حدِّ نفسها قاصرة الدلالة على مطلوبه (قدس سره) فانّ كلمة «من» في قوله «من الافتتاح» إمّا للتبعيض أو للبيان.

فإن أُريد الأوّل دلت الصحيحة حينئذ على أنّ مجموع التكبيرات السبع هي المحقق للافتتاح و المنسي بعض من هذا المركب، فتنطبق بظاهرها على مسلك والد المجلسي (قدس سره) فهي حينئذ على خلاف المطلوب أدل. على أنّه بناءً عليه كان المنسي هي السابعة لا الاولى و لا غيرها، لعدم اعتبار قصد عنوان الأوّلية أو الثانوية و نحوهما، فالنقص إنّما يرد على العدد الأخير المكمِّل للمجموع كما لا يخفى.

و إن أُريد الثاني كي يكون المعنى أنّ المنسي هي تكبيرة الإحرام التي يتحقق بها الافتتاح، فلا دلالة فيها على أنّها الأُولى أو الوسطى أو الأخيرة، و إطلاق الأوّل عليها باعتبار أنّها اولى تكبيرات الصلاة في مقابل تكبير الركوع و السجود و غيرهما.

فالإنصاف: أنّ هذه الوجوه التي استدل بها في الحدائق لا دلالة في شي‌ء منها على تعيّن الاولى، فالقول به ساقط.

______________________________
(1) الوسائل 6: 14/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 2 ح 8، المتقدمة في ص 91.

(2) في ص 91، 92.

137
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و أمّا القول بتعيّن الأخيرة، فقد استدل له أيضاً بوجوه:

أحدها: الفقه الرضوي «1» المتضمن للتصريح بذلك. لكنّه كما ترى لا حجية فيه فلا يصلح للاستناد إليه في شي‌ء من الأحكام كما مرّ مراراً.

الثاني: ما نقله المحقق الهمداني «2» عن كاشف اللثام في شرح الروضة من الاستدلال برواية أبي بصير، و فيها بعد ذكر الدعاء بعد التكبيرات الثلاث بقوله: اللّٰهمّ أنت الملك الحق المبين ... إلخ، و الدعاء عقيب الاثنين بقوله: لبيك و سعديك و عقيب السادسة بقوله: يا محسن قد أتاك المسي‌ء، قال (عليه السلام): ثم تكبر للإحرام، لكنّا بعد التتبع لم نجدها في كتب الحديث كي ننظر في سندها. نعم مضمونها مذكور في صحيحة الحلبي المتقدمة «3» مع اختلاف يسير و ظني انّها اشتبهت بها، لكنها خالية عن الذيل الذي هو مورد الاستدلال فلاحظ.

الثالث: ما استظهره في الجواهر «4» من النصوص المتضمّنة لاخفات الإمام بست، و الجهر بواحدة، التي هي تكبيرة الإحرام بمناسبة الحكم و الموضوع بضميمة ما ورد من أنّ الإمام يجهر بكل ما يتلفّظ به و يسمع المأمومين كل ما يقوله في الصلاة، فإنّ الجمع بين الدليلين يقضي بتعيّن الأخيرة للافتتاح إذ لو كان ما عداها لزم ارتكاب التخصيص في الدليل الثاني كما لا يخفى، فتحفّظاً على أصالة العموم يحكم بأنّها الأخيرة، كي يكون ما قبلها من التكبيرات واقعة قبل الصلاة، فالاخفات فيها لا ينافي مع الإجهار المطلوب في الصلاة.

و ربما يجاب عنه: بأنّ أصالة العموم حجة في تشخيص المراد لا في كيفية الإرادة، فلا تجري إلّا لاستعلام الحكم لدى الشك فيه لا لتشخيص حال الموضوع‌

______________________________
(1) فقه الرِّضا: 105.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 248 السطر 30.

(3) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(4) الجواهر 9: 214.

138
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
و في المقام لا شك في الحكم للقطع باخفات الست و خروجها عن دليل الإجهار في الصلاة، و إنّما الشك في أنّها من الصلاة كي يكون خروجها عن ذاك الدليل من باب التخصيص، أم ليست منها لكون الأخيرة هي الإحرام، كي يكون خروجها من باب التخصص، فهو نظير ما إذا ورد أكرم العلماء و علمنا من الخارج أن زيداً لا يجب إكرامه، و لم نعلم أنّه عالم كي يكون خروجه للتخصيص أم جاهل كي يكون للتخصص، فكما أنّ أصالة العموم لا تجري لإثبات حاله و أنّه جاهل لعدم الشك في المراد، فكذا لا تجري في المقام حتى يثبت بها أنّ الإحرام هي الأخيرة.

و فيه: أنّ الكبرى المذكورة و إن صحّت لكنها غير منطبقة على المقام لحصول الشك هنا في الحكم كالموضوع، فلا يعلم المراد أيضاً لإجمال المفهوم فهو كما لو علمنا بعدم وجوب إكرام زيد بعد ورود الأمر بإكرام العلماء و تردد زيد بين شخصين أحدهما عالم و الآخر جاهل، و لم يعلم أنّ المراد به الأوّل كي يكون الخروج تخصيصاً أم الثاني كي يكون تخصصاً، و لا شك أنّ المرجع في مثله أصالة العموم، لعدم العلم بورود التخصيص على عموم إكرام العلماء كي يخرج عنه زيد العالم، فيتمسك بأصالة عدم التخصيص و يثبت بها أنّ الخارج هو زيد الجاهل، لحجية مثبتات الأُصول اللفظية.

و المقام من هذا القبيل، فانّ المراد من الست المحكومة بالإخفات مردد بين الواقع قبل التكبيرة كي يكون خروجها عن دليل الإجهار في الصلاة من باب التخصص، و الواقع بعدها كي يكون من التخصيص، فهو مجمل مردّد بين فردين و في مثله يتمسك بأصالة العموم في دليل الإجهار للشك في ورود التخصيص عليه، و يثبت بها أنّ المراد هي الست الواقعة قبل التكبيرة، فينتج أنّ تكبيرة الإحرام هي الأخيرة، لما عرفت من حجية مثبتات الأُصول اللفظية.

إلّا أنّ أصالة العموم في دليل الإجهار في الصلاة تعارضها أصالة الإطلاق‌

139
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
في دليل الجهر بالواحدة و إخفات الست، فانّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم و الموضوع هي تكبيرة الإحرام كما تقدم «1» و مقتضى الإطلاق جواز إيقاعها قبل الست أو بعدها أو خلالها. و العموم و إن كان مقدّماً على الإطلاق لدى الدوران لكون الدلالة فيه وضعية، و في الثاني بمقدّمات الحكمة، إلّا أنّ في المقام خصوصية تستوجب قوّة الظهور في الإطلاق بحيث كاد يلحقه بالتصريح الموجب لتقديمه على العموم، و هو التعبير بالواحدة المقرون بالتعبير بالست في الإخفات إذ لو كان المراد بالواحدة خصوص الأخيرة فما يمنعه (عليه السلام) عن التعبير بالسابعة، فالعدول عنها مع أنّ المقام يقتضي التصريح بها لو كان الافتتاح متعيناً فيها إلى التعبير بالواحدة فيه قوة ظهور في الإطلاق و التخيير، و إلّا لم يكن وجه للإهمال المؤدّي إلى نوع من الإغراء بالجهل كما لا يخفى.

هذا، و مع التنزل فلا أقل من التكافؤ بين الظهورين، أعني ظهور العموم في تعين الأخيرة بالتقريب المتقدم و ظهور الإطلاق في عدمه، فيقع التعارض الموجب للإجمال فتسقط عن الاستدلال.

الرابع: النصوص المتضمنة لتعداد تكبيرات الصلوات و أنّها خمس و تسعون تكبيرة، التي منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: التكبير في الصلاة الفرض الخمس صلوات خمس و تسعون تكبيرة، منها تكبيرات القنوت خمس» «2» فإنّها لا تنطبق إلّا على القول بتعيّن الأخيرة للافتتاح، فيستقيم العدد حينئذ، إذ كل ركعة تشتمل على خمس تكبيرات: تكبيرة للركوع، و أُخرى للهوي إلى السجود، و ثالثة لرفع الرأس منه، و رابعة للسجدة الثانية، و خامسة لرفع الرأس منها، و بعد ضرب الخمسة في عدد ركعات الفرائض و هي سبع عشرة يصير المجموع خمساً و ثمانين، و بعد إضافة خمسة لتكبيرات القنوت في‌

______________________________
(1) في ص 138.

(2) الوسائل 6: 18/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1.

 

 

140
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الصلوات الخمس يصير المجموع تسعين، فاذا زيدت عليها لكل من الصلوات الخمس تكبيرة الإحرام صار المجموع خمساً و تسعين و استكمل العدد، و لا يحسب تكبيرات الافتتاح لخروجها عن الصلاة بناءً على هذا القول.

و أمّا بناءً على عدم تعيّن الأخيرة و جواز الافتتاح بالأُولى، المستلزم لإيقاع الست الأُخرى في الصلاة، كان اللّازم حينئذ زيادة ست تكبيرات لكل صلاة البالغة ثلاثين تكبيرة، فيصير المجموع مائة و خمساً و عشرين.

و أجاب عنه المحقق الهمداني (قدس سره) «1» بما ملخّصه: أنّ تكبيرات الافتتاح حيث لم يكن في موردها إلّا أمر واحد متعلق بالجميع بعنوان الافتتاح فمن هنا عدّ المجموع بمنزلة تكبيرة واحدة.

و هذا كما ترى، لظهور الأخبار في اختصاص كل تكبيرة منها بأمر مستقل كبقية تكبيرات الصلوات كما لا يخفى، فلا وجه لاهمالها في مقام العدّ.

و الصحيح في الجواب أن يقال: إنّ هذا الاستدلال إنّما ينفع في قبال دعوى صاحب الحدائق القائل بتعيّن التكبيرة في الأُولى، فيكون هذا ردّاً عليه بالتقريب المتقدم، و لعله (قدس سره) لو التفت إلى ذلك لعدل عن مذهبه، فإنّه أقوى شاهد على بطلانه.

و أمّا القائل بالتخيير كما عليه المشهور، فلا تكون هذه النصوص ردّاً عليه كي تتعين التكبيرة في الأخيرة، و ذلك لأنّ معنى التخيير في تطبيق التكبيرة على واحدة من السبع، أنّ الخصوصيات الفردية غير معتبرة في متعلق الأمر، و إنّما الماهية المأمور بها هي الطبيعي الجامع بين تلك الأفراد، و هي التكبيرة الواحدة التي قد تكون مسبوقة بالست، و أُخرى ملحوقة بها، و ثالثة متخللة بينها، فما لوحظ اعتباره في الماهية التي لا تتخلف عنه إنما هي التكبيرة الواحدة، و أمّا الزائد عليها فهو شي‌ء قد يكون و قد لا يكون، و لأجله يعدّ لو كان من‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 249 السطر 2.

141
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
خصوصيات الفرد و مزاياه، لا الخصوصيات الملحوظة في نفس الجامع، و إلّا لما تخلّفت عنه كما لم تتخلف سائر التكبيرات.

و من الواضح أنّ هذه النصوص إنما هي بصدد تعداد التكبيرات الملحوظة في ماهية الصلاة بقول مطلق لا في أفرادها التي لا اطراد فيها، و من هنا أُلغيت بقية التكبيرات الافتتاحية في مقام التعداد و لم يحتسب غير الواحدة منها. نعم، بناءً على قول صاحب الحدائق كان المجموع داخلًا في ماهية الصلاة و لزم احتسابها. فهذه الروايات إنّما تصلح ردّاً عليه كما عرفت، لا على مذهب المشهور كي تدل على تعيّن الأخيرة.

هذا، و ممّا يدل على بطلان هذا القول أعني تعين الأخيرة الروايات المتقدمة «1» الواردة في علّة تشريع السبع المشتملة على قصّة الحسين (عليه السلام) لوضوح أنّ افتتاح رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في تلك القضية الشخصية إنّما كان بالتكبيرة الاولى، و العود إليها ثانياً و ثالثاً و هكذا إنما كان لتمرين الحسين (عليه السلام) بعد الدخول في الصلاة بالأُولى.

و جريان السنة بذلك كما في ذيل تلك الأخبار إمّا إشارة إلى الكيفية الصادرة عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) أو إلى أصل تشريع السبع، و إن كان الأظهر الثاني كما تقدم «2»، و على التقديرين فلا يحتمل نسخ تلك الكيفية قطعاً، فلو كان اللازم تعيين الأخيرة فكيف اقتصر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) على تلك الصلاة.

و ممّا يدل على بطلانه أيضاً كبطلان القول بتعيّن الاولى: روايات استحباب الجهر بالواحدة للإمام، و إخفات الست التي مرّت الإشارة إليها «3»، لما عرفت‌

______________________________
(1) في ص 136.

(2) في ص 136.

(3) في ص 138.

142
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
من أنّ المراد بالواحدة بمناسبة الحكم و الموضوع هي تكبيرة الإحرام كي يسمعها المأمومون فيقتدون، و مقتضى ظهورها القوي في الإطلاق الذي هو في قوّة التصريح كما تقدم عدم الفرق في إيقاع تلك التكبيرة مسبوقة بالست أو ملحوقة أو متخللة.

و ممّا يدل على بطلانهما أيضاً، و إثبات التخيير الذي عليه المشهور إطلاقات الأمر بالتكبير و افتتاح الصلاة به، حيث لم تتقيّد بالسبق على الست و لا اللّحوق كما لا يخفى.

و المتلخص من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن: أنّ احتمال الافتتاح بجميع ما يختار كما عليه والد المجلسي ممّا لا سبيل إليه لامتناعه ثبوتاً، فلا تصل النوبة إلى مرحلة الإثبات. على أنّ بعض الأخبار و إن كان ظاهراً فيه لكنّه معارض بطائفة أُخرى ظاهرة في أنّ تكبيرة الإحرام إنّما هي تكبيرة واحدة، و الزائد فضل و مستحب كما مرّ، فيدور الأمر بين القول بتعيّن الاولى كما عليه صاحب الحدائق، أو الأخيرة كما اختاره جمع من القدماء، و مال إليه في الجواهر أوّلًا و إن ضعّفه أخيراً، أو التخيير كما عليه المشهور، و الأوّلان ساقطان لضعف مستندهما، مضافاً إلى قيام الدليل على الإطلاق و التخيير الذي منه روايات جهر الإمام بواحدة، الظاهرة و لو بمناسبة الحكم و الموضوع في أنّها هي تكبيرة الإحرام ليسمعها المأمومون فيقتدون كما مرّ كل ذلك مستقصى، فيتعيّن القول الأخير و هو الأقوى.

لكن هذا مبني على أن يكون لتكبيرة الإحرام عنوان به تمتاز عن بقية التكبيرات الافتتاحية، و تختلف عنها في الحقيقة و الذات و إن شاركتها في الصورة نظير الفرق بين الظهر و العصر.

و أمّا بناءً على أنّ الواجب هي ذات التكبيرة من دون تعنونها بعنوان خاص فلا مناص من الالتزام بتعين الاولى، لا لما استدلّ به في الحدائق من الوجوه‌

143
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

و لا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين [1] (1)

______________________________
المتقدمة إذ قد عرفت ضعفها، بل لأنّ طبيعي التكبير بعد خلوّه عن العنوان ينطبق على أوّل الوجودات لا محالة، فيقع بطبيعة الحال مصداقاً للواجب، فانّ الانطباق قهري و الإجزاء عقلي، فتقع البقية على صفة الاستحباب قهراً، هذا.

و لكنّ الصحيح إنما هو المبنى الأول، فإنّ المستفاد من الروايات أنّ تكبيرة الإحرام لها عنوان خاص به تمتاز عمّا عداها، و هو عنوان الإحرام و الافتتاح نظير التلبية في إحرام الحج، فما لم يقصد العنوان و لو إجمالًا لا يتحقق الامتثال فلا مناص من اختيار القول المشهور كما عرفت، إلّا أنّ الأحوط كما نبّه عليه في المتن اختيار الأخيرة، للقطع بصحة الصلاة معه على جميع التقادير.

أمّا على القول بتعيّن الأخيرة أو التخيير فظاهر، و أمّا على القول بتعيّن الأُولى أو المجموع، فغايته وقوع الست قبلها على صفة الزيادة غير القادحة بعد وقوعها قبل الصلاة فهي كالعدم، و هذا بخلاف ما لو اختار الأُولى، فإنّه بناءً على القول بتعيّن الأخيرة الراجع إلى عدم الأمر بالتكبيرة بعد الإتيان بتكبيرة الإحرام يلزم منه وقوع الست المأتي بها بعد الاولى على صفة الزيادة داخل الصلاة، و في بطلان الصلاة بمثل هذه الزيادة كلام، و إن كان الأقوى خلافه. و على أيّ حال فهو مخالف للاحتياط، لاحتمال البطلان من هذه الجهة، و من هنا كان الأحوط اختيار الأخيرة حذراً من هذه الشبهة.

(1) هذا فيما إذا كان الإبهام واقعياً، بأن لم يكن له تعيّن حتى في صقع الواقع فلا يكفي قصده حينئذ، إذ مثله لا تحقق له في الخارج، و الافتتاح أمر تكويني لا بدّ من تعلقه بالموجود الخارجي، و من الضروري أنّ الواحد لا بعينه مفهوم‌

______________________________
[1] هذا فيما إذا لم يكن لها تعيّن في الواقع، و أمّا مع تعيّنها فيه بعنوان ما، فالظاهر جواز الاكتفاء بقصدها و لو كانت غير معيّنة لدى المصلّي.

144
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

و الظاهر عدم اختصاص استحبابها في اليومية، بل تستحب في جميع الصلوات الواجبة و المندوبة (1)

______________________________
اعتباري لا تقرّر له خارجاً.

و أمّا إذا كان الإبهام عند المصلي خاصة مع تعيّنه في الواقع و إن كان مجهولًا لديه، فهذا لا ضير فيه، كما في المأموم الذي يقصد الافتتاح بما افتتح به الإمام من الأُولى أو الثالثة، أو الخامسة، أو السابعة، فإنّ ما يقع الافتتاح به معيّن في الواقع و إن جهله المصلي، إذ لا يعتبر التمييز بعد كون ما يفتتح به متشخّصاً في الخارج و قد قصده إجمالًا و إن لم يميِّزه عمّا عداه كما هو ظاهر.

(1) كما عليه المشهور لإطلاق الأدلة، و عن صاحب الحدائق (قدس سره) اختصاصها بالفرائض بل اليومية منها، لانصراف الإطلاق إليها «1».

و فيه: منع الانصراف على نحو يقدح في التمسك بالإطلاق، كيف و قد الحق النوافل بالفرائض في عامة الأحكام، من رعاية الأجزاء و الشرائط الواجبة و المستحبة، و من الموانع و القواطع، مع عدم اختصاصها بدليل، فلو منع الانصراف عن التمسك بالإطلاق في المقام لمنع هناك أيضاً، مع شمول تلك الأحكام لها بمقتضى الإطلاق بلا إشكال.

نعم، إنّما الشأن في ثبوت الإطلاق في المقام، فإنّ أغلب الأخبار موردها الفرائض كروايات جهر الإمام بواحدة، و إخفات الست «2»، و روايات تمرين الحسين (عليه السلام) «3» و غيرهما، و بعضها الآخر و إن كان لها الإطلاق كرواية‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 53.

(2) الوسائل 6: 33/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 12.

(3) الوسائل 6: 20/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7.

145
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

و ربّما يقال بالاختصاص بسبعة مواضع (1) و هي: كل صلاة واجبة، و أوّل ركعة من صلاة الليل، و مفردة الوتر، و أوّل ركعة من نافلة الظهر، و أوّل ركعة من نافلة المغرب، و أوّل ركعة من صلاة الإحرام، و الوتيرة، و لعل القائل أراد تأكدها في هذه المواضع.

______________________________
أبي بصير «1» و غيرها، لكنّها ضعيفة السند، و لكن الصحيح ثبوت الإطلاق بمقتضى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: أدنى ما يجزئ من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة، و ثلاث تكبيرات، و خمس، و سبع أفضل» «2» فإنها تشمل بإطلاقها جميع الصلوات.

(1) كما عن الشيخين «3» و القاضي «4» و العلّامة في التحرير و التذكرة «5» و غيرهم و فسّر الماتن مقالتهم بإرادة تأكّد الاستحباب في هذه المواضع دون الاختصاص كما صرّح به في المقنعة، و المجلسي في البحار «6». و كيف كان فالكلام في مستند هذا القول تعييناً أو تأكيداً.

و الظاهر أنّهم استندوا في ذلك إلى ما في الفقه الرضوي «قال: ثم افتتح بالصلاة و توجه بعد التكبير فإنّه من السنّة الموجبة في ست صلوات، و هي أوّل ركعة من صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و أوّل ركعة من نوافل المغرب، و أوّل ركعة من ركعتي الزوال، و أوّل ركعة من ركعتي الإحرام، و أوّل ركعة من ركعات‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 3.

(2) الوسائل 6: 23/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 9.

(3) المقنعة: 111، المبسوط 1: 104.

(4) المهذب 1: 98.

(5) تحرير الأحكام 1: 37، السطر 29، التذكرة 3: 119.

(6) البحار 81: 361.

146
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10يستحب الإتيان بست تكبيرات مضافا إلى تكبيرة الإحرام ج 14 ص 127

..........

______________________________
الفرائض» «1» و لا يقدح خلوّها عن الوتيرة، لما ثبت بالأخبار من أنّها إنّما شرّعت مخافة فوت الوتر «2»، فهي بمنزلته و محكومة بحكمه فلذا ألحقها الأصحاب به في هذا الحكم.

لكن الفقه الرضوي ضعيف السند فلا يمكن التعويل عليه كما تكرّر في مطاوي هذا الشرح. مضافاً إلى قصور الدلالة لعدم التصريح بتكبيرات الافتتاح، و إنّما المذكور هو التوجه بعد التكبير، و من الجائز أن يراد به دعاء التوجه أعني قوله وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي إلخ، كما تضمنه صحيح زرارة «قال: يجزئك في الصلاة من الكلام في التوجه إلى اللّٰه أن تقول: وجّهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض على ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً ...» إلخ «3».

و استدل له أيضاً كما في الحدائق «4» بما رواه ابن طاوس في كتاب فلاح السائل بسنده عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه و التكبير: في أوّل الزوال، و صلاة الليل، و المفردة من الوتر، و قد يجزئك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبّر تكبيرة لكل ركعتين» «5».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند بابن شمّون، و اختصاص موردها بالثلاثة دون السبعة، ما عرفت آنفاً من قصور الدلالة، لاحتمال كون المراد من التوجه دعاء التوجه لا تكبيرات الافتتاح التي هي محل الكلام.

فالإنصاف: عدم ثبوت دليل لهذا القول لا بنحو الاختصاص و لا التأكيد‌

______________________________
(1) فقه الرضا: 138.

(2) الوسائل 4: 96/ أبواب أعداد الفرائض ب 29 ح 7، 8.

(3) الوسائل 6: 25/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 2.

(4) الحدائق 8: 53.

(5) المستدرك 4: 139/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 5 ح 1، فلاح السائل: 241/ 142.

147
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 11لما كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس ج 14 ص 148

[مسألة 11: لمّا كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس]

[1455] مسألة 11: لمّا كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات بل أقوال: تعيين الأوّل، و تعيين الأخير، و التخيير، و الجميع، فالأولى لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات و مراعاة الاحتياط من جميع الجهات أن يأتي بها بقصد أنّه إن كان الحكم هو التخيير فالافتتاح هو كذا و يعيّن في قلبه ما شاء، و إلّا فهو ما عند اللّٰه من الأوّل أو الأخير أو الجميع (1).

[مسألة 12: يجوز الإتيان بالسبع ولاءً من غير فصل بالدعاء]

[1456] مسألة 12: يجوز الإتيان بالسبع ولاءً من غير فصل بالدعاء (2)

______________________________
كما اعترف به غير واحد. و الأقوى ما عليه المشهور من شمول الحكم لعامة الصلوات من دون ميز بينها أصلًا، عملًا بإطلاق الأدلّة.

(1) أورد عليه بعض أعلام المحشين و تبعه غيره: بامتناع الجمع بين هذه الاحتمالات، و أنّه ليس من الاحتياط في شي‌ء.

لكن الإيراد لعله واضح الفساد، فإنّ التكبيرة كغيرها من العبادات لا يعتبر فيها سوى الإتيان بها بما هي عليها بإضافة قصد التقرب، و كلا الركنين متحقق في المقام بعد مراعاة الكيفية المزبورة، ضرورة أنّ ما هو مصداق لتكبيرة الإحرام واقعاً قد تحقق في الخارج قاصداً به الافتتاح و بوجه قربي على جميع التقادير غاية الأمر أنّ المصلي لا يشخّصه عن غيره، و لا يميّزه عمّا عداه، فهو مبهم عنده مع تعينه واقعاً، و مثله غير قادح في صحة العبادة، إذ لا يعتبر التمييز. و قد مرّ قريباً أنّ الإبهام و جهالة المكلف بما هو مصداق للافتتاح لا يضر بالصحة، بعد تعلق القصد و لو إجمالًا بما يقع به الافتتاح واقعاً، مع كونه متعيناً في الواقع كما في المقام.

(2) لإطلاق جملة من النصوص المتقدمة، بل التصريح بالولاء في موثقة‌

148
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج 14 ص 148

لكن الأفضل أن يأتي بالثلاث ثم يقول: «اللّٰهمّ أنت الملك الحق لا إلٰه إلّا أنت سبحانك إنّي ظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت» ثم يأتي باثنتين و يقول: «لبّيك و سعديك، و الخير في يديك، و الشر ليس إليك، و المهدي من هديت، لا ملجأ منك إلّا إليك، سبحانك و حنانيك تباركت و تعاليت، سبحانك ربّ البيت» ثم يأتي باثنتين و يقول: «وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضَ عالم الغيب و الشهادة حنيفاً مسلماً وَ مٰا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلٰاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيٰايَ وَ مَمٰاتِي لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، لٰا شَرِيكَ لَهُ وَ بِذٰلِكَ أُمِرْتُ و أنا من المسلمين» ثم يشرع في الاستعاذة و سورة الحمد.

و يُستحب أيضاً أن يقول قبل التكبيرات: «اللّٰهمّ إليك توجّهت و مرضاتك ابتغيت، و بك آمنت و عليك توكلت، صلّ على محمد و آل محمد و افتح قلبي لذكرك، و ثبّتني على دينك و لا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة إنّك أنت الوهّاب».

و يستحب أيضاً أن يقول بعد الإقامة قبل تكبيرة الإحرام: «اللّٰهمّ ربّ هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة، بلّغ محمّداً (صلّى اللّٰه عليه و آله) الدرجة و الوسيلة و الفضل و الفضيلة، باللّٰه استفتح و باللّٰه أستنجح و بمحمّد رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و عليهم أتوجه، اللّٰهمّ صلِّ على محمّد و آل محمّد و اجعلني بهم عندك وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين».

______________________________
زرارة قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) أو قال سمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاءً» «1» نعم، ورد استحباب تفريق التكبيرات و الدعاء خلالها و قبلها‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 21/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 7 ح 2.

149
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 12يجوز الإتيان بالسبع ولاء من غير فصل بالدعاء ج 14 ص 148

و أن يقول بعد تكبيرة الإحرام: «يا محسن قد أتاك المسي‌ء و قد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسي‌ء، أنت المحسن و أنا المسي‌ء بحق محمّد و آل محمّد، صلِّ على محمّد و آل محمّد، و تجاوز عن قبيح ما تعلم منِّي».

[مسألة 13: يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام]

[1457] مسألة 13: يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام (1) على وجه يسمع من خلفه، دون الست فإنّه يستحب الإخفات بها.

[يستحب رفع اليدين بالتكبير]

[1458] يستحب رفع اليدين بالتكبير (2)

______________________________
و بعدها على نحو يقرب من المذكور في المتن، بعضها في الرواية المعتبرة كصحيح الحلبي و بعضها في غيرها «1» و إن لم تطابق المذكور في المتن كلا كما لا يخفى، إلّا أنّ الاستحباب المزبور لا يوجب تقييد تلك المطلقات كي يختص استحباب السبع بالاقتران بتلك الأدعية، لما تقرر في الأُصول «2» من عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات، و لا سيّما بعد ورود التصريح بالولاء في المقام كما عرفت.

(1) للنصوص الكثيرة التي مرّت الإشارة إليها فيما سبق، المتضمّنة لاستحباب جهر الإمام بواحدة و إخفات الست كصحيحتي الحلبي. و روايتي ابن راشد و أبي بصير «3». نعم، لم يصرّح بتكبيرة الإحرام في شي‌ء من تلك الأخبار، و إنّما ذكر الجهر بواحدة، لكن القرائن الداخلية و الخارجية سيّما مناسبة الحكم و الموضوع تقضي بإرادتها منها و تعينها فيها كما لا يخفى.

(2) على المشهور المعروف بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عليه دعوى‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 5: 381.

(3) الوسائل 6: 33/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 12.

150
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
الإجماع في غير واحد من الكلمات، للأمر به في جملة وافرة من النصوص المحمول على الاستحباب كما ستعرف.

و عن الإسكافي القول بوجوبه في تكبيرة الإحرام خاصة «1». و ذهب السيّد المرتضى (قدس سره) في محكي الانتصار إلى وجوبه في جميع تكبيرات الصلاة مدعياً عليه الإجماع، و أنّه مما انفردت به الإمامية «2».

و يبعد جدّاً إرادته (قدس سره) الوجوب النفسي فيما عدا تكبيرة الإحرام لعدم اجتماعه مع استحبابها كما لا يخفى. نعم، لا مانع من إرادة الوجوب الشرطي، لإمكان اقترانه مع استحباب ذات العمل كما في الإقامة فإنّها مع استحبابها يجب فيها القيام و الطهارة وجوباً شرطياً كما تقدم، و كما في اشتراط النوافل بما يعتبر في الفرائض من الأجزاء و الشرائط.

و كيف كان، فقد تعجب غير واحد من دعواه الإجماع في المقام، مع أنّه لم يذهب إلى ما ذهب إليه أحد من الأصحاب سواه، حتى أنّهم جعلوا ذلك قرينة على إرادته تأكد الاستحباب من الوجوب.

و قد طعن عليه (قدس سره) في الحدائق «3»، بل ربما أساء الأدب، بعد أن اختار مذهبه (قدس سره) زاعماً دلالة الأخبار عليه بوضوح، فلا حاجة إلى دعوى الإجماع فيما لا قائل به سواه.

و لعمري إنّ هذا من غرائب كلماته و لا يكاد ينقضي العجب من استدلاله على الوجوب بروايات لا إشعار فيها فضلًا عن الظهور، كالروايات الحاكية لفعل المعصوم (عليه السلام) و أنّ الراوي رآه (عليه السلام) قد رفع يديه عند‌

______________________________
(1) حكاه عنه في الذكرى 3: 374.

(2) الانتصار: 147.

(3) الحدائق 8: 42.

151
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
التكبير في الصلاة أو عند افتتاحها، كصحيحة معاوية بن عمار قال: «رأيت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قليلًا» و نحوها صحيحة صفوان و ابن سنان و غيرهما «1» فانّ فعله (عليه السلام) لا يدل على الوجوب بل غايته الاستحباب، حتى أنّ هذه الأخبار خالية عن كلمة «كان» المشعر بالدوام و الاستمرار كي يستأنس منه الوجوب.

على أنّه لو سلم فغايته وجوب الرفع عند تكبيرة الإحرام، لا كل تكبيرة لعدم إطلاق بالنسبة إليها.

نعم، يمكن أن يستدل على الوجوب بأحد أمرين:

الأوّل: ما رواه الكليني (قدس سره) بسنده عن إسماعيل بن جابر و غيره عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه إلى أن قال دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلّا مرّة واحدة حين يفتتح الصلاة، فإنّ الناس قد شهروكم بذلك، و اللّٰه المستعان و لا حول و لا قوة إلّا باللّٰه» «2» فإنّها ظاهرة في أنّ ترك الرفع في بقية التكبيرات لأجل التقية و خوف الشهرة، و إلّا فلولا المانع كان الوجوب ثابتاً كما ثبت في تكبيرة الإحرام حيث لا تقية هناك لموافقته لهم.

و فيه أوّلًا: أنّها ضعيفة السند بطرقها الثلاثة.

و ثانياً: أنّها قاصرة الدلالة، إذ غايتها التزام الشيعة بأمر أوجب اشتهارهم بين الناس و امتيازهم عن مخالفيهم فردعهم الإمام عن ذلك تقية، و لعل ما التزموا به كان من الأُمور المستحبة كالقنوت في الصلاة و غيره من المستحبات التي يلتزم بها و هي كثيرة جدّاً.

______________________________
(1) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9.

(2) الوسائل 6: 28/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 9، الكافي 8: 7/ 1.

152
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
الثاني: ما رواه في المجالس بسنده عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) «قال: لما نزلت على النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربّي؟ قال: يا محمد إنّها ليست نحيرة و لكنها رفع الأيدي في الصلاة» «1».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند، فإنّ أكثر رجاله ممّن لم تثبت وثاقته، بل هم من أبناء العامة، فلم تثبت الوثاقة حتى على مسلك العلامة الذي يكتفي فيها بمجرد كون الرجل إمامياً لم يرد فيه قدح «2»، أنّ الدلالة أيضاً قاصرة، إذ لم يعلم المراد من رفع الأيدي، و لعلّها كناية عن القنوت، أو عن الرفع في خصوص تكبيرة الإحرام، لا في جميع تكبيرات الصلاة كما هو المدّعى.

فتحصل: أنّه لا دليل على وجوب رفع اليدين حال التكبيرات كما يزعمه صاحب الحدائق.

بل يمكن أن يقال بقيام الدليل على العدم، و هي صحيحة حماد الواردة لبيان كيفية الصلاة «3»، فإنّها مع اشتمالها على الخصوصيات المعتبرة فيها حتى نبذاً من المستحبات، خالية عن التعرّض لرفع الأيدي إلّا عند التكبير للهوي إلى السجود على نسخة الفقيه «4»، أو بإضافة تكبيرة الركوع على نسخة الكافي «5» و لعلّها أضبط، و على التقديرين فهي خالية عن سائر التكبيرات، فلو كانت واجبة كما زعمه المحدّث المزبور لزم التعرض لها، فكيف أهملها (عليه السلام)

______________________________
(1) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 13، أمالي الطوسي: 377/ 806.

(2) كما يظهر من الخلاصة: 66/ 86 في ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة.

(3) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(4) الفقيه 1: 196/ 916، [و لكن هذا موافق لما نقله الوسائل عن الفقيه و أما النسخة المطبوعة من الفقيه فهي مشتملة على رفع الأيدي عند التكبير للركوع أيضاً].

(5) الكافي 3: 311/ 8.

153
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
و هو في مقام التعليم و بيان كل ما يعتبر فيها حتى أنّه (عليه السلام) أشار إلى بعض المستحبات كما عرفت. مع أنّ هذه أحرى بالذكر على تقدير الوجوب. و بالجملة فلا ينبغي الارتياب في فساد هذا القول.

و أمّا مقالة الإسكافي، من اختصاص الوجوب بتكبيرة الإحرام، فيمكن أن يستدل له بعدّة روايات:

منها: صحيحة الحلبي: «إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات ...» إلخ «1» فانّ ظاهر الأمر بالرفع الوجوب، و لا يقدح الاشتمال على بسط الكفين و الدعاء و نحوهما من الأُمور المستحبة، لقيام القرينة الخارجية على الاستحباب فيها دونه كما لا يخفى.

و منها: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: «هو رفع يديك حذاء وجهك» «2» و حيث إنّ المخاطب في قوله (عليه السلام) «هو رفع يديك» هو عبد اللّٰه بن سنان، فيعلم أنّ توجه الخطاب في قوله تعالى وَ انْحَرْ إلى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لكونه فرداً من المصلين، لا بما أنّه نبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و إلّا لما طبّقه الإمام (عليه السلام) عند تفسير الآية على الراوي.

فيظهر من ذلك أنّ الخطاب في الآية المباركة عام لجميع المصلين، فلا يتوقف الاستدلال بهذه الصحيحة على إثبات قاعدة الاشتراك بيننا و بينه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) التي قد يتأمّل فيها، لاختصاصه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) بأحكام لا تعدوه و لعلّ المقام منها. نعم، ربما يحتاج إلى القاعدة في غير هذه الصحيحة ممّا ورد في تفسير الآية كرواية الأصبغ بن نباتة و نحوها «3».

______________________________
(1) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(2) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 4.

(3) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 13.

154
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
و منها: صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «قال: ترفع يديك في افتتاح الصلاة قبالة وجهك و لا ترفعهما كل ذلك» «1».

و منها: صحيحته الأُخرى عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا قمت في الصلاة فكبّرت فارفع يديك، و لا تجاوز بكفيك أُذنيك، أي حيال خديك» «2». فهذه صحاح أربع دلت على وجوب الرفع على ما يقتضيه ظاهر الأمر المؤيدة بروايات أُخر، و إن كانت أسانيدها مخدوشة.

و ربما يجاب: بحمل الأمر فيها على الاستحباب، بقرينة ما في بعض النصوص من تعليل الرفع بأنّه زينة كما في خبر مقاتل بن حيّان «3» أو بأنّه ضرب من الابتهال و التضرع، و بأنّ في رفع اليدين إحضار النيّة و إقبال القلب كما في رواية الفضل بن شاذان «4» مما هو ظاهر في الاستحباب.

و فيه: أنّه نعم الحمل لولا الضعف في أسانيد هذه النصوص كما أشرنا آنفاً فلا يمكن رفع اليد عن تلك الصحاح بهذه النصوص الضعيفة.

و الصحيح أن يجاب أوّلًا: بأنّ الوجوب لو كان ثابتاً في هذه المسألة العامّة البلوى الكثيرة الدوران لابتلاء كل مكلف بها في كل يوم على الأقل خمس مرّات لكان واضحاً مبيّناً لم يقع الخلاف فيه من أحد، كيف و قد تسالم الأصحاب على خلافه، إذ لم ينسب الوجوب إلّا إلى الإسكافي لو صدقت النسبة و إلى السيّد المرتضى مع احتمال إرادة الاستحباب، لقرينة في كلامه مرّت الإشارة إليها «5»، فهذه القرينة التي تمسّكنا بها في كثير من المقامات ممّا تورث القطع بعدم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 31/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 1.

(2) الوسائل 6: 31/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 6: 30/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 14.

(4) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 11.

(5) في ص 151.

155
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
الوجوب و إرادة الاستحباب.

و يؤيده: خلوّ صحيحة حماد الواردة في مقام التعليم عن التعرض لذلك، فلو كان الرفع واجباً لكان أحرى بالذكر من جملة من الأُمور المستحبة المذكورة فيها.

و ثانياً: أنّه تدل على إرادة الاستحباب من الأوامر الواردة في هذه الصحاح: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) الواردة في وصية النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لعلي (عليه السلام) «قال: و عليك برفع يديك في صلاتك و تقليبهما» «1» فانّ التنبيه على ذلك في مقام الوصية من مثل النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لوصيه الأكرم (عليه السلام) أقوى شاهد على استحبابه و العناية بشأنه كي لا يترك، و إلّا فلو كان واجباً لعرفه كل أحد حتى النساء، فلا حاجة إلى مزيد الاهتمام بشأنه في مقام الإيصاء، بل هو أمر لا بدّ من مراعاته في الصلاة كسائر الأجزاء و الشرائط التي يتحفظ عليها كل من يتصدى للصلاة، أ فهل ترى صحة أن يوصي أحد أحداً سيّما إذا كان عالماً فقيهاً أن يراعي الاستقبال أو الطهارة في الصلاة، أم هل وردت في شي‌ء من الروايات الوصية و لا سيّما من مثل النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) للوصي (عليه السلام) بمراعاة واجبات الصلاة من الأجزاء و الشرائط.

و ثالثاً: أنّه تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «قال: قال على الإمام أن يرفع يده في الصلاة ليس على غيره أن يرفع يده في الصلاة» «2» فإنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقضي بأنّ المراد رفع اليدين حال تكبير الإحرام كي يتبين للمأموم دخول الإمام في الصلاة فيأتم.

______________________________
(1) الوسائل 6: 28/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 8.

(2) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 7.

156
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

إلى الأُذنين أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر (1)

______________________________
و قد دلّت صريحاً على عدم الوجوب في المأموم، فكذا الإمام، لعدم القول بالفصل، فتحمل على الاستحباب مع اختلاف مرتبة الفضل و أنّه في الإمام آكد. و لا يعارض بقلب الدعوى و جعل الأمر بالعكس، لاستلزام طرح النفي في قوله «ليس على غيره» بالكلية، بخلاف الأوّل، فإنّ الأمر حينئذ محمول على الاستحباب كما عرفت.

هذا، و صاحب الحدائق قد تعرّض لهذه الصحيحة و ناقش فيها بالإجمال و احتمال إرادة القنوت فيها «1».

و هذا من غرائب كلماته، فانّ مناسبة الحكم و الموضوع كما عرفت تقضي بإرادة تكبيرة الإحرام، و لم يحتمل أحد التفصيل بين الإمام و المأموم في القنوت و السيرة القطعية شاهدة بخلافه.

هذا، مع أنّ الرواية وردت بطريق آخر صرّح فيها برفع اليدين في التكبيرة و قد نقل هذا الطريق في الوسائل متصلًا بالطريق الأوّل، و من المقطوع به عادة أنّ صاحب الحدائق لاحظه و اطلع عليه فكيف أهمله و أعرض عنه و أبدى الاحتمال المزبور.

نعم، هذا الطريق ضعيف عندنا من جهة عبد اللّٰه بن الحسن الواقع في سند الحميري، و لكنه يراه صحيحاً و يعتمد عليه، فلا سبيل للاعتذار عنه بذلك.

(1) فانّ المستفاد من مجموع الروايات بعد ضم بعضها إلى البعض، هو التخيير بين الأُمور الثلاثة، لتعلّق الأمر بكل منها.

______________________________
(1) الحدائق 8: 45.

157
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

..........

______________________________
أمّا النحر: فيدل عليه صريحاً المرسل المروي في مجمع البيان عن علي (عليه السلام) «في قوله تعالى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ أنّ معناه ارفع يديك إلى النحر في الصلاة» «1» فما في الحدائق «2» من عدم وقوفه على لفظ النحر في شي‌ء من الأخبار غريب «3». و قد وقع كما اعترف به في صحيحة معاوية بن عمار ما يؤدي هذا المعنى و إن لم يكن بلفظه، قال: «رأيت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) حين افتتح الصلاة يرفع يديه أسفل من وجهه قريباً» «4»، فانّ القريب من أسفل الوجه ملازم للنحر.

و أمّا حيال الوجه: فالأخبار الواردة فيه كثيرة، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان «5» و غيرها فلاحظ.

و أمّا إلى الأُذنين: فتدل عليه رواية أبي بصير «إذا افتتحت الصلاة فكبّرت فلا تجاوز أُذنيك» «6» فإنّ النهي عن تجاوز الاذن يدل على أنّ غاية حدّ الرفع هو البلوغ إلى الاذن، فهذا هو أقصى حدّ الاستحباب.

______________________________
(1) الوسائل 6: 30/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 15، مجمع البيان 10: 837.

(2) الحدائق 8: 47.

(3) ربما يظهر من عبارة المجمع 10: 837، أنّ هذا المرسل نقل بالمعنى و مصطاد من النصوص لا أنّه عين لفظ النص، فلا يكون صريحاً في الرد على الحدائق. و الأولى تبديله بمرسل الصدوق في الفقيه قال «و ارفع يديك بالتكبير إلى نحرك» الفقيه 1: 198/ 917. و كيف ما كان فمرسل المجمع مروي من طرقنا لا من طرق العامة كما جاء في جامع الأحاديث 5: 315/ 7839.

(4) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 2. [و الموجود في الوسائل و التهذيب قليلًا].

(5) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 3.

(6) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 5.

158
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

مبتدئاً بابتدائه و منتهياً بانتهائه (1) فإذا انتهى التكبير و الرفع أرسلهما، و لا فرق بين الواجب منه و المستحب في ذلك. و الأولى أن لا يتجاوز بهما الأُذنين (2) نعم، ينبغي ضم أصابعهما حتى الإبهام و الخنصر، و الاستقبال بباطنهما القبلة.

______________________________
(1) كما يقتضيه ظاهر المقارنة بين التكبير و الرفع في صحيحة معاوية بن عمار: «حين افتتح الصلاة يرفع يديه ...» إلخ «1» فإنّ إطلاق القضية الحينية يقتضي الاقتران في تمام أجزاء المتقارنين، و نتيجته اقتران أوّل التكبير بأوّل الشروع في الرفع، و اقتران آخره بالانتهاء عنه، الذي هو غاية حدّ الرفع.

نعم، مقتضى صحيح الحلبي: «فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطاً ثم كبّر ثلاث تكبيرات» «2» وقوع التكبير بعد حصول الرفع فلا تعتبر المقارنة. فهذه الطريقة أيضاً مجزئة في العمل بالاستحباب. و أمّا التكبير بعد انتهاء الرفع و حال إرسال اليدين فلا دليل عليه.

(2) للنهي عنه في صحيح زرارة بقوله: «و لا تجاوز بكفيك أُذنيك» «3»، و قد وقع الخلاف في أنّه تنزيهي كما يظهر من المتن أو تحريمي، و على الثاني فهل هو نفسي أو غيري؟ لكن الظاهر أنّه إرشاد إلى تقيد المستحب، و هو رفع اليدين بعدمه.

و توضيحه: أنّا و إن ذكرنا في محله «4» عدم حمل المطلق على المقيد في باب المستحبات، لكنه خاص بما إذا كان القيد مستحباً كالمطلق، و الوجه في عدم‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 26/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 2.

(2) الوسائل 6: 24/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 8 ح 1.

(3) الوسائل 6: 31/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 10 ح 2.

(4) محاضرات في أُصول الفقه 5: 381.

159
موسوعة الإمام الخوئي14

يستحب رفع اليدين بالتكبير ج 14 ص 150

و يجوز التكبير من غير رفع اليدين، بل لا يبعد جواز العكس (1).

______________________________
الحمل حينئذ ظاهر، إذ بعد جواز ترك القيد كما هو مقتضى فرض استحبابه لم يكشف عن تقيّد المطلق به.

و أمّا إذا كان المقيد بلسان النهي كما في المقام فلا مناص من حمل المطلق عليه، إذ لا وجه لحمل النهي على التنزيه بعد كونه ظاهراً في التحريم. نعم قامت القرينة العامة في باب المركبات على انقلاب ظهور الأوامر و النواهي من الوجوب و التحريم إلى الإرشاد إلى الجزئية و الشرطية أو المانعية.

و عليه فالنهي في المقام يرشد إلى مانعية التجاوز عن الاذن عن العمل بالرفع المستحب، فيكشف لا محالة عن تقيد موضوع الاستحباب بعدمه، و نتيجة ذلك حمل المطلق على المقيد، و أنّ العمل بالاستحباب مشروط بعدم التجاوز عن الاذن.

(1) أمّا التكبير من غير الرفع فهو مقتضى فرض استحباب الرفع لا وجوبه كما تقدم «1». و أمّا عكسه أعني الرفع من غير تكبير فلا دليل عليه، إذ لم يثبت استحبابه في نفسه، و الاستدلال له بالتعليل الوارد في بعض النصوص المتقدمة «2» من أنّ رفع اليدين ضرب من الابتهال و التبتل و التضرع كما في خبر الفضل بن شاذان «3» مخدوش بضعف سند الخبر في نفسه كما مرّ، مضافاً إلى قصور الدلالة إذ ظاهرها إرادة الرفع حال التكبير لا مطلقاً كما لا يخفى «4».

______________________________
(1) في ص 150.

(2) في ص 155.

(3) الوسائل 6: 29/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 11.

(4) و لكن يمكن الاستدلال له بموثقة ابن مسكان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: في الرجل يرفع يده كلّما أهوى للركوع و السجود و كلّما رفع رأسه من ركوع أو سجود قال: هي العبودية». الوسائل 6: 297/ أبواب الركوع ب 2 ح 3. حيث لم يفرض فيها اقتران الرفع بالتكبير.

160
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنما هو على الأفضلية ج 14 ص 161

[مسألة 15: ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية]

[1459] مسألة 15: ما ذكر من الكيفية في رفع اليدين إنّما هو على الأفضلية (1) و إلّا فيكفي مطلق الرفع، بل لا يبعد جواز رفع إحدى اليدين [1] دون الأُخرى.

______________________________
(1) فإنّ ما سبق في الكيفية من رفع اليدين إلى الأُذنين أو إلى حيال الوجه أو إلى النحر و إن ورد بها النص كما عرفت، إلّا أنّه يدل على الاكتفاء بمطلق الرفع ما ورد في وصية النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لعلي (عليه السلام) من قوله: «و عليك برفع يديك في صلاتك و تقليبهما» «1» إذ لا مقتضي لحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات، فتكون تلك الكيفية أفضل الأفراد مع عموم الاستحباب لغيرها.

و منه تعرف أنّ الاستقبال بباطن اليدين إلى القبلة المذكور في رواية منصور «2» أيضاً كذلك.

و أمّا جواز رفع إحدى اليدين دون الأُخرى فهو مشكل و إن لم يستبعده في المتن، لاختصاص النصوص برفع اليدين معاً، فلا دليل على استحباب الواحدة عدا توهم استفادته من التعليل الوارد في رواية الفضل بن شاذان المتقدمة «3» من أنّه ضرب من الابتهال و التبتل. و فيه: مضافاً إلى ضعف السند كما مرّ، أنّ مورده‌

______________________________
[1] لا بأس بالإتيان به رجاءً.

______________________________
(1) الوسائل 6: 28/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 8.

(2) الوسائل 6: 27/ أبواب تكبيرة الإحرام ب 9 ح 6.

(3) في ص 155.

161
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

[مسألة 16: إذا شكّ في تكبيرة الإحرام، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم]

[1460] مسألة 16: إذا شكّ في تكبيرة الإحرام، فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم، و إن كان بعد الدخول فيما بعدها من دعاء التوجّه أو الاستعاذة أو القراءة بنى على الإتيان [1]، و إن شكّ بعد إتمامها أنّه أتى بها صحيحة أو لا بنى على العدم [2]، لكن الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها، و إن شكّ في الصحة بعد الدخول فيما بعدها بنى على الصحة (1).

______________________________
أيضاً رفع اليدين، و لعل لانضمامهما مدخلية في حصول العلّة، فلا يمكن الجزم بالاستحباب، نعم لا بأس بالإتيان بعنوان الرجاء.

(1) قد يفرض الشك في وجود التكبيرة و أُخرى في صحتها بعد العلم بالوجود.

أمّا الأوّل: فلا ريب في وجوب الاعتناء و البناء على العدم فيما إذا كان الشك قبل الدخول فيما بعدها، لمفهوم قوله (عليه السلام) في بعض أخبار قاعدة التجاوز: «إذا شككت في شي‌ء و دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» الدال على لزوم الاعتناء بالشك قبل تجاوز المحل. مضافاً إلى استصحاب العدم السالم عن أيّ دليل حاكم.

كما لا ريب في عدم الاعتناء فيما إذا كان الشك بعد الدخول فيما بعدها من الجزء الوجوبي كالقراءة، لقاعدة التجاوز المستفادة من نصوص كثيرة الحاكمة على الاستصحاب المزبور، بل إنّ صحيحة زرارة «1» صريحة في عدم الاعتناء بالشك في التكبير بعد ما قرأ.

______________________________
[1] يشكل ذلك قبل الدخول في القراءة، و لا بأس بالإتيان بها رجاءً.

[2] الأظهر هو البناء على الصحة.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

162
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

..........

______________________________
إنّما الكلام فيما إذا كان الشك المذكور بعد الدخول في الجزء المستحب من الاستعاذة أو دعاء التوجه، فانّ في جريان القاعدة حينئذ خلافاً تعرّضنا له و لتحقيق الحال فيه في الأُصول «1» و ملخّصه:

أنّه قد اعتبر في لسان أخبار الباب عنوان الدخول في الغير، فهل المراد به مطلق ما كان مغايراً للمشكوك و إن لم يكن مترتباً عليه كالفعل العادي أو مطلق الذكر و الدعاء و القرآن، أو المراد خصوص ما كان مترتباً؟ و على الثاني فهل يختص الجزء المترتب بما كان مسانخاً للمشكوك فيه في الوجوب أو يعمّه و غير المسانخ؟

وجوه، بل أقوال. فعلى الأوّل و الأخير تجري القاعدة في المقام دون الثاني.

لكن لا سبيل إلى الأوّل، لأنّ المأخوذ في الأخبار عنوان الدخول في الغير المستلزم للخروج عن المشكوك فيه، و حيث لا معنى للخروج عن نفسه للشك في أصله، فلا محالة يراد به الخروج عن محله المتوقف على الدخول فيما هو مترتب عليه، و إلّا فمجرد الإتيان بغيرٍ لا ترتب بينه و بين المشكوك فيه لا يحقق عنوان التجاوز عن المحل بالضرورة، فعنوان الدخول و الخروج يستدعيان اختصاص الغير بما يكون مترتّباً.

و من هنا ذكرنا في محلّه «2» أنّه لو قام إلى الركعة الثالثة و شكّ في الإتيان بالسجدتين مع تذكره حينئذ فوت التشهد لا تجري القاعدة فيهما، فانّ الشك المزبور و إن كان بعد الدخول في الغير و هو القيام إلّا أنّ هذا القيام لأجل وقوعه على صفة الزيادة من جهة ترك التشهد المستلزم لهدمه و تداركه، لا يكون مترتباً على المشكوك فيه، لعدم كونه مصداقاً للمأمور به. نعم، بناءً على القول‌

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 300.

(2) في شرح المسألة [2150].

163
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

..........

______________________________
الآخر أعني الاكتفاء بمطلق الغير تجري القاعدة حينئذ.

كما لا سبيل إلى القول الأخير المبني على التمسك بإطلاق قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة: «يا زرارة إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» «1» الذي هو بمنزلة إعطاء ضابط كلي، إذ فيه: أنّ الأمثلة المذكورة في الصحيحة من الشك في التكبيرة و هو في القراءة، و فيها و هو في الركوع، و فيه و هو في السجود كلها من قبيل الشك بعد الدخول في الجزء الوجوبي، فلا ينعقد الإطلاق لذاك الضابط بحيث يعمّ الجزء الاستحبابي، إذ من الجائز أن تكون هذه قرينة على اختصاص الضابط بموارد الجزء الوجوبي فيكون من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة الموجب للإجمال، إذ معه لم يحرز كونه (عليه السلام) في مقام البيان من جميع الجهات كي ينعقد الإطلاق.

هذا، مع أنّا أشرنا في بعض المباحث السابقة إلى التنافي بين الجزئية و الاستحباب، إذ مقتضى الأوّل دخل شي‌ء في الماهية و تقوّمها به المستلزم لانتفائها بانتفائه، فكيف يجتمع ذلك مع الثاني الراجع إلى جواز الترك و عدم الدخل، فما يتراءى من الأجزاء المستحبّة مرجعها إلى استحباب شي‌ء ظرفه الواجب. و عليه فعدم جريان القاعدة حينئذ أظهر، لعدم ترتبٍ بين المستحب و المشكوك فيه بوجه.

و من جميع ما ذكرناه تعرف: أنّ المتعيّن إنّما هو القول الثاني، أعني اختصاص الغير بالجزء الوجوبي، فلا يكفي الدخول في المستحب، بل الشك معه من الشك في المحل، و يزيده وضوحاً أنّه لا شك في عدم جريان قاعدة التجاوز لو رأى نفسه في التعقيب و شكّ في أنّه هل صلّى أو دخل في التعقيب ابتداءً، مع أنّه مستحب مترتب على الصلاة، فلو كان مطلق الدخول في الغير‌

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب 23 ح 1.

164
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

..........

______________________________
المترتب و إن لم يكن مسانخاً كافياً في جريان القاعدة، لزم البناء على الإتيان بالصلاة في المثال، مع أنّه لا يبنى عليه بلا إشكال فتأمّل.

و أمّا الثاني: أعني الشك في الصحة بعد العلم بالوجود، فان كان بعد الدخول في الغير، فلا ينبغي الشك في الحكم بالصحة لقاعدة الفراغ، بناءً على ما هو الصحيح من جريانها في أجزاء المركب كنفسه، لعدم قصور في إطلاق قوله (عليه السلام) في موثق ابن مسلم: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو» «1» للشمول للأجزاء، بل إنّ الشك في الصحة يرجع في الحقيقة إلى الشك في الوجود أي في وجود الصحيح إذ لا نعني به إلّا الشك في وجود المأمور به المساوق للصحيح لا في مطلق الوجود، فتشمله أدلّة قاعدة التجاوز، و لذا ذكرنا في محله أنّ القاعدتين الفراغ و التجاوز مرجعهما إلى قاعدة واحدة، و تمام الكلام في محله «2».

و أمّا إذا كان قبل الدخول في الغير، فالأقوى أيضاً ذلك، لعدم اعتبار الدخول في الغير في مورد قاعدة الفراغ أعني الشك في الصحة، و إنّما اعتبرناه في مورد التجاوز، لعدم صدق المضي و التجاوز عن الشي‌ء المشكوك وجوده إلّا بالتجاوز عن محلّه المتوقف على الدخول في الغير، و أمّا المشكوك صحته فالمضي عنه إنّما يتحقق بمجرّد الفراغ منه من دون حاجة إلى الدخول في الغير، فيشمله قوله (عليه السلام) في موثق ابن مسلم المتقدم: «كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو».

فما أفاده في المتن من البناء على العدم حينئذ في غير محله.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل في الصلاة ب 23 ح 3.

(2) مصباح الأُصول 3: 269، [اختار فيه إمكان كونهما قاعدة واحدة هي قاعدة التجاوز بحسب مقام الثبوت، و أمّا بحسب مقام الإثبات فقد اختار أنهما قاعدتان].

165
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا شك في تكبيرة الإحرام فإن كان قبل الدخول فيما بعدها بنى على العدم ج 14 ص 162

و إذا كبّر ثم شكّ في كونه تكبيرة الإحرام أو تكبير الركوع بنى على أنّه للإحرام (1).

[فصل في القيام]

فصل في القيام و هو أقسام: إمّا ركن و هو القيام حال تكبيرة الإحرام (2)، و القيام المتصل بالركوع، بمعنى أن يكون الركوع عن قيام، فلو كبّر للإحرام جالساً أو في

______________________________
و أمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّ الأحوط إبطالها بأحد المنافيات ثم استئنافها فعجيب، إذ كيف يكون الإبطال موافقاً للاحتياط مع احتمال صحة الصلاة كما هو المختار على ما عرفت و البناء على حرمة قطع الفريضة كما عليه المشهور. فهذا الاحتياط و إن أُحرز معه صحة الصلاة لكنه مخالف للاحتياط من جهة أُخرى، لاحتمال ارتكاب الحرام من أجل قطع الفريضة، بل إنّ سبيل الاحتياط في المقام الإتيان بتكبيرة اخرى رجاءً بقصد أنّه إن كانت الأُولى باطلة فالافتتاح يقع بهذه و إلّا فتقع ذكراً. و مثل هذه الزيادة المأتي بها بقصد القربة المطلقة لا بقصد الجزئية غير مشمولة لأدلّة الزيادة العمدية المبطلة، لاختصاصها بما إذا أتى بها بنيّة جزميّة لا بقصد الرجاء كما عرفت سابقاً.

(1) و الوجه فيه ظاهر، إذ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في وجود القراءة و حيث إنّه في المحل لزم الاعتناء به عملًا بالاستصحاب و قاعدة الشك في المحل.

(2) لا ريب في وجوب القيام في الصلاة في الجملة كتاباً و سنّة.

أمّا الكتاب: فقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً ... إلخ «1» بضميمة ما ورد في تفسيره «2» من أنّ الذكر هو الصلاة، و القيام فيها وظيفة الأصحّاء، كما‌

______________________________
(1) آل عمران 3: 191.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

166
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

حال النهوض بطل و لو كان سهواً، و كذا لو ركع لا عن قيام بأن قرأ جالساً ثم ركع، أو جلس بعد القراءة أو في أثنائها و ركع، و إن نهض متقوِّساً إلى هيئة الركوع القيامي.

______________________________
أنّ القعود وظيفة المرضى، وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ من هو دون المرضى.

و أمّا السنّة، فروايات كثيرة جملة منها معتبرة كصحيحة زرارة قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) في حديث: و قم منتصباً فانّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) قال: من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «1» و غيرها.

و هل هو ركن مطلقاً أو في خصوص حال التكبير للإحرام و المتصل بالركوع أو ليس بركن؟

مقتضى إطلاق كلمات جملة من الأصحاب أنّه ركن على الإطلاق تبطل الصلاة بنقيصته عمداً و سهواً، مستدلين عليه بإطلاق دليل الوجوب ممّا عرفت الشامل لحال السهو، بل و زيادته كذلك بناءً على ما هو المعروف عندهم من تفسير الركن بما يعمّ الإخلال من حيث الزيادة كالنقيصة.

و من هنا أشكل الأمر في كيفية تصوير الزيادة في القيام من حيث هو، فإنّه لا يتحقق في تكبيرة الإحرام إلّا بتكرارها كما لا يتحقق في المتصل بالركوع إلّا بتعدد الركوع، و حينئذ يستند البطلان إلى زيادة تكبيرة الإحرام أو الركوع دون القيام و إلّا فمن الضروري أنّ زيادة مجرد القيام كما لو نسي التشهد فقام ثم تذكّر فعاد لا يوجب البطلان.

و الذي ينبغي أن يقال في المقام: إنّ الإخلال بالقيام حال تكبيرة الإحرام مبطل للصلاة عمداً كان أو سهواً. أمّا الأوّل، فلدليل وجوبه من الكتاب‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

167
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

..........

______________________________
و السنّة كما مرّ. و أما الثاني، فلموثقة عمّار، قال (عليه السلام) فيها: «و كذلك إن وجبت عليه الصلاة من قيام فنسي حتى افتتح الصلاة و هو قاعد، فعليه أن يقطع صلاته و يقوم فيفتتح الصلاة و هو قائم» إلخ «1». فهو ركن فيها بمعنى أنّ تركه عمداً و سهواً مبطل.

و هل هو ركن مستقل في عرض تكبيرة الإحرام أو أنّه شرط فيها و مقوّم لركنيتها، فليس الركن إلّا التكبيرة المقيدة بكونها في حال القيام، كما لعله الأظهر؟ لا أثر عملي لهذا البحث أصلًا كما لا يخفى.

و أمّا الإخلال به فيها من حيث الزيادة فقد عرفت أنّه لا يتصور إلّا بزيادة تكبيرة الإحرام، و حينئذ فتبطل الصلاة بزيادتها أيضاً سهواً فضلًا عن العمد، بناءً على المشهور في ذلك، و أمّا على المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً كما عرفت سابقاً فلا، و قد أشرنا فيما سبق أنّ المناط في الركنية رعاية الإخلال العمدي و السهوي من حيث النقيصة دون الزيادة.

و أمّا القيام حال القراءة، فهو واجب بالأدلة المتقدمة، لكنّه ليس بركن فلا يقدح الإخلال به سهواً، فلو قرأ جالساً سهواً مع مضي محل التدارك صحت صلاته، عملًا بعموم حديث لا تعاد، لعدم كون القيام من الخمسة المستثناة. و منه يظهر الحال في القيام بعد الركوع.

و أمّا القيام المتصل بالركوع، فهو واجب ركني تبطل الصلاة بتركه حتى سهواً، و ذلك لدخله في مفهوم الركوع، فانّ حقيقته متقوّم بالانحناء الخاص عن قيام، يقال: شجرة راكعة، أي منحنية بعد الاستقامة، و إلّا فمجرّد الانحناء غير المسبوق بالقيام كالمخلوق كذلك، و كما لو نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي، لا يطلق عليه الركوع لا لغة و لا عرفاً، بل هو على هيئة الراكع.

______________________________
(1) الوسائل 5: 503/ أبواب القيام ب 13 ح 1.

168
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

..........

______________________________
و عليه فالإخلال بمثل هذا القيام حيث إنّه يؤدي إلى الإخلال بالركوع فتركه حتى سهواً يوجب البطلان، لكونه في الحقيقة إخلالًا بالركوع الذي هو من أحد الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد. و أمّا الإخلال به من حيث الزيادة فلا تتصور إلّا بزيادة الركوع المبطلة و لو سهواً بلا إشكال، و هنا أيضاً كالتكبير لا أثر للبحث عن أنّ القيام ركن مستقل أم شرط مقوّم للركوع، و إن كان الأظهر هو الثاني كما عرفت-، فإنّ الإخلال به نقصاً و زيادة لا يكون إلّا بنقيصة الركوع و زيادته، و معهما يتحقق البطلان، سواء استند إلى الإخلال بالركوع أم بالقيام المتصل به.

و قد تحصّل من جميع ما ذكرناه: أنّ القيام في حالات تكبيرة الإحرام، و القراءة و المتصل بالركوع، و ما بعد الركوع واجب، كل ذلك لإطلاق الأدلّة، و الركن منها هو الأوّل و الثالث، فتبطل الصلاة بتركه فيهما عمداً و سهواً، كما تبطل بزيادته و لو سهواً في الثالث بلا إشكال، و كذا في الأوّل على المشهور من البطلان بزيادة تكبيرة الإحرام السهوية، و إن كان الأقوى خلافه.

و بذلك يستغنى عن التعرض لكثير ممّا ذكر في المقام من النقض و الإبرام، إذ لا طائل تحتها كما لا يخفى، هذا.

و قد يناقش فيما ذكرناه من دخل القيام المتصل بالركوع في حقيقة الركوع: بمنع الدخل، إذ الركوع من الجالس ركوع قطعاً عرفاً مع عدم سبقه بالقيام فالدليل على ركنيته منحصر بالإجماع.

و فيه: من الخلط ما لا يخفى، إذ لا ندعي دخل مطلق القيام في كل ركوع بل المدعى تقوّم الركوع بالقيام المناسب له حسب الوظيفة الفعلية، فالركوع من الجالس متقوّم بالانحناء عن استقامة جلوسية، كما أنّ الركوع القيامي متقوّم بالانحناء عن استقامة قيامية، فمن كانت وظيفته الركوع القيامي لا يجديه سبقه بالاستقامة الجلوسية، بأن يقوم عن الجلوس متقوّساً إلى حدّ الركوع، فانّ ذلك معتبر في من كانت وظيفته الركوع الجلوسي لا مطلقاً.

169
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

و كذا لو جلس ثم قام متقوِّساً من غير أن ينتصب ثم يركع [1] و لو كان ذلك كلّه سهواً (1).

______________________________
و هذا نظير أن يصلي متيمماً مع كونه واجداً للماء، فانّ التيمم و إن كان طهوراً و لا صلاة إلّا بطهور، لكنه وظيفة الفاقد دون الواجد، فكما لا يكفي التيمم هناك، لا تكفي الاستقامة الجلوسية فيما نحن فيه، للزوم جري المكلف على طبق وظيفته الفعلية. و على الجملة: فليست الدعوى تقوّم الركوع بالقيام مطلقاً حتى يتوجه النقض بالركوع الجلوسي كما ذكر.

فالدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع و ركنيته ليس إلّا ما عرفت من دخله في مفهوم الركوع لتقومه به، فالإخلال به إخلال به.

و أمّا الاستدلال بالإجماع فساقط، لعدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) بعد احتمال استناد المجمعين لهذا الوجه، لو لم ندّع القطع بذلك لاستدلال غير واحد به صريحاً.

(1) قد عرفت تقوّم الركوع بالقيام، فلو أخلّ به بأن لم يأت بالقيام أصلًا كما لو قرأ جالساً، أو جلس بعد القراءة أو أثنائها ثم نهض متقوّساً إلى هيئة الركوع القيامي بطلت صلاته و لو كان ذلك سهواً، للإخلال بالركوع، فانّ غير المسبوق منه بالقيام ليس من حقيقة الركوع في شي‌ء، و إنّما هو على هيئة الراكع كما عرفت.

و أمّا لو قام في هذه الفروض متقوّساً إلى أن تجاوز حدّ الركوع، غير أنّه لم‌

______________________________
[1] الانتصاب حال القيام الواجب و إن كان لازماً مطلقاً إلّا انّه غير معتبر في حقيقته و بما أنّه لا دليل على وجوب القيام قبل الركوع غير دخله في تحققه فلو قام متقوساً إلى أن وصل إلى حدّ القيام ثمّ ركع من غير انتصاب سهواً أجزأه ذلك على الأظهر.

 

 

170
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

و واجب غير ركن، و هو القيام حال القراءة و بعد الركوع (1)، و مستحب و هو القيام حال القنوت و حال تكبير الركوع، و قد يكون مباحاً، و هو القيام

______________________________
ينتصب قائماً ثم ركع فكان ركوعه عن قيام غير منتصب، فلا شك في البطلان حينئذ لو كان ذلك عن عمد، لإخلاله بالانتصاب الواجب بمقتضى إطلاق الأدلّة، مثل قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدمة «1» «قم منتصباً» الشامل بإطلاقه لمثل هذا القيام.

و بعبارة اخرى: دلت هذه الأدلة بمقتضى الإطلاق على وجوب الانتصاب مهما وجب القيام، فلا يجتزأ بالقيام الانحنائي، و قد ثبت وجوب القيام في المقام بمقتضى دخله في مفهوم الركوع كما عرفت. و بعد ضم الكبرى إلى الصغرى ينتج وجوب الانتصاب في القيام المتصل بالركوع، فالإخلال به عمداً يوجب البطلان.

و أمّا لو أخلّ به سهواً، فالأقوى عدم البطلان، و ذلك لما عرفت من عدم الدليل على وجوب القيام المتصل بالركوع فضلًا عن ركنيته عدا دخله في تحقق الركوع و تقوّمه به، و من الواضح أنّ الدخيل إنّما هو جامع القيام الأعم من المشتمل على الانتصاب و عدمه، فانّ الركوع المسبوق بالقيام الانحنائي ركوع حقيقة، فالانتصاب واجب آخر معتبر في القيام، و عليه فالإخلال به سهواً غير قادح أخذاً بعموم حديث لا تعاد، لعدم كون الانتصاب من الخمسة المستثناة.

(1) قد تحصّل من جميع ما قدمناه أنّ القيام على أقسام: واجب ركني بمعنى بطلان الصلاة بتركه عمداً و سهواً، و واجب غير ركني، و مستحب، و مباح.

أمّا الأوّل: فهو القيام حال تكبيرة الإحرام و المتصل بالركوع.

و أمّا الثاني: فهو القيام حال القراءة فإنّه واجب بمقتضى الكتاب و السنّة كما‌

______________________________
(1) في ص 167.

171
موسوعة الإمام الخوئي14

فصل في القيام ج 14 ص 166

بعد القراءة أو التسبيح أو القنوت أو في أثنائها مقداراً من غير أن يشتغل بشي‌ء، و ذلك في غير المتصل بالركوع و غير الطويل الماحي للصورة.

[مسألة 1: يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أوّلها إلى آخرها]

[1461] مسألة 1: يجب القيام حال تكبيرة الإحرام من أوّلها إلى آخرها بل يجب من باب المقدّمة قبلها و بعدها (1) فلو كان جالساً و قام للدخول في الصلاة و كان حرف واحد من تكبيرة الإحرام حال النهوض قبل تحقق القيام بطل، كما أنّه لو كبّر المأموم و كان الراء من أكبر حال الهوي للرّكوع كان باطلًا، بل يجب أن يستقرّ قائماً ثم يكبِّر، و يكون مستقرّاً بعد التكبير ثم يركع.

______________________________
مرّ، و ليس بركن بمقتضى حديث لا تعاد، الدال على صحة الصلاة مع الإخلال بكل جزء أو شرط عدا الخمسة المستثناة، و كذا الحال في القيام بعد الركوع.

و أمّا الثالث: فهو القيام حال القنوت، و المراد من استحبابه حاله جواز تركه بترك القنوت كما سيتعرض له الماتن «1»، لا تركه حال القنوت بأن يقنت جالساً، لعدم الدليل على مشروعيته كذلك، فهو في الحقيقة واجب شرطي و ليس من المستحب الاصطلاحي، فحاله حال الطهارة لصلاة النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة، لا الإتيان بالنافلة بدونها كما هو ظاهر.

و أمّا الرابع: فهو القيام بعد القراءة، أو التسبيح، أو القنوت أو أثنائها، فإنّه يجوز الفصل بينها بمقدار لا تمحى معه الصورة كما يجوز الوصل، فالقيام حال هذه السكنات مباح إلّا مع الفصل الطويل الماحي فيحرم.

(1) أي من باب المقدمة العلمية، حيث إنّ القيام في تكبيرة الإحرام واجب من أوّلها إلى آخرها، و بما أنّ الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية فلا يكاد يحصل القطع بالفراغ و حصول الامتثال خارجاً إلّا بسبق القيام على‌

______________________________
(1) في ص 175.

172
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان ج 14ص 173

[مسألة 2: هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان]

[1462] مسألة 2: هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان، الأحوط الأوّل و الأظهر الثاني [1] فلو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو في أثنائها صحت قراءته و فات محل القيام، و لا يجب استئناف القراءة لكن الأحوط الاستئناف قائماً (1).

______________________________
أوّلها آناً ما، و لحوقه بها من آخرها كذلك.

و عليه فاللازم على المأموم الصبر هنيئة حتى يقطع بوقوع تمام التكبيرة حال القيام ثم يهوي إلى الركوع، فلو وقع الراء من أكبر حال الهوي بطل.

(1) تردّد (قدس سره) في أنّ القيام حال القراءة، و كذا التسبيحات الأربع هل هو شرط فيهما كما قد يقتضيه ظواهر النصوص، أو أنّه واجب مستقل حالهما في عرض سائر الأجزاء، كما لعلّه الظاهر من كلمات الأصحاب حيث يعدّونه جزءاً مستقلا من أجزاء الصلاة، و يساعده ظاهر قوله (عليه السلام): «و قم منتصباً» في صحيحة زرارة المتقدمة «1»، ثم استظهر الثاني و جعل الأوّل أحوط.

و فرّع (قدس سره) على مختاره صحة القراءة و عدم وجوب استئنافها فيما لو قرأ جالساً نسياناً ثم تذكر بعدها أو أثناءها، إذ لا إخلال حينئذ إلّا بالقيام و أمّا القراءة فهي صحيحة قد سقط أمرها، لعدم اشتراطها بشي‌ء على الفرض و حيث فات محل القيام لسقوط الأمر بالقراءة فلا موقع لتداركه، و بما أنّ فوته مستند إلى النسيان فهو مشمول لحديث لا تعاد، و هذا بخلاف المبنى الآخر‌

______________________________
[1] بما أنّ أجزاء الصلاة ارتباطية فكل جزء منها مشروط بغيره من الأجزاء المتقدّمة و المتأخّرة و المقارنة، و عليه فالقراءة في غير حال القيام فاقدة للشرط و لو كان القيام بنفسه جزءاً، فيجب استئنافها تحصيلًا للحصة الواجبة قبل فوات محلّها.

______________________________
(1) في ص 167.

173
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 2هل القيام حال القراءة و حال التسبيحات الأربع شرط فيهما أو واجب حالهما وجهان ج 14ص 173

..........

______________________________
لبطلان القراءة حينئذ من جهة الإخلال بشرطها فلم يسقط أمرها، و حيث إنّ محلها باق لفرض التذكر قبل الدخول في الركوع وجب استئنافها.

أقول: الظاهر أنّه لا أثر لهذا النزاع، و البحث علمي بحت كما ذكرنا نظيره في القيام حال تكبيرة الإحرام، فإنّ الثمرة العملية المزبورة غير تامّة للزوم استئناف القراءة على التقديرين، أما على الشرطية فواضح كما مرّ، و أما بناءً على وجوبه حال القراءة، فلوضوح أنّ أجزاء الصلاة بأسرها ارتباطية، و مقتضى ذلك اختصاص الجزئية بصورة الانضمام بسائر الأجزاء. فالركوع مثلًا إنّما يعدّ من أجزاء الصلاة إذا كان مسبوقاً بالقراءة و ملحوقاً بالسجود، و مقارناً للستر و الاستقبال و الطهارة و نحوها، و هكذا الحال في سائر الأجزاء، فانّ فرض الارتباطية بينها يستدعي الاشتراط بأمر سابق أو لاحق أو مقارن على سبيل منع الخلو.

و عليه فالقراءة الواجبة المحسوبة من أجزاء الصلاة هي الحصّة المقارنة للقيام بعد فرض وجوبه حالها، فغير المقارن غير واجب، و القراءة الجلوسية ليست من أجزاء الصلاة للمتمكن من القيام، فلو قرأ جالساً لم يأت بعد بالجزء الواجب فيجب استئناف القراءة لعدم سقوط أمرها، فاذا استأنفها قائماً صحّت الأجزاء السابقة من التكبيرة أو الركعة أيضاً، لحصول شرطها أعني اللحوق بالقراءة المأمور بها.

و بعبارة اخرى: لا قصور في تلك الأجزاء في حدّ أنفسها، عدا عدم اتصافها بالملحوقية بالقراءة المأمور بها بمقتضى الارتباطية الملحوظة بينها، و بعد استئنافها يحصل الاتصاف لا محالة، فلا موجب لإعادتها كما توهّم. و على الجملة: لا مناص من أخذ القيام قيداً مقارناً للقراءة بمقتضى الارتباطية، سواء لوحظ شرطاً مقوّماً لها أم واجباً مستقلا حالها، فمع الإخلال به وجب استئنافها على التقديرين لعدم حصول الجزء فلا أثر عملي لهذا البحث.

174
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 3المراد من كون القيام مستحبا حال القنوت أنه يجوز تركه بتركه ج 14ص 175

[مسألة 3: المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت أنّه يجوز تركه بتركه]

[1463] مسألة 3: المراد من كون القيام مستحباً حال القنوت (1) أنّه يجوز تركه بتركه، لا أنّه يجوز الإتيان بالقنوت جالساً عمداً، لكن نقل عن بعض العلماء جواز إتيانه جالساً، و أنّ القيام مستحب فيه لا شرط، و على ما ذكرنا فلو أتى به جالساً عمداً لم يأت بوظيفة القنوت بل تبطل صلاته للزيادة [1] (2).

______________________________
(1) تقدّمت الإشارة «1» إلى أنّ إطلاق المستحب على القيام حال القنوت مبني على ضرب من التسامح و أنّه بالوجوب الشرطي أشبه، إذ ليس المراد جواز تركه حال القنوت، لعدم ثبوت مشروعية القنوت جالساً، بل المراد تركه بترك القنوت، فهو نظير الطهارة بالإضافة إلى صلاة النافلة حيث يجوز تركها بترك النافلة لا تركها حال التنفل. و هذا، أعني عدم مشروعية القنوت جالساً كأنه من المسلّمات المفروغ عنها بينهم، و أنّ القيام شرط فيه لا مستحب حاله.

و يمكن الاستدلال عليه مضافاً إلى الأخبار المتضمنة لتعيين محله و أنّه بعد القراءة و قبل الركوع، إذ لا ينسبق إلى الذهن منها الجلوس بينهما كما لا يخفى بموثقة عمار الواردة في نسيان القنوت قال (عليه السلام) فيها: «إن ذكره و قد أهوى إلى الركوع قبل أن يضع يديه على الركبتين فليرجع قائماً و ليقنت ثم ليركع ...» إلخ «2».

(2) أمّا عدم الإتيان بوظيفة القنوت فظاهر ممّا مرّ، لاختصاص الوظيفة‌

______________________________
[1] فيه إشكال بل منع.

______________________________
(1) في ص 172.

(2) الوسائل 6: 286/ أبواب القنوت ب 15 ح 2.

175
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 4لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حد الركوع صحت صلاته ج 14ص 176

[مسألة 4: لو نسي القيام حال القراءة و تذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته]

[1464] مسألة 4: لو نسي القيام حال القراءة (1) و تذكر بعد الوصول إلى حدّ الركوع صحت صلاته، و لو تذكر قبله فالأحوط الاستئناف على ما مرّ [1].

______________________________
بحال القيام و عدم ثبوت مشروعيته جالساً، بل قد يكون مرتكباً للحرام إذا قصد به التشريع كما لا يخفى.

و أمّا بطلان الصلاة بذلك من جهة الزيادة ففيه إشكال، بل منع، لاختصاص الزيادة المبطلة بإدخال شي‌ء في الصلاة بقصد الجزئية و لم يكن مأموراً به، و حيث إنّ القنوت لم يقصد به الجزئية أبداً، حتى القنوت المأمور به الواقع حال القيام لما تقدّم من المنافاة بين الجزئية و الاستحباب، فلا يكاد يتصف القنوت المزبور بالزيادة، بل غايته أنّه عمل عبث واقع أثناء الصلاة، و مثله لا يقتضي البطلان ما لم يستلزمه من ناحية أُخرى كالفصل الطويل الماحي للصورة و نحو ذلك.

(1) بأن قرأ جالساً، فان تذكره بعد الدخول في الركوع و الوصول إلى حدّه صحت صلاته، لتجاوز محل التدارك بالدخول في الركن، إذ التدارك حينئذ يستلزم زيادة الركن المبطلة.

و إن كان التذكر قبله، فقد ذكر في المتن أنّ الأحوط الاستئناف، لكنه ظهر ممّا مرّ أنّ الأقوى ذلك، لما عرفت من أنّ القراءة الواجبة هي الحصة المقارنة للقيام بمقتضى فرض الارتباطية، فغير المقارن لا يكون مصداقاً للواجب، و حيث أنّه أخلّ به و المحل باق وجب التدارك.

______________________________
[1] بل الأظهر ذلك كما مرّ.

176
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 5لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحت صلاته ج 14ص 177

[مسألة 5: لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحّت صلاته]

[1465] مسألة 5: لو نسي القراءة أو بعضها و تذكر بعد الركوع صحّت صلاته إن ركع عن قيام، فليس المراد من كون القيام المتصل بالركوع ركناً أن يكون بعد تمام القراءة (1).

[مسألة 6: إذا زاد القيام، كما لو قام في محل القعود سهواً لا تبطل صلاته]

[1466] مسألة 6: إذا زاد القيام، كما لو قام في محل القعود سهواً لا تبطل صلاته، و كذا إذا زاد القيام حال القراءة بأن زاد القراءة سهواً، و أمّا زيادة القيام الركني فغير متصورة من دون زيادة ركن آخر، فانّ القيام حال تكبيرة الإحرام لا يزاد إلّا بزيادتها، و كذا القيام المتصل بالركوع لا يزاد إلّا بزيادته، و إلّا فلو نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع و تذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع و أتى بما نسي ثم ركع و صحت صلاته، و لا يكون القيام السابق على الهوي الأول متصلًا بالركوع حتى يلزم زيادته إذ لم يتحقق الركوع بعده فلم يكن متصلًا به، و كذا إذا انحنى للركوع فتذكر قبل أن يصل إلى حده أنّه أتى به، فإنّه يجلس للسجدة و لا يكون قيامه قبل الانحناء متصلًا بالركوع ليلزم الزيادة (2).

______________________________
(1) بل المراد القيام آناً ما قبل الركوع بحيث يركع عن قيام، سواء أ كان بعد تمام القراءة أو في أثنائها أم بدونها كما هو واضح.

(2) قد تفرض الزيادة في القيام غير الواجب، و أُخرى في الواجب غير الركن و ثالثة في القيام الركني.

أمّا الأوّل: كما لو قام في محل القعود سهواً، فلا إشكال في عدم البطلان لعدم قصد الجزئية بعد فرض عدم الوجوب، و لا تتحقق الزيادة إلّا بقصدها كما مرّ، و في وجوب سجدة السهو عليه حينئذ كلام يأتي في محله «1»، بل لا يبعد‌

______________________________
(1) العروة الوثقى 1: 635 بعد المسألة [2102]، السادس.

177
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

[مسألة 7: إذا شكّ في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده]

[1467] مسألة 7: إذا شكّ في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده (1)،

______________________________
الجواز حتى مع العمد، كما لو قام لغاية أُخرى ما لم يستلزم البطلان من جهة أُخرى كالفصل الطويل الماحي للصورة.

و أمّا الثاني: فكالقيام حال القراءة، و القيام بعد الركوع، و الأوّل لا تتصوّر الزيادة فيه إلّا بزيادة القراءة، إذ الواجب إنما هي الحصة المقارنة للقراءة جزءاً أو شرطاً على الخلاف المتقدِّم التي لا تتكرر إلّا بتكرر نفس القراءة، و مثله أيضاً لا يوجب البطلان إذا كان سهواً، عملًا بحديث لا تعاد. و كذا الحال في الثاني، كما لو اعتقد عند الهويّ إلى السجود عدم القيام بعد الركوع، فقام ثم تذكر الإتيان، فإنّ هذه الزيادة أيضاً غير مبطلة لما عرفت من الحديث.

و أمّا الثالث: فكالقيام حال تكبيرة الإحرام، و القيام المتصل بالركوع، و هما أيضاً لا تتصور الزيادة فيهما إلّا بزيادة التكبير أو الركوع، فيحكم بالبطلان في الثاني بلا إشكال، و في الأوّل على المشهور دون المختار من عدم البطلان بزيادة التكبيرة سهواً.

و كيف كان، فلو نسي القراءة أو بعضها فهوى للركوع و تذكر قبل أن يصل إلى حدّ الركوع رجع و أتى بما نسي ثم ركع و صحت صلاته، إذ لا يكون القيام السابق متصلًا بالركوع حتى تلزم الزيادة.

و مثله ما لو انحنى إلى الركوع باعتقاد عدم الإتيان به و قبل أن يصل إلى حدّه تذكّر أنّه فعله، فإنّه يهوي حينئذ للسجود، و لا يكون قيامه السابق على الانحناء متّصلًا بالركوع لتلزم الزيادة، لعدم تعقبه به كما هو واضح.

(1) غير خفي أنّ مرجع الشك حينئذ إلى الشك في صحة التكبيرة، سواء أقلنا بأنّ القيام شرط فيها أم بنينا على أنّه واجب حالها و ركن مستقل في‌

178
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

أو في القيام المتصل بالركوع بعد الوصول إلى حدّه [1] (1) أو في القيام بعد الركوع بعد الهويّ إلى السجود و لو قبل الدخول [2] فيه (2) لم يعتن به و بنى على الإتيان.

______________________________
عرضها، أمّا على الأوّل فواضح، و كذا على الثاني، بناءً على ما عرفت من أنّ فرض الارتباطية بين الأجزاء يستدعي فرض اشتراط بعضها ببعض على نحو الشرط المتقدم أو المتأخر أو المقارن على سبيل منع الخلو، فالتكبيرة الصحيحة هي الحصة المقارنة للقيام.

و عليه فالشك في المقام مجرى لقاعدة الفراغ دون التجاوز، و قد مرّ قريباً عدم اعتبار الدخول في الغير في جريانها، فالشك المزبور لا يعتنى به، سواء أ كان ذلك بعد الدخول فيما بعد التكبير أم قبله.

(1) قد عرفت أنّ القيام المتصل بالركوع لا دليل على اعتباره عدا دخله في تحقق الركوع و تقوّمه به من جهة اعتبار الانحناء عن القيام في ماهية الركوع و إلّا فليس هذا القيام واجباً مستقلا برأسه، و عليه فمرجع الشك المزبور إلى تحقق الركوع و عدمه، و أنّ هذه الهيئة الخاصة هل كانت عن قيام كي تتصف بالركوع أو عن جلوس كي لا تتصف به و إنما هي على صورة الركوع و شكله، و حيث إنّ الشك في المحل وجب الاعتناء به، لقاعدة الشك في المحل. مضافاً إلى الاستصحاب فيجب تدارك القيام ثم الركوع بعده، و إن كان الأحوط الإتمام ثم الإعادة.

(2) أمّا إذا كان الشك فيه بعد الدخول في السجود فلا إشكال في عدم الاعتناء لقاعدة التجاوز الجارية في المقام بلا كلام. و أمّا إذا كان في حالة الهوي قبل‌

______________________________
[1] إذا لم يعلم كون الهيئة الخاصة عن قيام لم يحرز كونها ركوعاً، و معه لم يحرز الدخول في الغير، و عليه فالأحوط الرجوع إلى القيام ثم الركوع و إتمام الصلاة ثم الإعادة.

[2] الأظهر في هذا الفرض وجوب العود إلى القيام.

179
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
الدخول في السجود، فان بنينا على أنّ المراد من القيام الواجب بعد الركوع خصوص المتصل به من غير تخلل الفصل، بأن يتعقب الركوع بالقيام من دون أن يفصل بينهما بشي‌ء، فلا إشكال أيضاً في عدم الاعتناء، لعدم إمكان التدارك بعد فرض تخلل الفصل بالهوي إلى السجود، بل الأمر كذلك حتى لو تذكر حينئذ تركه فضلًا عن الشك فيه، لما عرفت من مضي محل التدارك، فإنّه لا يمكن إلّا بإعادة الركوع المستلزم لزيادة الركن.

و أمّا إذا بنينا على أنّ المراد به مطلق القيام، سواء أ كان موصولًا أم مفصولًا فيبتني عدم الاعتناء على جريان قاعدة التجاوز عند الدخول في مقدمات الأجزاء إذ لا ريب أنّ الهوي مقدّمة للسجود، و ليس واجباً مستقلا برأسه، فبناءً على تعميم الغير الذي يعتبر الدخول فيه في جريان القاعدة للمقدمات، كما يظهر من المتن و لعله المشهور، يحكم بجريان القاعدة في المقام، و كذا لو شكّ في السجود عند النهوض إلى القيام. و أمّا بناءً على الاختصاص بالدخول في الأجزاء نفسها كما هو الأقوى على ما ستعرف فلا تجري، بل لا بدّ من الاعتناء، لكونه من الشك في المحل.

و قد استدلّ للتعميم تارة: بإطلاقات الأدلة، مثل قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شي‌ء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشي‌ء» «1» فانّ الغير صادق على المقدمة أيضاً.

و أُخرى: بصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع، قال: قد ركع» «2» فإنّها صريحة في عدم الاعتناء بالشك عند الدخول في الهوي.

______________________________
(1) الوسائل 8: 237/ أبواب الخلل ب 23 ح 1.

(2) الوسائل 6: 318/ أبواب الركوع ب 13 ح 6.

180
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
و يندفع الأوّل: بأنّ الإطلاق المذكور مسبوق بأمثلة ذكرت في صدر الصحيحة كلّها من قبيل الشك في الشي‌ء بعد الدخول في جزء واجب مستقل كالشك في التكبيرة بعد الدخول في القراءة، و فيها بعد الدخول في الركوع، و فيه بعد الدخول في السجود، و من الجائز أن يراد من الضابط المذكور في الذيل ما يكون من سنخ هذه الأمثلة فلا ينعقد الإطلاق لما يشمل الدخول في المقدمات من جهة احتفاف الكلام بما يصلح للقرينيّة «1» الموجب للإجمال، لو لم نقل بالظهور في الخلاف من أجل تلك القرينة كما لا يخفى.

هذا، مع أنّه يمكن استفادة عدم كفاية الدخول في المقدّمات من جملة من النصوص، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالشك في الركوع فيما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود، الظاهر في لزوم الاعتناء قبله، و لو كان في حال الهوي.

و التقييد المزبور و إن كان واقعاً في كلام السائل في جملة منها، كصحيحة حماد ابن عثمان قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السلام): أشك و أنا ساجد فلا أدري ركعت أم لا، قال: امض»، و نحوها صحيحته الأُخرى، و صحيحة ابن مسلم «2» و غيرها فلا يمكن الاستدلال بها، اللّٰهمّ إلّا من حيث إشعارها في مفروغية الحكم أعني لزوم الاعتناء بالشك لو كان قبل الدخول في السجود و لو في حال الهوي لدى الرواة و السائلين، و من هنا قيّدوه بالدخول في السجود، و قد أقرّهم الإمام (عليه السلام) على ما هو المغروس في أذهانهم.

إلّا أنّ بعض تلك النصوص قد تضمّن التصريح بالتقييد في كلام الإمام (عليه السلام) نفسه، كصحيحة إسماعيل بن جابر قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض، و إن شكّ في السجود بعد ما‌

______________________________
(1) مضافاً إلى وجه آخر تعرّض (دام ظله) له في مباحث الخلل في شرح المسألة [2030].

(2) الوسائل 6: 317/ أبواب الركوع ب 13 ح 1، 2، 5.

181
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
قام فليمض، كل شي‌ء شكّ فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» «1» و تقريب الاستدلال بها على عدم كفاية الدخول في الهوي من وجهين:

أحدهما: من ناحية المفهوم، لا من حيث مفهوم الشرط، ضرورة أنّ مفهوم القضية الشرطية عدم الشك في الركوع بعد ما سجد، لا الشك في الركوع قبل أن يسجد الذي هو المطلوب كما لا يخفى، بل من حيث مفهوم الوصف، حيث قيّد عدم الاعتناء بالشك في الركوع بما إذا كان ذلك بعد الدخول في السجود و قد ذكرنا في الأُصول «2» أنّ الوصف و إن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح أعني العلية المنحصرة المساوقة للانتفاء عند الانتفاء، لكنّها تدل على أصل العلية أعني عدم كون الطبيعة على إطلاقها و سريانها موضوعاً للحكم، و إلّا كان التقييد بالوصف لغواً محضاً، فالتقييد في المقام يدل على أنّ طبيعي الشك في الركوع أينما سرى و حيثما تحقق و لو كان في حال الهوي ليس موضوعاً لعدم الاعتناء «3» و إلّا كان التقييد بما بعد السجود لغواً و هذا هو المطلوب فتدبّر جيداً.

ثانيهما: قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيحة: «كل شي‌ء شك فيه ممّا قد جاوزه و دخل في غيره فليمض عليه» حيث طبّق (عليه السلام) هذه الكبرى على ما ذكره في الصدر، من الشك في الركوع بعد ما سجد، و الشك في السجود‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 317/ أبواب الركوع ب 13 ح 4.

(2) محاضرات في أُصول الفقه 5: 133.

(3) نعم، لم يكن الطبيعي موضوعاً، لكن يكفي في صدقه لزوم الاعتناء لو كان الشك قبل الهوي، و أمّا بعده فلا يدل المفهوم عليه. و بعبارة اخرى: الشك في الركوع تارةً يكون قبل الهوي، و أُخرى حاله، و ثالثة بعد الدخول في السجود، و التقييد بالسجود لا يكشف إلا عن عدم كون طبيعي الشك موضوعاً للحكم بالمضي، و أمّا أنّ الشك حال الهوي هل هو ملحق بالشك حال السجود أو بالشك قبل الهوي، فالرواية ساكتة و المفهوم لا يعيّن ذلك بوجه.

182
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 7إذا شك في القيام حال التكبير بعد الدخول فيما بعده ج 14ص 178

..........

______________________________
بعد ما قام، حيث يظهر أنّ المراد من الغير هو السجود و القيام، لا الهوي و النهوض و إلّا كان التطبيق عليهما مع سبقهما أولى كما لا يخفى، بل يكون هذا شاهداً على أنّ المراد بهذه الكلية المذكورة في غير هذه الصحيحة كصحيحة زرارة المتقدمة «1» أيضاً ذلك.

و على الجملة: فالاستدلال بالإطلاق في غير محلّه، سيّما بعد ملاحظة هذه الصحيحة.

و يندفع الثاني: بابتنائه على أن يكون المراد من كلمة «أهوى» حالة الهوي و ليس كذلك، فإنّها لغة بمعنى السقوط إلى الأرض المساوق للدخول في السجود. نعم، لو كانت الكلمة بصيغة المضارع «يهوي» بدل الماضي تمّ الاستدلال لظهورها في الاشتغال بحالة الهوي، و هذا نظير قولك: صلى زيد أو يصلي، فإنّ الأوّل ظاهر في تحقّق الصلاة منه، و الثاني في الاشتغال بها.

و مع الغض و التسليم، فغايته إطلاق الصحيحة، و أنّ قوله (عليه السلام): «أهوى إلى السجود» يشمل حالتي الدخول في السجود و عدمه، فيقيّد الإطلاق بمقتضى صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة «2»، حيث قيّد فيها عدم الاعتناء بالدخول في السجود بأحد التقريبين.

و المتحصل من جميع ما ذكرناه: عدم كفاية الدخول في المقدمات من الهوي و النهوض في جريان قاعدة التجاوز، و عليه فلو شكّ في الركوع، أو في القيام بعد الركوع عند الهوي إلى السجود قبل الدخول فيه، وجب عليه الاعتناء و التدارك لقاعدة الشك في المحل، مضافاً إلى الاستصحاب.

______________________________
(1) في ص 180.

(2) في ص 181.

183
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

[مسألة 8: يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار]

[1468] مسألة 8: يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار [1] و الاستقلال [2] (1) حال الاختيار، فلو انحنى قليلًا، أو مال إلى أحد الجانبين بطل، و كذا إذا لم يكن مستقرّاً، أو كان مستنداً على شي‌ء من إنسان أو جدار أو خشبة أو نحوها.

______________________________
(1) أمّا الأوّلان، فقد مرّ الكلام حولهما في مبحث التكبير في المسألة الرابعة إذ لا فرق بين القيام المعتبر في التكبير و بين غيره فيما له من الأحكام، و عرفت وجوب الأوّل بالروايات الخاصة التي منها قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة «و قم منتصباً ...» إلخ «1». و كذا الثاني بمقتضى الإجماع، و إلّا فالأدلة اللفظية قاصرة عن إثباته، و منه تعرف أنّ اعتباره أي الاستقرار في القيام المتصل بالركوع محل إشكال بل منع، لما تقدّم «2» من عدم وجوبه في نفسه، و إنّما يعتبر من أجل تقوّم الركوع به و دخله في تحققه، و ظاهر معقد الإجماع اختصاصه بالقيام الواجب في نفسه لا أقل من الشك، و حيث إنّه دليل لبي فلا إطلاق له بحيث يشمل مثل هذا القيام، و من الواضح أنّ الذي يتقوّم به الركوع إنّما هو جامع القيام، سواء تضمّن الاستقرار أم لا.

و أمّا الاستقلال في القيام و عدم الاعتماد على شي‌ء بحيث لو أُزيل لسقط فالمشهور اعتباره في حال الاختيار، بل عليه دعوى الإجماع في كثير من الكلمات و خالف فيه أبو الصلاح «3» من القدماء، و جملة من المتأخرين، و هو الأقوى.

______________________________
[1] اعتباره في القيام المتصل بالركوع لا يخلو من إشكال بل منع.

[2] على الأحوط، و جواز الاستناد على كراهة لا يخلو من قوّة.

______________________________
(1) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

(2) في ص 168.

(3) الكافي في الفقه: 125.

184
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
و يستدل للاعتبار بوجوه:

الأوّل: الإجماع. و فيه: أنّ المحصّل منه غير حاصل، و المنقول غير مقبول. مضافاً إلى عدم كونه إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السلام) للقطع باستناد المجمعين إلى الوجوه الآتية أو بعضها و لا أقل من احتماله.

الثاني: اعتباره في مفهوم القيام كما نصّ عليه جمع من الأعلام. و فيه: ما لا يخفى، ضرورة أنّ القيام عبارة عن نفس الهيئة الخاصة التي هي حالة من الحالات قبال سائر الهيئات من القعود و الاضطجاع و نحوهما، و لا يعتبر في تحققها الاستقلال و عدم الاعتماد جزماً.

الثالث: دعوى الانصراف إليه و إن لم يؤخذ في مفهومه. و هي ممنوعة و عهدتها على مدّعيها.

الرابع: أنّه المعهود من النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و الأئمة (عليهم السلام) فيجب الاقتصار عليه تأسِّياً لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم): «صلّوا كما رأيتموني أُصلي» «1» و قد يقرّر هذا بقاعدة الشغل، فانّ القطع بالفراغ عن التكليف المعلوم لا يحصل إلّا بالقيام مستقلا.

و فيه: أنّ الصادر عنهم (عليهم السلام) و إن كان كذلك يقيناً، إلّا أنّ الفعل لمكان إجماله لا يدل إلّا على أصل المشروعية دون الوجوب الذي هو المطلوب و إثباته بالنبوي المذكور ممنوع، إذ مضافاً إلى ضعف سنده كما تقدّم «2» سابقاً لعدم روايته إلّا عن طرق العامّة، قاصر الدلالة، لعدم وجوب رعاية جميع الخصوصيات التي تضمّنتها صلاته (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) بلا إشكال و لا تعيّن لبعضها فيوجب الإجمال.

______________________________
(1) عوالي اللآلي 1: 198، السنن الكبرى 2: 345.

(2) في ص 100.

185
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
و صحيحة حماد «1» و إن تضمّن ذيلها الأمر بقوله (عليه السلام) «يا حماد هكذا فصلّ»، إلّا أنّها خالية عن ذكر الاستقلال، فانّا و إن كنا نقطع بكونه (عليه السلام) مستقلا غير معتمد على شي‌ء في الصلاة التي صلاها تعليماً، إلّا أنّه لم يكن شيئاً مفروغاً عنه بين الإمام (عليه السلام) و حماد بحيث يكون ملحوظاً في مقام التعليم، و إلّا كان الأحرى التعرض فيها كما لا يخفى.

و منه تعرف أنّ قاعدة الشغل لا مسرح لها بعد إطلاق الأدلّة، مع أنّ مقتضى الأصل هي البراءة في أمثال المقام دون الاشتغال كما هو ظاهر.

فتحصل: أنّ هذه الوجوه كلّها ساقطة، و العمدة في المقام روايتان معتبرتان:

إحداهما: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا تمسك بخمرك و أنت تصلي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي إلّا أن تكون مريضاً» «2» هكذا في الوسائل، و الموجود في نسخ الحدائق غير الطبعة الجديدة و كذا في الذخيرة «3» «لا تستند» بدل «لا تمسك» و المعنى واحد. و كيف كان فالخمر بالفتح و التحريك-: ما واراك من شجر و غيرها، و الدلالة ظاهرة.

الثانية: موثقة ابن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط، فقال: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد» «4» و التعبير عنها بالخبر في بعض الكلمات المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى، و الدلالة أيضاً ظاهرة كسابقتها.

لكن بإزائها عدة روايات فيها الصحيح و الموثق دلت على الجواز صريحاً‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) الذخيرة: 261 السطر 4.

(4) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

186
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
كصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد و هو يصلي، أو يضع يده على الحائط و هو قائم من غير مرض و لا علة؟ فقال: لا بأس. و عن الرجل يكون في صلاة فريضة فيقوم في الركعتين الأولتين هل يصلح له أن يتناول جانب المسجد فينهض يستعين به على القيام من غير ضعف و لا علة؟ فقال: لا بأس به» «1».

و موثق ابن بكير «عن الرجل يصلي متوكئاً على عصا أو على حائط، قال: لا بأس بالتوكأ على عصا، و الاتكاء على الحائط» «2» و نحوهما غيرهما.

هذا، و مقتضى الجمع العرفي بينهما الحمل على الكراهة، لصراحة الطائفة الثانية في الجواز، فيرفع اليد بها عن ظهور الطائفة الاولى في المنع و تحمل على الكراهة.

لكن الأصحاب جمعوا بينهما بحمل الطائفة الأُولى على الاتكاء و الاستناد المشتمل على الاعتماد، بحيث لو أُزيل السناد لسقط، و الثانية على مجرّد الاستناد العاري عن الاعتماد.

و هذا كما ترى من أردأ أنحاء الجمع، فإنّه تبرّعي لا شاهد عليه، إذ الموضوع فيهما واحد و هو الاتكاء أو الاستناد، فكيف يحمل في إحداهما على ما تضمن الاعتماد و في الأُخرى على ما تجرّد عنه مع فقد ما يشهد بهذا الجمع.

بل ذكر في الحدائق «3» أنّ الاتكاء قد اعتبر في مفهومه الاعتماد لغة، و عليه فيسقط هذا الجمع من أصله كما لا يخفى.

و عن صاحب الجواهر (قدس سره) حمل الطائفة الثانية على التقية لموافقتها‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 499/ أبواب القيام ب 10 ح 1.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 4.

(3) الحدائق 8: 62.

187
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
للعامة «1»، فلا مجال للأخذ بها، سيّما و قد أعرض الأصحاب عنها المسقط لها عن الحجية.

و فيه: أنّ الحمل على التقية فرع استقرار المعارضة، و لا تعارض بعد إمكان الجمع الدلالي بالحمل على الكراهة كما عرفت، فلا تصل النوبة إلى الترجيح بالجهة بعد وجود الجمع العرفي.

و أمّا الإعراض فمضافاً إلى منع الكبرى، لعدم قدحه في الحجية كما حققناه في الأُصول «2»، لا صغرى له في المقام، ضرورة اعتناء الأصحاب بهذه الطائفة كما يفصح عنه تصديهم لعلاج المعارضة إمّا بالحمل على الاستناد العاري عن الاعتماد كما مرّ، أو بجعل عمل المشهور على طبق الاولى مرجّحاً لها عليها.

و الحاصل: أنّ الإعراض القادح في الحجية هو الكاشف عن بناء الأصحاب على خلل في السند و قصور في الصدور، و لذا قيل إنّه كلما ازداد صحة ازداد بالإعراض بعداً، و هذا غير محتمل في المقام بعد ما عرفت من الاعتناء المزبور الذي يظهر منه عدم غمز في السند و المفروغية عن صحته.

و قد تحصّل: أنّ الأقوى عدم اعتبار الاستقلال، و جواز الاستناد على كراهة و إن كان الأحوط ذلك حذراً عن مخالفة المشهور.

ثم على تقدير تسليم اعتباره في القيام، فهل يعتبر ذلك في النهوض أيضاً فلا تجوز له الاستعانة حاله؟

ربما يقال بذلك أخذاً بإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان المتقدمة «3»: «لا تمسك بخمرك و أنت تصلي» بدعوى أنّ قوله (عليه السلام) و أنت تصلي شامل للنهوض أيضاً.

______________________________
(1) الجواهر 9: 248.

(2) مصباح الأُصول 2: 241.

(3) في ص 186.

188
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

نعم، لا بأس بشي‌ء منها حال الاضطرار (1)

______________________________
و فيه أوّلًا: أنّ الصلاة اسم لمجموع الأجزاء خاصة، دون المركب منها و من المقدمات، و النهوض مقدّمة للجزء و ليس منه، فليس من الصلاة، فلا تشمله الصحيحة الظاهرة في اعتبار الاستقلال في الصلاة نفسها.

و ثانياً: لو سلّم الإطلاق، فهو مقيّد بصحيحة علي بن جعفر المتقدمة «1» حيث تضمّن ذيلها التصريح بجواز الاستعانة حال النهوض، فانّ الإعراض على تقدير تسليم قدحه غير متحقق بالنسبة إلى هذه الفقرة جزماً، لاختصاص الشهرة باعتبار الاستقلال في القيام دون النهوض.

(1) بناءً على اعتبار الاستقلال في القيام و قد عرفت منعه فلا ريب في اختصاصه بحال الاختيار، فيسقط اعتباره لدى الاضطرار بلا خلاف و لا إشكال، و قد قام عليه الإجماع، و تسالمت عليه كلمات الأصحاب من غير نكير.

و هل السقوط حينئذ على طبق القاعدة أو لا؟ يختلف ذلك باختلاف مدارك اعتباره، فان كان المستند فيه دخل الاستقلال في مفهوم القيام، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوطه رأساً و الانتقال إلى الجلوس، شأن كل عاجز عن القيام على ما تقتضيه الآية و الروايات كما سبق، فتحتاج كفاية القيام غير الاستقلالي إلى الدليل، فانّ الاجتزاء به على خلاف القاعدة.

و بالجملة: بناءً على هذا المبنى تلزمه الصلاة جالساً، و لا يكتفى بالقيام من غير استقلال، لعدم كونه من القيام و لا القعود على الفرض. مع أنّ المتسالم عليه الاكتفاء به كما مرّ، و إن كان المستند انصراف الأدلّة إلى القيام الاستقلالي فالحكم على طبق القاعدة، إذ الانصراف على تقدير تسليمه مختص بحال الاختيار‌

______________________________
(1) في ص 187.

189
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

و كذا يعتبر فيه عدم التفريج بين الرجلين فاحشاً (1) بحيث يخرج عن صدق القيام، و أمّا إذا كان بغير الفاحش فلا بأس.

______________________________
ففي غيره يتمسك بإطلاقات القيام بعد صدقه على العاري عن الاستقلال حسب الفرض.

و كذا الحال لو كان المستند الأخبار الخاصة المتقدمة، إذ الظاهر منها اعتبار الاستقلال شرطاً مستقلا ملحوظاً في القيام الواجب، و هذا يقتضي الاختصاص بحال الاختيار، إذ العجز عنه «1» لا يستوجب سقوط أصل القيام، فانّ الضرورات تقدّر بقدرها، هذا.

و على جميع المباني و التقادير فالمستفاد من نفس النصوص سقوط اعتباره لدى العجز لقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن سنان المتقدمة «2»، «إلّا أن تكون مريضاً» إذ المراد به بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع المريض العاجز عن الاستقلال و كذا قوله (عليه السلام) في موثقة ابن بكير «3» «ما بلغ أبوك هذا بعد» الظاهر في أنّ أباه (بكير) لو بلغ هذا الحد بحيث عجز عن القيام مستقلا جاز له القيام الاتكائي.

(1) أمّا التفريج الفاحش المخل بصدق القيام فلا إشكال في عدم جوازه لمنافاته مع القيام الواجب، و أمّا غير الفاحش، أو الفاحش غير المخل بحيث‌

______________________________
(1) العجز من الشرط عجز من المشروط فيسقط التكليف به لا محالة، و تعلق تكليف آخر بالفاقد يحتاج إلى دليل، و لا يثبته حديث الرفع كما لا يخفى، كما لا يعيّنه دليل عدم سقوط الصلاة بحال، لاحتمال كون الوظيفة هو الجلوس، نعم تعيّنه نصوص الباب الخاصة، فهي العمدة.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

190
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
صدق معه القيام، فالمشهور هو الجواز تمسكاً بإطلاقات أدلة القيام، لكن عن المفيد في المقنعة «1»، و الصدوق في المقنع «2»، و مال إليه في الحدائق «3» عدم التباعد بين الرجلين أزيد من الشبر.

و استندوا في ذلك إلى صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: إذا قمت إلى الصلاة فلا تلصق قدمك بالأُخرى، و دع بينهما فصلًا إصبعاً أقل ذلك إلى شبر أكثره ...» إلخ «4» هكذا رواها في الوسائل في أبواب القيام، و هو المطابق للكافي و الحدائق «5»، و رواها أيضاً في الوسائل في أبواب أفعال الصلاة «6» لكن بزيادة كلمة «من» بين لفظي «أقل» و «ذلك» فنقلها هكذا «إصبعاً أقل من ذلك إلى شبر أكثره» و هو الموافق للتهذيب الطبعة القديمة، و أمّا الجديدة، فموافقة للأُولى «7».

لكن الصحيح هي العبارة الأُولى، لعدم استقامة المعنى على الثانية كما لا يخفى. هذا، و قد حمل شيخنا البهائي (قدس سره) «8» الإصبع المذكور في هذه الصحيحة على الطول كي يطابق التحديد بثلاثة أصابع مفرّجات، المذكور في صحيحة حماد «9» و لا يخفى بعده فانّ المتداول في التحديد بالإصبع إرادة العرض دون الطول.

______________________________
(1) لاحظ المقنعة: 104.

(2) لاحظ المقنع: 76.

(3) الحدائق 8: 65.

(4) الوسائل 5: 511/ أبواب القيام ب 17 ح 2.

(5) الكافي 3: 334/ 1، الحدائق 8: 3.

(6) الوسائل 5: 461/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 3. [و لكن زيادة «من» توجد في الطبعة المصححة بتصحيح الشيخ عبد الرحيم الرباني].

(7) التهذيب 2: 83/ 308.

(8) الحبل المتين: 212.

(9) الوسائل 5: 459/ أبواب أفعال الصلاة ب 1 ح 1.

191
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

و الأحوط الوقوف على القدمين دون الأصابع و أصل القدمين، و إن كان الأقوى كفايتهما أيضاً، بل لا يبعد إجزاء الوقوف على الواحدة (1).

______________________________
و كيف كان، فهذه الصحيحة و إن كان ظاهرها عدم جواز التفريج أكثر من الشبر كما ذكره أُولئك الأعلام، لكنه لا يمكن الأخذ به، أمّا أوّلًا: فلأنّها مشتملة على ذكر عدة من الآداب و المستحبات، و وحدة السياق تشهد بإرادة الندب من الجميع، إذ يبعد جدّاً إرادة الوجوب من هذه الخصوصية و الاستحباب من جميع ما عداها، فلاحظ.

و أمّا ثانياً: و هو العمدة، أنّا لا نحتمل الوجوب في مثل هذه المسألة العامة البلوى الكثيرة الدوران، إذ لو كان لبان و شاع و ذاع و كان من الواضحات، كيف و قد ذهب المشهور إلى خلافه، و لم ينسب الوجوب إلّا إلى المفيد و الصدوق، مع أنّ التفريج أمر متعارف في الصلاة، سيّما في السمين و البدين الذي يتحقق التباعد بين رجليه غالباً أزيد من الشبر بكثير، و لو كان معتبراً لأُشير إليه في الأخبار أكثر من ذلك، فلا محيص من الحمل على الاستحباب.

(1) ينبغي التكلم في جهات:

الاولى: أنّه لو وقف على القدمين، إمّا لاختياره ذلك، أو لوجوبه على القول به كما ستعرف، فهل يجب تسوية الرجلين في الاعتماد أو لا؟ و قد تعرّض الماتن لهذه الجهة مستقلا في المسألة الحادية عشرة الآتية، و نحن نقدّمها لمناسبتها مع المقام.

الثانية: في أنّه هل يعتبر الوقوف على تمام القدمين، أو يكفي بعضها من الأصابع أو أصلهما.

الثالثة: في أنّه هل يجزي الوقوف على الواحدة، أو يعتبر على القدمين معاً.

192
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
أمّا الجهة الأُولى: فيقع الكلام تارة في التسوية في مرتبة الاعتماد و أُخرى في أصله.

إمّا التسوية من حيث المرتبة، بأن لا يكون الثقل على إحدى الرجلين أكثر من الأُخرى، فربما ينسب كما في الجواهر «1» إلى جمع لزوم مراعاتها، استناداً إلى الأصل و دليل التأسي من قوله (صلى اللّٰه عليه و آله): «صلّوا كما رأيتموني أُصلي» «2» و بأنه المتبادر من الأمر بالقيام، و بعدم الاستقرار بدونها.

و الكل كما ترى، فان مقتضى الأصل هو البراءة، بناءً على ما هو الحق من الرجوع إليها في الأقل و الأكثر الارتباطي. و دليل التأسي مضافاً إلى منعه كبروياً لما تقدّم «3» من النقاش في الحديث سنداً و دلالة لا صغرى له في المقام، إذ لم تثبت رعاية هذه الكيفية في صلاته (صلّى اللّٰه عليه و آله) لو لم ندّع القطع بعدم تقيده (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) بذلك كما لا يخفى. و التبادر ممنوع جدّاً، فإنه على تقديره بدوي لا اعتبار به. و مثله دعوى توقف الاستقرار على ذلك، بداهة إمكان حصوله و لو بدون التسوية كما هو ظاهر، و عليه فإطلاق أدلة القيام هو المحكّم.

و يؤيده: صحيح محمد بن أبي حمزة عن أبيه قال: «رأيت علي بن الحسين (عليه السلام) في فناء الكعبة في الليل و هو يصلي فأطال القيام حتى جعل يتوكّأ مرّة على رجله اليمنى، و مرّة على رجله اليسرى ...» إلخ «4» و ظاهره و إن كان هو النافلة التي يجوز فيها ترك القيام حتى اختياراً، إلّا أنّ المنسبق منه و لو‌

______________________________
(1) الجواهر 9: 251.

(2) عوالي اللآلي 1: 198، السنن الكبرى 2: 345.

(3) في ص 100، 185.

(4) الوسائل 5: 490/ أبواب القيام ب 3 ح 1.

193
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
بضميمة أصالة الاشتراك «1» الثابتة بين الفريضة و النافلة في الأحكام، جواز مثل ذلك في الفريضة أيضاً، و التعبير عنه بالخبر كما في مصباح الفقيه «2» المشعر بالضعف في غير محله كما لا يخفى. و كيف كان، فالعمدة هي المطلقات كما عرفت.

و أمّا التسوية في أصل الاعتماد، بأن لا يكون تمام ثقله على إحدى الرجلين بحيث لا يصدر من الأُخرى سوى مماسّة الأرض من دون مشاركتها للأُولى في حمل الثقل فقد اعتبرها في الجواهر «3» مصرّحاً بإلحاق مثل ذلك برفع إحدى الرجلين بالكلية القادح في الصحة. و ما ذكره (قدس سره) من الإلحاق وجيه ضرورة عدم صدق الوقوف مع مجرد المماسّة، إذ الوقوف على الشي‌ء متقوّم بنحو من الاعتماد و الاتكاء، فهو في حكم الواقف على إحداهما، إلّا أنّ مثل ذلك غير ضائر بالصحة كما ستعرف، فالحكم في المقيس كالمقيس عليه هو الجواز.

و أمّا الجهة الثانية: فقد يقال كما في الجواهر: بوجوب الوقوف على تمام القدمين، و عدم الاكتفاء بالبعض من الأصابع أو الأُصول، استناداً إلى الأصل و دليل التأسي، و التبادر، و عدم الاستقرار بدون ذلك.

و في الجميع ما لا يخفى، فانّ مقتضى الأصل هو البراءة كما مرّ، مع أنّه لا مجال له بعد إطلاق الدليل. و أمّا التأسي فلأنّ الصادر منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) و إن كان كذلك جزماً، فالصغرى مسلّمة، لكن الكبرى ممنوعة كما تقدّم. و التبادر في غاية المنع، إذ لا يعتبر في حقيقة القيام التي هي هيئة مخصوصة في مقابل الجلوس كيفية خاصة قطعاً، و كذا الاستقرار، إذ لا تلازم بين الوقوف‌

______________________________
(1) هذا الأصل لا أصل له كما سيأتي في مطاوي المسألة الخامسة عشرة.

(2) مصباح الفقيه (الصلاة): 258 السطر 12.

(3) الجواهر 9: 251.

194
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 8يعتبر في القيام الانتصاب و الاستقرار ج 14ص 184

..........

______________________________
على الأصابع أو أصل القدمين و بين عدمه كما هو ظاهر، فلا مجال لشي‌ء من هذه الوجوه بعد إطلاق الدليل الذي هو المتبع.

و قد يستدل له برواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث «قال: كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) يقوم على أطراف أصابع رجليه فأنزل اللّٰه سبحانه طه. مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ» «1». و قد وقع الكلام في المراد من هذا الحديث الوارد في تفسير الآية المباركة، فقيل: إنّ الآية ناسخة لما كان يفعله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) من تلك الكيفية، فتدل على نفي المشروعية. و عليه مبنى الاستدلال.

و قيل: بل هي ناظرة إلى نفي الإلزام نظير قوله تعالى وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ «2» فلا تدل على نفي المشروعية، بل تلك الكيفية باقية على ما هي عليه من الرجحان و المحبوبية، غايته أنّها غير واجبة.

لكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم، أمّا الأوّل: فلأنّ سياق الآية يشهد بورودها في مقام الامتنان و رفع ما يوجب الشقاء، و هو التعب و الكلفة عن النبي الأقدس (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم)، و ذلك إنّما يناسب نفي الإلزام دون المشروعية كما لا يخفى.

و أمّا الثاني: فلوضوح أنّ ما كان يصدر منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) من تلك الكيفية لم يكن بقصد اللزوم و الوجوب كي تنزل الآية لرفعه، و لذا لم يأمر المسلمين بتلك الكيفية، و إنّما اختارها هو (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) لنفسه مع عدم وجوبها حرصاً منه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) في مزيد طلب الجهد‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 490/ أبواب القيام ب 3 ح 2.

(2) الحج 22: 78.

195
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 9الأحوط انتصاب العنق أيضا و إن كان الأقوى جواز الإطراق ج 14ص 196

[مسألة 9: الأحوط انتصاب العنق أيضاً و إن كان الأقوى جواز الإطراق]

[1469] مسألة 9: الأحوط انتصاب العنق أيضاً و إن كان الأقوى جواز الإطراق (1).

______________________________
و المشقّة في سبيل الطاعة، من باب أنّ أفضل الأعمال أحمزها، فدأب عليها فترة طويلة حتى تورّمت قدماه، فنزلت الآية الكريمة تحثه على تركها إشفاقاً به و تحذيراً من إلقاء نفسه الشريفة في المشقة و الكلفة، و إيعازاً إلى أنّه لا مزية لهذا الفرد و لا فضيلة له على غيره.

فظهر أنّ الآية لا تدل على نفي الإلزام كي تقتضي الاستحباب، و لا على نفي المشروعية حتى تدل على النسخ و عدم الجواز، بل مفادها نفي الفضيلة و الرجحان فالاستدلال بها على عدم الجواز ساقط، فالأقوى هو الجواز عملًا بالإطلاق.

و أمّا الجهة الثالثة: فقد ذهب جمع إلى عدم جواز الوقوف على الواحدة مستدلًا عليه بالأصل، و دليل التأسي، و التبادر، و عدم الاستقرار.

و في الجميع ما عرفت، و استدل أيضاً بموثقة ابن بكير عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله) بعد ما عظم أو بعد ما ثقل كان يصلي و هو قائم و رفع إحدى رجليه حتى أنزل اللّٰه تعالى طه. مٰا أَنْزَلْنٰا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقىٰ فوضعها» «1» و الكلام في دلالة الآية على النسخ أو نفي الإلزام قد مرّ آنفاً، فالأقوى جواز الوقوف على الواحدة أيضاً عملًا بإطلاق الأدلّة.

(1) قد عرفت «2» وجوب انتصاب الظهر، لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم): «لا صلاة لمن لم يقم صلبه». و أمّا انتصاب العنق، فالمشهور استحبابه خلافاً‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 491/ أبواب القيام ب 3 ح 4.

(2) في ص 109، 184.

196
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته ج 14ص 197

[مسألة 10: إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسياً صحّت صلاته]

[1470] مسألة 10: إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسياً صحّت صلاته، و إن كان ذلك في القيام الركني، لكن الأحوط فيه الإعادة (1).

______________________________
للصدوق فأوجبه أيضاً «1»، و خلافاً للحلبي حيث حكي عنه استحباب الإطراق كما هو شأن الأتقياء على ما ذكره في الجواهر «2».

و قد استند الصدوق «3» إلى مرسلة حريز عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قلت له فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ قال: النحر الاعتدال في القيام، أن يقيم صلبه و نحره» «4»، فان بنينا على أنّ مراسيل حريز حجة كمسانيد غيره، تمّ الاستدلال و ثبتت مقالة الصّدوق، و إلّا فإن بنينا على ثبوت الاستحباب بأدلّة التسامح في السنن، ثبت الاستحباب بهذه المرسلة و تمّت مقالة المشهور، و إلّا كما هو الأقوى فلا يثبت الوجوب و لا الاستحباب.

و أمّا استحباب الإطراق المنسوب إلى الحلبي فمستنده غير ظاهر، و لعلّ وجهه أنه نوع من الخضوع و التذلل، كما يصنعه الصغير أمام الكبير، فهو بهذا العنوان الثانوي مستحب، و إن لم يكن كذلك بعنوانه الأوّلي.

(1) أمّا نسيان هذه الأُمور في القيام غير الركني فعدم إخلاله بالصحة ظاهر‌

______________________________
(1) حكاه عنه في مفتاح الكرامة 2: 304، السطر الأخير، و حكاه عنه في الجواهر 9: 253.

(2) الجواهر 9: 253.

(3) [لم نعثر على استناد الصدوق إلى هذه الرواية، بل لم نعثر على هذه الرواية في كتبه فلعل التعبير الصحيح أن يقال: و يشهد للصدوق مرسلة حريز كما في المستمسك 6: 107].

(4) الوسائل 5: 489/ أبواب القيام ب 2 ح 3.

197
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته ج 14ص 197

..........

______________________________
بعد ملاحظة حديث لا تعاد، و كذا الحال في القيام الركني، فانّ المتصل منه بالركوع قد عرفت عدم وجوبه مستقلا، و إنّما اعتبر من أجل الدخل في حقيقة الركوع و تقوّمه به، و من الظاهر أنّ الذي يتوقف عليه مفهومه إنّما هو جامع القيام، فلا يعتبر فيه الانتصاب و لا الاستقرار و لا الاستقلال، لعدم دخل شي‌ء منها في مفهوم القيام. نعم، ثبت اعتبار الانتصاب في مثل هذا القيام أيضاً بإطلاق الأدلة كما تقدّم «1»، فلا يجوز الإخلال به عمداً، و أمّا مع السهو فلا بأس به عملًا بحديث لا تعاد.

و أمّا الاستقرار، فقد عرفت عدم الدليل على اعتباره في مثل هذا القيام فيجوز الإخلال به حتى مع العمد، فمع السهو بطريق أولى. و على فرض اعتباره في حال العمد فينتفي اعتباره عند السهو بالحديث المزبور.

و أمّا الاستقلال، فقد مرّ عدم وجوبه رأساً «2»، و على القول بالوجوب فينتفي اعتباره عند النسيان بحديث لا تعاد. فاتّضح عدم قدح الإخلال السهوي بشي‌ء من هذه الأُمور. نعم، لو قلنا بدخلها في حقيقة القيام اتجه البطلان حينئذ لأدائها إلى الإخلال بالركوع المستثنى من حديث لا تعاد، لكن المبنى في حيّز المنع كما أشرنا إليه.

و أمّا القيام حال تكبيرة الإحرام، فقد سبق في محلّه أنّ الركن إنّما هو ذات القيام، و أمّا هذه الأُمور فهي واجبات في القيام و لا دخل لها في حقيقة الركن و عليه فالإخلال بشي‌ء منها سهواً مشمول لحديث لا تعاد «3».

و ممّا ذكرنا ظهر التناقض بين ما أفاده (قدس سره) في المقام من الصحة لو‌

______________________________
(1) في ص 109، 184.

(2) في ص 184.

(3) لاحظ ص 112.

198
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 10إذا ترك الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال ناسيا صحت صلاته ج 14ص 197

[1471] مسألة 11: لا يجب تسوية الرجلين في الاعتماد فيجوز أن يكون الاعتماد على إحداهما و لو على القول بوجوب الوقوف عليهما (1).

[1472] مسألة 12: لا فرق في حال الاضطرار بين الاعتماد على الحائط أو الإنسان أو الخشبة، و لا يعتبر في سناد الأقطع أن يكون خشبته المعدة لمشية، بل يجوز له الاعتماد على غيرها من المذكورات (2).

______________________________
أخلّ نسياناً بالاستقرار أو أحد أخويه و لو في القيام الركني، و بين ما سبق منه (قدس سره) في المسألة الرابعة من مبحث التكبير من البطلان لو أخلّ بالاستقرار حال التكبير عمداً كان أو سهواً، فانّ التهافت بينهما ظاهر، و الصحيح ما أفاده في المقام كما عرفت.

(1) قدّمنا الكلام حول هذه المسألة في ذيل المسألة الثامنة فلاحظ.

(2) قد عرفت «1» جواز الاعتماد حتى اختياراً، و على القول بالمنع فلا ريب في الجواز مع الاضطرار، و لا يختص حينئذ بالاعتماد على شي‌ء معيّن، بل يجوز على كل شي‌ء يمكن الاتكاء عليه من الحائط أو الإنسان أو الخشبة و نحوها و ذلك لأنّ مستند الحكم كان صحيحة ابن سنان، و موثقة ابن بكير المتقدمتين «2» و المذكور فيهما و إن كان هو الخمر و الحائط و العصا، إلّا أنّ ذكر هذه من باب المثال، و إلّا فلو كان الحكم مقصوراً عليها كان اللّازم جواز الاعتماد حال الاختيار على غير هذه الأُمور من إنسان و نحوه، و لا شك أنّ الأصحاب لم يلتزموا بذلك، فانّ من منع عن الاعتماد اختياراً لم يفرّق بين تلك الأُمور و غيرها قطعاً، فيكشف ذلك عن أنّ ذكرها إنّما هو من باب المثال.

______________________________
(1) في ص 184.

(2) في ص 186.

199
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 13يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره ج 14ص 200

[مسألة 13: يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره]

[1473] مسألة 13: يجب شراء ما يعتمد عليه عند الاضطرار أو استئجاره مع التوقف عليهما (1).

______________________________
فالمتحصل من الروايتين على القول بالمنع: عدم جواز الاستناد على شي‌ء مطلقاً اختياراً، و جوازه كذلك اضطراراً.

و منه تعرف الحال في سناد الأقطع، و أنّه لا يعتبر فيه أن يكون الخشبة المعدّة لمشية، بل يجوز الاعتماد على غيرها من المذكورات كما ذكره في المتن. على أنّ الحكم، أعني عدم الاختصاص بشي‌ء معيّن، مورد للإجماع و تسالم الأصحاب.

ثم مع الغض عن ذلك و الانتهاء إلى الأصل العملي فمقتضاه هو البراءة عن تعيّن شي‌ء بخصوصه كما هو الشأن في الدوران بين الأقل و الأكثر الارتباطي. و ما يقال من أنّ المقام من موارد الشك في التعيين و التخيير و المرجع فيه أصالة الاحتياط قد عرفت ما فيه غير مرّة، و أنّ الثاني من صغريات الأوّل بل هو بعينه يعبّر عنه تارة بالأقل و الأكثر و أُخرى بالتعيين و التخيير، و المرجع هو البراءة دون الاشتغال.

(1) لا إشكال في وجوب الاستناد على شي‌ء حال الاضطرار عند التمكن منه و لو مع الواسطة، من شراء أو استئجار أو استيهاب و نحوها، فانّ المقدور مع الواسطة مقدور، فيجب تحصيل السناد شرعاً بشراء و نحوه من باب المقدّمة لتوقف الاستناد الواجب عليه على الفرض، إن قلنا بوجوب المقدمة شرعاً و إلّا فيجب عقلًا، لما عرفت من توقف امتثال الواجب عليه، نظير شراء الماء للوضوء، فلا يجوز له الاستناد على المغصوب من غير شراء أو استئجار و نحوهما فإنّ المقدّمة و إن كانت هي جامع السناد، لكن وجوبها يختص بالفرد المباح و لا يتعلّق الأمر شرعاً أو عقلًا إلّا بالحصة المباحة كما حرّر في محلّه في الأُصول «1».

______________________________
(1) محاضرات في أُصول الفقه 2: 431، الثاني.

200
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

[مسألة 14: القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين]

[1474] مسألة 14: القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين أو مع الاعتماد أو مع عدم الاستقرار، أو مع التفريج الفاحش بين الرجلين [1] مقدّم على الجلوس (1).

______________________________
(1) تعرّض (قدس سره) لصور الدوران بين ترك القيام رأساً، بأن يصلي جالساً، و بين الإتيان بالقيام الاضطراري الفاقد لأحد الأُمور المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقلال أو الاستقرار، أو عدم التفريج، ثم تعرض (قدس سره) لصور الدوران بين ترك أحد هذه الأُمور.

فنقول: قد ذكرنا في بحث مكان المصلي «1» أنّه إذا دار الأمر بين ترك أحد جزأين أو أحد شرطين، أو واحداً من الجزء أو الشرط، لم يكن ذلك داخلًا في باب التزاحم ليلاحظ مرجّحات هذا الباب من الأهمية أو محتملها، لأنّ الضابط في ذاك الباب العجز عن امتثال تكليفين نفسيين استقلاليين، و أمّا في المقام فليس إلّا أمر وحداني متعلق بالمركب من عدة أجزاء و شرائط.

بل المقام داخل في باب التعارض، فانّ ذاك الأمر المتعلق بالمركب ساقط لدى العجز عن الإتيان بتمام متعلقه كما هو الفرض بالضرورة، إذ المركب ينتفي بانتفاء أحد أجزائه، فمقتضى القاعدة حينئذ سقوط التكليف رأساً، غير أنّا في خصوص باب الصلاة علمنا من الخارج أنّها لا تسقط بحال، فنقطع من أجله بتعلق أمر جديد بالباقي من الأجزاء و الشرائط الممكنة، لكن متعلقه مجهول و أنّه المؤلف من هذا الجزء أو الشرط أو من ذاك، فلا محالة يقع التعارض بين دليلي ما يتعذر الجمع بينهما من جزء أو شرط.

______________________________
[1] مع صدق القيام معه، و الّا فالجلوس يتقدم عليه على الأظهر.

______________________________
(1) شرح العروة 13: 74.

201
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
فلا بدّ من مراعاة قواعد باب التعارض بتقديم الدليل اللفظي على اللبي، و إذا كانا لفظيين يقدّم ما كان بالوضع على ما كان بالإطلاق كما ذكرنا تفصيله في باب التعادل و التراجيح «1»، و في بحث مقدمة الواجب، و إذا كانا بالإطلاق كما هو الغالب فيتساقطان و يرجع إلى الأصل العملي، و مقتضاه في المقام هو التخيير لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين، إذ المتيقن وجوبه إنّما هو الجامع المحتمل انطباقه على الوجوب التخييري، لا أحدهما المعيّن كي يجب الاحتياط و الجمع بالتكرار، لما عرفت من احتمال أن تكون الوظيفة الواقعية حينئذ هو التخيير، فلا يقاس المقام بموارد الدوران بين القصر و التمام، التي يجب فيها الجمع بينهما، إذ المتيقن هناك وجوب هذا أو ذاك و لا يحتمل التخيير الواقعي فلا مناص من التكرار عملًا بقاعدة الاشتغال.

و أمّا في المقام فيتطرّق احتمال ثالث بالضرورة، فلأجله ليس لنا علم بأكثر من وجوب الجامع المحتمل انطباقه على كل من المحتملات الثلاثة: وجوب هذا بخصوصه، وجوب ذاك بخصوصه، التخيير بينهما، و حيث إنّ كلّاً من الخصوصيتين مشكوكة تدفع بأصالة البراءة، و نتيجة ذلك هو التخيير.

و منه تعرف ما في كلام الماتن و غيره في المقام من الحكم بوجوب التكرار و الجمع في بعض فروع المسألة فلاحظ. هذا هو حكم الكبرى، و أمّا التطبيق على المقام، ففيما إذا دار الأمر بين ترك القيام رأساً و بين ترك الانتصاب، فمقتضى القاعدة حينئذ بعد سقوط الإطلاقين هو التخيير كما عرفت، لكن في خصوص المقام يتعيّن الثاني فيصلي عن قيام انحنائي، و لا ينتقل إلى الصلاة جالساً، و ذلك لتقييد هذا الانتقال في غير واحد من الأخبار ممّا ورد في تفسير قوله تعالى:

______________________________
(1) مصباح الأُصول 3: 377.

202
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً «1» و غيرها، و لعلّ أوضحها قوله (عليه السلام) في ذيل صحيحة جميل: «... إذا قوي فليقم» «2»، بالعجز عن القيام الظاهر بمقتضى الإطلاق في إرادة الطبيعي منه، فمتى كان قادراً على طبيعي القيام صلى قائماً، و إن كان عاجزاً عن بعض الخصوصيات المعتبرة فيه التي منها الانتصاب، و لأجله يتقيد قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم): «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» «3» بالمتمكن من ذلك.

و بعبارة أُخرى: صحيحة جميل حاكمة على دليل وجوب الانتصاب، إذ النظر في دليل الوجوب مثل قوله (عليه السلام): «لا صلاة لمن لم يقم صلبه» مقصور على مجرد اعتبار إقامة الصلب في الصلاة، سواء أ كانت عن قيام أو عن جلوس على ما هو الحق تبعاً للمشهور من اعتباره فيهما معاً من غير أن يكون لهذا الدليل نظر إلى تعيين الوظيفة، و أنّها الصلاة قائماً أو جالساً، و إنّما يستفاد ذلك من دليل آخر. و بما أنّ صحيحة جميل قد دلت على أنّ الوظيفة عند التمكن من مطلق القيام إنّما هي الصلاة قائماً، فلا جرم لم يبق موضوع لدليل وجوب الانتصاب، إذ المفروض عدم التمكن منه إلّا مع الجلوس و قد دلّت الصحيحة على أنّه لا تصل النوبة إلى الصلاة جالساً.

و ممّا يدل على ذلك بالخصوص: صحيحة علي بن يقطين الواردة في الصلاة في السفينة، فقد روى الشيخ في الصحيح عنه عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «سألته عن السفينة لم يقدر صاحبها على القيام يصلي فيها و هو جالس يومئ أو يسجد؟ قال: يقوم و إن حنى ظهره» «4» و هي كما ترى صريحة في المدعى‌

______________________________
(1) آل عمران: 3: 191.

(2) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(3) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1، (نقل بالمضمون).

(4) الوسائل 5: 505/ أبواب القيام ب 14 ح 5، التهذيب 3: 298/ 906.

203
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
و أنّ من تمكن من الصلاة عن قيام و لو بغير الانتصاب تعيّن و قدّم على الصلاة جالساً.

و فيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً و بين الصلاة قائماً من غير استقلال قدّم الثاني أيضاً بلا إشكال، أمّا أوّلًا: فلأن وجوب الاستقلال على القول به و قد تقدم أنّ الأظهر منعه «1» مقيّد بالتمكن و حالة الاختيار، فإنّ عمدة الدليل عليه هو صحيحة ابن سنان «2» و موثقة ابن بكير «3» و كل منهما مقيد بذلك.

و أمّا ثانياً: فلأنّه مع الغض و تسليم وجود دليل مطلق، قد عرفت آنفاً أنّ الصلاة جالساً مقيّدة بعدم التمكن من مطلق القيام، فمع التمكّن منه و لو في الجملة، و فاقداً لبعض الخصوصيات المعتبرة فيه كما في المقام لا تصل النوبة إلى الصلاة عن جلوس.

و فيما إذا دار الأمر بين الصلاة جالساً و بين الصلاة قائماً غير مستقر، فقد يراد من الاستقرار ما يقابل الاضطراب و أُخرى ما يقابل المشي.

فعلى الأوّل: قدّم الثاني، سواء أ كان مدرك اعتباره الإجماع كما هو الأظهر أم الروايات. أمّا الأوّل: فظاهر، ضرورة أنّه دليل لبي يقتصر على المتيقن منه و هو غير صورة الدوران المزبور.

و أمّا الثاني: بدعوى استفادته من مثل قوله (عليه السلام): «و ليتمكّن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» «4» الذي هو دليل لفظي، فلما عرفت أيضاً من أنّ‌

______________________________
(1) في ص 184.

(2) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

(3) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

(4) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

204
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
الصلاة قائماً بأي مرتبة كانت مقدّمة على الصلاة جالساً، لتقيّد دليلها بالعجز عن مطلق القيام حسبما تقدم.

و على الثاني: فقد احتاط الماتن فيه بالتكرار كما نبّه عليه في المسألة الثامنة عشرة من الفروع الآتية.

و اختار جماعة تقديم الصلاة جالساً على الصلاة ماشياً، بل قد نسب ذلك إلى المشهور.

و علّله المحقق الهمداني «1» (قدس سره) بأنّ الاستقرار المقابل للمشي مأخوذ في مفهوم القيام، لا بمعنى أخذه فيه لغة أو اصطلاحاً، كيف و الماشي مصداق للقائم البتة، بل بدعوى الانصراف عن الماشي في خصوص باب الصلاة بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، نظراً إلى أنّها بحسب الارتكاز عبادة فناسب أداؤها حالة الوقوف الحاوية لنوع من السكينة و الخشوع، فالوقوف إذن مقوّم للقيام انصرافاً، و لأجله كانت أدلة اعتباره في الصلاة منصرفة إلى القيام مع الوقوف، فلا جرم كان العاجز عنه عاجزاً عن القيام الصلاتي، فينتقل إلى الصلاة جالساً بطبيعة الحال.

و لكنّك خبير بأنّ هذه الدعوى غير بيّنة و لا مبيّنة و عهدتها على مدّعيها كيف و قد صحّت النافلة حال المشي حتى اختياراً مع ضرورة صدق القائم على المصلي.

و بالجملة: لا ريب في اعتبار الوقوف حال الاختيار في القيام كغيره مما اعتبر فيه من الانتصاب و الاستقلال و نحوهما، كما يكشف عنه مضافاً إلى الارتكاز المزبور، ما ورد «2» في من يريد التخطي في صلاته من الأمر بالكف‌

______________________________
(1) مصباح الفقيه (الصلاة): 261 السطر 18.

(2) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

205
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

..........

______________________________
عن القراءة، فالوقوف فيه زائداً على القيام اعتبر في الصلاة بمقتضى النص. و أمّا اعتباره على سبيل الإطلاق، بدعوى دخله في مفهوم القيام و لو انصرافاً فهو أوّل الكلام، بل ممنوع، لما عرفت من عدم وضوح أيّ مستند للانصراف المزبور و عليه فمقتضى القاعدة على ضوء الضابطة السابقة بعد المعارضة بين الدليلين هو التخيير بين الصلاة قائماً ماشياً و بين الصلاة جالساً.

و لكن الأظهر لزوم تقديم الأوّل، لصحيحة جميل «1» الناطقة بتقديم الصلاة عن مطلق القيام على الجلوس و إن كان فاقداً لبعض القيود المعتبرة فيه من الانتصاب أو الاستقرار أو الاستقلال، لما عرفت «2» من حكومتها على جميع أدلّة تلك القيود، و نتيجته تقديم الصلاة ماشياً على الصلاة جالساً.

و قد اتضح ممّا ذكرناه: ما في دعوى الماتن من تكرار الصلاة، حيث إنّه مبني على العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بخصوصه من غير تعيين، و قد عرفت لزوم تقديم الصلاة ماشياً، و معه لا تصل النوبة إلى العلم الإجمالي المزبور.

و فيما إذا دار الأمر بين الصلاة قائماً مع التفريج الفاحش بين الرجلين، و بين الصلاة جالساً قدّم الأوّل كما في المتن.

و هذا وجيه فيما إذا كان التفريج المزبور بمثابة يصدق معه عنوان القيام، بل قد تقدّم «3» جواز ذلك حتى اختياراً فضلًا عن صورة الدوران، لعدم الدليل على قدح مثله ما لم يستوجب الإخلال بالقيام، و أمّا لو أخلّ به بحيث لم يصدق معه عنوانه، بل تشكلت هيئة أُخرى في مقابل القيام و الجلوس، فيشكل التقديم حينئذ، بل هو ممنوع كما لا يخفى.

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(2) في ص 203.

(3) في ص 190.

206
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

و لو دار الأمر بين التفريج الفاحش و الاعتماد، أو بينه و بين ترك الاستقرار قدّما عليه (1)

______________________________
و دعوى أنّ هذه الهيئة أقرب إلى القيام فتجب بقاعدة الميسور كما ترى فإنّها تشبه الاجتهاد في مقابلة النص، إذ النصوص المتكاثرة قد دلت على أنّ وظيفة العاجز عن القيام إنّما هي الانتقال إلى الجلوس، فإيجاب هيئة ثالثة اجتهاد تجاه النص.

على أنّ القاعدة غير تامة في نفسها كما مرّ مراراً، و لو تمّت لم تنفع في المقام لما عرفت من دلالة النصوص على وجوب الصلاة جالساً لمن لم يتمكّن من القيام، و المفروض أنّ تلك الهيئة ليست بقيام، فلا جرم تنتقل الوظيفة إلى الصلاة عن جلوس.

هذا كله فيما إذا دار الأمر بين القيام الاضطراري بأقسامه و بين الجلوس، أي ترك أصل القيام و بين الإخلال ببعض القيود المعتبرة فيه، و قد عرفت لزوم تقدّم القيام في الجميع، و أمّا لو دار الأمر بين تقديم بعض القيود على البعض الآخر مع المحافظة على أصل القيام، فسيأتي الكلام عليه في التعاليق الآتية من هذه المسألة.

(1) فيما إذا كان التفريج المزبور مخلًّا بصدق القيام، لرجوع المسألة حينئذ إلى الدوران بين ترك القيام و بين ترك الاستقلال أو ترك الاستقرار، و قد سبق «1» أنّ المتعيّن هو الثاني.

و أمّا إذا لم يبلغ هذا الحد، بل كان عنوان القيام محفوظاً معه، فالأمر بالعكس لما عرفت من عدم البأس بهذا النوع من التفريج حتى اختياراً، و معه لم يكن‌

______________________________
(1) في ص 204.

207
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

أو بينه و بين الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين قدّم ما هو أقرب إلى القيام [1] (1).

______________________________
ثمّة مسوغ للإخلال بشرطية الاستقلال أو الاستقرار.

(1) الظاهر أنّ المستند في التقديم المزبور قاعدة الميسور، و لكنّها مضافاً إلى عدم تماميتها في نفسها، لا تصلح للاستناد إليها في المقام.

و توضيحه: أنّه قد يفرض صدق عنوان القيام على كل من طرفي الدوران أعني التفريج و الانحناء أو الميل إلى الجانبين، و أُخرى صدقه على الأوّل خاصة و ثالثة عكسه، و رابعة عدم صدقه على شي‌ء منهما. و لعل الأخير هو مراد الماتن (قدس سره) للتعبير بالأقربية إلى القيام الكاشف عن عدم كون شي‌ء منهما مصداقاً للقيام.

و كيف ما كان، فلا ينبغي الشك في لزوم تقديم التفريج في الصورة الأُولى للمحافظة حينئذ على كل من القيام و الانتصاب، بخلاف عكسه للزوم الإخلال حينئذ بشرطية الانتصاب من غير مسوّغ.

و أوضح حالًا من ذلك: الصورة الثانية، فيتعين فيها تقديم التفريج بطريق أولى، للزوم الإخلال في عكسه بشرطية الانتصاب مضافاً إلى أصل القيام فيختل الأمران معاً من غير أيّ معذّر، بعد إمكان المحافظة عليهما بالتقديم المزبور. و بعبارة اخرى: هذا التفريج يجوز حتى اختياراً بعد فرض صدق القيام عليه، فكيف بما إذا كان تركه موجباً لترك القيام.

نعم، يتجه العكس في الصورة الثالثة، لكونها من صغريات الدوران بين القيام و الانتصاب، و قد تقدّم أنّ مراعاة القيام أولى، فيصلي منحنياً أو مائلًا لا متفرّجاً.

______________________________
[1] إذا صدق القيام على أحدهما فقط تعيّن ذلك، و إذا صدق على كليهما قدّم التفريج، و إذا لم يصدق على شي‌ءٍ منهما تعيّن الجلوس، و يختلف ذلك باختلاف الموارد.

208
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

و لو دار الأمر بين ترك الانتصاب و ترك الاستقلال قدّم ترك الاستقلال فيقوم منتصباً معتمداً (1). و كذا لو دار بين ترك الانتصاب و ترك الاستقرار قدّم ترك الاستقرار (2)

______________________________
و أمّا الصورة الرابعة: فحيث إنّ المفروض فيها العجز عن القيام، فلا جرم تتعيّن فيها الصلاة جالساً، لما تقدّم من عدم الواسطة بينهما.

هذا ما تقتضيه الصناعة حسبما بأيدينا من الأدلة الشرعية التي تعيّن الوظيفة الفعلية بحيث لا يبقى معها موضوع لقاعدة الميسور. فالقول إذن باختيار ما هو الأقرب إلى القيام يشبه الاجتهاد في مقابلة النص كما لا يخفى.

(1) أمّا على القول بعدم وجوبه فالأمر ظاهر. و أمّا على القول بالوجوب فلاختصاص دليله كما تقدم «1» بصورة التمكن و عدم العجز و المرض، بخلاف الانتصاب فانّ لسان دليله مطلق من هذه الجهة، فلا جرم يتقدم، إذ مع المحافظة على الانتصاب لا يكون المكلف قادراً على الاستقلال فلا يجب بطبيعة الحال.

(2) فانّ دليل اعتبار الاستقرار إن كان هو الإجماع فمن الواضح أنّ القدر المتيقن منه غير صورة الدوران و تعارضه مع الانتصاب، فالمقتضي حينئذ قاصر في حد نفسه.

و إن كان هو النص مثل قوله (عليه السلام): «و ليتمكن في الإقامة كما يتمكن في الصلاة» «2» فاللازم أيضاً تقديم الانتصاب، لأظهرية دليله و هو قوله (عليه السلام): «من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «3» في الاعتبار من دليل الاستقرار‌

______________________________
(1) في ص 189.

(2) الوسائل 5: 404/ أبواب الأذان و الإقامة ب 13 ح 12.

(3) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 1.

209
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 14القيام الاضطراري بأقسامه من كونه مع الانحناء أو الميل إلى أحد الجانبين ج 14ص 201

و لو دار بين ترك الاستقلال و ترك الاستقرار، قدّم الأوّل (1) فمراعاة الانتصاب أولى من مراعاة الاستقلال و الاستقرار، و مراعاة الاستقرار أولى من مراعاة الاستقلال.

______________________________
حيث إنّه تضمّن نفي حقيقة الصلاة و ماهيتها عمّن لم يقم صلبه المقيد طبعاً بصورة التمكن و القدرة الحاصلة في مفروض المسألة. و هذا بخلاف الاستقرار فانّ دليله دلّ على اعتباره بعد فرض صدق اسم الصلاة عليه، على ما يقتضيه قوله (عليه السلام) «كما يتمكن في الصلاة» فغايته أنّه ينتفي قيد من قيودها أمّا ذاك الدليل فينفي صدق الاسم عن فاقد الانتصاب كما عرفت.

و على الجملة: أحد الدليلين ينفي موضوع الصلاة، و الآخر يثبت قيداً فيما صدق عليه اسم الصلاة. فلا جرم يتقدّم الأوّل.

(1) أمّا بناءً على عدم وجوب الاستقلال في نفسه فالأمر ظاهر. و أمّا بناءً على القول بالوجوب فالتقدم المزبور لا يخلو عن الإشكال، لأنّ دليل الوجوب و إن كان مختصاً بحال التمكن كما تقدم، إلّا أنّ المكلف في مفروض المسألة متمكن منه، غايته أنّه عاجز عن الجمع بينه و بين رعاية الاستقرار.

فلا بدّ إذن من النظر في دليل الاستقرار، فان كان هو الإجماع كما عن غير واحد، فبما أنّه دليل لبي يقتصر فيه على المقدار المتيقن، و هو غير صورة الدوران، و نتيجة ذلك تقديم الاستقلال على الاستقرار عكس ما أثبته في المتن.

و إن كان هو النص على ما مرّ فتتحقق المعارضة طبعاً بين الدليلين بالإطلاق و النتيجة بعد التساقط هو التخيير، دفعاً لكل من الخصوصيتين بالأصل، لا رعاية الأمرين معاً بالاحتياط و التكرار كما عن بعضهم، لعدم العلم الإجمالي بوجوب أحدهما لا بعينه ليكون من الشك في المكلف به، لجواز أن يكون الحكم الواقعي حينئذ هو التخيير.

210
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

[مسألة 15: إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع]

[1475] مسألة 15: إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضاً مطلقاً حتى ما كان منه بصورة الركوع [1] (1) صلّى من جلوس (2)، و كان الانتصاب جالساً بدلًا عن القيام، فيجري فيها حينئذ جميع ما ذكر فيه حتى الاعتماد و غيره.

______________________________
و الذي يهوّن الخطب ما عرفت من عدم الدليل على وجوب الاستقلال فيصح ما أثبته في المتن من تقديم الاستقرار، لوضوح عدم المعارضة بين الواجب و المستحب.

(1) ظاهر العبارة أنّ من تمكن من القيام و لو بهذه الصورة تعيّن و كان مقدّماً على الجلوس.

و هو وجيه على تقدير صدق القيام عليه كالمخلوق بهيئة الركوع، أو المنحني ظهره لهرم و نحوه، حيث إنّ قيام مثل هذا الشخص إنّما هو بهذا النحو.

و أمّا مع عدم الصدق، كما لو كان الانحناء بهذا المقدار لأمر عارض من مرض أو خوف من الظالم أو انخفاض السقف، انتقل حينئذ إلى الصلاة جالساً لعجزه عن القيام فعلًا.

(2) بلا خلاف فيه و لا إشكال، لقوله تعالى الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً ... «1» إلخ، المفسّر في مصحح أبي حمزة، بأنّ الصحيح يصلي قائماً و المريض يصلي جالساً «2» و قد نطقت به نصوص كثيرة و هذا مما لا غبار عليه.

و إنّما الكلام في أنّ الأُمور المعتبرة في القيام من الانتصاب و الاستقرار‌

______________________________
[1] هذا فيما صدق عليه القيام كالمخلوق كذلك أو المنحني ظهره، و إلّا قدّم الجلوس مع القدرة عليه أيضاً.

______________________________
(1) آل عمران 3: 191.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

211
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و الاستقلال هل هي معتبرة في الجلوس أيضاً أو لا؟

أمّا الانتصاب فلا ينبغي الشك في اعتباره لإطلاق الدليل، فانّ قوله (عليه السلام) «من لم يقم صلبه فلا صلاة له» «1» مطلق يشمل حالتي القيام و الجلوس معاً.

و أمّا الاستقرار فكذلك، سواء أ كان مستنده الإجماع أم الرواية المتقدمة «2» لإطلاق كلمات المجمعين كالنص.

و أمّا الاستقلال، فعلى تقدير تسليم وجوبه حال القيام فاعتباره حال الجلوس لا يخلو عن الاشكال، لقصور الدليل عن الشمول له، فإنّه منحصر في روايتين:

إحداهما: موثقة عبد اللّٰه بن بكير قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة قاعداً أو متوكئاً على عصا أو حائط، فقال: لا، ما شأن أبيك و شأن هذا، ما بلغ أبوك هذا بعد» «3».

ثانيتهما: صحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: لا تمسك بخمرك و أنت تصلي، و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي، إلّا أن تكون مريضاً» «4».

أمّا عدم دلالة الموثقة فظاهر، إذ الاتكاء قد جعل فيها مقابلًا للقعود، فلا جرم يراد به الاتكاء حال القيام، فالاتكاء لدى الجلوس خارج عن مفروضها سؤالًا و جواباً، و لا نظر فيها إليه بوجه.

و أمّا الصحيحة، فربما يستدل بها لذلك، نظراً إلى إطلاق قوله (عليه‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 488/ أبواب القيام ب 2 ح 2.

(2) في ص 209.

(3) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 20.

(4) الوسائل 5: 500/ أبواب القيام ب 10 ح 2.

212
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و مع تعذّره صلّى مضطجعاً (1)

______________________________
السلام): «و لا تستند إلى جدار و أنت تصلي» الشامل لحالتي القيام و القعود بعد منع دعوى الانصراف إلى الأوّل.

و لكنه يندفع باستظهار اختصاصها بالأوّل أيضاً بقرينة استثناء المريض «1» حيث يظهر منه اختصاص النهي عن الاستناد بغير المريض و غير العاجز، و من البيّن أنّ مثله يصلي قائماً لا قاعداً، فلا نظر فيها إثباتاً أو نفياً إلى الاتكاء الجلوسي بتاتاً، هذا.

و قد يقال: إنّ دليل بدلية الجلوس عن القيام بنفسه كافٍ في ترتيب الأحكام و إسراء شرائط المبدل منه إلى البدل، فيلتزم بوجوب الاستقلال في المقام قضاءً للبدلية.

و لكنه واضح الضعف، لعدم ثبوت البدلية بهذا النحو و أنّ جلوس المريض قيام، ليتمسك حينئذ بعموم المنزلة، لعدم وضوح ورود دليل بلسان التنزيل بل المستفاد من الأدلة تنويع المكلفين و تقسيمهم إلى صحيح و مريض، أو فقل إلى قادر و عاجز، و أنّ الأوّل يصلي قائماً، و الثاني قاعداً، فاختلف الحكم باختلاف موضوعه، و أنّ لكل وظيفة تخصه حسب حاله، و هذا بمجرده لا يستدعي انسحاب ما لأحدهما من الأحكام إلى الآخر ما لم ينهض عليه دليل آخر.

(1) بلا خلاف فيه ظاهراً و لا إشكال، و قد دلت عليه جملة من الأخبار:

منها: النصوص الواردة في تفسير قوله تعالى:

______________________________
(1) المستثنى بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع هو المريض العاجز عن الاستقلال و هو أعم من عجزه عن القيام أيضاً و عدمه، فالقرينة غير واضحة.

213
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّٰهَ قِيٰاماً وَ قُعُوداً وَ عَلىٰ جُنُوبِهِمْ «1» من أنّ الصحيح يصلي قائماً و المريض يصلي جالساً و الذي هو أضعف منه يصلي على جنبه «2».

و منها: موثقة سماعة قال: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصلّ و هو مضطجع ...» إلخ «3».

و منها: موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً كيف قدر صلى، إمّا أن يوجه فيومئ إيماءً و قال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده و ينام على جانبه (جنبه) الأيمن، ثم يومئ بالصلاة، فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً» «4».

نعم، لا يخلو متن هذه الموثقة عن نوع من الاضطراب، لعدم ذكر عدل للشرطية المنفصلة، أعني قوله (عليه السلام) «إمّا أن يوجّه» بل قال في الحدائق «5» إنّ الكثير من روايات عمار كذلك، و لكنه لا يقدح في الاستدلال بها لما هو محل الكلام من الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع على الجانب الأيمن بعد صراحتها في ذلك.

هذا، و قد روى المحقق في المعتبر قال: روى أصحابنا عن حماد «6» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعداً يوجّه كما‌

______________________________
(1) آل عمران 3: 191.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 1.

(3) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 5.

(4) الوسائل 5: 483/ أبواب القيام ب 1 ح 10.

(5) الحدائق 8: 76.

(6) المستدرك 4: 116/ أبواب القيام ب 1 ح 4، المعتبر 2: 161.

214
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
يوجّه الرجل في لحده و ينام على جانبه الأيمن ...» إلى آخر ما في رواية عمار المتقدمة، بل هي عينها، غير أنّها خالية عن تلك الفقرات المستوجبة للاضطراب.

و تبعه الشهيدان في الذكرى و الروض «1»، و عليه فلا اضطراب في الرواية بوجه.

بل ظاهر الذخيرة «2» أنّهما رواية واحدة عن عمار، و إن أسندها المحقق إلى حماد، و لعلّه سهو من قلمه، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك، كما أنّ بعض نسخ التهذيب أيضاً كذلك.

و لكن صاحب الحدائق «3» أنكر الاتحاد، لعدم الموجب لذلك بعد أن نرى أنّ المحقق قد روى في المعتبر أخباراً زائدة على ما في الكتب الأربعة من الأُصول التي عنده، فلعل هذه الرواية كانت من تلك الأُصول، و لا سيّما و أنّ الاضطراب الموجود في تلك الرواية لم يوجد في هذه.

و لكن الظاهر أنّ ما ذكره السبزواري في الذخيرة هو الصحيح، فانّ المحقق لو روى بإسناده عن حماد لأمكن القول بأنّه نقلها عن أصل وصل إليه و لم يصل إلينا، و لأجله لم يذكر في الكتب الأربعة و لكنّه (قدس سره) عبّر بقوله: روى أصحابنا، الظاهر في كون الرواية معروفة مشهورة، و معه كيف يمكن القول بأنّه رواها عن أصل غير معروف وصل إليه خاصة. إذن فالظاهر هو الاتحاد، و أنّ ذكر حماد بدل عمار إمّا سهو منه نشأ من تشابه الكلمتين، أو أنّ النسخة التي عنده كانت كذلك.

و على أيّ حال، فعلى تقدير التعدد لا يمكن التعويل عليها، لعدم العلم بطريقه إلى تلك الأُصول، فتكون في حكم المرسل. و العمدة في الاستدلال ما‌

______________________________
(1) الذكرى 3: 271، الروض: 251 السطر الأخير.

(2) الذخيرة: 262 السطر 30.

(3) الحدائق 8: 76.

215
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
عرفت من موثقتي سماعة و عمّار، و الروايات المفسّرة للآية المباركة المؤيّدة بنصوص أُخر ضعيفة. مضافاً إلى التسالم و عدم الخلاف فيه كما تقدم.

إلّا أنّ بإزاء هذه النصوص روايات أُخر دلّت على أنّ من لم يتمكّن من الصلاة جالساً صلى مستلقياً، و لكنّها مضافاً إلى ضعف أسنادها، مخالفة لما اتفق عليه الأصحاب و تسالموا عليه من الصلاة مضطجعاً كما عرفت فلا تقاوم ما سبق.

فمنها: مرسلة الصدوق قال: «قال الصادق (عليه السلام) يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً ...» إلخ «1».

و رواها الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «2». و رواها الشيخ بإسناده تارة عن أحمد ابن محمد، عن عبد اللّٰه بن القاسم، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن إبراهيم عمّن حدثه، و أُخرى عن الكليني بالسند المتقدم «3»، فالنتيجة أنّها بشتى طرقها مرسلة لا يمكن التعويل عليها بوجه.

و منها: ما رواه الصدوق أيضاً في عيون الأخبار عن محمد بن عمر الحافظ عن جعفر بن محمد بن الحسين (الحسيني)، عن عيسى بن مهران، عن عبد السلام ابن صالح الهروي، عن الرضا عن آبائه (عليهم السلام) «قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائماً فليصلّ جالساً فان لم يستطع جالساً فليصلّ مستلقياً ناصباً رجليه بحيال القبلة يومئ إيماءً» «4»

______________________________
(1) الوسائل 5: 484/ أبواب القيام ب 1 ح 13، الفقيه 1: 235/ 1033.

(2) الكافي 3: 411/ 12.

(3) التهذيب 3: 176/ 393، التهذيب 2: 169/ 671.

(4) الوسائل 5: 486/ أبواب القيام ب 1 ح 18، عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 68/ 316.

216
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

على الجانب الأيمن كهيئة المدفون (1).

______________________________
و هي أيضاً ضعيفة بجميع من في السند ما عدا الراوي الأخير.

و رواها الصدوق أيضاً بعدة أسناد تقدمت في كتاب الطهارة، في باب إسباغ الوضوء «1» كما أشار إليها في الوسائل «2»، و لكنّها أيضاً بأجمعها ضعاف بعدّة من المجاهيل كما تقدم في محله.

و بالجملة: فلا تنهض شي‌ء من هذه لمعارضة ما سبق، فلا بدّ من رفع اليد عنها أو حملها على صورة العجز عن الاضطجاع كما حملها بعضهم عليها.

و كيف ما كان، فلا ينبغي التأمل في لزوم الانتقال لدى العجز عن الجلوس إلى الاضطجاع لا الاستلقاء، عملًا بتلك النصوص المعتبرة السليمة عمّا يصح للمعارضة، و هذا ممّا لا إشكال و لا غبار عليه. و إنّما الكلام في جهات:

(1) الجهة الأُولى: هل يجب اختيار الجانب الأيمن لدى الاضطجاع، أو أنّه مخيّر بينه و بين الجانب الأيسر؟

نسب إلى جماعة منهم الشيخ في المبسوط «3» و العلامة في التذكرة و النهاية «4» التخيير، و هو ظاهر المحقق في الشرائع «5» حيث لم يقيده بالجانب الأيمن، و لكنّ المنسوب إلى معظم الفقهاء، هو التقييد مع التمكن منه، بل ادعي الإجماع عليه في بعض الكلمات.

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 36/ 91.

(2) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 19.

(3) المبسوط 1: 100.

(4) التذكرة 3: 93، نهاية الإحكام 1: 440.

(5) الشرائع 1: 97.

217
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و هذا هو الأصح، فإنّ مقتضى الأصل، بل الإطلاق في موثقة سماعة «1»، و كذا الآية المباركة المفسّرة بما مرّ «2» و إن كان هو الأوّل، إلّا أنّه لا بدّ من الخروج عنهما بموثقة عمّار «3»، الصريحة في الاختصاص بالجانب الأيمن.

و دعوى أنّها مضطربة المتن فلا يجوز العمل بها، و رواية حماد «4» و إن خلت عن الاضطراب إلّا أنّها مرسلة، مدفوعة بخلوّها عن الاضطراب في محل الاستشهاد، فإنّها في الدلالة على لزوم تقديم الجانب الأيمن ظاهرة بل صريحة و من البيّن أنّ الاضطراب في سائر الفقرات لا يمنع عن الاستدلال بما لا اضطراب فيه بعد عدم سريانه إليه، إذ لا ينبغي الشك في أنّ المراد بقوله (عليه السلام) في الصدر «كيف قدر صلى» ليس هو التخيير بين الكيفيات، ليكون منافياً مع التقييد بالأيمن في الذيل و يستوجب الاضطراب فيه، بل المراد أنّه يصلي على حسب استطاعته و قدرته، نظير قولنا: إذا دخل الوقت فصلّ كيف ما قدرت، أي إن قدرت على الوضوء فتوضأ، و إلّا فتيمم، و إن قدرت قائماً فصلّ قائماً و إلّا فجالساً، و هكذا، و ليس المراد التخيير بين هذه الأفراد بالضرورة.

إذن فقوله (عليه السلام) بعد ذلك: «يوجّه كما يوجّه الرجل في لحده و ينام على جانبه الأيمن ...» إلخ، الذي هو محل الاستشهاد، لا ينافي ما قبله و إنّما هو بيان له، و أنّ الذي يصلي على غير الأيمن هو الذي لا يقدر على الأيمن، أمّا مع التمكّن منه فلا تصل النوبة إلى غيره.

______________________________
(1) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 5.

(2) في ص 213.

(3) الوسائل 5:/ 483 أبواب القيام ب 1 ح 10.

(4) المستدرك 4: 116/ أبواب القيام ب 1 ح 4.

218
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

فان تعذّر فعلى الأيسر، عكس الأوّل (1).

______________________________
و تؤيدها مرسلة الصدوق قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) المريض يصلي قائماً، فان لم يستطع صلى جالساً، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيمن، فان لم يستطع صلى على جنبه الأيسر، فان لم يستطع استلقى و أومأ إيماءً و جعل وجهه نحو القبلة، و جعل سجوده اخفض من ركوعه» «1».

و قد نسب الصدوق هذه الرواية إلى النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلم) على سبيل الجزم، الكاشف عن ثبوتها عنده بطريق صحيح، لكن الثبوت عنده لا يستوجب الثبوت عندنا، و من الجائز أن لا نوافقه في تصحيح الطريق لو اطلعنا عليه، فهي إذن لا تخرج عن حدّ الإرسال، فلا يمكن الاستدلال بها و العمدة ما عرفت من الموثقة.

(1) الجهة الثانية: لو تعذّر الجانب الأيمن، فبناءً على القول بالتخيير بينه و بين الجانب الأيسر، لا ريب في تعيّن الثاني كما هو الشأن في كل واجب تخييري تعذّر أحد فرديه، فلا تصل النوبة إلى الاستلقاء.

و أمّا بناءً على القول المشهور من تقديم الجانب الأيمن و تعيّنه الذي عرفت أنّه الأصح، فهل ينتقل حينئذ إلى الجانب الأيسر أيضاً أو إلى الاستلقاء؟

المعروف بين المتأخرين كما ذكره شيخنا الأنصاري «2» (قدس سره) هو الأوّل، و لكن كلمات القدماء من الأصحاب خالية عن ذلك حيث إنّهم ذكروا أنّه يصلي مضطجعاً إلى الجانب الأيمن، و إلّا مستلقياً، و ظاهرهم هو اختيار الثاني. و كيف ما كان فالمتبع هو الدليل.

______________________________
(1) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 15، الفقيه 1: 236/ 1037.

(2) كتاب الصلاة 1: 242.

219
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

فإن تعذّر صلّى مستلقياً كالمحتضر (1)

______________________________
و يشهد للقول الأخير: رواية الجعفريات و فيها «و إن لم يستطع أن يصلي قاعداً صلى على جانبه الأيمن مستقبل القبلة، فان لم يستطع أن يصلي على جانبه الأيمن صلّى مُستلقياً» «1» و نحوها رواية الدعائم «2»، لكن ضعف سندهما يمنع عن الاعتماد عليهما.

و الأظهر هو القول الأوّل، لا لمرسلة الصدوق المتقدمة آنفاً، فانّ ضعفها يمنع عن الاعتماد عليها، و الانجبار لو سلّمنا كبراه فالصغرى ممنوعة، لما عرفت من عدم التعرض للجانب الأيسر في كلمات القدماء الذين هم المدار في حصول الانجبار.

بل لإطلاق الأمر بالاضطجاع في جملة من النصوص المتقدمة «3» من موثقة سماعة و غيرها، و قد قيّدناه بالجانب الأيمن بمقتضى موثقة عمّار كما تقدّم «4»، إلّا أنّ من الواضح أنّ مورد التقييد إنّما هو صورة التمكن، أمّا العاجز عنه فهو باق تحت الإطلاق، و مقتضاه اختيار الجانب الأيسر، إذ هو حينئذ قادر على الاضطجاع و مع القدرة عليه لا دليل على الانتقال إلى الاستلقاء، و به يندفع ما قد يتوهم من أنّ مقتضى الإطلاق في ذيل موثقة عمار أنّ العاجز عن الجانب الأيمن مخيّر بين الأيسر و بين الاستلقاء.

(1) الجهة الثالثة: إذا تعذّر كل من الجانبين، فالمشهور حينئذ تعيّن الاستلقاء‌

______________________________
(1) المستدرك 4: 115/ أبواب القيام ب 1 ح 3، الجعفريات: 47.

(2) المستدرك 4: 116/ أبواب القيام ب 1 ح 5، الدعائم 1: 198.

(3) في ص 214.

(4) في ص 218.

220
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و يجب الانحناء للركوع و السجود بما أمكن [1] (1).

______________________________
استناداً تارة إلى النصوص المتقدمة «1» الناطقة بأنّ العاجز عن الصلاة جالساً يصلي مستلقياً، و قد عرفت أنّها بأجمعها ضعيفة السند. و أُخرى إلى ما أرسله الصدوق من النبوي المتقدم «2» المصرّح بأنّ العاجز عن الجانب الأيسر يصلي مستلقياً، و ضعفه أيضاً ظاهر.

و الأولى أن يستدل له: بأنّ ذلك هو مقتضى ما دلّ على اعتبار الاستقبال في الصلاة، ضرورة أنّه بعد فرض العجز عن كل من الجانبين، فمراعاة الاستقبال لا تتيسّر إلّا بالاستلقاء.

(1) فمن يصلِّي جالساً بل قائماً أيضاً كفاقد الساتر إذا كان عاجزاً عن الركوع أو السجود ينحني إليهما بقدر الإمكان، و لا يجب الإيماء حينئذ، و إنّما يجب مع العجز عنه أيضاً.

و عن بعضهم: وجوب الجمع بين الانحناء و الإيماء، و لكن الظاهر أنّ شيئاً منهما لا يتم.

أمّا في المتن، فلأنه إنّما يتّجه مع صدق الركوع أو السجود على الانحناء المزبور، و لو برفع المسجد لوضع الجبهة عليه، و أمّا مع عدم الصدق فلم يعرف وجهه، بل ظاهر النصوص الآتية، و كذلك الروايات المتقدمة في كيفية الصلاة عارياً انتقال العاجز عن الركوع أو السجود إلى الإيماء، لخلوّها عن ذكر الانحناء و حملها على صورة العجز عنه أيضاً كما ترى، إذ لا موجب لارتكاب التقييد‌

______________________________
[1] هذا فيما إذا صدق على الانحناء الركوع أو السجود و لو برفع المسجد لوضع الجبهة عليه، و إلا لم يجب الانحناء.

______________________________
(1) في ص 216.

(2) في ص 219.

221
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و مع عدم إمكانه (1) يومئ برأسه [1] (2).

______________________________
بعد كونها بأسرها مطلقة و عدم نهوض ما يستوجبه بوجه.

و أمّا ما عن ذلك البعض، فلعدم وضوح مستند للجمع ما عدا قاعدة الميسور التي هي غير تامة في نفسها. مضافاً إلى منع الصغرى، بداهة أنّ الانحناء المزبور مقدمة للوصول إلى حدّي الركوع و السجود، فهو خارج عن حقيقتهما و ليس من مراتبهما ليعدّ ميسوراً لهما. إذن فالانحناء المذكور غير واجب لا بنفسه، و لا بضميمة الإيماء.

(1) و لو لأجل العسر و الحرج الرافعين للتكليف.

(2) سواء أ كانت وظيفته الصلاة جالساً، أم مضطجعاً، أم مستلقياً.

أمّا الأوّل: فلإطلاق صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود، قال: يومئ برأسه إيماءً، و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» «1» فإنّ إطلاقها يشمل مستطيع الجلوس و عدمه، و مقتضاه أنّ من استطاعة فكانت وظيفته الصلاة جالساً و لم يستطع السجود يومئ إليه، و يلحق به الإيماء للركوع، للقطع بعدم الفرق، و حيث إنّ المراد من عدم الاستطاعة ما يشمل الحرج و المشقة لا عدم الاستطاعة العقلية خاصة كما أشرنا إليه، فمن ثمّ حكم في ذيل الصحيحة أنّ تحمّل المشقة و الإتيان بنفس السجود أحب إليه (عليه السلام).

و عليه فينبغي الاستدلال للمطلوب بهذه الصحيحة، و معه لا حاجة إلى الاستدلال بالعلم الخارجي ببدلية الإيماء عنهما، و أنّه مع العجز عن المبدل منه‌

______________________________
[1] على الأحوط وجوباً.

______________________________
(1) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 2.

222
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
ينتقل إلى البدل، فانّ هذا العلم و إن كان موجوداً إلّا أنّ الاستدلال بالنص الخاص أولى كما لا يخفى.

و أمّا الثاني: فلموثقة عمّار المتقدمة حيث ورد فيها قوله (عليه السلام) «... ثم يومئ بالصلاة إيماءً» «1» المؤيّدة بما تقدم من مرسلة الصدوق عن النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله) فانّ قوله في ذيلها «و أومأ إيماءً ...» إلخ «2» يرجع إلى جميع ما تقدّم، لا خصوص الاستثناء، فيشمل المضطجع على أحد جانبيه.

ثم إن المضطجع المزبور لو تمكن من أن ينقلب على وجهه و يسجد فهل يتعين عليه ذلك، و إن استوجب الإخلال بالاستقبال، أو أنّ وظيفته الإيماء إليه مراعياً للقبلة. و بعبارة اخرى: لو دار الأمر بين مراعاة السجود و بين مراعاة الاستقبال مومئاً إليه فأيّهما المقدّم؟

الظاهر هو الثاني، لإطلاق موثقة عمّار، حيث لم يقيّد الأمر بالإيماء فيها بصورة العجز عن السجود المزبور فلاحظ.

و أمّا الثالث: فلموثقة عمار أيضاً، قال (عليه السلام) في ذيلها «... فان لم يقدر أن ينام على جنبه الأيمن فكيف ما قدر فإنّه له جائز، و ليستقبل بوجهه القبلة ثم يومئ بالصلاة إيماءً»، فإنّه من الواضح أنّ من جملة ما قدر هو الصلاة مستلقياً فعليه الإيماء.

و أوضح منها: موثقة سماعة قال: «سألته عن الرجل يكون في عينيه الماء فينتزع الماء منها فيستلقي على ظهره الأيّام الكثيرة أربعين يوماً، أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الأيام إلّا إيماءً و هو على حاله، فقال: لا بأس بذلك و ليس شي‌ء ممّا حرّم اللّٰه إلّا و قد أحله لمن اضطر إليه» «3» فإنّها صريحة في أنّ‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 483/ أبواب القيام ب 1 ح 10.

(2) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 15، الفقيه 1: 236/ 1037.

(3) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 6.

223
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و مع تعذّره فبالعينين، بتغميضهما (1).

______________________________
وظيفة المستلقي هي الإيماء.

و العجب من صاحب الحدائق أنّه مع نقله لهاتين الروايتين «1» كيف ادعى اختصاص نصوص الإيماء بالاضطجاع، و أنّه لم يرد في الاستلقاء إلّا غمض العينين «2» مع أنّ موثقة سماعة صريحة في وجوب الإيماء «3» لدى الاستلقاء و موثقة عمار دالة عليه بالإطلاق كما سمعت.

(1) و يستدل له بمرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام): «يصلي المريض قائماً، فان لم يقدر على ذلك صلى جالساً، فان لم يقدر أن يصلي جالساً صلى مستلقياً يكبّر ثم يقرأ، فإذا أراد الركوع غمّض عينيه ثم سبّح، فاذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الركوع، فإذا أراد أن يسجد غمّض عينيه ثم سبّح فاذا سبّح فتح عينيه، فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السجود ثم يتشهد و ينصرف» «4» بعد التعدي عن موردها و هو الاستلقاء إلى الاضطجاع، بعدم القول بالفصل.

و قد أسندها في الجواهر «5» إلى بزيع المؤذّن، و لكنه سهو من قلمه الشريف‌

______________________________
(1) الحدائق 8: 72، 75.

(2) الحدائق 8: 80.

(3) لكنّها في الحدائق تبعاً للتهذيب 3: 306 خالية عن ذكر الإيماء و إنّما هو مذكور في الفقيه [1: 235/ 1035]، و لعل صاحب الحدائق لم يطلع عليه، و منه تعرف أنّ ما في الوسائل من نسبته إلى الشيخ في غير محله.

(4) الوسائل 5: 484/ أبواب القيام ب 1 ح 13، الفقيه 1: 235/ 1033.

(5) الجواهر 9: 267.

224
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و لعلّ الذي أوقعه في الاشتباه هو أنّ صاحب الوسائل روى قبل المرسلة بلا فصل رواية أُخرى عن بزيع، فاشتبه و ألحق متن إحداهما بسند الأُخرى.

و كيف ما كان، فالرواية من جهة الإرسال غير صالحة للاستدلال، و لا نقول بالانجبار، و إسناد الصدوق لها إلى الصادق (عليه السلام) بضرس قاطع لا يقتضي أزيد من اعتقاده بذلك لا متابعتنا له في ذلك.

و الأولى: أن يستدل له بوجه آخر، و هو أنّا قد علمنا من صحيحة زرارة الواردة في باب المستحاضة «1» المعتضدة بما في موثقة عمّار المتقدمة «2» من قوله (عليه السلام) «... فكيف ما قدر فإنّه له جائز» أنّ الصلاة لا تسقط بحال، و أنّه يأتي مهما أمكن بما قدر منها و تيسّر، هذا من ناحية.

و من ناحية أُخرى، قد علمنا من حديث التثليث «3» و غيره من النصوص أنّ الركوع و السجود من مقوّمات الصلاة الدخيلة في صدق اسمها و تحقيق ماهيتها، كما و علمنا أيضاً أنّ الشارع قد جعل لدى العجز عنهما بدلًا يعدّ مرتبة نازلة عنهما و هو الإيماء بالرأس.

إذن يستنتج من هاتين المقدمتين أنّ الشارع الأقدس لا بدّ و أن يجعل بدلًا آخر لدى العجز عن هذا البدل، حذراً عن الإخلال بماهية ما لا يسقط بحال و حيث لا يحتمل أن يكون ذاك البدل شيئاً آخر غير غمض العينين من الإيماء باليد أو الرجل مثلًا سيّما و أنّ الإيماء بالعينين أقرب إلى الإيماء بالرأس من غيره، مضافاً إلى تسالم الأصحاب عليه فلا جرم كان هو المتعيّن، فليتأمّل.

______________________________
(1) الوسائل 2: 373/ أبواب الاستحاضة ب 1 ح 5.

(2) في ص 214.

(3) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

225
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و ليجعل إيماء سجوده أخفض منه لركوعه [1] (1)،

______________________________
(1) على المشهور، بل عن الذكرى «1» نسبته إلى الأصحاب، فإن تمّ الإجماع التعبّدي و لا يتم و إلّا فإثباته بحسب الصناعة مشكل جدّاً، لضعف ما استدل له فإنّه أُمور:

منها: مرسلتا الصدوق النبوية و العلوية «2» ففي أُولاها: «... و جعل سجوده أخفض من ركوعه»، و في الثانية: «... و يجعل السجود أخفض من الركوع».

و لكن الإرسال مانع عن الاستدلال، و لا نقول بالانجبار.

و منها: خبر أبي البختري عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنه «قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلي حتى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فان لم يجد صلى عرياناً جالساً يومئ إيماءً يجعل سجوده أخفض من ركوعه» «3».

و هي مضافاً إلى ضعف سندها بأبي البختري واردة في المتمكّن من الركوع و السجود، غير أنّه يتركهما لمانع، فكيف يتعدى إلى غير المتمكّن لمرض و نحوه كما في المقام.

و منها: موثقة سماعة قال: «سألته عن الصلاة في السفر إلى أن قال-

______________________________
[1] فيه إشكال و الأظهر عدم وجوب ذلك.

______________________________
(1) الذكرى 3: 270.

(2) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 15، 16، الفقيه 1: 236/ 1037، 1038.

(3) الوسائل 4: 451/ أبواب لباس المصلي ب 52 ح 1.

226
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و ليتطوّع بالليل ما شاء إن كان نازلًا، و إن كان راكباً فليصلّ على دابته و هو راكب، و لتكن صلاته إيماءً، و ليكن رأسه حيث يريد السجود أخفض من ركوعه» «1». و لكن موردها النافلة، و المتمكّن من الركوع و السجود في حدّ نفسه و إن لم يتيسر له حال الركوب، فلا يمكن التعدي إلى صلاة الفريضة و من هو عاجز في نفسه.

و منها: صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الرجل يصلي على راحلته، قال: يومئ إيماءً، يجعل السجود أخفض من الركوع» «2».

و صحيحته الأُخرى قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة في السفر و أنا أمشي، قال: أوم إيماءً و اجعل السجود أخفض من الركوع» «3».

و صحيحته الثالثة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السلام) إلى أن قال قلت: يصلي و هو يمشي؟ قال: نعم، يومئ إيماءً، و ليجعل السجود أخفض من الركوع» «4». لكن الظاهر أنّ مورد هذه الصحاح هو النافلة أيضاً. على أنّ موردها المتمكن كما عرفت فلا سبيل للتعدي منها إلى المقام.

فالمتحصّل: أنّه لا دليل على مراعاة الأخفضية، بل الظاهر عدم وجوبها و إن كانت أحوط.

______________________________
(1) الوسائل 4: 331/ أبواب القبلة ب 15 ح 14.

(2) الوسائل 4: 332/ أبواب القبلة ب 15 ح 15.

(3) الوسائل 4: 335/ أبواب القبلة ب 16 ح 3، 4.

(4) الوسائل 4: 335/ أبواب القبلة ب 16 ح 3، 4.

227
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و يزيد في غمض العين للسجود [1] على غمضها للركوع (1)، و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة [2] (2).

______________________________
(1) كما عن جماعة و لعله المشهور، و كأنّه إيماءً للفرق بين الإيماءين بمقتضى مناسبة الحكم و الموضوع، و لكنه كما ترى، إذ لا دليل على لزوم رعاية الفرق المزبور بعد خلوّ النص عنه، فانّ الواجب بمقتضى الإطلاق إنّما هو الغمض بمقدار الذكر الواجب، و لا دليل على الزيادة عليه، سواء أُريد بها تطويل الغمض أو تشديده.

(2) في المسألة أقوال خمسة: وجوب الوضع تعييناً، التخيير بينه و بين الإيماء، لزوم الجمع بينهما، أفضلية ضمّ الوضع إلى الإيماء، بدلية الوضع عن الإيماء.

أمّا القول الأوّل: فيستدل له بموثقة سماعة المتقدمة قال: «سألته عن المريض لا يستطيع الجلوس، قال: فليصلّ و هو مضطجع، و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد فإنّه يجزئ عنه، و لم يكلف اللّٰه ما لا طاقة له به» «1».

و فيه أوّلًا: أنّها معارضة بإطلاق النصوص الدالة و هي في مقام البيان على أنّ وظيفة العاجز عن الركوع و السجود إنّما هي الإيماء، و حملها على ما إذا لم يتمكن من وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة و لو بالاستعانة من الغير الميسورة غالباً حمل على الفرد النادر جدّاً، فكيف يمكن حمل تلك الروايات الكثيرة و هي في مقام بيان تمام الوظيفة على ذلك.

______________________________
[1] الظاهر عدم وجوبها.

[2] لا يبعد جواز تركه، و أمّا الإيماء بالمساجد فلم نتصور له معنى معقولًا.

______________________________
(1) الوسائل 5: 482/ أبواب القيام ب 1 ح 5.

228
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و ثانياً: أنّ الموثقة في نفسها غير قابلة للدلالة على الوجوب التعييني، لظهور القضية الشرطية في قوله (عليه السلام): «و ليضع على جبهته شيئاً إذا سجد» في أنّه بعد حصول الشرط و تحقق السجود خارجاً يجب عليه الوضع المزبور فكأنه مأمور بالسجود أوّلًا، و بالوضع ثانياً، و حيث إنّ السجود الحقيقي متعذّر حسب الفرض، فلا جرم يراد به بدله و هو الإيماء، فيكون محصل المعنى أنّه إذا أومأ يضع شيئاً على جبهته. إذن لا يمكن أن يراد خصوص الوضع من دون الإيماء كما هو المدعى.

بل إنّ دقيق النظر يقضي بلزوم رد علم الموثقة إلى أهله، لأنّ حمل السجود فيها على معناه الحقيقي ليجب الجمع بينه و بين الوضع على الجبهة مقطوع العدم كيف و لازمه أن يكون المريض أسوأ حالًا و أشق تكليفاً من الصحيح و هو كما ترى.

و توجيهه: بأنّ سجود المضطجع المريض لمّا كان فاقداً لشرائط الصحة غالباً فمن ثمّ أُمر بوضع شي‌ء على جبهته أيضاً، بعيد جدّاً كما لا يخفى.

فلا مناص من أن يراد به إمّا بدله و هو السجود التنزيلي أعني الإيماء، أو إرادته يعني متى أراد أن يسجد فليضع شيئاً على جبهته بدلًا عنه.

أمّا الثاني، فقد عرفت معارضته مع نصوص بدلية الإيماء، و عرفت أيضاً أنّ حمل تلك النصوص على صورة العجز عن الوضع المزبور حمل للمطلق على الفرد النادر، فتسقط الموثقة من أجل المعارضة و عدم المقاومة تجاهها.

و أمّا الأوّل، فغير واضح أيضاً، لأنّ حمل السجود على الإيماء الذي هو خارج عن مفهومه يحتاج إلى الدليل و لا دليل، و مجرد بدليته عنه لدليل خاص لا يستوجب حمل اللفظ عليه عند الإطلاق. إذن لا نعقل معنى صحيحاً للموثقة و لا بدّ من رد علمها إلى أهله.

229
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
و بمضمون الموثقة مرسلة الفقيه قال: «و سئل عن المريض لا يستطيع الجلوس أ يصلي و هو مضطجع و يضع على جبهته شيئاً؟ قال: نعم، لم يكلفه اللّٰه إلّا طاقته» «1».

و لكنها مضافاً إلى ضعف السند قاصرة الدلالة، إذ الحكم بالوضع لم يذكر إلّا في كلام السائل، و جواب الإمام (عليه السلام) بقوله: «نعم» لا يدل على الوجوب، لجواز إرادة الاستحباب بل مطلق الجواز، و أنّه أمر سائغ لا يضرّ بصلاته فليتأمل.

و لعلّ نظر الفقيه في هذه المرسلة إلى تلك الموثقة بقرينة ما في ذيلها من أنّه لا يكلّف اللّٰه إلّا طاقته. و كيف ما كان، فالعمدة هي الموثقة و قد عرفت ما فيها.

و أمّا القول الثاني: فيستدل له بأنّه مقتضى الجمع بين الموثقة و بين نصوص الإيماء، بعد رفع اليد عن ظهور كل منهما في الوجوب التعييني فينتج التخيير بينهما.

و فيه: أنّ كثرة نصوص الإيماء الواردة في الموارد المتفرّقة، و أوضحيّتها في الدلالة على البدلية، بعد كونها في مقام بيان تمام الوظيفة، يعطي لها قوة ظهور في إرادة الوجوب التعييني بحيث لا تقبل الحمل على التخيير، لا سيّما مع جواز أن يكون المراد من السجود في الموثقة الإيماء إليه، لتضمّنها حينئذ الأمر بالوضع في فرض الإيماء، فكيف تحمل على التخيير بينهما.

و أمّا القول الثالث: فيستدل له بأنّه مقتضى تقييد إطلاقات الإيماء بالموثقة، فانّ نتيجته وجوب الجمع بينهما.

و ربما يجاب عنه: بمعارضته مع صحيحتي زرارة و الحلبي الظاهرتين في استحباب الوضع زائداً على الإيماء، ففي الأُولى عن أبي جعفر (عليه السلام)

______________________________
(1) الوسائل 5: 485/ أبواب القيام ب 1 ح 14، الفقيه 1: 235/ 1034.

230
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

..........

______________________________
قال: «سألته عن المريض كيف يسجد؟ فقال: على خمرة، أو على مروحة، أو على سواك يرفعه إليه، هو أفضل من الإيماء» «1».

و في الثانية: عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «سألته عن المريض إذا لم يستطع القيام و السجود، قال يومئ برأسه إيماءً، و أن يضع جبهته على الأرض أحبّ إليّ» «2».

و فيه: أنّهما غير ناظرتين إلى ما هو محل الكلام من وضع شي‌ء على الجبهة مع الإيماء، بل المراد أنّ من كان السجود حرجياً بالنسبة إليه فله أن يومئ بدلًا عنه، و لكنه مع ذلك إذا تحمّل المشقة و سجد على الأرض أو على غيرها قدر ما يطيق فهو أفضل، و قد تقدم «3» هذا المعنى عند التكلم حول صحيحة الحلبي. و بالجملة: محل كلامنا وضع ما يصح السجود عليه على الجبهة، لا وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فلا ارتباط للصحيحتين بالمقام.

فالأولى أن يجاب: بما تقدم «4» من أنّ الموثقة مطروحة، لأنّها غير صحيحة المفاد فلا تنهض لتقييد المطلقات.

على أنّا لو تنازلنا و سلمنا دلالتها بعد ارتكاب التقييد المزبور على وجوب كلا الأمرين فلم يكن بدّ من رفع اليد عنها، نظراً إلى أنّ المسألة كثيرة الدوران و محل للابتلاء غالباً. و قد تعرّض الأصحاب لها القدماء منهم و المتأخرون، فلو كان الوجوب ثابتاً لأصبح من الواضحات، فكيف خلت منه فتاوى القدماء و لم يرد في شي‌ء من الروايات على كثرتها تنصيص عليه.

و ممّا ذكرنا يظهر لك مستند القول الرابع مع جوابه.

______________________________
(1) الوسائل 5: 364/ أبواب ما يسجد عليه ب 15 ح 1.

(2) الوسائل 5: 481/ أبواب القيام ب 1 ح 2.

(3) في ص 222.

(4) في ص 229.

231
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 15إذا لم يقدر على القيام كلا و لا بعضا مطلقا حتى ما كان منه بصورة الركوع ج 14ص 211

و الإيماء بالمساجد الأُخر أيضاً (1)، و ليس بعد المراتب المزبورة حدّ موظّف فيصلي كيف ما قدر، و ليتحرّ الأقرب إلى صلاة المختار، و إلّا فالأقرب إلى صلاة المضطر على الأحوط (2).

______________________________
و أمّا القول الخامس فمستنده حمل ما دلّ على الوضع على صورة العجز عن الإيماء بشهادة خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: «سألته عن المريض الذي لا يستطيع القعود و لا الإيماء كيف يصلي و هو مضطجع؟ قال: يرفع مروحة إلى وجهه و يضع على جبينه و يكبّر هو» «1».

و فيه: مضافاً إلى ضعف السند بعبد اللّٰه بن الحسن أنّها قاصرة الدلالة، إذ لم يذكر فيها وضع شي‌ء على الجبهة عند السجود، ليتوهم أنّه بدل عن الإيماء لدى تعذره، بل ذكر الوضع المزبور عند التكبير و هو أجنبي عن محل الكلام.

و قد تلخّص من جميع ما تقدّم: أنّ الوظيفة لدى العجز عن الركوع و السجود إنّما هي الإيماء إليهما فحسب، استناداً إلى المطلقات التي هي المحكّم بعد سلامتها عمّا يصلح للتقييد، و أمّا الوضع فلم يثبت استحبابه فضلًا عن وجوبه.

(1) هذا مضافاً إلى أنّه لم يتصوّر له معنى معقول لم ينهض عليه دليل مقبول لاختصاص الدليل بالإيماء بالرأس أو العين، و لم يرد ما يشمل سائر الأعضاء.

(2) هذا وجيه بالإضافة إلى أصل الصلاة، فإنّها لا تسقط بحال، و أمّا بالنسبة إلى الركوع و السجود إذا لم يتمكن منهما و لا من بدلهما أعني الإيماء إليهما بالرأس أو العين فقد ذكر كاشف الغطاء (قدس سره) أنه يومئ بسائر أعضائه «2».

______________________________
(1) الوسائل 5: 487/ أبواب القيام ب 1 ح 21.

(2) كشف الغطاء: 241 السطر الأخير.

232
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

[مسألة 16: إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس]

[1476] مسألة 16: إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائماً جلس و ركع جالساً (1)

______________________________
لكنك عرفت آنفاً أنّه لا دليل عليه، فانّ من البديهي خروج الإيماء عن مفهوم الركوع و السجود، فلا بدّ في بدليته عنهما من إقامة الدليل، و هو مختص بالإيماء بالرأس أو بالعين، و أمّا الإيماء بسائر الأعضاء، فلا دليل عليه.

و من ثم كان العاجز عن البدل المزبور غير قادر على الركوع و السجود رأساً فيكون كفاقد الطهورين، حيث إنّ الركوع و السجود كالطهارة من المقوّمات الدخيلة في صدق الماهية، كما يكشف عنه حديث التثليث «1»، فلو قلنا بسقوط الصلاة عن فاقد الطهورين قلنا بسقوطها في المقام أيضاً، لوحدة المناط و قضائها بعد ذلك، و إن كان الأحوط الجمع بين القضاء و بين أن يأتي في الوقت بالمقدور من أجزاء الصلاة.

(1) لا ريب أنّ من تمكن من القيام لا تسوغ له الصلاة جالساً لقوله (عليه السلام): «إذا قوي فليقم» «2»، و أمّا إذا تمكن منه و عجز عن الركوع قائماً فقد ذكر (قدس سره) أنّه يجلس و يركع جالساً. و هذا و إن لم يرد به نص بالخصوص لكنه مطابق للقاعدة، فإنّ الركوع الجلوسي ركوع حقيقة و لا تنتقل الوظيفة إلى الإيماء إلّا بعد العجز عن الركوع الحقيقي، فأدلّة الإيماء غير شاملة للمقام و المفروض العجز عن الركوع القيامي، فتتعيّن الوظيفة في الركوع جالساً «3».

______________________________
(1) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

(2) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(3) و لكنّه يشكل بظهور دليل البدلية في كون الإيماء بدلًا عن الركوع الذي هو وظيفته الشرعية حسب حالته الفعلية إن قائماً أو جالساً، لا عن طبيعي الركوع، فمن يصلي قائماً إنّما يومي فيما إذا كان عاجزاً عمّا لو كان قادراً عليه في هذه الحالة لفعل و هو الركوع القيامي دون الجلوسي، كيف و هو وظيفة العاجز عن القيام و هذا قادر عليه حسب الفرض و من ثمّ يومئ العاري قائماً و لا يركع جالساً، و هكذا الحال في من يصلي جالساً، و حيث إنّه موظّف في مفروض المسألة بالركوع القيامي و قد عجز عنه فلا جرم ينتقل إلى الإيماء كما صرّح (دام ظلّه) بذلك في تعليقته الشريفة على المسألة الثانية من مبحث الركوع و كذا في بحثه الشريف هناك على ما ضبطناه عنه في شرح العروة 15: 28 و صرّح (دام ظلّه) به أيضاً في المنهاج، المسألة 593 و في المسائل المنتخبة، المسألة 292 و لم أعثر عاجلًا على موافق له.

233
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

و إن لم يتمكن من الركوع و السجود صلى قائماً و أومأ للركوع و السجود و انحنى لهما [1] بقدر الإمكان (1) و إن تمكّن من الجلوس جلس لايماء السجود (2).

______________________________
(1) أمّا الإيماء فلا إشكال، و قد تقدّم «1» أنّه بدل اضطراري عن الركوع و السجود. و أمّا الانحناء فليس عليه دليل ظاهر عدا قاعدة الميسور.

و فيه أوّلًا: أنّ القاعدة ممنوعة في نفسها.

و ثانياً: مع التسليم فلا صغرى لها في المقام، إذ الانحناء من مقدمات الركوع فهو مباين معه، و المباين لا يعدّ من مراتب الشي‌ء كي يكون ميسوراً له كما لا يخفى.

و ثالثاً: مع تسليم الكبرى و الصغرى فلا مجال لها في المقام أيضاً، إذ تدفعها إطلاقات أدلة الإيماء المعيّنة للوظيفة الفعلية، و من الواضح أنّ القاعدة إنّما تجري مع عدم تعيّن الوظيفة من قبل الشارع.

(2) هذا لا دليل عليه أيضاً، عدا كون الإيماء جالساً أقرب إلى هيئة السجود‌

______________________________
[1] الظاهر عدم وجوبه و عدم وجوب الجلوس للإيماء إلى السجود.

______________________________
(1) في ص 222.

234
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

..........

______________________________
و هو كما ترى وجه اعتباري لا يصلح مدركاً لحكم شرعي، و قد عرفت النقاش في قاعدة الميسور من الوجوه الثلاثة، فالأقوى عدم الوجوب.

و قد يقال: بوجوبه رعاية للجلوس الواجب بين السجدتين، فانّ سقوطهما بالتعذّر الموجب للانتقال إلى الإيماء لا يستدعي سقوط الجلوس الواجب بينهما بعد فرض القدرة عليه.

و فيه أوّلًا: أنّ إطلاقات أدلّة الإيماء دافعة لهذا الاحتمال، إذ مقتضاها أنّ وظيفة العاجز عن السجود إنّما هو الإيماء ليس إلّا، سواء تمكن من الجلوس بين السجدتين أم لا، فعدم التقييد بذلك مع كونه (عليه السلام) في مقام بيان الوظيفة الفعلية يدفع احتمال وجوبه.

و ثانياً: أنّ الجلوس بين السجدتين ليس واجباً مستقلا، و إنّما هو بيان لحد رفع الرأس عن السجدة ردّاً لما زعمه أبو حنيفة «1» من كفاية مجرد الرفع كيف ما اتفق و لو بمقدار يسير يمكن إدخال شي‌ء فيما بين الجبهة و المسجد و لو بمقدار إصبع أو أقل، بل قد ذهب إلى عدم وجوب الرفع أصلًا، كما لو حفر و هو في حال السجدة حفيرة فوضع جبهته فيها، و أنّ هذا المقدار كاف في صدق التعدّد فاشير في هذه الأخبار إلى عدم الكفاية و بطلان هذه المقالة، و أنّ الحدّ الشرعي لرفع الرأس الموجب لتعدّد السجدة إنّما هو البلوغ حدّ الجلوس، و عليه فالجلوس إنّما يجب في فرض وجوب السجود، و أمّا مع سقوطه لتعذّره و الانتقال إلى بدله و هو الإيماء، فلا موضوع لوجوب الجلوس، بل هو ساقط قطعاً، فلا وجه لمراعاته.

______________________________
(1) المغني لابن قدامة 1: 598، المجموع 3: 440.

 

 

235
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 16إذا تمكن من القيام لكن لم يتمكن من الركوع قائما جلس ج 14ص 233

و الأحوط وضع ما يصح السجود عليه [1] على جبهته إن أمكن (1).

[مسألة 17: لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع و السجود]

[1477] مسألة 17: لو دار أمره بين الصلاة قائماً مومئاً أو جالساً مع الركوع و السجود (2) فالأحوط تكرار الصلاة [2]، و في الضيق يتخير بين الأمرين.

______________________________
(1) تقدّم الكلام فيه «1»، و عرفت أنّ الأظهر عدم وجوبه، و على تقدير الوجوب فهو خاص بالمضطجع لاختصاص الدليل به، و لا يعمّ سائر موارد الإيماء كما مرّ تفصيله.

(2) كما إذا انحصر موضع الصلاة في مكانين، أحدهما ضيّق فلا يتمكن فيه من السجود و الركوع، و الآخر قصير فلم يتمكن فيه من القيام، و قد أفاد (قدس سره) أنّ الأحوط حينئذ تكرار الصلاة مع سعة الوقت و في الضيق يتخيّر.

و ما ذكره (قدس سره) مبني على العلم الإجمالي بوجوب أحدهما بخصوصه و أنّ الواجب هو المؤلّف من خصوص هذا، أو خصوص ذاك، فيجب الاحتياط بالتكرار عملًا بالعلم الإجمالي تحصيلًا للفراغ اليقيني عن التكليف المقطوع، كما في موارد الدوران بين القصر و الإتمام، أو الظهر و الجمعة و نحوهما.

هذا مع سعة الوقت، و أمّا في الضيق فلا مناص من الاقتصار على أحدهما مخيّراً، تنزّلًا عن الامتثال اليقيني المتعذر إلى الامتثال الاحتمالي الذي يستقل به العقل لدى العجز عن الأوّل، هذا.

و لكنّك خبير بعدم انحصار أطراف العلم بما ذكر، بل هناك احتمال ثالث و هو‌

______________________________
[1] مرّ حكمه آنفاً.

[2] تقدم أنّ الأظهر هو التخيير مطلقاً.

______________________________
(1) في ص 228.

 

 

236
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 17لو دار أمره بين الصلاة قائما مومئا أو جالسا مع الركوع و السجود ج 14ص 236

..........

______________________________
التخيير واقعاً، فانّ هذا الاحتمال يتطرّق في المقام بالوجدان من غير دافع. و معه فلا علم بإحدى الخصوصيتين كي يجب الاحتياط بالتكرار، بل تدفع كل منهما بأصالة البراءة، فيكون مقتضى القاعدة هو التخيير، لاندراج المقام في باب الدوران بين التعيين و التخيير، و المختار فيه هو البراءة، لرجوعه في الحقيقة إلى الشك بين الأقل و الأكثر الارتباطيين كما مرّ مراراً، فينبغي إذن ابتناء المسألة على الخلاف في أنّ الأصل الجاري في هذا الباب هل هو البراءة أو الاشتغال و قد عرفت أنّ الأوّل هو الصواب.

هذا، و لشيخنا الأُستاذ (قدس سره) تعليقتان متهافتتان، فحكم في تعليقته الأنيقة على المقام بتقديم القيام، و قد تقدم عين الفرع في مبحث المكان، و علّق (قدس سره) ثمة بتقديم الركوع و السجود، و نظره الشريف هنا بالترجيح بالسبق الزماني الذي هو من أحد المرجّحات في التدريجيات، كمن دار أمره بين ترك الصوم في اليوم الأوّل من شهر رمضان أو الثاني، فإنّ السابق متقدّم بلا إشكال و نظره (قدس سره) هناك بالترجيح بالأهمية، حيث إنّ الركوع و السجود أهم من القيام كما يظهر من حديث التثليث، قال (عليه السلام): «الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود» «1».

و هذا منه (قدس سره) مبني على إدراج المقام في باب التزاحم كي يراعى مرجحات هذا الباب، و قد مرّ غير مرّة في مطاوي هذا الشرح أنّ المقام و أمثاله أجنبي عن هذا الباب، لاختصاصه بالتكليفين المستقلين، و ليس في المقام إلّا تكليف وحداني متعلِّق بالمركّب، بل هو داخل في باب التعارض، إذ بعد سقوط ذاك التكليف بالعجز علمنا من دليل عدم سقوط الصلاة بحال، تعلّق تكليف جديد بالباقي من الأجزاء الممكنة، و حيث إنّ متعلقه مجهول مردد بين المؤلّف‌

______________________________
(1) الوسائل 6: 310/ أبواب الركوع ب 9 ح 1.

237
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج 14ص 238

[مسألة 18: لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً فالأحوط التكرار أيضاً]

[1478] مسألة 18: لو دار أمره بين الصلاة قائماً ماشياً أو جالساً فالأحوط التكرار أيضاً [1] (1).

______________________________
من هذا الجزء أو من ذاك، فلا محالة يقع التعارض بين دليل الجزأين اللذين يتعذّر الجمع بينهما، و بما أنّهما بالإطلاق غالباً، فيسقطان بعد التعارض و يرجع إلى الأصل العملي، و مقتضاه البراءة عن كل من الخصوصيتين، و نتيجة ذلك هو التخيير كما عرفت آنفاً.

فاتضح من جميع ما مرّ أنّ الأقوى هو التخيير من غير فرق بين سعة الوقت و ضيقه.

(1) حكم (قدس سره) حينئذ بالتكرار كما في المسألة السابقة لاتحاد المبنى و هو ما عرفت من حديث العلم الإجمالي، فجعل المسألتين من وادٍ واحد، لكن الظاهر الفرق، فيحكم هناك بالتخيير على طبق القاعدة كما مرّ. و أمّا في المقام فيقدّم الصلاة ماشياً، لأنّ المعارضة حينئذ بين دليل اعتبار القيام من قوله (عليه السلام): «إذا قوي فليقم» «1» و بين دليل اعتبار الاستقرار.

و عليه فان قلنا بأنّ مدرك الثاني هو الإجماع، فتقديم الأوّل ظاهر، لأنّ المتيقن منه غير المقام. و إن قلنا بأنّ مدركه رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) «أنّه قال في الرجل يصلي في موضع ثم يريد أن يتقدم، قال: يكفّ عن القراءة في مشيه حتى يتقدم إلى الموضع الذي يريد ثم يقرأ» «2»، فان بنينا على ضعف الخبر فالأمر ظاهر أيضاً.

______________________________
[1] و إن كان الأظهر تعين الصلاة قائماً ماشياً.

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

(2) الوسائل 6: 98/ أبواب القراءة في الصلاة ب 34 ح 1.

238
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج 14ص 238

..........

______________________________
و إن بنينا على صحته كما هو الأقوى من جهة وقوع النوفلي في أسانيد تفسير القمي، فقد يتوهم جريان التخيير المزبور حينئذ أيضاً، باعتبار تساقط الدليلين بعد المعارضة، فيرجع إلى أصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فينتج التخيير.

لكنه غير تام، لعدم صلاحية هذه الرواية للمعارضة مع دليل اعتبار القيام فانّ موردها خاص بالمتمكن من القيام و الاستقرار، و إنّما يريد باختياره المشي و التقدم إلى مكان آخر لغاية ككونه أفضل، كما قد يتفق في الحرم الشريف فيتقدم ليكون أقرب إلى الضريح المقدس مثلًا، فحكم (عليه السلام) بالكف و لزوم مراعاة الاستقرار في مثل هذه الصورة، فلا تدل على لزوم رعايته حتى في مثل المقام الذي لم يتمكن فيه من القيام لو أراد الاستقرار.

و بالجملة: لا تدل هذه الرواية على اعتبار الاستقرار حتى مع العجز عن القيام، لأنّ موردها التمكن منه، بخلاف دليل اعتبار القيام فإنّ إطلاقه يشمل صورة العجز عن الاستقرار فهو المحكّم، فلأجله يحكم بتقديم القيام في المقام و إن أخلّ بالاستقرار.

و ربما يستدل على هذا الحكم: برواية سليمان بن حفص المروزي قال: قال الفقيه (عليه السلام) «المريض إنّما يصلي قاعداً إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها على أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائماً» «1».

و كلمة «أن يمشي» بعد قوله «صار» الموجودة في الوسائل مستدرك، و الصحيح حذفها كما في التهذيب «2»، لإخلالها بالمعنى و عدم استقامتها كما لا يخفى.

و كيف كان، فقد قيل إنّ مفاد الرواية أنّ الانتقال إلى الصلاة جالساً إنّما هو‌

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 4.

(2) التهذيب 3: 178/ 402.

239
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 18لو دار أمره بين الصلاة قائما ماشيا أو جالسا فالأحوط التكرار أيضا ج 14ص 238

..........

______________________________
بعد العجز عن الصلاة ماشياً، فلو دار الأمر بينهما قدّم الثاني و هو المطلوب.

و يقع الكلام فيها تارة من حيث السند، و أُخرى من ناحية الدلالة.

أمّا السند: فالظاهر أنّه لا بأس به، فانّ سليمان موثّق، لا لتوثيق العلّامة إيّاه «1»، لما نراه من ضعف مبناه في التوثيق، فإنّه يعتمد على كل إمامي لم يظهر منه فسق، اعتماداً على أصالة العدالة «2»، و هو كما ترى، بل لوقوعه في أسانيد كامل الزيارات «3».

و أما الدلالة: فالظاهر أنّها أجنبية عمّا نحن فيه من فرض الدوران، و إنّما هي ناظرة إلى بيان حدّ المرض الذي ينتقل معه إلى الصلاة جالساً، و أنّه يستعلم ذلك بالعجز عن المشي مقداراً من الزمان الذي يسع لوقوع الصلاة فيه قائماً كأربع دقائق مثلًا، فانّ المريض ربّما يقوم و يمشي لبعض حوائجه كقضاء الحاجة و نحوه، فان رأى من نفسه أنّه يتمكن من المشي هذا المقدار كشف ذلك عن قدرته على الصلاة قائماً، فإنّ القدرة على المشي تستدعي القدرة على القيام بطريق أولى، و إن رأى من نفسه العجز عن ذلك كشف عن العجز عن القيام فتنتقل الوظيفة حينئذ إلى الجلوس، هذا هو ظاهر الرواية، و هو كما ترى أجنبي عن محل الكلام.

إلّا أنّه مع ذلك يجب رد علمها إلى أهله، ضرورة أنّ العجز عن المشي مقدار الصلاة مستمراً كأربع دقائق مثلًا لا يلازم العجز عن الصلاة قائماً حتى يكون أمارة عليه و كاشفاً عنه، لعدم استمرار القيام في هذه المدّة حال الاشتغال بالصلاة فإنّه يركع و يسجد خلال ركعاتها فيمكث قليلًا في سجوده و قعوده‌

______________________________
(1) لم نعثر عليه.

(2) كما يظهر من الخلاصة: 66/ 86 ترجمة أحمد بن إسماعيل بن سمكة.

(3) و لكنه (دام ظله) عدل عنه أخيراً، لعدم كونه من مشايخ ابن قولويه بلا واسطة.

240
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 19لو كان وظيفته الصلاة جالسا و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك ج 14ص 241

[مسألة 19: لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك]

[1479] مسألة 19: لو كان وظيفته الصلاة جالساً و أمكنه القيام حال الركوع وجب ذلك (1).

______________________________
و يستريح هنيئة فيذهب تعبه و تتجدد قواه، ثم يقوم إلى الركعة الأُخرى، فذاك العجز لا يكشف عن هذا العجز أبداً. فكيف يناط الانتقال إلى الجلوس بالعجز عن المشي، مع أنّ الاعتبار بالعجز عن القيام ليس إلّا كما أُنيط به في الكتاب و السنّة على ما مرّ سابقاً. و من هنا لم يحدد ذلك في شي‌ء من الأخبار بحدّ معيّن، و لم يجيبوا (عليهم السلام) عن السؤال عن التحديد إلّا بمثل قولهم (عليهم السلام): بَلِ الْإِنْسٰانُ عَلىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، ذاك إليه هو أعلم بنفسه، هو أعلم بما يطيقه، و غير ذلك «1».

هذا مع أنّ ظاهر إطلاق الرواية أنّ العجز عن المشي مقدار تمام الصلاة إلى أن يفرغ يوجب الانتقال إلى الجلوس حتى و لو تمكن من المشي مقدار بعض الصلاة، و ليس الحكم كذلك جزماً، فإنّه لو تمكن من القيام في بعض ركعات الصلاة وجب ذلك بلا إشكال كما سيجي‌ء قريباً إن شاء اللّٰه تعالى، فتكون صلاته ملفّقة من القيام و الجلوس حسب اختلاف حاله عند كل ركعة.

فالإنصاف: أنّ الرواية مجملة المفاد غير ظاهرة المراد، فلا تصلح للاعتماد بل يردّ علمها إلى أهله.

(1) هذه غير مسألة الدوران بين مراعاة القيام في أوّل الركعة أو آخرها التي سيتعرض لها في المسألة الآتية، بل مفروض هذه المسألة التمكّن من القيام آناً ما قبل الركوع، كي يكون ركوعه عن قيام، و لا ريب في وجوب ذلك عليه، إذ لا سبيل للانتقال إلى الركوع الجلوسي بعد فرض التمكن من الركوع قائماً.

______________________________
(1) الوسائل 5: 494/ أبواب القيام ب 6 ح 1، 2.

241
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع ج 14ص 242

[مسألة 20: إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع]

[1480] مسألة 20: إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع وجب أن يقوم إلى أن يتجدد العجز، و كذا إذا تمكّن منه في بعض الركعة لا في تمامها. نعم، لو علم من حاله أنّه لو قام أوّل الصلاة لم يدرك من الصلاة قائماً إلّا ركعة أو بعضها، و إذا جلس أوّلًا يقدر على الركعتين قائماً أو أزيد مثلًا لا يبعد [1] وجوب تقديم الجلوس، لكن لا يترك الاحتياط حينئذ بتكرار الصلاة، كما أنّ الأحوط في صورة دوران الأمر بين إدراك أوّل الركعة قائماً و العجز حال الركوع أو العكس أيضاً تكرار الصلاة (1).

______________________________
(1) قد عرفت أنّ مقتضى القاعدة في من دار أمره بين ترك أحد الشرطين مع تساوي الدليلين هو التخيير، لأصالة البراءة عن كل من الخصوصيتين فبمقتضاها ينبغي الحكم في المقام بالتخيير بين رعاية القيام في الركعة السابقة أو اللّاحقة.

إلّا أنّ الأقوى في خصوص المقام رعاية القيام في السابقة، فيقوم إلى أن يتجدد العجز كما أفاده في المتن، و ذلك لإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة جميل: «إذا قوي فليقم» «1»، فإنّها و إن وردت جواباً عن السؤال عن حد المرض الموجب للانتقال إلى الصلاة قاعداً في مجموع الصلاة، إلّا أنّ إطلاقها غير قاصر الشمول للمجموع و للأبعاض، كما لا يخفى. فتدل على أنّ المكلف مهما تمكّن من القيام فيما يجب فيه القيام وجب ذلك، و لا ينتقل فيه إلى القعود إلّا مع العجز عنه.

______________________________
[1] بل هو بعيد و الظاهر وجوب تقديم القيام فيه و في الفرض الثاني.

______________________________
(1) الوسائل 5: 495/ أبواب القيام ب 6 ح 3.

242
موسوعة الإمام الخوئي14

مسألة 20إذا قدر على القيام في بعض الركعات دون الجميع ج 14ص 242

..........

______________________________
و عليه فبما أنّه لدى الاشتغال بالركعة الأُولى قادر على القيام على الفرض فيشمله إطلاق الصحيح، فيجب عليه القيام لفعلية الشرط و هو كونه قد قوي عليه، فلا عذر له في تركه، بخلاف تركه في الركعة اللّاحقة لحصول العجز حينئذ.

و منه تعرف أنّه لا فرق في هذا الحكم أعني تقديم السابق أخذاً بإطلاق الدليل بين ما إذا كان طرفا الترديد متساويين من حيث القلة و الكثرة كالمثال المتقدم، أو مختلفين كما لو دار أمره بين القيام في الركعة الأُولى و القعود في الركعتين الباقيتين أو الثلاث، و بين العكس، و أنّه يتعين تقديم القيام حينئذ أيضاً و إن استلزم الجلوس في الأكثر من الركعة الواحدة، لما عرفت من عدم العذر في ترك القيام سابقاً مع القدرة عليه، و الحكم يتبع في فعليته فعلية موضوعه و هو متحقق على الفرض فيشمله قوله (عليه السلام): «إذا قوي فليقم» بخلاف تركه في الركعات اللاحقة، فإنّه مستند إلى العجز بعد صرف قدرته في الركعة السابقة، و ليس المقام من موارد التزاحم كي يراعى فيه الأهمية و يرجّح بها كما مرّ مراراً.

فما أفاده في المتن من عدم استبعاده وجوب تقديم الجلوس في هذه الصورة لا يمكن المساعدة عليه، كما لا وجه للاحتياط بتكرار الصلاة و إن كان حسناً على كل حال.

و من جميع ما ذكرناه تعرف حكم الدوران بين إدراك أوّل الركعة قائماً و العجز آخرها المؤدي إلى الركوع جالساً، و بين العكس، و أنّ اللّازم حينئذ تقديم الأوّل بالبيان المتقدم من عدم المعذورية سابقاً و العذر لاحقاً، و قد عرفت أنّ المقام ليس من باب التزاحم كي يراعى فيه أهمية الركوع، فتنتقل الوظيفة لا محالة إلى الركوع جالساً.