×
☰ فهرست و مشخصات
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تتمة كتاب الطهارة ؛ ج 5، ص : 1

الجزء الخامس

[تتمة كتاب الطهارة]

1
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الباب الخامس في الطهارة من النجاسات و ما يتبعها ؛ ج 5، ص : 2

 

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الباب الخامس في الطهارة من النجاسات و ما يتبعها

من ذكر النجاسات و أحكامها و أحكام الأواني و الجلود، فالبحث في هذا الباب يقع في مقاصد ثلاثة:

المقصد الأول في النجاسات

و تحقيق الكلام فيها في فصول عشرة:

(الأول و الثاني)- البول و الغائط

، المشهور- بل ادعى عليه في المعتبر و المنتهى إجماع العلماء كافة عدا شذوذ من العامة- هو نجاسة البول و الغائط مما لا يؤكل لحمه إذا كان ذا نفس سائلة، و المراد بالنفس السائلة الدم الذي يجتمع في العروق و يخرج بقوة و دفع إذا قطع شي‌ء منها، و هو أحد معاني النفس كما ذكره أهل اللغة، و مقابله ما لا نفس له و هو الذي يخرج لا كذلك بل رشحا كدم السمك.

[نجاستهما من الإنسان]

أقول: اما ما يدل على نجاسة البول و العذرة من الإنسان فأخبار مستفيضة:

منها-

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال: «سألته عن البول يصيب الثوب؟ فقال اغسله مرتين».

و صحيحة ابن ابي يعفور «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الثوب؟ فقال اغسله مرتين».

و حسنة الحسين

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

 

2
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

نجاستهما من الإنسان ؛ ج 5، ص : 2

ابن ابي العلاء «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد؟

قال صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء. قال و سألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال اغسله مرتين. الحديث».

و حسنة الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الصبي؟ قال تصب عليه الماء و ان كان قد أكل فاغسله غسلا. الحديث».

و حسنة أبي إسحاق النحوي عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال صب عليه الماء مرتين».

و رواية الحسن بن زياد «4» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه نكتة من بوله فيصلي ثم يذكر بعد انه لم يغسله؟ قال يغسله و يعيد صلاته».

و صحيحة محمد بن مسلم «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول؟ قال اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة».

و أكثر هذه الأخبار و ان كان مطلقا إلا ان المتبادر منه انما هو بول الإنسان و اما الغائط فيدل على نجاسته اخبار الاستنجاء و قد تقدمت في بابه «6»

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله «7» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟

قال ان كان لم يعلم فلا يعيد».

و مفهومه وجوب الإعادة مع العلم و هو دليل النجاسة، و هذا المفهوم حجة عند المحققين و قد مر ما يدل عليه من الأخبار في مقدمات الكتاب «8»

و في الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن محمد «9» قال: «سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمام و أشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب أ يغسل؟ قال ان كان استبان من أثره شي‌ء

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 19 و 42 من أبواب النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب النجاسات.

(6) ج 2 ص 26.

(7) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب النجاسات.

(8) ج 1 ص 58.

(9) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

3
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

نجاستهما من الإنسان ؛ ج 5، ص : 2

فاغسله و إلا فلا بأس».

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال:

«سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا إلا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء.

الحديث» و في باب البئر‌

في رواية ابن مسكان عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن العذرة تقع في البئر؟ فقال ينزح منها عشرة دلاء».

و في رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«سألته عن العذرة تقع في البئر؟ قال ينزح منها عشرة دلاء فان ذابت فأربعون أو خمسون».

و في صحيح زرارة «4» قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه و هل يجب عليه غسلها؟ قال لا يغسلها إلا ان يقذرها و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي».

و رواية حفص بن ابي عيسى عن الصادق (عليه السلام) «5» «في من وطأ عذرة بخفه فمسحه حتى لم ير فيه شيئا؟ فقال: لا بأس».

و رواية موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن الباقر (عليه السلام) «6» «في شاة شربت بولا ثم ذبحت؟ قال يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلالة. الحديث».

و حسنة محمد بن مسلم «7» قال: «كنت مع ابي جعفر (عليه السلام) إذ مر على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك قد وطأت على عذرة فأصابت ثوبك؟ قال أ ليس هي يابسة؟ فقلت بلى. فقال لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا».

و رواية الحلبي في الكافي عن الصادق (عليه السلام) «8» «في الرجل يطأ في العذرة أو البول أ يعيد الوضوء؟ قال لا و لكن يغسل ما أصابه».

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

(2) المروية في الوسائل في الباب 20 من الماء المطلق. و هما متفقان في المتن.

(3) المروية في الوسائل في الباب 20 من الماء المطلق. و هما متفقان في المتن.

(4) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء.

(5) المروية في الوسائل في الباب 32 من أبواب النجاسات.

(6) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(7) المروية في الوسائل في الباب 32 من أبواب النجاسات.

(8) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء.

4
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

نجاستهما مما لا يؤكل لحمه ؛ ج 5، ص : 5

[نجاستهما مما لا يؤكل لحمه]

و اما ما يدل على بول غيره و غائطه مما لا يؤكل لحمه- زيادة على الإجماع المتقدم و عموم جملة من الأخبار المتقدمة-

ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن سنان «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه».

و صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة،

و رواية أبي يزيد القسمي عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «2» «انه سأله عن جلود الدارش التي يتخذ منها الحفاف؟ فقال لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب».

و ما رواه سماعة عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «ان أصاب الثوب شي‌ء من بول السنور فلا تصلح الصلاة فيه حتى تغسله».

و يؤيد ذلك‌

ما رواه زرارة في الحسن «4» «انهما قالا لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه».

و ما رواه في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «5» «ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال لا بأس ببول ما أكل لحمه».

و في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «6» قال: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و ما رواه علي بن جعفر في المسائل عن أخيه (عليه السلام) «7» قال: «سألته عن الدقيق يقع فيه خرء الفأر هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق؟ قال إذا لم تعرفه فلا بأس و ان عرفته فاطرحه».

أقول: قوله (عليه السلام) «إذا لم تعرفه» اي لم تعلم دخوله في الدقيق و انما تظن ظنا فلا ب. س و ان علمته وجب عليك طرحه و إخراجه، و يوضح ما ذكرناه‌

ما رواه في دعائم الإسلام «8» قال: «سئل الصادق (عليه السلام) عن خرء الفأر يكون في الدقيق؟ قال ان علم به اخرج منه و ان لم يعلم به فلا بأس».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 71 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(7) البحار ج 4 ص 155.

(8) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 4 من أبواب النجاسات.

5
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

مواضع الخلاف ؛ ج 5، ص : 6

 

و روى العلامة في المختلف نقلا من كتاب عمار بن موسى الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه و لكن كره أكله لأنه استجار بك و أوى إلى منزلك و كل طير يستجير بك فاجره».

قال في المدارك بعد الاستدلال بحسنة عبد الله بن سنان المذكورة على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه: «وجه الدلالة ان الأمر حقيقة في الوجوب و اضافة الجمع تفيد العموم، و متى ثبت وجوب الغسل في الثوب وجب في غيره إذ لا قائل بالفصل، و لا معنى للنجس شرعا إلا ما وجب غسل الملاقي له بل سائر الأعيان النجسة انما استفيد نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب أو البدن من ملاقاتها مضافا الى الإجماع المنقول في أكثر الموارد كما ستقف عليه في تضاعيف هذه المباحث» انتهى و هو جيد. و اما قوله في الذخيرة بعد نقل هذا الكلام «و فيه تأمل» فالظاهر انه بناء على ما تكرر في كلامه من عدم دلالة الأمر في الاخبار على الوجوب و قد أوضحنا ضعفه في غير مقام. ثم قال في المدارك: «أما الأرواث فلم أقف فيها على نص يقتضي نجاستها من غير المأكول على وجه العموم و لعل الإجماع في موضع لم يتحقق فيه المخالف كاف في ذلك» انتهى.

و هو جيد. و العجب ان المحقق في المعتبر بعد ان ادعى الإجماع المشار اليه آنفا نقل خلاف الشيخ في المبسوط في رجيع الطير كما سيأتي.

[مواضع الخلاف]

و بالجملة فالمفهوم من كلام الأكثر البناء على قاعدتين كليتين: الاولى- ان كل ما يؤكل لحمه فبوله و روثه طاهر، و الثانية- ان كل ما لا يؤكل لحمه فبوله و روثه نجس، و الخلاف قد وقع في الكليتين، و ها انا اذكر مواضع الخلاف فأقول:

[الموضع] (الأول)- رجيع الطير

و هذا من الكلية الثانية، فذهب الصدوق الى طهارته مطلقا حيث قال في الفقيه: «و لا بأس بخرء ما طار و بوله» و هو ظاهر في إطلاق القول بالطهارة، و نقله الأصحاب أيضا عن ابن ابي عقيل و الجعفي، و هو قول الشيخ في‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

 

6
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

المبسوط إلا انه استثنى منه الخشاف قال: بول الطيور و ذرقها كله طاهر إلا الخشاف.

و قال في الخلاف: ما أكل فذرقه طاهر و ما لم يؤكل فذرقه نجس. و به قال جمهور الأصحاب.

و يدل على القول بالطهارة‌

موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) «1» قال:

«كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله».

و نقل شيخنا المجلسي في البحار قال: وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا من جامع البزنطي عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «خرء كل شي‌ء يطير و بوله لا بأس به».

و لم أقف على خبر يدل على المشهور من التفصيل في الطير بين المأكول و غير المأكول إلا ان المحقق في المعتبر استدل على ذلك بما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه و أضاف الى ذلك دعوى ترادف الخرء و العذرة، قال بعد الإشارة إلى قول الشيخ في المبسوط: و لعل الشيخ استند إلى رواية أبي بصير، ثم ساقها ثم احتج لما ذهب اليه من مساواة الطير لغيره في التفصيل المذكور بان ما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل يتناول موضع النزاع لان الخرء و العذرة مترادفان، ثم أجاب عن رواية أبي بصير بأنها و ان كانت حسنة لكن العامل بها من الأصحاب قليل.

و اعترضه في هذا المقام المحققان السيد في المدارك و الشيخ حسن في المعالم، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: «و هو غير جيد لما بينا من انتفاء ما يدل على العموم، و لأن العذرة ليست مرادفة للخرء بل الظاهر اختصاصها بفضلة الإنسان كما دل عليه العرف و نص عليه أهل اللغة، قال الهروي العذرة أصلها فناء الدار و سميت عذرة الإنسان بها لأنها كانت تلقى في الأفنية فكني عنها باسم الفناء» انتهى.

أقول: فيه (أولا)- انه يمكن ان يكون صاحب المعتبر أشار بما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه الى ما ورد عنهم (عليهم السلام) من النهي عن الوضوء و الشرب‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

(2) ج 18 ص 26.

7
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

من الماء الذي دخلته الحمامة و الدجاجة و في رجلها العذرة، و أمرهم (عليهم السلام) بغسل الثوب الذي وطأته الدجاجة و في رجلها العذرة، و الأمر بغسل الرجل التي وطئت بها العذرة، و قد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك و أمثال ذلك مما دل على نجاسة العذرة بقول مطلق فإنه بإطلاقه شامل لعذرة الإنسان و غيره.

و (ثانيا)- انه قد ورد في الروايات إطلاق العذرة على فضلة غير الإنسان صريحا كما تقدم في رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله،

و روى الشيخ بسنده الى محمد بن مضارب عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «لا بأس ببيع العذرة».

و عن سماعة بن مهران في الموثق «2» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر فقال أني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال حرام بيعها و ثمنها، و قال لا بأس ببيع العذرة».

و لا ريب ان المراد بالعذرة في الحديث الأول و آخر الثاني منهما انما هو عذرة غير الإنسان لتحريم بيع عذرة الإنسان اتفاقا.

و (ثالثا)- ان صاحب القاموس و الصحاح فسرا الخرء بالعذرة و هو يؤذن بالمرادفة، و يؤيده أيضا ما صرحوا به من تفسير الخرء بالغائط الذي هو في ظاهر كلامهم مخصوص بفضلة الإنسان، قال في المجمع: الخرء الغائط. و مثله في المصباح المنير قال:

خرئ بالهمزة يخرأ من باب تعب إذا تغوط. مع انهم قالوا في الغائط انه مخصوص بفضلة الإنسان لما ذكروه في سبب التسمية من ان أصل الغائط المكان المنخفض من الأرض و كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا في تلك الأمكنة فكني بها عن الحدث.

و بذلك يظهر ان كلام المعتبر لا يخلو من قوة و ان ما أورده عليه غير وارد.

إلا انه يمكن ان يقال ان لفظ العذرة و ان كان عاما بحسب اللغة و العرف الشرعي لكن لا يبعد ادعاء انه في الروايات حال الإطلاق و عدم القرينة مخصوص بعذرة الإنسان أو انه يعمها و غيرها لكن لا على وجه يشمل خرء الطير، لما أشرنا إليه في غير موضع‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 69 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 69 من أبواب ما يكتسب به.

8
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

و صرح به جملة من المحققين من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد المتكثرة المتعارفة و بما ذكرنا ايضا يسقط كلام صاحب المعالم و اعتراضه كلام المحقق حيث انه حذا حذو صاحب المدارك في الإيراد عليه و أغرب في كلامه بما اسداه اليه، قال (قدس سره) بعد نقل كلام المعتبر: «و لي في كلامه ههنا تأمل لأن الإجماع الذي ادعاه على نجاسة البول و الغائط من مطلق الحيوان غير المأكول ان كان على عمومه فهو الحجة في عدم التفرقة بين الطير و غيره. و ان كان مخصوصا بما عدا الطير فأين الأدلة العامة على نجاسة العذرة مما لا يؤكل؟ و الحال انا لم نقف في هذا الباب إلا على حسنة عبد الله بن سنان و لا ذكر أحد من الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم في احتجاجهم لهذا الحكم سواها، و هي- كما ترى- واردة في البول و لم يذكرها هو في بحثه للمسألة بل اقتصر على نقل الإجماع كما حكيناه عنه فلا ندري لفظ العذرة أين وقع معلقا عليه الحكم ليضطر الى بيان مرادفة الخرء له و يجعلها دليلا على التسوية التي صار إليها؟ ما هذا إلا عجيب من مثل المحقق» انتهى.

و فيه ما عرفت من الأخبار التي قدمناها دالة على نجاسة العذرة الشاملة بإطلاقها لعذرة الإنسان و غيره مع ان صريح صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله إطلاق العذرة على فضلة غير الإنسان، و مما يدل ايضا على إطلاق العذرة على فضلة غير الإنسان رواية محمد بن مضارب المتقدمة، فإنكاره وجود العذرة في الأخبار معلقا عليها الحكم لا وجه له بعد ما عرفت. و احتمال حمل كلامه على منع العموم في تلك الاخبار مع بعده عن سياق كلامه مدفوع بما صرح به هو و غيره من ان ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على عموم المقال، مع ان المحقق ذهب الى ان المفرد المحلى باللام في المقامات الخطابية حيث لا عهد يكون للعموم و يقوم مقام الألفاظ العامة. و هو في المعالم قد ساعد على ذلك و قال به و تبعه فيه، و الحال ان ما نحن فيه كذلك حيث لا عهد فيكون للعموم، و حينئذ فلا عجب من المحقق فيما نسبه اليه انما العجب منه (قدس سره) في تشنيعه عليه. نعم يمكن‌

9
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

تطرق المناقشة من الوجه الذي أشرنا إليه من حيث بعد شمول هذا العموم لخرء الطير.

و استدل في المختلف للقول المشهور‌

بحسنة عبد الله بن سنان المتقدمة و قوله (عليه السلام) فيها: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه».

و هي- كما ترى- انما تضمنت حكم البول مع ان البول من الطير غير معلوم. و ما ذكره بعضهم في تقريب الاستدلال بها- من انها لما تضمنت حكم البول و دلت على نجاسته وجب القول بذلك في الخرء لعدم القائل بالفرق- فهو و ان اشتهر مثله في كلامهم من الضعف عندي بمكان لا يحتاج الى بيان كما ستعرفه ان شاء الله تعالى في مسألة أبوال الدواب الثلاث.

ثم ان القائلين بالقول المشهور اختلفوا في الجواب عن رواية أبي بصير التي أسلفنا ذكر دلالتها على خلاف القول المشهور، فأجاب عنها في المختلف بأنها مخصوصة بالخشاف إجماعا فتختص بما شاركه في العلة و هو عدم كونه مأكولا.

و اعترضه في المدارك بان فساده واضح (أما أولا) فلمنع الإجماع على تخصيص الخشاف فإنه (قدس سره) قد حكى في صدر المسألة عن ابن بابويه و ابن ابي عقيل القول بالطهارة مطلقا و نقل استثناء الخشاف عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط خاصة.

و (اما ثانيا)- فلخروج الخشاف من هذا العموم بدليل لا يقتضي كون العلة فيه انه غير مأكول اللحم بل هذه هي العلة المستنبطة التي قد علم من مذهب الإمامية إنكار العمل بها و التشنيع على من اعتبرها. انتهى. و هو جيد.

و أجيب أيضا عن الرواية المذكورة بالحمل على المأكول خاصة جمعا بينها و بين حسنة عبد الله بن سنان المذكورة من حيث دلالتها على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه من الطير و غيره.

و فيه (أولا) ان الحسنة المذكورة كما عرفت انما تضمنت حكم البول خاصة و المدعى أعم من ذلك، و نجاسة البول لا تستلزم نجاسة الذرق بوجه كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في مسألة أبوال الدواب الثلاث.

10
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

و (ثانيا) انه لو فرض تضمنها لحكم الذرق لأمكن الجمع بحمل الحسنة المذكورة على غير الطير و إبقاء عموم «كل شي‌ء يطير» على حاله، و ترجيح أحد الجمعين على الآخر يحتاج الى دليل، بل الأظهر هو جعل التأويل في جانب الحسنة المذكورة لو فرض دلالتها و إبقاء عموم تلك الكلية على حاله من حيث ترجيحه بمطابقة الأصل و التأييد بالعمومات الدالة على الطهارة مثل‌

قولهم (عليهم السلام) «1»: «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

و من جهة أظهرية‌

«كل شي‌ء يطير».

في العموم للطير الغير المأكول اللحم من قوله:

«ما لا يؤكل لحمه».

و ذلك مناط التخصيص.

و (ثالثا) تأيد رواية أبي بصير بالرواية التي نقلناها من جامع البزنطي بنقل شيخنا المشار اليه فترجح بذلك على ما عارضها و يصير التأويل في الجانب المرجوح.

و بذلك يظهر لك قوة القول بالطهارة في ذرق الطير مطلقا إلا انه يبقى التردد في بوله ان فرض له بول، و الأظهر أيضا ترجيح الطهارة لما ذكرناه في الجمع بين روايتي أبي بصير و البزنطي و بين حسنة ابن سنان من جعل التأويل في جانب الحسنة المذكورة بالحمل على غير الطير للوجوه التي ذكرناها. و بالقول بالطهارة هنا صرح في المدارك و اختاره في المعالم إلا انه قيده بشرط ان لا يكون الإجماع المدعى مأخوذا على جهة العموم و إلا كان هو الحجة و المخرج عن الأصل. و فيه نظر إذ لم يقم على حجية مثل هذه الإجماعات- سيما في مقابلة الروايات و ظهور الخلاف في المسألة من جملة من أجلاء الأصحاب- دليل يعتد به.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد في المدارك استدل للقول بالطهارة هنا‌

بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «2» «انه سأله

______________________________
(1) قد تقدم في ج 1 ص 42 التعليقة رقم (1) و ص 149 التعليقة رقم (4) ما يرجع الى المقام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من قواطع الصلاة.

11
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه و هو في صلاته؟ قال لا بأس».

قال: و ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يفيد العموم.

أقول: فيه (أولا)- ان هذه الرواية ليست من روايات الشيخ كما يدل عليه كلامه لعدم وجودها في كتابيه و انما هي من روايات الصدوق في الفقيه رواها عن علي ابن جعفر (رضي الله عنه) و طريقه إليه في المشيخة صحيح.

و (ثانيا)- ان ما ذكره من تقريب الاستدلال بها- من ان ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم- ليس على وجهه هنا إذ ذاك انما يتم بالنسبة إلى الغرض المقصود من سياق الكلام، و ما ذكره يتم لو كان الغرض من سوق الكلام بيان حكم الطير و خرئه و انه يجب الاجتناب عنه أم لا و قيل في الجواب عن ذلك «لا بأس» من دون تفصيل فان الظاهر حينئذ هو العموم لما قرروه، و اما إذا لم يكن الغرض متعلقا بذلك كما فيما نحن فيه فلا إذ الظاهر ان الغرض من السؤال انما هو عن حك شي‌ء من الثوب و انه هل ينافي الصلاة أم لا؟ و ذكر خرء الطير انما وقع من قبيل التمثيل في الجملة فإذا أجيب حينئذ بأنه لا بأس به و لم يفصل في الطير بأنه مما يؤكل لحمه أم لا لا يدل على العموم أصلا، و ما قلناه ظاهر لمن تأمل و تدبر في أساليب الكلام، و يؤيده انه قال في الرواية المذكورة بعد ذلك: «و قال لا بأس ان يرفع الرجل طرفه الى السماء و هو يصلي» و يؤكد ذلك إيراد الأصحاب الرواية المذكورة في مسألة ما يجوز للمصلي فعله في الصلاة و ما لا يجوز حيث دلت على انه يجوز للمصلي أن يحك خرء الطير من ثوبه و هو في الصلاة.

و (ثالثا)- ان لفظ «غيره» في كلام السائل سواء جعل عطفا على الطير أو الخرء عام مع ان الامام (عليه السلام) لم يفصل فيه فلو كان العموم على ما ذكره ملحوظا لجرى في لفظ الغير و لزم من ترك الاستفصال فيه جواز الصلاة في النجاسة عمدا بالتقريب الذي ذكره في خرء الطير، فلو أجيب بأنه لعل الإجمال هنا انما كان من حيث معلومية‌

12
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع: ؛ ج 5، ص : 13

 

الحكم فلم يفصل، قلنا ذلك في خرء الطير ايضا من غير تفاوت.

و يعضد ما ذكرناه ما صرح به شيخنا البهائي في الحبل المتين حيث قال: «و قد احتج بعض الأصحاب بالحديث السابع على طهارة خرء مطلق الطير، و ظني انه لا ينهض دليلا على ذلك فان نفي البأس فيه لا يتعين ان يكون عن الخرء لاحتمال ان يكون عن حكه في الصلاة عن الثوب و يكون سؤال علي بن جعفر انما هو عن ان حكه في أثناء الصلاة هل هو فعل كثير لا يجوز في الصلاة أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بنفي البأس عنه فيها، و لفظة «غير» يجوز قراءتها بالنصب و الجر و على التقديرين ففيها تأييد تام لهذا الاحتمال إذ لو لم يحمل عليه لم يصح إطلاقه (عليه السلام) نفي البأس عما يراه المصلي في ثوبه من خرء الطير و غيره، و ايضا فاللام في الطير لا يتعين كونها للجنس لجواز كونها للعهد و المراد المأكول اللحم و مع قيام الاحتمال يسقط الاستدلال» انتهى. و الظاهر ان مراده ببعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) انما هو السيد المذكور فإنه لم يتعرض غيره لذكر هذه الرواية في المقام. و بالجملة فالاستدلال بهذه الرواية بعيد من مثله (قدس سره) و المتناقل في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انما هو الاستدلال برواية أبي بصير خاصة.

فروع:

(الأول) [رجيع ما لا نفس له]

الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في طهارة رجيع ما لا نفس له كالذباب و نحوه، و في التذكرة انما نسب الخلاف إلى الشافعي و ابي حنيفة و ابي يوسف «1» و لم ينسبه الى أحد من علمائنا و هو مؤذن بعدم الخلاف فيه عندنا و استدل عليه في المنتهى بأصل الطهارة، و بان التحرز عنه متعذر و فيه حرج فيكون منفيا‌

______________________________
(1) لم نجد المسألة فيما وقفنا عليه من المصادر بهذا العنوان نعم في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 62 تعليل نجاسة الأرواث كلها بان معنى النجاسة موجود فيها و هو الاستقذار في الطبائع السليمة لاستحالتها الى نتن و خبث رائحة مع إمكان التحرز عنه. و في المحلى لابن حزم ج 1 ص 191 تعليل وجوب غسل خرء الذباب و البراغيث و النحل و بول الخفاش فيما إذا لم يكن حرج في ذلك بأنه بول و رجيع.

 

13
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) بول الخفاش ؛ ج 5، ص : 14

و احتج في التذكرة بأن دم ما لا نفس له و ميتته طاهر فرجيعه ايضا كذلك.

أقول: اما الاستدلال بأصالة الطهارة فجيد، و اما تعذر التحرز عنه فكذلك فيما لا يمكن التحرز عنه، و اما ما ذكره في التذكرة فهو قياس محض لا يجري في مذهبنا و قال المحقق في المعتبر: «و اما رجيع ما لا نفس له كالذباب و الخنافس ففيه تردد أشبهه انه طاهر لان ميتته و دمه و لعابه طاهر فصارت فضلاته كعصارة النبات» و ظاهر كلامه يؤذن باحتمال تناول الأدلة على نجاسة فضلة الحيوان غير المأكول له، و لهذا قال في المدارك بعد ذكر عبارة الشرائع المشتملة على التردد ايضا: «ربما كان منشأ التردد في البول عموم الأمر بغسله من غير المأكول و ان ما لا نفس له طاهر الميتة و الدم فصارت فضلاته كعصارة النبات».

أقول: و الظاهر عندي ضعف هذا التردد فان المتبادر من مأكول اللحم و غير مأكول اللحم في اخبار المسألة بل مطلقا انما هو ذو النفس السائلة فلا يدخل مثل الذباب و الخنافس و النمل و نحوها. و اما تعليله الطهارة بما ذكره ففيه ما عرفت مما أوردناه على كلام التذكرة. و العجب من جمود صاحب المدارك عليه و تعليله الطهارة بذلك. و بالجملة فأصالة الطهارة أقوى متمسك في المقام حتى يقوم ما يوجب الخروج عنها، و الاستناد الى عموم الأمر بغسله من غير المأكول مدفوع بما عرفت.

(الثاني) [بول الخفاش]

- قد عرفت ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو نجاسة رجيع الطير الغير المأكول اللحم و منه الخشاف، و الشيخ مع قوله بطهارة رجيع الطير مطلقا في المبسوط استثنى الخشاف من ذلك، و يأتي على قول من ذهب الى الطهارة مطلقا طهارته. و الذي يدل على المشهور‌

رواية داود الرقي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فاطلبه فلا أجده؟ قال اغسل ثوبك».

و هذه الرواية هي مستند الشيخ في استثناء الخشاف في المبسوط.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

14
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) بول الخفاش ؛ ج 5، ص : 14

قال في المدارك بعد نقله عن الشيخ انه احتج بهذه الرواية: «و الجواب انها مع ضعف سندها معارضة‌

بما رواه غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» قال:

«لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف».

و هذه الرواية أوضح سندا و أظهر دلالة من الرواية السابقة، و أجاب عنها في التهذيب بالشذوذ و الحمل على التقية، و هو مشكل» انتهى.

أقول: أنت خبير بما فيه فاني لا اعرف لهذه الأوضحية سندا و لا الأظهرية دلالة وجها بل الروايتان متساويتان سندا و متنا كما لا يخفى، و يمكن ترجيح الرواية الثانية‌

بما رواه شيخنا المجلسي في البحار «2» عن الراوندي في كتاب النوادر انه روى بسنده فيه عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: «سئل علي بن ابي طالب (عليه السلام) عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفافيش و دماء البراغيث فقال لا بأس».

و حينئذ فيمكن القول بالطهارة للروايتين المذكورتين، و يؤيدهما عموم موثقة أبي بصير مع رواية البزنطي المتقدمتين لدلالتهما على ان كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله، و قد عرفت طريق الجمع بينهما و بين حسنة ابن سنان بحملها على غير الطير.

بقي الكلام فيما تحمل عليه رواية داود المذكورة، و جمع من الأصحاب حملوها على الاستحباب، و لا يحضرني الآن مذهب العامة «3» إلا ان الشيخ- كما عرفت- حمل رواية غياث على التقية فإن ثبت كونهم كلا أو بعضا أكثريا على ذلك وجب طرح هاتين‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

(2) ج 18 ص 26.

(3) في بدائع الصنائع للكاشاني الحنفي ج 1 ص 62 «بول الخشاف و خرؤه ليس بنجس» و في الفروع لابن مفلح الحنبلي «لا يعفى عن يسير بول الخفاش» و في المحلى لابن حزم ج 1 ص 191 فصل في خرء الذباب و البراغيث و النحل و بول الخفاش بين ما إذا كان في التحفظ منه و في غسله حرج فلم يوجب غسله و ما إذا لم يكن فيه حرج فأوجبه لانه بول و رجيع.

15
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) بول الخفاش ؛ ج 5، ص : 14

الروايتين للتقية و تخصيص موثقة أبي بصير مع الرواية الثانية برواية داود فيستثنى الخشاف من عموم الطير كما ذهب اليه الشيخ. إلا ان ما ذكره من الحمل على التقية غير معلوم عندي و به يظهر ان الأظهر هو الطهارة، و الاحتياط بالعمل بالمشهور مما لا ينبغي إهماله. و مورد الأخبار المذكورة و ان كان هو البول مع عدم معلوميته يقينا من الخشاف و لا غيره من الطيور إلا ان الذرق يكون حكمه أيضا كذلك بل هو اولى بالقول بالطهارة لدخوله تحت عموم موثقة أبي بصير مع الرواية الأخرى و عدم المعارض سوى الإجماع المدعى في المسألة.

و بذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المعالم حيث قال- بعد ذكر رواية داود و رميها بالضعف ثم رواية غياث وردها بذلك- ما صورته: «فان تحقق للخشاف بول و عملنا بالحديث الحسن تعين اطراح هذه لدلالة حسنة عبد الله بن سنان على نجاسة البول من كل حيوان غير مأكول اللحم فتتناول بعمومها الخشاف و تقصر هذه عن تخصيصها و كذا ان ثبت عموم محل الإجماع، و إلا فالأصل يساعد على العمل بهذه و ان ضعفت و يكون ذكر البول فيها محمولا على التجوز» انتهى.

أقول: الإشارة بهذه في كلامه راجع الى رواية غياث و هي الأخيرة من الروايتين و فيه انه على تقدير ثبوت البول للخشاف فان المنافاة لا تختص برواية غياث حتى انها تقصر عن تخصيص الحسنة المذكورة بل موثقة أبي بصير المذكورة في كلامه سابقا و هو ان عمل بالحسنة فالموثقة ايضا مثلها في قوة العمل، و بالجملة فإنه لا بد له من الجمع بين الحسنة المذكورة و الموثقة المشار إليها لتصادمهما في البول، و وجه الجمع هو ما قدمناه من حمل الحسنة المذكورة على غير الطيور و إبقاء الموثقة على عمومها، و حينئذ فيبقى التعارض بين رواية غياث و رواية داود مع تأيد رواية غياث بعموم موثقة أبي بصير و الرواية التي معها و خصوص رواية الراوندي فيترجح العمل بها، و اما على تقدير عدم ثبوت البول و الحمل على الرجيع تجوزا فالأمر كما ذكره لما عرفت آنفا.

16
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) في غير المأكول لعارض ؛ ج 5، ص : 17

 

(الثالث) [في غير المأكول لعارض]

- لا فرق في غير المأكول الذي تقدم الكلام في خرئه و بوله بين ان يكون تحريمه أصالة كالسباع و الإنسان و نحوهما و بين ان يكون لعارض كالجلال ما لم يستبرأ و موطوء الإنسان و شارب لبن الخنزير حتى يشتد عليه لحمه و عظمه، و يظهر من العلامة في التذكرة انه إجماعي، قال فيها: رجيع الجلال من كل الحيوان و موطوء الإنسان نجس لأنه حينئذ غير مأكول اللحم و لا خلاف فيه. و في المختلف ادعى الإجماع على نجاسة ذرق الدجاج الجلال، و الأصل في ذلك إطلاق الأخبار المتقدمة.

(الموضع الثاني)- بول الرضيع

و هذا من الكلية الثانية أيضا، و المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في نجاسة بول الإنسان بين الصغير منه و الكبير و عن المرتضى دعوى الإجماع عليه، و في المختلف عن ابن الجنيد انه قال: بول البالغ و غير البالغ من الناس نجس إلا ان يكون غير البالغ صبيا ذكرا فان بوله و لبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس.

و يدل على القول المشهور مضافا الى عموم الروايات المتقدمة في صدر الباب خصوص‌

صحيحة الحلبي أو حسنته «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الصبي؟

قال تصب عليه الماء فان كان قد أكل فاغسله غسلا.».

و احتج في المختلف لابن الجنيد‌

بما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «2» انه قال لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين».

و قد أجيب عن الرواية المذكورة (أولا) بالطعن في السند. و (ثانيا) بالقول بموجبها فان انتفاء الغسل لا ينافي الحكم بالصب و نحن انما نقول بالثاني لا الأول. و فيه نظر سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

أقول: و هذه الرواية‌

قد نقلها مولانا الرضا (عليه السلام) في الفقه الرضوي

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب النجاسات.

 

17
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - بول الرضيع ؛ ج 5، ص : 17

بعد ان افتى فيه بمضمون صحيحة الحلبي حيث قال (عليه السلام) «1»: «و ان أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين ثم أعصره، و ان كان بول الغلام الرضيع فصب عليه الماء صبا و ان كان قد أكل الطعام فاغسله، و الغلام و الجارية سواء، و قد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال لبن الجارية يغسل منه الثوب قبل ان تطعم و بولها لان لبن الجارية يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من المنكبين و العضدين».

انتهى. و بهذه العبارة من أولها إلى آخرها عبر الصدوق في الفقيه بتغيير ما. و أنت خبير بان كلامه في الكتاب المذكور و فتواه بما ذكره أولا ظاهر في خلاف الرواية المذكورة و لم يتعرض (عليه السلام) لبيان الوجه فيها، و لعل الوجه فيه هو كون هذه الرواية من مرويات العامة عنه (عليه السلام) فاقتصر على نقلها و عدم ردها تقية و إيهاما لجواز القول بها فإنه (عليه السلام) كثيرا ما يروى في هذا الكتاب أمثال ذلك كما نبه عليه ايضا شيخنا المولى محمد تقي المجلسي، و قد تقدم ذكر ذلك في الكتاب، و الظاهر من الرواية المذكورة هو طهارة البول مثل اللبن لان ظاهر الجمع بينهما في عدم الغسل ذلك، إذ الحكم بعدم الغسل انما تعلق أولا باللبن الذي لا خلاف في طهارته عندهم ثم عطف البول عليه فهو يقتضي كونه كذلك، و تأويلهم الرواية بأن انتفاء الغسل لا يستلزم نفي الصب انما يتم لو لم يذكر في هذه العبارة سوى البول و نفي الغسل انما وقع في الرواية عن اللبن و البول انما عطف عليه بعد ذلك، و القول بالتأويل المذكور لا يصح إلا بإدخال اللبن في هذا الحكم و هم لا يقولون به، و بالجملة فإن التأويل المذكور لا يقبله سياق الخبر.

ثم انه مما يدل بظاهره على ما دل عليه الخبر المشار اليه‌

ما رواه شيخنا المجلسي في البحار «2» عن كتاب النوادر للقطب الراوندي بإسناده فيه عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال علي (عليه السلام) بال الحسن و الحسين على ثوب

______________________________
(1) ص 6.

(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 2 من أبواب النجاسات.

18
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) - خرء الدجاج غير الجلال ؛ ج 5، ص : 19

رسول الله (صلى الله عليه و آله) قبل ان يطعما فلم يغسل بولهما من ثوبه».

و التأويل بكونه لم يغسله و ان صب عليه الماء و ان احتمل لكن الظاهر بعده عن السياق، و لو كان كذلك لكان الظاهر ان يقول (عليه السلام) «بل صب عليه الماء» أو نحو ذلك، إلا انه‌

قد روى في البحار ايضا «1» عن كتاب الملهوف على قتلي الطفوف للسيد رضي الدين بن طاوس بسنده عن أم الفضل زوجة العباس «انها جاءت بالحسين (عليه السلام) الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فبال على ثوبه فقرضته فبكى فقال مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل و قد أوجعت ابني».

و الظاهر ان المراد بالغسل الصب.

و كيف كان فالعمل على أدلة القول المشهور لارجحيتها بوضوح الصحة فيها و الظهور مع اعتضادها بعمل الطائفة قديما و حديثا و إرجاع ما عارضها الى قائله حسبما ورد به الأمر عنهم (عليهم السلام).

(الموضع الثالث)- خرء الدجاج غير الجلال

و هذا من الكلية الأولى، فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) طهارته و عن الشيخين القول بنجاسته و ظاهر الشيخ في التهذيب و الاستبصار الموافقة على الطهارة فينحصر الخلاف في الشيخ المفيد و المعتمد القول بالطهارة للأصل‌

و قوله (عليه السلام) في موثقة عمار المتقدمة في صدر الباب «2» «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و قول الصادق (عليه السلام) في موثقة زرارة الواردة في الصلاة في الجلود و الأوبار «3» «ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي‌ء منه جائزة. الحديث».

و خصوص‌

رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «4» «انه قال لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(2) ص 5.

(3) المروي في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

19
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

و يدل على قول الشيخين‌

ما رواه الشيخ في التهذيب عن فارس «1» قال:

«كتب اليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه؟ فكتب لا».

و ردها الأصحاب بالطعن في الراوي فإنه مذموم جدا فان فارسا المذكور هو ابن حاتم القزويني كما يظهر من كتب الرجال، قال الشيخ فيه انه غال ملعون، و قال العلامة في الخلاصة أنه فسد مذهبه و قتله بعض أصحاب أبي محمد العسكري (عليه السلام) و له كتب كلها تخليط و نقل عن الفضل بن شاذان انه ذكر ان من الكذابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني. و حينئذ فيجب إسقاط روايته، و من العجب هنا ان العلامة في المختلف عد روايته في الحسن و الحال فيه ما عرفت، هذا مع ان المكاتب فيها ايضا غير معلوم.

و أصحابنا (رضوان الله عليهم) لم يوردوا دليلا للقول المشهور سوى رواية وهب بن وهب و ردوها بضعف السند ايضا مع ان الموثقتين المذكورتين ظاهرتا الدلالة و ان كان بطريق العموم على المدعى، قال المحقق في المعتبر بعد الطعن في الروايتين المذكورتين: «و بتقدير سقوط الروايتين يكون المرجع الى الأصل و هو الطهارة ما لم يكن جلالا، و لو قيل الدجاج لا يتوقى النجاسة فرجيعه مستحيل عنها فيكون نجسا، قلنا: بتقدير ان يكون ذلك محضا يكون التنجيس ثابتا اما إذا كان يمزج علفه فإنه يستحيل اما عنهما أو عن أحدهما فلا تتحقق الاستحالة عن النجاسة إذ لو حكم بغلبة النجاسة لسرى التحريم الى لحمها، و لما حصل الإجماع على حلها مع الإرسال بطل الحكم بغلبة النجاسة على رجيعها» انتهى. أقول: ما ذكره هنا- من انه متى كان رجيعه مستحيلا عن عين النجاسة فإنه نجس- أحد القولين في المسألة و هو مذهبه في كتاب الأطعمة من الشرائع على تردد فيه، مع انه قد صرح هنا في نجاسة الدم بان الدم يطهر باستحالته قيحا و لبنا و لحما، و المشهور هو الطهارة كما سيأتي تحقيقه في الباب ان شاء الله تعالى.

(الموضع الرابع)- في أبوال الدواب الثلاث

الخيل و البغال و الحمير و أرواثها‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

20
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) القول بالطهارة على كراهية، و نقل عن ابن الجنيد و الشيخ في النهاية القول بالنجاسة فيهما، قال الشيخ في المبسوط: ما يكره لحمه يكره بوله و روثه مثل البغال و الحمير و الدواب و ان كان بعضه أشد كراهة من بعض، و في أصحابنا من قال بول البغال و الحمير و الدواب و أرواثها نجس يجب إزالة قليله و كثيره.

و المستفاد من الأخبار الصحيحة الصريحة- كما ستمر بك ان شاء الله تعالى- هو القول الثاني لكن بالنسبة إلى الأبوال دون الأرواث. و لا يخفى على من راجع كتب الأصحاب كالمعتبر و المنتهى و نحوهما من الكتب المبسوطة في الاستدلال ما وقع لهم في هذه المسألة من المجازفة و عدم إعطاء المسألة حقها من التحقيق كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى، و ظاهر صاحب المدارك هنا التوقف مع اعترافه بصحة الروايات الدالة على النجاسة و صراحتها و عدم صلاحية المعارض للمعارضة رعاية لشهرة القول بالطهارة بين الأصحاب مع انه في شرحه في غير موضع انما يدور مدار الروايات الصحيحة و ان استلزم مخالفة الأصحاب كما لا يخفى على من له انس بطريقته في ذلك الكتاب. هذا و ممن اختار ما اخترناه المحقق الأردبيلي كما ذكره في المدارك و كنى عنه بشيخنا المعاصر و به صرح ايضا الفاضل المحقق الشيخ جواد الكاظمي في شرحه على الدروس و شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني.

و ها انا اذكر أدلة القول المختار عندي ثم أعطف الكلام على نقل أدلة القول المشهور و أبين ما فيها من الوهن و القصور فأقول و بالله سبحانه الاستعانة لبلوغ المأمول:

من الأخبار الدالة على النجاسة‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال يغسل بول الحمار و الفرس و البغل فأما الشاة و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

و في الصحيح عن الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الخيل و البغال؟ قال اغسل ما أصابك منه».

و في الحسن عن محمد بن مسلم

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

21
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن أبوال الدواب و البغال و الحمير؟

فقال اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله فان شككت فانضحه».

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «لا بأس بروث الحمير و اغسل أبوالها».

و رواية عبد الأعلى بن أعين «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الحمير و البغال؟ قال اغسل ثوبك. قال قلت فأرواثها؟ قال هو أكبر من ذلك».

و رواية أبي مريم «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في أبوال الدواب و أرواثها؟ قال اما أبوالها فاغسل ما أصابك و اما أرواثها فهي أكثر من ذلك».

و موثقة سماعة «5» قال: «سألته عن بول السنور و الكلب و الحمار و الفرس. قال كأبوال الإنسان».

و رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري «6» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيبه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الفرس و البغل و الحمار و ينضح بول البعير و الشاة، و كل شي‌ء يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

و صحيحة علي بن جعفر المروية في قرب الاسناد عن أخيه موسى (عليه السلام) «7» قال: «سألته عن الدابة تبول فيصيب بولها المسجد أو حائطه أ يصلى فيه قبل ان يغسل؟

قال إذا جف فلا بأس».

و صحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) «8» قال: «سألته عن الثوب يوضع في مربط الدابة على بولها أو روثها؟ قال ان علق به شي‌ء فليغسله و ان اصابه شي‌ء من الروث أو الصفرة التي تكون معه فلا يغسله من صفرته».

و روايته الثالثة في كتابه «9» قال: «سألته عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها و روثها كيف يصنع؟ قال ان علق به شي‌ء فليغسله و ان كان جافا فلا بأس».

و ما رواه الشيخ

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(6) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(7) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(8) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(9) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

22
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

عن ابي بصير عنه (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الماء النقيع تبول فيه الدواب؟

فقال ان تغير الماء فلا تتوضأ منه و ان لم تغيره أبوالها فتوضأ منه، و كذلك الدم إذا سال في الماء و أشباهه».

و صحيحة محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب؟ قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء».

و صحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) «3» قال: «قلت له الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب. الحديث المتقدم» و زاد في آخره: «و الكر ستمائة رطل».

و رواية أبي بصير «4» قال: «سألته عن كر من ماء مررت به و انا في سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان، قال لا تتوضأ منه و لا تشرب».

هذا ما حضرني من الروايات الدالة على المدعى، و الأصحاب لم يذكروا دليلا للقول بالنجاسة إلا رواية واحدة كما في المعتبر حيث اقتصر على حسنة محمد بن مسلم ثم أولها بالحمل على الاستحباب، و في المدارك اقتصر على الثلاث الأول، و فيه ما أشرنا إليه آنفا، و ربما زاد بعضهم كصاحب المعالم و الفاضل الخراساني في الذخيرة، و اما روايات المياه فإنه لم يلم بها أحد بالكلية في هذا المقام مع انهم يستدلون بها على نجاسة القليل بالملاقاة و الكثير بالتغيير في باب المياه و يذهلون عن حكمهم هنا بالطهارة.

و اما أدلة القول المشهور فها أنا اذكرها واحدا واحدا مذيلا كلا منها بالجواب الكاشف عن حقيقة الحق و الصواب.

فأقول. الأول- الأصل استدل به في المعالم حيث قال: «و يدل على الطهارة وجوه:

أحدها- الأصل فإن إيجاب إزالتها تكليف و الأصل يقتضي براءة الذمة منه» انتهى.

و الجواب ان الأصل يجب الخروج عنه بالدليل و قد قدمنا من الأدلة الصحيحة الصريحة في النجاسة ما يشفي العليل و يبرد الغليل، و سيظهر لك ضعف ما عارضها ان شاء‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من الماء المطلق.

(3) المروية في الوسائل في الباب 9 من الماء المطلق.

(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

23
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

الله تعالى و بطلان ما ناقضها و به يضمحل هذا الأصل من البين.

الثاني-

رواية أبي الأغر النخاس «1» «سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فتضرب إحداها بيدها أو برجلها فينضح على ثوبي؟ فقال لا بأس به».

و رواية المعلى بن خنيس و عبد الله بن ابي يعفور «2» قالا: «كنا في جنازة و قدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا و ثيابنا فدخلنا على ابي عبد الله (عليه السلام) فأخبرناه فقال ليس عليكم بأس».

و قد جمعوا بين هذين الخبرين و ما يوردونه من اخبار النجاسة بحمل الأمر بالغسل على الاستحباب، و استندوا في ذلك تبعا للشيخ إلى‌

رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «3» «في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه، فقلت أ ليس لحومها حلالا؟ قال بلى و لكن ليس مما جعله الله للأكل».

قال الشيخ في التهذيب و الاستبصار بعد نقل جملة من الأخبار الدالة على النجاسة: هذه الأخبار كلها محمولة على ضرب من الكراهة و الذي يدل على ذلك ما أوردناه من ان ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله و روثه، و إذا كانت هذه الأشياء غير محرمة اللحوم لم يكن أبوالها و أرواثها محرما. قال و يدل على ذلك ايضا ما رواه احمد بن محمد، ثم ساق رواية زرارة المذكورة، ثم قال: فجاء هذا الخبر مفسرا لهذه الاخبار و مصرحا بكراهية ما تضمنته و يجوز ان يكون الوجه في هذه الأحاديث أيضا التقية لأنها موافقة لمذهب بعض العامة. انتهى.

و الجواب عن ذلك (أولا)- بما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من انه لا دليل على هذه القاعدة التي عكفوا عليها و لا مستند لها و ان استندوا في غير باب إليها، فإن حمل هذه الأوامر الواردة في الأخبار التي هي حقيقة في الوجوب على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة و اختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز، و ايضا فالاستحباب حكم شرعي كالوجوب و التحريم يحتاج الى دليل واضح.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

24
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

و (ثانيا)- انه من القواعد المقررة عندهم انهم لا يجمعون بين الأخبار مع تعارضها إلا مع التكافؤ في الصحة و إلا فتراهم يطرحون المرجوح و يرمون بالخبر الضعيف في مقابلة الصحيح، فكيف خرجوا عن هذه القاعدة في هذا المقام؟ و لهذا ان السيد السند في المدارك بعد نقل روايتي القول المشهور المذكورتين ثم نقل الروايات الثلاث التي صدرنا بها الأخبار المتقدمة نقل عن الأصحاب حمل هذه الروايات على الاستحباب و اعترضهم بان ذلك مشكل لانتفاء ما يصلح للمعارضة، و كأنه لذلك تفطن جده (قدس سره) حيث انه لم يستدل بهذين الخبرين و انما استدل بالأدلة الآتية دون هذين الخبرين و (ثالثا)- ان قوله في التهذيب- بعد دعواه حمل أخبار النجاسة على ضرب من الكراهة: «و الذي يدل على ذلك. إلخ»- مردود بان ما أورده من ان ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله عام و هذه الأخبار خاصة و طريق الجمع المعروف في أمثال هذا المقام حمل العام على الخاص لا ما ذكره.

و (رابعا)- انه من القواعد المقررة في اخبار أهل البيت (عليهم السلام) في مقام تعارض الأخبار الأخذ بالأعدل و الأوثق و كذا الأخذ بالأشهر يعني في الرواية لا في الفتوى كما نبه عليه جملة من المحققين، و لا ريب انه بمقتضى هاتين القاعدتين يجب ترجيح أخبار النجاسة كما لا يخفى على الخبير المنصف.

و اما ما ذكره الشيخ (قدس سره)- من حمل أخبار النجاسة على التقية لموافقتها لقول بعض العامة- ففيه ان الحمل على التقية فرع المرجوحية و للخصم ان يحمل خبرية على التقية أيضا بل هو الظاهر لمرجوحيتهما الموجبة لطرحهما فيحملان على التقية لقول جملة من العامة بالطهارة تفاديا من طرحهما.

و لا يخفى على المنصف الخبير انه من البعيد بل الأبعد ارتكاب التأويل في هذه الاخبار في مقابلة ذينك الخبرين الضعيفين مع ما عرفت من كثرتها و تعددها و ورودها في مقامات متعددة و أحكام متفرقة مع صحة أسانيد كثير منها و قوة الباقي و صراحتها‌

25
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

و لا سيما موثقة سماعة الدالة على انها كأبوال الإنسان، و يقرب منها حسنة محمد بن مسلم الدالة على الأمر بغسله أولا و مع جهل موضعه غسل الثوب كله و مع الشك بنضحه، فهل يبلغ الأمر في الاستحباب المؤذن بالطهارة الى هذه المرتبة؟ بل نظير ذلك انما جاء في النجاسة المحققة المعلومة كما‌

في حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء و ان استيقن انه قد اصابه و لم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن».

و من العجيب ما ذكره في المعالم هنا حيث انه أيد حمل الأمر بالغسل في حسنة محمد بن مسلم على الاستحباب بالأمر بالنضح فيها حيث انه للاستحباب، قال بعد نقل كلام الشيخ الذي قدمناه: «و حاصله ان الأخبار متعارضة في هذا الباب و حمل روايات النجاسة على استحباب الإزالة طريق الجمع سيما بقرينة الرواية التي رواها أخيرا و امره في حسنة محمد بن مسلم بالنضح مع الشك و هو للاستحباب باعتراف الخصم، مع انه وقع في الحديث مجردا عن القرينة الدالة على ذلك فلا بعد في كون الأوامر الواقعة في صحبته مثله، بل المستبعد من الحكيم سوق الكلام على نمط يعطي الاتفاق في الحكم و الحال على الاختلاف» انتهى.

أقول: أنت خبير بما فيه من التمحل الظاهر و التكلف الذي لا يخفى على الخبير الماهر، فان القرينة على الاستحباب في النضح ظاهرة و هو يقين الطهارة و ان الأصل ذلك كما هو القاعدة المسلمة التي لا يجوز الخروج عنها إلا مع يقين النجاسة، و انما أمر بالنضح لدفع توهم الوسوسة كما في جملة من موارد النضح مع يقين الطهارة، و لو تم ما ذكره للزم مثله في حسنة الحلبي التي ذكرناها و هو لا يقول به، و ما ذكره- من انه يستبعد من الحكيم. إلخ- مسلم لو لم تكن هنا قرينة و القرينة ظاهرة كما عرفت، و اما قوله‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

26
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

في تأييد الحمل على الاستحباب و انه طريق الجمع-: «لا سيما بقرينة الرواية التي رواها أخيرا» مشيرا إلى رواية زرارة- فستعرف ما فيه ان شاء الله تعالى.

(الثالث)- ان لحومها حلال و ان كان مكروها و كل ما كان كذلك فبوله و روثه طاهر، اما الصغرى فاتفاقية نصا و فتوى، و اما الكبرى‌

فلما رواه زرارة في الحسن «1» «انهما قالا لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه».

و ما رواه عمار في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «كل ما أكل فلا بأس بما يخرج منه».

و الجواب ان المستفاد من الاخبار على وجه لا يعتريه بعد التأمل الإنكار ان المراد بمأكول اللحم في هذا المقام انما هو بمعنى ما كان مخلوقا للأكل لا ما كان حلالا كما توهموه و صار منشأ الشبهة لهم في هذه المسألة، فإن هذه الدواب الثلاث انما خلقت لأجل الركوب و الزينة كما دلت عليه الآية الشريفة «وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهٰا وَ زِينَةً» «3» و من أوضح الأدلة و أصرحها فيما قلناه‌

ما رواه العياشي في تفسيره عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «4» «انه سأله عن أبوال الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ؟ قال فكرهها فقال أ ليس لحمها حلالا؟

فقال أ ليس قد بين الله تعالى لكم: وَ الْأَنْعٰامَ خَلَقَهٰا لَكُمْ فِيهٰا دِفْ‌ءٌ وَ مَنٰافِعُ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ «5» و قال: و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة. فجعل للأكل الأنعام التي نص الله تعالى في الكتاب و جعل للركوب الخيل و البغال و الحمير ليس لحومها بحرام و لكن الناس عافوها».

و من هذه الرواية يتضح معنى الرواية التي تمسك بها الشيخ (قدس سره) و اتباعه فقال في كلامه المتقدم: «فجاء هذا الخبر مفسرا لهذه الاخبار» و المراد بالكراهة في الروايتين انما هو النجاسة، و بيانه انه لما سأله عن أبوال هذه الدواب فكرهها- يعني نجسها و حكم بنجاستها- استبعد زرارة ذلك لما تقرر عنده من أنها مأكولة اللحم و ان كل ما كان مأكول اللحم فبوله و روثه طاهر فراجع في الجواب فقال:

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(3) سورة النحل، الآية 8.

(4) البحار ج 18 ص 26.

(5) سورة النحل. الآية 5.

27
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

أ ليس لحومها حلالا و كل ما كان كذلك فبوله و روثه طاهر؟ فقال له بلى و لكن ليس المراد بمأكول اللحم الذي حكم الشارع بطهارة ما يخرج منه ما كان حلالا بل انما هو ما خلق لأجل الأكل و هذه الدواب الثلاث انما خلقت لشي‌ء آخر كما أوضحه (عليه السلام) في رواية العياشي. و من هذا القبيل ايضا‌

ما في صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري من قوله (عليه السلام) «1»: «يغسل بول الحمار و الفرس و البغل و اما الشاة و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

فإنه لا مجال لحمل ما يؤكل لحمه في الرواية على ما يحل اكله بقوله مطلق و إلا لزم منه عدم جواز أكل لحوم تلك الدواب الثلاث لأنها وقعت في مقابلة ما يؤكل لحمه بل لا بد من حمله على ما خلق للأكل، و مثلها‌

روايته الأخرى «2» حيث قال فيها: «يغسل بول الحمار و الفرس و البغل و ينضح بول البعير و الشاة و كل شي‌ء يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

اما بعطف «كل شي‌ء» على «الشاة» و يجعل قوله:

«فلا بأس به» مستأنفا و فيه تعليل لذلك، و يصير حاصل المعنى حينئذ انه ينضح بول البعير و الشاة و بول كل شي‌ء يؤكل لحمه اي ما خلق لأجل الأكل كهذه المعدودات و لا يجب غسله فإنه لا بأس به، و اما يجعل قوله: «و كل شي‌ء» مبتدأ و خبره «لا بأس به» و الجملة في مقام التعليل، و حاصله انه ينضح بول هذه الحيوانات و لا يجب غسله فان كل شي‌ء يؤكل لحمه فإنه لا بأس ببوله، و كيف كان فإنه لا يصح حمل قوله:

«يؤكل لحمه» على ما يحل أكل لحمه بحيث يدخل فيه تلك الدواب الثلاث، و الأمر بالنضح قد ورد في أمثال ذلك في كثير من الاخبار مثل المذي و عرق الجنب و ملاقاة الكلب الثوب يابسا و أمثال ذلك مما هو معلوم الطهارة يقينا.

(الرابع)- الإجماع المركب و هو ان كل من قال بنجاسة الأبوال قال بنجاسة الأرواث و من قال بطهارة الأبوال قال بطهارة الأرواث فالقول بالنجاسة في الأبوال مع طهارة الأرواث خرق للإجماع المركب. و هذا الدليل و ان لم يصرحوا به في كلامهم و يعدوه دليلا‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

28
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

برأسه إلا انه مستنبط منه حيث انهم عمدوا إلى جملة من روايات المسألة المشتملة على الأمر بغسل البول و طهارة الروث فجعلوها من أدلة القول بالطهارة بتقريب حمل الأمر بغسل البول على الاستحباب لما اشتملت عليه الرواية من طهارة الروث، حيث انه لا قائل بذلك إذ الخلاف في المسألة منحصر في القولين المتقدمين، فالقول بما دل عليه ظاهر هذه الاخبار خرق للإجماع المركب فلا يجوز القول به، قال المحقق الشيخ حسن بعد الاستدلال للقول بالطهارة بالروايتين المتقدمتين «1» و ما رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن احمد بن محمد ثم ساق صحيحة الحلبي المتقدمة «2» و هي الثانية من روايتيه المشتملة على الأمر بغسل الأبوال و نفي البأس عن الأرواث، ثم قال: وجه الدلالة في هذا الحديث نفي البأس عن الروث فيكون الأمر بغسل البول للاستحباب إذ لا قائل بالفصل فيما يظهر، ثم عطف عليها رواية أبي مريم و رواية عبد الأعلى، و جرى على ذلك ايضا الفاضل الخراساني في الذخيرة.

و الجواب انه لا يخفى ما في هذا الاستدلال من المجازفة في أحكام الملك المتعال و البناء على أساس ظاهر الاضمحلال:

(أما أولا)- فلما حققه غير واحد من محققيهم في بطلان هذا الإجماع الشائع في كلامهم و من المصرحين بذلك هذان القائلان، أما الشيخ حسن فقد قدمنا عبارته المنقولة من المعالم في المقام الثاني من المقدمة الثالثة من مقدمات الكتاب فارجع اليه ليظهر لك صحة ما أوردناه عليه هنا، و اما الفاضل الخراساني فإنه قد تكلم في الإجماع و أطال في مسألة الوطء في الدبر و كونه موجبا للغسل أم لا من الذخيرة و قدح في ثبوته الى ان قال في آخر كلامه: «و الغرض التنبيه على حقيقة الحال و مع هذا فلا أنكر حصول الظن به في بعض الأخبار و لكن في حجيته على الإطلاق نظر فهو من القرائن التي توجب التقوية و التأكيد و لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية» انتهى. و حينئذ‌

______________________________
(1) ص 24.

(2) ص 22.

29
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

فكيف يخالف نفسه هنا و يبني عليه الأحكام بأي تعسف و تكلف في المقام لا يخفى بعد ما حققناه على ذوي الألباب و الافهام، و بالجملة فإن مناقضة بعضهم بعضا بل الواحد نفسه في هذه الإجماعات و لا سيما الشيخ و المرتضى اللذين هما الأصل في الإجماع قد كفانا مؤنة القدح فيه، و قد كان عندي رسالة لشيخنا الشهيد الثاني قد تصدى فيها لنقل جملة من المسائل التي ناقض الشيخ بها نفسه بدعواه الإجماع على الحكم في موضع ثم يدعيه على خلافه في موضع آخر و فيها ما ينيف على سبعين مسألة. و الحق ان هذه الإجماعات المتناقلة لا تخرج عن مجرد الشهرة كما حققه شيخنا الشهيد في صدر الذكرى و اليه أشار المحقق الشيخ حسن في كلامه المتقدم الذي أشرنا اليه.

و (اما ثانيا)- فإنه أي مانع عقلي أو شرعي يمنع من الفتوى في المسألة إذا قام الدليل على ذلك و ان لم يقل به قائل من السابقين؟ و اشتراط القول بوجود قائل من المتقدمين و ان قال به شذوذ منا إلا ان المحققين على خلافه، كيف و لو اشترط ذلك لم تتسع دائرة الخلاف في المسائل و الأحكام و لا انتشر فيها النزاع و الخصام الى ما عليه الآن من الاختلاف حتى انك لا تجد حكما من الأحكام إلا و قد تعددت فيه أقوالهم إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة فزائدا و هي تتجدد بتجدد العلماء لانحصار الفتوى في الشيخ في زمنه، و قد نقل بعض الأصحاب انحصار الفتوى فيه (قدس سره) و انه لم يبق بعده إلا ناقل أو حاك حتى انتهت النوبة الى ابن إدريس ففتح باب الطعن على الشيخ و المخالفة له في كثير من المسائل ثم اتسع الباب شيئا فشيئا و انتشر الخلاف الى ما ترى، على انه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك- و هو القدوة لكل داخل في هذا الباب و سالك- بأنه متى قام الدليل للفقيه على حكم في مسألة من المسائل جاز له الإفتاء فيها بما قام الدليل عليه عنده و ان ادعى فيه الإجماع قبله فضلا عن انه لم يقل بها قائل من المتقدمين، قال (قدس سره) في الكتاب المشار إليه في مسألة ما لو اوصى له بأبيه بعد الطعن في الإجماع- و نعم ما قال- ما هذه صورته: «و بهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره‌

30
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الثالث) - في المني ؛ ج 5، ص : 31

 

من المتقدمين في كثير من المسائل التي ادعوا فيها الإجماع إذا قام الدليل على ما يقتضي خلافهم و قد اتفق ذلك لهم كثيرا، و لكن زلة المتقدم متسامحة بين الناس دون المتأخر» انتهى. و هو جيد وجيه، فإذا كان الأمر كذلك فكيف استجاز هذان الفاضلان المنع من القول بما دلت عليه هذه الاخبار من نجاسة البول و طهارة الروث لانه لم يقل به أحد ممن تقدم، و يا لله و العجب العجيب الظاهر للموفق المصيب و من أخذ من الإنصاف بأدنى نصيب أن الأئمة (عليهم السلام) يفرقون بين البول و الروث فيصرحون بنجاسة الأول و يأمرون بغسلة مع تصريحهم في كتبهم الأصولية بان الأمر حقيقة في الوجوب، و يحكمون (عليهم السلام) بطهارة الثاني و هم يتعمدون مخالفتهم و يرتكبون هذه التأويلات الغثة في كلامهم فيحكمون بالطهارة فيهما معا ميلا إلى الأخذ بهذا الإجماع الغير الحقيق بالاتباع و لا الاستماع، ما هو إلا اجتهاد محض في مخالفة النصوص و جرأة تامة على أهل الخصوص، فاشرب بكأس هذا الرحيق و ارتع في رياض هذا التحقيق المنجي بحمد الله من لجج المضيق، فإنك لا تجده في كلام غيرنا من علمائنا الاعلام و لا حام حوله غيرنا أحد في المقام، و الله سبحانه العالم بالأحكام.

(الفصل الثالث)- في المني

و هو اما ان يكون من الإنسان أو غيره من الحيوان ذي النفس السائلة أو من غير ذي النفس السائلة ان ثبت وقوع المني منه فههنا أقسام ثلاثة:

(الأول)- مني الإنسان

، و لا خلاف نصا و فتوى في نجاسته، و الأصل فيه بعد الإجماع الأخبار المستفيضة‌

كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» «في المني يصيب الثوب؟ قال ان عرفت مكانه فاغسله فإن خفي عليك فاغسله كله».

و حسنة عبد الله بن ابي يعفور عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن المني يصيب الثوب؟ قال ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك مكانه فاغسله كله».

و موثقة

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

 

31
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) - مني غير الإنسان مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 32

سماعة «1» قال: «سألته عن المني يصيب الثوب؟ قال اغسل الثوب كله إذا خفي عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا».

و صحيحة الحلبي أو حسنته على المشهور عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي اصابه. و ان ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و ان استيقن انه قد أصابه مني فلم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن».

و حسنة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: ذكر المني فشدده و جعله أشد من البول، ثم قال: «ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، فإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك، و كذلك البول».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي لا حاجة الى التطويل بنقلها مع الاتفاق على الحكم المذكور، و أكثر هذه الاخبار ما ذكر منها و ما لم يذكر و ان وقع لفظ المني فيها مطلقا إلا ان تبادر التخصيص بإرادة مني الإنسان أمر ظاهر منها كالعيان لا يحتاج الى بيان، و بذلك صرح جملة من علمائنا الأعيان.

(الثاني)- مني غير الإنسان مما له نفس سائلة

، و حكمه حكم مني الإنسان عند الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل ادعى العلامة في التذكرة الإجماع على نجاسته مع مني الإنسان و جعله الحجة في الحكم المذكور، و في المعتبر و المنتهى ان الحجة على نجاسته عموم الأخبار المتقدمة و لم يذكرا الإجماع. و لا يخفى ما في هذا الاحتجاج من البعد السحيق عن ساحة تلك الاخبار، قال في المعالم بعد نقل ذلك عنهما «و عندي في تحقق العموم بحيث يتناول غير الآدمي نظر، و يمكن ان يحتج له بجعله أشد من البول في صحيح محمد بن مسلم، فإنه و ان شهدت القرينة الحالية في مثله بإرادة مني الإنسان إلا ان فيه اشعارا بكونه اولى بالتنجيس من البول فكل ما حكم بنجاسة بوله ينبغي ان تكون لمنيه هذه الحالة، و ربما كان هذا القدر كافيا مع الإجماع المنقول و عدم ظهور مخالف‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

32
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - مني غير ذي النفس السائلة ؛ ج 5، ص : 33

فيه» انتهى. أقول: من المحتمل قريبا- بل الظاهر انه المراد من الخبر- ان التشديد انما هو بالنسبة إلى الإزالة لا إلى النجاسة إذ النجاسة لا تقبل الشدة و الضعف إلا بنوع من الاعتبار الذي لا يصلح لبناء حكم شرعي عليه، و اما الإزالة فالأمر فيها ظاهر فإن المني لمزيد ثخانته و لزوجته يحتاج في الغسل الى مزيد كلفة بخلاف البول الذي هو كالماء.

و يمكن الاستدلال على الطهارة بعموم‌

موثقة عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و موثقة عبد الله بن بكير «2» «ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي‌ء منه جائزة».

إلا ان في الخروج عما ظاهرهم الإجماع عليه سيما مع أوفقيته بالاحتياط بهذين الخبرين مع ما هما عليه من الإجمال إشكالا، إذ المتبادر من الأول انما هو البول و الروث كما فهمه الأصحاب و لذلك نظموه في سلك الأخبار الدالة على طهارة بول و روث ما يؤكل لحمه، و قد تقدم مع جملة منها كذلك في أول الباب، و اما الثانية فالمراد منها انما هو الاشعار و الأوبار و الجلود و نحوها و يدل على ذلك سياق الخبر المذكور كما لا يخفى على من راجعه. و ظاهره ان الفرق في صحة الصلاة و عدمها في المأكول و غير المأكول انما هو من حيث كونه مأكول اللحم و غير مأكول اللحم. و هذا لا يتمشى في المني إذ الحكم بالنجاسة و عدم جواز الصلاة فيه أو الطهارة و جواز الصلاة فيه لا يفرق فيهما بين مأكول اللحم و عدمه كما لا يخفى، و بالجملة فالأحوط الوقوف على ما ذكروه و ان لم أقف له على دليل شاف.

(الثالث)- مني غير ذي النفس السائلة

، و الظاهر من كلام جملة من الأصحاب هو القول بالطهارة، و تردد فيه المحقق في المعتبر و نحوه العلامة في المنتهى مع ميلهما إلى الطهارة، و الظاهر ان وجه التردد هو ما أشرنا إليه آنفا من استدلالهما باخبار المني المتقدمة على نجاسة مني غير الإنسان من ذوات النفس السائلة و شمولها له بعمومها، و حينئذ فيحتمل دخول ما لا نفس له تحت عموم تلك الأخبار إذ لا تصريح في تلك الأخبار‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

33
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 34

 

بالتخصيص بذي النفس السائلة. و لا يخفى ما فيه من البعد بل هو مما يقطع بعدمه، فان شمول الأخبار المذكورة لما عدا مني الإنسان مما يكاد يقطع بعدمه ايضا فكيف ما لا نفس له، إذ حمل السؤالات المذكورة في الاخبار عن اصابة الثوب و البدن على مني غير الإنسان من الحيوانات أندر نادر و اشذ شاذ، سيما مع تصريحهم في غير موضع بأن الإطلاقات في الاخبار انما تنصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة الوقوع دون الفروض النادرة، فإذا كان الأمر كذلك في مني ما له نفس فكيف في مني ما لا نفس له؟ و بالجملة فالظاهر ان القول بالطهارة مما لا يحوم حوله شبهة الاشكال و لا يداخله النقض و الاختلال.

تنبيهات

(الأول) [الأخبار الموهمة طهارة مني الإنسان]

- قد عرفت اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على نجاسة مني الإنسان و تظافر الأخبار به إلا ان هنا جملة من الأخبار لا تخلو في ذلك من اشكال و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة «1» قال: «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟ فقال نعم لا بأس به إلا ان تكون النطفة رطبة فإن كانت جافة فلا بأس».

و حمله الشيخ في الاستبصار على ما إذا لم يتجفف بالموضع الذي فيه المني لئلا يصيبه المني. و فيه انه لا يظهر على هذا فرق بين الرطبة و الجافة لاشتراكهما في حصول البأس مع الإصابة رطبا كان أو يابسا مع رطوبة بدنه و انتفائه مع عدم أصابتها مع انه فرق بينهما.

أقول: قد وقفت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا البهائي على الجواب عن هذا الاشكال الوارد على جواب الشيخ عن هذه الرواية، حيث قال: «ظاهر هذا الحديث مشكل فإنه يشعر بطهارة المني إذا كان جافا كما هو مذهب بعض العامة و إلا فلا فرق هنا بين ما إذا كان المني رطبا و جافا إذا لم يماس البدن حال تنشيفه. و يمكن ان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

 

34
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) الأخبار الموهمة طهارة مني الإنسان ؛ ج 5، ص : 34

يقال ان من عرف موضع المني في ثوبه ثم نزعه فطرحه عنه ليغتسل فمعلوم ان اجزاء الثوب حال النزع و بعد الطرح يماس بعضها بعضا فيقع بعض الأجزاء الطاهرة منه على ذلك المني، فإن كان جافا لا تتعدى نجاسته حال النزع و بعد الطرح الى ما يماسه من الاجزاء الطاهرة من الثوب فللمغتسل إذا أراد التنشيف ان يتنشف بأي جزء شاء من اجزائه سوى الجزء الذي تنجس بالمني، و إذا كان رطبا فإن أجزاء الثوب التي تماسه غالبا في حال النزع و بعد الطرح تنجس به لا محالة و ربما جفت في مدة الاشتغال بالغسل و لا يميز عند ارادة التنشيف عن الاجزاء الطاهرة التي لم تماسه فيشتبه الطاهر من الثوب بالنجس منه فلذلك جوز الامام (عليه السلام) التنشيف إذا كان جافا و لم يجوزه إذا كان رطبا» انتهى و هو جيد. أقول: و يمكن حمل الخبر ايضا على التقية لما أشار إليه شيخنا المذكور من ان ذلك مذهب لبعض العامة «1».

و منها-

ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن أبي أسامة «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) تصيبني السماء و علي ثوب فتبله و انا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني أ فأصلي فيه؟ قال نعم».

و يمكن حمله على التقية لأن القول بطهارة المني مذهب جماعة من العامة «3» و يحتمل أيضا تأويله بأن البلل جاز ان لا يعم الثوب بأسره و يكون اصابة الثوب للمني ببعض ليس فيه بلل أو جاز ان يكون البلل قليلا بحيث لا تتعدى معه النجاسة و ان كان شاملا للثوب بأسره، كذا أفاد والدي في بعض تحقيقاته.

______________________________
(1) في المغني ج 2 ص 92 «المشهور عن أحمد طهارة المنى و عنه انه نجس و يعفى عن يسيره و عنه لا يعفى عن يسيره، و يجزئ الفرك على كل حال، و الرواية الأولى هي المشهورة في المذهب و هو قول سعد بن ابى وقاص و ابن عمر و ابن عباس، و قال ابن المسيب إذا صلى فيه لم يعد، و هو مذهب الشافعي و ابى ثور و ابن المنذر» و في البدائع ج 1 ص 60 «المنى نجس و عند الشافعي طاهر».

(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(3) في المغني ج 2 ص 92 «المشهور عن أحمد طهارة المنى و عنه انه نجس و يعفى عن يسيره و عنه لا يعفى عن يسيره، و يجزئ الفرك على كل حال، و الرواية الأولى هي المشهورة في المذهب و هو قول سعد بن ابى وقاص و ابن عمر و ابن عباس، و قال ابن المسيب إذا صلى فيه لم يعد، و هو مذهب الشافعي و ابى ثور و ابن المنذر» و في البدائع ج 1 ص 60 «المنى نجس و عند الشافعي طاهر».

35
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) طهارة ما يخرج من الذكر غير البول و المني ؛ ج 5، ص : 36

و منها-

ما رواه في الكافي أيضا في الموثق عن أبي أسامة «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب تكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل علي؟ قال لا بأس».

و يمكن اجراء الحملين المتقدمين فيه ايضا. و احتمل بعضهم ايضا ان يحمل على اصابة المطر الثوب بحيث طهره قال: و ليس ببعيد. أقول: بل هو في غاية البعد حيث ان نجاسة المني لما فيه من الثخانة و اللزوجة تحتاج الى مزيد كلفة في الإزالة فمجرد اصابة المطر لا يكفي في طهارة الثوب منها إلا ان يحمل على نجاسة لا توجد عين المني في الثوب و ان كان بعيدا من لفظ الجنابة حيث ان المراد منها المنى مجازا. قال في الوافي بعد نقل خبري أبي أسامة المذكورين «و الوجه في الخبرين انه لم يتيقن بلة ذلك الموضع بعينه بحيث يسري معها المني اليه سراية تنجسه، و مجرد الاحتمال غير كاف و ان كان قويا.

و منها-

ما رواه في الكافي و الشيخ في التهذيب عن علي بن أبي حمزة «2» قال:

«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه؟ قال لا ارى به بأسا. قال انه يعرق حتى انه لو شاء ان يعصره عصره؟ قال فقطب أبو عبد الله (عليه السلام) في وجه الرجل و قال ان أبيتم فشي‌ء من ماء فانضحه به».

و يحتمل الحملين المتقدمين، و يحتمل ايضا ان يكون المراد من قوله: «أجنب في ثوبه» يعني جامع فيه لا بمعنى امنى فيه و يكون السؤال باعتبار توهم نجاسة بدن الجنب فتتعدى الى الثوب بالعرق. و لعله الأقرب فإن كثيرا من السؤالات في الاخبار وردت بناء على هذا التوهم.

(الثاني) [طهارة ما يخرج من الذكر غير البول و المني]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه ليس شي‌ء مما يخرج من الذكر بنجس سوى البول و المني، و عن ابن الجنيد انه قال ما كان من المذي ناقضا لطهارة الإنسان غسل منه الثوب و الجسد و لو غسل من جميعه كان أحوط، و فسر الناقض للطهارة بما كان خارجا عقيب شهوة، قال في المختلف بعد ذكر المسألة و نقل خلاف ابن الجنيد: لنا- إجماع الإمامية على طهارته، و خلاف ابن الجنيد غير معتد به‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

36
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) طهارة ما يخرج من الذكر غير البول و المني ؛ ج 5، ص : 36

فان الشيخ لما ذكره في كتاب فهرست الرجال و اثنى عليه قال إلا ان أصحابنا تركوا خلافه لانه كان يقول بالقياس.

أقول: و يدل على القول المشهور جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة، و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد».

و عن حريز في الصحيح «2» قال: «حدثني زيد الشحام و زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء انما ذلك بمنزلة النخامة. الحديث».

و عن إسحاق بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«سألته عن المذي فقال ان عليا (عليه السلام) كان رجلا مذاء و استحيي أن يسأل رسول الله (صلى الله عليه و آله) لمكان فاطمة (عليها السلام) فأمر المقداد أن يسأله و هو جالس فسأله فقال له ليس بشي‌ء».

و عن زيد الشحام في الحسن «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المذي ينقض الوضوء؟ قال لا و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد انما هو بمنزلة البزاق و المخاط».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المعتضدة بأصالة الطهارة و إجماع من عدا ابن الجنيد على القول بها.

و مما يدل على القول بالنجاسة‌

ما رواه الحسين بن ابي العلاء «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب؟ قال ان عرفت مكانه فاغسله و ان

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من نواقض الوضوء.

(2) رواه في الوسائل في الباب 12 من نواقض الوضوء.

(3) رواه في الوسائل في الباب 12 من نواقض الوضوء.

(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من نواقض الوضوء.

(5) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب النجاسات.

37
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) طهارة ما يخرج من القبل و الدبر غير الثلاثة ؛ ج 5، ص : 38

خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله».

و روايته الأخرى أيضا «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب فيلتزق به؟ قال يغسله و لا يتوضأ».

و أجاب الشيخ عن هذين الخبرين بالحمل على الاستحباب جمعا بينهما و بين الاخبار المتقدمة، ثم قال و يزيد ذلك بيانا ما رواه هذا الراوي بعينه و هو‌

الحسين بن ابي العلاء «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب؟ قال لا بأس به فلما رددنا عليه قال ينضحه بالماء».

أقول: و الأظهر عندي حمل الخبرين المذكورين على التقية كما قدمنا ذكره في الباب الثاني في الوضوء «3» و رواية الحسين الثالثة خرجت مخرج الروايات المتقدمة في الدلالة على الطهارة و لكنه حيث انه (عليه السلام) فهم من السائل حصول النفرة منه امره بالنضح المأمور به في جملة من الأخبار في أمثال ذلك.

(الثالث) [طهارة ما يخرج من القبل و الدبر غير الثلاثة]

- قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل رطوبة تخرج من القبل و الدبر فهي طاهرة ما عدا البول و الغائط و الدم و المني تمسكا بالأصل السالم عن المعارض، و يدل عليه‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود «4» قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة وليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب أ تصلي فيه؟ قال إذا اغتسلت صلت فيهما».

قوله «وليها» اي ولي جسدها مع رطوبته ببلل الفرج. و لا اعلم خلافا في الحكم المذكور و انما يحكى من بعض العامة القول بنجاستها، و ذكر المحقق في المعتبر ان القائل المذكور يتشبث بكون الرطوبة جارية من مجرى النجاسة. و رده بأن النجاسة لا يظهر حكمها إلا بعد خروجها من المجرى. و هذا واضح لا ريب فيه.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب النجاسات.

(3) ج 2 ص 110.

(4) رواه في الوسائل في الباب 55 من أبواب النجاسات.

38
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

(الفصل الرابع)- في الدم

أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدا ابن الجنيد و ظاهر الصدوق في الفقيه على نجاسة الدم قليله و كثيره إذا كان من ذي نفس سائلة، قال العلامة في التذكرة: الدم من ذي النفس السائلة نجس و ان كان مأكولا بلا خلاف.

و قال في المنتهى: قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس، و هو مذهب علماء الإسلام. و قال المحقق في المعتبر: الدم كله نجس عدا دم ما لا نفس له سائلة قليله و كثيره، و هو مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد فإنه قال إذا كان سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب. انتهى.

و يدل على نجاسة الدم مضافا الى اتفاق معظم الأصحاب روايات عديدة:

منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة «1» قال: «قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره الى ان أصيب له الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم اني ذكرت بعد ذلك؟ قال تعيد الصلاة و تغسله. قلت فان لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبت فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته؟

قال تغسله و تعيد. قلت فان ظننت انه قد اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال تغسله و لا تعيد الصلاة. قلت لم ذلك؟ قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا. قلت فاني قد علمت انه قد اصابه و لم أدر أين هو فاغسله؟ قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارته. قلت فهل علي ان شككت في انه أصابه شي‌ء ان انظر فيه؟ قال لا و لكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك. قلت ان رأيته في ثوبي و انا في الصلاة؟ قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، في ثوبي و انا في الصلاة؟ قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك».

______________________________
(1) رواه في الوسائل مقطعا في الباب 7 و 37 و 41 و 42 و 44 من أبواب النجاسات.

39
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

و انما أوردنا هذه الرواية بطولها و ان كان الغرض يتم بنقل صدرها لما فيها من الأحكام العديدة و سيأتي ان شاء الله تعالى التنبيه على كل حكم في محله، و هذه الرواية و ان كانت مضمرة في التهذيب بل ربما توهم انها مقطوعة إلا انها متصلة بالباقر (عليه السلام) في علل الشرائع «1» مع ان سوق الرواية يدل بأظهر دلالة على ان الخطاب فيها مع الامام (عليه السلام).

و ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم «2» قال: «قلت له الدم يكون في الثوب علي و انا في الصلاة؟ قال ان رأيت و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه».

و ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي؟ قال يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه. قلت فكيف يصنع من لم يعلم أ يعيد حين يرفعه؟

قال لا و لكن يستأنف».

و عن عبد الله بن سنان في الحسن «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال ان كان علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلي ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى. الحديث».

______________________________
(1) ص 127.

(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب النجاسات.

40
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

و عن علي بن جعفر في الصحيح «1» «انه سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟

قال ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا».

و ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن أذينة عن الصادق (عليه السلام) «2» «انه سأله عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلى بعض صلاته؟ قال ان كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله. الحديث».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الآتية ان شاء الله تعالى في المقصد الثاني في أحكام النجاسات.

و اما ما ورد في جملة من شذوذ الاخبار مما ظاهره الطهارة فالظاهر حمله على التقية و ان لم أقف على قائل بذلك من العامة، لأن الحمل على ذلك لا يتوقف عندي على وجود القائل و ان كان المشهور بين أصحابنا ذلك كما عرفت في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب، و توضيح ذلك انه لما اتفقت الأخبار الصحاح الصراح- كما عرفت من بعض ما قدمناه و ستعرف مما يأتي قريبا ان شاء الله تعالى و كذا كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) قديما و حديثا- على النجاسة إذ خلاف من خالف منهم انما هو في مادة مخصوصة ليست داخلة في هذه الأخبار، فالواجب البتة طرح ما خالف ذلك و الاعراض عنه، بقي بيان الوجه في صدوره عنهم (عليهم السلام) فإنه لا يكون ذلك عبثا بغير فائدة و ليس وراء ذلك إلا ما ذكرناه من إيقاعهم الاختلاف بين الشيعة في الأحكام لدفع الشنعة عنهم كما تقدم تحقيقه في المقدمة المشار إليها.

و من الأخبار المذكورة‌

ما رواه الشيخ في التهذيب و الاستبصار عن جابر عن الباقر (عليه السلام) «3» قال: «سمعته يقول لو رعفت زورقا ما زدت على ان امسح

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من قواطع الصلاة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من نواقض الوضوء.

41
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

مني الدم و أصلي».

و عن الحسن بن علي الوشاء في الحسن «1» قال: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في الرجل يدخل يده في أنفه فيصيب خمس أصابعه الدم، قال ينقيه و لا يعيد الوضوء».

و يمكن هنا حمل الإنقاء على الإنقاء بالغسل لا مطلق الإنقاء فلا منافاة و ان الغرض بيان عدم نقض الوضوء بخروج الدم.

و عن عبد الأعلى عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الحجامة أ فيها وضوء؟ قال لا و لا يغسل مكانها لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه و لم يكن صبيا صغيرا».

و الحمل على ان الحجام ينظفه يعني بالغسل بعيد جدا لأن النهي عن الغسل متناول للمحتجم نفسه و لمن يقوم مقامه، فالحديث ظاهر في طهارة دم الحجامة بمجرد ازالة عينه المشار إليها بالتنظيف.

و عن أبي حمزة «3» قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) ان أدخلت يدك في انفك و أنت تصلي فوجدت دما سائلا ليس برعاف ففته بيدك».

و لا يخفى ما في الخبر المذكور من الحزازة زيادة على ما دل عليه من طهارة الدم، و لعله وقع فيه تحريف من قلم الشيخ أو من النساخ لأن الفت إنما يستعمل في الدم اليابس لا السائل، و لعل الذي كان في الخبر «غير سائل»، و أيضا فإن كون الدم السائل ليس برعاف لا معنى له، و مع احتمال كونه من قرح أو جرح لا يفرق بينه و بين دم الرعاف في تعدي النجاسة إلى اليد و ان قلنا بالعفو عن دم القروح و الجروح ما لم ترقأ.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من نواقض الوضوء.

(2) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من قواطع الصلاة.

42
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

و ما رواه في الكافي في باب «الثوب يصيبه الدم» عن الحلبي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟

فقال لا و ان كثر، و لا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه و لا يغسله».

و ما رواه في الزيادات عن عمار عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الدمل يكون في الرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة».

و احتمال تخصيص ما يخرج من الدمل بالقيح الخالي من الدم خلاف ما يشهد به الوجدان، و العفو عن دم القرح لا يتعدى نجاسة اليد به حتى انه يجوز مسه و لا يجب غسله إذ العفو مقصور عليه و على ما يتعدى اليه بنفسه كما سيأتي بيانه في المسألة ان شاء الله تعالى.

و ما رواه الشيخ عن داود بن سرجان عن الصادق (عليه السلام) «3»:

«في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما؟ قال يتم».

و حمله الشيخ على ما إذا كان أقل من درهم، و لا بأس به.

و لم نقف على خلاف لأحد من أصحابنا في المسألة إلا على خلاف ابن الجنيد و الصدوق في الفقيه، اما ابن الجنيد فقد تقدم نقل خلافه كما صرح به المحقق في المعتبر و حكاه من عبارته إلا ان عبارته المنقولة من كتابه المختصر كما نقله في المختلف و غيره عامة في نجاسة الدم و غيره، حيث قال: «كل نجاسة وقعت على ثوب و كانت عينها مجتمعة أو متفشية دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك إلا ان تكون النجاسة دم حيض أو منيا فان قليلهما و كثيرهما سواء» انتهى. و هو مردود بالأخبار الدالة على نجاسة البول قليله و كثيره و الغائط و المني و نحوهما و وجوب‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

43
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) - المسفوح ؛ ج 5، ص : 44

غسلها و انما استثناء الدرهم أو الأقل منه في الدم خاصة، و اما الصدوق فإنه قال في الفقيه «و ان كان الدم دون حمصة فلا بأس بان لا يغسل إلا ان يكون دم الحيض فإنه يجب غسل الثوب منه و من البول و المني قليلا كان أو كثيرا و تعاد منه الصلاة علم به أو لم يعلم» انتهى. و هذه العبارة مأخوذة من الفقه الرضوي بتغيير ما و كذا ما قبلها، حيث‌

قال (عليه السلام) «1»: «و ان كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا ان يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المني قل أو كثر و أعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم».

انتهى. و الظاهر ان لفظ «دون» سقط من النسخة حيث ان الكتاب لا يخلو من الغلط إلا ان الموجود في البحار حيث انه ينقل فيه عبائر الكتاب المذكور كما هنا، و حينئذ فيكون الصدوق بعد أخذه العبارة من أولها إلى آخرها من الكتاب عدل في هذا الموضع الى العمل برواية مثنى بن عبد السلام الواردة في المسألة و هي‌

ما رواه عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «قلت له اني حككت جلدي فخرج منه دم؟

فقال ان اجتمع قدر الحمصة فاغسله و إلا فلا».

و سيأتي تمام الكلام ان شاء الله تعالى في ذلك في المقصد الثاني.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الدم اما ان يكون دم حيوان ذي نفس سائلة أو غير ذي نفس سائلة و الأول اما مسفوح أو غير مسفوح و غير المسفوح اما ما يتخلف في اللحم بعد الذبح الشرعي أو غيره و المتخلف في اللحم بعد الذبح اما من حيوان مأكول اللحم أو غيره، و غير ذي النفس السائلة اما ان يكون من السمك أو غيره، فهذه ستة أقسام يحتاج الى التحقيق فيها و الكلام على وجه يرفع غشاوة الإبهام:

(الأول)- المسفوح

و هو لغة المصبوب أي الذي انصب من العرق بكثرة يقال سفح الرجل الدمع و الدم من باب منع: صبه، و سفحت دمه إذا سفكته، و الظاهر انه لا خلاف بين علمائنا في نجاسته سوى ما ينقل من الخلاف في دم رسول الله (صلى الله‌

______________________________
(1) ص 6.

(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

44
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) - ما يتخلف في اللحم بعد الذبح من حيوان مأكول اللحم ؛ ج 5، ص : 45

عليه و آله) حيث استشكل فيه العلامة في المنتهى، فقال: في نجاسة دم رسول الله (صلى الله عليه و آله) إشكال ينشأ من انه دم مسفوح و من ان أبا طيبة الحجام شربه و لم ينكر عليه «1» و كذا في بوله (صلى الله عليه و آله) حيث انه بول و من ان أم أيمن شربته «2».

و هذا الخلاف مما لا ثمرة له الآن، و يدل على نجاسة الدم المسفوح إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة زيادة على الإجماع المدعى في المقام كما في المعتبر و المنتهى و غيرهما.

(الثاني)- ما يتخلف في اللحم بعد الذبح من حيوان مأكول اللحم

، و هو طاهر حلال من غير خلاف يعرف، و لم أقف على نص يدل على طهارته بخصوصه أو حله إلا ان اتفاق الأصحاب على كلا الحكمين من غير خلاف ينقل- مضافا الى حصر المحرمات في الآيات المستلزم للطهارة لأنه متى كان حلالا كان طاهرا، و الروايات الدالة على عد محرمات الذبيحة و لم تذكره منها و ان كانت الدلالة لا تخلو من ضعف، مع اعتضاد ذلك بأصالة الطهارة- الظاهر انه كاف في المقام. و استثني من المتخلف ما يجذبه الحيوان بنفسه الى باطن الذبيحة فإنه نجس حرام لا يدخل فيما نحن فيه. و هو كذلك لعدم شمول الأدلة له.

(الثالث)- المتخلف في الحيوان الغير المأكول اللحم مما يقع عليه الذكاة

، و الظاهر من الأصحاب نجاسته لحصرهم الدم الطاهر في افراد و لم يعدوا هذا منها، قال في المعالم: و تردد في حكمه بعض من عاصرناه من مشايخنا، و منشأ التردد من إطلاق الأصحاب الحكم بنجاسة الدم مما له نفس مدعين الاتفاق عليه و هذا بعض افراده،

______________________________
(1) كما في شرح الزرقانى على المواهب اللدنية لابن حجر ج 4 ص 233.

(2) في الإصابة لابن حجر ج 4 ص 432 ترجمة أم أيمن «قالت كانت للنبي (ص) فخارة يبول فيها بالليل فكنت إذا أصبحت صببتها فنمت ليلة و انا عطشانة فغلطت فشربتها فذكرت ذلك للنبي (ص) قال انك لا تشتكي بطنك بعد يومك هذا».

45
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) - ما عدا المذكورات من الدماء ؛ ج 5، ص : 46

و من ظاهر قوله تعالى «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» «1» حيث دل على حل غير المسفوح و هو يدل على طهارته، ثم قال: و يضعف الثاني بأن ظاهرهم الإطباق على تحريم ما سوى الدم المتخلف في الذبيحة و دم السمك على ما فيه، و قد قلنا ان المتبادر من الذبيحة ما يكون من مأكول اللحم فدم ما لا يؤكل لحمه حرام عندهم مطلقا، و عموم ما دل على تحريم الحيوان الذي هو دمه يتناوله أيضا إذ أكثر الأدلة غير مقيدة باللحم و انما علق التحريم فيها بالحيوان فيتناول جميع اجزائه، و لا يرد مثله في المحلل لقيام الدليل هناك على تخصيص التحليل باللحم و اجزاء أخر معينة، و بالجملة فحل الدم مع حرمة اللحم أمر مستبعد جدا لا سيما بعد ما قررناه من ظهور الاتفاق بينهم فيه و تناول الأدلة بظاهرها له، و إذا ثبت التحريم هنا لم يبق للآية دلالة على طهارته كما لا يخفى. انتهى. و هو جيد. و بالجملة فالآية مخصصة و ظواهر الأدلة الدالة على تحريم ما لا يؤكل لحمه شاملة للدم و غيره، مضافا جميع ذلك الى إطلاق جملة من اخبار نجاسة الدم المتقدمة و نحوها، فلم يبق للتوقف في النجاسة وجه.

(الرابع)- ما عدا المذكورات من الدماء

التي لا تخرج بقوة من عرق و لا لها كثرة و انصباب و ليس مما تخلف بعد الذبح كدم الشوكة و العثرة و نحو ذلك من ذي النفس مطلقا، و ظاهر الأصحاب أيضا الاتفاق على نجاسته، و يدل عليه أخبار نجاسة دم الرعاف و الأمر بغسله كما تقدم بعض منها و إطلاق الأخبار المتقدمة و نحوها، و ربما أوهم كلام العلامة في جملة من كتبه الطهارة في هذا القسم و سابقه حيث انه قيد في المنتهى و جملة من كتبه الدم المحكوم بنجاسته بالمسفوح و ظاهره حصر النجس في المسفوح. و كذا كلامه في المختلف حيث قال فيه محتجا على طهارة المتخلف في الذبيحة:

هو طاهر إجماعا لانتفاء المقتضى للتنجيس و هو السفح. و لصاحب المعالم (قدس سره) في هذا المقام كلام طويل على عبارة العلامة (قدس سره) في المنتهى أورده في الكتاب‌

______________________________
(1) سورة الانعام، الآية 146.

46
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

المذكور و مناقشات فيه للفاضل الخوانساري في شرح الدروس ليس للتعرض لها كثير فائدة مع الاتفاق على الحكم المذكور. و الظاهر- كما استظهر جملة من الأصحاب- ان الحامل للعلامة على التقييد بالمسفوح في عباراته انما هو الاحتراز عن الدم المتخلف في الذبيحة حيث انه طاهر إجماعا و كذا غيره مما حكموا بطهارته، فإنه لا ريب و لا شك في نجاسة هذا القسم المذكور الذي نحن في صدد الكلام عليه، لا ان قصده إخراج شي‌ء من أصناف دم ذي النفس على الإطلاق.

(الخامس)- دم السمك

، و لا ريب في طهارته تمسكا بالأصل السالم من المعارض و يعضده فقد شرط التنجيس عند الأصحاب و هو وجود النفس السائلة، و قد نقل الإجماع على الطهارة جمع من محققي الأصحاب: منهم- الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية و ابن إدريس في السرائر و المحقق في المعتبر و العلامة في المختلف و الشهيد في الذكرى، و قد ذكر في المختلف ان ظاهر تقسيم الشيخ للدم في المبسوط و الجمل يعطي حكمه بنجاسة دم السمك و البق و البراغيث مع انه لا يجب إزالة قليله و لا كثيره، و تخطى المتأخرون عن العلامة فتسبوا الى الشيخ في الكتابين القول بنجاسة الدماء المذكورة جزما مع ان العلامة إنما نسب ذلك الى ظاهر كلامه بمعنى ان اللازم منه ذلك لا انه قائل به حقيقة.

أقول: و السر في ذلك انه قال في الجمل: النجاسات على ضربين دم و غيره، و الدم على ثلاثة أضرب: ضرب يجب إزالة قليله و كثيره و هي كذا و كذا، فعد أنواعه، و ضرب لا يجب إزالة قليله و لا كثيره و هي خمس أجناس: دم البق و البراغيث و السمك و الجراح اللازمة و القروح الدامية. و هكذا عبارة المبسوط، و أجاب في المعالم بان ذلك انما نشأ من سوء تعبير الشيخ في هذا المقام و إلا فإنه غير مراد له قطعا، و ينبه على ذلك انه في الخلاف ذكر نظير هذا الكلام المنقول عن الجمل و المبسوط بعد ما نقل الإجماع على الطهارة بسطر واحد، و ذلك فإنه بعد ان حكى خلاف الشافعي في هذه الدماء قال دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا فإن النجاسة حكم شرعي و لا دلالة في الشرع على نجاسة هذه الدماء، ثم‌

47
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

قال بعد سطر واحد: جميع النجاسات يجب إزالتها عن الثياب و البدن قليلا كان أو كثيرا إلا الدم فان له ثلاثة أحوال دم البق و البراغيث و دم السمك و ما لا نفس له سائلة و دم الجروح اللازمة لا بأس بقليله و كثيره. و هذا الكلام الأخير يرجع في المعنى الى ما نقلنا عن الجمل و المبسوط في الدلالة على نجاسة الدماء الثلاثة المذكورة مع انه جمع بينه و بين الإجماع على الطهارة في مقام واحد و عبارة واحدة، و لا ريب انه بناء على التوسع في التعبير لظهور طهارة هذه الدماء اتفاقا أو انه أراد بالنجاسة التي جعلها مقسما معنى خلاف الظاهر اعتمادا على القرينة الحالية و هي معلومية الطهارة فعلى هذا يحمل كلامه أيضا في ذينك الكتابين، و قد جرى مثل ذلك لسلار و ابن حمزة أيضا حيث ذكرا مثل هذا التقسيم الذي نقلناه عن الشيخ في الجمل و لم يظهر منهما ما يوجب الخروج عن ظاهرها كما اتفق للشيخ بنقل الإجماع في الخلاف إلا ان الظاهر الحمل على ما ذكرناه في عبارة الشيخ من التجوز، هذا مع ان السهو و النسيان كالطبيعة الثانية للانسان و المعصوم من عصمه الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان العلامة في المنتهى قد استدل على طهارة دم السمك بوجوه: منها- قوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ» «1» و قوله سبحانه:

«قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» «2» و وجه الدلالة في الأولى بأن التحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه و ذلك يستلزم الطهارة، و في الثانية بأن دم السمك ليس بمسفوح فلا يكون نجسا. و اعترض عليه بعض أفاضل المتأخرين بأن الاستدلال بالآية محل تأمل. أقول: الظاهر ان وجه التأمل هو ان المتبادر من الحل هو حل ما يعهد اكله منه كاللحم و نحوه لا الدم، اما الآية الثانية فهي ظاهرة في الحل الموجب للطهارة، و منه يظهر قوة القول يحل دم السمك، و ظاهر كلام جملة من الأصحاب بل الظاهر انه المشهور هو التحريم و اختصاص التحليل في افراد‌

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 97.

(2) سورة الانعام، الآية 146.

48
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

الدماء بالمتخلف في الذبيحة، و الظاهر انه لا دليل لهم أزيد من دعوى الاستخباث مع ان الظاهر هنا من جملة من الأصحاب الذين استدلوا بهاتين الآيتين على الطهارة في هذا المقام هو الحل، و منهم ابن زهرة في الغنية و ابن إدريس.

و في المعتبر استدل على طهارة دم السمك بان دم السمك لو كان نجسا لتوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح كحيوان البر لكن الإجماع على خلاف ذلك و انه يجوز اكله بدمه. و هو- كما ترى- صريح في قوله بالحل.

قال في المعالم بعد كلام في المقام: و بالجملة فعباراتهم ظاهرة في تخصيص التحليل في دم الذبيحة و تعميم التحريم في غيره من الدماء، و وقع التصريح بذلك أيضا في كلام بعضهم و التنصيص على تحريم دم السمك بالخصوص، و ليس لهم عليه حجة غير الاستخباث و هو موضع نظر، و إذا لم يثبت تحريمه تكون الآية دليلا قويا على طهارته. انتهى.

أقول: لا يخفى ان ظواهر الأخبار دالة على حل السمك بإخراجه من الماء حيا الذي هو عبارة عن ذكاته و الشارع لم يعتبر فيه الذبح و التذكية كما في الحيوانات البرية بل ذكاته إخراجه من الماء حيا، و مقتضى ذلك جواز أكله حينئذ حيا أو ميتا بغير ذبح ثانيا بغير طبخ أو مطبوخا، إلا انه يمكن ان يقال انه لا ريب في ذلك ما لم يخرج منه دم في تلك الحال لأنا غير مخاطبين بما تحت جلده من الدم المخالط للحمه بل عموم تحليله في تلك الحال شامل للجميع اما لو خرج منه دم في تلك الحال فلا مانع من القول بحرمته للأدلة الدالة على تحريم الدماء من غيره حيث لم يستثن منها إلا المتخلف في الذبيحة، و بالجملة فالحكم يكون تابعا للاسم فمع وجود الدم يتعلق به حكم الدماء و مع عدم وجوده فانا غير مخاطبين به، و الاحتياط يقتضي الوقوف على هذا الوجه الى ان يقوم دليل واضح على أحد الحكمين.

و الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة‌

ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» «ان عليا (عليه السلام) كان لا يرى بأسا

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

49
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك».

أقول: قوله «ما لم يذك» اي ما لم يدخله التذكية و هو مما لا نفس له ففيه دلالة على طهارة ما لا نفس سائلة له، إلا ان قوله أخيرا «يعني دم السمك» ان كان من كلامه (عليه السلام) فيحتمل ان يكون تقييدا لعموم «ما لم يذك» و يحتمل ان يكون تمثيلا يعني دم السمك و أمثاله، و الأول انسب بسياق الخبر و الثاني أنسب بالقواعد المقررة، و كيف كان فهو ظاهر في طهارة دم السمك (السادس)- دم غير السمك مما لا نفس له، و قد نقل الإجماع على طهارته جملة من الأصحاب: منهم- الشيخ في الخلاف فإنه بعد ان ذكر طهارة الدم من كل حيوان لا نفس له احتج لذلك بإجماع الفرقة و عدم الدلالة في الشرع على النجاسة و هي حكم شرعي لا يثبت بدون الدليل. و ممن ادعى الإجماع على ذلك الشهيد في الذكرى و العلامة في المنتهى و التذكرة، و يظهر من المحقق في المعتبر حيث ذكر ان طهارة دم السمك مذهب علمائنا اجمع و قال بعده: و كذا كل دم ليس لحيوانه نفس سائلة كالبق و البراغيث. أقول و يعضد ذلك الأصل، و اما ما يوهم خلافه من ظاهر التقسيم المتقدم نقله عن الجمل و المبسوط و سلار فقد عرفت الوجه فيه، و يزيد ذلك تأكيدا‌

صحيحة عبد الله ابن ابي يعفور «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في دم البراغيث؟

قال ليس به بأس. قلت انه يكثر و يتفاحش؟ قال و ان كثر».

و رواية الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال لا و ان كثر».

و رواية محمد بن الريان «3» قال: «كتبت الى الرجل (عليه السلام) هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث و هل يجوز لأحد ان يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه و ان يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (عليه السلام) يجوز الصلاة و الطهر منه أفضل».

و قد تقدم‌

في حديث غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «4» قال: «لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف».

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

50
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع: ؛ ج 5، ص : 51

 

فروع:

(الأول) [حكم العلقة]

- قال في الخلاف العلقة نجسة، و احتج على ذلك بإجماع الفرقة و بان ما دل على نجاسة الدم دل على نجاسة العلقة. قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه:

و في هذا نظر لا يخفى وجهه بعد الإحاطة بما حققناه في دليل نجاسة الدم. انتهى. و قال في المعتبر: العلقة التي تستحيل إليها نطفة الآدمي نجسة لأنها دم حيوان له نفس سائلة و كذا العلقة التي توجد في بيض الدجاج و شبهه و قال في الذكرى بعد نقل ذلك عن المحقق: و في الدليل منع و تكونها في الحيوان لا يدل على انها منه. مع انه قال في الدروس في تعداد النجاسات: و الدم من ذي نفس سائلة و ان كان بحريا كالتمساح أو كان علقة في البيضة و غيرها. قال في المعالم بعد نقل كلام الذكرى: و هو متجه لا سيما بالنظر الى ما يوجد في البيضة مع ان كونه علقة ليس بمعلوم ايضا فالإجماع الذي ادعاه الشيخ لو ثبت على وجه يكون حجة لكان في تناوله نظر و مقتضى الأصل طهارته، و يعضده ظاهر قوله تعالى: «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» حيث انه دال على حل غير المسفوح مطلقا خرج من ذلك ما وقع الاتفاق على تحريمه فيبقى الباقي، و إثبات الحل مقتض لثبوت الطهارة كما مر غير مرة. و كتب في الحاشية قال بعض الأصحاب ما يوجد في البيضة أحيانا من الدم لا يعلم كونه من دم ذلك الحيوان فالعلم بكونه علقة له أشد بعدا. و الأمر كما قال. انتهى أقول: لقائل أن يقول ان ما دل على نجاسة الدم كالاخبار التي قدمناها و نحوها لا تخصيص فيها بما كان من حيوان بل هي مطلقة في نجاسة الدم أعم من ان يكون من حيوان أو من استحالة شي‌ء إليه كالمني مثلا و ما في البيضة فإنه يكون علقة فيكون داخلا تحت عموم ما دل على نجاسة الدم بقول مطلق. الا ان فيه ان الظاهر ان العموم المدعى من الاخبار لا يشمل مثل هذا الفرد لما قررناه في غير مقام مما تقدم من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة و هي هنا دم الإنسان و كل ذي نفس سائلة أو غير سائلة دون الفروض النادرة مثل دم العلقة. و اما إجماع الأصحاب على نجاسة الدم فهو ايضا مخصوص بدم ذي النفس السائلة فلا يدخل هذا الدم تحت الإجماع‌

 

51
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) تردد الدم بين الطاهر و النجس ؛ ج 5، ص : 52

و لا الروايات، نعم الشيخ ادعى في الخلاف الإجماع على نجاسة العلقة و العلقة لغة هي القطعة من الدم، و المراد منها هنا ما ذكره في المعتبر و هو المشار إليه في الآية و هي القطعة من الدم التي يستحيل إليها المني ثم تصير هي مضغة. فتكون نجاسة العلقة أنما تستند الى هذا الإجماع المدعى من الشيخ في الخلاف و في شمول العلقة للدم الموجود في البيضة إشكال كما ذكره في المعالم، و حينئذ فلا يدخل تحت الإجماع المدعى من الشيخ و لم يبق إلا صدق الدم عليه، و قد عرفت انه لا دليل على نجاسة الدم بحيث يشمل هذا الفرد سواء تمسك بالإجماع أو الروايات. و بالجملة فقد ظهر مما ذكرنا ان الأقوى هو الطهارة و لا سيما في ما في البيضة. و من ذلك يظهر ان الأقرب حله لعدم دليل الحرمة كما يظهر من كلام صاحب المعالم أيضا في تمسكه بالآية على تخصيص الدم المحرم بالمسفوح الدال على حل غير المسفوح خرج من ذلك ما وقع الاتفاق على تحريمه فيبقى الباقي، و الاحتياط في الموضعين لا يخفى.

(الثاني) [تردد الدم بين الطاهر و النجس]

- لو اشتبه الدم المرئي في الثوب أو البدن فلم يعلم كونه من الدماء الطاهرة أو النجسة فمقتضى الدليل طهارته‌

لقوله (عليه السلام) في موثقة عمار «1» «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

و قول علي (عليه السلام) «2» فيما رواه عنه في الفقيه «لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم».

و لا خلاف في ذلك بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) و هكذا الكلام في كل شي‌ء له افراد بعضها طاهر و بعضها نجس فإنه بمقتضى الدليل المذكور يحكم بالطهارة حتى يعلم ان ذلك الفرد من الافراد النجسة حتى الجلود كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في محله و ان كان المشهور بينهم خلافه في الأخير. و كذا يجري الحكم المذكور فيما لو اشتبه دم معفو عنه كدم الحجامة الأقل من‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات و اللفظ «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر».

(2) المروي في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

52
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) ميتة ذي النفس السائلة ؛ ج 5، ص : 53

درهم بدم الحيض الغير المعفو عن قليله و كثيره فإنه يحكم بالعفو حتى يعلم خلاف ذلك.

(الثالث) [ميتة ذي النفس السائلة]

- قال المحقق في المعتبر بعد ان نقل عن الشيخ الحكم بطهارة الصديد:

و عندي في الصديد تردد أشبهه النجاسة لأنه ماء الجرح يخالطه يسير دم، و لو خلا من ذلك لم يكن نجسا، و خلافنا مع الشيخ فيه يؤول إلى العبارة لأنه يوافق على هذا التفصيل اما القيح ان مازجه دم نجس بالممازجة و ان خلا من الدم كان طاهرا (لا يقال): هو مستحيل عن الدم (لأنا نقول): لا نسلم ان كل مستحيل من الدم لا يكون طاهرا كاللحم و اللبن و حجتنا في الطهارة و جوابنا كما تقدم. اما ما عدا ذلك كالعرق و البصاق و الدموع فقد اتفق الجميع على الطهارة. انتهى.

أقول: ما ذكره في الجواب عن المستحيل من الدم جيد إلا ان قوله هنا بطهارة المستحيل عن الدم ينافي ما قدمه في مسألة أبوال الدواب الثلاث و أرواثها من كلامه في ذرق الدجاج مما يدل على ان المستحيل عن عين النجاسة يكون نجسا على الإطلاق، و سيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

(الرابع) [طهارة المسك]

- قال في المدارك: المسك طاهر إجماعا قاله في التذكرة و المنتهى للأصل‌

و لما روى عن النبي (صلى الله عليه و آله) «انه كان يتطيب به و كان أحب الطيب اليه» «1».

و اما فأرته فسيأتي الكلام فيه قريبا ان شاء الله تعالى في الفصل الآتي.

(الفصل الخامس)- في الميتة

، قد أجمع الأصحاب على نجاسة الميتة من ذي النفس السائلة نقله جمع: منهم- المحقق في المعتبر حيث قال الميتات مما له نفس سائلة نجس و هو إجماع الناس. و قال في المنتهى: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة نجسة سواء كان آدميا أو غير آدمي و هو مذهب علمائنا اجمع. و نحو ذلك في كلام الشهيد‌

______________________________
(1) الوسائل في الباب 95 من آداب الحمام

عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه (ع) قال «ان رسول الله (ص) كان يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفارقه».

و فيه ايضا «كان النبي (صلى الله عليه و آله) يتطيب بذكور الطيب و هو المسك و العنبر» ..

53
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) - ميتة غير الآدمي من ذي النفس السائلة ؛ ج 5، ص : 54

و ابن زهرة و غيرهم، قال في المعالم: و قد تكرر في كلام الأصحاب ادعاء الإجماع على هذا الحكم و هو الحجة فيه إذ النصوص لا تنهض بإثباته و جملة ما وقفنا عليه من الروايات في هذا الباب حسنة الحلبي، ثم ساق الرواية الآتية و أردفها برواية إبراهيم بن ميمون الآتية أيضا ثم قال و قصور هذين الحديثين عن افادة هذا الحكم بكماله ظاهر مع ان الصحة منتفية عن سنديهما، و ورد في عدة روايات معتبرة الإسناد المنع من أكل السمن و الزيت إذا ماتت فيه الفأرة و ظاهره الحكم بنجاسته، و هذا الحكم خاص ايضا كما لا يخفى فلا يمكن جعله دليلا على العموم، و حينئذ فالعمدة في إثبات التعميم هو الإجماع المدعى في كلام الجماعة. انتهى ملخصا، و فيه ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام.

و كيف كان فالميتة اما ان تكون من ذي النفس أو غيره و الأول اما آدمي أو غيره فههنا أقسام ثلاثة، و بيان الكلام فيها يقتضي بسطه في مواضع ثلاثة:

(الأول)- ميتة غير الآدمي من ذي النفس السائلة

، و قد عرفت فيما تقدم دعوى الإجماع على النجاسة فيما يشمل هذه المسألة.

و لصاحب المدارك في هذه المسألة مناقشتان: (الاولى) في وجود الدليل الدال على النجاسة في هذه المسألة كما سبق ذكره في كلام المحقق الشيخ حسن و ان كان الكلام هنا فيما هو أخص مما ذكره المحقق المشار اليه. و (الثانية)- في نجاسة جلد الميتة و هي في الحقيقة راجعة إلى الاولى، و ها أنا أسوق كلامه بطوله و أبين ما يكشف عن فساد محصوله و به يظهر تحقيق الحال و ينجلي عنه غياهب الإشكال، فأقول:

قال السيد المذكور: «و احتج عليه في المنتهى بان تحريم ما ليس بمحرم بالأصل و لا فيه ضرر كالسم يدل على نجاسته. و فيه منع ظاهر. نعم يمكن الاستدلال عليه بالروايات المتضمنة للنهي عن أكل الزيت و نحوه إذا ماتت فيه الفأرة لكنه غير صريح في النجاسة‌

و بما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لزرارة

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.

54
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

و محمد بن مسلم «اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي‌ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي و ان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه».

وجه الدلالة ان الظاهر ان الأمر بغسل ما يؤخذ من الدابة بعد الموت انما هو لنجاسة الأجزاء المصاحبة له من الجلد. و يتوجه عليه ان الأمر بالغسل لا يتعين كونه للنجاسة بل يحتمل ان يكون لإزالة الأجزاء المتعلقة به من الجلد المانعة من الصلاة فيه كما يشعر به قوله «و صل فيه» و بالجملة فالروايات متظافرة بتحريم الصلاة في جلد الميتة بل الانتفاع به مطلقا و اما نجاسته فلم أقف فيها على نص يعتد به، مع‌

ان ابن بابويه روى في أوائل الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و السمن و الماء ما ترى فيه؟ فقال لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن و توضأ منه و اشرب و لكن لا تصل فيها».

و ذكر قبل ذلك من غير فصل يعتد به انه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، قال بل انما قصدت إلى إيراد ما افتي به و احكم بصحته و اعتقد انه حجة فيما بيني و بين ربي تقدس ذكره و تعالت قدرته، و المسألة قوية الإشكال» انتهى كلامه.

أقول: و الكلام هنا يقع في مقامين‌

[المقام] (الأول) [الروايات الدالة على ذلك]

- فيما ذكره من المناقشة الاولى في عدم الدليل على نجاسة الميتة من ذي النفس غير الإنسان، و ها أنا أورد ما وقفت عليه من الروايات المتعلقة بذلك و ان طال به زمام الكلام فإنه من أهم المهام.

و أقول: من ذلك روايات ما يقع في البئر و الأمر بالنزح لها مع التغير و عدمه و قد اشتملت تلك الروايات على ميتة الإنسان و الدابة و الفأرة و الطير و الحمار و البقرة و الجمل و السنور و الحمام و الدجاجة و نحو ذلك، و لا ينافي ذلك القول بطهارة البئر فإن ذلك ليس من حيث كون هذه الأشياء غير نجسة بل انما هو من حيث عدم انفعالها بالنجاسة و لهذا لو تغير الماء بها فلا خلاف في النجاسة.

و منها- اخبار الدهن و الزيت و نحوهما و هي كثيرة، و منها-

صحيحة زرارة

55
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

أو حسنته بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك».

و منها-

صحيحة الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه؟

فقال ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا- فإنه ربما يكون بعض هذا- فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و ان كان الصيف فارفعه حتى تسرج به، و ان كان بردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه».

و منها-

صحيحة سعيد الأعرج «3» قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة تقع في السمن و الزيت ثم تخرج منه حيا؟ فقال لا بأس بأكله. و عن الفأرة تموت في السمن و العسل؟ فقال قال علي (عليه السلام) خذ ما حولها و كل بقيته. و عن الفأرة تموت في الزيت؟ فقال لا تأكله و لكن أسرج به».

و منها-

رواية معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام) «4» قال «قلت له جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل؟ فقال اما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و اما الزيت فيستصبح به. و قال في بيع ذلك تبيعه و تبينه لمن اشتراه ليستصبح به».

و منها-

رواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) «5» «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر فأرة؟ قال يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل».

و منها-

رواية سماعة «6» قال «سألته عن السمن تقع فيه الميتة؟ فقال ان كان جامدا فالق ما حوله و كل الباقي. فقلت الزيت؟ فقال أسرج به».

و منها-

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «7» «سألته عن آنية أهل الذمة؟ فقال

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 43 و 45 من الأطعمة المحرمة.

(4) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(5) المروية في الوسائل في الباب 44 من الأطعمة المحرمة.

(6) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(7) المروية في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.

56
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير».

و منها-

رواية جابر عن الباقر (عليه السلام) «1» قال «أتاه رجل فقال له وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال فقال له أبو جعفر (عليه السلام) لا تأكله فقال له الرجل الفأرة أهون علي من ان اترك طعامي من أجلها. قال فقال له أبو جعفر (عليه السلام) انك لم تستخف بالفأرة و انما استخففت بدينك، ان الله تعالى حرم الميتة من كل شي‌ء».

أقول: المراد بلفظ التحريم هنا النجاسة ليصح التعليل المذكور و إلا فالحرمة بمجردها بمعناها المتعارف لا توجب عدم أكل الزيت الذي ماتت فيه الفأرة، و مما يؤيد ورود هذا اللفظ بمعنى النجاسة لا بالمعنى المتبادر‌

ما رواه في التهذيب و الكافي عن الحسن ابن علي «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال هي حرام. قلت جعلت فداك فتصطبح بها؟ فقال أما تعلم انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام؟».

إذ لا ريب بمقتضى سياق الخبر ان الحرام هنا انما هو بمعنى النجس.

أقول: ظاهر رواية الحسن بن علي المذكورة عدم جواز الانتفاع بأليات الميتة أو المبانة من حي مطلقا حتى و لو بالإسراج، و هو المشهور بين الأصحاب و به صرح جملة: منهم- الشهيد الثاني في المسالك، قال بعد قول المصنف: «و يجوز بيع الادهان النجسة و يحل ثمنها. إلخ»: المراد بها الادهان النجسة بالعرض كما هو المفروض اما النجسة بالذات كأليات الميتة يقطعها من حي أو ميت فلا يجوز بيعها و لا الانتفاع بها مطلقا إجماعا لإطلاق النهي عنه، و انما جاز بيع الدهن النجس لبقاء منفعته بالاستصباح. انتهى. و نقل الشهيد عن العلامة جواز الاستصباح به تحت السماء ثم قال: و هو ضعيف.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 5 من أبواب الماء المضاف.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من الذبائح و 32 من الأطعمة المحرمة.

57
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

أقول:

قد روى ابن إدريس في السرائر عن جامع البزنطي عن الرضا (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح له ان ينتفع بما قطع؟ قال نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها».

قال ابن إدريس بعد نقله: لا يلتفت الى هذا الحديث لانه من نوادر الأخبار و الإجماع منعقد على تحريم الميتة و التصرف فيها بكل حال إلا أكلها للمضطر غير الباغي و لا العادي. و هو جار على ما قدمنا ذكره عنهم، و روى هذه الرواية أيضا في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) مثله «2».

و ظاهر شيخنا المجلسي في البحار الميل الى العمل بهذه الرواية حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة: و الجواز عندي أقوى لدلالة الخبر الصحيح المؤيد بالأصل على الجواز و ضعف حجة المنع إذ المتبادر من تحريم الميتة تحريم أكلها كما حقق في موضعه و الإجماع ممنوع. انتهى.

أقول: ما ذكره بالنسبة الى الآية من ان التحريم انما يتبادر إلى الأكل دون سائر الوجوه جيد إلا ان جملة من الأخبار صرحت بأن الميتة لا ينتفع بشي‌ء منها، و منه‌

ما رواه في الكافي و الفقيه بطريقه إلى الكاهلي في حديث عن الصادق (عليه السلام) «3» «سئل عن أليات الغنم قال ان في كتاب علي (عليه السلام) ان ما قطع منها ميتة لا ينتفع به».

و نحوه غيره كما سيأتي في المقام ان شاء الله تعالى، و ليس حجة المانع منحصرة فيما ذكره مع إمكان حمل الرواية التي اعتمدها على التقية، و لتحقيق المسألة موضع آخر و لكن الحديث ذو شجون فلنعد الى ما نحن فيه:

و منها-

صحيحة زرارة «4» قال: «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب ما يكتسب به.

(3) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

58
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

شي‌ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ إلا ان يجي‌ء له ريح يغلب على ريح الماء».

و منها-

موثقة عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الفأرة التي يجدها في إنائه و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا و غسل ثيابه و اغتسل و قد كانت الفأرة متسلخة؟ فقال ان كان رآها في الإناء قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كل ما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة. الحديث».

و منها-

صحيحة حريز عن الصادق (عليه السلام) «2» انه قال: «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فإذا تغير الماء و تغير الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب».

و رواية عبد الله بن سنان «3» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن غدير أتوه و فيه جيفة؟ فقال إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ».

و موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد أنتنت؟ قال ان كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب».

و رواية أبي خالد القماط عن الصادق (عليه السلام) «5» «في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة؟

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه. الحديث».

و في الفقه الرضوي «6» «و ان مسست ميتة فاغسل يديك و ليس عليك غسل انما يجب عليك ذلك في الإنسان وحده».

و منها-

موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) «7» قال: «سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه؟ قال كل ما ليس له دم فلا بأس به».

و رواية حفص بن غياث عن جعفر بن محمد (عليه السلام) «8» قال: «لا يفسد الماء إلا ما كان له

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 4 أبواب الماء المطلق.

(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(3) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(6) ص 18.

(7) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(8) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

59
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

نفس سائلة».

و موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) «1» في حديث طويل قال فيه:

«اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات».

الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع و هذا ما حضرني منها.

و أنت خبير بأنه لا مجال للتوقف في الحكم المذكور بعد الوقوف على هذه الاخبار مع تعليق الحكم في كثير منها على مطلق الميتة و الجيفة و الشي‌ء و الدابة- و المراد بها ما يدب على وجه الأرض لا ذات القوائم الأربع- من غير مخصص و لا مقيد، و لا يخفى على من اعطى النظر حقه ان أكثر الأحكام الشرعية التي صارت بين الأصحاب قواعد كلية إنما حصلت من تتبع جزئيات الأحكام و ضم بعضها الى بعض كالقواعد النحوية المبنية على تتبع كلام العرب و إلا فوجود الأحكام بقواعد مسورة بسور الكلية لا تكاد يوجد إلا نادرا. و ما ذكره في المدارك مما قدمنا نقله عنه- بعد إشارته إلى روايات الزيت الذي ماتت فيه الفأرة انه غير صريح في النجاسة- مردود بأنهم إنما حكموا بالنجاسة في جل المواضع بل كلها من حيث النهي عن الصلاة فيها أو الأمر بغسلها أو النهي عن أكل ما وقعت فيه أو النهي عن شربه و نحو ذلك مما هو أعم من المراد حتى انه لو ورد لفظ النجاسة لتأولوه بالحمل على المعنى اللغوي لعدم الحقيقة الشرعية فيه كذلك، و هو ممن صرح بما ذكرناه أيضا في نجاسة البول فقال بعد كلام في المقام و الاحتجاج على النجاسة بالأمر بالغسل: «و لا معنى للنجس شرعا إلا ما وجب غسل الملاقي له بل سائر الأعيان النجسة انما استفيد نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب و البدن من ملاقاتها» انتهى.

و الحكم في الغسل و الأكل واحد باعتبار النجاسة العارضة للمأكول فكما ان النهي عن الأكل أعم من النجاسة كذلك الأمر بالغسل أعم من ذلك. و بالجملة فإن ما ذكره المحققان المذكوران انما نشأ من الغفلة عن تتبع الروايات في هذا المقام و قصر النظر على ما خطر ببالهما من الاخبار المشار إليها في كلامهما و من اعطى النظر حقه في هذه الأخبار‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 53 من أبواب النجاسات.

60
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

التي سردناها لا يخفى عليه انطباقها على ما ذكرناه من عموم الحكم.

(المقام الثاني) [حكم جلد الميتة]

- فيما ذكره من المناقشة الثانية في حكم جلد الميتة و انه لم يقم على نجاسته عنده دليل معتضدا بما نقله عن الفقيه، ففيه انه لا ريب ان الروايات هنا مختلفة في جلد الميتة طهارة و نجاسة و القول بطهارته منقول عن ابن الجنيد لكن بشرط الدباغ و انها تطهر بذلك.

فمما يدل على الطهارة ما نقله عن الفقيه و مثله‌

ما رواه الشيخ في الصحيح الى الحسين ابن زرارة- و هو و ان كان في كتب الرجال مهملا إلا انه يمكن استفادة مدحه من دعاء الصادق (عليه السلام) له و لأخيه الحسن- عن الصادق (عليه السلام) «1» «في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن أو الماء فاشرب منه و أتوضأ؟ قال نعم، و قال يدبغ فينتفع به و لا يصلى فيه».

و ظاهر الرواية التي نقلها عن الفقيه و ان كان أعم إلا ان الظاهر انه يجب تقييدها بالدباغ، و لعله إنما أطلق الحكم فيها بناء على ما هو المتعارف من الدباغ و انه لا يستعملونه إلا بعد ذلك، و حينئذ يكون الجميع مستندا لما ذهب اليه ابن الجنيد في المسألة و أظهر من هذين الخبرين في ذلك ما صرح به (عليه السلام) في كتاب الفقه «2» حيث قال: «و ان كان الصوف و الوبر و الشعر و الريش من الميتة و غير الميتة بعد ان يكون مما أحل الله تعالى اكله فلا بأس به، و كذلك الجلد فان دباغته طهارته» و قال بعد هذا الكلام بأسطر قليلة: «و ذكاة الحيوان ذبحه و ذكاة الجلود الميتة الدباغ» و مما يدل على المشهور- و هو المؤيد المنصور- من النجاسة‌

ما رواه في الكافي عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسن (عليه السلام) «3» قال: «كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي؟ فكتب لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب. الحديث».

أقول:

«ان ذكي» يحتمل ان يكون قيدا لأكل اللحم بمعنى ان مأكول اللحم مع التذكية ما حكم جلده‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 34 من الأطعمة المحرمة.

(2) ص 41.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

61
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

بعد الموت؟ و يحتمل ان يكون راجعا الى الجلود بالنظر الى ان دباغته تذكيته كما دل عليه خبر كتاب الفقه.

و ما رواه في الكافي في الصحيح عن علي بن أبي المغيرة «1» و هو ثقة قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي‌ء؟ قال لا. قلت بلغنا ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) مر بشاة ميتة فقال ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها؟ قال تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة زوجة النبي (صلى الله عليه و آله) و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها أي تذكى».

وجه الدلالة (أولا)- انه (عليه السلام) ذكر ان الميتة لا ينتفع منها بشي‌ء و هو ظاهر الدلالة فيما نحن فيه. و (ثانيا)- انه لما سأله عن حديث الشاة الذي هو أحد مستندات العامة فيما ذهبوا اليه من طهارة جلد الميتة حيث انهم رووا الحديث و حملوا كلامه (صلى الله عليه و آله) على انه ينبغي ان يسلخوا جلدها بعد الموت و ينتفعوا به و ان لم ينتفعوا بلحمها لكونها ميتة «2» فأجاب (عليه السلام) بان الوجه في‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب النجاسات و 34 من الأطعمة المحرمة.

(2) في المغني ج 1 ص 66 «المشهور في المذهب نجاسة الجلد بعد الدبغ و هو احدى الروايتين عن مالك، و عن أحمد برواية اخرى انه يطهر جلد ما كان طاهرا حال الحياة.

و مذهب الشافعي طهارة الحيوانات كلها الا الكلب و الخنزير فيطهر عنده كل جلد الا جلدهما، و قال أبو حنيفة يطهر كل جلد بالدبغ الا جلد الخنزير، و حكى عن ابى يوسف انه يطهر كل جلد و هو رواية عن مالك. و مذهب من حكم بطهارة الحيوانات كلها

قوله (ص) «إذا دبغ الإهاب فقد طهر».

و لانه (ص) وجد شاة لميمونة فقال: هلا انتفعتم بجلدها؟

فقالوا انها ميتة قال انما حرم أكلها».

و في صحيح مسلم ج 1 ص 145 عن ابن عباس قال:

«تصدق لمولاة لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله (ص) فقال هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ قالوا انها ميتة قال انما حرم أكلها».

و فيه عن ابن عباس قال «سمعت رسول الله (ص) يقول إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ..

62
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

الخبر ليس ما توهموه و ظنه السائل بناء على شهرة الخبر بينهم بل المعنى فيه و الذي أراده (صلى الله عليه و آله) انما هو ان تذكى قبل الموت و ينتفعوا بإهابها و ان لم ينتفعوا بلحمها لهزالها، و هو صريح في عدم الانتفاع بجلود الميتة المؤذن بنجاستها، و ينبغي تقييد‌

قوله (عليه السلام): «الميتة لا ينتفع منها بشي‌ء».

بما كان تحله الحياة ثم عرض له الموت جمعا بين الخبر المذكور و الاخبار الدالة على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة.

و منها-

ما رواه الشيخ في الموثق عن ابي مريم «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) السخلة التي مر بها رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هي ميتة فقال:

ما ضر أهلها لو انتفعوا بإهابها؟ قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لم تكن ميتة يا أبا مريم و لكنها كانت مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها».

أقول: الظاهر ان مورد هذا الخبر غير سابقه. و التقريب في سؤال السائل هو ما ذكرناه من التقريب في الخبر الأول و لكن الجواب وقع عنها بأن السخلة انما رماها أهلها بعد الذبح فهي مذكاة فمن أجل ذلك قال (صلى الله عليه و آله) انها بعد التذكية و ان لم ينتفعوا بلحمها لهزاله إلا ان جلدها مما ينتفع به فكيف لم يأخذوه؟

و منها-

ما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة «2» قال: «سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال إذا رميت و سميت فانتفع بجلده و اما الميتة فلا».

و منها-

ما رواه في الكافي و كذا في التهذيب عن قاسم الصيقل «3» قال:

«كتبت الى الرضا (عليه السلام) اني اعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي أ فأصلي فيها؟ فكتب الي اتخذ ثوبا لصلاتك. فكتبت الى ابي جعفر (عليه السلام) كنت كتبت الى أبيك بكذا و كذا فصعب ذلك علي فصرت أعملها من جلود الحمر

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 34 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 34 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.

63
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

الوحشية الذكية؟ فكتب الي كل اعمال البر بالصبر يرحمك الله فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس».

و منها-

ما رواه في التهذيب عن ابي القاسم الصيقل و ولده «1» قال: «كتبوا الى الرجل (عليه السلام) جعلنا الله فداك انا قوم نعمل أغماد السيوف و ليس لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا من جلود الميتة من البغال و الحمر الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا؟ و نحن محتاجون الى جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها، فكتب (عليه السلام) اجعلوا ثوبا للصلاة. الحديث».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور، و وجه الجمع بينها و بين ما عارضها هو حمل المعارض على التقية لموافقته لمذهب بعض العامة كما أشرنا إليه في ذيل حديث الشاة، و يدل على ذلك‌

ما رواه في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني ادخل سوق المسلمين اعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أ ليست هي ذكية فيقول بلى فهل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟ فقال لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية. قلت و ما أفسد ذلك؟ قال استحلال أهل العراق الميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

و في التهذيب بسنده الى ابي بصير «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء؟ فقال كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ فكان يبعث الى العراق

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب لباس المصلي.

64
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فيقول ان أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون ان دباغها ذكاتها».

و بما أوضحناه و شرحناه يظهر لك انه لا إشكال في صحة القول المشهور كما وقع فيه لعدم التدبر في اخبار المسألة سيدنا المحقق المذكور. ثم ان ما ذكره (قدس سره) في تأييد مرسلة الفقيه من قول مصنفه في صدر كتابه ما قاله- مع الإغماض عن الطعن في ذلك بمخالفة مصنفه لهذه القاعدة في مواضع عديدة من كتابه كما لا يخفى على من تتبعه- ففيه انه في شرحه قد اضطرب كلامه في هذا المقام ايضا كاضطرابه في غيره فتراه تارة يعمل بمرويات الفقيه الضعيفة و يعتذر بهذا الكلام و تراه يرد رواياته اخرى من غير التفات الى ما ذكره في هذا المقام كما لا يخفى على من تتبع شرحه المشار اليه، و هي طريقة غير جيدة ناشئة من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي تمسك به و بالغ في نصرته كما أوضحناه في مواضع من شرحنا على الكتاب.

(الموضع الثاني)- ميتة الآدمي

، و قد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ما نقله غير واحد منهم على نجاستها بعد برده و قبل تطهيره بالغسل، قال في المعتبر:

و علماؤنا مطبقون على نجاسته نجاسة عينية كغيره من ذوات الأنفس السائلة.

و يدل على ذلك مضافا الى الإجماع المذكور‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد ابن الحسن الصفار «1» قال: «كتبت اليه: رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جسده قبل ان يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقع (عليه السلام): إذا أصاب يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل».

و حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ فقال يغسل ما أصاب الثوب».

و رواية إبراهيم بن ميمون «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من غسل مس الميت.

(2) المروية في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.

65
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

السلام) عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت؟ فقال ان كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه».

و روى الطبرسي في الاحتجاج و الشيخ في كتاب الغيبة التوقيع الخارج عن الناحية المقدسة في أجوبة مسائل محمد بن عبد الله الحميري «1» فإنه كتب «روي لنا عن العالم انه سئل عن امام صلى بقوم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ قال يؤخر و يتقدم بعضهم و يتم صلاتهم و يغتسل من مسه؟ التوقيع ليس على من مسه إلا غسل اليد».

و عنه «2» قال: «كتبت اليه و روي عن العالم (عليه السلام) ان من مس ميتا بحرارته غسل يده و من مسه و قد برد فعليه الغسل و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته و العمل في ذلك على ما هو و لعله ينحيه بثيابه و لا يمسه فكيف يجب عليه؟ التوقيع: إذا مسه في هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده».

و في الفقه الرضوي «3» «و ان مس ثوبك ميتا فاغسل ما أصاب».

بقي الكلام في أنها هل هي عينية محضة مطلقا فعلى هذا ينجس ما يلاقي الميت برطوبة كان أو بيبوسة و تتعدى نجاسة ذلك الملاقي الى ما لاقاه برطوبة، أو مع الرطوبة خاصة و إلا فحكمية بمعنى انها مع اليبوسة انما ينجس بها ذلك الملاقي خاصة دون ما لاقاه و لو برطوبة. أو عدم تعديها مطلقا و ان وجب غسل الملاقي تعبدا، أو انها عينية محضة مع الرطوبة خاصة و اما مع اليبوسة فلا اثر لها كغيرها من النجاسات، أقوال أربعة:

الأول ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض و قواه شيخنا المحقق الشيخ حسن على تقدير القول بالتعدي مع اليبوسة، و الثاني للعلامة في المنتهى، و الثالث ظاهر كلام ابن إدريس حيث قال على ما نقل عنه في المدارك: إذا لاقى جسد الميت إناء وجب غسله و لو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجس المائع لأنه لم يلاق جسد الميت، و حمله على ذلك قياس، و الأصل في الأشياء الطهارة الى ان يقوم دليل. و الرابع مختار المحقق الشيخ علي.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من غسل مس الميت.

(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من غسل مس الميت.

(3) ص 18.

66
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

و أنت خبير بان ظاهر إطلاق الأخبار المذكورة الدلالة على القول الأول. و هذا القول ايضا ظاهر الصدوق في الفقيه حيث انه عبر فيه بمضمون حسنة الحلبي فقال:

و من أصاب ثوبه جسد الميت فليغسل ما أصاب الثوب منه. و بذلك يظهر قوة القول المذكور إلا ان قوله (عليه السلام)

في موثقة عبد الله بن بكير «1» «كل شي‌ء يابس ذكى».

المعتضد بجملة من الأخبار الدالة في جملة من المواضع على عدم تعدي النجاسة مع اليبوسة مما يدافع العمل بإطلاق هذه الأخبار، و ايضا ان تقييد المطلق أقرب من تخصيص العام و حينئذ فالأظهر حمل الملاقاة الموجبة للغسل على الملاقاة برطوبة من أحدهما، و مما يستأنس له بذلك‌

قوله في رواية إبراهيم بن ميمون؟ «ما أصاب ثوبك منه».

في الموضعين فإنه ظاهر في ان اصابة الثوب انما هو لرطوبة أو قذر على الميت، إلا ان هذا الحمل بعيد في التوقيع المذكور. و يمكن حمله على الاستحباب سيما مع اشتماله على ما لا يقول به جمهور الأصحاب من النجاسة قبل البرد، و من ذلك يعلم قوة القول الرابع، و يؤيده أيضا‌

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «2» «عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح الصلاة فيه قبل ان يغسله؟ قال ليس عليه غسله و ليصل فيه و لا بأس».

و اما ما ذهب اليه المحدث الكاشاني- من حمل أخبار النجاسة في الميت و الكافر و نحوهما مما ذكره على مجرد الخبث الباطني دون المعنى الشرعي الموجب لغسل الملاقي له برطوبة- فهو من متفرداته الواهية التي هي لبيت العنكبوت- و انه لا وهن البيوت- مضاهية و كيف لا و الأخبار المتقدمة ظاهرة في وجوب غسل الملاقي له الذي هو مظهر النجاسة، و الظاهر ان منشأ الشبهة عنده هو انه لو كان نجسا كالأعيان النجسة لم يقبل التطهير بالغسل كما يدل عليه كلامه في المفاتيح، و هذا دليل الشافعي على ما ذهب اليه من عدم نجاسة‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 31 من أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 26 من أبواب النجاسات.

67
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

الإنسان بالموت «1» قال: إذ لو كان نجسا لما قبل التطهير كسائر النجاسات. و عارضه جماعة من الأصحاب: منهم- العلامة في المنتهى و الشهيدان في الذكرى و الروض بأنه لو لم يكن نجسا لما أمر بالغسل. و فيه انه يمكن ان يكون الغسل انما هو للنجاسة الحكمية كنجاسة بدن الجنب بالجنابة و الحائض بالحيض لا العينية، بل هذا هو الظاهر من الأخبار المتقدمة في باب غسل الجنابة الدالة على ان العلة في غسل الميت انما هو خروج النطفة التي خلق منها حال الموت فهو جنب و لذلك أمر بتغسيله غسل الجنابة. و الجواب الحق انما هو المنع من كون النجاسات و المطهرات منحصرة في قاعدة كلية بل هي تابعة للدليل الشرعي و ليس للعقل فيها مسرح، فلا منافاة بين كون نجاسة الميت بعد البرد و قبل الغسل كسائر النجاسات العينية و ان كان تطهيرها يقع بالغسل و غيرها لا يقبل التطهير إلا بالمطهرات الآتية، ألا ترى ان العصير يطهر بالنقص دون غيره و آلات النزح و جوانب البئر تطهر عندهم بتمام النزح و آلات الخمر بعد انقلابه و نحو ذلك فالاستبعاد مدفوع بما ذكرناه، و بالجملة فالظاهر من الأخبار ان نجاسة الميت بعد البرد و قبل التطهير بالغسل حكمية من جهة عينية من اخرى، فمن الجهة الأولى يجب الغسل على كل من مس الميت في تلك الحال و من الجهة الثانية يجب غسله و غسل ما لاقاه على الخلاف المتقدم، و لا منافاة في كون الغسل رافعا للنجاسة العينية و الحدثية التي في الجنب ايضا كما دلت عليه الاخبار المشار إليها إذا اقتضته الأدلة الشرعية.

______________________________
(1) في المغني ج 1 ص 45 «الآدمي في صحيح المذهب طاهر حيا و ميتا

لقوله (ص) «المؤمن لا ينجس».

متفق عليه، و عن أحمد في بئر مات فيها انسان ينزح ماؤها حتى يغلبهم، و هو مذهب أبي حنيفة قال انه ينجس بالموت و يطهر بالغسل، و للشافعي قولان كالروايتين» و اخرج الشافعية- كالشيرازي في المهذب ج 1 ص 46 و الغزالي في الوجيز ج 1 ص 4 و النووي في المنهاج ص 5- الميت الآدمي من عداد النجاسات، و يظهر ذلك من الام ج 1 ص 235 قال: أحب لمن غسل ميتا ان يغتسل و ليس بالواجب عندي و جاءت أحاديث في ترك الغسل: منها-

«لا تنجسوا موتاكم».

68
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) - ميتة ما لا نفس له سائلة ؛ ج 5، ص : 69

(الموضع الثالث)- ميتة ما لا نفس له سائلة

، و قد نقل الإجماع في المعتبر و المنتهى على طهارتها، قال في المنتهى اتفق علماؤنا على ان ما لا نفس سائلة له من الحيوانات لا ينجس بالموت و لا يؤثر في نجاسة ما يلاقيه. و ذكر في المعتبر ان عدم نجاسة ما هذا شأنه و انتفاء التنجيس به مذهب علمائنا اجمع. و قال الشيخ في النهاية:

كل ما ليس له نفس سائلة من الأموات فإنه لا ينجس الثوب و لا البدن و لا الشراب إذا وقع فيه سوى الوزغ و العقرب. و في المختلف عن ابن البراج انه قال إذا أصاب شيئا وزغ أو عقرب فهو نجس و أوجب أبو الصلاح النزح لها من البئر ثلاث دلاء. و ما ذكره الشيخ (قدس سره) هنا من استثناء الوزغ الظاهر انه مبني على ما سيأتي ان شاء الله تعالى من حكمه بنجاسة الوزغ عينا و انه عنده كالكلب، و اما العقرب فلا نعلم لاستثنائه وجها. و نقل في المختلف عنه الاستدلال عليه‌

برواية أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الخنفساء تقع في الماء أ يتوضأ منه؟ قال نعم لا بأس به. قلت فالعقرب؟ قال ارقه».

و أجاب عنها بأنها غير دالة على ذلك لجواز استناد الإراقة إلى وجود السم في الماء لا إلى نجاسة العقرب. و هو جيد، و بمثل ذلك ايضا يجاب‌

عما رواه سماعة في الموثق «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جرة وجد فيها خنفساء قد ماتت؟ قال ألقه و توضأ منه و ان كان عقربا فارق الماء و توضأ من غيره».

و كيف كان فالمعتمد هو القول المشهور للأصل و الاخبار الكثيرة، و منها موثقة عمار و رواية حفص المتقدمتان في الموضع الأول‌

و موثقة أبي بصير أو صحيحته عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن الذباب يقع في الدهن و السمن و الطعام؟

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأسئار.

(2) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 46 من الأطعمة المحرمة.

69
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) ميتة ذي النفس البحري ؛ ج 5، ص : 70

فقال لا بأس».

و رواية ابن مسكان «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) كل شي‌ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس».

و مرفوعة محمد بن يحيى عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «لا يفسد الماء إلا ما كان له نفس سائلة».

و في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر «3» «انه سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن العقرب و الخنفساء و أشباه ذلك يموت في الجرة و الدن يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس».

و تنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل‌

[المسألة] (الأولى) [ميتة ذي النفس البحري]

قد تقدم نقل المحقق و العلامة الإجماع على نجاسة ميتة ذي النفس السائلة مطلقا من غير استثناء فرد و ظاهره أعم من ان يكون الحيوان بريا أو بحريا، و قال في الخلاف ان مات في الماء القليل ضفدع أو ما لا يؤكل لحمه مما يعيش في الماء لا ينجس الماء و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي ان قلنا انه لا يؤكل فإنه ينجسه «4» دليلنا ان الماء على أصل الطهارة و الحكم بنجاسته يحتاج الى دليل،

و روي عنهم (عليهم السلام) انهم قالوا: «إذا مات فيما فيه حياته لا ينجسه».

و هو يتناول هذا الموضع. و قد حكى المحقق في المعتبر صدر هذه العبارة عن الخلاف و لم يتعرض لما فيه الاحتجاج منها و اختار التنجيس بما له نفس من الحيوان المائي كالتمساح، و احتج له بأنه حيوان له نفس سائلة فكان موته منجسا ثم قال: و لا حجة لهم في‌

قوله (صلى الله عليه و آله) «5» في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».

لان التحليل مختص بالسموك.

قال في المعالم بعد نقل ما ذكرناه عن المحقق: و كأنه أشار بقوله و لا حجة لهم إلى القائلين بالطهارة هنا من العامة وفاقا للشيخ و هم الحنفية. و قد نبه على ذلك الشيخ‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(4) كما في بدائع الصنائع ج 1 ص 79 و الام ج 1 ص 4 و المغني ج 1 ص 45.

(5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الماء المطلق.

70
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) ميتة ذي النفس البحري ؛ ج 5، ص : 70

في الكلام الذي حكيناه عنه و عزاه إليهم العلامة في المنتهى و حكى عنهم الاحتجاج بقوله (صلى الله عليه و آله) «هو الطهور ماؤه. الحديث» و فساد هذه الحجة عندنا أظهر من ان يبين، و العجب من المحقق في عدوله عن حكاية الحجة التي تمسك بها الشيخ الى حجة المخالف الواهية مع كونه في مقام البحث مع الشيخ إذ لم يذكر خلاف غيره، و لولا جمع الضمير في نسبة الاحتجاج لم يختلج في خاطر غير الواقف على كلام الشيخ شك في ان الحجة له و لا يخفى ما فيه، على ان احتمال مشاركة الشيخ لغيره في الاحتجاج بها ليس بمندفع عن غير العارف بالحال، و لعل العذر عدم الوقوف على عين كلام الشيخ في نفس الكتاب، هذا و في تمسك الشيخ هنا بالأصل قوة إلا ان يثبت تناول ما يدعيه الأصحاب من الإجماع في أصل المسألة لموضع النزاع. انتهى.

أقول: و الكلام هنا يقع في مواضع: (الأول)- لا يخفى ما في نقل المحقق و العلامة الإجماع في أصل المسألة على النجاسة ثم نقلهما خلاف الشيخ في المقام من التدافع، إلا ان يحمل ذلك على عدم الاعتداد بخلاف معلوم النسب كما هو أحد قواعدهم، أو لشهرة القول بالخلاف في الحيوان المائي فيكون الإجماع المدعى انما هو على غير الحيوان المائي، و لعله الأقرب.

(الثاني)- ان ما استند اليه الشيخ من التمسك بالأصل فالجواب عنه ان الأصل يجب الخروج عنه بالدليل و هو ما قدمناه من الأخبار المتقدمة في المقام الأول من الموضع الأول الدالة على نجاسة الميتة من ذي النفس غير الإنسان مطلقا، و حيث ان صاحب المعالم في ما قدمنا نقله عنه لم يقم عنده دليل على ذلك إلا الإجماع قوى تمسك الشيخ بالأصل هنا إلا ان يثبت تناول ما يدعيه الأصحاب من الإجماع لموضع النزاع. و أنت خبير بعد الإحاطة بما قدمناه من الأخبار انه لا حاجة الى التمسك بهذا الإجماع هنا، إلا انه يبقى الكلام في دخول الحيوان المائي تحت إطلاق تلك الاخبار أو عمومها حيث ان الذي ينصرف إليه الإطلاق انما هو الأفراد الكثيرة الوقوع مثل تلك الأشياء‌

71
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) القطعة مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 72

المعدودة في الروايات، و شمولها لمثل الضفدع و التمساح و نحوهما الظاهر بعده، و كذلك شمول الإجماع خصوصا على الوجه الثاني مما أجبنا به عن التدافع الواقع في كلامهم، و حينئذ يقوى تمسك الشيخ بالأصل.

(الثالث)- ما نقله الشيخ عنهم (عليهم السلام) من الرواية لم نقف عليها في شي‌ء من كتب الاخبار و لا نقلها غيره فيما اعلم، و قد اعترضه بذلك ايضا بعض أفاضل المحققين من متأخري المتأخرين فقال: و اما الرواية فلم نجدها في موضع مسندة حتى ننظر في صحتها و ضعفها.

و بالجملة فإن قول الشيخ بالنظر الى ما ذكرنا من عدم شمول الأخبار المتقدمة لمثل هذه الأفراد النادرة لا يخلو من قوة، و الاحتياط لا يخفى.

(المسألة الثانية) [القطعة مما له نفس سائلة]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان كل ما ينجس بالموت مما له نفس سائلة فما قطع من جسده حيا كان أو ميتا فهو نجس قال في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب. و قال في المعالم لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب. قال في المدارك: «و احتج عليه في المنتهى بأن المقتضي لنجاسة الجملة الموت و هذا المقتضى موجود في الاجزاء فيتعلق بها الحكم. و ضعفه ظاهر إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت و هو لا يصدق على الاجزاء قطعا. نعم يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابا لحكمها حال الاتصال. و لا يخفى ما فيه» انتهى.

أقول: الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة عدة روايات فيها الصحيح و غيره. و منها-

ما رواه في الفقيه في الصحيح عن ابان عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما أخذت الحبالة فقطعت منه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

72
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) القطعة مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 72

فهو ميتة و ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه».

و رواه الشيخ في التهذيب و الكليني في الكافي لكن بطريق غير صحيح. و منها-

ما رواه في الكافي و التهذيب في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) «1» قال:

«قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت و كلوا ما أدركتم حيا و ذكرتم اسم الله عليه».

و منها-

ما رواه ايضا عن الوشاء عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت و ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه».

و ليس في التهذيب «ثم كل منه» و منها-

ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سليمان عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «ما أخذت الحبالة فانقطع منه شي‌ء أو مات فهو ميتة».

و منها-

ما رواه عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «4» قال: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت و ما أدركت من سائر جسده فذكه ثم كل منه».

و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن أيوب بن نوح رفعه الى الصادق (عليه السلام) «5» قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة».

و منها-

ما رواه في الكافي عن الحسن ابن علي الوشاء «6» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال حرام و هي ميتة. فقلت جعلت فداك فنصطبح بها؟ فقال اما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام».

و عن الكاهلي «7» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و انا عنده عن قطع أليات الغنم فقال لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك، ثم قال ان في كتاب علي (عليه السلام) ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به».

و عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «8» قال:

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(3) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(4) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من غسل المس و 62 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

(7) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

(8) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

73
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) القطعة مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 72

«في أليات الضأن تقطع و هي أحياء؟ إنها ميتة».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكره في المدارك من اعتراضه على كلام المنتهى بان ضعفه ظاهر منظور فيه من وجوه:

(الأول)- انه لا يخفى ان ما نقلناه من الأخبار المذكورة صريحة الدلالة واضحة المقالة في نجاسة الاجزاء المقطوعة من الحي و انها ميتة فقوله: «إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت» ليس في محله بل كما يستفاد منها نجاسة جسد الميت بالموت كذلك يستفاد منها نجاسة ما تحله الحياة بالإبانة منه حيا. و بذلك يظهر ما في كلام صاحب المعالم ايضا حيث انه أورد في المقام روايات الاليات الثلاث خاصة و قال:

في الأولى اشعار بالنجاسة لكن في طريقها ضعف، و قال في الأخيرتين انه لو تم سنداهما لاحتاجا في الدلالة على النجاسة إلى وجود دليل عام في نجاسة الميتة ليكون إثبات كون المنقطع ميتة مقتضيا لدخوله في عموم الدليل على نجاسة الميتة، و قد علم ان العمدة في التعميم الإجماع المدعى في كلام الأصحاب، و حينئذ فالتمسك به موقوف على كونه متناولا لهذا المنقطع و معه لا حاجة الى توسيط الاحتجاج بما دل على انه ميتة، و على كل حال فالحكم هنا ليس بموضع خلاف. انتهى فان فيه ان الروايات الدالة على ما ذكرنا هنا ليست منحصرة في الثلاث التي ذكرها بل فيها الصحيح باصطلاحه و الحسن الذي لا يقصر عن الصحيح عندهم و لكنه معذور حيث لم يقف على ذلك، و اما المستند في أصل نجاسة الميتة فهو الأخبار التي قدمناها لا الإجماع الذي زعمه حسبما تقدم إيضاحه، و لكنهم حيث لم يعطوا النظر حقه في التتبع لأدلة المسألة و اخبارها خصوصا مع تفرقها في أبواب شتى و وقعوا فيما وقعوا فيه من هذه المناقشات كما لا يخفى.

(الثاني)- ان تنظره في القطعة المبانة من الميت- و قوله: لا يخفى ما فيه- مردود بأن النجاسة إذا تعلقت بجملة تعلقت باجزائها و ليس تعلقها بالمجموع من حيث كونه مجموعا و كيف لا و هو (قدس سره) قد استدل على نجاسة ما لا تحله الحياة من الكلب و الخنزير‌

74
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب الأجزاء الصغيرة المنفصلة من بدن الإنسان ؛ ج 5، ص : 75

بأنه داخل في مسماه و لا شك ان الكلب و الخنزير اسم للجملة.

(الثالث)- لا يخفى ان المستفاد من الاخبار ان الطهارة و النجاسة دائرة مدار حلول الحياة و عدمه و لهذا كما وردت الأخبار المتقدمة بنجاسة القطعة المبانة من الحي و انها ميتة قد وردت الأخبار ايضا باستثناء تلك العشرة التي لا تحلها الحياة و حكم بطهارتها من الميتة من حيث انها لا تحلها الحياة، و قد صرح بذلك‌

في صحيحة الحلبي الآتية ان شاء الله تعالى «1» فقال: «ان الصوف ليس فيه روح».

و قد أومأ هو (قدس سره) في تلك المسألة الى ما ذكرناه حيث قال بعد ذكره هذا الكلام من الصحيحة المذكورة: «و مقتضى التعليل طهارة كل ما لا روح فيه» و بما أوضحناه يظهر لك قوة ما ذكره العلامة و ضعف ما أورده عليه.

تذنيب [الأجزاء الصغيرة المنفصلة من بدن الإنسان]

قال العلامة في المنتهى: الأقرب طهارة ما ينفصل من بدن الإنسان من الاجزاء الصغيرة مثل البثور و الثالول و غيرهما لعدم إمكان التحرز عنها فكان عفوا دفعا للمشقة.

و اعترضه في المعالم فقال: «و يظهر من تمسكه بعدم إمكان التحرز انه يرى تناول دليل نجاسة المبان من الحي لها و ان المقتضى لاستثنائها من الحكم بالتنجيس و القول بطهارتها هو لزوم الحرج و المشقة من التكليف بالتحرز عنها، و هذا عجيب فان الدليل على نجاسة المبان من الحي كما علمت اما الإجماع أو الاخبار التي ذكرناها أو الاعتباران اللذان حكيناهما عن بعض الأصحاب اعني مساواة الجزء للكل و وجود معنى الموت فيه و الإجماع لو كان متناولا لما نحن فيه لم يعقل الاستثناء منه، و الأخبار على تقدير صحتها و دلالتها و عمومها انما تقتضي نجاسة ما انفصل في حال وجود الحياة فيه لا ما زالت عنه الحياة قبل الانفصال كما في موضع البحث، و النظر الى ذينك الاعتبارين يقتضي ثبوت‌

______________________________
(1) ص 77.

75
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب الأجزاء الصغيرة المنفصلة من بدن الإنسان ؛ ج 5، ص : 75

التنجيس و ان لم تنفصل تلك الاجزاء لتحقق معنى الموت فيها قبله و لا ريب في بطلانه.

و التحقيق انه ليس لما يعتمد عليه من أدلة نجاسة الميتة و أبعاضها و ما في معناها من الاجزاء المبانة من الحي دلالة على نجاسة نحو هذه الأجزاء التي يزول عنها اثر الحياة في حال اتصالها بالبدن فهي على أصل الطهارة، و إذا كان للتمسك بالأصل مجال فلا حاجة الى تكلف دعوى لزوم الحرج» انتهى كلامه (قدس سره) و هو جيد رشيق.

و استدل في المدارك على الطهارة أيضا مضافا الى أصالة الطهارة السالمة من المعارض‌

بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له ان يقطع الثالول و هو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال ان لم يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس و ان تخوف ان يسيل الدم فلا يفعل».

قال:

و ترك الاستفصال عقيب السؤال يفيد العموم. و أورد على ذلك ان الظاهر من صحيحة علي بن جعفر ان السؤال فيها ليس عن طهارة ما يقطع من الثالول أو نجاسته بل عن كون هذا الفعل في الصلاة من المنافيات لها أم لا‌

فإنه سأله أيضا قبل هذا السؤال فقال: «و سألته عن الرجل يتحرك بعض أسنانه و هو في الصلاة هل يصلح له ان ينزعه و يطرحه؟ قال ان كان لا يجد دما فلينزعه و ليرم به و ان كان دمي فلينصرف».

ثم قال: «و سألته عن الرجل يكون به الثالول. إلخ» و حينئذ فالغرض من السؤال انما هو استعلام كون هذا الفعل في الصلاة مما ينافيها أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بأنه لا ينافيها لانه ليس بفعل كثير تنمحي به الصلاة، نعم ان استلزم خروج الدم كالضرس في السؤال الأول أبطل من حيث الدم. انتهى.

و الجواب ان الأمر و ان كان كما ذكره من ان السؤال انما هو عن كون الفعل المذكور قاطعا للصلاة أم لا إلا ان ظاهر إطلاق نفي البأس عن مس هذه الاجزاء في الصلاة و نتفها أعم من كون المس برطوبة أو يبوسة مما يشهد بالطهارة، إذ المقام مقام‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 27 من قواطع الصلاة.

76
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) ما لا تحله الحياة من الميتة ؛ ج 5، ص : 77

تفصيل كما يدل عليه اشتراط نفي البأس بانتفاء تخوف سيلان الدم، فلو كان مس تلك الاجزاء مقتضيا للتنجيس و لو على بعض الوجوه لم يحسن هذا الإطلاق بل كان اللائق البيان كما وقع في خوف السيلان، و حينئذ فظاهر الإطلاق الطهارة في الحالين و به يتم الاستدلال و بالجملة فالظاهر انه لا خلاف في القول بالطهارة و ان اختلفوا في الدليل على ذلك، و التمسك بأصالة الطهارة- سيما مع الاعتضاد بظاهر الصحيحة المذكورة بالتقريب المذكور- أقوى متمسك في المقام، و الاحتياط لا يخفى. و الله العالم.

(المسألة الثالثة) [ما لا تحله الحياة من الميتة]

- اتفق الأصحاب من غير خلاف يعرف على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة، و هي عشرة: العظم و الظفر و الظلف و القرن و الحافر و الشعر و الوبر و الصوف و الريش و البيض إذا اكتسى القشر الأعلى، كذا نقله في المدارك بعد ان ذكر انه حصر ذلك في عشرة أشياء ثم عد العشرة المذكورة، و في المعالم و كذا في المنتهى ذكر العشرة و لكن ذكر الانفحة مكان الظفر، و في المدارك بعد ان عد العشرة المذكورة و نقل بعض أخبار المسألة قال و يستفاد من صحيحة زرارة استثناء الإنفحة أيضا، و هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و ظاهر المنتهى انه مجمع عليه بين الأصحاب.

و فيه انه كان الواجب بمقتضى هذا الكلام جعل الانفحة من جملة الأفراد التي عدها أولا و ان زادت على العشرة مع انه ادعى في صدر كلامه الحصر في العشرة التي ذكرها و هل هذا إلا تدافع ظاهر؟ و كيف كان فالواجب ذكر أخبار المسألة كملا مما وصل إلينا نقله ثم تذييلها بما تضمنته من الأحكام المتعلقة بذلك:

فأقول: من الأخبار المذكورة‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح».

و في هذا الخبر ما يدل على طهارة ما لا روح فيه مطلقا إذ الظاهر ان قوله (عليه السلام): «ان الصوف ليس فيه روح» وقع تعليلا لنفي البأس عن الصلاة فيه‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 68 من أبواب النجاسات.

77
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) ما لا تحله الحياة من الميتة ؛ ج 5، ص : 77

و ما رواه الشيخ و مثله الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت؟ قال لا بأس به. قلت اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت؟ قال لا بأس به. قلت و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيضة تخرج من الدجاجة؟ قال كل هذا لا بأس به».

و الجلد في الخبر ليس في الفقيه و هو الأصح، و الظاهر انه من سهو قلم الشيخ (قدس سره) كما لا يخفى.

و ما رواه الشيخ في الحسن عن حريز «2» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لزرارة و محمد بن مسلم: اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي‌ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي، و ان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه».

و عن إسماعيل بن مرار عن يونس عنهم (عليهم السلام) «3» قال: «خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق: الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر، و لا بأس بأكل الجبن كله مما عمله مسلم أو غيره و انما يكره ان يؤكل سوى الانفحة مما في آنية المجوس و أهل الكتاب لأنهم لا يتوقون الميتة و الخمر».

و عن الحسين بن زرارة في الموثق أو الحسن «4» قال: «كنت عند ابي عبد الله (عليه السلام) و ابي يسأله عن السن من الميتة و اللبن من الميتة «5» و البيضة من الميتة و إنفحة الميتة؟ فقال كل هذا ذكي».

قال في الكافي: و زاد فيه علي بن عقبة و علي بن الحسن بن رباط قال: «و الشعر و الصوف كله ذكي».

و قال في الكافي أيضا: و في رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) «6» قال: «الشعر و الصوف و الوبر و الريش و كل نابت لا يكون ميتا. قال و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟ فقال تأكلها».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(5) جاء في رواية الكال (اللبن) و في رواية التهذيب (السن) و جمع بينهما في الوافي.

(6) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

78
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) ما لا تحله الحياة من الميتة ؛ ج 5، ص : 77

و ما رواه في الكافي عن أبي حمزة الثمالي عن الباقر (عليه السلام) «1» في حديث طويل قال فيه: «قال قتادة فأخبرني عن الجبن فتبسم أبو جعفر (عليه السلام) ثم قال رجعت مسائلك الى هذا؟ قال ضلت عني. فقال لا بأس به. فقال انه ربما جعلت فيه إنفحة الميت؟ قال ليس بها بأس ان الإنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم، ثم قال و ان الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة فهل تأكل البيضة؟ قال لا و لا آمر بأكلها. فقال أبو جعفر (عليه السلام) و لم؟

قال لأنها من الميتة. قال له فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها؟ قال نعم. قال فما حرم عليك البيضة و أحل لك الدجاجة؟ ثم قال (عليه السلام) فكذلك الانفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين و لا تسأل عنه الا ان يأتيك من يخبرك عنه».

و روى الصدوق في الفقيه مرسلا «2» قال قال الصادق (عليه السلام): «عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن و الحافر و العظم و السن و الانفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض».

و رواه في الخصال مسندا عن محمد بن ابي عمير رفعه الى الصادق (عليه السلام) مثله «3» مع مخالفة في الترتيب.

و ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) «4» «في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة؟ قال ان كانت البيضة اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها».

و ما رواه في الكافي عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسن (عليه السلام) «5» قال «كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي؟ فكتب لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب و كل ما كان من السخال من الصوف ان جز و الشعر و الوبر و الانفحة و القرن و لا يتعدى الى غيرها ان شاء الله تعالى».

قال بعض المحدثين من المحققين «هكذا وجد هذا الحديث في نسخ الكافي و التهذيبين و كأنه سقط منه شي‌ء» انتهى. و هو كذلك‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

79
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 80

 

و ما رواه في التهذيب في باب الذبائح و الأطعمة في الحسن عن صفوان عن الحسين بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) «1» «في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن أو الماء فاشرب منه و أتوضأ؟ قال نعم، و قال يدبغ فينتفع به و لا يصلى فيه. قال الحسين: و سأله ابي عن الانفحة تكون في بطن العناق أو الجدي و هو ميت؟ فقال لا بأس به. قال الحسين: و سأله ابي و انا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه؟ فقال لا بأس. و قال عظام الفيل تجعل شطرنجا؟ فقال لا بأس بمسها.

و قال أبو عبد الله (عليه السلام) العظم و الشعر و الصوف و الريش و كل نابت لا يكون ميتا. قال و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟ فقال لا بأس بأكلها».

أقول عجز هذه الرواية هو الذي تقدم نقل صاحب الكافي له بقوله: و في رواية صفوان عن الحسين بن زرارة. إلخ‌

[تنبيهات]

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام هنا يقع في مواضع‌

(الأول) [نجاسة جميع الميتة غير الأجزاء المستثناة]

- انه لا يخفى على من لاحظ الأخبار التي قدمناها في نجاسة الميتة دلالتها على الحكم المذكور الشامل لجميع أجزاء الميتة من هذه العشرة و غيرها، و ان هذه العشرة إنما استثنيت و خرجت عن الحكم المذكور بهذه الأخبار المذكورة هنا الصريحة في طهارتها المعبر عنها في جملة من هذه بأنها ذكية اي طاهرة و في بعض بأنها لا تحلها الروح كما أشير إليه في صحيحة الحلبي و في حديث أبي حمزة الثمالي من قوله (عليه السلام) في الانفحة «انها ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم» فان الظاهر من سياق هذا الكلام الاستدلال على نفي البأس عن الإنفحة انما هو من حيث ما ذكرناه الموجب لطهارتها، و الوجه فيه ان العرق مما تحله الحياة و اما الدم فهو مادة الحياة و لذا يطلق عليه النفس كما صرح به أهل اللغة و وقع التعبير به في كلام الفقهاء من قولهم ذي النفس السائلة أي الدم الجاري من العرق بعد قطعه بقوة و دفع، و اما العظم فإنه و ان لم تحله الحياة في حد ذاته لكنه مستلزم لكون ما وقع فيه مما‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 34 و 33 من الأطعمة المحرمة.

 

80
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) نجاسة جميع الميتة غير الأجزاء المستثناة ؛ ج 5، ص : 80

تحله الحياة البتة و متعلقا للروح، ألا ترى انه يجب في القطعة المشتملة على العظم غسلها و تكفينها و ان لم يجب ذلك في العظم وحده فوجوده مؤكد لتعلق الروح فيما نحن فيه.

و بما ذكرنا يظهر لك ما في كلام المحقق الخوانساري في شرح الدروس من المناقشة هنا في دلالة الأخبار المذكورة على الاستثناء و الاستناد في طهارة هذه الأشياء الى الأصل و الاتفاق على الحكم المذكور، حيث قال في بيان الدليل على طهارة هذه الأشياء: «و اما الثاني فالدليل على طهارتها أصالة الطهارة إذ عموم دلالة نجاسة الميتة بحيث يشمل هذه الاجزاء غير ظاهر كما عرفت، و الاتفاق ظاهرا، و عدم صدق اسم الميتة عليها لان الموت فرع الحياة. و لا يخفى انه لو كان نص يدل على ان الميتة نجسة فلا يبعد ان يقال ان الظاهر ان جميع أجزائها نجسة كما يقولون ان جميع اجزاء الكلب مثلا نجس باعتبار انه وجد النص بنجاسة الكلب و هو ظاهر في نجاسة جميع اجزائه، و كون بعض اجزائها مما لا تحله الحياة لا يقدح فيه. فالعمدة عدم وجود النص الدال على تعليق الحكم بالنجاسة على الميتة كما يقولون لا عدم حلول الحياة، و كيف و ظاهر ان زوال الحياة ليس سببا للنجاسة و إلا لزم ان يكون الحيوان الذكي ايضا نجسا بل عدم التذكية يصير سببا لنجاسة الحيوان، و لا استبعاد في ان يصير سببا لنجاسة جميع اجزائه سواء حلته الحياة أولا» انتهى.

أقول: فيه ما عرفت من وجود الدليل على نجاسة الميتة و انه عام لجميع اجزائها بالتقريب الذي ذكره في الكلب، و انما خرجت هذه العشرة المذكورة هنا بهذه الأخبار فهي مخصصة لعموم تلك الأخبار و مقيدة لإطلاقها كما هي القاعدة المطردة في مقام اجتماع العام و الخاص و المطلق و المقيد. و اما قوله- انه مع عموم تلك الأخبار فكون بعض اجزائها مما لا تحله الحياة لا يقدح في العموم- فمردود بان القادح في العموم انما هو اشتمال جملة من هذه الأخبار على كون هذه الأشياء ذكية و جملة منها على نفي البأس الظاهر كل منهما في الطهارة و ان كان الأول أشد ظهورا و ان وقع التعبير في بعضها‌

81
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) هل يفرق في طهارة الصوف و نحوه من الميتة بين الجز و القلع؟ ؛ ج 5، ص : 82

بكونه مما لا تحله الحياة إلا أن المنافاة الموجبة لتقييد إطلاق تلك الأخبار انما هو من حيث دلالة هذه الأخبار على الطهارة بهذه الألفاظ الدالة على ذلك و مقتضى القاعدة كما عرفت تقييد إطلاق تلك الاخبار بهذه، و حينئذ فما ادعاه- من انه مع وجود النص الدال على نجاسة الميتة فإنه يشمل جميع هذه الأشياء المذكورة و ان هذه الأخبار لا تفيد تخصيصا و لا تقييدا لها لعدم ظهور الدلالة على الطهارة حتى انه انما التجأ إلى أصالة الطهارة و الاتفاق ظاهرا و عدم صدق الميتة عليها- غلط محض حيث انه غفل عما اشتملت عليه هذه الأخبار من الألفاظ الظاهرة و انما تعلق باشتمال بعضها على عدم حلول الحياة و رتب عليه ما ذكره من المناقشة، و ما ذكرناه بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

(الثاني) [هل يفرق في طهارة الصوف و نحوه من الميتة بين الجز و القلع؟]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم الفرق في الحكم بطهارة الصوف و الشعر و الريش و الوبر بين كونها مأخوذة من الميتة بطريق الجز أو القلع إلا انه يحتاج في صورة القلع الى غسل موضع الاتصال من حيث ملاقاة الميتة بالرطوبة. و يدل على ذلك (أولا)- إطلاق الأخبار المتقدمة إذ لا تصريح فيها بالجز و لا غيره. و (ثانيا) حسنة حريز المتقدمة في صدر المسألة حيث اشتملت على الأمر بغسل هذه الأشياء بعد أخذها من الميتة، و من الظاهر انه لا وجه للأمر بالغسل مع الجز بل الظاهر ان المراد انما هو قلعها و الخبر المذكور قد صرح بأنه ذكي في الصورة المذكورة اي طاهر فالخبر ظاهر الدلالة على الطهارة في صورة القلع.

و ذهب الشيخ في النهاية إلى اشتراط الجز و خص الطهارة بذلك، و نقل عنه انه علل ذلك بان أصولها المتصلة باللحم من جملة اجزائه و انما يستكمل استحالتها الى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه. و رد (أولا) بالمنع لانه يصدق على المجموع من المتصل باللحم و المتجاوز عنه اسم هذه الأشياء و هو لا يجامع كون شي‌ء منها جزء من اللحم.

و (ثانيا)- ما قدمنا من إطلاق الأخبار و التقييد يحتاج الى دليل و ليس فليس، مضافا الى ما عرفت مما دلت عليه حسنة حريز المشار إليها.

82
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) هل يفرق في طهارة الصوف و نحوه من الميتة بين الجز و القلع؟ ؛ ج 5، ص : 82

قال المحقق الخوانساري في شرح الدروس: «ثم ان حكم الأصحاب بالغسل في صورة القلع فبناء على عموم نجاسة الملاقي للنجس بالرطوبة و الميتة نجسة و أصول هذه الأشياء ملاقية لها بالرطوبة فيجب غسلها، و يدل عليه أيضا حسنة حريز المذكورة مع معاضدة الاحتياط. و لا يذهب عليك ان الأحوط عدم الاكتفاء بغسل موضع الاتصال بل غسل جميعها بل على تقدير الجز أيضا لأن الرواية المذكورة المتضمنة للأمر بالغسل مطلقة لا تقييد فيها بموضع الاتصال و حالة القلع» انتهى.

و لا يخلو من غرابة أما (أولا)- فلتصريح الأخبار المذكورة بطهارة هذه الأشياء و انها ذكية، مضافا الى اتفاق الأصحاب و أصالة الطهارة و عدم صدق الميتة عليها كما تقدم في كلامه الذي قدمنا ذكره في سابق هذا الموضع. و (اما ثانيا)- فان غسل موضع الملاقاة للميتة وجهه ظاهر و اما ما عدا موضع الملاقاة و كذا ما أخذ جزا فما وجه الاحتياط في غسله مع الوجوه المذكورة؟ و الرواية التي أشار إليها و ان كانت مطلقة لكنها معارضة فيما عدا موضع الملاقاة بالأدلة المذكورة الدالة على الطهارة فلا بد من تخصيصها بموضع الملاقاة كما ذكرناه جميعا بينها و بين تلك الأدلة، و لو قام مثل هذا الاحتياط في المقام لجرى في جميع الأشياء المحكوم بطهارتها، و بالجملة فإن ما ذكره (قدس سره) لا اعرف له وجها بالكلية.

هذا، و ظاهر حسنة حريز المشار إليها ان حكم القرن و الناب و الحافر و مثلها الظلف و الظفر حكم ما ذكر في الصوف و الشعر و الريش و الوبر من انها متى أخذت بالقلع من الميتة فإنه يغسل موضع الملاقاة منها بالتقريب المتقدم في الشعر و أشباهه و انها لو أخذت بالكسر أو البري بسكين و نحوها فإنه يكون كالجز بالنسبة إلى تلك الأشياء و خلاف الشيخ يجري هنا في القلع ايضا بالتقريب الذي قدمنا نقله عنه إلا اني لم أقف على من ذكر ذلك من الأصحاب و مقتضى ظاهر الحسنة المشار إليها و كذا تعليل الشيخ المتقدم هو ما ذكرناه.

83
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يفرق في طهارة المستثنيات من الميتة بين ما يؤكل و غيره؟ ؛ ج 5، ص : 84

(الثالث) [هل يفرق في طهارة المستثنيات من الميتة بين ما يؤكل و غيره؟]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في الحكم بطهارة هذه الأشياء من الميتة بين كون الميتة مما يؤكل لحمه لو ذكى و لا غيره، و قال العلامة في النهاية: أما بيض الجلال و ما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة فالأقوى فيه النجاسة، و نحوه ذكر في المنتهى ايضا، نقل ذلك في المعالم و قال بعد نقل الحكم المذكور لا نعرف فيه خلافا إلا من العلامة ثم نقل كلامه في الكتابين المذكورين.

و قال: و لا نرى لكلامه وجها و لا عرفنا له عليه موافقا و قد نص الشهيد في الذكرى على عدم الفرق و اما الإنفحة من غير المحلل كالموطوء ففي طهارتها احتمالان منشأهما من كون أكثر الأخبار الدالة على طهارتها واردة بالحل أو مسوقة لبيانه و منه استفيدت الطهارة و ذلك مفقود في غير المحلل، و من عدم الدليل العام على نجاسة الميتة بحيث يتناول أمثال هذه الاجزاء كما أشرنا اليه و مقتضى الأصل هو الطهارة الى ان يقوم الدليل على خلافها و لا دليل، و لم أقف لأحد من الأصحاب في ذلك على كلام و ربما يكون إطلاقهم الحكم بالطهارة قرينة على عدم التفرقة، و لا يخفى ان فرق العلامة في حكم البيض يقتضي الفرق هنا ايضا. انتهى.

أقول: فيه ان ما ذكره بالنسبة إلى الانفحة في الاحتمال الثاني من عدم الدليل العام على نجاسة الميتة مردود بما قدمنا ذكره من الاخبار الدالة على ذلك و ما ذيلناها به من التقريب الدال على النجاسة، و متى ثبت ذلك استلزم القول بنجاسة جميع اجزائها بالتقريب المتقدم في الكلب و نحوه من نجس العين كما سيجي‌ء تحقيقه ايضا ان شاء الله تعالى في المقام و الاعتراف بذلك من جملة من علمائنا الاعلام. و اما قوله: «و ربما يكون إطلاقهم الحكم بالطهارة قرينة على عدم الحكم بالتفرقة» فهو معارض بان اتفاقهم على الحكم بنجاسة الميتة- كما اعترف به سابقا من انه لا مستند لهذا الحكم إلا اتفاقهم المستلزم كما عرفت للحكم بنجاسة كل جزء جزء من اجزاء الميتة- موجب للحكم بالنجاسة في الانفحة فيبقى الوجه الأول من الاحتمالين المذكورين في كلامه سالما عن‌

84
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يفرق في طهارة المستثنيات من الميتة بين ما يؤكل و غيره؟ ؛ ج 5، ص : 84

المعارض و ينتفي ما ادعاه من التمسك بمقتضى الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل، و قد دل على نجاسة الميتة الشامل ذلك للانفحة و غيرها خرج من ذلك ما دلت عليه الاخبار الدالة على طهارتها من حيث الحل كما ذكره و بقي ما كان من غير المحلل على النجاسة، على ان ما ذكره من كون أكثر الأخبار الدالة على طهارتها واردة بالحل أو مسوقة لبيانه محل نظر. فان ظاهر سياقها انما هو بالنسبة إلى الطهارة و النجاسة لا الحل و الحرمة كما ادعاه، و الذي قدمناه من الروايات المشتملة على الإنفحة صحيحة زرارة و فيها نفي البأس إلا ان موردها الجدي الذي هو مأكول اللحم، و رواية يونس و هي مطلقة بالنسبة إلى الحيوان المأكول و غيره و ذكر الانفحة فيها في سياق الصوف و الشعر و الوبر و الحكم فيها بأنها ذكية أظهر ظاهر في ان المراد انما هو الطهارة لا الحل فان ما ذكره معها من الصوف و ما بعده ليس من المأكولات، و نحوها موثقة الحسين بن زرارة حيث ذكر فيها انها ذكية اي طاهرة، سيما بإضافة الزيادة المنقولة من الكافي عن علي بن عقبة و علي بن رباط بإضافة الشعر و الصوف، و مرسلة الصدوق في الفقيه المسندة في الخصال المشتملة على عد العشرة كملا بالحكم بكونها من الميتة ذكية فإنه ظاهر في الطهارة لا في الحل، و كذلك رواية الجرجاني، فأين أكثر الأخبار الواردة بالحل أو المسوقة لبيانه؟ نعم ذكر الحل وقع في حديث الثمالي إلا ان ظاهر سياقه ان الكلام في الحل و الحرمة انما وقع تفريعا على الطهارة و النجاسة، حيث انه (عليه السلام) لما نفى البأس عن الجبن و أحل أكله عارضه السائل بأنه تجعل فيه الانفحة و هي نجسة لأخذها من الميتة فأجاب (عليه السلام) بأن الانفحة طاهرة لأنها ليست مما تحله الحياة بالتقريب الذي قدمنا ذكره في الموضع الأول ثم نظر له بالبيضة المأخوذة من الميتة، فذكر الحل في الخبر انما وقع بطريق العرض و الا فاصل الكلام انما هو في الطهارة و النجاسة، و مثلها تتمة حديث يونس بالتقريب المذكور، على ان لفظ الحل في الاخبار ربما استعمل في حل الاستعمال و هو شائع سيما في هذا المقام في كلام الفقهاء فإنهم يعبرون في هذا المقام عن‌

85
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

طهارة الصوف و الشعر و نحوهما من القرن و الظلف و غيرهما بالحل و انها تحل من الميتة و ليس المراد إلا حل استعمالها كما لا يخفى على من راجع عباراتهم. و العجب ايضا من متابعة الفاضل الخراساني في الذخيرة له على ذلك حيث انه جرى على ما جرى عليه و ذكر ذلك و ان لم يسنده اليه.

(الرابع) [تعريف الأنفحة]

- قد اختلف كلام أهل اللغة في معنى الانفحة و الظاهر انه بسبب ذلك اختلف كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ذلك، فعن الصحاح ان الإنفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء مخففة كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل. و قال في القاموس:

«الانفحة بكسر الهمزة و تشديد الحاء و قد تكسر الفاء و المنفحة و التنفحة: شي‌ء يستخرج من بطن الجدي الراضع اصفر فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن فإذا أكل الجدي فهو كرش، و تفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو» و قال الفيومي في المصباح المنير: «و الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء و تثقيل الحاء أكثر من تخفيفها قال ابن السكيت و حضرني أعرابيان فصيحان من بني كلاب فسألتهما عن الانفحة فقال أحدهما لا أقول إلا إنفحة يعني إلا بالهمزة و قال الآخر لا أقول إلا منفحة يعني إلا بميم مكسورة ثم افترقا و اتفقا على ان يسألا جماعة من بني كلاب فاتفقت جماعة على قول هذا و جماعة على قول هذا فهما لغتان، و الجمع انافح و منافح، قال الجوهري الإنفحة هي الكرش، و في التهذيب لا تكون الانفحة إلا لكل ذي كرش، و هو شي‌ء يستخرج من بطنه اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن و لا يسمى إنفحة إلا و هو رضيع فإذا رعى قيل استكرش اي صارت انفحته كرشا. و نقل ابن الصلاح ما يوافقه فقال الانفحة ما يؤخذ من الجدي قبل ان يطعم غير اللبن فان طعم غيره قبل مجبنة. و قال بعض الفقهاء و يشترط في طهارة الإنفحة ان لا تطعم السخلة غير اللبن و إلا فهي نجسة و أهل الخبرة بذلك يقولون إذا رعت السخلة و ان كان قبل الفطام استحالت الى البعر» انتهى كلام صاحب المصباح. و قال في مجمع البحرين: و الانفحة بكسر‌

86
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

الهمزة و فتح الفاء مخففة و هي كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهو كرش حكاه الجوهري عن ابي زيد، و في المغرب إنفحة الجدي بكسر الهمزة و فتح الفاء و تخفيف الحاء و تشديدها و قد يقال منفحة أيضا و هو شي‌ء يخرج من بطن الجدي اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن و لا يكون إلا لكل ذي كرش، و يقال انها كرشه إلا انه ما دام رضيعا سمي ذلك الشي‌ء إنفحة فإذا فطم و رعى العشب قيل استكرش انتهى.

و قال ابن إدريس في السرائر: و الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهو كرش و فسرها العلامة على ما نقله في المعالم في جملة من كتبه بما يوافق كلام القاموس فقال انها لبن مستحيل في جوف السخلة.

و أنت خبير بأنه قد علم من ذلك الاختلاف في الانفحة بين كونها عبارة عن الكرش أو عن ذلك الشي‌ء الأصفر الذي يعصر في صوفة مبتلة فيغلظ، و يمكن ترجيح الثاني‌

بقوله (عليه السلام) في رواية الثمالي «إنما تخرج من بين فرث و دم».

فان الظاهر انه اشارة إلى قوله عز و جل: «وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعٰامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّٰا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خٰالِصاً سٰائِغاً لِلشّٰارِبِينَ» «1» قال في مجمع البيان نقلا عن ابن عباس قال: «إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا و أعلاه دما و أوسطه لبنا فيجري الدم في العروق و اللبن في الضرع و يبقي الفرث كما هو» انتهى. و مقتضى ذلك ان اللبن الذي تشربه السخلة يصير بعد وصوله الى الكرش الى هذه الأقسام الثلاثة ثالثها هو هذا الشي‌ء الأصفر الذي ذكره أهل اللغة و ان كان بعد رعيه العلف يضمحل ذلك و لا يصير كذلك و انما يبقى الفرث و هو التفل و الدم خاصة. و يمكن ايضا ان يقال- و هو الأنسب بكلام أهل اللغة القائلين بأن الانفحة عبارة عن ذلك الشي‌ء الأصفر ما دام يغتذي باللبن و إذا اغتذى بالعلف صار كرشا- انه في حال الاغتذاء باللبن ليس له كرش و انما الذي يتحول إليه لبنه الذي يشربه هذا الشي‌ء الأصفر مع التفل و الدم و بعد رعيه يصير هذا الشي‌ء الأصفر‌

______________________________
(1) سورة النحل، الآية 68.

87
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

كرشا، و به ينطبق الخبر المذكور على كلام أهل اللغة انطباقا ظاهرا.

هذا، و قد اضطرب كلام جملة من أفاضل المتأخرين في هذا المقام في الحمل على اي المعنيين المذكورين، من جهة انهم حكموا في الصوف و الشعر و نحوهما مما يؤخذ قلعا من الميتة بوجوب الغسل كما تقدم من حيث ملاقاة الميتة برطوبة بناء على القاعدة المقررة بينهم من ان ملاقي النجس مع الرطوبة ينجس، و حينئذ فبعضهم رجح تفسير الانفحة بالكرش دون ذلك الشي‌ء الأصفر لأن ذلك الشي‌ء الأصفر و ان كان طاهرا بمقتضى ظاهر الاخبار على تقدير تفسير الانفحة به إلا انه ينجس بملاقاة الجلد الذي يحويه فيمنع من الانتفاع به و يحكم بنجاسته، و اما الكرش فإنه مع تفسير الانفحة به يكون طاهرا بمقتضى الأخبار المذكورة. و هل يحتاج ظاهره الى تطهير من حيث الملاقاة لباطن الميتة و ان كانت ذاته طاهرة؟ احتمالان نقل في المعالم عن والده في بعض فوائده انه اختار الأول ثم نقل عنه انه توقف في الروضة. قال و لا نعلم من الأصحاب مصرحا بالثاني و ربما كان في إطلاقهم الحكم بالطهارة إشعار به. و قال في الذكرى الاولى تطهير ظاهرها من الميتة للملاقاة. انتهى. و قال في المدارك: في وجوب غسل الظاهر من الانفحة و البيضة وجهان أظهرهما العدم للأصل و إطلاق النص، و ظاهر كلام المنتهى يعطي الوجوب و هو أحوط. انتهى. و قال الفاضل الخوانساري في شرح الدروس بعد نقل الخلاف في المسألة: «و الظاهر تفسير العلامة لأنه يظهر من الروايات المذكورة ان الإنفحة شي‌ء يصنع به الجبن، و الظاهر ان الجبن انما يعمل من الشي‌ء الذي في جوف السخلة مثل اللبن لا من كرشها الذي هو للحيوان بمنزلة المعدة للإنسان، و ما في رواية الثمالي من انها تخرج من بين فرث و دم يشعر أيضا بأنه مثل اللبن، و على هذا فالظاهر ان الكرش محلها» انتهى. و فيه انه متى فسر الانفحة بذلك الشي‌ء الأصفر فهب أنها طاهرة للنصوص إلا ان هذا الكرش الذي جعله محلها نجس البتة فيعود الاشكال كما تقدم ذكره و بالجملة فإنه لا يخفى ان مقتضى تصريحهم بتعدي النجاسة للصوف المقلوع و نحوه‌

88
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

مضافا الى القاعدة المتقدمة هو النجاسة و وجوب التطهير من حيث الملاقاة و ان كانت طاهرة في حد ذاتها بأي المعنيين اعتبرت، إلا ان يقال بان مقتضى الوقوف على ظواهر النصوص المذكورة هو التطهير بالنسبة إلى الصوف و نحوه حيث دلت على ذلك حسنة حريز المتقدمة، و لا منافاة في الحكم بطهارة الانفحة بأي المعنيين المذكورين اعتبرت و استثناء ذلك من حكم ملاقاة النجاسة كما سيأتي مثله في اللبن في ضرع الميتة، و لعل وجه الاستثناء هو حكم الضرورة بالحاجة إلى الانفحة كما يشعر به‌

خبر يونس «1» من قوله (عليه السلام): «خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق: الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر».

و حينئذ فيزول الاشكال من هذا المجال.

بقي الكلام هنا في بعض ما يتعلق بالمقام و هو أمران: (الأول)- ان ظاهر كلام أهل اللغة الذي قدمناه هو ان الإنفحة مخصوصة بما إذا لم يرع و إلا فلو رعى لم يسم إنفحة و انما يقال كرش مع ان شيخنا الشهيد في الذكرى قال: و الانفحة طاهرة من الميتة و المذبوحة و ان أكلت السخلة غير اللبن. و لا ريب في ضعفه حيث ان كلامهم متفق على تخصيص ذلك بما إذا كان اعتياده على اللبن و مع أكل غيره انما يقال كرش لا إنفحة (الثاني)- قال في المدارك بعد ذكر الانفحة: «و اختلف كلام أهل اللغة في معناها فقيل انها كرش السخلة قبل ان تأكل، و قيل انها شي‌ء اصفر يستخرج من بطن الجدي، و لعل الثاني أولى اقتصارا على موضع الوفاق و ان كان استثناء نفس الكرش ايضا غير بعيد تمسكا بمقتضى الأصل» انتهى.

و أنت خبير (أولا)- بان ما علل به أولوية الثاني من الاقتصار على موضع الوفاق لا اعرف له وجها ظاهرا مع ما عرفت من الخلاف في المسألة و تقابل القولين فيها نعم لو كان القائل بأن الانفحة عبارة عن الكرش يعنى الكرش و ما فيه و من جملته ذلك الشي‌ء الأصفر فيكون القول بالكرش أعم مطلقا فإنه يتم ما ذكره لكن لم أقف‌

______________________________
(1) ص 78.

89
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) البيضة من الدجاجة الميتة ؛ ج 5، ص : 90

على من صرح بذلك من الأصحاب و لا من أهل اللغة بل ظاهر الجميع تباين القولين.

و (ثانيا)- ان ما ذكره من التمسك بالأصل مردود بما عرفت من عموم نجاسة الميتة الموجب لتنجيس ما لاقاها برطوبة، و الكرش و ان كان طاهرا بالذات من حيث استثناء الروايات إلا انه نجس بالعرض، إلا انه نجس بالعرض، إلا ان يجاب عن الاشكال المذكور بما ذكرناه‌

(الخامس) [البيضة من الدجاجة الميتة]

- ان جملة من الأخبار المتقدمة قد دلت على استثناء البيضة كجملة ما ذكر من العشرة. و ظاهر إطلاقها الحكم بالطهارة و ان لاقت الميتة بالرطوبة مع مخالفة ذلك لما عرفت في الصوف و نحوه من انه متى أخذ بالقلع فإنه يجب تطهير موضع الملاقاة كما قال به الأصحاب (رضوان الله عليهم) و دلت عليه حسنة حريز، و من أجل ذلك اختلفت كلمة الأصحاب في البيضة أيضا، فظاهر بعض الحكم بالطهارة نظرا إلى إطلاق النصوص و الظاهر انه قول الأكثر كما نقله في المعالم، حيث انهم أطلقوا الحكم بطهارة البيضة و لم يتعرضوا لحكم ظاهرها مع معلومية ملاقاتها بالرطوبة للميتة النجسة، و المفهوم من كلام العلامة النجاسة كما صرح به في النهاية حيث قال: البيضة من الدجاجة الميتة طاهرة ان اكتست الجلد الفوقاني الصلب لأنها صلبة القشر لاقت نجاسة فلم تكن نجسة في نفسها بل بالملاقاة، و نحوه في المنتهى ايضا.

و يمكن تأييد ما ذهب إليه العلامة بأن حسنة حريز التي استدل بها على غسل موضع القلع من الصوف و نحوه قد تضمنت البيضة في جملة تلك الأفراد المعدودة فيها و الأمر بغسل تلك الأشياء المعدودة إذا أخذت بعد الموت فتدخل البيضة في ذلك، غاية الأمر انها قد اشتملت ايضا على اللبن و اللبأ و هذان الفردان يجب إخراجهما من حيث عدم إمكان الغسل فيهما فلا ينصرف الأمر المذكور إليهما، و اشتملت بعد الأمر بالغسل على الأمر بالصلاة و هذا ربما يشعر بظاهره خروج البيضة أيضا حيث انه لا يصلى فيها.

و يمكن ان يقال ان الأمر بالغسل لا يستلزم الأمر بالصلاة فيحمل الأمر بالصلاة على ما يصلى فيه من تلك الافراد كالصوف و الشعر، إذ لا يخفى ان الرواية قد اشتملت في جملة‌

90
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) البيضة من الدجاجة الميتة ؛ ج 5، ص : 90

المعدودات ايضا على القرن و الحافر و الناب و من الظاهر ان هذه لا يصلى فيها، و تمحل الحمل على بعض الأفراد النادرة الشاذة إن اتفق إلا انه لا يعمل عليه و لا ينبغي ان يصغى إليه إذ إطلاق الأخبار انما ينصرف الى الافراد المتكثرة كما سمعته غير مرة، و بالجملة فإن الرواية المذكورة صرحت بعد تعداد تلك الأفراد المذكورة فيها بان كل شي‌ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي و ان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه، و حينئذ فكما استثني اللبن و اللبأ من حيث عدم صلاحيتهما للغسل ينبغي ان يستثني من الصلاة ما لا تقع الصلاة فيه و لا يكون مما يصلى فيه و يبقى الغسل عاما للجميع عدا اللبن و اللبأ، فكأنه قيل: و كل شي‌ء من هذه الأشياء متى أخذ من الميتة فاغسله من حيث ملاقاة الميتة و صل فيه ان كان مما يصلى فيه. و هذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه. و على هذا فيحمل إطلاق باقي الروايات على هذه الرواية فيجب حينئذ غسل البيضة، و يؤيد ذلك بموافقة القاعدة الكلية في ملاقاة النجاسة برطوبة و غسل أصل الصوف و نحوه و أوفقيته بالاحتياط في الدين.

بقي الكلام أيضا في موضعين آخرين: (أحدهما)- ان أكثر الأخبار التي قدمناها خالية من التعرض لاشتراط اكتساء البيضة القشر الأعلى نعم ذلك في رواية غياث خاصة، و ظاهر الأصحاب الاتفاق على هذا الشرط و كأنهم حملوا إطلاق الاخبار المذكورة على هذه الرواية و طعن فيها في المدارك بضعف السند و ظاهره العمل بإطلاق الأخبار المذكورة حيث ان فيها الصحيح مثل صحيحة زرارة، و ظاهر صاحب المعالم ايضا العمل بالإطلاق المذكور لضعف الخبر مع طعنه في الأخبار الأخر أيضا بناء على اصطلاحه الذي تفرد به من توقف الوصف بالصحة على اخبار اثنين من علماء الرجال، إلا انه عضدها بموافقة الأصل و كثرتها و ان الصدوق في المقنع لم يتعرض لهذا الشرط بل أطلق القول كما في أكثر الاخبار، و جمهور الأصحاب على خلاف ما ذهب اليه و ضعف الخبر المذكور مجبور عندهم بالشهرة و عمل الأصحاب على ما تضمنه، و هو الظاهر الذي عليه‌

91
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اللبن في ضرع الشاة الميتة ؛ ج 5، ص : 92

العمل حيث انا لا نرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث.

و (ثانيهما)- ان كلام الأصحاب قد اختلف في التعبير عن هذا الشرط الذي ذكر لطهارة البيضة، فبعض المتقدمين اقتصر على نقل الحديث فعبر بالجلد الغليظ و اقتفاه الشيخ في النهاية كما هي عادته غالبا من التعبير بمتون الاخبار، و بعض عبر بالجلد و لكن بدلوا لفظ الغليظ بالفوقاني، و عبر جماعة: منهم- المحقق و الشهيد بالقشر الأعلى و في كلام العلامة في جملة من كتبه الصلب كما تقدم في عبارة النهاية و مثله في المنتهى، و تبعه على التقييد بالصلابة بعض المتأخرين، و الظاهر ان مرجع الجميع إلى أمر واحد و الاختلاف انما هو بحسب اللفظ، اما فيما عدا عبارة العلامة بالصلب فظاهر، و اما في التعبير بالصلب فيمكن ان يكون خرج مخرج الغالب، و بيان ذلك ان هذا القشر الذي يجمع البياض و الصفرة أول ما يكون رقيقا ثم يغلظ حتى يصير صلبا، و المراد بالقشر الأعلى و الجلد الغليظ و القوقاني في عباراتهم هو هذا الغشاء الرقيق الذي يصلب بعد ذلك إذا آن رمي الدجاجة للبيضة و إخراجها، فالاعتبار في طهارة البيضة بحصوله و ان لم يصلب على الوجه الذي تخرج عليه البيضة عادة، و تقييد العلامة بالصلابة ربما ينافي ذلك الا ان يحمل على الخروج مخرج الغالب كما ذكرنا، نعم حكى العلامة في بعض كتبه عن بعض الجمهور انه ذهب الى طهارة البيضة و ان لم تكتس القشر الأعلى محتجا بان عليها غاشية رقيقة تحول بينها و بين النجاسة، ثم قال: و الأقرب عندي انها ان كانت قد اكتست الجلد الأعلى و ان لم يكن صلبا فهي طاهرة لعدم الملاقاة و الا فلا، و ربما أشعر هذا الكلام بمنافاة ما ذكرناه الا انه يمكن إرجاعه إليه بأن يحمل كلامه على ان المراد انه ان كانت هذه الغاشية الرقيقة هي الجلد الأعلى الذي يجمع البياض و الصفرة و هو الذي يصلب بعد ذلك فإنه يصلب عليه الجلد الأعلى الذي هو المناط في الطهارة و ان لم يكن صلبا و الا فلا، و هذا يرجع الى ما قدمنا ذكره.

(السادس) [اللبن في ضرع الشاة الميتة]

- اختلف أصحابنا في طهارة اللبن في ضرع الشاة الميتة و نجاسته،

92
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اللبن في ضرع الشاة الميتة ؛ ج 5، ص : 92

فعن الصدوق في المقنع و الشيخ في الخلاف و النهاية و كتابي الحديث و كثير من الأصحاب الطهارة حتى نقل عن الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية دعوى الإجماع على ذلك، و قال ابن إدريس في السرائر: اللبن نجس بغير خلاف عند المحصلين من أصحابنا لأنه مائع في ميتة ملامس لها، و ما أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يعضدها كتاب الله و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع و تبعه على القول بذلك جماعة من الأصحاب: منهم- الفاضلان، قال في المنتهى المشهور عند علمائنا ان اللبن من الميتة المأكولة للحم بالذكاة نجس و قال بعضهم هو طاهر، ثم قال في الاستدلال على النجاسة:

لنا على التنجيس- أنه مائع في وعاء نجس فكان نجسا كما لو احتلب في وعاء نجس، و لانه لو أصاب الميتة بعد حلبه تنجس فكذا لو انفصل قبله لأن الملاقاة ثابتة في البابين.

و الى القول بالطهارة مال من المتأخرين و متأخريهم الشهيد في الذكرى و السيد السند في المدارك و المحقق الشيخ حسن في المعالم و الفاضل الخوانساري في شرح الدروس و الفاضل الخراساني في الذخيرة، و هو المختار لما تقدم من الاخبار و هي صحيحة زرارة و حسنة حريز و موثقة الحسين بن زرارة أو حسنته و مرسلة الفقيه المسندة في الخصال.

و لا يخفى ان ما استندوا إليه في الحكم بالنجاسة- من حيث كونه مائعا ملامسا للميتة و كل ما كان كذلك فهو نجس- فهو لا يخلو من مصادرة، و العموم الدال على نجاسة الملاقي للنجاسة برطوبة- و هو دليل الكبرى- مخصوص بالأخبار المذكورة فإنها صالحة للتخصيص فلا مانع من القول بها و استثناء هذا الفرد من العموم المذكور. و اما ما احتجوا به زيادة على الدليل المتقدم‌

من رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» «ان عليا (عليه السلام) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال علي (عليه السلام) ذلك الحرام محضا».

فهي لا تقوم بمعارضة الأخبار المذكورة، و قد أجاب عنها الشيخ في التهذيب بأنها رواية شاذة لم يروها غير وهب بن وهب و هو ضعيف جدا‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

93
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اللبن في ضرع الشاة الميتة ؛ ج 5، ص : 92

عند أصحاب الحديث «1» و لو كان صحيحا لجاز ان يكون الوجه فيه ضربا من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة لأنهم يحرمون كل شي‌ء من الميتة و لا يجيزون استعماله على حال «2» انتهى.

و اما ما أجاب به في المختلف عن صحيحة زرارة و حسنة حريز- بأنهما محمولان على ما إذا قاربت الشاة الموت- فلا يخفى ما فيه من التمحل البعيد و لو كان كذلك لم تصلح الروايتان دليلا على طهارة الأشياء المعدودة مع اللبن من الميتة مع انه و غيره يستدلون بهما على ذلك، و تخصيص هذا القيد باللبن مع عده في قرن تلك الأشياء باطل على ان ارتكاب التأويل و لا سيما مثل هذا التكلف السحيق بالنظر الى قواعدهم انما يسوغ مع حصول التعارض بين الدليلين، و اي منصف يدعى صلاحية معارضة هذه الرواية الضعيفة لتلك الأخبار الصحيحة الكثيرة؟ قال في المعالم- و نعم ما قال- و العجب من العلامة بعد تفسيره الانفحة باللبن المستحيل و حكمه بطهارتها للأخبار الدالة على ذلك مع تحقق وصف المائعية فيها كيف يجعل اعتبار الملاقاة مع المائعية هنا معارضا للخبر. انتهى. و اما ما أجاب به الفاضل الخوانساري في شرح الدروس- حيث قال بعد نقل هذا الكلام: «و كأنه لا عجب على ما ذكرناه سابقا من ان الإنفحة كأنها ليست مائعة على الإطلاق بل هي لبن منجمد»- ففيه ان ما قدمنا نقله عن أهل اللغة من ان الإنفحة شي‌ء يستخرج من بطنه اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن ظاهر في كونه في بطن السخلة مائعا و انه بعد أخذه من بطن السخلة يعصر على الوجه المذكور فيعرض له الجمود بعد ذلك فلا يتم ما ذكره على كلام المحقق المشار إليه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان عبارة العلامة التي قدمناها عن المنتهى تدل على ان محل النزاع لبن الميتة المأكولة اللحم بالذكاة و لم يتعرض لغير المأكولة، و ظاهر كلام غيره و كذا ظاهر الأخبار هو العموم و عدم الفرق، و صاحب المعالم مع تعرضه في الانفحة لكونها من المأكول و غيره و تردده في غير المأكول كما تقدم الكلام فيه لم يتعرض هنا‌

______________________________
(1) راجع التعليقة 1 ج 2 ص 81.

(2) تأتى تعليقة المورد في الاستدراكات.

94
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السابع) فأرة المسك ؛ ج 5، ص : 95

للفرق و لا لعدمه، و بالجملة فالاحتياط في أمثال ذلك مما ينبغي المحافظة عليه.

(السابع) [فأرة المسك]

- قال في المنتهى: فأرة المسك إذا انفصلت من الظبية في حياتها أو بعد التذكية طاهرة و ان انفصلت بعد موتها فالأقرب النجاسة. و قال في الذكرى المسك طاهر إجماعا و فأرته و ان أخذت من غير المذكى. و بهذا القول صرح العلامة في النهاية أيضا فقال: فأرة المسك ان انفصلت من الظبية في حياتها أو بعد التذكية طاهرة و ان انفصلت بعد موتها فالأقرب ذلك أيضا للأصل. و في التذكرة أيضا حكم بالطهارة مطلقا سواء انفصلت من الظبي حال حياته أو بعد موته و هو خلاف ما ذكره في المنتهى.

قال في المدارك: و الأصح طهارتها مطلقا كما اختاره في التذكرة للأصل‌

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل و هو يصلي و هي معه في جيبه أو ثيابه؟ فقال لا بأس بذلك».

ثم قال:

و لا ينافي ذلك‌

ما رواه عبد الله بن جعفر في الصحيح «2» قال: «كتبت إليه- يعني أبا محمد (عليه السلام)- هل يجوز للرجل ان يصلي و معه فأرة مسك؟ قال لا بأس بذلك إذا كان ذكيا».

لجواز ان يكون المراد بالذكي الطاهر مع ان المنع من استصحابها في الصلاة لا ينحصر وجهه في النجاسة. انتهى.

أقول: فيه ان ما ذكره من اختيار القول بالطهارة عملا بصحيحة علي بن جعفر و حمل الصحيحة الأخرى على ما ذكره فلقائل أن يقول بما ذهب إليه في المنتهى من القول بالنجاسة عملا بصحيحة عبد الله بن جعفر المذكورة، بأن يقال ان المراد من قوله: «إذا كان ذكيا» اما الحمل على رجوع ضمير «كان» الى الظبي المدلول عليه بالفأرة بمعنى ان يكون مذكى لا ميتة و المراد بالمذكى ما هو أعم من حال الحياة أو التذكية بالذبح، و ربما يستأنس لذلك بتذكير الضمير، و اما الرجوع الى الفأرة باعتبار ما ذكرناه أيضا أي إذا كانت ذكية بالأخذ من أحد هذين الفردين، و الظاهر قرب ما ذكرناه على ما ذكره من ان المراد كونها‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب لباس المصلى.

(2) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب لباس المصلي.

95
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السابع) فأرة المسك ؛ ج 5، ص : 95

طاهرة لم تعرض لها نجاسة من الخارج كما احتمله في الذكرى ايضا و أجاب به عن الحديث المذكور إذ لا خصوصية لذلك بالفأرة. و اما صحيحة علي بن جعفر فلعل منشأ السؤال فيها عن فأرة المسك انما هو من حيث توهم نجاسة المسك باعتبار أن أصله الدم كما قيل «ان المسك بعض دم الغزال» و حينئذ فنفى البأس يرجع الى طهارته بالاستحالة التي هي من جملة المطهرات الشرعية، و اما من حيث فأرة المسك و احتمال كونها ميتة المستلزم لنجاستها كما هو ظاهر صحيحة عبد الله بن جعفر المذكورة التي قد عرفت انها مستند العلامة فيما ذهب إليه في المنتهى، و حينئذ فنفي البأس من حيث وجوب البناء على أصالة الطهارة‌

لقولهم (عليهم السلام) «1» «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

و فأرة المسك لما كان منها ما هو طاهر و نجس كما عرفت دخلت تحت الكلية المذكورة، و يمكن بناء على الثاني حمل نفي البأس من حيث انها لا تتم فيها الصلاة و قد عفي عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه فهي و ان كانت نجسة بالموت إلا انها مما لا تتم الصلاة فيه. لكن يدفع هذا الوجه ظاهر صحيحة عبد الله بن جعفر فإنها قد دلت على النهي عن الصلاة فيها من حيث كونها غير ذكية يعني ميتة و هي ظاهرة في عدم جواز الصلاة في الميتة و ان كانت مما لا تتم الصلاة فيه، و على ذلك ايضا تدل جملة من الأخبار فتكون الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه من الميتة الموجب لبطلانها مستثنى من جواز الصلاة في النجس الذي لا تتم الصلاة فيه. و بالجملة فالاحتمالان المذكوران متعارضان، و ربما يرجح الاحتمال الذي صار إليه في المدارك و به صرح أكثر الأصحاب بمطابقة الأصل، الا أن المسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال و الاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

بقي هنا شي‌ء و هو انه قد تقدم في المسألة الثانية تصريح الأصحاب بان ما تحله‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات، و اللفظ

في موثقة عمار هكذا «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر».

و سيأتي منه (قدس سره) التصريح بذلك في التنبيه الثاني من تنبيهات المسألة الثانية من البحث الأول من أحكام النجاسات.

96
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثامن) الجبن المشتبه ؛ ج 5، ص : 97

الحياة من الحيوان ذي النفس السائلة نجس متى انفصل عنه في حال الحياة أو الموت، و الأكثر كما عرفت على ما صرح به العلامة في التذكرة و النهاية من القول هنا بطهارة الفأرة مطلقا و ان انفصلت من الحية أو الميتة، و هو مدافع لما ذكروه ثمة، و الجواب عن ذلك هو تخصيص الحكم في تلك المسألة بروايات هذه المسألة الدالة على الطهارة و استثناء هذا الفرد بهذين الخبرين من الحكم المتقدم. و الله العالم.

(الثامن) [الجبن المشتبه]

- ان ما اشتملت عليه‌

رواية أبي حمزة الثمالي- من قوله (عليه السلام): «فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين و لا تسأل عنه إلا ان يأتيك من يخبرك عنه».

بعد قوله (عليه السلام): ان الإنفحة ليس بها بأس. إلى آخر الكلام المؤذن بأن توهم التحريم في الجبن انما هو من حيث الانفحة لأنها ميتة كما هو اعتقاد السائل المذكور و نفيه (عليه السلام) ذلك المقتضى لحل الجبن- لا يخلو من اشكال، و الظاهر ان الوجه فيه أحد أمرين: اما حمل الكلام الأخير على ما إذا حصل سبب آخر يوجب التحريم فيكون حكما مستأنفا لا تعلق له بجواب السائل، و اما حمل الكلام على الرجوع عن الجواب الأول حيث انه (عليه السلام) فهم من السائل عدم قبوله من حيث حكمه بأن الانفحة ميتة موجبة لتنجيس الجبن إذا لاقته فعدل الى الجواب بالتي هي أحسن من انه مع تسليم ما يدعيه فإن الأصل في الأشياء الطهارة فاشتر من سوق المسلمين و كل حتى تعلم انه خالطه الانفحة، و بهذا الوجه صرح في الوافي حيث قال: «و لما استفرس (عليه السلام) من قتادة عدم قبوله و لا قابليته لمر الحق عدل به عن الحق إلى الجدال بالتي هي أحسن و قال: اشتر الجبن من أسواق المسلمين و لا تسأل عنه» انتهى.

أقول: و اخبار الجبن جلها أو كلها قد اشتملت على تعليل تحليل الجبن بهذه القاعدة المنصوصة، و الظاهر ان السر فيه هو ما ذكرناه في الوجه الأول أو الثاني، و منها-

ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سليمان عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الجبن؟

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من الأطعمة المباحة.

97
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل السادس) - في الخمر ؛ ج 5، ص : 98

قال: كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة».

و هذا الخبر أقرب انطباقا على الوجه الثاني، و منها-

صحيحة ضريس «1» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم انا كله؟ فقال اما ما علمت أنه خلطه الحرام فلا تأكل و اما ما لم تعلم فكل حتى تعلم انه حرام».

و هي محتملة للوجهين المتقدمين.

و رواية عبد الله بن سليمان «2» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن؟ قال سألتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا و دعى بالغداء فتغدينا معه فاتى بالجبن فأكل و أكلنا فلما فرغنا من الغداء، قلت ما تقول في الجبن؟ فقال أو لم ترني أكلته؟ قلت بلى و لكني أحب ان أسمعه منك. فقال سأخبرك عن الجبن و غيره: كل ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه».

و هذا الخبر أظهر انطباقا على المعنى الثاني حيث ان ظاهره ان الجبن من الأشياء التي فيها الحلال و الحرام كاللحم من المذكى و الميتة و ليس ذلك إلا باعتبار ما يعمل باللإنفحة و ما لا يعمل بها و الأول منه حرام لمكان الانفحة لأنها ميتة، و حينئذ فمخرج هذه الاخبار كلها انما هو على التقية من حيث اشتهار الحكم بنجاسة الانفحة عند العامة كما عرفته من كلام قتادة الذي هو من رؤوسهم «3» و الله العالم.

(الفصل السادس)- في الخمر

و قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في نجاسته، فالمشهور بين أكثر علمائنا بل أكثر أهل العلم هو القول بالنجاسة حتى انه حكي عن المرتضى (رضي الله عنه) انه قال لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم، و عن الشيخ انه قال: الخمر نجسة بلا خلاف و كل مسكر عندنا حكمه‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 64 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 61 من الأطعمة المباحة.

(3) في المغني ج 1 ص 74 «لبن الميتة و انفحتها نجسة في ظاهر المذهب و هو قول مالك و الشافعي، و روي انها طاهرة و هو قول أبي حنيفة و داود».

98
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

حكم الخمر و الحق أصحابنا الفقاع بذلك. و عن ابن زهرة الخمر نجسة بلا خلاف ممن يعتد به، و نقل ابن إدريس إجماع المسلمين عليه، و قال الصدوق في الفقيه و المقنع لا بأس بالصلاة في ثوب اصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب اصابته. و هو ظاهر كالصريح في القول بالطهارة مع انه حكم بنزح ماء البئر اجمع بانصباب الخمر فيها، و أصرح منه ما نقل عن ابن ابي عقيل حيث قال: من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لأن الله تعالى انما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان.

و عزى في الذكرى الى الجعفي وفاق الصدوق و ابن ابي عقيل و كذا في الدروس، قال في المعالم: بعد نقل القول بالطهارة عن هؤلاء الثلاثة و لا يعرف هذا القول لسواهم من الأصحاب.

[أدلة القائلين بنجاسة الخمر]

احتج القائلون بالنجاسة بوجوه: (الأول)- الإجماع المتقدم ذكره بناء على ما تقرر عندهم من ان الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة.

(الثاني)- قوله عز و جل: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» «1» فان الرجس هو النجس على ما ذكره بعض أهل اللغة و الاجتناب عبارة عن عدم المباشرة و لا معنى للنجس إلا ذلك.

(الثالث)- الروايات و الذي وقفت عليه من ذلك‌

ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن علي بن مهزيار «2» قال: «قرأت في كتاب عبد الله بن محمد الى ابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روى زرارة عن ابي جعفر و ابي عبد الله (عليهما السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا بأس بان يصلي فيه انما حرم شربها.

و روى غير زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فأعد صلاتك.

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 90.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

99
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

فأعلمني ما آخذ به؟ فوقع (عليه السلام) و قرأته: خذ بقول ابي عبد الله (عليه السلام)».

و ما رواه في الكافي عن يونس عن بعض من رواه عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله فان صليت فيه فأعد صلاتك».

و عن خيران الخادم «2» قال: «كتبت الى الرجل اسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صل فيه فان الله تعالى انما حرم شربها و قال بعضهم لا تصل فيه. فكتب (عليه السلام) لا تصل فيه فإنه رجس».

و رواه في التهذيب ايضا مثله، و قال في الكافي بعد نقل خبر خيران قال «3»: «و سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر فيرده أ يصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصل فيه حتى يغسله».

و لا يخفى ما في هذا السند من الاشتباه لان الظاهر ان ضمير «قال» يرجع الى خيران و في رؤيته أبا عبد الله (عليه السلام) و سؤاله منه بعد لانه من موالي الرضا (عليه السلام) و أصحابه.

و عن أبي جميلة البصري «4» قال: «كنت مع يونس ببغداد و انا أمشي في السوق ففتح صاحب الفقاع فقاعه فقفز فأصاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس فقلت له يا أبا محمد إلا تصلي؟ قال فقال لي ليس أريد أن أصلي حتى ارجع الى البيت فاغسل هذا الخمر من ثوبي. فقلت له هذا رأي رأيته أو شي‌ء ترويه؟ فقال أخبرني هشام بن الحكم انه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفقاع فقال لا تشربه فإنه خمر مجهول و إذا أصاب ثوبك فاغسله».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوافي ج 4 ص 33 و قطعة منه في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة.

100
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

و ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «لا تصل في بيت فيه خمر و لا مسكر لأن الملائكة لا تدخله، و لا تصل في ثوب قد اصابه خمر أو مسكر حتى تغسله».

و ما رواه في الكافي عن زكريا بن آدم «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير؟ قال يهراق المرق أو تطعمه أهل الذمة أو الكلب و اللحم اغسله و كله. قلت فإنه قطر فيه دم؟ قال الدم تأكله النار ان شاء الله تعالى. قلت فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم؟ قال فقال فسد. قلت أبيعه من اليهود و النصارى و أبين لهم؟ قال نعم فإنهم يستحلون شربه.

قلت و الفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شي‌ء من ذلك؟ فقال أكره أن آكله إذا قطر في شي‌ء من طعامي».

و عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه الخل أو ماء كامخ أو زيتون؟

قال إذا غسل فلا بأس. و عن الإبريق يكون فيه خمر أ يصلح ان يكون فيه ماء؟ قال إذا غسل فلا بأس. و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال تغسله ثلاث مرات.

سئل يجزيه ان يصب فيه الماء؟ قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات».

و رواه الشيخ في التهذيب مثله.

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن فضالة عن عبد الله بن سنان «4» قال: «سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري و يشرب الخمر فيرده أ يصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصلي فيه حتى يغسله».

أقول: قد حمله الشيخ‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 51 من النجاسات و 30 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

101
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

على الاستحباب: قال لأن الأصل في الأشياء الطهارة و لا يجب غسل شي‌ء من الثياب إلا بعد العلم بان فيها نجاسة، و قد روى هذا الراوي بعينه خلاف هذا الخبر ثم أورد الخبر الآني:

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان «1» قال: «سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر اني أعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه».

و عن عمار في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «2» «في الإناء يشرب فيه النبيذ؟ قبل تغسله سبع مرات».

و موثقة عمار ايضا عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «لا تصل في ثوب اصابه خمر أو مسكر و اغسله ان عرفت موضعه فان لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله فان صليت فيه فأعد صلاتك».

و صحيحة الحلبي «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر؟ فقال لا و الله ما أحب ان انظر اليه فكيف أتداوى به انه بمنزلة شحم الخنزير

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 و 35 من الأشربة المحرمة.

(3) لم نعثر في كتب الحديث على رواية لعمار بهذا اللفظ و انما الوارد فيها هكذا «لا تصل في ثوب اصابه خمر أو مسكر حتى تغسله» و قد رواه في الوسائل في الباب 38 من النجاسات. نعم ورد هذا المضمون في رواية غير زرارة التي يرويها علي بن مهزيار و في رواية يونس المتقدمتين و سيأتي في التنبيه الأول التعرض لموثقة عمار بالنص المتقدم.

(4) المروية في الوسائل في الباب 20 من الأشربة المحرمة.

102
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الخمر ؛ ج 5، ص : 103

أو لحم الخنزير».

و في بعض الروايات «انه بمنزلة الميتة».

و في رواية أبي بصير «1» و هي طويلة عن الصادق (عليه السلام) في النبيذ و سؤال أم خالد العبدية عن التداوي به قال: «ما يبل الميل ينجس حبا من ماء، يقولها ثلاثا».

و في الصحيح عن محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمة و المجوس؟ قال لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر».

و عن عمر بن حنظلة «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره، فقال لا و الله و لا قطرة تقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الحب».

و عن هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق (عليه السلام) «4» «في رجل اشتكى عينيه فنعت له كحل يعجن بالخمر؟ فقال هو خبيث بمنزلة الميتة فإن كان مضطرا فليكتحل به».

و منها- الأخبار الواردة في نزح البئر من صب الخمر فيه «5» مع كثرتها و صحة أسانيد كثير منها.

هذا ما حضرني مما يدل على القول بالنجاسة كما هو القول المشهور و المؤيد المنصور‌

[أدلة القائلين بطهارة الخمر]

و اما ما يدل على القول الآخر بعد الأصل فجملة من الاخبار ايضا: منها-

ما رواه الحسن بن أبي سارة في الصحيح «6» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 21 من الأشربة المحرمة.

(5) رواها في الوسائل في الباب 15 من أبواب الماء المطلق.

(6) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

103
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الخمر ؛ ج 5، ص : 103

أصاب ثوبي شي‌ء من الخمر أصلي فيه قبل ان اغسله؟ قال لا بأس ان الثوب لا يسكر».

و ما رواه عبد الله بن بكير في الموثق «1» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و انا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به».

و ما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي اغسله أو أصلي فيه؟ قال صل فيه إلا ان تقذره فتغسل منه موضع الأثر ان الله تبارك و تعالى انما حرم شربها».

و رواية الحسين بن موسى الحناط «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي؟ فقال لا بأس».

و رواية أبي بكر الحضرمي «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصاب ثوبي نبيذ أصلي فيه؟ قال نعم. قلت له قطرة من نبيذ قطرت في حب ماء اشرب منه؟

قال نعم ان أصل النبيذ حلال و ان أصل الخمر حرام».

قال في الذخيرة: وجه الدلالة ان الظاهر عدم القائل بالفصل و حمل الشيخ النبيذ في هذه الرواية على النبيذ الحلال. و هو جيد‌

و رواية الحسن ابن أبي سارة «5» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) انا نخالط اليهود و النصارى و المجوس و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمر ساقيهم فيصب على ثيابي الخمر؟ قال: لا بأس به إلا ان تشتهي أن تغسله لأثره».

و رواية حفص الأعور «6» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل؟ قال نعم».

و روى ابن بابويه مرسلا «7» قال: «سئل أبو جعفر و أبو عبد الله (عليهما

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 39 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(6) المروية في الوسائل في الباب 51 من النجاسات و 30 من الأشربة المحرمة.

(7) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

104
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الخمر ؛ ج 5، ص : 103

السلام) فقيل لهما انا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ نصلي فيها قبل ان نغسلها؟ فقال نعم لا بأس إنما حرم الله تعالى اكله و شربه و لم يحرم لبسه و مسه و الصلاة فيه».

و رواه الصدوق في علل الشرائع بطريق صحيح عن بكير عن الباقر (عليه السلام) و عن ابى الصباح و ابى سعيد و الحسن النبال عن الصادق (عليه السلام).

و روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» «انه سأله عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل ان يغسله؟ فقال لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلي فيه و لا بأس».

و رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن رجل مر في ماء المطر قد صب فيه الخمر. الحديث».

و رواية علي الواسطي «3» قال: «دخلت الجويرية و كانت تحت عيسى بن موسى على ابى عبد الله (عليه السلام) و كانت صالحة فقالت إني أتطيب لزوجي فيجعل في المشطة التي اتمشط بها الخمر و اجعله في رأسي؟ قال لا بأس».

و في الفقه الرضوي «4» «لا بأس ان تصلي في ثوب اصابه خمر لأن الله تعالى حرم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب أصابته».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و المحقق الخوانساري و غيرهم قد اختاروا القول بالطهارة و أجابوا عن الإجماع بعدم ثبوته بعد تحقق الخلاف في المسألة من هؤلاء الأجلاء، و اما الآية فأجابوا عنها أيضا بأجوبة واسعة نقضا و إبراما ليس في التعرض لها مزيد فائدة.

و الحق هو الرجوع الى الاخبار في هذا المقام خاصة، اما الإجماع فلما عرفت في مقدمات‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الماء المطلق.

(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الماء المطلق.

(3) المروية في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة.

(4) ص 38.

105
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

الكتاب، و اما الآية فلا دلالة لها ظاهرا إلا بارتكاب تكلفات بعيدة كما يظهر من بحثهم جوابا و سؤالا.

و هؤلاء الأفاضل المشار إليهم بعد بحثهم في المسألة حملوا أخبار النجاسة على الاستحباب و جمعوا به بين الاخبار في هذا الباب كما هي قاعدتهم المستمرة في جميع الأبواب حسبما نبهنا عليه في غير مقام مما تقدم في الكتاب، قال السيد السند في المدارك الذي هو الأصل في ذلك بعد ذكر القول بالنجاسة و نقل بعض اخباره ثم القول بالطهارة و نقل بعض اخباره: و أجاب الأولون عن هذه الاخبار بالحمل على التقية جمعا بينها و بين ما تضمن الأمر بغسل الثوب منه، و هو مشكل لأن أكثر العامة قائلون بالنجاسة «1» نعم يمكن الجمع بينهما بحمل ما تضمن الأمر بالغسل على الاستحباب لان استعمال الأمر في الندب مجاز شائع. انتهى. و نحوه في الذخيرة بزيادة تأييد لذلك بوجوه لفقها، ملخصها بعد الحمل على التقية و ان حمل الأوامر و النواهي في أخبارنا على الاستحباب و الكراهة شائع ذائع كأنه الحقيقة كما أشرنا إليه مرارا.

[علاج التعارض بين الأخبار]

أقول: لا يخفى ان الكلام في الجمع بين هذه الاخبار دائر بين هذين الوجهين.

و هؤلاء الأفاضل قد اختاروا الحمل على الاستحباب في الجمع بين هذه الاخبار، و ها أنا أبين ما فيه من البعد بل الفساد و عدم انطباق أخبار المسألة عليه، و به يتعين حمل أخبار الطهارة على التقية إذ لم يبق بعد بطلان حمل أخبار النجاسة على الاستحباب إلا رميها بالكلية متى عملنا باخبار الطهارة، و فيه من البطلان ما هو غني عن البيان لكثرتها و استفاضتها و صحة جملة منها باصطلاحهم و عمل الطائفة قديما و حديثا عليها إلا هؤلاء الثلاثة‌

______________________________
(1) كما في بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج 1 ص 70، و ذكر ابن قدامة في المغني ج 1 ص 72 و الشيرازي في المهذب ج 1 ص 48 طهارة الخمر بالاستحالة إلى الخل، و في بدائع الصنائع ج 1 ص 76 «ينزح ماء البئر كله إذا وقع فيه من الأنجاس كالبول و الدم و الخمر».

106
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

المذكورين و الثلاثة المتقدمين، أو حمل أخبار الطهارة على التقية و به يتم المطلوب.

فاما ما يدل على بطلان الحمل على الاستحباب فوجوه: (الأول)- انه و ان اشتهر ذلك بينهم في جميع أبواب الفقه إلا انه لا مستند له من سنة و لا كتاب، و قد استفاضت الاخبار عنهم (عليهم السلام) بوجوه الجمع بين الاخبار و الترجيح في مقام اختلاف الاخبار، و لو كان لهذا الحمل و الجمع بين الأخبار أصل في الشريعة لما أهملوه (عليهم السلام) سيما انهم (رضوان الله عليهم) قد اتخذوه قاعدة كلية في مقام اختلاف الاخبار في جميع أبواب الفقه و أحكامه.

(الثاني)- ان الحمل على الاستحباب مجاز باعترافهم و المجاز لا يصار اليه إلا بالقرينة الصارفة عن الحقيقة و اختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز. و اما قوله في الذخيرة: «ان حمل الأوامر و النواهي في أخبارنا على الاستحباب و الكراهة شائع ذائع كأنه الحقيقة» ففيه انه ان كان ذلك مع وجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي فلا بحث فيه و إلا فهو أول المسألة و محل المنع.

(الثالث)- ان الاستحباب حكم شرعي كالوجوب و التحريم فيتوقف الحكم به على دليل واضح و إلا كان قولا على الله تعالى من غير علم، و قد استفاضت الآيات القرآنية و السنة النبوية بالنهي عنه، و اختلاف الأخبار ليس من الأدلة التي توجب الحكم بالاستحباب.

(الرابع)- ان صحيحة علي بن مهزيار و رواية خيران الخادم قد دلتا على وقوع هذا الاختلاف بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في وقتهم و انهم رجعوا في ذلك الى امام ذلك العصر و سألوه عن الأخذ بأي القولين فأمرهم بالعمل باخبار النجاسة و لو كانت الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) بالنجاسة انما هي بمعنى استحباب الإزالة و ليس المراد منها النجاسة كما زعمه هؤلاء الأفاضل و انه طاهر و الصلاة فيه صحيحة و ان كان على كراهة، لما خفي على أصحاب الأئمة (عليهم السلام) يومئذ حتى انهم يسألون‌

107
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

عن ذلك، و لكان الامام (عليه السلام) يجيبهم بان هذه الأخبار لا منافاة بينها فإن الأمر بغسل الثوب منه انما هو على جهة الاستحباب و إلا فهو طاهر لا انه يقرهم على الاختلاف و يجيبهم بقوله‌

«لا تصل فيه فإنه رجس».

فيأمرهم بالأخذ باخبار النجاسة كما في خبر خيران و بقول ابي عبد الله (عليه السلام) كما في صحيحة علي بن مهزيار. و اما ما ذكره الفاضل الخوانساري- من انه يمكن ان يكون المراد بقول ابي عبد الله (عليه السلام) قوله الذي مع ابي جعفر (عليه السلام) و يكون التعبير بهذه العبارة المشتبهة للتقية- فهو مما لا يروج إلا على الصبيان العادمي الافهام و الأذهان.

(الخامس)- ان جملة من الروايات الدالة على النجاسة لا تلائم هذا الحمل مثل صحيحة علي بن مهزيار المتضمنة ان غير زرارة‌

روى عن الصادق (عليه السلام) في نجاسة الخمر «انه يغسل الثوب كملا مع جهل موضعه و يعيد الصلاة لو صلى فيه».

و مثلها مرسلة يونس المتقدمة نقلا من الكافي، فإنه لم يعهد في الأخبار التشديد في الأمور المستحبة و المبالغة فيها الى هذا المقدار و انما وقع نظيره في الاخبار في النجاسات المقطوع بها لا الأشياء الطاهرة، و مثل ذلك في رواية أبي جميلة البصري و حكايته عن يونس فإنه لو كان طاهرا كما يدعونه و ان إزالته عن الثوب انما هو على طريق الأولوية و الاستحباب لما خفي ذلك على يونس و هو من أجلاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) و سياق الخبر كما عرفت ظاهر بل صريح في ان يونس انما فهم من خبر هشام النجاسة و صار اعتقاده القول بالنجاسة، فإن غمه بملاقاة الفقاع له و توقفه عن المبادرة للصلاة في أول وقتها و سؤال الراوي له ان هذا رأي رأيته أو شي‌ء ترويه كلها ظاهرة الدلالة في حكمه بالنجاسة، و مثل‌

حديث العبدية و قوله (عليه السلام): «ما يبل الميل ينجس حبا من ماء».

كيف يحمل على الاستحباب؟ و اي مجال لهذا الاستحباب الذي لا دليل عليه من سنة و لا كتاب؟

و كأن هذا القائل ظن انحصار دليل النجاسة فيما دل على غسل الثوب أو البدن كما هو ظاهر عبارة المدارك.

108
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

(السادس)- انه قد ورد عنهم (عليهم السلام) من القواعد انه إذا جاء خبر عن أولهم و خبر آخر عن آخرهم فإنه يجب الأخذ بالأخير «1» و هذه القاعدة قد صرح بها الصدوق في الفقيه في باب «الرجل يوصي الى الرجلين» حيث قال: و لو صح الخبران لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر الصادق (عليه السلام). و لا ريب ان صحيحة علي بن مهزيار و رواية خيران قد تضمنتا ذلك، فالواجب بمقتضى هذه القاعدة الرجوع الى قول الإمام الأخير و هو الحكم بالنجاسة.

(السابع)- ترجح أخبار النجاسة بعمل الطائفة قديما و حديثا الموجب للظن المتاخم للعلم بكون ذلك هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فان صاحب كل مذهب انما يعلم مذهبه بعد موته بمذهب مقلديه و شيعته الآخذين بأقواله و المقتفين لآثاره و لا سيما الشيعة المتهالكين على متابعة مذهب أئمتهم المانعين من الأخذ من غيرهم، مضافا ذلك الى الاحتياط في الدين الذي هو أحد المرجحات الشرعية في مقام اختلاف الاخبار كما دلت عليه رواية زرارة الواردة في طرق الترجيح «2».

و الشيخ قد استند في حمل أخبار الطهارة على التقية إلى صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث قال: وجه الاستدلال من هذا الخبر على ان تلك الأخبار- يعني أخبار الطهارة- وردت على جهة التقية انه (عليه السلام) أمر بالأخذ بقول ابي عبد الله (عليه السلام) على الانفراد و العدول عن قوله مع قول ابي جعفر (عليه السلام) فلو لا ان قوله مع قول ابي جعفر (عليهما السلام) خرج مخرج التقية لكان الأخذ بقولهما معا اولى و أحرى. قال في المعالم: و هذا الكلام حسن لولا ما أشرنا إليه من نقل الأصحاب عن أكثر أهل الخلاف الموافقة على القول بالنجاسة، و كيف كان فلا ريب في ان‌

______________________________
(1) وردت في ذلك روايات ثلاث رواها في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي و ما يقضي به و قد تقدمت في ج 1 ص 96.

(2) المروية في مستدرك الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي و ما يقضى به.

109
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

ما تضمنه هذا الخبر من الأخذ بقول ابي عبد الله (عليه السلام) بعد ما تقرر في السؤال دلالة على ان الحكم في ذلك هو النجاسة و ان الطهارة لا تعويل عليها، و هذا القدر من الدلالة في الحديث الصحيح كاف في الاستدلال لاعتضاده بما تقدم من الاخبار و باتفاق أكثر علماء الإسلام مع ما في التنزه عنه من الاحتياط للدين كما ذكره المحقق (قدس سره) فإذا القول بالنجاسة هو المعتمد. انتهى، أقول: ما ذكره- من استشكاله في حسن ما ذكره الشيخ بما نقله الأصحاب عن أكثر أهل الخلاف- سيأتي الجواب عنه في المقام ان شاء الله تعالى و بما ذكرناه من الوجوه الظاهرة البيان الغنية عن إقامة الحجة و البرهان كما لا يخفى على أهل الإنصاف من ذوي الأذهان يظهر بطلان حمل أخبار النجاسة على الاستحباب و يتعين العمل بها في هذا الباب فتبقى اخبار القول بالطهارة و يتعين حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية.

بقي الكلام فيما ذكروه من ان أكثر العامة قائلون بالنجاسة، و فيه ما ذكره بعض المحققين من أصحابنا المتأخرين من ان التقية لا تنحصر في القول بما يوافق علماءهم بل قد يدعو لها إصرار جهلائهم من أصحاب الشوكة على أمر و ولوعهم به فلا يمكن إشاعة ما يتضمن تقبيحه و الإزراء بهم على فعله، و ما نحن فيه من هذا القبيل فإن أكثر أمراء بني أمية و بني العباس و وزرائهم و أرباب الدولة كانوا مولعين بشرب الخمر و مزاولتها و استعمالها و عدم التحرز عن مباشرتها، بل ربما نقل ان بعضهم يأم الناس و هو سكران فضلا عن ان يكون ثوبه متلوثا بالخمر (فان قيل) انهم (عليهم السلام) لو كانوا يتقون في ذلك لكان تقيتهم في الحكم بالحرمة أوجب و أهم مع ان المعلوم من أخبارهم انهم كانوا يبالغون في ذلك تمام المبالغة حتى‌

ورد في أخبارهم (عليهم السلام) «ان مدمن الخمر كعابد الوثن» «1».

و نحو ذلك من التهديد و التشديد في تحريمها و لم يرو عنهم ما يتضمن إباحتها (قلت) يمكن الجواب عن ذلك بأنه لما كان صريح القرآن تحريمها كان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 16، 13، 12 من الأشربة المحرمة.

110
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 111

 

التحريم من ضروريات الدين و الحكم به لا مجال لإنكاره و لا فساد فيه. و ربما أجيب عما ذكرنا بان حرمتها و ان كان بصريح القرآن إلا ان التشديد الذي ورد عنهم (عليهم السلام) ليس في القرآن و لا من ضروريات الدين فكان ينبغي ان يتقوا فيه فترك التقية في ذلك و التقية في النجاسة بعيد جدا. و فيه انه متى كان صريح القرآن التحريم فالتشديد لازم له إذ من المعلوم عند كل عالم عاقل ان مخالف صريح القرآن راد لضروري الدين و كل من كان كذلك فهو في زمرة المرتدين فافترق الأمران، و بالجملة فالتحريم لما كان صريح الكتاب العزيز الموجب لكونه من ضروريات الدين فهو معلوم لكافة المسلمين فلا تدخله التقية سواء أخبروا بمجرد التحريم أو شددوا‌

لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة «1»: «ثلاثة لا اتقي فيهن أحدا: شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج».

بل لو أفتوا فيه بالتقية لربما نسبوهم الى الجهل و مخالفة الكتاب العزيز، و اما الحكم بالنجاسة فلما لم يكن بتلك المثابة حيث لم يدل عليه دليل من القرآن و انما استفيد من السنة فالتقية جائزة فيه و غير مستنكرة. و بما حققناه في المقام و رفعنا عنه نقاب الإبهام ظهر لك ان الحق في المسألة هو القول المشهور و ان ما عداه ظاهر القصور. و الله العالم.

تنبيهات

(الأول) [هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟]

- المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكم جميع الأنبذة المسكرة حكم الخمر في التنجيس، قال في المعالم: و لا نعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب.

و الظاهر ان مراده من قال من الأصحاب بنجاسة الخمر و إلا فقد عرفت مذهب الصدوق و ابن ابى عقيل و الجعفي في قولهم بالطهارة.

و استدل في المعتبر على الحكم المذكور فقال: و الأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر لان المسكر خمر فيتناوله حكم الخمر، اما انه خمر فلان الخمر انما سمي بذلك لكونه‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 22 من الأشربة المحرمة.

 

111
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

يخمر العقل و يستره فما ساواه في المسمى يساويه في الاسم،

و لما رواه علي بن يقطين عن ابى الحسن الماضي (عليه السلام) «1» قال: «ان الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر».

و روى عطاء بن يسار عن الباقر (عليه السلام) «2» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام و كل مسكر خمر».

انتهى.

و اعترضه جملة من محققي متأخري المتأخرين كالسيد في المدارك و الشيخ حسن في المعالم و السبزواري في الذخيرة و غيرهم ممن حذا حذوهم بان هذا الاحتجاج منظور فيه، قال في المعالم: لان الظاهر من كلام جماعة من أئمة اللغة ان الخمر حقيقة في المسكر من عصير العنب و العرف يساعده، و إذا ثبت كون اللفظ حقيقة في معنى لم يدل استعماله بعد ذلك في غيره على كونه حقيقة في ذلك الغير ايضا، و كون الأصل في الاستعمال الحقيقة انما هو مع عدم استلزام الاشتراك أو النقل لكونهما على خلاف الأصل، فتعارض أصالة عدمهما أصالة الحقيقة و أحدهما لازم بعد ثبوت الحقيقة للفظ، و حينئذ فمجرد إطلاق لفظ الخمر على مطلق المسكر لا يدل على كونه حقيقة فيه و الاعتبار الذي ذكره من جهة التسمية ليس بشي‌ء، و إذا لم يثبت كون اللفظ حقيقة في الجميع لم يتجه الاستدلال على تعميم الحكم في الكل بما دل على نجاسة الخمر، و الاشتراك في التحريم لا دلالة فيه و انما هو وجه علاقة صح من اجله استعمال لفظ الخمر في غير ما وضع له على جهة المجاز. انتهى. و على هذا النهج كلام غيره ممن أشرنا اليه.

و عندي فيه نظر، و توجيهه انهم ان أرادوا بكونه حقيقة في عصير العنب يعني الحقيقة الشرعية ففيه ان الحقيقة الشرعية عبارة عن استعمال اللفظ في كلام الله تعالى أو رسوله مجردا عن قرينة المجاز، و هذا اللفظ و ان وقع في القرآن العزيز مجملا الا ان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 19 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من الأشربة المحرمة.

112
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

الأخبار قد فسرته بالمعنى الأعم و كذلك وقوعه في كلام الرسول (صلى الله عليه و آله) انما وقع بالمعنى الأعم كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى و حينئذ فيكون حقيقة شرعية في المعنى الأعم، و ان أرادوا به الحقيقة اللغوية كما يفهم من كلام المحقق المذكور و من تبعه في ذلك ففيه (أولا)- انه لا يصار الى الحمل على الحقيقة اللغوية إلا مع تعذر الحمل على الحقيقة الشرعية و العرفية الخاصة كما قرروه في غير موضع. و (ثانيا)- ان كلام أهل اللغة أيضا ظاهر في المعنى الأعم كما سيظهر لك في المقام.

فاما ما يدل على كونه حقيقة شرعية في المعنى الأعم من كلام الله عز و جل فقوله تعالى: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ. الآية» «1»

روى الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في تفسير هذه الآية عن ابي الجارود عن الباقر (عليه السلام) «2» في قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ. «أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر، و ما أسكر كثيره فقليله حرام. و ذلك ان أبا بكر شرب قبل ان تحرم الخمر فسكر فجعل يقول الشعر و يبكي على قتلي المشركين من أهل بدر فسمع النبي (صلى الله عليه و آله) فقال اللهم أمسك على لسانه فأمسك على لسانه فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر فانزل الله تحريمها بعد ذلك، و انما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر و النمر فلما انزل الله تعالى تحريمها خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلها و قال هذه كلها خمر و قد حرمها الله تعالى، و كان أكثر شي‌ء اكفى‌ء في ذلك اليوم من الأشربة الفضيخ و لا اعلم انه اكفى‌ء يومئذ من خمر العنب شي‌ء إلا إناء واحد كان فيه زبيب و تمر جميعا، و اما عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شي‌ء، و حرم الله تعالى الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شراءها و الانتفاع بها. الحديث».

و هو- كما ترى- صريح في المراد عار عن وصمة الشبهة و الإيراد.

و نقل في مجمع البيان عن ابن عباس في تفسير

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 90.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

113
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

هذه الآية قال: «يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر و قد قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من تسع: من البتع و هو العسل و من العنب و من الزبيب و من التمر و من الحنطة و من الذرة و من الشعير و السلت».

و اما ما يدل على ذلك من كلامه (صلى الله عليه و آله) فمنه- ما تقدم في رواية عطاء بن يسار المنقولة في كلام المحقق، و ما نقله في مجمع البيان عن ابن عباس عنه (صلى الله عليه و آله) و من ذلك‌

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المرز من الشعير و النبيذ من التمر».

و رواية علي بن إسحاق الهاشمي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من خمسة. الحديث المتقدم».

و ما رواه الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الطوسي في الأمالي بسنده فيه عن النعمان بن بشير «3» قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول ايها الناس ان من العنب خمرا و ان من الزبيب خمرا و ان من التمر خمرا و ان من الشعير خمرا الا أيها الناس انها كم عن كل مسكر».

و روى الكليني في الصحيح الى الحسن الحضرمي عن من أخبره عن علي بن الحسين (عليه السلام) «4» قال:

«الخمر من خمسة أشياء: من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل».

و روى العياشي في تفسيره عن عامر بن السمط عن علي بن الحسين (عليه السلام) «5» قال: «الخمر من ستة أشياء.».

ثم ذكر الخمسة المذكورة في حديث الحضرمي و زاد الذرة، فقد ظهر لك بما نقلناه من الأخبار تطابق كلام الله تعالى و رسوله على ان الخمر أعم مما ذكروه من التخصيص بالمتخذ من العنب فيكون حقيقة شرعية في ذلك بلا اشكال و يجب الحمل على ذلك حيثما أطلق هذا اللفظ إلا مع القرينة الصارفة عنه كما هو المقرر بينهم في الحقائق الشرعية و غيرها.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

114
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

و اما كلام أهل اللغة في هذا المقام فالذي يستفاد منه تصريحا في مواضع و تلويحا في اخرى ان الخمر حقيقة فيما قلناه دون عصير العنب كما زعموه، قال في القاموس:

الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة و قد يذكر، و العموم أصح لأنها حرمت و ما بالمدينة خمر عنب و ما كان شرابهم إلا البسر و التمر، سميت الخمر خمرا لأنها تخمر العقل و تستره أو لأنها تركت حتى أدركت و اختمرت أو لأنها تخامر العقل اي تخالطه.

الى آخر كلامه. و في الصحاح سميت الخمر خمرا لأنها تركت و اختمرت و اختمارها تغير رائحتها، و يقال وجدت خمرة الطيب أي رائحته. و في كتاب الغريبين للهروي قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ» الخمر ما خامر العقل اي خالطه و خمر العقل ستره و هو المسكر من الشراب. و في المصباح المنير للفيومي الخمر معروفة، الى ان قال و يقال هي اسم لكل مسكر خامر العقل اي غطاه. و في مجمع البحرين بعد ذكر قوله سبحانه «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ» الخمر معروف و عن ابن الأعرابي انما سمى الخمر خمرا لأنها تركت و اختمرت و اختمارها تغير رائحتها، الى ان قال و الخمر فيما اشتهر بينهم كل شراب مسكر و لا يختص بعصير العنب، ثم نقل كلام القاموس و قال بعده و يشهد له ما روي عن الصادق (عليه السلام) و ساق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة.

و بذلك يظهر لك تطابق الأخبار المتقدمة و كلام أهل اللغة على ما اخترناه في المقام و يظهر ضعف ما ذكره أولئك الاعلام، و بذلك يظهر ما في كلام المحقق صاحب المعالم من قوله: و الاعتبار الذي ذكره من جهة التسمية ليس بشي‌ء. و نحوه قوله في المدارك و الذخيرة ان اللغات لا تثبت بالاستدلال، فان فيه ان كلام أئمة اللغة كما سمعت كله متطابق على تعليل التسمية الموجب لدوران حكم التحريم و نحوه مدار صدق الاسم و قد وقع نحوه في الاخبار ايضا كما‌

رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان الله تعالى لما اهبط آدم امره بالحرث و الزرع

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

115
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

و طرح عليه غرسا من غرس الجنة فأعطاه النخل و العنب و الزيتون و الرمان فغرسها لعقبه و ذريته فأكل هو من ثمارها، فقال إبليس ائذن لي ان آكل منه شيئا فأبى أن يطعمه فجاء عند آخر عمر آدم، و ساق الحديث الى ان قال: ثم ان إبليس بعد وفاة آدم ذهب فبال في أصل الكرم و النخلة فجرى الماء في عودهما ببول عدو الله تعالى فمن ثم يختمر العنب و التمر فحرم الله تعالى على ذرية آدم كل مسكر لان الماء جرى ببول عدو الله في النخلة و العنب و صار كل مختمر خمرا لان الماء اختمر في النخلة و الكرمة من رائحة بول عدو الله تعالى».

فانظر الى قوله (عليه السلام): «و صار كل مختمر خمرا» من دلالته على دوران التسمية مدار حصول الاختمار كما هو الظاهر من كلام أهل اللغة أيضا و هو الذي أراده المحقق في المعتبر و لكن أولئك الفضلاء لم يعطوا التأمل حقه لا في الاخبار و لا في كلام أهل اللغة فوقعوا فيما وقعوا فيه.

(فان قيل) ان جملة من الاخبار ظاهرة في إطلاق الخمر على المعنى الأخص لعطف المسكر أو النبيذ عليه و نحو ذلك من العبارات الظاهرة بل الصريحة في الاختصاص و عدم صحة الحمل على المعنى الأعم، و ربما أشعر بكونه حقيقة في هذا الفرد في عرفهم (عليهم السلام) فيكون حقيقة عرفية خاصة. مثل‌

قوله (عليه السلام) في صحيحة علي ابن مهزيار «1» «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر.».

و قوله (عليه السلام) في رواية عمار «2»: «لا تصل في ثوب اصابه خمر أو مسكر حتى تغسله».

و قوله (عليه السلام) في رواية يونس «3»: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله».

و نحو ذلك، و على هذه الروايات اعتمد في المعالم في الحكم بنجاسة كل مسكر بعد اعتراضه على كلام المحقق (قدس سره) بما قدمنا نقله.

(قلت): الذي يظهر لي من تتبع الاخبار في هذا المقام ان الخمر قبل نزول التحريم انما كان يطلق عرفا على عصير العنب و إطلاقه على المعنى الأعم انما وقع في كلام‌

______________________________
(1) ص 99.

(2) راجع التعليقة 3 ص 102.

(3) ص 100.

116
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

الله تعالى و كلام رسوله (صلى الله عليه و آله) باعتبار الأحكام التي رتبوها عليه من حرمة أو نجاسة كما عرفت من الأحاديث المتقدمة فهي حقيقة شرعية في المعنى الأعم و ان كانت عرفا انما تطلق على العصير العنبي، و هم (عليهم السلام) ربما اطلقوها على المعنى الشرعي كما تقدم في الحديثين المنقولين عن علي بن الحسين (عليه السلام) و ربما اطلقوها على المعنى العرفي الدائر بين الناس كما في الاخبار المذكورة.

هذا، و الظاهر اتفاق كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) على تخصيص الحكم بالنجاسة في المسكر بما كان مائعا بالأصالة و ان عرض له الجمود دون الجامد بالأصالة كالحشيشة و ان عرض له الميعان، و الظاهر ان المستند في ذلك هو ان المتبادر من لفظة المسكر و النبيذ و نحوهما في الأخبار انما هو الأشربة المتخذة من تلك الأشياء المعدودة في الأخبار المتقدمة فيبقى ما عداها على حكم الأصل، و اما ثبوت النجاسة لها بعد الجمود فهو من حيث توقف الطهارة بعد ثبوت النجاسة على الدليل و لم يثبت كون الجمود مطهرا فيبقى على حكم الأصل. و الله العالم.

(الثاني) [حكم الفقاع]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ممن قال بنجاسة الخمر في ان حكم الفقاع حكمه، و نقل العلامة في النهاية و المنتهى إجماع علمائنا على ذلك، و ذكر المحقق في المعتبر عن الشيخ انه قال و ألحق أصحابنا الفقاع بالخمر يعني في التنجيس و هذا انفراد الطائفة. ثم قال المحقق: و يمكن ان يقال الفقاع خمر فيلحقه أحكامه اما انه خمر فلما ذكره على الهدى (رضي الله عنه) قال: قال احمد حدثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي عن ضمرة قال الغبيراء التي نهى النبي (صلى الله عليه و آله) عنها هي الفقاع قال و عن ابي هاشم الواسطي الفقاع نبيذ الشعير فإذا نش فهو خمر، قال و عن زيد بن أسلم الغبيراء التي نهى النبي عنها هي الاسكركة «1» و عن ابى موسى انه قال الاسكركة خمر الحبشة، و من طريق الأصحاب‌

ما رواه سليمان بن جعفر «2» قال: «قلت للرضا

______________________________
(1) في كتب اللغة (سكركة).

(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من الأشربة المحرمة.

117
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

(عليه السلام) ما تقول في شرب الفقاع؟ فقال هو خمر مجهول.».

و عن الوشاء «1» قال: «كتبت إليه- يعني الرضا (عليه السلام)- اسأله عن الفقاع؟ فقال حرام و هو خمر».

و عنه (عليه السلام) «2» قال: «هي خمرة استصغرها الناس».

و قال ابن الجنيد و تحريمه من جهة نشيشه و من ضراوة إنائه إذا كرر فيه العمل. (لا يقال) الخمر من الستر و هو ستر العقل و لا ستر في الفقاع (لأنا نقول) التسمية ثابتة شرعا و التجوز على خلاف الأصل فيكون حقيقة في المشترك و هو مائع حرم لنشيشه و غليانه، و إذا ثبت ان الفقاع خمر و قد بينا حكم الخمر فاطلب حكم الفقاع هناك. انتهى كلامه. قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه: و يرد على احتجاجه بأخبارنا لإدخاله في حقيقة الخمر نحو ما ذكرناه في احتجاجه السابق لإدخال المسكرات. و اما ما حكاه عن المرتضى فغير كاف في إثبات مثله، فالعمدة إذا على الإجماع المدعي، و يؤيده ما رواه الكليني (قدس سره) عن محمد بن يحيى ثم أورد رواية أبي جميلة البصري المتقدمة.

أقول: ما أورده عليه هنا في الاحتجاج بأخبارنا لإدخال الفقاع في حقيقة الخمر بما ذكره سابقا قد بينا ضعفه و ان هذا الإطلاق حقيقة شرعية، و من الأخبار الدالة على ما دلت عليه هاتان الروايتان المذكورتان في كلام المحقق (قدس سره)

قول ابي الحسن (عليه السلام) في جواب مكاتبة ابن فضال «3» «هو الخمر و فيه حد شارب الخمر».

و قول الصادق (عليه السلام) «4» في موثقة عمار: «هو خمر».

و قوله (عليه السلام) في رواية الحسين القلانسي «5» «لا تقربه فإنه من الخمر».

و في رواية محمد بن سنان «6» «هو الخمر بعينها».

و في رواية زرارة عن الصادق (عليه السلام) «7» «لو ان لي سلطانا على أسواق المسلمين لرفعت عنهم هذه الخمرة».

و في بعضها «8» «هو خمر مجهول و فيه حد شارب الخمر».

و من أجل هذه الاخبار رجع صاحب الذخيرة في هذا المقام‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(6) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(7) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(8) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

118
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

عما ذكره سابقا مما قدمنا نقله عنه، حيث قال بعد إيراد جملة من هذه الأخبار:

لا يخفى انه و ان أمكن إيراد النظر السابق هنا لكن الإنصاف ان من هذه الاخبار يستفاد انه مثل الخمر في جميع الأحكام و يؤيده رواية أبي جميلة البصري، ثم ساق الرواية كما قدمناه. و اما صاحب المدارك فإنه قال: و الحكم بنجاسته مشهور بين الأصحاب و به رواية ضعيفة السند جدا نعم ان ثبت إطلاق الخمر عليه حقيقة كما ادعاه المصنف في المعتبر كان حكمه حكم الخمر، و قد تقدم الكلام فيه. انتهى. و قوله: «و قد تقدم الكلام فيه» إشارة إلى مناقشته التي أشرنا إليها آنفا في عموم إطلاق الخمر، فظاهره هنا التوقف أو عدم القول بالنجاسة لعدم صدق الإطلاق عنده و حكمه بضعف الخبر الدال على النجاسة، و العجب منه (قدس سره) حيث لم يقف على ضابطة و لم يرجع الى رابطة فإن الخبر الذي طعن عليه بالضعف و ان كان كذلك لكن اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور جابر لضعفه إذ لا مخالف في المسألة، و لهذا ان المحقق الشيخ حسن فيما قدمنا نقله عنه انما اعتمد على الإجماع و أيده بالرواية، و هو (قدس سره) في غير موضع من كتابه قد جرى على هذه الطريقة و قد ذكر في مسألة الدم الأقل من حمصة بعد ان نقل الروايات الدالة على نجاسته و طعن فيها بضعف السند مع كونها مطابقة لمقتضى الأصل كما ذكره: «إلا انه لا خروج عما عليه معظم الأصحاب» انتهى. و على هذا فقس.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المفهوم من كلام الأصحاب ان الحكم بالتحريم و النجاسة تابع للاسم فحيث ما صدق الاسم تعلقت به الأحكام، قال في المسالك بعد ذكر المصنف الفقاع: «الأصل فيه ان يتخذ من ماء الشعير كما ذكره المرتضى (رضي الله عنه) في الانتصار لكن لما كان النهي عنه معلقا على التسمية ثبت له ذلك سواء عمل منه أم من غيره، فما يوجد في أسواق أهل الخلاف مما يسمى فقاعا يحكم بتحريمه تبعا للاسم إلا ان يعلم انتفاؤه قطعا» و نحوه كلام سبطه في المدارك حيث قال بعد نقل كلام المرتضى في‌

119
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

الانتصار: و ينبغي ان يكون المرجع فيه الى العرف لانه المحكم فيما لم يثبت فيه وضع شرعي و لا لغوي.

أقول: المفهوم من الاخبار ان الفقاع على قسمين: منه ما هو حلال طاهر و هو ما لم يحصل فيه الغليان و النشيش أيام نبذه، و منه ما هو حرام نجس و هو ما يحصل فيه الغليان، و الى ذلك أشار ابن الجنيد فيما نقله عنه في المعتبر فيما قدمناه من عبارته، و جملة من الأصحاب قد عدوا كلام ابن الجنيد خلافا في المسألة حيث ان ظاهرهم القول بالتحريم مطلقا، و الحق في المسألة هو مذهب ابن الجنيد و عليه تدل‌

صحيحة ابن ابي عمير عن مرازم «1» قال: «كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) الفقاع في منزله، قال ابن ابي عمير و لم يعمل فقاع يغلى».

و رواية عثمان بن عيسى «2» قال: «كتب عبد الله بن محمد الرازي الى ابي جعفر (عليه السلام) ان رأيت ان تفسر لي الفقاع فإنه قد اشتبه علينا أ مكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب (عليه السلام) لا تقرب الفقاع إلا ما لم تضر آنيته أو كان جديدا. فأعاد الكتاب اليه اني كتبت اسأل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني ان اشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار و لم اعرف حد الضراوة و الجديد و سأل أن يفسر ذلك له و هل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الأواني؟ فكتب يجعل الفقاع في الزجاج و في الفخار الجديد الى قدر ثلاث عملات ثم لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد و الخشب مثل ذلك».

و المستفاد منها ان الفقاع الذي يتعلق به التحريم و خرجت الاخبار بالمنع عنه و انه خمر هو الذي يغلى و غليانه عبارة عن هيجانه و اغتلامه و ان من الفقاع ما لا يكون كذلك و هو حلال، و حينئذ فإطلاق أصحابنا القول بالتحريم و جعلهم التحريم دائرا مدار صدق اسم الفقاع ليس في محله.

ثم ان ظاهرهم- كما تقدم في عبارة المحقق- انه لا يشترط فيه بلوغ حد الإسكار و ظاهر الاخبار ايضا ان المدار في الفرق بين الحلال و الحرام من قسميه انما هو الغليان‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 39 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 39 من الأشربة المحرمة.

120
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حكم العصير العنبي ؛ ج 5، ص : 121

و عدمه، اللهم إلا ان يدعى انه بالغليان يكون مسكرا كما في سائر الأشربة المسكرة، و لم أقف هنا على دليل قاطع يظهر منه حكم المسألة إلا الخبران المذكوران و هما غير خاليين من الإجمال كما عرفت و لكن ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو ما ذكرناه كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم، و أصرح من عبارة المحقق فيما قلنا ما ذكره في مجمع البحرين للشيخ التقي الزاهد الشيخ فخر الدين بن طريح «و الفقاع كرمان شي‌ء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط و ليس بمسكر و لكن ورد النهي عنه، قيل سمي فقاعا لما يرتفع في رأسه من الزبد».

هذا، و اما ما ذكره في المدارك- من انه ينبغي ان يكون المرجع فيه الى العرف لانه المحكم فيما لم يثبت فيه وضع شرعي و لا عرفي- ففيه انه و ان اشتهر ذلك بينهم و جعلوه من جملة القواعد التي يبنون عليها الأحكام إلا ان فيه (أولا)- ان المفهوم من الأخبار على وجه لا يعتريه الإنكار عند من رجع إليها و تأمل فيها بعين الاعتبار ان الواجب في صورة عدم العلم بالمعنى المراد من الخطاب الشرعي هو الفحص و البحث من اخبارهم (عليهم السلام) عن تحصيل المعنى المراد منه و مع عدم الوقوف عليه هو الرجوع و الوقوف على جادة الاحتياط. و (ثانيا)- ان الحوالة على العرف مع ما علم يقينا من ان العرف الذي عليه الناس مختلف باختلاف البلدان و الأقطار فكل قطر لهم عرف و اصطلاح ليس لغيرهم من سائر الأقطار، و من المعلوم ان الأحكام الشرعية مضبوطة معينة فكيف تناط بما هو مختلف متعدد؟ مضافا ذلك الى ان تتبع جميع الأقطار في الاطلاع على ذلك العرف أمر عسر بل متعذر كما لا يخفى، و اما فيما نحن فيه من هذه المسألة فقد عرفت الحكم فيها مما نقلناه من الخبرين المذكورين حسبما ذكرنا. و الله العالم‌

(الثالث) [حكم العصير العنبي]

- الحق جمع من الأصحاب بالمسكرات في النجاسة العصير العنبي إذا على و اشتد و لم يذهب ثلثاه و بعض علق الحكم على مجرد الغليان و بعضهم على الاشتداد، قال المحقق في المعتبر: «و في نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردد اما التحريم‌

121
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حكم العصير العنبي ؛ ج 5، ص : 121

فعليه إجماع فقهائنا، ثم منهم من اتبع التحريم بالنجاسة و الوجه، الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب الثلثان و وقوف النجاسة على الاشتداد» و المراد بالغليان انقلابه و صيرورة أسفله أعلاه و بالاشتداد الغلظ و الثخانة. و لا ريب ان التحريم يترتب على مجرد الغليان بلا خلاف نصا و فتوى و انما الخلاف في النجاسة هل تترتب على ذلك أيضا أو تتوقف على الاشتداد؟ و الظاهر من كلام الشهيد في الذكرى و كذا المحقق الشيخ علي ان الاشتداد مسبب عن مجرد الغليان فالتحريم و النجاسة متلازمان، و الذي عليه الأكثر هو ما صرح به المحقق هنا من تأخر الاشتداد و ان بينهما زمانا متحققا كما هو المشاهد بالوجدان خصوصا في الذي يغلي من نفسه أو في الشمس.

ثم ان الظاهر من كلامهم ان القول بالنجاسة هو المشهور، فممن صرح بالنجاسة المحقق في المعتبر و قال في الشرائع بعد ان ذكر المسكرات و حكم بنجاستها: و في حكمها العصير العنبي إذا غلا و اشتد و المراد بالغليان انقلابه و صيرورة أعلاه أسفله و باشتداده حصول الغلظ و الثخانة فيه، و بذلك صرح العلامة في المنتهى و الإرشاد فعلق الحكم على الغليان و الاشتداد ايضا، و في التذكرة: و العصير إذا غلى حرم حتى يذهب ثلثاه، و هل ينجس بالغليان أو يقف على الشدة؟ إشكال. و هو صريح في جزمه بالنجاسة و انما توقف في حصولها بمجرد الغليان أو تتوقف على الاشتداد، و في المختلف «الخمر و كل مسكر و الفقاع و العصير إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس، ذهب إليه أكثر علمائنا كالمفيد و الشيخ ابي جعفر و المرتضى و ابي الصلاح و سلار و ابن إدريس» ثم نقل خلاف ابن ابي عقيل و الصدوق حسبما تقدم في الخمر، و ظاهر كلامه نسبة القول بالنجاسة في جميع هذه الأشياء المعدودة في كلامه التي من جملتها العصير إلى الأكثر و منهم هؤلاء المذكورون، و بالجملة فالظاهر ان القول المذكور مشهور و لا سيما بين المتأخرين، و بذلك صرح الشهيد الثاني في الروض ايضا، و الذي يظهر من الذكرى ان القائل به قليل حيث قال: و في حكمها العصير إذا غلى و اشتد في قول ابن حمزة و في‌

122
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حكم العصير العنبي ؛ ج 5، ص : 121

المعتبر يحرم، ثم نقل ملخص عبارة المعتبر ثم قال و توقف الفاضل في نهايته، الى ان قال و لم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة. مع انه ممن قال بذلك أيضا في الرسالة الألفية. و بالجملة فإن من ذكر العصير في هذا المقام فإنما صرح فيه بالنجاسة و لكن جملة من المتأخرين اعترضوهم بعدم الدليل على ذلك، و لهذا قال الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح الألفية ان تحقق القولين في المسألة مشكوك فيه بمعنى انه لا قائل إلا بالنجاسة، و فيه رد لما ذكره الشهيد في الذكرى من انه لم يقف لغير من ذكره على القول بالنجاسة، نعم قال في المدارك انه نقل عن ابن ابي عقيل التصريح بطهارته و مال إليه جدي (قدس سره) في حواشي القواعد و قواه شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى و هو المعتمد تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض. انتهى. و الظاهر ان النقل عن ابن ابي عقيل انما هو بسبب خلافه في الخمر و قوله بطهارته المستلزم لطهارة ما حمل عليه، نعم قول المتأخرين بالطهارة لا ضير فيه و لا منافاة لما ذكرناه.

و كيف كان فانا لم نقف لهم فيما ذهبوا اليه من القول بالنجاسة على دليل و لم ينقل أحد منهم دليلا في المقام، قال في الذكرى على اثر الكلام المتقدم: و لا نص على نجاسة غير المسكر و هو منتف هنا. و قال في البيان ايضا انا لم نقف على نص يقتضي تنجيسه إلا ما دل على نجاسة المسكر لكنه لا يسكر بمجرد غليانه و اشتداده. و نقل في المعالم عن والده في المسالك ان نجاسته من المشاهير بغير أصل.

أقول: قد صرح الأمين الأسترآبادي في تعليقاته على المدارك باختياره القول بالنجاسة و استدل‌

بصحيحة محمد بن عمار «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا أعرف أنه يشربه على النصف؟ فقال خمر لا تشربه».

قال و إطلاق الخمر عليه يقتضي لحوق حكمه به.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 7 من الأشربة المحرمة، و الراوي معاوية بن عمار كما في المتن.

123
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(تذنيب) - يشتمل على الكلام في حل عصير التمر و الزبيب ؛ ج 5، ص : 124

أقول: هذه الرواية بهذا المتن رواها في الكافي و في التهذيب عن معاوية بن عمار و اما ما ذكره عن محمد بن عمار فالظاهر انه من سهو قلمه، و أيضا في سند الرواية يونس ابن يعقوب و حديثه عندهم معدود في الموثق لتصريح جملة منهم بكونه فطحيا و ان وثقه آخرون، و هذا المتن الذي نقله هو الذي في التهذيب و اما المتن المنقول في الكافي فهو عار عن لفظ الخمر و هذه صورته:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا اعلم انه يشربه على النصف أ فاشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال لا تشربه».

و على هذه الرواية فلا دلالة في الخبر، و العجب من صاحبي الوافي و الوسائل قد نقلا الرواية بالمتن الذي في الكافي في الكتابين المذكورين و لم يتنبها لما في البين من الاشكال المذكور، و كيف كان فالاعتماد على ما ذكره الشيخ مع خلو الكافي عنه لا يخلو من اشكال لما عرفت من أحوال الشيخ و ما وقع له من التحريف و الزيادة و النقصان في الأخبار، و مع إغماض النظر عن ذلك فإثبات النجاسة بذلك لا يخلو من توقف إذ لعل الغرض من التشبيه انما هو بالنسبة إلى التحريم المتفق عليه، و بالجملة فأصالة الطهارة أقوى متمسك حتى يقوم الدليل على ما يوجب الخروج عنه، و نحن انما خرجنا عنه في الفقاع لاستفاضة الروايات بكونه خمرا كما عرفت، و ترتب هذا المعنى على مجرد هذه الرواية مع ما عرفت من العلة محل توقف. و الله العالم.

(تذنيب)- يشتمل على الكلام في حل عصير التمر و الزبيب

، و هذه المسألة و ان كانت خارجة عن محل البحث و ان الأنسب بها كتاب الأطعمة و الأشربة إلا انها لما كانت من الضروريات التي تلجئ الحاجة الى معرفة حكمها لابتلاء الناس بها و وقوع الخلاف في هذه الأزمنة المتأخرة فيها و لهذا كثر السؤال عنها و ربما صنف فيها الرسائل و أكثر القائلون فيها بالتحريم من الدلائل التي لا تصل عند التأمل إلى طائل سوى إيقاع الناس في المشاكل و المعاضل، فرأيت إن اكشف عن وجه تحقيقها نقاب الإبهام و احيط‌

124
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

فيها بأطراف النقض و الإبرام على وجه لم يسبق اليه سابق من الاعلام مذيلا باخبار أهل الذكر (عليهم السلام) و تحقيقات تلذها الافهام و ان طال بذلك زمام الكلام فإنه لما ذكرنا من أهم المهام، فأقول- و بالله التوفيق- ان الكلام هنا في الطهارة و النجاسة و الحل و الحرمة في كل من الفردين المذكورين:

اما عصير الزبيب فالظاهر انه لا خلاف في طهارته و عدم نجاسته بالغليان فاني لم أقف على قائل بالنجاسة هنا، و بذلك صرح في الذخيرة أيضا فقال بعد الكلام في نجاسة العصير العنبي: و هل يلحق به عصير الزبيب إذا غلى في النجاسة؟ لا اعلم بذلك قائلا و اما في التحريم فالأكثر على عدمه. انتهى. و يلوح من كلام شيخنا الشهيد الثاني وقوع الخلاف هنا حيث قال بعد الكلام في نجاسة عصير العنب: و لا يلحق به عصير التمر و غيره حتى الزبيب على الأصح ما لم يحصل فيه خاصية الفقاع، للأصل و خروجه عن مسمى العنب و ذهاب ثلثيه بالشمس. و قال في شرح الرسالة: و لا يلحق به عصير التمر و غيره إجماعا و لا الزبيب على أصح القولين للأصل و ضعف متمسك القائل بالإلحاق. انتهى. و هو جيد. و من ذلك علم ان الخلاف انما هو في الزبيب و اما التمر و غيره فقد عرفت نقل شيخنا المشار إليه الإجماع على عدم النجاسة فيه.

بقي البحث في التحريم في كل منهما و عدمه، و البحث في ذلك يتوقف على تقديم مقدمة تشتمل على فوائد يظهر الحق منها لكل طالب و قاصد و يتضح بها ما في المسألة من المقاصد:

(الفائدة الأولى) [العصير اسم لما يؤخذ من العنب]

- لا يخفى ان المستفاد من اخبار أهل العصمة (عليهم السلام) ان العصير في عرفهم اسم لما يؤخذ من العنب خاصة و ان ما يؤخذ من التمر إنما يسمى بالنبيذ و ما يؤخذ من الزبيب يسمى بالنقيع و ربما أطلق النبيذ ايضا على ماء الزبيب، و هذا هو الذي يساعده العرف أيضا فإنه لا يخفى ان العصير انما يطلق على الأجسام التي فيها مائية لاستخراج الماء منها كالعنب مثلا و الرمان و البطيخ بنوعيه و نحو ذلك، و اما الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة أو حموضة و يراد استخراج حلاوتها أو حموضتها بالماء مثل التمر و الزبيب‌

125
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

و السماق و الزرشك و نحوها فإنه إنما يستخرج ما فيها من الحلاوة أو الحموضة اما بنبذها في الماء و نقعها فيه زمانا يخرج حلاوتها أو حموضتها الى الماء أو انها تمرس في الماء من أول الأمر من غير نقع أو انها تغلي بالنار لأجل ذلك، و المعمول عليه في الصدر الأول انما هو النبذ في الماء و النقع فيه كما ستطلع عليه ان شاء الله تعالى، و هذا ظاهر يشهد به الوجدان في جميع البلدان، و بهذا ايضا صرح كلام أهل اللغة، قال الفيومي في المصباح المنير في مادة عصر: عصرت العنب و نحوه عصرا من باب ضرب: استخرجت ماءه و قال في مادة نقع انقعت الدواء و غيره انقاعا: تركته في الماء حتى انتقع و هو نقيع فعيل بمعنى مفعول، الى ان قال و يطلق النقيع على الشراب المتخذ من ذلك فيقال نقيع التمر و الزبيب و غيره إذا ترك في الماء حتى ينتقع من غير طبخ. انتهى. فانظر الى وضوح هذا الكلام في المقصود و المراد من الفرق بين القسمين و التغاير في الاسمين بجعل ما يتخذ من الأجسام المائية عصيرا و ما يتخذ من التمر و الزبيب و نحوهما نقيعا، و قال في باب مرس: مرست التمر مرسا من باب قتل: دلكته في الماء حتى تتحلل اجزاؤه. انتهى. و قال ابن الأثير في النهاية: و في حديث الكرم يتخذونه زبيبا ينقعونه اى يخلطونه بالماء ليصير شرابا، الى ان قال و النقيع شراب يتخذ من زبيب أو غيره ينقع في الماء من غير طبخ. و قال في القاموس في مادة عصر: عصر العنب و نحوه يعصره فهو معصور و عصير: استخرج ما فيه، الى ان قال و عصيرة ما يحلب منه. و قال في مادة نقع: و النقيع البئر الكثيرة الماء الجمع انقعة، و شراب من زبيب أو كل ما ينقع تمرا أو زبيبا أو غيرهما. انتهى. و هي صريحة ايضا في المراد، و قال في مجمع البحرين في مادة عصر: و العصير من العنب يقال عصرت العنب عصرا من باب ضرب: استخرجت ماءه، و اسم الماء العصير فعيل بمعنى مفعول. و قال في مادة نقع: و النقيع شراب يتخذ من زبيب ينقع في الماء من غير طبخ و قد جاء في الحديث كذلك. و قال في مادة نبذ: و النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و الحنطة و الشعير و غير ذلك. انتهى. و هو ظاهر‌

126
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

في المطلوب على الوجه المحبوب، و على هذا فقد اتفق على صحة ما ذكرناه الشرع و العرف و اللغة. و بذلك يظهر انه حيثما يذكر العصير في الأخبار فإنما يراد به ماء العنب إلا مع قرينة تدل على العموم و ان ماء التمر و الزبيب لا مدخل لهما في إطلاق هذا اللفظ (فان قيل): ان التمر و الزبيب بعد نقعهما في الماء و خروج حلاوتهما يعصران فيصدق عليهما العصير بذلك (قلنا) نعم انهما يعصران كما ذكرت و يطلق عليهما العصير لغة بمعنى المعصور إلا ان مبنى ما ذكرنا من الفرق و التسمية انما هو بالنسبة إلى استخراج ما في تلك الأشياء من المياه أو غيرها من أول الأمر فإن المعصورات يستخرج ماؤها من أول الأمر بالعصر و لا يحتاج إلى أمر آخر غيره، و اما هذه و نحوها فإنها تحتاج أولا إلى إضافة الماء إليها ثم نقعها أو غليها أو مرسها حتى يخرج ما فيها ثم تعصر بعد ذلك و تصفي و من الاخبار الصريحة فيما فصلناه الدالة على ما ادعيناه‌

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المرز من الشعير و النبيذ من التمر».

و نحوها ما في الكافي عن علي بن إسحاق الهاشمي و قد تقدمت قريبا، و حينئذ فما ورد في الاخبار بلفظ العصير مطلقا مثل‌

قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان «2»: «كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه».

و قوله (عليه السلام) في حسنة حماد بن عثمان «3»: «لا يحرم العصير حتى يغلى».

و قوله (عليه السلام) في رواية حماد ايضا «4» لما سأله عن شراب العصير فقال: «اشربه ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه».

و في رواية ذريح «5» «إذا نش العصير أو غلا حرم».

و في رواية محمد بن الهيثم عن رجل عن الصادق (عليه السلام) «6» قال: «سألته عن العصير

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 3 من الأشربة المحرمة.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من الأشربة المحرمة.

(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من الأشربة المحرمة.

(6) المروية في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

127
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

يطبخ في النار حتى يغلى من ساعته فيشربه صاحبه؟ قال إذا تغير عن حاله فغلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه».

و أمثال ذلك فإنه يجب حمله على العصير العنبي حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المشهورة و المتكررة الغير المنكورة.

و مما يزيدك بيانا و إيضاحا لهذا الحمل المذكور ورود جملة من الاخبار الدالة على العلة في تحريم العصير بعد غليانه و قبل ذهاب ثلثيه و حله بعد ذلك فان موردها هو العنب خاصة دون غيره من الأشربة:

فمن ذلك‌

ما رواه في الكافي عن ابي الربيع الشامي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أصل الخمر كيف كان بدء حلالها و حرامها و متى اتخذ الخمر؟ فقال ان آدم (عليه السلام) لما اهبط من الجنة اشتهى من ثمارها فانزل الله سبحانه قضيبين من عنب فغرسهما آدم فلما أن أورقا و أثمرا و بلغا جاء إبليس لعنه الله فحاط عليهما حائطا فقال آدم ما حالك يا ملعون؟ فقال له إبليس إنهما لي فقال كذبت فرضيا بروح القدس فلما انتهيا اليه قص عليه آدم قصته فأخذ روح القدس ضغثا من نار و رمى به عليهما و العنب في أغصانهما حتى ظن آدم انه لم يبق منهما شي‌ء و ظن إبليس مثل ذلك، قال فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما و بقي الثلث، فقال الروح اما ما ذهب فحظ إبليس و اما ما بقي فلك يا آدم».

و عن الحسن بن محبوب عن خالد بن نافع عن الصادق (عليه السلام) مثله «2» و رواه الصدوق في العلل نحوه «3».

و ما رواه في الكافي أيضا في الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «4» قال: «لما هبط نوح (عليه السلام) من السفينة غرس غرسا فكان فيما غرس الحبلة ثم رجع الى أهله فجاء إبليس لعنه الله فقلعها، ثم ان نوحا عاد الى غرسه فوجده على حاله و وجد الحبلة قد قلعت و وجد إبليس عندها فأتاه جبرئيل فأخبره ان إبليس لعنه الله قلعها، فقال نوح لإبليس ما دعاك الى قلعها؟ فوالله ما غرست غرسا أحب الي منها

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

128
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

و و الله لا أدعها حتى أغرسها. فقال إبليس و انا و الله لا أدعها حتى أقلعها، فقال له اجعل لي منها نصيبا، فجعل له الثلث فأبى أن يرضى فجعل له النصف فأبى أن يرضى فأبى نوح ان يزيده فقال جبرئيل لنوح يا رسول الله أحسن فإن منك الإحسان فعلم نوح انه قد جعل له عليها سلطان فجعل نوح له الثلثين، فقال أبو جعفر (عليه السلام) إذا أخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهب الثلثان و كل و اشرب حينئذ فذاك نصيب الشيطان».

أقول: الحبلة بالضم الكرم أو أصل من أصوله على ما صرح به أهل اللغة.

و روى في الكتاب المذكور أيضا في الموثق عن سعيد بن يسار عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان إبليس لعنه الله نازع نوحا في الكرم فأتاه جبرئيل فقال ان له حقا فأعطه فأعطاه الثلث فلم يرض إبليس لعنه الله فأعطاه النصف فلم يرض فطرح جبرئيل نارا فأحرقت الثلثين و بقي الثلث فقال ما أحرقت النار فهو نصيبه و ما بقي فهو لك يا نوح حلال».

و روى الصدوق في العلل بسنده عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «كان ابي يقول ان نوحا حين أمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه فلما أراد ان يغرس العنب قال هذه الشجرة لي فقال له نوح كذبت فقال إبليس فما لي منها؟ فقال نوح لك الثلثان. فمن هنا طاب الطلاء على الثلث».

و روى فيه ايضا بسنده عن وهب بن منبه «3» قال: «لما خرج نوح من السفينة غرس قضبانا كانت معه من النخل و الأعناب و سائر الثمار فأطعمت من ساعتها و كانت معه حبلة العنب و كان آخر شي‌ء أخرج حبلة العنب فلم يجدها نوح و كان إبليس قد أخذها فخبأها فنهض نوح ليدخل السفينة فيلتمسها، الى ان قال فقال له الملك ان لك فيها شريكا في عصيرها فأحسن مشاركته فقال نعم له السبع و لي ستة أسباع فقال له الملك أحسن فأنت محسن فقال نوح له سدس و لي خمسة أسداس فقال له الملك أحسن فأنت

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

129
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

محسن فقال له خمس و لي أربعة أخماس فقال له الملك أحسن فإنك محسن فقال نوح له الربع و لي ثلاثة أرباع فقال له الملك أحسن فإنك محسن فقال له النصف و لي النصف فقال أحسن فأنت محسن فقال لي الثلث و له الثلثان فرضي فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس و هو حظه و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح و هو حظه فذلك هو الحلال الطيب فيشرب منه».

أقول: و قد دلت هذه الأخبار بأوضح دلالة لا يعتريها الإنكار ان الشراب الذي يحرم بغليانه و لا يحل إلا بذهاب ثلثيه انما هو ماء العنب لان النزاع من آدم و نوح و من إبليس لعنه الله انما وقع في شجرة العنب خاصة دون سائر الأشجار. و حينئذ فما ورد في الأخبار من ان العصير يحرم بالغليان و لا يحل إلا بذهاب الثلثين إنما أريد به عصير العنب خاصة لأكل عصير كما توهمه غير واحد من قاصري النظر و ان ارتكب تخصيصه بأفراد أخر، و بالجملة فاختصاص العلة الموجبة للحرمة بما أخذ من الكرم يوجب بقاء ما أخذ من غيره على أصل الحلية و الإباحة، نعم يحرم المسكر منها بالنصوص المستفيضة الدالة على ان ما أسكر كثيره فكثيرة و قليله حرام و يبقى ما عداه غلى بالنار أو لم يغل على أصل الحلية، و يؤيد ذلك ما ورد في جملة من اخبار العصير الذي يحرم بالغلي و يحل بذهاب ثلثيه من التعبير عنه تارة بالعصير كما عرفت فيما تقدم من الروايات و تارة يعبر عنه بالطلاء و هو ما طبخ من عصير العنب و تارة يعبر عنه بالبختج بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة ثم التاء المثناة من فوق و في آخره جيم و هو العصير من العنب المطبوخ و هو معرب پخته.

و بالجملة فإنه لا يخفى على من تأمل في الأخبار الواردة بلفظ العصير في أبواب البيوع و أبواب الأشربة سؤالا و جوابا ان العصير كان شيئا معينا مخصوصا معلوما يسأل عنه تارة بجواز شربه و عدمه فيجاب بجواز شربه ما لم يغل و بعد الغلى فإنه يحرم حتى يذهب ثلثاه، و يسأل عمن يشربه قبل ذهاب ثلثيه فيجاب بأنه فعل محرما، و يسأل عن جواز بيعه فيجاب بجواز بيعه‌

130
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

بالنقد خاصة، و نحو ذلك من الأحكام المجراة عليه في الأخبار، و لو كان المراد بالعصير انما هو المعنى اللغوي و هو كل ما يعصر و هو أمر كلي شامل لافراد عديدة لا تكاد تحصى كثرة لما اطردت هذه الأحكام و لا كانت كلية في كل مقام. فان افراد العصير بهذا المعنى الذي بنوا عليه غير متفقة كما لا يخفى على ذوي الأفهام فإنه ليس كل شي‌ء يعصر فإنه يحرم بمجرد غلية و لا يحرم بيعه بالنسيئة و لا يتغير بتأخيره حتى يصير محرما.

و ها نحن نسرد لك جملة من الأخبار الواردة في أبواب البيع زيادة على ما قدمناه من الأخبار الواردة في باب الشراب،

ففي صحيحة البزنطي «1» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن بيع العصير فيصير خمرا قبل ان يقبض الثمن؟ قال فقال لو باع ثمرته ممن يعلم انه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس و اما إذا كان عصيرا فلا يباع إلا بالنقد».

و في رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن ثمن العصير قبل ان يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا؟ قال إذا بعته قبل ان يكون خمرا و هو حلال فلا بأس».

و في رواية يزيد بن خليفة «3» قال: «كره أبو عبد الله (عليه السلام) بيع العصير بتأخير».

قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر: لا يؤمن ان يصير خمرا قبل قبض الثمن فيأخذ ثمن الخمر.

و صحيحة رفاعة بن موسى «4» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره؟ قال حلال أ لسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا؟».

الى غير ذلك من الاخبار الواردة من هذا القبيل، و لا يخفى على المتأمل فيها انه انما أريد بالعصير فيها فرد خاص من المعصورات لأكل ما يعصر كما توهمه من لا تأمل له في الاخبار و لم يعط النظر حقه من التدبر و الاعتبار، و ان المراد انما هو عصير العنب بالخصوص لان الخمر كما عرفته فيما تقدم حقيقة في ماء العنب المسكر و ان كان قد أطلق شرعا على ما هو أعم منه و من سائر المسكرات، و من ذا الذي يدعى ان كل معتصر يصير خمرا بتأخيره زمانا و ان كل معتصر فإنه يحرم بمجرد غليانه حتى يتم له دعوى‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

(2) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

(3) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

(4) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

131
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

الكلية في لفظ العصير من هذه الأخبار؟

و بالجملة فجميع الأخبار الواردة بلفظ العصير مطلقا غاية ما يتوهم منها الإطلاق بمعنى الفرد المنتشر فيصير كالنكرة المراد بها فرد شائع في جنسه، و هذا الإطلاق قد عرفت انه مقيد بالصحيحة المتقدمة و الأخبار التي معها و نحوها مما دل على اختصاص العصير بماء العنب خاصة، و اما الحمل على الكلية بمعنى ان المراد منها كل ما يعتصر فهو لا يمكن توهمه ممن له أدنى روية و تمييز في الأحكام فضلا عن ان يكون من ذوي الأذهان و الافهام، نعم ذلك التوهم انما يتجه في صحيحة عبد الله بن سنان المسورة بكل «1» و سيأتي تحقيق الحال في إيضاحها و بيانها ان شاء الله تعالى، على ان جملة من الأخبار الواردة بالعصير في باب البيع و أبواب الشراب منها ما أضيف فيها الى العنب و منها ما أطلق و نحن هنا قد اقتصرنا على نقل ما أطلق الذي هو محل الشبهة، و لا ريب انه مع ملاحظة مطلقها و الضم الى مقيدها يجب حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المطردة.

(الفائدة الثانية) [النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر]

- قد عرفت في الفائدة الاولى ان النبيذ اسم مخصوص بما يؤخذ من التمر و ربما أطلق ايضا على ما يؤخذ من الزبيب، و هذه جملة من الأخبار نسردها عليك في هذه الفائدة صريحة الدلالة في ذلك و يستفاد منها ايضا ان النبيذ على قسمين: حلال و هو ما لم يسكر طبخ أو لم يطبخ، و حرام و هو ما أسكر طبخ أو لم يطبخ فمدار الحل و الحرمة فيه انما هو على الإسكار و عدمه:

فمن تلك الأخبار‌

رواية الكلبي النسابة «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ؟ فقال حلال. فقلت انا ننبذه فنطرح فيه العكر و ما سوى ذلك؟

فقال شه شه تلك الخمرة المنتنة. الحديث».

و رواية حنان بن سدير «3» قال: «سمعت رجلا و هو يقول لأبي عبد الله (عليه

______________________________
(1) ص 127.

(2) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب الماء المضاف.

(3) المروية في الوسائل في الباب 22 من الأشربة المحرمة.

132
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

السلام) ما تقول في النبيذ فإن أبا مريم يشربه و يزعم أنك أمرته بشربه؟ فقال صدق أبو مريم سألني عن النبيذ فأخبرته أنه حلال و لم يسألني عن المسكر، قال ثم قال (عليه السلام): ان المسكر ما اتقيت فيه أحدا سلطانا و لا غيره، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام. فقال له الرجل جعلت فداك هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أي شي‌ء هو؟ فقال اما أبي فإنه كان يأمر الخادم فيجي‌ء بقدح و يجعل فيه زبيبا و يغسله غسلا نقيا ثم يجعله في إناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء ثم يجعله بالليل و يشربه بالنهار و يجعله بالغداة و يشربه بالعشي و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم فان كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ».

دلت هذه الرواية بإطلاقها على اباحة النبيذ بجميع أنواعه عدا المسكر منه فإنه (عليه السلام) أقر أبا مريم على تحليل النبيذ بقول مطلق و لم يستثن منه إلا المسكر، و مثلها رواية الكلبي المتقدمة فإنه أجابه أولا بأنه حلال و مراده هذا الفرد الذي ذكره (عليه السلام) و قد صرح به أيضا في آخر الخبر المذكور فلما أخبره بأنه يجعل فيه العكر و نحوه مما يصير به مسكرا أجاب بأنه يصير خمرا محرما.

و رواية أيوب بن راشد «1» قال: «سمعت أبا البلاد يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ فقال لا بأس به. فقال انه يوضع فيه العكر؟ فقال بئس الشراب و لكن انبذوه غدوة و اشربوه بالعشي. الحديث».

و حسنة عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: «استأذنت على ابي عبد الله (عليه السلام) لبعض أصحابنا فسأله عن النبيذ فقال حلال فقال أصلحك الله إنما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكر؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل مسكر حرام».

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 30 من الأشربة المباحة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

133
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

و رواية إبراهيم بن ابي البلاد «1» قال: «دخلت على ابي جعفر بن الرضا (عليه السلام). فدعى بطبق فيه زبيب فأكلت ثم أخذ في الحديث فشكا الي معدته و عطشت فاستقيت ماء فقال يا جارية اسقيه من نبيذي فجاءتني بنبيذ مريس في قدح من صفر فشربته فوجدته احلى من العسل، فقلت له هذا الذي أفسد معدتك. قال فقال لي هذا تمر من صدقة النبي (صلى الله عليه و آله) يؤخذ غدوة فيصب عليه الماء فتمرسه الجارية و اشربه على اثر الطعام لسائر نهاري فإذا كان الليل أخذته الجارية فسقته أهل الدار. فقلت له ان أهل الكوفة لا يرضون بهذا. قال و ما نبيذهم؟ قال قلت يؤخذ التمر فينقع و يلقى عليه القعوة. قال و ما القعوة؟ قلت الداذي. قال و ما الداذي. قلت حب يؤتى به من البصرة فيلقى في هذا النبيذ حتى يغلى ثم يسكن ثم يشرب. فقال هذا حرام».

و في رواية أخرى لهذا الراوي عنه (عليه السلام) أيضا في وصف نبيذ أهل الكوفة «2» قال في آخر الخبر: «و ما الداذي؟ قلت ثقل التمر يصري به في الإناء حتى يهدر النبيذ و يغلى ثم يسكن و يشرب. فقال هذا حرام».

و حكمه (عليه السلام) بالتحريم في هذين الخبرين من حيث الإسكار و صيرورته خمرا بما يوضع فيه كما تكرر في الأخبار مما تقدم و يأتي ان شاء الله تعالى من اضافة المسكر الى النبيذ في حال نضحه و غليانه و تصريحهم (عليهم السلام) بأنه يصير خمرا مسكرا.

و موثقة سماعة «3» قال «سألته عن التمر و الزبيب يطبخان للنبيذ؟ فقال لا و قال كل مسكر حرام. و قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما أسكر كثيره فقليله حرام. و قال لا يصلح في النبيذ الخميرة و هي العكرة».

أقول: إنما منع (عليه السلام) من طبخها للنبيذ لكون المعمول يومئذ هو الطبخ الذي تكرر في الاخبار المنع من وضع العكر فيه حتى يصير مسكرا كما يدل عليه تتمة الخبر المذكور.

______________________________
(1) رواها في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

(2) رواها في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

134
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

و رواية يزيد بن خليفة «1» و هو رجل من بني الحارث بن كعب قال: «أتيت المدينة و زياد بن عبيد الله الحارثي عليها فاستأذنت على ابي عبد الله (عليه السلام) فدخلت عليه و سلمت عليه و تمكنت من مجلسي فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني رجل من بني الحارث بن كعب قد هداني الله تعالى الى محبتكم و مودتكم أهل البيت. قال فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): كيف اهتديت الى مودتنا أهل البيت فوالله ان محبتنا في بني الحارث بن كعب لقليل؟ قال: فقلت له جعلت فداك ان لي غلاما خراسانيا و هو يعمل القصارة و له همشهريجون أربعة و هم يتداعون كل جمعة فتقع الدعوة على رجل منهم فيصيب غلامي في كل خمس جمع جمعة فيجعل لهم النبيذ و اللحم، قال ثم إذا فرغوا من الطعام و اللحم جاء بإجانة فملأها نبيذا ثم جاء بمطهرة فإذا ناول إنسانا منهم قال لا تشرب حتى تصلي على محمد و آل محمد، و اهتديت الى مودتكم بهذا الغلام. قال فقال لي استوص به خيرا و اقرأه مني السلام و قل له يقول لك جعفر بن محمد (عليه السلام) انظر الى شرابك هذا الذي تشربه فان كان يسكر كثيره فلا تقربن قليله فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال كل مسكر حرام. الحديث».

فانظر الى ظهور هذا الخبر في عموم تحليل النبيذ مطلقا عدا المسكر منه فان المقام مقام البيان و الحاجة و قصده (عليه السلام) هداية ذلك الغلام الى الحلال دون الحرام، فلو كان هنا فرد آخر من النبيذ غير المسكر حراما لنبه عليه و لمنعه من شربه.

و رواية الفضيل بن يسار عن الباقر (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن النبيذ فقال حرم الله تعالى الخمر بعينها و حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) من الأشربة كل مسكر».

و التقريب ان السائل سأل عن النبيذ و ما يحل منه و ما يحرم فأجاب (عليه السلام) بأن الذي حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) من الأشربة هو ما أسكر‌

______________________________
(1) المروية في الوافي ج 11 ص 83 و قطعة منها في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 15 من الأشربة المحرمة.

135
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

خاصة، خرج منه العصير العنبي إذا غلى و لم يذهب ثلثاه بالنصوص و بقي ما عداه تحت الإطلاق.

و رواية يونس بن عبد الرحمن عن مولى حر بن يزيد «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له اني أصنع الأشربة من العسل و غيره و انهم يكلفوني صنعها أ فأصنعها لهم؟ قال فأصنعها و ادفعها إليهم و هو حلال من قبل ان يصير مسكرا».

و فيه- كما ترى- دلالة على انه لا يحرم من الأشربة إلا المسكر و ما عداه فهو حلال لان المقام مقام البيان فلو كان ثمة فرد آخر لذكره (عليه السلام).

و صحيحة صفوان «2» قال: «كنت مبتلى بالنبيذ معجبا به فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصف لك النبيذ؟ فقال بل أنا أصفه لك قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام. فقلت هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة؟ فقال لي ليس هكذا كانت السقاية إنما السقاية زمزم أ فتدري من أول من غيرها؟ قلت لا. قال العباس بن عبد المطلب كانت له حبلة أ فتدري ما الحبلة؟

قلت لا. قال: الكرم كان ينقع الزبيب غدوة و يشربه بالعشي و ينقعه بالعشي و يشربه من الغد يريد ان يكسر غلظ الماء عن الناس و ان هؤلاء قد تعدوا فلا تشربه و لا تقربه».

و التقريب فيها انه (عليه السلام) اضرب عن وصف السائل إلى الوصف بالإسكار الموجب للتحريم فلو كان للنبيذ قسم آخر محرم و هو ما غلى و ان لم يسكر لما حسن هذا الإضراب الى المسكر بخصوصه كما لا يخفى.

و صحيحة معاوية بن وهب «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان رجلا من بني عمي و هو من صلحاء مواليك أمرني أن أسألك عن النبيذ فأصفه لك فقال انا أصفه لك قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله

______________________________
(1) المروية في الوافي ج 11 ص 91.

(2) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

136
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

حرام. الحديث».

و التقريب كما تقدم في سابقه.

و رواية كليب الأسدي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ فقال ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) خطب الناس فقال في خطبته ايها الناس ألا ان كل مسكر حرام ألا و ما أسكر كثيره فقليله حرام».

و رواية محمد بن مسلم «2» قال: «سألته عن نبيذ قد سكن غليانه؟ فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام».

الى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

و كلها- كما ترى- واضحة المقالة متطابقة الدلالة على انه لا يحرم من النبيذ غير المسكر لان السؤالات في هذه الأخبار كلها عن النبيذ ما الذي يحل منه و ما الذي يحرم منه؟

فأجابوا (عليهم السلام) في بعض بان الحلال منه هو النقيع الذي لم يكثر مكثه و في جملة ان جميع ما يطبخ و يغلى بالنار فإنه يصير مسكرا و ذلك بما اعتاد عليه الناس في تلك الأزمان من وضع العكر فيه المعبر عنه بالخميرة و الداذي، و الظاهر انه من المسكر القديم الذي يضعونه في هذا الماء الجديد الذي يطبخونه حتى يسرع بإسكاره فيكون مثل الخمير الذي يوضع في العجين و على هذا كانت عادتهم في النبيذ المطبوخ، فلذا خرجت الاخبار عنهم (عليهم السلام) مستفيضة بتحريمه و التصريح بكونه مسكرا، و لو كان مجرد الغليان يوجب التحريم و ان لم يبلغ حد الإسكار لجرى له ذكر أو إشارة في بعض هذه الاخبار و ما ادعاه بعض فضلاء المعاصرين- من انه بمجرد الغليان يحصل منه السكر أو مبادئه باعتبار بعض الأمزجة أو بعض الأمكنة و الأهوية و صنف في القول بتحريم عصير التمر رسالة أكثر فيها بزعمه من الدلائل و هي تطويل بغير طائل. و من جملته دعواه في الجواب عن هذه الاخبار بحصول الإسكار في ماء التمر بمجرد الغليان اشتد أو لم يشتد‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 25 من الأشربة المحرمة.

137
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

- فلا يخفى ما فيه على العارف النبيه فضلا عن الحاذق الفقيه، و هذه عامة الناس في جميع الأقطار يطبخون الأطعمة بعصير التمر و الدبس بل يطبخونها خاصة و يأكلونها و لم يدع أحد منهم حصول الإسكار، و بالجملة فبطلان هذا الكلام أظهر من ان يحتاج الى تطويل في المقام و لا شاهد أبلغ من ضرورة العيان و عدول الوجدان.

و من أظهر الاخبار في الباب و أوضحها دلالة عند ذوي الألباب‌

ما رواه في الكافي بسنده عن محمد بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» قال: «قدم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) من اليمن قوم فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم فلما ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض نسينا أن نسأل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عما هو أهم إلينا ثم نزل القوم ثم بعثوا وفدا لهم فاتى الوفد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا يا رسول الله ان القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ما النبيذ صفوه لي؟ فقالوا يؤخذ من التمر فينبذ في إناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلئ و يوقد تحته حتى ينطبخ فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء آخر ثم صبوا عليه ماء ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر و يغلى ثم يسكن على عكرة. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) يا هذا قد أكثرت أ فيسكر؟

قال نعم. قال فكل مسكر حرام. قال فخرج الوفد حتى انتهوا إلى أصحابهم فأخبروهم بما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال القوم ارجعوا بنا الى رسول الله حتى نسأله عنها شفاها و لا يكون بيننا و بينه سفير فرجع القوم جميعا فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أرضنا أرض دوية و نحن قوم نعمل الزرع و لا نقوى على العمل إلا بالنبيذ؟

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) صفوه لي فوصفوه كما وصف أصحابهم فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أ فيسكر؟ فقالوا نعم. قال كل مسكر حرام. الحديث».

و قد جاء هذا الخبر مفصلا بأوضح تفصيل لا يعتريه القال و القيل و هو صريح في المطلوب‌

______________________________
(1) رواه في الوافي ج 11 ص 87 و في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

138
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثالثة) أقسام العصير العنبي و النبيذ ؛ ج 5، ص : 139

و المراد عري عن و صمة الشك و الإيراد.

و هذا الخبر ظاهر في الرد على ذلك الفاضل المتقدم ذكره المدعى لحصول الإسكار بالغليان، فإنه لو كان الأمر كما توهمه لم يكن لسؤال النبي (صلى الله عليه و آله) عن الإسكار معنى فان الرجل قد ذكر في حكايته عن صفة النبيذ انه غلى مرتين و في الغلية الثانية وضع فيه العكر و لو كان السكر يحصل بمجرد الغليان لحرمة رسول الله (صلى الله عليه و آله) بمجرد الغليان الأول، و بالجملة فالحديث المذكور واضح الظهور ساطع النور إلا على من اعترى فهمه و ذهنه نوع فتور و قصور، و الله الهادي لمن يشاء.

(الفائدة الثالثة) [أقسام العصير العنبي و النبيذ]

- المستفاد من الاخبار المتقدمة في الفائدة الاولى ان العصير العنبي على قسمين منه ما يغلى و منه ما لا يغلى، و الأول منه ما يكون محرما و هو ما غلى قبل ذهاب ثلثيه و ما يكون حلالا و هو قبل الغلى و ما بعد ذهاب الثلثين، و القسم الثاني أيضا منه ما يكون محرما و هو ما طال مكثه حتى اختمر و صار مسكرا و منه ما هو حلال و هو ما لم يبلغ الحد المذكور. و اما النبيذ كما صرحت به الاخبار في الفائدة الثانية فليس إلا قسمان غلى أو لم يغل: ان أسكر فهو حرام و ان لم يسكر فهو حلال، و الإسكار يقع فيه تارة بطول مكثه في الإناء حتى يختمر و يصير مسكرا كما يشير اليه حديث السقاية و قوله (عليه السلام) بعد ذكر ما كان العباس يفعله لكسر غلظة الماء: «و ان هؤلاء قد تعدوا فلا تشربه» يعنى انه لما وصلت النوبة إلى هؤلاء المستحلين لشرب النبيذ المسكر تعدوا في الزيادة في التمر و الزبيب الذي ينبذونه و طول مكثه في الأواني حتى صار مسكرا، و اليه يشير ايضا قوله (عليه السلام) في حديث حنان بن سدير: «و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم» و الاغتلام لغة الاشتداد و المراد الكناية عن بلوغ حد الإسكار، و تارة بالغلي و وضع العكر فيه كما صرحت به الاخبار المتقدمة.

و بالجملة فإنه قد علم من هذه الاخبار كملا ان المحرم من العصير العنبي قسمان أحدهما ما على و لم يذهب ثلثاه و الثاني ما أسكر، و اما المحرم من النبيذ فليس إلا المسكر خاصة فلو كان‌

139
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثالثة) أقسام العصير العنبي و النبيذ ؛ ج 5، ص : 139

ثمة قسم آخر يكون محرما و هو ما غلى و لم يذهب ثلثاه من غير عصير العنب لوصلت إلينا به الاخبار و دلت عليه الآثار و هي كما دريت خالية من ذلك، و روايات نزاع إبليس مع آدم و نوح المصرحة بعلة التحريم بعد الغليان حتى يذهب الثلثان موردها انما هو العنب خاصة.

(فإن قيل) ان إبليس قد نازع آدم في النخل ايضا‌

لما رواه في الكافي بسنده عن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان الله تعالى لما اهبط آدم من الجنة أمره بالحرث و الزرع و طرح اليه غرسا من غروس الجنة فأعطاه النخل و العنب و الزيتون و الرمان فغرسها ليكون لعقبه و ذريته و أكل هو من ثمارها، فقال له إبليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض و قد كنت فيها قبلك؟ فقال ائذن لي آكل منها فأبى آدم ان يطعمه فجاء إبليس عند آخر عمر آدم و قال لحواء انه قد أجهدني الجوع و العطش فقالت له حواء فما الذي تريد؟ فقال أريد أن تذيقيني من هذه الثمار. فقالت حواء ان آدم عهد الي ان لا أطعمك شيئا من هذا الغرس لانه من الجنة و لا ينبغي لك ان تأكل منها شيئا؟ فقال لها فاعصري في كفي شيئا منه فأبت عليه فقال ذريني أمصه و لا آكله فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصه و لم يأكل منه لما كانت حواء قد أكدت عليه فلما ذهب بعضه جذبته حواء من فيه فأوحى الله تعالى الى آدم ان العنب قد مصه عدوي و عدوك إبليس لعنه الله و قد حرمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لان عدو الله إبليس مكر بحواء حتى مص العنب و لو اكله لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها و جميع ثمارها و ما يخرج منها، ثم انه قال لحواء لو امصصتني شيئا من هذا التمر كما امصصتني من العنب فأعطته تمرة فمصها و كان العنب و التمر أشد رائحة و اذكى من المسك الأذفر و احلى من العسل، فلما مصهما عدو الله إبليس ذهبت رائحتهما و انتقصت حلاوتهما، قال أبو عبد الله (عليه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

140
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

السلام) ثم ان إبليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال في أصل الكرمة و النخلة فجرى الماء في عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب و التمر فحرم الله تعالى على ذرية آدم كل مسكر لان الماء جرى ببول عدو الله في النخل و العنب. و صار كل مختمر خمرا لان الماء اختمر في النخلة و الكرمة من رائحة بول عدو الله تعالى إبليس».

(قلت): هذا الخبر بحمد الله تعالى ان لم يكن حجة لنا لا يكون علينا و ذلك ان سياق الخبر كما تقدمت الإشارة اليه انما هو في بيان العلة في تحريم المسكر من العنب و التمر و غيرهما، ألا ترى الى قوله (عليه السلام):

«فأوحى الله تعالى الى آدم ان العنب قد مصه عدوي و عدوك إبليس لعنه الله و قد حرمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لان عدو الله. إلخ»،

و الى قوله (عليه السلام) بعد حكاية بول إبليس لعنه الله في أصل الكرمة و النخلة:

«فجرى الماء في عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب و التمر فحرم الله على ذرية آدم كل مسكر. إلخ»

و لا دلالة فيه و لا إشارة إلى التحريم في التمر بمجرد الغليان كما تقدم في اخبار العصير العنبي.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات ثلاثة:

[المقام] (الأول)- في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه

، و المشهور- بل كاد ان يكون إجماعا بل هو إجماع- هو القول بحليته فانا لم نقف على قائل بالتحريم ممن تقدمنا من الأصحاب و انما حدث القول بذلك في هذه الأعصار المتأخرة، فممن ذهب اليه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني و المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي على ما يظهر من الوسائل ثم اشتهر ذلك الآن بين جملة من الفضلاء المعاصرين حتى صنفوا فيه الرسائل و أكثروا من الدلائل التي لا ترجع إلى طائل، و هذا هو الذي حدانا على تطويل الكلام في هذه المسألة في هذا المقام و ان كانت خارجة عن محل البحث إلا بنوع مناسبة تقتضي الدخول في سلكه و الانتظام.

141
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

و ربما توهم وقوع الخلاف في الحكم المذكور من بعض عبارات الأصحاب مثل عبارة المحقق في كتاب الحدود من الشرائع حيث قال: «و اما التمري إذا غلى و لم يبلغ حد الإسكار ففي تحريمه تردد و الأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ الشدة المسكرة» انتهى و مثله عبارة الشهيد في الدروس حيث قال بعد الكلام في عصير الزبيب و حكمه بتحليل المعتصر منه: «و اما عصير التمر فقد أحله بعض الأصحاب ما لم يسكر، و في رواية عمار. إلخ» «1».

و أنت خبير بأن العبارة الاولى لا دلالة فيها بوجه على وجود القول بالتحريم لان التردد في الحكم لا يستلزم وجود الخلاف فيه بل قد يكون منشأه تعارض الأدلة فيه أو ضعف المستند دلالة أو سندا أو تعارض احتمالين في ذلك كما هو دأب العلماء في كثير من عبائرهم و من ثم قال الشهيد الثاني في المسالك في شرح هذه العبارة: وجه التردد في عصير التمر أو هو نفسه إذا غلى، من دعوى صدق اسم النبيذ عليه حينئذ و مشابهته لعصير العنب، و من أصالة الإباحة و منع صدق اسم النبيذ المحرم عليه حقيقة و منع مساواته لعصير العنب في الحكم لخروج ذلك بنص خاص فيبقى غيره على أصل الإباحة و هذا هو الأصح. انتهى. و يؤيد ما قلناه ايضا ما صرح به الفاضل الشيخ احمد بن فهد (قدس سره) في المهذب حيث قال: كل حكم مستفاد من لفظ عام أو مطلق أو من استصحاب يسمى بالأشبه لأن ما كان مستند الترجيح التمسك بالظاهر و الأخذ بما يطابق ظاهر المنقول يكون أشبه بأصولنا، فكل موضع يقول فيه: «الأشبه» يريد هذا المعنى، و الأصح ما لا احتمال فيه عنده، و التردد ما احتمل الأمرين، ثم قال بعد ذلك: و ربما كان النظر و التردد في المسألة من المصنف خاصة لدليل انقدح في‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة، و اللفظ هكذا:

«سألته- يعني أبا عبد الله «ع»- عن النضوح؟ قال يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يمتشطن».

و سيأتي التعرض لها ص 149.

142
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

خاطره. انتهى. و فيه- كما ترى- دلالة واضحة على ان المحقق (قدس سره) بل غيره من الفقهاء ايضا قد يقولون على الأصح أو يترددون أو يتنظرون في المسألة و ان كانت اجماعية. و أغرب من ذلك ان المحقق في كتاب المختصر في مسألة كثير السفر قال: و ضابطه ان لا يقيم في بلدة عشرة أيام و لو أقام في بلده أو غيره ذلك قصر، و قيل هذا يختص بالمكاري فيدخل الملاح و الأجير. انتهى. قال في المهذب: و لم نظفر بقائله و لعله سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف فقال «قيل». و قال في التنقيح:

لم نسمع من الشيوخ قائله و لكن قال بعض الفضلاء كأنه هو نفسه القائل. و نقل عن الشهيد (قدس سره) انه قال انه احتمال عنده. و بذلك يظهر ان العبارة المذكورة و ان توهم منها في بادئ النظر حصول الخلاف في المسألة إلا انه عند التأمل الدقيق لا ينبغي الالتفات اليه، و به يظهر ايضا ما في كلام شيخنا المشار اليه آنفا حيث قال: و ما يقال- ان النزاع انما هو في العصير الزبيبي كما يفهم من شرح الشرائع في الأطعمة و الأشربة و اما التمري فلا نزاع في إباحته و قد ادعى الإجماع عليه بعض الفضلاء- مردود بان الظاهر من كلام المحقق في الشرائع في كتاب الحدود خلافه و ان المسألة ليست اجماعية كما قد يظن، فإنه قال: و اما التمري إذا غلى و لم يبلغ الإسكار ثم ساق العبارة المتقدمة، ثم قال و دلالته على المدعى واضحة. انتهى. أقول: قد عرفت ما فيه.

و اما عبارة الدروس فغاية ما تدل عليه هو اسناد التصريح بالحلية الى بعض الأصحاب و هذا لا يستلزم ان البعض الآخر قائل بالتحريم بل الظاهر ان مراده ان بعض الأصحاب نص على الحلية و صرح بها و البعض الآخر لم يصرح بشي‌ء نفيا و لا إثباتا، و هو كذلك فان كثيرا منهم لم يتعرضوا لذكر ماء التمر المغلي بالكلية و من ذكره منهم فإنما وصفه بالحلية دون التحريم، و كيف كان فغاية ما يشعر به كلامه هنا هو التوقف في الحكم لرواية عمار المشار إليها في كلامه و سيأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى، و مما يساعد على ما ادعيناه عبارة المسالك في كتاب الأطعمة و الأشربة و هي المشار إليها في‌

143
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

كلام شيخنا المتقدم، حيث قال في الكتاب المذكور بعد البحث في عصير العنب: و الحكم مختص بعصير العنب فلا يتعدى الى غيره كعصير التمر ما لم يسكر للأصل و لا الى عصير الزبيب على الأصح. إلخ. و نحوه في الروض و شرح الرسالة، و اعتراض شيخنا المتقدم عليه بما ذكره قد عرفت بطلانه. و أياما كان فالاعتماد عندنا في الأحكام على الأدلة الواردة في المقام لا على الخلاف أو الوفاق من العلماء الاعلام:

و مما يدل على الحلية في هذه المسألة الأصل و الآيات و الاخبار كقوله سبحانه:

«. خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ «1» و قوله عز و جل: «قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً. الآية» «2» و قوله تعالى: «إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ «3» و قوله: «يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ. الآية الى وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» «4» و قوله «. لٰا تُحَرِّمُوا طَيِّبٰاتِ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكُمْ «5» و غيرها خرج ما خرج بدليل فيبقى الباقي تحت العموم،

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم «6»: «انما الحرام ما حرم الله تعالى و رسوله في كتابه».

عقيب الأمر بقراءة «قُلْ لٰا أَجِدُ. الآية»‌

و قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيحة زرارة «7» «إنما الحرام ما حرم الله في كتابه».

و قول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم «8»: «انما الحرام ما حرم الله في القرآن».

و في صحيحة محمد بن مسلم «9»: «ليس الحرام إلا ما حرم الله تعالى في كتابه» ثم قال: «اقرأ هذه الآية:

______________________________
(1) سورة البقرة. الآية 29.

(2) سورة الأنعام. الآية 146.

(3) سورة البقرة. الآية 173.

(4) سورة المائدة. الآية 4.

(5) سورة المائدة. الآية 87.

(6) المروية في الوسائل في الباب 9 من الأطعمة المحرمة.

(7) المروية في الوسائل في الباب 6 من الأطعمة المحرمة.

(8) المروية في الوسائل في الباب 4 من الأطعمة المحرمة.

(9) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأطعمة المحرمة.

144
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

قُلْ لٰا أَجِدُ. الآية».

و يدل على ذلك ما قدمناه من الاخبار في الفائدة الثانية المصرحة بأن المحرم من النبيذ هو المسكر خاصة و لا سيما رواية الوفد.

استدل شيخنا أبو الحسن المشار اليه آنفا على التحريم في العصير التمري و الزبيبي‌

بصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه».

قال و روى ايضا في الحسن عنه (عليه السلام) «2»: «اي عصير اصابته النار فهو حرام».

و كلمتا «كل واي» صريحتان في العموم فمقتضاهما تحريم الزبيبي و التمري إلا ان يثبت كون العصير حقيقة شرعية أو عرفية في عصير العنب خاصة كما ادعاه جماعة، و أنت خبير بان هذه الدعوى في حيز المنع إذ لم نظفر لها بمستند يعتمد عليه و استسلاقها في هذا المقام مجازفة محضة و عباراتهم طافحة بتسميتهما عصيرا و مع هذا الإطلاق لا يليق منهم إنكاره فيبقى عموم النص شاملا له، مع ان رواية زيد النرسي «3»- بالنون و الراء و السين المهملتين- شاهدة به و في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «4» اشعار ما به كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام و ان لم تدل عليه صريحا. انتهى كلامه.

أقول: فيه- زيادة على ما عرفت- نظر من وجوه: (الأول) ان ما ذكره من رواية ابن سنان و جعله لها روايتين و ان إحداهما صحيحة و الأخرى حسنة و ان إحداهما بلفظ «كل» و الأخرى بلفظ «اي» لا وجود له في كتب الاخبار و لا نقله ناقل من علمائنا الأبرار، و الموجود فيها رواية واحدة و هي الأولى إلا انها صحيحة في التهذيب و حسنة‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(2) سيتعرض المصنف (قدس سره) في الوجه الأول من وجوه النظر لعدم وجود رواية لابن سنان بهذا اللفظ.

(3) المروية في مستدرك الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة و ستأتي في المقام الثاني.

(4) المروية في الوسائل في الباب 8 من الأشربة المحرمة و ستأتي في المقام الثاني.

145
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

في الكافي، و اما الثانية فلم أقف عليها و لم يذكرها في الوافي الجامع لكتب الأخبار الأربعة و لا في الوسائل الجامع للكتب الأربعة و غيرها.

(الثاني)- ان ما ادعاه من العموم في العصير مردود بما أوضحناه في الفوائد المتقدمة بما لا مزيد عليه و هو ان العصير مخصوص بما يؤخذ من العنب و ان ما يؤخذ من التمر و الزبيب انما يطلق عليه النقيع و النبيذ، فهذه الأسماء قد صارت حقائق عرفية في زمانهم و عرفهم (عليهم السلام) كما أطلقوا ايضا على عصير العنب الطلاء تارة و البختج اخرى، و عاضد على ذلك كلام أهل اللغة أيضا كما سمعت من عبائرهم، و لكنه لقصور تتبعه (قدس سره) للاخبار و عدم مراجعته لكلام أهل اللغة في هذا المضمار وقع فيما وقع فيه.

بقي الكلام هنا في التعبير في هذه الصحيحة بلفظة «كل» المشعر بوجود افراد متعددة لذلك، و يمكن ان يكون الوجه في ذلك ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخرين المتأخرين من ان ذلك باعتبار كون المراد منه ما هو أعم من ان يسكر كثيره أم لا أخذ من كافر أو مسلم مستحل لما دون الثلث أم لا عارف أم لا. أقول: و يؤيده ورود الأخبار في حل المعصرات المأخوذة من أيدي هؤلاء و عدمه بالفرق في بعضها بين العارف و غيره و في بعض بين من يستحله على الثلث و غيره ممن يشربه على النصف و كذا بالنسبة إلى المسلم و غيره، و بهذا يتم معنى الكلية في الخبر المذكور و يندفع عنه النقص و القصور.

(الثالث)- انه مع العدول عن حمل العصير في الخبر على ما ذكرناه من عصير العنب فليس إلا الحمل على المعنى اللغوي الذي هو عبارة عن كل معصور، و الحمل على هذا المعنى مما لا يخفى بطلانه على محصل إذ يلزم من الحكم بصحة هذا المعنى الحكم بتحريم كل عصير إذا غلى و لا ريب انه مخالف لما علم ضرورة من مذهب الإسلام من إباحة الأشربة و مياه العقاقير و الأدوية التي تطبخ و مياه الفواكه و البقول و نحو ذلك،

146
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

و لو رجع الى تخصيصها بالنصوص فالذي صرحت به النصوص بان يتم له تخصيص هذا الخبر به انما هو السكنجبين و رب التوت و الرمان و التفاح و السفرجل و الجلاب و هو العسل المطبوخ بماء الورد حتى يتقوم، و حينئذ فما عدا هذه المعدودة الموجودة في النصوص يبقى داخلا في عموم الخبر على زعمه و لا أظنه يلتزمه و يقول به، و التخصيص بالعنبي و التمري تحكم محض مع انه ارتكاب للتخصيص البعيد الذي قد منع صحته جماعة من الأصوليين، و بالجملة فصدور هذه الكلية عنهم (عليهم السلام) مع خروج أكثر أفراد الموضوع عن الحكم بعيد جدا بل مما يكاد يقطع ببطلانه سيما مع كون الخروج بغير دليل و لا مخصص و بهذا يظهر انه لا يجوز ان تكون الكلية و العموم في الخبر المذكور باعتبار المعنى اللغوي الذي توهمه.

(الرابع)- قوله: «إلا ان يثبت كون العصير حقيقة. إلخ» فإن فيه انه قد ثبت ذلك على وجه لا يعتريه الاشكال و لا يحوم حوله الاختلال إلا لمن لم يعط التأمل حقه في هذا المجال و لم يسرح بريد النظر كما ينبغي في اخبار الآل عليهم صلوات ذي الجلال كما أوضحناه بأوضح مقال و كشفنا عنه نقاب الإجمال بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأبدال، و أيده أيضا مضي العلماء عليه سلفا و خلفا فإن أحدا منهم لم يتوهم هذا المعنى الذي تفرد به و ذهب اليه، و القائلون بتحريم العصير الزبيبي إنما استندوا إلى صحيحة علي بن جعفر الآتية مع ان صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة بمرئي منهم و منظر و هي بالاستدلال- لو كانوا يفهمون من العصير هذا المعنى الذي توهمه- أوضح و أظهر، و انما فهموا منه انه عبارة عن ماء العنب خاصة فهو إجماع أو كالإجماع منهم (رضوان الله عليهم)، و قد عرفت أيضا مساعدة كلام أهل اللغة لهم باعتبار تخصيصهم لما يتخذ من التمر و الزبيب بالنقيع أو النبيذ. و اما ما ذكره- من ان عباراتهم طافحة بتسميتهما عصيرا فلا يليق منهم إنكاره- ففيه ان عبارات أكثرهم خالية من هذا و ان ذكره بعضهم فهو على نوع من مجاز المشاكلة، و اما إنكاره فمتعلقه الحكم لا التسمية‌

147
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

و أحدهما غير الآخر، و بذلك يظهر لك ان المجازفة انما هو في البناء على هذه الأوهام من غير إعطاء التأمل حقه في المقام و الخروج عما عليه كافة العلماء الاعلام و المخالفة لنصوص أهل الذكر عليهم أفضل الصلاة و السلام.

(الخامس)- ما ذكره بقوله: «مع ان رواية زيد النرسي. إلخ» فإن فيه ان رواية زيد النرسي التي موردها مخصوص بالزبيب و سيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى ضعيفة فان زيد النرسي مجهول في الرجال و أصله المنقول منه هذا الخبر مطعون فيه كما ذكره الشيخ في الفهرست، حيث قال في الطعن على أصل زيد النرسي: انه لم يروه محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، و نقل عنه في فهرسته ايضا انه لم يروه محمد بن الحسن بن الوليد و كان يقول انه موضوع وضعه محمد بن موسى الهمداني. و قال العلامة في الخلاصة بعد نقل كلام الشيخ و ابن الغضائري في زيد الزراد و زيد النرسي: و الذي نقله الشيخ عن ابن بابويه و ابن الغضائري لا يدل على طعن في الرجلين و ان كان توقف ففي رواية الكتابين، و لما لم أجد لأصحابنا تعديلا لهما و لا طعنا فيهما توقفت عن قبول روايتهما. انتهى. و من هذا القبيل تمسكه برواية علي بن جعفر و قناعته بما فيها من قوله «اشعار ما» و العجب منه (قدس سره) في استناده الى هاتين الروايتين المتهافتتين مع ان ههنا روايات أخر مروية في الأصول المعتبرة التي عليها المدار و هي أوضح دلالة و أصرح مقالة و أصح سندا و أكثر عددا فيما ادعاه بالنسبة إلى الزبيب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في المقام الآتي، و هذا مما يدلك أوضح دلالة على صحة ما قلنا من ان كلامه (قدس سره) في هذا المضمار لم يكن ناشئا عن تحقيق و رجوع الى الأخبار و تأمل فيها بعين الفكر و الاعتبار، و كذا بالنسبة إلى العصير التمري كان ينبغي ان يستدل بموثقة عمار التي أشار إليها في الدروس و كأنه اعتمد على ما فهمه من صحيحة عبد الله بن سنان من صدق العصير على هذه الأشياء و لم يبحث عن دليل سواها، و لو انه تمسك في ماء التمر بموثقتي عمار الآتيتين و في الزبيب بالروايات التي سنتلوها عليك‌

148
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

ان شاء الله تعالى في المقام الآتي لكان أظهر في مطلوبه و مراده و ان قابله من خالفه في ذلك باعتراضه و إيراده.

هذا، و ربما استدل للقول بالتحريم في ماء التمر‌

بموثقة عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام) «1»: «انه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر».

و موثقته الأخرى عنه (عليه السلام) «2» قال:

«سألته عن النضوح؟ قال يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يمتشطن».

و هذه الرواية الثانية هي التي ذكرها في الدروس و ظاهره التوقف في الحكم من أجلها، و النضوح لغة على ما ذكره في النهاية ضرب من الطيب تفوح رائحته، و نقل الشيخ فخر الدين ابن طريح في مجمع البحرين: ان في كلام بعض الأفاضل النضوح طيب مائع ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من الماء و يشد رأسها و يصبرون أياما حتى ينش و يختمر و هو شائع بين نساء الحرمين الشريفين، و كيفية تطيب المرأة به ان تحط الأزهار بين شعر رأسها ثم ترش به الأزهار لتشتد رائحتها قال:

و في أحاديث أصحابنا أنهم نهوا نساءهم عن التطيب به بل أمر بإهراقه في البالوعة. انتهى أقول: الظاهر انه أشار بحديث الأمر بالإهراق إلى رواية‌

عيثمة «3» قال: «دخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) و عنده نساؤه قال فشم رائحة النضوح فقال ما هذا؟ قالوا نضوح يجعل فيه الضياح قال فأمر به فأهريق في البالوعة».

أقول: الضياح لغة اللبن الخاثر يجعل فيه الماء و يمزج به، و الظاهر بناء على ما ذكره هذا البعض المنقول عنه كيفية عمل النضوح المؤيد بخبر عيثمة المذكور ان امره (عليه السلام) بإهراق النضوح انما هو لكونه خمرا و انه نجس كما هو أحد القولين المعتضد بالاخبار كما تقدم تحقيقه، فيكون وضعه في الرأس موجبا لنجاسته و الصلاة في النجاسة حينئذ، و على هذا فتحمل‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 32 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 32 من الأشربة المحرمة.

149
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

رواية عمار على ان الغرض من طبخه حتى يذهب ثلثا ماء التمر انما هو لئلا يصير خمرا ببقائه مدة لان غلية الذي يصير به دبسا يذهب الأجزاء المائية التي يصير بها خمرا لو مكث مدة كذلك، لأنه إنما بصير خمرا بسبب ما فيه من تلك الأجزاء المائية فإذا ذهبت أمن من صيرورته خمرا، و يؤيد هذا قوله: «النضوح المعتق» على صيغة اسم المفعول أي الذي يراد جعله عتيقا بان يحفظ زمانا حتى يصير عتيقا، و يؤيده قوله ايضا «ثم يمتشطن» من ان الغرض منه التمشط و الوضع في الرأس، فالمراد من السؤال في الروايتين عن كيفية عمله هو التحرز عن صيرورته خمرا نجسا يمتنع الصلاة فيه إذا تمشطن به و إلا فهو ليس بمأكول و لا الغرض من السؤال عن كيفية عمله هو حل اكله حتى يكون الأمر بغلية على مثل هذه الكيفية لحل اكله، فلو فرضنا انه طبخ على النصف مثلا و تمشطن به في الحال فإنه و ان فرضنا تحريم اكله كما يدعيه الخصم إلا انه لا قائل بنجاسته إجماعا و لا دليل عليها اتفاقا، و لكن لما كان الغرض هو حفظه و تبقيته زمانا كما عرفت فلو لم يعمل بهذه الكيفية لصار خمرا نجسا فأمر (عليه السلام) بطبخه على هذه الكيفية لهذه العلة، و كيف كان فدلالة الخبرين المذكورين انما هو بطريق المفهوم و هو مع تسليمه انما يكون حجة إذا لم يظهر للتعليق فائدة سوى ذلك و إلا فلا حجة فيه، و بما شرحنا من معنى الخبرين المذكورين و هو ان الغرض ان لا يكون خمرا مسكرا تظهر فائدة التعليق المذكور فلا يكون حجة فيما يدعيه الخصم، و هذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه و لا يأتيه الباطل من خلفه و لا من بين يديه.

بقي هنا شيئان ينبغي التنبيه عليهما (الأول)- ان إطلاق الاخبار و كلام الأصحاب دال على تحريم العصير بالغليان و توقف حله على ذهاب الثلثين أعم من ان يطبخ وحده أو مع شي‌ء آخر غيره،

و قد روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال عن ابي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) «1» «ان محمد بن علي بن عيسى كتب اليه عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم و ربما يجعل فيه العصير من العنب و انما هو لحم يطبخ به و قد روي عنهم في العصير

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من الأشربة المحرمة.

150
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

انه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه و ان الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة و قد اجتنبوا أكله الى ان يستأذن مولانا في ذلك؟ فكتب لا بأس بذلك».

و هو ظاهر في ان حكم العصير مطبوخا مع غيره حكمه منفردا. و كأن السائل توهم اختصاص الحكم المذكور بالعصير منفردا و شك في جريان ذلك فيه إذا طبخ مع غيره، لان ظاهر قوله: «الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة» يعني يذهب ثلثاه كما روى فأجابه (عليه السلام) بنفي البأس مع ذهاب الثلثين إشارة الى ان هذا الحكم ثابت له مطلقا منفردا أو مع غيره.

(الثاني)- انه لو وقع في قدر ماء يغلى على النار حبة أو حبات عنب فان كان ما يخرج منها من الماء يضمحل في ماء القدر فالظاهر انه لا إشكال في الحل لعدم صدق العصير حينئذ لأن الناظر إذا رآه انما يحكم بكونه ماء مطلقا و ان أدت اليه الحلاوة مثلا. لأن الأحكام الشرعية تابعة لصدق الإطلاق و التسمية فإذا كان لا يسمى عصيرا و انما يسمى ماء فلا يلحقه حكم العصير البتة، نعم لو كان الواقع في الماء انما هو شي‌ء من العصير المحرم و هو ما بعد غليانه و قبل ذهاب ثلثيه و كان ذلك ايضا على الوجه الذي ذكرناه من القلة و الاضمحلال في جانب الماء فهل يكون الحكم فيه كما تقدم في الصورة الأولى أم لا؟ الظاهر الأول لعين ما ذكرناه و بذلك صرح المحقق المولى الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد حيث قال- بعد قول المصنف (قدس سره) في كتاب الأطعمة و الأشربة:

«ان ما مزج بشي‌ء من هذه يحرم» و تفسير العبارة المذكورة بأن تحريم ما مزج بهذه المذكورات مع نجاستها ظاهر فإن الملاقي للنجس رطبا نجس و كل نجس حرام، و احتماله ايضا انه يريد بيان حكم الممتزج على تقدير عدم النجاسة أيضا- ما حاصله: و الحكم بتحريم الممتزج حينئذ ان كان الامتزاج بحيث غلب الحرام و صار من افراده ظاهر و كذا المساوي بل ما علم انه فيه بحيث لم يضمحل بالكلية، فأما ما يضمحل فيمكن الحكم بكونه حلالا مثل قطرة عرق أو بصاق حرام في حب ماء أو قدر بل في كوز كبير للاضمحلال، و لا يبعد‌

151
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

ان يكون ذلك مدار الحكم، فان كان بحيث إذا أخذ و أكل و شرب لم يعلم بوجود الحرام فيه يكون حلالا و ان كان يعلم وجوده فيه يكون حراما. و يدل عليه ما تقدم من العمومات و الأصل و حصر المحرمات‌

و صحيحة عبد الله بن سنان «1» قال: «قال الصادق (عليه السلام) كل شي‌ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعلم انه حرام».

ثم قال:

و يحتمل التحريم خصوصا المسكر للروايات مثل‌

حسنة عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال:

«قال الصادق (عليه السلام) ما أسكر كثيره فقليله حرام».

ثم نقل رواية عمر بن حنظلة الدالة على ان ما قطرت قطرة من المسكر في حب إلا أهريق ذلك الحب «3» ثم قال فتأمل فإن المسألة مشكلة و الاجتناب أحوط. انتهى كلامه. و فيه ان ما استند اليه في احتمال التحريم من الروايتين المذكورتين لا دلالة لهما على ما ادعاه، فان مقتضى حسنة عبد الرحمن تعلق التحريم بعين القليل و متفرع على وجوده و المفروض اضمحلاله كما ذكره سابقا و حينئذ فلا يكون من محل البحث في شي‌ء، و مقتضى رواية عمر بن حنظلة ان الإراقة إنما تترتب على التنجيس و حكمه (عليه السلام) بنجاسة المسكر كما هو أشهر الروايات و أظهرها حسبما مر تحقيقه في موضعه لا على التحريم كما توهمه (قدس سره) و بالجملة فاظهرية الحلية في الصورة المذكورة مما لا ينبغي ان يعتريه الاشكال. و الله العالم.

(المقام الثاني)- في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه

، المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كونه حلالا و قيل بتحريمه كما تقدمت الإشارة إليه في كلام شيخنا الشهيد الثاني و اليه مال من قدمنا ذكره من متأخري المتأخرين و جملة من المعاصرين، و يدل على القول المشهور ما تقدم في المقام الأول من الأصل و العمومات في الآيات و الروايات المتقدمة ثمة، و استدل بعض مشايخنا المعاصرين على ذلك أيضا بانحصار النزاع بين آدم‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 64 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 18 من الأشربة المحرمة.

152
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و نوح و بين إبليس لعنه الله في العنب خاصة و ان الحرام هو عصير العنب، و الزبيب خارج عن اسم العنب فلا يحرم ماؤه كالحصرم انتهى. أقول: يمكن للخصم المناقشة في هذا الاستدلال بان ظاهر الاخبار التي أشار إليها (قدس سره) ان النزاع كان في ثمرة شجرة الكرم مطلقا و لا دلالة لها على الاختصاص بالعنب كما في موثقة زرارة الدالة على ان نوحا لما غرس الحبلة و هي شجرة العنب و قلعها إبليس لعنه الله فتنازع معه و قال له إبليس اجعل لي نصيبا فجعل له الثلث الى ان استقر الأمر على الثلثين، فإنها دالة على انه جعل له نصيبا في الشجرة يعني ما يخرج منها من الثمرة و لا اختصاص له بالعنب، و مثل ذلك أيضا موثقة سعيد بن يسار و باقي الأخبار المنقولة من العلل.

و استدل الشهيد الثاني في المسالك- بعد ان صرح بان الحكم مختص بالعنب فلا يتعدى الى غيره كعصير التمر ما لم يسكر و لا الى عصير الزبيب على الأصح لخروجه عن اسم العنب- بذهاب ثلثيه و زيادة بالشمس، و مثل ذلك في الروض و شرح الرسالة، و اعترضه في المفاتيح بان ما ذكره من ذهاب ثلثيه بالشمس انما يتم لو كان قد نش بالشمس أو غلى حتى يحرم ثم يحل بعد ذلك بذهاب الثلثين، و الغليان بالشمس غير معلوم فضلا عن النشيش و هو صوت الغليان. و اما ما جف بغير الشمس فلا غليان فيه فلا وجه لتحريمه حتى يحتاج الى التحليل بذهاب الثلثين، على ان إطلاق العصير على ما في حبات العنب كما ترى. انتهى كلامه. و هو جيد.

و اما ما أجاب به بعض مشايخنا المعاصرين- و هو الذي تقدمت الإشارة إليه في صدر المقام من ان الموضوع في الشمس لأجل ان يصير زبيبا قد يحصل فيه القلب أو النشيش اعني النقص فإذا ذهب منه الثلثان فقد حل، و ان الحكم في العنب انما تعلق بمائه و ان لم يخرج من الحب، و التعبير في الأخبار بالعصير انما هو جريا على الغالب لا تخصيصا للحكم و المراد ما من شأنه أن يؤخذ بالعصر، و من ثم لو طبخ حب العنب في ماء أو طبيخ حرم ذلك المطبوخ إجماعا. انتهى- فظني بعده لان دعوى حصول القلب‌

153
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و الغليان في ماء حب العنب إذا وقع في الشمس غير معلوم يقينا و أصالة الحل لا يخرج عنها إلا بيقين، و يلزم على ما ذكره انه لو وضع العنب في الشمس يوما أو يومين أو ثلاثة مثلا بحيث انه لم يبلغ الى حد الزبيب فإنه يحرم لحصول الغليان و لم يذهب ثلثاه بعد و لا أظنه يلتزمه فإن أصالة الحلية لا يخرج عنها بمجرد ذلك. و اما دعواه ان الحكم في العنب انما تعلق بمائه و ان لم يخرج من الحب فإنه خروج عن ظواهر الأخبار و بناء على مجرد الاعتبار. و اما قوله: «و من ثم لو طبخ حب العنب. إلخ» ففيه ان ارتكاب المجاز في إطلاق العصير على ما يخرج بالطبخ لا يستلزم انسحابه الى ما في العنب قبل ان يخرج بالكلية، فإن أراد ثبوت التحريم لحب العنب و ان لم يخرج ماؤه بالطبخ منعنا هذه الدعوى. و بالجملة فإن بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الاعتبارات التخمينية لا يخلو من مجازفة.

و بمثل ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني صرح الشهيد في الدروس فقال و لا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش فيحل طبخ الزبيب على الأصح لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا و خروجه عن مسمى العنب. و حرمه بعض مشايخنا المعاصرين و هو مذهب بعض فضلائنا المتقدمين لمفهوم رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) ثم ساق متن الرواية كما سيأتي. و أنت خبير بان ما ذكراه (قدس سرهما) من تعليل حلية ماء الزبيب بذهاب ثلثيه بالشمس لا يوافق القائلين بالحلية و لا القائلين بالحرمة، فإن من قال بحل ماء الزبيب بعد الغلي و قبل ذهاب ثلثيه كما هو المشهور قال به مطلقا سواء ذهب ثلثاه بالشمس أم لم يذهب لأنه انما يتمسك بأصالة الحلية و يدعى ان ما ورد من التحريم بمجرد الغليان و الحل بذهاب الثلثين مخصوص بالعنب و الزبيب لا يصدق عليه العنب، و من قال بالتحريم انما استند الى مفهوم رواية علي بن جعفر الآتية و هي التي ذكرها في الدروس فهو قائل ايضا بتحريمه مطلقا سواء علم ذهاب ثلثيه في حبه بالشمس أم لا. فكلامهما (قدس سرهما) لا يوافق شيئا من المذهبين في البين.

154
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و استدل أيضا في المسالك على الحلية‌

بصحيحة أبي بصير «1» قال: «كان أبو عبد الله (عليه السلام) تعجبه الزبيبة».

قال: و هذا ظاهر في الحل لان طعام الزبيبة لا يذهب فيه ثلثا ماء الزبيب كما لا يخفى انتهى. و اقتفاه في هذه المقالة المولى الأردبيلي في شرح الإرشاد فقال بعد نقل الرواية المذكورة مثل ما ذكره هنا. و قال بعض مشايخنا المعاصرين بعد الاستدلال بهذه الرواية أيضا: لأن الظاهر ان المراد الطعام الذي يطبخ معه الزبيب أو يطبخ معه ماء الزبيب و هو لا يستلزم ذهاب ثلثي ماء الزبيب غالبا كما هو واضح.

أقول: و الاستدلال بهذه الرواية لا يخلو عندي من اشكال لعدم العلم بكيفية ذلك الطعام، و من المحتمل قريبا الحمل على الأشربة الزبيبية التي يأتي ذكرها في الاخبار، و لكن استدلال شيخنا الشهيد الثاني بالخبر المذكور و قوله بعده ما ذكر و كذا المولى الأردبيلي ربما يؤذن بكونهما عالمين بكيفية ذلك على الوجه الذي ذكراه و لعله وصل إليهم و لم يصبل إلينا.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استدل على القول بالتحريم كما عرفت‌

برواية علي ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الزبيب هل يصلح ان يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث ثم يرفع و يشرب منه السنة؟ قال لا بأس به».

و طعن في هذه الرواية جملة من المتأخرين و متأخريهم بضعف السند (أولا) لاشتماله على سهل بن زياد. و (ثانيا) ان دلالتها بالمفهوم في كلام السائل و هو ضعيف، و مع تسليم صحته فدلالة المفهوم انما تكون حجة ما لم يظهر للتعليق فائدة أخرى و من الجائز بل الظاهر ان هذا العمل المخصوص انما هو لمن أراد بقاءه عنده ليشرب منه فتكون فائدة التقييد بذهاب الثلثين ليذهب مائيته فيصلح للمكث و البقاء‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 26 من الأطعمة المباحة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من الأشربة المحرمة.

155
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و لا يصير مسكرا، و يدل عليه قوله في عجز الرواية: «و يشرب منه السنة».

هذا، و قد روى ثقة الإسلام في الكافي روايات ربما تدل بظاهرها على التحريم:

و منها-

موثقة عمار الساباطي «1» قال: «وصف لي أبو عبد الله (عليه السلام) المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا؟ فقال تأخذ ربعا من زبيب و تنقيه ثم تصب عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان أيام الصيف و خشيت ان ينش جعلته في تنور مسجور قليلا حتى لا ينش ثم تنزع الماء منه كله حتى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره، الى ان قال ثم تغليه بالنار و لا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث. الحديث».

و منها-

موثقته الأخرى عنه (عليه السلام) «2» قال: «سئل عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا؟ فقال تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان من الغد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء قدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع ماءه فتصبه على الماء الأول ثم تطرحه في إناء واحد جميعا ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث و تحته النار ثم تأخذ رطلا من عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم تضربه حتى يختلط به و اطرح فيه ان شئت زعفرانا. الحديث».

و منها-

رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي «3» قال: «شكوت الى ابي عبد الله (عليه السلام) قراقر تصيبني في معدتي و قلة استمرائي الطعام، فقال لي لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن و هو يمرئ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن؟ قال فقلت له صفه لي جعلت فداك فقال تأخذ صاعا من زبيب، الى ان قال ثم تطبخه طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، الى ان قال في آخر الخبر: و هو شراب لا يتغير إذا بقي ان شاء الله تعالى».

أقول: يمكن الجواب عن هذه الروايات بأنه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأشربة المحرمة.

156
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

ان يكون ذلك لأجل حليته بعد ان حرم بالغليان بل يجوز ان يكون لئلا يصير مسكرا بمكثه كما يدل عليه قوله (عليه السلام) في آخر رواية إسماعيل بن الفضل:

«و هو شراب لا يتغير إذا بقي ان شاء الله تعالى»

و يجوز ان يكون الخاصية و النفع المترتب عليه لا يحصل إلا بطبخه على الوجه المذكور كما ورد مثله‌

في رواية خليلان بن هشام «1» قال «كتبت الى ابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك عندنا شراب يسمى الميبة نعمد الى السفرجل فنقشره و نلقيه في الماء ثم نعمد الى العصير فنطبخه على الثلث ثم ندق ذلك السفرجل و نأخذ ماءه ثم نعمد الى ماء هذا الثلث و هذا السفرجل فنلقي عليه المسك و الأفاوي و الزعفران و العسل فنطبخه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه أ يحل شربه؟ فكتب لا بأس به ما لم يتغير».

فان الطبخ على الثلث هنا انما هو لما قلناه من حصول الخاصية و توقف النفع على ذلك لا للتحليل، فإنه ليس هنا شي‌ء قد حرم بمجرد الغليان حتى يحتاج في حليته الى ذهاب الثلثين، و لعله لهذا الوجه اعرض متأخر و أصحابنا عن هذه الأخبار و لم يلتفتوا إليها و ان كانت موهمة للتحريم في بادئ النظر كما أشار إليه الفاضل الخراساني في الذخيرة، حيث قال: و اعلم ان في الكافي في باب صفة الشراب الحلال بعض الأخبار الموهمة للتحريم لكن لا دلالة لها عليه عند التأمل الصحيح فارجع و تدبر. انتهى. لكن ربما يلوح التحريم من بعض ألفاظ هذه الأخبار مثل قوله:

«كيف يطبخ حتى يصير حلالا»

و قوله (عليه السلام) أيضا:

«فإذا كان أيام الصيف و خشيت ان ينش جعلته في تنور مسجور حتى لا ينش»

فان النشيش هو صوت الغليان و الظاهر من المحافظة عليه بان لا ينش ليس إلا لخوف تحريمه بالغليان، و قوله في موثقته الثانية «حتى يشرب حلالا» إلا انه يمكن ان يقال ان قوله: «كيف يطبخ حتى يصير حلالا» انما هو من كلام الراوي في سؤاله فلا حجة فيه، و ما ذكر من الاستناد الى قوله «حتى لا ينش» فان فيه انه بعد ذلك أمر بغليانه حتى يذهب ثلثاه فهو و ان حرم‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 29 من الأشربة المحرمة.

157
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

بالنشيش فلا مانع منه لتعقبه بالغليان الموجب للتحليل بعد ذلك. و حينئذ فلعل المحافظة عليه من النشيش انما هو لغرض آخر لا لأنه يحرم بعد ذلك، فإنه و ان حرم لا منافاة فيه لانه لم يجوز استعماله و شربه بعد ذلك و انما أمره بعد ذلك بغلي ذلك الماء الموجب لحرمته الى ان يذهب ثلثاه الموجب لحله، و حينئذ فلا فرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش و لا في وقت الغليان أخيرا، مع انه يمكن الطعن في هذين الخبرين ايضا من حيث الراوي و هو عمار لتفرده بروايات الغرائب و نقل الأحكام المخالفة لأصول الشريعة كما طعن عليه في الوافي في مواضع عديدة، و كيف كان فالخروج بمثل هاتين الروايتين- على ما عرفت فيهما من المخالفة عن حكم الأصل و عموم الآيات و الروايات الواردة بتفسيرها كما عرفت- مشكل.

و مما استند اليه شيخنا أبو الحسن فيما قدمناه من كلامه‌

حديث الزيدين زيد النرسي و زيد الزراد عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الزبيب يدق و يلقى في القدر و يصب عليه الماء؟ قال حرام حتى يذهب ثلثاه. قلت الزبيب كما هو يلقى في القدر؟ قال هو كذلك سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد كلما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم إلا ان يذهب ثلثاه».

و قد تقدم ما في هذه الرواية من الطعن في الراوي و الأصل المروي منه هذا الخبر.

و كيف كان فالحكم في ماء الزبيب عندي لا يخلو من توقف و الاحتياط في تجنبه مما لا ينبغي تركه و لا سيما ان ظاهر الكليني (قدس سره) ربما أشعر بالميل الى العمل بظاهر هذه الأخبار حيث انه عنون الباب بباب صفة الشراب الحلال و ذكر الأخبار المذكورة، و ظاهر المفاتيح الميل الى التحريم هنا حيث قال على اثر الكلام الذي قدمنا نقله عنه ما هذا لفظه: «نعم ان صب على الزبيب الماء و طبخ بحيث أدت الحلاوة إلى الماء فيمكن الحاقه بالعصير في التحريم بالغليان كما في الخبر» انتهى. و الله العالم‌

______________________________
(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

158
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في ماء الحصرم ؛ ج 5، ص : 159

(المقام الثالث)- في ماء الحصرم

، لا ريب في ان مقتضى الأصل و العمومات من الآيات و الروايات المتقدمة هو حل ماء الحصرم و ان طبخ و لم يذهب ثلثاه، و روايات العصير قد عرفت في الفائدة الأولى اختصاصها بماء العنب خاصة و الحصرم ليس بعنب اتفاقا و الأحكام الشرعية تابعة للتسمية العرفية، و أنت إذا أمعنت النظر في روايات العصير المطبوخ- و التعبير عنه في الأخبار تارة بالعصير مطلقا الذي قد عرفت انه محمول على عصير العنب و تارة بعصير العنب و تارة بالطلاء الذي قد عرفت آنفا انه ما طبخ من عصير العنب و تارة بالبختج و هو العصير المطبوخ كما عرفت ايضا و تارة أتى بشراب يزعم انه على الثلث و تارة إذا كان يخضب الإناء فاشربه المكنى به عن كونه دبسا و أمثال ذلك- وجدت ان الحصرم لا يدخل في شي‌ء من ذلك فان الحصرم لا يعمل كذلك و المتعارف طبخه قديما و حديثا انما هو عصير العنب لما فيه من الحلاوة التي يصير بها ذا قوام و غلظ و يشرب و تترتب عليه المنافع المطلوبة منه، و ماء الحصرم لا يطبخ على حدة و انما يطبخ في اللحم أحيانا كما يدل عليه بعض الاخبار، و بالجملة فالأمر في ذلك أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان بعد شهادة عدول الوجدان في جميع الأزمان، و مع فرض ان ماء الحصرم ربما يطبخ على حدة فإطلاق الاخبار لا يشمله فإن الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتعارفة الجارية بين الناس دون الفروض النادرة كما يحمل أحدنا كلام من يخاطبه على ما هو المتعارف الجاري في العادة، و لو تكلف حمله على غير المتعارف المعتاد لعنف بين العباد، و كذا الخطاب الوارد عنهم (عليهم السلام) يجب حمله على ما هو المتعارف المتكرر المشهور.

و قد وقفت في هذا المقام على كلام لشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني (قدس سره) لا يخلو من نظر و اشكال، حيث قال في جواب سائل يسأله: ما القول في خل العنب إذا طبخ أو لم يطبخ و في ماء الحصرم إذا على و في الزبيب إذا طبخ مع الطعام؟ فكتب ما هذه صورته: أقول في هذه المسألة ثلاث مسائل، اما‌

159
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في ماء الحصرم ؛ ج 5، ص : 159

خل العنب فلا بأس به إذا لم يطبخ كالحصرم و الزبيب اما مع الطبخ ففيها عندي قلقلة و اني احتاط في الفتوى و العمل، فالاحتياط في اجتناب ذلك للخبر الصحيح «اي عصير مسته النار فهو حرام ما لم يذهب ثلثاه» و العصير و ان كان المشهور إطلاقه على عصير العنب فقط إلا ان إطلاقه في الاخبار على ما ذكرناه محتمل لورود تفسير العصير في الأخبار بأنه من الكرم و الكرم يطلق على العنب و على شجرة، فإن كان انما يطلق على الأول فلا كلام و ان كان يطلق على الثاني فهذا منه، فيكون الدليل متشابها فتشمل الشبهة كل ما اتخذ من الكرم من حصرم و زبيب و نحوهما مع الغليان، و ان كان ظاهر الأصل الإباحة و عدم التحريم إلا ان في هذا الأصل كلاما و الاحتياط أولى، الى ان قال: و بالجملة فالدليل على التحريم غير قاطع و كذا التحليل فالاجتناب اولى. انتهى كلامه أقول: لا يخفى عليك ما فيه من الإجمال بل الاختلال الناشئ من الاستعجال و عدم إعطاء التأمل حقه في هذا المجال (أما أولا) فلأن الخبر الصحيح الذي استند اليه تبعا لشيخه الشيخ ابي الحسن المتقدم ذكره قد عرفت ما فيه.

(و اما ثانيا)- فلان قوله-: «و ان كان المشهور إطلاقه على عصير العنب فقط» مما يؤذن بكون مستند هذا الإطلاق انما هو مجرد الشهرة- مردود بما عرفت في الفائدة الاولى من دلالة الأخبار و كلام أهل اللغة على اختصاص العصير بماء العنب (و اما ثالثا)- فان ما ادعاه- بعد اعترافه بورود الأخبار بتفسير العصير بأنه من الكرم من ان الكرم يطلق على العنب و على شجره- مردود بأنه قد نص أهل اللغة على ان الكرم هو العنب، قال في القاموس: و الكرم العنب. و قال الفيومي في المصباح المنير: و الكرم و زان فلس: العنب. و مثله في مجمع البحرين، و في النهاية الأثيرية قال:

و فيه لا تسموا على العنب الكرم فإنما الكرم الرجل المسلم، قيل سمى الكرم كرما لان الخمر المتخذة منه تحث السخاء و الكرم فاشتقوا له منه اسما فكره ان تسمى باسم مأخوذ من الكرم و جعل المؤمن أولى به، يقال رجل كرم اي كريم و صف بالمصدر كرجل عدل‌

160
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في ماء الحصرم ؛ ج 5، ص : 159

و ضيف، و قال الزمخشري أراد ان يقرر و يسدد ما في قوله عز و جل: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ» «1» بطريقة أنيقة و مسلك لطيف و ليس الغرض حقيقة النهي عن تسمية العنب كرما. إلخ و مثله في كتاب الغريبين للهروي و في كتاب شمس العلوم: الكرم العنب. فهذه كلمات جملة من أساطين أهل اللغة متفقة في اختصاص إطلاقه بالعنب، و حينئذ فلو سلم إطلاقه في بعض المواضع على الشجر تجوزا فإنه لا يصح ان يترتب عليه حكم شرعي، و يزيده بيانا‌

موثقة عمار المروية في الكافي و التهذيب عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ قال إذا عقد و صار عقودا».

و العقود اسم الحصرم بالنبطية، و حيث قد ثبت اختصاص الكرم بالعنب خاصة في المقام ارتفع الاشتراط في قوله: «فان كان انما يطلق على الأول فلا كلام» و ثبت الحكم و هو الحلية في هذه الأشياء و ان طبخت كما لا يخفى على ذوي الأفهام و زالت الشبهة و بطل قوله: «و ان كان يطلق على الثاني» و آل الى الانعدام، و بالجملة فروايات العصير لما كانت مختصة بالعنب و هذه خارجة عنه لان الحصرم كما عرفت غير العنب و الخل المتخذ من العنب قد خرج عنه إلى حقيقة أخرى كما في الخمر الذي يصير خلا و العصير الذي يصير خمرا و نحوهما فلا يلحقهما حينئذ حكم العصير من التحريم بالغليان حتى يحتاج في حليته الى ذهاب ثلثيه.

(و لو قيل): ان روايات نزاع إبليس لعنه الله لآدم و نوح (عليهما السلام) في شجر الكرم و اعطائهما له الثلثين منه يعني مما يخرج من هذا الشجر مما يدل على عموم ذلك للعنب و الزبيب و الحصرم و خل العنب (قلنا): ان الحكم و ان أجمل في تلك الاخبار كما ذكرت إلا ان الأخبار المستفيضة الواردة في عصير العنب كما عرفت يحكم بها على ذلك المجمل، و يؤيده ما في بعض تلك الأخبار و هو‌

موثقة زرارة «3» من قوله بعد

______________________________
(1) سورة الحجرات. الآية 13.

(2) المروية في الوسائل في الباب 1 من بيع الثمار.

(3) ص 128.

161
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل السابع) - في الكافر ؛ ج 5، ص : 162

نقل القصة في النزاع بين نوح و إبليس: «فقال أبو جعفر (عليه السلام) إذا أخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهب الثلثان و كل و اشرب حينئذ فذاك نصيب الشيطان».

و قوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم المنقولة من العلل «1» «فمن هنا طاب الطلاء على الثلث».

و الطلاء- كما عرفت- هو المطبوخ من عصير العنب،

و قوله (عليه السلام) في رواية و هب بن منبه «2»: «ان لك فيها شريكا في عصيرها».

و لان هذا الفرد هو الذي يتعارف طبخه و يستعمل دائما في الأزمنة السابقة و اللاحقة فهو الذي يتبادر إليه الإطلاق. و الله العالم.

و قد أطلنا البحث في هذا المقام و أحطنا بأطراف الكلام لما عرفت من ان المسألة من أهم المهام سيما بعد وقوع الخلاف فيها في هذه الأيام و دخول الشبهة فيها على جملة من الاعلام، و الله الهادي لمن يشاء‌

، فلنرجع الى ما نحن فيه:

(الفصل السابع)- في الكافر

، قالوا: و ضابطه من خرج من الإسلام و بائنة أو انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة. و الأول شامل للكافر كفرا أصليا أو ارتداديا كتابيا أو غير كتابي، و الثاني كالغلاة و الخوارج و النواصب.

و قد حكي عن جماعة دعوى الإجماع على نجاسة الكافر بجميع أنواعه المذكورة كالمرتضى و الشيخ و ابن زهرة و العلامة في جملة من كتبه، إلا ان المفهوم من كلام المحقق في المعتبر الإشارة إلى الخلاف في بعض هذه المواضع، حيث قال: الكفار قسمان يهود و نصارى و من عداهما، اما القسم الثاني فالأصحاب متفقون على نجاستهم، و اما الأول فالشيخ في كتبه قطع بنجاستهم و كذا علم الهدى و الاتباع و ابنا بابويه، و للمفيد قولان، أحدهما النجاسة ذكره في أكثر كتبه، و الأخر الكراهة ذكره في الرسالة الغرية.

قال في المعالم: و عزى غير المحقق الى الشيخ في النهاية و ابن الجنيد الخلاف في هذا المقام ايضا، اما الشيخ فلانه قال في النهاية: يكره ان يدعو الإنسان أحدا من الكفار الى طعامه فيأكل معه فان دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه ان شاء. و اما ابن الجنيد‌

______________________________
(1) ص 129.

(2) ص 129.

162
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل السابع) - في الكافر ؛ ج 5، ص : 162

فإنه قال في مختصره: و لو تجنب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم و في آنيتهم و كل ما صنع في أواني مستحلي الميتة و مؤاكلتهم ما لم يتيقن طهارة أوانيهم و أيديهم كان أحوط. ثم قال: و عندي في نسبة الخلاف الى الشيخ باعتبار عبارته المحكية نظر، قال لانه قال قبلها بأسطر: و لا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم و لا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها بالماء، ثم قال و كل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله لأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه. و هذا الكلام صريح في الحكم بنجاستهم فلا بد من حمل الكلام الآخر على خلاف ظاهره، إذ من المستبعد جدا الرجوع عن الحكم في هذه المسافة القصيرة و إبقاؤه مثبتا في الكتاب، و لعل مراده المؤاكلة التي لا تتعدى معها النجاسة كأن يكون الطعام جامدا أو في أواني متعددة و يكون وجه الأمر بغسل يديه ارادة تنظيفهما من آثار القذارات التي لا ينفك عنها الكافر في الغالب فمواكلته على هذه الحالة بدون غسل يديه مظنة حصول النفرة.

و قد تعرض المحقق في نكت النهاية للكلام على هذه العبارة فذكر على جهة السؤال: انه ما الفائدة في الغسل و اليد لا تطهر به؟ و أجاب بأن الكفار لا يتورعون عن كثير من النجاسات فإذا غسل يده فقد زالت تلك النجاسة، ثم قال و يحمل هذا على حال الضرورة أو على مؤاكلة اليابس و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسات العينية و ان لم يفد طهارة اليد، ثم قال‌

و روى العيص بن القاسم «1» قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مؤاكلة اليهودي و النصراني؟ فقال لا بأس إذا كان من طعامك. و سألته عن مؤاكلة المجوسي؟ فقال إذا توضأ فلا بأس».

قال المحقق:

و المعنى بتوضئه هنا غسل اليد. انتهى كلامه. و هو- كما ترى- صريح في ان كلام الشيخ محمول على خلاف ظاهره و انه ليس بمخالف لما حكم به أولا، و ان الحامل له على ذكر هذه المسألة ورود مضمونها في الرواية، و حينئذ فلا ينبغي ان يذكر الشيخ في عداد‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.

163
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

من عدل عن المشهور هنا. و اما عبارة ابن الجنيد فظاهرها القول بطهارة أهل الكتاب و له في بحث الأسآر عبارة أخرى تقرب من هذه حكيناها هناك. و قد تحرر من هذا ان نجاسة من عدا أهل الكتاب ليست موضع خلاف بين الأصحاب معروف بل كلام المحقق يصرح بالوفاق كما رأيت، و اما أهل الكتاب فابن الجنيد يرى طهارتهم على كراهية و المفيد في أحد قوليه يوافقه على ذلك في اليهود و النصارى منهم على ما حكاه عنه المحقق، و الباقون ممن وصل إلينا كلامه على نجاستهم. انتهى ما ذكره في المعالم في المقام و هو جيد، و انما أطلنا بنقله بطوله لعظم نفعه و جودة محصوله.

أقول: الظاهر ان من ادعى الإجماع من أصحابنا في هذه المسألة على النجاسة بنى على رجوع المفيد باعتبار تصريحه فيما عدا الرسالة المذكورة من كتبه بالنجاسة و عدم الاعتداد بخلاف ابن الجنيد لما شنعوا عليه به من عمله بالقياس إلا انه نقل القول بذلك في باب الأسآر عن ابن ابي عقيل (قدس سره) ثم العجب ان الشيخ (قدس سره) في التهذيب نقل إجماع المسلمين على نجاسة الكفار مطلقا مع مخالفة الجمهور في ذلك «1» حتى ان المرتضى (رضي الله عنه) جعل القول بالنجاسة من متفردات الإمامية.

و كيف كان فالواجب الرجوع الى الأدلة في المسألة و بيان ما هو الظاهر منها فنقول‌

[أدلة القائلون بنجاسته]

احتج القائلون بالنجاسة بالآية و الروايات، اما الآية فهي قوله عز و جل: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا» «2» و أورد عليه (أولا)- ان‌

______________________________
(1) في المغني ج 1 ص 49 «الآدمي طاهر و سؤره طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند عامة أهل العلم» و في عمدة القارئ للعيني الحنفي ج 2 ص 60 «الآدمي الحي ليس بنجس العين و لا فرق بين الرجال و النساء» و في المحلى لابن حزم ج 1 ص 183 «الصوف و الوبر و القرن و السن من المؤمن طاهر و من الكافر نجس» و نسب الشوكانى في نيل الأوطار نجاسة الكافر الى مالك، و أغرب القرطبي في نسبة نجاسة الكافر إلى الشافعي.

(2) سورة التوبة، الآية 28.

164
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

النجس مصدر فلا يصح وصف الجثة به إلا مع تقدير كلمة «ذو» و لا دلالة في الآية معه، لجواز ان يكون الوجه في نسبتهم الى النجس عدم انفكاكهم عن النجاسات العرضية لأنهم لا يتطهرون و لا يغتسلون، و المدعى نجاسة ذواتهم. و (ثانيا)- عدم افادة كلام أهل اللغة كون معنى النجس لغة هو المعهود شرعا و انما ذكر بعضهم انه المستقذر و قال بعضهم هو ضد الطاهر، و من المعلوم ان المراد بالطهارة في إطلاقهم معناها اللغوي، فعلى هذين التفسيرين لا دلالة لها على المعنى المعهود في الشرع فتتوقف إرادته على ثبوت الحقيقة الشرعية أو العرفية المعلوم وجودها في وقت الخطاب، و في الثبوت نظر.

و (ثالثا)- انه على تقدير التسليم فالآية مختصة بمن صدق عليه عنوان الشرك و المدعى أعم منه.

أقول: و الجواب عن الأول انه لا ريب في صحة الوصف بالمصدر إلا انه مبني على التأويل، فمنهم من يقدر كلمة «ذو» و يجعل الوصف بها مضافا الى المصدر فحذف المضاف و أقيم المضاف اليه مقامه و على هذا بني الإيراد المذكور، و منهم من جعله واردا على جهة المبالغة باعتبار تكثر الفعل من الموصوف حتى كأنه تجسم منه. و هذا هو الأرجح عند المحققين من حيث كونه أبلغ، و عليه حمل قول الخنساء «فإنما هي إقبال و ادبار» كما ذكره محققوا علماء المعاني و البيان، و عليه بنى الاستدلال بالآية المذكورة.

و عن الثاني بأن النجس في اللغة و ان كان كما ذكره إلا انه في عرفهم (عليهم السلام) كما لا يخفى على من تتبع الأخبار و جاس خلال تلك الديار انما يستعمل في المعنى الشرعي، و الحمل على العرف الخاص مقدم على اللغة بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية، و تنظر المورد في ثبوت الحقيقة العرفية في زمن الخطاب- بمعنى ان عرفهم (عليهم السلام) متأخر عن زمان نزول الآية عليه (صلى الله عليه و آله) فلا يمكن حمل الآية عليه- مردود بان عرفهم (عليهم السلام) في الأحكام الشرعية و فتاويهم و أمرهم و نهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه (صلى الله عليه و آله) فإنهم نقلة عنه و حفظة‌

165
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

لشرعه و تراجمة لوحيه كما استفاضت به اخبارهم.

و عن الثالث بصدق عنوان الشرك على أهل الكتاب بقوله سبحانه: «وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْ