×
☰ فهرست و مشخصات
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تتمة كتاب الطهارة ؛ ج 5، ص : 1

الجزء الخامس

[تتمة كتاب الطهارة]

1
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الباب الخامس في الطهارة من النجاسات و ما يتبعها ؛ ج 5، ص : 2

 

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الباب الخامس في الطهارة من النجاسات و ما يتبعها

من ذكر النجاسات و أحكامها و أحكام الأواني و الجلود، فالبحث في هذا الباب يقع في مقاصد ثلاثة:

المقصد الأول في النجاسات

و تحقيق الكلام فيها في فصول عشرة:

(الأول و الثاني)- البول و الغائط

، المشهور- بل ادعى عليه في المعتبر و المنتهى إجماع العلماء كافة عدا شذوذ من العامة- هو نجاسة البول و الغائط مما لا يؤكل لحمه إذا كان ذا نفس سائلة، و المراد بالنفس السائلة الدم الذي يجتمع في العروق و يخرج بقوة و دفع إذا قطع شي‌ء منها، و هو أحد معاني النفس كما ذكره أهل اللغة، و مقابله ما لا نفس له و هو الذي يخرج لا كذلك بل رشحا كدم السمك.

[نجاستهما من الإنسان]

أقول: اما ما يدل على نجاسة البول و العذرة من الإنسان فأخبار مستفيضة:

منها-

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال: «سألته عن البول يصيب الثوب؟ فقال اغسله مرتين».

و صحيحة ابن ابي يعفور «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الثوب؟ فقال اغسله مرتين».

و حسنة الحسين

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

 

2
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

نجاستهما من الإنسان ؛ ج 5، ص : 2

ابن ابي العلاء «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد؟

قال صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء. قال و سألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال اغسله مرتين. الحديث».

و حسنة الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الصبي؟ قال تصب عليه الماء و ان كان قد أكل فاغسله غسلا. الحديث».

و حسنة أبي إسحاق النحوي عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال صب عليه الماء مرتين».

و رواية الحسن بن زياد «4» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يبول فيصيب بعض فخذه نكتة من بوله فيصلي ثم يذكر بعد انه لم يغسله؟ قال يغسله و يعيد صلاته».

و صحيحة محمد بن مسلم «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول؟ قال اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة».

و أكثر هذه الأخبار و ان كان مطلقا إلا ان المتبادر منه انما هو بول الإنسان و اما الغائط فيدل على نجاسته اخبار الاستنجاء و قد تقدمت في بابه «6»

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله «7» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟

قال ان كان لم يعلم فلا يعيد».

و مفهومه وجوب الإعادة مع العلم و هو دليل النجاسة، و هذا المفهوم حجة عند المحققين و قد مر ما يدل عليه من الأخبار في مقدمات الكتاب «8»

و في الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي بن محمد «9» قال: «سألته عن الفأرة و الدجاجة و الحمام و أشباهها تطأ العذرة ثم تطأ الثوب أ يغسل؟ قال ان كان استبان من أثره شي‌ء

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 19 و 42 من أبواب النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب النجاسات.

(6) ج 2 ص 26.

(7) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب النجاسات.

(8) ج 1 ص 58.

(9) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

3
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

نجاستهما من الإنسان ؛ ج 5، ص : 2

فاغسله و إلا فلا بأس».

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال:

«سألته عن الدجاجة و الحمامة و أشباههما تطأ العذرة ثم تدخل في الماء يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا إلا ان يكون الماء كثيرا قدر كر من ماء.

الحديث» و في باب البئر‌

في رواية ابن مسكان عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن العذرة تقع في البئر؟ فقال ينزح منها عشرة دلاء».

و في رواية علي بن أبي حمزة عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«سألته عن العذرة تقع في البئر؟ قال ينزح منها عشرة دلاء فان ذابت فأربعون أو خمسون».

و في صحيح زرارة «4» قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه و هل يجب عليه غسلها؟ قال لا يغسلها إلا ان يقذرها و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي».

و رواية حفص بن ابي عيسى عن الصادق (عليه السلام) «5» «في من وطأ عذرة بخفه فمسحه حتى لم ير فيه شيئا؟ فقال: لا بأس».

و رواية موسى بن أكيل عن بعض أصحابه عن الباقر (عليه السلام) «6» «في شاة شربت بولا ثم ذبحت؟ قال يغسل ما في جوفها ثم لا بأس به و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة ما لم تكن جلالة. الحديث».

و حسنة محمد بن مسلم «7» قال: «كنت مع ابي جعفر (عليه السلام) إذ مر على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك قد وطأت على عذرة فأصابت ثوبك؟ قال أ ليس هي يابسة؟ فقلت بلى. فقال لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا».

و رواية الحلبي في الكافي عن الصادق (عليه السلام) «8» «في الرجل يطأ في العذرة أو البول أ يعيد الوضوء؟ قال لا و لكن يغسل ما أصابه».

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب الماء المطلق.

(2) المروية في الوسائل في الباب 20 من الماء المطلق. و هما متفقان في المتن.

(3) المروية في الوسائل في الباب 20 من الماء المطلق. و هما متفقان في المتن.

(4) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء.

(5) المروية في الوسائل في الباب 32 من أبواب النجاسات.

(6) المروية في الوسائل في الباب 24 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(7) المروية في الوسائل في الباب 32 من أبواب النجاسات.

(8) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب نواقض الوضوء.

4
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

نجاستهما مما لا يؤكل لحمه ؛ ج 5، ص : 5

[نجاستهما مما لا يؤكل لحمه]

و اما ما يدل على بول غيره و غائطه مما لا يؤكل لحمه- زيادة على الإجماع المتقدم و عموم جملة من الأخبار المتقدمة-

ما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن سنان «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه».

و صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله المتقدمة،

و رواية أبي يزيد القسمي عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «2» «انه سأله عن جلود الدارش التي يتخذ منها الحفاف؟ فقال لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب».

و ما رواه سماعة عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «ان أصاب الثوب شي‌ء من بول السنور فلا تصلح الصلاة فيه حتى تغسله».

و يؤيد ذلك‌

ما رواه زرارة في الحسن «4» «انهما قالا لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه».

و ما رواه في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «5» «ان النبي (صلى الله عليه و آله) قال لا بأس ببول ما أكل لحمه».

و في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «6» قال: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و ما رواه علي بن جعفر في المسائل عن أخيه (عليه السلام) «7» قال: «سألته عن الدقيق يقع فيه خرء الفأر هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق؟ قال إذا لم تعرفه فلا بأس و ان عرفته فاطرحه».

أقول: قوله (عليه السلام) «إذا لم تعرفه» اي لم تعلم دخوله في الدقيق و انما تظن ظنا فلا ب. س و ان علمته وجب عليك طرحه و إخراجه، و يوضح ما ذكرناه‌

ما رواه في دعائم الإسلام «8» قال: «سئل الصادق (عليه السلام) عن خرء الفأر يكون في الدقيق؟ قال ان علم به اخرج منه و ان لم يعلم به فلا بأس».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 71 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(7) البحار ج 4 ص 155.

(8) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 4 من أبواب النجاسات.

5
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

مواضع الخلاف ؛ ج 5، ص : 6

 

و روى العلامة في المختلف نقلا من كتاب عمار بن موسى الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «خرء الخطاف لا بأس به هو مما يؤكل لحمه و لكن كره أكله لأنه استجار بك و أوى إلى منزلك و كل طير يستجير بك فاجره».

قال في المدارك بعد الاستدلال بحسنة عبد الله بن سنان المذكورة على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه: «وجه الدلالة ان الأمر حقيقة في الوجوب و اضافة الجمع تفيد العموم، و متى ثبت وجوب الغسل في الثوب وجب في غيره إذ لا قائل بالفصل، و لا معنى للنجس شرعا إلا ما وجب غسل الملاقي له بل سائر الأعيان النجسة انما استفيد نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب أو البدن من ملاقاتها مضافا الى الإجماع المنقول في أكثر الموارد كما ستقف عليه في تضاعيف هذه المباحث» انتهى و هو جيد. و اما قوله في الذخيرة بعد نقل هذا الكلام «و فيه تأمل» فالظاهر انه بناء على ما تكرر في كلامه من عدم دلالة الأمر في الاخبار على الوجوب و قد أوضحنا ضعفه في غير مقام. ثم قال في المدارك: «أما الأرواث فلم أقف فيها على نص يقتضي نجاستها من غير المأكول على وجه العموم و لعل الإجماع في موضع لم يتحقق فيه المخالف كاف في ذلك» انتهى.

و هو جيد. و العجب ان المحقق في المعتبر بعد ان ادعى الإجماع المشار اليه آنفا نقل خلاف الشيخ في المبسوط في رجيع الطير كما سيأتي.

[مواضع الخلاف]

و بالجملة فالمفهوم من كلام الأكثر البناء على قاعدتين كليتين: الاولى- ان كل ما يؤكل لحمه فبوله و روثه طاهر، و الثانية- ان كل ما لا يؤكل لحمه فبوله و روثه نجس، و الخلاف قد وقع في الكليتين، و ها انا اذكر مواضع الخلاف فأقول:

[الموضع] (الأول)- رجيع الطير

و هذا من الكلية الثانية، فذهب الصدوق الى طهارته مطلقا حيث قال في الفقيه: «و لا بأس بخرء ما طار و بوله» و هو ظاهر في إطلاق القول بالطهارة، و نقله الأصحاب أيضا عن ابن ابي عقيل و الجعفي، و هو قول الشيخ في‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

 

6
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

المبسوط إلا انه استثنى منه الخشاف قال: بول الطيور و ذرقها كله طاهر إلا الخشاف.

و قال في الخلاف: ما أكل فذرقه طاهر و ما لم يؤكل فذرقه نجس. و به قال جمهور الأصحاب.

و يدل على القول بالطهارة‌

موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) «1» قال:

«كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله».

و نقل شيخنا المجلسي في البحار قال: وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا من جامع البزنطي عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «خرء كل شي‌ء يطير و بوله لا بأس به».

و لم أقف على خبر يدل على المشهور من التفصيل في الطير بين المأكول و غير المأكول إلا ان المحقق في المعتبر استدل على ذلك بما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه و أضاف الى ذلك دعوى ترادف الخرء و العذرة، قال بعد الإشارة إلى قول الشيخ في المبسوط: و لعل الشيخ استند إلى رواية أبي بصير، ثم ساقها ثم احتج لما ذهب اليه من مساواة الطير لغيره في التفصيل المذكور بان ما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل يتناول موضع النزاع لان الخرء و العذرة مترادفان، ثم أجاب عن رواية أبي بصير بأنها و ان كانت حسنة لكن العامل بها من الأصحاب قليل.

و اعترضه في هذا المقام المحققان السيد في المدارك و الشيخ حسن في المعالم، قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: «و هو غير جيد لما بينا من انتفاء ما يدل على العموم، و لأن العذرة ليست مرادفة للخرء بل الظاهر اختصاصها بفضلة الإنسان كما دل عليه العرف و نص عليه أهل اللغة، قال الهروي العذرة أصلها فناء الدار و سميت عذرة الإنسان بها لأنها كانت تلقى في الأفنية فكني عنها باسم الفناء» انتهى.

أقول: فيه (أولا)- انه يمكن ان يكون صاحب المعتبر أشار بما دل على نجاسة العذرة مما لا يؤكل لحمه الى ما ورد عنهم (عليهم السلام) من النهي عن الوضوء و الشرب‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

(2) ج 18 ص 26.

7
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

من الماء الذي دخلته الحمامة و الدجاجة و في رجلها العذرة، و أمرهم (عليهم السلام) بغسل الثوب الذي وطأته الدجاجة و في رجلها العذرة، و الأمر بغسل الرجل التي وطئت بها العذرة، و قد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك و أمثال ذلك مما دل على نجاسة العذرة بقول مطلق فإنه بإطلاقه شامل لعذرة الإنسان و غيره.

و (ثانيا)- انه قد ورد في الروايات إطلاق العذرة على فضلة غير الإنسان صريحا كما تقدم في رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله،

و روى الشيخ بسنده الى محمد بن مضارب عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «لا بأس ببيع العذرة».

و عن سماعة بن مهران في الموثق «2» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر فقال أني رجل أبيع العذرة فما تقول؟ قال حرام بيعها و ثمنها، و قال لا بأس ببيع العذرة».

و لا ريب ان المراد بالعذرة في الحديث الأول و آخر الثاني منهما انما هو عذرة غير الإنسان لتحريم بيع عذرة الإنسان اتفاقا.

و (ثالثا)- ان صاحب القاموس و الصحاح فسرا الخرء بالعذرة و هو يؤذن بالمرادفة، و يؤيده أيضا ما صرحوا به من تفسير الخرء بالغائط الذي هو في ظاهر كلامهم مخصوص بفضلة الإنسان، قال في المجمع: الخرء الغائط. و مثله في المصباح المنير قال:

خرئ بالهمزة يخرأ من باب تعب إذا تغوط. مع انهم قالوا في الغائط انه مخصوص بفضلة الإنسان لما ذكروه في سبب التسمية من ان أصل الغائط المكان المنخفض من الأرض و كانوا إذا أرادوا قضاء الحاجة أتوا في تلك الأمكنة فكني بها عن الحدث.

و بذلك يظهر ان كلام المعتبر لا يخلو من قوة و ان ما أورده عليه غير وارد.

إلا انه يمكن ان يقال ان لفظ العذرة و ان كان عاما بحسب اللغة و العرف الشرعي لكن لا يبعد ادعاء انه في الروايات حال الإطلاق و عدم القرينة مخصوص بعذرة الإنسان أو انه يعمها و غيرها لكن لا على وجه يشمل خرء الطير، لما أشرنا إليه في غير موضع‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 69 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 69 من أبواب ما يكتسب به.

8
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

و صرح به جملة من المحققين من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد المتكثرة المتعارفة و بما ذكرنا ايضا يسقط كلام صاحب المعالم و اعتراضه كلام المحقق حيث انه حذا حذو صاحب المدارك في الإيراد عليه و أغرب في كلامه بما اسداه اليه، قال (قدس سره) بعد نقل كلام المعتبر: «و لي في كلامه ههنا تأمل لأن الإجماع الذي ادعاه على نجاسة البول و الغائط من مطلق الحيوان غير المأكول ان كان على عمومه فهو الحجة في عدم التفرقة بين الطير و غيره. و ان كان مخصوصا بما عدا الطير فأين الأدلة العامة على نجاسة العذرة مما لا يؤكل؟ و الحال انا لم نقف في هذا الباب إلا على حسنة عبد الله بن سنان و لا ذكر أحد من الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم في احتجاجهم لهذا الحكم سواها، و هي- كما ترى- واردة في البول و لم يذكرها هو في بحثه للمسألة بل اقتصر على نقل الإجماع كما حكيناه عنه فلا ندري لفظ العذرة أين وقع معلقا عليه الحكم ليضطر الى بيان مرادفة الخرء له و يجعلها دليلا على التسوية التي صار إليها؟ ما هذا إلا عجيب من مثل المحقق» انتهى.

و فيه ما عرفت من الأخبار التي قدمناها دالة على نجاسة العذرة الشاملة بإطلاقها لعذرة الإنسان و غيره مع ان صريح صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله إطلاق العذرة على فضلة غير الإنسان، و مما يدل ايضا على إطلاق العذرة على فضلة غير الإنسان رواية محمد بن مضارب المتقدمة، فإنكاره وجود العذرة في الأخبار معلقا عليها الحكم لا وجه له بعد ما عرفت. و احتمال حمل كلامه على منع العموم في تلك الاخبار مع بعده عن سياق كلامه مدفوع بما صرح به هو و غيره من ان ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يدل على عموم المقال، مع ان المحقق ذهب الى ان المفرد المحلى باللام في المقامات الخطابية حيث لا عهد يكون للعموم و يقوم مقام الألفاظ العامة. و هو في المعالم قد ساعد على ذلك و قال به و تبعه فيه، و الحال ان ما نحن فيه كذلك حيث لا عهد فيكون للعموم، و حينئذ فلا عجب من المحقق فيما نسبه اليه انما العجب منه (قدس سره) في تشنيعه عليه. نعم يمكن‌

9
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

تطرق المناقشة من الوجه الذي أشرنا إليه من حيث بعد شمول هذا العموم لخرء الطير.

و استدل في المختلف للقول المشهور‌

بحسنة عبد الله بن سنان المتقدمة و قوله (عليه السلام) فيها: «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه».

و هي- كما ترى- انما تضمنت حكم البول مع ان البول من الطير غير معلوم. و ما ذكره بعضهم في تقريب الاستدلال بها- من انها لما تضمنت حكم البول و دلت على نجاسته وجب القول بذلك في الخرء لعدم القائل بالفرق- فهو و ان اشتهر مثله في كلامهم من الضعف عندي بمكان لا يحتاج الى بيان كما ستعرفه ان شاء الله تعالى في مسألة أبوال الدواب الثلاث.

ثم ان القائلين بالقول المشهور اختلفوا في الجواب عن رواية أبي بصير التي أسلفنا ذكر دلالتها على خلاف القول المشهور، فأجاب عنها في المختلف بأنها مخصوصة بالخشاف إجماعا فتختص بما شاركه في العلة و هو عدم كونه مأكولا.

و اعترضه في المدارك بان فساده واضح (أما أولا) فلمنع الإجماع على تخصيص الخشاف فإنه (قدس سره) قد حكى في صدر المسألة عن ابن بابويه و ابن ابي عقيل القول بالطهارة مطلقا و نقل استثناء الخشاف عن الشيخ (قدس سره) في المبسوط خاصة.

و (اما ثانيا)- فلخروج الخشاف من هذا العموم بدليل لا يقتضي كون العلة فيه انه غير مأكول اللحم بل هذه هي العلة المستنبطة التي قد علم من مذهب الإمامية إنكار العمل بها و التشنيع على من اعتبرها. انتهى. و هو جيد.

و أجيب أيضا عن الرواية المذكورة بالحمل على المأكول خاصة جمعا بينها و بين حسنة عبد الله بن سنان المذكورة من حيث دلالتها على نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه من الطير و غيره.

و فيه (أولا) ان الحسنة المذكورة كما عرفت انما تضمنت حكم البول خاصة و المدعى أعم من ذلك، و نجاسة البول لا تستلزم نجاسة الذرق بوجه كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في مسألة أبوال الدواب الثلاث.

10
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

و (ثانيا) انه لو فرض تضمنها لحكم الذرق لأمكن الجمع بحمل الحسنة المذكورة على غير الطير و إبقاء عموم «كل شي‌ء يطير» على حاله، و ترجيح أحد الجمعين على الآخر يحتاج الى دليل، بل الأظهر هو جعل التأويل في جانب الحسنة المذكورة لو فرض دلالتها و إبقاء عموم تلك الكلية على حاله من حيث ترجيحه بمطابقة الأصل و التأييد بالعمومات الدالة على الطهارة مثل‌

قولهم (عليهم السلام) «1»: «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

و من جهة أظهرية‌

«كل شي‌ء يطير».

في العموم للطير الغير المأكول اللحم من قوله:

«ما لا يؤكل لحمه».

و ذلك مناط التخصيص.

و (ثالثا) تأيد رواية أبي بصير بالرواية التي نقلناها من جامع البزنطي بنقل شيخنا المشار اليه فترجح بذلك على ما عارضها و يصير التأويل في الجانب المرجوح.

و بذلك يظهر لك قوة القول بالطهارة في ذرق الطير مطلقا إلا انه يبقى التردد في بوله ان فرض له بول، و الأظهر أيضا ترجيح الطهارة لما ذكرناه في الجمع بين روايتي أبي بصير و البزنطي و بين حسنة ابن سنان من جعل التأويل في جانب الحسنة المذكورة بالحمل على غير الطير للوجوه التي ذكرناها. و بالقول بالطهارة هنا صرح في المدارك و اختاره في المعالم إلا انه قيده بشرط ان لا يكون الإجماع المدعى مأخوذا على جهة العموم و إلا كان هو الحجة و المخرج عن الأصل. و فيه نظر إذ لم يقم على حجية مثل هذه الإجماعات- سيما في مقابلة الروايات و ظهور الخلاف في المسألة من جملة من أجلاء الأصحاب- دليل يعتد به.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان السيد في المدارك استدل للقول بالطهارة هنا‌

بما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «2» «انه سأله

______________________________
(1) قد تقدم في ج 1 ص 42 التعليقة رقم (1) و ص 149 التعليقة رقم (4) ما يرجع الى المقام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من قواطع الصلاة.

11
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) - رجيع الطير ؛ ج 5، ص : 6

عن الرجل يرى في ثوبه خرء الطير أو غيره هل يحكه و هو في صلاته؟ قال لا بأس».

قال: و ترك الاستفصال في مقام الاحتمال يفيد العموم.

أقول: فيه (أولا)- ان هذه الرواية ليست من روايات الشيخ كما يدل عليه كلامه لعدم وجودها في كتابيه و انما هي من روايات الصدوق في الفقيه رواها عن علي ابن جعفر (رضي الله عنه) و طريقه إليه في المشيخة صحيح.

و (ثانيا)- ان ما ذكره من تقريب الاستدلال بها- من ان ترك الاستفصال مع قيام الاحتمال يفيد العموم- ليس على وجهه هنا إذ ذاك انما يتم بالنسبة إلى الغرض المقصود من سياق الكلام، و ما ذكره يتم لو كان الغرض من سوق الكلام بيان حكم الطير و خرئه و انه يجب الاجتناب عنه أم لا و قيل في الجواب عن ذلك «لا بأس» من دون تفصيل فان الظاهر حينئذ هو العموم لما قرروه، و اما إذا لم يكن الغرض متعلقا بذلك كما فيما نحن فيه فلا إذ الظاهر ان الغرض من السؤال انما هو عن حك شي‌ء من الثوب و انه هل ينافي الصلاة أم لا؟ و ذكر خرء الطير انما وقع من قبيل التمثيل في الجملة فإذا أجيب حينئذ بأنه لا بأس به و لم يفصل في الطير بأنه مما يؤكل لحمه أم لا لا يدل على العموم أصلا، و ما قلناه ظاهر لمن تأمل و تدبر في أساليب الكلام، و يؤيده انه قال في الرواية المذكورة بعد ذلك: «و قال لا بأس ان يرفع الرجل طرفه الى السماء و هو يصلي» و يؤكد ذلك إيراد الأصحاب الرواية المذكورة في مسألة ما يجوز للمصلي فعله في الصلاة و ما لا يجوز حيث دلت على انه يجوز للمصلي أن يحك خرء الطير من ثوبه و هو في الصلاة.

و (ثالثا)- ان لفظ «غيره» في كلام السائل سواء جعل عطفا على الطير أو الخرء عام مع ان الامام (عليه السلام) لم يفصل فيه فلو كان العموم على ما ذكره ملحوظا لجرى في لفظ الغير و لزم من ترك الاستفصال فيه جواز الصلاة في النجاسة عمدا بالتقريب الذي ذكره في خرء الطير، فلو أجيب بأنه لعل الإجمال هنا انما كان من حيث معلومية‌

12
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع: ؛ ج 5، ص : 13

 

الحكم فلم يفصل، قلنا ذلك في خرء الطير ايضا من غير تفاوت.

و يعضد ما ذكرناه ما صرح به شيخنا البهائي في الحبل المتين حيث قال: «و قد احتج بعض الأصحاب بالحديث السابع على طهارة خرء مطلق الطير، و ظني انه لا ينهض دليلا على ذلك فان نفي البأس فيه لا يتعين ان يكون عن الخرء لاحتمال ان يكون عن حكه في الصلاة عن الثوب و يكون سؤال علي بن جعفر انما هو عن ان حكه في أثناء الصلاة هل هو فعل كثير لا يجوز في الصلاة أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بنفي البأس عنه فيها، و لفظة «غير» يجوز قراءتها بالنصب و الجر و على التقديرين ففيها تأييد تام لهذا الاحتمال إذ لو لم يحمل عليه لم يصح إطلاقه (عليه السلام) نفي البأس عما يراه المصلي في ثوبه من خرء الطير و غيره، و ايضا فاللام في الطير لا يتعين كونها للجنس لجواز كونها للعهد و المراد المأكول اللحم و مع قيام الاحتمال يسقط الاستدلال» انتهى. و الظاهر ان مراده ببعض الأصحاب (رضوان الله عليهم) انما هو السيد المذكور فإنه لم يتعرض غيره لذكر هذه الرواية في المقام. و بالجملة فالاستدلال بهذه الرواية بعيد من مثله (قدس سره) و المتناقل في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) انما هو الاستدلال برواية أبي بصير خاصة.

فروع:

(الأول) [رجيع ما لا نفس له]

الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في طهارة رجيع ما لا نفس له كالذباب و نحوه، و في التذكرة انما نسب الخلاف إلى الشافعي و ابي حنيفة و ابي يوسف «1» و لم ينسبه الى أحد من علمائنا و هو مؤذن بعدم الخلاف فيه عندنا و استدل عليه في المنتهى بأصل الطهارة، و بان التحرز عنه متعذر و فيه حرج فيكون منفيا‌

______________________________
(1) لم نجد المسألة فيما وقفنا عليه من المصادر بهذا العنوان نعم في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 62 تعليل نجاسة الأرواث كلها بان معنى النجاسة موجود فيها و هو الاستقذار في الطبائع السليمة لاستحالتها الى نتن و خبث رائحة مع إمكان التحرز عنه. و في المحلى لابن حزم ج 1 ص 191 تعليل وجوب غسل خرء الذباب و البراغيث و النحل و بول الخفاش فيما إذا لم يكن حرج في ذلك بأنه بول و رجيع.

 

13
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) بول الخفاش ؛ ج 5، ص : 14

و احتج في التذكرة بأن دم ما لا نفس له و ميتته طاهر فرجيعه ايضا كذلك.

أقول: اما الاستدلال بأصالة الطهارة فجيد، و اما تعذر التحرز عنه فكذلك فيما لا يمكن التحرز عنه، و اما ما ذكره في التذكرة فهو قياس محض لا يجري في مذهبنا و قال المحقق في المعتبر: «و اما رجيع ما لا نفس له كالذباب و الخنافس ففيه تردد أشبهه انه طاهر لان ميتته و دمه و لعابه طاهر فصارت فضلاته كعصارة النبات» و ظاهر كلامه يؤذن باحتمال تناول الأدلة على نجاسة فضلة الحيوان غير المأكول له، و لهذا قال في المدارك بعد ذكر عبارة الشرائع المشتملة على التردد ايضا: «ربما كان منشأ التردد في البول عموم الأمر بغسله من غير المأكول و ان ما لا نفس له طاهر الميتة و الدم فصارت فضلاته كعصارة النبات».

أقول: و الظاهر عندي ضعف هذا التردد فان المتبادر من مأكول اللحم و غير مأكول اللحم في اخبار المسألة بل مطلقا انما هو ذو النفس السائلة فلا يدخل مثل الذباب و الخنافس و النمل و نحوها. و اما تعليله الطهارة بما ذكره ففيه ما عرفت مما أوردناه على كلام التذكرة. و العجب من جمود صاحب المدارك عليه و تعليله الطهارة بذلك. و بالجملة فأصالة الطهارة أقوى متمسك في المقام حتى يقوم ما يوجب الخروج عنها، و الاستناد الى عموم الأمر بغسله من غير المأكول مدفوع بما عرفت.

(الثاني) [بول الخفاش]

- قد عرفت ان المشهور في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو نجاسة رجيع الطير الغير المأكول اللحم و منه الخشاف، و الشيخ مع قوله بطهارة رجيع الطير مطلقا في المبسوط استثنى الخشاف من ذلك، و يأتي على قول من ذهب الى الطهارة مطلقا طهارته. و الذي يدل على المشهور‌

رواية داود الرقي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فاطلبه فلا أجده؟ قال اغسل ثوبك».

و هذه الرواية هي مستند الشيخ في استثناء الخشاف في المبسوط.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

14
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) بول الخفاش ؛ ج 5، ص : 14

قال في المدارك بعد نقله عن الشيخ انه احتج بهذه الرواية: «و الجواب انها مع ضعف سندها معارضة‌

بما رواه غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» قال:

«لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف».

و هذه الرواية أوضح سندا و أظهر دلالة من الرواية السابقة، و أجاب عنها في التهذيب بالشذوذ و الحمل على التقية، و هو مشكل» انتهى.

أقول: أنت خبير بما فيه فاني لا اعرف لهذه الأوضحية سندا و لا الأظهرية دلالة وجها بل الروايتان متساويتان سندا و متنا كما لا يخفى، و يمكن ترجيح الرواية الثانية‌

بما رواه شيخنا المجلسي في البحار «2» عن الراوندي في كتاب النوادر انه روى بسنده فيه عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: «سئل علي بن ابي طالب (عليه السلام) عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفافيش و دماء البراغيث فقال لا بأس».

و حينئذ فيمكن القول بالطهارة للروايتين المذكورتين، و يؤيدهما عموم موثقة أبي بصير مع رواية البزنطي المتقدمتين لدلالتهما على ان كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه و بوله، و قد عرفت طريق الجمع بينهما و بين حسنة ابن سنان بحملها على غير الطير.

بقي الكلام فيما تحمل عليه رواية داود المذكورة، و جمع من الأصحاب حملوها على الاستحباب، و لا يحضرني الآن مذهب العامة «3» إلا ان الشيخ- كما عرفت- حمل رواية غياث على التقية فإن ثبت كونهم كلا أو بعضا أكثريا على ذلك وجب طرح هاتين‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

(2) ج 18 ص 26.

(3) في بدائع الصنائع للكاشاني الحنفي ج 1 ص 62 «بول الخشاف و خرؤه ليس بنجس» و في الفروع لابن مفلح الحنبلي «لا يعفى عن يسير بول الخفاش» و في المحلى لابن حزم ج 1 ص 191 فصل في خرء الذباب و البراغيث و النحل و بول الخفاش بين ما إذا كان في التحفظ منه و في غسله حرج فلم يوجب غسله و ما إذا لم يكن فيه حرج فأوجبه لانه بول و رجيع.

15
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) بول الخفاش ؛ ج 5، ص : 14

الروايتين للتقية و تخصيص موثقة أبي بصير مع الرواية الثانية برواية داود فيستثنى الخشاف من عموم الطير كما ذهب اليه الشيخ. إلا ان ما ذكره من الحمل على التقية غير معلوم عندي و به يظهر ان الأظهر هو الطهارة، و الاحتياط بالعمل بالمشهور مما لا ينبغي إهماله. و مورد الأخبار المذكورة و ان كان هو البول مع عدم معلوميته يقينا من الخشاف و لا غيره من الطيور إلا ان الذرق يكون حكمه أيضا كذلك بل هو اولى بالقول بالطهارة لدخوله تحت عموم موثقة أبي بصير مع الرواية الأخرى و عدم المعارض سوى الإجماع المدعى في المسألة.

و بذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المعالم حيث قال- بعد ذكر رواية داود و رميها بالضعف ثم رواية غياث وردها بذلك- ما صورته: «فان تحقق للخشاف بول و عملنا بالحديث الحسن تعين اطراح هذه لدلالة حسنة عبد الله بن سنان على نجاسة البول من كل حيوان غير مأكول اللحم فتتناول بعمومها الخشاف و تقصر هذه عن تخصيصها و كذا ان ثبت عموم محل الإجماع، و إلا فالأصل يساعد على العمل بهذه و ان ضعفت و يكون ذكر البول فيها محمولا على التجوز» انتهى.

أقول: الإشارة بهذه في كلامه راجع الى رواية غياث و هي الأخيرة من الروايتين و فيه انه على تقدير ثبوت البول للخشاف فان المنافاة لا تختص برواية غياث حتى انها تقصر عن تخصيص الحسنة المذكورة بل موثقة أبي بصير المذكورة في كلامه سابقا و هو ان عمل بالحسنة فالموثقة ايضا مثلها في قوة العمل، و بالجملة فإنه لا بد له من الجمع بين الحسنة المذكورة و الموثقة المشار إليها لتصادمهما في البول، و وجه الجمع هو ما قدمناه من حمل الحسنة المذكورة على غير الطيور و إبقاء الموثقة على عمومها، و حينئذ فيبقى التعارض بين رواية غياث و رواية داود مع تأيد رواية غياث بعموم موثقة أبي بصير و الرواية التي معها و خصوص رواية الراوندي فيترجح العمل بها، و اما على تقدير عدم ثبوت البول و الحمل على الرجيع تجوزا فالأمر كما ذكره لما عرفت آنفا.

16
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) في غير المأكول لعارض ؛ ج 5، ص : 17

 

(الثالث) [في غير المأكول لعارض]

- لا فرق في غير المأكول الذي تقدم الكلام في خرئه و بوله بين ان يكون تحريمه أصالة كالسباع و الإنسان و نحوهما و بين ان يكون لعارض كالجلال ما لم يستبرأ و موطوء الإنسان و شارب لبن الخنزير حتى يشتد عليه لحمه و عظمه، و يظهر من العلامة في التذكرة انه إجماعي، قال فيها: رجيع الجلال من كل الحيوان و موطوء الإنسان نجس لأنه حينئذ غير مأكول اللحم و لا خلاف فيه. و في المختلف ادعى الإجماع على نجاسة ذرق الدجاج الجلال، و الأصل في ذلك إطلاق الأخبار المتقدمة.

(الموضع الثاني)- بول الرضيع

و هذا من الكلية الثانية أيضا، و المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في نجاسة بول الإنسان بين الصغير منه و الكبير و عن المرتضى دعوى الإجماع عليه، و في المختلف عن ابن الجنيد انه قال: بول البالغ و غير البالغ من الناس نجس إلا ان يكون غير البالغ صبيا ذكرا فان بوله و لبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس.

و يدل على القول المشهور مضافا الى عموم الروايات المتقدمة في صدر الباب خصوص‌

صحيحة الحلبي أو حسنته «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الصبي؟

قال تصب عليه الماء فان كان قد أكل فاغسله غسلا.».

و احتج في المختلف لابن الجنيد‌

بما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «2» انه قال لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين».

و قد أجيب عن الرواية المذكورة (أولا) بالطعن في السند. و (ثانيا) بالقول بموجبها فان انتفاء الغسل لا ينافي الحكم بالصب و نحن انما نقول بالثاني لا الأول. و فيه نظر سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

أقول: و هذه الرواية‌

قد نقلها مولانا الرضا (عليه السلام) في الفقه الرضوي

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب النجاسات.

 

17
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - بول الرضيع ؛ ج 5، ص : 17

بعد ان افتى فيه بمضمون صحيحة الحلبي حيث قال (عليه السلام) «1»: «و ان أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين ثم أعصره، و ان كان بول الغلام الرضيع فصب عليه الماء صبا و ان كان قد أكل الطعام فاغسله، و الغلام و الجارية سواء، و قد روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) انه قال لبن الجارية يغسل منه الثوب قبل ان تطعم و بولها لان لبن الجارية يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من المنكبين و العضدين».

انتهى. و بهذه العبارة من أولها إلى آخرها عبر الصدوق في الفقيه بتغيير ما. و أنت خبير بان كلامه في الكتاب المذكور و فتواه بما ذكره أولا ظاهر في خلاف الرواية المذكورة و لم يتعرض (عليه السلام) لبيان الوجه فيها، و لعل الوجه فيه هو كون هذه الرواية من مرويات العامة عنه (عليه السلام) فاقتصر على نقلها و عدم ردها تقية و إيهاما لجواز القول بها فإنه (عليه السلام) كثيرا ما يروى في هذا الكتاب أمثال ذلك كما نبه عليه ايضا شيخنا المولى محمد تقي المجلسي، و قد تقدم ذكر ذلك في الكتاب، و الظاهر من الرواية المذكورة هو طهارة البول مثل اللبن لان ظاهر الجمع بينهما في عدم الغسل ذلك، إذ الحكم بعدم الغسل انما تعلق أولا باللبن الذي لا خلاف في طهارته عندهم ثم عطف البول عليه فهو يقتضي كونه كذلك، و تأويلهم الرواية بأن انتفاء الغسل لا يستلزم نفي الصب انما يتم لو لم يذكر في هذه العبارة سوى البول و نفي الغسل انما وقع في الرواية عن اللبن و البول انما عطف عليه بعد ذلك، و القول بالتأويل المذكور لا يصح إلا بإدخال اللبن في هذا الحكم و هم لا يقولون به، و بالجملة فإن التأويل المذكور لا يقبله سياق الخبر.

ثم انه مما يدل بظاهره على ما دل عليه الخبر المشار اليه‌

ما رواه شيخنا المجلسي في البحار «2» عن كتاب النوادر للقطب الراوندي بإسناده فيه عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال: «قال علي (عليه السلام) بال الحسن و الحسين على ثوب

______________________________
(1) ص 6.

(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 2 من أبواب النجاسات.

18
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) - خرء الدجاج غير الجلال ؛ ج 5، ص : 19

رسول الله (صلى الله عليه و آله) قبل ان يطعما فلم يغسل بولهما من ثوبه».

و التأويل بكونه لم يغسله و ان صب عليه الماء و ان احتمل لكن الظاهر بعده عن السياق، و لو كان كذلك لكان الظاهر ان يقول (عليه السلام) «بل صب عليه الماء» أو نحو ذلك، إلا انه‌

قد روى في البحار ايضا «1» عن كتاب الملهوف على قتلي الطفوف للسيد رضي الدين بن طاوس بسنده عن أم الفضل زوجة العباس «انها جاءت بالحسين (عليه السلام) الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فبال على ثوبه فقرضته فبكى فقال مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل و قد أوجعت ابني».

و الظاهر ان المراد بالغسل الصب.

و كيف كان فالعمل على أدلة القول المشهور لارجحيتها بوضوح الصحة فيها و الظهور مع اعتضادها بعمل الطائفة قديما و حديثا و إرجاع ما عارضها الى قائله حسبما ورد به الأمر عنهم (عليهم السلام).

(الموضع الثالث)- خرء الدجاج غير الجلال

و هذا من الكلية الأولى، فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) طهارته و عن الشيخين القول بنجاسته و ظاهر الشيخ في التهذيب و الاستبصار الموافقة على الطهارة فينحصر الخلاف في الشيخ المفيد و المعتمد القول بالطهارة للأصل‌

و قوله (عليه السلام) في موثقة عمار المتقدمة في صدر الباب «2» «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و قول الصادق (عليه السلام) في موثقة زرارة الواردة في الصلاة في الجلود و الأوبار «3» «ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي‌ء منه جائزة. الحديث».

و خصوص‌

رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «4» «انه قال لا بأس بخرء الدجاج و الحمام يصيب الثوب».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(2) ص 5.

(3) المروي في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

19
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

و يدل على قول الشيخين‌

ما رواه الشيخ في التهذيب عن فارس «1» قال:

«كتب اليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج تجوز الصلاة فيه؟ فكتب لا».

و ردها الأصحاب بالطعن في الراوي فإنه مذموم جدا فان فارسا المذكور هو ابن حاتم القزويني كما يظهر من كتب الرجال، قال الشيخ فيه انه غال ملعون، و قال العلامة في الخلاصة أنه فسد مذهبه و قتله بعض أصحاب أبي محمد العسكري (عليه السلام) و له كتب كلها تخليط و نقل عن الفضل بن شاذان انه ذكر ان من الكذابين المشهورين الفاجر فارس بن حاتم القزويني. و حينئذ فيجب إسقاط روايته، و من العجب هنا ان العلامة في المختلف عد روايته في الحسن و الحال فيه ما عرفت، هذا مع ان المكاتب فيها ايضا غير معلوم.

و أصحابنا (رضوان الله عليهم) لم يوردوا دليلا للقول المشهور سوى رواية وهب بن وهب و ردوها بضعف السند ايضا مع ان الموثقتين المذكورتين ظاهرتا الدلالة و ان كان بطريق العموم على المدعى، قال المحقق في المعتبر بعد الطعن في الروايتين المذكورتين: «و بتقدير سقوط الروايتين يكون المرجع الى الأصل و هو الطهارة ما لم يكن جلالا، و لو قيل الدجاج لا يتوقى النجاسة فرجيعه مستحيل عنها فيكون نجسا، قلنا: بتقدير ان يكون ذلك محضا يكون التنجيس ثابتا اما إذا كان يمزج علفه فإنه يستحيل اما عنهما أو عن أحدهما فلا تتحقق الاستحالة عن النجاسة إذ لو حكم بغلبة النجاسة لسرى التحريم الى لحمها، و لما حصل الإجماع على حلها مع الإرسال بطل الحكم بغلبة النجاسة على رجيعها» انتهى. أقول: ما ذكره هنا- من انه متى كان رجيعه مستحيلا عن عين النجاسة فإنه نجس- أحد القولين في المسألة و هو مذهبه في كتاب الأطعمة من الشرائع على تردد فيه، مع انه قد صرح هنا في نجاسة الدم بان الدم يطهر باستحالته قيحا و لبنا و لحما، و المشهور هو الطهارة كما سيأتي تحقيقه في الباب ان شاء الله تعالى.

(الموضع الرابع)- في أبوال الدواب الثلاث

الخيل و البغال و الحمير و أرواثها‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 10 من أبواب النجاسات.

20
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

فالمشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) القول بالطهارة على كراهية، و نقل عن ابن الجنيد و الشيخ في النهاية القول بالنجاسة فيهما، قال الشيخ في المبسوط: ما يكره لحمه يكره بوله و روثه مثل البغال و الحمير و الدواب و ان كان بعضه أشد كراهة من بعض، و في أصحابنا من قال بول البغال و الحمير و الدواب و أرواثها نجس يجب إزالة قليله و كثيره.

و المستفاد من الأخبار الصحيحة الصريحة- كما ستمر بك ان شاء الله تعالى- هو القول الثاني لكن بالنسبة إلى الأبوال دون الأرواث. و لا يخفى على من راجع كتب الأصحاب كالمعتبر و المنتهى و نحوهما من الكتب المبسوطة في الاستدلال ما وقع لهم في هذه المسألة من المجازفة و عدم إعطاء المسألة حقها من التحقيق كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى، و ظاهر صاحب المدارك هنا التوقف مع اعترافه بصحة الروايات الدالة على النجاسة و صراحتها و عدم صلاحية المعارض للمعارضة رعاية لشهرة القول بالطهارة بين الأصحاب مع انه في شرحه في غير موضع انما يدور مدار الروايات الصحيحة و ان استلزم مخالفة الأصحاب كما لا يخفى على من له انس بطريقته في ذلك الكتاب. هذا و ممن اختار ما اخترناه المحقق الأردبيلي كما ذكره في المدارك و كنى عنه بشيخنا المعاصر و به صرح ايضا الفاضل المحقق الشيخ جواد الكاظمي في شرحه على الدروس و شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني.

و ها انا اذكر أدلة القول المختار عندي ثم أعطف الكلام على نقل أدلة القول المشهور و أبين ما فيها من الوهن و القصور فأقول و بالله سبحانه الاستعانة لبلوغ المأمول:

من الأخبار الدالة على النجاسة‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يمسه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال يغسل بول الحمار و الفرس و البغل فأما الشاة و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

و في الصحيح عن الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الخيل و البغال؟ قال اغسل ما أصابك منه».

و في الحسن عن محمد بن مسلم

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

21
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن أبوال الدواب و البغال و الحمير؟

فقال اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله فان شككت فانضحه».

و في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «لا بأس بروث الحمير و اغسل أبوالها».

و رواية عبد الأعلى بن أعين «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أبوال الحمير و البغال؟ قال اغسل ثوبك. قال قلت فأرواثها؟ قال هو أكبر من ذلك».

و رواية أبي مريم «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في أبوال الدواب و أرواثها؟ قال اما أبوالها فاغسل ما أصابك و اما أرواثها فهي أكثر من ذلك».

و موثقة سماعة «5» قال: «سألته عن بول السنور و الكلب و الحمار و الفرس. قال كأبوال الإنسان».

و رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري «6» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيبه بعض أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟ قال: يغسل بول الفرس و البغل و الحمار و ينضح بول البعير و الشاة، و كل شي‌ء يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

و صحيحة علي بن جعفر المروية في قرب الاسناد عن أخيه موسى (عليه السلام) «7» قال: «سألته عن الدابة تبول فيصيب بولها المسجد أو حائطه أ يصلى فيه قبل ان يغسل؟

قال إذا جف فلا بأس».

و صحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) «8» قال: «سألته عن الثوب يوضع في مربط الدابة على بولها أو روثها؟ قال ان علق به شي‌ء فليغسله و ان اصابه شي‌ء من الروث أو الصفرة التي تكون معه فلا يغسله من صفرته».

و روايته الثالثة في كتابه «9» قال: «سألته عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها و روثها كيف يصنع؟ قال ان علق به شي‌ء فليغسله و ان كان جافا فلا بأس».

و ما رواه الشيخ

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 8 من أبواب النجاسات.

(6) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(7) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(8) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(9) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

22
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

عن ابي بصير عنه (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الماء النقيع تبول فيه الدواب؟

فقال ان تغير الماء فلا تتوضأ منه و ان لم تغيره أبوالها فتوضأ منه، و كذلك الدم إذا سال في الماء و أشباهه».

و صحيحة محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الماء تبول فيه الدواب و تلغ فيه الكلاب و يغتسل فيه الجنب؟ قال إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء».

و صحيحته الأخرى عنه (عليه السلام) «3» قال: «قلت له الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدواب. الحديث المتقدم» و زاد في آخره: «و الكر ستمائة رطل».

و رواية أبي بصير «4» قال: «سألته عن كر من ماء مررت به و انا في سفر قد بال فيه حمار أو بغل أو إنسان، قال لا تتوضأ منه و لا تشرب».

هذا ما حضرني من الروايات الدالة على المدعى، و الأصحاب لم يذكروا دليلا للقول بالنجاسة إلا رواية واحدة كما في المعتبر حيث اقتصر على حسنة محمد بن مسلم ثم أولها بالحمل على الاستحباب، و في المدارك اقتصر على الثلاث الأول، و فيه ما أشرنا إليه آنفا، و ربما زاد بعضهم كصاحب المعالم و الفاضل الخراساني في الذخيرة، و اما روايات المياه فإنه لم يلم بها أحد بالكلية في هذا المقام مع انهم يستدلون بها على نجاسة القليل بالملاقاة و الكثير بالتغيير في باب المياه و يذهلون عن حكمهم هنا بالطهارة.

و اما أدلة القول المشهور فها أنا اذكرها واحدا واحدا مذيلا كلا منها بالجواب الكاشف عن حقيقة الحق و الصواب.

فأقول. الأول- الأصل استدل به في المعالم حيث قال: «و يدل على الطهارة وجوه:

أحدها- الأصل فإن إيجاب إزالتها تكليف و الأصل يقتضي براءة الذمة منه» انتهى.

و الجواب ان الأصل يجب الخروج عنه بالدليل و قد قدمنا من الأدلة الصحيحة الصريحة في النجاسة ما يشفي العليل و يبرد الغليل، و سيظهر لك ضعف ما عارضها ان شاء‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من الماء المطلق.

(3) المروية في الوسائل في الباب 9 من الماء المطلق.

(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

23
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

الله تعالى و بطلان ما ناقضها و به يضمحل هذا الأصل من البين.

الثاني-

رواية أبي الأغر النخاس «1» «سأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت فتضرب إحداها بيدها أو برجلها فينضح على ثوبي؟ فقال لا بأس به».

و رواية المعلى بن خنيس و عبد الله بن ابي يعفور «2» قالا: «كنا في جنازة و قدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا و ثيابنا فدخلنا على ابي عبد الله (عليه السلام) فأخبرناه فقال ليس عليكم بأس».

و قد جمعوا بين هذين الخبرين و ما يوردونه من اخبار النجاسة بحمل الأمر بالغسل على الاستحباب، و استندوا في ذلك تبعا للشيخ إلى‌

رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «3» «في أبوال الدواب تصيب الثوب فكرهه، فقلت أ ليس لحومها حلالا؟ قال بلى و لكن ليس مما جعله الله للأكل».

قال الشيخ في التهذيب و الاستبصار بعد نقل جملة من الأخبار الدالة على النجاسة: هذه الأخبار كلها محمولة على ضرب من الكراهة و الذي يدل على ذلك ما أوردناه من ان ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله و روثه، و إذا كانت هذه الأشياء غير محرمة اللحوم لم يكن أبوالها و أرواثها محرما. قال و يدل على ذلك ايضا ما رواه احمد بن محمد، ثم ساق رواية زرارة المذكورة، ثم قال: فجاء هذا الخبر مفسرا لهذه الاخبار و مصرحا بكراهية ما تضمنته و يجوز ان يكون الوجه في هذه الأحاديث أيضا التقية لأنها موافقة لمذهب بعض العامة. انتهى.

و الجواب عن ذلك (أولا)- بما ذكرناه في غير موضع مما تقدم من انه لا دليل على هذه القاعدة التي عكفوا عليها و لا مستند لها و ان استندوا في غير باب إليها، فإن حمل هذه الأوامر الواردة في الأخبار التي هي حقيقة في الوجوب على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة و اختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز، و ايضا فالاستحباب حكم شرعي كالوجوب و التحريم يحتاج الى دليل واضح.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

24
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

و (ثانيا)- انه من القواعد المقررة عندهم انهم لا يجمعون بين الأخبار مع تعارضها إلا مع التكافؤ في الصحة و إلا فتراهم يطرحون المرجوح و يرمون بالخبر الضعيف في مقابلة الصحيح، فكيف خرجوا عن هذه القاعدة في هذا المقام؟ و لهذا ان السيد السند في المدارك بعد نقل روايتي القول المشهور المذكورتين ثم نقل الروايات الثلاث التي صدرنا بها الأخبار المتقدمة نقل عن الأصحاب حمل هذه الروايات على الاستحباب و اعترضهم بان ذلك مشكل لانتفاء ما يصلح للمعارضة، و كأنه لذلك تفطن جده (قدس سره) حيث انه لم يستدل بهذين الخبرين و انما استدل بالأدلة الآتية دون هذين الخبرين و (ثالثا)- ان قوله في التهذيب- بعد دعواه حمل أخبار النجاسة على ضرب من الكراهة: «و الذي يدل على ذلك. إلخ»- مردود بان ما أورده من ان ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله عام و هذه الأخبار خاصة و طريق الجمع المعروف في أمثال هذا المقام حمل العام على الخاص لا ما ذكره.

و (رابعا)- انه من القواعد المقررة في اخبار أهل البيت (عليهم السلام) في مقام تعارض الأخبار الأخذ بالأعدل و الأوثق و كذا الأخذ بالأشهر يعني في الرواية لا في الفتوى كما نبه عليه جملة من المحققين، و لا ريب انه بمقتضى هاتين القاعدتين يجب ترجيح أخبار النجاسة كما لا يخفى على الخبير المنصف.

و اما ما ذكره الشيخ (قدس سره)- من حمل أخبار النجاسة على التقية لموافقتها لقول بعض العامة- ففيه ان الحمل على التقية فرع المرجوحية و للخصم ان يحمل خبرية على التقية أيضا بل هو الظاهر لمرجوحيتهما الموجبة لطرحهما فيحملان على التقية لقول جملة من العامة بالطهارة تفاديا من طرحهما.

و لا يخفى على المنصف الخبير انه من البعيد بل الأبعد ارتكاب التأويل في هذه الاخبار في مقابلة ذينك الخبرين الضعيفين مع ما عرفت من كثرتها و تعددها و ورودها في مقامات متعددة و أحكام متفرقة مع صحة أسانيد كثير منها و قوة الباقي و صراحتها‌

25
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

و لا سيما موثقة سماعة الدالة على انها كأبوال الإنسان، و يقرب منها حسنة محمد بن مسلم الدالة على الأمر بغسله أولا و مع جهل موضعه غسل الثوب كله و مع الشك بنضحه، فهل يبلغ الأمر في الاستحباب المؤذن بالطهارة الى هذه المرتبة؟ بل نظير ذلك انما جاء في النجاسة المحققة المعلومة كما‌

في حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء و ان استيقن انه قد اصابه و لم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن».

و من العجيب ما ذكره في المعالم هنا حيث انه أيد حمل الأمر بالغسل في حسنة محمد بن مسلم على الاستحباب بالأمر بالنضح فيها حيث انه للاستحباب، قال بعد نقل كلام الشيخ الذي قدمناه: «و حاصله ان الأخبار متعارضة في هذا الباب و حمل روايات النجاسة على استحباب الإزالة طريق الجمع سيما بقرينة الرواية التي رواها أخيرا و امره في حسنة محمد بن مسلم بالنضح مع الشك و هو للاستحباب باعتراف الخصم، مع انه وقع في الحديث مجردا عن القرينة الدالة على ذلك فلا بعد في كون الأوامر الواقعة في صحبته مثله، بل المستبعد من الحكيم سوق الكلام على نمط يعطي الاتفاق في الحكم و الحال على الاختلاف» انتهى.

أقول: أنت خبير بما فيه من التمحل الظاهر و التكلف الذي لا يخفى على الخبير الماهر، فان القرينة على الاستحباب في النضح ظاهرة و هو يقين الطهارة و ان الأصل ذلك كما هو القاعدة المسلمة التي لا يجوز الخروج عنها إلا مع يقين النجاسة، و انما أمر بالنضح لدفع توهم الوسوسة كما في جملة من موارد النضح مع يقين الطهارة، و لو تم ما ذكره للزم مثله في حسنة الحلبي التي ذكرناها و هو لا يقول به، و ما ذكره- من انه يستبعد من الحكيم. إلخ- مسلم لو لم تكن هنا قرينة و القرينة ظاهرة كما عرفت، و اما قوله‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

26
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

في تأييد الحمل على الاستحباب و انه طريق الجمع-: «لا سيما بقرينة الرواية التي رواها أخيرا» مشيرا إلى رواية زرارة- فستعرف ما فيه ان شاء الله تعالى.

(الثالث)- ان لحومها حلال و ان كان مكروها و كل ما كان كذلك فبوله و روثه طاهر، اما الصغرى فاتفاقية نصا و فتوى، و اما الكبرى‌

فلما رواه زرارة في الحسن «1» «انهما قالا لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه».

و ما رواه عمار في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «كل ما أكل فلا بأس بما يخرج منه».

و الجواب ان المستفاد من الاخبار على وجه لا يعتريه بعد التأمل الإنكار ان المراد بمأكول اللحم في هذا المقام انما هو بمعنى ما كان مخلوقا للأكل لا ما كان حلالا كما توهموه و صار منشأ الشبهة لهم في هذه المسألة، فإن هذه الدواب الثلاث انما خلقت لأجل الركوب و الزينة كما دلت عليه الآية الشريفة «وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهٰا وَ زِينَةً» «3» و من أوضح الأدلة و أصرحها فيما قلناه‌

ما رواه العياشي في تفسيره عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «4» «انه سأله عن أبوال الْخَيْلَ وَ الْبِغٰالَ وَ الْحَمِيرَ؟ قال فكرهها فقال أ ليس لحمها حلالا؟

فقال أ ليس قد بين الله تعالى لكم: وَ الْأَنْعٰامَ خَلَقَهٰا لَكُمْ فِيهٰا دِفْ‌ءٌ وَ مَنٰافِعُ وَ مِنْهٰا تَأْكُلُونَ «5» و قال: و الخيل و البغال و الحمير لتركبوها و زينة. فجعل للأكل الأنعام التي نص الله تعالى في الكتاب و جعل للركوب الخيل و البغال و الحمير ليس لحومها بحرام و لكن الناس عافوها».

و من هذه الرواية يتضح معنى الرواية التي تمسك بها الشيخ (قدس سره) و اتباعه فقال في كلامه المتقدم: «فجاء هذا الخبر مفسرا لهذه الاخبار» و المراد بالكراهة في الروايتين انما هو النجاسة، و بيانه انه لما سأله عن أبوال هذه الدواب فكرهها- يعني نجسها و حكم بنجاستها- استبعد زرارة ذلك لما تقرر عنده من أنها مأكولة اللحم و ان كل ما كان مأكول اللحم فبوله و روثه طاهر فراجع في الجواب فقال:

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(3) سورة النحل، الآية 8.

(4) البحار ج 18 ص 26.

(5) سورة النحل. الآية 5.

27
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

أ ليس لحومها حلالا و كل ما كان كذلك فبوله و روثه طاهر؟ فقال له بلى و لكن ليس المراد بمأكول اللحم الذي حكم الشارع بطهارة ما يخرج منه ما كان حلالا بل انما هو ما خلق لأجل الأكل و هذه الدواب الثلاث انما خلقت لشي‌ء آخر كما أوضحه (عليه السلام) في رواية العياشي. و من هذا القبيل ايضا‌

ما في صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري من قوله (عليه السلام) «1»: «يغسل بول الحمار و الفرس و البغل و اما الشاة و كل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

فإنه لا مجال لحمل ما يؤكل لحمه في الرواية على ما يحل اكله بقوله مطلق و إلا لزم منه عدم جواز أكل لحوم تلك الدواب الثلاث لأنها وقعت في مقابلة ما يؤكل لحمه بل لا بد من حمله على ما خلق للأكل، و مثلها‌

روايته الأخرى «2» حيث قال فيها: «يغسل بول الحمار و الفرس و البغل و ينضح بول البعير و الشاة و كل شي‌ء يؤكل لحمه فلا بأس ببوله».

اما بعطف «كل شي‌ء» على «الشاة» و يجعل قوله:

«فلا بأس به» مستأنفا و فيه تعليل لذلك، و يصير حاصل المعنى حينئذ انه ينضح بول البعير و الشاة و بول كل شي‌ء يؤكل لحمه اي ما خلق لأجل الأكل كهذه المعدودات و لا يجب غسله فإنه لا بأس به، و اما يجعل قوله: «و كل شي‌ء» مبتدأ و خبره «لا بأس به» و الجملة في مقام التعليل، و حاصله انه ينضح بول هذه الحيوانات و لا يجب غسله فان كل شي‌ء يؤكل لحمه فإنه لا بأس ببوله، و كيف كان فإنه لا يصح حمل قوله:

«يؤكل لحمه» على ما يحل أكل لحمه بحيث يدخل فيه تلك الدواب الثلاث، و الأمر بالنضح قد ورد في أمثال ذلك في كثير من الاخبار مثل المذي و عرق الجنب و ملاقاة الكلب الثوب يابسا و أمثال ذلك مما هو معلوم الطهارة يقينا.

(الرابع)- الإجماع المركب و هو ان كل من قال بنجاسة الأبوال قال بنجاسة الأرواث و من قال بطهارة الأبوال قال بطهارة الأرواث فالقول بالنجاسة في الأبوال مع طهارة الأرواث خرق للإجماع المركب. و هذا الدليل و ان لم يصرحوا به في كلامهم و يعدوه دليلا‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

28
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

برأسه إلا انه مستنبط منه حيث انهم عمدوا إلى جملة من روايات المسألة المشتملة على الأمر بغسل البول و طهارة الروث فجعلوها من أدلة القول بالطهارة بتقريب حمل الأمر بغسل البول على الاستحباب لما اشتملت عليه الرواية من طهارة الروث، حيث انه لا قائل بذلك إذ الخلاف في المسألة منحصر في القولين المتقدمين، فالقول بما دل عليه ظاهر هذه الاخبار خرق للإجماع المركب فلا يجوز القول به، قال المحقق الشيخ حسن بعد الاستدلال للقول بالطهارة بالروايتين المتقدمتين «1» و ما رواه الشيخ بإسناده الصحيح عن احمد بن محمد ثم ساق صحيحة الحلبي المتقدمة «2» و هي الثانية من روايتيه المشتملة على الأمر بغسل الأبوال و نفي البأس عن الأرواث، ثم قال: وجه الدلالة في هذا الحديث نفي البأس عن الروث فيكون الأمر بغسل البول للاستحباب إذ لا قائل بالفصل فيما يظهر، ثم عطف عليها رواية أبي مريم و رواية عبد الأعلى، و جرى على ذلك ايضا الفاضل الخراساني في الذخيرة.

و الجواب انه لا يخفى ما في هذا الاستدلال من المجازفة في أحكام الملك المتعال و البناء على أساس ظاهر الاضمحلال:

(أما أولا)- فلما حققه غير واحد من محققيهم في بطلان هذا الإجماع الشائع في كلامهم و من المصرحين بذلك هذان القائلان، أما الشيخ حسن فقد قدمنا عبارته المنقولة من المعالم في المقام الثاني من المقدمة الثالثة من مقدمات الكتاب فارجع اليه ليظهر لك صحة ما أوردناه عليه هنا، و اما الفاضل الخراساني فإنه قد تكلم في الإجماع و أطال في مسألة الوطء في الدبر و كونه موجبا للغسل أم لا من الذخيرة و قدح في ثبوته الى ان قال في آخر كلامه: «و الغرض التنبيه على حقيقة الحال و مع هذا فلا أنكر حصول الظن به في بعض الأخبار و لكن في حجيته على الإطلاق نظر فهو من القرائن التي توجب التقوية و التأكيد و لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية» انتهى. و حينئذ‌

______________________________
(1) ص 24.

(2) ص 22.

29
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) - في أبوال الدواب الثلاث ؛ ج 5، ص : 20

فكيف يخالف نفسه هنا و يبني عليه الأحكام بأي تعسف و تكلف في المقام لا يخفى بعد ما حققناه على ذوي الألباب و الافهام، و بالجملة فإن مناقضة بعضهم بعضا بل الواحد نفسه في هذه الإجماعات و لا سيما الشيخ و المرتضى اللذين هما الأصل في الإجماع قد كفانا مؤنة القدح فيه، و قد كان عندي رسالة لشيخنا الشهيد الثاني قد تصدى فيها لنقل جملة من المسائل التي ناقض الشيخ بها نفسه بدعواه الإجماع على الحكم في موضع ثم يدعيه على خلافه في موضع آخر و فيها ما ينيف على سبعين مسألة. و الحق ان هذه الإجماعات المتناقلة لا تخرج عن مجرد الشهرة كما حققه شيخنا الشهيد في صدر الذكرى و اليه أشار المحقق الشيخ حسن في كلامه المتقدم الذي أشرنا اليه.

و (اما ثانيا)- فإنه أي مانع عقلي أو شرعي يمنع من الفتوى في المسألة إذا قام الدليل على ذلك و ان لم يقل به قائل من السابقين؟ و اشتراط القول بوجود قائل من المتقدمين و ان قال به شذوذ منا إلا ان المحققين على خلافه، كيف و لو اشترط ذلك لم تتسع دائرة الخلاف في المسائل و الأحكام و لا انتشر فيها النزاع و الخصام الى ما عليه الآن من الاختلاف حتى انك لا تجد حكما من الأحكام إلا و قد تعددت فيه أقوالهم إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة فزائدا و هي تتجدد بتجدد العلماء لانحصار الفتوى في الشيخ في زمنه، و قد نقل بعض الأصحاب انحصار الفتوى فيه (قدس سره) و انه لم يبق بعده إلا ناقل أو حاك حتى انتهت النوبة الى ابن إدريس ففتح باب الطعن على الشيخ و المخالفة له في كثير من المسائل ثم اتسع الباب شيئا فشيئا و انتشر الخلاف الى ما ترى، على انه قد صرح شيخنا الشهيد الثاني في المسالك- و هو القدوة لكل داخل في هذا الباب و سالك- بأنه متى قام الدليل للفقيه على حكم في مسألة من المسائل جاز له الإفتاء فيها بما قام الدليل عليه عنده و ان ادعى فيه الإجماع قبله فضلا عن انه لم يقل بها قائل من المتقدمين، قال (قدس سره) في الكتاب المشار إليه في مسألة ما لو اوصى له بأبيه بعد الطعن في الإجماع- و نعم ما قال- ما هذه صورته: «و بهذا يظهر جواز مخالفة الفقيه المتأخر لغيره‌

30
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الثالث) - في المني ؛ ج 5، ص : 31

 

من المتقدمين في كثير من المسائل التي ادعوا فيها الإجماع إذا قام الدليل على ما يقتضي خلافهم و قد اتفق ذلك لهم كثيرا، و لكن زلة المتقدم متسامحة بين الناس دون المتأخر» انتهى. و هو جيد وجيه، فإذا كان الأمر كذلك فكيف استجاز هذان الفاضلان المنع من القول بما دلت عليه هذه الاخبار من نجاسة البول و طهارة الروث لانه لم يقل به أحد ممن تقدم، و يا لله و العجب العجيب الظاهر للموفق المصيب و من أخذ من الإنصاف بأدنى نصيب أن الأئمة (عليهم السلام) يفرقون بين البول و الروث فيصرحون بنجاسة الأول و يأمرون بغسلة مع تصريحهم في كتبهم الأصولية بان الأمر حقيقة في الوجوب، و يحكمون (عليهم السلام) بطهارة الثاني و هم يتعمدون مخالفتهم و يرتكبون هذه التأويلات الغثة في كلامهم فيحكمون بالطهارة فيهما معا ميلا إلى الأخذ بهذا الإجماع الغير الحقيق بالاتباع و لا الاستماع، ما هو إلا اجتهاد محض في مخالفة النصوص و جرأة تامة على أهل الخصوص، فاشرب بكأس هذا الرحيق و ارتع في رياض هذا التحقيق المنجي بحمد الله من لجج المضيق، فإنك لا تجده في كلام غيرنا من علمائنا الاعلام و لا حام حوله غيرنا أحد في المقام، و الله سبحانه العالم بالأحكام.

(الفصل الثالث)- في المني

و هو اما ان يكون من الإنسان أو غيره من الحيوان ذي النفس السائلة أو من غير ذي النفس السائلة ان ثبت وقوع المني منه فههنا أقسام ثلاثة:

(الأول)- مني الإنسان

، و لا خلاف نصا و فتوى في نجاسته، و الأصل فيه بعد الإجماع الأخبار المستفيضة‌

كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» «في المني يصيب الثوب؟ قال ان عرفت مكانه فاغسله فإن خفي عليك فاغسله كله».

و حسنة عبد الله بن ابي يعفور عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن المني يصيب الثوب؟ قال ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك مكانه فاغسله كله».

و موثقة

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

 

31
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) - مني غير الإنسان مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 32

سماعة «1» قال: «سألته عن المني يصيب الثوب؟ قال اغسل الثوب كله إذا خفي عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا».

و صحيحة الحلبي أو حسنته على المشهور عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي اصابه. و ان ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء، و ان استيقن انه قد أصابه مني فلم ير مكانه فليغسل ثوبه كله فإنه أحسن».

و حسنة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: ذكر المني فشدده و جعله أشد من البول، ثم قال: «ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة، فإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك، و كذلك البول».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة التي لا حاجة الى التطويل بنقلها مع الاتفاق على الحكم المذكور، و أكثر هذه الاخبار ما ذكر منها و ما لم يذكر و ان وقع لفظ المني فيها مطلقا إلا ان تبادر التخصيص بإرادة مني الإنسان أمر ظاهر منها كالعيان لا يحتاج الى بيان، و بذلك صرح جملة من علمائنا الأعيان.

(الثاني)- مني غير الإنسان مما له نفس سائلة

، و حكمه حكم مني الإنسان عند الأصحاب من غير خلاف يعرف، بل ادعى العلامة في التذكرة الإجماع على نجاسته مع مني الإنسان و جعله الحجة في الحكم المذكور، و في المعتبر و المنتهى ان الحجة على نجاسته عموم الأخبار المتقدمة و لم يذكرا الإجماع. و لا يخفى ما في هذا الاحتجاج من البعد السحيق عن ساحة تلك الاخبار، قال في المعالم بعد نقل ذلك عنهما «و عندي في تحقق العموم بحيث يتناول غير الآدمي نظر، و يمكن ان يحتج له بجعله أشد من البول في صحيح محمد بن مسلم، فإنه و ان شهدت القرينة الحالية في مثله بإرادة مني الإنسان إلا ان فيه اشعارا بكونه اولى بالتنجيس من البول فكل ما حكم بنجاسة بوله ينبغي ان تكون لمنيه هذه الحالة، و ربما كان هذا القدر كافيا مع الإجماع المنقول و عدم ظهور مخالف‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

32
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - مني غير ذي النفس السائلة ؛ ج 5، ص : 33

فيه» انتهى. أقول: من المحتمل قريبا- بل الظاهر انه المراد من الخبر- ان التشديد انما هو بالنسبة إلى الإزالة لا إلى النجاسة إذ النجاسة لا تقبل الشدة و الضعف إلا بنوع من الاعتبار الذي لا يصلح لبناء حكم شرعي عليه، و اما الإزالة فالأمر فيها ظاهر فإن المني لمزيد ثخانته و لزوجته يحتاج في الغسل الى مزيد كلفة بخلاف البول الذي هو كالماء.

و يمكن الاستدلال على الطهارة بعموم‌

موثقة عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و موثقة عبد الله بن بكير «2» «ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي‌ء منه جائزة».

إلا ان في الخروج عما ظاهرهم الإجماع عليه سيما مع أوفقيته بالاحتياط بهذين الخبرين مع ما هما عليه من الإجمال إشكالا، إذ المتبادر من الأول انما هو البول و الروث كما فهمه الأصحاب و لذلك نظموه في سلك الأخبار الدالة على طهارة بول و روث ما يؤكل لحمه، و قد تقدم مع جملة منها كذلك في أول الباب، و اما الثانية فالمراد منها انما هو الاشعار و الأوبار و الجلود و نحوها و يدل على ذلك سياق الخبر المذكور كما لا يخفى على من راجعه. و ظاهره ان الفرق في صحة الصلاة و عدمها في المأكول و غير المأكول انما هو من حيث كونه مأكول اللحم و غير مأكول اللحم. و هذا لا يتمشى في المني إذ الحكم بالنجاسة و عدم جواز الصلاة فيه أو الطهارة و جواز الصلاة فيه لا يفرق فيهما بين مأكول اللحم و عدمه كما لا يخفى، و بالجملة فالأحوط الوقوف على ما ذكروه و ان لم أقف له على دليل شاف.

(الثالث)- مني غير ذي النفس السائلة

، و الظاهر من كلام جملة من الأصحاب هو القول بالطهارة، و تردد فيه المحقق في المعتبر و نحوه العلامة في المنتهى مع ميلهما إلى الطهارة، و الظاهر ان وجه التردد هو ما أشرنا إليه آنفا من استدلالهما باخبار المني المتقدمة على نجاسة مني غير الإنسان من ذوات النفس السائلة و شمولها له بعمومها، و حينئذ فيحتمل دخول ما لا نفس له تحت عموم تلك الأخبار إذ لا تصريح في تلك الأخبار‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

33
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 34

 

بالتخصيص بذي النفس السائلة. و لا يخفى ما فيه من البعد بل هو مما يقطع بعدمه، فان شمول الأخبار المذكورة لما عدا مني الإنسان مما يكاد يقطع بعدمه ايضا فكيف ما لا نفس له، إذ حمل السؤالات المذكورة في الاخبار عن اصابة الثوب و البدن على مني غير الإنسان من الحيوانات أندر نادر و اشذ شاذ، سيما مع تصريحهم في غير موضع بأن الإطلاقات في الاخبار انما تنصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة الوقوع دون الفروض النادرة، فإذا كان الأمر كذلك في مني ما له نفس فكيف في مني ما لا نفس له؟ و بالجملة فالظاهر ان القول بالطهارة مما لا يحوم حوله شبهة الاشكال و لا يداخله النقض و الاختلال.

تنبيهات

(الأول) [الأخبار الموهمة طهارة مني الإنسان]

- قد عرفت اتفاق الأصحاب (رضوان الله عليهم) على نجاسة مني الإنسان و تظافر الأخبار به إلا ان هنا جملة من الأخبار لا تخلو في ذلك من اشكال و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة «1» قال: «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟ فقال نعم لا بأس به إلا ان تكون النطفة رطبة فإن كانت جافة فلا بأس».

و حمله الشيخ في الاستبصار على ما إذا لم يتجفف بالموضع الذي فيه المني لئلا يصيبه المني. و فيه انه لا يظهر على هذا فرق بين الرطبة و الجافة لاشتراكهما في حصول البأس مع الإصابة رطبا كان أو يابسا مع رطوبة بدنه و انتفائه مع عدم أصابتها مع انه فرق بينهما.

أقول: قد وقفت في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا البهائي على الجواب عن هذا الاشكال الوارد على جواب الشيخ عن هذه الرواية، حيث قال: «ظاهر هذا الحديث مشكل فإنه يشعر بطهارة المني إذا كان جافا كما هو مذهب بعض العامة و إلا فلا فرق هنا بين ما إذا كان المني رطبا و جافا إذا لم يماس البدن حال تنشيفه. و يمكن ان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

 

34
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) الأخبار الموهمة طهارة مني الإنسان ؛ ج 5، ص : 34

يقال ان من عرف موضع المني في ثوبه ثم نزعه فطرحه عنه ليغتسل فمعلوم ان اجزاء الثوب حال النزع و بعد الطرح يماس بعضها بعضا فيقع بعض الأجزاء الطاهرة منه على ذلك المني، فإن كان جافا لا تتعدى نجاسته حال النزع و بعد الطرح الى ما يماسه من الاجزاء الطاهرة من الثوب فللمغتسل إذا أراد التنشيف ان يتنشف بأي جزء شاء من اجزائه سوى الجزء الذي تنجس بالمني، و إذا كان رطبا فإن أجزاء الثوب التي تماسه غالبا في حال النزع و بعد الطرح تنجس به لا محالة و ربما جفت في مدة الاشتغال بالغسل و لا يميز عند ارادة التنشيف عن الاجزاء الطاهرة التي لم تماسه فيشتبه الطاهر من الثوب بالنجس منه فلذلك جوز الامام (عليه السلام) التنشيف إذا كان جافا و لم يجوزه إذا كان رطبا» انتهى و هو جيد. أقول: و يمكن حمل الخبر ايضا على التقية لما أشار إليه شيخنا المذكور من ان ذلك مذهب لبعض العامة «1».

و منها-

ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن على المشهور عن أبي أسامة «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) تصيبني السماء و علي ثوب فتبله و انا جنب فيصيب بعض ما أصاب جسدي من المني أ فأصلي فيه؟ قال نعم».

و يمكن حمله على التقية لأن القول بطهارة المني مذهب جماعة من العامة «3» و يحتمل أيضا تأويله بأن البلل جاز ان لا يعم الثوب بأسره و يكون اصابة الثوب للمني ببعض ليس فيه بلل أو جاز ان يكون البلل قليلا بحيث لا تتعدى معه النجاسة و ان كان شاملا للثوب بأسره، كذا أفاد والدي في بعض تحقيقاته.

______________________________
(1) في المغني ج 2 ص 92 «المشهور عن أحمد طهارة المنى و عنه انه نجس و يعفى عن يسيره و عنه لا يعفى عن يسيره، و يجزئ الفرك على كل حال، و الرواية الأولى هي المشهورة في المذهب و هو قول سعد بن ابى وقاص و ابن عمر و ابن عباس، و قال ابن المسيب إذا صلى فيه لم يعد، و هو مذهب الشافعي و ابى ثور و ابن المنذر» و في البدائع ج 1 ص 60 «المنى نجس و عند الشافعي طاهر».

(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(3) في المغني ج 2 ص 92 «المشهور عن أحمد طهارة المنى و عنه انه نجس و يعفى عن يسيره و عنه لا يعفى عن يسيره، و يجزئ الفرك على كل حال، و الرواية الأولى هي المشهورة في المذهب و هو قول سعد بن ابى وقاص و ابن عمر و ابن عباس، و قال ابن المسيب إذا صلى فيه لم يعد، و هو مذهب الشافعي و ابى ثور و ابن المنذر» و في البدائع ج 1 ص 60 «المنى نجس و عند الشافعي طاهر».

35
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) طهارة ما يخرج من الذكر غير البول و المني ؛ ج 5، ص : 36

و منها-

ما رواه في الكافي أيضا في الموثق عن أبي أسامة «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب تكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل علي؟ قال لا بأس».

و يمكن اجراء الحملين المتقدمين فيه ايضا. و احتمل بعضهم ايضا ان يحمل على اصابة المطر الثوب بحيث طهره قال: و ليس ببعيد. أقول: بل هو في غاية البعد حيث ان نجاسة المني لما فيه من الثخانة و اللزوجة تحتاج الى مزيد كلفة في الإزالة فمجرد اصابة المطر لا يكفي في طهارة الثوب منها إلا ان يحمل على نجاسة لا توجد عين المني في الثوب و ان كان بعيدا من لفظ الجنابة حيث ان المراد منها المنى مجازا. قال في الوافي بعد نقل خبري أبي أسامة المذكورين «و الوجه في الخبرين انه لم يتيقن بلة ذلك الموضع بعينه بحيث يسري معها المني اليه سراية تنجسه، و مجرد الاحتمال غير كاف و ان كان قويا.

و منها-

ما رواه في الكافي و الشيخ في التهذيب عن علي بن أبي حمزة «2» قال:

«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه؟ قال لا ارى به بأسا. قال انه يعرق حتى انه لو شاء ان يعصره عصره؟ قال فقطب أبو عبد الله (عليه السلام) في وجه الرجل و قال ان أبيتم فشي‌ء من ماء فانضحه به».

و يحتمل الحملين المتقدمين، و يحتمل ايضا ان يكون المراد من قوله: «أجنب في ثوبه» يعني جامع فيه لا بمعنى امنى فيه و يكون السؤال باعتبار توهم نجاسة بدن الجنب فتتعدى الى الثوب بالعرق. و لعله الأقرب فإن كثيرا من السؤالات في الاخبار وردت بناء على هذا التوهم.

(الثاني) [طهارة ما يخرج من الذكر غير البول و المني]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه ليس شي‌ء مما يخرج من الذكر بنجس سوى البول و المني، و عن ابن الجنيد انه قال ما كان من المذي ناقضا لطهارة الإنسان غسل منه الثوب و الجسد و لو غسل من جميعه كان أحوط، و فسر الناقض للطهارة بما كان خارجا عقيب شهوة، قال في المختلف بعد ذكر المسألة و نقل خلاف ابن الجنيد: لنا- إجماع الإمامية على طهارته، و خلاف ابن الجنيد غير معتد به‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

36
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) طهارة ما يخرج من الذكر غير البول و المني ؛ ج 5، ص : 36

فان الشيخ لما ذكره في كتاب فهرست الرجال و اثنى عليه قال إلا ان أصحابنا تركوا خلافه لانه كان يقول بالقياس.

أقول: و يدل على القول المشهور جملة من الأخبار الصحيحة الصريحة، و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن غير واحد من أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ليس في المذي من الشهوة و لا من الإنعاظ و لا من القبلة و لا من مس الفرج و لا من المضاجعة وضوء و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد».

و عن حريز في الصحيح «2» قال: «حدثني زيد الشحام و زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال ان سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو ودي فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء انما ذلك بمنزلة النخامة. الحديث».

و عن إسحاق بن عمار في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«سألته عن المذي فقال ان عليا (عليه السلام) كان رجلا مذاء و استحيي أن يسأل رسول الله (صلى الله عليه و آله) لمكان فاطمة (عليها السلام) فأمر المقداد أن يسأله و هو جالس فسأله فقال له ليس بشي‌ء».

و عن زيد الشحام في الحسن «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المذي ينقض الوضوء؟ قال لا و لا يغسل منه الثوب و لا الجسد انما هو بمنزلة البزاق و المخاط».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة المعتضدة بأصالة الطهارة و إجماع من عدا ابن الجنيد على القول بها.

و مما يدل على القول بالنجاسة‌

ما رواه الحسين بن ابي العلاء «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب؟ قال ان عرفت مكانه فاغسله و ان

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من نواقض الوضوء.

(2) رواه في الوسائل في الباب 12 من نواقض الوضوء.

(3) رواه في الوسائل في الباب 12 من نواقض الوضوء.

(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من نواقض الوضوء.

(5) رواه في الوسائل في الباب 17 من أبواب النجاسات.

37
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) طهارة ما يخرج من القبل و الدبر غير الثلاثة ؛ ج 5، ص : 38

خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله».

و روايته الأخرى أيضا «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب فيلتزق به؟ قال يغسله و لا يتوضأ».

و أجاب الشيخ عن هذين الخبرين بالحمل على الاستحباب جمعا بينهما و بين الاخبار المتقدمة، ثم قال و يزيد ذلك بيانا ما رواه هذا الراوي بعينه و هو‌

الحسين بن ابي العلاء «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المذي يصيب الثوب؟ قال لا بأس به فلما رددنا عليه قال ينضحه بالماء».

أقول: و الأظهر عندي حمل الخبرين المذكورين على التقية كما قدمنا ذكره في الباب الثاني في الوضوء «3» و رواية الحسين الثالثة خرجت مخرج الروايات المتقدمة في الدلالة على الطهارة و لكنه حيث انه (عليه السلام) فهم من السائل حصول النفرة منه امره بالنضح المأمور به في جملة من الأخبار في أمثال ذلك.

(الثالث) [طهارة ما يخرج من القبل و الدبر غير الثلاثة]

- قد صرح جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) بان كل رطوبة تخرج من القبل و الدبر فهي طاهرة ما عدا البول و الغائط و الدم و المني تمسكا بالأصل السالم عن المعارض، و يدل عليه‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود «4» قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة وليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب أ تصلي فيه؟ قال إذا اغتسلت صلت فيهما».

قوله «وليها» اي ولي جسدها مع رطوبته ببلل الفرج. و لا اعلم خلافا في الحكم المذكور و انما يحكى من بعض العامة القول بنجاستها، و ذكر المحقق في المعتبر ان القائل المذكور يتشبث بكون الرطوبة جارية من مجرى النجاسة. و رده بأن النجاسة لا يظهر حكمها إلا بعد خروجها من المجرى. و هذا واضح لا ريب فيه.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب النجاسات.

(3) ج 2 ص 110.

(4) رواه في الوسائل في الباب 55 من أبواب النجاسات.

38
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

(الفصل الرابع)- في الدم

أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدا ابن الجنيد و ظاهر الصدوق في الفقيه على نجاسة الدم قليله و كثيره إذا كان من ذي نفس سائلة، قال العلامة في التذكرة: الدم من ذي النفس السائلة نجس و ان كان مأكولا بلا خلاف.

و قال في المنتهى: قال علماؤنا الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة أي يكون خارجا بدفع من عرق نجس، و هو مذهب علماء الإسلام. و قال المحقق في المعتبر: الدم كله نجس عدا دم ما لا نفس له سائلة قليله و كثيره، و هو مذهب علمائنا عدا ابن الجنيد فإنه قال إذا كان سعته دون سعة الدرهم الذي سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب. انتهى.

و يدل على نجاسة الدم مضافا الى اتفاق معظم الأصحاب روايات عديدة:

منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة «1» قال: «قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره الى ان أصيب له الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم اني ذكرت بعد ذلك؟ قال تعيد الصلاة و تغسله. قلت فان لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبت فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته؟

قال تغسله و تعيد. قلت فان ظننت انه قد اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فرأيت فيه؟ قال تغسله و لا تعيد الصلاة. قلت لم ذلك؟ قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا. قلت فاني قد علمت انه قد اصابه و لم أدر أين هو فاغسله؟ قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارته. قلت فهل علي ان شككت في انه أصابه شي‌ء ان انظر فيه؟ قال لا و لكنك انما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك. قلت ان رأيته في ثوبي و انا في الصلاة؟ قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، في ثوبي و انا في الصلاة؟ قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك».

______________________________
(1) رواه في الوسائل مقطعا في الباب 7 و 37 و 41 و 42 و 44 من أبواب النجاسات.

39
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

و انما أوردنا هذه الرواية بطولها و ان كان الغرض يتم بنقل صدرها لما فيها من الأحكام العديدة و سيأتي ان شاء الله تعالى التنبيه على كل حكم في محله، و هذه الرواية و ان كانت مضمرة في التهذيب بل ربما توهم انها مقطوعة إلا انها متصلة بالباقر (عليه السلام) في علل الشرائع «1» مع ان سوق الرواية يدل بأظهر دلالة على ان الخطاب فيها مع الامام (عليه السلام).

و ما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن محمد بن مسلم «2» قال: «قلت له الدم يكون في الثوب علي و انا في الصلاة؟ قال ان رأيت و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه».

و ما رواه الشيخ في الموثق عن سماعة «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي؟ قال يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه. قلت فكيف يصنع من لم يعلم أ يعيد حين يرفعه؟

قال لا و لكن يستأنف».

و عن عبد الله بن سنان في الحسن «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال ان كان علم انه أصاب ثوبه جنابة أو دم قبل ان يصلي ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى. الحديث».

______________________________
(1) ص 127.

(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 42 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 43 من أبواب النجاسات.

40
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

و عن علي بن جعفر في الصحيح «1» «انه سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟

قال ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا».

و ما رواه الصدوق في الصحيح عن ابن أذينة عن الصادق (عليه السلام) «2» «انه سأله عن الرجل يرعف و هو في الصلاة و قد صلى بعض صلاته؟ قال ان كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله. الحديث».

الى غير ذلك من الاخبار الكثيرة الآتية ان شاء الله تعالى في المقصد الثاني في أحكام النجاسات.

و اما ما ورد في جملة من شذوذ الاخبار مما ظاهره الطهارة فالظاهر حمله على التقية و ان لم أقف على قائل بذلك من العامة، لأن الحمل على ذلك لا يتوقف عندي على وجود القائل و ان كان المشهور بين أصحابنا ذلك كما عرفت في المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب، و توضيح ذلك انه لما اتفقت الأخبار الصحاح الصراح- كما عرفت من بعض ما قدمناه و ستعرف مما يأتي قريبا ان شاء الله تعالى و كذا كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) قديما و حديثا- على النجاسة إذ خلاف من خالف منهم انما هو في مادة مخصوصة ليست داخلة في هذه الأخبار، فالواجب البتة طرح ما خالف ذلك و الاعراض عنه، بقي بيان الوجه في صدوره عنهم (عليهم السلام) فإنه لا يكون ذلك عبثا بغير فائدة و ليس وراء ذلك إلا ما ذكرناه من إيقاعهم الاختلاف بين الشيعة في الأحكام لدفع الشنعة عنهم كما تقدم تحقيقه في المقدمة المشار إليها.

و من الأخبار المذكورة‌

ما رواه الشيخ في التهذيب و الاستبصار عن جابر عن الباقر (عليه السلام) «3» قال: «سمعته يقول لو رعفت زورقا ما زدت على ان امسح

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من قواطع الصلاة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من نواقض الوضوء.

41
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

مني الدم و أصلي».

و عن الحسن بن علي الوشاء في الحسن «1» قال: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول في الرجل يدخل يده في أنفه فيصيب خمس أصابعه الدم، قال ينقيه و لا يعيد الوضوء».

و يمكن هنا حمل الإنقاء على الإنقاء بالغسل لا مطلق الإنقاء فلا منافاة و ان الغرض بيان عدم نقض الوضوء بخروج الدم.

و عن عبد الأعلى عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الحجامة أ فيها وضوء؟ قال لا و لا يغسل مكانها لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه و لم يكن صبيا صغيرا».

و الحمل على ان الحجام ينظفه يعني بالغسل بعيد جدا لأن النهي عن الغسل متناول للمحتجم نفسه و لمن يقوم مقامه، فالحديث ظاهر في طهارة دم الحجامة بمجرد ازالة عينه المشار إليها بالتنظيف.

و عن أبي حمزة «3» قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) ان أدخلت يدك في انفك و أنت تصلي فوجدت دما سائلا ليس برعاف ففته بيدك».

و لا يخفى ما في الخبر المذكور من الحزازة زيادة على ما دل عليه من طهارة الدم، و لعله وقع فيه تحريف من قلم الشيخ أو من النساخ لأن الفت إنما يستعمل في الدم اليابس لا السائل، و لعل الذي كان في الخبر «غير سائل»، و أيضا فإن كون الدم السائل ليس برعاف لا معنى له، و مع احتمال كونه من قرح أو جرح لا يفرق بينه و بين دم الرعاف في تعدي النجاسة إلى اليد و ان قلنا بالعفو عن دم القروح و الجروح ما لم ترقأ.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من نواقض الوضوء.

(2) رواه في الوسائل في الباب 56 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من قواطع الصلاة.

42
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الرابع) - في الدم ؛ ج 5، ص : 39

و ما رواه في الكافي في باب «الثوب يصيبه الدم» عن الحلبي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة فيه؟

فقال لا و ان كثر، و لا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه و لا يغسله».

و ما رواه في الزيادات عن عمار عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الدمل يكون في الرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة».

و احتمال تخصيص ما يخرج من الدمل بالقيح الخالي من الدم خلاف ما يشهد به الوجدان، و العفو عن دم القرح لا يتعدى نجاسة اليد به حتى انه يجوز مسه و لا يجب غسله إذ العفو مقصور عليه و على ما يتعدى اليه بنفسه كما سيأتي بيانه في المسألة ان شاء الله تعالى.

و ما رواه الشيخ عن داود بن سرجان عن الصادق (عليه السلام) «3»:

«في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما؟ قال يتم».

و حمله الشيخ على ما إذا كان أقل من درهم، و لا بأس به.

و لم نقف على خلاف لأحد من أصحابنا في المسألة إلا على خلاف ابن الجنيد و الصدوق في الفقيه، اما ابن الجنيد فقد تقدم نقل خلافه كما صرح به المحقق في المعتبر و حكاه من عبارته إلا ان عبارته المنقولة من كتابه المختصر كما نقله في المختلف و غيره عامة في نجاسة الدم و غيره، حيث قال: «كل نجاسة وقعت على ثوب و كانت عينها مجتمعة أو متفشية دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك إلا ان تكون النجاسة دم حيض أو منيا فان قليلهما و كثيرهما سواء» انتهى. و هو مردود بالأخبار الدالة على نجاسة البول قليله و كثيره و الغائط و المني و نحوهما و وجوب‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

43
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) - المسفوح ؛ ج 5، ص : 44

غسلها و انما استثناء الدرهم أو الأقل منه في الدم خاصة، و اما الصدوق فإنه قال في الفقيه «و ان كان الدم دون حمصة فلا بأس بان لا يغسل إلا ان يكون دم الحيض فإنه يجب غسل الثوب منه و من البول و المني قليلا كان أو كثيرا و تعاد منه الصلاة علم به أو لم يعلم» انتهى. و هذه العبارة مأخوذة من الفقه الرضوي بتغيير ما و كذا ما قبلها، حيث‌

قال (عليه السلام) «1»: «و ان كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا ان يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المني قل أو كثر و أعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم».

انتهى. و الظاهر ان لفظ «دون» سقط من النسخة حيث ان الكتاب لا يخلو من الغلط إلا ان الموجود في البحار حيث انه ينقل فيه عبائر الكتاب المذكور كما هنا، و حينئذ فيكون الصدوق بعد أخذه العبارة من أولها إلى آخرها من الكتاب عدل في هذا الموضع الى العمل برواية مثنى بن عبد السلام الواردة في المسألة و هي‌

ما رواه عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «قلت له اني حككت جلدي فخرج منه دم؟

فقال ان اجتمع قدر الحمصة فاغسله و إلا فلا».

و سيأتي تمام الكلام ان شاء الله تعالى في ذلك في المقصد الثاني.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الدم اما ان يكون دم حيوان ذي نفس سائلة أو غير ذي نفس سائلة و الأول اما مسفوح أو غير مسفوح و غير المسفوح اما ما يتخلف في اللحم بعد الذبح الشرعي أو غيره و المتخلف في اللحم بعد الذبح اما من حيوان مأكول اللحم أو غيره، و غير ذي النفس السائلة اما ان يكون من السمك أو غيره، فهذه ستة أقسام يحتاج الى التحقيق فيها و الكلام على وجه يرفع غشاوة الإبهام:

(الأول)- المسفوح

و هو لغة المصبوب أي الذي انصب من العرق بكثرة يقال سفح الرجل الدمع و الدم من باب منع: صبه، و سفحت دمه إذا سفكته، و الظاهر انه لا خلاف بين علمائنا في نجاسته سوى ما ينقل من الخلاف في دم رسول الله (صلى الله‌

______________________________
(1) ص 6.

(2) رواه في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

44
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) - ما يتخلف في اللحم بعد الذبح من حيوان مأكول اللحم ؛ ج 5، ص : 45

عليه و آله) حيث استشكل فيه العلامة في المنتهى، فقال: في نجاسة دم رسول الله (صلى الله عليه و آله) إشكال ينشأ من انه دم مسفوح و من ان أبا طيبة الحجام شربه و لم ينكر عليه «1» و كذا في بوله (صلى الله عليه و آله) حيث انه بول و من ان أم أيمن شربته «2».

و هذا الخلاف مما لا ثمرة له الآن، و يدل على نجاسة الدم المسفوح إطلاق جملة من الأخبار المتقدمة زيادة على الإجماع المدعى في المقام كما في المعتبر و المنتهى و غيرهما.

(الثاني)- ما يتخلف في اللحم بعد الذبح من حيوان مأكول اللحم

، و هو طاهر حلال من غير خلاف يعرف، و لم أقف على نص يدل على طهارته بخصوصه أو حله إلا ان اتفاق الأصحاب على كلا الحكمين من غير خلاف ينقل- مضافا الى حصر المحرمات في الآيات المستلزم للطهارة لأنه متى كان حلالا كان طاهرا، و الروايات الدالة على عد محرمات الذبيحة و لم تذكره منها و ان كانت الدلالة لا تخلو من ضعف، مع اعتضاد ذلك بأصالة الطهارة- الظاهر انه كاف في المقام. و استثني من المتخلف ما يجذبه الحيوان بنفسه الى باطن الذبيحة فإنه نجس حرام لا يدخل فيما نحن فيه. و هو كذلك لعدم شمول الأدلة له.

(الثالث)- المتخلف في الحيوان الغير المأكول اللحم مما يقع عليه الذكاة

، و الظاهر من الأصحاب نجاسته لحصرهم الدم الطاهر في افراد و لم يعدوا هذا منها، قال في المعالم: و تردد في حكمه بعض من عاصرناه من مشايخنا، و منشأ التردد من إطلاق الأصحاب الحكم بنجاسة الدم مما له نفس مدعين الاتفاق عليه و هذا بعض افراده،

______________________________
(1) كما في شرح الزرقانى على المواهب اللدنية لابن حجر ج 4 ص 233.

(2) في الإصابة لابن حجر ج 4 ص 432 ترجمة أم أيمن «قالت كانت للنبي (ص) فخارة يبول فيها بالليل فكنت إذا أصبحت صببتها فنمت ليلة و انا عطشانة فغلطت فشربتها فذكرت ذلك للنبي (ص) قال انك لا تشتكي بطنك بعد يومك هذا».

45
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) - ما عدا المذكورات من الدماء ؛ ج 5، ص : 46

و من ظاهر قوله تعالى «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» «1» حيث دل على حل غير المسفوح و هو يدل على طهارته، ثم قال: و يضعف الثاني بأن ظاهرهم الإطباق على تحريم ما سوى الدم المتخلف في الذبيحة و دم السمك على ما فيه، و قد قلنا ان المتبادر من الذبيحة ما يكون من مأكول اللحم فدم ما لا يؤكل لحمه حرام عندهم مطلقا، و عموم ما دل على تحريم الحيوان الذي هو دمه يتناوله أيضا إذ أكثر الأدلة غير مقيدة باللحم و انما علق التحريم فيها بالحيوان فيتناول جميع اجزائه، و لا يرد مثله في المحلل لقيام الدليل هناك على تخصيص التحليل باللحم و اجزاء أخر معينة، و بالجملة فحل الدم مع حرمة اللحم أمر مستبعد جدا لا سيما بعد ما قررناه من ظهور الاتفاق بينهم فيه و تناول الأدلة بظاهرها له، و إذا ثبت التحريم هنا لم يبق للآية دلالة على طهارته كما لا يخفى. انتهى. و هو جيد. و بالجملة فالآية مخصصة و ظواهر الأدلة الدالة على تحريم ما لا يؤكل لحمه شاملة للدم و غيره، مضافا جميع ذلك الى إطلاق جملة من اخبار نجاسة الدم المتقدمة و نحوها، فلم يبق للتوقف في النجاسة وجه.

(الرابع)- ما عدا المذكورات من الدماء

التي لا تخرج بقوة من عرق و لا لها كثرة و انصباب و ليس مما تخلف بعد الذبح كدم الشوكة و العثرة و نحو ذلك من ذي النفس مطلقا، و ظاهر الأصحاب أيضا الاتفاق على نجاسته، و يدل عليه أخبار نجاسة دم الرعاف و الأمر بغسله كما تقدم بعض منها و إطلاق الأخبار المتقدمة و نحوها، و ربما أوهم كلام العلامة في جملة من كتبه الطهارة في هذا القسم و سابقه حيث انه قيد في المنتهى و جملة من كتبه الدم المحكوم بنجاسته بالمسفوح و ظاهره حصر النجس في المسفوح. و كذا كلامه في المختلف حيث قال فيه محتجا على طهارة المتخلف في الذبيحة:

هو طاهر إجماعا لانتفاء المقتضى للتنجيس و هو السفح. و لصاحب المعالم (قدس سره) في هذا المقام كلام طويل على عبارة العلامة (قدس سره) في المنتهى أورده في الكتاب‌

______________________________
(1) سورة الانعام، الآية 146.

46
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

المذكور و مناقشات فيه للفاضل الخوانساري في شرح الدروس ليس للتعرض لها كثير فائدة مع الاتفاق على الحكم المذكور. و الظاهر- كما استظهر جملة من الأصحاب- ان الحامل للعلامة على التقييد بالمسفوح في عباراته انما هو الاحتراز عن الدم المتخلف في الذبيحة حيث انه طاهر إجماعا و كذا غيره مما حكموا بطهارته، فإنه لا ريب و لا شك في نجاسة هذا القسم المذكور الذي نحن في صدد الكلام عليه، لا ان قصده إخراج شي‌ء من أصناف دم ذي النفس على الإطلاق.

(الخامس)- دم السمك

، و لا ريب في طهارته تمسكا بالأصل السالم من المعارض و يعضده فقد شرط التنجيس عند الأصحاب و هو وجود النفس السائلة، و قد نقل الإجماع على الطهارة جمع من محققي الأصحاب: منهم- الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية و ابن إدريس في السرائر و المحقق في المعتبر و العلامة في المختلف و الشهيد في الذكرى، و قد ذكر في المختلف ان ظاهر تقسيم الشيخ للدم في المبسوط و الجمل يعطي حكمه بنجاسة دم السمك و البق و البراغيث مع انه لا يجب إزالة قليله و لا كثيره، و تخطى المتأخرون عن العلامة فتسبوا الى الشيخ في الكتابين القول بنجاسة الدماء المذكورة جزما مع ان العلامة إنما نسب ذلك الى ظاهر كلامه بمعنى ان اللازم منه ذلك لا انه قائل به حقيقة.

أقول: و السر في ذلك انه قال في الجمل: النجاسات على ضربين دم و غيره، و الدم على ثلاثة أضرب: ضرب يجب إزالة قليله و كثيره و هي كذا و كذا، فعد أنواعه، و ضرب لا يجب إزالة قليله و لا كثيره و هي خمس أجناس: دم البق و البراغيث و السمك و الجراح اللازمة و القروح الدامية. و هكذا عبارة المبسوط، و أجاب في المعالم بان ذلك انما نشأ من سوء تعبير الشيخ في هذا المقام و إلا فإنه غير مراد له قطعا، و ينبه على ذلك انه في الخلاف ذكر نظير هذا الكلام المنقول عن الجمل و المبسوط بعد ما نقل الإجماع على الطهارة بسطر واحد، و ذلك فإنه بعد ان حكى خلاف الشافعي في هذه الدماء قال دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا فإن النجاسة حكم شرعي و لا دلالة في الشرع على نجاسة هذه الدماء، ثم‌

47
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

قال بعد سطر واحد: جميع النجاسات يجب إزالتها عن الثياب و البدن قليلا كان أو كثيرا إلا الدم فان له ثلاثة أحوال دم البق و البراغيث و دم السمك و ما لا نفس له سائلة و دم الجروح اللازمة لا بأس بقليله و كثيره. و هذا الكلام الأخير يرجع في المعنى الى ما نقلنا عن الجمل و المبسوط في الدلالة على نجاسة الدماء الثلاثة المذكورة مع انه جمع بينه و بين الإجماع على الطهارة في مقام واحد و عبارة واحدة، و لا ريب انه بناء على التوسع في التعبير لظهور طهارة هذه الدماء اتفاقا أو انه أراد بالنجاسة التي جعلها مقسما معنى خلاف الظاهر اعتمادا على القرينة الحالية و هي معلومية الطهارة فعلى هذا يحمل كلامه أيضا في ذينك الكتابين، و قد جرى مثل ذلك لسلار و ابن حمزة أيضا حيث ذكرا مثل هذا التقسيم الذي نقلناه عن الشيخ في الجمل و لم يظهر منهما ما يوجب الخروج عن ظاهرها كما اتفق للشيخ بنقل الإجماع في الخلاف إلا ان الظاهر الحمل على ما ذكرناه في عبارة الشيخ من التجوز، هذا مع ان السهو و النسيان كالطبيعة الثانية للانسان و المعصوم من عصمه الله تعالى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان العلامة في المنتهى قد استدل على طهارة دم السمك بوجوه: منها- قوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعٰامُهُ» «1» و قوله سبحانه:

«قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» «2» و وجه الدلالة في الأولى بأن التحليل يقتضي الإباحة من جميع الوجوه و ذلك يستلزم الطهارة، و في الثانية بأن دم السمك ليس بمسفوح فلا يكون نجسا. و اعترض عليه بعض أفاضل المتأخرين بأن الاستدلال بالآية محل تأمل. أقول: الظاهر ان وجه التأمل هو ان المتبادر من الحل هو حل ما يعهد اكله منه كاللحم و نحوه لا الدم، اما الآية الثانية فهي ظاهرة في الحل الموجب للطهارة، و منه يظهر قوة القول يحل دم السمك، و ظاهر كلام جملة من الأصحاب بل الظاهر انه المشهور هو التحريم و اختصاص التحليل في افراد‌

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 97.

(2) سورة الانعام، الآية 146.

48
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

الدماء بالمتخلف في الذبيحة، و الظاهر انه لا دليل لهم أزيد من دعوى الاستخباث مع ان الظاهر هنا من جملة من الأصحاب الذين استدلوا بهاتين الآيتين على الطهارة في هذا المقام هو الحل، و منهم ابن زهرة في الغنية و ابن إدريس.

و في المعتبر استدل على طهارة دم السمك بان دم السمك لو كان نجسا لتوقفت إباحة أكله على سفح دمه بالذبح كحيوان البر لكن الإجماع على خلاف ذلك و انه يجوز اكله بدمه. و هو- كما ترى- صريح في قوله بالحل.

قال في المعالم بعد كلام في المقام: و بالجملة فعباراتهم ظاهرة في تخصيص التحليل في دم الذبيحة و تعميم التحريم في غيره من الدماء، و وقع التصريح بذلك أيضا في كلام بعضهم و التنصيص على تحريم دم السمك بالخصوص، و ليس لهم عليه حجة غير الاستخباث و هو موضع نظر، و إذا لم يثبت تحريمه تكون الآية دليلا قويا على طهارته. انتهى.

أقول: لا يخفى ان ظواهر الأخبار دالة على حل السمك بإخراجه من الماء حيا الذي هو عبارة عن ذكاته و الشارع لم يعتبر فيه الذبح و التذكية كما في الحيوانات البرية بل ذكاته إخراجه من الماء حيا، و مقتضى ذلك جواز أكله حينئذ حيا أو ميتا بغير ذبح ثانيا بغير طبخ أو مطبوخا، إلا انه يمكن ان يقال انه لا ريب في ذلك ما لم يخرج منه دم في تلك الحال لأنا غير مخاطبين بما تحت جلده من الدم المخالط للحمه بل عموم تحليله في تلك الحال شامل للجميع اما لو خرج منه دم في تلك الحال فلا مانع من القول بحرمته للأدلة الدالة على تحريم الدماء من غيره حيث لم يستثن منها إلا المتخلف في الذبيحة، و بالجملة فالحكم يكون تابعا للاسم فمع وجود الدم يتعلق به حكم الدماء و مع عدم وجوده فانا غير مخاطبين به، و الاحتياط يقتضي الوقوف على هذا الوجه الى ان يقوم دليل واضح على أحد الحكمين.

و الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة‌

ما رواه الشيخ عن السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» «ان عليا (عليه السلام) كان لا يرى بأسا

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

49
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) - دم السمك ؛ ج 5، ص : 47

بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل يعني دم السمك».

أقول: قوله «ما لم يذك» اي ما لم يدخله التذكية و هو مما لا نفس له ففيه دلالة على طهارة ما لا نفس سائلة له، إلا ان قوله أخيرا «يعني دم السمك» ان كان من كلامه (عليه السلام) فيحتمل ان يكون تقييدا لعموم «ما لم يذك» و يحتمل ان يكون تمثيلا يعني دم السمك و أمثاله، و الأول انسب بسياق الخبر و الثاني أنسب بالقواعد المقررة، و كيف كان فهو ظاهر في طهارة دم السمك (السادس)- دم غير السمك مما لا نفس له، و قد نقل الإجماع على طهارته جملة من الأصحاب: منهم- الشيخ في الخلاف فإنه بعد ان ذكر طهارة الدم من كل حيوان لا نفس له احتج لذلك بإجماع الفرقة و عدم الدلالة في الشرع على النجاسة و هي حكم شرعي لا يثبت بدون الدليل. و ممن ادعى الإجماع على ذلك الشهيد في الذكرى و العلامة في المنتهى و التذكرة، و يظهر من المحقق في المعتبر حيث ذكر ان طهارة دم السمك مذهب علمائنا اجمع و قال بعده: و كذا كل دم ليس لحيوانه نفس سائلة كالبق و البراغيث. أقول و يعضد ذلك الأصل، و اما ما يوهم خلافه من ظاهر التقسيم المتقدم نقله عن الجمل و المبسوط و سلار فقد عرفت الوجه فيه، و يزيد ذلك تأكيدا‌

صحيحة عبد الله ابن ابي يعفور «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في دم البراغيث؟

قال ليس به بأس. قلت انه يكثر و يتفاحش؟ قال و ان كثر».

و رواية الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال لا و ان كثر».

و رواية محمد بن الريان «3» قال: «كتبت الى الرجل (عليه السلام) هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث و هل يجوز لأحد ان يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه و ان يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (عليه السلام) يجوز الصلاة و الطهر منه أفضل».

و قد تقدم‌

في حديث غياث عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «4» قال: «لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف».

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب النجاسات.

50
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع: ؛ ج 5، ص : 51

 

فروع:

(الأول) [حكم العلقة]

- قال في الخلاف العلقة نجسة، و احتج على ذلك بإجماع الفرقة و بان ما دل على نجاسة الدم دل على نجاسة العلقة. قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه:

و في هذا نظر لا يخفى وجهه بعد الإحاطة بما حققناه في دليل نجاسة الدم. انتهى. و قال في المعتبر: العلقة التي تستحيل إليها نطفة الآدمي نجسة لأنها دم حيوان له نفس سائلة و كذا العلقة التي توجد في بيض الدجاج و شبهه و قال في الذكرى بعد نقل ذلك عن المحقق: و في الدليل منع و تكونها في الحيوان لا يدل على انها منه. مع انه قال في الدروس في تعداد النجاسات: و الدم من ذي نفس سائلة و ان كان بحريا كالتمساح أو كان علقة في البيضة و غيرها. قال في المعالم بعد نقل كلام الذكرى: و هو متجه لا سيما بالنظر الى ما يوجد في البيضة مع ان كونه علقة ليس بمعلوم ايضا فالإجماع الذي ادعاه الشيخ لو ثبت على وجه يكون حجة لكان في تناوله نظر و مقتضى الأصل طهارته، و يعضده ظاهر قوله تعالى: «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً» حيث انه دال على حل غير المسفوح مطلقا خرج من ذلك ما وقع الاتفاق على تحريمه فيبقى الباقي، و إثبات الحل مقتض لثبوت الطهارة كما مر غير مرة. و كتب في الحاشية قال بعض الأصحاب ما يوجد في البيضة أحيانا من الدم لا يعلم كونه من دم ذلك الحيوان فالعلم بكونه علقة له أشد بعدا. و الأمر كما قال. انتهى أقول: لقائل أن يقول ان ما دل على نجاسة الدم كالاخبار التي قدمناها و نحوها لا تخصيص فيها بما كان من حيوان بل هي مطلقة في نجاسة الدم أعم من ان يكون من حيوان أو من استحالة شي‌ء إليه كالمني مثلا و ما في البيضة فإنه يكون علقة فيكون داخلا تحت عموم ما دل على نجاسة الدم بقول مطلق. الا ان فيه ان الظاهر ان العموم المدعى من الاخبار لا يشمل مثل هذا الفرد لما قررناه في غير مقام مما تقدم من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة و هي هنا دم الإنسان و كل ذي نفس سائلة أو غير سائلة دون الفروض النادرة مثل دم العلقة. و اما إجماع الأصحاب على نجاسة الدم فهو ايضا مخصوص بدم ذي النفس السائلة فلا يدخل هذا الدم تحت الإجماع‌

 

51
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) تردد الدم بين الطاهر و النجس ؛ ج 5، ص : 52

و لا الروايات، نعم الشيخ ادعى في الخلاف الإجماع على نجاسة العلقة و العلقة لغة هي القطعة من الدم، و المراد منها هنا ما ذكره في المعتبر و هو المشار إليه في الآية و هي القطعة من الدم التي يستحيل إليها المني ثم تصير هي مضغة. فتكون نجاسة العلقة أنما تستند الى هذا الإجماع المدعى من الشيخ في الخلاف و في شمول العلقة للدم الموجود في البيضة إشكال كما ذكره في المعالم، و حينئذ فلا يدخل تحت الإجماع المدعى من الشيخ و لم يبق إلا صدق الدم عليه، و قد عرفت انه لا دليل على نجاسة الدم بحيث يشمل هذا الفرد سواء تمسك بالإجماع أو الروايات. و بالجملة فقد ظهر مما ذكرنا ان الأقوى هو الطهارة و لا سيما في ما في البيضة. و من ذلك يظهر ان الأقرب حله لعدم دليل الحرمة كما يظهر من كلام صاحب المعالم أيضا في تمسكه بالآية على تخصيص الدم المحرم بالمسفوح الدال على حل غير المسفوح خرج من ذلك ما وقع الاتفاق على تحريمه فيبقى الباقي، و الاحتياط في الموضعين لا يخفى.

(الثاني) [تردد الدم بين الطاهر و النجس]

- لو اشتبه الدم المرئي في الثوب أو البدن فلم يعلم كونه من الدماء الطاهرة أو النجسة فمقتضى الدليل طهارته‌

لقوله (عليه السلام) في موثقة عمار «1» «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

و قول علي (عليه السلام) «2» فيما رواه عنه في الفقيه «لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم».

و لا خلاف في ذلك بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) و هكذا الكلام في كل شي‌ء له افراد بعضها طاهر و بعضها نجس فإنه بمقتضى الدليل المذكور يحكم بالطهارة حتى يعلم ان ذلك الفرد من الافراد النجسة حتى الجلود كما سيأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في محله و ان كان المشهور بينهم خلافه في الأخير. و كذا يجري الحكم المذكور فيما لو اشتبه دم معفو عنه كدم الحجامة الأقل من‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات و اللفظ «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر».

(2) المروي في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

52
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) ميتة ذي النفس السائلة ؛ ج 5، ص : 53

درهم بدم الحيض الغير المعفو عن قليله و كثيره فإنه يحكم بالعفو حتى يعلم خلاف ذلك.

(الثالث) [ميتة ذي النفس السائلة]

- قال المحقق في المعتبر بعد ان نقل عن الشيخ الحكم بطهارة الصديد:

و عندي في الصديد تردد أشبهه النجاسة لأنه ماء الجرح يخالطه يسير دم، و لو خلا من ذلك لم يكن نجسا، و خلافنا مع الشيخ فيه يؤول إلى العبارة لأنه يوافق على هذا التفصيل اما القيح ان مازجه دم نجس بالممازجة و ان خلا من الدم كان طاهرا (لا يقال): هو مستحيل عن الدم (لأنا نقول): لا نسلم ان كل مستحيل من الدم لا يكون طاهرا كاللحم و اللبن و حجتنا في الطهارة و جوابنا كما تقدم. اما ما عدا ذلك كالعرق و البصاق و الدموع فقد اتفق الجميع على الطهارة. انتهى.

أقول: ما ذكره في الجواب عن المستحيل من الدم جيد إلا ان قوله هنا بطهارة المستحيل عن الدم ينافي ما قدمه في مسألة أبوال الدواب الثلاث و أرواثها من كلامه في ذرق الدجاج مما يدل على ان المستحيل عن عين النجاسة يكون نجسا على الإطلاق، و سيأتي تحقيق المسألة في محلها ان شاء الله تعالى.

(الرابع) [طهارة المسك]

- قال في المدارك: المسك طاهر إجماعا قاله في التذكرة و المنتهى للأصل‌

و لما روى عن النبي (صلى الله عليه و آله) «انه كان يتطيب به و كان أحب الطيب اليه» «1».

و اما فأرته فسيأتي الكلام فيه قريبا ان شاء الله تعالى في الفصل الآتي.

(الفصل الخامس)- في الميتة

، قد أجمع الأصحاب على نجاسة الميتة من ذي النفس السائلة نقله جمع: منهم- المحقق في المعتبر حيث قال الميتات مما له نفس سائلة نجس و هو إجماع الناس. و قال في المنتهى: الميتة من الحيوان ذي النفس السائلة نجسة سواء كان آدميا أو غير آدمي و هو مذهب علمائنا اجمع. و نحو ذلك في كلام الشهيد‌

______________________________
(1) الوسائل في الباب 95 من آداب الحمام

عن أبي البختري عن الصادق عن أبيه (ع) قال «ان رسول الله (ص) كان يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفارقه».

و فيه ايضا «كان النبي (صلى الله عليه و آله) يتطيب بذكور الطيب و هو المسك و العنبر» ..

53
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) - ميتة غير الآدمي من ذي النفس السائلة ؛ ج 5، ص : 54

و ابن زهرة و غيرهم، قال في المعالم: و قد تكرر في كلام الأصحاب ادعاء الإجماع على هذا الحكم و هو الحجة فيه إذ النصوص لا تنهض بإثباته و جملة ما وقفنا عليه من الروايات في هذا الباب حسنة الحلبي، ثم ساق الرواية الآتية و أردفها برواية إبراهيم بن ميمون الآتية أيضا ثم قال و قصور هذين الحديثين عن افادة هذا الحكم بكماله ظاهر مع ان الصحة منتفية عن سنديهما، و ورد في عدة روايات معتبرة الإسناد المنع من أكل السمن و الزيت إذا ماتت فيه الفأرة و ظاهره الحكم بنجاسته، و هذا الحكم خاص ايضا كما لا يخفى فلا يمكن جعله دليلا على العموم، و حينئذ فالعمدة في إثبات التعميم هو الإجماع المدعى في كلام الجماعة. انتهى ملخصا، و فيه ما سيأتي ان شاء الله تعالى في المقام.

و كيف كان فالميتة اما ان تكون من ذي النفس أو غيره و الأول اما آدمي أو غيره فههنا أقسام ثلاثة، و بيان الكلام فيها يقتضي بسطه في مواضع ثلاثة:

(الأول)- ميتة غير الآدمي من ذي النفس السائلة

، و قد عرفت فيما تقدم دعوى الإجماع على النجاسة فيما يشمل هذه المسألة.

و لصاحب المدارك في هذه المسألة مناقشتان: (الاولى) في وجود الدليل الدال على النجاسة في هذه المسألة كما سبق ذكره في كلام المحقق الشيخ حسن و ان كان الكلام هنا فيما هو أخص مما ذكره المحقق المشار اليه. و (الثانية)- في نجاسة جلد الميتة و هي في الحقيقة راجعة إلى الاولى، و ها أنا أسوق كلامه بطوله و أبين ما يكشف عن فساد محصوله و به يظهر تحقيق الحال و ينجلي عنه غياهب الإشكال، فأقول:

قال السيد المذكور: «و احتج عليه في المنتهى بان تحريم ما ليس بمحرم بالأصل و لا فيه ضرر كالسم يدل على نجاسته. و فيه منع ظاهر. نعم يمكن الاستدلال عليه بالروايات المتضمنة للنهي عن أكل الزيت و نحوه إذا ماتت فيه الفأرة لكنه غير صريح في النجاسة‌

و بما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لزرارة

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.

54
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

و محمد بن مسلم «اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي‌ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي و ان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه».

وجه الدلالة ان الظاهر ان الأمر بغسل ما يؤخذ من الدابة بعد الموت انما هو لنجاسة الأجزاء المصاحبة له من الجلد. و يتوجه عليه ان الأمر بالغسل لا يتعين كونه للنجاسة بل يحتمل ان يكون لإزالة الأجزاء المتعلقة به من الجلد المانعة من الصلاة فيه كما يشعر به قوله «و صل فيه» و بالجملة فالروايات متظافرة بتحريم الصلاة في جلد الميتة بل الانتفاع به مطلقا و اما نجاسته فلم أقف فيها على نص يعتد به، مع‌

ان ابن بابويه روى في أوائل الفقيه مرسلا عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و السمن و الماء ما ترى فيه؟ فقال لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن و توضأ منه و اشرب و لكن لا تصل فيها».

و ذكر قبل ذلك من غير فصل يعتد به انه لم يقصد فيه قصد المصنفين في إيراد جميع ما رووه، قال بل انما قصدت إلى إيراد ما افتي به و احكم بصحته و اعتقد انه حجة فيما بيني و بين ربي تقدس ذكره و تعالت قدرته، و المسألة قوية الإشكال» انتهى كلامه.

أقول: و الكلام هنا يقع في مقامين‌

[المقام] (الأول) [الروايات الدالة على ذلك]

- فيما ذكره من المناقشة الاولى في عدم الدليل على نجاسة الميتة من ذي النفس غير الإنسان، و ها أنا أورد ما وقفت عليه من الروايات المتعلقة بذلك و ان طال به زمام الكلام فإنه من أهم المهام.

و أقول: من ذلك روايات ما يقع في البئر و الأمر بالنزح لها مع التغير و عدمه و قد اشتملت تلك الروايات على ميتة الإنسان و الدابة و الفأرة و الطير و الحمار و البقرة و الجمل و السنور و الحمام و الدجاجة و نحو ذلك، و لا ينافي ذلك القول بطهارة البئر فإن ذلك ليس من حيث كون هذه الأشياء غير نجسة بل انما هو من حيث عدم انفعالها بالنجاسة و لهذا لو تغير الماء بها فلا خلاف في النجاسة.

و منها- اخبار الدهن و الزيت و نحوهما و هي كثيرة، و منها-

صحيحة زرارة

55
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

أو حسنته بإبراهيم بن هاشم على المشهور عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه فان كان جامدا فألقها و ما يليها و كل ما بقي و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به، و الزيت مثل ذلك».

و منها-

صحيحة الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه؟

فقال ان كان سمنا أو عسلا أو زيتا- فإنه ربما يكون بعض هذا- فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و ان كان الصيف فارفعه حتى تسرج به، و ان كان بردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه».

و منها-

صحيحة سعيد الأعرج «3» قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة تقع في السمن و الزيت ثم تخرج منه حيا؟ فقال لا بأس بأكله. و عن الفأرة تموت في السمن و العسل؟ فقال قال علي (عليه السلام) خذ ما حولها و كل بقيته. و عن الفأرة تموت في الزيت؟ فقال لا تأكله و لكن أسرج به».

و منها-

رواية معاوية بن وهب عن الصادق (عليه السلام) «4» قال «قلت له جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل؟ فقال اما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و اما الزيت فيستصبح به. و قال في بيع ذلك تبيعه و تبينه لمن اشتراه ليستصبح به».

و منها-

رواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) «5» «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت و إذا في القدر فأرة؟ قال يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل».

و منها-

رواية سماعة «6» قال «سألته عن السمن تقع فيه الميتة؟ فقال ان كان جامدا فالق ما حوله و كل الباقي. فقلت الزيت؟ فقال أسرج به».

و منها-

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «7» «سألته عن آنية أهل الذمة؟ فقال

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 43 و 45 من الأطعمة المحرمة.

(4) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(5) المروية في الوسائل في الباب 44 من الأطعمة المحرمة.

(6) المروية في الوسائل في الباب 43 من الأطعمة المحرمة.

(7) المروية في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.

56
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

لا تأكلوا في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير».

و منها-

رواية جابر عن الباقر (عليه السلام) «1» قال «أتاه رجل فقال له وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله؟ قال فقال له أبو جعفر (عليه السلام) لا تأكله فقال له الرجل الفأرة أهون علي من ان اترك طعامي من أجلها. قال فقال له أبو جعفر (عليه السلام) انك لم تستخف بالفأرة و انما استخففت بدينك، ان الله تعالى حرم الميتة من كل شي‌ء».

أقول: المراد بلفظ التحريم هنا النجاسة ليصح التعليل المذكور و إلا فالحرمة بمجردها بمعناها المتعارف لا توجب عدم أكل الزيت الذي ماتت فيه الفأرة، و مما يؤيد ورود هذا اللفظ بمعنى النجاسة لا بالمعنى المتبادر‌

ما رواه في التهذيب و الكافي عن الحسن ابن علي «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال هي حرام. قلت جعلت فداك فتصطبح بها؟ فقال أما تعلم انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام؟».

إذ لا ريب بمقتضى سياق الخبر ان الحرام هنا انما هو بمعنى النجس.

أقول: ظاهر رواية الحسن بن علي المذكورة عدم جواز الانتفاع بأليات الميتة أو المبانة من حي مطلقا حتى و لو بالإسراج، و هو المشهور بين الأصحاب و به صرح جملة: منهم- الشهيد الثاني في المسالك، قال بعد قول المصنف: «و يجوز بيع الادهان النجسة و يحل ثمنها. إلخ»: المراد بها الادهان النجسة بالعرض كما هو المفروض اما النجسة بالذات كأليات الميتة يقطعها من حي أو ميت فلا يجوز بيعها و لا الانتفاع بها مطلقا إجماعا لإطلاق النهي عنه، و انما جاز بيع الدهن النجس لبقاء منفعته بالاستصباح. انتهى. و نقل الشهيد عن العلامة جواز الاستصباح به تحت السماء ثم قال: و هو ضعيف.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 5 من أبواب الماء المضاف.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من الذبائح و 32 من الأطعمة المحرمة.

57
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

أقول:

قد روى ابن إدريس في السرائر عن جامع البزنطي عن الرضا (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح له ان ينتفع بما قطع؟ قال نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبيعها».

قال ابن إدريس بعد نقله: لا يلتفت الى هذا الحديث لانه من نوادر الأخبار و الإجماع منعقد على تحريم الميتة و التصرف فيها بكل حال إلا أكلها للمضطر غير الباغي و لا العادي. و هو جار على ما قدمنا ذكره عنهم، و روى هذه الرواية أيضا في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) مثله «2».

و ظاهر شيخنا المجلسي في البحار الميل الى العمل بهذه الرواية حيث قال بعد نقل الخلاف في المسألة: و الجواز عندي أقوى لدلالة الخبر الصحيح المؤيد بالأصل على الجواز و ضعف حجة المنع إذ المتبادر من تحريم الميتة تحريم أكلها كما حقق في موضعه و الإجماع ممنوع. انتهى.

أقول: ما ذكره بالنسبة الى الآية من ان التحريم انما يتبادر إلى الأكل دون سائر الوجوه جيد إلا ان جملة من الأخبار صرحت بأن الميتة لا ينتفع بشي‌ء منها، و منه‌

ما رواه في الكافي و الفقيه بطريقه إلى الكاهلي في حديث عن الصادق (عليه السلام) «3» «سئل عن أليات الغنم قال ان في كتاب علي (عليه السلام) ان ما قطع منها ميتة لا ينتفع به».

و نحوه غيره كما سيأتي في المقام ان شاء الله تعالى، و ليس حجة المانع منحصرة فيما ذكره مع إمكان حمل الرواية التي اعتمدها على التقية، و لتحقيق المسألة موضع آخر و لكن الحديث ذو شجون فلنعد الى ما نحن فيه:

و منها-

صحيحة زرارة «4» قال: «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب ما يكتسب به.

(3) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

58
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

شي‌ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ إلا ان يجي‌ء له ريح يغلب على ريح الماء».

و منها-

موثقة عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الفأرة التي يجدها في إنائه و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا و غسل ثيابه و اغتسل و قد كانت الفأرة متسلخة؟ فقال ان كان رآها في الإناء قبل ان يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كل ما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة. الحديث».

و منها-

صحيحة حريز عن الصادق (عليه السلام) «2» انه قال: «كلما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضأ من الماء و اشرب فإذا تغير الماء و تغير الطعم فلا تتوضأ منه و لا تشرب».

و رواية عبد الله بن سنان «3» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن غدير أتوه و فيه جيفة؟ فقال إذا كان الماء قاهرا و لا يوجد فيه الريح فتوضأ».

و موثقة سماعة عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الرجل يمر بالماء و فيه دابة ميتة قد أنتنت؟ قال ان كان النتن الغالب على الماء فلا تتوضأ و لا تشرب».

و رواية أبي خالد القماط عن الصادق (عليه السلام) «5» «في الماء يمر به الرجل و هو نقيع فيه الميتة و الجيفة؟

فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ان كان الماء قد تغير ريحه أو طعمه فلا تشرب و لا تتوضأ منه. الحديث».

و في الفقه الرضوي «6» «و ان مسست ميتة فاغسل يديك و ليس عليك غسل انما يجب عليك ذلك في الإنسان وحده».

و منها-

موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) «7» قال: «سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه؟ قال كل ما ليس له دم فلا بأس به».

و رواية حفص بن غياث عن جعفر بن محمد (عليه السلام) «8» قال: «لا يفسد الماء إلا ما كان له

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 4 أبواب الماء المطلق.

(2) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(3) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الماء المطلق.

(6) ص 18.

(7) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(8) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

59
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) الروايات الدالة على ذلك ؛ ج 5، ص : 55

نفس سائلة».

و موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) «1» في حديث طويل قال فيه:

«اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات».

الى غير ذلك من الاخبار التي يقف عليها المتتبع و هذا ما حضرني منها.

و أنت خبير بأنه لا مجال للتوقف في الحكم المذكور بعد الوقوف على هذه الاخبار مع تعليق الحكم في كثير منها على مطلق الميتة و الجيفة و الشي‌ء و الدابة- و المراد بها ما يدب على وجه الأرض لا ذات القوائم الأربع- من غير مخصص و لا مقيد، و لا يخفى على من اعطى النظر حقه ان أكثر الأحكام الشرعية التي صارت بين الأصحاب قواعد كلية إنما حصلت من تتبع جزئيات الأحكام و ضم بعضها الى بعض كالقواعد النحوية المبنية على تتبع كلام العرب و إلا فوجود الأحكام بقواعد مسورة بسور الكلية لا تكاد يوجد إلا نادرا. و ما ذكره في المدارك مما قدمنا نقله عنه- بعد إشارته إلى روايات الزيت الذي ماتت فيه الفأرة انه غير صريح في النجاسة- مردود بأنهم إنما حكموا بالنجاسة في جل المواضع بل كلها من حيث النهي عن الصلاة فيها أو الأمر بغسلها أو النهي عن أكل ما وقعت فيه أو النهي عن شربه و نحو ذلك مما هو أعم من المراد حتى انه لو ورد لفظ النجاسة لتأولوه بالحمل على المعنى اللغوي لعدم الحقيقة الشرعية فيه كذلك، و هو ممن صرح بما ذكرناه أيضا في نجاسة البول فقال بعد كلام في المقام و الاحتجاج على النجاسة بالأمر بالغسل: «و لا معنى للنجس شرعا إلا ما وجب غسل الملاقي له بل سائر الأعيان النجسة انما استفيد نجاستها من أمر الشارع بغسل الثوب و البدن من ملاقاتها» انتهى.

و الحكم في الغسل و الأكل واحد باعتبار النجاسة العارضة للمأكول فكما ان النهي عن الأكل أعم من النجاسة كذلك الأمر بالغسل أعم من ذلك. و بالجملة فإن ما ذكره المحققان المذكوران انما نشأ من الغفلة عن تتبع الروايات في هذا المقام و قصر النظر على ما خطر ببالهما من الاخبار المشار إليها في كلامهما و من اعطى النظر حقه في هذه الأخبار‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 53 من أبواب النجاسات.

60
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

التي سردناها لا يخفى عليه انطباقها على ما ذكرناه من عموم الحكم.

(المقام الثاني) [حكم جلد الميتة]

- فيما ذكره من المناقشة الثانية في حكم جلد الميتة و انه لم يقم على نجاسته عنده دليل معتضدا بما نقله عن الفقيه، ففيه انه لا ريب ان الروايات هنا مختلفة في جلد الميتة طهارة و نجاسة و القول بطهارته منقول عن ابن الجنيد لكن بشرط الدباغ و انها تطهر بذلك.

فمما يدل على الطهارة ما نقله عن الفقيه و مثله‌

ما رواه الشيخ في الصحيح الى الحسين ابن زرارة- و هو و ان كان في كتب الرجال مهملا إلا انه يمكن استفادة مدحه من دعاء الصادق (عليه السلام) له و لأخيه الحسن- عن الصادق (عليه السلام) «1» «في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن أو الماء فاشرب منه و أتوضأ؟ قال نعم، و قال يدبغ فينتفع به و لا يصلى فيه».

و ظاهر الرواية التي نقلها عن الفقيه و ان كان أعم إلا ان الظاهر انه يجب تقييدها بالدباغ، و لعله إنما أطلق الحكم فيها بناء على ما هو المتعارف من الدباغ و انه لا يستعملونه إلا بعد ذلك، و حينئذ يكون الجميع مستندا لما ذهب اليه ابن الجنيد في المسألة و أظهر من هذين الخبرين في ذلك ما صرح به (عليه السلام) في كتاب الفقه «2» حيث قال: «و ان كان الصوف و الوبر و الشعر و الريش من الميتة و غير الميتة بعد ان يكون مما أحل الله تعالى اكله فلا بأس به، و كذلك الجلد فان دباغته طهارته» و قال بعد هذا الكلام بأسطر قليلة: «و ذكاة الحيوان ذبحه و ذكاة الجلود الميتة الدباغ» و مما يدل على المشهور- و هو المؤيد المنصور- من النجاسة‌

ما رواه في الكافي عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسن (عليه السلام) «3» قال: «كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي؟ فكتب لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب. الحديث».

أقول:

«ان ذكي» يحتمل ان يكون قيدا لأكل اللحم بمعنى ان مأكول اللحم مع التذكية ما حكم جلده‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 34 من الأطعمة المحرمة.

(2) ص 41.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

61
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

بعد الموت؟ و يحتمل ان يكون راجعا الى الجلود بالنظر الى ان دباغته تذكيته كما دل عليه خبر كتاب الفقه.

و ما رواه في الكافي في الصحيح عن علي بن أبي المغيرة «1» و هو ثقة قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي‌ء؟ قال لا. قلت بلغنا ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) مر بشاة ميتة فقال ما كان على أهل هذه الشاة إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها؟ قال تلك شاة كانت لسودة بنت زمعة زوجة النبي (صلى الله عليه و آله) و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما كان على أهلها إذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها أي تذكى».

وجه الدلالة (أولا)- انه (عليه السلام) ذكر ان الميتة لا ينتفع منها بشي‌ء و هو ظاهر الدلالة فيما نحن فيه. و (ثانيا)- انه لما سأله عن حديث الشاة الذي هو أحد مستندات العامة فيما ذهبوا اليه من طهارة جلد الميتة حيث انهم رووا الحديث و حملوا كلامه (صلى الله عليه و آله) على انه ينبغي ان يسلخوا جلدها بعد الموت و ينتفعوا به و ان لم ينتفعوا بلحمها لكونها ميتة «2» فأجاب (عليه السلام) بان الوجه في‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب النجاسات و 34 من الأطعمة المحرمة.

(2) في المغني ج 1 ص 66 «المشهور في المذهب نجاسة الجلد بعد الدبغ و هو احدى الروايتين عن مالك، و عن أحمد برواية اخرى انه يطهر جلد ما كان طاهرا حال الحياة.

و مذهب الشافعي طهارة الحيوانات كلها الا الكلب و الخنزير فيطهر عنده كل جلد الا جلدهما، و قال أبو حنيفة يطهر كل جلد بالدبغ الا جلد الخنزير، و حكى عن ابى يوسف انه يطهر كل جلد و هو رواية عن مالك. و مذهب من حكم بطهارة الحيوانات كلها

قوله (ص) «إذا دبغ الإهاب فقد طهر».

و لانه (ص) وجد شاة لميمونة فقال: هلا انتفعتم بجلدها؟

فقالوا انها ميتة قال انما حرم أكلها».

و في صحيح مسلم ج 1 ص 145 عن ابن عباس قال:

«تصدق لمولاة لميمونة بشاة فماتت فمر بها رسول الله (ص) فقال هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟ قالوا انها ميتة قال انما حرم أكلها».

و فيه عن ابن عباس قال «سمعت رسول الله (ص) يقول إذا دبغ الإهاب فقد طهر» ..

62
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

الخبر ليس ما توهموه و ظنه السائل بناء على شهرة الخبر بينهم بل المعنى فيه و الذي أراده (صلى الله عليه و آله) انما هو ان تذكى قبل الموت و ينتفعوا بإهابها و ان لم ينتفعوا بلحمها لهزالها، و هو صريح في عدم الانتفاع بجلود الميتة المؤذن بنجاستها، و ينبغي تقييد‌

قوله (عليه السلام): «الميتة لا ينتفع منها بشي‌ء».

بما كان تحله الحياة ثم عرض له الموت جمعا بين الخبر المذكور و الاخبار الدالة على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة.

و منها-

ما رواه الشيخ في الموثق عن ابي مريم «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) السخلة التي مر بها رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هي ميتة فقال:

ما ضر أهلها لو انتفعوا بإهابها؟ قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لم تكن ميتة يا أبا مريم و لكنها كانت مهزولة فذبحها أهلها فرموا بها فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها».

أقول: الظاهر ان مورد هذا الخبر غير سابقه. و التقريب في سؤال السائل هو ما ذكرناه من التقريب في الخبر الأول و لكن الجواب وقع عنها بأن السخلة انما رماها أهلها بعد الذبح فهي مذكاة فمن أجل ذلك قال (صلى الله عليه و آله) انها بعد التذكية و ان لم ينتفعوا بلحمها لهزاله إلا ان جلدها مما ينتفع به فكيف لم يأخذوه؟

و منها-

ما رواه في التهذيب في الموثق عن سماعة «2» قال: «سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال إذا رميت و سميت فانتفع بجلده و اما الميتة فلا».

و منها-

ما رواه في الكافي و كذا في التهذيب عن قاسم الصيقل «3» قال:

«كتبت الى الرضا (عليه السلام) اني اعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابي أ فأصلي فيها؟ فكتب الي اتخذ ثوبا لصلاتك. فكتبت الى ابي جعفر (عليه السلام) كنت كتبت الى أبيك بكذا و كذا فصعب ذلك علي فصرت أعملها من جلود الحمر

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 34 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 34 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.

63
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) حكم جلد الميتة ؛ ج 5، ص : 61

الوحشية الذكية؟ فكتب الي كل اعمال البر بالصبر يرحمك الله فان كان ما تعمل وحشيا ذكيا فلا بأس».

و منها-

ما رواه في التهذيب عن ابي القاسم الصيقل و ولده «1» قال: «كتبوا الى الرجل (عليه السلام) جعلنا الله فداك انا قوم نعمل أغماد السيوف و ليس لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا من جلود الميتة من البغال و الحمر الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا؟ و نحن محتاجون الى جوابك في المسألة يا سيدنا لضرورتنا إليها، فكتب (عليه السلام) اجعلوا ثوبا للصلاة. الحديث».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار الدالة على القول المشهور، و وجه الجمع بينها و بين ما عارضها هو حمل المعارض على التقية لموافقته لمذهب بعض العامة كما أشرنا إليه في ذيل حديث الشاة، و يدل على ذلك‌

ما رواه في التهذيب عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني ادخل سوق المسلمين اعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشترى منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أ ليست هي ذكية فيقول بلى فهل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟ فقال لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول قد شرط لي الذي اشتريتها منه انها ذكية. قلت و ما أفسد ذلك؟ قال استحلال أهل العراق الميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

و في التهذيب بسنده الى ابي بصير «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء؟ فقال كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صردا فلا تدفئه فراء الحجاز لان دباغها بالقرظ فكان يبعث الى العراق

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب لباس المصلي.

64
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فيقول ان أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون ان دباغها ذكاتها».

و بما أوضحناه و شرحناه يظهر لك انه لا إشكال في صحة القول المشهور كما وقع فيه لعدم التدبر في اخبار المسألة سيدنا المحقق المذكور. ثم ان ما ذكره (قدس سره) في تأييد مرسلة الفقيه من قول مصنفه في صدر كتابه ما قاله- مع الإغماض عن الطعن في ذلك بمخالفة مصنفه لهذه القاعدة في مواضع عديدة من كتابه كما لا يخفى على من تتبعه- ففيه انه في شرحه قد اضطرب كلامه في هذا المقام ايضا كاضطرابه في غيره فتراه تارة يعمل بمرويات الفقيه الضعيفة و يعتذر بهذا الكلام و تراه يرد رواياته اخرى من غير التفات الى ما ذكره في هذا المقام كما لا يخفى على من تتبع شرحه المشار اليه، و هي طريقة غير جيدة ناشئة من ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي تمسك به و بالغ في نصرته كما أوضحناه في مواضع من شرحنا على الكتاب.

(الموضع الثاني)- ميتة الآدمي

، و قد أجمع الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ما نقله غير واحد منهم على نجاستها بعد برده و قبل تطهيره بالغسل، قال في المعتبر:

و علماؤنا مطبقون على نجاسته نجاسة عينية كغيره من ذوات الأنفس السائلة.

و يدل على ذلك مضافا الى الإجماع المذكور‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد ابن الحسن الصفار «1» قال: «كتبت اليه: رجل أصاب يديه أو بدنه ثوب الميت الذي يلي جسده قبل ان يغسل هل يجب عليه غسل يديه أو بدنه؟ فوقع (عليه السلام): إذا أصاب يدك جسد الميت قبل ان يغسل فقد يجب عليك الغسل».

و حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت؟ فقال يغسل ما أصاب الثوب».

و رواية إبراهيم بن ميمون «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من غسل مس الميت.

(2) المروية في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.

65
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

السلام) عن الرجل يقع ثوبه على جسد الميت؟ فقال ان كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل الميت فاغسل ما أصاب ثوبك منه».

و روى الطبرسي في الاحتجاج و الشيخ في كتاب الغيبة التوقيع الخارج عن الناحية المقدسة في أجوبة مسائل محمد بن عبد الله الحميري «1» فإنه كتب «روي لنا عن العالم انه سئل عن امام صلى بقوم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه؟ قال يؤخر و يتقدم بعضهم و يتم صلاتهم و يغتسل من مسه؟ التوقيع ليس على من مسه إلا غسل اليد».

و عنه «2» قال: «كتبت اليه و روي عن العالم (عليه السلام) ان من مس ميتا بحرارته غسل يده و من مسه و قد برد فعليه الغسل و هذا الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته و العمل في ذلك على ما هو و لعله ينحيه بثيابه و لا يمسه فكيف يجب عليه؟ التوقيع: إذا مسه في هذه الحال لم يكن عليه إلا غسل يده».

و في الفقه الرضوي «3» «و ان مس ثوبك ميتا فاغسل ما أصاب».

بقي الكلام في أنها هل هي عينية محضة مطلقا فعلى هذا ينجس ما يلاقي الميت برطوبة كان أو بيبوسة و تتعدى نجاسة ذلك الملاقي الى ما لاقاه برطوبة، أو مع الرطوبة خاصة و إلا فحكمية بمعنى انها مع اليبوسة انما ينجس بها ذلك الملاقي خاصة دون ما لاقاه و لو برطوبة. أو عدم تعديها مطلقا و ان وجب غسل الملاقي تعبدا، أو انها عينية محضة مع الرطوبة خاصة و اما مع اليبوسة فلا اثر لها كغيرها من النجاسات، أقوال أربعة:

الأول ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في الروض و قواه شيخنا المحقق الشيخ حسن على تقدير القول بالتعدي مع اليبوسة، و الثاني للعلامة في المنتهى، و الثالث ظاهر كلام ابن إدريس حيث قال على ما نقل عنه في المدارك: إذا لاقى جسد الميت إناء وجب غسله و لو لاقى ذلك الإناء مائعا لم ينجس المائع لأنه لم يلاق جسد الميت، و حمله على ذلك قياس، و الأصل في الأشياء الطهارة الى ان يقوم دليل. و الرابع مختار المحقق الشيخ علي.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من غسل مس الميت.

(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من غسل مس الميت.

(3) ص 18.

66
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

و أنت خبير بان ظاهر إطلاق الأخبار المذكورة الدلالة على القول الأول. و هذا القول ايضا ظاهر الصدوق في الفقيه حيث انه عبر فيه بمضمون حسنة الحلبي فقال:

و من أصاب ثوبه جسد الميت فليغسل ما أصاب الثوب منه. و بذلك يظهر قوة القول المذكور إلا ان قوله (عليه السلام)

في موثقة عبد الله بن بكير «1» «كل شي‌ء يابس ذكى».

المعتضد بجملة من الأخبار الدالة في جملة من المواضع على عدم تعدي النجاسة مع اليبوسة مما يدافع العمل بإطلاق هذه الأخبار، و ايضا ان تقييد المطلق أقرب من تخصيص العام و حينئذ فالأظهر حمل الملاقاة الموجبة للغسل على الملاقاة برطوبة من أحدهما، و مما يستأنس له بذلك‌

قوله في رواية إبراهيم بن ميمون؟ «ما أصاب ثوبك منه».

في الموضعين فإنه ظاهر في ان اصابة الثوب انما هو لرطوبة أو قذر على الميت، إلا ان هذا الحمل بعيد في التوقيع المذكور. و يمكن حمله على الاستحباب سيما مع اشتماله على ما لا يقول به جمهور الأصحاب من النجاسة قبل البرد، و من ذلك يعلم قوة القول الرابع، و يؤيده أيضا‌

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «2» «عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح الصلاة فيه قبل ان يغسله؟ قال ليس عليه غسله و ليصل فيه و لا بأس».

و اما ما ذهب اليه المحدث الكاشاني- من حمل أخبار النجاسة في الميت و الكافر و نحوهما مما ذكره على مجرد الخبث الباطني دون المعنى الشرعي الموجب لغسل الملاقي له برطوبة- فهو من متفرداته الواهية التي هي لبيت العنكبوت- و انه لا وهن البيوت- مضاهية و كيف لا و الأخبار المتقدمة ظاهرة في وجوب غسل الملاقي له الذي هو مظهر النجاسة، و الظاهر ان منشأ الشبهة عنده هو انه لو كان نجسا كالأعيان النجسة لم يقبل التطهير بالغسل كما يدل عليه كلامه في المفاتيح، و هذا دليل الشافعي على ما ذهب اليه من عدم نجاسة‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 31 من أحكام الخلوة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 26 من أبواب النجاسات.

67
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) - ميتة الآدمي ؛ ج 5، ص : 65

الإنسان بالموت «1» قال: إذ لو كان نجسا لما قبل التطهير كسائر النجاسات. و عارضه جماعة من الأصحاب: منهم- العلامة في المنتهى و الشهيدان في الذكرى و الروض بأنه لو لم يكن نجسا لما أمر بالغسل. و فيه انه يمكن ان يكون الغسل انما هو للنجاسة الحكمية كنجاسة بدن الجنب بالجنابة و الحائض بالحيض لا العينية، بل هذا هو الظاهر من الأخبار المتقدمة في باب غسل الجنابة الدالة على ان العلة في غسل الميت انما هو خروج النطفة التي خلق منها حال الموت فهو جنب و لذلك أمر بتغسيله غسل الجنابة. و الجواب الحق انما هو المنع من كون النجاسات و المطهرات منحصرة في قاعدة كلية بل هي تابعة للدليل الشرعي و ليس للعقل فيها مسرح، فلا منافاة بين كون نجاسة الميت بعد البرد و قبل الغسل كسائر النجاسات العينية و ان كان تطهيرها يقع بالغسل و غيرها لا يقبل التطهير إلا بالمطهرات الآتية، ألا ترى ان العصير يطهر بالنقص دون غيره و آلات النزح و جوانب البئر تطهر عندهم بتمام النزح و آلات الخمر بعد انقلابه و نحو ذلك فالاستبعاد مدفوع بما ذكرناه، و بالجملة فالظاهر من الأخبار ان نجاسة الميت بعد البرد و قبل التطهير بالغسل حكمية من جهة عينية من اخرى، فمن الجهة الأولى يجب الغسل على كل من مس الميت في تلك الحال و من الجهة الثانية يجب غسله و غسل ما لاقاه على الخلاف المتقدم، و لا منافاة في كون الغسل رافعا للنجاسة العينية و الحدثية التي في الجنب ايضا كما دلت عليه الاخبار المشار إليها إذا اقتضته الأدلة الشرعية.

______________________________
(1) في المغني ج 1 ص 45 «الآدمي في صحيح المذهب طاهر حيا و ميتا

لقوله (ص) «المؤمن لا ينجس».

متفق عليه، و عن أحمد في بئر مات فيها انسان ينزح ماؤها حتى يغلبهم، و هو مذهب أبي حنيفة قال انه ينجس بالموت و يطهر بالغسل، و للشافعي قولان كالروايتين» و اخرج الشافعية- كالشيرازي في المهذب ج 1 ص 46 و الغزالي في الوجيز ج 1 ص 4 و النووي في المنهاج ص 5- الميت الآدمي من عداد النجاسات، و يظهر ذلك من الام ج 1 ص 235 قال: أحب لمن غسل ميتا ان يغتسل و ليس بالواجب عندي و جاءت أحاديث في ترك الغسل: منها-

«لا تنجسوا موتاكم».

68
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) - ميتة ما لا نفس له سائلة ؛ ج 5، ص : 69

(الموضع الثالث)- ميتة ما لا نفس له سائلة

، و قد نقل الإجماع في المعتبر و المنتهى على طهارتها، قال في المنتهى اتفق علماؤنا على ان ما لا نفس سائلة له من الحيوانات لا ينجس بالموت و لا يؤثر في نجاسة ما يلاقيه. و ذكر في المعتبر ان عدم نجاسة ما هذا شأنه و انتفاء التنجيس به مذهب علمائنا اجمع. و قال الشيخ في النهاية:

كل ما ليس له نفس سائلة من الأموات فإنه لا ينجس الثوب و لا البدن و لا الشراب إذا وقع فيه سوى الوزغ و العقرب. و في المختلف عن ابن البراج انه قال إذا أصاب شيئا وزغ أو عقرب فهو نجس و أوجب أبو الصلاح النزح لها من البئر ثلاث دلاء. و ما ذكره الشيخ (قدس سره) هنا من استثناء الوزغ الظاهر انه مبني على ما سيأتي ان شاء الله تعالى من حكمه بنجاسة الوزغ عينا و انه عنده كالكلب، و اما العقرب فلا نعلم لاستثنائه وجها. و نقل في المختلف عنه الاستدلال عليه‌

برواية أبي بصير عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الخنفساء تقع في الماء أ يتوضأ منه؟ قال نعم لا بأس به. قلت فالعقرب؟ قال ارقه».

و أجاب عنها بأنها غير دالة على ذلك لجواز استناد الإراقة إلى وجود السم في الماء لا إلى نجاسة العقرب. و هو جيد، و بمثل ذلك ايضا يجاب‌

عما رواه سماعة في الموثق «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جرة وجد فيها خنفساء قد ماتت؟ قال ألقه و توضأ منه و ان كان عقربا فارق الماء و توضأ من غيره».

و كيف كان فالمعتمد هو القول المشهور للأصل و الاخبار الكثيرة، و منها موثقة عمار و رواية حفص المتقدمتان في الموضع الأول‌

و موثقة أبي بصير أو صحيحته عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن الذباب يقع في الدهن و السمن و الطعام؟

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأسئار.

(2) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 46 من الأطعمة المحرمة.

69
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) ميتة ذي النفس البحري ؛ ج 5، ص : 70

فقال لا بأس».

و رواية ابن مسكان «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) كل شي‌ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس».

و مرفوعة محمد بن يحيى عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «لا يفسد الماء إلا ما كان له نفس سائلة».

و في قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر «3» «انه سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن العقرب و الخنفساء و أشباه ذلك يموت في الجرة و الدن يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس».

و تنقيح البحث في المقام يتوقف على رسم مسائل‌

[المسألة] (الأولى) [ميتة ذي النفس البحري]

قد تقدم نقل المحقق و العلامة الإجماع على نجاسة ميتة ذي النفس السائلة مطلقا من غير استثناء فرد و ظاهره أعم من ان يكون الحيوان بريا أو بحريا، و قال في الخلاف ان مات في الماء القليل ضفدع أو ما لا يؤكل لحمه مما يعيش في الماء لا ينجس الماء و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي ان قلنا انه لا يؤكل فإنه ينجسه «4» دليلنا ان الماء على أصل الطهارة و الحكم بنجاسته يحتاج الى دليل،

و روي عنهم (عليهم السلام) انهم قالوا: «إذا مات فيما فيه حياته لا ينجسه».

و هو يتناول هذا الموضع. و قد حكى المحقق في المعتبر صدر هذه العبارة عن الخلاف و لم يتعرض لما فيه الاحتجاج منها و اختار التنجيس بما له نفس من الحيوان المائي كالتمساح، و احتج له بأنه حيوان له نفس سائلة فكان موته منجسا ثم قال: و لا حجة لهم في‌

قوله (صلى الله عليه و آله) «5» في البحر «هو الطهور ماؤه الحل ميتته».

لان التحليل مختص بالسموك.

قال في المعالم بعد نقل ما ذكرناه عن المحقق: و كأنه أشار بقوله و لا حجة لهم إلى القائلين بالطهارة هنا من العامة وفاقا للشيخ و هم الحنفية. و قد نبه على ذلك الشيخ‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 35 من أبواب النجاسات.

(4) كما في بدائع الصنائع ج 1 ص 79 و الام ج 1 ص 4 و المغني ج 1 ص 45.

(5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الماء المطلق.

70
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) ميتة ذي النفس البحري ؛ ج 5، ص : 70

في الكلام الذي حكيناه عنه و عزاه إليهم العلامة في المنتهى و حكى عنهم الاحتجاج بقوله (صلى الله عليه و آله) «هو الطهور ماؤه. الحديث» و فساد هذه الحجة عندنا أظهر من ان يبين، و العجب من المحقق في عدوله عن حكاية الحجة التي تمسك بها الشيخ الى حجة المخالف الواهية مع كونه في مقام البحث مع الشيخ إذ لم يذكر خلاف غيره، و لولا جمع الضمير في نسبة الاحتجاج لم يختلج في خاطر غير الواقف على كلام الشيخ شك في ان الحجة له و لا يخفى ما فيه، على ان احتمال مشاركة الشيخ لغيره في الاحتجاج بها ليس بمندفع عن غير العارف بالحال، و لعل العذر عدم الوقوف على عين كلام الشيخ في نفس الكتاب، هذا و في تمسك الشيخ هنا بالأصل قوة إلا ان يثبت تناول ما يدعيه الأصحاب من الإجماع في أصل المسألة لموضع النزاع. انتهى.

أقول: و الكلام هنا يقع في مواضع: (الأول)- لا يخفى ما في نقل المحقق و العلامة الإجماع في أصل المسألة على النجاسة ثم نقلهما خلاف الشيخ في المقام من التدافع، إلا ان يحمل ذلك على عدم الاعتداد بخلاف معلوم النسب كما هو أحد قواعدهم، أو لشهرة القول بالخلاف في الحيوان المائي فيكون الإجماع المدعى انما هو على غير الحيوان المائي، و لعله الأقرب.

(الثاني)- ان ما استند اليه الشيخ من التمسك بالأصل فالجواب عنه ان الأصل يجب الخروج عنه بالدليل و هو ما قدمناه من الأخبار المتقدمة في المقام الأول من الموضع الأول الدالة على نجاسة الميتة من ذي النفس غير الإنسان مطلقا، و حيث ان صاحب المعالم في ما قدمنا نقله عنه لم يقم عنده دليل على ذلك إلا الإجماع قوى تمسك الشيخ بالأصل هنا إلا ان يثبت تناول ما يدعيه الأصحاب من الإجماع لموضع النزاع. و أنت خبير بعد الإحاطة بما قدمناه من الأخبار انه لا حاجة الى التمسك بهذا الإجماع هنا، إلا انه يبقى الكلام في دخول الحيوان المائي تحت إطلاق تلك الاخبار أو عمومها حيث ان الذي ينصرف إليه الإطلاق انما هو الأفراد الكثيرة الوقوع مثل تلك الأشياء‌

71
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) القطعة مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 72

المعدودة في الروايات، و شمولها لمثل الضفدع و التمساح و نحوهما الظاهر بعده، و كذلك شمول الإجماع خصوصا على الوجه الثاني مما أجبنا به عن التدافع الواقع في كلامهم، و حينئذ يقوى تمسك الشيخ بالأصل.

(الثالث)- ما نقله الشيخ عنهم (عليهم السلام) من الرواية لم نقف عليها في شي‌ء من كتب الاخبار و لا نقلها غيره فيما اعلم، و قد اعترضه بذلك ايضا بعض أفاضل المحققين من متأخري المتأخرين فقال: و اما الرواية فلم نجدها في موضع مسندة حتى ننظر في صحتها و ضعفها.

و بالجملة فإن قول الشيخ بالنظر الى ما ذكرنا من عدم شمول الأخبار المتقدمة لمثل هذه الأفراد النادرة لا يخلو من قوة، و الاحتياط لا يخفى.

(المسألة الثانية) [القطعة مما له نفس سائلة]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في ان كل ما ينجس بالموت مما له نفس سائلة فما قطع من جسده حيا كان أو ميتا فهو نجس قال في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب. و قال في المعالم لا يعرف فيه خلاف بين الأصحاب. قال في المدارك: «و احتج عليه في المنتهى بأن المقتضي لنجاسة الجملة الموت و هذا المقتضى موجود في الاجزاء فيتعلق بها الحكم. و ضعفه ظاهر إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت و هو لا يصدق على الاجزاء قطعا. نعم يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابا لحكمها حال الاتصال. و لا يخفى ما فيه» انتهى.

أقول: الذي وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بهذه المسألة عدة روايات فيها الصحيح و غيره. و منها-

ما رواه في الفقيه في الصحيح عن ابان عن عبد الرحمن بن ابى عبد الله «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما أخذت الحبالة فقطعت منه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

72
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) القطعة مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 72

فهو ميتة و ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه».

و رواه الشيخ في التهذيب و الكليني في الكافي لكن بطريق غير صحيح. و منها-

ما رواه في الكافي و التهذيب في الصحيح أو الحسن بإبراهيم بن هاشم عن محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) «1» قال:

«قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا أو رجلا فذروه فإنه ميت و كلوا ما أدركتم حيا و ذكرتم اسم الله عليه».

و منها-

ما رواه ايضا عن الوشاء عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت و ما أدركت من سائر جسده حيا فذكه ثم كل منه».

و ليس في التهذيب «ثم كل منه» و منها-

ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سليمان عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «ما أخذت الحبالة فانقطع منه شي‌ء أو مات فهو ميتة».

و منها-

ما رواه عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «4» قال: «ما أخذت الحبالة فقطعت منه شيئا فهو ميت و ما أدركت من سائر جسده فذكه ثم كل منه».

و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن أيوب بن نوح رفعه الى الصادق (عليه السلام) «5» قال: «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة».

و منها-

ما رواه في الكافي عن الحسن ابن علي الوشاء «6» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) فقلت جعلت فداك ان أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها؟ فقال حرام و هي ميتة. فقلت جعلت فداك فنصطبح بها؟ فقال اما علمت انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام».

و عن الكاهلي «7» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و انا عنده عن قطع أليات الغنم فقال لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك، ثم قال ان في كتاب علي (عليه السلام) ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به».

و عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «8» قال:

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(3) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(4) رواه في الوسائل في الباب 24 من أبواب الصيد.

(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من غسل المس و 62 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

(7) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

(8) رواه في الوسائل في الباب 30 من أبواب الذبائح.

73
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) القطعة مما له نفس سائلة ؛ ج 5، ص : 72

«في أليات الضأن تقطع و هي أحياء؟ إنها ميتة».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكره في المدارك من اعتراضه على كلام المنتهى بان ضعفه ظاهر منظور فيه من وجوه:

(الأول)- انه لا يخفى ان ما نقلناه من الأخبار المذكورة صريحة الدلالة واضحة المقالة في نجاسة الاجزاء المقطوعة من الحي و انها ميتة فقوله: «إذ غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت» ليس في محله بل كما يستفاد منها نجاسة جسد الميت بالموت كذلك يستفاد منها نجاسة ما تحله الحياة بالإبانة منه حيا. و بذلك يظهر ما في كلام صاحب المعالم ايضا حيث انه أورد في المقام روايات الاليات الثلاث خاصة و قال:

في الأولى اشعار بالنجاسة لكن في طريقها ضعف، و قال في الأخيرتين انه لو تم سنداهما لاحتاجا في الدلالة على النجاسة إلى وجود دليل عام في نجاسة الميتة ليكون إثبات كون المنقطع ميتة مقتضيا لدخوله في عموم الدليل على نجاسة الميتة، و قد علم ان العمدة في التعميم الإجماع المدعى في كلام الأصحاب، و حينئذ فالتمسك به موقوف على كونه متناولا لهذا المنقطع و معه لا حاجة الى توسيط الاحتجاج بما دل على انه ميتة، و على كل حال فالحكم هنا ليس بموضع خلاف. انتهى فان فيه ان الروايات الدالة على ما ذكرنا هنا ليست منحصرة في الثلاث التي ذكرها بل فيها الصحيح باصطلاحه و الحسن الذي لا يقصر عن الصحيح عندهم و لكنه معذور حيث لم يقف على ذلك، و اما المستند في أصل نجاسة الميتة فهو الأخبار التي قدمناها لا الإجماع الذي زعمه حسبما تقدم إيضاحه، و لكنهم حيث لم يعطوا النظر حقه في التتبع لأدلة المسألة و اخبارها خصوصا مع تفرقها في أبواب شتى و وقعوا فيما وقعوا فيه من هذه المناقشات كما لا يخفى.

(الثاني)- ان تنظره في القطعة المبانة من الميت- و قوله: لا يخفى ما فيه- مردود بأن النجاسة إذا تعلقت بجملة تعلقت باجزائها و ليس تعلقها بالمجموع من حيث كونه مجموعا و كيف لا و هو (قدس سره) قد استدل على نجاسة ما لا تحله الحياة من الكلب و الخنزير‌

74
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب الأجزاء الصغيرة المنفصلة من بدن الإنسان ؛ ج 5، ص : 75

بأنه داخل في مسماه و لا شك ان الكلب و الخنزير اسم للجملة.

(الثالث)- لا يخفى ان المستفاد من الاخبار ان الطهارة و النجاسة دائرة مدار حلول الحياة و عدمه و لهذا كما وردت الأخبار المتقدمة بنجاسة القطعة المبانة من الحي و انها ميتة قد وردت الأخبار ايضا باستثناء تلك العشرة التي لا تحلها الحياة و حكم بطهارتها من الميتة من حيث انها لا تحلها الحياة، و قد صرح بذلك‌

في صحيحة الحلبي الآتية ان شاء الله تعالى «1» فقال: «ان الصوف ليس فيه روح».

و قد أومأ هو (قدس سره) في تلك المسألة الى ما ذكرناه حيث قال بعد ذكره هذا الكلام من الصحيحة المذكورة: «و مقتضى التعليل طهارة كل ما لا روح فيه» و بما أوضحناه يظهر لك قوة ما ذكره العلامة و ضعف ما أورده عليه.

تذنيب [الأجزاء الصغيرة المنفصلة من بدن الإنسان]

قال العلامة في المنتهى: الأقرب طهارة ما ينفصل من بدن الإنسان من الاجزاء الصغيرة مثل البثور و الثالول و غيرهما لعدم إمكان التحرز عنها فكان عفوا دفعا للمشقة.

و اعترضه في المعالم فقال: «و يظهر من تمسكه بعدم إمكان التحرز انه يرى تناول دليل نجاسة المبان من الحي لها و ان المقتضى لاستثنائها من الحكم بالتنجيس و القول بطهارتها هو لزوم الحرج و المشقة من التكليف بالتحرز عنها، و هذا عجيب فان الدليل على نجاسة المبان من الحي كما علمت اما الإجماع أو الاخبار التي ذكرناها أو الاعتباران اللذان حكيناهما عن بعض الأصحاب اعني مساواة الجزء للكل و وجود معنى الموت فيه و الإجماع لو كان متناولا لما نحن فيه لم يعقل الاستثناء منه، و الأخبار على تقدير صحتها و دلالتها و عمومها انما تقتضي نجاسة ما انفصل في حال وجود الحياة فيه لا ما زالت عنه الحياة قبل الانفصال كما في موضع البحث، و النظر الى ذينك الاعتبارين يقتضي ثبوت‌

______________________________
(1) ص 77.

75
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب الأجزاء الصغيرة المنفصلة من بدن الإنسان ؛ ج 5، ص : 75

التنجيس و ان لم تنفصل تلك الاجزاء لتحقق معنى الموت فيها قبله و لا ريب في بطلانه.

و التحقيق انه ليس لما يعتمد عليه من أدلة نجاسة الميتة و أبعاضها و ما في معناها من الاجزاء المبانة من الحي دلالة على نجاسة نحو هذه الأجزاء التي يزول عنها اثر الحياة في حال اتصالها بالبدن فهي على أصل الطهارة، و إذا كان للتمسك بالأصل مجال فلا حاجة الى تكلف دعوى لزوم الحرج» انتهى كلامه (قدس سره) و هو جيد رشيق.

و استدل في المدارك على الطهارة أيضا مضافا الى أصالة الطهارة السالمة من المعارض‌

بصحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له ان يقطع الثالول و هو في صلاته أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال ان لم يتخوف ان يسيل الدم فلا بأس و ان تخوف ان يسيل الدم فلا يفعل».

قال:

و ترك الاستفصال عقيب السؤال يفيد العموم. و أورد على ذلك ان الظاهر من صحيحة علي بن جعفر ان السؤال فيها ليس عن طهارة ما يقطع من الثالول أو نجاسته بل عن كون هذا الفعل في الصلاة من المنافيات لها أم لا‌

فإنه سأله أيضا قبل هذا السؤال فقال: «و سألته عن الرجل يتحرك بعض أسنانه و هو في الصلاة هل يصلح له ان ينزعه و يطرحه؟ قال ان كان لا يجد دما فلينزعه و ليرم به و ان كان دمي فلينصرف».

ثم قال: «و سألته عن الرجل يكون به الثالول. إلخ» و حينئذ فالغرض من السؤال انما هو استعلام كون هذا الفعل في الصلاة مما ينافيها أم لا؟ فأجاب (عليه السلام) بأنه لا ينافيها لانه ليس بفعل كثير تنمحي به الصلاة، نعم ان استلزم خروج الدم كالضرس في السؤال الأول أبطل من حيث الدم. انتهى.

و الجواب ان الأمر و ان كان كما ذكره من ان السؤال انما هو عن كون الفعل المذكور قاطعا للصلاة أم لا إلا ان ظاهر إطلاق نفي البأس عن مس هذه الاجزاء في الصلاة و نتفها أعم من كون المس برطوبة أو يبوسة مما يشهد بالطهارة، إذ المقام مقام‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 27 من قواطع الصلاة.

76
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) ما لا تحله الحياة من الميتة ؛ ج 5، ص : 77

تفصيل كما يدل عليه اشتراط نفي البأس بانتفاء تخوف سيلان الدم، فلو كان مس تلك الاجزاء مقتضيا للتنجيس و لو على بعض الوجوه لم يحسن هذا الإطلاق بل كان اللائق البيان كما وقع في خوف السيلان، و حينئذ فظاهر الإطلاق الطهارة في الحالين و به يتم الاستدلال و بالجملة فالظاهر انه لا خلاف في القول بالطهارة و ان اختلفوا في الدليل على ذلك، و التمسك بأصالة الطهارة- سيما مع الاعتضاد بظاهر الصحيحة المذكورة بالتقريب المذكور- أقوى متمسك في المقام، و الاحتياط لا يخفى. و الله العالم.

(المسألة الثالثة) [ما لا تحله الحياة من الميتة]

- اتفق الأصحاب من غير خلاف يعرف على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة، و هي عشرة: العظم و الظفر و الظلف و القرن و الحافر و الشعر و الوبر و الصوف و الريش و البيض إذا اكتسى القشر الأعلى، كذا نقله في المدارك بعد ان ذكر انه حصر ذلك في عشرة أشياء ثم عد العشرة المذكورة، و في المعالم و كذا في المنتهى ذكر العشرة و لكن ذكر الانفحة مكان الظفر، و في المدارك بعد ان عد العشرة المذكورة و نقل بعض أخبار المسألة قال و يستفاد من صحيحة زرارة استثناء الإنفحة أيضا، و هو مقطوع به في كلام الأصحاب، و ظاهر المنتهى انه مجمع عليه بين الأصحاب.

و فيه انه كان الواجب بمقتضى هذا الكلام جعل الانفحة من جملة الأفراد التي عدها أولا و ان زادت على العشرة مع انه ادعى في صدر كلامه الحصر في العشرة التي ذكرها و هل هذا إلا تدافع ظاهر؟ و كيف كان فالواجب ذكر أخبار المسألة كملا مما وصل إلينا نقله ثم تذييلها بما تضمنته من الأحكام المتعلقة بذلك:

فأقول: من الأخبار المذكورة‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح».

و في هذا الخبر ما يدل على طهارة ما لا روح فيه مطلقا إذ الظاهر ان قوله (عليه السلام): «ان الصوف ليس فيه روح» وقع تعليلا لنفي البأس عن الصلاة فيه‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 68 من أبواب النجاسات.

77
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) ما لا تحله الحياة من الميتة ؛ ج 5، ص : 77

و ما رواه الشيخ و مثله الصدوق في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت؟ قال لا بأس به. قلت اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت؟ قال لا بأس به. قلت و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيضة تخرج من الدجاجة؟ قال كل هذا لا بأس به».

و الجلد في الخبر ليس في الفقيه و هو الأصح، و الظاهر انه من سهو قلم الشيخ (قدس سره) كما لا يخفى.

و ما رواه الشيخ في الحسن عن حريز «2» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لزرارة و محمد بن مسلم: اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن و الناب و الحافر و كل شي‌ء ينفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي، و ان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه».

و عن إسماعيل بن مرار عن يونس عنهم (عليهم السلام) «3» قال: «خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق: الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر، و لا بأس بأكل الجبن كله مما عمله مسلم أو غيره و انما يكره ان يؤكل سوى الانفحة مما في آنية المجوس و أهل الكتاب لأنهم لا يتوقون الميتة و الخمر».

و عن الحسين بن زرارة في الموثق أو الحسن «4» قال: «كنت عند ابي عبد الله (عليه السلام) و ابي يسأله عن السن من الميتة و اللبن من الميتة «5» و البيضة من الميتة و إنفحة الميتة؟ فقال كل هذا ذكي».

قال في الكافي: و زاد فيه علي بن عقبة و علي بن الحسن بن رباط قال: «و الشعر و الصوف كله ذكي».

و قال في الكافي أيضا: و في رواية صفوان عن الحسين بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) «6» قال: «الشعر و الصوف و الوبر و الريش و كل نابت لا يكون ميتا. قال و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟ فقال تأكلها».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(5) جاء في رواية الكال (اللبن) و في رواية التهذيب (السن) و جمع بينهما في الوافي.

(6) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

78
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) ما لا تحله الحياة من الميتة ؛ ج 5، ص : 77

و ما رواه في الكافي عن أبي حمزة الثمالي عن الباقر (عليه السلام) «1» في حديث طويل قال فيه: «قال قتادة فأخبرني عن الجبن فتبسم أبو جعفر (عليه السلام) ثم قال رجعت مسائلك الى هذا؟ قال ضلت عني. فقال لا بأس به. فقال انه ربما جعلت فيه إنفحة الميت؟ قال ليس بها بأس ان الإنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم، ثم قال و ان الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة خرجت منها بيضة فهل تأكل البيضة؟ قال لا و لا آمر بأكلها. فقال أبو جعفر (عليه السلام) و لم؟

قال لأنها من الميتة. قال له فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها؟ قال نعم. قال فما حرم عليك البيضة و أحل لك الدجاجة؟ ثم قال (عليه السلام) فكذلك الانفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين و لا تسأل عنه الا ان يأتيك من يخبرك عنه».

و روى الصدوق في الفقيه مرسلا «2» قال قال الصادق (عليه السلام): «عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن و الحافر و العظم و السن و الانفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض».

و رواه في الخصال مسندا عن محمد بن ابي عمير رفعه الى الصادق (عليه السلام) مثله «3» مع مخالفة في الترتيب.

و ما رواه الشيخ عن غياث بن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) «4» «في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة؟ قال ان كانت البيضة اكتست الجلد الغليظ فلا بأس بها».

و ما رواه في الكافي عن الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسن (عليه السلام) «5» قال «كتبت إليه أسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها إن ذكي؟ فكتب لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب و كل ما كان من السخال من الصوف ان جز و الشعر و الوبر و الانفحة و القرن و لا يتعدى الى غيرها ان شاء الله تعالى».

قال بعض المحدثين من المحققين «هكذا وجد هذا الحديث في نسخ الكافي و التهذيبين و كأنه سقط منه شي‌ء» انتهى. و هو كذلك‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

79
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 80

 

و ما رواه في التهذيب في باب الذبائح و الأطعمة في الحسن عن صفوان عن الحسين بن زرارة عن الصادق (عليه السلام) «1» «في جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن أو الماء فاشرب منه و أتوضأ؟ قال نعم، و قال يدبغ فينتفع به و لا يصلى فيه. قال الحسين: و سأله ابي عن الانفحة تكون في بطن العناق أو الجدي و هو ميت؟ فقال لا بأس به. قال الحسين: و سأله ابي و انا حاضر عن الرجل يسقط سنه فيأخذ سن انسان ميت فيجعله مكانه؟ فقال لا بأس. و قال عظام الفيل تجعل شطرنجا؟ فقال لا بأس بمسها.

و قال أبو عبد الله (عليه السلام) العظم و الشعر و الصوف و الريش و كل نابت لا يكون ميتا. قال و سألته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة؟ فقال لا بأس بأكلها».

أقول عجز هذه الرواية هو الذي تقدم نقل صاحب الكافي له بقوله: و في رواية صفوان عن الحسين بن زرارة. إلخ‌

[تنبيهات]

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام هنا يقع في مواضع‌

(الأول) [نجاسة جميع الميتة غير الأجزاء المستثناة]

- انه لا يخفى على من لاحظ الأخبار التي قدمناها في نجاسة الميتة دلالتها على الحكم المذكور الشامل لجميع أجزاء الميتة من هذه العشرة و غيرها، و ان هذه العشرة إنما استثنيت و خرجت عن الحكم المذكور بهذه الأخبار المذكورة هنا الصريحة في طهارتها المعبر عنها في جملة من هذه بأنها ذكية اي طاهرة و في بعض بأنها لا تحلها الروح كما أشير إليه في صحيحة الحلبي و في حديث أبي حمزة الثمالي من قوله (عليه السلام) في الانفحة «انها ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم» فان الظاهر من سياق هذا الكلام الاستدلال على نفي البأس عن الإنفحة انما هو من حيث ما ذكرناه الموجب لطهارتها، و الوجه فيه ان العرق مما تحله الحياة و اما الدم فهو مادة الحياة و لذا يطلق عليه النفس كما صرح به أهل اللغة و وقع التعبير به في كلام الفقهاء من قولهم ذي النفس السائلة أي الدم الجاري من العرق بعد قطعه بقوة و دفع، و اما العظم فإنه و ان لم تحله الحياة في حد ذاته لكنه مستلزم لكون ما وقع فيه مما‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 34 و 33 من الأطعمة المحرمة.

 

80
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) نجاسة جميع الميتة غير الأجزاء المستثناة ؛ ج 5، ص : 80

تحله الحياة البتة و متعلقا للروح، ألا ترى انه يجب في القطعة المشتملة على العظم غسلها و تكفينها و ان لم يجب ذلك في العظم وحده فوجوده مؤكد لتعلق الروح فيما نحن فيه.

و بما ذكرنا يظهر لك ما في كلام المحقق الخوانساري في شرح الدروس من المناقشة هنا في دلالة الأخبار المذكورة على الاستثناء و الاستناد في طهارة هذه الأشياء الى الأصل و الاتفاق على الحكم المذكور، حيث قال في بيان الدليل على طهارة هذه الأشياء: «و اما الثاني فالدليل على طهارتها أصالة الطهارة إذ عموم دلالة نجاسة الميتة بحيث يشمل هذه الاجزاء غير ظاهر كما عرفت، و الاتفاق ظاهرا، و عدم صدق اسم الميتة عليها لان الموت فرع الحياة. و لا يخفى انه لو كان نص يدل على ان الميتة نجسة فلا يبعد ان يقال ان الظاهر ان جميع أجزائها نجسة كما يقولون ان جميع اجزاء الكلب مثلا نجس باعتبار انه وجد النص بنجاسة الكلب و هو ظاهر في نجاسة جميع اجزائه، و كون بعض اجزائها مما لا تحله الحياة لا يقدح فيه. فالعمدة عدم وجود النص الدال على تعليق الحكم بالنجاسة على الميتة كما يقولون لا عدم حلول الحياة، و كيف و ظاهر ان زوال الحياة ليس سببا للنجاسة و إلا لزم ان يكون الحيوان الذكي ايضا نجسا بل عدم التذكية يصير سببا لنجاسة الحيوان، و لا استبعاد في ان يصير سببا لنجاسة جميع اجزائه سواء حلته الحياة أولا» انتهى.

أقول: فيه ما عرفت من وجود الدليل على نجاسة الميتة و انه عام لجميع اجزائها بالتقريب الذي ذكره في الكلب، و انما خرجت هذه العشرة المذكورة هنا بهذه الأخبار فهي مخصصة لعموم تلك الأخبار و مقيدة لإطلاقها كما هي القاعدة المطردة في مقام اجتماع العام و الخاص و المطلق و المقيد. و اما قوله- انه مع عموم تلك الأخبار فكون بعض اجزائها مما لا تحله الحياة لا يقدح في العموم- فمردود بان القادح في العموم انما هو اشتمال جملة من هذه الأخبار على كون هذه الأشياء ذكية و جملة منها على نفي البأس الظاهر كل منهما في الطهارة و ان كان الأول أشد ظهورا و ان وقع التعبير في بعضها‌

81
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) هل يفرق في طهارة الصوف و نحوه من الميتة بين الجز و القلع؟ ؛ ج 5، ص : 82

بكونه مما لا تحله الحياة إلا أن المنافاة الموجبة لتقييد إطلاق تلك الأخبار انما هو من حيث دلالة هذه الأخبار على الطهارة بهذه الألفاظ الدالة على ذلك و مقتضى القاعدة كما عرفت تقييد إطلاق تلك الاخبار بهذه، و حينئذ فما ادعاه- من انه مع وجود النص الدال على نجاسة الميتة فإنه يشمل جميع هذه الأشياء المذكورة و ان هذه الأخبار لا تفيد تخصيصا و لا تقييدا لها لعدم ظهور الدلالة على الطهارة حتى انه انما التجأ إلى أصالة الطهارة و الاتفاق ظاهرا و عدم صدق الميتة عليها- غلط محض حيث انه غفل عما اشتملت عليه هذه الأخبار من الألفاظ الظاهرة و انما تعلق باشتمال بعضها على عدم حلول الحياة و رتب عليه ما ذكره من المناقشة، و ما ذكرناه بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

(الثاني) [هل يفرق في طهارة الصوف و نحوه من الميتة بين الجز و القلع؟]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) عدم الفرق في الحكم بطهارة الصوف و الشعر و الريش و الوبر بين كونها مأخوذة من الميتة بطريق الجز أو القلع إلا انه يحتاج في صورة القلع الى غسل موضع الاتصال من حيث ملاقاة الميتة بالرطوبة. و يدل على ذلك (أولا)- إطلاق الأخبار المتقدمة إذ لا تصريح فيها بالجز و لا غيره. و (ثانيا) حسنة حريز المتقدمة في صدر المسألة حيث اشتملت على الأمر بغسل هذه الأشياء بعد أخذها من الميتة، و من الظاهر انه لا وجه للأمر بالغسل مع الجز بل الظاهر ان المراد انما هو قلعها و الخبر المذكور قد صرح بأنه ذكي في الصورة المذكورة اي طاهر فالخبر ظاهر الدلالة على الطهارة في صورة القلع.

و ذهب الشيخ في النهاية إلى اشتراط الجز و خص الطهارة بذلك، و نقل عنه انه علل ذلك بان أصولها المتصلة باللحم من جملة اجزائه و انما يستكمل استحالتها الى أحد المذكورات بعد تجاوزها عنه. و رد (أولا) بالمنع لانه يصدق على المجموع من المتصل باللحم و المتجاوز عنه اسم هذه الأشياء و هو لا يجامع كون شي‌ء منها جزء من اللحم.

و (ثانيا)- ما قدمنا من إطلاق الأخبار و التقييد يحتاج الى دليل و ليس فليس، مضافا الى ما عرفت مما دلت عليه حسنة حريز المشار إليها.

82
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) هل يفرق في طهارة الصوف و نحوه من الميتة بين الجز و القلع؟ ؛ ج 5، ص : 82

قال المحقق الخوانساري في شرح الدروس: «ثم ان حكم الأصحاب بالغسل في صورة القلع فبناء على عموم نجاسة الملاقي للنجس بالرطوبة و الميتة نجسة و أصول هذه الأشياء ملاقية لها بالرطوبة فيجب غسلها، و يدل عليه أيضا حسنة حريز المذكورة مع معاضدة الاحتياط. و لا يذهب عليك ان الأحوط عدم الاكتفاء بغسل موضع الاتصال بل غسل جميعها بل على تقدير الجز أيضا لأن الرواية المذكورة المتضمنة للأمر بالغسل مطلقة لا تقييد فيها بموضع الاتصال و حالة القلع» انتهى.

و لا يخلو من غرابة أما (أولا)- فلتصريح الأخبار المذكورة بطهارة هذه الأشياء و انها ذكية، مضافا الى اتفاق الأصحاب و أصالة الطهارة و عدم صدق الميتة عليها كما تقدم في كلامه الذي قدمنا ذكره في سابق هذا الموضع. و (اما ثانيا)- فان غسل موضع الملاقاة للميتة وجهه ظاهر و اما ما عدا موضع الملاقاة و كذا ما أخذ جزا فما وجه الاحتياط في غسله مع الوجوه المذكورة؟ و الرواية التي أشار إليها و ان كانت مطلقة لكنها معارضة فيما عدا موضع الملاقاة بالأدلة المذكورة الدالة على الطهارة فلا بد من تخصيصها بموضع الملاقاة كما ذكرناه جميعا بينها و بين تلك الأدلة، و لو قام مثل هذا الاحتياط في المقام لجرى في جميع الأشياء المحكوم بطهارتها، و بالجملة فإن ما ذكره (قدس سره) لا اعرف له وجها بالكلية.

هذا، و ظاهر حسنة حريز المشار إليها ان حكم القرن و الناب و الحافر و مثلها الظلف و الظفر حكم ما ذكر في الصوف و الشعر و الريش و الوبر من انها متى أخذت بالقلع من الميتة فإنه يغسل موضع الملاقاة منها بالتقريب المتقدم في الشعر و أشباهه و انها لو أخذت بالكسر أو البري بسكين و نحوها فإنه يكون كالجز بالنسبة إلى تلك الأشياء و خلاف الشيخ يجري هنا في القلع ايضا بالتقريب الذي قدمنا نقله عنه إلا اني لم أقف على من ذكر ذلك من الأصحاب و مقتضى ظاهر الحسنة المشار إليها و كذا تعليل الشيخ المتقدم هو ما ذكرناه.

83
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يفرق في طهارة المستثنيات من الميتة بين ما يؤكل و غيره؟ ؛ ج 5، ص : 84

(الثالث) [هل يفرق في طهارة المستثنيات من الميتة بين ما يؤكل و غيره؟]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) انه لا فرق في الحكم بطهارة هذه الأشياء من الميتة بين كون الميتة مما يؤكل لحمه لو ذكى و لا غيره، و قال العلامة في النهاية: أما بيض الجلال و ما لا يؤكل لحمه مما له نفس سائلة فالأقوى فيه النجاسة، و نحوه ذكر في المنتهى ايضا، نقل ذلك في المعالم و قال بعد نقل الحكم المذكور لا نعرف فيه خلافا إلا من العلامة ثم نقل كلامه في الكتابين المذكورين.

و قال: و لا نرى لكلامه وجها و لا عرفنا له عليه موافقا و قد نص الشهيد في الذكرى على عدم الفرق و اما الإنفحة من غير المحلل كالموطوء ففي طهارتها احتمالان منشأهما من كون أكثر الأخبار الدالة على طهارتها واردة بالحل أو مسوقة لبيانه و منه استفيدت الطهارة و ذلك مفقود في غير المحلل، و من عدم الدليل العام على نجاسة الميتة بحيث يتناول أمثال هذه الاجزاء كما أشرنا اليه و مقتضى الأصل هو الطهارة الى ان يقوم الدليل على خلافها و لا دليل، و لم أقف لأحد من الأصحاب في ذلك على كلام و ربما يكون إطلاقهم الحكم بالطهارة قرينة على عدم التفرقة، و لا يخفى ان فرق العلامة في حكم البيض يقتضي الفرق هنا ايضا. انتهى.

أقول: فيه ان ما ذكره بالنسبة إلى الانفحة في الاحتمال الثاني من عدم الدليل العام على نجاسة الميتة مردود بما قدمنا ذكره من الاخبار الدالة على ذلك و ما ذيلناها به من التقريب الدال على النجاسة، و متى ثبت ذلك استلزم القول بنجاسة جميع اجزائها بالتقريب المتقدم في الكلب و نحوه من نجس العين كما سيجي‌ء تحقيقه ايضا ان شاء الله تعالى في المقام و الاعتراف بذلك من جملة من علمائنا الاعلام. و اما قوله: «و ربما يكون إطلاقهم الحكم بالطهارة قرينة على عدم الحكم بالتفرقة» فهو معارض بان اتفاقهم على الحكم بنجاسة الميتة- كما اعترف به سابقا من انه لا مستند لهذا الحكم إلا اتفاقهم المستلزم كما عرفت للحكم بنجاسة كل جزء جزء من اجزاء الميتة- موجب للحكم بالنجاسة في الانفحة فيبقى الوجه الأول من الاحتمالين المذكورين في كلامه سالما عن‌

84
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يفرق في طهارة المستثنيات من الميتة بين ما يؤكل و غيره؟ ؛ ج 5، ص : 84

المعارض و ينتفي ما ادعاه من التمسك بمقتضى الأصل فإنه يجب الخروج عنه بالدليل، و قد دل على نجاسة الميتة الشامل ذلك للانفحة و غيرها خرج من ذلك ما دلت عليه الاخبار الدالة على طهارتها من حيث الحل كما ذكره و بقي ما كان من غير المحلل على النجاسة، على ان ما ذكره من كون أكثر الأخبار الدالة على طهارتها واردة بالحل أو مسوقة لبيانه محل نظر. فان ظاهر سياقها انما هو بالنسبة إلى الطهارة و النجاسة لا الحل و الحرمة كما ادعاه، و الذي قدمناه من الروايات المشتملة على الإنفحة صحيحة زرارة و فيها نفي البأس إلا ان موردها الجدي الذي هو مأكول اللحم، و رواية يونس و هي مطلقة بالنسبة إلى الحيوان المأكول و غيره و ذكر الانفحة فيها في سياق الصوف و الشعر و الوبر و الحكم فيها بأنها ذكية أظهر ظاهر في ان المراد انما هو الطهارة لا الحل فان ما ذكره معها من الصوف و ما بعده ليس من المأكولات، و نحوها موثقة الحسين بن زرارة حيث ذكر فيها انها ذكية اي طاهرة، سيما بإضافة الزيادة المنقولة من الكافي عن علي بن عقبة و علي بن رباط بإضافة الشعر و الصوف، و مرسلة الصدوق في الفقيه المسندة في الخصال المشتملة على عد العشرة كملا بالحكم بكونها من الميتة ذكية فإنه ظاهر في الطهارة لا في الحل، و كذلك رواية الجرجاني، فأين أكثر الأخبار الواردة بالحل أو المسوقة لبيانه؟ نعم ذكر الحل وقع في حديث الثمالي إلا ان ظاهر سياقه ان الكلام في الحل و الحرمة انما وقع تفريعا على الطهارة و النجاسة، حيث انه (عليه السلام) لما نفى البأس عن الجبن و أحل أكله عارضه السائل بأنه تجعل فيه الانفحة و هي نجسة لأخذها من الميتة فأجاب (عليه السلام) بأن الانفحة طاهرة لأنها ليست مما تحله الحياة بالتقريب الذي قدمنا ذكره في الموضع الأول ثم نظر له بالبيضة المأخوذة من الميتة، فذكر الحل في الخبر انما وقع بطريق العرض و الا فاصل الكلام انما هو في الطهارة و النجاسة، و مثلها تتمة حديث يونس بالتقريب المذكور، على ان لفظ الحل في الاخبار ربما استعمل في حل الاستعمال و هو شائع سيما في هذا المقام في كلام الفقهاء فإنهم يعبرون في هذا المقام عن‌

85
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

طهارة الصوف و الشعر و نحوهما من القرن و الظلف و غيرهما بالحل و انها تحل من الميتة و ليس المراد إلا حل استعمالها كما لا يخفى على من راجع عباراتهم. و العجب ايضا من متابعة الفاضل الخراساني في الذخيرة له على ذلك حيث انه جرى على ما جرى عليه و ذكر ذلك و ان لم يسنده اليه.

(الرابع) [تعريف الأنفحة]

- قد اختلف كلام أهل اللغة في معنى الانفحة و الظاهر انه بسبب ذلك اختلف كلام أصحابنا (رضوان الله عليهم) في ذلك، فعن الصحاح ان الإنفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء مخففة كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل. و قال في القاموس:

«الانفحة بكسر الهمزة و تشديد الحاء و قد تكسر الفاء و المنفحة و التنفحة: شي‌ء يستخرج من بطن الجدي الراضع اصفر فيعصر في صوفة فيغلظ كالجبن فإذا أكل الجدي فهو كرش، و تفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو» و قال الفيومي في المصباح المنير: «و الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء و تثقيل الحاء أكثر من تخفيفها قال ابن السكيت و حضرني أعرابيان فصيحان من بني كلاب فسألتهما عن الانفحة فقال أحدهما لا أقول إلا إنفحة يعني إلا بالهمزة و قال الآخر لا أقول إلا منفحة يعني إلا بميم مكسورة ثم افترقا و اتفقا على ان يسألا جماعة من بني كلاب فاتفقت جماعة على قول هذا و جماعة على قول هذا فهما لغتان، و الجمع انافح و منافح، قال الجوهري الإنفحة هي الكرش، و في التهذيب لا تكون الانفحة إلا لكل ذي كرش، و هو شي‌ء يستخرج من بطنه اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن و لا يسمى إنفحة إلا و هو رضيع فإذا رعى قيل استكرش اي صارت انفحته كرشا. و نقل ابن الصلاح ما يوافقه فقال الانفحة ما يؤخذ من الجدي قبل ان يطعم غير اللبن فان طعم غيره قبل مجبنة. و قال بعض الفقهاء و يشترط في طهارة الإنفحة ان لا تطعم السخلة غير اللبن و إلا فهي نجسة و أهل الخبرة بذلك يقولون إذا رعت السخلة و ان كان قبل الفطام استحالت الى البعر» انتهى كلام صاحب المصباح. و قال في مجمع البحرين: و الانفحة بكسر‌

86
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

الهمزة و فتح الفاء مخففة و هي كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهو كرش حكاه الجوهري عن ابي زيد، و في المغرب إنفحة الجدي بكسر الهمزة و فتح الفاء و تخفيف الحاء و تشديدها و قد يقال منفحة أيضا و هو شي‌ء يخرج من بطن الجدي اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن و لا يكون إلا لكل ذي كرش، و يقال انها كرشه إلا انه ما دام رضيعا سمي ذلك الشي‌ء إنفحة فإذا فطم و رعى العشب قيل استكرش انتهى.

و قال ابن إدريس في السرائر: و الانفحة بكسر الهمزة و فتح الفاء كرش الحمل و الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهو كرش و فسرها العلامة على ما نقله في المعالم في جملة من كتبه بما يوافق كلام القاموس فقال انها لبن مستحيل في جوف السخلة.

و أنت خبير بأنه قد علم من ذلك الاختلاف في الانفحة بين كونها عبارة عن الكرش أو عن ذلك الشي‌ء الأصفر الذي يعصر في صوفة مبتلة فيغلظ، و يمكن ترجيح الثاني‌

بقوله (عليه السلام) في رواية الثمالي «إنما تخرج من بين فرث و دم».

فان الظاهر انه اشارة إلى قوله عز و جل: «وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعٰامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّٰا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خٰالِصاً سٰائِغاً لِلشّٰارِبِينَ» «1» قال في مجمع البيان نقلا عن ابن عباس قال: «إذا استقر العلف في الكرش صار أسفله فرثا و أعلاه دما و أوسطه لبنا فيجري الدم في العروق و اللبن في الضرع و يبقي الفرث كما هو» انتهى. و مقتضى ذلك ان اللبن الذي تشربه السخلة يصير بعد وصوله الى الكرش الى هذه الأقسام الثلاثة ثالثها هو هذا الشي‌ء الأصفر الذي ذكره أهل اللغة و ان كان بعد رعيه العلف يضمحل ذلك و لا يصير كذلك و انما يبقى الفرث و هو التفل و الدم خاصة. و يمكن ايضا ان يقال- و هو الأنسب بكلام أهل اللغة القائلين بأن الانفحة عبارة عن ذلك الشي‌ء الأصفر ما دام يغتذي باللبن و إذا اغتذى بالعلف صار كرشا- انه في حال الاغتذاء باللبن ليس له كرش و انما الذي يتحول إليه لبنه الذي يشربه هذا الشي‌ء الأصفر مع التفل و الدم و بعد رعيه يصير هذا الشي‌ء الأصفر‌

______________________________
(1) سورة النحل، الآية 68.

87
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

كرشا، و به ينطبق الخبر المذكور على كلام أهل اللغة انطباقا ظاهرا.

هذا، و قد اضطرب كلام جملة من أفاضل المتأخرين في هذا المقام في الحمل على اي المعنيين المذكورين، من جهة انهم حكموا في الصوف و الشعر و نحوهما مما يؤخذ قلعا من الميتة بوجوب الغسل كما تقدم من حيث ملاقاة الميتة برطوبة بناء على القاعدة المقررة بينهم من ان ملاقي النجس مع الرطوبة ينجس، و حينئذ فبعضهم رجح تفسير الانفحة بالكرش دون ذلك الشي‌ء الأصفر لأن ذلك الشي‌ء الأصفر و ان كان طاهرا بمقتضى ظاهر الاخبار على تقدير تفسير الانفحة به إلا انه ينجس بملاقاة الجلد الذي يحويه فيمنع من الانتفاع به و يحكم بنجاسته، و اما الكرش فإنه مع تفسير الانفحة به يكون طاهرا بمقتضى الأخبار المذكورة. و هل يحتاج ظاهره الى تطهير من حيث الملاقاة لباطن الميتة و ان كانت ذاته طاهرة؟ احتمالان نقل في المعالم عن والده في بعض فوائده انه اختار الأول ثم نقل عنه انه توقف في الروضة. قال و لا نعلم من الأصحاب مصرحا بالثاني و ربما كان في إطلاقهم الحكم بالطهارة إشعار به. و قال في الذكرى الاولى تطهير ظاهرها من الميتة للملاقاة. انتهى. و قال في المدارك: في وجوب غسل الظاهر من الانفحة و البيضة وجهان أظهرهما العدم للأصل و إطلاق النص، و ظاهر كلام المنتهى يعطي الوجوب و هو أحوط. انتهى. و قال الفاضل الخوانساري في شرح الدروس بعد نقل الخلاف في المسألة: «و الظاهر تفسير العلامة لأنه يظهر من الروايات المذكورة ان الإنفحة شي‌ء يصنع به الجبن، و الظاهر ان الجبن انما يعمل من الشي‌ء الذي في جوف السخلة مثل اللبن لا من كرشها الذي هو للحيوان بمنزلة المعدة للإنسان، و ما في رواية الثمالي من انها تخرج من بين فرث و دم يشعر أيضا بأنه مثل اللبن، و على هذا فالظاهر ان الكرش محلها» انتهى. و فيه انه متى فسر الانفحة بذلك الشي‌ء الأصفر فهب أنها طاهرة للنصوص إلا ان هذا الكرش الذي جعله محلها نجس البتة فيعود الاشكال كما تقدم ذكره و بالجملة فإنه لا يخفى ان مقتضى تصريحهم بتعدي النجاسة للصوف المقلوع و نحوه‌

88
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) تعريف الأنفحة ؛ ج 5، ص : 86

مضافا الى القاعدة المتقدمة هو النجاسة و وجوب التطهير من حيث الملاقاة و ان كانت طاهرة في حد ذاتها بأي المعنيين اعتبرت، إلا ان يقال بان مقتضى الوقوف على ظواهر النصوص المذكورة هو التطهير بالنسبة إلى الصوف و نحوه حيث دلت على ذلك حسنة حريز المتقدمة، و لا منافاة في الحكم بطهارة الانفحة بأي المعنيين المذكورين اعتبرت و استثناء ذلك من حكم ملاقاة النجاسة كما سيأتي مثله في اللبن في ضرع الميتة، و لعل وجه الاستثناء هو حكم الضرورة بالحاجة إلى الانفحة كما يشعر به‌

خبر يونس «1» من قوله (عليه السلام): «خمسة أشياء ذكية مما فيها منافع الخلق: الانفحة و البيض و الصوف و الشعر و الوبر».

و حينئذ فيزول الاشكال من هذا المجال.

بقي الكلام هنا في بعض ما يتعلق بالمقام و هو أمران: (الأول)- ان ظاهر كلام أهل اللغة الذي قدمناه هو ان الإنفحة مخصوصة بما إذا لم يرع و إلا فلو رعى لم يسم إنفحة و انما يقال كرش مع ان شيخنا الشهيد في الذكرى قال: و الانفحة طاهرة من الميتة و المذبوحة و ان أكلت السخلة غير اللبن. و لا ريب في ضعفه حيث ان كلامهم متفق على تخصيص ذلك بما إذا كان اعتياده على اللبن و مع أكل غيره انما يقال كرش لا إنفحة (الثاني)- قال في المدارك بعد ذكر الانفحة: «و اختلف كلام أهل اللغة في معناها فقيل انها كرش السخلة قبل ان تأكل، و قيل انها شي‌ء اصفر يستخرج من بطن الجدي، و لعل الثاني أولى اقتصارا على موضع الوفاق و ان كان استثناء نفس الكرش ايضا غير بعيد تمسكا بمقتضى الأصل» انتهى.

و أنت خبير (أولا)- بان ما علل به أولوية الثاني من الاقتصار على موضع الوفاق لا اعرف له وجها ظاهرا مع ما عرفت من الخلاف في المسألة و تقابل القولين فيها نعم لو كان القائل بأن الانفحة عبارة عن الكرش يعنى الكرش و ما فيه و من جملته ذلك الشي‌ء الأصفر فيكون القول بالكرش أعم مطلقا فإنه يتم ما ذكره لكن لم أقف‌

______________________________
(1) ص 78.

89
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) البيضة من الدجاجة الميتة ؛ ج 5، ص : 90

على من صرح بذلك من الأصحاب و لا من أهل اللغة بل ظاهر الجميع تباين القولين.

و (ثانيا)- ان ما ذكره من التمسك بالأصل مردود بما عرفت من عموم نجاسة الميتة الموجب لتنجيس ما لاقاها برطوبة، و الكرش و ان كان طاهرا بالذات من حيث استثناء الروايات إلا انه نجس بالعرض، إلا انه نجس بالعرض، إلا ان يجاب عن الاشكال المذكور بما ذكرناه‌

(الخامس) [البيضة من الدجاجة الميتة]

- ان جملة من الأخبار المتقدمة قد دلت على استثناء البيضة كجملة ما ذكر من العشرة. و ظاهر إطلاقها الحكم بالطهارة و ان لاقت الميتة بالرطوبة مع مخالفة ذلك لما عرفت في الصوف و نحوه من انه متى أخذ بالقلع فإنه يجب تطهير موضع الملاقاة كما قال به الأصحاب (رضوان الله عليهم) و دلت عليه حسنة حريز، و من أجل ذلك اختلفت كلمة الأصحاب في البيضة أيضا، فظاهر بعض الحكم بالطهارة نظرا إلى إطلاق النصوص و الظاهر انه قول الأكثر كما نقله في المعالم، حيث انهم أطلقوا الحكم بطهارة البيضة و لم يتعرضوا لحكم ظاهرها مع معلومية ملاقاتها بالرطوبة للميتة النجسة، و المفهوم من كلام العلامة النجاسة كما صرح به في النهاية حيث قال: البيضة من الدجاجة الميتة طاهرة ان اكتست الجلد الفوقاني الصلب لأنها صلبة القشر لاقت نجاسة فلم تكن نجسة في نفسها بل بالملاقاة، و نحوه في المنتهى ايضا.

و يمكن تأييد ما ذهب إليه العلامة بأن حسنة حريز التي استدل بها على غسل موضع القلع من الصوف و نحوه قد تضمنت البيضة في جملة تلك الأفراد المعدودة فيها و الأمر بغسل تلك الأشياء المعدودة إذا أخذت بعد الموت فتدخل البيضة في ذلك، غاية الأمر انها قد اشتملت ايضا على اللبن و اللبأ و هذان الفردان يجب إخراجهما من حيث عدم إمكان الغسل فيهما فلا ينصرف الأمر المذكور إليهما، و اشتملت بعد الأمر بالغسل على الأمر بالصلاة و هذا ربما يشعر بظاهره خروج البيضة أيضا حيث انه لا يصلى فيها.

و يمكن ان يقال ان الأمر بالغسل لا يستلزم الأمر بالصلاة فيحمل الأمر بالصلاة على ما يصلى فيه من تلك الافراد كالصوف و الشعر، إذ لا يخفى ان الرواية قد اشتملت في جملة‌

90
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) البيضة من الدجاجة الميتة ؛ ج 5، ص : 90

المعدودات ايضا على القرن و الحافر و الناب و من الظاهر ان هذه لا يصلى فيها، و تمحل الحمل على بعض الأفراد النادرة الشاذة إن اتفق إلا انه لا يعمل عليه و لا ينبغي ان يصغى إليه إذ إطلاق الأخبار انما ينصرف الى الافراد المتكثرة كما سمعته غير مرة، و بالجملة فإن الرواية المذكورة صرحت بعد تعداد تلك الأفراد المذكورة فيها بان كل شي‌ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي و ان أخذته منه بعد ان يموت فاغسله و صل فيه، و حينئذ فكما استثني اللبن و اللبأ من حيث عدم صلاحيتهما للغسل ينبغي ان يستثني من الصلاة ما لا تقع الصلاة فيه و لا يكون مما يصلى فيه و يبقى الغسل عاما للجميع عدا اللبن و اللبأ، فكأنه قيل: و كل شي‌ء من هذه الأشياء متى أخذ من الميتة فاغسله من حيث ملاقاة الميتة و صل فيه ان كان مما يصلى فيه. و هذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه. و على هذا فيحمل إطلاق باقي الروايات على هذه الرواية فيجب حينئذ غسل البيضة، و يؤيد ذلك بموافقة القاعدة الكلية في ملاقاة النجاسة برطوبة و غسل أصل الصوف و نحوه و أوفقيته بالاحتياط في الدين.

بقي الكلام أيضا في موضعين آخرين: (أحدهما)- ان أكثر الأخبار التي قدمناها خالية من التعرض لاشتراط اكتساء البيضة القشر الأعلى نعم ذلك في رواية غياث خاصة، و ظاهر الأصحاب الاتفاق على هذا الشرط و كأنهم حملوا إطلاق الاخبار المذكورة على هذه الرواية و طعن فيها في المدارك بضعف السند و ظاهره العمل بإطلاق الأخبار المذكورة حيث ان فيها الصحيح مثل صحيحة زرارة، و ظاهر صاحب المعالم ايضا العمل بالإطلاق المذكور لضعف الخبر مع طعنه في الأخبار الأخر أيضا بناء على اصطلاحه الذي تفرد به من توقف الوصف بالصحة على اخبار اثنين من علماء الرجال، إلا انه عضدها بموافقة الأصل و كثرتها و ان الصدوق في المقنع لم يتعرض لهذا الشرط بل أطلق القول كما في أكثر الاخبار، و جمهور الأصحاب على خلاف ما ذهب اليه و ضعف الخبر المذكور مجبور عندهم بالشهرة و عمل الأصحاب على ما تضمنه، و هو الظاهر الذي عليه‌

91
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اللبن في ضرع الشاة الميتة ؛ ج 5، ص : 92

العمل حيث انا لا نرى العمل بهذا الاصطلاح المحدث.

و (ثانيهما)- ان كلام الأصحاب قد اختلف في التعبير عن هذا الشرط الذي ذكر لطهارة البيضة، فبعض المتقدمين اقتصر على نقل الحديث فعبر بالجلد الغليظ و اقتفاه الشيخ في النهاية كما هي عادته غالبا من التعبير بمتون الاخبار، و بعض عبر بالجلد و لكن بدلوا لفظ الغليظ بالفوقاني، و عبر جماعة: منهم- المحقق و الشهيد بالقشر الأعلى و في كلام العلامة في جملة من كتبه الصلب كما تقدم في عبارة النهاية و مثله في المنتهى، و تبعه على التقييد بالصلابة بعض المتأخرين، و الظاهر ان مرجع الجميع إلى أمر واحد و الاختلاف انما هو بحسب اللفظ، اما فيما عدا عبارة العلامة بالصلب فظاهر، و اما في التعبير بالصلب فيمكن ان يكون خرج مخرج الغالب، و بيان ذلك ان هذا القشر الذي يجمع البياض و الصفرة أول ما يكون رقيقا ثم يغلظ حتى يصير صلبا، و المراد بالقشر الأعلى و الجلد الغليظ و القوقاني في عباراتهم هو هذا الغشاء الرقيق الذي يصلب بعد ذلك إذا آن رمي الدجاجة للبيضة و إخراجها، فالاعتبار في طهارة البيضة بحصوله و ان لم يصلب على الوجه الذي تخرج عليه البيضة عادة، و تقييد العلامة بالصلابة ربما ينافي ذلك الا ان يحمل على الخروج مخرج الغالب كما ذكرنا، نعم حكى العلامة في بعض كتبه عن بعض الجمهور انه ذهب الى طهارة البيضة و ان لم تكتس القشر الأعلى محتجا بان عليها غاشية رقيقة تحول بينها و بين النجاسة، ثم قال: و الأقرب عندي انها ان كانت قد اكتست الجلد الأعلى و ان لم يكن صلبا فهي طاهرة لعدم الملاقاة و الا فلا، و ربما أشعر هذا الكلام بمنافاة ما ذكرناه الا انه يمكن إرجاعه إليه بأن يحمل كلامه على ان المراد انه ان كانت هذه الغاشية الرقيقة هي الجلد الأعلى الذي يجمع البياض و الصفرة و هو الذي يصلب بعد ذلك فإنه يصلب عليه الجلد الأعلى الذي هو المناط في الطهارة و ان لم يكن صلبا و الا فلا، و هذا يرجع الى ما قدمنا ذكره.

(السادس) [اللبن في ضرع الشاة الميتة]

- اختلف أصحابنا في طهارة اللبن في ضرع الشاة الميتة و نجاسته،

92
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اللبن في ضرع الشاة الميتة ؛ ج 5، ص : 92

فعن الصدوق في المقنع و الشيخ في الخلاف و النهاية و كتابي الحديث و كثير من الأصحاب الطهارة حتى نقل عن الشيخ في الخلاف و ابن زهرة في الغنية دعوى الإجماع على ذلك، و قال ابن إدريس في السرائر: اللبن نجس بغير خلاف عند المحصلين من أصحابنا لأنه مائع في ميتة ملامس لها، و ما أورده شيخنا في نهايته رواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يعضدها كتاب الله و لا سنة مقطوع بها و لا إجماع و تبعه على القول بذلك جماعة من الأصحاب: منهم- الفاضلان، قال في المنتهى المشهور عند علمائنا ان اللبن من الميتة المأكولة للحم بالذكاة نجس و قال بعضهم هو طاهر، ثم قال في الاستدلال على النجاسة:

لنا على التنجيس- أنه مائع في وعاء نجس فكان نجسا كما لو احتلب في وعاء نجس، و لانه لو أصاب الميتة بعد حلبه تنجس فكذا لو انفصل قبله لأن الملاقاة ثابتة في البابين.

و الى القول بالطهارة مال من المتأخرين و متأخريهم الشهيد في الذكرى و السيد السند في المدارك و المحقق الشيخ حسن في المعالم و الفاضل الخوانساري في شرح الدروس و الفاضل الخراساني في الذخيرة، و هو المختار لما تقدم من الاخبار و هي صحيحة زرارة و حسنة حريز و موثقة الحسين بن زرارة أو حسنته و مرسلة الفقيه المسندة في الخصال.

و لا يخفى ان ما استندوا إليه في الحكم بالنجاسة- من حيث كونه مائعا ملامسا للميتة و كل ما كان كذلك فهو نجس- فهو لا يخلو من مصادرة، و العموم الدال على نجاسة الملاقي للنجاسة برطوبة- و هو دليل الكبرى- مخصوص بالأخبار المذكورة فإنها صالحة للتخصيص فلا مانع من القول بها و استثناء هذا الفرد من العموم المذكور. و اما ما احتجوا به زيادة على الدليل المتقدم‌

من رواية وهب بن وهب عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» «ان عليا (عليه السلام) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال علي (عليه السلام) ذلك الحرام محضا».

فهي لا تقوم بمعارضة الأخبار المذكورة، و قد أجاب عنها الشيخ في التهذيب بأنها رواية شاذة لم يروها غير وهب بن وهب و هو ضعيف جدا‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 33 من الأطعمة المحرمة.

93
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اللبن في ضرع الشاة الميتة ؛ ج 5، ص : 92

عند أصحاب الحديث «1» و لو كان صحيحا لجاز ان يكون الوجه فيه ضربا من التقية لأنها موافقة لمذهب العامة لأنهم يحرمون كل شي‌ء من الميتة و لا يجيزون استعماله على حال «2» انتهى.

و اما ما أجاب به في المختلف عن صحيحة زرارة و حسنة حريز- بأنهما محمولان على ما إذا قاربت الشاة الموت- فلا يخفى ما فيه من التمحل البعيد و لو كان كذلك لم تصلح الروايتان دليلا على طهارة الأشياء المعدودة مع اللبن من الميتة مع انه و غيره يستدلون بهما على ذلك، و تخصيص هذا القيد باللبن مع عده في قرن تلك الأشياء باطل على ان ارتكاب التأويل و لا سيما مثل هذا التكلف السحيق بالنظر الى قواعدهم انما يسوغ مع حصول التعارض بين الدليلين، و اي منصف يدعى صلاحية معارضة هذه الرواية الضعيفة لتلك الأخبار الصحيحة الكثيرة؟ قال في المعالم- و نعم ما قال- و العجب من العلامة بعد تفسيره الانفحة باللبن المستحيل و حكمه بطهارتها للأخبار الدالة على ذلك مع تحقق وصف المائعية فيها كيف يجعل اعتبار الملاقاة مع المائعية هنا معارضا للخبر. انتهى. و اما ما أجاب به الفاضل الخوانساري في شرح الدروس- حيث قال بعد نقل هذا الكلام: «و كأنه لا عجب على ما ذكرناه سابقا من ان الإنفحة كأنها ليست مائعة على الإطلاق بل هي لبن منجمد»- ففيه ان ما قدمنا نقله عن أهل اللغة من ان الإنفحة شي‌ء يستخرج من بطنه اصفر يعصر في صوفة مبتلة في اللبن فيغلظ كالجبن ظاهر في كونه في بطن السخلة مائعا و انه بعد أخذه من بطن السخلة يعصر على الوجه المذكور فيعرض له الجمود بعد ذلك فلا يتم ما ذكره على كلام المحقق المشار إليه.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان عبارة العلامة التي قدمناها عن المنتهى تدل على ان محل النزاع لبن الميتة المأكولة اللحم بالذكاة و لم يتعرض لغير المأكولة، و ظاهر كلام غيره و كذا ظاهر الأخبار هو العموم و عدم الفرق، و صاحب المعالم مع تعرضه في الانفحة لكونها من المأكول و غيره و تردده في غير المأكول كما تقدم الكلام فيه لم يتعرض هنا‌

______________________________
(1) راجع التعليقة 1 ج 2 ص 81.

(2) تأتى تعليقة المورد في الاستدراكات.

94
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السابع) فأرة المسك ؛ ج 5، ص : 95

للفرق و لا لعدمه، و بالجملة فالاحتياط في أمثال ذلك مما ينبغي المحافظة عليه.

(السابع) [فأرة المسك]

- قال في المنتهى: فأرة المسك إذا انفصلت من الظبية في حياتها أو بعد التذكية طاهرة و ان انفصلت بعد موتها فالأقرب النجاسة. و قال في الذكرى المسك طاهر إجماعا و فأرته و ان أخذت من غير المذكى. و بهذا القول صرح العلامة في النهاية أيضا فقال: فأرة المسك ان انفصلت من الظبية في حياتها أو بعد التذكية طاهرة و ان انفصلت بعد موتها فالأقرب ذلك أيضا للأصل. و في التذكرة أيضا حكم بالطهارة مطلقا سواء انفصلت من الظبي حال حياته أو بعد موته و هو خلاف ما ذكره في المنتهى.

قال في المدارك: و الأصح طهارتها مطلقا كما اختاره في التذكرة للأصل‌

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن فأرة المسك تكون مع الرجل و هو يصلي و هي معه في جيبه أو ثيابه؟ فقال لا بأس بذلك».

ثم قال:

و لا ينافي ذلك‌

ما رواه عبد الله بن جعفر في الصحيح «2» قال: «كتبت إليه- يعني أبا محمد (عليه السلام)- هل يجوز للرجل ان يصلي و معه فأرة مسك؟ قال لا بأس بذلك إذا كان ذكيا».

لجواز ان يكون المراد بالذكي الطاهر مع ان المنع من استصحابها في الصلاة لا ينحصر وجهه في النجاسة. انتهى.

أقول: فيه ان ما ذكره من اختيار القول بالطهارة عملا بصحيحة علي بن جعفر و حمل الصحيحة الأخرى على ما ذكره فلقائل أن يقول بما ذهب إليه في المنتهى من القول بالنجاسة عملا بصحيحة عبد الله بن جعفر المذكورة، بأن يقال ان المراد من قوله: «إذا كان ذكيا» اما الحمل على رجوع ضمير «كان» الى الظبي المدلول عليه بالفأرة بمعنى ان يكون مذكى لا ميتة و المراد بالمذكى ما هو أعم من حال الحياة أو التذكية بالذبح، و ربما يستأنس لذلك بتذكير الضمير، و اما الرجوع الى الفأرة باعتبار ما ذكرناه أيضا أي إذا كانت ذكية بالأخذ من أحد هذين الفردين، و الظاهر قرب ما ذكرناه على ما ذكره من ان المراد كونها‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب لباس المصلى.

(2) رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب لباس المصلي.

95
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السابع) فأرة المسك ؛ ج 5، ص : 95

طاهرة لم تعرض لها نجاسة من الخارج كما احتمله في الذكرى ايضا و أجاب به عن الحديث المذكور إذ لا خصوصية لذلك بالفأرة. و اما صحيحة علي بن جعفر فلعل منشأ السؤال فيها عن فأرة المسك انما هو من حيث توهم نجاسة المسك باعتبار أن أصله الدم كما قيل «ان المسك بعض دم الغزال» و حينئذ فنفى البأس يرجع الى طهارته بالاستحالة التي هي من جملة المطهرات الشرعية، و اما من حيث فأرة المسك و احتمال كونها ميتة المستلزم لنجاستها كما هو ظاهر صحيحة عبد الله بن جعفر المذكورة التي قد عرفت انها مستند العلامة فيما ذهب إليه في المنتهى، و حينئذ فنفي البأس من حيث وجوب البناء على أصالة الطهارة‌

لقولهم (عليهم السلام) «1» «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

و فأرة المسك لما كان منها ما هو طاهر و نجس كما عرفت دخلت تحت الكلية المذكورة، و يمكن بناء على الثاني حمل نفي البأس من حيث انها لا تتم فيها الصلاة و قد عفي عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه فهي و ان كانت نجسة بالموت إلا انها مما لا تتم الصلاة فيه. لكن يدفع هذا الوجه ظاهر صحيحة عبد الله بن جعفر فإنها قد دلت على النهي عن الصلاة فيها من حيث كونها غير ذكية يعني ميتة و هي ظاهرة في عدم جواز الصلاة في الميتة و ان كانت مما لا تتم الصلاة فيه، و على ذلك ايضا تدل جملة من الأخبار فتكون الصلاة فيما لا تتم الصلاة فيه من الميتة الموجب لبطلانها مستثنى من جواز الصلاة في النجس الذي لا تتم الصلاة فيه. و بالجملة فالاحتمالان المذكوران متعارضان، و ربما يرجح الاحتمال الذي صار إليه في المدارك و به صرح أكثر الأصحاب بمطابقة الأصل، الا أن المسألة عندي لا تخلو من شوب الاشكال و الاحتياط فيها مطلوب على كل حال.

بقي هنا شي‌ء و هو انه قد تقدم في المسألة الثانية تصريح الأصحاب بان ما تحله‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات، و اللفظ

في موثقة عمار هكذا «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر».

و سيأتي منه (قدس سره) التصريح بذلك في التنبيه الثاني من تنبيهات المسألة الثانية من البحث الأول من أحكام النجاسات.

96
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثامن) الجبن المشتبه ؛ ج 5، ص : 97

الحياة من الحيوان ذي النفس السائلة نجس متى انفصل عنه في حال الحياة أو الموت، و الأكثر كما عرفت على ما صرح به العلامة في التذكرة و النهاية من القول هنا بطهارة الفأرة مطلقا و ان انفصلت من الحية أو الميتة، و هو مدافع لما ذكروه ثمة، و الجواب عن ذلك هو تخصيص الحكم في تلك المسألة بروايات هذه المسألة الدالة على الطهارة و استثناء هذا الفرد بهذين الخبرين من الحكم المتقدم. و الله العالم.

(الثامن) [الجبن المشتبه]

- ان ما اشتملت عليه‌

رواية أبي حمزة الثمالي- من قوله (عليه السلام): «فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين و لا تسأل عنه إلا ان يأتيك من يخبرك عنه».

بعد قوله (عليه السلام): ان الإنفحة ليس بها بأس. إلى آخر الكلام المؤذن بأن توهم التحريم في الجبن انما هو من حيث الانفحة لأنها ميتة كما هو اعتقاد السائل المذكور و نفيه (عليه السلام) ذلك المقتضى لحل الجبن- لا يخلو من اشكال، و الظاهر ان الوجه فيه أحد أمرين: اما حمل الكلام الأخير على ما إذا حصل سبب آخر يوجب التحريم فيكون حكما مستأنفا لا تعلق له بجواب السائل، و اما حمل الكلام على الرجوع عن الجواب الأول حيث انه (عليه السلام) فهم من السائل عدم قبوله من حيث حكمه بأن الانفحة ميتة موجبة لتنجيس الجبن إذا لاقته فعدل الى الجواب بالتي هي أحسن من انه مع تسليم ما يدعيه فإن الأصل في الأشياء الطهارة فاشتر من سوق المسلمين و كل حتى تعلم انه خالطه الانفحة، و بهذا الوجه صرح في الوافي حيث قال: «و لما استفرس (عليه السلام) من قتادة عدم قبوله و لا قابليته لمر الحق عدل به عن الحق إلى الجدال بالتي هي أحسن و قال: اشتر الجبن من أسواق المسلمين و لا تسأل عنه» انتهى.

أقول: و اخبار الجبن جلها أو كلها قد اشتملت على تعليل تحليل الجبن بهذه القاعدة المنصوصة، و الظاهر ان السر فيه هو ما ذكرناه في الوجه الأول أو الثاني، و منها-

ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سليمان عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الجبن؟

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من الأطعمة المباحة.

97
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل السادس) - في الخمر ؛ ج 5، ص : 98

قال: كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان ان فيه ميتة».

و هذا الخبر أقرب انطباقا على الوجه الثاني، و منها-

صحيحة ضريس «1» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم انا كله؟ فقال اما ما علمت أنه خلطه الحرام فلا تأكل و اما ما لم تعلم فكل حتى تعلم انه حرام».

و هي محتملة للوجهين المتقدمين.

و رواية عبد الله بن سليمان «2» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن؟ قال سألتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال يا غلام ابتع لنا جبنا و دعى بالغداء فتغدينا معه فاتى بالجبن فأكل و أكلنا فلما فرغنا من الغداء، قلت ما تقول في الجبن؟ فقال أو لم ترني أكلته؟ قلت بلى و لكني أحب ان أسمعه منك. فقال سأخبرك عن الجبن و غيره: كل ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه».

و هذا الخبر أظهر انطباقا على المعنى الثاني حيث ان ظاهره ان الجبن من الأشياء التي فيها الحلال و الحرام كاللحم من المذكى و الميتة و ليس ذلك إلا باعتبار ما يعمل باللإنفحة و ما لا يعمل بها و الأول منه حرام لمكان الانفحة لأنها ميتة، و حينئذ فمخرج هذه الاخبار كلها انما هو على التقية من حيث اشتهار الحكم بنجاسة الانفحة عند العامة كما عرفته من كلام قتادة الذي هو من رؤوسهم «3» و الله العالم.

(الفصل السادس)- في الخمر

و قد اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في نجاسته، فالمشهور بين أكثر علمائنا بل أكثر أهل العلم هو القول بالنجاسة حتى انه حكي عن المرتضى (رضي الله عنه) انه قال لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم، و عن الشيخ انه قال: الخمر نجسة بلا خلاف و كل مسكر عندنا حكمه‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 64 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 61 من الأطعمة المباحة.

(3) في المغني ج 1 ص 74 «لبن الميتة و انفحتها نجسة في ظاهر المذهب و هو قول مالك و الشافعي، و روي انها طاهرة و هو قول أبي حنيفة و داود».

98
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

حكم الخمر و الحق أصحابنا الفقاع بذلك. و عن ابن زهرة الخمر نجسة بلا خلاف ممن يعتد به، و نقل ابن إدريس إجماع المسلمين عليه، و قال الصدوق في الفقيه و المقنع لا بأس بالصلاة في ثوب اصابه خمر لان الله تعالى حرم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب اصابته. و هو ظاهر كالصريح في القول بالطهارة مع انه حكم بنزح ماء البئر اجمع بانصباب الخمر فيها، و أصرح منه ما نقل عن ابن ابي عقيل حيث قال: من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لأن الله تعالى انما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان.

و عزى في الذكرى الى الجعفي وفاق الصدوق و ابن ابي عقيل و كذا في الدروس، قال في المعالم: بعد نقل القول بالطهارة عن هؤلاء الثلاثة و لا يعرف هذا القول لسواهم من الأصحاب.

[أدلة القائلين بنجاسة الخمر]

احتج القائلون بالنجاسة بوجوه: (الأول)- الإجماع المتقدم ذكره بناء على ما تقرر عندهم من ان الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة.

(الثاني)- قوله عز و جل: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ» «1» فان الرجس هو النجس على ما ذكره بعض أهل اللغة و الاجتناب عبارة عن عدم المباشرة و لا معنى للنجس إلا ذلك.

(الثالث)- الروايات و الذي وقفت عليه من ذلك‌

ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن علي بن مهزيار «2» قال: «قرأت في كتاب عبد الله بن محمد الى ابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روى زرارة عن ابي جعفر و ابي عبد الله (عليهما السلام) في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا بأس بان يصلي فيه انما حرم شربها.

و روى غير زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فأعد صلاتك.

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 90.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

99
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

فأعلمني ما آخذ به؟ فوقع (عليه السلام) و قرأته: خذ بقول ابي عبد الله (عليه السلام)».

و ما رواه في الكافي عن يونس عن بعض من رواه عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله فان صليت فيه فأعد صلاتك».

و عن خيران الخادم «2» قال: «كتبت الى الرجل اسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صل فيه فان الله تعالى انما حرم شربها و قال بعضهم لا تصل فيه. فكتب (عليه السلام) لا تصل فيه فإنه رجس».

و رواه في التهذيب ايضا مثله، و قال في الكافي بعد نقل خبر خيران قال «3»: «و سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر فيرده أ يصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصل فيه حتى يغسله».

و لا يخفى ما في هذا السند من الاشتباه لان الظاهر ان ضمير «قال» يرجع الى خيران و في رؤيته أبا عبد الله (عليه السلام) و سؤاله منه بعد لانه من موالي الرضا (عليه السلام) و أصحابه.

و عن أبي جميلة البصري «4» قال: «كنت مع يونس ببغداد و انا أمشي في السوق ففتح صاحب الفقاع فقاعه فقفز فأصاب ثوب يونس فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس فقلت له يا أبا محمد إلا تصلي؟ قال فقال لي ليس أريد أن أصلي حتى ارجع الى البيت فاغسل هذا الخمر من ثوبي. فقلت له هذا رأي رأيته أو شي‌ء ترويه؟ فقال أخبرني هشام بن الحكم انه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفقاع فقال لا تشربه فإنه خمر مجهول و إذا أصاب ثوبك فاغسله».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوافي ج 4 ص 33 و قطعة منه في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة.

100
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

و ما رواه الشيخ في التهذيب في الموثق عن عمار بن موسى الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «لا تصل في بيت فيه خمر و لا مسكر لأن الملائكة لا تدخله، و لا تصل في ثوب قد اصابه خمر أو مسكر حتى تغسله».

و ما رواه في الكافي عن زكريا بن آدم «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير؟ قال يهراق المرق أو تطعمه أهل الذمة أو الكلب و اللحم اغسله و كله. قلت فإنه قطر فيه دم؟ قال الدم تأكله النار ان شاء الله تعالى. قلت فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم؟ قال فقال فسد. قلت أبيعه من اليهود و النصارى و أبين لهم؟ قال نعم فإنهم يستحلون شربه.

قلت و الفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شي‌ء من ذلك؟ فقال أكره أن آكله إذا قطر في شي‌ء من طعامي».

و عن عمار بن موسى الساباطي في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه الخل أو ماء كامخ أو زيتون؟

قال إذا غسل فلا بأس. و عن الإبريق يكون فيه خمر أ يصلح ان يكون فيه ماء؟ قال إذا غسل فلا بأس. و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال تغسله ثلاث مرات.

سئل يجزيه ان يصب فيه الماء؟ قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات».

و رواه الشيخ في التهذيب مثله.

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن فضالة عن عبد الله بن سنان «4» قال: «سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري و يشرب الخمر فيرده أ يصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصلي فيه حتى يغسله».

أقول: قد حمله الشيخ‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 51 من النجاسات و 30 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

101
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بنجاسة الخمر ؛ ج 5، ص : 99

على الاستحباب: قال لأن الأصل في الأشياء الطهارة و لا يجب غسل شي‌ء من الثياب إلا بعد العلم بان فيها نجاسة، و قد روى هذا الراوي بعينه خلاف هذا الخبر ثم أورد الخبر الآني:

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان «1» قال: «سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر اني أعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه».

و عن عمار في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «2» «في الإناء يشرب فيه النبيذ؟ قبل تغسله سبع مرات».

و موثقة عمار ايضا عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «لا تصل في ثوب اصابه خمر أو مسكر و اغسله ان عرفت موضعه فان لم تعرف موضعه فاغسل الثوب كله فان صليت فيه فأعد صلاتك».

و صحيحة الحلبي «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دواء عجن بالخمر؟ فقال لا و الله ما أحب ان انظر اليه فكيف أتداوى به انه بمنزلة شحم الخنزير

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 و 35 من الأشربة المحرمة.

(3) لم نعثر في كتب الحديث على رواية لعمار بهذا اللفظ و انما الوارد فيها هكذا «لا تصل في ثوب اصابه خمر أو مسكر حتى تغسله» و قد رواه في الوسائل في الباب 38 من النجاسات. نعم ورد هذا المضمون في رواية غير زرارة التي يرويها علي بن مهزيار و في رواية يونس المتقدمتين و سيأتي في التنبيه الأول التعرض لموثقة عمار بالنص المتقدم.

(4) المروية في الوسائل في الباب 20 من الأشربة المحرمة.

102
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الخمر ؛ ج 5، ص : 103

أو لحم الخنزير».

و في بعض الروايات «انه بمنزلة الميتة».

و في رواية أبي بصير «1» و هي طويلة عن الصادق (عليه السلام) في النبيذ و سؤال أم خالد العبدية عن التداوي به قال: «ما يبل الميل ينجس حبا من ماء، يقولها ثلاثا».

و في الصحيح عن محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمة و المجوس؟ قال لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر».

و عن عمر بن حنظلة «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره، فقال لا و الله و لا قطرة تقطر منه في حب إلا أهريق ذلك الحب».

و عن هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق (عليه السلام) «4» «في رجل اشتكى عينيه فنعت له كحل يعجن بالخمر؟ فقال هو خبيث بمنزلة الميتة فإن كان مضطرا فليكتحل به».

و منها- الأخبار الواردة في نزح البئر من صب الخمر فيه «5» مع كثرتها و صحة أسانيد كثير منها.

هذا ما حضرني مما يدل على القول بالنجاسة كما هو القول المشهور و المؤيد المنصور‌

[أدلة القائلين بطهارة الخمر]

و اما ما يدل على القول الآخر بعد الأصل فجملة من الاخبار ايضا: منها-

ما رواه الحسن بن أبي سارة في الصحيح «6» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 21 من الأشربة المحرمة.

(5) رواها في الوسائل في الباب 15 من أبواب الماء المطلق.

(6) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

103
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الخمر ؛ ج 5، ص : 103

أصاب ثوبي شي‌ء من الخمر أصلي فيه قبل ان اغسله؟ قال لا بأس ان الثوب لا يسكر».

و ما رواه عبد الله بن بكير في الموثق «1» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و انا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب؟ فقال: لا بأس به».

و ما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد في الصحيح عن علي بن رئاب «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي اغسله أو أصلي فيه؟ قال صل فيه إلا ان تقذره فتغسل منه موضع الأثر ان الله تبارك و تعالى انما حرم شربها».

و رواية الحسين بن موسى الحناط «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي؟ فقال لا بأس».

و رواية أبي بكر الحضرمي «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصاب ثوبي نبيذ أصلي فيه؟ قال نعم. قلت له قطرة من نبيذ قطرت في حب ماء اشرب منه؟

قال نعم ان أصل النبيذ حلال و ان أصل الخمر حرام».

قال في الذخيرة: وجه الدلالة ان الظاهر عدم القائل بالفصل و حمل الشيخ النبيذ في هذه الرواية على النبيذ الحلال. و هو جيد‌

و رواية الحسن ابن أبي سارة «5» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) انا نخالط اليهود و النصارى و المجوس و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمر ساقيهم فيصب على ثيابي الخمر؟ قال: لا بأس به إلا ان تشتهي أن تغسله لأثره».

و رواية حفص الأعور «6» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الدن يكون فيه الخمر ثم يجفف يجعل فيه الخل؟ قال نعم».

و روى ابن بابويه مرسلا «7» قال: «سئل أبو جعفر و أبو عبد الله (عليهما

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 39 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

(6) المروية في الوسائل في الباب 51 من النجاسات و 30 من الأشربة المحرمة.

(7) رواه في الوسائل في الباب 38 من أبواب النجاسات.

104
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الخمر ؛ ج 5، ص : 103

السلام) فقيل لهما انا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ نصلي فيها قبل ان نغسلها؟ فقال نعم لا بأس إنما حرم الله تعالى اكله و شربه و لم يحرم لبسه و مسه و الصلاة فيه».

و رواه الصدوق في علل الشرائع بطريق صحيح عن بكير عن الباقر (عليه السلام) و عن ابى الصباح و ابى سعيد و الحسن النبال عن الصادق (عليه السلام).

و روى الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» «انه سأله عن الرجل يمر في ماء المطر و قد صب فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل ان يغسله؟ فقال لا يغسل ثوبه و لا رجله و يصلي فيه و لا بأس».

و رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن رجل مر في ماء المطر قد صب فيه الخمر. الحديث».

و رواية علي الواسطي «3» قال: «دخلت الجويرية و كانت تحت عيسى بن موسى على ابى عبد الله (عليه السلام) و كانت صالحة فقالت إني أتطيب لزوجي فيجعل في المشطة التي اتمشط بها الخمر و اجعله في رأسي؟ قال لا بأس».

و في الفقه الرضوي «4» «لا بأس ان تصلي في ثوب اصابه خمر لأن الله تعالى حرم شربها و لم يحرم الصلاة في ثوب أصابته».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كالسيد السند في المدارك و الفاضل الخراساني في الذخيرة و المحقق الخوانساري و غيرهم قد اختاروا القول بالطهارة و أجابوا عن الإجماع بعدم ثبوته بعد تحقق الخلاف في المسألة من هؤلاء الأجلاء، و اما الآية فأجابوا عنها أيضا بأجوبة واسعة نقضا و إبراما ليس في التعرض لها مزيد فائدة.

و الحق هو الرجوع الى الاخبار في هذا المقام خاصة، اما الإجماع فلما عرفت في مقدمات‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الماء المطلق.

(2) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب الماء المطلق.

(3) المروية في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة.

(4) ص 38.

105
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

الكتاب، و اما الآية فلا دلالة لها ظاهرا إلا بارتكاب تكلفات بعيدة كما يظهر من بحثهم جوابا و سؤالا.

و هؤلاء الأفاضل المشار إليهم بعد بحثهم في المسألة حملوا أخبار النجاسة على الاستحباب و جمعوا به بين الاخبار في هذا الباب كما هي قاعدتهم المستمرة في جميع الأبواب حسبما نبهنا عليه في غير مقام مما تقدم في الكتاب، قال السيد السند في المدارك الذي هو الأصل في ذلك بعد ذكر القول بالنجاسة و نقل بعض اخباره ثم القول بالطهارة و نقل بعض اخباره: و أجاب الأولون عن هذه الاخبار بالحمل على التقية جمعا بينها و بين ما تضمن الأمر بغسل الثوب منه، و هو مشكل لأن أكثر العامة قائلون بالنجاسة «1» نعم يمكن الجمع بينهما بحمل ما تضمن الأمر بالغسل على الاستحباب لان استعمال الأمر في الندب مجاز شائع. انتهى. و نحوه في الذخيرة بزيادة تأييد لذلك بوجوه لفقها، ملخصها بعد الحمل على التقية و ان حمل الأوامر و النواهي في أخبارنا على الاستحباب و الكراهة شائع ذائع كأنه الحقيقة كما أشرنا إليه مرارا.

[علاج التعارض بين الأخبار]

أقول: لا يخفى ان الكلام في الجمع بين هذه الاخبار دائر بين هذين الوجهين.

و هؤلاء الأفاضل قد اختاروا الحمل على الاستحباب في الجمع بين هذه الاخبار، و ها أنا أبين ما فيه من البعد بل الفساد و عدم انطباق أخبار المسألة عليه، و به يتعين حمل أخبار الطهارة على التقية إذ لم يبق بعد بطلان حمل أخبار النجاسة على الاستحباب إلا رميها بالكلية متى عملنا باخبار الطهارة، و فيه من البطلان ما هو غني عن البيان لكثرتها و استفاضتها و صحة جملة منها باصطلاحهم و عمل الطائفة قديما و حديثا عليها إلا هؤلاء الثلاثة‌

______________________________
(1) كما في بداية المجتهد لابن رشد المالكي ج 1 ص 70، و ذكر ابن قدامة في المغني ج 1 ص 72 و الشيرازي في المهذب ج 1 ص 48 طهارة الخمر بالاستحالة إلى الخل، و في بدائع الصنائع ج 1 ص 76 «ينزح ماء البئر كله إذا وقع فيه من الأنجاس كالبول و الدم و الخمر».

106
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

المذكورين و الثلاثة المتقدمين، أو حمل أخبار الطهارة على التقية و به يتم المطلوب.

فاما ما يدل على بطلان الحمل على الاستحباب فوجوه: (الأول)- انه و ان اشتهر ذلك بينهم في جميع أبواب الفقه إلا انه لا مستند له من سنة و لا كتاب، و قد استفاضت الاخبار عنهم (عليهم السلام) بوجوه الجمع بين الاخبار و الترجيح في مقام اختلاف الاخبار، و لو كان لهذا الحمل و الجمع بين الأخبار أصل في الشريعة لما أهملوه (عليهم السلام) سيما انهم (رضوان الله عليهم) قد اتخذوه قاعدة كلية في مقام اختلاف الاخبار في جميع أبواب الفقه و أحكامه.

(الثاني)- ان الحمل على الاستحباب مجاز باعترافهم و المجاز لا يصار اليه إلا بالقرينة الصارفة عن الحقيقة و اختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز. و اما قوله في الذخيرة: «ان حمل الأوامر و النواهي في أخبارنا على الاستحباب و الكراهة شائع ذائع كأنه الحقيقة» ففيه انه ان كان ذلك مع وجود القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي فلا بحث فيه و إلا فهو أول المسألة و محل المنع.

(الثالث)- ان الاستحباب حكم شرعي كالوجوب و التحريم فيتوقف الحكم به على دليل واضح و إلا كان قولا على الله تعالى من غير علم، و قد استفاضت الآيات القرآنية و السنة النبوية بالنهي عنه، و اختلاف الأخبار ليس من الأدلة التي توجب الحكم بالاستحباب.

(الرابع)- ان صحيحة علي بن مهزيار و رواية خيران الخادم قد دلتا على وقوع هذا الاختلاف بين أصحاب الأئمة (عليهم السلام) في وقتهم و انهم رجعوا في ذلك الى امام ذلك العصر و سألوه عن الأخذ بأي القولين فأمرهم بالعمل باخبار النجاسة و لو كانت الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) بالنجاسة انما هي بمعنى استحباب الإزالة و ليس المراد منها النجاسة كما زعمه هؤلاء الأفاضل و انه طاهر و الصلاة فيه صحيحة و ان كان على كراهة، لما خفي على أصحاب الأئمة (عليهم السلام) يومئذ حتى انهم يسألون‌

107
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

عن ذلك، و لكان الامام (عليه السلام) يجيبهم بان هذه الأخبار لا منافاة بينها فإن الأمر بغسل الثوب منه انما هو على جهة الاستحباب و إلا فهو طاهر لا انه يقرهم على الاختلاف و يجيبهم بقوله‌

«لا تصل فيه فإنه رجس».

فيأمرهم بالأخذ باخبار النجاسة كما في خبر خيران و بقول ابي عبد الله (عليه السلام) كما في صحيحة علي بن مهزيار. و اما ما ذكره الفاضل الخوانساري- من انه يمكن ان يكون المراد بقول ابي عبد الله (عليه السلام) قوله الذي مع ابي جعفر (عليه السلام) و يكون التعبير بهذه العبارة المشتبهة للتقية- فهو مما لا يروج إلا على الصبيان العادمي الافهام و الأذهان.

(الخامس)- ان جملة من الروايات الدالة على النجاسة لا تلائم هذا الحمل مثل صحيحة علي بن مهزيار المتضمنة ان غير زرارة‌

روى عن الصادق (عليه السلام) في نجاسة الخمر «انه يغسل الثوب كملا مع جهل موضعه و يعيد الصلاة لو صلى فيه».

و مثلها مرسلة يونس المتقدمة نقلا من الكافي، فإنه لم يعهد في الأخبار التشديد في الأمور المستحبة و المبالغة فيها الى هذا المقدار و انما وقع نظيره في الاخبار في النجاسات المقطوع بها لا الأشياء الطاهرة، و مثل ذلك في رواية أبي جميلة البصري و حكايته عن يونس فإنه لو كان طاهرا كما يدعونه و ان إزالته عن الثوب انما هو على طريق الأولوية و الاستحباب لما خفي ذلك على يونس و هو من أجلاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) و سياق الخبر كما عرفت ظاهر بل صريح في ان يونس انما فهم من خبر هشام النجاسة و صار اعتقاده القول بالنجاسة، فإن غمه بملاقاة الفقاع له و توقفه عن المبادرة للصلاة في أول وقتها و سؤال الراوي له ان هذا رأي رأيته أو شي‌ء ترويه كلها ظاهرة الدلالة في حكمه بالنجاسة، و مثل‌

حديث العبدية و قوله (عليه السلام): «ما يبل الميل ينجس حبا من ماء».

كيف يحمل على الاستحباب؟ و اي مجال لهذا الاستحباب الذي لا دليل عليه من سنة و لا كتاب؟

و كأن هذا القائل ظن انحصار دليل النجاسة فيما دل على غسل الثوب أو البدن كما هو ظاهر عبارة المدارك.

108
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

(السادس)- انه قد ورد عنهم (عليهم السلام) من القواعد انه إذا جاء خبر عن أولهم و خبر آخر عن آخرهم فإنه يجب الأخذ بالأخير «1» و هذه القاعدة قد صرح بها الصدوق في الفقيه في باب «الرجل يوصي الى الرجلين» حيث قال: و لو صح الخبران لكان الواجب الأخذ بقول الأخير كما أمر الصادق (عليه السلام). و لا ريب ان صحيحة علي بن مهزيار و رواية خيران قد تضمنتا ذلك، فالواجب بمقتضى هذه القاعدة الرجوع الى قول الإمام الأخير و هو الحكم بالنجاسة.

(السابع)- ترجح أخبار النجاسة بعمل الطائفة قديما و حديثا الموجب للظن المتاخم للعلم بكون ذلك هو مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فان صاحب كل مذهب انما يعلم مذهبه بعد موته بمذهب مقلديه و شيعته الآخذين بأقواله و المقتفين لآثاره و لا سيما الشيعة المتهالكين على متابعة مذهب أئمتهم المانعين من الأخذ من غيرهم، مضافا ذلك الى الاحتياط في الدين الذي هو أحد المرجحات الشرعية في مقام اختلاف الاخبار كما دلت عليه رواية زرارة الواردة في طرق الترجيح «2».

و الشيخ قد استند في حمل أخبار الطهارة على التقية إلى صحيحة علي بن مهزيار المتقدمة حيث قال: وجه الاستدلال من هذا الخبر على ان تلك الأخبار- يعني أخبار الطهارة- وردت على جهة التقية انه (عليه السلام) أمر بالأخذ بقول ابي عبد الله (عليه السلام) على الانفراد و العدول عن قوله مع قول ابي جعفر (عليه السلام) فلو لا ان قوله مع قول ابي جعفر (عليهما السلام) خرج مخرج التقية لكان الأخذ بقولهما معا اولى و أحرى. قال في المعالم: و هذا الكلام حسن لولا ما أشرنا إليه من نقل الأصحاب عن أكثر أهل الخلاف الموافقة على القول بالنجاسة، و كيف كان فلا ريب في ان‌

______________________________
(1) وردت في ذلك روايات ثلاث رواها في الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي و ما يقضي به و قد تقدمت في ج 1 ص 96.

(2) المروية في مستدرك الوسائل في الباب 9 من صفات القاضي و ما يقضى به.

109
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الأخبار ؛ ج 5، ص : 106

ما تضمنه هذا الخبر من الأخذ بقول ابي عبد الله (عليه السلام) بعد ما تقرر في السؤال دلالة على ان الحكم في ذلك هو النجاسة و ان الطهارة لا تعويل عليها، و هذا القدر من الدلالة في الحديث الصحيح كاف في الاستدلال لاعتضاده بما تقدم من الاخبار و باتفاق أكثر علماء الإسلام مع ما في التنزه عنه من الاحتياط للدين كما ذكره المحقق (قدس سره) فإذا القول بالنجاسة هو المعتمد. انتهى، أقول: ما ذكره- من استشكاله في حسن ما ذكره الشيخ بما نقله الأصحاب عن أكثر أهل الخلاف- سيأتي الجواب عنه في المقام ان شاء الله تعالى و بما ذكرناه من الوجوه الظاهرة البيان الغنية عن إقامة الحجة و البرهان كما لا يخفى على أهل الإنصاف من ذوي الأذهان يظهر بطلان حمل أخبار النجاسة على الاستحباب و يتعين العمل بها في هذا الباب فتبقى اخبار القول بالطهارة و يتعين حملها على التقية التي هي في اختلاف الأحكام الشرعية أصل كل بلية.

بقي الكلام فيما ذكروه من ان أكثر العامة قائلون بالنجاسة، و فيه ما ذكره بعض المحققين من أصحابنا المتأخرين من ان التقية لا تنحصر في القول بما يوافق علماءهم بل قد يدعو لها إصرار جهلائهم من أصحاب الشوكة على أمر و ولوعهم به فلا يمكن إشاعة ما يتضمن تقبيحه و الإزراء بهم على فعله، و ما نحن فيه من هذا القبيل فإن أكثر أمراء بني أمية و بني العباس و وزرائهم و أرباب الدولة كانوا مولعين بشرب الخمر و مزاولتها و استعمالها و عدم التحرز عن مباشرتها، بل ربما نقل ان بعضهم يأم الناس و هو سكران فضلا عن ان يكون ثوبه متلوثا بالخمر (فان قيل) انهم (عليهم السلام) لو كانوا يتقون في ذلك لكان تقيتهم في الحكم بالحرمة أوجب و أهم مع ان المعلوم من أخبارهم انهم كانوا يبالغون في ذلك تمام المبالغة حتى‌

ورد في أخبارهم (عليهم السلام) «ان مدمن الخمر كعابد الوثن» «1».

و نحو ذلك من التهديد و التشديد في تحريمها و لم يرو عنهم ما يتضمن إباحتها (قلت) يمكن الجواب عن ذلك بأنه لما كان صريح القرآن تحريمها كان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 16، 13، 12 من الأشربة المحرمة.

110
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 111

 

التحريم من ضروريات الدين و الحكم به لا مجال لإنكاره و لا فساد فيه. و ربما أجيب عما ذكرنا بان حرمتها و ان كان بصريح القرآن إلا ان التشديد الذي ورد عنهم (عليهم السلام) ليس في القرآن و لا من ضروريات الدين فكان ينبغي ان يتقوا فيه فترك التقية في ذلك و التقية في النجاسة بعيد جدا. و فيه انه متى كان صريح القرآن التحريم فالتشديد لازم له إذ من المعلوم عند كل عالم عاقل ان مخالف صريح القرآن راد لضروري الدين و كل من كان كذلك فهو في زمرة المرتدين فافترق الأمران، و بالجملة فالتحريم لما كان صريح الكتاب العزيز الموجب لكونه من ضروريات الدين فهو معلوم لكافة المسلمين فلا تدخله التقية سواء أخبروا بمجرد التحريم أو شددوا‌

لقوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة «1»: «ثلاثة لا اتقي فيهن أحدا: شرب المسكر و مسح الخفين و متعة الحج».

بل لو أفتوا فيه بالتقية لربما نسبوهم الى الجهل و مخالفة الكتاب العزيز، و اما الحكم بالنجاسة فلما لم يكن بتلك المثابة حيث لم يدل عليه دليل من القرآن و انما استفيد من السنة فالتقية جائزة فيه و غير مستنكرة. و بما حققناه في المقام و رفعنا عنه نقاب الإبهام ظهر لك ان الحق في المسألة هو القول المشهور و ان ما عداه ظاهر القصور. و الله العالم.

تنبيهات

(الأول) [هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟]

- المفهوم من كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان حكم جميع الأنبذة المسكرة حكم الخمر في التنجيس، قال في المعالم: و لا نعرف في ذلك خلافا بين الأصحاب.

و الظاهر ان مراده من قال من الأصحاب بنجاسة الخمر و إلا فقد عرفت مذهب الصدوق و ابن ابى عقيل و الجعفي في قولهم بالطهارة.

و استدل في المعتبر على الحكم المذكور فقال: و الأنبذة المسكرة عندنا في التنجيس كالخمر لان المسكر خمر فيتناوله حكم الخمر، اما انه خمر فلان الخمر انما سمي بذلك لكونه‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 22 من الأشربة المحرمة.

 

111
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

يخمر العقل و يستره فما ساواه في المسمى يساويه في الاسم،

و لما رواه علي بن يقطين عن ابى الحسن الماضي (عليه السلام) «1» قال: «ان الله سبحانه لم يحرم الخمر لاسمها و لكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر».

و روى عطاء بن يسار عن الباقر (عليه السلام) «2» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام و كل مسكر خمر».

انتهى.

و اعترضه جملة من محققي متأخري المتأخرين كالسيد في المدارك و الشيخ حسن في المعالم و السبزواري في الذخيرة و غيرهم ممن حذا حذوهم بان هذا الاحتجاج منظور فيه، قال في المعالم: لان الظاهر من كلام جماعة من أئمة اللغة ان الخمر حقيقة في المسكر من عصير العنب و العرف يساعده، و إذا ثبت كون اللفظ حقيقة في معنى لم يدل استعماله بعد ذلك في غيره على كونه حقيقة في ذلك الغير ايضا، و كون الأصل في الاستعمال الحقيقة انما هو مع عدم استلزام الاشتراك أو النقل لكونهما على خلاف الأصل، فتعارض أصالة عدمهما أصالة الحقيقة و أحدهما لازم بعد ثبوت الحقيقة للفظ، و حينئذ فمجرد إطلاق لفظ الخمر على مطلق المسكر لا يدل على كونه حقيقة فيه و الاعتبار الذي ذكره من جهة التسمية ليس بشي‌ء، و إذا لم يثبت كون اللفظ حقيقة في الجميع لم يتجه الاستدلال على تعميم الحكم في الكل بما دل على نجاسة الخمر، و الاشتراك في التحريم لا دلالة فيه و انما هو وجه علاقة صح من اجله استعمال لفظ الخمر في غير ما وضع له على جهة المجاز. انتهى. و على هذا النهج كلام غيره ممن أشرنا اليه.

و عندي فيه نظر، و توجيهه انهم ان أرادوا بكونه حقيقة في عصير العنب يعني الحقيقة الشرعية ففيه ان الحقيقة الشرعية عبارة عن استعمال اللفظ في كلام الله تعالى أو رسوله مجردا عن قرينة المجاز، و هذا اللفظ و ان وقع في القرآن العزيز مجملا الا ان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 19 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من الأشربة المحرمة.

112
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

الأخبار قد فسرته بالمعنى الأعم و كذلك وقوعه في كلام الرسول (صلى الله عليه و آله) انما وقع بالمعنى الأعم كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى و حينئذ فيكون حقيقة شرعية في المعنى الأعم، و ان أرادوا به الحقيقة اللغوية كما يفهم من كلام المحقق المذكور و من تبعه في ذلك ففيه (أولا)- انه لا يصار الى الحمل على الحقيقة اللغوية إلا مع تعذر الحمل على الحقيقة الشرعية و العرفية الخاصة كما قرروه في غير موضع. و (ثانيا)- ان كلام أهل اللغة أيضا ظاهر في المعنى الأعم كما سيظهر لك في المقام.

فاما ما يدل على كونه حقيقة شرعية في المعنى الأعم من كلام الله عز و جل فقوله تعالى: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ. الآية» «1»

روى الثقة الجليل علي بن إبراهيم في تفسيره في تفسير هذه الآية عن ابي الجارود عن الباقر (عليه السلام) «2» في قوله تعالى: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ. «أما الخمر فكل مسكر من الشراب إذا أخمر فهو خمر، و ما أسكر كثيره فقليله حرام. و ذلك ان أبا بكر شرب قبل ان تحرم الخمر فسكر فجعل يقول الشعر و يبكي على قتلي المشركين من أهل بدر فسمع النبي (صلى الله عليه و آله) فقال اللهم أمسك على لسانه فأمسك على لسانه فلم يتكلم حتى ذهب عنه السكر فانزل الله تحريمها بعد ذلك، و انما كانت الخمر يوم حرمت بالمدينة فضيخ البسر و النمر فلما انزل الله تعالى تحريمها خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فأكفاها كلها و قال هذه كلها خمر و قد حرمها الله تعالى، و كان أكثر شي‌ء اكفى‌ء في ذلك اليوم من الأشربة الفضيخ و لا اعلم انه اكفى‌ء يومئذ من خمر العنب شي‌ء إلا إناء واحد كان فيه زبيب و تمر جميعا، و اما عصير العنب فلم يكن يومئذ بالمدينة منه شي‌ء، و حرم الله تعالى الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شراءها و الانتفاع بها. الحديث».

و هو- كما ترى- صريح في المراد عار عن وصمة الشبهة و الإيراد.

و نقل في مجمع البيان عن ابن عباس في تفسير

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 90.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

113
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

هذه الآية قال: «يريد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر و قد قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من تسع: من البتع و هو العسل و من العنب و من الزبيب و من التمر و من الحنطة و من الذرة و من الشعير و السلت».

و اما ما يدل على ذلك من كلامه (صلى الله عليه و آله) فمنه- ما تقدم في رواية عطاء بن يسار المنقولة في كلام المحقق، و ما نقله في مجمع البيان عن ابن عباس عنه (صلى الله عليه و آله) و من ذلك‌

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المرز من الشعير و النبيذ من التمر».

و رواية علي بن إسحاق الهاشمي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من خمسة. الحديث المتقدم».

و ما رواه الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الطوسي في الأمالي بسنده فيه عن النعمان بن بشير «3» قال: «سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول ايها الناس ان من العنب خمرا و ان من الزبيب خمرا و ان من التمر خمرا و ان من الشعير خمرا الا أيها الناس انها كم عن كل مسكر».

و روى الكليني في الصحيح الى الحسن الحضرمي عن من أخبره عن علي بن الحسين (عليه السلام) «4» قال:

«الخمر من خمسة أشياء: من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و العسل».

و روى العياشي في تفسيره عن عامر بن السمط عن علي بن الحسين (عليه السلام) «5» قال: «الخمر من ستة أشياء.».

ثم ذكر الخمسة المذكورة في حديث الحضرمي و زاد الذرة، فقد ظهر لك بما نقلناه من الأخبار تطابق كلام الله تعالى و رسوله على ان الخمر أعم مما ذكروه من التخصيص بالمتخذ من العنب فيكون حقيقة شرعية في ذلك بلا اشكال و يجب الحمل على ذلك حيثما أطلق هذا اللفظ إلا مع القرينة الصارفة عنه كما هو المقرر بينهم في الحقائق الشرعية و غيرها.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

114
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

و اما كلام أهل اللغة في هذا المقام فالذي يستفاد منه تصريحا في مواضع و تلويحا في اخرى ان الخمر حقيقة فيما قلناه دون عصير العنب كما زعموه، قال في القاموس:

الخمر ما أسكر من عصير العنب أو عام كالخمرة و قد يذكر، و العموم أصح لأنها حرمت و ما بالمدينة خمر عنب و ما كان شرابهم إلا البسر و التمر، سميت الخمر خمرا لأنها تخمر العقل و تستره أو لأنها تركت حتى أدركت و اختمرت أو لأنها تخامر العقل اي تخالطه.

الى آخر كلامه. و في الصحاح سميت الخمر خمرا لأنها تركت و اختمرت و اختمارها تغير رائحتها، و يقال وجدت خمرة الطيب أي رائحته. و في كتاب الغريبين للهروي قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَ الْمَيْسِرِ» الخمر ما خامر العقل اي خالطه و خمر العقل ستره و هو المسكر من الشراب. و في المصباح المنير للفيومي الخمر معروفة، الى ان قال و يقال هي اسم لكل مسكر خامر العقل اي غطاه. و في مجمع البحرين بعد ذكر قوله سبحانه «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ» الخمر معروف و عن ابن الأعرابي انما سمى الخمر خمرا لأنها تركت و اختمرت و اختمارها تغير رائحتها، الى ان قال و الخمر فيما اشتهر بينهم كل شراب مسكر و لا يختص بعصير العنب، ثم نقل كلام القاموس و قال بعده و يشهد له ما روي عن الصادق (عليه السلام) و ساق صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة.

و بذلك يظهر لك تطابق الأخبار المتقدمة و كلام أهل اللغة على ما اخترناه في المقام و يظهر ضعف ما ذكره أولئك الاعلام، و بذلك يظهر ما في كلام المحقق صاحب المعالم من قوله: و الاعتبار الذي ذكره من جهة التسمية ليس بشي‌ء. و نحوه قوله في المدارك و الذخيرة ان اللغات لا تثبت بالاستدلال، فان فيه ان كلام أئمة اللغة كما سمعت كله متطابق على تعليل التسمية الموجب لدوران حكم التحريم و نحوه مدار صدق الاسم و قد وقع نحوه في الاخبار ايضا كما‌

رواه في الكافي عن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان الله تعالى لما اهبط آدم امره بالحرث و الزرع

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

115
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يلحق سائر المسكرات بالخمر في النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 111

و طرح عليه غرسا من غرس الجنة فأعطاه النخل و العنب و الزيتون و الرمان فغرسها لعقبه و ذريته فأكل هو من ثمارها، فقال إبليس ائذن لي ان آكل منه شيئا فأبى أن يطعمه فجاء عند آخر عمر آدم، و ساق الحديث الى ان قال: ثم ان إبليس بعد وفاة آدم ذهب فبال في أصل الكرم و النخلة فجرى الماء في عودهما ببول عدو الله تعالى فمن ثم يختمر العنب و التمر فحرم الله تعالى على ذرية آدم كل مسكر لان الماء جرى ببول عدو الله في النخلة و العنب و صار كل مختمر خمرا لان الماء اختمر في النخلة و الكرمة من رائحة بول عدو الله تعالى».

فانظر الى قوله (عليه السلام): «و صار كل مختمر خمرا» من دلالته على دوران التسمية مدار حصول الاختمار كما هو الظاهر من كلام أهل اللغة أيضا و هو الذي أراده المحقق في المعتبر و لكن أولئك الفضلاء لم يعطوا التأمل حقه لا في الاخبار و لا في كلام أهل اللغة فوقعوا فيما وقعوا فيه.

(فان قيل) ان جملة من الاخبار ظاهرة في إطلاق الخمر على المعنى الأخص لعطف المسكر أو النبيذ عليه و نحو ذلك من العبارات الظاهرة بل الصريحة في الاختصاص و عدم صحة الحمل على المعنى الأعم، و ربما أشعر بكونه حقيقة في هذا الفرد في عرفهم (عليهم السلام) فيكون حقيقة عرفية خاصة. مثل‌

قوله (عليه السلام) في صحيحة علي ابن مهزيار «1» «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ يعني المسكر.».

و قوله (عليه السلام) في رواية عمار «2»: «لا تصل في ثوب اصابه خمر أو مسكر حتى تغسله».

و قوله (عليه السلام) في رواية يونس «3»: «إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ مسكر فاغسله».

و نحو ذلك، و على هذه الروايات اعتمد في المعالم في الحكم بنجاسة كل مسكر بعد اعتراضه على كلام المحقق (قدس سره) بما قدمنا نقله.

(قلت): الذي يظهر لي من تتبع الاخبار في هذا المقام ان الخمر قبل نزول التحريم انما كان يطلق عرفا على عصير العنب و إطلاقه على المعنى الأعم انما وقع في كلام‌

______________________________
(1) ص 99.

(2) راجع التعليقة 3 ص 102.

(3) ص 100.

116
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

الله تعالى و كلام رسوله (صلى الله عليه و آله) باعتبار الأحكام التي رتبوها عليه من حرمة أو نجاسة كما عرفت من الأحاديث المتقدمة فهي حقيقة شرعية في المعنى الأعم و ان كانت عرفا انما تطلق على العصير العنبي، و هم (عليهم السلام) ربما اطلقوها على المعنى الشرعي كما تقدم في الحديثين المنقولين عن علي بن الحسين (عليه السلام) و ربما اطلقوها على المعنى العرفي الدائر بين الناس كما في الاخبار المذكورة.

هذا، و الظاهر اتفاق كلمة الأصحاب (رضوان الله عليهم) على تخصيص الحكم بالنجاسة في المسكر بما كان مائعا بالأصالة و ان عرض له الجمود دون الجامد بالأصالة كالحشيشة و ان عرض له الميعان، و الظاهر ان المستند في ذلك هو ان المتبادر من لفظة المسكر و النبيذ و نحوهما في الأخبار انما هو الأشربة المتخذة من تلك الأشياء المعدودة في الأخبار المتقدمة فيبقى ما عداها على حكم الأصل، و اما ثبوت النجاسة لها بعد الجمود فهو من حيث توقف الطهارة بعد ثبوت النجاسة على الدليل و لم يثبت كون الجمود مطهرا فيبقى على حكم الأصل. و الله العالم.

(الثاني) [حكم الفقاع]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ممن قال بنجاسة الخمر في ان حكم الفقاع حكمه، و نقل العلامة في النهاية و المنتهى إجماع علمائنا على ذلك، و ذكر المحقق في المعتبر عن الشيخ انه قال و ألحق أصحابنا الفقاع بالخمر يعني في التنجيس و هذا انفراد الطائفة. ثم قال المحقق: و يمكن ان يقال الفقاع خمر فيلحقه أحكامه اما انه خمر فلما ذكره على الهدى (رضي الله عنه) قال: قال احمد حدثنا عبد الجبار بن محمد الخطابي عن ضمرة قال الغبيراء التي نهى النبي (صلى الله عليه و آله) عنها هي الفقاع قال و عن ابي هاشم الواسطي الفقاع نبيذ الشعير فإذا نش فهو خمر، قال و عن زيد بن أسلم الغبيراء التي نهى النبي عنها هي الاسكركة «1» و عن ابى موسى انه قال الاسكركة خمر الحبشة، و من طريق الأصحاب‌

ما رواه سليمان بن جعفر «2» قال: «قلت للرضا

______________________________
(1) في كتب اللغة (سكركة).

(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من الأشربة المحرمة.

117
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

(عليه السلام) ما تقول في شرب الفقاع؟ فقال هو خمر مجهول.».

و عن الوشاء «1» قال: «كتبت إليه- يعني الرضا (عليه السلام)- اسأله عن الفقاع؟ فقال حرام و هو خمر».

و عنه (عليه السلام) «2» قال: «هي خمرة استصغرها الناس».

و قال ابن الجنيد و تحريمه من جهة نشيشه و من ضراوة إنائه إذا كرر فيه العمل. (لا يقال) الخمر من الستر و هو ستر العقل و لا ستر في الفقاع (لأنا نقول) التسمية ثابتة شرعا و التجوز على خلاف الأصل فيكون حقيقة في المشترك و هو مائع حرم لنشيشه و غليانه، و إذا ثبت ان الفقاع خمر و قد بينا حكم الخمر فاطلب حكم الفقاع هناك. انتهى كلامه. قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه: و يرد على احتجاجه بأخبارنا لإدخاله في حقيقة الخمر نحو ما ذكرناه في احتجاجه السابق لإدخال المسكرات. و اما ما حكاه عن المرتضى فغير كاف في إثبات مثله، فالعمدة إذا على الإجماع المدعي، و يؤيده ما رواه الكليني (قدس سره) عن محمد بن يحيى ثم أورد رواية أبي جميلة البصري المتقدمة.

أقول: ما أورده عليه هنا في الاحتجاج بأخبارنا لإدخال الفقاع في حقيقة الخمر بما ذكره سابقا قد بينا ضعفه و ان هذا الإطلاق حقيقة شرعية، و من الأخبار الدالة على ما دلت عليه هاتان الروايتان المذكورتان في كلام المحقق (قدس سره)

قول ابي الحسن (عليه السلام) في جواب مكاتبة ابن فضال «3» «هو الخمر و فيه حد شارب الخمر».

و قول الصادق (عليه السلام) «4» في موثقة عمار: «هو خمر».

و قوله (عليه السلام) في رواية الحسين القلانسي «5» «لا تقربه فإنه من الخمر».

و في رواية محمد بن سنان «6» «هو الخمر بعينها».

و في رواية زرارة عن الصادق (عليه السلام) «7» «لو ان لي سلطانا على أسواق المسلمين لرفعت عنهم هذه الخمرة».

و في بعضها «8» «هو خمر مجهول و فيه حد شارب الخمر».

و من أجل هذه الاخبار رجع صاحب الذخيرة في هذا المقام‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(6) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(7) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

(8) رواه في الوسائل في الباب 27 من الأشربة المحرمة.

118
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

عما ذكره سابقا مما قدمنا نقله عنه، حيث قال بعد إيراد جملة من هذه الأخبار:

لا يخفى انه و ان أمكن إيراد النظر السابق هنا لكن الإنصاف ان من هذه الاخبار يستفاد انه مثل الخمر في جميع الأحكام و يؤيده رواية أبي جميلة البصري، ثم ساق الرواية كما قدمناه. و اما صاحب المدارك فإنه قال: و الحكم بنجاسته مشهور بين الأصحاب و به رواية ضعيفة السند جدا نعم ان ثبت إطلاق الخمر عليه حقيقة كما ادعاه المصنف في المعتبر كان حكمه حكم الخمر، و قد تقدم الكلام فيه. انتهى. و قوله: «و قد تقدم الكلام فيه» إشارة إلى مناقشته التي أشرنا إليها آنفا في عموم إطلاق الخمر، فظاهره هنا التوقف أو عدم القول بالنجاسة لعدم صدق الإطلاق عنده و حكمه بضعف الخبر الدال على النجاسة، و العجب منه (قدس سره) حيث لم يقف على ضابطة و لم يرجع الى رابطة فإن الخبر الذي طعن عليه بالضعف و ان كان كذلك لكن اتفاق الأصحاب على الحكم المذكور جابر لضعفه إذ لا مخالف في المسألة، و لهذا ان المحقق الشيخ حسن فيما قدمنا نقله عنه انما اعتمد على الإجماع و أيده بالرواية، و هو (قدس سره) في غير موضع من كتابه قد جرى على هذه الطريقة و قد ذكر في مسألة الدم الأقل من حمصة بعد ان نقل الروايات الدالة على نجاسته و طعن فيها بضعف السند مع كونها مطابقة لمقتضى الأصل كما ذكره: «إلا انه لا خروج عما عليه معظم الأصحاب» انتهى. و على هذا فقس.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المفهوم من كلام الأصحاب ان الحكم بالتحريم و النجاسة تابع للاسم فحيث ما صدق الاسم تعلقت به الأحكام، قال في المسالك بعد ذكر المصنف الفقاع: «الأصل فيه ان يتخذ من ماء الشعير كما ذكره المرتضى (رضي الله عنه) في الانتصار لكن لما كان النهي عنه معلقا على التسمية ثبت له ذلك سواء عمل منه أم من غيره، فما يوجد في أسواق أهل الخلاف مما يسمى فقاعا يحكم بتحريمه تبعا للاسم إلا ان يعلم انتفاؤه قطعا» و نحوه كلام سبطه في المدارك حيث قال بعد نقل كلام المرتضى في‌

119
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حكم الفقاع ؛ ج 5، ص : 117

الانتصار: و ينبغي ان يكون المرجع فيه الى العرف لانه المحكم فيما لم يثبت فيه وضع شرعي و لا لغوي.

أقول: المفهوم من الاخبار ان الفقاع على قسمين: منه ما هو حلال طاهر و هو ما لم يحصل فيه الغليان و النشيش أيام نبذه، و منه ما هو حرام نجس و هو ما يحصل فيه الغليان، و الى ذلك أشار ابن الجنيد فيما نقله عنه في المعتبر فيما قدمناه من عبارته، و جملة من الأصحاب قد عدوا كلام ابن الجنيد خلافا في المسألة حيث ان ظاهرهم القول بالتحريم مطلقا، و الحق في المسألة هو مذهب ابن الجنيد و عليه تدل‌

صحيحة ابن ابي عمير عن مرازم «1» قال: «كان يعمل لأبي الحسن (عليه السلام) الفقاع في منزله، قال ابن ابي عمير و لم يعمل فقاع يغلى».

و رواية عثمان بن عيسى «2» قال: «كتب عبد الله بن محمد الرازي الى ابي جعفر (عليه السلام) ان رأيت ان تفسر لي الفقاع فإنه قد اشتبه علينا أ مكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب (عليه السلام) لا تقرب الفقاع إلا ما لم تضر آنيته أو كان جديدا. فأعاد الكتاب اليه اني كتبت اسأل عن الفقاع ما لم يغل فأتاني ان اشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار و لم اعرف حد الضراوة و الجديد و سأل أن يفسر ذلك له و هل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الأواني؟ فكتب يجعل الفقاع في الزجاج و في الفخار الجديد الى قدر ثلاث عملات ثم لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد و الخشب مثل ذلك».

و المستفاد منها ان الفقاع الذي يتعلق به التحريم و خرجت الاخبار بالمنع عنه و انه خمر هو الذي يغلى و غليانه عبارة عن هيجانه و اغتلامه و ان من الفقاع ما لا يكون كذلك و هو حلال، و حينئذ فإطلاق أصحابنا القول بالتحريم و جعلهم التحريم دائرا مدار صدق اسم الفقاع ليس في محله.

ثم ان ظاهرهم- كما تقدم في عبارة المحقق- انه لا يشترط فيه بلوغ حد الإسكار و ظاهر الاخبار ايضا ان المدار في الفرق بين الحلال و الحرام من قسميه انما هو الغليان‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 39 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 39 من الأشربة المحرمة.

120
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حكم العصير العنبي ؛ ج 5، ص : 121

و عدمه، اللهم إلا ان يدعى انه بالغليان يكون مسكرا كما في سائر الأشربة المسكرة، و لم أقف هنا على دليل قاطع يظهر منه حكم المسألة إلا الخبران المذكوران و هما غير خاليين من الإجمال كما عرفت و لكن ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) هو ما ذكرناه كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم، و أصرح من عبارة المحقق فيما قلنا ما ذكره في مجمع البحرين للشيخ التقي الزاهد الشيخ فخر الدين بن طريح «و الفقاع كرمان شي‌ء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط و ليس بمسكر و لكن ورد النهي عنه، قيل سمي فقاعا لما يرتفع في رأسه من الزبد».

هذا، و اما ما ذكره في المدارك- من انه ينبغي ان يكون المرجع فيه الى العرف لانه المحكم فيما لم يثبت فيه وضع شرعي و لا عرفي- ففيه انه و ان اشتهر ذلك بينهم و جعلوه من جملة القواعد التي يبنون عليها الأحكام إلا ان فيه (أولا)- ان المفهوم من الأخبار على وجه لا يعتريه الإنكار عند من رجع إليها و تأمل فيها بعين الاعتبار ان الواجب في صورة عدم العلم بالمعنى المراد من الخطاب الشرعي هو الفحص و البحث من اخبارهم (عليهم السلام) عن تحصيل المعنى المراد منه و مع عدم الوقوف عليه هو الرجوع و الوقوف على جادة الاحتياط. و (ثانيا)- ان الحوالة على العرف مع ما علم يقينا من ان العرف الذي عليه الناس مختلف باختلاف البلدان و الأقطار فكل قطر لهم عرف و اصطلاح ليس لغيرهم من سائر الأقطار، و من المعلوم ان الأحكام الشرعية مضبوطة معينة فكيف تناط بما هو مختلف متعدد؟ مضافا ذلك الى ان تتبع جميع الأقطار في الاطلاع على ذلك العرف أمر عسر بل متعذر كما لا يخفى، و اما فيما نحن فيه من هذه المسألة فقد عرفت الحكم فيها مما نقلناه من الخبرين المذكورين حسبما ذكرنا. و الله العالم‌

(الثالث) [حكم العصير العنبي]

- الحق جمع من الأصحاب بالمسكرات في النجاسة العصير العنبي إذا على و اشتد و لم يذهب ثلثاه و بعض علق الحكم على مجرد الغليان و بعضهم على الاشتداد، قال المحقق في المعتبر: «و في نجاسة العصير بغليانه قبل اشتداده تردد اما التحريم‌

121
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حكم العصير العنبي ؛ ج 5، ص : 121

فعليه إجماع فقهائنا، ثم منهم من اتبع التحريم بالنجاسة و الوجه، الحكم بالتحريم مع الغليان حتى يذهب الثلثان و وقوف النجاسة على الاشتداد» و المراد بالغليان انقلابه و صيرورة أسفله أعلاه و بالاشتداد الغلظ و الثخانة. و لا ريب ان التحريم يترتب على مجرد الغليان بلا خلاف نصا و فتوى و انما الخلاف في النجاسة هل تترتب على ذلك أيضا أو تتوقف على الاشتداد؟ و الظاهر من كلام الشهيد في الذكرى و كذا المحقق الشيخ علي ان الاشتداد مسبب عن مجرد الغليان فالتحريم و النجاسة متلازمان، و الذي عليه الأكثر هو ما صرح به المحقق هنا من تأخر الاشتداد و ان بينهما زمانا متحققا كما هو المشاهد بالوجدان خصوصا في الذي يغلي من نفسه أو في الشمس.

ثم ان الظاهر من كلامهم ان القول بالنجاسة هو المشهور، فممن صرح بالنجاسة المحقق في المعتبر و قال في الشرائع بعد ان ذكر المسكرات و حكم بنجاستها: و في حكمها العصير العنبي إذا غلا و اشتد و المراد بالغليان انقلابه و صيرورة أعلاه أسفله و باشتداده حصول الغلظ و الثخانة فيه، و بذلك صرح العلامة في المنتهى و الإرشاد فعلق الحكم على الغليان و الاشتداد ايضا، و في التذكرة: و العصير إذا غلى حرم حتى يذهب ثلثاه، و هل ينجس بالغليان أو يقف على الشدة؟ إشكال. و هو صريح في جزمه بالنجاسة و انما توقف في حصولها بمجرد الغليان أو تتوقف على الاشتداد، و في المختلف «الخمر و كل مسكر و الفقاع و العصير إذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس، ذهب إليه أكثر علمائنا كالمفيد و الشيخ ابي جعفر و المرتضى و ابي الصلاح و سلار و ابن إدريس» ثم نقل خلاف ابن ابي عقيل و الصدوق حسبما تقدم في الخمر، و ظاهر كلامه نسبة القول بالنجاسة في جميع هذه الأشياء المعدودة في كلامه التي من جملتها العصير إلى الأكثر و منهم هؤلاء المذكورون، و بالجملة فالظاهر ان القول المذكور مشهور و لا سيما بين المتأخرين، و بذلك صرح الشهيد الثاني في الروض ايضا، و الذي يظهر من الذكرى ان القائل به قليل حيث قال: و في حكمها العصير إذا غلى و اشتد في قول ابن حمزة و في‌

122
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حكم العصير العنبي ؛ ج 5، ص : 121

المعتبر يحرم، ثم نقل ملخص عبارة المعتبر ثم قال و توقف الفاضل في نهايته، الى ان قال و لم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة. مع انه ممن قال بذلك أيضا في الرسالة الألفية. و بالجملة فإن من ذكر العصير في هذا المقام فإنما صرح فيه بالنجاسة و لكن جملة من المتأخرين اعترضوهم بعدم الدليل على ذلك، و لهذا قال الشهيد الثاني (قدس سره) في شرح الألفية ان تحقق القولين في المسألة مشكوك فيه بمعنى انه لا قائل إلا بالنجاسة، و فيه رد لما ذكره الشهيد في الذكرى من انه لم يقف لغير من ذكره على القول بالنجاسة، نعم قال في المدارك انه نقل عن ابن ابي عقيل التصريح بطهارته و مال إليه جدي (قدس سره) في حواشي القواعد و قواه شيخنا المعاصر سلمه الله تعالى و هو المعتمد تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض. انتهى. و الظاهر ان النقل عن ابن ابي عقيل انما هو بسبب خلافه في الخمر و قوله بطهارته المستلزم لطهارة ما حمل عليه، نعم قول المتأخرين بالطهارة لا ضير فيه و لا منافاة لما ذكرناه.

و كيف كان فانا لم نقف لهم فيما ذهبوا اليه من القول بالنجاسة على دليل و لم ينقل أحد منهم دليلا في المقام، قال في الذكرى على اثر الكلام المتقدم: و لا نص على نجاسة غير المسكر و هو منتف هنا. و قال في البيان ايضا انا لم نقف على نص يقتضي تنجيسه إلا ما دل على نجاسة المسكر لكنه لا يسكر بمجرد غليانه و اشتداده. و نقل في المعالم عن والده في المسالك ان نجاسته من المشاهير بغير أصل.

أقول: قد صرح الأمين الأسترآبادي في تعليقاته على المدارك باختياره القول بالنجاسة و استدل‌

بصحيحة محمد بن عمار «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا أعرف أنه يشربه على النصف؟ فقال خمر لا تشربه».

قال و إطلاق الخمر عليه يقتضي لحوق حكمه به.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 7 من الأشربة المحرمة، و الراوي معاوية بن عمار كما في المتن.

123
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(تذنيب) - يشتمل على الكلام في حل عصير التمر و الزبيب ؛ ج 5، ص : 124

أقول: هذه الرواية بهذا المتن رواها في الكافي و في التهذيب عن معاوية بن عمار و اما ما ذكره عن محمد بن عمار فالظاهر انه من سهو قلمه، و أيضا في سند الرواية يونس ابن يعقوب و حديثه عندهم معدود في الموثق لتصريح جملة منهم بكونه فطحيا و ان وثقه آخرون، و هذا المتن الذي نقله هو الذي في التهذيب و اما المتن المنقول في الكافي فهو عار عن لفظ الخمر و هذه صورته:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا اعلم انه يشربه على النصف أ فاشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال لا تشربه».

و على هذه الرواية فلا دلالة في الخبر، و العجب من صاحبي الوافي و الوسائل قد نقلا الرواية بالمتن الذي في الكافي في الكتابين المذكورين و لم يتنبها لما في البين من الاشكال المذكور، و كيف كان فالاعتماد على ما ذكره الشيخ مع خلو الكافي عنه لا يخلو من اشكال لما عرفت من أحوال الشيخ و ما وقع له من التحريف و الزيادة و النقصان في الأخبار، و مع إغماض النظر عن ذلك فإثبات النجاسة بذلك لا يخلو من توقف إذ لعل الغرض من التشبيه انما هو بالنسبة إلى التحريم المتفق عليه، و بالجملة فأصالة الطهارة أقوى متمسك حتى يقوم الدليل على ما يوجب الخروج عنه، و نحن انما خرجنا عنه في الفقاع لاستفاضة الروايات بكونه خمرا كما عرفت، و ترتب هذا المعنى على مجرد هذه الرواية مع ما عرفت من العلة محل توقف. و الله العالم.

(تذنيب)- يشتمل على الكلام في حل عصير التمر و الزبيب

، و هذه المسألة و ان كانت خارجة عن محل البحث و ان الأنسب بها كتاب الأطعمة و الأشربة إلا انها لما كانت من الضروريات التي تلجئ الحاجة الى معرفة حكمها لابتلاء الناس بها و وقوع الخلاف في هذه الأزمنة المتأخرة فيها و لهذا كثر السؤال عنها و ربما صنف فيها الرسائل و أكثر القائلون فيها بالتحريم من الدلائل التي لا تصل عند التأمل إلى طائل سوى إيقاع الناس في المشاكل و المعاضل، فرأيت إن اكشف عن وجه تحقيقها نقاب الإبهام و احيط‌

124
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

فيها بأطراف النقض و الإبرام على وجه لم يسبق اليه سابق من الاعلام مذيلا باخبار أهل الذكر (عليهم السلام) و تحقيقات تلذها الافهام و ان طال بذلك زمام الكلام فإنه لما ذكرنا من أهم المهام، فأقول- و بالله التوفيق- ان الكلام هنا في الطهارة و النجاسة و الحل و الحرمة في كل من الفردين المذكورين:

اما عصير الزبيب فالظاهر انه لا خلاف في طهارته و عدم نجاسته بالغليان فاني لم أقف على قائل بالنجاسة هنا، و بذلك صرح في الذخيرة أيضا فقال بعد الكلام في نجاسة العصير العنبي: و هل يلحق به عصير الزبيب إذا غلى في النجاسة؟ لا اعلم بذلك قائلا و اما في التحريم فالأكثر على عدمه. انتهى. و يلوح من كلام شيخنا الشهيد الثاني وقوع الخلاف هنا حيث قال بعد الكلام في نجاسة عصير العنب: و لا يلحق به عصير التمر و غيره حتى الزبيب على الأصح ما لم يحصل فيه خاصية الفقاع، للأصل و خروجه عن مسمى العنب و ذهاب ثلثيه بالشمس. و قال في شرح الرسالة: و لا يلحق به عصير التمر و غيره إجماعا و لا الزبيب على أصح القولين للأصل و ضعف متمسك القائل بالإلحاق. انتهى. و هو جيد. و من ذلك علم ان الخلاف انما هو في الزبيب و اما التمر و غيره فقد عرفت نقل شيخنا المشار إليه الإجماع على عدم النجاسة فيه.

بقي البحث في التحريم في كل منهما و عدمه، و البحث في ذلك يتوقف على تقديم مقدمة تشتمل على فوائد يظهر الحق منها لكل طالب و قاصد و يتضح بها ما في المسألة من المقاصد:

(الفائدة الأولى) [العصير اسم لما يؤخذ من العنب]

- لا يخفى ان المستفاد من اخبار أهل العصمة (عليهم السلام) ان العصير في عرفهم اسم لما يؤخذ من العنب خاصة و ان ما يؤخذ من التمر إنما يسمى بالنبيذ و ما يؤخذ من الزبيب يسمى بالنقيع و ربما أطلق النبيذ ايضا على ماء الزبيب، و هذا هو الذي يساعده العرف أيضا فإنه لا يخفى ان العصير انما يطلق على الأجسام التي فيها مائية لاستخراج الماء منها كالعنب مثلا و الرمان و البطيخ بنوعيه و نحو ذلك، و اما الأجسام الصلبة التي فيها حلاوة أو حموضة و يراد استخراج حلاوتها أو حموضتها بالماء مثل التمر و الزبيب‌

125
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

و السماق و الزرشك و نحوها فإنه إنما يستخرج ما فيها من الحلاوة أو الحموضة اما بنبذها في الماء و نقعها فيه زمانا يخرج حلاوتها أو حموضتها الى الماء أو انها تمرس في الماء من أول الأمر من غير نقع أو انها تغلي بالنار لأجل ذلك، و المعمول عليه في الصدر الأول انما هو النبذ في الماء و النقع فيه كما ستطلع عليه ان شاء الله تعالى، و هذا ظاهر يشهد به الوجدان في جميع البلدان، و بهذا ايضا صرح كلام أهل اللغة، قال الفيومي في المصباح المنير في مادة عصر: عصرت العنب و نحوه عصرا من باب ضرب: استخرجت ماءه و قال في مادة نقع انقعت الدواء و غيره انقاعا: تركته في الماء حتى انتقع و هو نقيع فعيل بمعنى مفعول، الى ان قال و يطلق النقيع على الشراب المتخذ من ذلك فيقال نقيع التمر و الزبيب و غيره إذا ترك في الماء حتى ينتقع من غير طبخ. انتهى. فانظر الى وضوح هذا الكلام في المقصود و المراد من الفرق بين القسمين و التغاير في الاسمين بجعل ما يتخذ من الأجسام المائية عصيرا و ما يتخذ من التمر و الزبيب و نحوهما نقيعا، و قال في باب مرس: مرست التمر مرسا من باب قتل: دلكته في الماء حتى تتحلل اجزاؤه. انتهى. و قال ابن الأثير في النهاية: و في حديث الكرم يتخذونه زبيبا ينقعونه اى يخلطونه بالماء ليصير شرابا، الى ان قال و النقيع شراب يتخذ من زبيب أو غيره ينقع في الماء من غير طبخ. و قال في القاموس في مادة عصر: عصر العنب و نحوه يعصره فهو معصور و عصير: استخرج ما فيه، الى ان قال و عصيرة ما يحلب منه. و قال في مادة نقع: و النقيع البئر الكثيرة الماء الجمع انقعة، و شراب من زبيب أو كل ما ينقع تمرا أو زبيبا أو غيرهما. انتهى. و هي صريحة ايضا في المراد، و قال في مجمع البحرين في مادة عصر: و العصير من العنب يقال عصرت العنب عصرا من باب ضرب: استخرجت ماءه، و اسم الماء العصير فعيل بمعنى مفعول. و قال في مادة نقع: و النقيع شراب يتخذ من زبيب ينقع في الماء من غير طبخ و قد جاء في الحديث كذلك. و قال في مادة نبذ: و النبيذ ما يعمل من الأشربة من التمر و الزبيب و العسل و الحنطة و الشعير و غير ذلك. انتهى. و هو ظاهر‌

126
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

في المطلوب على الوجه المحبوب، و على هذا فقد اتفق على صحة ما ذكرناه الشرع و العرف و اللغة. و بذلك يظهر انه حيثما يذكر العصير في الأخبار فإنما يراد به ماء العنب إلا مع قرينة تدل على العموم و ان ماء التمر و الزبيب لا مدخل لهما في إطلاق هذا اللفظ (فان قيل): ان التمر و الزبيب بعد نقعهما في الماء و خروج حلاوتهما يعصران فيصدق عليهما العصير بذلك (قلنا) نعم انهما يعصران كما ذكرت و يطلق عليهما العصير لغة بمعنى المعصور إلا ان مبنى ما ذكرنا من الفرق و التسمية انما هو بالنسبة إلى استخراج ما في تلك الأشياء من المياه أو غيرها من أول الأمر فإن المعصورات يستخرج ماؤها من أول الأمر بالعصر و لا يحتاج إلى أمر آخر غيره، و اما هذه و نحوها فإنها تحتاج أولا إلى إضافة الماء إليها ثم نقعها أو غليها أو مرسها حتى يخرج ما فيها ثم تعصر بعد ذلك و تصفي و من الاخبار الصريحة فيما فصلناه الدالة على ما ادعيناه‌

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الخمر من خمسة: العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المرز من الشعير و النبيذ من التمر».

و نحوها ما في الكافي عن علي بن إسحاق الهاشمي و قد تقدمت قريبا، و حينئذ فما ورد في الاخبار بلفظ العصير مطلقا مثل‌

قوله (عليه السلام) في صحيحة عبد الله بن سنان «2»: «كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه».

و قوله (عليه السلام) في حسنة حماد بن عثمان «3»: «لا يحرم العصير حتى يغلى».

و قوله (عليه السلام) في رواية حماد ايضا «4» لما سأله عن شراب العصير فقال: «اشربه ما لم يغل فإذا غلى فلا تشربه».

و في رواية ذريح «5» «إذا نش العصير أو غلا حرم».

و في رواية محمد بن الهيثم عن رجل عن الصادق (عليه السلام) «6» قال: «سألته عن العصير

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 3 من الأشربة المحرمة.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من الأشربة المحرمة.

(5) المروية في الوسائل في الباب 3 من الأشربة المحرمة.

(6) المروية في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

127
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

يطبخ في النار حتى يغلى من ساعته فيشربه صاحبه؟ قال إذا تغير عن حاله فغلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه».

و أمثال ذلك فإنه يجب حمله على العصير العنبي حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المشهورة و المتكررة الغير المنكورة.

و مما يزيدك بيانا و إيضاحا لهذا الحمل المذكور ورود جملة من الاخبار الدالة على العلة في تحريم العصير بعد غليانه و قبل ذهاب ثلثيه و حله بعد ذلك فان موردها هو العنب خاصة دون غيره من الأشربة:

فمن ذلك‌

ما رواه في الكافي عن ابي الربيع الشامي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أصل الخمر كيف كان بدء حلالها و حرامها و متى اتخذ الخمر؟ فقال ان آدم (عليه السلام) لما اهبط من الجنة اشتهى من ثمارها فانزل الله سبحانه قضيبين من عنب فغرسهما آدم فلما أن أورقا و أثمرا و بلغا جاء إبليس لعنه الله فحاط عليهما حائطا فقال آدم ما حالك يا ملعون؟ فقال له إبليس إنهما لي فقال كذبت فرضيا بروح القدس فلما انتهيا اليه قص عليه آدم قصته فأخذ روح القدس ضغثا من نار و رمى به عليهما و العنب في أغصانهما حتى ظن آدم انه لم يبق منهما شي‌ء و ظن إبليس مثل ذلك، قال فدخلت النار حيث دخلت و قد ذهب منهما ثلثاهما و بقي الثلث، فقال الروح اما ما ذهب فحظ إبليس و اما ما بقي فلك يا آدم».

و عن الحسن بن محبوب عن خالد بن نافع عن الصادق (عليه السلام) مثله «2» و رواه الصدوق في العلل نحوه «3».

و ما رواه في الكافي أيضا في الحسن عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «4» قال: «لما هبط نوح (عليه السلام) من السفينة غرس غرسا فكان فيما غرس الحبلة ثم رجع الى أهله فجاء إبليس لعنه الله فقلعها، ثم ان نوحا عاد الى غرسه فوجده على حاله و وجد الحبلة قد قلعت و وجد إبليس عندها فأتاه جبرئيل فأخبره ان إبليس لعنه الله قلعها، فقال نوح لإبليس ما دعاك الى قلعها؟ فوالله ما غرست غرسا أحب الي منها

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

128
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

و و الله لا أدعها حتى أغرسها. فقال إبليس و انا و الله لا أدعها حتى أقلعها، فقال له اجعل لي منها نصيبا، فجعل له الثلث فأبى أن يرضى فجعل له النصف فأبى أن يرضى فأبى نوح ان يزيده فقال جبرئيل لنوح يا رسول الله أحسن فإن منك الإحسان فعلم نوح انه قد جعل له عليها سلطان فجعل نوح له الثلثين، فقال أبو جعفر (عليه السلام) إذا أخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهب الثلثان و كل و اشرب حينئذ فذاك نصيب الشيطان».

أقول: الحبلة بالضم الكرم أو أصل من أصوله على ما صرح به أهل اللغة.

و روى في الكتاب المذكور أيضا في الموثق عن سعيد بن يسار عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان إبليس لعنه الله نازع نوحا في الكرم فأتاه جبرئيل فقال ان له حقا فأعطه فأعطاه الثلث فلم يرض إبليس لعنه الله فأعطاه النصف فلم يرض فطرح جبرئيل نارا فأحرقت الثلثين و بقي الثلث فقال ما أحرقت النار فهو نصيبه و ما بقي فهو لك يا نوح حلال».

و روى الصدوق في العلل بسنده عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «كان ابي يقول ان نوحا حين أمر بالغرس كان إبليس إلى جانبه فلما أراد ان يغرس العنب قال هذه الشجرة لي فقال له نوح كذبت فقال إبليس فما لي منها؟ فقال نوح لك الثلثان. فمن هنا طاب الطلاء على الثلث».

و روى فيه ايضا بسنده عن وهب بن منبه «3» قال: «لما خرج نوح من السفينة غرس قضبانا كانت معه من النخل و الأعناب و سائر الثمار فأطعمت من ساعتها و كانت معه حبلة العنب و كان آخر شي‌ء أخرج حبلة العنب فلم يجدها نوح و كان إبليس قد أخذها فخبأها فنهض نوح ليدخل السفينة فيلتمسها، الى ان قال فقال له الملك ان لك فيها شريكا في عصيرها فأحسن مشاركته فقال نعم له السبع و لي ستة أسباع فقال له الملك أحسن فأنت محسن فقال نوح له سدس و لي خمسة أسداس فقال له الملك أحسن فأنت

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

129
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

محسن فقال له خمس و لي أربعة أخماس فقال له الملك أحسن فإنك محسن فقال نوح له الربع و لي ثلاثة أرباع فقال له الملك أحسن فإنك محسن فقال له النصف و لي النصف فقال أحسن فأنت محسن فقال لي الثلث و له الثلثان فرضي فما كان فوق الثلث من طبخها فلإبليس و هو حظه و ما كان من الثلث فما دونه فهو لنوح و هو حظه فذلك هو الحلال الطيب فيشرب منه».

أقول: و قد دلت هذه الأخبار بأوضح دلالة لا يعتريها الإنكار ان الشراب الذي يحرم بغليانه و لا يحل إلا بذهاب ثلثيه انما هو ماء العنب لان النزاع من آدم و نوح و من إبليس لعنه الله انما وقع في شجرة العنب خاصة دون سائر الأشجار. و حينئذ فما ورد في الأخبار من ان العصير يحرم بالغليان و لا يحل إلا بذهاب الثلثين إنما أريد به عصير العنب خاصة لأكل عصير كما توهمه غير واحد من قاصري النظر و ان ارتكب تخصيصه بأفراد أخر، و بالجملة فاختصاص العلة الموجبة للحرمة بما أخذ من الكرم يوجب بقاء ما أخذ من غيره على أصل الحلية و الإباحة، نعم يحرم المسكر منها بالنصوص المستفيضة الدالة على ان ما أسكر كثيره فكثيرة و قليله حرام و يبقى ما عداه غلى بالنار أو لم يغل على أصل الحلية، و يؤيد ذلك ما ورد في جملة من اخبار العصير الذي يحرم بالغلي و يحل بذهاب ثلثيه من التعبير عنه تارة بالعصير كما عرفت فيما تقدم من الروايات و تارة يعبر عنه بالطلاء و هو ما طبخ من عصير العنب و تارة يعبر عنه بالبختج بالباء الموحدة ثم الخاء المعجمة ثم التاء المثناة من فوق و في آخره جيم و هو العصير من العنب المطبوخ و هو معرب پخته.

و بالجملة فإنه لا يخفى على من تأمل في الأخبار الواردة بلفظ العصير في أبواب البيوع و أبواب الأشربة سؤالا و جوابا ان العصير كان شيئا معينا مخصوصا معلوما يسأل عنه تارة بجواز شربه و عدمه فيجاب بجواز شربه ما لم يغل و بعد الغلى فإنه يحرم حتى يذهب ثلثاه، و يسأل عمن يشربه قبل ذهاب ثلثيه فيجاب بأنه فعل محرما، و يسأل عن جواز بيعه فيجاب بجواز بيعه‌

130
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الأولى) العصير اسم لما يؤخذ من العنب ؛ ج 5، ص : 125

بالنقد خاصة، و نحو ذلك من الأحكام المجراة عليه في الأخبار، و لو كان المراد بالعصير انما هو المعنى اللغوي و هو كل ما يعصر و هو أمر كلي شامل لافراد عديدة لا تكاد تحصى كثرة لما اطردت هذه الأحكام و لا كانت كلية في كل مقام. فان افراد العصير بهذا المعنى الذي بنوا عليه غير متفقة كما لا يخفى على ذوي الأفهام فإنه ليس كل شي‌ء يعصر فإنه يحرم بمجرد غلية و لا يحرم بيعه بالنسيئة و لا يتغير بتأخيره حتى يصير محرما.

و ها نحن نسرد لك جملة من الأخبار الواردة في أبواب البيع زيادة على ما قدمناه من الأخبار الواردة في باب الشراب،

ففي صحيحة البزنطي «1» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن بيع العصير فيصير خمرا قبل ان يقبض الثمن؟ قال فقال لو باع ثمرته ممن يعلم انه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس و اما إذا كان عصيرا فلا يباع إلا بالنقد».

و في رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن ثمن العصير قبل ان يغلي لمن يبتاعه ليطبخه أو يجعله خمرا؟ قال إذا بعته قبل ان يكون خمرا و هو حلال فلا بأس».

و في رواية يزيد بن خليفة «3» قال: «كره أبو عبد الله (عليه السلام) بيع العصير بتأخير».

قال في الوافي بعد ذكر هذا الخبر: لا يؤمن ان يصير خمرا قبل قبض الثمن فيأخذ ثمن الخمر.

و صحيحة رفاعة بن موسى «4» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر عن بيع العصير ممن يخمره؟ قال حلال أ لسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا؟».

الى غير ذلك من الاخبار الواردة من هذا القبيل، و لا يخفى على المتأمل فيها انه انما أريد بالعصير فيها فرد خاص من المعصورات لأكل ما يعصر كما توهمه من لا تأمل له في الاخبار و لم يعط النظر حقه من التدبر و الاعتبار، و ان المراد انما هو عصير العنب بالخصوص لان الخمر كما عرفته فيما تقدم حقيقة في ماء العنب المسكر و ان كان قد أطلق شرعا على ما هو أعم منه و من سائر المسكرات، و من ذا الذي يدعى ان كل معتصر يصير خمرا بتأخيره زمانا و ان كل معتصر فإنه يحرم بمجرد غليانه حتى يتم له دعوى‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

(2) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

(3) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

(4) المروية في الوسائل في الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

131
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

الكلية في لفظ العصير من هذه الأخبار؟

و بالجملة فجميع الأخبار الواردة بلفظ العصير مطلقا غاية ما يتوهم منها الإطلاق بمعنى الفرد المنتشر فيصير كالنكرة المراد بها فرد شائع في جنسه، و هذا الإطلاق قد عرفت انه مقيد بالصحيحة المتقدمة و الأخبار التي معها و نحوها مما دل على اختصاص العصير بماء العنب خاصة، و اما الحمل على الكلية بمعنى ان المراد منها كل ما يعتصر فهو لا يمكن توهمه ممن له أدنى روية و تمييز في الأحكام فضلا عن ان يكون من ذوي الأذهان و الافهام، نعم ذلك التوهم انما يتجه في صحيحة عبد الله بن سنان المسورة بكل «1» و سيأتي تحقيق الحال في إيضاحها و بيانها ان شاء الله تعالى، على ان جملة من الأخبار الواردة بالعصير في باب البيع و أبواب الشراب منها ما أضيف فيها الى العنب و منها ما أطلق و نحن هنا قد اقتصرنا على نقل ما أطلق الذي هو محل الشبهة، و لا ريب انه مع ملاحظة مطلقها و الضم الى مقيدها يجب حمل المطلق على المقيد كما هو القاعدة المطردة.

(الفائدة الثانية) [النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر]

- قد عرفت في الفائدة الاولى ان النبيذ اسم مخصوص بما يؤخذ من التمر و ربما أطلق ايضا على ما يؤخذ من الزبيب، و هذه جملة من الأخبار نسردها عليك في هذه الفائدة صريحة الدلالة في ذلك و يستفاد منها ايضا ان النبيذ على قسمين: حلال و هو ما لم يسكر طبخ أو لم يطبخ، و حرام و هو ما أسكر طبخ أو لم يطبخ فمدار الحل و الحرمة فيه انما هو على الإسكار و عدمه:

فمن تلك الأخبار‌

رواية الكلبي النسابة «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ؟ فقال حلال. فقلت انا ننبذه فنطرح فيه العكر و ما سوى ذلك؟

فقال شه شه تلك الخمرة المنتنة. الحديث».

و رواية حنان بن سدير «3» قال: «سمعت رجلا و هو يقول لأبي عبد الله (عليه

______________________________
(1) ص 127.

(2) المروية في الوسائل في الباب 2 من أبواب الماء المضاف.

(3) المروية في الوسائل في الباب 22 من الأشربة المحرمة.

132
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

السلام) ما تقول في النبيذ فإن أبا مريم يشربه و يزعم أنك أمرته بشربه؟ فقال صدق أبو مريم سألني عن النبيذ فأخبرته أنه حلال و لم يسألني عن المسكر، قال ثم قال (عليه السلام): ان المسكر ما اتقيت فيه أحدا سلطانا و لا غيره، قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام. فقال له الرجل جعلت فداك هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أي شي‌ء هو؟ فقال اما أبي فإنه كان يأمر الخادم فيجي‌ء بقدح و يجعل فيه زبيبا و يغسله غسلا نقيا ثم يجعله في إناء ثم يصب عليه ثلاثة مثله أو أربعة ماء ثم يجعله بالليل و يشربه بالنهار و يجعله بالغداة و يشربه بالعشي و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم فان كنتم تريدون النبيذ فهذا النبيذ».

دلت هذه الرواية بإطلاقها على اباحة النبيذ بجميع أنواعه عدا المسكر منه فإنه (عليه السلام) أقر أبا مريم على تحليل النبيذ بقول مطلق و لم يستثن منه إلا المسكر، و مثلها رواية الكلبي المتقدمة فإنه أجابه أولا بأنه حلال و مراده هذا الفرد الذي ذكره (عليه السلام) و قد صرح به أيضا في آخر الخبر المذكور فلما أخبره بأنه يجعل فيه العكر و نحوه مما يصير به مسكرا أجاب بأنه يصير خمرا محرما.

و رواية أيوب بن راشد «1» قال: «سمعت أبا البلاد يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ فقال لا بأس به. فقال انه يوضع فيه العكر؟ فقال بئس الشراب و لكن انبذوه غدوة و اشربوه بالعشي. الحديث».

و حسنة عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: «استأذنت على ابي عبد الله (عليه السلام) لبعض أصحابنا فسأله عن النبيذ فقال حلال فقال أصلحك الله إنما سألتك عن النبيذ الذي يجعل فيه العكر فيغلي حتى يسكر؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل مسكر حرام».

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 30 من الأشربة المباحة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

133
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

و رواية إبراهيم بن ابي البلاد «1» قال: «دخلت على ابي جعفر بن الرضا (عليه السلام). فدعى بطبق فيه زبيب فأكلت ثم أخذ في الحديث فشكا الي معدته و عطشت فاستقيت ماء فقال يا جارية اسقيه من نبيذي فجاءتني بنبيذ مريس في قدح من صفر فشربته فوجدته احلى من العسل، فقلت له هذا الذي أفسد معدتك. قال فقال لي هذا تمر من صدقة النبي (صلى الله عليه و آله) يؤخذ غدوة فيصب عليه الماء فتمرسه الجارية و اشربه على اثر الطعام لسائر نهاري فإذا كان الليل أخذته الجارية فسقته أهل الدار. فقلت له ان أهل الكوفة لا يرضون بهذا. قال و ما نبيذهم؟ قال قلت يؤخذ التمر فينقع و يلقى عليه القعوة. قال و ما القعوة؟ قلت الداذي. قال و ما الداذي. قلت حب يؤتى به من البصرة فيلقى في هذا النبيذ حتى يغلى ثم يسكن ثم يشرب. فقال هذا حرام».

و في رواية أخرى لهذا الراوي عنه (عليه السلام) أيضا في وصف نبيذ أهل الكوفة «2» قال في آخر الخبر: «و ما الداذي؟ قلت ثقل التمر يصري به في الإناء حتى يهدر النبيذ و يغلى ثم يسكن و يشرب. فقال هذا حرام».

و حكمه (عليه السلام) بالتحريم في هذين الخبرين من حيث الإسكار و صيرورته خمرا بما يوضع فيه كما تكرر في الأخبار مما تقدم و يأتي ان شاء الله تعالى من اضافة المسكر الى النبيذ في حال نضحه و غليانه و تصريحهم (عليهم السلام) بأنه يصير خمرا مسكرا.

و موثقة سماعة «3» قال «سألته عن التمر و الزبيب يطبخان للنبيذ؟ فقال لا و قال كل مسكر حرام. و قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما أسكر كثيره فقليله حرام. و قال لا يصلح في النبيذ الخميرة و هي العكرة».

أقول: إنما منع (عليه السلام) من طبخها للنبيذ لكون المعمول يومئذ هو الطبخ الذي تكرر في الاخبار المنع من وضع العكر فيه حتى يصير مسكرا كما يدل عليه تتمة الخبر المذكور.

______________________________
(1) رواها في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

(2) رواها في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

134
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

و رواية يزيد بن خليفة «1» و هو رجل من بني الحارث بن كعب قال: «أتيت المدينة و زياد بن عبيد الله الحارثي عليها فاستأذنت على ابي عبد الله (عليه السلام) فدخلت عليه و سلمت عليه و تمكنت من مجلسي فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني رجل من بني الحارث بن كعب قد هداني الله تعالى الى محبتكم و مودتكم أهل البيت. قال فقال لي أبو عبد الله (عليه السلام): كيف اهتديت الى مودتنا أهل البيت فوالله ان محبتنا في بني الحارث بن كعب لقليل؟ قال: فقلت له جعلت فداك ان لي غلاما خراسانيا و هو يعمل القصارة و له همشهريجون أربعة و هم يتداعون كل جمعة فتقع الدعوة على رجل منهم فيصيب غلامي في كل خمس جمع جمعة فيجعل لهم النبيذ و اللحم، قال ثم إذا فرغوا من الطعام و اللحم جاء بإجانة فملأها نبيذا ثم جاء بمطهرة فإذا ناول إنسانا منهم قال لا تشرب حتى تصلي على محمد و آل محمد، و اهتديت الى مودتكم بهذا الغلام. قال فقال لي استوص به خيرا و اقرأه مني السلام و قل له يقول لك جعفر بن محمد (عليه السلام) انظر الى شرابك هذا الذي تشربه فان كان يسكر كثيره فلا تقربن قليله فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال كل مسكر حرام. الحديث».

فانظر الى ظهور هذا الخبر في عموم تحليل النبيذ مطلقا عدا المسكر منه فان المقام مقام البيان و الحاجة و قصده (عليه السلام) هداية ذلك الغلام الى الحلال دون الحرام، فلو كان هنا فرد آخر من النبيذ غير المسكر حراما لنبه عليه و لمنعه من شربه.

و رواية الفضيل بن يسار عن الباقر (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن النبيذ فقال حرم الله تعالى الخمر بعينها و حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) من الأشربة كل مسكر».

و التقريب ان السائل سأل عن النبيذ و ما يحل منه و ما يحرم فأجاب (عليه السلام) بأن الذي حرم رسول الله (صلى الله عليه و آله) من الأشربة هو ما أسكر‌

______________________________
(1) المروية في الوافي ج 11 ص 83 و قطعة منها في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 15 من الأشربة المحرمة.

135
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

خاصة، خرج منه العصير العنبي إذا غلى و لم يذهب ثلثاه بالنصوص و بقي ما عداه تحت الإطلاق.

و رواية يونس بن عبد الرحمن عن مولى حر بن يزيد «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له اني أصنع الأشربة من العسل و غيره و انهم يكلفوني صنعها أ فأصنعها لهم؟ قال فأصنعها و ادفعها إليهم و هو حلال من قبل ان يصير مسكرا».

و فيه- كما ترى- دلالة على انه لا يحرم من الأشربة إلا المسكر و ما عداه فهو حلال لان المقام مقام البيان فلو كان ثمة فرد آخر لذكره (عليه السلام).

و صحيحة صفوان «2» قال: «كنت مبتلى بالنبيذ معجبا به فقلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصف لك النبيذ؟ فقال بل أنا أصفه لك قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله حرام. فقلت هذا نبيذ السقاية بفناء الكعبة؟ فقال لي ليس هكذا كانت السقاية إنما السقاية زمزم أ فتدري من أول من غيرها؟ قلت لا. قال العباس بن عبد المطلب كانت له حبلة أ فتدري ما الحبلة؟

قلت لا. قال: الكرم كان ينقع الزبيب غدوة و يشربه بالعشي و ينقعه بالعشي و يشربه من الغد يريد ان يكسر غلظ الماء عن الناس و ان هؤلاء قد تعدوا فلا تشربه و لا تقربه».

و التقريب فيها انه (عليه السلام) اضرب عن وصف السائل إلى الوصف بالإسكار الموجب للتحريم فلو كان للنبيذ قسم آخر محرم و هو ما غلى و ان لم يسكر لما حسن هذا الإضراب الى المسكر بخصوصه كما لا يخفى.

و صحيحة معاوية بن وهب «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان رجلا من بني عمي و هو من صلحاء مواليك أمرني أن أسألك عن النبيذ فأصفه لك فقال انا أصفه لك قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل مسكر حرام و ما أسكر كثيره فقليله

______________________________
(1) المروية في الوافي ج 11 ص 91.

(2) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

136
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

حرام. الحديث».

و التقريب كما تقدم في سابقه.

و رواية كليب الأسدي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبيذ فقال ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) خطب الناس فقال في خطبته ايها الناس ألا ان كل مسكر حرام ألا و ما أسكر كثيره فقليله حرام».

و رواية محمد بن مسلم «2» قال: «سألته عن نبيذ قد سكن غليانه؟ فقال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) كل مسكر حرام».

الى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا المضمار.

و كلها- كما ترى- واضحة المقالة متطابقة الدلالة على انه لا يحرم من النبيذ غير المسكر لان السؤالات في هذه الأخبار كلها عن النبيذ ما الذي يحل منه و ما الذي يحرم منه؟

فأجابوا (عليهم السلام) في بعض بان الحلال منه هو النقيع الذي لم يكثر مكثه و في جملة ان جميع ما يطبخ و يغلى بالنار فإنه يصير مسكرا و ذلك بما اعتاد عليه الناس في تلك الأزمان من وضع العكر فيه المعبر عنه بالخميرة و الداذي، و الظاهر انه من المسكر القديم الذي يضعونه في هذا الماء الجديد الذي يطبخونه حتى يسرع بإسكاره فيكون مثل الخمير الذي يوضع في العجين و على هذا كانت عادتهم في النبيذ المطبوخ، فلذا خرجت الاخبار عنهم (عليهم السلام) مستفيضة بتحريمه و التصريح بكونه مسكرا، و لو كان مجرد الغليان يوجب التحريم و ان لم يبلغ حد الإسكار لجرى له ذكر أو إشارة في بعض هذه الاخبار و ما ادعاه بعض فضلاء المعاصرين- من انه بمجرد الغليان يحصل منه السكر أو مبادئه باعتبار بعض الأمزجة أو بعض الأمكنة و الأهوية و صنف في القول بتحريم عصير التمر رسالة أكثر فيها بزعمه من الدلائل و هي تطويل بغير طائل. و من جملته دعواه في الجواب عن هذه الاخبار بحصول الإسكار في ماء التمر بمجرد الغليان اشتد أو لم يشتد‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 25 من الأشربة المحرمة.

137
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثانية) النبيذ اسم لما يؤخذ من التمر ؛ ج 5، ص : 132

- فلا يخفى ما فيه على العارف النبيه فضلا عن الحاذق الفقيه، و هذه عامة الناس في جميع الأقطار يطبخون الأطعمة بعصير التمر و الدبس بل يطبخونها خاصة و يأكلونها و لم يدع أحد منهم حصول الإسكار، و بالجملة فبطلان هذا الكلام أظهر من ان يحتاج الى تطويل في المقام و لا شاهد أبلغ من ضرورة العيان و عدول الوجدان.

و من أظهر الاخبار في الباب و أوضحها دلالة عند ذوي الألباب‌

ما رواه في الكافي بسنده عن محمد بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» قال: «قدم على رسول الله (صلى الله عليه و آله) من اليمن قوم فسألوه عن معالم دينهم فأجابهم فخرج القوم بأجمعهم فلما ساروا مرحلة قال بعضهم لبعض نسينا أن نسأل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عما هو أهم إلينا ثم نزل القوم ثم بعثوا وفدا لهم فاتى الوفد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا يا رسول الله ان القوم بعثوا بنا إليك يسألونك عن النبيذ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ما النبيذ صفوه لي؟ فقالوا يؤخذ من التمر فينبذ في إناء ثم يصب عليه الماء حتى يمتلئ و يوقد تحته حتى ينطبخ فإذا انطبخ أخذوه فألقوه في إناء آخر ثم صبوا عليه ماء ثم يمرس ثم صفوه بثوب ثم يلقى في إناء ثم يصب عليه من عكر ما كان قبله ثم يهدر و يغلى ثم يسكن على عكرة. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) يا هذا قد أكثرت أ فيسكر؟

قال نعم. قال فكل مسكر حرام. قال فخرج الوفد حتى انتهوا إلى أصحابهم فأخبروهم بما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال القوم ارجعوا بنا الى رسول الله حتى نسأله عنها شفاها و لا يكون بيننا و بينه سفير فرجع القوم جميعا فقالوا يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أرضنا أرض دوية و نحن قوم نعمل الزرع و لا نقوى على العمل إلا بالنبيذ؟

فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) صفوه لي فوصفوه كما وصف أصحابهم فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أ فيسكر؟ فقالوا نعم. قال كل مسكر حرام. الحديث».

و قد جاء هذا الخبر مفصلا بأوضح تفصيل لا يعتريه القال و القيل و هو صريح في المطلوب‌

______________________________
(1) رواه في الوافي ج 11 ص 87 و في الوسائل في الباب 24 من الأشربة المحرمة.

138
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثالثة) أقسام العصير العنبي و النبيذ ؛ ج 5، ص : 139

و المراد عري عن و صمة الشك و الإيراد.

و هذا الخبر ظاهر في الرد على ذلك الفاضل المتقدم ذكره المدعى لحصول الإسكار بالغليان، فإنه لو كان الأمر كما توهمه لم يكن لسؤال النبي (صلى الله عليه و آله) عن الإسكار معنى فان الرجل قد ذكر في حكايته عن صفة النبيذ انه غلى مرتين و في الغلية الثانية وضع فيه العكر و لو كان السكر يحصل بمجرد الغليان لحرمة رسول الله (صلى الله عليه و آله) بمجرد الغليان الأول، و بالجملة فالحديث المذكور واضح الظهور ساطع النور إلا على من اعترى فهمه و ذهنه نوع فتور و قصور، و الله الهادي لمن يشاء.

(الفائدة الثالثة) [أقسام العصير العنبي و النبيذ]

- المستفاد من الاخبار المتقدمة في الفائدة الاولى ان العصير العنبي على قسمين منه ما يغلى و منه ما لا يغلى، و الأول منه ما يكون محرما و هو ما غلى قبل ذهاب ثلثيه و ما يكون حلالا و هو قبل الغلى و ما بعد ذهاب الثلثين، و القسم الثاني أيضا منه ما يكون محرما و هو ما طال مكثه حتى اختمر و صار مسكرا و منه ما هو حلال و هو ما لم يبلغ الحد المذكور. و اما النبيذ كما صرحت به الاخبار في الفائدة الثانية فليس إلا قسمان غلى أو لم يغل: ان أسكر فهو حرام و ان لم يسكر فهو حلال، و الإسكار يقع فيه تارة بطول مكثه في الإناء حتى يختمر و يصير مسكرا كما يشير اليه حديث السقاية و قوله (عليه السلام) بعد ذكر ما كان العباس يفعله لكسر غلظة الماء: «و ان هؤلاء قد تعدوا فلا تشربه» يعنى انه لما وصلت النوبة إلى هؤلاء المستحلين لشرب النبيذ المسكر تعدوا في الزيادة في التمر و الزبيب الذي ينبذونه و طول مكثه في الأواني حتى صار مسكرا، و اليه يشير ايضا قوله (عليه السلام) في حديث حنان بن سدير: «و كان يأمر الخادم بغسل الإناء في كل ثلاثة أيام لئلا يغتلم» و الاغتلام لغة الاشتداد و المراد الكناية عن بلوغ حد الإسكار، و تارة بالغلي و وضع العكر فيه كما صرحت به الاخبار المتقدمة.

و بالجملة فإنه قد علم من هذه الاخبار كملا ان المحرم من العصير العنبي قسمان أحدهما ما على و لم يذهب ثلثاه و الثاني ما أسكر، و اما المحرم من النبيذ فليس إلا المسكر خاصة فلو كان‌

139
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفائدة الثالثة) أقسام العصير العنبي و النبيذ ؛ ج 5، ص : 139

ثمة قسم آخر يكون محرما و هو ما غلى و لم يذهب ثلثاه من غير عصير العنب لوصلت إلينا به الاخبار و دلت عليه الآثار و هي كما دريت خالية من ذلك، و روايات نزاع إبليس مع آدم و نوح المصرحة بعلة التحريم بعد الغليان حتى يذهب الثلثان موردها انما هو العنب خاصة.

(فإن قيل) ان إبليس قد نازع آدم في النخل ايضا‌

لما رواه في الكافي بسنده عن علي بن أبي حمزة عن إبراهيم عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان الله تعالى لما اهبط آدم من الجنة أمره بالحرث و الزرع و طرح اليه غرسا من غروس الجنة فأعطاه النخل و العنب و الزيتون و الرمان فغرسها ليكون لعقبه و ذريته و أكل هو من ثمارها، فقال له إبليس لعنه الله يا آدم ما هذا الغرس الذي لم أكن أعرفه في الأرض و قد كنت فيها قبلك؟ فقال ائذن لي آكل منها فأبى آدم ان يطعمه فجاء إبليس عند آخر عمر آدم و قال لحواء انه قد أجهدني الجوع و العطش فقالت له حواء فما الذي تريد؟ فقال أريد أن تذيقيني من هذه الثمار. فقالت حواء ان آدم عهد الي ان لا أطعمك شيئا من هذا الغرس لانه من الجنة و لا ينبغي لك ان تأكل منها شيئا؟ فقال لها فاعصري في كفي شيئا منه فأبت عليه فقال ذريني أمصه و لا آكله فأخذت عنقودا من عنب فأعطته فمصه و لم يأكل منه لما كانت حواء قد أكدت عليه فلما ذهب بعضه جذبته حواء من فيه فأوحى الله تعالى الى آدم ان العنب قد مصه عدوي و عدوك إبليس لعنه الله و قد حرمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لان عدو الله إبليس مكر بحواء حتى مص العنب و لو اكله لحرمت الكرمة من أولها إلى آخرها و جميع ثمارها و ما يخرج منها، ثم انه قال لحواء لو امصصتني شيئا من هذا التمر كما امصصتني من العنب فأعطته تمرة فمصها و كان العنب و التمر أشد رائحة و اذكى من المسك الأذفر و احلى من العسل، فلما مصهما عدو الله إبليس ذهبت رائحتهما و انتقصت حلاوتهما، قال أبو عبد الله (عليه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

140
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

السلام) ثم ان إبليس الملعون ذهب بعد وفاة آدم فبال في أصل الكرمة و النخلة فجرى الماء في عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب و التمر فحرم الله تعالى على ذرية آدم كل مسكر لان الماء جرى ببول عدو الله في النخل و العنب. و صار كل مختمر خمرا لان الماء اختمر في النخلة و الكرمة من رائحة بول عدو الله تعالى إبليس».

(قلت): هذا الخبر بحمد الله تعالى ان لم يكن حجة لنا لا يكون علينا و ذلك ان سياق الخبر كما تقدمت الإشارة اليه انما هو في بيان العلة في تحريم المسكر من العنب و التمر و غيرهما، ألا ترى الى قوله (عليه السلام):

«فأوحى الله تعالى الى آدم ان العنب قد مصه عدوي و عدوك إبليس لعنه الله و قد حرمت عليك من عصيرة الخمر ما خالطه نفس إبليس فحرمت الخمر لان عدو الله. إلخ»،

و الى قوله (عليه السلام) بعد حكاية بول إبليس لعنه الله في أصل الكرمة و النخلة:

«فجرى الماء في عروقهما من بول عدو الله فمن ثم يختمر العنب و التمر فحرم الله على ذرية آدم كل مسكر. إلخ»

و لا دلالة فيه و لا إشارة إلى التحريم في التمر بمجرد الغليان كما تقدم في اخبار العصير العنبي.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات ثلاثة:

[المقام] (الأول)- في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه

، و المشهور- بل كاد ان يكون إجماعا بل هو إجماع- هو القول بحليته فانا لم نقف على قائل بالتحريم ممن تقدمنا من الأصحاب و انما حدث القول بذلك في هذه الأعصار المتأخرة، فممن ذهب اليه شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني و المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي على ما يظهر من الوسائل ثم اشتهر ذلك الآن بين جملة من الفضلاء المعاصرين حتى صنفوا فيه الرسائل و أكثروا من الدلائل التي لا ترجع إلى طائل، و هذا هو الذي حدانا على تطويل الكلام في هذه المسألة في هذا المقام و ان كانت خارجة عن محل البحث إلا بنوع مناسبة تقتضي الدخول في سلكه و الانتظام.

141
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

و ربما توهم وقوع الخلاف في الحكم المذكور من بعض عبارات الأصحاب مثل عبارة المحقق في كتاب الحدود من الشرائع حيث قال: «و اما التمري إذا غلى و لم يبلغ حد الإسكار ففي تحريمه تردد و الأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ الشدة المسكرة» انتهى و مثله عبارة الشهيد في الدروس حيث قال بعد الكلام في عصير الزبيب و حكمه بتحليل المعتصر منه: «و اما عصير التمر فقد أحله بعض الأصحاب ما لم يسكر، و في رواية عمار. إلخ» «1».

و أنت خبير بأن العبارة الاولى لا دلالة فيها بوجه على وجود القول بالتحريم لان التردد في الحكم لا يستلزم وجود الخلاف فيه بل قد يكون منشأه تعارض الأدلة فيه أو ضعف المستند دلالة أو سندا أو تعارض احتمالين في ذلك كما هو دأب العلماء في كثير من عبائرهم و من ثم قال الشهيد الثاني في المسالك في شرح هذه العبارة: وجه التردد في عصير التمر أو هو نفسه إذا غلى، من دعوى صدق اسم النبيذ عليه حينئذ و مشابهته لعصير العنب، و من أصالة الإباحة و منع صدق اسم النبيذ المحرم عليه حقيقة و منع مساواته لعصير العنب في الحكم لخروج ذلك بنص خاص فيبقى غيره على أصل الإباحة و هذا هو الأصح. انتهى. و يؤيد ما قلناه ايضا ما صرح به الفاضل الشيخ احمد بن فهد (قدس سره) في المهذب حيث قال: كل حكم مستفاد من لفظ عام أو مطلق أو من استصحاب يسمى بالأشبه لأن ما كان مستند الترجيح التمسك بالظاهر و الأخذ بما يطابق ظاهر المنقول يكون أشبه بأصولنا، فكل موضع يقول فيه: «الأشبه» يريد هذا المعنى، و الأصح ما لا احتمال فيه عنده، و التردد ما احتمل الأمرين، ثم قال بعد ذلك: و ربما كان النظر و التردد في المسألة من المصنف خاصة لدليل انقدح في‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة، و اللفظ هكذا:

«سألته- يعني أبا عبد الله «ع»- عن النضوح؟ قال يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يمتشطن».

و سيأتي التعرض لها ص 149.

142
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

خاطره. انتهى. و فيه- كما ترى- دلالة واضحة على ان المحقق (قدس سره) بل غيره من الفقهاء ايضا قد يقولون على الأصح أو يترددون أو يتنظرون في المسألة و ان كانت اجماعية. و أغرب من ذلك ان المحقق في كتاب المختصر في مسألة كثير السفر قال: و ضابطه ان لا يقيم في بلدة عشرة أيام و لو أقام في بلده أو غيره ذلك قصر، و قيل هذا يختص بالمكاري فيدخل الملاح و الأجير. انتهى. قال في المهذب: و لم نظفر بقائله و لعله سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف فقال «قيل». و قال في التنقيح:

لم نسمع من الشيوخ قائله و لكن قال بعض الفضلاء كأنه هو نفسه القائل. و نقل عن الشهيد (قدس سره) انه قال انه احتمال عنده. و بذلك يظهر ان العبارة المذكورة و ان توهم منها في بادئ النظر حصول الخلاف في المسألة إلا انه عند التأمل الدقيق لا ينبغي الالتفات اليه، و به يظهر ايضا ما في كلام شيخنا المشار اليه آنفا حيث قال: و ما يقال- ان النزاع انما هو في العصير الزبيبي كما يفهم من شرح الشرائع في الأطعمة و الأشربة و اما التمري فلا نزاع في إباحته و قد ادعى الإجماع عليه بعض الفضلاء- مردود بان الظاهر من كلام المحقق في الشرائع في كتاب الحدود خلافه و ان المسألة ليست اجماعية كما قد يظن، فإنه قال: و اما التمري إذا غلى و لم يبلغ الإسكار ثم ساق العبارة المتقدمة، ثم قال و دلالته على المدعى واضحة. انتهى. أقول: قد عرفت ما فيه.

و اما عبارة الدروس فغاية ما تدل عليه هو اسناد التصريح بالحلية الى بعض الأصحاب و هذا لا يستلزم ان البعض الآخر قائل بالتحريم بل الظاهر ان مراده ان بعض الأصحاب نص على الحلية و صرح بها و البعض الآخر لم يصرح بشي‌ء نفيا و لا إثباتا، و هو كذلك فان كثيرا منهم لم يتعرضوا لذكر ماء التمر المغلي بالكلية و من ذكره منهم فإنما وصفه بالحلية دون التحريم، و كيف كان فغاية ما يشعر به كلامه هنا هو التوقف في الحكم لرواية عمار المشار إليها في كلامه و سيأتي الكلام فيها ان شاء الله تعالى، و مما يساعد على ما ادعيناه عبارة المسالك في كتاب الأطعمة و الأشربة و هي المشار إليها في‌

143
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

كلام شيخنا المتقدم، حيث قال في الكتاب المذكور بعد البحث في عصير العنب: و الحكم مختص بعصير العنب فلا يتعدى الى غيره كعصير التمر ما لم يسكر للأصل و لا الى عصير الزبيب على الأصح. إلخ. و نحوه في الروض و شرح الرسالة، و اعتراض شيخنا المتقدم عليه بما ذكره قد عرفت بطلانه. و أياما كان فالاعتماد عندنا في الأحكام على الأدلة الواردة في المقام لا على الخلاف أو الوفاق من العلماء الاعلام:

و مما يدل على الحلية في هذه المسألة الأصل و الآيات و الاخبار كقوله سبحانه:

«. خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ «1» و قوله عز و جل: «قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً. الآية» «2» و قوله تعالى: «إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ «3» و قوله: «يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ. الآية الى وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» «4» و قوله «. لٰا تُحَرِّمُوا طَيِّبٰاتِ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكُمْ «5» و غيرها خرج ما خرج بدليل فيبقى الباقي تحت العموم،

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم «6»: «انما الحرام ما حرم الله تعالى و رسوله في كتابه».

عقيب الأمر بقراءة «قُلْ لٰا أَجِدُ. الآية»‌

و قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيحة زرارة «7» «إنما الحرام ما حرم الله في كتابه».

و قول الباقر (عليه السلام) في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم «8»: «انما الحرام ما حرم الله في القرآن».

و في صحيحة محمد بن مسلم «9»: «ليس الحرام إلا ما حرم الله تعالى في كتابه» ثم قال: «اقرأ هذه الآية:

______________________________
(1) سورة البقرة. الآية 29.

(2) سورة الأنعام. الآية 146.

(3) سورة البقرة. الآية 173.

(4) سورة المائدة. الآية 4.

(5) سورة المائدة. الآية 87.

(6) المروية في الوسائل في الباب 9 من الأطعمة المحرمة.

(7) المروية في الوسائل في الباب 6 من الأطعمة المحرمة.

(8) المروية في الوسائل في الباب 4 من الأطعمة المحرمة.

(9) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأطعمة المحرمة.

144
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

قُلْ لٰا أَجِدُ. الآية».

و يدل على ذلك ما قدمناه من الاخبار في الفائدة الثانية المصرحة بأن المحرم من النبيذ هو المسكر خاصة و لا سيما رواية الوفد.

استدل شيخنا أبو الحسن المشار اليه آنفا على التحريم في العصير التمري و الزبيبي‌

بصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه».

قال و روى ايضا في الحسن عنه (عليه السلام) «2»: «اي عصير اصابته النار فهو حرام».

و كلمتا «كل واي» صريحتان في العموم فمقتضاهما تحريم الزبيبي و التمري إلا ان يثبت كون العصير حقيقة شرعية أو عرفية في عصير العنب خاصة كما ادعاه جماعة، و أنت خبير بان هذه الدعوى في حيز المنع إذ لم نظفر لها بمستند يعتمد عليه و استسلاقها في هذا المقام مجازفة محضة و عباراتهم طافحة بتسميتهما عصيرا و مع هذا الإطلاق لا يليق منهم إنكاره فيبقى عموم النص شاملا له، مع ان رواية زيد النرسي «3»- بالنون و الراء و السين المهملتين- شاهدة به و في رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «4» اشعار ما به كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام و ان لم تدل عليه صريحا. انتهى كلامه.

أقول: فيه- زيادة على ما عرفت- نظر من وجوه: (الأول) ان ما ذكره من رواية ابن سنان و جعله لها روايتين و ان إحداهما صحيحة و الأخرى حسنة و ان إحداهما بلفظ «كل» و الأخرى بلفظ «اي» لا وجود له في كتب الاخبار و لا نقله ناقل من علمائنا الأبرار، و الموجود فيها رواية واحدة و هي الأولى إلا انها صحيحة في التهذيب و حسنة‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

(2) سيتعرض المصنف (قدس سره) في الوجه الأول من وجوه النظر لعدم وجود رواية لابن سنان بهذا اللفظ.

(3) المروية في مستدرك الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة و ستأتي في المقام الثاني.

(4) المروية في الوسائل في الباب 8 من الأشربة المحرمة و ستأتي في المقام الثاني.

145
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

في الكافي، و اما الثانية فلم أقف عليها و لم يذكرها في الوافي الجامع لكتب الأخبار الأربعة و لا في الوسائل الجامع للكتب الأربعة و غيرها.

(الثاني)- ان ما ادعاه من العموم في العصير مردود بما أوضحناه في الفوائد المتقدمة بما لا مزيد عليه و هو ان العصير مخصوص بما يؤخذ من العنب و ان ما يؤخذ من التمر و الزبيب انما يطلق عليه النقيع و النبيذ، فهذه الأسماء قد صارت حقائق عرفية في زمانهم و عرفهم (عليهم السلام) كما أطلقوا ايضا على عصير العنب الطلاء تارة و البختج اخرى، و عاضد على ذلك كلام أهل اللغة أيضا كما سمعت من عبائرهم، و لكنه لقصور تتبعه (قدس سره) للاخبار و عدم مراجعته لكلام أهل اللغة في هذا المضمار وقع فيما وقع فيه.

بقي الكلام هنا في التعبير في هذه الصحيحة بلفظة «كل» المشعر بوجود افراد متعددة لذلك، و يمكن ان يكون الوجه في ذلك ما ذكره بعض مشايخنا المحققين من متأخرين المتأخرين من ان ذلك باعتبار كون المراد منه ما هو أعم من ان يسكر كثيره أم لا أخذ من كافر أو مسلم مستحل لما دون الثلث أم لا عارف أم لا. أقول: و يؤيده ورود الأخبار في حل المعصرات المأخوذة من أيدي هؤلاء و عدمه بالفرق في بعضها بين العارف و غيره و في بعض بين من يستحله على الثلث و غيره ممن يشربه على النصف و كذا بالنسبة إلى المسلم و غيره، و بهذا يتم معنى الكلية في الخبر المذكور و يندفع عنه النقص و القصور.

(الثالث)- انه مع العدول عن حمل العصير في الخبر على ما ذكرناه من عصير العنب فليس إلا الحمل على المعنى اللغوي الذي هو عبارة عن كل معصور، و الحمل على هذا المعنى مما لا يخفى بطلانه على محصل إذ يلزم من الحكم بصحة هذا المعنى الحكم بتحريم كل عصير إذا غلى و لا ريب انه مخالف لما علم ضرورة من مذهب الإسلام من إباحة الأشربة و مياه العقاقير و الأدوية التي تطبخ و مياه الفواكه و البقول و نحو ذلك،

146
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

و لو رجع الى تخصيصها بالنصوص فالذي صرحت به النصوص بان يتم له تخصيص هذا الخبر به انما هو السكنجبين و رب التوت و الرمان و التفاح و السفرجل و الجلاب و هو العسل المطبوخ بماء الورد حتى يتقوم، و حينئذ فما عدا هذه المعدودة الموجودة في النصوص يبقى داخلا في عموم الخبر على زعمه و لا أظنه يلتزمه و يقول به، و التخصيص بالعنبي و التمري تحكم محض مع انه ارتكاب للتخصيص البعيد الذي قد منع صحته جماعة من الأصوليين، و بالجملة فصدور هذه الكلية عنهم (عليهم السلام) مع خروج أكثر أفراد الموضوع عن الحكم بعيد جدا بل مما يكاد يقطع ببطلانه سيما مع كون الخروج بغير دليل و لا مخصص و بهذا يظهر انه لا يجوز ان تكون الكلية و العموم في الخبر المذكور باعتبار المعنى اللغوي الذي توهمه.

(الرابع)- قوله: «إلا ان يثبت كون العصير حقيقة. إلخ» فإن فيه انه قد ثبت ذلك على وجه لا يعتريه الاشكال و لا يحوم حوله الاختلال إلا لمن لم يعط التأمل حقه في هذا المجال و لم يسرح بريد النظر كما ينبغي في اخبار الآل عليهم صلوات ذي الجلال كما أوضحناه بأوضح مقال و كشفنا عنه نقاب الإجمال بما لم يسبق اليه سابق من علمائنا الأبدال، و أيده أيضا مضي العلماء عليه سلفا و خلفا فإن أحدا منهم لم يتوهم هذا المعنى الذي تفرد به و ذهب اليه، و القائلون بتحريم العصير الزبيبي إنما استندوا إلى صحيحة علي بن جعفر الآتية مع ان صحيحة عبد الله بن سنان المذكورة بمرئي منهم و منظر و هي بالاستدلال- لو كانوا يفهمون من العصير هذا المعنى الذي توهمه- أوضح و أظهر، و انما فهموا منه انه عبارة عن ماء العنب خاصة فهو إجماع أو كالإجماع منهم (رضوان الله عليهم)، و قد عرفت أيضا مساعدة كلام أهل اللغة لهم باعتبار تخصيصهم لما يتخذ من التمر و الزبيب بالنقيع أو النبيذ. و اما ما ذكره- من ان عباراتهم طافحة بتسميتهما عصيرا فلا يليق منهم إنكاره- ففيه ان عبارات أكثرهم خالية من هذا و ان ذكره بعضهم فهو على نوع من مجاز المشاكلة، و اما إنكاره فمتعلقه الحكم لا التسمية‌

147
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

و أحدهما غير الآخر، و بذلك يظهر لك ان المجازفة انما هو في البناء على هذه الأوهام من غير إعطاء التأمل حقه في المقام و الخروج عما عليه كافة العلماء الاعلام و المخالفة لنصوص أهل الذكر عليهم أفضل الصلاة و السلام.

(الخامس)- ما ذكره بقوله: «مع ان رواية زيد النرسي. إلخ» فإن فيه ان رواية زيد النرسي التي موردها مخصوص بالزبيب و سيأتي الكلام فيه ان شاء الله تعالى ضعيفة فان زيد النرسي مجهول في الرجال و أصله المنقول منه هذا الخبر مطعون فيه كما ذكره الشيخ في الفهرست، حيث قال في الطعن على أصل زيد النرسي: انه لم يروه محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، و نقل عنه في فهرسته ايضا انه لم يروه محمد بن الحسن بن الوليد و كان يقول انه موضوع وضعه محمد بن موسى الهمداني. و قال العلامة في الخلاصة بعد نقل كلام الشيخ و ابن الغضائري في زيد الزراد و زيد النرسي: و الذي نقله الشيخ عن ابن بابويه و ابن الغضائري لا يدل على طعن في الرجلين و ان كان توقف ففي رواية الكتابين، و لما لم أجد لأصحابنا تعديلا لهما و لا طعنا فيهما توقفت عن قبول روايتهما. انتهى. و من هذا القبيل تمسكه برواية علي بن جعفر و قناعته بما فيها من قوله «اشعار ما» و العجب منه (قدس سره) في استناده الى هاتين الروايتين المتهافتتين مع ان ههنا روايات أخر مروية في الأصول المعتبرة التي عليها المدار و هي أوضح دلالة و أصرح مقالة و أصح سندا و أكثر عددا فيما ادعاه بالنسبة إلى الزبيب كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى في المقام الآتي، و هذا مما يدلك أوضح دلالة على صحة ما قلنا من ان كلامه (قدس سره) في هذا المضمار لم يكن ناشئا عن تحقيق و رجوع الى الأخبار و تأمل فيها بعين الفكر و الاعتبار، و كذا بالنسبة إلى العصير التمري كان ينبغي ان يستدل بموثقة عمار التي أشار إليها في الدروس و كأنه اعتمد على ما فهمه من صحيحة عبد الله بن سنان من صدق العصير على هذه الأشياء و لم يبحث عن دليل سواها، و لو انه تمسك في ماء التمر بموثقتي عمار الآتيتين و في الزبيب بالروايات التي سنتلوها عليك‌

148
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

ان شاء الله تعالى في المقام الآتي لكان أظهر في مطلوبه و مراده و ان قابله من خالفه في ذلك باعتراضه و إيراده.

هذا، و ربما استدل للقول بالتحريم في ماء التمر‌

بموثقة عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام) «1»: «انه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر».

و موثقته الأخرى عنه (عليه السلام) «2» قال:

«سألته عن النضوح؟ قال يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم يمتشطن».

و هذه الرواية الثانية هي التي ذكرها في الدروس و ظاهره التوقف في الحكم من أجلها، و النضوح لغة على ما ذكره في النهاية ضرب من الطيب تفوح رائحته، و نقل الشيخ فخر الدين ابن طريح في مجمع البحرين: ان في كلام بعض الأفاضل النضوح طيب مائع ينقعون التمر و السكر و القرنفل و التفاح و الزعفران و أشباه ذلك في قارورة فيها قدر مخصوص من الماء و يشد رأسها و يصبرون أياما حتى ينش و يختمر و هو شائع بين نساء الحرمين الشريفين، و كيفية تطيب المرأة به ان تحط الأزهار بين شعر رأسها ثم ترش به الأزهار لتشتد رائحتها قال:

و في أحاديث أصحابنا أنهم نهوا نساءهم عن التطيب به بل أمر بإهراقه في البالوعة. انتهى أقول: الظاهر انه أشار بحديث الأمر بالإهراق إلى رواية‌

عيثمة «3» قال: «دخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) و عنده نساؤه قال فشم رائحة النضوح فقال ما هذا؟ قالوا نضوح يجعل فيه الضياح قال فأمر به فأهريق في البالوعة».

أقول: الضياح لغة اللبن الخاثر يجعل فيه الماء و يمزج به، و الظاهر بناء على ما ذكره هذا البعض المنقول عنه كيفية عمل النضوح المؤيد بخبر عيثمة المذكور ان امره (عليه السلام) بإهراق النضوح انما هو لكونه خمرا و انه نجس كما هو أحد القولين المعتضد بالاخبار كما تقدم تحقيقه، فيكون وضعه في الرأس موجبا لنجاسته و الصلاة في النجاسة حينئذ، و على هذا فتحمل‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 32 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 37 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 32 من الأشربة المحرمة.

149
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

رواية عمار على ان الغرض من طبخه حتى يذهب ثلثا ماء التمر انما هو لئلا يصير خمرا ببقائه مدة لان غلية الذي يصير به دبسا يذهب الأجزاء المائية التي يصير بها خمرا لو مكث مدة كذلك، لأنه إنما بصير خمرا بسبب ما فيه من تلك الأجزاء المائية فإذا ذهبت أمن من صيرورته خمرا، و يؤيد هذا قوله: «النضوح المعتق» على صيغة اسم المفعول أي الذي يراد جعله عتيقا بان يحفظ زمانا حتى يصير عتيقا، و يؤيده قوله ايضا «ثم يمتشطن» من ان الغرض منه التمشط و الوضع في الرأس، فالمراد من السؤال في الروايتين عن كيفية عمله هو التحرز عن صيرورته خمرا نجسا يمتنع الصلاة فيه إذا تمشطن به و إلا فهو ليس بمأكول و لا الغرض من السؤال عن كيفية عمله هو حل اكله حتى يكون الأمر بغلية على مثل هذه الكيفية لحل اكله، فلو فرضنا انه طبخ على النصف مثلا و تمشطن به في الحال فإنه و ان فرضنا تحريم اكله كما يدعيه الخصم إلا انه لا قائل بنجاسته إجماعا و لا دليل عليها اتفاقا، و لكن لما كان الغرض هو حفظه و تبقيته زمانا كما عرفت فلو لم يعمل بهذه الكيفية لصار خمرا نجسا فأمر (عليه السلام) بطبخه على هذه الكيفية لهذه العلة، و كيف كان فدلالة الخبرين المذكورين انما هو بطريق المفهوم و هو مع تسليمه انما يكون حجة إذا لم يظهر للتعليق فائدة سوى ذلك و إلا فلا حجة فيه، و بما شرحنا من معنى الخبرين المذكورين و هو ان الغرض ان لا يكون خمرا مسكرا تظهر فائدة التعليق المذكور فلا يكون حجة فيما يدعيه الخصم، و هذا بحمد الله سبحانه واضح لا سترة عليه و لا يأتيه الباطل من خلفه و لا من بين يديه.

بقي هنا شيئان ينبغي التنبيه عليهما (الأول)- ان إطلاق الاخبار و كلام الأصحاب دال على تحريم العصير بالغليان و توقف حله على ذهاب الثلثين أعم من ان يطبخ وحده أو مع شي‌ء آخر غيره،

و قد روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب مسائل الرجال عن ابي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) «1» «ان محمد بن علي بن عيسى كتب اليه عندنا طبيخ يجعل فيه الحصرم و ربما يجعل فيه العصير من العنب و انما هو لحم يطبخ به و قد روي عنهم في العصير

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من الأشربة المحرمة.

150
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - في ماء التمر إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 141

انه إذا جعل على النار لم يشرب حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه و ان الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة و قد اجتنبوا أكله الى ان يستأذن مولانا في ذلك؟ فكتب لا بأس بذلك».

و هو ظاهر في ان حكم العصير مطبوخا مع غيره حكمه منفردا. و كأن السائل توهم اختصاص الحكم المذكور بالعصير منفردا و شك في جريان ذلك فيه إذا طبخ مع غيره، لان ظاهر قوله: «الذي يجعل في القدر من العصير بتلك المنزلة» يعني يذهب ثلثاه كما روى فأجابه (عليه السلام) بنفي البأس مع ذهاب الثلثين إشارة الى ان هذا الحكم ثابت له مطلقا منفردا أو مع غيره.

(الثاني)- انه لو وقع في قدر ماء يغلى على النار حبة أو حبات عنب فان كان ما يخرج منها من الماء يضمحل في ماء القدر فالظاهر انه لا إشكال في الحل لعدم صدق العصير حينئذ لأن الناظر إذا رآه انما يحكم بكونه ماء مطلقا و ان أدت اليه الحلاوة مثلا. لأن الأحكام الشرعية تابعة لصدق الإطلاق و التسمية فإذا كان لا يسمى عصيرا و انما يسمى ماء فلا يلحقه حكم العصير البتة، نعم لو كان الواقع في الماء انما هو شي‌ء من العصير المحرم و هو ما بعد غليانه و قبل ذهاب ثلثيه و كان ذلك ايضا على الوجه الذي ذكرناه من القلة و الاضمحلال في جانب الماء فهل يكون الحكم فيه كما تقدم في الصورة الأولى أم لا؟ الظاهر الأول لعين ما ذكرناه و بذلك صرح المحقق المولى الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد حيث قال- بعد قول المصنف (قدس سره) في كتاب الأطعمة و الأشربة:

«ان ما مزج بشي‌ء من هذه يحرم» و تفسير العبارة المذكورة بأن تحريم ما مزج بهذه المذكورات مع نجاستها ظاهر فإن الملاقي للنجس رطبا نجس و كل نجس حرام، و احتماله ايضا انه يريد بيان حكم الممتزج على تقدير عدم النجاسة أيضا- ما حاصله: و الحكم بتحريم الممتزج حينئذ ان كان الامتزاج بحيث غلب الحرام و صار من افراده ظاهر و كذا المساوي بل ما علم انه فيه بحيث لم يضمحل بالكلية، فأما ما يضمحل فيمكن الحكم بكونه حلالا مثل قطرة عرق أو بصاق حرام في حب ماء أو قدر بل في كوز كبير للاضمحلال، و لا يبعد‌

151
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

ان يكون ذلك مدار الحكم، فان كان بحيث إذا أخذ و أكل و شرب لم يعلم بوجود الحرام فيه يكون حلالا و ان كان يعلم وجوده فيه يكون حراما. و يدل عليه ما تقدم من العمومات و الأصل و حصر المحرمات‌

و صحيحة عبد الله بن سنان «1» قال: «قال الصادق (عليه السلام) كل شي‌ء يكون فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعلم انه حرام».

ثم قال:

و يحتمل التحريم خصوصا المسكر للروايات مثل‌

حسنة عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال:

«قال الصادق (عليه السلام) ما أسكر كثيره فقليله حرام».

ثم نقل رواية عمر بن حنظلة الدالة على ان ما قطرت قطرة من المسكر في حب إلا أهريق ذلك الحب «3» ثم قال فتأمل فإن المسألة مشكلة و الاجتناب أحوط. انتهى كلامه. و فيه ان ما استند اليه في احتمال التحريم من الروايتين المذكورتين لا دلالة لهما على ما ادعاه، فان مقتضى حسنة عبد الرحمن تعلق التحريم بعين القليل و متفرع على وجوده و المفروض اضمحلاله كما ذكره سابقا و حينئذ فلا يكون من محل البحث في شي‌ء، و مقتضى رواية عمر بن حنظلة ان الإراقة إنما تترتب على التنجيس و حكمه (عليه السلام) بنجاسة المسكر كما هو أشهر الروايات و أظهرها حسبما مر تحقيقه في موضعه لا على التحريم كما توهمه (قدس سره) و بالجملة فاظهرية الحلية في الصورة المذكورة مما لا ينبغي ان يعتريه الاشكال. و الله العالم.

(المقام الثاني)- في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه

، المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) كونه حلالا و قيل بتحريمه كما تقدمت الإشارة إليه في كلام شيخنا الشهيد الثاني و اليه مال من قدمنا ذكره من متأخري المتأخرين و جملة من المعاصرين، و يدل على القول المشهور ما تقدم في المقام الأول من الأصل و العمومات في الآيات و الروايات المتقدمة ثمة، و استدل بعض مشايخنا المعاصرين على ذلك أيضا بانحصار النزاع بين آدم‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 64 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 17 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 18 من الأشربة المحرمة.

152
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و نوح و بين إبليس لعنه الله في العنب خاصة و ان الحرام هو عصير العنب، و الزبيب خارج عن اسم العنب فلا يحرم ماؤه كالحصرم انتهى. أقول: يمكن للخصم المناقشة في هذا الاستدلال بان ظاهر الاخبار التي أشار إليها (قدس سره) ان النزاع كان في ثمرة شجرة الكرم مطلقا و لا دلالة لها على الاختصاص بالعنب كما في موثقة زرارة الدالة على ان نوحا لما غرس الحبلة و هي شجرة العنب و قلعها إبليس لعنه الله فتنازع معه و قال له إبليس اجعل لي نصيبا فجعل له الثلث الى ان استقر الأمر على الثلثين، فإنها دالة على انه جعل له نصيبا في الشجرة يعني ما يخرج منها من الثمرة و لا اختصاص له بالعنب، و مثل ذلك أيضا موثقة سعيد بن يسار و باقي الأخبار المنقولة من العلل.

و استدل الشهيد الثاني في المسالك- بعد ان صرح بان الحكم مختص بالعنب فلا يتعدى الى غيره كعصير التمر ما لم يسكر و لا الى عصير الزبيب على الأصح لخروجه عن اسم العنب- بذهاب ثلثيه و زيادة بالشمس، و مثل ذلك في الروض و شرح الرسالة، و اعترضه في المفاتيح بان ما ذكره من ذهاب ثلثيه بالشمس انما يتم لو كان قد نش بالشمس أو غلى حتى يحرم ثم يحل بعد ذلك بذهاب الثلثين، و الغليان بالشمس غير معلوم فضلا عن النشيش و هو صوت الغليان. و اما ما جف بغير الشمس فلا غليان فيه فلا وجه لتحريمه حتى يحتاج الى التحليل بذهاب الثلثين، على ان إطلاق العصير على ما في حبات العنب كما ترى. انتهى كلامه. و هو جيد.

و اما ما أجاب به بعض مشايخنا المعاصرين- و هو الذي تقدمت الإشارة إليه في صدر المقام من ان الموضوع في الشمس لأجل ان يصير زبيبا قد يحصل فيه القلب أو النشيش اعني النقص فإذا ذهب منه الثلثان فقد حل، و ان الحكم في العنب انما تعلق بمائه و ان لم يخرج من الحب، و التعبير في الأخبار بالعصير انما هو جريا على الغالب لا تخصيصا للحكم و المراد ما من شأنه أن يؤخذ بالعصر، و من ثم لو طبخ حب العنب في ماء أو طبيخ حرم ذلك المطبوخ إجماعا. انتهى- فظني بعده لان دعوى حصول القلب‌

153
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و الغليان في ماء حب العنب إذا وقع في الشمس غير معلوم يقينا و أصالة الحل لا يخرج عنها إلا بيقين، و يلزم على ما ذكره انه لو وضع العنب في الشمس يوما أو يومين أو ثلاثة مثلا بحيث انه لم يبلغ الى حد الزبيب فإنه يحرم لحصول الغليان و لم يذهب ثلثاه بعد و لا أظنه يلتزمه فإن أصالة الحلية لا يخرج عنها بمجرد ذلك. و اما دعواه ان الحكم في العنب انما تعلق بمائه و ان لم يخرج من الحب فإنه خروج عن ظواهر الأخبار و بناء على مجرد الاعتبار. و اما قوله: «و من ثم لو طبخ حب العنب. إلخ» ففيه ان ارتكاب المجاز في إطلاق العصير على ما يخرج بالطبخ لا يستلزم انسحابه الى ما في العنب قبل ان يخرج بالكلية، فإن أراد ثبوت التحريم لحب العنب و ان لم يخرج ماؤه بالطبخ منعنا هذه الدعوى. و بالجملة فإن بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه الاعتبارات التخمينية لا يخلو من مجازفة.

و بمثل ما صرح به شيخنا الشهيد الثاني صرح الشهيد في الدروس فقال و لا يحرم المعتصر من الزبيب ما لم يحصل فيه نشيش فيحل طبخ الزبيب على الأصح لذهاب ثلثيه بالشمس غالبا و خروجه عن مسمى العنب. و حرمه بعض مشايخنا المعاصرين و هو مذهب بعض فضلائنا المتقدمين لمفهوم رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) ثم ساق متن الرواية كما سيأتي. و أنت خبير بان ما ذكراه (قدس سرهما) من تعليل حلية ماء الزبيب بذهاب ثلثيه بالشمس لا يوافق القائلين بالحلية و لا القائلين بالحرمة، فإن من قال بحل ماء الزبيب بعد الغلي و قبل ذهاب ثلثيه كما هو المشهور قال به مطلقا سواء ذهب ثلثاه بالشمس أم لم يذهب لأنه انما يتمسك بأصالة الحلية و يدعى ان ما ورد من التحريم بمجرد الغليان و الحل بذهاب الثلثين مخصوص بالعنب و الزبيب لا يصدق عليه العنب، و من قال بالتحريم انما استند الى مفهوم رواية علي بن جعفر الآتية و هي التي ذكرها في الدروس فهو قائل ايضا بتحريمه مطلقا سواء علم ذهاب ثلثيه في حبه بالشمس أم لا. فكلامهما (قدس سرهما) لا يوافق شيئا من المذهبين في البين.

154
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و استدل أيضا في المسالك على الحلية‌

بصحيحة أبي بصير «1» قال: «كان أبو عبد الله (عليه السلام) تعجبه الزبيبة».

قال: و هذا ظاهر في الحل لان طعام الزبيبة لا يذهب فيه ثلثا ماء الزبيب كما لا يخفى انتهى. و اقتفاه في هذه المقالة المولى الأردبيلي في شرح الإرشاد فقال بعد نقل الرواية المذكورة مثل ما ذكره هنا. و قال بعض مشايخنا المعاصرين بعد الاستدلال بهذه الرواية أيضا: لأن الظاهر ان المراد الطعام الذي يطبخ معه الزبيب أو يطبخ معه ماء الزبيب و هو لا يستلزم ذهاب ثلثي ماء الزبيب غالبا كما هو واضح.

أقول: و الاستدلال بهذه الرواية لا يخلو عندي من اشكال لعدم العلم بكيفية ذلك الطعام، و من المحتمل قريبا الحمل على الأشربة الزبيبية التي يأتي ذكرها في الاخبار، و لكن استدلال شيخنا الشهيد الثاني بالخبر المذكور و قوله بعده ما ذكر و كذا المولى الأردبيلي ربما يؤذن بكونهما عالمين بكيفية ذلك على الوجه الذي ذكراه و لعله وصل إليهم و لم يصبل إلينا.

إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استدل على القول بالتحريم كما عرفت‌

برواية علي ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الزبيب هل يصلح ان يطبخ حتى يخرج طعمه ثم يؤخذ ذلك الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث ثم يرفع و يشرب منه السنة؟ قال لا بأس به».

و طعن في هذه الرواية جملة من المتأخرين و متأخريهم بضعف السند (أولا) لاشتماله على سهل بن زياد. و (ثانيا) ان دلالتها بالمفهوم في كلام السائل و هو ضعيف، و مع تسليم صحته فدلالة المفهوم انما تكون حجة ما لم يظهر للتعليق فائدة أخرى و من الجائز بل الظاهر ان هذا العمل المخصوص انما هو لمن أراد بقاءه عنده ليشرب منه فتكون فائدة التقييد بذهاب الثلثين ليذهب مائيته فيصلح للمكث و البقاء‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 26 من الأطعمة المباحة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 8 من الأشربة المحرمة.

155
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

و لا يصير مسكرا، و يدل عليه قوله في عجز الرواية: «و يشرب منه السنة».

هذا، و قد روى ثقة الإسلام في الكافي روايات ربما تدل بظاهرها على التحريم:

و منها-

موثقة عمار الساباطي «1» قال: «وصف لي أبو عبد الله (عليه السلام) المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا؟ فقال تأخذ ربعا من زبيب و تنقيه ثم تصب عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان أيام الصيف و خشيت ان ينش جعلته في تنور مسجور قليلا حتى لا ينش ثم تنزع الماء منه كله حتى إذا أصبحت صببت عليه من الماء بقدر ما يغمره، الى ان قال ثم تغليه بالنار و لا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث. الحديث».

و منها-

موثقته الأخرى عنه (عليه السلام) «2» قال: «سئل عن الزبيب كيف طبخه حتى يشرب حلالا؟ فقال تأخذ ربعا من زبيب فتنقيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فإذا كان من الغد نزعت سلافته ثم تصب عليه من الماء قدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع ماءه فتصبه على الماء الأول ثم تطرحه في إناء واحد جميعا ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقى الثلث و تحته النار ثم تأخذ رطلا من عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم تضربه حتى يختلط به و اطرح فيه ان شئت زعفرانا. الحديث».

و منها-

رواية إسماعيل بن الفضل الهاشمي «3» قال: «شكوت الى ابي عبد الله (عليه السلام) قراقر تصيبني في معدتي و قلة استمرائي الطعام، فقال لي لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن و هو يمرئ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن؟ قال فقلت له صفه لي جعلت فداك فقال تأخذ صاعا من زبيب، الى ان قال ثم تطبخه طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، الى ان قال في آخر الخبر: و هو شراب لا يتغير إذا بقي ان شاء الله تعالى».

أقول: يمكن الجواب عن هذه الروايات بأنه لا يلزم من الأمر بطبخه على الثلث‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأشربة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 5 من الأشربة المحرمة.

156
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

ان يكون ذلك لأجل حليته بعد ان حرم بالغليان بل يجوز ان يكون لئلا يصير مسكرا بمكثه كما يدل عليه قوله (عليه السلام) في آخر رواية إسماعيل بن الفضل:

«و هو شراب لا يتغير إذا بقي ان شاء الله تعالى»

و يجوز ان يكون الخاصية و النفع المترتب عليه لا يحصل إلا بطبخه على الوجه المذكور كما ورد مثله‌

في رواية خليلان بن هشام «1» قال «كتبت الى ابي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك عندنا شراب يسمى الميبة نعمد الى السفرجل فنقشره و نلقيه في الماء ثم نعمد الى العصير فنطبخه على الثلث ثم ندق ذلك السفرجل و نأخذ ماءه ثم نعمد الى ماء هذا الثلث و هذا السفرجل فنلقي عليه المسك و الأفاوي و الزعفران و العسل فنطبخه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه أ يحل شربه؟ فكتب لا بأس به ما لم يتغير».

فان الطبخ على الثلث هنا انما هو لما قلناه من حصول الخاصية و توقف النفع على ذلك لا للتحليل، فإنه ليس هنا شي‌ء قد حرم بمجرد الغليان حتى يحتاج في حليته الى ذهاب الثلثين، و لعله لهذا الوجه اعرض متأخر و أصحابنا عن هذه الأخبار و لم يلتفتوا إليها و ان كانت موهمة للتحريم في بادئ النظر كما أشار إليه الفاضل الخراساني في الذخيرة، حيث قال: و اعلم ان في الكافي في باب صفة الشراب الحلال بعض الأخبار الموهمة للتحريم لكن لا دلالة لها عليه عند التأمل الصحيح فارجع و تدبر. انتهى. لكن ربما يلوح التحريم من بعض ألفاظ هذه الأخبار مثل قوله:

«كيف يطبخ حتى يصير حلالا»

و قوله (عليه السلام) أيضا:

«فإذا كان أيام الصيف و خشيت ان ينش جعلته في تنور مسجور حتى لا ينش»

فان النشيش هو صوت الغليان و الظاهر من المحافظة عليه بان لا ينش ليس إلا لخوف تحريمه بالغليان، و قوله في موثقته الثانية «حتى يشرب حلالا» إلا انه يمكن ان يقال ان قوله: «كيف يطبخ حتى يصير حلالا» انما هو من كلام الراوي في سؤاله فلا حجة فيه، و ما ذكر من الاستناد الى قوله «حتى لا ينش» فان فيه انه بعد ذلك أمر بغليانه حتى يذهب ثلثاه فهو و ان حرم‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 29 من الأشربة المحرمة.

157
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ماء الزبيب إذا غلى و لم يذهب ثلثاه ؛ ج 5، ص : 152

بالنشيش فلا مانع منه لتعقبه بالغليان الموجب للتحليل بعد ذلك. و حينئذ فلعل المحافظة عليه من النشيش انما هو لغرض آخر لا لأنه يحرم بعد ذلك، فإنه و ان حرم لا منافاة فيه لانه لم يجوز استعماله و شربه بعد ذلك و انما أمره بعد ذلك بغلي ذلك الماء الموجب لحرمته الى ان يذهب ثلثاه الموجب لحله، و حينئذ فلا فرق في حصول التحريم فيه في وقت النشيش و لا في وقت الغليان أخيرا، مع انه يمكن الطعن في هذين الخبرين ايضا من حيث الراوي و هو عمار لتفرده بروايات الغرائب و نقل الأحكام المخالفة لأصول الشريعة كما طعن عليه في الوافي في مواضع عديدة، و كيف كان فالخروج بمثل هاتين الروايتين- على ما عرفت فيهما من المخالفة عن حكم الأصل و عموم الآيات و الروايات الواردة بتفسيرها كما عرفت- مشكل.

و مما استند اليه شيخنا أبو الحسن فيما قدمناه من كلامه‌

حديث الزيدين زيد النرسي و زيد الزراد عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الزبيب يدق و يلقى في القدر و يصب عليه الماء؟ قال حرام حتى يذهب ثلثاه. قلت الزبيب كما هو يلقى في القدر؟ قال هو كذلك سواء إذا أدت الحلاوة إلى الماء فقد فسد كلما غلى بنفسه أو بالنار فقد حرم إلا ان يذهب ثلثاه».

و قد تقدم ما في هذه الرواية من الطعن في الراوي و الأصل المروي منه هذا الخبر.

و كيف كان فالحكم في ماء الزبيب عندي لا يخلو من توقف و الاحتياط في تجنبه مما لا ينبغي تركه و لا سيما ان ظاهر الكليني (قدس سره) ربما أشعر بالميل الى العمل بظاهر هذه الأخبار حيث انه عنون الباب بباب صفة الشراب الحلال و ذكر الأخبار المذكورة، و ظاهر المفاتيح الميل الى التحريم هنا حيث قال على اثر الكلام الذي قدمنا نقله عنه ما هذا لفظه: «نعم ان صب على الزبيب الماء و طبخ بحيث أدت الحلاوة إلى الماء فيمكن الحاقه بالعصير في التحريم بالغليان كما في الخبر» انتهى. و الله العالم‌

______________________________
(1) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 2 من الأشربة المحرمة.

158
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في ماء الحصرم ؛ ج 5، ص : 159

(المقام الثالث)- في ماء الحصرم

، لا ريب في ان مقتضى الأصل و العمومات من الآيات و الروايات المتقدمة هو حل ماء الحصرم و ان طبخ و لم يذهب ثلثاه، و روايات العصير قد عرفت في الفائدة الأولى اختصاصها بماء العنب خاصة و الحصرم ليس بعنب اتفاقا و الأحكام الشرعية تابعة للتسمية العرفية، و أنت إذا أمعنت النظر في روايات العصير المطبوخ- و التعبير عنه في الأخبار تارة بالعصير مطلقا الذي قد عرفت انه محمول على عصير العنب و تارة بعصير العنب و تارة بالطلاء الذي قد عرفت آنفا انه ما طبخ من عصير العنب و تارة بالبختج و هو العصير المطبوخ كما عرفت ايضا و تارة أتى بشراب يزعم انه على الثلث و تارة إذا كان يخضب الإناء فاشربه المكنى به عن كونه دبسا و أمثال ذلك- وجدت ان الحصرم لا يدخل في شي‌ء من ذلك فان الحصرم لا يعمل كذلك و المتعارف طبخه قديما و حديثا انما هو عصير العنب لما فيه من الحلاوة التي يصير بها ذا قوام و غلظ و يشرب و تترتب عليه المنافع المطلوبة منه، و ماء الحصرم لا يطبخ على حدة و انما يطبخ في اللحم أحيانا كما يدل عليه بعض الاخبار، و بالجملة فالأمر في ذلك أظهر من ان يحتاج الى مزيد بيان بعد شهادة عدول الوجدان في جميع الأزمان، و مع فرض ان ماء الحصرم ربما يطبخ على حدة فإطلاق الاخبار لا يشمله فإن الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتعارفة الجارية بين الناس دون الفروض النادرة كما يحمل أحدنا كلام من يخاطبه على ما هو المتعارف الجاري في العادة، و لو تكلف حمله على غير المتعارف المعتاد لعنف بين العباد، و كذا الخطاب الوارد عنهم (عليهم السلام) يجب حمله على ما هو المتعارف المتكرر المشهور.

و قد وقفت في هذا المقام على كلام لشيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن الحاج صالح البحراني (قدس سره) لا يخلو من نظر و اشكال، حيث قال في جواب سائل يسأله: ما القول في خل العنب إذا طبخ أو لم يطبخ و في ماء الحصرم إذا على و في الزبيب إذا طبخ مع الطعام؟ فكتب ما هذه صورته: أقول في هذه المسألة ثلاث مسائل، اما‌

159
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في ماء الحصرم ؛ ج 5، ص : 159

خل العنب فلا بأس به إذا لم يطبخ كالحصرم و الزبيب اما مع الطبخ ففيها عندي قلقلة و اني احتاط في الفتوى و العمل، فالاحتياط في اجتناب ذلك للخبر الصحيح «اي عصير مسته النار فهو حرام ما لم يذهب ثلثاه» و العصير و ان كان المشهور إطلاقه على عصير العنب فقط إلا ان إطلاقه في الاخبار على ما ذكرناه محتمل لورود تفسير العصير في الأخبار بأنه من الكرم و الكرم يطلق على العنب و على شجرة، فإن كان انما يطلق على الأول فلا كلام و ان كان يطلق على الثاني فهذا منه، فيكون الدليل متشابها فتشمل الشبهة كل ما اتخذ من الكرم من حصرم و زبيب و نحوهما مع الغليان، و ان كان ظاهر الأصل الإباحة و عدم التحريم إلا ان في هذا الأصل كلاما و الاحتياط أولى، الى ان قال: و بالجملة فالدليل على التحريم غير قاطع و كذا التحليل فالاجتناب اولى. انتهى كلامه أقول: لا يخفى عليك ما فيه من الإجمال بل الاختلال الناشئ من الاستعجال و عدم إعطاء التأمل حقه في هذا المجال (أما أولا) فلأن الخبر الصحيح الذي استند اليه تبعا لشيخه الشيخ ابي الحسن المتقدم ذكره قد عرفت ما فيه.

(و اما ثانيا)- فلان قوله-: «و ان كان المشهور إطلاقه على عصير العنب فقط» مما يؤذن بكون مستند هذا الإطلاق انما هو مجرد الشهرة- مردود بما عرفت في الفائدة الاولى من دلالة الأخبار و كلام أهل اللغة على اختصاص العصير بماء العنب (و اما ثالثا)- فان ما ادعاه- بعد اعترافه بورود الأخبار بتفسير العصير بأنه من الكرم من ان الكرم يطلق على العنب و على شجره- مردود بأنه قد نص أهل اللغة على ان الكرم هو العنب، قال في القاموس: و الكرم العنب. و قال الفيومي في المصباح المنير: و الكرم و زان فلس: العنب. و مثله في مجمع البحرين، و في النهاية الأثيرية قال:

و فيه لا تسموا على العنب الكرم فإنما الكرم الرجل المسلم، قيل سمى الكرم كرما لان الخمر المتخذة منه تحث السخاء و الكرم فاشتقوا له منه اسما فكره ان تسمى باسم مأخوذ من الكرم و جعل المؤمن أولى به، يقال رجل كرم اي كريم و صف بالمصدر كرجل عدل‌

160
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في ماء الحصرم ؛ ج 5، ص : 159

و ضيف، و قال الزمخشري أراد ان يقرر و يسدد ما في قوله عز و جل: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ» «1» بطريقة أنيقة و مسلك لطيف و ليس الغرض حقيقة النهي عن تسمية العنب كرما. إلخ و مثله في كتاب الغريبين للهروي و في كتاب شمس العلوم: الكرم العنب. فهذه كلمات جملة من أساطين أهل اللغة متفقة في اختصاص إطلاقه بالعنب، و حينئذ فلو سلم إطلاقه في بعض المواضع على الشجر تجوزا فإنه لا يصح ان يترتب عليه حكم شرعي، و يزيده بيانا‌

موثقة عمار المروية في الكافي و التهذيب عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ قال إذا عقد و صار عقودا».

و العقود اسم الحصرم بالنبطية، و حيث قد ثبت اختصاص الكرم بالعنب خاصة في المقام ارتفع الاشتراط في قوله: «فان كان انما يطلق على الأول فلا كلام» و ثبت الحكم و هو الحلية في هذه الأشياء و ان طبخت كما لا يخفى على ذوي الأفهام و زالت الشبهة و بطل قوله: «و ان كان يطلق على الثاني» و آل الى الانعدام، و بالجملة فروايات العصير لما كانت مختصة بالعنب و هذه خارجة عنه لان الحصرم كما عرفت غير العنب و الخل المتخذ من العنب قد خرج عنه إلى حقيقة أخرى كما في الخمر الذي يصير خلا و العصير الذي يصير خمرا و نحوهما فلا يلحقهما حينئذ حكم العصير من التحريم بالغليان حتى يحتاج في حليته الى ذهاب ثلثيه.

(و لو قيل): ان روايات نزاع إبليس لعنه الله لآدم و نوح (عليهما السلام) في شجر الكرم و اعطائهما له الثلثين منه يعني مما يخرج من هذا الشجر مما يدل على عموم ذلك للعنب و الزبيب و الحصرم و خل العنب (قلنا): ان الحكم و ان أجمل في تلك الاخبار كما ذكرت إلا ان الأخبار المستفيضة الواردة في عصير العنب كما عرفت يحكم بها على ذلك المجمل، و يؤيده ما في بعض تلك الأخبار و هو‌

موثقة زرارة «3» من قوله بعد

______________________________
(1) سورة الحجرات. الآية 13.

(2) المروية في الوسائل في الباب 1 من بيع الثمار.

(3) ص 128.

161
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل السابع) - في الكافر ؛ ج 5، ص : 162

نقل القصة في النزاع بين نوح و إبليس: «فقال أبو جعفر (عليه السلام) إذا أخذت عصيرا فاطبخه حتى يذهب الثلثان و كل و اشرب حينئذ فذاك نصيب الشيطان».

و قوله (عليه السلام) في رواية محمد بن مسلم المنقولة من العلل «1» «فمن هنا طاب الطلاء على الثلث».

و الطلاء- كما عرفت- هو المطبوخ من عصير العنب،

و قوله (عليه السلام) في رواية و هب بن منبه «2»: «ان لك فيها شريكا في عصيرها».

و لان هذا الفرد هو الذي يتعارف طبخه و يستعمل دائما في الأزمنة السابقة و اللاحقة فهو الذي يتبادر إليه الإطلاق. و الله العالم.

و قد أطلنا البحث في هذا المقام و أحطنا بأطراف الكلام لما عرفت من ان المسألة من أهم المهام سيما بعد وقوع الخلاف فيها في هذه الأيام و دخول الشبهة فيها على جملة من الاعلام، و الله الهادي لمن يشاء‌

، فلنرجع الى ما نحن فيه:

(الفصل السابع)- في الكافر

، قالوا: و ضابطه من خرج من الإسلام و بائنة أو انتحله و جحد ما يعلم من الدين ضرورة. و الأول شامل للكافر كفرا أصليا أو ارتداديا كتابيا أو غير كتابي، و الثاني كالغلاة و الخوارج و النواصب.

و قد حكي عن جماعة دعوى الإجماع على نجاسة الكافر بجميع أنواعه المذكورة كالمرتضى و الشيخ و ابن زهرة و العلامة في جملة من كتبه، إلا ان المفهوم من كلام المحقق في المعتبر الإشارة إلى الخلاف في بعض هذه المواضع، حيث قال: الكفار قسمان يهود و نصارى و من عداهما، اما القسم الثاني فالأصحاب متفقون على نجاستهم، و اما الأول فالشيخ في كتبه قطع بنجاستهم و كذا علم الهدى و الاتباع و ابنا بابويه، و للمفيد قولان، أحدهما النجاسة ذكره في أكثر كتبه، و الأخر الكراهة ذكره في الرسالة الغرية.

قال في المعالم: و عزى غير المحقق الى الشيخ في النهاية و ابن الجنيد الخلاف في هذا المقام ايضا، اما الشيخ فلانه قال في النهاية: يكره ان يدعو الإنسان أحدا من الكفار الى طعامه فيأكل معه فان دعاه فليأمره بغسل يديه ثم يأكل معه ان شاء. و اما ابن الجنيد‌

______________________________
(1) ص 129.

(2) ص 129.

162
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل السابع) - في الكافر ؛ ج 5، ص : 162

فإنه قال في مختصره: و لو تجنب من أكل ما صنعه أهل الكتاب من ذبائحهم و في آنيتهم و كل ما صنع في أواني مستحلي الميتة و مؤاكلتهم ما لم يتيقن طهارة أوانيهم و أيديهم كان أحوط. ثم قال: و عندي في نسبة الخلاف الى الشيخ باعتبار عبارته المحكية نظر، قال لانه قال قبلها بأسطر: و لا يجوز مؤاكلة الكفار على اختلاف مللهم و لا استعمال أوانيهم إلا بعد غسلها بالماء، ثم قال و كل طعام تولاه بعض الكفار بأيديهم و باشروه بنفوسهم لم يجز أكله لأنهم أنجاس ينجس الطعام بمباشرتهم إياه. و هذا الكلام صريح في الحكم بنجاستهم فلا بد من حمل الكلام الآخر على خلاف ظاهره، إذ من المستبعد جدا الرجوع عن الحكم في هذه المسافة القصيرة و إبقاؤه مثبتا في الكتاب، و لعل مراده المؤاكلة التي لا تتعدى معها النجاسة كأن يكون الطعام جامدا أو في أواني متعددة و يكون وجه الأمر بغسل يديه ارادة تنظيفهما من آثار القذارات التي لا ينفك عنها الكافر في الغالب فمواكلته على هذه الحالة بدون غسل يديه مظنة حصول النفرة.

و قد تعرض المحقق في نكت النهاية للكلام على هذه العبارة فذكر على جهة السؤال: انه ما الفائدة في الغسل و اليد لا تطهر به؟ و أجاب بأن الكفار لا يتورعون عن كثير من النجاسات فإذا غسل يده فقد زالت تلك النجاسة، ثم قال و يحمل هذا على حال الضرورة أو على مؤاكلة اليابس و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقاة النجاسات العينية و ان لم يفد طهارة اليد، ثم قال‌

و روى العيص بن القاسم «1» قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مؤاكلة اليهودي و النصراني؟ فقال لا بأس إذا كان من طعامك. و سألته عن مؤاكلة المجوسي؟ فقال إذا توضأ فلا بأس».

قال المحقق:

و المعنى بتوضئه هنا غسل اليد. انتهى كلامه. و هو- كما ترى- صريح في ان كلام الشيخ محمول على خلاف ظاهره و انه ليس بمخالف لما حكم به أولا، و ان الحامل له على ذكر هذه المسألة ورود مضمونها في الرواية، و حينئذ فلا ينبغي ان يذكر الشيخ في عداد‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.

163
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

من عدل عن المشهور هنا. و اما عبارة ابن الجنيد فظاهرها القول بطهارة أهل الكتاب و له في بحث الأسآر عبارة أخرى تقرب من هذه حكيناها هناك. و قد تحرر من هذا ان نجاسة من عدا أهل الكتاب ليست موضع خلاف بين الأصحاب معروف بل كلام المحقق يصرح بالوفاق كما رأيت، و اما أهل الكتاب فابن الجنيد يرى طهارتهم على كراهية و المفيد في أحد قوليه يوافقه على ذلك في اليهود و النصارى منهم على ما حكاه عنه المحقق، و الباقون ممن وصل إلينا كلامه على نجاستهم. انتهى ما ذكره في المعالم في المقام و هو جيد، و انما أطلنا بنقله بطوله لعظم نفعه و جودة محصوله.

أقول: الظاهر ان من ادعى الإجماع من أصحابنا في هذه المسألة على النجاسة بنى على رجوع المفيد باعتبار تصريحه فيما عدا الرسالة المذكورة من كتبه بالنجاسة و عدم الاعتداد بخلاف ابن الجنيد لما شنعوا عليه به من عمله بالقياس إلا انه نقل القول بذلك في باب الأسآر عن ابن ابي عقيل (قدس سره) ثم العجب ان الشيخ (قدس سره) في التهذيب نقل إجماع المسلمين على نجاسة الكفار مطلقا مع مخالفة الجمهور في ذلك «1» حتى ان المرتضى (رضي الله عنه) جعل القول بالنجاسة من متفردات الإمامية.

و كيف كان فالواجب الرجوع الى الأدلة في المسألة و بيان ما هو الظاهر منها فنقول‌

[أدلة القائلون بنجاسته]

احتج القائلون بالنجاسة بالآية و الروايات، اما الآية فهي قوله عز و جل: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا» «2» و أورد عليه (أولا)- ان‌

______________________________
(1) في المغني ج 1 ص 49 «الآدمي طاهر و سؤره طاهر سواء كان مسلما أو كافرا عند عامة أهل العلم» و في عمدة القارئ للعيني الحنفي ج 2 ص 60 «الآدمي الحي ليس بنجس العين و لا فرق بين الرجال و النساء» و في المحلى لابن حزم ج 1 ص 183 «الصوف و الوبر و القرن و السن من المؤمن طاهر و من الكافر نجس» و نسب الشوكانى في نيل الأوطار نجاسة الكافر الى مالك، و أغرب القرطبي في نسبة نجاسة الكافر إلى الشافعي.

(2) سورة التوبة، الآية 28.

164
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

النجس مصدر فلا يصح وصف الجثة به إلا مع تقدير كلمة «ذو» و لا دلالة في الآية معه، لجواز ان يكون الوجه في نسبتهم الى النجس عدم انفكاكهم عن النجاسات العرضية لأنهم لا يتطهرون و لا يغتسلون، و المدعى نجاسة ذواتهم. و (ثانيا)- عدم افادة كلام أهل اللغة كون معنى النجس لغة هو المعهود شرعا و انما ذكر بعضهم انه المستقذر و قال بعضهم هو ضد الطاهر، و من المعلوم ان المراد بالطهارة في إطلاقهم معناها اللغوي، فعلى هذين التفسيرين لا دلالة لها على المعنى المعهود في الشرع فتتوقف إرادته على ثبوت الحقيقة الشرعية أو العرفية المعلوم وجودها في وقت الخطاب، و في الثبوت نظر.

و (ثالثا)- انه على تقدير التسليم فالآية مختصة بمن صدق عليه عنوان الشرك و المدعى أعم منه.

أقول: و الجواب عن الأول انه لا ريب في صحة الوصف بالمصدر إلا انه مبني على التأويل، فمنهم من يقدر كلمة «ذو» و يجعل الوصف بها مضافا الى المصدر فحذف المضاف و أقيم المضاف اليه مقامه و على هذا بني الإيراد المذكور، و منهم من جعله واردا على جهة المبالغة باعتبار تكثر الفعل من الموصوف حتى كأنه تجسم منه. و هذا هو الأرجح عند المحققين من حيث كونه أبلغ، و عليه حمل قول الخنساء «فإنما هي إقبال و ادبار» كما ذكره محققوا علماء المعاني و البيان، و عليه بنى الاستدلال بالآية المذكورة.

و عن الثاني بأن النجس في اللغة و ان كان كما ذكره إلا انه في عرفهم (عليهم السلام) كما لا يخفى على من تتبع الأخبار و جاس خلال تلك الديار انما يستعمل في المعنى الشرعي، و الحمل على العرف الخاص مقدم على اللغة بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية، و تنظر المورد في ثبوت الحقيقة العرفية في زمن الخطاب- بمعنى ان عرفهم (عليهم السلام) متأخر عن زمان نزول الآية عليه (صلى الله عليه و آله) فلا يمكن حمل الآية عليه- مردود بان عرفهم (عليهم السلام) في الأحكام الشرعية و فتاويهم و أمرهم و نهيهم في ذلك راجع في الحقيقة إليه (صلى الله عليه و آله) فإنهم نقلة عنه و حفظة‌

165
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

لشرعه و تراجمة لوحيه كما استفاضت به اخبارهم.

و عن الثالث بصدق عنوان الشرك على أهل الكتاب بقوله سبحانه: «وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ. الى قوله سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ» «1» و بالجملة فإن دلالة الآية على النجاسة كنجاسة الكلاب و نحوها مما لا اشكال فيه كما عليه كافة الأصحاب إلا الشاذ النادر في الباب، و مناقشة جملة من أفاضل متأخري المتأخرين كما نقلنا عنهم مردودة بما عرفت.

و اما الاخبار فمنها-

ما رواه الصدوق في الموثق عن سعيد الأعرج «2» «انه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن سؤر اليهود و النصارى أ يؤكل و يشرب؟ قال لا».

و رواه الكليني و الشيخ في الحسن عن سعيد عنه «3» لكن بإسقاط قوله «أ يؤكل و يشرب».

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «4» قال: «سألته عن رجل صافح مجوسيا؟ قال يغسل يده و لا يتوضأ».

و عن ابي بصير عن الباقر (عليه السلام) «5» «انه قال في مصافحة المسلم لليهودي و النصراني قال من وراء الثياب فان صافحك بيده فاغسل يدك».

و صحيحة محمد بن مسلم «6» قال: «سألت أبا جعفر عن آنية أهل الذمة و المجوس؟

فقال لا تأكلوا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر».

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «7» قال: «سألته عن فراش اليهودي و النصراني أ ينام عليه؟ قال لا بأس و لا يصلى في ثيابهما، و قال لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة و لا يقعده على فراشه و لا مسجده و لا يصافحه. قال و سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق ليس يدري لمن كان هل تصلح الصلاة فيه؟ قال

______________________________
(1) سورة التوبة. الآية 30.

(2) رواه في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(7) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

166
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

ان اشتراه من مسلم فليصل فيه و ان اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله».

و ما رواه في الكافي عن علي بن جعفر عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه على فراش واحد و أصافحه؟ فقال لا».

و رواية هارون بن خارجة «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني أخالط المجوس و آكل من طعامهم فقال لا».

و رواية سماعة «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه؟ قال الحبوب».

و منها-

صحيحة علي بن جعفر «4» «انه سأل أخاه موسى (عليه السلام) عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام؟ فقال إذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل. و سألته عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا إلا ان يضطر إليه».

أقول: الظاهر ان المعنى في صدر هذا الخبر انه سأله عن النصراني و المسلم يجتمعان في الحمام لأجل الغسل- و المراد بالحمام ماؤه الذي في حياضه الصغار التي هي أقل من كر- فقال (عليه السلام) ان علم انه نصراني و قد وضع يده فيه أو يريد ذلك اغتسل بغير ذلك الماء من الحمام أو غيره إلا ان يكون بعد اغتسال النصراني و يريد الاغتسال وحده فإنه يغسل الحوض لنجاسته بملاقاة النصراني له و أخذه الماء منه ثم يجري عليه الماء من المادة، و هو يشعر بعدم اتصال المادة حال اغتسال النصراني منه.

و اما ما ذكره في آخر الخبر من قوله: «إلا ان يضطر اليه» فالظاهر حمل الاضطرار على ما توجبه التقية.

قال في العالم بعد ذكر الرواية المذكورة: و المعنى في صدر هذه الرواية لا يخلو‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

167
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلون بنجاسته ؛ ج 5، ص : 164

من خفاء و كأن المراد به ان اجتماع المسلم و النصراني حال الاغتسال موجب لاصابة ما يتقاطر من بدن النصراني لبدن المسلم فينجسه. و لازم ذلك عدم صحة الغسل بماء الحمام حينئذ و تعين الاغتسال بغيره، و اما إذا اغتسلا منفردين فليس بذلك بأس و لكن مع تقدم مباشرة النصراني للحوض يغسل المسلم الحوض من اثر تلك المباشرة ثم يغتسل منه، و بهذا يظهر ان الحكم مفروض في حوض لا يبلغ حد الكثير و تكون المادة فيه منقطعة حال مباشرة النصراني له و يكون للمسلم سبيل إلى إجرائها ليتصور إمكان غسل الحوض كما لا يخفى، و لانه مع كثرة الماء و اتصال المادة به لا وجه للحكم بالتنجيس اللهم إلا ان يراد نجاسة ظاهر الحوض بما يتقاطر من بدن النصراني، و على كل حال لا بد أن يراد من الاغتسال ما يكون بالأخذ من الحوض و إلا فمع كونه بالنزول الى الماء لا سبيل إلى النجاسة مع الكثرة أو اتصال المادة و لا معنى لغسل الحوض مع القلة، و قوله في الرواية:

«يغتسل على الحوض» مشعر بذلك ايضا و إلا لأتى ب‍ «في» بدل «على» و اما استثناء حال الاضطرار في الحكم بالمنع من الوضوء مما يدخل اليهودي و النصراني يده فيه كما وقع في عجز الرواية فربما كان فيه دلالة على الطهارة و ان المنع محمول على الاستحباب فلا يتم الاحتجاج به على النجاسة، و قد أشار الى ذلك في المعتبر على طريق السؤال عن وجه الاحتجاج به و أجاب بأنه لعل المراد بالوضوء التحسين لا رفع الحدث، قال و يلزم من المنع منه للتحسين المنع من رفع الحدث بل اولى. و لا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف. و يمكن ان يقال ان استثناء حال الضرورة إشارة إلى تسويغ استعماله في غير الطهارة عند الاضطرار. انتهى كلامه. و في بعض مواضعه نظر يعلم مما قدمناه.

هذا ما حضرني من الأخبار الدالة على القول بالنجاسة و ربما وقف المتتبع على ما يزيد على ذلك أيضا.

168
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الكتابي ؛ ج 5، ص : 169

[أدلة القائلين بطهارة الكتابي]

و اما ما استدل به على القول بالطهارة فوجوه: (الأول)- أصالة الطهارة حتى يقوم دليل النجاسة.

(الثاني)- قوله عز و جل. «. وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ «1»

فإنه شامل لما باشروه و غيره، و تخصيصها بالحبوب و نحوها مخالف للظاهر لاندراجها في الطيبات، و لان ما بعدها: «وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ» شامل للجميع قطعا، و لانتفاء الفائدة في تخصيص أهل الكتاب بالذكر فإن سائر الكفار كذلك.

(الثالث)- الاخبار، و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن العيص بن القاسم «2» «انه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن مؤاكلة اليهودي و النصراني؟

فقال لا بأس إذا كان من طعامك. و سألته عن مؤاكلة المجوسي؟ فقال إذا توضأ فلا بأس».

و هذه الرواية قد تقدمت في كلام المحقق مستشهدا بها لما ذكره الشيخ (قدس سره) في النهاية.

و في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود «3» قال: «قلت للرضا (عليه السلام) الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم أنها نصرانية لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة؟ قال لا بأس تغسل يديها».

و صحيحة إبراهيم بن ابي محمود ايضا «4» قال: «قلت للرضا (عليه السلام) الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانيا و أنت تعلم انه يبول و لا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال لا بأس».

و صحيحة إسماعيل بن جابر «5» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام)

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 7.

(2) رواه في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوافي في باب (التطهير من مس الحيوانات) من أبواب الطهارة من الخبث.

(5) المروية في الوسائل في الباب 54 من الأطعمة المحرمة.

169
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الكتابي ؛ ج 5، ص : 169

ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال لا تأكله، ثم سكت هنيئة ثم قال لا تأكله، ثم سكت هنيئة ثم قال لا تأكله و لا تتركه تقول انه حرام و لكن تتركه تنزها عنه، ان في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير».

قال شيخنا الشهيد الثاني على ما نقله عنه ولده في المعالم:

تعليل النهي في هذه الرواية بمباشرتهم النجاسات يدل على عدم نجاسة ذواتهم إذ لو كانت نجسة لم يحسن التعليل بالنجاسة العرضية التي قد تتفق و قد لا تتفق.

و حسنة الكاهلي «1» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) و انا عنده عن قوم مسلمين حضرهم رجل مجوسي أ يدعونه الى طعامهم؟ قال اما انا فلا ادعوه و لا أؤاكله و اني لأكره ان أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم».

و رواية زكريا بن إبراهيم «2» قال: «دخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) فقلت اني رجل من أهل الكتاب و اني أسلمت و بقي أهلي كلهم على النصرانية و انا معهم في بيت واحد لم أفارقهم فآكل من طعامهم؟ فقال لي يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت لا و لكنهم يشربون الخمر، فقال لي كل معهم و اشرب».

و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «3» «و قد سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا إلا ان يضطر اليه».

و قد تقدمت في أدلة القول بالتنجيس و تقدم الجواب عنها.

و رواية عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «4» قال «سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على انه يهودي؟ فقال نعم. قلت من ذلك الماء الذي يشرب منه؟ قال نعم».

أقول: اما الاستدلال بالأصل كما ذكروه فيجب الخروج عنه بالدليل و هو‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 53 من الأطعمة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 3 من أبواب الأسآر.

170
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

أدلة القائلين بطهارة الكتابي ؛ ج 5، ص : 169

ما قدمناه من الآية و الروايات.

و اما الاستدلال بالآية فإن الظاهر من الأخبار المؤيدة بكلام جملة من أفاضل أهل اللغة هو تخصيص ذلك بالحنطة و غيرها من الحبوب اما حقيقة أو تغليبا بحيث غلب استعماله فيها. فأما الأخبار. فمنها-

صحيحة هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) «1» «في قول الله عز و جل وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ؟ قال العدس و الحمص و غير ذلك».

أقول: قوله و غير ذلك يعني من الحبوب كما يدل عليه الخبر الآتي، و منها‌

صحيحة قتيبة «2» قال: «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له الرجل:

وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ؟ فقال كان ابي يقول انما هي الحبوب و أشباهها».

و موثقة سماعة «3» و فيها «العدس و غير ذلك»،.

و موثقة أخرى له ايضا «4» قال: «سألته عن طعام أهل الذمة ما يحل منه؟ قال الحبوب».

و في رواية أبي الجارود عن الباقر (عليه السلام) «5» «الحبوب و البقول».

و بذلك يعلم ان ما ذكره بعض أفاضل متأخري المتأخرين من الإشكال في حمل الطعام في الآية على الحبوب كما نقله في المعالم لا يلتفت اليه بعد ورود الأخبار بتفسير الآية بذلك كما سمعت، مع اعتضادها بكلام جملة من أفاضل أهل اللغة، فمن ذلك ما نقل عن صاحب مجمل اللغة انه قال بعض أهل اللغة ان الطعام البر خاصة، و ذكر‌

حديث ابي سعيد «6» «كنا نخرج صدقة الفطرة على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) صاعا من طعام أو صاعا من كذا.».

و قال صاحب الصحاح ربما خص اسم الطعام بالبر. و قال في المغرب: الطعام اسم لما يؤكل و قد غلب على البر و منه حديث ابى سعيد. و نقل ابن الأثير في النهاية عن الخليل ان الغالب في كلام العرب ان الطعام هو البر خاصة. و قال الفيومي في المصباح المنير: و إذا أطلق أهل الحجاز لفظ الطعام عنوا به البر خاصة، و في العرف الطعام اسم لما يؤكل مثل الشراب اسم لما يشرب.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.

(4) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.

(5) المروية في الوسائل في الباب 51 من الأطعمة المحرمة.

(6) تيسير الوصول ج 2 ص 130 «و اللفظ كنا نخرج زكاة الفطرة.».

171
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الطائفتين من الأخبار ؛ ج 5، ص : 172

و قال في شمس العلوم بعد ان ذكر ان الطعام الزاد المأكول: و قال بعضهم الطعام البر خاصة و احتج بحديث ابي سعيد‌

«كنا نخرج صدقة الفطرة على عهد النبي (صلى الله عليه و آله) صاعا من طعام أو صاعا من شعير.»

انتهى. فهذه جملة من كلمات أهل اللغة متطابقة الدلالة على ما دلت عليه الأخبار المذكورة.

[علاج التعارض بين الطائفتين من الأخبار]

بقي الكلام هنا في الأخبار و معارضتها بالأخبار المتقدمة، و الحق عندي هو الترجيح لاخبار النجاسة و ذلك من وجوه:

(الأول)- اعتضادها بظاهر القرآن بالتقريب الذي قدمنا بيانه في معنى الآية و هي قوله سبحانه: «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.» و قد عرفت الجواب عما أوردوه على الاستدلال بالآية المذكورة، و هذا أحد وجوه الترجيحات المروية عن أهل العصمة (عليهم السلام) في مقام تعارض الأخبار في الأحكام الشرعية.

(الثاني)- كون أخبار الطهارة موافقة لمذهب العامة بلا خلاف و لا اشكال كما صرح به جملة من الأصحاب حتى ان المرتضى- كما قدمنا ذكره- جعل القول بالنجاسة هنا من متفردات الإمامية، و مما يشير إلى التقية قوله (عليه السلام) في حسنة الكاهلي المسوقة في جملة أدلة القول بالطهارة: «اما انا فلا ادعوه و لا أؤاكله و اني لأكره ان أحرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم» فان مرمى هذه العبارة ان ذلك حرام شرعا و لكنه يكره ان يأمرهم به لما يخاف عليهم من لحوق الضرر بهم في ذلك، و إلا فلو كان حلالا شرعا فإنه لا معنى لاختصاص ذلك بهم (عليهم السلام) و هذا أيضا أحد وجوه الترجيحات المنصوصة من عرض الاخبار في مقام الاختلاف على مذهب العامة و الأخذ بخلافهم.

(الثالث)- اعتضاد أخبار النجاسة باتفاق الأصحاب إلا الشاذ النادر الذي لا يعبأ بمخالفته، قال في المعالم: ثم ان مصير جمهور الأصحاب (رضوان الله عليهم) الى القول بالتنجيس مقتض للاستيحاش في الذهاب الى خلافه بل قد ذكرنا ان جماعة‌

172
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

علاج التعارض بين الطائفتين من الأخبار ؛ ج 5، ص : 172

ادعوا الإجماع على عموم الحكم بالتنجيس لجميع الأصناف، و كلام العلامة في المنتهى ظاهر فيه، و كأنهم لم يعتبروا الخلاف المحكي في ذلك، اما من جهة المفيد فلانه موافق في أحد قوليه و لعلهم اطلعوا على انه المتأخر، و اما ابن الجنيد فلأن المشهور عنه العمل بالقياس فلا التفات الى خلافه. انتهى. و قال في الذخيرة: و التحقيق انه لولا الشهرة العظيمة بين العلماء و ادعاء جماعة منهم الإجماع على نجاسة أهل الكتاب لكان القول بالطهارة متجها لصراحة الأخبار الدالة على الطهارة على كثرتها في المطلوب و بعد حمل الكلام على التقية و قرب التأويل في اخبار النجاسة بحملها على الاستحباب و الكراهة فإنه حمل قريب. انتهى. أقول: اما ما ذكره من التأييد بالشهرة العظيمة فجيد كما ذكرنا و مؤيد لما اخترناه. و اما ما ذكره- من اتجاه القول بالطهارة لولا ما ذكره لبعد الحمل على التقية و قرب التأويل في اخبار النجاسة بحملها على الاستحباب و الكراهة- فهو و ان سبقه اليه السيد في المدارك إلا انه اجتهاد محض في مقابلة النصوص و جرأة تامة على أهل الخصوص، لما عرفت من انهم (عليهم السلام) قد قرروا قواعد لاختلاف الاخبار و مهدوا ضوابط في هذا المضمار و من جملتها العرض على مذهب العامة و الأخذ بخلافه، و العامة هنا كما عرفت متفقون على القول بالطهارة أو هو مذهب المعظم منهم «1» بحيث لا يعتد بخلاف غيرهم فيه، و الأخبار المذكورة مختلفة باعترافهم، فعدولهم عما مهده أئمتهم الى ما أحدثوه بعقولهم و اتخذوه قاعدة كلية في جميع أبواب الفقه بآرائهم من غير دليل عليه من سنة و لا كتاب جرأة واضحة لذوي الألباب، و ليت شعري لمن وضع الأئمة (عليهم السلام) هذه القواعد المستفيضة في غير خبر من أخبارهم إذا كانوا في جميع أبواب الفقه انما عكفوا في الجمع بين الأخبار في مقام الاختلاف على هذه القاعدة و الغوا العرض على الكتاب العزيز و العرض على مذهب العامة كما عرفت هنا؟ و هل وضعت لغير هذه الشريعة أو ان المخاطب بها غير العلماء الشيعة؟ ما هذا إلا عجب‌

______________________________
(1) راجع التعليقة 1 ص 146.

173
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرع هل يعم الحكم بنجاسة الكافر ما لا تحله الحياة منه؟ ؛ ج 5، ص : 174

عجاب من هؤلاء الفضلاء الأطياب.

فرع [هل يعم الحكم بنجاسة الكافر ما لا تحله الحياة منه؟]

الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في عموم النجاسة من الكافر لما تحله الحياة منه و ما لا تحله الحياة إلا ما يأتي من كلام المرتضى (رضي الله عنه) في الفصل الثامن و التاسع من حكمه بطهارة ما لا تحله الحياة من نجس العين.

و ظاهر صاحب المعالم المناقشة في هذا المقام و الميل إلى الطهارة حيث قال: نص جمع من الأصحاب على عدم الفرق في نجاسة الكافر بين ما تحله الحياة و ما لا تحله الحياة، و ظاهر كلام العلامة في المختلف عدم العلم بمخالف في ذلك سوى المرتضى فإنه حكم بطهارة ما لا تحله الحياة من نجس العين، و قد مرت حكاية خلافه آنفا و بينا ان الحجة المحكية عنه في ذلك ضعيفة، و لكن الدليل المذكور هناك للحكم بالتسوية بين جميع الاجزاء لا يأتي هنا لخلو الأخبار عن تعليق الحكم بالتنجيس على الاسم كما وقع هناك، و قد نبهنا على ما في التمسك بالآيتين من الاشكال فلا يتم التعلق بهما في هذا الحكم، حيث وقع التعليق فيهما بالاسم، و حينئذ يكون حكم ما لا تحله الحياة من الكافر خاليا من الدليل، فيتجه التمسك فيه بالأصل الى ان يثبت المخرج عنه. انتهى.

أقول: فيه (أولا)- ان الأخبار التي قدمناها دالة على نجاسة اليهود و النصارى قد علق الحكم فيها على عنوان اليهودي و النصراني الذي هو عبارة عن الشخص أو الرجل المنسوب الى هاتين الذمتين، و لا ريب ان الشخص و الرجل عبارة عن هذا المجموع الذي حصل به الشخص في الوجود الخارجي، و لا ريب في صدق هذا العنوان على جميع اجزاء البدن و جملته كصدق الكلب على اجزائه، و متى ثبت الحكم بالعموم في أهل الكتاب ثبت في غيرهم ممن يوافق على نجاستهم بطريق اولى.

و (ثانيا)- انه‌

قد روى الكليني في الحسن عن الوشاء عمن ذكره عن الصادق

174
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

(عليه السلام) «1» «انه كره سؤر ولد الزنا و اليهودي و النصراني و المشرك و كل من خالف الإسلام. و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب».

و لا اشكال و لا خلاف في ان المراد بالكراهة هنا التحريم و النجاسة، و قد وقع ذلك معلقا على هذه العناوين المذكورة و منها المشرك و من خالف الإسلام. و كل من هذه العنوانات أوصاف لموصوفات محذوفة قد شاع التعبير بها عنها من لفظ الرجل أو الشخص أو الذات أو نحو ذلك، و لا ريب في صدق هذه الموصوفات على جملة البدن و جميع اجزائه كصدق الكلب على جملته كما اعترف به فكما ان الكلب اسم لهذه الجملة فالرجل ايضا كذلك و نحوه الشخص.

و (ثالثا)- انا قد أوضحنا سابقا دلالة إحدى الآيتين المشار إليهما في كلامه على النجاسة في المقام و بينا ضعف ما أورد عليها من الإلزام و به يتم المطلوب و المرام. و الله العالم.

و تمام تحقيق القول في هذا الفصل يتوقف على رسم مسائل‌

[المسألة] (الأولى) [حكم المخالفين]

المشهور بين متأخري الأصحاب هو الحكم بإسلام المخالفين و طهارتهم، و خصوا الكفر و النجاسة بالناصب كما أشرنا إليه في صدر الفصل و هو عندهم من أظهر عداوة أهل البيت (عليهم السلام) و المشهور في كلام أصحابنا المتقدمين هو الحكم بكفرهم و نصبهم و نجاستهم و هو المؤيد بالروايات الإمامية، قال الشيخ ابن نوبخت (قدس سره) و هو من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت: دافعو النص كفرة عند جمهور أصحابنا و من أصحابنا من يفسقهم. إلخ. و قال العلامة في شرحه اما دافعو النص على أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم لان النص معلوم بالتواتر من دين محمد (صلى الله عليه و آله) فيكون ضروريا اي معلوما من دينه ضرورة فجاحده يكون كافرا كمن يجحد وجوب الصلاة و صوم شهر رمضان. و اختار ذلك في المنتهى فقال في كتاب الزكاة في بيان اشتراط وصف المستحق بالايمان ما صورته: لأن الإمامة‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من الأسآر.

175
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

من أركان الدين و أصوله و قد علم ثبوتها من النبي (صلى الله عليه و آله) ضرورة و الجاحد لها لا يكون مصدقا للرسول في جميع ما جاء به فيكون كافرا. انتهى. و قال المفيد في المقنعة: و لا يجوز لأحد من أهل الايمان ان يغسل مخالفا للحق في الولاية و لا يصلي عليه.

و نحوه قال ابن البراج. و قال الشيخ في التهذيب بعد نقل عبارة المقنعة: الوجه فيه ان المخالف لأهل الحق كافر فيجب ان يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل.

و قال ابن إدريس في السرائر بعد ان اختار مذهب المفيد في عدم جواز الصلاة على المخالف ما لفظه: و هو أظهر و يعضده القرآن و هو قوله تعالى: «وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً «1» يعني الكفار، و المخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا.

و مذهب المرتضى في ذلك مشهور في كتب الأصحاب إلا انه لا يحضرني الآن شي‌ء من كلامه في الباب. و قال الفاضل المولى محمد صالح المازندراني في شرح أصول الكافي:

و من أنكرها- يعني الولاية- فهو كافر حيث أنكر أعظم ما جاء به الرسول و أصلا من أصوله. و قال الشريف القاضي نور الله في كتاب إحقاق الحق: من المعلوم ان الشهادتين بمجردهما غير كافيتين إلا مع الالتزام بجميع ما جاء به النبي (صلى الله عليه و آله) من أحوال المعاد و الإمامة كما يدل عليه ما اشتهر من‌

قوله (صلى الله عليه و آله) «2» «من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية».

و لا شك ان المنكر لشي‌ء من ذلك ليس بمؤمن و لا مسلم لأن الغلاة و الخوارج و ان كانوا من فرق المسلمين نظرا إلى الإقرار بالشهادتين إلا انهما من الكافرين نظرا الى جحودهما ما علم من الدين و ليكن منه بل من أعظم أصوله إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام). و ممن صرح بهذه المقالة أيضا‌

______________________________
(1) سورة التوبة، الآية 85.

(2) رواه الكليني في أصول الكافي ج 1 ص 376 الطبع الحديث بطرق متعددة عن الصادق (ع) عن رسول الله (ص) و اللفظ في بعضها

«من مات و ليس عليه امام.».

و في آخر

«من مات و ليس له امام.».

و في ثالث

«من مات لا يعرف امامه.».

176
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

الفاضل المولى المحقق أبو الحسن الشريف ابن الشيخ محمد طاهر المجاور بالنجف الأشرف حيا و ميتا في شرحه على الكفاية حيث قال في جملة كلام في المقام في الاعتراض على صاحب الكتاب حيث انه من المبالغين في القول بإسلام المخالفين: و ليت شعري أي فرق بين من كفر بالله تعالى و رسوله و من كفر بالأئمة (عليهم السلام) مع ان كل ذلك من أصول الدين؟ الى ان قال: و لعل الشبهة عندهم زعمهم كون المخالف مسلما حقيقة و هو توهم فاسد مخالف للاخبار المتواترة، و الحق ما قاله علم الهدى من كونهم كفارا مخلدين في النار، ثم نقل بعض الأخبار في ذلك و قال و الاخبار في ذلك أكثر من ان تحصى و ليس هنا موضع ذكرها و قد تعدت عن حد التواتر. و عندي ان كفر هؤلاء من أوضح الواضحات في مذهب أهل البيت (عليهم السلام) انتهى.

هذا، و المفهوم من الأخبار المستفيضة هو كفر المخالف الغير المستضعف و نصبه و نجاسته، و ممن صرح بالنصب و النجاسة أيضا جمع من أصحابنا المتأخرين: منهم- شيخنا الشهيد الثاني في بحث السؤر من الروض حيث قال بعد ذكر المصنف نجاسة سؤر الكافر و الناصب ما لفظه: و المراد به من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) أو لأحدهم و أظهر البغضاء لهم صريحا أو لزوما ككراهة ذكرهم و نشر فضائلهم و الاعراض عن مناقبهم من حيث انها مناقبهم و العداوة لمحبيهم بسبب محبتهم،

و روى الصدوق ابن بابويه عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول انا أبغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا».

و في بعض الأخبار «2» «ان كل من قدم الجبت و الطاغوت فهو ناصب».

و اختاره بعض الأصحاب إذ لا عداوة أعظم من تقديم المنحط عن مراتب الكمال و تفضيل المنخرط في سلك الأغبياء و الجهال‌

______________________________
(1) عقاب الأعمال ص 4 و في البحار عنه ج 3 من المجلد 15 ص 13.

(2) رواه في البحار عن مستطرفات السرائر ج 3 من المجلد 15 ص 14 و سيأتي ص 185.

177
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

على من تسنم أوج الجلال حتى شك في انه الله المتعال. انتهى. و نحوه في شرحه على الرسالة الألفية. و ممن صرح بالنصب جماعة من متأخري المتأخرين: منهم- السيد نعمة الله الجزائري في كتاب الأنوار النعمانية حيث قال: و اما الناصبي و أحواله و أحكامه فإنما يتم ببيان أمرين: (الأول)- في بيان معنى الناصب الذي وردت الروايات انه نجس و انه شر من اليهودي و النصراني و المجوسي و انه كافر بإجماع الإمامية، و الذي ذهب إليه أكثر الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان المراد به من نصب العداوة لآل محمد (صلى الله عليه و آله) و تظاهر ببغضهم كما هو الموجود في الخوارج و بعض ما وراء النهر، و رتبوا الأحكام في باب الطهارة و النجاسة و الكفر و الايمان و جواز النكاح و عدمه على الناصبي بهذا المعنى، و قد تفطن شيخنا الشهيد الثاني من الاطلاع على غرائب الأخبار فذهب الى ان الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت (عليهم السلام) و تظاهر في القدح فيهم كما هو حال أكثر المخالفين لنا في هذه الأعصار في كل الأمصار. إلى آخر كلامه زيد في مقامه. و هو الحق المدلول عليه بأخبار العترة الاطهار كما ستأتيك ان شاء الله تعالى ساطعة الأنوار.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان من جملة من صرح بطهارة المخالفين- بل ربما كان هو الأصل في الخلاف في هذه المسألة في القول بإسلامهم و ما يترتب عليه- المحقق في المعتبر حيث قال: أسآر المسلمين طاهرة و ان اختلفت آراؤهم عدا الخوارج و الغلاة، و قال الشيخ في المبسوط بنجاسة المجبرة و المجسمة، و صرح بعض المتأخرين بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف، لنا- ان النبي (صلى الله عليه و آله) لم يكن يجتنب سؤر أحدهم و كان يشرب من المواضع التي تشرب منها عائشة و بعده لم يجتنب علي (عليه السلام) سؤر أحد من الصحابة مع مباينتهم له، و لا يقال ان ذلك كان تقية لأنه لا يصار إليها إلا مع الدلالة،

و عنه (عليه السلام) «1» «انه سئل أ يتوضأ من فضل جماعة المسلمين أحب إليك

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من الماء المضاف.

178
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال بل من فضل وضوء جماعة المسلمين فإن أحب دينكم الى الله تعالى الحنيفية السمحة» ذكره أبو جعفر بن بابويه في كتابه.

و عن العيص ابن القاسم عن الصادق (عليه السلام) «1» «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يغتسل هو و عائشة من إناء واحد».

و لأن النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة، اما الخوارج فيقدحون في علي (عليه السلام) و قد علم من الدين تحريم ذلك، فهم بهذا الاعتبار داخلون في الكفر لخروجهم عن الإجماع و هم المعنيون بالنصاب. انتهى كلامه زيد مقامه و قال في الذخيرة بعد نقل ملخصه انه يمكن النظر في بعض تلك الوجوه لكنها بمجموعها توجب الظن القوى بالمطلوب.

أقول: و عندي فيه نظر من وجوه: (الأول)- انه لا يخفى انه انما المراد بالمخالف له في هذه المسألة الذي أشار إليه بقوله: «و صرح بعض المتأخرين» ابن إدريس، و لا ريب ان مراد ابن إدريس بالحق الذي صرح بنجاسة من لم يعتقده انما هو الولاية كما سيأتيك بيانه ان شاء الله تعالى في الأخبار فإنها معيار الكفر و الايمان في هذا المضمار، و يؤيد ذلك استثناء المستضعف كما سيأتيك التصريح به في الأخبار ايضا، و لا ريب ايضا ان الولاية إنما نزلت في آخر عمره (صلى الله عليه و آله) في غدير خم و المخالفة فيها المستلزمة لكفر المخالف انما وقع بعد موته (صلى الله عليه و آله) فلا يتوجه الإيراد بحديث عائشة و الغسل معها من إناء واحد و مساورتها كما لا يخفى، و ذلك لأنها في حياته (صلى الله عليه و آله) على ظاهر الايمان و ان ارتدت بعد موته كما ارتد ذلك الجم الغفير المجزوم بإيمانهم في حياته (صلى الله عليه و آله) و مع تسليم كونها في حياته من المنافقين فالفرق ظاهر بين حالي وجوده (صلى الله عليه و آله) و موته حيث ان جملة المنافقين كانوا في وقت حياته على ظاهر الإسلام منقادين لأوامره و نواهيه و لم يحدث منهم ما يوجب الارتداد، و اما بعد موته فحيث ابدوا تلك الضغائن البدرية و أظهروا‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من الأسآر.

179
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

الأحقاد الجاهلية و نقضوا تلك البيعة الغديرية التي هي في ضرورتها أظهر من الشمس المضيئة فقد كشفوا ما كان مستورا من الداء الدفين و ارتدوا جهارا غير منكرين و لا مستخفين كما استفاضت به أخبار الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فشتان ما بين الحالتين و ما أبعد ما بين الوقتين، فأي عاقل يزعم ان أولئك الكفرة اللئام قد بقوا على ظاهر الإسلام حتى يستدل بهم في هذا المقام و الحال انه‌

قد ورد عنهم عليهم الصلاة و السلام «1» «ثلاثة لٰا يُكَلِّمُهُمُ اللّٰهُ تعالى يَوْمَ الْقِيٰامَةِ وَ لٰا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ:

من ادعى امامة من الله ليست له و من جحد اماما من الله و من زعم ان لهما في الإسلام نصيبا»؟.

نعوذ بالله من زلات الافهام و طغيان الأقلام.

(الثاني)- ان من العجب الذي يضحك الثكلى و البين البطلان الذي أظهر من كل شي‌ء و أجلي ان يحكم بنجاسة من أنكر ضروريا من سائر ضروريات الدين و ان لم يعلم ان ذلك منه عن اعتقاد و يقين و لا يحكم بنجاسة من يسب أمير المؤمنين (عليه السلام) و أخرجه قهرا مقادا يساق بين جملة العالمين و أدار الحطب على بيته ليحرقه عليه و على من فيه و ضرب الزهراء (عليها السلام) حتى أسقطها جنينها و لطمها حتى خرت لوجهها و جبينها و خرجت لوعتها و حنينها مضافا الى غصب الخلافة الذي هو أصل هذه المصائب و بيت هذه الفجائع و النوائب، ما هذا إلا سهو زائد من هذا النحرير و غفلة واضحة عن هذا التحرير، فيا سبحان الله كأنه لم يراجع الأخبار الواردة في المقام الدالة على ارتدادهم عن الإسلام و استحقاقهم القتل منه (عليه السلام) لولا الوحدة و عدم المساعد من أولئك الأنام، و هل يجوز يا ذوي العقول و الأحلام ان يستوجبوا القتل و هم طاهر و الأجسام؟ ثم اي دليل دل على نجاسة ابن زياد و يزيد و كل من تابعهم في ذلك الفعل الشنيع الشديد؟ و اي دليل دل على نجاسة بني أمية الأرجاس و كل من حذا حذوهم من كفرة بني العباس الذين قد ابادوا الذرية العلوية و جرعوهم كؤوس الغصص‌

______________________________
(1) رواه في أصول الكافي ج 1 ص 373 الطبع الحديث.

180
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

و المنية؟ و اي حديث صرح بنجاستهم حتى يصرح بنجاسة أئمتهم، و اي ناظر و سامع خفي عليه ما بلغ بهم من أئمة الضلال حتى لا يصار اليه الا مع الدلالة؟ و لعله (قدس سره) ايضا يمنع من نجاسة يزيد و أمثاله من خنازير بني أمية و كلاب بني العباس لعدم الدليل على كون التقية هي المانعة من اجتناب أولئك الأرجاس.

(الثالث)- ان ما استند اليه من الاستدلال بحديث أفضلية الوضوء من سؤر المسلمين لا يخلو من نوع مصادرة، فان الحكم بإسلام المخالفين أول البحث و الحاكم بالنجاسة إنما حكم بذلك لثبوت الكفر و النصب المستلزمين للنجاسة، على انا لا نسلم ان المراد بالإسلام هنا المعنى الأعم كما استند اليه بل المراد انما هو المعنى المرادف للايمان كما فسره به بعض علمائنا الأعيان حيث قال: و الوجه في التعليل كون الوضوء بفضل جماعة المسلمين أسهل حصولا، الى ان قال مع ما فيه من التبرك بسؤر المؤمن و تحصيله الألفة بذلك.

(الرابع)- ان ما فسر به النواصب من انهم الخوارج خاصة مما يقضى منه العجب العجاب لخروجه عن مقتضى النصوص المستفيضة في الباب و عدم موافق له في ذلك لا قبله و لا بعده من الأصحاب.

و بالجملة فإن كلامه في هذا المقام لا اعرف له وجها وجيها من اخبارهم (عليهم السلام) بل هي في رده و بطلانه أظهر من البدر ليالي التمام.

هذا، و اما الأخبار الدالة على كفر المخالفين عدا المستضعفين فمنها‌

ما رواه في الكافي «1» بسنده عن مولانا الباقر (عليه السلام) قال: «ان الله عز و جل نصب عليا (عليه السلام) علما بينه و بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا و من جهله كان ضالا.».

و روى فيه «2» عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: «ان عليا (عليه السلام) باب من أبواب الجنة فمن دخل بابه كان مؤمنا و من خرج من بابه كان كافرا و من لم يدخل

______________________________
(1) الأصول ج 1 ص 437 الطبع الحديث.

(2) الأصول ج 2 ص 389.

181
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

فيه و لم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله عز و جل فيهم المشيئة».

و روى فيه «1» عن الصادق (عليه السلام) قال: «. من عرفنا كان مؤمنا و من أنكرنا كان كافرا و من لم يعرفنا و لم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع الى الهدي الذي افترضه الله عليه من طاعتنا الواجبة فان مات على ضلالته يفعل الله به ما يشاء».

و روى الصدوق في عقاب الأعمال «2» قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) «ان الله تعالى جعل عليا (عليه السلام) علما بينه و بين خلقه ليس بينهم و بينه علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا».

و رواه البرقي في المحاسن مثله «3».

و روى فيه ايضا عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «ان عليا (عليه السلام) باب هدى من عرفه كان مؤمنا و من خالفه كان كافرا و من أنكره دخل النار».

و روى في العلل بسنده الى الباقر (عليه السلام) قال: «ان العلم الذي وضعه رسول الله (صلى الله عليه و آله) عند علي (عليه السلام) من عرفه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا».

و روى في كتاب التوحيد و كتاب إكمال الدين و إتمام النعمة عن الصادق (عليه السلام) «5» قال: «الامام علم بين الله عز و جل و بين خلقه من عرفه كان مؤمنا و من أنكره كان كافرا».

و روى في الأمالي بسنده فيه عن النبي (صلى الله عليه و آله) «6» انه قال لحذيفة اليماني «يا حذيفة ان حجة الله عليكم بعدي علي بن ابي طالب (عليه السلام) الكفر

______________________________
(1) الأصول ج 1 ص 187 الطبع الحديث.

(2) ص 5.

(3) ص 89.

(4) المحاسن ص 89 و اللفظ: «علي باب الهدى من خالفه كان كافرا و من أنكره دخل النار».

(5) رواه في البحار ج 7 ص 27.

(6) رواه في البحار عنه ج 9 ص 283.

182
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

به كفر بالله سبحانه و الشرك به شرك بالله سبحانه و الشك فيه شك في الله سبحانه و الإلحاد فيه إلحاد في الله سبحانه و الإنكار له إنكار لله تعالى و الايمان به ايمان بالله تعالى لأنه أخو رسول الله (صلى الله عليه و آله) و وصيه و امام أمته و مولاهم. و هو حبل الله المتين و عروته الوثقى التي لَا انْفِصٰامَ لَهٰا. الحديث».

و روى في الكافي «1» بسنده الى الصحاف قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: «فَمِنْكُمْ كٰافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ» «2» فقال عرف الله تعالى ايمانهم بموالاتنا و كفرهم بها يوم أخذ عليهم الميثاق و هم ذر في صلب آدم».

و روى فيه «3» بسنده عن الصادق (عليه السلام) قال: «أهل الشام شر من أهل الروم و أهل المدينة شر من أهل مكة و أهل مكة يكفرون بالله تعالى جهرة».

و روى فيه بسنده عن أحدهما (عليهما السلام) «4» «ان أهل مكة ليكفرون بالله جهرة و أهل المدينة أخبث من أهل مكة، أخبث منهم سبعين ضعفا».

و روى فيه «5» عن ابي مسروق قال: «سألني أبو عبد الله (عليه السلام) عن أهل البصرة ما هم؟ فقلت مرجئة و قدرية و حرورية. قال لعن الله تعالى تلك الملل الكافرة المشركة التي لا تعبد الله على شي‌ء».

الى غير ذلك من الأخبار التي يضيق عن نشرها المقام و من أحب الوقوف عليها فليرجع إلى الكافي و لا سيما في تفسير الكفر في جملة من الآيات القرآنية.

و أنت خبير بان التعبير عن المخالفة في الإمامة في جملة من هذه الاخبار بالإنكار في بعض و الجحود في بعض دلالة واضحة على كفر هؤلاء المخالفين من قبيل كفر الجحود و الإنكار الموجب لخروجهم عن جادة الإسلام بكليته و اجراء حكم الكفر عليهم برمته‌

______________________________
(1) الأصول ج 1 ص 426 الطبع الحديث.

(2) سورة التغابن، الآية 2.

(3) الأصول ج 2 ص 409 الطبع الحديث.

(4) الأصول ج 2 ص 410 الطبع الحديث.

(5) الأصول ج 2 ص 409 الطبع الحديث.

183
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

و ان مخالفتهم في ذلك انما وقع عنادا و استكبارا لقيام الأدلة عليهم في ذلك و سطوع البراهين فيما هنالك لديهم، لان الجحود و الإنكار إنما يطلقان في مقام المخالفة بعد ظهور البرهان كما صرح به علماء اللغة الذين إليهم المرجع في هذا الشأن. و بذلك يظهر ما في جواب شيخنا المحدث الصالح الشيخ عبد الله بن صالح البحراني حيث انه ممن تبع المشهور بين المتأخرين في الحكم بإسلام المخالفين، فإنه أجاب عن إطلاق الكفر عليهم في الاخبار بالحمل على الكفر الحقيقي و ان كانوا مسلمين ظاهرا فهم مسلمون ظاهرا فتجري عليهم أحكام الإسلام من الطهارة و جواز المناكحة و حقن المال و الدم و الموارثة و نحو ذلك و كفار حقيقة و واقعا فيخلدون في النار يوم القيامة، ثم احتمل حمل كفرهم على أحد معاني الكفر و هو كفر الترك فكفرهم بمعنى ترك ما أمر الله تعالى به‌

كما ورد «ان تارك الصلاة كافر» «1».

و «تارك الزكاة كافر» «2».

و «تارك الحج كافر» «3».

و «مرتكب الكبائر كافر» «4».

و فيه ان ما ذكره من الكفر بالمعنى الأول من انهم مسلمون ظاهرا و كفار حقيقة بمعنى اجتماع الكفر و الإسلام بهذين المعنيين لم يقم عليه دليل في غير المنافقين في وقته (صلى الله عليه و آله) و إنكاره بمجرد دعوى الإسلام لأولئك المخالفين أول البحث، و من المعلوم ان المتبادر من إطلاق الكفر حيث يذكر انما هو ما يكون مباينا للإسلام و مضادا له في الأحكام إذ هو المعنى الحقيقي للفظ، و هكذا كل لفظ أطلق فإنما يحمل على معناه الحقيقي إلا ان يصرف عنه صارف و لا صارف هنا إلا مجرد هذه الدعوى و هي ممنوعة بل هي أول البحث لعدم الدليل عليها بل قيام الأدلة المتعاضدة في دفعها و بطلانها كما أوضحناه في كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب و ما يترتب‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أعداد الفرائض و نوافلها.

(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من ما يجب فيه الزكاة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب وجوب الحج.

(4) رواه في الوسائل في الباب 2 من مقدمة العبادات.

184
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

عليه من المطالب. و اما ما ذكره من الحمل على ترك ما أمر الله تعالى فإنه لا يخفى على من تأمل الأخبار التي أوردناها ان الكفر المنسوب إلى هؤلاء انما هو من حيث الإمامة و تركها و عدم القول بالإمامة. و لا يخفى ان الترك لشي‌ء من ضروريات الدين ان كان انما هو ترك استخفاف و تهاون فصاحبه لا يخرج عن الايمان كترك الصلاة و الزكاة و نحوهما و ان أطلق عليه الكفر في الاخبار كما ذكره تغليظا في المنع من ذلك، و ان كان عن جحود و إنكار فلا خلاف في كفر التارك كفرا حقيقيا دنيا و آخرة و لا يجوز إطلاق اسم الإسلام عليه بالكلية كمن ترك الصلاة و نحوها كذلك، و الأخبار المتقدمة كما عرفت قد صرحت بكون كفر هؤلاء انما هو من حيث جحود الإمامة و إنكارها لا ان ذلك استخفاف و تهاون مع اعتقاد ثبوتها و حقيتها كالصلاة و نحوها فإنه لا معنى له بالنسبة إلى الإمامة كما لا يخفى، و حينئذ فليختر هذا القائل اما ان يقول بكون الترك هنا ترك جحود و إنكار فيسقط البحث و يتم ما ادعيناه و اما ان يقول ترك استخفاف و تهاون فمع الإغماض عن كونه لا معنى له فالواجب عليه القول بإيمان المخالفين لان الترك كذلك لا يوجب الخروج عن الايمان كما عرفت و لا أراه يلتزمه.

و اما ما يدل على نصبهم فمنه ما تقدم نقله في كلام شيخنا الشهيد الثاني من حديث عبد الله بن سنان «1» و نحوه ايضا‌

ما رواه الصدوق في معاني الأخبار «2» بسند معتبر عن معلى بن خنيس قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت لأنك لا تجد أحدا يقول انا أبغض آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و تتبرؤون من أعدائنا».

و روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر مما استطرفه من كتاب مسائل الرجال و مكاتباتهم لمولانا ابي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى «3» قال: «كتبت اليه

______________________________
(1) ص 177.

(2) ص 104.

(3) رواه عنه في البحار ج 3 من المجلد 15 ص 14 و في الوافي ج 2 ص 56.

185
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) حكم المخالفين ؛ ج 5، ص : 175

اسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاده بإمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان على هذا فهو ناصب».

و المستفاد من هذه الأخبار ان مظهر النصب المترتب عليه الأحكام و الدليل عليه اما تقديم الجبت و الطاغوت أو بغض الشيعة من حيث التشيع فكل من اتصف بذلك فهو ناصب تجري عليه أحكام النصب، نعم يجب ان يستثني من خبر تقديم الجبت و الطاغوت المستضعف كما عرفت من الاخبار المتقدمة و غيرها ايضا فيختص الحكم بما عداه، و عموم ذلك لجميع المخالفين بعد إخراج هذا الفرد مما لا يعتريه الريب و الشك بالنظر الى الاخبار المذكورة كما عليه أكثر أصحابنا المتقدمين الحاكمين بالكفر و كثير من متأخري المتأخرين كما قدمنا نقل كلام بعضهم.

و اما ما أجاب به الشيخ المحدث الصالح المتقدم ذكره- من ان الناصب يطلق على معان: (أحدها)- من نصب العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) و على هذا يحمل ما ورد من حل مال الناصب و نحوه. و (ثانيها)- من قدم الجبت و الطاغوت كما تضمنه خبر السرائر. و (ثالثها)- من نصب للشيعة- فهو ناشى‌ء من ضيق الخناق و انا لم نجد لهذا المعنى الأول دليلا و لم نجد لهم دليلا على هذا التقسيم سوى دعواهم إسلام المخالفين فأرادوا الجمع بين الحكم بإسلامهم و بين هذه الاخبار بحمل النصب على ما ذكروه في المعنى الأول و هو أول البحث في المسألة فإن الخصم يمنع إسلامهم و يقول بكفرهم.

و بالجملة فإنه لا خلاف بيننا و بينهم في ان الناصب هو العدو لأهل البيت و النصب لغة هو العداوة و شرعا بل لغة ايضا على ما يفهم من القاموس هو العداوة لأهل البيت (عليهم السلام) انما الخلاف في ان هؤلاء المخالفين هل يدخلون تحت هذا العنوان أم لا؟ فنحن ندعى دخولهم تحته و صدقه عليهم و هم يمنعون ذلك، و دليلنا على ما ذكرنا الأخبار المذكورة الدالة على ان الأمر الذي يعرف به النصب و يوجب الحكم به على من اتصف به هو تقديم الجبت و الطاغوت أو بغض الشيعة و لا ريب في صدق ذلك على‌

186
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

ما يدل على نجاسة الناصب ؛ ج 5، ص : 187

هؤلاء المخالفين، و ليس هنا خبر يدل على تفسير الناصب بأنه المبغض لأهل البيت (عليهم السلام) كما يدعونه بل الخبران المتقدمان صريحان في انك لا تجد أحدا يقول ذلك.

و بالجملة فإنه لا دليل لهم و لا مستند أزيد من وقوعهم في ورطة القول بإسلامهم فتكلفوا هذه التكلفات الشاردة و التأويلات الباردة، على انا قد حققنا في الشهاب الثاقب بالأخبار الكثيرة بغض المخالفين المقدمين للجبت و الطاغوت غير المستضعفين لأهل البيت (عليهم السلام) و اليه يشير كلام شيخنا الشهيد الثاني المتقدم نقله من الروض.

و من أظهر ما يدل على ما ذكرناه‌

ما رواه جملة من المشايخ عن الصادق (عليه السلام) قال: «الناصبي شر من اليهودي. فقيل له و كيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال ان الناصبي يمنع لطف الإمامة و هو عام و اليهودي لطف النبوة و هو خاص».

فإنه لا ريب ان المراد بالناصبي هنا مطلق من أنكر الإمامة كما ينادي به قوله «يمنع لطف الإمامة» و قد جعله (عليه السلام) شرا من اليهودي الذي هو من جملة فرق الكفر الحقيقي بلا خلاف. و من أراد الإحاطة بأطراف الكلام و الوقوف على صحة ما ادعيناه من اخبار أهل البيت (عليهم السلام) فليرجع الى كتابنا المشار اليه آنفا فإنه قد أحاط بأطراف المقال و نقل الأقوال و الأدلة الواردة في هذا المجال.

[ما يدل على نجاسة الناصب]

و اما ما يدل على نجاسة الناصب الذي قد عرفت انه عبارة عن المخالف مطلقا إلا المستضعف منه فمنه-

ما رواه في الكافي بسنده عن عبد الله بن ابي يعفور عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر إلى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرهما، ان الله لم يخلق خلقا شرا من الكلب و ان الناصب أهون على الله تعالى من الكلب».

و ما رواه فيه ايضا عن خالد القلانسي «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ألقى الذمي

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب النجاسات.

187
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرعان ؛ ج 5، ص : 188

 

فيصافحني؟ قال امسحها بالتراب أو بالحائط. قلت فالناصب؟ قال اغسلها».

و عن الوشاء عن من ذكره عن الصادق (عليه السلام) «1» «انه كره سؤر ولد الزنا و سؤر اليهودي و النصراني و المشرك و كل من خالف الإسلام، و كان أشد ذلك عنده سؤر الناصب».

و رواية علي ابن الحكم عن رجل عنه (عليه السلام) «2» و فيها «لا تغتسل من ماء غسالة الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم».

و ما رواه الصدوق في العلل في الموثق عن عبد الله ابن ابي يعفور عن الصادق (عليه السلام) «3» في حديث قال فيه بعد ان ذكر اليهودي و النصراني و المجوسي قال: «و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم، ان الله لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و ان الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه».

و لجملة من أصحابنا في هذا المقام- حيث نقلوا عن ابن إدريس القول بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف و عن المرتضى (رضي الله عنه) القول بنجاسة غير المؤمن و زيفوا لهما حججا واهية- كلام واه في الجواب عن ذلك لا يستحق النظر اليه كما لا يخفى على من تأمل فيما ذكرناه و تدبر ما سطرناه فإنه هو الحجة في المقام لا ما زيفه أولئك الأعلام‌

فرعان

[الفرع] (الأول) [لو ألجأت الضرورة إلى المخالطة]

- لا يخفى انه على تقدير القول بالنجاسة كما اخترناه فلو ألجأت ضرورة التقية إلى المخالطة جازت المباشرة دفعا للضرر كما أوجبته شرعية التقية في غير مقام من الأحكام إلا انه يتقدر بقدر الضرورة فيتحرى المندوحة مهما أمكن. بقي الكلام في انه لو زالت التقية بعد المخالطة و المباشرة بالبدن و الثياب فهل يجب تطهيرها أم لا؟

إشكال ينشأ من حيث الحكم بالنجاسة و انما سوغنا مباشرتها للتقية و حيث زالت التقية فحكم النجاسة باق على حاله فيجب إزالتها إذ لا مانع من ذلك، و من حيث‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من الأسآر.

(2) المروية في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

(3) المروية في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

 

188
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الفرع(الثاني) غير الاثنى عشرية من الشيعة ؛ ج 5، ص : 189

تسويغ الشارع المباشرة و تجويزه لها أولا فما اتى به من ذلك أمر جائز شرعا و هو حكم الله تعالى في حقه في تلك الحال و عود الحكم بالنجاسة على وجه يوجب التطهير بعد ذلك يحتاج الى دليل، و بالجملة فالمسألة لا تخلو عندي من نوع توقف لعدم الدليل الظاهر في البين و الاحتياط فيها ظاهر. و الله العالم.

[الفرع] (الثاني) [غير الاثنى عشرية من الشيعة]

- ينبغي ان يعلم ان جميع من خرج عن الفرقة الاثني عشرية من افراد الشيعة كالزيدية و الواقفية و الفطحية و نحوها فان الظاهر ان حكمهم كحكم النواصب فيما ذكرنا لان من أنكر واحدا منهم (عليهم السلام) كان كمن أنكر الجميع كما وردت به اخبارهم، و مما ورد من الأخبار الدالة على ما ذكرنا‌

ما رواه الثقة الجليل أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال بإسناده عن ابن ابي عمير عن من حدثه «1» قال: «سألت محمد بن علي الرضا (عليه السلام) عن هذه الآية «وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خٰاشِعَةٌ عٰامِلَةٌ نٰاصِبَةٌ» «2» قال وردت في النصاب، و الزيدية و الواقفية من النصاب».

و ما رواه فيه بسنده الى عمر بن يزيد «3» قال: «دخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) فحدثني مليا في فضائل الشيعة ثم قال ان من الشيعة بعدنا من هم شر من النصاب. فقلت جعلت فداك أ ليس ينتحلون مودتكم و يتبرأون من عدوكم؟ قال نعم. قلت جعلت فداك بين لنا لنعرفهم فلعلنا منهم.

قال كلا يا عمر ما أنت منهم انما هم قوم يفتنون بزيد و يفتنون بموسى».

و ما رواه فيه ايضا «4» قال: «ان الزيدية و الواقفية و النصاب بمنزلة واحدة».

و روى القطب الراوندي في كتاب الخرائج و الجرائح عن احمد بن محمد بن مطهر «5» قال: «كتب بعض أصحابنا الى ابي محمد (عليه السلام) من أهل الجبل يسأله عن من وقف على ابى الحسن موسى (عليه السلام) أتولاهم أم أتبرّأ منهم؟ فكتب لا تترحم على عمك لا رحم الله عمك و تبرأ منه، انا الى الله بري‌ء منهم فلا تتولهم و لا تعد مرضاهم و لا تشهد جنائزهم وَ لٰا تُصَلِّ عَلىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مٰاتَ أَبَداً سواء، من جحد اماما من الله تعالى أو زاد اماما ليست إمامته من الله

______________________________
(1) ص 149.

(2) سورة الغاشية الآية 2 و 3.

(3) ص 286.

(4) ص 149.

(5) كشف الغمة ص 309.

189
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حكم ولد الزنا ؛ ج 5، ص : 190

أو قال ثالث ثلاثة، ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا و الزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا».

و كأن هذا السائل لم يعلم ان عمه كان منهم فأعلمه بذلك. و هي- كما ترى- ظاهرة في المراد عارية عن وصمة الإيراد، و لهذا نقل شيخنا البهائي (قدس سره) في مشرق الشمسين ان متقدمي أصحابنا كانوا يسمون تلك الفرق بالكلاب الممطورة أي الكلاب التي أصابها المطر مبالغة في نجاستهم و البعد عنهم. و الله العالم.

(المسألة الثانية) [حكم ولد الزنا]

- المشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين القول بطهارة ولد الزنا و الحكم بإسلامه و دخول الجنة، و عن ابن إدريس القول بكفره و نجاسته، و نقل العلامة في المختلف القول بالكفر عن المرتضى و ابن إدريس، و نقل جملة منهم عن الصدوق ايضا القول بالنجاسة و الكفر، قال في المختلف في باب السؤر: قال الشيخ أبو جعفر بن بابويه لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي و النصراني و ولد الزنا و المشرك و جعل ولد الزنا كالكافر، و هو المنقول عن المرتضى و ابن إدريس، و باقي علمائنا حكموا بإسلامه، و هو الحق و سيأتي بيان ذلك. و قال المحقق في المعتبر و ربما تعلل المانع- يعني من سؤر ولد الزنا- بأنه كافر و نحن نمنع ذلك و نطالبه بدليل دعواه، و لو ادعى الإجماع كما ادعاه بعض الأصحاب كانت المطالبة باقية فإنا لا نعلم ما ادعاه. قال في المعالم بعد نقل الأقوال المذكورة: إذا عرفت ذلك فاعلم ان المعتمد عندي هو القول بالطهارة لكونها مقتضى الأصل و المخرج عنه غير معلوم. و قال في الذخيرة: و يدل على الطهارة الأصل و كونه محكوما عليه بالإسلام ظاهرا و ان سؤره طاهر لما أشرنا إليه من العمومات فيلزم العموم لعدم القائل بالفصل. انتهى.

و احتج في المنتهى للقول بكفره بمرسلة الوشاء المتقدمة «1» قال: و وجهه انه لا يريد بلفظ «كره» المعنى الظاهر له و هو النهي عن الشي‌ء نهى تنزيه لقوله «و اليهودي» فان الكراهة فيه تدل على التحريم فلم يبق المراد إلا كراهة التحريم،

______________________________
(1) ص 188.

190
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حكم ولد الزنا ؛ ج 5، ص : 190

و لا يجوز ان يرادا معا و إلا لزم استعمال المشترك في كلا معنييه أو استعمال اللفظ في معنيين الحقيقة و المجاز و ذلك باطل، ثم انه أجاب عن الاحتجاج بالمنع من الحديث فإنه مرسل، سلمنا لكن قول الراوي «كره» ليس إشارة إلى النهي بل الكراهة التي في مقابلة الإرادة و قد تطلق على ما هو أعم من المحرم و المكروه، سلمنا لكن الكراهة قد تطلق على النهي المطلق فيحمل عليه. انتهى.

و قال شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان بن عبد الله البحراني في بعض تحقيقاته و قد سأل عن ولد الزنا: هل يحتمل ان يدخل الجنة مع إمكان ان يكون مؤمنا متشرعا؟ فأجاب (قدس سره) بما ملخصه ان جواز ايمانه و إمكان تدينه عقلا مما لا خلاف فيه كيف و لو لم يكن كذلك لزم التكليف بالمحال و هو باطل عقلا و نقلا، و انما الخلاف في الوقوع هل يقع منه الايمان و التدين أم يقطع بعدم وقوع ذلك؟ و المنقول عن رئيس المحدثين ابي جعفر محمد بن علي بن بابويه و المرتضى علم الهدى و ابي عبد الله ابن إدريس الحلي روح الله أرواحهم و قدس أشباحهم هو الثاني و هو انه لا يكون إلا كافرا بمعنى انه لا يختار إلا الكفر. و هم لا ينكرون انه لو فرض ايمانه و تدينه أمكن دخول الجنة بل وجب و ان كان عندهم ان هذا الفرض غير واقع لانه لا بد و ان يختار من قبل نفسه الكفر، و في ظواهر الاخبار ما يشهد بهذا القول مثل‌

قوله (عليه السلام) «1» «ولد الزنا شر الثلاثة».

و مثل‌

قوله (عليه السلام) «2» «لا يبغضك يا علي إلا ولد الزنا».

ثم نقل خبرا‌

عن الكافي «3» يتضمن قوله: «ان الله حرم الجنة على كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي بما قال و لا ما قيل له فإنك إن فتشته لم تجده إلا لغية أو شرك شيطان. فقيل يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) و في الناس شرك شيطان؟ فقال اما تقرأ قول الله عز و جل:

______________________________
(1) البحار ج 8 ص 212 و سفينة البحار ج 1 ص 560.

(2) سفينة البحار ج 1 ص 560 و 561.

(3) الأصول ج 2 ص 323 الطبع الحديث.

191
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حكم ولد الزنا ؛ ج 5، ص : 190

وَ شٰارِكْهُمْ فِي الْأَمْوٰالِ وَ الْأَوْلٰادِ» «1».

قال فان ظاهره تحريم الجنة على الصنف المذكور تحريما مؤبدا، الى ان قال: و لا يخفى انه يمكن حمل الخبر علي تحريم الجنة عليهم زمانا طويلا أو تحريم جنة خاصة معدة لغير هذا الصنف كما احتمله شيخنا البهائي في شرح الأربعين، ثم ذكر جملة من الأخبار الدالة على كون حب علي (عليه السلام) علامة على طيب الولادة و بغضه علامة على الزنا، إلى ان قال و بالجملة الأخبار المشعرة بهذا المعنى كثيرة إلا أنها قابلة للتأويل غير خالية عن قصور في سند أو دلالة و القائل بمضمونها قليل نادر، و أكثر أصحابنا على إسلامه و طهارته و إمكان تدينه و عدالته و صحة دخوله الجنة، و انا في هذه المسألة متوقف و ان كان القول الثاني لا يخلو من قوة و متانة. و هو فتوى الشيخين و الفاضلين و الشهيدين و كافة المتأخرين، و يعضده الأصل و النظر الى عموم سعة رحمة الله تعالى و تفضله بالألطاف الربانية و العنايات السبحانية على كافة البرية. انتهى ملخصا.

أقول: و نحن نبسط الكلام في الإيراد على كلام شيخنا المذكور و نبين ما فيه من القصور و به يتضح ايضا ما في القول المشهور، فنقول: لا يخفى ان شيخنا قد دخل في هذه المسألة من غير الطريق و عرج على الاستدلال فيها من واد سحيق و لم يمعن النظر فيها بعين التحقيق و لا الفكر الصائب الدقيق و لم يورد شيئا من أخبارها اللائقة بها حسبما يراد فلذا صار كلامه معرضا للإيراد، و بيان ذلك يظهر من وجوه النظر التي تتوجه على كلامه الظاهرة في تداعي ما بنى عليه و انهدامه.

فأحدها- جعله محل الخلاف في المسألة انه هل يقع من ابن الزنا الايمان و التدين أم يقطع بعدمه؟ و حمله القول بكفره على معنى انه لا يقع منه إلا الكفر و إلا فإنهم لا ينكرون انه لو فرض ايمانه و تدينه أمكن دخوله الجنة بل وجب. فإنه ليس في محله بل هؤلاء القائلون بكفره يقولون به و ان أظهر الايمان و تدين به كما هو ظاهر النقل عنهم، و به صرح جملة من أصحابنا: منهم- شيخنا خاتمة المحدثين غواص بحار الأنوار‌

______________________________
(1) سورة بني إسرائيل، الآية 64.

192
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حكم ولد الزنا ؛ ج 5، ص : 190

حيث قال فيه: و نسب الى الصدوق و المرتضى و ابن إدريس (قدس الله أسرارهم) القول بكفره و ان لم يظهره، ثم قال: و هذا مخالف لأصول العدل إذ لم يفعل باختياره ما يستحق به العقاب فيكون عقابه ظلما و جورا و ليس بظلام للعبيد. انتهى. أقول: و هذا الذي نقله عن المشايخ الثلاثة هو الذي تدل عليه الأخبار و هي التي أوجبت مصيرهم اليه كما ستمر بك ان شاء الله تعالى فإنها صريحة في حرمانه الجنة و ان أظهر التدين و الايمان، نعم ما ذكره من القول بالكفر انما هو وجه تأويل حيث حمل القائلون بإسلام ولد الزنا الأخبار الدالة على عدم دخوله الجنة على انه لكونه يظهر الكفر فجعلوه جوابا عن الاخبار المذكورة مع انها صريحة في رده ايضا كما سيظهر لك لا ان ذلك مذهب القائلين بكفره.

و ثانيها- ما نقله من الأدلة للقائلين بالكفر و قوله في آخر الكلام: و بالجملة فالأخبار المشعرة بهذا المعنى كثيرة إلا أنها قابلة للتأويل. فإنه مسلم بالنسبة إلى إخباره التي أوردها لكنها ليست هي أدلة هذا القول كما توهمه بل أدلته ما سنذكره من الروايات الصحيحة الصريحة المستفيضة الغير القابلة للتأويل، و العجب منه (قدس سره) مع سعة دائرته في الاطلاع و كونه ممن لا يجارى في سعة الباع كيف غفل عن الوقوف عليها مع كثرتها و انتشارها و تكررها و اشتهارها حتى اعتمد في الاستدلال على هذه الاخبار البعيدة عن المقام بمراحل لا تنطبق عليه إلا بمزيد تكلف كما لا يخفى على الخبير الكامل.

و ثالثها- ما ذكره من قوله: ان أكثر أصحابنا على إسلامه و طهارته و إمكان تدينه و عدالته و صحة دخوله الجنة، و ميله الى هذا القول بعد توقفه و قوله انه لا يخلو من من قوة و متانة، و من الكلام على هذا الوجه يظهر لك ما في القول المشهور ايضا من القصور فان فيه ان ما صاروا اليه هنا في هذه المواضع مخالف لجملة الأخبار الواردة عن العترة الطاهرة في جملة من موارد الأحكام:

193
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حكم ولد الزنا ؛ ج 5، ص : 190

فمنها- دعوى الطهارة مع ان ظواهر الأخبار تدل على النجاسة، و منها- ما تقدم في آخر المسألة المتقدمة و هي رواية عبد الله بن ابي يعفور «1» الدالة على النهي عن الاغتسال من البئر الذي يجتمع فيه غسالة الحمام فان فيه غسالة ولد الزنا مع اشتمالها على المبالغة في نجاسته بأنه لا يطهر إلى سبعة آباء، و مرسلة الوشاء «2» و ان تمحل في المنتهى لتأويلها بما قدمنا ذكره إلا انه انما يصار اليه مع تسليم صحته مع وجود المعارض،

و رواية حمزة بن احمد عن ابي الحسن الأول (عليه السلام) «3» في حديث قال فيه: «و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت و هو شرهم».

و ليس في الأخبار ما يعارض هذه الاخبار سوى مجرد دعواهم الإسلام و سيظهر لك ما فيه في المقام، و رواية علي بن الحكم، فهذه جملة من الأخبار ظاهرة في نجاسته مع تأيدها بما يأتي من الأخبار في تلك الأحكام.

و منها- دعوى العدالة و لا يخفى ان المواضع التي يشترط فيها العدالة هي الإمامة في الصلاة و قد اتفقت كلمة الأصحاب و الاخبار على اشتراط طهارة المولد فيها و انها لا تنعقد بابن الزنا و ان تدين بالإسلام و كان منه في أعلى مقام، و الشهادة و قد استفاضت الأخبار بأنه لا تقبل شهادته، و القضاء و قد اتفقت كلمة الأصحاب على انه لا يجوز له تولي القضاء، و حينئذ فأي ثمرة لهذه العدالة التي ادعاها في المقام؟ و الاخبار الواردة في هذه المواضع التي أشرنا إليها معلومة لمن وقف على الأخبار و من لم يقف فليراجع، فلا ضرورة إلى التطويل بنقلها و كذا نقل كلام الأصحاب في هذه الأبواب.

و مما يؤيد الحكم بكفره ما ورد في ديته و انها كدية اليهود و النصارى ثمانمائة درهم كما ورد في رواية عبد الرحمن بن عبد الحميد «4» و مرسلة جعفر بن بشير «5» و رواية إبراهيم بن عبد الحميد «6»

و في رواية عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) «7»

______________________________
(1) ص 187 و 188.

(2) ص 187 و 188.

(3) المروية في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

(4) المروية في الوسائل في الباب 15 من ديات النفس.

(5) المروية في الوسائل في الباب 15 من ديات النفس.

(6) المروية في الوسائل في الباب 15 من ديات النفس.

(7) المروية في الوسائل في الباب 15 من ديات النفس.

194
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حكم ولد الزنا ؛ ج 5، ص : 190

قال: «سألته كم دية ولد الزنا؟ قال يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق عليه».

و قد حكم بمضمون هذه الاخبار الصدوق و المرتضى و ابن إدريس بناء على مذهبهم في المسألة، و المشهور بناء على الحكم بإسلامه ان ديته دية المسلم مع انه لا معارض لهذه الاخبار في المقام.

و منها- دعوى دخول الجنة فإن الأخبار مستفيضة بردها، و منها‌

ما رواه الصدوق في العلل بسنده عن سعد بن عمر الجلاب «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) ان الله عز و جل خلق الجنة طاهرة مطهرة فلا يدخلها إلا من طابت ولادته، و قال أبو عبد الله (عليه السلام) طوبى لمن كانت امه عفيفة».

و روى في الكتاب المذكور «2» بسنده فيه الى محمد بن سليمان الديلمي عن أبيه رفع الحديث الى الصادق (عليه السلام) قال: «يقول ولد الزنا يا رب فما ذنبي؟ فما كان لي في امري صنع، قال فيناديه مناد فيقول أنت شر الثلاثة أذنب والداك فنبت عليهما و أنت رجس و لن يدخل الجنة إلا طاهر».

أقول: انظر الى صراحة هذا الخبر في ان منعه و طرده عن الجنة انما هو من حيث كونه ابن زنا حيث انه احتج بان لا ذنب لي يوجب بعدي و طردي من الجنة فلو كان كافرا لم يحتج بهذا الكلام و لو احتج به لأتاه الجواب بان طرده من الجنة لكفره،

و ما رواه في الكافي و غيره بسنده عن ابي خديجة عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «لو كان أحد من ولد الزنا نجا لنجا سائح بني إسرائيل. فقيل له و ما سائح بني إسرائيل؟ قال كان عابدا فقيل له ان ولد الزنا لا يطيب ابدا و لا يقبل الله تعالى منه عملا، قال فخرج يسبح في الجبال و يقول ما ذنبي؟».

و روى البرقي في المحاسن بسنده عن سدير الصيرفي «4» قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) من طهرت ولادته دخل الجنة».

و روى فيه ايضا بسنده عن عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) «5» قال:

«خلق الله تعالى الجنة طاهرة مطهرة لا يدخلها إلا من طابت ولادته».

و هذه الاخبار كما ترى صريحة في ان منع ابن الزنا من الجنة انما هو من حيث خبث الولادة لا من‌

______________________________
(1) ص 188.

(2) ص 188.

(3) المحاسن ص 108.

(4) ص 139.

(5) ص 139.

195
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حكم ولد الزنا ؛ ج 5، ص : 190

حيث الكفر الذي زعموا حمل الاخبار عليه كما قدمنا الإشارة اليه،

و روى في المحاسن ايضا بسنده عن أيوب بن الحر عن ابي بكر «1» قال: «كنا عنده و معنا عبد الله بن عجلان فقال عبد الله بن عجلان معنا رجل يعرف ما نعرف و يقال انه ولد زنا؟ فقال ما تقول؟ فقلت ان ذلك ليقال فقال ان كان ذلك كذلك بني له بيت في النار من صدر يرد عنه وهج جهنم و يؤتى برزقه».

قال بعض مشايخنا بعد نقل هذا الخبر: قوله من صدر اي يبنى له ذلك في صدر جهنم و أعلاه، و الظاهر انه تصحيف الصبر بالتحريك و هو الجمد،

و روى في الكافي بسنده عن ابن ابي يعفور «2» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) ولد الزنا يستعمل ان عمل خيرا جزي به و ان عمل شرا جزى به».

أقول هذا الخبر موافق للقول المشهور من ان ولد الزنا كسائر الناس يجزى بما يعمل إلا انه مع إجماله لا يعارض الأخبار المتقدمة، و مما يؤكد هذا ايضا‌

ما رواه الصدوق في عقاب الأعمال و البرقي في المحاسن بسنديهما عن ابي بصير ليث المرادي عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «ان نوحا حمل في السفينة الكلب و الخنزير و لم يحمل فيها ولد الزنا و ان الناصب شر من ولد الزنا».

و ما رواه في ثواب الأعمال في الموثق عن زرارة «4» قال:

«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول لا خير في ولد الزنا و لا في بشره و لا في شعره و لا في لحمه و لا في دمه و لا شي‌ء منه يعني ولد الزنا».

و بالجملة فالمفهوم من الاخبار التي سردناها ان ابن الزنا له حالة ثالثة غير حالتي الايمان و الكفر، لان ما تقدم من الاخبار الدالة على أحكامه في الدنيا من النجاسة و عدم العدالة مع الاتصاف بشروطها و حكم ديته و كذا اخبار عدم دخوله الجنة و كذا الأخبار الأخيرة لا يجامع الحكم بالايمان بوجه، و أسباب الكفر الموجبة للحكم بكونه كافرا غير موجودة لأن الفرض انه متدين بظاهر الايمان كما عرفت من ظاهر الاخبار المذكورة.

______________________________
(1) ص 149.

(2) رواه في الوافي ج 12 ص 218.

(3) المحاسن ص 185.

(4) عقاب الأعمال ص 38.

196
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) حكم ولد الكافر ؛ ج 5، ص : 197

و كيف كان فالحق عندي في المسألة ما افاده شيخنا غواص بحار الأنوار و مستخرج ما فيها من لئالئ الاخبار، حيث قال بعد نقل جملة من الاخبار الدالة على عدم دخوله الجنة ما صورته «أقول يمكن الجمع بين الاخبار على وجه يوافق قانون العدل بان يقال لا يدخل ولد الزنا الجنة لكن لا يعاقب في النار إلا بعد ان يظهر منه ما يستحقه و مع فعل الطاعة و عدم ارتكاب ما يحبطه يثاب في النار على ذلك و لا يلزم على الله تعالى ان يثيب الخلق في الجنة، و يدل عليه خبر عبد الله بن عجلان و لا ينافيه خبر عبد الله بن ابي يعفور إذ ليس فيه تصريح بان جزاءه يكون في الجنة، و اما العمومات الدالة على ان من يؤمن بالله و يعمل صالحا يدخله الله الجنة فيمكن ان تكون مخصصة بتلك الاخبار» انتهى كلامه زيد مقامه.

و الذي يقرب عندي ان مقتضى هذه الاخبار الكثيرة المستفيضة التي تلوناها في أحكامه دنيا و أخره سيما الأخبار الأخيرة الدالة على انه شر من الكلب و الخنزير و انه لا خير في شعره و لا بشره. إلخ. انه في الغالب و الأكثر لا يطيب و لا يكون مؤمنا و ان كان مؤمنا فايمانه يكون مستعارا و ان ثبت على ايمانه و كان مستقرا يكون ثوابه في النار على الوجه الذي ذكره شيخنا المشار اليه. و بما حققناه في المقام و كشفنا عنه نقاب الإبهام يظهر لك ما في كلام علمائنا الاعلام في المسألة لعدم وقوفهم على ما ورد من اخبارهم (عليهم السلام) و الله الهادي لمن يشاء.

(المسألة الثالثة) [حكم ولد الكافر]

- قال في المعالم: «ظاهر كلام جماعة من الأصحاب ان ولد الكافرين يتبعهما في النجاسة الذاتية بغير خلاف لأنهم ذكروا الحكم جازمين به غير متعرضين لبيان دليله كما هو الشأن في المسائل التي لا مجال للاحتمال فيها، و ممن ذكر الحكم كذلك العلامة في التذكرة و لكنه في النهاية أشار الى نوع خلاف أو احتمال فيه فقال: الأقرب في أولاد الكفار التبعية لهم. و أنت إذا أحطت خبرا بما قررناه في نجاسة الكافر وجدت للتوقف في الحكم بالنجاسة هنا على الإطلاق مجالا ان لم يثبت انعقاد الإجماع عليه. و ربما استدل له بأنه حيوان متفرع من حيوانين نجسين فيثبت له‌

197
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) حكم ولد الكافر ؛ ج 5، ص : 197

حكمهما كالكلب و الخنزير. و يشكل بان الظاهر كون المقتضي لثبوت الحكم في المتولد من الحيوانين النجسين هو صدق اسم الحيوان النجس عليه لا مجرد التولد، و بهذا صرح العلامة في أثناء كلام له في المنتهى فقال ان ولد الكلب ليس نجسا باعتبار تولده من النجس بل باعتبار صدق اسم الكلب عليه. و قد عرفت استشكاله في جملة من كتبه للحكم بنجاسة المتولد من الكلب و الخنزير إذا كان مباينا لهما، و حينئذ يكون الحكم في ولد الكافر موقوفا على صدق عنوان الكفر عليه» انتهى.

أقول: يمكن الاستدلال للقول المشهور من تبعية ولد الكافر لأبويه في الكفر‌

بما رواه الصدوق في الفقيه في الصحيح عن جعفر بن بشير- و طريقه إليه في المشيخة صحيح- عن عبد الله بن سنان «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن أولاد المشركين يموتون قبل ان يبلغوا الحنث؟ قال كفار و الله اعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم».

و روى فيه عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «2» قال:

«قال علي (عليه السلام) أولاد المشركين مع آبائهم في النار و أولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة».

و لا ينافي ذلك ما ورد من الاخبار الدالة على انه تؤجج لهم نار و يؤمرون بدخولها فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و كان من أهل الجنة و من امتنع كان في النار‌

كما رواه في الكافي في الصحيح أو الحسن عن هشام عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«ثلاثة يحتج عليهم: الأبكم و الطفل و من مات في الفترة، فترفع لهم نار فيقال لهم ادخلوها فمن دخلها كانت عليه بردا و سلاما و من ابى قال الله تعالى هذا قد أمرتكم فعصيتموني».

و روى فيه ايضا عن سهل عن غير واحد رفعوه «4» «انه سئل عن الأطفال

______________________________
(1) باب (حال من يموت من أطفال المشركين و الكفار) من كتاب النكاح.

(2) باب (حال من يموت من أطفال المشركين و الكفار) من كتاب النكاح.

(3) الفروع ج 1 ص 249 الطبع الحديث.

(4) الفروع ج 1 ص 248 الطبع الحديث.

198
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) حكم ولد الكافر ؛ ج 5، ص : 197

فقال إذا كان يوم القيامة جمعهم الله تعالى و أجج لهم نارا و أمرهم أن يطرحوا أنفسهم فيها فمن كان في علم الله تعالى انه سعيد رمى بنفسه فيها و كانت عليه بردا و سلاما و من كان في علمه سبحانه انه شقي امتنع فيأمر الله تعالى بهم الى النار فيقولون يا ربنا تأمر بنا الى النار و لم تجر علينا القلم؟ فيقول الجبار قد أمرتكم مشافهة فلم تطيعوني فكيف لو أرسلت رسلي بالغيب إليكم؟».

ثم قال في الكافي و في حديث آخر «اما أطفال المؤمنين فإنهم يلحقون بآبائهم و أولاد المشركين يلحقون بآبائهم، و هو قول الله تعالى بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم».

لأنا نقول لا ريب ان مقتضى الخبرين المتقدمين و كذا الخبر المرسل من الكافي أخيرا الدلالة على اللحوق بالآباء من كل من أولاد المؤمنين و المشركين، و الجمع بينهما و بين ما ذكر من اخبار تأجيج النار ممكن بأحد وجهين، اما بحمل أخبار تأجيج النار على ان الذين يدخلون النار و يطيعون هم أولاد المؤمنين و الذين يمتنعون هم أولاد الكفار و المشركين و حينئذ فيلحق كل من الفريقين بالآباء في الجنة أو النار بعد الامتحان المذكور، و اما بحمل أخبار تأجيج النار على غير أطفال المؤمنين و الكفار بناء على ما ثبت بالأخبار الصحيحة من تقسيم الناس الى مؤمن و مسلم و كافر فأهل الوعدين و هم المؤمنون و الكفار لا يقفون في الحساب و لا تنشر لهم الدواوين و لا تنصب لهم الموازين و انما يساقون بعد البعث إلى الجنة ان كانوا مؤمنين و النار ان كانوا كافرين، و هذان الفريقان يلحق بهم أولادهم في الجنة و النار كما صرحت به تلك الاخبار، و اما المسلمون و هم أهل المحشر الذين يقفون في الحساب و تنشر لهم الدواوين و تنصب لهم الموازين فهؤلاء الذين تأجج لأولادهم النار، و مما يشير الى هذا الوجه تصريح اخبار الإلحاق بالمؤمنين و الكافرين و إجمال اخبار التأجيج بالأطفال بقول مطلق فيحمل على هذا الفرد الذي ذكرنا، و مما يؤكده قول صاحب الكافي بعد نقل خبر التأجيج المتضمن للأطفال بقول مطلق:

و في حديث آخر «اما أطفال المؤمنين و أولاد المشركين» فان فيه إيماء الى ان‌

199
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) حكم ولد الكافر ؛ ج 5، ص : 197

خبر التأجيج انما هو لغير أطفال المؤمنين و المشركين و هم أطفال المسلمين الذين هم أصحاب الحساب.

و اما جمع صاحب الوافي بين الأخبار- بحمل اخبار اللحوق على البرزخ و اخبار التأجيج على يوم القيامة- فالظاهر بعده فان ظاهر الاخبار المذكورة ان ما ذكر في كل من اخبار الطرفين انما هو يوم القيامة و لا سيما ان صحيحة عبد الله بن سنان قد صرحت بالكفر، ثم انه مع تسليم الجمع بما ذكره فإنه لا ينافي اعتضادنا بالأخبار المذكورة لأن حاصله هو الحكم بالكفر على أولاد المشركين و الايمان على أولاد المؤمنين إلى يوم القيامة حتى انهم في البرزخ يلحقون بهم في الجنة و النار ممتدا ذلك الى يوم القيامة فيقع التكليف لهم و الامتحان بالنار، و بذلك يتميز أصحاب الجنة الأخروية الموجبة للخلود و النار كذلك، و حينئذ فالاستدلال بهذه الأخبار على ما ادعيناه حاصل على جميع الاحتمالات، على انه لا خلاف بينهم في الحكم بإيمان أولاد المؤمنين و إجراء أحكامه عليهم من الطهارة و نحوها و جواز الإعطاء من الزكاة التي لا يجوز دفعها إلا الى المؤمن، و بذلك صرحت الاخبار من غير خلاف لا في الأخبار و لا في كلام الأصحاب، و لا وجه للحكم هنا بالايمان إلا مجرد الإلحاق لأن ترتب ذلك على العقائد غير ظاهر حيث لا تكليف قبل البلوغ فكذلك أولاد المشركين و الكفار فإنه يحكم بكفرهم إلحاقا لهم بالآباء بعين ما ثبت في أولاد المؤمنين و تخرج الأخبار المذكورة شاهدة على ذلك.

و إذ قد ثبت بما ذكرنا من الأخبار صدق عنوان الكفر على أولاد الكفار كصدق عنوان الايمان على أولاد المؤمنين ظهر لك ما في قول صاحب المعالم في آخر كلامه المتقدم من قوله: «و حينئذ يكون الحكم في ولد الكافر موقوفا على صدق عنوان الكفر عليه» فإنه قد ثبت ذلك من هذه الأخبار بما لا يداخله الشك و لا يتطرق اليه.

ثم قال في المعالم على اثر الكلام المتقدم ذكره من غير فاصل: إذا عرفت هذا فاعلم ان بعض الأصحاب استثنى من الحكم بنجاسة ولد الكافر هنا ما إذا سباه المسلم‌

200
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) حكم ولد الكافر ؛ ج 5، ص : 197

و استشكل ذلك في بحث الجهاد بعدم الدليل عليه و اقتضاء الاستصحاب بقاءه على النجاسة الى ان يثبت المزيل، ثم ذكر ان ظاهر الأصحاب عدم الخلاف بينهم في طهارته و الحال هذه و انما اختلفوا في تبعيته للمسلم في الإسلام بمعنى ثبوت أحكام المسلم له و هذا أمر آخر زائد على الحكم بالطهارة كما لا يخفى، و صرح الشهيد في الذكرى ببناء الحكم بطهارته أو نجاسته على الخلاف في تبعيته للمسلم و عدمها حيث قال: ولد الكافر نجس و لو سباه مسلم و قلنا بالتبعية طهر و إلا فلا. و التحقيق ان احتمال بقاء النجاسة بعد سبي المسلم له ضعيف لما قد ظهر من انحصار المقتضى للتنجيس قبله في الإجماع ان ثبت و لا ريب في انتفائه بالنظر الى ما بعده، و التمسك باستصحاب النجاسة مردود بمنع العمل بالاستصحاب في مثله كما بيناه في محله من مقدمة الكتاب، و به يظهر جودة احتجاج العلامة و جماعة للحكم بطهارته حينئذ بأصالة الطهارة السالمة عن معارضة يقين النجاسة، و ضعف مناقشة بعض الأصحاب فيه بان الأمر بالعكس لأن النجاسة تحققت بمجرد الولادة فيجب استصحابها و هو أصل سالم عن معارضة يقين الطهارة، و توضيح وجه الجودة و الضعف انه لا ريب في ان الأصل في الأشياء كلها الطهارة الى ان يقوم على خلافها دليل و حيث ان الدليل المخرج عن حكم الأصل في موضع النزاع مخصوص بالحالة السابقة على السبي فالقدر المتحقق من المخالفة لأصالة الطهارة هو ذاك و ما عداه باق على حكم الأصل لعدم قبول الاستصحاب إذا كان دليل الحكم المستصحب مقيدا بحال كما مر. انتهى.

أقول: ما ذكره و اختاره و قبله صاحب المدارك- من القول بالطهارة بعد السبي بناء على عدم عموم دليل الكفر و شموله لما بعد السبي- جيد بناء على ما ذكروه من عدم الدليل على الكفر إلا الإجماع و هو غير شامل لموضع النزاع، و اما على ما ذكرناه من الأخبار الواضحة المنار فإنه لا يصح هذا الكلام و لا ما ابتنى عليه في المقام فان ظاهر الأخبار كما ترى تبعية الولد لأبويه في الكفر الى يوم القيامة فيخلد معه في النار أو يمتحن بتأجيج نار له، و به يضمحل هذا البحث الذي أكثروا فيه من القيل و القال و الجواب‌

201
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) حكم المجسمة و المجبرة ؛ ج 5، ص : 202

و السؤال و يزول الاشكال من هذا المجال، و يبطل ما ذكروه من التبعية للمسلم السابي له في الإسلام أو الطهارة خاصة لعدم الدليل الشرعي، و دليل النجاسة الذي ذكرناه واضح الدلالة طافح المقالة على عموم النجاسة و بقائها سبي أم لا الى يوم القيامة فضلا عن أيام الدنيا، و لكنهم (رضوان الله عليهم) معذورون لعدم حضور هذه الأخبار لهم بالبال بل و لا مرت لهم في الخيال، و الله الهادي لمن يشاء و العالم بحقيقة الحال.

(المسألة الرابعة) [حكم المجسمة و المجبرة]

- نقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في المبسوط انه حكم بنجاسة المجبرة و المجسمة من فرق المسلمين و لم يرتضه بل ذهب الى الطهارة محتجا بأن النجاسة حكم مستفاد من الشرع فيقف على الدلالة، و ادعى دلالة ظواهر بعض الاخبار على الطهارة.

و وافق الشيخ في المجسمة جماعة من الأصحاب: منهم- المحقق الشيخ علي و الشهيد الثاني في شرح الرسالة، و اختلف كلام العلامة في ذلك، فقال في المنتهى بعد ان ذكر ان حكم الناصب و الغالي حكم الكافر لانكارهما ما علم ثبوته من الدين ضرورة: و هل المجسمة و المشبهة كذلك؟ الأقرب المساواة لاعتقادهم انه تعالى جسم و قد ثبت ان كل جسم محدث. و صرح بهذا القول في التحرير و القواعد ايضا، و استقرب في التذكرة و النهاية القول بالطهارة. و مثل ذلك وقع للشهيد فإنه في الذكرى استضعف كلام الشيخ و في البيان عد المجسمة بالحقيقة و المشبهة كذلك في أقسام الكافر المنتحل للإسلام و هو جاحد لبعض ضرورياته بعد ان حكم بنجاسة الكافر بجميع أنواعه، و في الدروس أطلق نجاسة المجسم و لم يقيده بالحقيقي و بذلك جزم. و قال الشهيد الثاني في الروض بعد ان عد المجسمة: و هم قسمان مجسمة بالحقيقة و هم الذين يقولون ان الله تعالى جسم كالأجسام و لا ريب في كفر هذا القسم و ان تردد فيه بعض الأصحاب، و مجسمة بالتسمية المجردة و هم القائلون بأنه جسم لا كالأجسام، و في نجاسة هذا القسم تردد و كأن الدليل الدال على نجاسة الأول دال على الثاني فإن مطلق الجسمية توجب الحدوث و ان غاير بعضها بعضا. انتهى. و جزم في شرح الرسالة بالعموم فقال: و من ضروب الكفار المجسمة‌

202
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) حكم المجسمة و المجبرة ؛ ج 5، ص : 202

و لو بالتسمية. و ما ذكره في الروض من الدليل الدال على النجاسة في المجسم الحقيقي جار في المجسم بالمعنى الثاني فإن مطلق الجسمية توجب الحدوث، و اعترضه ابنه في المعالم فقال:

و عندي في الدليل نظر لان ظاهره كون المقتضي للنجاسة هو القول بالحدوث لا مجرد التجسيم و من البين ان المجسم ينفي الحدوث قطعا فكأنه يتخيل برأيه الفاسد عدم المنافاة بين الجسمية و القدم. انتهى. و حينئذ فلا يلزم من القول بالجسمية الحدوث.

و اما المجبرة فإنه قد نقل غير واحد عن الشيخ القول بنجاستهم و اعترضوه بالضعف و لم ينقلوا له دليلا على ذلك، و قال في المنتهى في باب الأسآر: يمكن ان يكون مأخذ الشيخ في حكمه بنجاسة سؤر المجبرة و المجسمة قوله تعالى: «. كَذٰلِكَ يَجْعَلُ اللّٰهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لٰا يُؤْمِنُونَ» «1» و الرجس النجس، ثم قال: و تنجيس سؤر المجبرة ضعيف و في المجسمة قوة. ورد هذا الاستدلال للشيخ بالآية جملة ممن تأخر عنه بالضعف، قال في المعالم: و لعل نظر الشيخ الى ما ذكره بعض المفسرين من دلالة قوله تعالى: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مٰا أَشْرَكْنٰا وَ لٰا آبٰاؤُنٰا وَ لٰا حَرَّمْنٰا مِنْ شَيْ‌ءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. الآية» «2» على كفر المجبرة. أقول: الظاهر انه أشار ببعض المفسرين الى صاحب الكشاف حيث انه من المعتزلة و استدل بهذه الآية على كفر المجبرة من الأشاعرة فلعل الشيخ هنا استند الى هذه الآية، و توجيه الاستدلال بها على ما ذكره في الكشاف أنها إخبار عما سوف يقوله المشركون ثم لما قالوه قال سبحانه «وَ قٰالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شٰاءَ اللّٰهُ مٰا عَبَدْنٰا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‌ءٍ» «3» يعنون بكفرهم و تمردهم ان شركهم و شرك آبائهم و تحريمهم ما أحل الله بمشيئة الله و إرادته و لو لا مشيئة الله لم يكن شي‌ء من ذلك كمذهب المجبرة بعينه، قال و معنى قوله سبحانه: «كَذٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» جاءوا بالتكذيب المطلق لان الله تعالى ركب في العقول و انزل في الكتب ما دل على‌

______________________________
(1) سورة الانعام، الآية 125.

(2) سورة الانعام، الآية 149.

(3) سورة النحل. الآية 35.

203
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) حكم المجسمة و المجبرة ؛ ج 5، ص : 202

غناه و براءته من مشيئة القبائح و ارادتها و الرسل أخبروا بذلك فمن علق وجود القبائح من الكفر و المعاصي بمشيئة الله و إرادته فقد كذب التكذيب كله و هو تكذيب الله عز و جل و كتبه و رسله و نبذ أدلة العقل و السمع وراء ظهره.

قال في الذخيرة بعد الكلام في المقام و نقل الخلاف و ذكر نحو مما ذكرناه: و إذ قد عرفت ان العمدة في إثبات نجاسة الكفار على أصنافها هو الإجماع و هو غير جار في محل النزاع كان القول بالنجاسة هنا عاريا عن الدليل، و لا يبعد القول بالطهارة تمسكا بظاهر‌

ما رواه ابن بابويه في كتابه «1» حيث قال: «سئل علي (عليه السلام) أ يتوضأ من فضل وضوء جماعة المسلمين أحب إليك أو يتوضأ من ركو أبيض مخمر؟ فقال لا بل من فضل جماعة المسلمين فإن أحب دينكم الى الله الحنيفية السمحة السهلة».

إذ هذه الرواية معتضدة بالأصل سالمة عن المعارض و الظاهر ان المسلم شامل لمن أظهر الشهادتين إلا من خرج بالدليل، إذ يلزم منه طهارة سؤرهم ثم يلزم عموم الحكم إذ الظاهر عدم القائل بالفصل. انتهى. أقول: الظاهر ان هذه الرواية هي التي أشار إليها المحقق فيما قدمنا نقله عنه صدر المسألة من انه ادعى دلالة ظواهر بعض الأخبار على الطهارة و قد تقدمت أيضا في كلامه الذي قدمناه في المسألة الاولى.

ثم أقول: لا يخفى ان ما طول به الأصحاب المقال في هذا المجال و تعسفوه من الاستدلال و كثرة الأقوال مع ما فيه من الاشكال بل الاختلال كله انما نشأ من القول بإسلام المخالفين و إلا فإنه على القول بكفرهم و نصبهم و نجاستهم كما أوضحناه فيما تقدم لا ثمرة لهذا البحث و الاختلاف و لا خصوصية لهذه الفرق في البحث دون غيرهم من ذوي الخلاف، و ما ذكره صاحب الذخيرة جريا على مذهبه و تصلبه و مبالغته في القول بإسلام المخالفين فهو أوهن من بيت العنكبوت و انه لأوهن البيوت، و قد تقدم تحقيق البحث في المسألة الأولى مستوفى بحمد الله تعالى و تقدم الكلام في خبره المذكور في الكلام على كلام المحقق الذي هو الأصل في هذا القول المنكور. و الله هو العالم.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من الماء المضاف.

204
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الثامن و التاسع) - الكلب و الخنزير ؛ ج 5، ص : 205

(الفصل الثامن و التاسع)- الكلب و الخنزير

و لا خلاف في نجاستهما عينا، قال الشيخ في الخلاف ان الكلب نجس العين نجس اللعاب نجس السؤر بإجماع الفرقة و ان الخنزير نجس بلا خلاف. و قال المحقق في المعتبر إذا لاقى الكلب و الخنزير ثوبا أو جسدا و هو رطب غسل موضع الملاقاة وجوبا و هو مذهب علمائنا اجمع. و قال العلامة في المنتهى و التذكرة الكلب و الخنزير نجسان عينا عند علمائنا. الى غير ذلك من كلامهم الذي على هذا المنوال، و قد وافقنا على ذلك أيضا أكثر العامة «1».

و الأصل فيه الأخبار المستفيضة، و منها‌

صحيحة محمد بن مسلم «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل؟ قال يغسل المكان الذي اصابه».

و صحيحة الفضل ابي العباس «3» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسه جافا فاصبب عليه الماء».

و صحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «4» قال «سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا ان يكون فيه اثر فيغسله. قال و سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال يغسل سبع مرات».

قوله في الخبر: «ان كان دخل في صلاته فليمض.

الى قوله فلينضح» المراد به ما إذا كانت الإصابة بغير رطوبة بقرينة قوله «إلا ان يكون‌

______________________________
(1) في المغني ج 1 ص 52 «النجاسة قسمان نجاسة الكلب و الخنزير و المتولد منهما فهذا لا يختلف المذهب في أنه يجب غسلها سبعا إحداهن بالتراب» و في بدائع الصنائع ج 1 ص 74 «اختلف المشايخ في كون الكلب نجس العين فمنهم من قال انه نجس العين و منهم من قال ليس بنجس العين و هذا أقرب القولين الى الصواب» و في الأم للشافعي ج 1 ص 7 «جلد الكلب و الخنزير لا يطهر بالدباغ لأن النجاسة فيهما و هما حيان قائمة و انما يطهر بالدباغ ما لم يكن نجسا حيا و الكلب و الخنزير لا يطهران بحال ابدا».

(2) المروية في الوسائل في الباب 12 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 12 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب النجاسات.

205
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الثامن و التاسع) - الكلب و الخنزير ؛ ج 5، ص : 205

فيه اثر فيغسله» و سيجي‌ء تحقيق الكلام فيه ان شاء الله تعالى قريبا في مسألة الصلاة في النجاسة،

و في الصحيح عن حريز عن من أخبره عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «إذا مس ثوبك كلب فان كان يابسا فانضحه و ان كان رطبا فاغسله».

و عن الحسين ابن سعيد عن القاسم عن علي عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الكلب يصيب الثوب؟ قال انضحه و ان كان رطبا فاغسله».

و عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن شريح «3» قال: «سأل عذافر أبا عبد الله (عليه السلام) و انا عنده عن سؤر السنور الى ان قال قلت له الكلب؟ قال لا. قلت أ ليس هو سبع؟ قال لا و الله انه نجس لا و الله انه نجس».

و صحيحة أبي الفضل البقباق «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة و الشاة، الى ان قال حتى انتهيت الى الكلب؟ فقال رجس نجس. الحديث».

و في الصحيح عن حريز عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «5» قال: «سألته عن الكلب يشرب من الإناء؟ قال اغسل الإناء».

و قد ورد من الاخبار هنا ما ظاهره المنافاة في الحكم المذكور، و منها‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد عن ابن سنان عن ابن مسكان عن الصادق (عليه السلام) «6» قال: «سألته عن الوضوء بماء ولغ الكلب فيه و السنور أو شرب منه جمل أو دابة أو غير ذلك أ يتوضأ منه أو يغتسل؟ قال نعم إلا ان تجد غيره فتنزه عنه».

و حمله الشيخ على ما إذا كان الماء بالغا مقدار الكر و استشهد له‌

برواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) «7» و فيها «و لا تشرب من سؤر الكلب إلا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه».

أقول: ما ذكره الشيخ جيد فان ظاهر الخبر ان هذا الماء من‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأسآر.

(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأسآر.

(5) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأسآر.

(7) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأسآر.

206
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل الثامن و التاسع) - الكلب و الخنزير ؛ ج 5، ص : 205

مياه الطرق المشاعة و قد أوضحنا في بحث الماء القليل انها لا تنقص عن كر فضلا عن كرور و ما قدر الكر فإنه لا يأتي على شرب جمل كما ذكر في الخبر، و منها-

ما رواه في الصحيح عن ابن ابى عمير عن ابي زياد النهدي عن زرارة «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به؟ قال لا بأس».

و حمله الشيخ ايضا على قصد استعمال الماء في سقي الدواب أو شبهه لا في نحو الوضوء و الشرب و هو جيد، و على هذا فيكون نفي البأس متوجها الى الماء الذي يستقى به و انه لا ب. س باستعماله و يحمل على ما ذكره الشيخ. و يحتمل عندي- و الظاهر انه الأقرب- ان نفي البأس انما هو بالنسبة إلى البئر و انها لا تنجس بذلك فيكون هذا الخبر من الأخبار الدالة على طهارة البئر و عدم انفعالها بالملاقاة بوقوع جلد الخنزير فيها، و يؤيد هذا المعنى‌

موثقة الحسين بن زياد عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «قلت له جلد الخنزير يجعل دلوا يستقى به من البئر التي يشرب منها أو يتوضأ منها؟ قال لا بأس».

فإنها ظاهرة في نفي البأس عن ماء البئر لأن السؤال انما تعلق بذلك و يصير معنى الرواية لا بأس به اي بماء البئر و الشرب و الوضوء منه و انها لا تنجس بذلك، و لا بأس بالاستفاء بجلد الخنزير على ماء البئر، و حينئذ فلا دلالة فيه على طهارة الجلد ان لم يكن أظهر في الدلالة على النجاسة لأن السؤال عن ماء البئر و بقائه على الطهارة إنما يتجه مع النجاسة لا مع الطهارة.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من أبواب الماء المطلق.

(2) لم نعثر على هذه الرواية بهذا السند و المتن في كتب الحديث و انما الموجود فيها موثقة الحسين بن زرارة في «شعر الخنزير يعمل حبلا يستقى به» و ستأتي في الصفحة 210 و قد رواها في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق. و قد اثبت المحقق الهمداني (قده) في مصباح الفقيه للحسين بن زرارة روايتين إحداهما في شعر الخنزير و الأخرى في جلده، و يحتمل انه اعتمد في رواية الجلد على الحدائق مع ابدال زياد بزرارة.

207
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 208

 

فروع

(الأول) [نجاسة الكلب و الخنزير هل تعم إجزاءهما التي لا تحلها الحياة؟]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم)- بل لا نعلم فيه خلافا سوى ما ذهب اليه المرتضى في المسائل الناصرية- نجاسة الكلب و الخنزير بجميع اجزائهما ما تحله الحياة منها و ما لا تحله، و فرق المرتضى في الكتاب المذكور بينهما فحكم بطهارة ما لا تحله الحياة، قال في الكتاب المشار اليه- بعد قول جده الناصر: شعر الميتة طاهر و كذا شعر الكلب و الخنزير- ما صورته: هذا صحيح و هو مذهب أصحابنا و هو مذهب أبي حنيفة و أصحابه و قال الشافعي ان ذلك كله نجس «1» دليلنا على صحة ما ذهبنا اليه بعد الإجماع المتكرر ذكره قوله تعالى: «وَ مِنْ أَصْوٰافِهٰا «2» الى ان قال: و أيضا فإن الشعر لا حياة فيه ألا ترى ان الحيوان لا يألم بأخذه منه، الى ان قال: و إذا ثبت ان الشعر و الصوف و القرن لا حياة فيه لم يحله الموت، و ليس لهم ان يتعلقوا بقوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» فإن اسم الميتة يتناول الجملة بسائر اجزائها و ذلك ان الميتة اسم لما يحله الموت و الشعر لا يحله الموت كما لا تحله الحياة و يخرج عن الظاهر، و ليس لأحد ان يقول ان الشعر و الصوف من جملة الخنزير و الكلب و هما نجسان، و ذلك انه لا يكون من جملة الحي إلا ما تحله الحياة و ما لا تحله الحياة ليس من جملته و ان كان متصلا به. انتهى ملخصا.

و ظاهره- كما ترى- دعوى الإجماع على هذه الدعوى مع انه لم يقل بها أحد‌

______________________________
(1) في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج 1 ص 232 «المختار جلد الكلب نجس و شعره طاهر» و في المغني ج 1 ص 57 «لا فرق بين النجاسة من ولوغ الكلب أو يده أو رجله أو شعره أو غير ذلك من اجزائه، و حكم الخنزير حكم الكلب لان النص وقع في الكلب و الخنزير شر منه» و في ص 82 «اختلفت الرواية عن أحمد في الخرز بشعر الخنزير فروى عنه و عن ابن سيرين و الحكم و حماد و إسحاق و الشافعي كراهته لانه استعمال العين النجسة و لا يسلم من التنجيس بها».

(2) سورة النحل، الآية 80.

 

208
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) نجاسة الكلب و الخنزير هل تعم إجزاءهما التي لا تحلها الحياة؟ ؛ ج 5، ص : 208

من الإمامية سواه. و اما ما تمسك به من الدليل فهو أوهن من بيت العنكبوت و انه لا وهن البيوت. و ذلك فان ما ذكره مخالف لما هو المعلوم لغة و عرفا و شرعا من صدق الاسم على جميع ما تركب منه ذلك الحيوان و كان من جملته، اما العرف و اللغة فظاهر و اما الشرع فلما ذكروه فيه في باب الديات من الدية في الجناية على الشعر كالجناية على سائر أجزاء البدن من رأسه و عنقه و سائر أعضائه فلو لم يكن الشعر جزء منه و داخلا في جملته لما ترتب على الجناية عليه دية، على ان الأخبار التي قدمناها في تعدي النجاسة مع الرطوبة شاملة بعمومها لما كان الملاقاة لما تحله الحياة و لما لا تحله الحياة بل الغالب في الملاقاة أن الإصابة انما تحصل بالشعر كما هو ظاهر.

و نقل في المدارك ان المرتضى استدل هنا بدليل آخر زيادة على ما ذكره و هو ان ما لا تحله الحياة من نجس العين كالمأخوذ من الميتة، ثم أجاب عنه بأنه قياس مع الفارق فإن المقتضي للتنجيس في الميتة صفة الموت و هي غير حاصلة فيما لا تحله الحياة بخلاف نجس العين فان نجاسته ذاتية.

و أنت خبير بان كلام المرتضى (رضي الله عنه) في هذا المقام انما يدور على الدليل الأول و هو ان ما لا تحله الحياة ليس من جملته و ان كان متصلا به حيا أو ميتا، و اما كلامه المتقدم فإنما هو في شعر الميتة كما هو أحد المسألتين المذكورتين في كلام جده الناصر، و الظاهر ان هذا الدليل متكلف له كما ينبئ عنه ظاهر كلامهم حيث انهم لم يرجعوا الى الكتاب المذكور فعبروا عنه بأنه نقل عنه القول بكذا و نقل عنه الاستدلال بكذا.

قال في المعالم: و اما السيد فيعزى اليه القول بطهارة ما لا تحله الحياة، الى ان قال و حجة المرتضى على ما ذكره جماعة و ذكر مثل ما ذكر في المدارك من الدليلين المتقدمين و رد الأول بأن المرجع في صدق الاسم إلى اللغة و العرف و هما متفقان على عدم اعتبار التفرقة المذكورة، و التشبيه بعظم الميتة و شعرها لا وجه له كما لا يخفى. انتهى.

209
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) نجاسة الكلب و الخنزير هل تعم إجزاءهما التي لا تحلها الحياة؟ ؛ ج 5، ص : 208

أقول: لا يخفى ما في تخصيص الرجوع في صدق الاسم باللغة و العرف دون الشرع مع دلالة ما قلناه عليه من الغفلة فإنه لولا صدق الاسم عليه و دخوله في مسمى الإنسان لما كان في إيجاب الدية في الجناية على الشعر معنى مع انه لا خلاف بينهم فيه و ورود الأخبار به. و يؤيده‌

ما رواه في الكافي عن السياري في حكاية ابن ابي ليلى مع محمد بن مسلم في جارية ليس على عانتها شعر «1» حيث «سئل ابن ابي ليلى عنها فلم يكن عنده فيها شي‌ء فسأل عنها محمد بن مسلم فقال اي شي‌ء تروون عن ابي جعفر (عليه السلام) في المرأة لا يكون على ركبها شعر أ يكون ذلك عيبا؟ فقال له محمد بن مسلم اما هذا نصا فلا أعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه قال: كل ما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب. فقال له ابن ابي ليلى حسبك ثم رجع الى القوم فقضى لهم بالعيب».

و التقريب ظاهر.

و بالجملة فما ذهب اليه المرتضى ضعيف لا يعول عليه و ما احتج به لا يلتفت اليه، نعم‌

روى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء؟ قال لا بأس».

و في الموثق عن الحسين بن زرارة عنه (عليه السلام) «3» قال: «قلت فشعر الخنزير يعمل حبلا يستقى به من البئر التي يشرب منها و يتوضأ منها؟ قال لا بأس به».

و كان الاولى بالمرتضى التمسك بهذين الخبرين الموهمين لطهارة شعر الخنزير ثم يتمسك بعدم القائل بالفرق بين الكلب و الخنزير بناء على قواعدهم، و وجه الإيهام فيهما من حيث إطلاق نفى البأس عن استعمال الحبل في الاستقاء مع بعد الانفكاك عن الملاقاة بالرطوبة لليد أو الماء فإنه لذلك يكون مشعرا بطهارة شعر الخنزير.

و التحقيق عندي في ذلك ان نفى البأس إنما توجه هنا الى ماء البئر و عدم نجاستها‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أحكام العيوب.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق.

(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق.

210
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) نجاسة الكلب و الخنزير هل تعم إجزاءهما التي لا تحلها الحياة؟ ؛ ج 5، ص : 208

بالحبل مع وقوعه فيها كما هو الغالب بقرينة ذكر الوضوء منها في الخبر الأول و اضافة الشرب في الخبر الثاني فهما من أدلة القول بعدم نجاستها بالملاقاة كما هو الأظهر في المسألة.

بقي الكلام في ملاقاة اليد بالرطوبة للحبل مثلا أو الثياب أو نحو ذلك و الخبران مطلقان في ذلك و حكم ذلك معلوم من غير هذين الخبرين مما دل على نجاسة شعر الخنزير كما سنتلوه عليك ان شاء الله تعالى.

و بالجملة فمحل الإشكال في الخبرين انما هو من حيث ذكر نفى البأس فيهما و توهم توجهه الى جواز ملاقاة الحبل بالرطوبة و نحو ذلك و على ما ذكرناه من توجه نفي البأس إلى ماء البئر يزول الاشكال و يبطل الاستناد إليهما في ذلك الاستدلال، نعم يحصل الاشكال فيهما عند من يقول بنجاسة البئر بالملاقاة، فالشيخ بناء على ذلك أجاب عن الخبر الأول بعدم وصول الحبل الى الماء، و العلامة في المنتهى تأول الخبر الثاني بعد حمله نفى البأس على ملاقاة الحبل بالحمل على ملاقاة الحبل باليبوسة و ان كان خلاف الغالب فيحمل على النادر جمعا بين الأدلة. و لا يخفى ما في الكلامين من البعد و ما ذكرناه هو الأقرب كما لا يخفى على المتأمل.

و من الاخبار الدالة على ما أشرنا إليه من نجاسة شعر الخنزير‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسين بن سعيد عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم عن سليمان الإسكاف «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يخرز به؟ قال لا بأس به و لكن يغسل يده إذا أراد ان يصلي».

و في الصحيح عن الحسين بن سعيد عن أيوب بن نوح عن عبد الله بن المغيرة عن برد الإسكاف «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك انا نعمل بشعر الخنزير فربما نسي الرجل فصلى و في يده شي‌ء منه؟ فقال لا ينبغي له ان يصلي و في يده شي‌ء منه، و قال خذوه فاغسلوه فما كان له دسم فلا تعملوا به و ما لم

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من النجاسات و 65 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 57 من ما يكتسب به و 65 من الأطعمة المحرمة.

211
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) المتولد من الكلب و الخنزير أو من أحدهما و طاهر ؛ ج 5، ص : 212

يكن له دسم فاعملوا به و اغسلوا أيديكم منه».

و ما رواه عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «1» قال: «قلت له ان رجلا من مواليك يعمل الحمائل بشعر الخنزير؟ قال إذا فرغ فليغسل يده».

و رواية برد الإسكاف «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن شعر الخنزير يعمل به؟ قال خذ منه فأغله بالماء حتى يذهب ثلث الماء و يبقى ثلثاه ثم اجعله في فخارة جديدة ليلة باردة فإن جمد فلا تعمل به و ان لم يجحد ليس عليه دسم فاعمل به و اغسل يدك إذا مسسته عند كل صلاة. قلت و وضوء قال لا اغسل اليد كما تمس الكلب».

و حينئذ فيجب تقييد إطلاق الروايتين المتقدمتين بناء على التقريب الذي حققناه في معناهما بهذه الاخبار. و الله العالم.

(الثاني) [المتولد من الكلب و الخنزير أو من أحدهما و طاهر]

- قال الشهيد الثاني في الروض بعد ذكر نجاسة الكلب و الخنزير و اجزائهما و ان لم تحلها الحياة حتى المتولد بينهما و ان باينهما في الاسم: اما المتولد من أحدهما و حيوان طاهر فإنه يتبع في الحكم الاسم سواء كان لأحدهما أم لغيرهما و ان لم يصدق عليه اسم أحدهما و لا غيرهما مما هو معلوم الحكم فالأقوى فيه الطهارة و التحريم. انتهى.

أقول: اما ما ذكره من نجاسة المتولد منهما فقد صرح في الذكرى بنحوه فقال:

المتولد من الكلب و الخنزير نجس في الأقوى لنجاسة أصلية. و ظاهره التبعية لهما في النجاسة و ان باينهما في الاسم لانه مقتضى التعليل المذكور. و استشكل العلامة في الحكم في صورة المباينة في المنتهى و النهاية، قال في النهاية المتولد منهما- يعني الكلب و الخنزير- نجس لانه بعضهما و ان لم يقع عليه اسم أحدهما على اشكال منشأه الأصالة السالمة عن معارضة النص، و توقف في التذكرة أيضا فقال الحيوان المتولد منهما يحتمل نجاسته مطلقا و اعتبار اسم أحدهما. قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه و لا يخفى قوة وجه الاشكال فالتوقف في محله غير ان الخطب في مثله سهل إذ البحث فيه لمجرد الفرض. انتهى. و جزم في المدارك بالطهارة مع المباينة عملا بأصالة الطهارة، قال بعد ان نقل عن الشهيدين تعليل‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 57 من أبواب ما يكتسب به.

(2) المروية في الوسائل في الباب 57 من أبواب ما يكتسب به.

212
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) كلب الماء ؛ ج 5، ص : 213

النجاسة و لو مع المباينة بنجاسة اصليه ما صورته: و هو مشكل إذ النجاسة معلقة على الاسم فمتى انتفى تعين الرجوع الى ما يقتضيه الأصل من طهارة الأشياء، و الأصح عدم نجاسته إذ لا يصدق عليه اسم نجس العين. انتهى. و هو جيد لو ثبت الأصل الذي استند اليه إلا ان فيه ما عرفت في المقدمة الحادية عشرة من مقدمات الكتاب، و الحكم- لعدم النص الذي هو المعتمد عندنا في الأحكام الشرعية- محل اشكال و توقف، نعم لو كان المفروض في صورة المباينة كونه مما يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة فالظاهر انه لا إشكال في الحكم بالطهارة من حيث تبعيتها للاسم إنما الإشكال فيما لو لم يكن كذلك.

و اما ما ذكره من المتولد بين أحدهما و طاهر و انه يتبع الاسم فذكر في المعالم انه قاله كثير من الأصحاب و لم ينقلوا فيه خلافا و قال ربما لاح من عبارتي المنتهى و النهاية وجود الخلاف حيث قال في أحدهما: الأقرب فيه عندي اعتبار الاسم و في الأخر الوجه عندي اعتبار الاسم. أقول: الظاهر انه لا إشكال في الحكم بتبعية الاسم كما هو المذكور لما علم من الشرع من ترتب الأحكام على ما يصدق عليه الاسم، إنما الإشكال فيما لو لم يصدق عليه اسم بالكلية و قد حكم فيه بالطهارة و التحريم، و قال في الروضة في الصورة المذكورة: فإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته و ان حرم لحمه للأصل فيهما. انتهى أقول: اما الأصل في الأول فظاهر و هو أصالة الطهارة عندهم في جميع الأشياء حتى يقوم دليل النجاسة، و فيه ما أشرنا إليه آنفا. و اما الأصل في الثاني فلا اعرف له وجها إلا ان بعض المحشين على الروضة ذكر ان مراده بأصالة التحريم هو ما علله في تمهيد القواعد بان المحرم غير منحصر لكثرته على وجه لا ينضبط. و فيه ما لا يخفى فان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذا الأصل الغير الأصيل مجازفة محضة. و الله العالم.

(الثالث) [كلب الماء]

- المشهور بين الأصحاب طهارة كلب الماء، و عن ابن إدريس المخالفة في ذلك و القول بنجاسته لصدق الاسم، و هو ضعيف لما تقرر في غير مقام و به‌

213
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الفصل العاشر) - في جملة من المواضع قد وقع الخلاف فيها بين الأصحاب ؛ ج 5، ص : 214

 

صرح جملة من علمائنا الاعلام من ان الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الأفراد النادرة، و لا ريب و لا اشكال بل من المتيقن الذي لا يداخله الاحتمال ان الأخبار المتقدمة كلها انما خرجت في الكلب و الخنزير البريين دون البحريين فاحتمال ارادة هذين الفردين من الاخبار المذكورة مما يقطع بعدمه، هذا مع تسليم كونه حقيقة في النوعين و إلا فإن قلنا انه حقيقة في البري لا غير فإطلاقه على الآخر مجاز كما هو صريح عبارة العلامة في النهاية و التحرير حيث قال: ان لفظ الكلب حقيقة في المعهود مجاز في غيره. و هو ظاهره في التذكرة أيضا حيث قال بعد ان نقل عن ابن إدريس المخالفة في الحكم المذكور: و لا يجوز حمل اللفظ على الحقيقة و المجاز بغير قرينة و وجه الدفع حينئذ ما ذكره في التذكرة من منع كونه حقيقة في النوعين و ارادة الحقيقة و المجاز تتوقف على القرينة، و ربما ظهر من كلام المنتهى انه مشترك بين النوعين بالاشتراك اللفظي و الأكثر على الأول. و كيف كان فخلاف ابن إدريس هنا ضعيف لا يلتفت اليه.

(الفصل العاشر)- في جملة من المواضع قد وقع الخلاف فيها بين الأصحاب

(رضوان الله عليهم) زيادة على ما تقدم في تلك الأبواب:

فمنها- عرق الجنب من الحرام

، قال الشيخ علي بن الحسين بن بابويه في رسالته:

ان عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة فيه و ان كانت من حرام فحرام الصلاة فيه و نحوه ذكر ابنه في الفقيه، و قال المفيد في المقنعة: لا يجب غسل الثوب من عرق الجنب إلا ان تكون الجنابة من حرام فيغسل ما اصابه عرق صاحبها من جسد و ثوب. و قال ابن الجنيد في مختصره: و عرق الحائض لا ينجس الثوب و كذلك عرق الجنب من حلال و ان كان أجنب من حرام غسل الثوب منه. و قال الشيخ في الخلاف: عرق الجنب إذا كانت الجنابة من حرام حرام الصلاة فيه. و في النهاية لا بأس بعرق الحائض و الجنب في الثوب و اجتنابه أفضل إلا ان تكون الجنابة من حرام فإنه يجب غسل الثوب‌

 

214
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فمنها - عرق الجنب من الحرام ؛ ج 5، ص : 214

إذا عرق فيه. و عزى العلامة في المختلف الى ابن البراج موافقة الجماعة. و قال ابن زهرة ان أصحابنا ألحقوا بالنجاسات عرق الجنب إذا أجنب من الحرام. و نحوه سلار حيث نسب إيجاب إزالة هذا العرق إلى أصحابنا إلا انه اختار كونه على جهة الندب، و نقل عن ابن إدريس القول بالطهارة و هو اختيار الفاضلين و جمهور المتأخرين، و مما ذكرنا يعلم ان المشهور بين المتقدمين هو القول بالنجاسة.

و استند المتأخرون فيما حكموا به من القول بالطهارة الى الأصل و الروايات، و منها-

ما رواه الشيخ في الحسن عن أبي أسامة «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنب يعرق في ثوبه أو يغتسل فيعانق امرأته و يضاجعها و هي حائض أو جنب فيصيب جسده من عرقها؟ قال هذا كله ليس بشي‌ء».

قبل و عدم الاستفصال في مثله يشعر بالعموم لو لم يكن في اللفظ ما يدل عليه.

و عن حمزة بن حمران عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «لا يجنب الثوب الرجل و لا يجنب الرجل الثوب».

و عن ابي بصير «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القميص يعرق فيه الرجل و هو جنب حتى يبتل القميص؟ فقال لا بأس و ان أحب ان يرشه بالماء فليفعل».

و نحو ذلك من الروايات.

و احتج الشيخ في الخلاف بإجماع الفرقة و طريقة الاحتياط و الاخبار و لم يتعرض لنقلها بل أحالها على كتابي الحديث، قال في المعالم- بعد الكلام في المسألة و نقل الخلاف فيها و اختياره الطهارة و الاحتجاج على ذلك بجملة من الاخبار التي قدمناها- ما هذا لفظه: و جملة ما وقفنا عليه في الكتابين من الروايات التي تخيل فيها الدلالة على هذا المعنى حديثان: أحدهما-

رواه عن محمد الحلبي في الصحيح «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره؟

قال يصلي فيه و إذا وجد الماء غسله».

قال في التهذيب لا يجوز ان يكون المراد بهذا‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

215
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فمنها - عرق الجنب من الحرام ؛ ج 5، ص : 214

الخبر إلا من عرق في الثوب من جنابة إذا كانت من حرام لأنا قد بينا ان نفس الجنابة لا تتعدى الى الثوب و ذكرنا ايضا ان عرق الجنب لا ينجس الثوب فلم يبق معنى يحمل عليه الخبر إلا عرق الجنابة من حرام فحملناه عليه، ثم قال على انه يحتمل ان يكون المعنى فيه ان يكون أصاب الثوب نجاسة فحينئذ يصلي فيه و يعيد. و جعل هذا الاحتمال في الاستبصار أشبه. و الحديث الثاني‌

رواه في الصحيح عن عاصم بن حميد عن ابي بصير «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب يجنب فيه الرجل و يعرق فيه؟ قال اما انا فلا أحب ان أنام فيه و إذا كان الشتاء فلا بأس ما لم يعرق فيه».

قال الشيخ الوجه في هذا الخبر ضرب من الكراهية و هو صريح فيه، و يمكن ان يكون محمولا على انه إذا كانت الجنابة من حرام. ثم قال في المعالم: و لا يخفى عليك ما في الاستناد الى هذين الخبرين في إثبات الحكم من التعسف، فإن الأول ظاهر في كون المقتضى لغسل الثوب هو اصابة المني له و قد رأيت اعتراف الشيخ في الاستبصار بأنه أشبه. و ظاهر الخبر الثاني ان المقتضى لثبوت البأس مع العرق في الثوب هو احتمال سريان النجاسة الحاصلة بالمني، و العجب من الشيخ (قدس سره) كيف احتمل في هذا الحديث إرادة الجنابة من الحرام مع قول الامام (عليه السلام) فيه: اما انا فلا أحب ان أنام فيه. انتهى.

و قال في المدارك بعد نقل الخلاف في المسألة و اختياره القول بالطهارة و الاستدلال عليه برواية أبي أسامة المتقدمة- ما صورته: احتج الشيخ في التهذيب على النجاسة بما رواه في الصحيح عن محمد الحلبي ثم نقل الصحيحة المتقدمة ثم قال: قال الشيخ و لا يجوز ان يكون المراد بهذا الخبر ثم ذكر عبارة الشيخ المتقدمة إلى آخرها، ثم قال و لا يخفى ما في هذا الحمل البعيد إذ لا إشعار في الخبر بالعرق بوجه. الى آخره. أقول:

لا يخفى ان مجرد إيراد الشيخ الخبر المذكور و حمله على ذلك لا يسمى استدلالا حتى انه يطعن فيه بالبعد ثم ينفي الدلالة، بل الوجه في ذلك ان هذا الحكم لما كان ثابتا عند‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

216
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فمنها - عرق الجنب من الحرام ؛ ج 5، ص : 214

الشيخ بالأدلة التي وصلت اليه حمل هذا الخبر عليه و ان كان بعيدا، فبعد حمل الخبر المذكور على ذلك لا يوجب انتفاء الحكم غاية الأمر ان الشيخ لم يورد دليلا من الأخبار و لا غيره ممن قال بذلك في هذه المسألة.

و التحقيق في المقام بتوفيق الملك العلام ان يقال انه لما كانت اخبار هذه المسألة الصريحة الدلالة ليست في شي‌ء من الكتب المشهورة بين المتأخرين عدلوا فيها عما افتى به المتقدمون من القول بالنجاسة حيث لم تصل إليهم الأدلة في ذلك، و ما تكلفوه من الروايات في الاستدلال للقول بالنجاسة كما قدمنا نقله عن المعالم ليس هو الدليل و لكن في روايات الكتب الأربعة ما يشير الى الحكم المذكور ايضا و كان هو الاولى بالنقل في الاستدلال للقول المذكور مثل‌

ما رواه في الكافي عن علي بن الحكم عن رجل عن ابي الحسن (عليه السلام) «1» قال: «لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا. الحديث».

و قد تقدم قريبا في نجاسة المخالفين،

و ما رواه فيه ايضا عن محمد بن علي ابن جعفر عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «2» في حديث قال «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) ان أهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين؟ فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما ثم يكون فيه شفاء من العين. الحديث».

و اما الاخبار الصريحة في الحكم بالنجاسة فمنها-

قول مولانا الرضا (عليه السلام) في الفقه الرضوي «3» «إن عرقت في ثوبك و أنت جنب و كانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه و ان كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى يغسل».

و من هذه العبارة أخذ علي بن الحسين بن بابويه عبارته المتقدمة و كذا ابنه في الفقيه كما عرفت في غير موضع مما تقدم لكنه هنا غير تغييرا ما.

و منها- ما نقله في الذكرى قال‌

روى محمد بن همام بإسناده إلى إدريس بن يزداد

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من الماء المضاف.

(3) ص 4.

217
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فمنها - عرق الجنب من الحرام ؛ ج 5، ص : 214

الكفر ثوثي «1» «انه كان يقول بالوقف فدخل سر من رأى في عهد ابي الحسن (عليه السلام) فأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب الانتظار إذ حركه أبو الحسن (عليه السلام) بمقرعة و قال مبتدئا ان كان من حلال فصل فيه و ان كان من حرام فلا تصل فيه».

أقول: إدريس بن يزداد المذكور غير مذكور في كتب الرجال و الموجود فيها إدريس بن زياد الكفر ثوثي ثقة و لم ينقل فيه القول بالوقف و احتمال انه هو قريب. و اما ما ذكره في المعالم بعد نقل الخبر عن الذكرى من انه لم يقف عليه بعد التتبع بقدر الوسع في كتب الحديث الموجودة يومئذ عنده ثم قال فحال إسناده غير واضح و لا يبعد ضعفه و إلا لذكره بكماله أو نبه على صحته. انتهى أقول: ان الأصول السابقة كانت موجودة عند مثل شيخنا الشهيد و المحقق و العلامة و ابن إدريس و فيها أخبار عديدة قد خلت منها هذه الكتب المشهورة كما لا يخفى على من راجع ما استطرفه ابن إدريس من الأصول التي كانت عنده، فمن الظاهر ان شيخنا الشهيد إنما أخذ الرواية من تلك الأصول. و اما طعنه و أمثاله بضعف السند فهو باب آخر قد تقدم الكلام فيه في مقدمات الكتاب.

و منها-

ما نقله شيخنا المجلسي في البحار «2» من كتاب المناقب لابن شهرآشوب نقلا من كتاب المعتمد في الأصول قال: «قال علي بن مهزيار وردت العسكر و انا شاك في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج الى الصيد في يوم من الربيع إلا انه صائف و الناس عليهم ثياب الصيف و على ابي الحسن (عليه السلام) لباد و على فرسه تجفاف لبود و قد عقد ذنب فرسه و الناس يتعجبون منه و يقولون ألا ترون الى هذا المدني و ما قد فعل بنفسه؟ فقلت في نفسي لو كان هذا اماما ما فعل هذا، فلما خرج الناس الى الصحراء لم يلبثوا إلا ان ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

(2) ج 12 ص 139.

218
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 219

 

و عاد (عليه السلام) و هو سالم من جميعه، فقلت في نفسي يوشك ان يكون هو الامام ثم قلت أريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب فقلت في نفسي ان كشف وجهه فهو الامام فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: ان كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه و ان كانت جنابته من حلال فلا بأس فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة».

و قال شيخنا المشار إليه في الكتاب المذكور ايضا وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء أصحابنا رواه عن ابي الفتح غازي بن محمد الطرائفي عن علي بن عبد الله الميموني عن محمد بن علي بن معمر عن علي بن مهزيار بن موسى الأهوازي «1» عنه (عليه السلام) مثله و قال: «ان كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و ان كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام».

أقول: و الى هذه الاخبار استند متقدمو الأصحاب فيما ذهبوا اليه من القول بالنجاسة و لا سيما كتاب الفقه الرضوي الذي قد عرفت في غير موضع ان كثيرا من الأحكام التي اشتهرت بين المتقدمين و لم يصل دليلها إلى المتأخرين حتى اعترضوهم بعدم الدليل أو تكلفوا لهم دليلا قد وجدت أدلتها في هذا الكتاب و افتى بها ابن بابويه في رسالته، و يعضد هذه الاخبار ما عرفت ايضا من اخبار الحمام المتقدمة، و بذلك يظهر لك قوة ما ذهبوا اليه، و حينئذ فما دل بعمومه على ما ادعوه من الطهارة مخصص بهذا الاخبار‌

فروع

(الأول) [هل يفرق بين أقسام الجنب من الحرام؟]

- قال العلامة في المنتهى تفريعا على القول بالنجاسة: و لا فرق بين ان يكون الجنب رجلا أو امرأة و لا بين ان تكون الجنابة من زنا أو لواط أو وطء بهيمة أو ميتة و ان كانت زوجة و سواء كان مع الجماع إنزال أم لا، و الاستمناء باليد كالزنا، اما لو وطئ في الحيض أو الصوم فالأقرب طهارة العرق فيه. و في المظاهرة إشكال، ثم قال و لو وطئ الصغير أجنبية و ألحقنا به حكم الجنابة بالوطء ففي نجاسة عرقه إشكال ينشأ من عدم التحريم في‌

______________________________
(1) في البحار ج 12 ص 142 (على بن يقطين بن موسى الأهوازي).

 

219
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) عرق الجنب بالاحتلام ؛ ج 5، ص : 220

حقه. انتهى. و لا يخفى ان ما قربه في الوطء في الحيض و الصوم لا يخلو من بعد بعد شمول الأخبار المتقدمة لذلك كما لا يخفى.

(الثاني) [عرق الجنب بالاحتلام]

- نقل في المعالم عن ابن الجنيد انه قال في مختصره بعد ان حكم بوجوب غسل الثوب من عرق الجنب من حرام: و كذلك عندي الاحتياط ان كان جنبا من حلم ثم عرق في ثوبه. ثم قال في المعالم بعد نقله: و لا نعرف لهذا الكلام وجها و لا رأينا له فيه رفيقا. انتهى. و هو جيد.

(الثالث) [عرق الحائض و المستحاضة و النفساء و الجنب من الحلال]

- قال في المعتبر: الحائض و النفساء و المستحاضة و الجنب من الحلال إذا خلا الثوب من عين النجاسة فلا بأس بعرقهم إجماعا. و يدل على ما ذكره مضافا الى ما ذكره من الإجماع ما تقدم في صدر المسألة من الاخبار الواردة في الجنب، و منها‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تعرق في ثيابها أ تصلي فيها قبل ان تغسلها؟ قال نعم لا بأس».

و ما رواه في التهذيب عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) «2» قال: «سألت رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما؟ فقال ان الحيض و الجنابة حيث جعلهما الله عز و جل ليس في العرق فلا يغسلان ثوبهما».

و عن عمار الساباطي في الموثق «3» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الحائض تعرق في ثوب تلبسه؟ فقال ليس عليها شي‌ء إلا ان يصيب شي‌ء من مائها أو غير ذلك من القذر فتغسل ذلك الموضع الذي أصابه بعينه».

و عن سورة بن كليب «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الحائض أ تغسل ثيابها التي تلبسها في طمثها؟ قال تغسل ما أصاب ثيابها من الدم و تدع ما سوى ذلك. قلت له و قد عرقت فيها؟ قال ان العرق ليس من الحيض».

و في الموثق عن علي بن يقطين عن

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.

220
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - عرق الإبل الجلالة ؛ ج 5، ص : 221

ابي الحسن (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الحائض تعرق في ثوبها؟ قال ان كان ثوبا تلزمه فلا أحب ان تصلي فيه حتى تغسله».

و اما ما رواه الشيخ في الموثق عن إسحاق بن عمار «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المرأة الحائض تعرق في ثوبها؟ فقال تغسله. قلت فان كان دون الدرع إزار و انما يصيب العرق ما دون الإزار؟

قال لا تغسله».

فالظاهر حمله على الاستحباب من حيث احتمال مباشرة موضع الدم بالعرق كما يدل عليه عدم الغسل مع وضع الإزار تحت الثوب و ان اصابه العرق. و الله العالم.

و منها- عرق الإبل الجلالة

و قد اختلف فيه كلام الأصحاب، فقال المفيد في المقنعة: يغسل الثوب من عرق الإبل الجلالة إذا اصابه كما يغسل من سائر النجاسات.

و ذكر الشيخ في النهاية نحوه فقال: إذا أصاب الثوب عرق الإبل الجلالة وجب عليه إزالته. و حكى العلامة في المختلف عن ابن البراج انه وافقهما في ذلك، و قال ابن زهرة ألحق أصحابنا بالنجاسات عرق الإبل الجلالة. و قال سلار: عرق جلال الإبل أوجب أصحابنا إزالته و هو عندي ندب. و حكم العلامة في المختلف بطهارته و ادعى انه المشهور و نقله عن سلار و ابن إدريس، و نقله في المدارك عن سائر المتأخرين.

أقول: و يدل على ما ذهب اليه الشيخان و أتباعهما‌

صحيحة هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «لا تأكلوا اللحوم الجلالة و ان أصابك من عرقها فاغسله».

و عن حفص بن البختري في الحسن على المشهور و الصحيح عندي عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة و ان أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله».

احتج العلامة في المختلف لما ذهب اليه من الطهارة بأن الأصل الطهارة و ان الإبل الجلالة ليست نجسة فلا ينجس عرقها كغيرها من الحيوانات. الطاهرة و كالجلال من‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 15 من أبواب النجاسات.

221
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - عرق الإبل الجلالة ؛ ج 5، ص : 221

غيرها. و قال المحقق في المعتبر قال الشيخان عرق الإبل الجلالة نجس يغسل منه الثوب و قال سلار غسله ندب و هو مذهب من خالفنا، و ربما يحتج الشيخ برواية هشام بن سالم ثم ساق الرواية، ثم قال و استناد سلار الى الأصل و انه يجري مجرى عرق الحيوانات الطاهرة و ان لم يؤكل لحمها كعرق السنور و النمر و الفهد، و تحمل الرواية على الاستحباب. انتهى و بذلك أجاب في المختلف عن الخبرين بالحمل على الاستحباب.

و أنت خبير بما في كلاميهما من النظر الظاهر و المجازفة التي لا تخفى على الخبير الماهر (أما أولا)- فلان الأصل لا يصلح للتمسك إلا مع عدم النص الموجب للخروج عنه و هو هنا موجود. و (اما ثانيا)- فلان الحمل على الاستحباب انما يصار اليه بمقتضى قواعدهم المتفق عليها مع وجود المعارض لتصريحهم في الأصول بأن الأمر حقيقة في الوجوب. و (اما ثالثا)- فلان البناء على التشبيه بهذه الأشياء المشار إليها في كلاميهما لا يصلح لان يكون مستندا شرعيا تبنى عليه الأحكام الشرعية، و مع الإغماض عن ذلك فإنه لا معنى له مع وجود النص الصحيح الصريح المقتضى للفرق و التخصيص بهذا الفرد. و الظاهر انه لما ذكرنا رجع في المنتهى الى قول الشيخين فقال بعد حكمه بالطهارة في أول المسألة و احتجاجه بالأصل و جوابه عن حجة الشيخ بما يقرب من كلامه في المختلف ما صورته: و الحديثان قويان و لأجل ذلك جزم الشيخ في المبسوط بوجوب ازالة عرقها و عليه اعمل. انتهى.

و ظاهر السيد في المدارك التوقف هنا حيث نقل الخلاف في المسألة و نقل الخبرين المذكورين دليلا للقول بالنجاسة و نقل الجواب من طرف القائلين بالطهارة عنهما بالحمل على الاستحباب، ثم قال: و هو مشكل مع عدم المعارض. و لم يجزم بشي‌ء في البين و هو لا يخلو من غرابة عند من له انس بطريقته في الكتاب من التمسك بالأخبار الصحيحة و الأخذ بها و ان خرج عما عليه الأصحاب.

و العجب ايضا من المحدث الحر في الوسائل حيث وافق المشهور و عنون الباب‌

222
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - المسوخ ؛ ج 5، ص : 223

بالكراهة حملا للخبرين المذكورين على ذلك، و هو من جملة سقطاته لما عرفت من ان الخبرين مع صحتهما لا معارض لهما يوجب ارتكاب التأويل فيهما مع قول جملة من فضلاء الأصحاب بمضمونهما. و الله العالم.

و منها- المسوخ

، و المشهور بين الأصحاب القول بطهارتها و نقل عن الشيخ في الخلاف القول بنجاستها و عزى العلامة في المختلف موافقته الى سلار و ابن حمزة، و نقل في المعالم عن ابن الجنيد انه استثناها مما حكم بطهارة سورة مع حكمه بطهارة سؤر السباع و قرنها في الاستثناء بالكلب و الخنزير، و ظاهر ذلك القول بنجاستها أو نجاسة لعابها. و الظاهر الأول فإن الحكم بنجاسة اللعاب مع طهارة العين بعيد و ان نقل ايضا عن بعض الأصحاب، و عدها في قرن الكلب و الخنزير مؤيد لما ذكرنا.

و يدل على القول المشهور و هو المعتمد مضافا الى أصالة الطهارة‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن الفضل ابي العباس «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم اترك شيئا إلا سألته عنه فقال لا بأس به حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس. الحديث».

و في المختلف و غيره ان الشيخ احتج على النجاسة بتحريم بيعها و لا مانع من البيع سوى النجاسة. و ربما استدل على تحريم بيعها‌

برواية مسمع عن الصادق (عليه السلام) «2» «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى عن القرد ان يشترى أو يباع».

و أجيب بالمنع من تحريم البيع (أولا)- فإن الرواية الدالة على ذلك مع كونها ضعيفة السند مختصة بالقرد خاصة. و (ثانيا)- بالمنع من كون المقتضي لحرمة البيع هو النجاسة فلا بد من اقامة الدليل على انحصار المقتضي فيها.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الروايات قد اختلفت في أنواع المسوخ زيادة و نقصا و وجودا و فناء‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 36 من أبواب ما يكتسب به.

223
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - المسوخ ؛ ج 5، ص : 223

و منها-

ما رواه الشيخ عن الحلبي في الحسن عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان الضب و الفأرة و القردة و الخنازير مسوخ».

و ما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد عن محمد بن الحسن الأشعري عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «2» قال: «الفيل مسخ كان ملكا زناء و الذئب كان أعرابيا ديوثا و الأرنب مسخ كانت امرأة تخون زوجها و لا تغتسل من حيضها، و الوطواط مسخ كان يسرق تمور الناس، و القردة و الخنازير قوم من بني إسرائيل اعتدوا في السبت، و الجريث و الضب فرقة من بني إسرائيل لم يؤمنوا حين نزلت المائدة على عيسى بن مريم فتاهوا فوقعت فرقة في البحر و فرقة في البر، و الفأرة هي الفويسقة، و العقرب كان نماما، و الدب و الوزغ و الزنبور كان لحاما يسرق في الميزان».

و ما رواه في الكافي عن الحسين بن خالد «3» قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) أ يحل أكل لحم الفيل؟ فقال لا فقلت لم؟ قال لانه مثلة و قد حرم الله تعالى لحوم المسوخ و لحم ما مثل به في صورها».

و عن ابي سهل القرشي «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لحم الكلب؟ فقال هو مسخ. قلت هو حرام؟ قال هو نجس، أعيدها ثلاث مرات كل ذلك يقول هو نجس».

و عن سليمان الجعفري عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «5» قال:

«الطاوس مسخ كان رجلا جميلا كابر امرأة رجل مؤمن تحبه فوقع بها ثم راسلته بعد فمسخهما الله تعالى طاوسين أنثى و ذكرا فلا تأكل لحمه و لا بيضه».

و عن الكلبي النسابة «6» قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجري؟ فقال ان الله تعالى مسخ طائفة من بني إسرائيل، فما أخذ منهم بحرا فهو الجري و الزمير

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(6) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة.

224
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - المسوخ ؛ ج 5، ص : 223

و المارماهي و ما سوى ذلك، و ما أخذ منهم برا فالقردة و الخنازير و الوبر و الورل و ما سوى ذلك».

و روى في الفقيه مرسلا «1» قال: «روي ان المسوخ لم تبق أكثر من ثلاثة أيام و ان هذه مثل لها فنهى الله عز و جل عن أكلها».

و في العلل بسند معتبر عن علي بن مغيرة عن الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) «2» قال: «المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا: منهم- القردة و الخنازير و الخفاش و الضب و الفيل و الدب و الدعموص و الجريث و العقرب و سهيل و القنفذ و الزهرة و العنكبوت».

قال الصدوق سهيل و الزهرة دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا.

و روى في الكتاب المذكور ايضا بسند قوي عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «3» قال: «المسوخ ثلاثة عشر: الفيل و الدب و الأرنب و العقرب و الضب و العنكبوت و الدعموص و الجري و الوطواط و القرد و الخنزير و الزهرة و سهيل.

فسئل يا ابن رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما كان سبب مسخ هؤلاء؟ فقال اما الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا و لا يابسا، و اما الدب فكان رجلا مؤنثا يدعو الرجال الى نفسه، و اما الأرنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض و لا من جنابة و لا غير ذلك، و اما العقرب فكان رجلا همازا لا يسلم منه أحد، و اما الضب فكان رجلا أعرابيا يسرق الحاج بمحجته، و اما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها، و اما الدعموص فكان رجلا نماما يقطع بين الأحبة، و اما الجري فكان رجلا ديوثا يجلب الرجال على حلائله، و اما الوطواط فكان رجلا سارقا يسرق الرطب على رؤوس النخل، و اما القردة فاليهود اعتدوا في السبت، و اما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشد ما كانوا تكذيبا، و اما سهيل فكان رجلا عشارا باليمن، و اما الزهرة فكانت امرأة تسمى ناهيد و هي التي يقول الناس انه افتتن بها هاروت

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من الأطعمة المحرمة.

225
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الأرنب و الثعلب و الفأرة و الوزغة ؛ ج 5، ص : 226

و ماروت».

الى غير ذلك من الأخبار المروية في العلل، و فيما ذكرناه كفاية لمن أحب الاطلاع على عدها و أسباب مسخها. و الله العالم.

و منها- الأرنب و الثعلب و الفأرة و الوزغة

، فأوجب الشيخ في النهاية غسل ما يصيب الثوب أو البدن منها برطوبة و قرنها في هذا الحكم مع الكلب و الخنزير، مع انه في باب المياه من الكتاب المذكور نفى البأس عما وقعت فيه الفأرة من الماء الذي في الآنية إذا خرجت منه و كذا إذا شربت، و قال ان الأفضل ترك استعماله على كل حال.

و اقتصر المفيد في المقنعة على الفأرة و الوزغة فجعلهما كالكلب و الخنزير في غسل الثوب إذا مساه برطوبة و أثرا فيه. و حكى في المختلف عن ابي الصلاح أنه أفتى بنجاسة الثعلب و الأرنب، و هو قول السيد ابي المكارم ابن زهرة أيضا كما نقله في المعالم، و في المعالم ايضا عن ظاهر الصدوقين القول بنجاسة الوزغ، و حكى في المختلف ايضا عن ابن البراج انه أوجب غسل ما اصابه الثعلب و الأرنب و الوزغة و كره الفأرة، و عن سلار انه حكم بنجاسة الفأرة و الوزغة، و عن ابن بابويه انه قال: إذا وقعت الفأرة في الماء ثم خرجت و مشت على الثياب فاغسل ما رأيت من أثرها و ما لم تره فانضحه بالماء. و عن ابن إدريس انه حكم بطهارة ذلك اجمع، ثم قال و الوجه عندي طهارة ذلك اجمع، و هو اختيار والدي و شيخنا أبو القاسم بن سعيد. و عزى المحقق في المعتبر القول بالطهارة إلى السيد المرتضى في بعض كتبه. و على هذا القول جمهور المتأخرين و متأخريهم.

أقول: و منشأ هذا الاختلاف هنا اختلاف ظواهر الاخبار في هذا المقام و ها انا أورد ما وصل الي منها على التمام و أبين ما ظهر لي من الحكم فيها بتوفيق الملك العلام:

فمنها- صحيحة الفضل ابي العباس و قد تقدمت قريبا، و منها‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن العظاية و الحية و الوزغ تقع في الماء فلا تموت أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال لا بأس به. و سألته عن

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب النجاسات.

226
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الأرنب و الثعلب و الفأرة و الوزغة ؛ ج 5، ص : 226

فأرة وقعت في حب دهن فأخرجت منه قبل ان تموت أ يبيعه من مسلم؟ قال نعم و يدهن منه».

و في الصحيح عن سعيد الأعرج «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة تقع في السمن و الزيت ثم تخرج منه حية؟ فقال لا بأس بأكله».

و في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن الصادق (عليه السلام) «2» «ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول لا بأس بسؤر الفأرة إذا شربت من الإناء أن يشرب منه و يتوضأ منه».

و رواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن الفأرة و العقرب و أشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ منه؟ قال يسكب منه ثلاث مرات و قليله و كثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه و يتوضأ منه غير الوزغ فإنه لا ينتفع بما يقع فيه».

و روى الحميري في قرب الاسناد عن أبي البختري عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «4» «ان عليا (عليه السلام) قال لا بأس بسؤر الفأرة أن يشرب منه و يتوضأ».

و هذه الأخبار- كما ترى- ظاهرة بل صريحة في الدلالة على الطهارة و إليها استند القائل بالطهارة في الفأرة و الوزغة، و اما صحيحة أبي العباس فعمومها صالح للدلالة على الجميع و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «5» قال: «سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أ يصلى فيها؟ قال اغسل ما رأيت من أثرها و ما لم تره فانضحه بالماء».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(2)- في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأسآر.

(3)- في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأسآر.

(4)- في الوسائل في الباب 9 من أبواب الأسآر.

(5) رواه في الوسائل في الباب 33 من النجاسات.

227
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الأرنب و الثعلب و الفأرة و الوزغة ؛ ج 5، ص : 226

و ما رواه في الصحيح عنه ايضا عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال:

«سألته عن الفأرة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه أ يؤكل؟ قال يطرح ما شماه و يؤكل ما بقي».

و رواه علي بن جعفر في كتابه أيضا «2».

و روى في قرب الاسناد بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن الفأرة و الكلب إذا أكلا من الخبز و شبهه أ يحل اكله؟ قال يطرح منه ما أكل و يؤكل الباقي».

و ما رواه في الصحيح عن احمد بن محمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن يونس ابن عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «سألته هل يجوز ان يمس الثعلب و الأرنب أو شيئا من السباع حيا أو ميتا؟ قال لا يضره و لكن يغسل يده».

و ما رواه عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «5» في حديث طويل قال: «سئل عن الكلب و الفأرة إذا أكلا من الخبز و شبهه؟ قال يطرح منه و يؤكل الباقي. و عن العظاية تقع في اللبن؟ قال يحرم اللبن، و قال ان فيها السم».

أقول قال في القاموس: العظاية دويبة كسام أبرص.

و ما رواه في الصحيح عن معاوية بن عمار «6» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة و الوزغة تقع في البئر قال ينزح منها ثلاث دلاء».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 45 من الأطعمة المحرمة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 45 من الأطعمة المحرمة.

 (4) رواه في الوسائل في الباب 34 من أبواب النجاسات.

(5) التهذيب ج 1 ص 80 و روى صاحب الوسائل المسألة الاولى في الباب 36 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 19 من الماء المطلق.

228
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الأرنب و الثعلب و الفأرة و الوزغة ؛ ج 5، ص : 226

و ما في الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) «1» «ان وقع في الماء وزغ أهريق ذلك الماء و ان وقع فيه فأرة أو حية أهريق الماء و ان دخلت فيه حية و خرجت منه صب من ذلك الماء ثلاث أكف و استعمل الباقي و قليله و كثيره بمنزلة واحدة».

هذا ما وقفت عليه من الأخبار المتعلقة بالمسألة.

و قد أجاب القائلون بالطهارة عما دل على نجاسة الفأرة و الوزغة بأنه معارض بما دل على الطهارة و طريق الجمع حمل أخبار النجاسة على التنزيه و الاستحباب فإنه مع العمل بأخبار النجاسة يلزم طرح أخبار الطهارة مع صحتها و صراحتها و كثرتها، قال المحقق في المعتبر- بعد نقل صحيحة علي بن جعفر الدالة على غسل ما لاقته الفأرة برطوبة و معارضتها بصحيحة سعيد الأعرج- ما لفظه: و من البين استحالة أن ينجس الجامد و لا ينجس المائع و لو ارتكب هنا مرتكب لم يكن له في الفهم نصيب، و اما خبر يونس فقد رده بالإرسال أولا و بكون الراوي فيه محمد بن عيسى عن يونس، و قد حكى النجاشي عن ابي جعفر بن بابويه عن ابن الوليد انه قال ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب يونس و حديثه لا يعتمد عليه، و قال الشيخ انه ضعيف استثناه أبو جعفر بن بابويه من رجال نوادر الحكمة و قال لا اروي ما يختص بروايته.

و تحقيق الكلام في المقام بما ادى اليه الفهم القاصر، اما بالنسبة الى الأخبار المتعارضة في الفأرة فلا يخفى ان الترجيح فيها لاخبار الطهارة لاعتضادها بأصالة الطهارة و كثرتها و صحة أكثرها و صراحتها، و ليس في الاخبار المقابلة لها ما هو ظاهر في النجاسة سوى صحيحة علي بن جعفر الدالة على غسل أثرها إذا مشت على الثياب برطوبة و إلا فغيرها من الروايات الدالة على الأكل من الخبز أو شمه لا ظهور لها في النجاسة، فإن الحكم بالنجاسة انما يكون مع تعدى رطوبة فم الفأرة إلى الخبز و التمسك بأصالة الطهارة يدفع ذلك حتى يعلم، و مجرد الأكل و الشم لا يستلزم وجود الرطوبة‌

______________________________
(1) ص 5.

229
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الأرنب و الثعلب و الفأرة و الوزغة ؛ ج 5، ص : 226

و تعديها، و حينئذ لا يثبت الحكم بالنجاسة فتعين الحمل على التنزيه و الاستحباب كما ذكره الأصحاب، و اما بالنسبة إلى الكلب فان علم ايضا تعدى لعابه اليه و إلا فالحكم فيه كذلك، و بالجملة فالتمسك بأصالة الطهارة أقوى متمسك حتى يظهر ما يوجب الخروج عنه، و حينئذ فلم يبق إلا تلك الرواية فتعين التأويل فيها البتة إما بالحمل على ما ذكره الأصحاب من الاستحباب أو الحمل على التقية فإن القول بنجاسة الفأرة مذهب بعض العامة كما ذكره في المنتهى، على انه لا يشترط عندنا في الحمل على التقية وجود القائل كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب.

و اما بالنسبة إلى الوزغة فقد عرفت دلالة صحيحة علي بن جعفر الاولى على الطهارة فيها مع اعتضادها بالأصل و ان الوزغة ليست بذي نفس و ميتتها طاهرة إجماعا، و الحكم بالنجاسة في حال الحياة و الطهارة بعد الموت غير معقول و لا معهود من الشرع و انما المعهود العكس، و مجرد النزح المذكور لا يستلزم النجاسة كما وقع في اخبار نزح سبع دلاء لدخول الجنب و اغتساله مع اتفاقهم على اعتبار طهارة بدنه من المني و إلا لوجب له بقدر المني، على انه يمكن حمل الخبر على رجوع ذلك الى الفأرة بالخصوص باعتبار ان السؤال وقع عن وقوع الفأرة و الوزغة معا لأكل بانفراده، و التأويل بذلك تفاديا من الطرح غير بعيد و مثله غير عزيز.

و اما بالنسبة إلى الثعلب و الأرنب كما اشتملت عليه مرسلة يونس فهي أيضا معارضة بالأصل و بما دل من الأخبار على قبول هذه الأشياء مثل الثعلب و السباع للتذكية، و من المعلوم ان نجس العين كالكلب و الخنزير لا يقبل التذكية و لا يطهر بها، فمما ورد في الثعلب‌

ما رواه الشيخ عن صفوان عن جميل عن الحسن بن شهاب «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جلود الثعالب إذا كانت ذكية أ يصلى فيها؟ قال نعم».

و عن عبد الرحمن بن الحجاج «2» قال: «سألته عن اللحاف من الثعالب أو الجرز منه أ يصلى

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من لباس المصلى.

(2) رواه في الوسائل في الباب 7 من لباس المصلى.

230
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الأرنب و الثعلب و الفأرة و الوزغة ؛ ج 5، ص : 226

فيها؟ قال ان كان ذكيا فلا بأس به».

و عن جميل في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الصلاة في جلود الثعالب؟ قال ان كانت ذكية فلا بأس».

و لا ينافي ذلك ما دل من الأخبار على عدم جواز الصلاة في الجلود المذكورة فإن الاختلاف في ذلك انما نشأ من حيث اشتراط كون ما يصلى فيه لا بد ان يكون مما يؤكل لحمه أم لا، و لهذا ان جمعا من الأصحاب ذهبوا الى القول بجواز الصلاة فيها لهذه الاخبار و ما ذاك إلا للحكم بثبوت التذكية و طهارة الجلود، و المانع انما يمنع من حيث الاشتراط المذكور لا من حيث النجاسة و عدم قبول التذكية، و هذا بحمد الله سبحانه ظاهر. و مما يدل على ذلك في السباع أيضا التي قرنت في هذه الرواية بالثعلب المستلزم لنجاستها ايضا فهو‌

ما رواه الشيخ و الصدوق عن سماعة في الموثق «2» قال: «سألته عن لحوم السباع و جلودها؟ فقال اما لحوم السباع من الطير و الدواب فانا نكرهه و اما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا منها شيئا تصلون فيه».

و روى في المحاسن عن علي بن أسباط عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن ركوب جلود السباع؟ فقال لا بأس ما لم يسجد عليها».

و عنه عن عثمان بن عيسى عن سماعة «4» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن جلود السباع فقال اركبوها و لا تلبسون شيئا منها تصلون فيه».

قال شيخنا المجلسي في البحار بعد نقل هذين الخبرين: يدلان على كون السباع قابلة للتذكية بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها كما هو المشهور بين الأصحاب، بل قال الشهيد انه لم يعلم القائل بعدم وقوع التذكية عليها سوى الكلب و الخنزير. و استشكال الشهيد الثاني و بعض المتأخرين في الحكم بعد ورود النصوص المعتبرة و عمل القدماء و المتأخرين مما لا وجه له. انتهى.

على ان ظاهر الخبر المذكور بناء على ما ذكروه لا يخلو من تدافع فان المتبادر من قوله «لا يضره» ليس إلا بمعنى لا ينجسه إذ لا معنى للضرر في هذا المقام إلا التنجيس كما‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من لباس المصلى.

(2) رواه في الوسائل في الباب 5 من لباس المصلى.

(3) رواه في الوسائل في الباب 5 من لباس المصلى.

(4) رواه في الوسائل في الباب 5 من لباس المصلى.

231
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - لبن الجارية ؛ ج 5، ص : 232

لا يخفى، و حينئذ فحمل «و لكن يغسل يده» على النجاسة مدافع لذلك، و اما إذا أريد التنزيه و الاستحباب أمكن مجامعته للعبارة المتقدمة و تم الكلام بأحسن نظام و الله العالم.

و منها- لبن الجارية

و المشهور طهارته. و نقل عن ابن الجنيد القول بنجاسته‌

لرواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «1» «ان عليا (عليه السلام) قال لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها. الحديث».

و قد تقدم الكلام في ذلك في الموضع الثاني من الفصل الأول و الثاني في مسألة بول الرضيع، و ربما ظهر من كلام الصدوق في الفقيه القول بذلك حيث ذكر الرواية فيه مع قوله في أول كتابه انه لا يورد فيه إلا ما يفتي به و يحكم بصحته سيما مع قرب هذه الرواية مما ذكره من الكلام المشار اليه، و لم أر من تنبه لنسبة ذلك الى الصدوق و الحال كما ذكرناه إلا المحقق الشيخ حسن في المعالم فإنه أشار الى ذلك كما ذكرناه، و نقل في المعالم ايضا عن والده انه ذكر الرواية في رسالته لكن لم يظهر منه التزام ما التزمه ولده من التقييد في ذكر الأخبار بما يفتي به مع التصريح بكونه خبرا.

أقول: قد تقدم في الموضع المشار اليه آنفا ان هذه الرواية قد ذكرها مولانا الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه فقال بعد فتواه بمضمون‌

صحيحة الحلبي الواردة في بول الرضيع: و قد روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «انه قال لبن الجارية.

الحديث».

و الأصحاب قد أجابوا عن خبر السكوني بضعف الاسناد و هو مشكل بعد اعتضاده بالخبر المذكور في الكتاب المشار اليه، و الأظهر كما قدمناه في الموضع المشار اليه حمل الخير على التقية و لا سيما ان راويه من العامة، و يعضده نقله (عليه السلام) الخبر في كتاب الفقه بعد إفتائه بخلاف ما تضمنه بالنسبة إلى بول الرضيع، و جمع من الأصحاب حملوا الرواية على الاستحباب كما هي قاعدتهم في جملة الأبواب. و الله العالم.

و منها- القي‌ء

قد صرح جملة من الأصحاب: منهم- المحقق في المعتبر بأن القي‌ء‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 3 من النجاسات.

232
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الحديد ؛ ج 5، ص : 233

و القلس و النخامة و كل ما يخرج من المعدة إلى الفم أو ينزل من الرأس طاهر عدا الدم.

و قال الشيخ في المبسوط القي‌ء طاهر و قال بعض أصحابنا نجس، قال و الصديد و القيح حكمهما حكم القي‌ء.

أقول: و يدل على الطهارة مضافا الى الأصل‌

موثقة عمار الساباطي «1» «انه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن القي‌ء يصيب الثوب فلا يغسل؟ قال لا بأس به».

و عن عمار ايضا «2» «انه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتقيأ في ثوبه أ يجوز ان يصلي فيه و لا يغسله؟ قال لا بأس به».

فاما‌

ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى عن ابي هلال «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أ ينقض الرعاف و القي‌ء و نتف الإبط الوضوء؟ فقال و ما تصنع بهذا؟ هذا قول المغيرة بن سعيد لعن الله المغيرة، و يجزيك من الرعاف و القي‌ء أن تغسله و لا تعيد الوضوء».

فإنه يمكن ان يجعل دليلا للقول بالنجاسة بتقريب الأمر فيه بالغسل، و فيه ان الأمر بالغسل أعم، و طريق الجمع بينه و بين ما تقدم حمل الغسل على ازالة الاستقذار الحاصل منه لا النجاسة فإن الغسل مطلوب في أمثال ذلك كما ورد في جملة من المواضع من الأمر بالصب و الرش في مواضع لزوال النفرة و مظنة النجاسة، و القي‌ء لا يزول بمجرد الرش فأمر فيه بالغسل لازالة عينه عن الثوب أو البدن و لم أقف على من تعرض لنقل حجة القول بالنجاسة سوى العلامة في المختلف فإنه تكلف لذلك دليلا واهيا لا يستحق ان يسطر و لا يلتفت اليه و لا ينظر.

و منها- الحديد

و ان لم أقف على قائل بنجاسته إلا انه ربما يفهم من بعض الأخبار ذلك حتى ان بعض المتورعين كان يجتنب أكل مثل البطيخ و نحوه إذا قطع بالحديد. و من الأخبار الدالة على ذلك‌

موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) «4»

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 48 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 48 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 7 من نواقض الوضوء.

(4) المروية في الوسائل في الباب 83 من أبواب النجاسات.

233
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الحديد ؛ ج 5، ص : 233

«عن الرجل إذا قص أظفاره بالحديد أو أخذ من شعره أو حلق قفاه فان عليه ان يمسحه بالماء قبل ان يصلي. سئل فإن صلى و لم يمسح من ذلك بالماء؟ قال يمسح بالماء و يعيد الصلاة لأن الحديد نجس، و قال ان الحديد لباس أهل النار و الذهب لباس أهل الجنة».

و عن عمار في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «1» قال «الرجل يقرض من شعره بأسنانه أ يمسحه بالماء قبل ان يصلي؟ قال لا بأس انما ذلك في الحديد».

و يعضده‌

ما رواه في الكافي في باب الخواتيم في حديث عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «2» قال:

«قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا تختموا بغير الفضة فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال ما طهرت كف فيها خاتم من حديد».

و في الفقيه مرسلا «3» قال: «قال (صلى الله عليه و آله) ما طهر الله يدا فيها حلقة حديد».

و يدل على الطهارة مضافا الى إجماع الأصحاب على الحكم قديما و حديثا‌

ما رواه في الفقيه «4» عن إسماعيل بن جابر «انه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من أظفاره و شاربه أ يمسحه بالماء؟ فقال لا هو طهور».

و ما رواه في الفقيه في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «5» انه قال له: «الرجل يقلم أظفاره و يجز شاربه و يأخذ من شعر لحيته و رأسه هل ينقض ذلك وضوءه؟ فقال يا زرارة كل هذا سنة، الى ان قال و ان ذلك ليزيده تطهيرا».

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن سعيد بن عبد الله الأعرج «6» قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) آخذ من أظفاري و من شاربي و احلق رأسي فاغتسل؟ قال لا ليس عليك غسل. قلت فأتوضأ؟ قال لا ليس عليك وضوء. قلت فامسح على أظفاري الماء؟ قال هو ظهور ليس عليك مسح».

و عن وهب بن وهب عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «7» «ان عليا عليه السلام) قال: السيف بمنزلة الرداء تصلي فيه ما لم تر فيه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 32 من لباس المصلى.

(3) رواه في الوسائل في الباب 32 من لباس المصلى.

(4) رواه في الوافي ج 4 ص 37.

(5) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب النجاسات.

(7) رواه في الوسائل في الباب 83 من أبواب النجاسات.

234
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و منها - الحديد ؛ ج 5، ص : 233

دما».

و ما رواه في الكافي في الموثق عن الحسن بن الجهم «1» قال: «أراني أبو الحسن (عليه السلام) ميلا من حديد و مكحلة من عظام فقال كان هذا لأبي الحسن (عليه السلام) فاكتحل به فاكتحلت».

و من الظاهر ان الميل بالاكتحال لا يخلو من ملاقاة الرطوبة غالبا، و الاخبار في هذا الباب كثيرة كما يأتي في كتاب الحج ان شاء الله تعالى في اخبار الحلق و التقصير، و من الظاهر المعلوم اطباق كافة الناس على حلق الرأس من وقته (صلى الله عليه و آله) الى يومنا هذا بآلة الحديد و لم ينقل في شي‌ء منها الأمر بالتطهير.

و بالجملة فهذه الروايات الدالة على النجاسة مطرحة بإجماع الأصحاب و هذه الاخبار مضافا ذلك الى ان الراوي عمار المتفرد بالغرائب في رواياته كما طعن به عليه في غير موضع المحدث الكاشاني في الوافي، و من الاخبار في ذلك ايضا‌

ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسى بن أكيل النميري عن الصادق (عليه السلام) «2» «في الحديد انه حلية أهل النار و الذهب حلية أهل الجنة و جعل الله تعالى الذهب في الدنيا زينة النساء فحرم على الرجال لبسه و الصلاة فيه و جعل الله الحديد في الدنيا زينة الجن و الشياطين فحرم على الرجل المسلم ان يلبسه في الصلاة إلا ان يكون قبال عدو فلا بأس به، الى ان قال و في غير ذلك لا يجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنه نجس ممسوخ».

و رأيت في بعض الحواشي المنسوبة إلى الأمين الأسترآبادي ما صورته: قوله (عليه السلام) «نجس ممسوخ» أقول: أهل الكيمياء زعموا ان المعدنيات المنطبعة كلها في الأصل قابلة للذهب فأصاب بعضها الجذام فصار حديدا و بعضها البرص فصار نحاسا و بعضها البهق فصار فضة و ذكروا ان حقيقة الكيمياء انما هي إزالة ما أصابها من المرض و انه كما لا يمكن معالجة جذام الإنسان كذلك لا يمكن معالجة جذام المعدنيات بالإكسير،

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 86 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 30 من لباس المصلى.

235
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقصد الثاني في الأحكام ؛ ج 5، ص : 236

 

و قوله (عليه السلام): «نجس ممسوخ» إشارة الى ذلك أو الى أنه قذر، و حمل النجس على نجس العين توهم صرف يكذبه حلق رأس النبي (صلى الله عليه و آله) في المروة و قطعه (عليه السلام) البطيخ بالحديد و لبسه الدرع يوما و ليلة في حرب أحد و هو يصلي فيه و عدم اجتنابهم (عليهم السلام) من السيف و أشباه ذلك من الأمور التي يعم بها البلوى، و في الكافي حديث صحيح صريح في صحة الكيمياء و فيه نوع إشارة الى ما ذكرناه. انتهى.

و بالجملة فالعمل على القول بالطهارة، بقي الكلام في روايات عمار المتقدمة و الأصحاب قد حملوها على الاستحباب و لا بأس به كما يدل عليه‌

ما رواه في الكافي عن محمد الحلبي في الصحيح «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون على طهر فيأخذ من أظفاره أو شعره أ يعيد الوضوء؟ فقال لا و لكن يمسح رأسه و أظفاره بالماء. قلت فإنهم يزعمون ان فيه الوضوء؟ فقال ان خاصموكم فلا تخاصموهم و قولوا هكذا السنة».

المقصد الثاني في الأحكام

و فيه بحوث‌

[البحث] (الأول)- في بيان ما به يتحقق التنجيس و ما يلحق ذلك و يتعلق به

و فيه مسائل:

[المسألة] (الأولى) [النجس و المتنجس مؤثران في تنجيس الملاقي مع الرطوبة]

- الظاهر ان كل نجاسة عينية فهي مؤثرة في تنجيس ما تلاقيه برطوبة إلا الماء على تفصيل تقدم فيه في باب المياه بين ما ينفعل بمجرد الملاقاة و ما لا ينفعل و اما مع اليبوسة فلا، و كل ما حكم بنجاسته شرعا فهو مؤثر للتنجيس في غيره مع الرطوبة أيضا، و قد وقع الخلاف في كل من الكليتين فهنا مقامان:

[المقام] (الأول) [هل تتعدي نجاسة الميتة إلى الملاقي مع اليبوسة؟]

- في بيان الخلاف في الكلية الاولى و هي عدم تعدى النجاسة مع‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من نواقض الوضوء.

 

236
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) هل تتعدي نجاسة الميتة إلى الملاقي مع اليبوسة؟ ؛ ج 5، ص : 236

اليبوسة فإنه قد وقع الخلاف في تعدي نجاسة الميتة مع اليبوسة، فظاهر جملة من الأصحاب التعدي فإن لهم في ذلك أقوالا متعددة، فقيل بتأثيرها مطلقا قال في المعالم و هو صريح كلام العلامة في النهاية و ظاهره في مواضع أخر من كتبه و في بعض عبارات المحقق اشعار به. أقول: و هو صريح والده في الروض بالنسبة إلى نجاسة الميت من الإنسان حيث قال- بعد ذكر خبري الحلبي و إبراهيم الآتيين و كلام في البين- ما لفظه:

و دلا ايضا على ان نجاسة الميت تتعدى مع رطوبته و يبوسته للحكم بها من غير استفصال، و قد تقرر في الأصول ان ترك الاستفصال في حكاية الحال مع قيام الاحتمال يدل على العموم في المقال و إلا لزم الإغراء بالجهل. انتهى. و قيل بعدم تأثيرها بدون الرطوبة مطلقا كغيرها من النجاسات، قال في المعالم صرح به بعض المتأخرين. أقول: الظاهر انه المحقق الشيخ علي (قدس سره) فإنه صرح بذلك. و قيل بالتفصيل بموافقة الأول في ميتة الآدمي و الثاني في ميتة غيره، اختاره جماعة من الأصحاب: منهم- العلامة في التذكرة و الشهيد في الذكرى، و قيل بموافقة القول الأول في الآدمي مطلقا و موافقة الثاني في إيجاب غسل ما تلاقيه ميتة غير الآدمي لا في نجاسته، و يظهر ذلك من المنتهى.

و قد تلخص من ذلك بالنسبة إلى ميتة الآدمي ان في نجاسته قولين: (أحدهما) كون نجاسته عينية محضة مطلقا مع الرطوبة أو اليبوسة فعلى هذا ينجس ما يلاقي الميت برطوبة كان أو يبوسة، و هذا هو المشهور كما عرفت من ذهاب جماعة من فضلاء الأصحاب إليه كالعلامة في النهاية و التذكرة و المنتهى و الشهيدين في الروض و الذكرى و المحقق كما تقدم نقله عن المعالم و غيرهم. و (ثانيهما) كونها عينية محضة مع الرطوبة خاصة كغيرها من النجاسات و اما مع اليبوسة فلا تتعدى نجاستها، و هو اختيار المحقق الشيخ علي كما عرفت. ثم انه على القول الأول فهل تكون نجاسة الملاقي عينية محضة كسائر النجاسات التي لا تتعدى إلا مع الرطوبة خاصة دون اليبوسة أو انها حكمية لا تتعدى إلى الملاقي لها مطلقا و انما توجب غسل ذلك الذي لاقى بدن الميت خاصة؟ و الأول ظاهر الأكثر.

237
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) هل تتعدي نجاسة الميتة إلى الملاقي مع اليبوسة؟ ؛ ج 5، ص : 236

و هو اختيار المحقق الشيخ علي بناء على القول المذكور حيث قال في شرح القواعد بعد البحث في المسألة: «و التحقيق ان نجاسة الميت ان قلنا انها تتعدى و لو مع اليبوسة فنجاسة الماس عينية بالنسبة إلى العضو الذي وقع به المس حكمية بالنسبة الى جميع البدن فلا بد من غسل العضو ثم الغسل ان قلنا انها انما تتعدى مع الرطوبة و هو الأصح فمعها تثبت النجاستان و بدونها تثبت نجاسة واحدة و هي الشاملة لجميع البدن». انتهى. و الثاني ظاهر العلامة في المنتهى حيث قال في أحكام ميت الآدمي: «لو مسه رطبا ينجس بنجاسة عينية لما يأتي من ان الميت نجس و لو مسه يابسا فالوجه ان النجاسة حكمية فلو لاقى ببدنه بعد ملاقاته الميت رطبا لم يؤثر في تنجيسه لعدم دليل التنجيس و ثبوت الأصل الدال على الطهارة» انتهى. و هو ظاهر ابن إدريس أيضا كما سيأتي ذكره ان شاء الله تعالى.

و اما بالنسبة الى غير الآدمي من ذوات النفس فقولان أيضا (أحدهما) الاقتصار في تعدي نجاستها على حال الرطوبة فلا تتعدى مع اليبوسة. و هو قول المحقق الشيخ علي و الشهيد في الذكرى و العلامة في التذكرة. و (الثاني) التعدي مع اليبوسة أيضا و به صرح العلامة في المنتهى. ثم انه على تقدير هذا القول فهل تكون نجاسة الملاقي عينية أو حكمية ظاهره في المنتهى الثاني على اشكال، قال في الكتاب المذكور بعد ذكر ميتة غير الآدمي:

لا فرق بين ان يمس الميتة برطوبة أم لا في إيجاب غسل اليد خاصة. ثم قال بعد ذلك بأسطر يسيرة: هل تنجس اليد لو كانت الميتة يابسة؟ فيه نظر ينشأ من كون النجاسات العينية يابسة غير مؤثرة في الملاقي و من عموم وجوب الغسل و انما يكون مع التنجيس، و حينئذ تكون نجاستها عينية أو حكمية؟ الأقرب الثاني فلو لامس رطبا قبل غسل يده لم يحكم بنجاسته على اشكال. انتهى.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان حجة الأول القول و هو تعدي نجاسة ميت الآدمي مطلقا ما قدمناه من الأخبار في الفصل الخامس في نجاسة الميتة فإنها دالة بإطلاقها على تعدي نجاسته مع الرطوبة كان أو اليبوسة بالتقريب الذي تقدم في كلام شيخنا الشهيد الثاني في الروض‌

238
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) هل تتعدي نجاسة الميتة إلى الملاقي مع اليبوسة؟ ؛ ج 5، ص : 236

و حجة القول الثاني و هو عدم تعديها مع اليبوسة مع الأصل‌

قوله (عليه السلام) في موثقة عبد الله بن بكير «1»: «كل شي‌ء يابس ذكي».

المؤيد بجملة من الاخبار الدالة على عدم تعدي النجاسة مع اليبوسة و الظاهر ان تقييد المطلق أقرب من تخصيص العام و حينئذ فالظاهر حمل إطلاق تلك الاخبار على الملاقاة بالرطوبة من أحدهما، و مما يستأنس به لذلك‌

قوله (عليه السلام) في رواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة «2» «ما أصاب ثوبك منه».

في الموضعين فان فيه إشارة إلى تعدى رطوبة أو قذر من الميت، و الى هذا القول يميل كلام المفاتيح، و ظاهر المدارك التوقف في الحكم، و ظاهر المعالم ترجيح القول المشهور لحسنة الحلبي «3» و عدم نهوض موثقة ابن بكير بالمعارضة لقصورها من حيث السند، و المسألة لا تخلو من اشكال و الاحتياط فيها مطلوب على كل حال و ان كان القول بالطهارة لا يخلو من قوة. و اما حجة القول في ميتة غير الآدمي باختصاص التعدي بالرطوبة فلنجاسة الميتة و دلالة الأخبار الكثيرة في مواضع متفرقة على ان ملاقاة النجاسة بالرطوبة موجب لتعديها و الحكم مجمع عليه كما تقدم نقله، و توقف التعدي مع اليبوسة على الدليل و الذي ثبت على تقدير تسليمه مخصوص بميت الإنسان و اما غيره فالحكم فيه كسائر النجاسات العينية لا تتعدى نجاستها إلا مع الرطوبة، و يدل على ذلك أيضا‌

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح الصلاة فيه قبل ان يغسله. قال ليس عليه غسله و ليصل فيه و لا بأس».

و حجة القول بالتعدي في نجاسة غير الآدمي مع اليبوسة كما ذكره العلامة في المنتهى على ما نقله بعض الأصحاب مرسلة يونس المتقدمة قريبا في مسألة الخلاف في نجاسة الأرنب و الثعلب «5» قيل و تقريب الدلالة في الأمرين واحد و هو ترك الاستفصال عن كون الإصابة و المس برطوبة أو غيرها و هو دليل على تعميم الحكم‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 31 من أحكام الخلوة.

(2) ص 65.

(3) ص 65.

(4) المروية في الوسائل في الباب 26 من النجاسات.

(5) ص 228.

239
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(تذنيب) ؛ ج 5، ص : 240

و انتفاء الفرق. و الحق ان الرواية المذكورة بناء على ما حققناه سابقا في الموضع المشار اليه و بينا معارضتها بالأخبار المستفيضة لا تصلح مستندا في المقام.

(تذنيب)

- يشتمل على فائدتين‌

(الأولى) [المراد بالنجاسة العينية و الحكمية]

- اعلم ان النجاسة العينية تطلق في كلام الفقهاء على معان و تقابلها الحكمية في كل منها (فأحدها) ان يراد بها ما تتعدى نجاسته مع الرطوبة و هو مطلق الخبث و هو الأكثر دورانا في كلامهم. و تقابلها الحكمية بمعنى ما لا تتعدى بان يكون المحل الذي قامت به معها طاهرا لا ينجس الملاقي له و لو مع الرطوبة و يحتاج زوال حكمها إلى مقارنة النية كنجاسة بدن الجنب و الحائض و نحوها المتوقف على الغسل. و (ثانيها) ما إذا كانت عين النجاسة محسوسة مع قبول الطهارة كالدم و الغائط و البول قبل جفافه و نحوها، و تقابلها الحكمية بهذا الاعتبار و هو ما لا يكون له جرم و لا عين يشار إليها كالبول اليابس في الثوب. و (ثالثها) ما يكون عينا غير قابل للتطهير كالكلب و الخنزير و تقابلها الحكمية بهذا الاعتبار و هو ما يقبل التطهير كالميت بعد برده و قبل تطهيره بالغسل، و على هذا فتكون نجاسة الميت عينية بالمعنى الأول و الثاني حكمية بالمعنى الثالث فهي عينية من جهة و حكمية من جهة، و اما نجاسة الماس له فإنها حكمية بالمعنى الأول برطوبة كان المس أو يبوسة و عينية بالنسبة إلى العضو الذي وقع المس به برطوبة إجماعا و مع اليبوسة يبنى على الخلاف المتقدم.

(الثانية) [حد الرطوبة المؤثرة في النجاسة]

- قد صرح جمع من الأصحاب بأن المعتبر من الرطوبة التي يتوقف تأثير النجاسة عليها ما يتعدى منها شي‌ء إلى الملاقي فاما القليلة البالغة في القلة إلى حد لا يتعدى منها شي‌ء فهي في حكم اليبوسة. و هو جيد و يدل عليه اخبار موت الفأرة في الدهن الجامد و نحوه «1» و انه يؤخذ ما حولها خاصة و الباقي طاهر، و التقريب فيها ان الجمود في الدهن لا يبلغ الى حد اليبس بل الرطوبة فيه في الجملة موجودة كما لا يخفى.

(المقام الثاني) [الخلاف في أن كل ما حكم بنجاسته يؤثر في تنجيس ملاقيه برطوبة]

- في بيان الخلاف في الكلية الثانية و هي ان كل ما حكم‌

______________________________
(1) رواها في الوسائل في الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرمة، و قد تقدمت ص 56.

240
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) الخلاف في أن كل ما حكم بنجاسته يؤثر في تنجيس ملاقيه برطوبة ؛ ج 5، ص : 240

بنجاسته شرعا فهو مؤثر في تنجيس ما يلاقيه برطوبة، و الخلاف هنا وقع من العلامة و ابن إدريس و المحدث الكاشاني:

أما العلامة فلما صرح به في المنتهى في نجاسة ميت الآدمي كما قدمنا نقله من انه لو مسه يابسا و لاقى ببدنه بعد ملاقاته للميت رطبا لم يؤثر في تنجيسه لعدم دليل التنجيس و ثبوت الأصل الدال على الطهارة. و أنت خبير بما فيه فان النصوص المشار إليها آنفا قد دلت على وجوب غسل الملاقي لبدن الميت مطلقا و ما ذاك إلا لنجاسته لأن أكثر النجاسات انما استفيد الحكم بنجاستها من الأمر بغسلها و إزالتها و نحوه مما تقدم ذكره في غير مقام، و من حكم النجس تعدي نجاسته لما يلاقيه برطوبة كما هو المستفاد من الاخبار في غير مقام، و لعله بنى على ان الأمر بالغسل لا يستلزم حصول التنجيس إذ هو أعم من ذلك، و فيه ما عرفت. ثم العجب من العلامة فيما قدمنا من كلاميه في ميتة الآدمي و ميتة غيره في المنتهى حيث جزم بكون النجاسة في الأول في صورة الملاقاة باليبوسة حكمية و استشكل في الثاني في الصورة المذكورة في كونها حكمية أو عينية، مع انه في ميتة الآدمي لم يتوقف في حصول التنجيس بها بين كون الملاقاة برطوبة أو يبوسة و في ميتة غير الآدمي توقف في النجاسة مع اليبوسة كما عرفت.

و اما ابن إدريس فإنه قال في السرائر بعد الكلام في التغسيل: «ثم ينشفه بثوب نظيف و يغتسل الغاسل فرضا واجبا في الحال أو فيما بعد فان مس مائعا قبل اغتساله و خالطه لا يفسده و لا ينجسه، و كذلك إذا لاقى جسد الميت من قبل غسله إناء ثم أفرغ في ذلك الإناء قبل غسله مائع فإنه لا ينجس ذلك المائع و ان كان الإناء يجب غسله لانه لاقى جسد الميت و ليس كذلك المائع الذي حصل فيه لانه لم يلاق جسد الميت، و حمله على ذلك قياس و تجاوز في الأحكام بغير دليل، و الأصل في الأشياء الطهارة الى ان يقوم دليل قاطع للعذر و ان كنا متعبدين يغسل ما لاقى جسد الميت لان هذه نجاسات حكميات و ليست عينيات و الأحكام الشرعية نثبتها بحسب الأدلة الشرعية، و لا خلاف ايضا بين الأمة كافة ان المساجد يجب ان تنزه و تجنب النجاسات‌

241
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) الخلاف في أن كل ما حكم بنجاسته يؤثر في تنجيس ملاقيه برطوبة ؛ ج 5، ص : 240

العينيات، و قد أجمعنا بلا خلاف في ذلك بيننا على ان من غسل ميتا له ان يدخل المسجد و يجلس فيه فضلا عن مروره و جوازه و دخوله اليه فلو كان نجس العين لما جاز ذلك و ادى الى تناقض الأدلة. و أيضا فإن الماء المستعمل في الطهارة على ضربين ما استعمل في الصغرى و الأخر في الكبرى، فالماء المستعمل في الصغرى لا خلاف بيننا انه طاهر مطهر و الماء المستعمل في الطهارة الكبرى الصحيح عند محققي أصحابنا انه ايضا طاهر مطهر، و خالف فيه من أصحابنا من قال انه طاهر تزال به النجاسات العينيات و لا ترفع به الحكميات، فقد اتفقوا جميعا على انه طاهر. و من جملة الأغسال و الطهارات الكبرى غسل من غسل ميتا فلو نجس ما يلاقيه من المائعات لما كان الماء الذي قد استعمله في غسله و ازالة حدثه طاهرا بالاتفاق و الإجماع الذين أشرنا إليهما» انتهى.

و اعترضه المحقق في هذا المقام و استوفى الكلام في الرد عليه بما هذا لفظه:

فرع- إذا وقعت يد الميت بعد برده و قبل تطهيره في مائع فإن ذلك المائع ينجس و لو وقع ذلك المائع في آخر وجب الحكم بنجاسة الثاني، و خبط بعض المتأخرين فقال إذا لاقى جسد الميت، ثم ساق كلامه ملخصا ثم قال: و الجواب عما ذكره ان نقول لا نسلم أن الإناء ينجس بملاقاة الميت أو اليد الملامسة للميت بعد برده و لو لاقت مائعا لم ينجس.

قوله لان الحكم بنجاسة المائع قياس على نجاسة ما لاقى الميت، قلنا هذا الكلام ركيك لا يصلح دليلا على دعواه بل يصلح جوابا لمن يستدل على نجاسة المائع الملاقي اليد بالقياس على نجاسة اليد الملاقية للمائع، لكن أحدا لم يستدل بذلك بل نقول لما أجمع الأصحاب على نجاسة اليد الملاقية للميت و أجمعوا على نجاسة المائع إذا وقعت فيه نجاسة لزم من مجموع القولين نجاسة ذلك المائع لا بالقياس على نجاسة اليد، فاذن ما ذكره لا يصلح دليلا و لا جوابا. قوله لا خلاف ان المساجد يجب ان تجنب النجاسات و لا خلاف ان لمن مس ميتا ان يجلس في المسجد و يستوطنه، قلنا هذه دعوى عرية عن البرهان و نحن نطالبك بتحقيق الإجماع على هذه الدعوى و نطالبك اين وجدتها؟ فانا لا نوافقك على ذلك بل نمنع‌

242
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) الخلاف في أن كل ما حكم بنجاسته يؤثر في تنجيس ملاقيه برطوبة ؛ ج 5، ص : 240

الاستيطان كما نمنع من على جسده نجاسة و يقبح إثبات الدعوى بالمجازفات. قوله الماء المستعمل في الطهارة الكبرى طاهر، قلنا هذا حق. قوله فيكون ماء المغتسل من ملامسة الميت طاهرا، قلنا هذا الإطلاق ممنوع و تحقيق هذا ان الملامس للميت تنجس يده نجاسة عينية و يجب عليه الغسل و هو طهارة حكمية فإن اغتسل قبل غسل يده نجس ذلك الماء بملاقاة يده التي لامس بها الميت اما لو غسل يده ثم اغتسل لم يحكم بنجاسة ذلك الماء، و كذا نقول في جميع الأغسال الحكمية لأن ماء الغسل من الجنابة طاهر و ان كان الغسل يجب لخروج المني و ينجس موضع خروجه و لو اغتسل قبل غسل موضع الجنابة كان ماء الغسل نجسا بالملاقاة لمخرج النجاسة إجماعا، و كذلك غسل الحيض يجب عند انقطاع دم الحيض و يكون المخرج نجسا فلو اغتسلت و لما تغسل المخرج كان ماء الغسل نجسا و لو إزالته ثم اغتسلت كان ماء الغسل طاهرا، و كذا جميع الأغسال، فقد بان ضعف ما ذكره المتأخر. اللهم إلا ان يقول ان الميت ليس بنجس و انما يجب الغسل تعبدا كما هو مذهب الشافعي «1». لكن هذا مخالف لما ذكره الشيخ أبو جعفر فإنه ذكر انه نجس بإجماع الفرقة و قد سلم هذا المتأخر نجاسته و نجاسة ما يلاقي بدنه. و لو قال انا أوجب غسل ما لاقى بدنه و لا أحكم بنجاسة ذلك الملاقي، قلنا فحينئذ يجوز استصحابه في الصلاة و الطهارة به لو كان ماء، ثم يلزم ان يكون الماء الذي يغسل به الميت طاهرا و مطهرا، و يلزمك حينئذ ان تكون ملاقاته مؤثرة في الثوب منعا و غسلا و غير مؤثرة في الماء القليل و هو باطل. انتهى.

قال في المعالم بعد نقله هنا كلام المحقق (قدس سره): «و كأنه أراد من النجاسة التي ادعى الإجماع على تنجيس المائع بوقوعها فيه ما يشمل المتنجس لينتظم الدليل مع الدعوى و إلا فالإجماع على تأثير عين النجاسة لا يدل على تأثير المتنجس كما هو واضح، و إذا ثبت انعقاد الإجماع على تأثير المتنجس مع الرطوبة كالنجاسة و اندفع به قول ابن‌

______________________________
(1) راجع التعليقة 1 ص 68.

243
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

إدريس فكذا يندفع به قول العلامة، و ربما نازعا في تحقق هذا الإجماع» انتهى.

و ظاهره انه لا دليل على تعدي النجاسة من المتنجس مع ملاقاته بالرطوبة غير الإجماع مع انه قد ورد في كثير من الأخبار الأمر بغسل الثوب و البدن و اعادة الصلاة من ملاقاة الماء المتنجس كما في أحاديث البئر و غيرها و هي كثيرة متفرقة في الأحكام.

و اما المحدث الكاشاني فإنه قد تفرد بالقول بان المتنجس بعد ازالة عين النجاسة عنه بالتمسح لا تتعدى نجاسته الى ما يلاقيه برطوبة، و قد تقدم البحث معه في ذلك في صدر الباب الثاني في الوضوء إلا انا لم نعط المسألة فيه حقها من التحقيق، و حيث كان الأنسب بها هو هذا المقام فلا بد من ذكرها و اعادة البحث فيها بما يحيط بأطراف الكلام بإبرام النقض و نقض الإبرام، و سيأتي البحث فيها هنا في مسألة على حدة قريبا ان شاء الله تعالى.

(المسألة الثانية) [الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟]

- لا ريب في الحكم بالتنجيس متى حصل العلم بملاقاة النجاسة على الوجه الذي بينا كونه مؤثرا في التنجيس، اما لو استند ذلك الى الظن فقد اختلف في ذلك كلام الأصحاب على أقوال: (الأول)- القول بعدم تأثير الظن مطلقا و ان استند الى سبب شرعي بل لا بد من القطع و اليقين، و هو المنقول عن ابن البراج الشيخ عبد العزيز الطرابلسي. (الثاني)- الاكتفاء بالظن و قيامه مقام العلم مطلقا استند الى سبب شرعي كشهادة العدلين و اخبار المالك أم لا، و هو المنقول عن الشيخ ابي الصلاح تقي بن نجم الحلبي. (الثالث)- انه ان استند الى سبب شرعي من شهادة العدلين و اخبار ذي اليد و ان لم يكن عدلا قبل و إلا فلا، و هو قول جماعة من الأصحاب:

منهم- العلامة في المنتهى و موضع من التذكرة، قال في المنتهى: لو أخبر عدل بنجاسة الماء لم يجب القبول اما لو شهد عدلان فالأولى القبول. و قال في موضع آخر: لو أخبر العدل بنجاسة إنائه فالوجه القبول و لو أخبر الفاسق بنجاسة إنائه فالأقرب القبول ايضا.

و احتج لقبول العدلين بان شهادتهما معتبرة في نظر الشارع قطعا و لهذا لو كان الماء مبيعا‌

244
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

فادعى المشتري فيه العيب بكونه نجسا و شهد له عدلان ثبت جواز الرد. و قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه: و ما فصله في المنتهى هو المشهور بين المتأخرين و قد ذكر نحوه في موضع من التذكرة. (الرابع)- انه ان استند الى سبب كقول العدل فهو كما لو علم و ان لم يستند الى سبب كما في ثياب مدمني الخمر و القصابين و الصبيان و طين الشوارع و المقابر المنبوشة لم يحكم بالتنجيس، اختاره العلامة في موضع من التذكرة، و جزم المحقق في المعتبر بعدم القبول مع اخبار العدل الواحد، و نقل عن ابن البراج القول بعدم القبول أيضا في العدلين، ثم قال و الأظهر القبول لثبوت الأحكام بشهادتهما عند التنازع كما لو اشتراه و ادعى المشترى نجاسته قبل العقد فلو شهد شاهدان لساغ الرد و هو مبني على ثبوت العيب. و نفى عنه البأس في المعالم بعد نقله، و نسبه العلامة في المختلف الى ابن إدريس أيضا. و ربما قيد بعضهم قبول خبر العدلين في ذلك بذكر السبب. قال لاختلاف العلماء في المقتضى للتنجيس إلا ان يعلم الوفاق فيكتفى بالإطلاق، و نقله في المعالم عن بعض الأصحاب و استحسنه قال و هذا الاشتراط حسن و وجهه ظاهر، ثم نقل فيه انه قيد جماعة الحكم بقبول اخبار الواحد بنجاسة مائه بما إذا وقع الاخبار قبل الاستعمال فلو كان بعده لم يقبل بالنظر الى نجاسة المستعمل له فان ذلك في الحقيقة إخبار بنجاسة الغير فلا يكفي فيه الواحد و ان كان عدلا، و لأن الماء يخرج بالاستعمال عن ملكه إذ هو في معنى الإتلاف أو نفسه، قال و بهذا التقييد صرح في التذكرة.

أقول: هذا ملخص ما حضرني من الأقوال في المسألة،

و قد روى المشايخ الثلاثة (رضوان الله عليهم) بأسانيدهم المعتبرة عن الصادق (عليه السلام) «1» انه قال: «الماء كله طاهر حتى يعلم انه قذر».

و روى الشيخ عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «2» قال: «ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من الماء المطلق.

(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من النجاسات.

245
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

و الظاهر ان من اعتبر القطع و اليقين كما تقدم نقله عن ابن البراج حمل العلم هنا على ذلك كما هو اصطلاح أهل المعقول، و لهذا نقل عنه الاحتجاج على ما ذهب إليه بأن الطهارة معلومة بالأصل و شهادة الشاهدين لا تفيد إلا الظن فلا يترك لأجله المعلوم. و من اعتبر الظن الشرعي مطلقا كأبي الصلاح حمل العلم هنا على ما هو أعم من اليقين و الظن مطلقا و لهذا نقل عنه الاحتجاج على ما ذهب إليه بأن الشرعيات كلها ظنية و ان العمل بالمرجوح مع قيام الراجح باطل. و من اعتبر الظن المستند الى سبب شرعي حمل العلم على ما هو أعم من اليقين أو العلم الشرعي، و يقرب منه القول الرابع كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد أجاب في المعالم عن حجة ابن البراج بأن شهادة العدلين في معنى العلم شرعا، و بان معلومية الطهارة بالأصل ان أراد بها تيقن عدم عروض منجس فهو ممنوع و ان أراد حكم الشارع بالطهارة قطعا استنادا الى الأصل فكذلك شهادة الشاهدين. انتهى.

أقول: و تحقيق ذلك بوجه أوضح و بيان أفصح هو ان يقال: (أولا)- ان اشتراطه اليقين و العلم في الحكم بالنجاسة ان كان مخصوصا بالنجاسة دون ما عداها من الطهارة و الحلية و الحرمة فهو تحكم محض، و ان كان الحكم في الجميع واحدا فيقين الطهارة الذي اعتمده ليس إلا عبارة عن عدم العلم بملاقاة النجاسة و هو أعم من العلم بالعدم و مثله يقين الحلية. و (ثانيا)-

انه قد روى الشيخان الكليني و الطوسي في الكافي و التهذيب بسنديهما عن الصادق (عليه السلام) في الجبن «1» قال: «كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان عندك ان فيه ميتة».

و رؤيا ايضا بسنديهما عنه (عليه السلام) «2» «كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، الى ان قال و الأشياء

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب ما يكتسب به.

246
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة».

و الحكم في المسألتين من باب واحد بل الخبران و ان كان موردهما الحل و الحرمة إلا ان التحريم في الخبر الأول انما نشأ من حيث النجاسة و الخبران صريحان في الاكتفاء بالشاهدين في ثبوت كل من النجاسة و الحرمة.

و مما يؤيد الاكتفاء بشهادة العدلين في الحكم بالنجاسة ان الظاهر انه لا خلاف و لا إشكال في انه لو كان الماء مبيعا فادعى المشتري فيه العيب بكونه نجسا و اقام شاهدين عدلين بذلك فإنه يتسلط على الفسخ و ما ذاك إلا لثبوت النجاسة و الحكم بها كما قد تقدم ذكره في عبارتي المحقق و العلامة. و ما ذكره بعض فضلاء متأخري المتأخرين- من إمكان المناقشة في ذلك بان اعتبار شهادتهما في نظر الشارع مطلقا بحيث يشمل ما نحن فيه ممنوع و قبول شهادتهما في الصورة المفروضة لا يدل على أزيد من ترتب جواز الرد أو أخذ الأرش عليه و اما ان يكون حكمه حكم النجس في سائر الأحكام فلا بل لا بد له من دليل. انتهى- مما لا ينبغي ان يصغى اليه، كيف و استحقاق جواز الرد أو أخذ الأرش انما هو فرع ثبوت النجاسة و حكم الشارع بها ليتحقق العيب الذي هو سبب لذلك و متى ثبتت النجاسة شرعا ترتبت عليها أحكامها التي من جملتها هنا العيب الموجب للرد أو الأرش.

و اما ما احتج به أبو الصلاح فإنه قد أجاب عنه في المعالم بالمنع من العمل بمطلق الظن شرعا، قال و ثبوته في مواضع مخصوصة لدليل خاص لا يقتضي التعدية إلا بالقياس. انتهى. و هو جيد، و يؤكده ان المستفاد من الأخبار ان يقين الطهارة و يقين الحلية لا يخرج عنه إلا بيقين مثله كالأخبار الواردة في من تيقن الطهارة من الحدث و الطهارة من الخبث في ثوبه أو بدنه فإنه لا يخرج عن ذلك إلا بيقين مثله، و من تلك الأخبار‌

صحيحة عبد الله بن سنان «1» في الثوب إذا أعير الذمي و هو يعلم انه يشرب الخمر

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

247
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

و يأكل لحم الخنزير حيث قال (عليه السلام): «صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه».

و ما ورد في الجبن من قوله (عليه السلام) «1»: «ما علمت أنه ميتة فلا تأكله و ما لم تعلم فاشتر و بع و كل، الى ان قال و الله اني لأعترض السوق فاشتري بها اللحم و السمن و الجبن و الله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر و هذه السودان».

و ما ورد في موثقة عمار «2» «في الرجل يجد في إنائه فأرة و كانت متفسخة و قد توضأ من ذلك الإناء مرارا و اغتسل و غسل ثيابه، حيث قال (عليه السلام) ليس عليه شي‌ء لأنه لا يعلم متى سقطت، ثم قال لعله انما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها».

و لا يخفى انه لو جاز العمل بالظن مطلقا لكان الوجه هو النجاسة و الحرمة في جميع ما دلت عليه هذه الاخبار و أمثالها على طهارته و حليته و لا سيما موثقة عمار لظهورها في سبق موت الفأرة لمكان التفسخ مع انه (عليه السلام) عملا بسعة الشريعة لم يلتفت الى ذلك و قال: «لعلها انما سقطت تلك الساعة» و منها‌

ما ورد في صحيحة زرارة «3» في اصابة المني للثوب من انه «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي اصابه و ان ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء. الحديث».

و هو صريح في المطلوب و النضح فيه محمول على الاستحباب كما في نظائره.

و التحقيق عندي في هذا المقام بما لا يحوم للناظر حوله نقض و لا إبرام هو ان كلا من الطهارة و النجاسة و الحل و الحرمة ليست أمورا عقلية بل هي أمور شرعية مبنية على التوقيف من صاحب الشرع و لها أسباب معينة معلومة منه تدور مدارها، و المعلوم‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 61 من الأطعمة المباحة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 4 من الماء المطلق.

(3) لم نعثر في كتب الحديث على رواية لزرارة بهذا اللفظ و أيما الوارد بهذا اللفظ حسنة الحلبي المروية في الوسائل في الباب 16 من النجاسات و قد تقدمت ج 1 ص 138.

248
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

منه ان حصول الطهارة و الحلية هي عبارة عن عدم علم المكلف بالنجس و المحرم لا عبارة عن عدم ملاقاة النجاسة و حصول السبب المحرم واقعا، و حصول النجاسة عبارة عن مشاهدة المكلف لذلك أو اخبار المالك بنجاسة مائه و ثوبه مثلا أو شهادة الشاهدين و هكذا في ثبوت الحرمة، و ليس ثبوت النجاسة لشي‌ء و اتصافه بها عبارة عن مجرد ملاقاة عين أحد النجاسات في الواقع و نفس الأمر خاصة و ان كان هو المشهور حتى انه يقال بالنسبة الى غير العالم بالملاقاة ان هذا نجس في الواقع و طاهر بحسب الظاهر بل هو نجس بالنسبة إلى العالم بالملاقاة أو أحد الأسباب المتقدمة طاهر بالنسبة الى غير العالم، و الشارع لم يجعل شيئا من الأحكام الشرعية منوطا بالواقع و نفس الأمر. و حينئذ فلا يقال ان اخبار المالك و شهادة العدلين انما يفيدان ظن النجاسة لاحتمال ان لا يكون كذلك في الواقع كيف و هما من جملة الأسباب التي رتب الشارع الحكم بالنجاسة عليها، و بالجملة فحيث حكم الشارع بقبول شهادة العدلين و اخبار المالك في ذلك فقد حكم بثبوت الأحكام بهما فيصير الحكم حينئذ معلوما من الشارع و لا معنى للنجس شرعا كما عرفت إلا ذلك و ان فرض عدم ملاقاة النجاسة في الواقع، ألا ترى انه وردت الأخبار و عليه اتفاق كلمة الأصحاب ان الأشياء كلها على يقين الطهارة و يقين الحلية حتى يعلم النجس و الحرام بعينه مع ان هذا اليقين كما عرفت ليس إلا عبارة عن عدم العلم بالنجاسة و الحرمة و عدم العلم لا يدل على العدم، فيجوز ان تكون تلك الأشياء كلا أو بعضا بحسب الواقع و نفس الأمر على النجاسة و الحرمة لو كان كل من النجاسة و الحرمة من الأمور النفس الأمرية الواقعية بدون علم المكلف بذلك، و كذا القول في حكم الشارع بقبول قول المالك في طهارة ثوبه و إنائه و طهارة ما في أسواق المسلمين و حليته لعين ما ذكرنا، و بالجملة فالعلم و اليقين المتعلق بهذه الأحكام ليس عبارة عما توهموه من الإناطة بالواقع و نفس الأمر و ان لم يظهر للمكلف و ان متيقن النجاسة ليس إلا عبارة عما وجد فيه النجاسة حتى انه يصير ما عدا هذا الفرد مما أخبر به المالك أو شهد به العدلان مظنون النجاسة، إذ لو كان كذلك للزم مثله في جانب الطهارة إذ الجميع من‌

249
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

باب واحد فإنها أحكام متلقاة من الشارع فيختص الحكم بالطهارة يقينا حينئذ بما باشر المكلف تطهيره و لم يغب عنه بعد ذلك و إلا لكان مظنون الطهارة أو مرجوحها، مع ان المعلوم من الشرع كما عرفت خلافه فإنه قد حكم بأن الأشياء كلها على يقين الطهارة حتى يعلم المزيل عنها.

و يؤكد ما صرنا إليه في هذا المقام و ان غفل عنه جملة من علمائنا الأعلام ما نقله في المعالم عن السيد المرتضى (رضي الله عنه) و ارتضاه جملة ممن تأخر عنه من ان وجوب الحكم على القاضي بعد شهادة العدلين ليس من حيث انها توجب حصول الظن بل من حيث ان الشارع جعلها سببا لوجوب الحكم على القاضي كما جعل دخول الوقت سببا لوجوب الصلاة. و أيده بعض من تأخر عنه بأنه كثيرا ما لا يحصل الظن بشهادتهما لمعارضة قرينة حالية مع وجوب الحكم على القاضي. انتهى. و مثله يأتي فيما ذكرنا من الأسباب كما لا يخفى على ذوي الألباب.

و مما ذكرناه من هذا التحقيق الرشيق يظهر لك ان أظهر الأقوال هو القول المشهور و ان الخبر المتقدم اعني‌

قوله (عليه السلام): «الماء كله طاهر حتى تعلم انه قذر».

ظاهر الانطباق عليه، و التقريب فيه ان المراد بالعلم فيه ما هو المتبادر من اللفظ و هو اليقين و القطع لكن لا بالنظر الى الواقع و نفس الأمر من حيث هو إذ لا مدخل له كما عرفت في الأحكام الشرعية بل بالنظر الى الأسباب التي جعلها الشارع مناطا للنجاسة و علم المكلف بها، فيقين الطهارة و النجاسة إنما يدور على ذلك وجودا و عدما فالطاهر شرعا هو ما لم يعلم المكلف بملاقاة النجاسة له لا ما لم تلاقه النجاسة مطلقا و النجس هو ما علم المكلف بنجاسته بأحد الأسباب لا ما لاقته النجاسة مطلقا.

و لم أقف على من تنبه لما ذكرنا من هذا التحقيق في المقام من علمائنا الاعلام إلا الفاضل المحقق السيد نعمة الله الجزائري في رسالة التحفة، حيث قال بعد ان نقل عن بعض معاصريه من علماء العراق وجوب عزل السؤر عن الناس، و نقل عنهم ان من أعظم‌

250
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) الظن بملاقاة النجاسة هل يوجب الحكم بالتنجيس؟ ؛ ج 5، ص : 244

أدلتهم قولهم انا قاطعون بان في الدنيا نجاسات و قاطعون أيضا بان في الناس من لا يتجنبها و البعض الآخر لا يتجنب ذلك البعض فإذا باشرنا أحدا من الناس فقد باشرنا مظنون النجاسة أو مقطوعها، الى ان قال فقلنا لهم يا معشر الاخوان ان الذي يظهر من اخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام) التسامح في أمر الطهارات و ان الطاهر و النجس هو ما حكم الشارع بطهارته و نجاسته لا ما باشرته النجاسة و الطهارة فالطاهر ليس هو الواقع في نفس الأمر بل ما حكم الشارع بطهارته و كذا النجس و ليس له واقع سوى حكم الشارع بطهارة المسلمين فصاروا طاهرين، الى ان قال و بهذا التحقيق. الى آخر ما سيأتي نقله في المقام ان شاء الله تعالى.

و اما ما ذكره العلامة في التذكرة من ثبوت النجاسة بالعدل الواحد فقد تقدم رد المحقق له في المعتبر و إنكار العلامة في المنتهى له ايضا، قال في المعالم و اما ما ذهب إليه في التذكرة فلم يتعرض للاحتجاج عليه فيها و لكنه في النهاية احتمل قبول اخبار العدل الواحد بنجاسة إناء معين ان وجد غيره، و وجهه بأن الشهادة في الأمور المتعلقة بالعبارة كالرواية و الواحد فيها مقبول فيقبل فيما يشبهها من الشهادة. و ربما كان التفاته في كلام التذكرة إلى نحو هذا التوجيه، و حاله لا يخفى. انتهى.

أقول: الحق عندي ان قبول قول العدل الواحد في هذا المقام لا يخلو من قوة لا لما ذكر من هذا التعليل السخيف بل لدلالة جملة من الاخبار على افادة قوله العلم، و منها‌

ما رواه الشيخ عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن رجل كانت له عندي دنانير و كان مريضا فقال لي ان حدث بي حدث فأعط فلانا عشرين دينارا و أعط أخي بقية الدنانير فمات و لم اشهد موته، فأتاني رجل مسلم صادق فقال لي انه أمرني أن أقول لك انظر الدنانير التي أمرتك ان تدفعها الى أخي فتصدق منها بعشرة دنانير اقسمها في المسلمين و لم يعلم أخوه ان عندي شيئا؟ فقال ارى ان

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 97 من كتاب الوصايا.

251
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 252

 

تتصدق منها بعشرة دنانير كما قال».

و فيه دلالة على ثبوت الوصية بقول الثقة.

و ما رواه الشيخ في التهذيب و الصدوق عن ابن ابي عمير عن هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) «1» في حديث قال فيه: «ان الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض ابدا و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافه بالعزل عن الوكالة».

و الأصحاب قد صرحوا في هذه المسألة بأنه لا ينعزل الوكيل إلا مع العلم، و منه يعلم ان نظم اخبار الثقة في سلك المشافهة الموجبة للعلم ظاهر في انه مثله في إفادة العلم المشترط في المسألة و نحو ذلك من الأخبار الدالة على جواز وطء الأمة بغير استبراء إذا كان البائع عدلا قد أخبر بالاستبراء، و الأخبار الدالة على الاعتماد في دخول الوقت المشروط فيه العلم على أذان الثقة، الى غير ذلك من المواضع التي يقف عليها المتتبع، و بذلك يظهر قوة القول المذكور كما قدمنا الإشارة اليه و ان لم تخطر هذه الأدلة ببال صاحبه.

تنبيهات

(الأول) [هل يقبل قول المالك في الطهارة و النجاسة؟]

- ظاهر الأصحاب الاتفاق على قبول قول المالك في طهارة ثوبه و إنائه و نحوهما و نجاستهما، و ناقش فيه المحقق الخوانساري في شرح الدروس حيث قال: و اما قبول قول المالك عدلا كان أو فاسقا فلم نظفر له على حجة و قد يؤيد‌

بما رواه في التهذيب عن إسماعيل بن عيسى «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير عارف؟ قال عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه».

وجه التأييد ان ظاهره ان قول المشركين يقبل في أموالهم انها ذكية و إلا فلا فائدة في السؤال عنهم و إذا قبل قول المشركين فقول المسلمين بطريق اولى. لكن‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من كتاب الوكالة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 50 من أبواب النجاسات.

 

252
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يقبل قول المالك في الطهارة و النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 252

سند الرواية غير نقي مع ان في الظهور المذكور تأملا. انتهى.

أقول: ما ذكره من الرواية المذكورة و زعم دلالتها على قبول قول المشرك فالظاهر ان المعنى فيها ليس على ما فهمه و ان كان قد سبقه فيه الى ذلك المحدث الكاشاني في الوافي أيضا حيث قال بعد نقل الخبر المذكور: و انما يجب السؤال إذا كان البائع مشركا لغلبة الظن حينئذ بأنه غير ذكي إلا ان يخبر هو بأنه من ذبيحة المسلمين فيصير بالسؤال مشكوكا فيه فجاز لبسه حينئذ حتى يعلم كونه ميتة. انتهى. و لا يخفى انه يرد على هذا التفسير (أولا) انه لا مناسبة في ارتباط الجواب بالسؤال إذ السائل إنما سأل عن الاشتراء من المسلم فكيف يجاب على تقدير الاشتراء من المشرك؟ و (ثانيا) انه لا معنى لقوله في آخر الخبر:

«و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه»

و الأظهر عندي في معنى الخبر المذكور هو انه لما سأل السائل عن حكم الشراء من السوق المذكورة إذا كان البائع مسلما و انه هل يسأل عن ذكاته أم لا؟ أجاب (عليه السلام) بالتفصيل بأنه ان كان في تلك السوق من يبيع من المشركين فعليكم السؤال من ذلك المسلم إذ لعله أخذه من المشركين و إذا رأيتم المسلم يصلى فيه فلا تسألوا لأن صلاته فيه دليل على طهارته عنده، و يفهم من الخبر بمفهوم الشرط انه مع عدم من يبيع من المشركين فليس عليهم السؤال.

و مما يدل على عدم السؤال إطلاق‌

صحيحة البزنطي «1» قال: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها؟ قال نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، ان الدين أوسع من ذلك».

و أنت خبير بان الظاهر من الصحيحة المذكورة- حيث تضمنت نفي المسألة المؤكد بالرد على الخوارج و نسبتهم الى تضييق الدين بالمسألة أو ما هو نحوها- ان مع السؤال يقبل قول المسؤول و إلا لما حصل الضيق في الدين بالسؤال كما لا يخفى، إذ الظاهر ان المراد من الخبران جميع الأشياء بمقتضى سعة الدين المحمدي‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات و 55 من لباس المصلى.

253
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يقبل قول المالك في الطهارة و النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 252

على ظاهر الحل و الطهارة، و السؤال و الفحص عن كل فرد فرد بأنه حلال أو حرام أو طاهر أو نجس تضييق لها و رفع لسهولتها التي قد من الشارع بها على عباده، و معلوم ان حصول الضيق انما يتم بقبول قول المالك بالنجاسة و الحرمة. و مما يدل على المنع من السؤال أيضا بعض الاخبار الواردة في الجبن حيث انه (عليه السلام) اعطى الخادم درهما و امره أن يبتاع به من مسلم جبنا و نهاه عن السؤال «1» و حينئذ ففي هذه الاخبار و نحوها دلالة على قبول قول المالك عدلا كان أو غيره.

و مما يدل على ذلك ايضا‌

ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن عبد الله بن بكير «2» قبل: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه و هو لا يصلي فيه؟ قال لا يعلمه. قلت فإن أعلمه؟ قال يعيد».

و هي- كما ترى- صريحة في قبول قول المالك في طهارة ثوبه و نجاسته لحكمه (عليه السلام) بإعادة الصلاة على المستعير لو صلى بعد الاعلام، و يدل على ذلك أيضا‌

موثقة معاوية بن عمار «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا اعلم انه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟

فقال لا تشربه. قلت فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحله على النصف يخبرنا ان عنده بختجا قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه نشرب منه؟ قال نعم».

و رواية علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الرجل يصلي الى القبلة لا يوثق به اتى بشراب زعم انه على الثلث أ يحل شربه؟ قال لا يصدق إلا ان يكون مسلما عارفا».

و موثقة عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام) «5» «انه سأل عن الرجل يأتي بالشراب فيقول هذا مطبوخ على الثلث؟ فقال ان كان

______________________________
(1) و هو خبر بكر بن حبيب المروي في الوسائل في الباب 61 من الأطعمة المباحة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 47 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 7 من الأشربة المحرمة.

(4) المروية في الوسائل في الباب 7 من الأشربة المحرمة.

(5) المروية في الوسائل في الباب 7 من الأشربة المحرمة.

254
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) الأخبار الدالة على قاعدة الطهارة ؛ ج 5، ص : 255

مسلما ورعا مأمونا فلا بأس ان يشرب».

و قد دلت هذه الاخبار على قبول قول المالك إلا في مقام الريبة و حصول الظن بكذبه و هو أمر خارج عن موضع البحث.

(الثاني) [الأخبار الدالة على قاعدة الطهارة]

قد عرفت مما تقدم ان الأصل الطهارة في كل شي‌ء حتى يقوم الدليل الشرعي على النجاسة و لا يكفي مجرد الظن، و هذا الأصل و ان لم يرد بقاعدة كلية فيما سوى الماء الا ما يتناقله الفقهاء في كتب الاستدلال من‌

قوله (عليه السلام): «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر».

مع عدم وجوده في كتب الأخبار فيما اعلم إلا ان هذه مستفادة من جملة من الأخبار بضم بعضها الى بعض بل ظاهرة من بعضها ايضا.

و منها-

ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار عن الصادق (عليه السلام) «1» في حديث قال: «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر فإذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك».

و هذا الخبر في معنى الخبر المشهور المشار إليه إذ المراد بالنظافة انما هو الطهارة.

و عن حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) «2» قال قال: «ما أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم».

و منها-

صحيحة عبد الله بن سنان «3» قال: «سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر اني أعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده علي فاغسله قبل ان أصلي فيه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه فلا بأس ان تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه».

و في الصحيح عن معاوية بن عمار «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام)

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 73 من النجاسات.

255
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) الأخبار الدالة على قاعدة الطهارة ؛ ج 5، ص : 255

عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم أخباث و هم يشربون الخمر و نساؤهم على تلك الحال ألبسها و لا اغسلها و أصلي فيها؟ قال نعم. قال معاوية فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له أزرارا و رداء من السابري ثم بعثت بها اليه (عليه السلام) في يوم الجمعة حين ارتفع النهار فكأنه عرف ما أريد فخرج فيها إلى الجمعة».

و رواية أبي جميلة عن الصادق (عليه السلام) «1»: «انه سأله عن ثوب المجوسي ألبسه و أصلي فيه؟ قال نعم قال قلت يشربون الخمر؟ قال نعم نحن نشتري الثياب السابرية فتلبسها و لا نغسلها».

و روى عبد الله بن جعفر في قرب الاسناد عن الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «2» «ان عليا (عليه السلام) كان لا يرى بالصلاة بأسا في الثوب الذي يشترى من النصارى و اليهود و المجوس قبل ان يغسل يعني الثياب التي تكون في أيديهم فينجسونها و ليست ثيابهم التي يلبسونها».

قوله «يعني الثياب. إلخ» من كلام الراوي تفسيرا لما ذكره من الخبر، و الظاهر ان مراده أنها مظنة للنجاسة و انها لا تخلو منها غالبا.

و في الصحيح عن زرارة «3» قال: «قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره، ثم ساق الخبر الى ان قال قلت: فان ظننت أنه اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فيه فرأيت فيه؟ قال تغسله و لا تعيد الصلاة. فقلت لم ذاك؟ قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا».

و هذا الخبر و ان كان مضمرا في التهذيب الا انه مروي عن ابي جعفر (عليه السلام)

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 73 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 7 و 37 و 41 و 42 و 44 من النجاسات بنحو التقطيع.

256
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) الأخبار الدالة على قاعدة الطهارة ؛ ج 5، ص : 255

كما صرح به في كتاب العلل «1» و هو صريح في الدلالة على كلية الحكم المذكور و انه لا ينصرف عن يقين الطهارة بالظن بل لا بد من اليقين الشرعي.

و في الصحيح عن ضريس الكناسي «2» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن السمن و الجبن نجده في أرض المشركين بالروم أ نأكله؟ فقال اما ما علمت أنه خلطه الحرام فلا تأكله و اما ما لم تعلم فكله حتى تعلم انه حرام».

و المراد بالحرام هنا النجس فإنه كثيرا ما يطلق على ذلك كما قدمنا ذكره في الكتاب.

و صحيحة الحلبي المروية في الكافي «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الخفاف عندنا في السوق نشتريها فما ترى في الصلاة فيها؟ فقال صل فيها حتى يقال لك انها ميتة بعينها».

و صحيحته الأخرى المروية في التهذيب «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخفاف التي تباع في السوق؟ فقال اشتر و صل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه».

و رواية الحسن بن الجهم «5» قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) اعترض السوق فاشتري خفا لا ادري أ ذكي هو أم لا؟ قال صل فيه. قلت فالنعل؟ قال مثل ذلك. قلت اني أضيق من هذا، قال أ ترغب عن ما كان أبو الحسن (عليه السلام) يفعله؟».

و صحيحة البزنطي المتقدمة في سابق هذا التنبيه و مثلها‌

رواية سليمان بن جعفر الجعفري «6» «انه سأل العبد الصالح موسى بن جعفر (عليه السلام) عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها؟ قال نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك».

______________________________
(1) ص 127.

(2) رواه في الوسائل في الباب 64 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(3) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

(6) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

257
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الأخبار الظاهرة في المنافاة لقاعدة الطهارة ؛ ج 5، ص : 258

و رواية المعلى بن خنيس «1» قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لا بأس بالصلاة في الثياب التي يعملها المجوس و النصارى و اليهود».

و روى في قرب الاسناد عن احمد بن محمد بن عيسى عن البزنطي عن الرضا (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الخفاف يأتي الرجل السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري؟ قال نعم انا اشتري الخف من السوق و أصلي فيه و ليس عليكم المسألة».

و بهذا الاسناد «3» قال: «سألته عن الجبة الفراء يأتي الرجل السوق من أسواق المسلمين فيشتري الجبة لا يدري أ ذكية هي أم لا يصلي فيها؟ قال نعم ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك ان علي بن ابي طالب (عليه السلام) كان يقول ان شيعتنا في أوسع ما بين السماء إلى الأرض أنتم المغفور لكم».

[الأخبار الظاهرة في المنافاة لقاعدة الطهارة]

إلا انه قد ورد بإزاء هذه الأخبار ما ظاهره المنافاة و البناء على الظن و لعله مستند ابي الصلاح فيما تقدم نقله عنه من الاكتفاء في ثبوت النجاسة بمجرد الظن:

و منها-

صحيحة عبد الله بن سنان «4» قال: «سأل أبي أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري و يشرب الخمر فيرده عليه أ يصلي فيه قبل ان يغسله؟ قال لا يصل فيه حتى يغسله».

و رواية أبي بصير «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في الفراء؟ فقال كان علي بن الحسين (عليه السلام) رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجاز لأن

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 73 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

(3) قرب الاسناد ص 171.

(4) المروية في الوسائل في الباب 74 من أبواب النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 61 من لباس المصلى.

258
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الأخبار الظاهرة في المنافاة لقاعدة الطهارة ؛ ج 5، ص : 258

دباغها بالقرظ و كان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه و كان يسأل عن ذلك فيقول ان أهل العراق يستحلون لباس جلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكاته».

و روى في مستطرفات السرائر من كتاب البزنطي «1» قال: «و سألته عن رجل يشتري ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان يصلح له الصلاة فيه؟ قال ان كان اشتراه من مسلم فليصل فيه و ان كان اشتراه من نصراني فلا يلبسه و لا يصل فيه حتى يغسله».

و مثلها‌

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق اللبس لا يدري لمن كان هل يصلح الصلاة فيه؟ قال ان اشتراه من مسلم صلى فيه و ان اشتراه من نصراني فلا يصل فيه حتى يغسله».

و رواية محمد بن الحسين الأشعري «3» قال: «كتب بعض أصحابنا الى ابي جعفر الثاني (عليه السلام) ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال ان كان مضمونا فلا بأس».

أقول: يعني إذا ضمن البائع ذكاته و أخبر بها عن علم.

و من ذلك‌

رواية عبد الرحمن بن الحجاج «4» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني ادخل سوق المسلمين اعني هذا الخلق الذين يدعون الإسلام فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها أ ليس هي ذكية؟ فيقول بلى، فهل يصلح لي ان أبيعها على انها ذكية؟ فقال لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول قد شرط الذي اشتريتها منه انها ذكية.

قلت و ما أفسد ذلك؟ قال استحلال أهل العراق للميتة و زعموا ان دباغ جلود الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك إلا على رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

و الشيخ (قدس سره) لم يذكر في الاستبصار سوى خبري عبد الله بن سنان و قال بعدهما: هذان الخبران راويهما جميعا عبد الله بن سنان و الحكاية فيهما عن مسألة أبيه‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 50 من النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 61 من النجاسات.

259
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يجب الإخبار بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 260

أبا عبد الله (عليه السلام) و لا يجوز ان يتناقض بان يقول تارة «صل فيه» و تارة «لا تصل فيه» إلا ان يكون قوله (عليه السلام) «لا تصل فيه» على وجه الكراهية دون الحظر. انتهى و بالجملة فإن كل من ذكر خبرا من هذه الاخبار فإنما يحمله على الاستحباب لإجماعهم على العمل بالأخبار الأول التي هي مستند القاعدة المتفق عليها بينهم قديما و حديثا و لا بأس به، و يدل عليه‌

رواية ابي علي البزاز عن أبيه «1» قال: «سألت جعفر بن محمد (عليهما السلام) عن الثوب يعمله أهل الكتاب أصلي فيه قبل ان اغسله؟ قال لا بأس و ان يغسل أحب الي».

و صحيحة الحلبي «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في ثوب المجوسي؟

قال يرش بالماء».

و التقريب في الأولى ظاهر و اما الثانية فلما علم من الاخبار المتكاثرة كما سيأتي ان شاء الله تعالى ان الأمر بالرش الذي هو النضح انما هو في مقام زوال النفرة في الأشياء الطاهرة كملاقاة الكلب باليبوسة و نحوه و إلا فالنجس بنجاسة عينية إنما يؤمر فيه بالغسل كما لا يخفى. و الله العالم.

(الثالث) [هل يجب الإخبار بالنجاسة]

- قال في المعالم: قال بعض الأصحاب لو وجد عدلان في ثوب الغير أو مائة نجاسة أمكن وجوب الاخبار لوجوب تجنب النجاسة و هو يتوقف على الاخبار المذكور فيجب، و العدم لان وجوب التجنب مع العلم لا بدونه لاستحالة تكليف الغافل، قال و أبعد منه ما لو كان عدلا و أبعد منهما ما لو كان فاسقا ثم قال و لا ريب ان الاخبار أولى. ثم قال في المعالم و ما ذكره في توجيه احتمال الوجوب ظاهر الضعف و لا ريب ان العدم هو مقتضى الأصل فيجب التمسك به الى ان يدل دليل واضح على الوجوب‌

و قد روى الشيخان في الكافي و التهذيب بسند يعد في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «3» قال: «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي؟ قال لا يؤذنه حتى ينصرف».

و هذا الحديث ربما أشعر بعدم الوجوب. انتهى.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 73 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 73 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 47 من النجاسات.

260
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يجب الإخبار بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 260

أقول: وجدت منسوبا الى بعض الفضلاء مسألة مذيلة بالجواب بما هذه صورته مسألة: لو رأى المأموم في أثناء الصلاة في ثوب الإمام نجاسة غير معفو عنها فهل يجوز له الاقتداء في تلك الحال أم لا؟ و هل يجب عليه إعلامه أم لا؟ و لو لم يجز له الاقتداء فهل يبني بعد نية الانفراد على ما مضى أم يعيد من رأس؟ الجواب: الاولى عدم الائتمام و يجب الاعلام و يجب الانفراد في الأثناء و يبنى على قراءة الإمام. انتهى.

أقول: ما ذكره هذا الفاضل المجيب من وجوب الاعلام قد صرح به العلامة في أجوبة مسائل السيد السعيد مهنا بن سنان المدني محتجا على ذلك بكونه من باب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر. و أنت خبير بما فيه (اما أولا) فلان الأصل عدمه كما تقدم في كلام المحقق الشيخ حسن، و أدلة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا تشمله لعدم توجه الخطاب للجاهل و الناسي كما ذكروه فلا منكر بالنسبة إليهما و لا معروف. و (اما ثانيا) فلان المفهوم من تتبع الاخبار انه لا يجب الاعلام بمثل ذلك، فمن ذلك صحيحة محمد بن مسلم المذكورة،

و من ذلك صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) «1»: «ان أبا جعفر (عليه السلام) اغتسل و بقيت لمعة من جسده لم يصبها الماء فقيل له فقال ما كان عليك لو سكت؟».

و من ذلك‌

رواية عبد الله بن بكير المروية في كتاب قرب الاسناد «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه و هو لا يصلي فيه؟ قال لا يعلمه. قلت فإن أعلمه؟ قال يعيد».

و المستفاد من هذه الأخبار كراهة الأخبار فضلا عن الجواز فكيف بالوجوب الذي ذكروه؟ و الظاهر ان الوجه في ذلك هو انه لما كان بناء الأحكام الشرعية انما هو على الظاهر في نظر المكلف دون الواقع و نفس الأمر تحقيقا لبناء الشريعة على السهولة و السعة فإن الفحص و السؤال عن أمثال ذلك تضييق لها كما استفاضت به الأخبار الدالة على النهي عن السؤال، نهى عن الاخبار بذلك و الاعلام لعين ما ذكرناه في المقام.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 47 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 47 من النجاسات.

261
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يجب الإخبار بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 260

و ما ذكره من عدم الائتمام و وجوب الانفراد على المأموم فقد نقل شيخنا أبو الحسن الشيخ سليمان البحراني في رسالته في الصلاة عن المحقق الشيخ علي نحوه ثم نقل عن بعض المتأخرين الجواز ثم تنظر في الجواز أولا ثم قال بعد نقل القول به: و لا يخلو من قوة. و لم ينقل دليلا في المقام نفيا و لا إثباتا.

أقول: و تحقيق القول في ذلك مبني على مسألة أخرى و هي ان من صلى في النجاسة جاهلا بها هل صلاته و الحال هذه صحيحة واقعا و ظاهرا أو تكون صحيحة ظاهرا باطلة واقعا إلا انه غير مؤاخذ لمكان الجهل بالنجاسة؟ ظاهر الأصحاب- كما صرح به شيخنا الشهيد الثاني في شرح الألفية- هو الثاني حيث قال- في مسألة ما لو تطهر بالماء النجس جاهلا و ان ذلك مبطل لصلاته- ما صورته: حتى لو استمر الجهل به حتى مات فان صلاته باطلة غايته عدم المؤاخذة عليها لامتناع تكليف الغافل، هذا هو الذي يقتضيه إطلاق العبارة و كلام الجماعة، و لا يخفى ما فيه من البلوى فان ذلك يكاد يوجب فساد جميع العبادات المشروطة بالطهارة لكثرة النجاسات في نفس الأمر و ان لم يحكم الشارع ظاهرا بفسادها، فعلى هذا لا يستحق عليها ثواب الصلاة و ان استحق أجر الذاكر المطيع بحركاته و سكناته ان لم يتفضل الله تعالى بجوده عليه. انتهى. و حينئذ فإن قلنا بما ذكره شيخنا المذكور و نقله عن الأصحاب فإنه يتجه كلام هؤلاء القائلين بتعين الانفراد و منع الاقتداء، و الظاهر ان ما ذكروه في المسألة مبني على ذلك لظهور بطلان صلاة الإمام عند المأموم العالم بالنجاسة فلا يجوز له الاقتداء بصلاة باطلة و ان كانت صحيحة في نظر الامام لجهله بالنجاسة، و ربما احتمل على هذا وجوب الاعلام و اندرج تحت الأمر بالمعروف كما ذكره العلامة أيضا.

إلا أن الأظهر عندي هو الأول لوجوه: (أحدها)- ما قدمنا تحقيقه من ان الشارع لم يجعل الحكم بالطهارة و النجاسة منوطا بالواقع و نفس الأمر و انما رتبه على الظاهر في نظر المكلف فأوجب عليه الصلاة في الثوب الطاهر اي ما لم يعلم بملاقاة‌

262
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يجب الإخبار بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 260

النجاسة له و ان لاقته واقعا لا ما لم تلاقه النجاسة لأنه تكليف بما لا يطاق و هو مردود عقلا و نقلا، و حينئذ فإذا صلى المصلي في الثوب المذكور فقد امتثل أمر الشارع و صارت صلاته صحيحة شرعية إذا خلت من سائر المبطلات.

و (ثانيها)- ما أسلفناه من الأخبار الدالة على المنع من الاخبار بالنجاسة و ان كان في أثناء الصلاة، و لو كان الأمر كما يدعونه من كون النجاسة و الطهارة و نحوهما انما هو باعتبار الواقع و نفس الأمر و ان تلبس المصلي بالنجاسة جاهلا موجب لبطلان صلاته واقعا فكيف يحسن من الامام (عليه السلام) المنع من الإيذان بها في الصلاة كما في صحيح محمد بن مسلم أو قبلها كما هو أحد الوجهين في رواية ابن بكير و هل هو بناء على ما ذكروه إلا من قبيل التقرير على تلك الصلاة الباطلة و المعاونة على الباطل؟ و لا ريب في بطلانه.

و (ثالثها)- انه يلزم على ما ذكروه عدم الجزم بصحة شي‌ء من العبادات إلا نادرا كما اعترف به شيخنا الشهيد الثاني فيما قدمنا من عبارته في شرح الرسالة، و بنحوه صرح المحدث السيد نعمة الله الجزائري على اثر الكلام الذي قدمنا نقله عنه في أصل المسألة حيث قال: و بهذا التحقيق يظهر لك بطلان ما ذهب إليه جماعة من الأصحاب من ان من تطهر بماء نجس فاستمر الجهل به حتى مات فصلاته باطلة غايته عدم المؤاخذة عليها لامتناع تكليف الغافل، و لو صح هذا الكلام لوجب فساد جميع العبادات المشروطة بالطهارة لكثرة النجاسة في نفس الأمر. انتهى. و بذلك يظهر لك ان الأصح هو صحة صلاة المصلي بالنجاسة جهلا ظاهرا و واقعا و استحقاق الثواب عليها، و به يتضح انه لا وجه للانفراد في أثناء الصلاة بسبب رؤية النجاسة كما ذكره المجيب و المحقق الشيخ علي.

(فان قيل): ما ذكرتموه متجه على تقدير حمل الامام على كونه جاهلا بالنجاسة اما مع احتمال العلم بها و نسيانها وقت الصلاة فالمشهور بين الأصحاب وجوب الإعادة في الوقت و قيل في خارجه ايضا، و عليه فلا يتم ما ذكرتم لان وجوب الإعادة كاشف عن البطلان‌

263
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) هل يجوز بيع الطعام النجس ممن لا يعلم بالنجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 264

(قلنا) فيه (أولا) انه قد تقرر في كلامهم و عليه دلت الأخبار ايضا حمل أفعال المسلمين على الصحة و ان الفعل متى احتمل الصحة و البطلان فإنه يحمل على الوجه المصحح حتى يظهر دليل البطلان، و هذا أصل عندهم قد بنوا عليه أحكاما عديدة في العبادات و المعاملات كما لا يخفى على المتدرب، و حينئذ فنقول لما ثبت صحة الصلاة في النجاسة جهلا فعلى تقدير القول ببطلان الصلاة نسيانا فمقتضى القاعدة المذكورة في هذه النجاسة المرئية المحتملة لكونها مجهولة أو منسية الحمل على الوجه الصحيح إذ الأصل هو الصحة، و الناس في سعة مما لم يعلموا «1» فلا يكون مجرد الرؤية موجبا للحكم ببطلان الصلاة.

و (ثانيا)- ان مقتضى إطلاق صحيحة محمد بن مسلم الدالة على المنع من الاعلام بالنجاسة شمول الجهل و النسيان و لعل وجهه ان الناسي في حال نسيانه كالجاهل في حال جهله غير مخاطب بما أخل به فتكون صلاته صحيحة على التقديرين. و الله العالم.

(الرابع) [هل يجوز بيع الطعام النجس ممن لا يعلم بالنجاسة؟]

- ربما دلت الروايات المتقدمة من حيث الدلالة على كراهة الاخبار بالنجاسة على انه يجوز للإنسان إذا كان عنده طعام نجس ان يبيعه ممن لا يعلم بالنجاسة أو يطعمه إياه و انه لا اثم عليه و لا حرج سيما رواية عبد الله بن بكير الدالة على جواز اعارة الثوب الذي لا يصلى فيه من حيث النجاسة لمن يصلي فيه من غير ان يعلمه «2» و التقريب فيها انه ان لم يكن أمر الصلاة أشد و المنع فيها آكد فلا يكون أقل من الأكل أو البيع، و يؤيد ذلك ما قدمنا من انه طاهر في نظر المشتري و الأكل و الطهارة و النجاسة ليست منوطة بالواقع و انما هي منوطة بعلم المكلف و عدمه و هذا المفروض و ان كان نجسا بالنسبة إلى المالك إلا انه طاهر بالنسبة إلى الآخر.

و القول بذلك لا يخلو من قوة إلا ان ظواهر جملة من الاخبار تدفعه مثل‌

صحيحة

______________________________
(1) لم نجد في كتب الحديث خبرا بهذا اللفظ و قد ورد في حديث السفرة (هم في سعة حتى يعلموا» و قد رواه في الوسائل في الباب 50 من النجاسات و 38 من الذبائح و 23 من اللقطة، و قد تقدم الحديث في التعليقة 2 ص 43 ج 1.

(2) ص 261.

264
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) هل يجوز بيع الطعام النجس ممن لا يعلم بالنجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 264

ابن ابي عمير عن بعض أصحابه «1» قال و ما أحسبه إلا حفص بن البختري قال:

«قيل لأبي عبد الله (عليه السلام) في العجين يعجن بالماء النجس كيف يصنع به؟ قال يباع ممن يستحل أكل الميتة».

و في الصحيح عن ابن ابي عمير ايضا عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «يدفن و لا يباع».

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي «3» قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إذا اختلط الذكي بالميتة باعه ممن يستحل الميتة و أكل ثمنه».

و مثلها حسنته ايضا «4» و قد تقدم أيضا في صدر الفصل الخامس «5» في رواية معاوية بن عمار «6» المتضمنة للسؤال عن جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل انه قال: «تبيعه و تبينه لمن اشتراه ليستصبح به».

و المسألة لذلك غير خالية من الاشكال، و التأويل في الأخبار الأولة بالحمل على اخبار الغير بنجاسة ثوبه أو بدنه أو نحوهما و ان أمكن في صحيحة محمد بن مسلم كما هو مورد الرواية المذكورة فلا منافاة بينها و بين هذه الاخبار إلا ان رواية عبد الله بن بكير لا تقبل ذلك لكون النهي فيها بالنسبة إلى المالك و انه يجوز ان يعير ثوبه النجس و لا يخبر بنجاسته و هو ظاهر المنافاة لهذه الأخبار و مؤيد بما ذكرناه من القاعدة في الباب، و في معنى رواية ابن بكير المذكورة‌

صحيحة العيص بن القاسم «7» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ثم ان صاحب الثوب أخبره انه لا يصلي فيه؟ قال لا يعيد شيئا من صلاته».

و التقريب فيها تقريره (عليه السلام) السائل على إعارته ثوبه النجس لمن يصلي فيه إذ من المعلوم ان صلاة ذلك الرجل فيه انما تكون باذن صاحبه و إعارته إياه، و تقريره (عليه السلام) حجة كما تقرر في موضعه.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأسآر.

(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأسآر.

(3) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 36 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(5) ص 56.

(6) هكذا فيما وقفنا عليه من النسخ و الصحيح (معاوية بن وهب) كما في كتب الحديث.

(7) المروية في الوسائل في الباب 47 من النجاسات.

265
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

(فان قيل) ان الخبرين المذكورين لا دلالة فيهما على نجاسة الثوب المعار فلعل عدم الصلاة فيه كما في رواية ابن بكير و الاخبار بأنه لا يصلي فيه كما في الصحيحة المذكورة انما هو لأمر آخر كالغصب و نحوه من الموانع.

(قلنا أولا) انه قد تقرر عندهم ان عدم الاستفصال في مقام الاحتمال دليل على العموم في المقال فيكفي دلالة الخبرين على ما ذكرنا بعمومهما. و (ثانيا) ان الأصحاب انما فهموا من الروايتين النجاسة و لهذا نظموا صحيحة العيص المذكورة في روايات من صلى في النجاسة جاهلا و من ذكر منهم رواية ابن بكير فإنما ذكرها في مقام الصلاة في النجاسة أيضا.

(المسألة الثالثة) [تنجيس المتنجس و عدمه]

- قد تفرد المحدث الكاشاني بالقول بان المتنجس إذا أزيلت عنه عين النجاسة بالتمسح و نحوه فإنه لا تتعدى نجاسته الى ما يلاقيه في موضعها و لو مع الرطوبة و بالغ في نصرته و شنع على من خالفه، قال في المفاتيح: انما يجب غسل ما لاقى عين النجاسة و اما ما لاقى الملاقي لها بعد ما أزيل عنه بالتمسح و نحوه بحيث لا يبقى فيه شي‌ء منها فلا يجب غسله كما يستفاد من المعتبرة «1» على انا لا نحتاج الى دليل على ذلك فان عدم الدليل على وجوب الغسل دليل على عدم الوجوب إذ لا تكليف إلا بعد البيان و لا حكم إلا بعد البرهان، إلا ان هذا الحكم مما يكبر في صدور الذين غلب عليهم التقليد من أهل الوسواس الذين يكفرون بنعمة الله تعالى و لا يشكرون سعة رحمة الله سبحانه‌

و في الحديث «2» «ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم و ان الدين أوسع من ذلك».

انتهى.

أقول: ان عبارته و كلامه لا يخلو من إجمال و اختلال (اما الأول) فإن مقتضى قوله: «انما يجب غسل ما لاقى عين النجاسة» هو ان تعدي النجاسة يدور مدار الملاقاة لعين النجاسة وجودا و عدما دون الملاقاة للمتنجس أعم من ان تكون عين النجاسة‌

______________________________
(1) سيأتي التعرض لها في الصفحة 268 و ما بعدها.

(2) و هو صحيح البزنطي المتقدم ص 253 و رواية الجعفري ص 257 و رواية قرب الاسناد ص 258.

266
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

مصاحبة له أم لا إذا لم يستلزم ملاقاة العين، و على هذا يستفاد منه الحكم بطهارة كل ما لم يلاق عين النجاسة سواء لاقى المحل بعد زوال عين النجاسة عنه كما ذكره أو لاقاه و العين باقية فيه لكن على وجه لا تصل إلى الملاقي، و مقتضى قوله: «و اما ما لاقى الملاقي لها بعد ما أزيل عنه العين. إلخ» ان تعدى النجاسة لا يدور مدار ملاقاة العين بخصوصها بل هو أعم من الملاقاة لها أو للمحل الذي هي فيه بشرط كونه مائعا مصاحبا للنجاسة، و على هذا فيستفاد منه تخصيص الطهارة بما لاقى محل النجاسة بعد ما أزيل عنه العين أعم من ان يكون محل النجاسة مائعا كالدهن المائع و نحوه أو غير مائع كالبدن و الخشب و الثوب و نحوها.

و (اما الثاني)- فإن كلامه على كلا الاحتمالين مردود، اما على تقدير الاحتمال الأول- من دوران الطهارة و النجاسة مدار الملاقاة للعين وجودا و عدما- ففيه انه معلوم البطلان لاستفاضة الروايات بما ينافيه كروايات نجاسة الدهن و الدبس المائعين بوقوع الفأرة و موتها فيه و نجاسة الأواني لنجاسة مياهها. و أما على تقدير الاحتمال الثاني- و لعل مراده ذلك و لعل في تصريحه بذلك الفرد الخاص اشعارا به- ففيه ان المفهوم من كلامه كما أشرنا إليه آنفا هو عدم تعدي نجاسة ذلك المحل الذي فيه النجاسة بعد زوال العين منه أعم من ان يكون مائعا أو جامدا، مثلا- لو وضعت إصبعا في دهن نجس بعد رفع عين النجاسة فإنه لا يقتضي نجاسة الإصبع، و هذا في البطلان أظهر من ان يحتاج الى بيان لدلالة الأخبار على نجاسة الدهن و نجاسة ما تعدى اليه و لهذا حرم اكله و الانتفاع به إلا في الإسراج و نحوه، اللهم إلا ان يخص الدعوى بغير المائع كالخشب و الثوب و البدن و نحوها كما هو مورد المعتبرة التي استند إليها. و فيه (أولا) ان الظاهر من كلامه في مفاتيح النجاسات انما هو ما ذكرنا من المعنى الأعم الشامل للمائع و الجامد حيث انه بعد ذكر النجاسات العشرة في مفاتيح متعددة قال ما صورته: مفتاح- كل شي‌ء غير ما ذكر‌

267
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

فهو طاهر ما لم يلاق شيئا من النجاسات برطوبة للأصل السالم عن المعارض،

و للموثق «1» «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر».

فان تخصيصه الاستثناء بما يلاقي شيئا من النجاسات خاصة دون المتنجس ظاهر في طهارة ما لاقى المتنجس صلبا كان أو مائعا بعد ازالة عين النجاسة أو قبلها ما لم يلاقها. و (ثانيا)- انه مع تسليم ما ذكر فإنه معارض باستفاضة الأخبار بغسل الأواني و الفرش و البسط و نحوها متى تنجس شي‌ء منها إذ من المعلوم ان الأمر بغسلها ليس إلا لمنع تعدى نجاستها الى ما يلاقيها برطوبة مما يشترط فيه الطهارة، و لو كان مجرد زوال العين كافيا في جواز استعمال تلك الأشياء لما كان للأمر بغسلها فائدة بل كان عبثا محضا لان تلك الأشياء أنفسها لا تستعمل فيها يشترط فيه الطهارة كالصلاة و نحوها حتى يقال ان الأمر بغسلها لذلك، و بالجملة لا يظهر وجه حسن لهذا التكليف لو كان ما ادعاه حقا سيما مع بناء الدين على السهولة و التخفيف في التكاليف و نفى العسر و الحرج، هذا.

و اما المعتبرة التي أشار إليها و اعتمد في المقام عليها- و هي‌

موثقة حنان بن سدير «2» قال: «سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال اني ربما بلت فلا اقدر على الماء و يشتد ذلك علي؟ فقال إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذاك».

- فهي غير صريحة لو لا ظاهرة فيما ادعاه بل هي بالدلالة على خلافه أقرب و بما ندعيه انسب، و توضيح ذلك انه بعد ان نقل هذه الرواية في الوافي نبه على احتمالها لمعنيين (أحدهما) و هو الذي يظهر عندنا من لفظ الرواية و سياقها هو ان السائل شكا إليه انه ربما بال و ليس معه ماء و يشتد ذلك عليه بسبب عرق ذكره بعد ذلك أو بلل يخرج من ذكره فيلاقي مخرج البول فيتنجس به ثوبه و بدنه، فأمره (عليه السلام) لذلك بحيلة شرعية يتخلص بها من ذلك و هو ان يمسح غير المخرج من الذكر اعني المواضع‌

______________________________
(1) المروي في الوسائل في الباب 37 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 13 من أبواب نواقض الوضوء.

268
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

الطاهرة منه بعد ما ينشف المخرج بشي‌ء حتى لو وجد بللا بعد ذلك لقدر في نفسه انه يجوز ان يكون من بلل ريقه الذي وضعه و ليس من العرق و لا من المخرج فلم يتيقن النجاسة من ذلك البلل حينئذ (الثاني)- و هو الذي بنى عليه ان تكون شكاية ذلك السائل انما هي من انتقاض وضوئه بالبلل الذي يجده بعد المسح لاحتمال كونه بولا، و قوله: «انه لا يقدر على الماء» يعني لازالة ذلك البلل المحتمل كونه بولا فإنه قد تعدى من المخرج الى ثوبه و بدنه، فأمره (عليه السلام) ان يمسح ذكره يعني مخرج البول بعد ما مسح البول عنه بريقه حتى لو خرج بعد ذلك بلل صار مشكوكا فيه من حيث الريق الموضوع على طرف الذكر لاحتمال كونه منه، هذا حاصل كلامه، ثم قال و هذا المعنى أوفق بالأخبار الأخر.

ثم قال: و هذان الأمر ان أعني عدم الحكم بالنجاسة إلا بعد التيقن و عدم تعدي النجاسة من المتنجس بابان من رحمة الله الواسعة فتحهما الله لعباده رأفة بهم و نعمة لهم و لكن أكثرهم لا يشكرون فينتقم الله منهم بابتلائهم بالوسواس و اتباعهم الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس. انتهى.

أقول: لا يخفى عليك ما في قوله: «و عدم تعدي النجاسة من المتنجس» من الدلالة على العموم للمائع و الجامد كما قدمنا ذكره.

ثم أقول لا يخفى ان ما ذكره من هذا الاحتمال الذي بنى عليه الاستدلال مردود من وجوه: (أولها)- انه قد ذكر الاحتمالين في معنى الرواية كما قدمنا نقله عنه و هو لم يذكر مرجحا لهذا الاحتمال الذي استند اليه و قد عرفت ان الاحتمال الآخر لا يجري فيما ذهب اليه، و قد تقرر بينهم انه إذا قام الاحتمال بطل الاستدلال.

و (ثانيها)- انه لا دلالة في الخبر على هذا الوضوء الذي بنى عليه هذه المباني المتعسفة و ارتكب لأجله هذه التمحلات المتكلفة و ان كان قد سبقه الى هذا الاحتمال السيد السند في المدارك ايضا حيث قال بعد نقل خبر حنان: لأنا نجيب عنه أولا بالتقية أو على ان‌

269
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

المراد نفى كون البلل الذي يظهر على المحل ناقضا. انتهى.

و (ثالثها)- ان الوضوء الذي ذكره لا يكون إلا بعد البول فلم لا غسل مخرج البول أولا لدفع هذه الحيرة التي شكاها لانه واجد للماء بزعمه و ازالة البول التي يكفي فيها مثلا ما على الحشفة لا يحتاج الى كثير ماء حتى ربما يقال انه لا زيادة فيه على الوضوء، فالواجب حينئذ هو ازالة البول أولا و لا سيما على مذهب الصدوق القائل بإبطال الوضوء و وجوب إعادته مع نسيان غسل مخرج البول كما دلت عليه إخباره التي استند إليها.

و (رابعها)- انه لو كانت شكاية السائل اليه انما هو من حيث خوف انتقاض وضوئه بالبلل الخارج من جهة احتمال كونه بولا لكان الاولى جوابه بالأمر بالاستبراء بعد البول، فإن قضية الاستبراء البناء على طهارة ما يخرج بعده و عدم نقضه للوضوء.

و (خامسها)- انه لو كانت الحكمة في الأمر بوضع الريق على مخرج البول انما هو عدم انتقاض الطهارة بأن ينسب ذلك البلل الذي يجده الى الريق ليكون غير ناقض و لا ينسبه الى الخروج من الذكر فيكون ناقضا فأي فرق في ذلك بين الحكم بتعدي النجاسة من المخرج بعد مسحها و عدم تعديها؟ فان وجه الحكمة يحصل على كلا التقديرين فلو قلنا بالتعدي و مسح المخرج بريقه لقصد هذه الحكمة و كون الخارج غير ناقض أمكن و ان كان نجسا، و بالجملة فإنه لا منافاة بين حصول هذه الحكمة و بين القول بتعدي النجاسة.

و بذلك يظهر ان الوجه الصحيح في معنى الخبر انما هو المعنى الأول المشتمل على حكمة ربانية لدفع الوساوس الشيطانية، و يظهر ايضا بطلان ما ذهب اليه و يكون الخبر بناء على ما اخترنا ظاهرا في الرد عليه، و ذلك فإنه لو كان الملاقي للمتنجس بعد ازالة العين بالتمسح و نحوه لا ينجس لما حسن امره بوضع الريق لان المفروض ان المخرج قد أزيلت عنه عين النجاسة و لم يبق إلا محلها و محلها لا تتعدى نجاسته كما يدعيه، فأي وجه لهذه الحكمة بوضع الريق؟ و هو (عليه السلام) إنما أمر بوضعه لدفع احتمال تعدي النجاسة‌

270
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

من المحل بالعرق أو خروج شي‌ء من الذكر فينجس بملاقاة المحل بان ينسب ذلك الى الريق الذي وضعه، و لو صح ما ذكره لم يكن لهذا الاحتمال مجال بالكلية مع انه قد اعترف به و على تقديره يبطل به أصل قاعدته.

و بما ذكرناه من هذا التحقيق و أوضحناه من البيان الواضح الرشيق يظهر لك ايضا ما في كلام شيخنا الشهيد في الذكرى حيث قال: و خبر حنان‌

«يمسحه بريقه فإذا وجد بللا فمنه»

متروك. انتهى إذ لا وجه لتركه مع وجود معنى صحيح يحمل عليه كما أوضحناه، و الظاهر انه فهم من الخبر كون مسحه بالريق مطهرا من البول عند فقد الماء و لا ريب انه بهذا المعنى متروك إجماعا، و لو كان صريح الدلالة في ذلك لأمكن حمله على التقية كما احتمله في المدارك لموافقته لمذهب أبي حنيفة من جواز إزالة النجاسة بكل مائع، هذا.

و اما الاخبار التي ادعى أوفقية هذا التأويل بها فهي غير ظاهرة فيما ادعاه، فمنها‌

صحيح العيص بن القاسم «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذاه؟ قال يغسل ذكره و فخذيه».

و هي بالدلالة على ما ندعيه أقرب و بالرد عليه فيما ذهب إليه أنسب، و ذلك فان الظاهر ان جملة «و قد عرق ذكره» معطوفة على ما تقدمها دون ان تكون حالا كما سيأتي توضيحه، و حينئذ فتدل الرواية على ان العرق انما وقع بعد البول و مسح الذكر فأمر (عليه السلام) بغسل الذكر و الفخذين لذلك العرق المتعدي من مخرج البول بعد مسحه.

و بذلك يظهر ما في كلام شيخنا المحقق صاحب رياض المسائل حيث قال في الكتاب- بعد نقل خبر حنان المذكور ثم موثقة سماعة الآتية و تأويلهما- ما هذا لفظه: و لبعض المعاصرين هنا كلام غريب هو ان المحل النجس إذا أزيل عنه عين النجاسة بغير المطهر الشرعي فلا‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 21 من أحكام الخلوة و 26 من أبواب النجاسات.

271
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

تتعدى نجاسته إلى الملاقي و لو مع الرطوبة لأن النجس انما هو عين النجاسة لا المتنجس و جعل هذين الخبرين شاهدا على ذلك، و هو كلام متين ان لم يقم الإجماع على خلافه و لم يكن ما دل عليه موافقا للعامة و قابلا للتأويل بما ذكرناه، و أيضا ففي دلالة الخبر الأول على ما ادعاه تأمل، و يمكن ان يستدل له بما هو أوضح سندا و متنا و هو‌

صحيح العيص بن القاسم «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذاه؟ قال يغسل ذكره و فخذيه.

و سألته عن من مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فأصاب ثوبه يغسل ثوبه؟ قال لا».

بان يقال الفرق بين الذكر و الفخذ عند عرقهما قبل التطهير الشرعي و بين الثوب عند اصابته لعرق اليد الماسحة للذكر قبله بالأمر بغسلهما دونه لا وجه له ظاهرا سوى الفرق بين ما يلاقي المتنجس و ما يلاقي عين النجاسة، فإن غسلهما انما هو لملاقاتهما بالرطوبة للمحل النجس قبل زوال عين النجاسة بالمسح بالحجر كما يرشد اليه و أو الحال، و ذلك يقتضي تعديها من المحل الى ما يجاوره و يلاصقه من بقية اجزاء الذكر و الفخذ بخلاف الثوب فان ملاقاته انما وقعت بالمتنجس و هي اليد الماسحة بعد زوال عين النجاسة عن الماسح و الممسوح. انتهى كلامه زيد مقامه.

و فيه (أولا) انه لا يخفى ان مفاد عطف مسح الذكر على البول بالفاء التي مقتضاها الترتيب بلا مهلة هو كون المسح وقع عقيب البول بلا مهلة، و يؤيده ايضا انه هو المتعارف فإن الإنسان متى بال و لم يكن معه ماء مسح ما بقي على طرف ذكره من البول لئلا يتعدى الى ثوبه أو بدنه فينجسه و لا يعقل انه يتركه بغير مسح حتى يتردد في المغدى و المجي‌ء على وجه يعرق ذكره و فخذاه و عين البول باقية ضمن تلك المدة حتى انه بسبب العرق تتعدى نجاسة البول الى فخذيه مثلا ثم بعد ذلك يمسح ذكره، بل من المعلوم انه بمجرد المغدى و المجي‌ء تتعدى نجاسة البول من غير حصول عرق إلى سائر‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل مقطعا في الباب 6 و 26 من أبواب النجاسات.

272
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

بدنه و ثيابه، أو يعقل انه يعرق في محله ذلك من غير تردد على وجه يسيل العرق من مخرج البول إلى سائر اجزاء الذكر و الفخذين؟ و بالجملة فمعنى الرواية المتبادر منها انما هو ما ذكرناه أولا و هو انه سأله عن رجل بال فمسح مخرج بوله في وقته ذلك و عرق ذكره و فخذاه بعد ذلك فأمره (عليه السلام) بغسل ذكره و فخذيه لملاقاة ذلك المحل المتنجس برطوبة، و حينئذ فجملة «و قد عرق» معطوفة لا حالية كما أشرنا إليه آنفا، و حينئذ فتكون هذه الرواية مع رواية حنان دليلا على ما ندعيه من تعدي نجاسة المتنجس بعد ازالة عين النجاسة و مسحها.

و (اما ثانيا)- فلان آخر صحيح العيص المذكور غير صريح و لا ظاهر في كون المسح المذكور وقع بمجموع اليد و لا في كون الجزء الماسح منها بعينه هو الذي أصاب الثوب بالعرق بل هو محتمل لذلك و محتمل لان تكون الملاقاة بجزء من اليد غير الجزء المتنجس منها كما سيأتي تحقيقه.

و منها-

رواية سماعة «1» قال: «قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام) اني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجي‌ء مني البلل ما يفسد سراويلي؟ قال ليس به بأس».

قال شيخنا صاحب رياض المسائل بعد ذكر خبر حنان و رواية سماعة المذكورة انه لا يدل ذلك على طهر المحل بالمسح بوجه من الوجوه و انما يدل على ان وجدان شي‌ء من البلل و ان أفسد السراويل من كثرته مع عدم القطع بخروجه من مخرج البول الباقي على النجاسة أو ملاقاته له لا بأس به خصوصا مع مسح ما سوى المخرج من الذكر بالريق فإنه ينسبه الى الريق، ثم ذكر الكلام الذي قدمنا نقله عنه بقوله: و لبعض المعاصرين. الى الآخر.

و منها-

رواية حكم بن حكيم «2» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أبول فلا أصيب الماء و قد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط أو التراب ثم تعرق

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 13 من نواقض الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب 6 من أبواب النجاسات.

273
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

يدي فامسح وجهي أو بعض جسدي أو يصيب ثوبي؟ قال لا بأس به».

فإنه لا دلالة فيها على كون اصابة الثوب و مسح الوجه أو بعض الجسد بذلك الموضع النجس و لا على كون النجاسة شاملة لليد كملا حتى تستلزم الإصابة ببعض منها ذلك بل هي أعم من ذلك، و نفى البأس انما هو لأجل ذلك لانه ما لم يعلم وصول عين النجاسة أو المتنجس إلى شي‌ء و مباشرته له بالرطوبة فلا يحكم بالنجاسة عملا بأصالة الطهارة و تمسكا بها الى ان يعلم الرافع لها، و هذا بحمد الله سبحانه ظاهر لا سترة عليه.

قال المحقق الشيخ حسن في المنتقى بعد ما أورد هذين الخبرين ما نصه «و الخبران كما ترى مخالفان لما هو معروف من مذهب الأصحاب و يمكن تأويلهما بالحمل على عدم تيقن اصابة الموضع المتنجس من الكف للثوب و الوجه و الجسد أو على توهم سريان النجاسة إلى سائر الكف بتواصل رطوبة العرق» انتهى.

أقول: و قد اعترف بذلك في الوافي أيضا فقال بعد ذكر الرواية: الوجه في ذلك أمران (أحدهما) ان بالمسح بالحائط و التراب زال العين و لم يبق من البول شي‌ء فما يلاقيه برطوبة انما يلاقي اليد المتنجسة لا النجاسة العينية و التطهير لا يجب إلا من ملاقاة عين النجاسة. و (الثاني) انه لم يتيقن اصابة البول جميع اجزاء اليد و لا وصول جميع اجزاء اليد الى الوجه أو الجسد أو الثوب و لا شمول العرق كل اليد فلا يخرج شي‌ء من الثلاثة عما كان عليه من الطهارة باحتمال ملاقاة البول فان اليقين لا ينقض بالشك ابدا و انما ينقض بيقين مثله كما يأتي في باب التطهير من المني النص عليه. انتهى.

أقول: و لا استبعاد في حمل الخبرين المذكورين على ما ذكرناه و ان لهما نظائر في الاخبار توهم بظاهرها المخالفة و تحتاج في تطبيقها الى نوع تأويل قريب أو بعيد، مثل‌

صحيحة زرارة «1» قال: «سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟

فقال: نعم لا بأس به إلا ان تكون النطفة فيه رطبة فإن كانت جافة فلا بأس».

فإنه يوهم‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 27 من أبواب النجاسات.

274
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) تنجيس المتنجس و عدمه ؛ ج 5، ص : 266

طهارة المني و قد تقدم القول فيه في الفصل الثالث في نجاسة المني و مثلها صحيحة أبي أسامة «1» و قد تقدم الكلام فيها في الموضع المشار إليه أيضا، و مثل ذلك في الاخبار كثير كما لا يخفى على من تتبع الاخبار، و الغرض هنا انما هو التنبيه على قبول ما يستدل به على ما ذهب إليه للتأويل كما في نظائره التي من هذا القبيل فلا يحتج بها إذا على خلاف النهج الواضح السبيل الذي عليه عامة العلماء جيلا بعد جيل.

و قد وافقنا في هذا المقام بعض الفضلاء من تلامذته الناسجين على منواله في جل مذاهبه و أقواله حيث قال في حواشيه على الوافي في هذا المقام: ما استدل به الحبر العلامة (طاب ثراه) من الاخبار على ان المتنجس لا ينجس الظاهر انه لا يتم لان ليس فيها ان لهم ان يصلوا على تلك الحال بل سألوا عن كراهة ما فعلوا فأجابهم (عليه السلام) بعدم البأس فإذا أرادوا الصلاة تطهروا و طهروا و صلوا، و ان سلمنا هذا فخبر ابن حكيم و عجز خبر العيص الأول لا يدل إلا على ان ما لم يعلم وصول المتنجس إلى شي‌ء رطبا متعديا رطوبته اليه لم يحكم بالنجاسة، ثم ذكر تأويل خبر حنان بن سدير بنحو آخر غير ما ذكرناه، الى ان قال و خبر سماعة ان كان المراد بعدم البأس ان يصلي في السعة و الحال هذه فهو باطل بالاتفاق بل لا بد من تطهير مخرج البول و لا يبعد وجوب تطهير ثوبه ايضا، فالمراد اما عدم البأس من فعله و اما ان يكون في موضع ليس فيه ماء فبال و تمسح و تيمم ثم وجد البلل فسأل عن انتقاض التيمم به فأجابه (عليه السلام) بعدم الانتقاض و الحال هذه. انتهى.

قال في الوافي ذيل هذه الاخبار التي نقلنا استناده إليها و تعويله عليها ما نصه:

لا يخفى على من فك رقبته عن ربقة التقليد ان هذه الاخبار و ما يجري مجراها صريحة في عدم تعدي النجاسة من المتنجس إلى شي‌ء قبل تطهيره و ان كان رطبا إذا أزيل عنه عين النجاسة بالتمسح و نحوه و انما المنجس للشي‌ء عين النجاسة لا غير، على انا لا نحتاج الى‌

______________________________
(1) ص 35.

275
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) حكم الشبهة المحصورة ؛ ج 5، ص : 276

 

دليل في ذلك فان عدم الدليل على وجوب الغسل دليل على عدم الوجوب إذ لا تكليف إلا بعد البيان. انتهى.

أقول: لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت من التحقيق الكاشف عن ضعف باطنه و خافية. اما قوله ان هذه الاخبار صريحة فيما ادعاه فهو ظاهر البطلان، كيف و هو قد ذكر كما قدمنا نقله في معنى موثقة حنان بن سدير معنيين و كلامه انما يتم على تقدير أحدهما و كذا في رواية حكم بن حكيم، فكيف تكونان صريحتين فيما ادعاه مع اعترافه بالاحتمالين الآخرين الموجبين لخروج الرواية من قالب الاستدلال؟ ما هذا إلا سهو ظاهر من هذا المحدث الماهر، و اما باقي الأخبار فيما أوضحناه و ذكره الأصحاب من وجوه المعاني المحتملة فيها فكيف يدعى صراحتها؟

و اما قوله: «ان عدم الدليل على وجوب الغسل دليل على عدم الوجوب» ففيه انا قد أوضحنا بحمد الله سبحانه و توفيقه دلالة موثقة حنان و صدر صحيحة العيص على ما ندعيه من وجوب الغسل في الصورة المذكورة، مضافا الى ما أشرنا إليه من اخبار تطهير الأواني و الفرش و البسط و الجلود و نحوها، هذا ان خصصنا محل النزاع بالأجسام الصلبة و ان عممنا الحكم في المائع كما عرفت من انه ظاهر كلامه كان ما ذكره في الضعف و البطلان أظهر من ان يخفى على الصبيان فضلا عن العلماء الأعيان، و الله الهادي لمن يشاء‌

(المسألة الرابعة) [حكم الشبهة المحصورة]

- لا خلاف بين الأصحاب فيما اعلم في انه متى علمت الملاقاة الموجبة للتنجيس و اشتبه محلها فان كان موضع الاشتباه محصورا وجب اجتناب ما حصل فيه الاشتباه و هكذا في الاشتباه بالمحرم، و ان كان موضع الاشتباه غير محصور لم يظهر للنجاسة أثر و بقي كل واحد من الافراد و الاجزاء التي وقع فيها الاشتباه على أصل الطهارة و الحلية في الاختلاط بالنجس و الحرام، و حينئذ فالكلام هنا يقع في مقامين:

[المقام] (الأول)- بالنسبة إلى المحصور

فان الحكم فيه ما ذكرناه كما عليه كافة الأصحاب الى ان انتهت النوبة إلى السيد السند السيد محمد و المحقق الشيخ حسن و قبلهما‌

 

276
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - بالنسبة إلى المحصور ؛ ج 5، ص : 276

شيخهما المحقق الأردبيلي فنازعوا في الحكم المذكور و تبعهم جمع ممن تأخر عنهم، و قد سبق البحث معهم في مسألة الإناءين لكنا نورد كلامي السيد و الشيخ حسن في ذلك في هذا المقام و نبين ما يتعلق به من النقض و الإبرام:

فنقول قال في المدارك- بعد قول المصنف: و إذا كانت النجاسة في موضع محصور كالبيت و شبهه و جهل موضع النجاسة لم يسجد على شي‌ء منه- ما هذا نصه: هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) و احتجوا عليه بان المشتبه بالنجس قد امتنع فيه التمسك بأصالة الطهارة للقطع بحصول النجاسة فيما وقع فيه الاشتباه فيكون حكمه حكم النجس في انه لا يجوز السجود عليه و لا الانتفاع به في شي‌ء مما يشترط فيه الطهارة. و فيه نظر من وجوه: (اما أولا) فلان أصالة الطهارة إنما امتنع التمسك بها بالنسبة إلى مجموع ما وقع فيه الاشتباه لا في كل جزء من اجزائه فإن أي جزء فرض من الاجزاء التي وقع فيها الاشتباه مشكوك في نجاسته بعد ان كان متيقن الطهارة و اليقين انما يخرج عنه بيقين مثله،

و قد روى زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) انه قال: «ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا» «1».

و (اما ثانيا) فلان ذلك آت بعينه في غير المحصور فلو تم لاقتضى عدم جواز الانتفاع به فيما يفتقر إلى الطهارة و هو معلوم البطلان، الى ان قال و بالجملة فالمتجه جواز السجود على ما لا يعلم نجاسته بعينه و عدم نجاسة الملاقي له تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض. انتهى.

و فيه (أولا) انه متى جاز التمسك بأصالة الطهارة في كل جزء جزء فإنه ينتج من ذلك الحكم بالطهارة في الجميع البتة، مثلا- في مسألة الإناءين التي هي أحد جزئيات هذه المسألة متى لوحظ هذا الإناء على حدة فإن الأصل فيه الطهارة فيجب الحكم بطهارته و ترتب أحكام الطاهر عليه من شربه و الوضوء به و نحو ذلك و متى لوحظ الآخر على حدة كان كذلك، فاللازم من ذلك هو طهارتهما و جواز استعمالهما و هذا عين السفسطة للزوم سقوط‌

______________________________
(1) تقدمت هذه الجملة من الرواية ص 256.

277
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - بالنسبة إلى المحصور ؛ ج 5، ص : 276

حكم النجاسة المحققة بالكلية، و السيد (قدس سره) إنما التجأ في دفع ذلك كما تقدم في مسألة الإناءين إلى انه مجرد استبعاد لا يلتفت اليه و انه قد وجد نظيره في حكم واجدي المني في الثوب المشترك، و نحن قد أوضحنا ثمة بطلانه و هدمنا أركانه.

و (ثانيا)- ان النصوص الواردة في جملة من جزئيات هذه المسألة صريحة في إبطال هذا الكلام المزيف، و منها- مسألة الثوب الذي قد تنجس بعض منه غير معلوم و قد اشتبه موضعه في الثوب كملا، فان النصوص أوجبت تطهير الثوب كملا و يأتي بمقتضى كلامه هنا انه يكفي تطهير جزء من الثوب بقدر الموضع النجس و النصوص تأباه، و قد اعترف هو نفسه بذلك في المسألة المشار إليها. و منها- مسألة الثوب النجس المشتبه بثوب آخر طاهر فان الشارع أوجب الصلاة في كل منهما و مقتضى كلامه انه يكفي الصلاة في واحد منهما و النص يدفعه، و منها- مسألة قطع اللحم المشتبه ذكية بميتة فإن النصوص دلت على حرمة الجميع و مقتضى كلامه هنا حل كل قطعة قطعة منه، و منها- مسألة الإناءين، و هذه المسائل كلها متفق عليها بين الأصحاب سلفا و خلفا و النصوص أيضا متفقة فيها على ما ذكرناه و السيد و من حذا حذوه انما نازعوا في مسألة الإناءين من حيث ضعف السند باصطلاحه و ان كان موثقا لعده عنده في قسم الضعيف متى اعرض عنه، و جملة أصحاب هذا الاصطلاح عملوا به و جبروا ضعفه باتفاق الأصحاب على العمل بمضمونه مع اعترافهم في تلك المسائل الباقية بما دلت عليه النصوص الصحيحة الصريحة و ان خالف مقتضى قاعدتهم، و الجميع كما ترى أظهر شي‌ء في رد كلامهم و اختلال نظامهم فإنه لو كان ما ذكروه حكما كليا بناء على ما توهموه من صحيحة زرارة المذكورة في كلامه لما خرجت الأخبار المعتضدة باتفاق الأصحاب في تلك الجزئيات المذكورة بخلافه، و المعنى في صحيحة زرارة ليس كما توهموه كما سيظهر لك في المقام ان شاء الله تعالى.

و (ثالثا)- انه يلزم بما ذكره هنا ايضا انه لو اشتبهت امه أو أخته أو إحدى محارمه بامرأة أخرى أو اثنتين مثلا فإنه يجوز له نكاح اي تلك النساء شاء لأصالة الحل‌

278
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - بالنسبة إلى المحصور ؛ ج 5، ص : 276

في كل واحدة واحدة و لا يحكم بتحريم الام و الأخت و نحوهما إلا إذا كانت متشخصة و لا أظنه يتفوه به.

و بالجملة فالقول الفصل و التحقيق الجزل في المقام هو ان يقال لا ريب انه قبل وقوع النجاسة فإن الطهارة متيقنة في كل جزء جزء من اجزاء الأرض مثلا و كل فرد من افراد الأواني المحصورة و بعد وقوع النجاسة و معلوميتها في موضع مخصوص أو فرد مخصوص فإنه يحكم بنجاسته يقينا، و اما مع وقوعها في جزء من تلك الاجزاء أو فرد من تلك الافراد و اشتباهه بالباقي فإنه قد حصل لهذه الاجزاء و هذه الافراد حالة ثالثة بين يقين الطهارة و يقين النجاسة فكل منها ليس بمتيقن الطهارة و لا متيقن النجاسة، و المعلوم من الشارع انه الحق هذا القسم بالقسم الأول و هو المتيقن النجاسة كما عرفت من الجزئيات التي ذكرناها و كذا بالنسبة إلى اختلاط الحلال بالحرام، و وجه الفرق بين هذا القسم و ما دلت عليه صحيحة زرارة المذكورة و نحوها ان في هذا القسم الذي ذكرناه قد علم وجود النجاسة قطعا و لكن اشتبه علينا موضعها من تلك الافراد و الاجزاء و مورد الصحيحة المشار إليها و أمثالها انما هو حصول الظن و الشك بالنجاسة، فالمقابل ليقين الطهارة انما هو الظن أو الشك فمن أجل ذلك أمر (عليه السلام) باستصحاب يقين الطهارة و انه لا يخرج عنه بمجرد الظن و الشك، و فرض الشارح هذا بالنسبة الى كل جزء جزء من الاجزاء المحصورة ليس في محله لما يلزم منه من رفع حكم النجاسة المعلومة يقينا بالكلية و من أجل ذلك دلت النصوص على إعطاء حكم المشتبه بالنجس أو المحرم في المحصور حكم ما اشتبه به، فان قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ «1» و «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ. الآية» «2» شامل لما لو كان ذلك المحرم متعينا متشخصا أو مشتبها بأفراد مخصوصة متعينة، فإنه كما يقطع بوجود النجس و الحرام مع التشخص بقطع ايضا بوجوده في صورة الاشتباه في الافراد المعينة فتشمله الأوامر المذكورة، غاية الأمر انه لما لم‌

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 4.

(2) سورة النساء، الآية 23.

279
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - بالنسبة إلى المحصور ؛ ج 5، ص : 276

يمكن الوصول الى الاجتناب عن ذلك النجس أو المحرم إلا بالاجتناب عن الجميع وجب اجتناب الجميع من باب ان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، و نظيره في الأحكام غير عزيز فان من فاتته صلاة فريضة و اشتبهت بباقي الخمس وجب عليه الإتيان بالجميع نصا و فتوى بالتقريب المذكور، و اما لو لم يكن محصورا كالموجود بأيدي الناس و في الأسواق فإنه لا يقطع بوجود المحرم و لا النجس فيما يراد استعماله منه و ان علم وجوده في الواقع و نفس الأمر، و من هنا حكم الشارع بحل ما في أيدي المسلمين و أسواقهم و طهارته و جواز شرائه و ان علم وجود الحرام و النجس في أيدي بعض الناس الغير المعلومين، و هذا هو الذي وردت فيه صحيحة زرارة المذكورة في كلامه و نحوها و‌

ورد فيه «ان كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» «1».

و ورد «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر» «2».

فهذه الاخبار انما وردت في غير المحصور دون المحصور بمعنى ان كل شي‌ء له افراد بعضها طاهر و بعضها نجس أو بعضها حلال و بعضها حرام فان الحكم فيها الطهارة و الحلية حتى يعلم كونه من الافراد المحرمة أو النجسة، و من هنا دخلت الشبهة على جملة من أفاضل متأخري المتأخرين حيث أجروا هذه الاخبار في قسم المحصور و منهم السيد المذكور و نحوه ممن حذا حذوه في مسألة الطهارة و النجاسة و المحدث الكاشاني و الفاضل الخراساني في مسألة اختلاط الحلال بالحرام فحكموا بحل الجميع في المحصور، و هذا غلط نشأ من عدم التأمل في الاخبار، و قد أشبعنا الكلام معهما في الدرر النجفية.

و مما يوضح ما قلناه‌

موثقة مسعدة بن صدقة عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «سمعته يقول كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك و هو حر

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب ما يكتسب به.

280
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - بالنسبة إلى المحصور ؛ ج 5، ص : 276

و لعله قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا، و امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك، و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة».

و رواية أبي الجارود المروية في المحاسن «1» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الجبن فقلت له أخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة؟ فقال أمن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم في جميع الأرضين؟ ما علمت أنه ميتة فلا تأكل و ما لم تعلم فاشتر و بع و كل، و الله اني لأعترض السوق فاشتري بها اللحم و السمن و الجبن و الله ما أظن كلهم يسمون هذه البربر و هذه السودان».

الى غير ذلك من الاخبار، و مورد الخبرين و ان كان الحل و الحرمة إلا ان المسألتين من باب واحد فبعين ما قيل هنا يقال في‌

«كل شي‌ء طاهر حتى يعلم انه قذر».

بمعنى انا نحكم على كل شي‌ء نراه في أيدي الناس و أسواقهم بالطهارة و ان كان نجسا في الواقع و نستصحب هذا الحكم الى ان يعلم الرافع له لا ان مورده المحصور كما في مسألة الإناءين و نحوها لمعلومية النجاسة الموجبة للخروج عن ذلك الأصل. و الله العالم.

و قال المحقق الشيخ حسن في المعالم: و إذا علمت الملاقاة على الوجه المؤثر و اشتبه محلها فان كان موضع الاشتباه غير محصور لم يظهر للنجاسة أثر و بقي كل واحد من الاجزاء التي وقع فيها الاشتباه على أصل الطهارة لا نعرف في ذلك خلافا، و ان كان محصورا فظاهر جماعة من الأصحاب انه لا خلاف حينئذ في وجوب اجتناب ما حصل فيه الاشتباه كما مر في اشتباه الإناء من الماء الطاهر بالنجس، و لم يذكروا على الحكم هنا حجة و قد بينا في مسألة الإناءين ان العمدة في الحكم بوجوب اجتنابهما على الإجماع المدعى هناك و ان ما عداه من الوجوه التي احتجوا بها ضعيفة مدخولة و لعل اعتمادهم في الحكم هنا ايضا على الإجماع لا على تلك الوجوه. انتهى.

أقول: اما ما ذكره بالنسبة إلى المحصور من انه ظاهر جماعة من الأصحاب المؤذن بعدم الاتفاق على ذلك فهو مردود بأنه لم يوجد المخالف في هذه المسألة بكل من طرفيها اعني‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 61 من الأطعمة المباحة.

281
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - بالنسبة الى غير المحصور ؛ ج 5، ص : 282

المحصور و غير المحصور سواه و من في طبقته و من تأخر عنه، و لهذا انه في المدارك كما قدمنا في عبارته قال هذا الحكم- إشارة إلى المحصور- مقطوع به في كلام الأصحاب و اما ما ذكره من انه ليس عليه دليل و لا حجة سوى الإجماع فهو مردود بما عرفت من الجزئيات الداخلة تحت هذه القاعدة الثابتة بالنصوص، و لا يخفى ان القواعد الكلية في الأحكام الشرعية كما تثبت بورود النص في الحكم مسورا بسور الكلية كذلك تثبت بتتبع الجزئيات المتفقة على ذلك الوجه، و نحن قد تتبعنا الأخبار بالنسبة إلى المحصور فوجدناها قد وردت في جملة من الأحكام متفقة النظام ملتئمة تمام الالتئام على الدخول تحت هذه القاعدة التي ذكرها الأصحاب و هو إعطاء المشتبه بالنجس و الحرام حكمهما في المحصور كما مرت إليه الإشارة، و القواعد الكلية كما تثبت بورودها مسورة بسور الكلية تثبت ايضا بتتبع الجزئيات و اتفاقها على نهج واحد في الحكم كالقواعد النحوية المبنية على تتبع جزئيات كلام العرب، و أكثر القواعد في الأحكام الشرعية انما هو من هذا القبيل كما لا يخفى على المتتبع من ذوي التحصيل، و يعضد ذلك الإجماع المدعى في المسألة و الوجوه التي ذكروها و قد بينا وجه صحتها في مسألة الإناءين. و الله العالم.

(المقام الثاني)- بالنسبة الى غير المحصور

و قد عرفت إجماع الأصحاب هنا ايضا على ارتفاع حكم النجاسة، بقي الإشكال في انه لم يرد في الاخبار في هذا المقام التعبير بالمحصور و غير المحصور و ترتب كل من حكمي المحصور و غير المحصور على وجود هذا العنوان و انما المستفاد من تتبعها كما قدمنا بيانه انه متى وقع الاشتباه في افراد معلومة مشاهدة كمسألة الإناءين و اللحم المختلط ذكية بميتة و الثياب المختلط نجسها بطاهرها و نحو ذلك فإنه يجب عليه اجتناب الجميع و ان الشارع قد اعطى المشتبه هنا حكم ما اشتبه به في النجاسة و الحرمة، و اما ما يوجد في أيدي المسلمين و أسواقهم فالحكم فيه هو الطهارة و الحلية و ان علم النجس و الحرام في الجملة لا في تلك العين بخصوصها متحدة أو متعددة، و الأصحاب هنا قد عبروا عن الحكمين المذكورين بالمحصور و غير المحصور و كلامهم في بيان المراد من ذلك‌

282
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - بالنسبة الى غير المحصور ؛ ج 5، ص : 282

لا يخلو من اضطراب. فجملة من الأصحاب جعلوا المرجع في الحصر الى ما يصدق عليه العرف إذ لم يثبت له حقيقة في غيره و مثلوا له في الأرض بالبيت و البيتين و لغير المحصور فيها بالصحراء.

و قال المحقق الشيخ علي في حاشية الشرائع: المراد بالمحصور و غير المحصور ما كان كذلك في العادة لأن الحقيقة العرفية مقدمة على اللغوية عند فقد الشرعية، و لانه لولا ارادة العرفية هنا لامتنع تحقق الحكم فان كل ما يوجد من المعدودات فهو قابل للعد و الحصر و المراد به ما يعسر حصره و عده عرفا باعتبار كثرة آحاده، و طريق ضبطه و ضبط أمثاله انك إذا أخذت مرتبة من مراتب العدد عليا تقطع بأنها مما لا يحصر و لا يعد عادة لعسر ذلك في الزمان القصير كالألف مثلا تجعلها طرفا ثم تأخذ مرتبة اخرى دنيا كالثلاثة مما يقطع بكونها محصورة و معدودة لسهولة عدها في الزمان القصير فتجعلها طرفا مقابلا للأول ثم تنظر فيما بينهما من الوسائط فكل ما جرى مجرى الطرف الأول تلحقه به و ما جرى مجرى الطرف الثاني تلحقه به و ما وقع فيه الشك يعرض على القوانين و النظائر و يراجع فيه القلب فان غلب على الظن إلحاقه بأحد الطرفين فذاك و إلا عمل فيه بالاستصحاب الى ان يعلم الناقل، و هذا ضابط لما ليس بمحصور شرعا في أبواب الطهارة و النكاح و غيرهما، فمتى اشتبه الذكي بغيره و الطاهر بالنجس في الثياب و المكان و الأواني و المياه و غير ذلك و المحرمة بالأجنبية و كان غير محصور لم يجب الاجتناب و إلا وجب، إذا عرفت ذلك فاعلم أن المشتبه بالنجس من الأمكنة كالبيت و البيتين له حكمه على معنى وجوب اجتناب الجميع فلا يجوز ان يجعل شي‌ء منه مسجد الجبهة لما تقرر من ان مسجد الجبهة يشترط فيه الطهارة و قد تكافأ في المشتبه بالنجس كل من طرفي الطهارة و النجاسة، و كذا استعماله في كل ما يشترط فيه الطهارة كالتعفير في إناء الولوغ و التيمم، اما لو باشر بعضه برطوبة فإن المحل الملاقي لا ينجس إذا كان مملوكا لطهارته قبل ذلك لعدم القطع بملاقاة النجاسة فيستصحب حكم الطهارة‌

283
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - بالنسبة الى غير المحصور ؛ ج 5، ص : 282

و الثابت قبل الملاقاة، و ما وقع في كلامهم من ان المشتبه بالنجس له حكم النجس لا يريدون به من جميع الوجوه للقطع بأنه في الأصل طاهر قطعا و لم يعرض له تنجيس و ما كان كذلك فهو في نفسه على طهارته فقد خالف حكم النجس من هذا الوجه، و غاية ما هناك ان الاشتباه صيره بحيث يمتنع استعماله فيما يشترط فيه الطهارة فصار كالنجس من هذه الجهة، على ان تشبيه شي‌ء بآخر لا يقتضي المساواة من كل وجه كما تقرر بين الأصوليين. انتهى كلامه علا مقامه.

أقول: و مما يمكن ان يؤيد ما ذكره في غير المحصور بأنه ما يعسر حصره عرفا باعتبار كثرة آحاده‌

موثقة حنان بن سدير عن الصادق (عليه السلام) «1» «في جدي رضع من خنزيرة حتى شب و اشتد عظمه استفحله رجل في غنم له فخرج له نسل ما تقول في نسله؟ فقال اما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه و اما ما لم تعرفه فإنه بمنزلة الجبن».

و التقريب فيه انه لكثرة تلك الغنم على وجه يعسر عدها فالحكم فيه الحلية لكل فرد فرد منها، و يمكن- و لعله الأقرب- ان الوجه فيه انما هو عدم معلومية بقاء ما خرج من نسله في تلك الغنم لكثرتها فلعله قد ذهب منها بأحد وجوه الذهاب كما يشير اليه التنظير بالجبن من حيث عدم معلومية الحرام منه بعينه. و اما ما ذكره بالنسبة إلى ملاقي ذلك المشتبه برطوبة و انه لا يتعدى اليه حكم ما لاقاه فهو أحد القولين في المسألة و قد تقدم تحقيق القول فيه في مسألة الإناءين.

و جمع من المتأخرين جعلوا المرجع في صدق الحصر و عدمه الى حصول الحرج و الضرر بالاجتناب و عدمه، قال في المعالم: و هذا الكلام ناظر الى ما يوجد في عبارات كثير من تعليل عدم وجوب الاجتناب في غير المحصور بلزوم المشقة و العسر. و ليس بشي‌ء فإن الغرض من هذا التعليل كما يظهر تقريب الحكم لا الاستدلال له إذ لا يعقل الاعتماد في مثل هذه التفرقة و البناء في تأسيس هذا الحكم على نحو هذه القاعدة كما هو‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 25 من أبواب الأطعمة المحرمة.

284
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الخامسة) ما تثبت به الطهارة بعد العلم بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 285

واضح، و لو قدر بناء الحكم على ذلك لانهار من أصله إذ المشقة قد تنتفي في كثير مما ليس بمحصور و ربما وجدت في بعض افراد المحصور فأي معنى حينئذ لجعل الحصر مناطا للحكم و قد كان الواجب على هذا ان يناط بعدم المشقة و وجودها. و بالجملة فالإشكال في التفرقة هنا بين ما يجب فيه الاجتناب و ما لا يجب قوى جدا إذ ليس لها شاهد من جهة النص يعول في حكمها عليه و انما هي من عبارات الفقهاء، و الرجوع الى القاعدة المقررة في الألفاظ التي لم يثبت لها حقيقة من جهة الشرع يتوقف على وجدان غيرها، و لا يكاد يظهر من اللغة و لا من العرف معنى مشخص لهذا اللفظ يطابق ما هو غرضهم منه، مع ان في كلامهم اختلافا في التمثيل للمحصور فالمحقق و الفاضل مثلا له بالبيت و قد حكينا عن جماعة التمثيل بالبيت و البيتين و مثل بعض بالبيتين و الثلاثة، و ربما فسر غير المحصور بما يعسر حصره و عده لكثرة آحاده، و الظلام يلوح على الكل. انتهى. و هو جيد و انما أطلنا الكلام بنقل كلماتهم في المقام لتطلع على ان النفخ في غير ضرام.

و بالجملة فالمستفاد من الاخبار هو ما قدمنا ذكره فكل ما دخل في افراد القسم الأول الحق به و ما دخل في افراد الثاني الحق به و ما اشتبه الأمر فيه فالاحتياط طريق السلامة. و الله العالم.

(المسألة الخامسة) [ما تثبت به الطهارة بعد العلم بالنجاسة]

- قال في المعالم ان حكم بنجاسة شي‌ء لعروض أحد الأسباب المقتضية لذلك توقف في عوده إلى الطهارة على العلم بحصول أحد الوجوه التي ثبت كونها مفيدة للتطهير أو ما يقوم مقام العلم و هو شهادة العدلين، و يحتمل الاكتفاء باخبار العدل الواحد لعموم مفهوم قوله تعالى: «. إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ. الآية» «1» و لا اعتبار باخبار غير العدل إلا ان ينضم إليه القرائن المفيدة معه للعلم، و لو افادته منفردة كفت في الحكم بالطهارة أيضا. انتهى.

أقول: لم أقف على من تعرض لهذا الحكم غيره بنفي أو إثبات إلا الفاضلان‌

______________________________
(1) سورة الحجرات، الآية 6.

285
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الخامسة) ما تثبت به الطهارة بعد العلم بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 285

الأمين الأسترآبادي و المحقق السيد نعمة الله الجزائري فإنهما نقلا عن جملة من علماء عصريهما انهم كانوا لأجل هذه الشبهة يهبون ثيابهم للقصارين أو يبيعونها عليهم ثم يشترونها منهم مستندين الى ما قدمنا نقله عن المحقق المذكور، ثم ردا ذلك بان المستفاد من الاخبار ان كل ذي عمل فهو مؤتمن على عمله ما لم يظهر منه خلافه، قال الأمين الأسترآبادي في الفوائد المدنية في عد جملة من أغلاط الفقهاء: و من جملتها ان جمعا من أرباب التدقيق منهم زعموا انه إذا علمنا نجاسة ثوب مثلا لا نحكم بطهارته إلا إذا قطعنا بإزالتها أو شهد عندنا شاهدان عدلان لان اليقين لا ينقض إلا بيقين أو بما جعله الشارع في حكم اليقين و هو شهادة العدلين في الوقائع الجزئية. و انا أقول: لنا على بطلان دقتهم دليلان:

(الأول) ان اللبيب الذي تتبع أحاديثنا بعين الاعتبار و الاختبار يقطع بأنه يستفاد منها ان كل ذي عمل مؤتمن على عمله ما لم يظهر خلافه، و ان شئت ان تعلم كل ما علمنا فانظر إلى الأحاديث الواردة في القصارين و الجزارين و حديث تطهير الجارية ثوب سيدها «1» و الحديث الصريح في ان الحجام مؤتمن في تطهير موضع الحجامة «2» لكن لا بد من قريحة قويمة و فطنة مستقيمة و إلا لا تعبت نفسك و غيرك فان كلا ميسر لما خلق له. و (الدليل الثاني) ان هذه المسألة مما يعم به البلوى فلو كان مضيقا كما زعموا لظهر عندنا منه اثر واضح بين، و لم يظهر منهم (عليهم السلام) إلا ما يدل على التوسعة و قد بلغني أن جمعا من فحول علمائهم المتورعين يهبون الثياب النجسة للقصارين ثم يسترجعونها و من المعلوم عند الفقيه الحاذق ان هذه الحيلة غير نافعة. انتهى كلامه.

أقول: و من الاخبار التي أشار إليها‌

ما ورد في صحيحة الفضلاء «3» «أنهم سألوا أبا جعفر (عليه السلام) عن شراء اللحم من الأسواق و لا يدرون ما صنع القصابون؟

______________________________
(1) المروي في الوسائل في الباب 18 من أبواب النجاسات و سيأتي ص 287.

(2) المروي في الوسائل في الباب 56 من النجاسات و سيأتي ص 287.

(3) المروية في الوسائل في الباب 29 من الذبائح.

286
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الخامسة) ما تثبت به الطهارة بعد العلم بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 285

فقال كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه».

و في رواية سماعة «1» قال:

«سألته عن أكل الجبن و تقليد السيف و فيه الكيمخت و الغراء؟ فقال لا بأس به ما لم تعلم أنه ميتة».

و في صحيحة إبراهيم بن ابي محمود «2» «انه قال للرضا (عليه السلام) الخياط و القصار يكون يهوديا أو نصرانيا و أنت تعلم انه يبول و لا يتوضأ ما تقول في عمله؟ قال لا بأس».

و في صحيحة معاوية بن عمار «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم أخباث.».

و قد تقدمت قريبا،

و في رواية عبد الأعلى عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الحجامة أ فيها وضوء؟ قال لا و لا يغسل مكانها لان الحجام مؤتمن إذا كان ينظفه و لم يكن صبيا صغيرا».

الى غير ذلك من الاخبار الواردة من هذا القبيل، و التقريب فيها ان أصالة الطهارة و الحلية التي قد صارت قاعدة انما بنيت على ائتمانهم على أعمالهم المذكورة، و يؤيد ذلك ما ورد في كثير من اخبار الصناع و المستأجرين على الأعمال إذا أفسدوا من انه لا يضمنه إلا ان يتهمه فمتى كان مأمونا لا يتهمه فلا يضمنه و لا يغرمه ما أفسد، و ليس الوجه فيه إلا انه مؤتمن و موثوق بعمله و انه لا يخالف صاحب العمل إلا ان يكون بغير اختياره و هو ظاهر في التأييد.

و اما الرواية التي أشار إليها المحدث المذكور بحديث تطهير الجارية ثوب سيدها فهي‌

رواية ميسر «5» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فأصلي فيه فإذا هو يابس؟ فقال أعد صلاتك اما انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء».

و هذا الخبر ربما استند اليه من ذهب الى‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 38 من الذبائح.

(2) المروية في الوافي في باب (التطهير من مس الحيوانات) من أبواب الطهارة من الخبث.

(3) المروية في الوسائل في الباب 73 من النجاسات و تقدمت ص 255.

(4) المروية في الوسائل في الباب 56 من النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 18 من أبواب النجاسات.

287
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الخامسة) ما تثبت به الطهارة بعد العلم بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 285

التمسك بأصالة النجاسة حتى يظهر الرافع حيث امره (عليه السلام) بإعادة الصلاة لما لم يكن هو الغاسل بنفسه لقوله (عليه السلام):

«اما لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء»

و هو غلط فان ظاهر الخبر ان الأمر بإعادة الصلاة انما هو لبقاء المني لا لكون الجارية قد غسلته و غسلها غير معتبر و لا مطهر حتى لو فرض أنه إزالته عن الثوب و لم يجده فيه كان عليه إعادة الصلاة و غسل الثوب لعدم الاعتداد بغسلها فإنه توهم محض، بل الأمر في الإعادة و الغسل انما ابتنى على وجود المني، و بهذا التقريب يكون الخبر من أدلة المسألة كما ذكره المحدث المذكور فان مفهوم الخبر انه لو لم يجد المني لم يأمره (عليه السلام) بإعادة الصلاة، و فيه حينئذ دلالة على الاكتفاء بغسل الجارية كما هو المدعى (فان قيل) انه لو كان غسل الجارية معتبرا شرعا و موجبا لطهارة الثوب لم تجب الإعادة و ان وجد المني بعد ذلك لانه و ان علم بالمني فيه سابقا إلا انه قد بنى على طهارة الثوب طهارة شرعية موجبة لجواز الصلاة كجاهل النجاسة فلا تتعقبه الإعادة (لأنا نقول) ان غسل الجارية انما يكون غسلا شرعيا معتدا به لو لم يظهر فساده و اما بعد ظهور فساده فلا مجال للحكم بكونه شرعيا و قوله (عليه السلام):

«اما لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء»

يعني انك لو غسلت أنت لبالغت في إزالة النجاسة و لم يبق منها اثر فلم يكن عليك اعادة.

و مما يؤيد ما ذكرناه ايضا ان الظاهر من الأخبار ان الناس في الصدر الأول كانوا يدفعون ثيابهم للغسال لأجل غسلها من الأوساخ و النجاسات و يسترجعونها و يلبسونها و يصلون فيها من غير تناكر و لو كان ما ذكروه حقا من انه لا يتم الحكم بالطهارة إلا بتمليكه إياها لنقل ذلك. و ايضا فمن المعلوم وجود الأطفال في بيوت الأئمة (عليهم السلام) و بيوت أصحابهم و لا ريب في حصول النجاسات أيضا في ثيابهم منهم أو من غيرهم و لو كان ما ذكروه حقا لورد في خبر من الاخبار أو نقله ناقل في عصر من الأعصار و ليس فليس.

288
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الخامسة) ما تثبت به الطهارة بعد العلم بالنجاسة ؛ ج 5، ص : 285

و الى هذا الوجه أشار المحدث المتقدم ذكره بالدليل الثاني و هو عموم البلوى بذلك و مرجعه الى العمل بالبراء فالأصلية في مثل هذا الموضع كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب، و قد وجهه في موضع آخر من كتابه المتقدم ذكره قال: فان جمعا غفيرا من أصحابهم (عليهم السلام) منهم الأربعة آلاف رجل الذين هم أصحاب الصادق (عليه السلام) و تلامذته كانوا ملازمين لهم في مدة تزيد على ثلاثمائة سنة و كان همهم و هم الأئمة (عليهم السلام) إظهار الدين و ترويج الشريعة و كانوا لحرصهم على ذلك يكتبون كل ما يسمعونه خوفا من عروض النسيان لهم و كان الأئمة (عليهم السلام) يحثونهم على ذلك و ليس الغرض منه إلا العمل بذلك بعدهم، ففي مثل ذلك يجوز التمسك بالبراءة الأصلية إذ لو كان ثمة دليل و الحال كذلك لظهر.

على ان ما اعتمده هذا القائل- من ان يقين النجاسة لا يرتفع إلا بيقين الطهارة على إطلاقه- ممنوع:

(أما أولا)- فلعدم الدليل عليه و النصوص انما وردت بذلك بالنسبة إلى أصالة الطهارة و الحلية لبناء الأحكام الشرعية على السهولة و السماحة، و قياس النجاسة على ذلك قياس مع الفارق.

و (اما ثانيا)- فإنه منقوض بما ذهب اليه جمع من المحققين: منهم- المحدث المذكور من الحكم بطهارة الإنسان بمجرد الغيبة لأن معلومية الحدث من المكلف في اليوم و الليلة بالبول و الغائط مما لا سبيل إلى إنكاره فالحكم بنجاسته يقيني البتة فلو توقف الحكم بطهارته على يقين وجود ذلك لم يمكن الحكم بطهارة أحد من الناس بالكلية و لو اكتفى باخباره بالطهارة. فإنه لا يجوز الصلاة خلف الامام حتى يسأله عن ذلك، و كذا لو رأى في ثوب أحد نجاسة مثلا ثم رآه بعد ذلك خاليا من تلك النجاسة فإنه لا يجوز له استعماله و الصلاة فيه و ان يقتدي بإمام يصلي فيه حتى يسأله عن ذلك، و اللوازم كلها باطلة إذ لا قائل بها و لا دليل عليها بل الأدلة على خلافها ظاهرة.

289
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

البحث الثاني فيما تجب إزالته من النجاسات و ما يعفى عنه ؛ ج 5، ص : 290

 

و (اما ثالثا)- فلانه قد ورد في جملة من المواضع الخروج عن اليقين بمجرد الظن كما في صورة إخبار المرأة بموت الزوج و اخبارها بالطلاق و اخبارها بالخروج من العدة و النقاء من الحيض، فان الشارع قد جوز قبول خبرها في هذه المواضع كلها و غاية ما يفيده هو الظن مع ان الأمور التي أخبرت بالخروج عنها متيقنة معلومة تترتب عليها أحكام شرعية و تنتفي تلك الأحكام بقبول خبرها، و حينئذ فقول ذلك القائل ان يقين النجاسة لا يخرج عنه إلا بيقين الطهارة ان أراد من حيث خصوص النجاسة فقد عرفت انه لا دليل عليه، و ان أراد أنه حيثما كان اليقين و في أي موضع كان فإنه لا يجوز الخروج عنه إلا بما يوجب اليقين فهذه جملة من المواضع قد جوز الشارع فيها الخروج عن اليقين بمجرد الظن، و نحو ذلك ما ورد في حسنة زرارة و الفضيل «1» من انه متى شك في الصلاة و انه اتى بها أو لم يأت بها بعد خروج الوقت فإنه لا يلتفت، مع ان اشتغال الذمة متيقن و مجرد خروج الوقت لا يوجب يقين البراءة، بل ورد في القاعدة المتفق عليها من ان يقين الطهارة لا يجوز الخروج عنه إلا بيقين النجاسة ما أوجب الخروج في بعض الجزئيات بمجرد الشك كمن تطهر بعد ان بال و لم يستبرئ أو اغتسل و لم يبل ثم خرج منه بلل مشتبه فإنه ينقض وضوءه و غسله مع انه غير متيقن كونه بولا أو منيا، الى غير ذلك من المواضع التي من هذا القبيل. و لا يخفى انه و لو أمكن تطرق المناقشة الى بعض ما ذكرناه من الأدلة إلا انها باجتماعها مما تفيد دلالة قوية على ما ذكرناه و الله العالم.

البحث الثاني فيما تجب إزالته من النجاسات و ما يعفى عنه

و فيه مسائل‌

[المسألة] (الأولى) [وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن للصلاة]

- اتفق الأصحاب عدا ابن الجنيد على انه تجب ازالة النجاسات عن الثوب و البدن للصلاة و الطوافين الواجبين عدا الدم على التفصيل الآتي فيه ان شاء الله تعالى، و كذا ما تتم‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 60 من أبواب مواقيت الصلاة.

 

290
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرع اعتبار الطهارة في ملبوس المصلى و محمولة إنما هو في ما يقله منهما ؛ ج 5، ص : 291

الصلاة فيه من الثياب إذا لم يمكن إبداله بطاهر. و قال ابن الجنيد في مختصره: كل نجاسة وقعت على ثوب و كانت عينها فيه مجتمعة أو متفشية دون سعة الدرهم الذي تكون سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك إلا ان تكون النجاسة دم حيض أو منيا فان قليلهما و كثيرهما سواء. انتهى. و ظاهر هذا الكلام انه قصر الحكم بوجوب ازالة النجاسات كلها عدا دم الحيض و المني على ما بلغ منها مقدار سعة الدرهم فصاعدا و سوى في دم الحيض و المني بين القليل و الكثير، و ظاهره طهارة الناقص عن الدرهم من النجاسات التي ذكرها، و المشهور في كلام الأصحاب ان خلافه انما هو في العفو فلعل الكلام في عبارته خرج مخرج التجوز و التوسع، و من العجب انه في المعتبر عزى اليه القول بالعفو هنا كما هو المعروف في كلام غيره و في حكم الدم نسب اليه القول بطهارة القليل منه، و لا يخلو من تدافع فان عبارته المحكية عنه هنا ظاهرة في تساوي الدم و غيره في عدم نجاسة ما دون سعة الدرهم أو العفو عنه اللهم إلا ان يكون ما نقله في مسألة الدم من كتاب آخر أو قول آخر نسب اليه.

و يدل على القول المشهور الأخبار الكثيرة المتضمنة للغسل من النجاسات، إذ من الظاهر ان الغسل ليس واجبا لنفسه و انما هو لأجل العبادة و نحوها، و قد وقع التصريح في جملة من الاخبار الصحيحة بإعادة الصلاة بنجاسة الثوب بالبول و المني و المسكر و قدر الدرهم من الدم و عذرة الإنسان و السنور و الكلب و رطوبة الخنزير، و هي مطلقة في القليل من النجاسات المذكورة و الكثير، و جملة من الأخبار الدالة على ما ذكرنا قد تقدمت في أصناف النجاسات، و سيأتي طرف منها في المباحث الآتية و طرف في الخلل الواقع في الصلاة ان شاء الله تعالى.

فرع [اعتبار الطهارة في ملبوس المصلى و محمولة إنما هو في ما يقله منهما]

قد صرح جماعة من الأصحاب بأن اعتبار الطهارة في ملبوس المصلي و محموله‌

291
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرع اعتبار الطهارة في ملبوس المصلى و محمولة إنما هو في ما يقله منهما ؛ ج 5، ص : 291

الذين تتم فيهما الصلاة انما هو فيما يقله منهما و لو في بعض أحوال الصلاة فلو تنجس طرف الثوب الذي لا يقله على حال منها كالعمامة لم يضر لانتفاء الحمل و اللبس عن موضع النجاسة.

و استحسنه المحقق الشيخ حسن في المعالم معللا له بأن أصالة البراءة تقتضيه و الأدلة الدالة على اشتراط الطهارة و إيجاب الإزالة لا تصلح لتناول مثله، قال و ممن تعرض لهذه المسألة الشيخ في الخلاف فقال: إذا ترك على رأسه طرف عمامة و هو طاهر و طرفها الآخر على الأرض و عليه نجاسة لم تبطل صلاته، و حكى عن بعض العامة القول بالبطلان به، و قال بعد ذلك دليلنا ان الأصل براءة الذمة فمن حكم ببطلان هذه الصلاة فعليه الدلالة. انتهى. و هو جيد و اما ما ذهب اليه ابن الجنيد فلم نقف له على مستند و قد اعترف بذلك جملة من الأصحاب أيضا، و العلامة في المختلف احتج له بالقياس على الدم و أجاب عنه بأن نجاسة المذكورات أغلظ من نجاسة الدم فقياس حكمها على المني أولى. انتهى. و كل من الاحتجاج و الجواب بمكان من الضعف.

ثم انه قد ذكر الأصحاب (رضوان الله عليهم) في تعداد المواضع التي تجب فيها الإزالة بعد الثوب و البدن مسجد الجبهة، و علله الشهيد في الذكرى بالنص فقال: و تجب ازالة النجاسات عن مسجد الجبهة أيضا للنص. و لم أقف على هذا النص و لا نقله ناقل فيما اعلم بل ربما ظهر من النصوص خلافه كما سيأتي في بحث المكان من كتاب الصلاة.

و عن مكان المصلي بأسره عند المرتضى و المساجد السبعة عند ابي الصلاح، و سيأتي الكلام فيها في الموضع المشار اليه.

و عن المأكول و المشروب و أوانيهما مع الملاقاة برطوبة لتحريم النجس، و هو جيد و عليه تدل الأخبار الآتية الدالة على الأمر بتطهير الأواني فإنه ليس ذلك إلا لأجل الأكل و الشرب.

و عن ما أمر الشارع بتعظيمه كالمصحف و الضرائح المقدسة، و هو حسن للأمر بتعظيم شعائر الله.

292
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرع اعتبار الطهارة في ملبوس المصلى و محمولة إنما هو في ما يقله منهما ؛ ج 5، ص : 291

و عن المساجد و قد نقل الإجماع عليه جمع من الأصحاب: منهم- الشيخ في الخلاف فإنه قال: لا خلاف في ان المساجد يجب ان تجنب النجاسة. و عن ابن إدريس انه نقل إجماع الأمة، و ظاهر جمع: منهم- الفاضلان انه لا فرق في ذلك بين النجاسة المتعدية و غيرها حتى قال في التذكرة: لو كان معه خاتم نجس و صلى في المسجد لم تصح صلاته و استدلوا على ذلك بقوله عز و جل: «. إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ «1» حيث رتب النهي على النجاسة فيكون تقريبها حراما و متى ثبت التحريم في المسجد الحرام ثبت في غيره إذ لا قائل بالفصل.

و قول النبي (صلى الله عليه و آله) «جنبوا مساجدكم النجاسة» «2».

و اعترض عليه بأنه يتوجه على الأول ان النجاسة لغة المستقذر و الواجب الحمل عليه الى ان تثبت الحقيقة الشرعية و لم يثبت كون المعنى المصطلح عليه عند الفقهاء حقيقة شرعية. سلمنا الثبوت لكن النهي انما ترتب على نجاسة المشرك خاصة فإلحاق غيرها بها يحتاج الى دليل و هو منتف هنا. سلمنا ذلك لكن النهى انما تعلق بقرب المسجد الحرام خاصة و عدم الظفر بالقائل بالفرق بينه و بين غيره لا يدل على العدم فيحتمل الفرق.

و على الثاني الطعن في الرواية بعدم الوقوف على المستند و المراسيل لا تنهض حجة في إثبات حكم مخالف للأصل، و أيضا فإن مجانبة النجاسة المساجد تتحقق بعدم تعديها إليها فيحصل به الامتثال و لا يلزم من ذلك تحريم إدخالها مع عدم التعدي، و من ثم ذهب جمع من المتأخرين الى عدم تحريم إدخال النجاسة الغير المتعدية الى المسجد أو فرشه و آلته. انتهى و هو جيد.

و يؤيد ما ذكره أخيرا من عدم تحريم إدخال النجاسة الغير المتعدية ما نقله الشيخ في الخلاف من الإجماع على جواز عبور الحيض من النساء في المساجد مع عدم انفكاكهن من‌

______________________________
(1) سورة التوبة، الآية 28.

(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من أحكام المساجد.

293
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرع اعتبار الطهارة في ملبوس المصلى و محمولة إنما هو في ما يقله منهما ؛ ج 5، ص : 291

النجاسة غالبا،

و قوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار الواردة في المستحاضة «1» «. و ان كان الدم لا يثقب الكرسف توضأت و دخلت المسجد و صلت كل صلاة بوضوء.».

و ربما لاح منه تحريم إدخال النجاسة المتعدية حيث خص دخولها المسجد بصورة ما إذا لم يثقب الكرسف، و ظاهرهم الاتفاق على تحريم إدخال النجاسة المتعدية و لا اعرف لهم دليلا سواه الا ما لاح من الرواية المشار إليها، الا انه‌

قد روى عمار في الموثق ايضا عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الدمل يكون في الرجل، فينفجر و هو في الصلاة، قال يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة».

فإن إطلاقها شامل لما لو كانت الصلاة في المسجد بل هو الغالب، و العفو عن هذا الدم انما ثبت بالنسبة الى المصلي خاصة كما يأتي ان شاء الله ذكره، و بالجملة فأصالة الجواز أقوى دليل في المقام الى ان يثبت المخرج عنها.

بقي الكلام في ان المفهوم من كلامهم القطع بوجوب الإزالة على الفور كفاية بناء على التحريم فلو أخل بالإزالة اثم، و لو صلى و الحال هذه فان كان في ضيق الوقت فلا خلاف في الصحة و اما في السعة فقولان مبنيان على ان الأمر بالشي‌ء هل يستلزم النهي عن ضده الخاص أم لا؟ و لهم في هذه المسألة أبحاث طويلة الذيل نقضا و إبراما في الأصول و في مواضع من كتب الفروع، و الذي أقوله في ذلك و اعتمد عليه في أمثال هذه المسالك هو الثاني، و توضيحه ان يقال: التحقيق عندي و ان أباه من الف بالقواعد الأصولية انا متى رجعنا إلى الأدلة العقلية في الأحكام الشرعية فهي لا تقف على حد و لا ساحل و لهذا كثرت في هذه المسألة الأبحاث و تصادمت من الطرفين الدلائل و صنفت فيها الرسائل و اضطربت فيها أفهام الأفاضل.

و الجواب الحق عما ذكروه ان يقال (أولا)- ان الأحكام الشرعية توقيفية‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الاستحاضة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب النجاسات.

294
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرع اعتبار الطهارة في ملبوس المصلى و محمولة إنما هو في ما يقله منهما ؛ ج 5، ص : 291

من الشارع فلو كان لهذه المسألة أصل مع عموم البلوى بها لخرج عنهم (عليهم السلام) ما يدل عليها أو يشير إليها و حيث لم يخرج عنهم فيها شي‌ء سقط التكليف بها إذ لا تكليف إلا بعد البيان و لا مؤاخذة إلا بعد اقامة البرهان، و هذا يرجع في التحقيق الى ما قدمنا ذكره في غير موضع و به صرح المحدث الأمين الأسترآبادي من الاستدلال بالبراءة الأصلية و العمل بها فيما يعم به البلوى من الأحكام.

و (ثانيا)- ان القول بذلك موجب للحرج و الضيق المنفيين بالآية و الرواية و الإجماع «1» إذ لا يخفى انه لا يكاد أحد من المكلفين فارغ الذمة من واجب من الواجبات البدنية أو المالية و يأتي بناء على هذا القول بطلان عباداته و صلواته في غير ضيق الوقت و عدم ترخصه في أسفاره و تأثيمه في جملة أفعاله من اكله و شربه و مغداه و مجيئه و نومه و نكاحه و نحو ذلك لان الفرض انه منهي عن هذه الأضداد الخاصة و النهي حقيقة في التحريم، و اي ضيق و حرج أعظم من ذلك؟

و (ثالثا) الأخبار الدالة على عدم التكليف بأمثال هذه الأمور التي لم يرد فيها شي‌ء بنفي و لا إثبات مثل‌

قول الصادق (عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمار «2» «ان عليا (عليه السلام) كان يقول أبهموا ما أبهمه الله».

و ما رواه الشيخ المفيد عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) «3» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان الله حد لكم حدودا فلا تعتدوها و فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها و سن لكم سننا فاتبعوها و حرم عليكم حرمات فلا تنتهكوها و عفا لكم عن أشياء رحمة منه من غير نسيان فلا تتكلفوها».

و ما رواه في الفقيه «4» في خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) قال فيها: «ان الله حد حدودا فلا تعتدوها و فرض فرائض فلا تنقضوها و سكت عن أشياء لم يسكت عنها

______________________________
(1) تقدم ما يدل على ذلك ج 1 ص 151.

(2) رواه في البحار في الباب 33 من كتاب العلم رقم 5.

(3) رواه في البحار في الباب 32 من كتاب العلم رقم 11.

(4) باب (نوادر الحدود).

295
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 296

نسيانا فلا تتكلفوها رحمة من الله لكم فاقبلوها».

و لا ريب ان هذه المسألة داخلة فيما سكت الله عنه فتكلف البحث فيها كما ذكره أصحابنا (رضوان الله عليهم) تبعا للمخالفين في كتبهم الأصولية ناشى‌ء من عدم ملاحظة هذه الاخبار، و كم لهم مثل ذلك كما لا يخفى على من جاس خلال الديار. و الله العالم.

فروع

(الأول) [هل يجب تخفيف النجاسة عند تعذر إزالتها؟]

- قد صرح المحقق و العلامة في المعتبر و المنتهى و الشهيد في الذكرى بأنه إذا تعذر غسل مخرج البول و جب مسحه بحجر و نحوه، و احتج له المحقق و مثله العلامة بأن الواجب ازالة العين و الأثر فإذا تعذرت إزالة الأثر بقيت ازالة العين، و فهم من هذا الحكم جملة من المتأخرين بأنهم يرون وجوب تخفيف مطلق النجاسة عند تعذر إزالتها و ان ذلك بدل اضطراري للطهارة من النجاسات كبدلية التيمم للطهارة من الأحداث، و نحن قد قدمنا ما في هذا الكلام من تطرق المناقشة إليه في الفصل الأول في آداب الخلوة في التنبيه الخامس من التنبيهات الملحقة بذلك البحث، و نزيده تأييدا هنا بما ذكره بعض المحققين من متأخري المتأخرين حيث قال بعد نقل ما ذكرناه: و عندي في هذا الكلام من أصله نظر لان وجوب ازالة العين و الأثر حكم واحد مستفاد من دليل واحد و من البين ان الأمر بالمركب انما يقتضي الأمر بأجزائه على الاجتماع لا مطلقا، و حينئذ فلا بد في إثبات التكليف بجزء منها على الانفراد من دليل غير الأمر بالمركب و هو مفقود في المتنازع، بل ظاهر الاخبار المسوغة للصلاة مع النجاسة عند تعذر الإزالة نفي التكليف بأمر آخر سوى الإزالة باعتبار إطلاق الاذن من غير تعرض للتخفيف بوجه، و ما ورد في بعض الأخبار من ذكر المسح للبول عن المخرج عند تعذر غسله لا يصلح شاهدا على العموم لان الوجه فيه منع النجاسة عن التعدي الى غير محلها من الثوب أو البدن و هو أمر آخر غير التخفيف. انتهى. و هو جيد.

(الثاني) [زوال حكم النجاسة متوقف على زوال عينها أو استحالتها]

- المستفاد من النصوص- و عليه ظاهر اتفاق كلمة الأصحاب- ان‌

296
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) زوال العين يكفي في ظهر البواطن ؛ ج 5، ص : 297

زوال حكم النجاسة متوقف على زوال عينها أو استحالتها كما سيأتي تفصيل ذلك في مواضع مخصوصة و لا عبرة بما يبقى من اللون و الرائحة و حكى المحقق في المعتبر على ذلك إجماع العلماء، و من الاخبار في ذلك‌

ما رواه الشيخ في الحسن عن ابن المغيرة عن ابي الحسن (عليه السلام) «1» قال: «قلت له للاستنجاء حد؟ قال لا حتى ينقى ما ثمة؟ قلت فإنه ينقى ما ثمة و يبقى الريح؟ قال الريح لا ينظر إليها».

و الخبر و ان كان مورده الاستنجاء إلا انه لا خلاف و لا إشكال في تعدية الحكم إلى جملة النجاسات بطريق تنقيح المناط القطعي المتقدم ذكره في مقدمات الكتاب،

و ما رواه على بن أبي حمزة عن العبد الصالح (عليه السلام) «2» قال: «سألته أم ولد لأبيه فقالت جعلت فداك اني أريد أن أسألك عن شي‌ء و انا أستحيي قال سليني و لا تستحي قالت أصاب ثوبي دم الحيض فغسلته فلم يذهب أثره؟ قال اصبغيه بمشق حتى يختلط و يذهب أثره».

و عن عيسى بن ابي منصور «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) امرأة أصاب ثوبها من دم الحيض فغسلته فبقي أثر الدم في ثوبها؟ قال: قل لها تصبغه بمشق حتى يختلط».

و المشق بالكسر المغرة، قاله في الصحاح و القاموس.

(الثالث) [زوال العين يكفي في ظهر البواطن]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في الاكتفاء في ظهر البواطن بزوال العين، و على ذلك تدل جملة من الاخبار: منها-

ما رواه الشيخ عن عمار الساباطي «4» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل يسيل من انفه الدم هل عليه ان يغسل باطنه يعني جوف الأنف؟ فقال انما عليه ان يغسل ما ظهر منه».

و ما رواه في الكافي في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود «5» قال: «سمعت الرضا (عليه السلام) يقول يستنجي

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 و 35 من أحكام الخلوة و 25 من النجاسات.

(2) الفروع ج 1 ص 18 و في الوسائل في الباب 52 من أبواب الحيض.

(3) رواه في الوسائل في الباب 25 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 24 من النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 24 من النجاسات.

297
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) زوال العين يكفي في ظهر البواطن ؛ ج 5، ص : 297

و يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل فيه الا نملة».

و عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» «في الرجل يمس أنفه في الصلاة فيرى دما كيف يصنع أ ينصرف؟

قال ان كان يابسا فليرم به و لا بأس».

و بالإسناد المتقدم في الحديث الأول عن عمار عن الصادق (عليه السلام) «2» في حديث قال: «انما عليه ان يغسل ما ظهر منها- يعني المقعدة- و ليس عليه ان يغسل باطنها».

و ما رواه الشيخ عن عبد الحميد بن ابي الديلم «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل يشرب الخمر فيبصق فأصاب ثوبي من بصاقه؟

فقال ليس بشي‌ء».

و يؤيده أيضا‌

ما رواه زرارة عن الباقر (عليه السلام) «4» قال: «ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنة إنما عليك ان تغسل ما ظهر».

و بذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المعالم في هذا المقام حيث انه بعد ذكر الحكم المذكور انما استدل برواية عمار الاولى ثم ردها بضعف السند و قال انها لا تصلح بمجردها دليل على الحكم، ثم قال: و ضم إليها بعض الأصحاب التعليل برفع الحرج و الاشكال بحاله و الحق انه يكفي في الاستدلال له التمسك بأصالة البراءة فإنها ملزومة للطهارة و لا، وجه لعدم الاعتداد بها في نحو هذا الموضع إلا توهم كون أنواع النجاسات أسباب مؤثرة فيما تلاقيه برطوبة مطلقا، و قد أسلفنا في مسألة تطهير الشمس ان ذلك بعيد عن التحقيق. انتهى.

و لا يخفى ما فيه من النظر الظاهر فان الاعتماد على أصالة البراءة بعد استفاضة الروايات التي تقدمت في فصول النجاسات بتعديها الى ما لاقته بالرطوبة أمر من الشمس أظهر و من البدر أنور كما تقدم تحقيقه، هذا بناء على ما ذكر من تلك الرواية خاصة و إلا فالناظر في جميع ما أوردنا من الاخبار التي فيها الصحيح باصطلاحه فلا مجال للتوقف في الحكم المذكور. و اما ما أشار اليه و أحال عليه من التحقيق الذي زعمه في مسألة تطهير الشمس فسيأتي نقله ان شاء الله تعالى في مسألة تطهير الشمس و بيان ما فيه.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 24 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 24 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 39 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 24 من النجاسات.

298
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب هل يكفي زوال العين في طهارة الصيقل ؛ ج 5، ص : 299

تذنيب [هل يكفي زوال العين في طهارة الصيقل]

قد نقل جملة من الأصحاب عن المرتضى (رضي الله عنه) الحكم بطهارة الصيقل بمجرد زوال عين النجاسة و ظاهرهم انحصار القول بذلك في المرتضى، و ظاهر الشيخ في الخلاف تقدم القول بذلك عليه حيث ذكر ان في أصحابنا من قال بان الجسم الصيقل كالسيف و المرآة و القوارير إذا أصابته نجاسة كفى في طهارته مسح النجاسة، و عزى الى المرتضى اختياره ثم قال و لست اعرف به أثرا، و ذكر ان عدم طهارته بدون غسله بالماء هو الظاهر، و احتج له بان حصول النجاسة في هذا الجسم معلوم و الحكم بزوالها يحتاج الى شرع و ليس في الشرع ما يدل على زوال هذا الحكم بما قالوه. و ظاهره كما ترى عدم انحصار القول بالطهارة في المرتضى (رضى الله عنه) ثم ان الفاضلين و غيرهما اقتفوا اثر الشيخ في هذا الاحتجاج على بقائه النجاسة و استصحابها و زاد الفاضلان الاستدلال بأن النجاسة الرطبة يتعدى حكمها إلى الملاقي فلا يزول بزوال عين النجاسة. و على هذا كلام من تأخر عنهما في هذا المقام و غيره مما لاقته النجاسة برطوبة فإنه يجب استصحاب حكم النجاسة حتى يقوم الدليل على الطهارة، الى ان انتهت النوبة الى صاحب المعالم فخالف الأصحاب في ذلك بقول انفرد به و هو ان هذا الحكم اعني توقف الطهارة بعد زوال عين النجاسة على مطهر مخصوص بالثوب و البدن و الآنية و اما غير هذه الثلاثة فإنه يطهر بزوال العين. و سيجي‌ء نقل كلامه في مسألة تطهير الشمس، و من ثم قال في هذا المقام بعد ان نقل عن الأصحاب ما قدمنا ما صورته: و قد تكرر القول في أمر الاستصحاب و ذكرنا في المباحث الأصولية ان السيد لا يعول عليه في مثل هذا المقام و العجب من غفلة الجماعة عن رأى السيد فيه و ان كلامه مبني على أصله فلا يحسن ان يحتج عليه بما لا يقبله. انتهى. أقول: لا يخفى ان الاستصحاب في هذا المقام عند الأصحاب و هو التحقيق ليس من قبيل الاستصحاب الذي هو محل النزاع و مطرح البحث بين السيد و غيره، فان هذا الاستصحاب انما هو من قبيل العمل بعموم الدليل‌

299
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حد العفو عن دم الجروح و القروح ؛ ج 5، ص : 300

و إطلاقه حتى يحصل الرافع، و نظائره في أحكام الفقه أكثر من ان تحصى كما تقدم ذكره في مقدمات الكتاب، و لا خلاف في العمل به في الأحكام الشرعية فإن النجاسة قد ثبتت بملاقاة عين النجاسة برطوبة فالحكم بطهارة ما لاقته يحتاج الى دليل سواء كانت باقية أو زالت بغير مطهر شرعي و هو مما لا خلاف فيه نصا و فتوى، و سيأتي مزيد تحقيق للمقام في مسألة تطهير الشمس ان شاء الله تعالى.

ثم ان ممن اختار القول بالطهارة أيضا بمجرد زوال العين عن الصيقل المحدث الكاشاني في المفاتيح و قد سلف البحث معه في ذلك في الباب الأول في آخر مسألة جواز رفع الخبث بالمضاف و عدمه فليراجع. و الله العالم.

(المسألة الثانية) [حد العفو عن دم الجروح و القروح]

- لا خلاف بين الأصحاب فيما اعلم في أصل العفو عن دم الجروح و القروح قليلا كان أو كثيرا و الاخبار به متظافرة، و انما الخلاف بينهم في حد العفو فمنهم من جعل الحد في ذلك البرء و منهم من جعله الانقطاع، و أصحاب هذا القول بين مطلق لذلك و مقيد بكونه في زمان يتسع لأداء الصلاة، فالإطلاق للعلامة في بعض كتبه و الشهيد فيما سوى الذكرى و التقيد للمحقق في المعتبر و الشهيد في الذكرى، و ناط العلامة في القواعد العفو بحصول المشقة بالإزالة و هو ظاهره في النهاية و مثله المحقق في الشرائع، و جمع في المنتهى و التحرير بينه و بين عدم وقوف جريانها فجعلهما المناط في العفو، و استشكل في النهاية وجوب ازالة البعض إذا لم يشق و أوجب فيها و في المنتهى ابدال الثوب مع الإمكان معللا بانتفاء المشقة فينتفي الترخص لانتفاء المعلول عند انتفاء علته.

و اعترضه في المعالم فقال بعد نقل ذلك: و أنت خبير بأنه مع وجوب ازالة البعض حيث لا يشق و وجوب ابدال الثوب ان أمكن لا يبقى لهذا الدم خصوصية فإن إيجاب إزالة البعض مع عدم المشقة يقتضي وجوب التحفظ من كثرة التعدي أيضا مع الإمكان كما لا يخفى، و اغتفار ما دون ذلك ثابت في مطلق الدم بل في مطلق النجاسات. و ظاهر جماعة من الأصحاب ان الخصوصية هنا ثابتة عند الكل و ان اختلفوا في مقدارها‌

300
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حد العفو عن دم الجروح و القروح ؛ ج 5، ص : 300

و ذكر الفاضل الشيخ علي في بعض مصنفاته ان الشيخ نقل الإجماع على عدم وجوب عصب الجرح و تقليل الدم بل يصلي كيف كان و ان سال و تفاحش الى ان يبرأ، قال و هذا بخلاف المستحاضة و السلس و المبطون إذ يجب عليهم الاحتياط في منع النجاسة و تقليلها بحسب الإمكان، و أطلق الشيخ في النهاية و غيرها من كتبه التي رأيناها الحكم بعدم وجوب ازالة دم القروح الدامية و الجروح اللازمة قل أو كثر، و هو ظاهر في موافقة القول الأول أعني التحديد بالبرء. و اعلم انه قد اتفق للعلامة في الإرشاد التعبير هنا بعبارة الشيخ فقال فيه: و عفي في الثوب و البدن عن دم القروح و الجروح اللازمة. و حيث انه لم يظهر من العلامة في شي‌ء من كتبه إطلاق العفو بل اشترطه تارة بعدم انقطاع سيلان الدم و تارة بحصول المشقة و ثالثة بهما حمل الشهيد الثاني في الروض كلامه هنا علي ان المراد بالوصف باللازمة استمرار الخروج، و المحقق الشيخ علي فسرها بالتي لم تبرأ، و اعترضه في الروض بأنه ليس مذهبا للمصنف حتى يفسر كلامه به. و فيه ما ذكر ابنه في المعالم و ان لم يصرح بنسبة التفسير الأول إلى أبيه بل عبر عنه ببعض الأصحاب فقال و الحق مع الثاني فإن الظاهر من هذا الوصف ارادة كون الجرح باقيا غير مندمل، و مجرد كون العلامة لم يصرح بهذا القول في غير ذلك الكتاب لا يسوغ حمل اللفظ على خلاف ظاهره و المصير الى المعنى الأول سيما مع ما هو معلوم من حال العلامة من عدم الالتزام بالقول الواحد في الكتاب الواحد فضلا عن الكتب المختلفة و بعد ظهور انتشار رأيه في هذه المسألة، و حينئذ تكون أقواله في هذه المسألة أربعة.

أقول: و كيف كان فأظهر الأقوال و أصحها هو القول الأول و يدل عليه الأخبار الكثيرة:

و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال: «سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 22 من أبواب النجاسات.

301
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حد العفو عن دم الجروح و القروح ؛ ج 5، ص : 300

فقال يصلي و ان كانت الدماء تسيل».

و في الصحيح عن ليث المرادي «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل تكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوة دما و قيحا و ثيابه بمنزلة جلده؟

قال يصلي في ثيابه و لا شي‌ء عليه و لا يغسلها».

و في الحسن عن ليث المرادي عن الصادق (عليه السلام) نحوه «2» إلا انه لم يذكر في متنه «و ثيابه بمنزلة جلده».

و ما رواه في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله «3» قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي؟ فقال دعه فلا يضرك ان لا تغسله».

و عن سماعة بن مهران في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم».

و رواية أبي بصير «5» قال: «دخلت على ابي جعفر (عليه السلام) و هو يصلي فقال لي قائدي ان في ثوبه دما فلما انصرف قلت له ان قائدي أخبرني أن بثوبك دما؟

قال (عليه السلام) ان بي دماميل و لست اغسل ثوبي حتى تبرأ».

و موثقة عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «6» قال: «سألته عن الدمل يكون في الرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة».

و روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب البزنطي عن عبد الله ابن عجلان عن ابي جعفر (عليه السلام) «7» قال: «سألته عن الرجل به القرح لا يزال يدمي كيف يصنع؟ قال يصلي و ان كانت الدماء تسيل».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 12 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 12 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 12 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 12 من النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 12 من النجاسات.

(7) السرائر نوادر البزنطي الحديث 12.

302
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) حد العفو عن دم الجروح و القروح ؛ ج 5، ص : 300

و من الكتاب المذكور عن البزنطي عن العلاء عن محمد بن مسلم «1» قال: «قال ان صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها و لا حبس دمها يصلي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة».

و رواية سماعة «2» قال: «سألته عن الرجل به القرح أو الجرح فلا يستطيع ان يربطه و لا يغسل دمه؟ قال يصلي و لا يغسل ثوبه إلا كل يوم مرة فإنه لا يستطيع ان يغسل ثوبه كل ساعة».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة و هي ظاهرة الدلالة على امتداد العفو الى البرء و به صرح في موثقة سماعة و رواية أبي بصير و يقرب منه قوله (عليه السلام) في‌

صحيحة محمد بن مسلم: «يصلي و ان كانت الدماء تسيل».

و نحوها رواية عبد الله بن عجلان، فان الظاهر من هذه العبارة ان المفهوم اولى بالحكم من المنطوق فيكون حالة عدم السيلان اولى بالعفو، و ربما يسبق الى الفهم من قوله في الصحيحة المشار إليها: «فلا تزال تدمي» ان الحكم مفروض في استمرار الجريان و العفو معلق عليه، و هو باطل (أما أولا) فإن هذا الكلام انما وقع في كلام السائل و مقتضى جوابه انما هو ما ذكرناه و العبرة لا بكلام السائل. و (اما ثانيا) فان الظاهر انه ليس معنى «لا تزال تدمي» أن جريانها متصل لا ينقطع بل معناه تكرر الخروج و ان كان دفعة بعد دفعة و حينا بعد حين، و من الظاهر ان ذلك هو مقتضى العرف من هذه العبارة فإنه إذا قيل فلان لا يزال يتكلم بكذا و كذا و لا يزال يتردد الى كذا و كذا و نحو ذلك فإنه يراد منه انه يفعله حينا بعد حين لا انه مستمر على فعله علي وجه لا انقطاع و لا انفصال فيه، و بذلك يظهر ان ما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم)- من اعتبار المشقة و ابدال الثوب مع الإمكان و اعتبار التقييد بعدم الانقطاع مطلقا أو مقيدا كما تقدم- لا دليل عليه بل‌

______________________________
(1) السرائر نوادر البزنطي الحديث 13.

(2) المروية في الوسائل في الباب 22 من أبواب النجاسات.

303
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 304

 

الأدلة واضحة ظاهرة في رده، فان المستفاد منها هو العفو عن هذا الدم شقت إزالته أم لا و سواء كانت له فترة ينقطع فيها بقدر الصلاة أو مطلقا أم لا، و انه لا يجب ابدال الثوب و لا تخفيف النجاسة و لا تعصيب موضع الجرح أو القرح بحيث يمنعه من الخروج، قال إطلاق الأمر بالصلاة و ان كانت الدماء تسيل و النهي عن الغسل و الحال هذه أظهر ظاهر في ذلك.

فروع

(الأول) [هل يستحب لصاحب الجروح و القروح غسل ثوبه في كل يوم مرة؟]

- قد صرح العلامة في جملة من كتبه كالنهاية و المنتهى و التحرير انه يستحب لصاحب القروح و الجروح غسل ثوبه في كل يوم مرة، و احتج له في المنتهى و النهاية بأن فيه تطهيرا غير مشق فكان مطلوبا و برواية سماعة المتقدمة، أقول: و مثلها صحيحة محمد بن مسلم المنقولة من مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي. و السيد في المدارك بعد ان نقل عن العلامة الاستدلال برواية سماعة اعترضه بان في السند ضعفا. و العجب منه انه في غير موضع من شرحه المذكور بعد الطعن في الخبر بضعف السند و عدم نهوضه بالدلالة على الوجوب أو التحريم يحمله على الاستحباب أو الكراهة تفاديا من طرحه و هكذا قاعدة غيره من أصحاب هذا الاصطلاح، فكيف خالف قاعدته هنا مع ان صحيحة محمد بن مسلم كما عرفت صريحة في ذلك؟ فلا يتوجه الطعن المذكور.

ثم ان ما ذكره العلامة و من تبعه من حمل الرواية على الاستحباب انما نشأ من حيث ضعف سندها عندهم كما أشرنا إليه من ان قاعدتهم حمل الأخبار على ذلك متى ضعف سندها تفاديا من طرحها، و أنت قد عرفت وجود الرواية الصحيحة بذلك و بموجب ذلك يجب العمل بالخبرين المذكورين في وجوب الغسل مرة واحدة في اليوم كما دلا عليه و تقييد تلك الاخبار بهما و ان لم يوجد به قائل منهم، و لا ريب انه الأحوط مع الإمكان و اما ما ذكره العلامة من التعليل الأول فإنه عليل لا يعول عليه و لا يصح اسناد حكم‌

 

304
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) تعدي دم الجروح و القروح عن محل الضرورة ؛ ج 5، ص : 305

شرعي إليه، نعم يصلح توجيها للنص المذكور.

(الثاني) [تعدي دم الجروح و القروح عن محل الضرورة]

لو تعدى الدم عن محل الضرورة من الجروح و القروح في الثوب و البدن فهل يسري العفو أم لا؟ وجهان صرح بثانيهما في المنتهى فقال: لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثوب أو البدن بان لمس بالسليم من بدنه دم الجرح أو بالطاهر من ثوبه فالأقرب عدم الترخيص فيه. قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه: و ما استقربه حسن.

و قال في المدارك: لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثوب احتمل بقاء العفو تمسكا بالإطلاق و عدمه لانتفاء المشقة بإزالته، و هو خيرة المنتهى.

أقول: لا يبعد التفصيل هنا بين ما إذا تعدى الدم بنفسه إلى سائر أجزاء البدن أو الثوب الطاهر و بين ما إذا عداه المكلف بنفسه بان وضع يده الطاهرة على دم الجرح أو طرف ثوبه الطاهر عليه، و القول بالعفو في الأول دون الثاني، و الظاهر من عبارة المنتهى انما هو الثاني إلا ان موثقة عمار المتقدمة ظاهرة في العفو في الثاني أيضا و به يظهر ضعف ما قربه في المنتهى و استحسنه في المعالم، و لو لم يرد هذا الخبر في اخبار المسألة لكان ما ذكرناه من التفصيل جيدا فان المتبادر منها انما هو القسم الأول خاصة إلا انه يمكن ان يقال بحمل الموثقة المذكورة على خروج القيح من الدمل دون الدم فإنه بعد نضجه متى انفجر فإنما يخرج منه القيح الأبيض خاصة و ربما خالطه لون الدم، و بالجملة فإن حمل الخبر على ذلك غير بعيد و به يظهر قوة ما ذكرناه من التفصيل.

(الثالث) [ملاقاة دم الجروح و القروح نجاسة أخرى]

- قال في المدارك: لو لاقى هذا الدم نجاسة أخرى فلا عفو، و ان اصابه مائع طاهر كالعرق و نحوه فالأظهر سريان العفو إليه لإطلاق النص و مس الحاجة و استقرب في المنتهى العدم قصرا للترخيص على موضع النص و هو الدم و لا ريب انه أحوط. انتهى. و هو جيد.

(الرابع)- إذا لاقى هذا الدم جسم برطوبة ثم لاقى الجسم بدن صاحب الدم و ثوبه

فهل يثبت فيه العفو كأصله أو لا؟ احتمالان استقرب ثانيهما العلامة في النهاية و المنتهى،

305
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) العفو عن ما نقص عن الدرهم من الدم ؛ ج 5، ص : 306

و لم نقف لغيره على كلام في هذا الفرع إلا انهم ذكروا نظيره في الملاقي للدم القليل المعفو عنه كالاقل من درهم، و اختار جمع منهم ثبوت العفو في الملاقي ايضا مستندين الى ان المتنجس بشي‌ء لا يزيد حكمه عنه و غايته ان يساويه فإذا ثبت العفو عن عين النجاسة فما هو أضعف منه حكما اولى بالعفو، و هذا التوجيه جار فيما نحن فيه، و بهذا التقريب رجح في المعالم هنا الاحتمال الأول. و المسألة عندي محل توقف.

(المسألة الثالثة) [العفو عن ما نقص عن الدرهم من الدم]

- الظاهر انه لا خلاف و لا إشكال في ان ما نقص عن سعة الدرهم من الدم المسفوح الذي ليس من أحد الدماء الثلاثة و لا دم الجروح و القروح معفو عنه و ان ما زاد منه على الدرهم فلا يعفى عنه. و يدل على الأول- بعد الإجماع المدعى من جمع من الأصحاب كالمحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و النهاية و التذكرة و المختلف- الأخبار الآتية، و على الثاني مضافا الى الإجماع المدعى ايضا الأخبار الدالة على نجاسة الدم كما تقدم و الأخبار الآتية الدالة على العفو عن الناقص، و انما الخلاف و الاشكال في قدر سعة الدرهم، فذهب الأكثر و منهم الصدوقان و الشيخان و الفاضلان و الشهيدان و غيرهم إلى إيجاب إزالته، و عن المرتضى و سلار عدم الوجوب.

و ها انا ابسط ما وقفت عليه من اخبار المسألة و اذيلها بما رزقني الله تعالى فهمه منها في الجمع بين مختلفاتها و تأليف متفرقاتها:

و منها-

صحيحة عبد الله بن ابي يعفور «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في دم البراغيث؟ قال ليس به بأس. قال قلت انه يكثر و يتفاحش؟

قال و ان كثر. قال قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال يغسله و لا يعيد صلاته إلا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة».

______________________________
(1) المروية في الوسائل بالتقطيع في الباب 20 و 23 من النجاسات.

306
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) العفو عن ما نقص عن الدرهم من الدم ؛ ج 5، ص : 306

و حسنة محمد بن مسلم «1» قال: «قلت له الدم يكون في الثوب علي و انا في الصلاة؟

قال ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه».

هكذا في رواية الكافي، و في التهذيب هكذا: «و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي‌ء» بزيادة الواو و حذف «و ما كان أقل» و في الاستبصار حذفه ايضا و لم يزد الواو، و في الفقيه رواه عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) كما في الكافي و زاد في آخره «و ليس ذلك بمنزلة المني و البول ثم ذكر المني فشدد فيه. الحديث» كما تقدم في الفصل الثالث في نجاسة المني.

و رواية إسماعيل الجعفي عن ابي جعفر (عليه السلام) «2» قال: «في الدم يكون في الثوب ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته و ان لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة».

و رواية جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «3» انهما قالا: «لا بأس بان يصلى الرجل في الثوب و فيه الدم متفرقا شبه النضح و ان كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم».

و قال الرضا (عليه السلام) في الفقه الرضوي «4» «إن أصاب ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقدار درهم واف، و الوافي ما يكون وزنه درهما و ثلثا، و ما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله و لا بأس بالصلاة فيه، و ان كان الدم حمصة فلا بأس بان لا تغسله إلا ان يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه و من البول و المني قل أم

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

(4) ص 6.

307
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) هل يلحق البدن بالثوب في العفو عن الدم الأقل من الدرهم؟ ؛ ج 5، ص : 308

كثر و أعد منه صلاتك علمت به أو لم تعلم».

انتهى كلامه و بهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه بأدنى تغيير إذا عرفت ذلك فاعلم ان الكلام هنا يقع في مواضع‌

[الموضع] (الأول) [هل يلحق البدن بالثوب في العفو عن الدم الأقل من الدرهم؟]

- لا يخفى ان مورد الأخبار المذكورة انما هو الثوب خاصة و ظاهر كلمة الأصحاب الاتفاق على ضم البدن إليه أيضا، قال في المنتهى: حكم البدن حكم الثوب في هذا الباب ذكره أصحابنا و يؤيده رواية مثنى بن عبد السلام «1» و لأن المشقة موجودة في البدن كالثوب بل أبلغ لكثرة وقوعها إذ لا تتعدى غالبا الى الثوب إلا منه. انتهى. و قال في المعالم بعد ذكر ملخصه: و لا بأس به. و قال في المدارك: مورد الروايات المتضمنة للعفو تعلق النجاسة بالثوب، و قال في المنتهى انه لا فرق في ذلك بين الثوب و البدن و أسنده إلى الأصحاب لاشتراكهما في المشقة اللازمة من وجوب الإزالة، و هو جيد لمطابقته لمقتضى الأصل السالم عما يصلح للمعارضة، و يشهد له‌

رواية مثنى بن عبد السلام عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «قلت له اني حككت جلدي فخرج منه دم؟ فقال إذا اجتمع منه قدر حمصة فاغسله و إلا فلا».

و الظاهر ان المراد بقدر الحمصة قدرها و زنا لا سعة و هي تقرب من سعة الدرهم. انتهى.

أقول: لا يخفى ما في كلامهم هنا من المجازفة الظاهرة (اما أولا)- فلان التعليل في إلحاق البدن بالثوب بالمشقة انما يتم على تقدير تسليمه لو كان وجوب الإزالة عن الثوب معللا بالمشقة، مع ان هذه العلة غير موجودة في شي‌ء من الاخبار المتقدمة و انما هي علة مستنبطة و العلة الحقيقية في وجوب الإزالة عن الثوب انما هي الأخبار الدالة على ذلك و لا اشعار لها بشي‌ء من هذه العلة، ثم أي مشقة في إزالة الدم وحده مع وجوب الإزالة فيما عداه من النجاسات قل أو كثر بل في غيره من الدماء؟ و بالجملة فإن هذا التعليل عليل لا يصلح لبناء حكم شرعي.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

308
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) هل يلحق البدن بالثوب في العفو عن الدم الأقل من الدرهم؟ ؛ ج 5، ص : 308

و (اما ثانيا)- فان ما ذكره في المدارك من الاستناد إلى مطابقة الأصل غير متأصل إذ الظاهر ان مراده من هذا الأصل هنا هو أصالة براءة الذمة من وجوب الإزالة، و هو مردود بما عرفت من استفاضة النصوص بنجاسة الدم و وجوب إزالته في الصلاة قليلا كان أو كثيرا خرج ما خرج بدليل و بقي ما بقي و هو ما يوجب الخروج عن هذا الأصل.

و (اما ثالثا)- فان ما ذكره من خبر الحمصة و تأوله به من ان المراد بالحمصة قدرها وزنا لا سعة مدخول بأنه يمكن ان يلطخ بقدر الحمصة وزنا من الدم تمام الثوب، و حينئذ لا معنى لقوله «و هو يقرب من سعة الدرهم» فانا لا ندري أي شي‌ء أراد بهذا القرب و الحال كما ذكرنا، و الظاهر من الرواية المذكورة انما هو قدرها في السعة و انه لا يعفى عنه و انما يعفى عما دونه، فالرواية بالدلالة على خلاف ما يدعونه أشبه.

و ربما أشعرت الرواية بعدم نجاسة هذا المقدار اليسير من الدم كما هو ظاهر عبارة الصدوق في الفقيه حيث قال: «و ان كان الدم دون حمصة فلا يغسل» و يؤيده أيضا‌

ما في رواية الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «1» حيث «سأله عن دم البراغيث يكون في الثوب هل يمنعه ذلك من الصلاة؟ قال لا و ان كثر و لا بأس أيضا بشبهه من الرعاف ينضحه و لا يغسله».

و التقريب ان المتفرق من الرعاف غالبا انما يكون أقل من الحمصة فلو كان نجسا لكان النضح انما يزيده نجاسة، و لكن لا أعلم قائلا بذلك إلا ما يظهر من إطلاق عبارة ابن الجنيد المتقدمة في صدر المسألة الأولى.

هذا ما اقتضاه البحث بحسب النظر الى الدليل و ان كان الاحتياط فيما ذهبوا اليه سيما مع ظاهر اتفاقهم على ذلك و لا اعرف لهم دليلا سواه.

و اما ما تضمنه كتاب الفقه كما قدمنا في عبارته من نفي البأس عن قدر الحمصة من الدم فمشكل و الصدوق (قدس سره) مع أخذ عبارته في الفقيه من عبارة الكتاب‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من النجاسات.

309
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) هل يعفى عن قدر الدرهم من الدم؟ ؛ ج 5، ص : 310

المذكور قد عدل في هذا المقام عن ذلك كما قدمنا من عبارته، و يمكن حمل عبارة كتاب الفقه- كما هو ظاهر سياقها- على ان مقدار الحمصة الذي نفى عنه البأس انما هو في الثوب و حينئذ فنفى البأس من حيث السعة فتدخل تحت عموم قوله: «و ما كان دون الدرهم» فإنها من حيث السعة دون الدرهم المذكور و انما محل الإشكال في البدن باعتبار احتمال الوزن كما ذهب إليه في المدارك.

(الموضع الثاني) [هل يعفى عن قدر الدرهم من الدم؟]

- قد اتفقت هذه الروايات على ما قدمنا ذكره في العفو عما نقص من قدر الدرهم و عدم العفو عما زاد و انما اختلفت في العفو عن قدر الدرهم و عدمه و بذلك اختلفت كلمة الأصحاب، و المشهور الثاني كما قدمنا ذكره.

و استدل عليه بوجوه: (أولها)- ان مقتضى الدليل وجوب ازالة قليل النجاسة و كثيرها‌

لقوله (عليه السلام) «انما يغسل الثوب من البول و المني و الدم» «1».

و نحو ذلك من الأخبار التي قدمناها في الفصل الرابع في نجاسة الدم مما دل على وجوب تطهير الثوب من الدم و اعادة الصلاة بالصلاة فيه ناسيا و نحو ذلك، فإن إطلاقها يقتضي وجوب ازالة الدم كيف كان خرج منه ما وقع الاتفاق على العفو عنه و هو الأقل من درهم و بقي الباقي و على هذا الوجه اقتصر المحقق في المعتبر و ان كان كلامه فيه بوجه مختصر، و هو جيد وجيه كما لا يخفى على العارف النبيه.

و (ثانيها)- قوله تعالى: «وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ» «2» قال العلامة في المختلف و هو عام تركناه فيما نقص عن الدرهم للمشقة و عدم الانفكاك منه فيبقى ما زاد على عموم الأمر بإزالته. أقول: و فيه عندي نظر تقدم ذكره قريبا و هو ان الاخبار الواردة بتفسير الآية قد‌

______________________________
(1) الظاهر ان هذا مضمون الأخبار الواردة في نجاسة هذه الأمور و ليس لفظا واردا في حديث خاص و قد أورده كذلك المحقق في المعتبر و صاحبا المدارك و المعالم و مرجعه الى التمسك بالإطلاقات.

(2) سورة المدثر، الآية 4.

310
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) هل يعفى عن قدر الدرهم من الدم؟ ؛ ج 5، ص : 310

اتفقت على تفسير التطهير هنا بتشمير الثياب فلا وجه للاستدلال بها هنا بعد ورود التفسير لها بنوع خاص.

و (ثالثها)- صحيح ابن ابي يعفور المتقدم و رواية جميل بن دراج و دلالتهما على ذلك ظاهرة بل صريحة، و مثلهما عبارة كتاب الفقه، و هذا القول هو المعتمد عندي لما عرفت.

و اما أدلة القول الآخر فوجهان: (أحدهما) ما حكاه في المختلف عن المرتضى فقال: قال المرتضى (رضي الله عنه) ان الله أباح الصلاة في قوله تعالى: «. إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا «1» عند تطهير الأعضاء الأربعة فلو تعلقت الإباحة بغسل نجاسة لكان ذلك زيادة لا يدل عليها الظاهر لانه بخلافها، و لا يلزم على ذلك ما زاد على الدرهم و ما عدا الدم من سائر النجاسات لان الظاهر و ان لم يوجب ذلك فقد عرفناه بدليل أوجب الزيادة على الظاهر و ليس ذلك في يسير الدم. ثم أجاب في المختلف عن هذه الحجة بأن الآية لا تدل على الإباحة عند تطهير الأعضاء الأربعة بل على اشتراط تطهيرها في الصلاة. أقول: و مع تسليم ما ذكره فإنه كما خصص الآية بالأدلة الدالة على وجوب ازالة ما زاد على الدرهم و ما دل على إزالة سائر النجاسات فليكن مثلها صحيحة ابن ابي يعفور و رواية جميل و كلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه لدلالتها على وجوب ازالة قدر الدرهم و عدم العفو عنه.

و (ثانيهما)- حسنة محمد بن مسلم بطريق الشيخ المتقدم ذكره و رواية إسماعيل الجعفي المتقدمتان. و أجاب في المختلف عن الحسنة المذكورة بأن محمد بن مسلم لم يسنده الى الامام (عليه السلام) قال و عدالته و ان كانت تقتضي الاخبار عن الإمام إلا ان ما ذكرناه لا لبس فيه يعني حديث ابن ابي يعفور.

و لله در المحقق الشيخ حسن في المعالم حيث رد ذلك فقال: و اما جوابه عن الثاني‌

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 6.

311
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) هل يعفى عن قدر الدرهم من الدم؟ ؛ ج 5، ص : 310

فمنظور فيه و ذلك لان الممارسة تنبه على ان المقتضى لنحو هذا الإضمار في الاخبار ارتباط بعضها ببعض في كتب روايتها عن الأئمة (عليهم السلام) فكان يتفق وقوع أخبار متعددة في أحكام مختلفة مروية عن امام واحد و لا فصل بينها يوجب اعادة ذكر الامام (عليه السلام) بالاسم الظاهر فيقتصرون على الإشارة إليه بالمضمر. ثم انه لما عرض لتلك الاخبار الاقتطاع و التحويل الى كتاب آخر تطرق هذا اللبس و منشأه غفلة المقتطع لها و إلا فقد كان المناسب رعاية حال المتأخرين لأنهم لا عهد لهم بما في الأصول، و استعمال ذلك الإجمال انما ساغ لقرب البيان و قد صار بعد الاقتطاع في أقصى غاية البعد و لكن عند الممارسة و التأمل يظهر انه لا يليق بمن له أدنى مسكة أن يحدث بحديث في حكم شرعي و يسنده الى شخص مجهول بضمير ظاهر في الإشارة إلى معلوم فكيف بأجلاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) كمحمد بن مسلم و زرارة و غيرهما، و لقد تكثر في كلام المتأخرين رد الاخبار بمثل هذه الوجوه التي لا يقبلها ذو سليقة مستقيمة، هذا و قد كان الاولى للعلامة (قدس سره) في الجواب عن الاحتجاج بهذا الحديث بعد حكمه بصحة حديث ابن ابي يعفور و رجوع كلامه في جوابه الى ان حديث ابن ابي يعفور أرجح في الاعتبار من خبر ابن مسلم ان يجعل وجه الرجحان كون ذلك من الصحيح و هذا من الحسن. انتهى.

أقول: و من العجب هنا كلامهم في الرواية المذكورة فيما اشتملت عليه من الإرسال اعتراضا و جوابا مع ان الصدوق رواها في الفقيه عن محمد بن مسلم انه قال للباقر (عليه السلام) كما قدمنا ذكره في عد الروايات فكيف غفل الجميع عن ملاحظة ذلك و احتاجوا الى هذا التكلف سؤالا و جوابا؟

إذا عرفت ذلك فاعلم ان في المدارك بعد ان استدل للمرتضى بحسنة محمد بن مسلم المروية في التهذيب و رواية الجعفي قال: وجه الدلالة انه (عليه السلام) رتب الإعادة على كون الدم أكثر من مقدار الدرهم فينتفي بانتفائه عملا بالشرط و هو منتف مع المساواة، و لا يعارض بالمفهوم الأول لاعتضاد الثاني بأصالة البراءة. انتهى.

312
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) هل يعفى عن قدر الدرهم من الدم؟ ؛ ج 5، ص : 310

أقول: لا يخفى ان هذين المفهومين الحاصلين من الشرطيتين انما هما في‌

رواية الجعفي حيث قال: «ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة و ان كان أكثر فليعد صلاته».

و اما حسنة محمد بن مسلم بناء على نقله لها من التهذيب فليس فيها إلا ان‌

«و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي‌ء».

و هو يرجع الى الشرطية الثانية من رواية الجعفي، و اما على روايتي الكافي و الفقيه فهي مشتملة على الشرطيتين معا.

بقي الكلام معه في ترجيح أحد المفهومين على الآخر فان مفهوم الشرطية الاولى انه لو لم يكن أقل من درهم بل كان درهما فصاعدا فإنه يعيد، و على هذا المفهوم بنى الاستدلال للقول المشهور، و مفهوم الشرطية الثانية انه لو لم يكن أكثر من الدرهم فلا يعيد، و عليه بنى استدلال المرتضى (رضي الله عنه) و اختاره في المدارك و رجحه باعتضاده بأصالة البراءة. و لا يخفى ما فيه فان أصالة البراءة لا معنى لها بعد استفاضة الأخبار بنجاسة الدم بقول مطلق و وجوب الطهارة منه في الصلاة و وجوب إعادتها بالصلاة فيه ناسيا خرج ما خرج بدليل و بقي ما بقي، و مع تسليم ما ذكره فهذا الأصل هنا مخصوص بصحيحة ابن ابي يعفور و ما شابهها مما دل على القول المشهور و به يظهر وجه رجحان مفهوم الشرطية الاولى، و بذلك يظهر ان حمله لروايات القول المشهور على الاستحباب غير جيد لظهورها في وجوب الإعادة و صحة بعضها و كثرتها و اعتضادها بالأخبار المطلقة التي أشرنا إليها و قبول ما قابلها للتأويل، مع ما عرفت في غير موضع من انه لا دليل على الجمع بين الاخبار بالاستحباب و الكراهة و ان كان مشهورا بينهم.

قال في المعالم بعد البحث في المقام: و بالجملة فحديث ابن ابي يعفور أقرب الى القبول من خبر ابن مسلم فمع التعارض يكون الترجيح للأول، و بتقدير المساواة فخبر ابن مسلم أقرب الى التأويل إذ يمكن حمل الزيادة عن مقدار الدرهم فيه على كونها إشارة الى ان اتفاق كون الدم بمقدار الدرهم فحسب بعيد جدا فان الغالب فيه الزيادة أو النقصان و مما يرشد الى هذا قوله‌

في رواية إسماعيل الجعفي: «ان كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد

313
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) هل يعفى عن قدر الدرهم من الدم؟ ؛ ج 5، ص : 310

الصلاة و ان كان أكثر فليعد صلاته».

و لم يتعرض لحال مساواته للدرهم، و الظاهر انه لا وجه لتركه إلا بعد وقوعه، و حينئذ فيكون مفهوم الشرط الأول في هذه الرواية مخصصا لعموم مفهوم الشرط الثاني بمعونة ملاحظة الجمع بينه و بين حديث ابن ابي يعفور. انتهى. و هو جيد إلا ان استشهاده برواية إسماعيل الجعفي على ما ذكره مبني على نقله حسنة محمد بن مسلم من التهذيب و إلا فهي في الكافي و الفقيه قد اشتملت على ما اشتملت عليه رواية الجعفي من الشرطيتين المذكورتين فيها كما قدمنا نقله لانه قال:

«و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم و ما كان أقل من ذلك- يعني من الدرهم- فليس بشي‌ء» إلا ان للتأويل فيها مدخلا بإرجاع اسم الإشارة إلى الأزيد و هو غلط كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى، و الظاهر انه و كذا قبله صاحب المدارك لم يلاحظوا الكافي و الفقيه في تحقيق هذه الرواية.

أقول: و الذي يقرب عندي و يدور في خلدي في معنى حسنة محمد بن مسلم هو انه لما كان فرض الدرهم نادر الوقوع بل الغالب اما الزيادة عليه أو النقيصة عنه عبر عن الدرهم فصاعدا بما زاد على الدرهم كأنه قيل ما لم يكن درهما فزائدا كما قالوه في قوله عز و جل: «فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ» «1» اي اثنتين فما فوق، و التعبير بمثل ذلك عن ارادة المعنى الذي ذكرناه شائع في الاخبار، و يؤيده ترك التعرض لمقدار الدرهم في الخبر و الاقتصار على ذكر الأكثر و الأقل و الظاهر انه مطوي في جانب الأكثر، و قد تتبعت في الاخبار ما جرى هذا المجرى إلا انه لا يحضرني الآن منه إلا رواية واحدة و هي‌

رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن حد المكاري الذي يصوم و يتم؟ قال أيما مكار أقام في منزله أو البلد الذي يدخله أقل من عشرة أيام وجب عليه الصيام و التمام، و ان كان له مقام في منزله أو البلد الذي يدخله أكثر من عشرة

______________________________
(1) سورة النساء، الآية 12.

(2) المروية في الوسائل في الباب 12 من صلاة المسافر.

314
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) الدم المتفرق الذي لو جمع لبلغ قدر الدرهم ؛ ج 5، ص : 315

أيام فعليه التقصير و الإفطار».

فإن حكم العشرة التي هي الحد الشرعي في وجوب القصر غير مذكور و ما ذاك إلا انه من حيث ندرة الاقتصار على العشرة من غير زيادة و لا نقصان فادرجها في جانب الأكثر، فالمعنى في قوله (عليه السلام) «أكثر من عشرة أيام» أي عشرة فأكثر، و بالجملة رمي هذه العبارة بهذا المعنى في هذا المقام كثير يعرفه المتتبع المتأمل في الاخبار، و حينئذ فقوله في الحسنة المذكورة بناء على روايتي الكافي و الفقيه «و ما كان أقل من ذلك» لا دلالة فيه فان الإشارة فيه انما هي إلى الدرهم يعني أقل من درهم حسبما وقع في رواية الجعفي. و الله العالم.

(الموضع الثالث) [الدم المتفرق الذي لو جمع لبلغ قدر الدرهم]

- اختلف الأصحاب في الدم المتفرق في الثوب أو البدن الذي لو جمع لبلغ قدر الدرهم هل تجب إزالته أم لا؟ على أقوال، فقيل ان حكمه حكم المجتمع ان بلغ درهما وجبت إزالته و إلا فلا و به قال سلار من المتقدمين و أكثر المتأخرين، و ظاهر الشيخ في النهاية انه لا تجب إزالته مطلقا إلا ان يتفاحش، و يحكى عنه في المبسوط انه قال ما نقص عن الدرهم لا تجب إزالته سواء كان في موضع واحد من الثوب أو في مواضع كثيرة بعد ان يكون كل موضع أقل من مقدار الدرهم، و ان قلنا إذا كان جميعه لو جمع لكان مقدار الدرهم وجب إزالته كان أحوط للعبادة. و نقل عن ابن إدريس إطلاق القول بعدم وجوب الإزالة و اختاره المحقق في النافع، و ظاهره في المعتبر وفاق الشيخ في النهاية.

و قد ظهر من ذلك ان الأقوال في المسألة ثلاثة: (أحدها)- التفصيل بين بلوغ الدرهم و عدمه فتجب الإزالة على الأول دون الثاني، و هو المشهور بين المتأخرين.

(الثاني)- عدم وجوب الإزالة مطلقا إلا ان يتفاحش و هو قول الشيخ في النهاية و المحقق في المعتبر.

(الثالث)- عدم وجوب الإزالة مطلقا و هو مذهب ابن إدريس و المحقق في النافع و الشرائع أيضا و الشيخ في المبسوط و اختاره السيد في المدارك.

315
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) الدم المتفرق الذي لو جمع لبلغ قدر الدرهم ؛ ج 5، ص : 315

و هو الأقرب و تدل عليه صحيحة ابن ابي يعفور المتقدمة و قوله فيها «إلا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا».

و أجاب عنها في المختلف بان «مجتمعا» كما يحتمل ان يكون خبرا ل‍ «يكون» يحتمل ان يكون حالا مقدرة و اسمها ضمير يعود الى «نقط الدم» و «مقدار» خبرها و المعنى إلا ان تكون نقط الدم مقدار الدرهم إذا قدر اجتماعها.

ورد (أولا) بأن تقدير الاجتماع مما لا يدل عليه اللفظ. و فيه ان صدر الحديث مفروض في نقط الدم و الفرض ان الضمير عائد إلى نقط الدم.

و (ثانيا)- بأنه لو كانت الحال مقدرة و كان الحديث المذكور مخصوصا بما قدر فيه الاجتماع لا ما حقق لما صلح دليلا للمجتمع حقيقة مع استدلال الأصحاب به قديما و حديثا على ذلك.

و (ثالثا)- انه مع كونه حالا لا خبرا فالظاهر انه حال محققة و هو الظاهر من الخبر، و يصير المعنى إلا ان يكون الدم بمقدار الدرهم حال كونه مجتمعا.

و (رابعا)- ان الحال المقدرة كما ذكروه هي التي زمانها غير زمان عاملها و لها مثال مشهور و هو قولهم «مررت برجل معه صقر صائدا به غدا» اي مقدرا فيه الصيد، و ما نحن فيه ليس كذلك إذ كون الدم قدر الدرهم انما هو حال اجتماعه فزمانهما واحد، و كيف كان فالظاهر من الخبر المذكور انما هو كون «مجتمعا» خبرا أو حالا محققة و على كل منهما فالاستدلال بالرواية على المدعى ظاهر.

و أظهر منها في الدلالة على اعتبار الاجتماع في الدم المتفرق مرسلة جميل المتقدمة لتصريحه (عليه السلام) بنفي البأس عن الصلاة في الدم المتفرق ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم احتج القائلون بالقول المشهور بوجوه: (منها)- ان الحكم معلق على مقدار الدرهم في حسنة محمد بن مسلم و قريب منها رواية إسماعيل الجعفي، و هو أعم من المجتمع و المتفرق.

316
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) الدم المتفرق الذي لو جمع لبلغ قدر الدرهم ؛ ج 5، ص : 315

و (منها)- رواية عبد الله بن ابي يعفور المتقدمة فإن الحكم فيها مفروض في نقط الدم الذي هو عبارة عن الدم المتفرق.

و (منها)- ان الأصل وجوب الإزالة بقوله تعالى: «وَ ثِيٰابَكَ فَطَهِّرْ» «1» خرج ما نقص عن الدرهم فيبقى الباقي مندرجا تحت الإطلاق.

و (منها)- ان النجاسة البالغة قدرا معينا لا يتفاوت الحال باجتماعها و تفرقها في المحل.

و الجواب عن الأول بأن مقدار الدرهم في الخبر مخصوص بالمجتمع لقيام المخصص كما هو ظاهر روايتي ابن ابي يعفور و مرسلة جميل كما تقدم تحقيقه.

و عن الثاني بأن الرواية المذكورة و ان كانت مفروضة في نقط الدم كما ذكر إلا ان الظاهر كون السؤال عن النقط باعتبار مجموعها أو باعتبار كل نقطة منه مكانها، فعلى تقدير كون «مجتمعا» خبرا ل‍ «يكون» و «مقدار» اسمها فكأنه (عليه السلام) قال في الجواب: لا يعيد صلاته باعتبار شي‌ء من ذلك إلا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا بان يكون شي‌ء من تلك النقط بمقدار الدرهم. و على تقدير كون «مجتمعا» حالا محققة يكون المعنى لا يعيد صلاته إلا ان تكون تلك النقط المتفرقة مقدار الدرهم حال كونها مجتمعة، فافادة اشتراط الاجتماع حاصل على كل من التقديرين.

و عن الثالث بما تقدم ذكره من ان مورد الآية كما دلت عليه الأخبار الواردة بتفسيرها انما هو التشمير لا الطهارة بمعنى إزالة النجاسة، و قد تقدم في مقدمات الكتاب ان اللفظ المتشابه في القرآن لا يجوز الاستدلال به إلا بعد ورود تفسيره عن أهل البيت (عليهم السلام) بمعنى من المعاني و الوارد عنهم في تفسير هذا اللفظ هو ما ذكرناه.

و اما ما أجاب به عنه في المدارك- من ان الخطاب في الآية مخصوص بالنبي (صلى الله عليه و آله) فتناوله للأمة يتوقف على الدلالة و لا دلالة- فهو ضعيف لا يلتفت‌

______________________________
(1) سورة المدثر، الآية 4.

317
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثالث) الدم المتفرق الذي لو جمع لبلغ قدر الدرهم ؛ ج 5، ص : 315

إليه فإن الظاهر ان كلامه هذا مبني على ما حقق عندهم في الأصول من ان خطابات القرآن انما هي متوجهة إلى الحاضرين زمن الخطاب و انسحاب الحكم الى من سيوجد بعد ذلك مستند إلى الإجماع، و حيث ان المسألة محل خلاف و الإجماع غير محقق منع عموم الخطاب في الآية المذكورة. و فيه انه لا حاجة بنا في إثبات العموم إلى الإجماع بل الاخبار بحمد الله سبحانه بذلك مكشوفة القناع و هي الأحرى و الأحق في ذلك بالاتباع، و منها‌

ما رواه في الكافي عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال: «لو كانت إذا نزلت آية في رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب و السنة و لكنه حي يجري في من بقي كما جرى في من مضى».

و هو صريح الدلالة واضح المقالة في المراد.

و ما رواه في الكافي و التهذيب عن ابي عمرو الزبيري عن الصادق (عليه السلام) «1» حين سأله عن أحكام الجهاد، و ساق الخبر الى ان قال (عليه السلام):

«فمن كان قد تمت فيه شرائط الله الذي وصف بها أهلها من أصحاب النبي (صلى الله عليه و آله) و هو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما اذن لهم لان حكم الله في الأولين و الآخرين و فرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون و الأولون و الآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء و الفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون عن أداء الفرائض كما يسأل الأولون و يحاسبون كما يحاسبون».

و ما رواه الصدوق في العلل «2» عن الرضا عن أبيه (عليهما السلام) «ان رجلا سأل الصادق (عليه السلام) ما بال القرآن لا يزداد على النشر و الدرس إلا غضاضة؟ فقال ان الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان و لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد و عند كل قوم غض الى يوم القيامة».

الى غير ذلك من الأخبار التي يقف عليها المتتبع، و بذلك يظهر لك ان المرجع في عموم تلك الخطابات انما هو الى هذه الاخبار و نحوها، على ان الأخبار الواردة بتفسير هذه‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 9 من كتاب الجهاد و أصول الكافي ج 1 ص 192.

(2) عيون اخبار الرضا ص 239.

318
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 319

الآية ظاهرة في العموم إلا انها مخصوصة بما قدمنا ذكره. و لو أجيب بضعف هذه الاخبار بهذا الاصطلاح الجديد، قلنا ان هذه الأصول بل الفضول التي مهدوا فيها هذه القاعدة أضعف إذ هي مجرد اصطلاحات اتفاقية أو خلافية و عن الأدلة النبوية خالية عرية.

و عن الرابع بأنه مجرد مصادرة فإنه محل البحث. و كيف كان فإنه و ان كان مقتضى البحث و تحقيق الحال في المسألة هو ما ذكرناه من عدم وجوب الإزالة إلا ان الاحتياط بالعمل بالقول المشهور مما ينبغي المحافظة عليه فان احتمال ذلك من الأدلة المذكورة أيضا غير بعيد. و الله العالم.

فروع

(الأول) [تحديد التفاحش]

- اعلم ان التفاحش الذي قدمنا ذكره عن الشيخ في النهاية و المحقق في المعتبر و علقوا وجوب الإزالة عليه لم نقف له على مستند و لم يبينوا ايضا مقداره، و قد ذكر المحقق في المعتبر انه ليس له تقدير شرعي و ان قول الفقهاء فيه مختلف فبعض قدره بالشبر و بعض بما يفحش في القلب قال و قدره أبو حنيفة بربع الثوب، ثم قال و المرجع فيه الى العادة لأنها كالأمارة الدالة على المراد باللفظ إذا لم يكن له تقدير شرعا و لا وضعا. انتهى. أقول: و الظاهر انهم أخذوا هذا الفرع من كتب العامة و اختلفوا فيه كاختلافهم و أخبارنا خالية منه كما عرفت. و قال في المدارك بعد نقل كلام المعتبر كما ذكرناه: و هو جيد لو كان لفظ التفاحش واردا في النصوص. انتهى. و فيه ما عرفت في غير موضع من ان الحوالة على العرف و العادة في الأحكام الشرعية غير جيد لعدم انضباطها في جميع الأعصار و الأمصار و تعذر الإحاطة بها و الاطلاع عليها لو سلمنا انضباطها و لم يعهد من الشارع إناطة الأحكام الشرعية بذلك، و قد تقدم في مباحث الكتاب ما ينبغي العمل عليه في مثل ذلك.

(الثاني) [الدم المتفرق في الثياب المتعددة أو فيها و في البدن]

- قال الشهيد الثاني في الروض بعد الكلام في هذه المسألة: هذا حكم الدم‌

319
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) لو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر ؛ ج 5، ص : 320

المتفرق في الثوب الواحد اما المتفرق في الثياب المتعددة أو فيها و في البدن فهل الحكم فيها كذلك بمعنى تقدير جمع ما فيها أو لكل واحد من الثوب و البدن حكم بانفراده فلا يضم أحدهما إلى الآخر أو لكل ثوب حكم كذلك فلا يضم بعضها الى بعض و لا الى البدن؟ أوجه و اعتبار الأول أوجه و أحوط. انتهى. أقول: اما الدم المتفرق في البدن فقد عرفت فيما قدمنا بيانه ان النصوص خالية منه، و اما المتفرق في الثياب فيمكن ترجيح ما ذكره و استوجهه (قدس سره) بحمل الثوب في النصوص المتقدمة على ما هو أعم من الثوب الواحد بإرادة الجنس فيه و قوته ظاهرة.

(الثالث) [لو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر]

- قال السيد في المدارك: لو أصاب الدم المعفو عنه مائع طاهر و لم يبلغ المجموع الدرهم ففي بقائه على العفو قولان أظهرهما ذلك، لأصالة البراءة من وجوب إزالته، و لان المتنجس بشي‌ء لا يزيد حكمه عنه بل غايته ان يساويه إذ الفرع لا يزيد على أصله و استقرب العلامة في المنتهى وجوب إزالته لأنه ليس بدم فوجب إزالته بالأصل السالم عن المعارض، و لان الاعتبار بالمشقة المستندة إلى كثرة الوقوع و ذلك غير موجود في صورة النزاع لندوره. و ضعف الوجهين ظاهر. و لو أزال عين الدم بما لا يطهرها فلا ريب في بقاء العفو لخفة النجاسة حينئذ. انتهى. أقول: و الى ما رجحه هنا من البقاء على العفو ذهب الشهيد في الذكرى قال: لان المتنجس بشي‌ء لا يزيد عليه. و استظهره في المعالم ايضا، و الى ما استقربه العلامة من وجوب الإزالة و عدم العفو صار في البيان.

أقول: كما يمكن ان يعلل العفو و عدم وجوب الإزالة بما ذكروه فلقائل أن يقول أيضا بأنه إذا كان مورد الاخبار في هذه المسألة على خلاف الأصل المستفاد من الاخبار المستفيضة المجمع على القول بمضمونها من نجاسة الدم و وجوب إزالته عن الثوب و البدن للصلاة و كذا نجاسة ما يتعدى إليه نجاسة أحد أعيان النجاسات برطوبة و وجوب الإزالة للعبادة فالواجب الاقتصار في ذلك على مورد النص كما قرروه في غير موضع أخذا بالمتيقن المتفق عليه و هو العفو عن ذلك الدم خاصة فتعديته الى ذلك المائع المتصل به خروج‌

320
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) إصابة الدم وجهي الثوب ؛ ج 5، ص : 321

عن موضع النص، و أصالة البراءة التي استند إليها ممنوعة لما عرفت من قيام الأدلة على النجاسة و اشتراط إزالتها في صحة الصلاة خرج ما خرج بدليل واضح و بقي الباقي.

و قولهم ان المتنجس بشي‌ء لا يزيد حكمه عنه مجرد تعليل عفلي لا يصلح لان يكون مستندا لتأسيس حكم شرعي فإن بناء الأحكام الشرعية طهارة و نجاسة و صحة و فسادا على ما علم من الشرع و ثبت لا على الأدلة العقلية، و الى ما ذكرنا في المقام يميل كلام صاحب الذخيرة مع اقتفائه أثر صاحب المدارك غالبا كما لا يخفى على من تتبعه.

(الرابع) [إصابة الدم وجهي الثوب]

- أطلق جماعة من الأصحاب انه إذا أصاب الدم وجهي الثوب فان كان من التفشي من جانب الى آخر فهو دم واحد و إلا فدمان، و فصل الشهيد في البيان فقال:

لو تفشي الدم في الرقيق فواحد و في الصفيق اثنان، و نحو ذلك في الذكرى و استحسنه في المدارك، و نص العلامة في المنتهى و التحرير على ان التفشي موجب للاتحاد في الصفيق، و قال في المعالم بعد نقل الأقوال المذكورة: و التحقيق تحكيم العرف في ذلك إذ ليس له ضابط شرعي و لا سبيل إلى استفادة حكم اللغة في مثله فالمرجع حينئذ الى ما يقتضيه العرف. أقول: قد عرفت ما في حوالة الأحكام الشرعية على العرف من الإشكال في غير مقام مما تقدم بل الحق كما نطقت به اخبار أهل الذكر (عليهم السلام) هو الوقوف- في كل قضية لم يعلم حكمها من الاخبار بعد التتبع و الفحص- عن الفتوى فيها و الأخذ بالاحتياط ان احتيج الى العمل بها.

(الخامس) [لو كان الدم الأقل من الدرهم في المحمول]

- قال العلامة في النهاية: لو كان الدم اليسير في ثوب غير ملبوس أو في متاع أو آنية أو آلة فأخذ ذلك بيده و صلى و هو حامل له احتمل الجواز لعموم الترخيص و المنع لانتفاء المشقة. و ذكر نحوه في المنتهى، قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه:

و في كلا الوجهين نظر، اما الأول فلان أدلة الترخص ليس فيها ما يتناول مثل هذا و اما الثاني فلان اعتبار المشقة لو أخذ دليلا على الحكم لانتفت الرخصة في كثير من الصور لعدم المشقة فيها، قال و الحق ان الحكم بالعفو في موضع النزاع غير محتاج الى‌

321
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) لو كان الدم الأقل من الدرهم في المحمول ؛ ج 5، ص : 321

تكلف تناول دليل العفو في أصل المسألة له بل يكفي فيه كونه مقتضى الأصل فإن إيجاب الإزالة و الاجتناب تكليف و الأصل براءة الذمة منه و انما احتاجوا في حكم الثوب الملبوس و البدن الى التمسك بغير هذا الوجه لقيام الدليل على منافاة النجاسة فيهما لصحة الصلاة كما مرت الإشارة إليه فيتوقف استثناء بعض النجاسات على الحجة، و لولا ذلك لكان الأصل دليلا قويا في الجميع. انتهى. و هو جيد، و يؤيده ان المتبادر من‌

قولهم (عليهم السلام) «1» «لا يجوز الصلاة في النجاسة».

و «لا تصح الصلاة في الذهب» «2».

انما هو ما كان ملبوسا من هذه الأشياء تحقيقا للظرفية فلا يدخل فيه المحمول و مرجع كلامه (قدس سره) الى ما ذكرناه، و على هذا فلا وجه لتخصيص الكلام بالدم اليسير بل و لو كان أكثر من درهم و الحال انه محمول غير ملبوس، و إلا فلو لم يلحظ ما ذكرناه لكان للمناقشة فيه مجال فإنه ان سلم صدق الصلاة فيه في تلك الحال دخل تحت عموم الأدلة المانعة من الصلاة في النجاسة كالثوب الملبوس و البدن النجسين فيحتاج الاستثناء الى دليل و لا يمكنه التمسك هنا بالأصل، و ان منع ذلك كما ذكرنا تم ما ذكره من الاستناد الى الأصل لعدم دخوله تحت عموم الأدلة المانعة فيبقى على الإطلاق و يصح التمسك فيه بالأصل و توقف الاجتناب على الدليل، و به يظهر لك انه لا فرق في المقام بين كون النجاسة المحمولة أقل من الدرهم و أكثر و كذا سائر ما دلت الاخبار على عدم صحة الصلاة فيه من الذهب و الحرير و نحوهما إذا كان محمولا فإنه تصح الصلاة معه بالتقريب المذكور، إلا ان كلامهم بالنسبة إلى المحمول و صحة الصلاة معه إذا كان مما لا تصح الصلاة فيه لا يخلو من اضطراب كما سيمر بك ان شاء الله تعالى.

______________________________
(1) هذا مضمون الأخبار الدالة على عدم جواز الصلاة مع النجاسة و ليس حديثا خاصا واردا بهذا اللفظ.

(2) هذا مضمون ما دل على مانعية الذهب من صحة الصلاة و لم نقف على حديث بهذا اللفظ.

322
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اشتباه الدم المعفو عنه أو الطاهر بغيره ؛ ج 5، ص : 323

(السادس) [اشتباه الدم المعفو عنه أو الطاهر بغيره]

- قال الشهيد في الدروس: لو اشتبه الدم المعفو عنه بغيره كدم الفصد بدم الحيض فالأقرب العفو، و لو اشتبه الدم الطاهر بغيره فالأصل الطهارة. و لم يتعرض لبيان الوجه في الحكمين المذكورين، و قد وجهه بعض بأنه مبني على القاعدة المقررة في اشتباه الشي‌ء بين المحصور و غيره و هي الإلحاق بغير المحصور من حيث ان الحصر على خلاف الأصل و في موضع البحث لا حصر في الدم المعفو عما نقص عن الدرهم منه و لا في الدم الطاهر.

قال في المعالم: و هذا الكلام متجه بالنظر الى الحكم الأول حيث ان ما لا يعفى عن قليله من الدماء منحصر و ما يعفى عنه غير منحصر كما ذكره، و اما في الحكم الثاني فواضح الفساد لان كلا من الدم الطاهر و النجس غير منحصر، ثم نقل عن بعض من عاصره من مشايخه بأنه وجهه بأن أصالة الطهارة لم ترد في نفس الدم بل فيما لاقاه على معنى ان طهارته إذا علمت قبل ملاقاة هذا الدم المشتبه فالأصل بقاؤها الى ان يعلم المقتضى لنجاسته و مع الاشتباه لا علم، ثم قال و له وجه غير ان لنا في المقام توجيها أحسن منه و هو انه لا معنى للنجس إلا ما أمر الشارع بإزالته و اجتنابه و لا للطاهر إلا ما لا تكليف فيه بأحد الأمرين فإذا حصل الاشتباه كان مقتضى الأصل هو الطهارة بمعنى براءة الذمة من التكليف بواحد من الأمرين. انتهى.

و أنت خبير بأنه يمكن تطرق المناقشة إلى مواضع من هذا الكلام: (منها)- الاستناد في الطهارة و العفو في التوجيه الأول إلى القاعدة المذكورة المثمرة للظن بناء على ان إلحاق الفرد المذكور بالأغلب مظنون كما قيل، و بناء الأحكام الشرعية الموقوفة على التوقيف من الشارع التي قد استفاضت الآيات و الروايات بالمنع فيها عن القول بغير علم على مثل هذه القواعد التي لم يثبت لها مستند من الشرع مجازفة محضة و قول على الله عز و جل بلا حجة و لا بينة، و البناء على مثل هذا الظن الغير المستند إلى آية أو رواية مشكل.

323
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) اشتباه الدم المعفو عنه أو الطاهر بغيره ؛ ج 5، ص : 323

و (منها)- التوجيه الثالث فان ما ذكره معارض بأنه قد قام الدليل على اشتراط صحة الصلاة بطهارة الثوب و البدن إلا ما استثنى فلا بد من العلم بالطهارة و يقين البراءة موقوف على ذلك، و المشتبه المحتمل لكل من الأمرين لا يحصل فيه ذلك.

و اما ما ذكره في المعالم من معنى النجس و الطاهر فهو غير معلوم و لا ظاهر و انما معنى الطاهر هو ما لم يعلم نجاسته اي كونه من أحد الأعيان النجسة و لا ملاقاة النجاسة له على الوجه الموجب لذلك و النجس هو ما علم فيه أحد الأمرين، و ما ذكره من اللوازم لا انه معنى النجس و الطاهر.

و التحقيق عندي في المقام اما بالنسبة إلى الدم فهو يرجع الى ما قدمنا من معنى المحصور و غير المحصور، و ذلك فإنه ان وقع الاشتباه في دمين أو ثلاثة مثلا بعضها طاهر و بعضها نجس كما لو افتصد مثلا و باشر دم السمك فرأى في ثوبه دما لا يدري هو من دم أيهما مع عدم احتمال غيرهما فان هذا يكون من قبيل المحصور يلحق حكم الطاهر منهما حكم ما اشتبه به من النجس، و هكذا لو كان أحدهما معفوا عنه و الآخر غير معفو عنه فإنه يلحق حكم المعفو عنه هنا حكم غير المعفو عنه، و لو وقع اشتباه في الدماء مطلقا كأن وجد ثوبا أو شيئا عليه دم مع احتمال تطرق الدماء الطاهرة و النجسة إليه فهذا يكون من قبيل غير المحصور و يكون الأصل فيه الطهارة عملا بالقاعدة المنصوصة الكلية‌

«كل شي‌ء نظيف حتى تعلم انه قذر» «1».

و «لا أبالي أبول أصابني أم ماء إذا لم اعلم» «2».

و قول ذلك القائل في الوجه الثاني ان أصالة الطهارة لم ترد في نفس الدم ليس في محله فان كل شي‌ء له افراد بعضها طاهر و بعضها نجس و وجد منه فرد لا يعلم انه من اي القسمين هو يجب فيه الحكم بأصالة الطهارة دما كان أو غيره، هذا بالنسبة إلى الدم و اما بالنسبة الى الثوب أو البدن الذي لاقى ذلك الدم فان كان ذلك الدم من قسم غير المحصور فلا إشكال في طهارة الملاقي للحكم بطهارة الدم كما عرفت، و ان كان من القسم الأول بني على الخلاف المتقدم في مسألة الإناءين بان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 37 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من النجاسات.

324
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الرابع) دم الحيض لا يعفى عنه في الصلاة ؛ ج 5، ص : 325

ما لاقى المشتبه في المحصور هل يحكم فيه بحكمه أم يكون باقيا على أصل الطهارة؟ قولان قد تقدم البحث فيهما ثمة. و الله العالم.

(الموضع الرابع) [دم الحيض لا يعفى عنه في الصلاة]

- إطلاق النصوص المتقدمة بالعفو عن الأقل من الدرهم أو العفو عن الدرهم على القول الآخر شامل لدم الحيض و غيره من الدماء إلا ان المشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف استثناء دم الحيض حيث قطعوا بعدم العفو عنه و أوجبوا إزالة قليله و كثيره عن الثوب و البدن للصلاة‌

لرواية أبي سعيد عن ابي بصير «1» قال: «لا تعاد الصلاة من دم لم يبصره إلا دم الحيض فإن قليله و كثيره في الثوب ان رآه و ان لم يره سواء».

قال المحقق في المعتبر بعد الاستدلال بالرواية المذكورة: لا يقال الراوي له عن ابي بصير أبو سعيد و هو ضعيف و الفتوى موقوفة على ابي بصير و ليس قوله حجة، لأنا نقول الحجة عمل الأصحاب بمضمونه و قبولهم له فإن أبا جعفر بن بابويه قاله و المرتضى و الشيخان و أتباعهما، و يؤيد ذلك ان مقتضى الدليل وجوب ازالة قليل الدم و كثيره عملا بالأحاديث الدالة على ازالة الدم‌

لقوله (صلى الله عليه و آله) لا سماء «2» «حتيه ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء».

و ما رواه سورة بن كليب عن الصادق (عليه السلام) «3» «عن الحائض قال تغسل ما أصاب ثيابها من الدم».

لكن ترك العمل بذلك في بعض‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 21 من أبواب النجاسات.

(2)

في سنن ابن ماجة ج 1 ص 217 عن أسماء بنت ابى بكر قالت: «سئل رسول الله (ص) عن دم الحيض يكون في الثوب، قال اقرصيه و اغسليه و صلى فيه».

و في سنن البيهقي ج 1 ص 13 عنها ايضا انه «ص» قال: «لتحته ثم لتقرصه بالماء ثم لتنضحه ثم لتصل فيه».

و في سنن ابى داود ج 1 ص 99 عنها ايضا انه «ص» قال: «حتيه ثم اقرصيه بالماء ثم انضحيه».

(3) رواه في الوسائل في الباب 28 من أبواب النجاسات.

325
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

ما قيل بإلحاقه بدم الحيض ؛ ج 5، ص : 326

الدماء لوجود المعارض فلا يجب العمل به في الباقي. انتهى.

و فيه ان ما ذكره في هذه الرواية من ان الفتوى موقوفة على ابي بصير و ان تبعه فيه جملة ممن تأخر عنه كصاحبي المدارك و المعالم حيث انهم لم يقفوا في الرواية إلا على هذا الطريق إلا ان الشيخ قد رواها في موضع آخر و كذا صاحب الكافي عن ابي بصير عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) و اما ما ذكره من جبر ضعفها بعمل الأصحاب فهو جيد إلا انه لم يقف عليه في غير موضع من كتابه كما قدمنا ذكره في غير مقام.

و اما ما ذكره من حديث أسماء فالظاهر انه من طريق العامة حيث انه لم يذكر في كتب أخبارنا فيما اعلم و بذلك صرح في المعالم ايضا، و اما قوله: ان مقتضى الدليل وجوب ازالة الدم قليله و كثيره. إلخ فجيد.

و اما مناقشة صاحب المعالم هنا- بأنه ليس فيما وصل إلينا و نقله الأصحاب في كتبهم من الاخبار المعتمدة حديث مطلق في إيجاب إزالة الدم بحيث يصلح لتناول القليل من دم الحيض بل هي اما ظاهرة في الكثير أو مفروضة في غير دم الحيض- فهو مردود بما قدمناه في الفصل الرابع في نجاسة الدم من الاخبار الدالة بإطلاقها على نجاسة الدم قليلا كان أو كثيرا دم حيض كان أو غيره فارجع لها و تدبر، على انه يكفي في المقام ان يقال- و به اعترف أيضا في آخر كلامه- انه قد وردت الأخبار المعتبرة المعتضدة باتفاق الأصحاب بأنه يشترط في صحة الصلاة الطهارة من الدم في ثوب المصلي و بدنه و انه بالصلاة فيه عالما أو ناسيا تجب عليه الإعادة، و من البين ان دم الحيض و ان قل موجب للنجاسة‌

[ما قيل بإلحاقه بدم الحيض]

و بالجملة فالحكم باستثناء دم الحيض من البين مما لا اشكال فيه و انما الإشكال فيما الحق به حيث عزى الى الشيخ إلحاق دم الاستحاضة و النفاس بدم الحيض في وجوب إزالة قليله و كثيره، قال المحقق في المعتبر بعد نقل ذلك عن الشيخ: و لعله نظر الى تغليظ نجاسته لانه يوجب الغسل و اختصاصه بهذه المزية يدل على قوة نجاسته على باقي الدماء فغلظ حكمه في الإزالة، ثم قال و ألحق بعض فقهاء قم دم الكلب و الخنزير و لم يعطنا العلة، و لعله‌

326
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

ما قيل بإلحاقه بدم الحيض ؛ ج 5، ص : 326

نظر الى ملاقاته جسدهما و نجاسة جسدهما غير معفو عنها. انتهى.

و قد حكى العلامة في المختلف إلحاق دم الكلب و الخنزير و الكافر بالدماء الثلاثة عن القطب الراوندي و ابن حمزة و حكى عن ابن إدريس المنع من ذلك مدعيا انه خلاف إجماع الإمامية، ثم اختار العلامة الإلحاق و وجهه بان المعفو عنه انما هو نجاسة الدم و الدم الخارج من الكلب و الخنزير و الكافر يلاقي أجسامها فتتضاعف نجاسته و يكتسب بملاقاة الأجسام النجسة نجاسة أخرى غير نجاسة الدم و تلك لم يعف عنها، كما لو أصاب الدم المعفو عنه نجاسة غير الدم فإنه يجب إزالته مطلقا، قال و ابن إدريس لم يتفطن لذلك فشنع على قطب الدين بغير الحق. انتهى.

و ظاهره في المعالم الميل الى ما ذكره العلامة في هذا المقام حيث قال بعد نقل كلام العلامة المذكور: قلت العجب من غفلة ابن إدريس عن ملاحظة هذا الاعتبار الذي حرره العلامة و نبه عليه المحقق مع تنبهه لمثله في ظاهر كلامه السابق في البحث عما ينزح لموت الإنسان في البئر حيث فرق في ذلك بين المسلم و الكافر و أنكر عليه الجماعة فيه أشد الإنكار و نحن صوبنا رأيه هناك و أوضحنا المقام بما لا مزيد عليه، فكيف انعكست القضية هنا فصار هو الى الإنكار و رجعوا هم الى الاعتراف و المدرك في المقامين واحد؟ و ربما كان مراد ابن إدريس هنا خلاف ما أفهمه ظاهر كلامه الذي حكوه عنه، و على كل حال فالحق أن الحيثية مرعية في جميع هذه المواضع و الحكم منوط بها فان العفو الثابت في مسألتنا هذه على ما سيأتي بيانه متعلق بنجاسة الدم من حيث هي فإذا انضم إليها حيثية أخرى كملاقاة جسم نجس كان لتلك الحيثية المنضمة إليها حكم نفسها لو انفردت. انتهى.

أقول: لا يخفى ان صحة ما ذكره مبني على أمرين (أحدهما) اعتبار الحيثية التي ادعاها في المقام و لا دليل عليه ظاهرا فإن إطلاق الدم أعم من ذلك و الحكم مترتب عليه.

و (ثانيهما)- استفادة النجاسة بملاقاة نجاسة أخرى زيادة نجاسة على ما كانت عليه‌

327
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الخامس) تعيين الدرهم المعتبر قدره في العفو ؛ ج 5، ص : 328

و هو محل غموض لا مدرك له من الاخبار و ان كان جاريا في كلامهم، و بذلك يظهر الاشكال فيما ذكره و وجه به كلام العلامة.

و الذي يقرب عندي في هذا المقام اما بالنسبة إلى دم الاستحاضة و النفاس فالظاهر دخولهما في عموم اخبار العفو، و ما ذكروه- من استثنائهما إلحاقا بدم الحيض نظرا الى تساويهما في إيجاب الغسل فان النفاس حيض في المعنى و الاستحاضة مشتقة منه- لا يخرج عن القياس، و بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العليلة مجازفة محضة كما أشرنا إليه في غير مقام. و اما دم الكافر و أخويه فالظاهر انه لا عموم في الاخبار المتقدمة على وجه يشمله إذ لا يخفى ان المتبادر من الدم فيها انما هو الأفراد الشائعة المتكاثرة المعتادة المتكررة الوقوع كما صرحوا به في غير مقام من ان إطلاق الأخبار انما ينصرف الى الافراد المتكثرة الوقوع دون الفروض النادرة التي ربما لا تقع مدة العمر و لو مرة واحدة. فالواجب هو الحمل على الافراد المتعارفة من دم الإنسان أو الحيوانات التي يتعارف ذبحها أو نحو ذلك، و حينئذ يبقى على وجوب الإزالة و عدم الدخول تحت عموم اخبار العفو و لا ريب ان الاحتياط يقتضيه.

و يلحق بدم الحيض هنا في وجوب إزالة قليله و كثيره دم الغير‌

لمرفوعة البرقي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «دمك أنظف من دم غيرك إذا كان في ثوبك شبه النضح من دمك فلا بأس، و ان كان دم غيرك قليلا أو كثيرا فاغسله».

و لم أقف على من تنبه و نبه على هذا الكلام إلا الأمين الأسترآبادي فإنه ذكره و اختاره، و الى هذه الرواية أشار أيضا‌

في كتاب الفقه الرضوي «2» فقال: «و اروي أن دمك ليس مثل دم غيرك».

و الله العالم.

(الموضع الخامس) [تعيين الدرهم المعتبر قدره في العفو]

- قد اشتملت الأخبار المتقدمة على تحديد القدر المعفو عنه من الدم و غير المعفو عنه بالدرهم، و هي مجملة في ذلك تفسيرا و تقديرا إلا ان ظاهر‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 21 من النجاسات.

(2) البحار ج 18 ص 21.

328
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الخامس) تعيين الدرهم المعتبر قدره في العفو ؛ ج 5، ص : 328

الأصحاب الاتفاق على انه البغلي و هو المشار اليه بالدرهم الوافي في كلامه (عليه السلام) في الفقه الرضوي الذي وزنه درهم و ثلث.

قال المحقق في المعتبر: الدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم و ثلث و سمي البغلي نسبة الى قرية بالجامعين. و في كلام جماعة من الأصحاب انه على هذا التفسير مفتوح الغين مشدد اللام.

و قال ابن إدريس في السرائر: فهذا الدم نجس إلا ان الشارع عفى عن ثوب و بدن اصابه منه دون سعة الدرهم الوافي و هو المضروب من درهم و ثلث، و بعضهم يقولون دون قدر الدرهم البغلي و هو منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل قريبة من بابل بينها و بينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين يجد فيها الحفرة و الغسالون دراهم واسعة شاهدت درهما من تلك الدراهم، و هذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد تقرب سعته من سعة أخمص الراحة، و قال بعض من عاصرته ممن له علم باخبار الناس و الأنساب ان المدينة و الدراهم منسوبة الى ابن ابي البغل رجل من كبار أهل الكوفة اتخذ هذا الموضع قديما و ضرب هذا الدرهم الواسع فنسب اليه الدرهم البغلي.

و هذا غير صحيح لان الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول (صلى الله عليه و آله) قبل الكوفة. انتهى كلامه.

و قال الشهيد في الذكرى: عفى عن الدم في الثوب و البدن عما نقص عن سعة الدرهم الوافي و هو البغلي بإسكان الغين و هو منسوب الى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية و زنته ثمانية دوانيق، و البغلية كانت تسمى قبل الإسلام الكسروية فحدث لها هذا الاسم في الإسلام و الوزن بحاله و جرت في المعاملة مع الطبرية و هي أربعة دوانيق فلما كان زمن عبد الملك جمع بينهما و اتخذ الدرهم منهما و استقر أمر الإسلام على ستة دوانيق، و هذه التسمية ذكرها ابن دريد، و قيل منسوب الى بغل قرية بالجامعين كان يوجد فيها دراهم تقرب سعتها من أخمص الراحة لتقدم الدراهم على الإسلام، قلنا لا ريب في‌

329
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الخامس) تعيين الدرهم المعتبر قدره في العفو ؛ ج 5، ص : 328

تقدمها و انما التسمية حادثة و الرجوع الى المنقول اولى. انتهى. و مراده بالمنقول ما نقله عن ابن دريد.

و نقل في مجمع البحرين عن بعضهم انه كانت الدراهم في الجاهلية مختلفة فكان بعضها خفافا و هي الطبرية و بعضها ثقالا كل درهم ثمانية دوانيق و كانت تسمى العبدية و قيل البغلية نسبت الى ملك يقال له رأس البغل فجمع الخفيف و الثقيل و جعلا درهمين متساويين فجاء كل درهم ستة دوانيق، و يقال ان عمر هو الذي فعل ذلك لانه لما أراد جباية الخراج طلب بالوزن الثقيل فصعب على الرعية فجمع بين الوزنين و استخرجوا هذا الوزن. هذا ما ذكروه بالنسبة إلى تفسيره.

و اما بيان سعته فقد تقدم في كلام ابن الجنيد ان سعته كعقد الإبهام الأعلى، و في كلام ابن إدريس المذكور هنا ما يقرب سعته من أخمص الراحة، و نقل في المعتبر عن ابن ابي عقيل انه ما كان بسعة الدينار، قال في المعتبر بعد تفسيره له بالوافي الذي وزنه درهم و ثلث كما قدمنا نقله عنه و نقل قولي ابن ابي عقيل و ابن الجنيد: و الكل متقارب و التفسير الأول أشهر. هذه عبارته.

قال في المعالم: و قال بعض الأصحاب انه لا تناقض بين هذه التقديرات لجواز اختلاف افراد الدرهم من الضارب الواحد كما هو الواقع و اخبار كل واحد عن فرد رآه، ثم قال بعد نقل ذلك: و هذا الكلام انما يتم لو لم يكن في التفسير خلاف و إلا فمن الجائز استناد الاختلاف في التقدير الى الاختلاف في التفسير و لم يعلم من حال الذين حكى كلامهم في التقدير انهم متفقون على أحد التفسيرين، فان ابن الجنيد لم يتعرض في كلامه الذي رأيناه لذكر البغلي فضلا عن تفسيره و لم ينقل عنه أحد من الأصحاب في ذلك شيئا، و الكلام الذي حكاه المحقق عن ابن ابي عقيل خال من التعرض للفظ البغلي أيضا، و اما ابن إدريس فقد عزى اليه المصير الى التفسير الثاني و بناء التقدير عليه، و العجب من جماعة من الأصحاب انهم بعد اعترافهم بوقوع الاختلاف هنا قالوا ان‌

330
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الخامس) تعيين الدرهم المعتبر قدره في العفو ؛ ج 5، ص : 328

شهادة ابن إدريس في قدره مسموعة مريدين بذلك الاعتماد على التقدير الذي ذكره، و كيف يستقيم ذلك و فرض كون كلامه شهادة مقتض لتوقف الحكم بمضمونها على التعدد كما هو شأن الشهادة، و مع التنزل فهو مبني على تفسيره كما قلناه فلا بد من ثبوت التفسير أولا و لم يظهر من حال الجماعة الذين ذكروا هذا الكلام انهم معتمدون على هذا التفسير، و بالجملة فالمصير إلى شي‌ء من التفسيرين و البناء على واحد من التقديرين مع عدم ظهور الحجة و انما هي دعا و مجردة عن الدليل دخول في ربقة التقليد، و الوقوف مع القدر الأقل هو الاولى و لعل القرائن الحالية تشهد بنفي ما دونه. انتهى كلامه.

أقول: لا يخفى ان هذا البعض الذي أشار إليه بقوله: و قال بعض الأصحاب انه لا تناقض. إلخ انما هو والده في الروض حيث قال بعد ذكر المصنف التقدير بسعة الدرهم البغلي ما صورته: بإسكان الغين و تخفيف اللام منسوب الى رأس البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية فاشتهر به و قيل بفتحها و تشديد اللام منسوب الى بغل قرية بالجامعين كان يوجد فيها دراهم تقرب سعتها من أخمص الراحة و هو ما انخفض من باطن الكف ذكر ابن إدريس انه شاهده كذلك و شهادته في قدره مسموعة، و قدر ايضا بعقد الإبهام العليا و هو قريب من أخمص الكف و قدر بعقدة الوسطى، و الظاهر انه لا تناقض بين هذه التقديرات لجواز اختلاف افراد الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع و اخبار كل واحد عن فرده رآه. انتهى.

ثم أقول: لا يخفى ان ظاهر كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) الاتفاق على ان المراد بالدرهم في الاخبار المذكورة هو الدرهم الوافي الذي وزنه درهم و ثلث كما اشتملت عليه عبارة ابن إدريس و المحقق و الشهيد في الذكرى و به صرح الصدوق في الفقيه و المفيد في المقنعة حيث قال: فإن أصاب ثوبه دم و كان مقداره في سعة الدرهم الوافي الذي كان مضروبا من درهم و ثلث وجب عليه غسله بالماء و لم يجز له الصلاة فيه. الى آخره، و العلامة في جملة من كتبه و الشهيد الثاني في الروض و غيرهم‌

331
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الخامس) تعيين الدرهم المعتبر قدره في العفو ؛ ج 5، ص : 328

لان ظاهر جملة من علماء الخاصة و العامة ان غالب الدراهم التي في صدر الإسلام هي الدرهم البغلي الذي وزنه ثمانية دوانيق و الطبري الذي وزنه أربعة دوانيق، و الأصحاب احترزوا هنا بقيد الوافي و ان وزنه درهم و ثلث عن الدرهم الآخر و هو الطبري، و كلام ابن الجنيد و ابن ابي عقيل ليس فيه ظهور في مخالفة ذلك و انما غاية ما فيه انه مطلق بالنسبة إلى تعيين الدرهم فيحمل على كلام الأصحاب المذكور جمعا و ان المراد به الدرهم الوافي الذي هو البغلي، و الاخبار التي قدمناها و ان كانت مطلقة أيضا إلا ان كلام الرضا (عليه السلام) في الفقه الرضوي صريح في إرادة الدرهم الذي ذكره الأصحاب، و حينئذ فالواجب حمل مطلق الأخبار عليه، و بما ذكرنا يحصل اتفاق الأخبار و كلمة الأصحاب على ان المراد بالدرهم هو الدرهم الوافي الذي وزنه درهم و ثلث دون الدرهم الطبري الذي هو الدرهم الآخر و دون الدرهم الذي استقر عليه أمر الإسلام أخيرا و هو الذي وزنه ستة دوانيق، و على هذا فلا اشكال و لا خلل فيما ذكره شيخنا الشهيد الثاني في الروض من انه لا تناقض بين هذه التقديرات. الى آخر ما تقدم نقله عنه، فإنه متى ثبت ان المراد بالدرهم في الاخبار هو الدرهم الذي بهذا الوزن المخصوص فسعته الحاصلة من ضربه ربما اختلفت كما هو المشاهد من الدراهم و الدنانير المضروبة في هذه الأزمنة، و اما ما يظهر من بعض عباراتهم من ان التفسير بكونه عبارة عن الوافي الذي هو درهم و ثلث مناف للتقدير بأخمص الراحة و سعة عقد الإبهام الأعلى فهو غلط محض لان التقدير الأول انما هو تقدير للوزن و التقديرين الأخيرين انما هو تقدير للمساحة و السعة فأي منافاة هنا كما توهموه؟

نعم يبقى الاشكال هنا في مقامين: (الأول)- ان ظاهر الاخبار و كلام الأصحاب كما عرفت هو ان المراد بهذا الدرهم هو الدرهم الوافي الذي كان في زمنه (صلى الله عليه و آله) دون الدرهم الآخر الناقص و انه- كما ذكره في الذكرى و نقله عن ابن دريد- يسمى بالبغلي للعلة التي ذكرها، و من المتفق عليه بين الخاصة و العامة ان الدرهم المذكور قد غير مع الدرهم الآخر و استقر أمر الإسلام على الدرهم الذي وزنه ستة‌

332
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الخامس) تعيين الدرهم المعتبر قدره في العفو ؛ ج 5، ص : 328

دوانيق في زمن عبد الملك كما في الذكرى أو زمن عمر كما في النقل الآخر، و حينئذ فما ذكره المحقق في المعتبر و ابن إدريس من ان الدرهم البغلي هو المنسوب الى هذه القرية المذكورة و ان ابن إدريس شاهد بعضا منها ربما أوهم المنافاة لما تقدم من حيث كون الدرهم المذكور ضرب أخيرا و جرى في المعاملة كذلك مع ما علم من اختصاص ذلك بعصره (صلى الله عليه و آله) و ما قبله و ما قرب منه أخيرا. و يمكن ان يقال في الجواب عن ذلك ان النسبة الى هذه القرية و ضربه بها يمكن ان يكون في زمنه (صلى الله عليه و آله) و قبله لأن بابل و ما قرب منها من البلدان القديمة و بقاء بعض منها الى ذلك الوقت لا يدل على المعاملة و انما يدل على انها بعد نسخها و هجرها و بطلان المعاملة بها بقيت في تلك القرية الخربة حتى انهم كانوا يلتقطونها منها، و انما تبقى المنافاة في سبب التسمية و النسبة بين ما ذكره في الذكرى من ان السبب في تسميتها بغلية هو ضرب ذلك الرجل المسمى برأس البغل لها و بين ما ذكروه هنا من النسبة الى هذه القرية، و الأمر في ذلك سهل لا يترتب على اختلافه حكم شرعي بعد الاتفاق على الدرهم المعلوم.

و (الثاني)- ان أكثر هذه الأخبار المتقدمة قد وردت عن الباقر و الصادق و من بعدهما (عليهم السلام) و الدرهم الذي استقر عليه أمر الإسلام في زمانهم (عليهم السلام) انما هو الذي وزنه ستة دوانيق فإطلاق الاخبار انما ينصرف اليه و هذا الاشكال قد تنبه له في المدارك فقال بعد نقل ملخص كلام الذكرى: و مقتضاه ان الدرهم كان يطلق على البغلي و غيره و ان البغلي ترك في جميع العالم زمان عبد الملك و هو متقدم على زمان الصادق (عليه السلام) قطعا فيشكل حمل النصوص الواردة عنه (عليه السلام) عليه و المسألة قوية الإشكال. انتهى. و الجواب عن ذلك ما قدمنا ذكره من ان الأخبار و ان كانت مطلقة بذكر الدرهم إلا ان عبارة الفقه الرضوي قد اشتملت على تقييده بما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيجب حمل إطلاق الاخبار الباقية عليها، و يؤيده ان الظاهر ان التحديد بهذا الدرهم انما ذكره الأئمة (عليهم السلام)

333
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) ما لا تتم الصلاة فيه و حده ؛ ج 5، ص : 334

بيانا عن الرسول (صلى الله عليه و آله) فالواجب حمله على زمانه لأنهم نقلة لاحكامه و حفظة لشريعته و بيان معالم حلاله و حرامه، و لكن العذر للسيد المزبور واضح حيث لم يقف على الكتاب المذكور، و كم كشف الله تعالى بهذا الكتاب الميمون من اشكال في أمثال هذا المجال كما عرفت فيما مضى و ستعرف ان شاء الله تعالى فيما يأتي بتوفيق الملك المتعال. و الله العالم.

(المسألة الرابعة) [ما لا تتم الصلاة فيه و حده]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في ان كل ما لا تتم فيه الصلاة و حده كالتكة و القلنسوة و الخف و النعل يعفى عن نجاسته كائنة ما كانت و لو كدم الحيض و نجس العين، و انما الخلاف هنا في تعميم الحكم فيما تعلقت به و عدمه كما سيأتي تفصيله في المقام ان شاء الله تعالى.

و يدل على أصل الحكم مضافا الى الاتفاق المشار إليه جملة من الاخبار:

منها-

ما رواه الشيخ في الموثق عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال:

«كل ما كان لا يجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يكون عليه الشي‌ء مثل القلنسوة و التكة و الجورب».

و عن عبد الله بن سنان عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» انه قال: «كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس ان يصلي فيه و ان كان فيه قذر مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك».

و عن حماد بن عثمان في الصحيح عن من رواه عن الصادق (عليه السلام) «3» «في الرجل يصلي في الخف الذي قد اصابه قذر؟ قال: إذا كان مما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس».

و عن إبراهيم بن ابي البلاد عن من حدثهم عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «لا بأس بالصلاة في الشي‌ء الذي لا تجوز الصلاة فيه وحده يصيبه القذر مثل القلنسوة و التكة و الجورب».

و عن زرارة «5» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان قلنسوتي وقعت في بول فأخذتها فوضعتها على رأسي ثم صليت؟

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 31 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 31 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 31 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 31 من النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 31 من النجاسات.

334
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) ما لا تتم الصلاة فيه و حده ؛ ج 5، ص : 334

فقال لا بأس».

و عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم و القلنسوة و الخف و الزنار يكون في السراويل و يصلى فيه».

و طعن جمع من أصحاب هذا الاصطلاح في هذه الاخبار بضعف الاسناد:

منهم- السيد السند في المدارك و المحقق الشيخ حسن في المعالم و انما اعتمدوا في الحكم على الأصل مضافا الى اتفاق الأصحاب و أيدوا ذلك بهذه الاخبار، و لا يخفى ما فيه من الضعف عند النظر بعين التحقيق و التأمل بالفكر الصائب الدقيق و لكن ضيق الخناق في هذا الاصطلاح الذي هو الى الفساد أقرب منه الى الصلاح أوجب لهم التشبث بهذه العلل العليلة و الوجوه الضئيلة.

و قال في الفقه الرضوي «2»: «إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه و ذلك ان الصلاة لا تتم في شي‌ء من هذه وحده».

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الأصحاب مع اتفاقهم على أصل الحكم المذكور كما تقدمت الإشارة إليه اختلفوا فيه من جهة المتعلق فذهب جمع من متأخري الأصحاب:

منهم- المحقق و الشهيد في أكثر كتبه و الشهيد الثاني و غيرهم الى تعميم الحكم في كل ما لا تتم الصلاة فيه من ملبوس و محمول في محلها كانت تلك الملابس أم لا، و خصه ابن إدريس بالملابس و تبعه العلامة في ذلك، فقال في النهاية و المنتهى لو كان معه دراهم نجسة أو غيرها لم تصح صلاته، و تبعه الشهيد في البيان، و زاد العلامة في أكثر كتبه ايضا اعتبار كون الملابس في محالها فصرح في المنتهى بأنه لو وضع التكة على رأسه و الخف في يده و كانا نجسين لم تصح صلاته. و وافقه على ذلك في البيان ايضا، و نقل عن القطب الراوندي‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 14 من لباس المصلى.

(2) ص 6.

335
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 336

 

قصر الحكم ايضا على الملابس و زاد تخصيصها بخمسة أشياء: القلنسوة و التكة و الجورب و الخف و النعل. و الظاهر هو القول الأول لإطلاق الأخبار المتقدمة فإنها شاملة بعمومها للملبوس بنوعيه في محله و غير محله و كذا المحمول، و رواية عبد الله بن سنان قد صرحت بالعفو عن المحمول بالخصوص من الملابس كان أو من غيرها. و لم نقف لشي‌ء من هذه الأقوال المخصصة على دليل إلا ان العلامة في المختلف نقل عن الراوندي الاحتجاج على ما قدمنا نقله عنه بالإجماع على هذه الخمسة و ما عداه لم يثبت فيه النص فيبقى على المنع ثم أجاب بأنا قد بينا الثبوت و المشاركة في الجواز، و أشار بذلك الى ما استدل به على العموم حيث اختاره في الكتاب المذكور فقال لنا على التعميم الاشتراك في العلة المبيحة للصلاة و هي كونه ملبوسا لا تتم الصلاة فيه منفردا، و ما رواه حماد ثم نقل مرسلة حماد المتقدمة، و رواية عبد الله بن سنان. و هو جيد.

و ما ذكره في المنتهى و النهاية و كذا في البيان- من عدم صحة الصلاة لو كان معه دراهم نجسة أو غيرها- لا اعرف له وجها و لا عليه دليلا فإن غاية ما يفهم من الأدلة اشتراط صحة الصلاة بطهارة ثوب المصلي يعني ملبوسه شاملا كان للبدن أو غير شامل و اما محموله سيما مثل الدراهم و نحوها فأي دليل دل على اشتراط صحة الصلاة بطهارته؟

و بما ذكرنا صرح السيد في المدارك و نقله عن المعتبر حيث قال: و غاية ما يستفاد من النص و الإجماع اشتراط طهارة الثوب و البدن اما المنع من حمل النجاسة في الصلاة إذا لم تتصل بشي‌ء من ذلك فلا دليل عليه كما اعترف به المصنف في المعتبر. انتهى.

فروع

(الأول) [تصريح الصدوق بأن العمامة مما يعفى عنه]

- قد صرح الصدوق في الفقيه و المقنع بعد العمامة في جملة ما يعفى عنه و نقله عن أبيه في الرسالة أيضا، قال في الفقيه «و من أصاب قلنسوته أو عمامته أو تكته أو جوربه أو خفه مني أو دم أو بول أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه. و ذلك‌

 

336
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) تصريح الصدوق بأن العمامة مما يعفى عنه ؛ ج 5، ص : 336

لان الصلاة لا تتم في شي‌ء من هذا وحده» انتهى.

و الأصحاب قد استشكلوا في عده العمامة في جملة هذه المذكورات و نحوها، قال شيخنا المجلسي في حواشيه على الكتاب: ظاهر الصدوق جواز الصلاة في العمامة و ان كانت نجسة، و الظاهر انه وجد فيها نصا و إلا فيشكل الجزم بجواز الصلاة باعتبار انها بهذه الهيئة لا يتمكن من ستر العورتين بها فيلزم جواز الصلاة في كل ثوب مطوي مع نجاسته و الظاهر ان التزامه سفسطة، و على اي حال فالعمل على خلافه. انتهى.

أقول: العجب من شيخنا المذكور ان كتاب الفقه الرضوي عنده و هذه العبارة عين كلامه (عليه السلام) في الكتاب المذكور بتغيير يسير فكيف لم يطلع على ذلك مع تنبيهه في غير موضع على أمثال ذلك؟

و نقل المحقق في المعتبر عن القطب الراوندي حمل العمامة في كلام الصدوق على عمامة صغيرة كالعصابة، قال لأنها لا يمكن ستر العورة بها و ربما حملت على اعتبار كونها على تلك الكيفية.

قال في المدارك: و لعل المراد ان الصلاة لا تتم فيها وحدها مع بقائها على تلك الكيفية المخصوصة، ثم نقل تأويل الراوندي و قال و هذا اولى و ان كان الإطلاق محتملا لما أشرنا إليه سابقا من انتفاء ما يدل على اعتبار طهارة ما عدا الثوب و الجسد و العمامة لا يصدق عليها اسم الثوب عرفا مع كونها على تلك الكيفية المخصوصة. انتهى.

و اقتفاه في ذلك الفاضل الخراساني في الذخيرة فقال: و المسألة محل اشكال للشك في صدق اسم الثوب على العمامة عرفا و إذا لم يصدق عليها الثوب كان القول بالإلحاق متجها لان الدليل الدال على وجوب تطهير لباس المصلي مختص بالثوب فيبقى غيره على الأصل، لكن في عدم التمثيل بالعمامة في الاخبار و التمثيل بالقلنسوة و غيرها إشعار بأن الحكم فيها ليس ذلك و إلا لكانت العمامة أحق بالتمثيل كما لا يخفى على المتأمل. انتهى.

و أنت خبير بان دعوى عدم صدق الثوب عليها عرفا مع كونها على تلك الكيفية‌

337
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) حمل المصلي حيوانا طاهرا غير مأكول اللحم ؛ ج 5، ص : 338

لا اعرف له وجها إذ الثوب عرفا كما يطلق على المنشور يطلق على المطوي أيضا، و بالجملة فإن الخبر المذكور و ان دل على استثناء العمامة أيضا و قال بمضمونه الشيخان المشار إليهما إلا انه غير خال من شوب الإشكال إلا مع الحمل على ما ذكره الراوندي، و هو لا يخلو من البعد ايضا و الله العالم.

(الثاني) [حمل المصلي حيوانا طاهرا غير مأكول اللحم]

- قال المحقق في المعتبر: لو حمل حيوانا طاهرا غير مأكول اللحم أو صبيا لم تبطل صلاته لأن النبي (صلى الله عليه و آله) حمل امامة و هو يصلي «1» و ركب الحسين (عليه السلام) على ظهره و هو ساجد «2» و في المنتهى ذكر نحوه ايضا‌

______________________________
(1) ذكر العلامة المقرم في تعليقه على محاضرات الفقه الجعفري لفقيه العصر آية الله السيد أبو القاسم الخوئي أدام الله ظله ص 51 ان قصة حمل النبي (ص) امامة في الصلاة لم ترد من طرقنا و انها مروية في جوامع أهل السنة كصحيح مسلم ج 1 ص 205 و موطإ مالك ج 1 ص 183 و سنن البيهقي ج 2 ص 263 و غيرها و ان الأحاديث تنتهي إلى واحد و هو أبو قتادة و المروي عنه واحد و هو عمرو بن سليم الزرقي، و قد قرب ان القصة من الموضوعات و حقق الموضوع تحقيقا وافيا راجع التعليقة 4 ص 51 تقف على المسألة مفصلا.

(2) قصة ركوب الحسن و الحسين (ع) على ظهر النبي (ص) من مرويات العامة رواها ابن حجر في الإصابة ج 1 ص 329 ترجمة الحسن (ع) عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب الزبيري و فيه ص 330 عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود و رواها ابن عساكر في تأريخه ج 4 ص 202 عن مصعب بن عمير عن عبد الله بن الزبير و الذهبي في ميزان الاعتدال ج 2 ص 352 عن أبي هريرة و ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 82 عن أبي بكرة و في كنز العمال ج 6 ص 109 عن أبي بكرة. و قد يترجح في نظر بعض ان هذه القصة من موضوعاتهم و ان الله قد اعطى الامام العلم و أوقفه على اسرار التكوين منذ كان حملا في بطن امه، فقد ورد في أحاديث كثيرة

رواها الصفار في بصائر الدرجات و الكليني في أصول الكافي عن أهل البيت (ع) «إذا ولد المولود منا رفع له عمود نور يرى به اعمال العباد و ما يحدث في البلدان».

إشارة إلى القوة القدسية المودعة في نفوس الأئمة (ع) فالإمام يعرف ماهية الصلاة و من الذي يسجد له نبي الإسلام (ص) و لم يفته ان هذا الحال هو أقرب أحوال النبي (ص) مع مولاه عن شأنه فكيف يشغله الإمامان على الأمة ان قاما و ان قعدا بنص الرسول (ص) عن مخاطبة حبيبه سبحانه؟ و الامام لا يلهو و لا يلعب كما في الحديث راجع (وفاة الامام الجواد) للعلامة المقرم ص 73، على ان رواة هذه القصة لا يعتمد على نقلهم فان آل الزبير أكثروا فيما يحط بكرامة أهل البيت (ع) و قد أخرجهم علماء الرجال عن صف من يوثق به من الرواة راجع كتاب (السيدة سكينة بنت الحسين) للعلامة المقرم ص 38 الطبعة الثالثة. و اما عاصم فهو ابن بهدلة بن ابى النجود أحد القراء و في تهذيب التهذيب لابن حجر ج 5 ص 38 كان عثمانيا سيئ الحفظ كثير الخطأ مضطرب الحديث و فيه نكرة. و اما أبو بكرة فهو أخو زياد لامه كان منحرفا عن أمير المؤمنين (ع) و يخذل الناس عن نصرته يوم الجمل و هو الذي رد الأحنف بن قيس عن نصرته يوم الجمل بافتعاله الحديث

«ستكون بعدي فتنة القاتل و المقتول في النار قلت يا رسول الله (ص) هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال لأنه أراد قتل صاحبه».

و اما أبو هريرة فان أحاديثه كلها لا تساوي فلسا لان دنيا معاوية أعمته عن أبصار الحق فلم يبال بالكذب.

338
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حمل المصلي قارورة مسدودة الرأس فيها نجاسة ؛ ج 5، ص : 339

و زاد في حكاية ركوب الحسين (عليه السلام) ظهر جده ان الجمهور كافة نقلوه، و أضاف الى هذه الرواية وجها آخر و هو ان النجاسة في المحمول في معدته كالحامل.

و نقل عن بعض الأصحاب انه احتج لجواز ذلك بالأصل السالم عن معارضة ما يقتضي المنافاة. و هو كذلك. أقول: و مفهوم هذا الكلام انه لو كان المحمول حيوانا نجسا نجاسة ذاتية أو عارضية بطلت صلاته، و هو مبني على اشتراط الطهارة في المحمول ايضا و قد عرفت ما فيه.

(الثالث) [حمل المصلي قارورة مسدودة الرأس فيها نجاسة]

- قال الشيخ في الخلاف: إذا حمل قارورة مسدودة الرأس بالرصاص و فيها بول أو نجاسة ليس لأصحابنا فيه نص و الذي يقتضيه المذهب انه لا ينقض الصلاة، و به قال ابن أبي هريرة من أصحاب الشافعي غير انه قاسه على حيوان طاهر في جوفه نجاسة ثم عزى الى غيره من العامة القول بالبطلان «1» و قال بعد ذلك: دليلنا ان قواطع‌

______________________________
(1) في المغني ج 2 ص 67 «لو حمل قارورة فيها نجاسة مسدودة لم تصح صلاته و قال بعض أصحاب الشافعي لا تفسد صلاته» و في المهذب ج 1 ص 61 «إذا حمل قارورة فيها نجاسة و قد شد رأسها فيه وجهان أحدهما يجوز لأن النجاسة لا تخرج منها و المذهب انه لا يجوز لانه حمل نجاسة غير معفو عنها في غير معدنها فأشبه ما إذا حمل النجاسة في كمه».

339
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) حمل المصلي قارورة مسدودة الرأس فيها نجاسة ؛ ج 5، ص : 339

الصلاة طريقها الشرع و لا دليل في الشرع على ان ذلك يبطل الصلاة ثم قال: و لو قلنا انه يبطل الصلاة لدليل الاحتياط كان قويا، و لان على المسألة الإجماع و خلاف ابن أبي هريرة لا يعتد به. انتهى.

و قال المحقق في المعتبر- بعد نقل مجمل هذا الكلام ثم نقل عن الشيخ في المبسوط انه جزم بالبطلان- ما صورته: و الوجه عندي الجواز و ما استدل به الشيخ ضعيف لانه سلم ان ليس على المسألة نص لأصحابنا و على هذا التقدير يكون ما استدل به من الإجماع هو قول جماعة من فقهاء الجمهور و ليس في ذلك حجة عندنا و لا عندهم ايضا، و الدليل على الجواز انه محمول لا تتم الصلاة به منفردا فيجوز استصحابه في الصلاة بما قدمناه من الخبر، ثم نقول الجمهور عولوا على انه حامل نجاسة فتبطل صلاته كما لو كانت على ثوبه و نحن نقول النجاسة على الثوب منجسة له فتبطل لنجاسة الثوب لا لكونه حاملا نجاسة و نطالبهم بالدلالة على ان حمل النجاسة مبطل للصلاة إذا لم تتصل بالثوب و البدن. انتهى و هو جيد متين.

و قال في المعالم بعد نقل كلام المحقق المذكور: و هذه المناقشة متوجهة و ما اختاره المحقق هو الحق و احتجاجه له مع جوابه عما عول الجمهور عليه في غاية الجودة، و قد ذكر الشهيد في الذكرى بعد حكايته لكلام المحقق هنا انه لا حاجة على قوله الى سد رأس القارورة إذا أمن تعدي النجاسة منها، قال و من اشترطه من العامة لم يقل بالعفو عما لا تتم الصلاة فيه وحده بل مأخذه القياس على حمل الحيوان.

أقول: ما ذكره (قدس سره) من الاستدراك على المحقق الظاهر انه لا وجه له، فان المحقق قد أشار في آخر كلامه الى ما ذكره الشهيد هنا من قوله و نطالبهم بالدلالة على ان حمل النجاسة مبطل إذا لم تتصل بالثوب و البدن، و سد الرأس انما ذكره‌

340
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) هل أن إزالة النجاسة عن ما لا تتم الصلاة فيه أفضل؟ ؛ ج 5، ص : 341

أولا مشيا في كلامه على اثر الشيخ (قدس سره) في فرض المسألة و الشيخ قد اقتفى أثر العامة في الفرض المذكور.

إذا عرفت هذا فاعلم ان ابن إدريس و العلامة في أكثر كتبه قد اختارا ما ذهب اليه الشيخ في المبسوط من عدم الجواز، و احتج له في المختلف بأنه حامل نجاسة فتبطل صلاته كما لو كانت النجاسة على ثوبه و بدنه، و بان إيجاب تطهير الثوب و البدن لأجل الصلاة و وجوب تحريز المساجد التي هي مواطن الصلاة عن النجاسة يناسب البطلان هنا، و بان الاحتياط يقتضي ذلك.

و أنت خبير بما في هذه الوجوه من التعسف: اما الأول فمع كونه مصادرة على المطلوب قد عرفت جوابه من كلام المحقق. و اما استشهاده بوجوب التحرز من إدخال النجاسة إلى المساجد فهو مبني على رأيه من عدم جواز إدخال النجاسة إلى المساجد مع عدم التعدي و قد تقدم ما فيه. و اما الاحتياط فهو ليس بدليل شرعي عنده.

و قال في المدارك بعد رد كلامه بنحو ما ذكرناه: و نحن نطالبه بالدليل على ان حمل النجاسة مبطل للصلاة إذا لم تتصل بالثوب و البدن، و على ما ذكرناه فلا حاجة الى سد رأس القارورة بل يكفي الأمن من التعدي كما نبه عليه في الذكرى، ثم نقل عبارته المتقدمة أقول: في كلام هؤلاء الاعلام في هذا المقام تأييد لما قدمناه من صحة الصلاة في المحمول مما لا يجوز الصلاة فيه ملبوسا كالنجاسة في الثوب و الحرير و الذهب و نحو ذلك.

(الرابع) [هل أن إزالة النجاسة عن ما لا تتم الصلاة فيه أفضل؟]

- ذكر الشيخ في النهاية بعد نفي البأس عن الصلاة فيما إصابة نجاسة مما لا تتم الصلاة فيه ان ازالة النجاسة عنه أفضل، و بنحو ذلك صرح السيد أبو المكارم ابن زهرة، و قال المفيد في المقنعة: لا بأس بالصلاة في الخف و ان كانت فيه نجاسة و كذلك النعل و التنزه عن ذلك أفضل. و لم أقف على من صرح بذلك غير هؤلاء (رضوان الله عليهم) و الذي وقفت عليه من الاخبار في ذلك انما يدل على ما ذهب اليه الشيخ المفيد، و هو‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق

341
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس) إذا جبر عظمه بعظم نجس ؛ ج 5، ص : 342

(عليه السلام) «1» قال: «إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإنه يقال ذلك من السنة».

و عن عبد الله بن المغيرة في الحسن «2» قال: «إذا صليت فصل في نعليك إذا كانت طاهرة فإن ذلك من السنة».

و ربما كان التفات الشيخ و ابن زهرة إلى الخبرين المذكورين و انه متى ثبت ذلك في النعل فغيره بطريق اولى و إلا فلم أقف على ما يدل على ما ذكراه من العموم.

(الخامس) [إذا جبر عظمه بعظم نجس]

- ذكر جماعة من الأصحاب انه إذا جبر عظمه بعظم نجس كعظم الكلب و الخنزير و الكافر وجب قلعه ما لم يخف التلف أو المشقة و ادعى في الدروس عليه الإجماع، و احتمل في الذكرى عدم الوجوب إذا اكتسى اللحم لا لتحاقه بالباطن و استوجهه في المدارك، و جزم الشيخ في المبسوط ببطلان الصلاة لو أحل بالقلع مع الإمكان لأنه حامل لنجاسة غير معفو عنها، و استشكله في المدارك بخروجها عن حد الظاهر و لأنها نجاسة متصلة كاتصال دمه فتكون معفوا عنها.

أقول: الظاهر هو ما صرح به الأكثر من وجوب القلع مع الإمكان و عدم المشقة، و ما اختاره في المدارك وفاقا لما في الذكرى- من التحاقه بالباطن و كذا ما ذكره في رد كلام الشيخ من خروجه عن الظاهر و انها نجاسة متصلة كاتصال دمه- لا يخفى ما فيه و ان تبعه عليه صاحب الذخيرة، فإن غاية ما يستفاد من الأدلة هو عدم تعلق التكليف بما في باطن البدن من النجاسات الخلقية كدمه الذي تحت جلده و الغائط في البطن و نحو ذلك ما لم يظهر الى فضاء البدن لما في التكليف بذلك من العسر و الحرج و تكليف ما لا يطاق، و حمل ما ذكروه على ذلك قياس مع الفارق من حيث تعذر الإزالة في الأول و إمكانها في الثاني كما هو المفروض في كلام الأصحاب لأنهم إنما يوجبون الإزالة مع الإمكان و عدم المشقة، و بالجملة فمجرد الصيرورة في الباطن كيف اتفق لا دليل على إسقاطه وجوب الإزالة. و يؤيده ما صرحوا به في غير موضع من ان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب لباس المصلى.

(2) رواه في الوسائل في الباب 37 من أبواب لباس المصلي.

342
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) لو أدخل دما نجسا تحت جلده ؛ ج 5، ص : 343

الإطلاق انما ينصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة الوقوع دون الفروض النادرة و مثل هذه الفروض النادرة الشاذة لا تدخل تحت إطلاق البواطن التي رتب عليها العفو عن الإزالة إذ المتبادر منها ما كان من أصل الجسد و اجزائه الخلقية.

و مثل ما ذكرناه يأتي أيضا في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى من إدخال الدم النجس تحت جلده فإن الأظهر فيها ايضا وجوب الإزالة مع عدم الضرر، و مما يؤكد ما ذكرناه و يؤيد ما أردناه أنه الأحوط في الدين و الموجب للبراءة بيقين.

(فان قيل) ان الاحتياط ليس بدليل شرعي (قلنا) هذا الكلام على إطلاقه ممنوع و ان زعموا صحته بناء على العمل بالبراءة الأصلية إلا ان المستفاد من الاخبار خلافه و هو ان الاحتياط في موضع اشتباه الحكم واجب كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب، و لا ريب ان المسألة عارية عن النصوص بالعموم و الخصوص و الحكم فيها لذلك محل اشتباه و الحكم عندنا في الشبهات كما تقدم تحقيقه هو الوقوف فيها عن الفتوى و العمل بالاحتياط. و الله العالم.

(السادس) [لو أدخل دما نجسا تحت جلده]

- قال العلامة في التذكرة: لو ادخل دما نجسا تحت جلده وجب عليه إخراجه مع عدم الضرر و اعادة كل صلاة صلاها مع ذلك الدم. قال في المدارك:

و يشكل بخروجه عن حد الظاهر و بصيرورته كجزء من دمه و اولى بالعفو ما لو احتقن دمه بنفسه تحت الجلد قال في الذخيرة بعد ذكره هذا الاستشكال: و بالجملة لقدر الثابت وجوب تطهير ظواهر البدن و اما البواطن فليس في الأدلة ما يقتضي وجوب تطهيرها بل فيها ما يدل على العفو عنها فيكون أصالة البراءة على حاله، و إطلاق الصلاة غير مقيد بشرط لا يدل عليه الدليل فيحصل الامتثال، فظهر ضعف القول بوجوب إعادة الصلاة. انتهى.

أقول: فيه زيادة على ما عرفت في سابقه ان الأدلة الدالة على نجاسة البدن بما لاقاه من الدم و المني و نحوهما من النجاسات لا تخصيص فيها بباطن و لا ظاهر و ان كان الغالب انما يقع بالظاهر خاصة و المتبادر كما عرفت من الباطن انما هو بالنسبة الى ما كان‌

343
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السابع) لو شرب خمرا أو أكل ميتة ؛ ج 5، ص : 344

من أصل الجسد و خلقته لا الى ما يطرح فيه من غيره، و كيف كان فالمسألة لما كانت عارية عن النصوص فهي داخلة تحت الشبهات التي يجب فيها الاحتياط كما سلف تحقيقه في مقدمات الكتاب.

بقي هنا شي‌ء و هو ان الدم لو خرج من الجسد لكن لم يبرز الى فضاء البدن بل احتقن تحت الجلد فالظاهر العفو عنه لان الخطاب بوجوب غسله مرتب على خروجه على الجلد، و نقل عن الشهيد في البيان انه جزم بوجوب إخراجه و جعل حكمه حكم الدم الذي هو محل البحث و هو غير جيد، إلا ان عندي في حمل عبارته على ما ذكروه نوع تأمل بل الظاهر انه انما أراد احتقان دم أجنبي تحت جلده و قد صرح بذلك في الدروس ايضا، و عبارته في الدروس أظهر فيما قلناه فإنه قال في البيان: و لو شرب نجسا فالأقوى وجوب استفراغه إن أمكن، و كذا لو احتقن في جلده دم أو جبر عظمه بعظم نجس أو خاط جرحه بخيط نجس، و لو خيف الضرر سقط. و قال في الدروس: و لو شرب خمرا أو منجسا أو أكل ميتة أو احتقن تحت جلده دم نجس احتمل وجوب الإزالة مع إمكانها و لو عللت القارورة بأنها من باب العفو احتمل ضعيفا اطراده هنا و لأنه التحق بالباطن. انتهى. و لا يخفى ان تقييده الدم في هذه العبارة بالنجس ظاهر في كونه غير دم البدن، و الظاهر ان عبارته في البيان ايضا من هذا القبيل و ان حصل الاشتباه فيها من ترك هذا القيد، و يؤيده انه لم يتعرض لذكر دم الغير تحت جلده كما هو الدائر في كلام الأصحاب في هذا المقام.

(السابع) [لو شرب خمرا أو أكل ميتة]

- قال العلامة في المنتهى: لو شرب خمرا أو أكل ميتة ففي وجوب قيئه نظر الأقرب الوجوب لان شربه محرم فاستدامته كذلك. قال في المدارك بعد نقل ذلك: و هو أحوط و ان كان في تعينه نظر، و قال: و لو أخل بذلك لم تبطل صلاته و ربما قيل بالبطلان كما في القارورة المشتملة على النجاسة و هو ضعيف. انتهى.

أقول: يمكن الاستدلال هنا على وجوب القي‌ء‌

بما رواه في الكافي في الموثق

344
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الخامسة) العفو عن ثوب المربية ؛ ج 5، ص : 345

عن عبد الحميد بن سعيد «1» قال: «بعث أبو الحسن (عليه السلام) غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بهما فلما اتى به اكله فقال مولى له ان فيه من القمار قال فدعا بطشت فتقيأ فقاءه».

بقي الكلام في بطلان الصلاة لو أخل بقيئه و عدمه و الأظهر الثاني لعدم الدليل عليه.

(المسألة الخامسة) [العفو عن ثوب المربية]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) من غير خلاف العفو عن نجاسة ثوب المربية للصبي ذات الثوب الواحد إذا غسلته في اليوم مرة، و استدل الفاضلان في المعتبر و المنتهى على ذلك‌

بما رواه الشيخ عن ابي حفص عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص و لها مولود فيبول عليها كيف تصنع؟ قال تغسل القميص في اليوم مرة».

و ان تكرار بول الصبي يمنع التمكن من إزالته فجرى مجرى دم القرح الذي لا يمنع من استصحاب الثوب في الصلاة، قال المحقق فكما يجب اتباع الرواية هناك دفعا للحرج فكذا هنا لتحقق الحرج في الإزالة. و قال في المعالم بعد نقل ذلك: و هذه الحجة بينة الوهن فإن الرواية ضعيفة السند فلا تصلح لتأسيس حكم شرعي، و اعتبار الحرج يقتضي إناطة الحكم بما يندفع معه لا بالزمان المعين و الإلحاق بدم القرح قياس، و وجوب اتباع الرواية هناك ليس باعتبار الحرج و انما هو لصلاحيتها لإثبات الحكم و جهة الحرج مؤيدة لها، و حيث ان الصلاحية هنا منتفية فلا معنى لكون وجوب الاتباع هناك موجبا لوجوبه هنا. انتهى.

و هو جيد وجيه بالنسبة إلى تعليل المحقق المذكور بعد الرواية فإن الأولى يجعله وجها للنص لا علة مستقلة لما ذكره في المعالم. و اما رد النص فهو مبني على تصلب هذا القائل في هذا الاصطلاح و مثله صاحب المدارك حيث قال بعد الطعن في سند الرواية: و الاولى وجوب الإزالة مع الإمكان و سقوطها مع المشقة الشديدة دفعا للحرج. و العجب منهما‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من أبواب ما يكتسب به.

(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب النجاسات.

345
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 346

(قدس سرهما) انهما في غير موضع قد وافقا الأصحاب في العمل بالخبر الضعيف متى كان اتفاق الأصحاب على العمل به و يتعللان بان المعتمد انما هو على اتفاق الأصحاب، و الحكم هنا كذلك فإنه لا مخالف فيه و لا راد له، و كيف كان فالأظهر ما عليه الأصحاب من قبول الخبر المذكور و العمل بما دل عليه.

[تنبيهات]

نعم يبقى الكلام هنا في مواضع‌

(الأول) [هل يعم العفو مربية الصبية؟]

- ظاهر الخبر المذكور شمول الحكم للصبي و الصبية حيث عبر فيه بلفظ المولود الشامل لهما، و بذلك ايضا صرح جملة من الأصحاب، و نقله في المعالم عن الشهيدين و أكثر المتأخرين. أقول: و به جزم في المدارك و هو الظاهر، و الذي صرح به المحقق في المعتبر و الشرائع و النافع هو الصبي خاصة و كذا العلامة في المنتهى و الإرشاد و الشهيد في البيان، و في الدروس بعد ذكر الصبي ذكر الصبية إلحاقا كما ذكر المربي إلحاقا بالمربية، نعم ظاهر كلامه في الذكرى العموم من حيث التعبير بلفظ المولود الوارد في النص، و نقل في المعالم عن بعض الأصحاب انه قال المتبادر من المولود هو الصبي، ثم قال و لا يخلو من قرب. و كلام العلامة في النهاية مشعر بذلك ايضا حيث قال بعد ذكر الرواية: ان الحكم مخصوص بالذكر اقتصارا في الرخصة على المنصوص، و للفرق فان بول الصبي كالماء و بول الصبية اصفر ثخين و طبعها أحر فبولها ألصق بالمحل. انتهى.

(الثاني) [هل يعم العفو غير البول؟]

- مورد النص المذكور البول فلا يتعدى الى غيره اقتصارا فيما خالف الأصل على مورد النص، و هو اختيار الشهيد الثاني في الروض و سبطه السيد السند في المدارك و ابنه المحقق في المعالم، و استشكل ذلك العلامة في النهاية و التذكرة، و الظاهر من كلام شيخنا الشهيد عدم الفرق و قربه بأنه ربما كني عن الغائط بالبول كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح به. و فيه ان مجرد هذا الاحتمال لا يكفي في إخراج اللفظ عن معناه المتبادر منه و إثبات التسوية بينه و بين الغائط، و التجربة شاهدة بعسر التحرز من اصابة البول لتكرره فإلحاق الغائط به بعيد.

346
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) هل يعم العفو المربي؟ ؛ ج 5، ص : 347

و أبعد منه غيره من النجاسات كالدم كما يفهم من إطلاق بعض العبارات.

(الثالث) [هل يعم العفو المربي؟]

- مورد الرواية المذكورة المربية و الحق بعض الأصحاب بها المربي أيضا للاشتراك في العلة و هو وجود المشقة فيهما، و أنكره آخرون وقوفا على مورد النص و التعليل المذكور في كلامهم ليس منصوصا و انما هو علة مستنبطة و على هذا يكون الإلحاق قياسا، و هذا هو الأظهر، و بالأول صرح العلامة في التذكرة و النهاية و تبعه الشهيد في كتبه الثلاثة، و بالثاني جزم في المدارك و هو الذي عليه اقتصر المحقق في كتبه.

(الرابع) [هل يعم العفو المولود المتعدد؟]

- الحق بعض الأصحاب بالمولود الواحد المتعدد للاشتراك في العلة و هي المشقة و زيادة فلا معنى لزواله. و فيه انه يمكن ان يكون التعدد لكونه مقتضيا لكثرة النجاسة و قوتها فمن الجائز اختصاص العفو بالقليل الضعيف منها دون الكثير القوى فلا وجه للإلحاق المذكور، و بالأول جزم الشهيد في الذكرى و الدروس، و نقله في المعالم عن والده أيضا في بعض كتبه ثم قال و له وجه. أقول: ما نقله عن والده من إلحاق المتعدد قد صرح به في المسالك و اما في الروض فظاهره التوقف للوجهين المذكورين.

(الخامس)- لو كان لها أكثر من ثوب واحد

فان احتاجت الى لبس الجميع لبرد و نحوه فالظاهر كما صرح به في الروض ان الجميع في حكم الثوب الواحد و إلا فلا تلحقها الرخصة لزوال المشقة بإبدال الثياب و وقوفا مع ظاهر النص، و لو أمكن ذات الثوب الواحد تحصيل غيره بشراء أو استئجار أو استعارة ففي وجوب ذلك عليها تردد ينشأ من إطلاق النص المتقدم فان ظاهره ان الحكم فيها مع وحدة الثوب ما ذكر و ان أمكنها ذلك، و من انتفاء المشقة بتكرير الغسل. و ظاهر الروض التوقف في ذلك، و نقل في المعالم عن جماعة من المتأخرين أنهم استقربوا الثاني و كتب في الحاشية في تفسير الجماعة المشار إليهم: السيد حسن بن جعفر و شيخنا السيد علي ابن الصائغ، ثم قال هو (قدس سره) و كأن الأول أقرب. و هو جيد وقوفا على ظاهر النص و نظرا الى ان هذه العلة التي يكررون الإشارة إليها ليست منصوصة كما قدمنا ذكره بل هي مستنبطة.

347
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) هل يعم العفو بدن المربية؟ ؛ ج 5، ص : 348

(السادس) [هل يعم العفو بدن المربية؟]

- قد صرح جماعة من الأصحاب بأن الحكم المذكور مختص بالثوب اما البدن فيجب غسله مع المكنة لعدم النص و المشقة الحاصلة في الثوب الواحد بسبب توقف لبسه على يبسه. قال في المعالم و ربما صار بعض من تأخر إلى تعدية الرخصة إليه نظرا الى عسر الاحتراز عن الثوب النجس و مشقة غسل البدن في كل وقت. ثم قال و ليس بشي‌ء و كتب في الحاشية في بيان ذلك البعض: السيد حسن. أقول: و هذا السيد أحد مشايخ شيخنا الشهيد الثاني و له (قدس سره) أقوال غريبة مثل قوله في هذه المسألة و قوله في تطهير المطر و لو بالقطرة الواحدة و نحو ذلك.

(السابع) [الوظيفة في ثوب المربية هو الغسل]

- قد دل الخبر المذكور على تعين الغسل مع انه كما سيأتي ان شاء الله تعالى قريبا ان الحكم في بول الصبي الذي لم ينفطم انما هو الصب و المغايرة بينهما ظاهرة، و به يظهر المنافاة بين الحكمين مع اتفاق الأصحاب على كل منهما و به يعظم الاشكال، قال العلامة في النهاية: الأقرب وجوب عين الغسل فلا يكفي الصب مرة واحدة و ان كفى في بوله قبل ان يطعم الطعام عند كل نجاسة. و مرجعه الى وجه جمع بين الأمرين بأن يقال ان الاكتفاء بالصب في بول الرضيع على ما سيأتي انما هو مع تكرير الإزالة كلما حصل منه البول بحسب الحاجة الى الدخول في العبادة و اما مع الاقتصار على المرة في اليوم في هذه الصورة فلا بد من الغسل عملا بالخبر. و مرجعه الى تخصيص تلك الأخبار الدالة على الصب بهذا الخبر في هذه المادة المخصوصة و هي اتحاد الثوب، و يؤيده الاعتبار و ان كان العمل انما هو على النص من حيث ان تكرر حصول النجاسة من دون تخلل الإزالة بينهما يقتضي قوتها و تزايدها فيجوز اختلاف الحكم مع تحقق هذا المعنى و بدونه.

(الثامن) [مدة العفو هو النهار خاصة أو هو مع الليل؟]

- قد ذكر كثير من الأصحاب ان المراد باليوم في الخبر ما يشمل الليل ايضا اما لإطلاقه لغة على ما يشمل الليل أو لإلحاق الليل به. و الحكم موضع توقف لاحتمال ما ذكروه و احتمال اختصاص اليوم بالنهار خاصة و الخروج عنه يحتاج الى دليل.

348
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(التاسع) الأفضل ان تجعل غسل الثوب آخر النهار ؛ ج 5، ص : 349

 

(التاسع) [الأفضل ان تجعل غسل الثوب آخر النهار]

- قد صرح جمع من الأصحاب بأن الأفضل ان تجعل غسل الثوب آخر النهار لتوقع الصلوات الأربع على طهارة، و لا بأس به، و العلامة في التذكرة بعد ان ذكر أفضلية التأخير لذلك قال: و في وجوبه إشكال ينشأ من الإطلاق و من أولوية طهارات اربع على طهارة واحدة. و في دلالة هذا التوجيه على الوجوب تأمل، و الأظهر الاستحباب. و هل يجب إيقاع الصلاة عقيب غسل الثوب و التمكن من لبسه متى اقتضت العادة نجاسته بالتأخير؟ فيه توقف. قيل و لو أخلت بالغسل فالظاهر وجوب قضاء آخر الصلوات لجواز تأخير الغسل الى وقته. و الله العالم.

(المسألة السادسة) [الوظيفة عند تعذر إزالة النجاسة عن البدن و الثوب]

- الظاهر انه لا اشكال و لا خلاف في العفو عما يتعذر إزالته من النجاسة التي في البدن من اي نوع كانت، و كأنه لما علم من اباحة الضرورات المحظورات لم يتعرض الأصحاب هنا للاستدلال على ذلك. و يمكن ان يستدل على ذلك بالأخبار الواردة في السلس و المبطون و قد تقدمت في المسائل الملحقة بالوضوء فإنها صريحة في الصلاة بالنجاسة لمكان الضرورة،

و في حسنة منصور «1» «إذا لم يقدر على حبسه فالله تعالى اولى بالعذر».

و في موثقة سماعة «2» «فليتوضأ و ليصل فإنما ذلك بلاء ابتلى به».

و نحو ذلك. و أيد ذلك بعضهم بأن الأدلة الدالة على شرطية الطهارة من الخبث في الصلاة غير متناولة لحال الضرورة فيبقى عموم الأوامر سالما عن معارضة ما يقتضي الاشتراط و التخصيص. و هو جيد.

و انما الخلاف في نجاسة الثوب فذهب جمع من الأصحاب: منهم- الشيخ و ابن البراج و ابن إدريس و العلامة في أكثر كتبه و غيرهم- و الظاهر انه المشهور كما في المدارك- الى عدم العفو و وجوب الصلاة عاريا إلا ان يضطر الى لبسه فيجوز للضرورة و يصير مناط العفو انما هو الضرورة. و انفرد الشيخ من بينهم بإيجاب إعادة الصلاة فيه‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 19 من نواقض الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب 7 من نواقض الوضوء.

 

349
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السادسة) الوظيفة عند تعذر إزالة النجاسة عن البدن و الثوب ؛ ج 5، ص : 349

حال الضرورة، و ذهب الفاضلان في المعتبر و المنتهى و الشهيدان و جماعة من المتأخرين الى ان العفو ثابت اضطر الى لبسه أم لم يضطر و ان المصلي مخير بين الصلاة فيه و الصلاة عاريا، و زاد الشهيدان و جماعة ان الصلاة فيه أفضل، و بهذا القول صرح ابن الجنيد من المتقدمين في كتابه المختصر فقال: و لو كان مع الرجل ثوب فيه نجاسة لا يقدر على غسلها كانت صلاته فيه أحب الي من صلاته عريانا. و أوجب مع ذلك إعادة الصلاة إذا وجد ثوبا طاهرا فقال في موضع آخر من الكتاب: و الذي ليس معه إلا ثوب واحد نجس يصلي فيه و يعيد في الوقت إذا وجد غيره و لو أعاد إذا خرج الوقت كان أحب الي. أقول: و الأصل في هذا الخلاف اختلاف الأخبار الواردة في المسألة كما ستقف عليه احتج الشيخ على ما ذهب اليه من عدم العفو و وجوب الصلاة عاريا مع عدم الضرورة بإجماع الفرقة ذكره في الخلاف، و بان النجاسة ممنوع من الصلاة فيها و من يجيزها فيها فعليه الدلالة،

و بما رواه سماعة «1» قال: «سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال يتيمم و يصلي عريانا قاعدا و يومئ».

هكذا في الكافي و التهذيب و في الاستبصار «و يصلي عريانا قائما و يومئ إيماء»‌

و ما رواه محمد بن علي الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «2»: «في رجل أصابته جنابة و هو بالفلاة و ليس عليه إلا ثوب واحد فأصاب ثوبه مني؟ قال يتيمم و يطرح ثوبه و يجلس مجتمعا و يصلي و يومئ إيماء».

و احتج على ما ذهب اليه من جواز الصلاة فيه بالنجاسة مع الضرورة و وجوب الإعادة حينئذ‌

بما رواه عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «3» «انه سئل عن رجل ليس معه إلا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله كيف يصنع؟

قال يتيمم و يصلي فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 46 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 46 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 45 من أبواب النجاسات.

350
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السادسة) الوظيفة عند تعذر إزالة النجاسة عن البدن و الثوب ؛ ج 5، ص : 349

و أنت خبير بان هذه الرواية و ان دلت على الإعادة إلا انها لا دلالة لها على الضرورة، إلا ان يكون الحمل على ذلك لأجل الجمع بينها و بين الروايتين المتقدمتين و هو خلاف الظاهر من مدعاه، و مع هذا فهي انما تدل على الإعادة في صورة التيمم دون الوضوء و المدعى أعم من ذلك.

و مما يدل على العفو مطلقا كما هو القول الآخر‌

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كله أ يصلي فيه أو يصلي عريانا؟ فقال ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصل عريانا».

و صحيحة محمد بن علي الحلبي برواية الصدوق «2» «انه سأل الصادق (عليه السلام) عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله؟ قال يصلي فيه».

و في الصحيح عن محمد الحلبي عنه (عليه السلام) «3» «انه سأل عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره؟ قال يصلي فيه فإذا وجد الماء غسله» قال في الفقيه بعد ذكر الخبر: و في خبر آخر «و أعاد الصلاة».

و في الصحيح عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره و لا يقدر على غسله؟ قال يصلي فيه».

قال في الفقيه بعد ذكر هذا الخبر ايضا: و في خبر آخر «يصلي فيه فإذا وجد الماء غسله و أعاد الصلاة».

أقول: ان كان مراد الصدوق بالرواية الدالة على الإعادة هي رواية عمار المتقدمة فقد عرفت ما فيها و اما غيرها فلم نقف عليه.

هذا ما وصل إلينا من اخبار المسألة المذكورة، و الشيخ قد جمع بينها بحمل هذه الاخبار الأخيرة على الضرورة من برد أو نحوه أو على صلاة الجنازة، و الثاني منهما بعيد لا ينبغي النظر اليه، اما الأول فقد عرفت انه استدل عليه بموثقة عمار و قد عرفت‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 45 من أبواب النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 45 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 45 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 45 من أبواب النجاسات.

351
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السادسة) الوظيفة عند تعذر إزالة النجاسة عن البدن و الثوب ؛ ج 5، ص : 349

ما فيه. نعم ربما يمكن الاستدلال له‌

برواية الحلبي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره؟ قال يصلي فيه إذا اضطر اليه».

إلا ان الخبر غير صريح و لا ظاهر في المدعى إذ يمكن حمل الاضطرار اليه على معنى عدم وجود غيره كما هو محل السؤال، و حاصل الجواب حينئذ انه يجوز له في الصورة المفروضة لمكان الضرورة بعدم وجود غيره، و حينئذ فلا يمكن تخصيص إطلاق تلك الاخبار به، و الآخرون قد جمعوا بين الأخبار بالتخيير، و بعضهم كما عرفت صرح بأفضلية الصلاة في الثوب النجس على الصلاة عاريا، و يؤيده- زيادة على صحة الاخبار الدالة على الجواز- انه مع الصلاة في الثوب لا يلزم إلا فوات شرط واحد و هو طهارة الساتر و مع الصلاة عاريا يلزم فقد شروط و هو الساتر و ترك القيام و الركوع و السجود لانه يصلي قاعدا بإيماء كما صرحت به روايتا الصلاة عريانا إلا على رواية الاستبصار لحديث سماعة حيث صرح فيه بالقيام فإنه يبقى الاشكال بترك الركوع و السجود، و بالجملة فرجحان هذا القول أظهر من ان يخفى.

و ظاهر السيد السند في المدارك النظر في الجمع بين الاخبار بالتخيير مستندا إلى انه فرع حصول التعارض و هو خلاف الواقع لان روايات الصلاة في الثوب متعددة صحيحة الاسناد و تلك بالعكس من ذلك، و هو جيد بناء على أصله المعتمد عليه عنده من العمل بهذا الاصطلاح الجديد، إلا ان جملة أصحاب هذا الاصطلاح لم يعملوا على ذلك لاعتضاد تلك الأخبار بالشهرة بين الأصحاب حتى ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع على ما دلت عليه، و يؤيده ظاهر كلام العلامة في المنتهى فان ظاهره الإجماع على جواز الصلاة عاريا حيث قال فيه: لو صلى عاريا لم يعد الصلاة قولا واحدا. و اقتصر البعض على التمسك بهذا الوجه في الخروج عن ظاهر هذه الاخبار قائلا انه لولاه لم يكن عن القول بتعين الصلاة في الثوب معدل و اعترضه في المعالم بعدم صحة شي‌ء من الاخبار الأولة‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 45 من النجاسات.

352
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 353

 

و عدم ثبوت الإجماع و ان ادعاه الشيخ و العلامة قال و احتجاج الشيخ بالمنع من الصلاة في النجاسة و طلبه للدلالة ممن يجيزها فيها واضح الجواب، فإن الأخبار التي ذكرناها صالحة للدلالة متنا و إسنادا فالمتجه العمل بما دلت عليه. انتهى.

أقول: و هو ظاهر الصدوق في الفقيه حيث اقتصر في الكتاب على نقل الروايات الدالة على الصلاة في الثوب و لم يتعرض لنقل شي‌ء من روايات الصلاة عاريا و هو بناء على قاعدته التي ينسبون بها المذاهب إليه في هذا الكتاب ظاهر في اختياره تعين الصلاة في الثوب كما جنح إليه في المعالم.

و كيف كان فان ملخص الكلام في المقام ان مقتضى العمل بهذا الاصطلاح الجديد هو ما ذكره في المعالم و قبله السيد في المدارك إلا ان ظاهره في المدارك التوقف و لم يجزم بذلك كما في عبارة المعالم حيث قال بعد رد تأويلات الشيخ بالبعد: و يمكن الجمع بينها بالتخيير بين الأمرين و أفضلية الصلاة في الثوب كما اختاره ابن الجنيد إلا ان ذلك موقوف على تكافؤ السند و هو خلاف الواقع، و كيف كان فلا ريب ان الصلاة في الثوب اولى. انتهى. و هو ظاهر في التوقف حيث لم يجزم بشي‌ء و انما جعل الصلاة في الثوب اولى، و مقتضى العمل بجملة الأخبار هو القول بالتخيير جمعا بينها دون ما ذكره الشيخ (قدس سره) و اما ما ذكره الشيخ من الإعادة و كذا ما ذكره ابن الجنيد ففيه ما تقدم في غير موضع من ان وجوب الأداء و القضاء مما لا يجتمعان بمقتضى الأصول الشرعية و القواعد المرعية كما تقدم تحقيقه في باب التيمم و الله العالم.

فروع

(الأول) [تعذر إزالة النجاسة عن الثوب و البدن معا]

- نقل في المعالم انه ذكر بعض أصحابنا المتأخرين ان لكل من البدن و الثوب بالنظر الى تعذر الإزالة حكما برأسه فإذا تعددت النجاسة فيهما و اختص التعذر بأحدهما وجبت الإزالة عن الآخر، قال و لو اختصت بأحدهما و كانت متفرقة‌

 

353
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) ؛ ج 5، ص : 354

و أمكن إزالة بعضها وجبت، و بتقدير اجتماعها فان كانت دما و أمكن تقليله بحيث ينقص عن مقدار الدرهم وجب ايضا و إلا ففي الوجوب نظر، ثم قال و هذا التفصيل حسن و لا بأس به. أقول: ظاهر هذا الكلام التفرقة في صورة اختصاص النجاسة بأحدهما بين المتفرقة التي يمكن ازالة بعضها فإنه تجب الإزالة و بين المجتمعة التي إذا كانت غير الدم و أمكن تقليلها و ازالة بعضها فإنه لا تجب بل هو محل نظر عنده، و لا اعرف لهذه التفرقة وجها.

(الثاني)

- قد عرفت ان الظاهر من الصدوق هو اختيار القول بالصلاة في الثوب إلا انه قد أشار كما عرفت في ذيل صحيحتي الحلبي و عبد الرحمن إلى رواية عمار الدالة على الإعادة، و منافاتها للأخبار المذكورة ظاهرة و الأصحاب قد حملوها على الاستحباب جمعا، و هو لم يتعرض للجواب عنها و لا الجمع بينها و بين تلك الأخبار، و ربما أشعر ذلك بقوله بمضمونها و تقييد إطلاق تلك الاخبار بها و الظاهر بعده، و ربما احتمل التوقف حيث اقتصر على نقل الجميع و لم يتعرض لوجه الجمع و لعله الأقرب، و قد وقع له أمثال ذلك في غير موضع: منها- خروج البلل المشتبه بعد الوضوء.

(الثالث) [كيفية الصلاة عاريا]

- انه على تقدير القول المشهور من وجوب الصلاة عاريا فهل يصلي جالسا مومئا برأسه للركوع و السجود مطلقا أو قائما مطلقا مومئا كذلك أو يفرق بين أمن المطلع و عدمه فيصلي على الأول قائما و على الثاني جالسا؟ أقوال أشهرها الثالث، و سيجي‌ء تحقيق المسألة المذكورة في محلها و نقل اخبارها ان شاء الله تعالى و بيان المختار منها.

(الرابع) [هل تجب الإعادة لو اضطر إلى الصلاة في الثوب النجس؟]

- لا خلاف في انه لو اضطر إلى الصلاة فيه لبرد و نحوه فان صلاته صحيحة و انما وقع الخلاف في وجوب الإعادة، و الظاهر ان مستنده موثقة عمار المذكورة و قد عرفت ما فيها من الاشتمال على التيمم أولا فيجوز ان تكون الإعادة مستندة الى ذلك كما تقدم في باب التيمم، و اما مع ظهور كون ذلك من حيث الصلاة في النجاسة فقد عرفت ما فيه من المخالفة لمقتضى الأصول الشرعية فيجب تأويلها البتة و الله العالم.

354
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السابعة) العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله ؛ ج 5، ص : 355

(المسألة السابعة) [العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله]

- قد ذهب جمع من الأصحاب: منهم- الشهيد في الذكرى و الدروس الى العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله إذا غسله في النهار مرة، و احتجوا لذلك بالحرج و المشقة مع‌

ما رواه الشيخ في الصحيح الى سعد ان بن مسلم عن عبد الرحيم القصير «1» قال: «كتبت الى ابي الحسن الأول (عليه السلام) اسأله عن خصي يبول فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل بعد البلل؟ فقال يتوضأ و ينضح ثوبه في النهار مرة واحدة».

و اعترضهم بعض المحققين من متأخري المتأخرين بان في طريقها ضعفا لجهالة سعدان و عبد الرحيم، و قال المحقق في المعتبر بعد نقل الخبر المذكور: و الراوي المذكور ضعيف فلا اعمل على روايته و ربما صير إليها دفعا للحرج. و ظاهر قوله «صير» بالبناء للمجهول وجود قائل بمضمونها إلا ان العلة في ذلك هو الحرج دون الخبر، و يحتمل ان يكون كناية عن ميله هو الى ذلك و تعليل الحكم بالحرج. و اعترض عليه بان الاستناد في الحكم الى الحرج يقتضي جعل المناط في العفو ما تندفع معه المشقة و الحرج ككثير من الأحكام التي يستندون فيها الى دفع الحرج دون الخصوصية المذكورة فإنها موقوفة على نهوض الرواية بها، مع ان الرواية إنما تضمنت الصب لا الغسل كما ذكروه فالفرق بينهما ظاهر. و العلامة في المنتهى قد اقتصر على العمل بمضمون الرواية من غير تعرض للغسل فقال بعد ذكرها: و في الطريق كلام لكن العمل بمضمونها اولى لما فيه من الرخصة عند المشقة. و استوجه في التذكرة بعد بيان ضعف الرواية وجوب تكرار الغسل فان تعسر عمل بمضمون الرواية دفعا للمشقة، و هو كما ترى. و الصدوق في الفقيه قد ذكر هذه الرواية مرسلة و ظاهره العمل بها.

أقول: و تحقيق الكلام في المقام ان يقال ان هذه الرواية لا تخلو من الإجمال فالاستناد إليها فيما ذكروه لا يخلو من الاشكال، و ذلك فإنه يحتمل ان يكون ذلك البلل بولا فأمره بالوضوء يعني غسل البول الذي‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من نواقض الوضوء.

355
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

البحث الثالث في ما تزال به النجاسات ؛ ج 5، ص : 356

 

يخرج معتدلا و النضح مرة واحدة في نهاره لأجل هذا البلل، و على هذا فيكون من قبيل المرأة المربية للمولود ذات الثوب الواحد، و حينئذ فيجب حمل الصب على الغسل و يجب تقييده بأنه ليس له إلا ثوب واحد. و الظاهر بعده فإنه على هذا التقدير يكون من قبيل صاحب السلس و حكمه شرعا كما تقدم في محله انه يضع ذكره في خريطة محشوة بالقطن و يصلي بعد التطهير من النجاسة. و يحتمل ان يكون هذا البلل غير معلوم كونه بولا بل يكون مظنونا أو موهوما فيكون النضح على ظاهر معناه الشرعي و نظيره في الأخبار غير عزيز، فان من جملة مواضع النضح كما سيأتي ان شاء الله ما شك في نجاسته.

و يحتمل انه أمر بالنضح و جعل الثوب رطبا ليمكن استناد البلل اليه و لا يتيقن كونه خارجا من الذكر و لا نجسا و يكون من قبيل الحيل الشرعية كما تقدم نظيره. و لا يخفى ان كلام الجماعة مبني على الاحتمال الأول و قد عرفت ما فيه، فالأظهر هو طرح هذه الرواية لاشتباهها و عدم ظهور المعنى المراد منها و الرجوع الى الأصول المقررة و القواعد المعتبرة في النجاسات و إزالتها. و الله العالم.

البحث الثالث في ما تزال به النجاسات

المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان المطهرات عشرة: الماء و الشمس و الأرض و النار و الاستحالة و الإسلام و استبراء الحيوان الجلال و نقص العصير و الانقلاب و الانتقال، فالكلام هنا يقع في مطلبين:

[المطلب] (الأول)- في تطهير الماء

و ازالة النجاسة به و كيفية الإزالة و ما يتعلق بذلك و يلحق به، و فيه مسائل:

[المسألة] (الأولى) [ما يعتبر من العدد في التطهير من نجاسة البول]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) وجوب المرتين في إزالة نجاسة البول عن الثوب و البدن في غير بول الرضيع بل ظاهر المحقق في المعتبر‌

 

356
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) ما يعتبر من العدد في التطهير من نجاسة البول ؛ ج 5، ص : 356

انه إجماع حيث قال بعد ذكر الحكم المذكور: و هذا مذهب علمائنا. إلا ان الشهيد في الذكرى بعد ان اختار التثنية عزى الى الشيخ في المبسوط عدم مراعاة العدد في غير الولوغ و هو ظاهر في المخالفة، و ما عزاه الى الشيخ قد جزم به في البيان فقال و لا يجب التعدد إلا في إناء الولوغ. و نقل في المعالم عن العلامة أنه اكتفى فيه بالمرة صريحا إذا كان جافا و انه يظهر من فحوى كلامه في جملة من كتبه الاكتفاء بها مطلقا حيث قال: ان الواجب هو الغسل المزيل للعين، قال و من البين ان زوال العين معتبر على كل حال و ان مسمى الغسل يصدق بالمرة. انتهى. و من ذلك يظهر ان الخلاف في المسألة و القول بإجزاء المرة مطلقا متحقق في كلام الأصحاب.

و الأظهر ما هو المشهور من اعتبار المرتين في إزالة نجاسة البول عن الثوب و البدن للأخبار الصحيحة الصريحة:

و منها-

ما رواه الشيخان في الكافي و التهذيب في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد؟

قال صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء. و سألته عن الثوب يصيبه البول؟ قال اغسله مرتين. و سألته عن الصبي يبول على الثوب؟ قال تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره».

و ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي يعفور «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البول يصيب الثوب؟ قال اغسله مرتين».

و عن محمد بن مسلم في الصحيح «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول؟ قال اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة».

قال الجوهري: المركن الإجانة التي يغسل فيها الثياب.

و في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «4» قال: «سألته

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من النجاسات.

357
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) ما يعتبر من العدد في التطهير من نجاسة البول ؛ ج 5، ص : 356

عن البول يصيب الثوب؟ قال اغسله مرتين».

و عن أبي إسحاق النحوي في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «1» قال:

«سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال صب عليه الماء مرتين».

و روى ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب الجامع لأحمد بن محمد بن ابي نصر «2» قال: «سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء. و سألته عن الثوب يصيبه البول قال اغسله مرتين».

و في الفقه الرضوي «3» «و ان أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين ثم أعصره».

و ما تضمنه جملة من هذه الاخبار من وجوب المرتين في البدن مما لم يظهر فيه خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) إلا من صاحبي المدارك و المعالم لمزيد تصلبهما في هذا الاصطلاح الجديد فردا روايتي الحسين بن ابي العلاء و ابي إسحاق النحوي بضعف السند و اكتفيا بالمرة في البدن لذلك. و فيه ان الاولى حسنة و الثانية صحيحة أو حسنة و يعضدهما رواية ابن ابي نصر المنقولة في السرائر و هي صحيحة لأنها منقولة من أصله المشهور بلا واسطة و بذلك يظهر ضعف ما ذهبا اليه.

و اما ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح «4» قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل يبول بالليل فيحسب ان البول اصابه فلا يستيقن فهل يجزيه ان يصب على ذكره إذا بال و لا يتنشف؟ قال يغسل ما استبان أنه اصابه و ينضح ما يشك فيه من جسده أو ثيابه. الحديث».

فغايته ان يكون مطلقا فيجب تقييده بما ذكرناه من الاخبار.

و اعتضد في المعالم فيما ذهب اليه من اجزاء المرة في البدن بأن العلامة في المنتهى قد اقتصر على الثوب في العبارة التي حكم فيها بوجوب المرتين و كذلك صنع في التحرير.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب النجاسات.

(3) ص 6.

 (4) رواه في الوسائل في الباب 37 من النجاسات.

358
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الأولى) ما يعتبر من العدد في التطهير من نجاسة البول ؛ ج 5، ص : 356

و فيه ان عدم تعرضه لحكم البدن بالكلية لا يدل على حكمه بعدم التعدد و القول بالمرة فيه بل هو أعم من ذلك. و اعتضد أيضا بأنه جزم في بحث الاستنجاء من المنتهى و النهاية بالاكتفاء فيه بالمرة إذا زالت العين و كذا في المختلف و حكى القول به عن ابي الصلاح و ابن إدريس و قال انه الظاهر من كلام ابن البراج و هو قول سلار ايضا. و فيه انه من الجائز بل الظاهر ان مسألة الاستنجاء لها حكم غير هذه المسألة كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى. و كيف كان فان المدار عندنا على النصوص و قد عرفت دلالتها على المدعى لا على القائل قل أو كثر فإنه محجوج مع المخالفة بما ذكرناه من النصوص ايضا.

و اما من ذهب الى الاكتفاء بالمرة مطلقا كما تقدم نقله عن المبسوط و البيان فلم نقف له على دليل في الاخبار و لا في كلام الأصحاب بل الدليل كما عرفت على خلافه مكشوف الحجاب، إلا ان العلامة في المنتهى قد احتج على ما ذهب اليه من الاكتفاء بالمرة مع الجفاف بوجهين: (أحدهما) ان المطلوب من الغسل انما هو ازالة العين و الجاف ليس له عين فيكتفى فيه بالمرة. و (الثاني) ان الماء غير مطهر عقلا لأنه إذا استعمل في المحل جاورته النجاسة فينجس و هكذا دائما و انما عرفت طهارته بالشرع بتسميته طهورا بالنص فإذا وجد استعمال الطهور مرة عمل عمله من الطهارة. و أنت خبير بما فيه من الوهن و الضعف الذي لا يحتاج الى تنبيه فان النصوص المتقدمة مطلقة شاملة بإطلاقها للبول بقسميه يابسا و رطبا و تخصيصها بمجرد هذه التعليلات مجازفة محضة، و ما ذكره من ان المطلوب من الغسل ازالة العين و الأثر دعوى لا دليل عليها في نص و لا خبر، إلا ان في الذكرى نقل ذلك رواية فقال اما البول فيجب تثنيته‌

لقول الصادق (عليه السلام) «في الثوب يصيبه البول اغسله مرتين: الأولى للإزالة و الثانية للإنقاء».

و قد تقدمه في ذلك المحقق في المعتبر و ذكر هذه الزيادة في رواية الحسين بن ابي العلاء فقال بعد قوله:

و عن الثوب يصيبه البول قال: «اغسله مرتين الأولى للإزالة و الثانية للإنقاء» و الظاهر انها من كلام صاحب المعتبر و تبعه من تبعه في ذلك ظنا انها من أصل الخبر، و هذه الزيادة‌

359
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 360

 

لا وجود لها في شي‌ء من كتب الاخبار و قد صرح بذلك أيضا في المعالم فقال: بعد نقل ذلك عن الذكرى و المعتبر: و لم أر لهذه الزيادة أثرا في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التصفح بقدر الوسع، و لو ثبتت لأمكن تقييد إطلاق تلك الاخبار بها فيخص ما دل على المرتين بما له عين لكن الكلام في ثبوتها.

تنبيهات

(الأول) [ما يعتبر من العدد في تطهير مخرج البول]

- إطلاق روايات الحسين بن ابي العلاء و ابي إسحاق النحوي و ابن ابي نصر المنقولة من السرائر شامل لمخرج البول فيجب فيه المرتان بمقتضى ذلك، إلا انهم قد اختلفوا أيضا في مسألة الاستنجاء و قد تقدم البحث فيها في محله، و قد بينا ان الظاهر من الاخبار المذكورة في تلك المسألة هو وجوب المرة خاصة كما هو اختيار جملة من الأصحاب، و ذكرنا وجه الجمع بين اخبار تلك المسألة على تقدير هذا القول الذي اخترناه و الاخبار المذكورة هنا، و ذلك لان اخبار تلك المسألة بناء على ما اخترناه مطلقة بالنسبة إلى الغسل و مقيدة بالنسبة إلى المغسول و اخبار هذه المسألة مطلقة بالنسبة إلى المغسول من كونه مخرج البول أو غيره من الجسد و مقيدة بالنسبة إلى الغسل بالمرتين، فوجه الجمع بينها اما بتخصيص عموم اخبار هذه المسألة باخبار الاستنجاء فيقال بوجوب المرتين في غير موضع الاستنجاء أو بتقييد اخبار الاستنجاء بهذه الاخبار فيقال بوجوب المرتين في الاستنجاء، لكن الظاهر ان الترجيح للأول لمنع شمول اخبار المرتين لموضع النزاع بل الظاهر منها انما هو ما عداه من سائر الجسد فان المتبادر من هذه الروايات انما هو عروض النجاسة من خارج و تطرقها الى الثوب أو الجسد.

و كلام الأصحاب في هذا الباب غير منقح في كون المسألتين من باب واحد أو متعددتين و كما اختلفوا هنا فقد اختلفوا هناك ايضا، و المحقق في المعتبر قد ادعى الإجماع في هذه المسألة على التعدد كما قدمنا ذكره و لم يدعه هناك و انما استدل برواية‌

 

360
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) هل يعتبر الفصل في الغسل في ما يعتبر فيه التعدد؟ ؛ ج 5، ص : 361

نشيط بن صالح الدالة على المثلين «1» مع ما في دلالتها من الإجمال في البين، و ايدها بما روى من ان البول إذا أصاب الجسد يصب عليه الماء مرتين، و لقد كانت هذه الروايات أصرح و أوضح و اولى في الاستدلال لو كانت هذه المسألة من قبيل ما اشتملت عليه دون ان تجعل مؤيدة و غيره لم يشر إليها بالكلية، و قد عرفت مما تقدم في كلام صاحب المعالم ان المسألتين عنده من باب واحد و انه يكتفي بالمرة فيهما. و فيه ما عرفت فإن الأظهر هو وجوب المرة في الاستنجاء و المرتين فيما عداه عملا بالظاهر من اخبار كل من المسألتين.

(الثاني) [هل يعتبر الفصل في الغسل في ما يعتبر فيه التعدد؟]

- الظاهر كما صرح به جماعة: منهم- الشهيد الثاني اعتبار الفصل بين المرتين ليتحقق العدد و صدق المرتين المأمور بهما في الاخبار، و اكتفى الشهيد في الذكرى باتصال الماء بقدر الغسلتين، قال في المدارك: و هو مشكل نعم لو كان الاتصال بقدر زمان الغسلتين و القطع أمكن الاكتفاء به فيما لا يعتبر تعدد العصر فيه لان اتصال الماء في زمان القطع لا يكون أضعف حكما من عدمه. و فيه ان صدق التعدد في الصورة المذكورة مشكل و الظاهر انه لا يصدق إلا مع القطع الحسي لا التقديري.

و قال في المعالم: ذكر جماعة من الأصحاب انه يكفي في المرتين التقدير فلو اتصل الصب على وجه لو انفصل لصدق التعدد حسا أجزأ، و وجهه البعض بدلالة فحوى الاكتفاء بالحسي عليه. و هو على إطلاقه مشكل لأن دلالة الفحوى موقوفة على العلم بعلة الحكم في المنطوق و كونها في المفهوم أقوى و ليست العلة هنا بواضحة. انتهى.

أقول: الظاهر ان الإشارة بالبعض المذكور في كلامه الى صاحب المدارك و ما نقلناه عنه هنا.

ثم قال في المعالم بعد كلام في البين: و الذي يقوى في نفسي اعتبار صدق المرتين عرفا مع التراخي لأن المقتضي للفرق بين التراخي و عدمه ملاحظة تحقق المرتين المأمور بهما‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 26 من أحكام الخلوة.

361
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) ما يعتبر من العدد في الغسل بالجاري و الراكد الكثير ؛ ج 5، ص : 362

و التراخي بمجرده غير كاف في صدقهما. انتهى. و هو يرجع الى ما قدمناه بعد نقل كلام صاحب المدارك من عدم صدق التعدد في الصورة المفروضة و انما يحصل بالقطع الحسي. نعم لو صحت الرواية التي ذكرها في الذكرى من تعليل المرتين بأن الأولى للإزالة و الثانية للإنقاء أمكن ما ذكره في المدارك و سقط ما أورده عليه في المعالم لوجود العلة في المنطوق و حينئذ فإن اكتفى بذلك مع القطع الحسي فمع حصول الغسل بقدر زمان القطع ان لم يكن اولى بالاكتفاء لا أقل ان يكون مساويا لكن الخبر كما عرفت آنفا غير ثابت و انما المعلوم كون ذلك تعبدا شرعا فيقين البراءة لا يحصل إلا به، و من ذلك علم ان في المسألة أقوالا ثلاثة.

و الشهيد (قدس سره) مع تصريحه هنا بالاكتفاء باتصال الماء بقدر الغسلتين صرح في الاستنجاء بأنه لا بد في حصول التعدد من الفصل حسا و بين الكلامين تناقض ظاهر، و قد تقدم الجواب عنه في مسألة الاستنجاء من البول فليلحظ.

(الثالث) [ما يعتبر من العدد في الغسل بالجاري و الراكد الكثير]

- قد صرحت صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة و كذا عبارة كتاب الفقه بالاكتفاء بالمرة في الغسل في الجاري، و بذلك صرح جملة من الأصحاب كالشهيدين و العلامة في التذكرة و النهاية و الشيخ علي و صاحب المدارك و أضافوا الى الجاري الراكد الكثير، و هو جيد. و يمكن ان يكون ذكر الجاري في الخبرين المذكورين انما هو من قبيل التمثيل لا من قبيل الحصر. و اما قوله‌

في كتاب الفقه «و من ماء راكد مرتين».

فينبغي حمله على الأقل من كر لينطبق على ظواهر الاخبار و كلام الأصحاب، و الصدوق في الفقيه قد عبر بعين عبارة كتاب الفقه. و قال في المنتهى في أحكام الأواني: الجسم النجس إذا وقع في الكثير من الراكد احتسب بوضعه في الماء و مرور الماء على اجزائه غسلة و ان خضخضه و حركه بحيث تمر عليه اجزاء غير الأجزاء التي كانت ملاقية له احتسب بذلك غسلة ثانية كما لو مرت عليه جريات من الجاري. و مقتضى هذا الكلام اعتبار التعدد في الجاري و الراكد الكثير، و نقل عن الشيخ نجيب الدين في الجامع‌

362
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) ما يعتبر في تطهير غير الثوب و البدن من البول و من غيره في غير الأواني ؛ ج 5، ص : 363

التعدد في الراكد دون الجاري، و صرح المحقق في المعتبر في مسألة الولوغ باعتبار التعدد في الكثير مطلقا إلا انه اكتفى في تحقق المرتين في الجاري بتعاقب الجريتين عليه، و إطلاق عبارته في الشرائع- حيث قال: و يغسل الثوب و البدن من البول مرتين- يقتضي اعتبار التعدد في قليل كان أو كثير راكد أو جار.

و الظاهر هو القول الأول للخبرين المذكورين و لا معارض لهما إلا إطلاق أخبار المرتين المتقدمة، و الظاهر تقييدها بالقليل كما هو الظاهر منها للتصريح بالصب في جملة منها و الغسل في المركن في بعض.

بقي الكلام في ان مورد صحيحة محمد بن مسلم و عبارة كتاب الفقه الدالتين على المرة في الجاري انما هو الثوب خاصة و ظاهر الأصحاب العموم للبدن ايضا فلو أراد إزالة نجاسة البول عنه في الجاري كفت المرة و كأنه لمفهوم الموافقة فإنه إذا ثبت ذلك في الثوب المتوقف على العصر لو كان الغسل في القليل ثبت في البدن بطريق اولى. و فيه ما فيه فتأمل.

(الرابع) [ما يعتبر في تطهير غير الثوب و البدن من البول و من غيره في غير الأواني]

- قد عرفت الخلاف في البول بالنسبة الى الثوب و البدن بقي الكلام بالنسبة إليه في غيرهما و غيره في غير الأواني، و قد اختلف الأصحاب في ذلك ففي الذخيرة عن ظاهر جمع من الأصحاب طرد الحكم بالمرتين من نجاسة البول في غير الثوب و البدن مما يشبههما فتعتبر الغسلتان في ما يمكن إخراج الغسالة منه بالعصر من الأجسام الشبيهة بالثوب و الصب مرتين فيما لا مسام له بحيث ينفذ فيه الماء كالخشب و الحجر، قال و لعلهم نظروا في هذه التعدية إلى المشابهة الصرفة أو مع ادعاء الأولوية في الفرع، و الأول قياس غير معتبر و إثبات الثاني مشكل، فاذن الاقتصار على مورد النص غير بعيد كما نقل التصريح به عن بعض الأصحاب. انتهى. أقول: قد ذهب الشهيد في اللمعة و الرسالة و المحقق الشيخ علي الى وجوب المرتين مطلقا من نجاسة البول و غيرها في الثوب و البدن و غيرهما عدا الأواني، و ذهب شيخنا الشهيد الثاني في الروضة إلى وجوب المرتين من نجاسة البول خاصة في الثوب و البدن و غيرهما و المرة الواحدة في غيره و النقل المذكور عن جمع من الأصحاب انما ينطبق على مذهب شيخنا الشهيد الثاني القائل بوجوب التثنية‌

363
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) ما يعتبر في تطهير غير الثوب و البدن من البول و من غيره في غير الأواني ؛ ج 5، ص : 363

من نجاسة البول مطلقا كائنة ما كانت، إلا ان ما ذكره من التقييد بما يشبههما لم أقف عليه في كلامه بل ظاهره القول بوجوب التثنية من نجاسة البول مطلقا، و ما ذكره في توجيه التعدية فالظاهر بعده بل الظاهر ان الوجه في ذلك انما هو احتمال خروج الثوب و البدن في الاخبار مخرج التمثيل بناء على انه الفرد الغالب في ملاقاة النجاسة فلا يقتضي قصر الحكم عليهما و ان خصوص السؤال عنهما لا يخصص. و قيل بوجوب المرة مطلقا و قد تقدم نقله عن الشيخ في المبسوط و به جزم في البيان، و اعتبر في المعتبر المرة بعد ازالة العين أخذا بالإطلاق، و أوجب العلامة في التحرير المرتين فيما له قوام و ثخن كالمني دون غيره، و قال في المنتهى النجاسات التي لها قوام و ثخن كالمني أولى بالتعدد في الغسلات.

أقول: و تحقيق القول في هذا المقام بما يصل اليه الفهم القاصر من اخبارهم (عليهم السلام) هو وجوب المرتين من نجاسة البول في الثوب و البدن كما تقدم للأخبار المتقدمة و وجوب المرة فيما عدا ذلك لإطلاق الأمر بالغسل إذ لا ذكر للتعدد إلا في البول في الموضعين المذكورين و الأواني على بعض الوجوه كما يأتي و نحن قد استثنيناها في صدر الكلام، إذ الأمر بالماهية يصدق بالمرة و الأصل يقتضي براءة الذمة من الزائد.

نعم يبقى الكلام فيما له قوام و ثخن كما ذكره العلامة فإن ظاهر‌

قوله (عليه السلام) في حسنة الحسين بن ابي العلاء: «صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء».

يدل بمفهومه على ان غير الماء أكثر عددا و يدل على انه أضعف حكما بالنظر الى الإزالة مما له قوام و ثخن، و يؤيده‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ذكر المني فشدده و جعله أشد من البول».

و هو ظاهر في ثبوت الأولوية في المني (لا يقال): ان مقتضى ما ذكرتم هو كون البول أضعف نجاسة من الدم إذ البول ماء كما ذكرتم و الدم له ثخن و قوام، مع ان الأمر بالعكس حيث انه قد عفي عن الدم في مواضع كما تقدم و البول لم يعف عن قليله و لا كثيره بل تجب إزالته كيف كان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

364
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) وجوب العصر في ما يرسب فيه الماء ؛ ج 5، ص : 365

 

(لأنا نقول) الأحكام الشرعية لا مسرح للعقل فيها بالكلية بل هي تابعة للنصوص الشرعية و إثبات القوة و الضعف موقوف على الدلالة الشرعية. و لا ريب ان مقتضى الخبرين المذكورين ان البول أضعف حكما بالنسبة إلى الإزالة مما له قوام و ثخن و ان كان بالنسبة إلى العفو أقوى إذ لا منافاة مع اختلاف الحيثية، و حينئذ فيتجه المصير الى ما ذكره العلامة من التعدد في ما له قوام و ثخن. إلا انه يمكن ان يقال ايضا ان ما ذكر في الخبرين المذكورين من الدلالة على أشدية نجاسة ما له ثخن و قوام لا يستلزم التعدد و انما غاية ما يلزم منه المبالغة في غسله و إزالته، إذ لا يخفى ان الظاهر من الأخبار الدالة على التطهير من النجاسات ان الغرض من الغسل انما هو إزالة النجاسة من المحل و انه بالإزالة منه و قلعها يطهر المحل و لو بدفعة مشتملة على ماء كثير يقلعها، و الأمر بالتعدد في بعض النجاسات و ان حصلت الإزالة قبل تمام العدد انما هو تعبد شرعي إذ لا يظهر له وجه سواه و حينئذ فمتى غسل المني دفعة بماء كثير يقلعه و يزيله وجب الحكم بالطهارة و لا يشترط فيه دفعة اخرى بعد زوال النجاسة لعدم الدليل على ذلك، و شدته و قوته زيادة على البول انما هو باعتبار احتياجه الى مزيد فرك و زيادة ماء على غيره مما لا قوام له و التعدد في البول كما عرفت انما هو تعبد كغيره فلا يستلزم ان يحمل عليه ما لم يرد فيه تعدد لان الغرض الإزالة و قد حصلت بما ذكرناه. نعم لو صح الخبر الذي ذكره في الذكرى من ان العلة في التعدد ان الاولى للإزالة و الثانية للإنقاء يعني الطهارة لربما أمكن الحكم بما ذكره من التعدد و لكن الشأن في ثبوته. و بالجملة فالظاهر ما عليه المشهور من المرة في غير البول في الثوب و البدن. و الله العالم.

(المسألة الثانية) [وجوب العصر في ما يرسب فيه الماء]

- المعروف من كلام الأصحاب من غير خلاف يعرف وجوب العصر في الثوب و نحوه مما يرسب فيه الماء فلو غسله و لم يعصره حتى جف بالهواء أو الشمس فهو باق على نجاسته كما صرح به جملة منهم.

إلا انهم اختلفوا هنا في موضعين‌

[الموضع] (الأول) في مدرك وجوب العصر

حيث لم‌

 

365
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) في مدرك وجوب العصر ؛ ج 5، ص : 365

يقفوا على دليل يدل عليه من الاخبار كما ذكره بعض الأصحاب. فبين من علل ذلك بأنه لا يتيقن خروج النجاسة إلا به و بين من علله بأنه مأخوذ في حقيقة الغسل و بين من علله بأن الغسالة نجسة فيجب إخراجها. و احتج المحقق في المعتبر بأن النجاسة ترسخ في الثوب فلا تزول إلا بالعصر، و بان الغسل انما يتحقق في الثوب و نحوه بالعصر و بدونه يكون صبا لا غسلا. و استدل عليه في التذكرة و النهاية يكون الغسالة نجسة فلا تحصل الطهارة مع بقائها. و جمع في المنتهى بين ما ذكره المحقق و ما ذكره هو في الكتابين المذكورين. و علله الشهيد في الذكرى بوجوب إخراج النجاسة و تبعه جمع من المتأخرين، و ربما أضاف إليه بعضهم الوجه المذكور في التذكرة و النهاية.

و كيف كان فلا يخفى ما في بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التعليلات العليلة من المجازفة سيما مع ما هي عليه من تطرق الإيراد و عدم الاطراد: (اما الأول) فإنه أخص من المدعى لاختصاصه بصورة العلم بتوقف خروج النجاسة عليه و المدعى أعم من ذلك. و (اما الثاني) فلتطرق المنع إليه لغة و عرفا إذ الظاهر ان الغسل لغة و عرفا انما هو عبارة عما يحصل به الجريان و التقاطر في ثوب كان أو بدن أو غيرهما، و يقابله الصب الذي هو عبارة عن وصول الماء خاصة من غير جريان و لا انفصال و يسمى بالرش ايضا كما وقع التعبير بهما معا في ملاقاة الكلب بيبوسة، و مقتضى هذا الوجه وجوب العصر سواء قلنا بنجاسة الغسالة أو طهارتها و ان القدر المعتبر منه ما يصدق معه مسمى الغسل في العرف حتى لو بقيت فيه اجزاء يمكن إخراجها بغير مشقة لم تضر إذا كان مفهوم الغسل قد تحقق بدون خروجها. و (اما الثالث) فلتطرق المنع إلى نجاسة الغسالة، و مع تسليم ذلك فنمنع انحصار طريق الإزالة في العصر فإنه يحصل بالجفاف ايضا، على ان العصر لا يشترط فيه إخراج جميع الرطوبة التي في الثوب، و قد اعترف الأصحاب بطهارة المتخلف بعد العصر و ان أمكن إخراجه بعصر أشد من الأول.

و التحقيق عندي في المقام و ان لم يهتد إليه أولئك الاعلام ان أكثر الأخبار‌

366
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الموضع الثاني) هل يتعدد العصر فيما يتعدد غسله؟ ؛ ج 5، ص : 367

المتقدمة و ان خلا من ذكر العصر إلا ان كلامه (عليه السلام) في الفقه الرضوي «1» قد اشتمل عليه و به يخص إطلاق تلك الاخبار، و به يظهر ان العلة انما هو النص دون ما ذكروه من هذه التخريجات، و الظاهر ان من ذكر العصر من المتقدمين و لا سيما الصدوقين الذين عبارتهما عين عبارة الكتاب في هذا المقام كما بيناه في شرحنا على كتاب الفقيه انما اعتمدوا على هذا الكتاب و المتأخرون قد أخذوا الحكم بذلك من كلام المتقدمين و لما خفي عليهم الدليل رجعوا الى هذه التعليلات العليلة فكل منهم علله بما ادى اليه نظره في المقام و بذلك يزول الإشكال في هذا المجال، و قد تقدم نظير ذلك في غير مقام و يأتي مثله و أمثاله من الأحكام الجارية على هذا المنوال.

(الموضع الثاني) [هل يتعدد العصر فيما يتعدد غسله؟]

- انهم اختلفوا في تعدد العصر و عدمه فأوجب المحقق في المعتبر العصر مرتين فيما يجب غسله كذلك، و اكتفى بعضهم بعصر بين الغسلتين و به صرح الشهيد في اللمعة، و صرح الصدوق في الفقيه و كذا أبوه في الرسالة على ما نقله في المعالم بالعصر بعد المرتين و هو المذكور في الفقه الرضوي كما عرفت من عبارته المتقدمة و الصدوقان انما أخذاه منها كما أشرنا إليه من ان عبارتيهما هنا عين عبارة كتاب الفقه بتغيير يسير، و متأخرو المتأخرين بناء على خفاء النص عليهم في المسألة قد أطالوا في تفريع هذا الخلاف على الخلاف المتقدم في الموضع الأول و تطبيقه عليه، قال في المدارك بعد نقل هذه الأقوال الثلاثة: و يمكن بناء الأقوال الثلاثة على الوجه المقتضى لاعتبار العصر فان قلنا انه دخوله في مسمى الغسل و عدم تحققه بدونه كما ذكره المصنف في المعتبر وجب تعدده بتعدد الغسل قطعا، و ان قلنا انه زوال أجزاء النجاسة الراسخة في الثوب به اتجه اعتباره في الغسل الأول خاصة إذا حصلت به الإزالة، و ان قلنا انه نجاسة الماء بملاقاة الثوب كما ذكره في المنتهى اتجه الاكتفاء بعصر بعد الغسلتين لحصول الغرض منه و انتفاء الفائدة في فعله قبل الغسلة الثانية لبقاء النجاسة مع العصر و بدونه. و لا ريب‌

______________________________
(1) ص 6.

367
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فوائد: ؛ ج 5، ص : 368

ان ما ذهب اليه المصنف من التعدد أحوط و ان كان الاكتفاء بالعصر الواحد بعد الغسلتين أقوى. انتهى. و ما اختاره أخيرا من قوة الاكتفاء بالعصر الواحد بعد الغسلتين جيد لا لما ذكره بل لما ذكرناه من النص، و ما ذكره ايضا من الاحوطية لا بأس به و ان كان للنظر فيه مجال.

فوائد:

(الأولى) [هل يغني الجفاف عن العصر؟]

- قال في التذكرة: لو جف الثوب من غير عصر ففي الطهارة إشكال ينشأ من زوال النجاسة بالجفاف و العدم لأنا نظن انفصال أجزاء النجاسة في صحبة الماء بالعصر لا بالجفاف. و قال الشهيد في البيان: لو أخل بالعصر في موضعه فالأقرب عدم الطهارة لأنا نتخيل خروج أجزاء النجاسة به. و في الذكرى الأولى الشرطية يعني في العصر لظن انفصال النجاسة مع الماء بخلاف الجفاف المجرد. و قال في المعالم بعد نقل ذلك عنهم: و أنت إذا أحطت خبرا بما قلناه في المسألة يتضح لك الحال في هذا الفرع لان العصر ان أخذ قيدا في ماهية الغسل أو توقف عليه خروج النجاسة لم يغن عنه الجفاف و ان اعتبر لإخراج الغسالة فلا ريب في كون الجفاف مخرجا لها و ما ذكراه من الظن و التخيل ليس بشي‌ء كيف و هذا الظن في أكثر الصور لا يأتي و النخيل في الأحكام الشرعية لا يجدي. انتهى.

أقول: لا يخفى ان الظاهر ان هذا الإشكال الذي ذكره في التذكرة و نحوه ما ذكره في البيان و الذكرى انما نشأ من التردد في الدليل على وجوب العصر و تردده بين الوجوه المتقدمة، و إيراده في المعالم عليهم انما يتم مع اختيار دليل بخصوصه و كلامهم ليس مبنيا عليه فلا وجه لا يراد ما أورده. و كيف كان فقد ظهر لك مما أوضحناه سابقا سقوط هذا البحث من أصله فلا وجه للتفريع عليه لان النص قد دل على وجوب العصر فلا تحصل الطهارة إلا به.

(الثانية) [هل يختص العصر بالتطهير بالقليل]

- قال في المدارك في شرح قول المصنف: و يعصر الثوب من النجاسات كلها: «إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في اعتبار العصر مرتين بين القليل‌

368
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالثة) هل يعتبر الدلك في تطهير الأجسام الصلبة؟ ؛ ج 5، ص : 369

و الكثير و ربما كان الوجه فيه ما ادعاه المصنف (قدس سره) من عدم تحقق الغسل بدونه و هو ضعيف جدا. و جزم العلامة في التذكرة و النهاية و من تأخر عنه باختصاص الحكم بالقليل و سقوطه في الكثير و وجهه معلوم مما قررناه» انتهى.

أقول: لا ريب ان الحكم بالعصر مرتين في الكثير يترتب على أمرين:

(أحدهما) وجوب تعدد الغسل في الكثير ليكون العصر بعد كل غسلة و (ثانيهما) كون العلة في العصر هو انه مأخوذ في معنى الغسل، و كل من الأصلين المذكورين لهذا الفرع قد صرح بهما المحقق المذكور، و حينئذ فالحكم بالضعف في هذا الحكم يرجع الى ضعف ما بنى عليه من الحكمين المذكورين. و كيف كان فالحق ما ذكره من اختصاص العصر بالقليل لا لما أشار إليه بقوله: «و وجهه معلوم مما قررناه» بل لما دل عليه كلامه (عليه السلام) في الفقه الرضوي «1» من انه ان غسل في ماء جار كفت المرة من غير عصر و ان غسل في ماء راكد فمرتان بعدهما عصر واحد. و قد أشرنا سابقا الى ان مراده (عليه السلام) بالراكد ما كان أقل من الكر.

(الثالثة) [هل يعتبر الدلك في تطهير الأجسام الصلبة؟]

- اعتبر العلامة في النهاية و التحرير في طهارة الجسد و نحوه من الأجسام الصلبة دلكه، لما فيه من الاستظهار في إزالة النجاسة،

و لقوله (عليه السلام) في رواية عمار «2» و قد سأله عن القدح الذي يشرب فيه الخمر: «لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات».

و لا يخفى ما فيه من تطرق القدح فان الاستظهار مع تسليمه انما يصلح دليلا للاستحباب لا للوجوب، و قياس البول على الخمر في القدح قياس مع الفارق فإنه يمكن ان يكون الأمر بالدلك في الخبر المذكور لخصوصية النجاسة المذكورة كما اختصت بالثلاث أو لخصوصية المحل أو لهما معا، إذ لا يخفى ان القدح الذي من الخشب مظنة لعلوق بعض اجزاء الخمر به فتحتاج طهارته إلى الزيادة على مجرد الصب و ربما كان الخمر أشد لصوقا بمحله من البول كما هو ظاهر، فمن المحتمل قريبا- بل هو الظاهر- ان‌

______________________________
(1) ص 6.

(2) رواه في الوسائل في الباب 51 من أبواب النجاسات.

369
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابعة) هل يعتبر الدق و التغميز في ما يتعذر فيه العصر؟ ؛ ج 5، ص : 370

الأمر بالدلك لعدم العلم بزوال العين بدونه، و بذلك يظهر ضعف الإلحاق بالخمر في القدح و القياس عليه، هذا مع ان الرواية المذكورة معارضة بما رواه هذا الراوي أيضا عن الصادق (عليه السلام) من الاكتفاء في غسل الإناء من الخمر بالمرة الخالية من الدلك «1» كما سيأتي ذكر ذلك في محله ان شاء الله تعالى. و يظهر من المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى الميل الى الاستحباب. و كلام جماعة من الأصحاب خال من التعرض لذلك بالكلية.

و كيف كان فلو توقفت الإزالة على الدلك وجب قطعا.

(الرابعة) [هل يعتبر الدق و التغميز في ما يتعذر فيه العصر؟]

- قد نص جملة من الأصحاب القائلين بوجوب العصر على ان ما يتعذر فيه العصر يكتفى فيه بالدق و التغميز، و في بعض عبارات العلامة التقليب و الدق قال في المنتهى: و لو كان المتنجس بساطا أو فراشا يعسر عصره غسل ما ظهر في وجهه، و ان سرت النجاسة في اجزائه غسل الجميع و اكتفى بالتقليب و الدق عن العصر للضرورة.

و ظاهره ان العلة فيما ذكره من التقليب و الدق هو ضرورة عدم إمكان العصر فجعل ذلك قائما مقامه للضرورة. و وقع في كلام جماعة من المتأخرين تبعا للشهيد في الذكرى تعليل ذلك بالرواية.

و الذي وقفت عليه مما يتعلق بهذا المقام روايات ثلاث:

إحداها-

ما رواه المشايخ الثلاثة في الصحيح عن إبراهيم بن ابي محمود «2» قال:

«قلت للرضا (عليه السلام) الطنفسة و الفراش يصيبهما البول كيف يصنع بهما و هو

______________________________
(1) ليس في كتب الحديث خبر لعمار يدل على كفاية المرة في غسل الإناء من الخمر و يمكن ان يكون نظره الى موثقة الوارد في كيفية غسل الإناء و انه يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه هكذا ثلاث مرات، و لم يتعرض في مقام البيان للدلك، فيكون مراده بالاكتفاء بالمرة الخالية من الدلك الاكتفاء بالغسلة الخالية من الدلك في كل من الغسلات الثلاث و قد رواه في الوسائل في الباب 53 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب النجاسات.

370
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابعة) هل يعتبر الدق و التغميز في ما يتعذر فيه العصر؟ ؛ ج 5، ص : 370

ثخين كثير الحشو؟ قال يغسل ما ظهر منه في وجهه».

و الثانية-

ما رواه في الكافي عن إبراهيم بن عبد الحميد في الصحيح أو الموثق «1» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول فينفذ الى الجانب الآخر و عن الفرو و ما فيه من الحشو؟ قال اغسل ما أصاب منه و مس الجانب الآخر فان أصبت مس شي‌ء منه فاغسله و إلا فانضحه بالماء».

و الثالثة-

ما رواه الحميري في قرب الاسناد عن علي بن جعفر و رواه علي بن جعفر أيضا في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل؟ قال يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي اصابه البول حتى يخرج من جانب الفراش الآخر».

و هذه الروايات- كما ترى- لا تعرض في شي‌ء منها لما ذكروه من الدق و التغميز و التقليب، و غاية ما تدل عليه الاولى هو غسل ما ظهر في وجهه من غير تعرض لما بطن منه، و غاية ما تدل عليه الثانية هو غسل الجانبين مع نفوذ النجاسة، إلا ان الظاهر ان المراد هو غسل الجانبين و ما بينهما في الباطن من الحشو كما تدل عليه رواية علي بن جعفر (عليه السلام) و كيف كان فغاية ما تدل عليه الأخبار المذكورة هو غسل الجميع و لا تعرض فيها لذكر الدق و لا غيره مما ذكروه بل ظاهرها هو صب الماء عليه بحيث ينفذ منه و يجري مع تعدي النجاسة إلى الطرف الآخر و العلم بوصولها الى الباطن، و إلا فإنه يكتفى بمجرد الرش على الطرف الآخر إذا لم يصب فيه النجاسة التي وقعت في ذلك الطرف. و لا يخفى ما في هذه الاخبار من الدلالة على السعة في تطهير النجاسات و ظهورها في طهارة الغسالة، و بذلك يظهر ان نسبة الشهيد (قدس سره) و من تبعه المستند في هذا الحكم إلى الرواية ليس في محله، و لعل السبب في نسبة الشهيد ذلك الى الرواية هو ما ذكره في المنتهى حيث انه بعد ذكر خبر إبراهيم بن ابي محمود أولا قال انه محمول على‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 5 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 5 من النجاسات.

371
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) في الأشياء التي لا تنفصل عنها الغسالة ؛ ج 5، ص : 372

 

ما إذا لم تسر النجاسة في اجزائه و اما مع سريانها فيغسل جميعه و يكتفى بالتقليب و الدق عن العصر. و جعل الخبر الثاني شاهدا على هذا التفصيل، هذا حاصل كلامه في المقام، فكأن الشهيد من هذا الكلام أخذ الاحتجاج بالرواية و إلا فليس في المسألة رواية غير ما ذكرناه. و الله العالم.

(المسألة الثالثة) [في الأشياء التي لا تنفصل عنها الغسالة]

- اعلم ان ههنا أشياء لا تنفصل عنها الغسالة بنفسها و لا بالعصر و لا الدق و لا الغمز الذي أوجبوه و قد وقع الخلاف و الاشكال في تطهيرها، و ذلك مثل الصابون و الفواكه و الخبز و الحبوب و ما جرى هذا المجرى و مثل الصابون أيضا إذا انتقع في الماء النجس و السمسم و الحنطة إذا انتقعا ايضا فيه و مثل المائع من الدهن المتنجس و نحوه و مثل التراب، و ظاهر كلام جملة من الأصحاب اختصاص الطهارة على القول بها بالكثير فلا تقع بالقليل من حيث عدم خروج ماء الغسالة عن المحل و انفصاله عنه فلا تحصل الطهارة إلا بالكثير و نحوه.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات‌

[المقام] (الأول) في الصابون و الفواكه و ما الحق بهما

، نقل في المدارك عن جمع من الأصحاب ان ما لا تنفصل عنه الغسالة كالصابون و الورق و الفواكه و الخبز و الحبوب و ما جرى هذا المجرى لا يطهر بالغسل في القليل بل تتوقف طهارته على غسله في الكثير، ثم قال: و هو مشكل (أما أولا) فللحرج و الضرر اللازم من ذلك. و (اما ثانيا) فلان ما يتخلف في هذه المذكورات من الماء ربما كان أقل من المتخلف في الحشايا بعد الدق و التغميز و قد حكموا بطهارتها بذلك.

و (اما ثالثا) فلعدم تأثير مثل ذلك في المنع مع إطلاق الأمر بالغسل المتحقق بالقليل و الكثير. انتهى. و هو جيد، و يؤيده ما قدمنا من الروايات الدالة على حكم الفرش و الحشايا فإنها بإطلاقها إنما دلت على الغسل الذي هو كما حققناه سابقا عبارة عن كثرة الماء بحيث يجري و ينفصل عن محل النجاسة.

و اما ما أورده في الذخيرة على الوجه الثالث- حيث قال بعد نقل كلامه:

 

372
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ما انتقع في الماء النجس ؛ ج 5، ص : 373

و في الأخير نظر لانه ليس في الأدلة فيما اعلم ما دل على الأمر بالغسل في كل مادة بحيث يشمل مورد النزاع لاختصاصها بالبدن و الثوب و بعض الموارد الخاصة فتعدية الحكم الى غيرها يحتاج الى دليل. انتهى- ففيه ان اللازم مما ذكره أحد أمرين و هو اما بقاء تلك الأشياء على النجاسة و عدم قول التطهير أو طهارتها من غير ماء، و بطلان الأمرين أظهر من ان يخفى على ذي روية. و التحقيق ان الطهارة بالغسل لا خصوصية لها بهذه الجزئيات التي وردت بها النصوص حتى يحتاج فيها الى طلب الدليل و يقال انه لا بد في طهارة كل جزئي من الأشياء المتنجسة من نص عليه بخصوصه فإنه مجرد سفسطة ظاهرة بل التحقيق ان تلك الجزئيات الواردة في النصوص انما خرجت مخرج التمثيل لا على جهة الاختصاص و حينئذ فيصير الحكم كليا، و هذا البحث لا يختص بهذا الموضع بل هو جار في جميع الأحكام الشرعية من طهارة و نجاسة و صحة العبادة و بطلانها بالمبطلات و نحو ذلك و لا قائل به البتة. و لا يخفى على المتأمل في الأحكام و المتدبر في القواعد المقررة بين علمائنا الاعلام إن الأحكام الشرعية لم ترد عنهم (عليهم السلام) بقواعد كلية إلا نادرا و انما صارت قواعد كلية بينهم بتتبع الجزئيات الواردة عنهم كالقواعد النحوية المبنية على تتبع كلام العرب كما لا يخفى.

(المقام الثاني)- في ما انتقع في الماء النجس

، قال العلامة في المنتهى: الصابون إذا انتقع في الماء النجس و السمسم و الحنطة إذا انتقعا كان حكمها حكم العجين، ثم نقل عن بعض العامة انه قال: الحنطة و السمسم إذا تنجسا بالماء و اللحم إذا كان مرقه نجسا يطهر بان يغسل ثلاثا و يترك حتى يجف في كل مرة فيكون ذلك كالعصر، ثم قال و هو الأقوى عندي لأنه قد ثبت ذلك في اللحم مع سريان اجزاء الماء النجسة فيه فكذا ما ذكرناه. انتهى. و الظاهر من قوله: كان حكمها حكم العجين يعني في عدم قبول التطهير بالماء فان ذلك مذهبه في العجين كما هو المشهور.

بقي الكلام في تقويته لما نقله عن بعض العامة من الغسل ثلاثا و التجفيف بعد كل‌

373
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - في ما انتقع في الماء النجس ؛ ج 5، ص : 373

غسلة لقيامه مقام العصر، فإنه محل اشكال حيث انه لم يعهد ذلك من مذهبه في كل من الموضعين، و تأول كلامه بعض محققي متأخري المتأخرين بأنه ليس مراده إلا إثبات القبول للتطهير و اما اعتبار التعدد و الجفاف فغير منظور اليه. و أيده بتعليل الحكم بحال اللحم مع ان الحكم فيه كما ذكره هو و غيره انما هو طهارته بالغسل إذا وقع في مرقه ما يقتضي تنجيسه فلو أراد تقوية ما زاد على الغسل لم يكن التعليل وافيا بإثبات المدعى، و أيده أيضا بأنه اقتصر في النهاية على الحكم بقبولها التطهير فقال بعد ان حكم بعدم طهارة الصابون و العجين بالغسل: اما السمسم و الحنطة إذا انتقعا في النجس فالأقوى قبولهما للطهارة و كذا اللحم إذا تنجست مرقته. أقول: ما ذكره (قدس سره) من التأويل و ان كان لا يخلو من قوة إلا انه لا يخفى على من له انس باختلاف أقوال العلامة في المسألة الواحدة في كتبه بل في كتاب واحد انه لا يبعد حمل كلامه هنا على ظاهره.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان الذي دل على حكم اللحم المذكور هنا روايتان إحداهما‌

رواية السكوني عن الصادق (عليه السلام) «1» «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن قدر طبخت فإذا في القدر فأرة؟ قال يهراق مرقها و يغسل اللحم و يؤكل».

و الأخرى‌

رواية زكريا بن آدم «2» قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير و مرق كثير؟ قال يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة أو الكلاب و اللحم اغسله و كله».

و ظاهر الأصحاب من غير خلاف يعرف القول بمضمونهما و عندي في ذلك على إطلاقه إشكال و ذلك فإنه ان كانت النجاسة قد رفعت بعد وقوعها بحيث لم تسر النجاسة إلا الى المرق و ظاهر اللحم فلا اشكال و ان كانت قد بقيت في القدر مدة بحيث على بها القدر و سرت نجاسة المرق الى باطن اللحم كما هو ظاهر عبارة العلامة المتقدمة فكيف يطهر بمجرد غسل ظاهره و النجاسة قد سرت إلى‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 5 من الماء المضاف و 44 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 38 من النجاسات و 26 من الأشربة المحرمة.

374
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

حكم العجين الذي عجن بالماء النجس ؛ ج 5، ص : 375

باطنه كما هو المفروض؟ نعم لو علم وصول الماء المطهر الى الباطن و كان في ماء كثير فالقول بالطهارة متجه، و لا فرق حينئذ بين اللحم و لا غيره مما انتقع في ماء نجس و سرت النجاسة إلى باطنه. و الى ما ذكرنا يشير كلام الشهيد في الذكرى حيث قال: و الظاهر طهارة الحنطة و اللحم و شبهه مما طبخ بالماء النجس بالكثير إذا علم التخلل. و بذلك يظهر لك ما في كلام العلامة الأخير الدال على التطهير مطلقا.

[حكم العجين الذي عجن بالماء النجس]

و اما العجين الذي عجن بالماء النجس فظاهر كلامه الأول عدم قبوله التطهير و مثله كلامه في النهاية، و ذلك لانه قد عجن بالماء النجس و قد سرت النجاسة الى جميع اجزائه فطهره لا يكون إلا باستيلاء الماء الطاهر عليه و وصوله الى كل جزء و الظاهر انه لا يحصل ذلك إلا بذهاب عين العجين، الا انه في التذكرة قد صرح بقبوله التطهير فقال: العجين النجس إذا مزج بالماء الكثير حتى صار رقيقا و تخلل الماء جميع اجزائه طهر. و ظاهر الذكرى اختيار ذلك و استحسنه أيضا في المعالم، و هو جيد ان علم استيعاب المطهر لجميع الاجزاء إلا ان في العلم بذلك اشكالا و مجرد صيرورته رقيقا لا يدل على ذلك و كيف كان فطهره بصيرورته رقيقا كما ذكروه لا يتم إلا في الجاري أو الكثير كما لا يخفى. و قال في الذكرى:

و في صحاح ابن ابي عمير المرسلة عن الصادق (عليه السلام) «طهره بالخبز و البيع و الدفن» «1».

و هي مشعرة بسد باب طهارته بالماء إلا ان يقيد بالمعهود من القليل. و اعترضه في المعالم فقال: و لا ارى لهذا الكلام وجها فان ما دل من الاخبار على طهره بالنار خال من الاشعار قطعا، و ما دل على بيعه أو دفنه فالسر فيه توقف تطهيره بالماء على الممازجة و النفوذ في اجزائه بحيث يستوعب كل ما اصابه الماء النجس، إذ المفروض في الاخبار عجنه بماء نجس و في ذلك من المشقة و العسر ما لا يخفى‌

______________________________
(1) اما ما تضمن الطهر بالخبز فقد رواه في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق برقم 18 و اما روايتا البيع و الدفن فهما مرسلتاه المرويتان في الوسائل في الباب 11 من الأسآر.

375
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في المائع من مثل الدهن و نحوه ؛ ج 5، ص : 376

فلذا وقع العدول عنه الى الوجهين المذكورين. انتهى. أقول: لا يخفى ان مراد شيخنا الشهيد (قدس سره) بما ذكره انما هو انه لما كان العجين المذكور من المأكولات المتعارفة و حيث عجن بالماء النجس لم يرد عنهم (عليهم السلام) ما يدل على قبوله التطهير بالماء و انما ورد ما يدل على قبوله التطهير بالخبز و ورد ما يشعر بعدم قبوله التطهير مطلقا من بيعه على مستحل الميتة أو دفنه، و لا ريب في اشعار الجميع بعدم قبوله التطهير بالماء كما ذكره شيخنا المشار اليه، و لو كان ثمة صورة يمكن فيها تطهيره بالماء من ترقيقه كما ذكروه لم يكن للإضراب عنها مع الحاجة إليه الى هذه الصورة المذكورة في الاخبار وجه و هو كلام جيد كما لا يخفى. و التحقيق ان الخبر الوارد بالخبز لا دلالة فيه على النجاسة كما لا يخفى فايراده ليس في محله و الخبران الباقيان ظاهران في الاشعار بما ذكرناه، و اما ما ذكره من السر في العدول الى بيعه و دفنه و هو المشقة في تطهيره فهو ممنوع و أي مشقة تلزم من ذلك حتى توجب رفع اليد عنه بالكلية؟ فإن وضعه في الكثير جاريا أو راكدا على وجه يصير به رقيقا كما يدعونه أمر سهل لا مشقة فيه توجب رفع اليد عنه و إلا لاستلزم حصول المشقة و رفع اليد عن كل ما توقف تطهيره على الكثير و لا أراه يقول به. و بالجملة فكلام شيخنا المذكور عندي جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه و من تأمل فيما ذكرناه من التوجيه.

(المقام الثالث)- في المائع من مثل الدهن و نحوه

فقال جماعة ان غير الماء من المائعات مطلقا لا يقبل التطهير ما دام باقيا على حقيقته، و ظاهر كلام العلامة في التذكرة قبولها الطهارة حيث قال: انما يطهر بالغسل ما يمكن نزع الماء المغسول به عنه دون ما لا يمكن كالمائعات و الكاغذ و الطين و ان أمكن إيصال الماء إلى أجزائها بالضرب ما لم تطرح في كر فما زاد أو في جار بحيث يسري الى جميع اجزائها قبل إخراجها منه، فلو طرح الدهن في ماء كثير و حركه حتى تخلل جميع الماء اجزاء الدهن بأسرها طهر.

و قال في المنتهى: الدهن النجس لا يطهر بالغسل نعم لو صب في كر ماء و مازجت‌

376
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - في المائع من مثل الدهن و نحوه ؛ ج 5، ص : 376

اجزاء الماء اجزاءه و استظهر على ذلك بالتصويل بحيث يعلم وصول الماء الى جميع اجزائه طهر قال في المدارك بعد نقل ذلك: قلت لا ريب في الطهارة بعد العلم بوصول الماء الى كل جزء من اجزاء المائع إلا ان ذلك لا يكاد يتحقق في الدهن لشدة اتصال اجزائه و لا في غيره من المائعات إلا مع خروجه عن تلك الحقيقة و صيرورته ماء مطلقا. انتهى. و هو جيد.

و قال الشهيد في الذكرى: و لا تطهر المائعات و القرطاس و الطين و لو ضربت بالماء إلا في الكثير، و في طهارة الدهن في الكثير وجه اختاره الفاضل في تذكرته. انتهى و ظاهره الموافقة للتذكرة فيما ذكره من المائعات غير الدهن و الكاغد و الطين و توقفه في الدهن، و لا وجه لاقتصاره في نسبة الحكم بذلك إلى التذكرة خاصة بل هو اختياره أيضا في المنتهى كما عرفت و كذا في النهاية حيث قال: لو صب الدهن النجس في كر فما زاد و مازجت أجزاؤه اجزاء الماء بالتصويل فالأقرب الطهارة.

و ربما توهم بعض الأصحاب من اقتصاره في النهاية و المنتهى على ذكر الدهن و عدم التعرض فيهما لغيره مغايرة ذلك لما ذكره في التذكرة من العموم، و ليس بشي‌ء لأنه لا يخفى انه متى ثبت ذلك في الدهن ثبت في غيره بطريق أولى فإن شهادة الوجدان ظاهرة في ان الدهن أبعد المائعات عن قبول الطهارة من حيث الدهنية و اللزوجة و شدة اتصال اجزائه بعضها ببعض المانع جميع ذلك من نفوذ الماء في اجزائه، فالقول بإمكان الطهارة فيه يقتضي القول بذلك في سائر المائعات.

إلا ان الحق هو ما ذكره في المدارك من الفرق بين الدهن و غيره بعدم قبول الدهن للتطهير بالكلية و قبول ما عداه من المائعات لكن على وجه لا يبقى لها اثر، و تسمية ذلك تطهيرا ليس في محله.

و يؤيد ما ذكرناه ما صرح به في المعالم حيث قال ما ملخصه: ان غير الدهن من المائعات إذا خالطها الماء على الوجه المشترط في الممازجة تخرج عن الصلاحية للانتفاع بها‌

377
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الرابع) كيفية تطهير الأرض ؛ ج 5، ص : 378

في الغالب بخلاف الدهن فإن مخالطة الماء له غير مستقرة إذ يسرع انفصاله منه فتبقى الصلاحية للانتفاع بحالها و هو ظاهر، ثم قال و قد ناقشه- يعني العلامة- جماعة بأن العلم بوصول الماء الى جميع اجزاء الدهن غير ممكن بل قد يعلم خلافه لأن الدهن يبقى في الماء مودعا فيه غير مختلط به و انما يصيب سطحه الظاهر. و هذا الكلام جيد بل التحقيق ان العيان شاهد باستحالة مداخلة الماء لجميع اجزاء الدهن و انه مع الاختلاط لا يحصل له إلا ملاقاة سطوح الأجزاء المنقطعة بالضرب و لا سبيل الى نفوذ الماء في بواطنها، و لهذه العلة يبقى على الصلاحية للانتفاع إذ اختلاطه بالماء انما حصل على جهة التفرق في خلاله فإذا ترك ضربه سارع الى الانفصال و استقر لخفته على وجه الماء و هذا من الأمور الواضحة التي لا تحتاج الى كثير تأمل. و اما غير الدهن من سائر المائعات فإنما يعقل حصول الطهارة لها مع اصابة الماء لجميع اجزائها و ذلك انما يتحقق بشيوعها في الماء و استهلاكها فيه بحيث لا يبقى شي‌ء من اجزائها ممتازا إذ مع الامتياز يعلم عدم نفوذ الماء في ذلك الجزء الممتاز، و إذا حصل الاستهلاك على الوجه المذكور يخرج المائع عن الحقيقة التي كان عليها كما تخرج عين النجاسة بشيوعها في الماء الكثير عن حكمها و مثل هذا لا يسمى تطهيرا في الاصطلاح. انتهى. و هو جيد متين، و المراد بقوله في الدهن انه يبقى على الصلاحية للانتفاع يعني في الجملة لا ان المراد الانتفاع فيما يشترط فيه الطهارة فإنه قد صرح بعدم قبوله التطهير و عدم قبوله انما هو لما ذكره من بقاء تلك الأجزاء التي يحصل بها الانتفاع و عدم دخول الماء فيها كما لا يخفى. و الله العالم.

(المقام الرابع) [كيفية تطهير الأرض]

- الظاهر انه لا خلاف و لا إشكال في ان الأرض متى تنجست بالبول و نحوه فإنه يحصل تطهيرها بإلقاء الكثير عليها أو الجاري أو المطر أو الشمس إذا جففت النجاسة على المشهور، و اما بالماء القليل فعلى تقدير القول بطهارة الغسالة فلا إشكال أيضا و انما محل الكلام و الاشكال على تقدير القول بالنجاسة.

و الشيخ مع قوله بنجاسة الغسالة قد صرح في الخلاف بالطهارة فقال فيه: إذا‌

378
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الرابع) كيفية تطهير الأرض ؛ ج 5، ص : 378

بال على موضع من الأرض فتطهيره ان يصب الماء عليه حتى يكاثره و يغمره و يقهره و يزيل لونه و طعمه و ريحه، فإذا زال حكما بطهارة المحل و طهارة الماء الوارد عليه و لا يحتاج الى نقل التراب و لا قلع المكان و به قال الشافعي «1» و قال أبو حنيفة ان كانت الأرض رخوة فصب عليها الماء فنزل الماء عن وجهها الى باطنها طهرت الجلدة العليا دون السفلى التي وصل الماء و البول إليها و ان كانت الأرض صلبة فصب الماء على المكان فجرى عليه الى مكان آخر طهر مكان البول لكن نجس المكان الذي انتهى الماء اليه فلا يطهر حتى يحفر التراب و يلقى عن المكان «2» ثم ان الشيخ احتج لما صار إليه بان في التكليف بما زاد على ذلك حرجا منفيا بقوله تعالى: «وَ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «3» و بالرواية العامية المشهورة المتضمنة أمر النبي (صلى الله عليه و آله) بإهراق الذنوب من الماء على بول الأعرابي لما بال في المسجد و قوله لهم بعد ذلك «علموا و يسروا و لا تعسروا» «4» و ابن إدريس قد وافق الشيخ في هذا المقام على جميع هذه الأحكام، و هو جيد على أصله من اختياره طهارة الغسالة.

و المحقق في المعتبر بعد ان أورد كلام الشيخ المذكور قال: و ما ذكره الشيخ مشكل لأن الرواية المذكورة عندنا ضعيفة الطريق و منافية للأصل لأنا قد بينا ان الماء المنفصل عن محل النجاسة نجس تغير أو لم يتغير لانه ماء قليل لاقى نجاسة، ثم عارض الرواية برواية عامية مثلها الى ان قال: الوجه ان طهارتها بجريان الماء عليها أو المطر حتى يستهلك النجاسة أو يزال التراب النجس على اليقين أو تطلع عليها الشمس حتى تجف بها أو تغسل بما يغمرها ثم يجري إلى موضع آخر فيكون ما انتهى اليه نجسا. انتهى.

أقول: ينبغي حمل كلامه الأخير أعني قوله: «أو تغسل بما يغمرها ثم يجري. الى آخره» على ما إذا كانت الأرض صلبة كما تقدم في كلام أبي حنيفة و إلا عاد‌

______________________________
(1) كما في الأم ج 1 ص 80 و تابعه أبو إسحاق في المهذب ج 1 ص 49.

(2) كما في بدائع الصنائع للكاساني الحنفي ج 1 ص 89 و البحر الرائق ج 1 ص 226.

(3) سورة الحج، الآية 78.

(4) راجع التعليقة 1 ص 309 ج 1.

379
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الرابع) كيفية تطهير الأرض ؛ ج 5، ص : 378

الإشكال لأنه مع كون الأرض رخوة تنفذ الغسالة فيها و لو بعضها، و القول باغتفاره رجوع الى مذهب الشيخ و هو قد رده إذ لا فرق بين البعض و الجميع فاعتذار البعض عنه بذلك لا يجدي في المقام نفعا. و بالجملة فالظاهر هو ما ذكره في المعتبر من رد هذا الخبر و البناء على مقتضى الأصول المقررة في إزالة النجاسات.

و قال الشهيد في الذكرى: تطهر الأرض بما لا ينفعل من الماء بالملاقاة، و في الذنوب قول لنفي الحرج و لأمر النبي (صلى الله عليه و آله) به في الحديث المقبول.

أقول: لا يخفى ما فيه فإنهم ما بين ان يردوا الأخبار الصحيحة المستفيضة في الأصول بهذا الاصطلاح المتأخر و ان يعتمدوا في حكم مخالف للأصول على هذه الرواية العامية، و ليت شعري بأي وجه دخلت هذه الرواية في حيز القبول أمن جهة راويها أبي هريرة الذي قد اعترف أبو حنيفة بكذبه ورد رواياته؟ و نقل بعضهم انهم لا يقبلون رواياته في معالم الحلال و الحرام و انما يقبلونها في مثل أخبار الجنة و النار و نحو ذلك «1»

______________________________
(1) في نوادر الآثار للعلامة المقرم عن شرح النهج لابن ابى الحديد ج 1 ص 360 طبعة مصر «كان أبو جعفر الإسكافي يقول: أبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية ضربه عمر بالدرة، و روى سفيان الثوري عن إبراهيم التيمي انهم لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر الجنة و النار. و كان أبو حنيفة يقول الصحابة عدول إلا رجال: منهم أبو هريرة و انس بن مالك» و في مختلف الحديث لابن قتيبة ص 27 «قال النظام كذب أبا هريرة عمر و عثمان و على و عائشة» و في مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي الحنفي ج 8 ص 23 «قال أبو حنيفة: النصوص و الأصول تأبى حديث أبي هريرة في المصراة و أبو هريرة لم يكن من فقهاء الصحابة و قد أنكر عليه عمر بن الخطاب أشياء» و في شرح السير الكبير للسرخسى ج 3 ص 73 طبعة حيدرآباد «استعمل عمر أبا هريرة على البحرين فجاء بمال فقال يا عدو الله سرقت و أخذه منه» و في تاريخ آداب العرب للرافعى ج 1 ص 282 «كان عمر و عثمان و على و عائشة ينكرون على ابى هريرة أحاديثه و يتهمونه و هو أول رواية انهم في الإسلام».

380
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الرابع) كيفية تطهير الأرض ؛ ج 5، ص : 378

أم من حيث اعتضادها بالأصول الشرعية و القواعد المرعية؟ ما هذه إلا مجازفة محضة، و لا اعرف لهذه المقبولية وجها إلا مجرد قول الشيخ بها في هذا الكتاب. و فيه ما لا يخفى على ذوي الأفهام و الألباب.

و بالجملة فإن الطهارة و النجاسة أحكام شرعية يتوقف ثبوتها على الدليل الشرعي الواضح و ثبوت النجاسة في موضع البحث مما لا خلاف فيه فالحكم برفعها و زوالها يتوقف على الدليل الشرعي الواضح و أمثال هذه التخريجات لا تصلح لإثبات الأحكام الشرعية.

و اما ما ذكره في المعالم- حيث قال:

و قد روى عبد الله بن سنان في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الصلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس؟ فقال رش وصل».

و روى أبو بصير «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في بيوت المجوس فقال رش و صل».

و في هذين الخبرين نوع اشعار بالاكتفاء في زوال النجاسة عن الأرض بصب الماء عليها و إلا لم يكن للرش في المواضع المذكورة فائدة كما لا يخفى- أقول: فيه انه من الجائز- بل هو الظاهر- ان الأمر بالرش في هذا المقام و كذا في أمثاله من ملاقاة الكلب بيبوسة و نحوه من المواضع الآتية انما هو تعبد شرعي وجوبا أو استحبابا، و يمكن حمل ذلك على طهارة الغسالة كما هو أحد الأقوال في المسألة و قد تقدم في محله، إذ من الظاهر انه على تقدير القول بنجاسة الغسالة انما يحصل بالرش زيادة النجاسة و تضاعفها، و قد ورد الأمر بالرش في مشكوك النجاسة من الثوب و البدن ايضا كما سيأتي ان شاء الله تعالى في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و حسنة الحلبي «3» و لو لم يحمل النضح على أحد الأمرين الذين ذكرناهما للزم‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من مكان المصلى.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من مكان المصلى.

(3) في المسألة الخامسة في الثوب و البدن الذي شك في نجاسته.

381
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب تطهير الثوب المصبوغ بالمتنجس المائع ؛ ج 5، ص : 382

البتة ما ذكرناه من زيادة النجاسة و تضاعفها لا زوالها بالنضح. و لا يبعد ايضا ان الوجه في الأمر بالنضح في هذه المواضع انما هو زوال النفرة و لا تعلق له بنجاسة و لا طهارة كما ورد في جملة من المواضع الظاهرة في ذلك ايضا كما سيأتي ان شاء الله تعالى.

ثم قال في المعالم ايضا على اثر الكلام المتقدم: و كذا‌

صحيح هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام) «1» «في السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب؟

قال لا بأس به ما اصابه من الماء أكثر منه».

و وجه الاشعار فيه تعليل نفي البأس بكون الماء الذي أصاب المحل أكثر من البول فإنه ليس بالبعيد كون اداة التعريف في الماء للعهد الذهني لا الخارجي فتأمل. انتهى.

أقول: لا يخفى ان صحة التطهير بالماء القليل بناء على المشهور من نجاسة الغسالة مشروطة بأمرين (أحدهما) غلبة المطهر و كونه قاهرا للنجاسة و هذا مما لا خلاف فيه و لا اشكال و اليه يشير جملة من الأخبار: منها- هذا الخبر و خبر الاستنجاء المتقدم في باب الاستنجاء‌

نقله من العلل «2» حيث قال فيه: «ان الماء أكثر من القذر».

و (ثانيهما) انفصال الغسالة عن المحل بعصر و نحوه كما هو المشهور أو بغير ذلك، و الجريان في المطر على السطح كما اشتمل عليه الخبر أمر معلوم و السؤال لم يتعلق به و انما تعلق بتقاطر المطر على الثوب بعد اصابته السطح النجس، فأجاب (عليه السلام) بان المطر قد طهر السطح لندافعه و تكاثره بالوقوع عليه لأنه في حكم الجاري كما تقدم بيانه في محله فلا بأس حينئذ بما يتقاطر منه فاللام في الماء انما هي للعهد الخارجي و هو ماء المطر لا الذهني بمعنى اي ماء كان.

تذنيب [تطهير الثوب المصبوغ بالمتنجس المائع]

قال في المعالم: الثوب المصبوغ بالمتنجس المائع يتوقف طهره قبل الجفاف على‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 6 من الماء المطلق.

(2) ج 1 ص 468 و في الوسائل في الباب 13 من الماء المستعمل.

382
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب تطهير الثوب المصبوغ بالمتنجس المائع ؛ ج 5، ص : 382

استهلاك الماء للأجزاء المائعة من الصبغ و كذا القول في ليقة الحبر المتنجس، اما بعد التجفيف فيمكن طهارة الثوب مع بقاء اجزاء الصبغ فيه و ذلك إذا علم نفوذ الماء في جميع تلك الاجزاء، و اما طهارة الليقة فموضع نظر من حيث ان الاجتماع الحاصل في اجزائها موجب لعدم نفوذ الماء الى الاجزاء الداخلة إلا بعد المرور على الخارجة و الحال يشهد غالبا بان تكرر مرور الماء على اجزاء الحبر يقتضي تغيره و خروجه عن الإطلاق و حصول الطهارة موقوف على نفوذ الماء باقيا على إطلاقه، و لو فرض تفريق اجزائها بحيث علم النفوذ قبل التغير المخرج عن الإطلاق طهرت كالثوب، و لو اتفق في الثوب اجتماع اجزائه على وجه يتوقف النفوذ الى باطنها على تكرر المرور باجزاء الصبغ فهو في معنى الليقة المجتمعة. انتهى.

أقول: ينبغي ان يعلم ان صبغ الثوب انما يقع بنقع الثوب في ماء الصبغ أو غلية به مدة ليدخل الصبغ في اجزاء الثوب. و حينئذ فإذا كان ماء الصبغ نجسا و قد صبغ الثوب فمتى أريد تطهيره قبل جفافه فالظاهر انه لا يمكن ذلك إلا في الماء الكثير على وجه يضمحل ماء الصبغ فيه، و لو أريد تطهيره بالقليل و الحال كذلك فإنه لا ريب في حصول الإضافة في ما يصل الى باطن الثوب و خروجه عن الإطلاق بعين ما فرضه في الليقة و نجاسته أيضا بملاقاة ماء الصبغ فلا يفيد الثوب تطهيرا. و بالجملة فالتطهير بالقليل في هذه الصورة لا يخلو من الاشكال، و اما بعد الجفاف فإنه يذهب الماء النجس من الثوب و لا يبقى إلا نجاسة الثوب خاصة، و حينئذ فإذا أريد تطهيره بالقليل فان كان ما فيه من الصبغ لا ينفصل عنه في الماء على وجه يغيره و يسلبه الإطلاق فلا إشكال في حصول الطهارة به و إلا ففي الطهارة إشكال لعين ما تقدم، فإنه بأول ملاقاته للثوب يتغير به و لا يداخله إلا متغيرا فلا يحصل التطهير به، و بذلك يظهر ما في قوله (قدس سره): «فيمكن طهارة الثوب مع بقاء اجزاء الصبغ» و بالجملة فإن علم عدم التغير في حال الغسل به فلا إشكال في صحة ما ذكره و إلا فالإشكال ظاهر، و لعله يشير الى ذلك قوله «و يمكن» فان التعبير‌

383
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) كفاية الصب في بول الرضيع ؛ ج 5، ص : 384

بهذا اللفظ مشعر بنوع تردد و توقف كما لا يخفى إذ لا وجه له إلا ما ذكرناه.

(المسألة الرابعة) [كفاية الصب في بول الرضيع]

- مذهب الأصحاب (رضوان الله عليهم) لا نعلم فيه مخالفا انه يكفي صب الماء في بول الرضيع من غير غسل و نقل عليه الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة.

و المستند فيه بعد الإجماع الأصل السالم من المعارض و ما رواه الشيخ في الحسن على المشهور بإبراهيم بن هاشم الصحيح على الاصطلاح الغير الصحيح عندي و عند جملة من المحققين‌

عن الحلبي «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن بول الصبي؟

قال تصب عليه الماء فان كان قد أكل فاغسله غسلا، و الغلام و الجارية شرع سواء».

و أيد بعضهم هذه الرواية‌

برواية السكوني عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «2» «ان عليا (عليه السلام) قال: لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان تطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها، و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين».

و فيه اشكال يعلم مما قدمنا من الكلام في هذه الرواية،

و في الفقه الرضوي «3» «و ان كان بول الغلام الرضيع فصب عليه الماء صبا و ان كان قد أكل الطعام فاغسله و الغلام و الجارية سواء».

إلا انه‌

قد روى الشيخان الكليني و الطوسي في الحسن عن الحسين بن ابي العلاء «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصبي يبول على الثوب؟ قال تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره».

و روى الشيخ في الموثق عن سماعة «5» قال: «سألته عن بول الصبي يصيب الثوب؟ فقال اغسله. قلت فان لم أجد مكانه؟ قال اغسل الثوب كله».

و ظاهر الخبرين المذكورين كما ترى المنافاة لما تقدم.

و قد أجاب الشيخ في الاستبصار عن الخبر الثاني بحمل الغسل على الصب أو على‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 3 من النجاسات.

(3) ص 6.

(4) رواه في الوسائل في الباب 3 من النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 3 من النجاسات.

384
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 385

 

ان المراد بالصبي من أكل الطعام و الثاني منهما لا بأس به في مقام الجمع، و اما الأول فيحتاج الى مزيد تكلف.

و اما حسنة الحسين بن ابي العلاء فردها في المدارك (أولا) بعدم توثيق الراوي و (ثانيا) بالحمل على الاستحباب: و (ثالثا) بحمل العصر على ما يتوقف عليه إخراج عين النجاسة من الثوب فان ذلك واجب عند من يرى نجاسة هذا البول. أقول: و الثالث منها جيد في مقام الجمع فلا بأس به، و اما الأولان فقد تقدم الكلام عليهما مرارا، و ربما يؤيد الوجه المذكور بقوله في السؤال: «يبول على الثوب» فإنه يشعر بذلك، و أيضا فإن الحمل على الغسل بقرينة العصر يدافعه قوله: «تصب عليه الماء قليلا» فان ظاهره عدم ارادة الغسل فلا بد من التأويل في جانب العصر بالحمل على ما ذكرناه من إخراج عين النجاسة.

[تنبيهات]

بقي الكلام هنا في مواضع‌

(الأول) [هل يكفي الصب في بول الصبية؟]

- ان ظاهر كلام الأكثر اختصاص الحكم هنا بالصبي و اما بول الصبية فيجب فيه الغسل عندهم كالكبير، و نقل في المعالم عن ظاهر كلام ابن بابويه في رسالته عدم الفرق بين الصبي و الصبية حيث فرض الحكم أولا في بول الصبي ثم قال و الغلام و الجارية فيه سواء. أقول: و نحوه ابنه في الفقيه حيث قال: و ان كان بول الغلام الرضيع صب عليه الماء صبا و ان كان قد أكل الطعام غسل، و الغلام و الجارية في هذا سواء و هذا عين عبارة الفقه الرضوي التي قدمنا نقلها و مثلها ما في رسالة أبيه، و منه يعلم ان مستندهما في هذا الحكم انما هو الكتاب المذكور و ان كانت صحيحة الحلبي أو حسنته دالة عليه ايضا.

و العجب من الأصحاب مع اعتمادهم في أصل الحكم على الحسنة المذكورة كيف عدلوا عما تضمنته من التسوية بين الغلام و الجارية، فقال الشيخ في الاستبصار قوله:

«الغلام و الجارية شرع سواء» معناه بعد أكل الطعام. و لا يخفى ما فيه و قال المحقق في المعتبر بعد الإشارة إلى دلالة حسنة الحلبي على ما ذكره الشيخ علي بن بابويه: و الأشبه‌

 

385
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) هل يكفي الصب في بول الصبية؟ ؛ ج 5، ص : 385

اختصاص التخفيف ببول الصبي و الرواية محمولة على التسوية في التنجيس لا في حكم الإزالة مصيرا الى ما افتى به أكثر الأصحاب. انتهى. و قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: و هو بعيد جدا. أقول: و فيه مع بعده انه قد خالف الأصحاب في غير موضع من كتابه مع وجود الدليل على كلامهم بزعمه ضعفه و الطعن فيه فكيف يوافقهم هنا فيما دل الدليل على خلافه؟

و اما صاحب المعالم فإنه بعد ان أورد حسنة الحلبي قال: و هذه الرواية نص في الحكم فليت إسنادها كان صحيحا، ثم قال و لعل انضمام عدم ظهور المخالف إليها يجبر هذا الوهن مضافا الى ان حسنها بواسطة إبراهيم بن هاشم و بعض الأصحاب يرى الاعتماد على روايته لشهادة القرائن بحسن حاله، الى ان قال بعد ذكر مذهب علي بن بابويه في المساواة بين الصبي و الجارية ما لفظه: و لا يخفى عليك ان عبارته المذكورة موجودة بمعناها و أكثر ألفاظها في الخبر الذي هو العمدة في مستند الحكم فكان اللازم من التمسك به عدم الفرق و لكن حيث ان التعلق بها مراعى بضميمة ما يظهر من الوفاق على الحكم و هو مفقود في الصبية فلا جرم كان الاقتصار في الحكم على محل الوفاق هو الأنسب، ثم نقل كلام المحقق و الشيخ المتقدمين.

و أنت خبير بان كلامه هذا جيد بناء على أصله من رد الأخبار الحسنة بل الصحيحة التي ليست جارية على حسب اصطلاحه الذي هو بالضعف اولى و أحرى حيث انه قد زاد على الطنبور نغمة أخرى، و اما من يعمل بالأخبار الحسنة كما هو المشهور بين أصحاب هذا الاصطلاح و غيرهم بل يعد حديث إبراهيم بن هاشم من بين افراد الحسن في الصحيح كما صرح به في الذخيرة و المدارك و غيرهما فإنه لا يحتاج في العمل بالخبر المذكور الى جبر باتفاق الأصحاب و لا غيره لانه دليل صحيح شرعي صريح فلا معنى لاحتياجه الى جابر، و بذلك يظهر صحة التزامنا لكلام الأصحاب في المسألة بما قدمنا ذكره و بالجملة فإن الخبر المذكور قد اشتمل على حكمين و لا معارض له فيهما في البين فالقول‌

386
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) تعريف الرضيع ؛ ج 5، ص : 387

بأحدهما دون الآخر تحكم كما لا يخفى. هذا مع قطع النظر عن اعتضاد الخبر المذكور بكلامه (عليه السلام) في كتاب الفقه.

و العجب من صاحب الذخيرة هنا حيث جرى على ما جرى عليه صاحب المعالم مع مباينته له في اصطلاحه و عده حسنة إبراهيم في الصحاح في شرحه المذكور في غير موضع بل اعتماده على سائر الأخبار الضعيفة بالقرائن المؤيدة للصحة كما لا يخفى على من مارس كتابة.

(الثاني) [تعريف الرضيع]

- ان المفهوم من كلام جملة من متأخري الأصحاب: منهم- شيخنا الشهيد الثاني في الروض ان المراد بالرضيع من لم يغتذ بغير اللبن كثيرا بحيث يزيد على اللبن أو يساويه و لم يتجاوز الحولين. و أنت خبير بان لفظ الرضيع غير موجود في رواياتهم و انما هو موجود في عبارة كتاب الفقه و لهذا انه في المدارك جعل الحكم معلقا بالمولود الذي لم يأكل لا الرضيع. و كيف كان فظاهر الخبرين هو تعليق الحكم على الأكل و عدمه و الظاهر من الأكل كما ذكره في المنتهى هو ما استند الى شهوته و إرادته فإن أكل على الوجه المذكور كان الواجب الغسل في بوله و إلا فالصب، و اما كونه يزيد على اللبن أو ينقص عنه أو يساويه فلا إشعار في شي‌ء من الخبرين به.

و ابن إدريس هنا قد علق الحكم ببلوغ الحولين فقال في سرائره: بول الصبي الرضيع وحده من لم يبلغ سنتين نجس إذا أصاب الثوب يكفي ان يصب عليه الماء من غير عصر له و قد طهر و بول الصبية لا بد من عصره مرتين مثل البالغين و ان كان للصبية دون الحولين، فإذا تم للصبي حولان وجب عصر الثوب من بوله. و رده جملة من تأخر عنه، و هو كذلك لعدم وجود دليل على ما ذكره إذ الاخبار الواردة في المسألة كما عرفت لا تعرض في شي‌ء منها لذلك و انما الحكم وقع فيها معلقا على الأكل و عدمه.

قال المحقق في المعتبر: و المعتبر ان يطعم ما يكون غذاء و لا عبرة بما يلعق دواء أو من الغذاء في الندرة و لا تصغ الى من يعلق الحكم بالحولين فإنه مجازف بل لو استقل‌

387
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) الفرق بين الصب و الغسل ؛ ج 5، ص : 388

بالغذاء قبل الحولين تعلق ببوله وجوب الغسل. انتهى.

و قال العلامة في المنتهى بعد تحقيق المسألة: و هذا التخفيف متعلق بمن لم يأكل، وحده ابن إدريس بالحولين و ليس شيئا إذ روايتا الحلبي و السكوني دلتا على الأكل و الطعم سواء بلغ الحولين أو لم يبلغ و لا اعلم علته في ذلك بل الأقرب تعلق الحكم بطعمه مستندا إلى إرادته و شهوته و إلا لتعلق الغسل بساعة الولادة إذ يستحب تحنيكه بالتمر. انتهى. و هو جيد.

و أنت خبير بما في كلام المحقق و العلامة هنا من المنافاة لما قدمنا نقله عن الجماعة المشار إليهم حيث ان كلامهما ظاهر في ان الضابط هو صدق الاغتذاء لا على سبيل الندرة و هذا هو الأوفق بأخبار المسألة و لم يعتبرا زيادة الأكل على اللبن و مساواته له كما وقع في كلامهم. و اما قوله في المعتبر في آخر كلامه: «بل لو استقل بالغذاء. إلخ» فلا ينافي ما في صدر كلامه من ان الغسل يترتب على ان يطعم ما يكون غذاء و ان لم يستقل به، لان كلامه الأخير انما وقع مبالغة في توجيه المجازفة التي عزاها الى ابن إدريس بمعنى ان إطلاق ابن إدريس تعلق الحكم بالحولين يتناول صورة الاستقلال بالغذاء و ترك الرضاع رأسا قبل مضيهما مع ان تسميته في تلك الحال رضيعا مجازفة واضحة.

و بالجملة فإن كلام هذين الفاضلين هو المرتبط بالدليل دون ما ذكره الجماعة.

(الثالث) [الفرق بين الصب و الغسل]

- ان لفظ الخبر المذكور قد ورد بالصب و جملة من الأصحاب قد فرقوا بينه و بين الغسل في الثوب و نحوه بأخذ العصر في حقيقة الغسل دون الصب، و الذي قدمنا تحقيقه ان الفرق بينهما انما هو باعتبار الانفصال و التقاطر و عدمه، و الصب بهذا المعنى مرادف للرش و النضح الوارد في الاخبار في جملة من المواضع كما سيأتي بيانه ان شاء الله تعالى، و ربما ظهر من العلامة في التذكرة في هذه المسألة مغايرة الرش للصب، و مما يدل على ترادف النضح و الصب الأخبار الواردة في ملاقاة الكلب مع‌

388
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) الفرق بين الصب و الغسل ؛ ج 5، ص : 388

اليبوسة، فإن أكثر الأخبار قد عبر فيها بالنضح و صحيحة أبي العباس «1» قد تضمنت الصب.

قال في المدارك في هذه المسألة: و يعتبر في الصب الاستيعاب لما اصابه البول لا الانفصال على ما قطع به الأصحاب و دل عليه إطلاق النص إلا ان يتوقف عليه زوال عين النجاسة، مع احتمال الاكتفاء به مطلقا لإطلاق النص، و حكى العلامة في التذكرة قولا بالاكتفاء فيه بالرش قال فيجب فيه التعميم و لا يكفي إصابة الرش بعض موارد النجاسة و به قطع في النهاية إلا انه اعتبر في حقيقة الرش الاستيعاب و جعله أخص من النضح و فرق بينه و بين الغسل باعتبار السيلان و التقاطر في الغسل دون الرش و هو بعيد لنص أهل اللغة على ان المنضح و الرش بمعنى و صدقهما لغة و عرفا بدون الاستيعاب. انتهى.

أقول: ما يظهر منه من ان الصب لا بد فيه من الاستيعاب و ان النضح و الرش يصدقان عرفا بدون الاستيعاب لا يخفى ما فيه بل الظاهر هو ترادف الثلاثة على معنى واحد من الاستيعاب بدون الانفصال و التقاطر فإنه يكون بذلك غسلا، و يدل على ما ذكرناه ما أشرنا إليه من اخبار ملاقاة الكلب باليبوسة و ورود الأخبار بالنضح تارة و بالصب أخرى.

بقي الكلام في ان المفهوم من كلام أهل اللغة هو ترادف الرش و النضح حيث قال في الصحاح: النضح الرش و قال في القاموس نضح البيت رشه و اما الصب لغة فهو بمعنى الإراقة و السكب و هو بعيد من معنى الرش و النضح قال الله تعالى: «أَنّٰا صَبَبْنَا الْمٰاءَ صَبًّا» «2» اي سكبناه سكبا إشارة إلى ماء المطر، و يقال دم صبيب اي كثير، و حينئذ فالحكم بالمرادفة له مع الفردين المذكورين لا يخلو من اشكال إلا ان يستعان بالأخبار الواردة في الكلب و التعبير في بعضها بالصب و في آخر بالنضح، و يؤيدها خبر بول‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأسآر.

(2) سورة عبس، الآية 25.

389
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الخامسة) المواضع المأمورة بالنضح فيها ؛ ج 5، ص : 390

الصبي المعلوم منه مغايرة الصب للغسل، فيكون الحكم بالمرادفة من حيث الشرع لا من جهة اللغة.

و اما ما ذكره في النهاية مما يؤذن بالفرق بين النضح و الرش- حيث قال: مراتب إيراد الماء ثلاثة النضح المجرد و مع الغلبة و مع الجريان، قال و لا حاجة في الرش إلى الدرجة الثالثة قطعا و هل يحتاج إلى الثانية؟ الأقرب ذلك ثم قال و يفترق الرش و الغسل بالسيلان و التقاطر- ففيه ما ذكره في المعالم حيث قال- و نعم ما قال في جعل الرش مغايرا للنضح- ان المستفاد من كلام أهل اللغة ترادفهما و العرف ان لم يوافقهم فليس بمخالف لهم و لا نعلم الفرق الذي استقربه من أين أخذه؟ مع انه في غير النهاية كثيرا ما يستدل على الرش بما ورد بلفظ النضح و بالعكس، و الظاهر من كلامهم و كلامه في غيره ترادف الصب و الرش و النضح. انتهى. و بذلك يظهر لك ما في كلام صاحب المدارك من الفرق بين الصب و بين الفردين الآخرين.

ثم لا يخفى ان الظاهر ان المراد بقوله في النهاية النضح المجرد و مع الغلبة انما هو غلبة الماء المنضوح به زيادة على البلل اليسير الذي يحصل به النضح عنده لا باعتبار استيعاب المحل و عدمه كما ذكره في المدارك و فسر به كلامه في النهاية ليتم له الاعتضاد به في ما ذهب اليه من الفرق.

(المسألة الخامسة) [المواضع المأمورة بالنضح فيها]

- قد تفرد الصدوق فيما اعلم بعدم وجوب الغسل في ملاقاة كلب الصيد برطوبة و اكتفى فيها بالرش و نفاه مع اليبوسة، فقال في الفقيه: و من أصاب ثوبه كلب جاف و لم يكن بكلب صيد فعليه ان يرشه بالماء و ان كان رطبا فعليه ان يغسله و ان كان كلب صيد و كان جافا فليس عليه شي‌ء و ان كان رطبا فعليه ان يرشه بالماء. و لم أقف له على موافق و لا على دليل بل الاخبار و كلام الأصحاب متفقة على وجوب الغسل بملاقاة الكلب برطوبة و الرش مع اليبوسة من غير فرق بين كلب الصيد و غيره و قد تقدمت الأخبار الدالة على ذلك في الفصل الثامن و التاسع في نجاسة‌

390
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فمنها) - مس الكلب جافا ؛ ج 5، ص : 391

الكلب و الخنزير و هي حجة عليه فيما صار اليه هنا في كل من الغسل و الرش.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ههنا جملة من المواضع قد وردت الأخبار بالأمر بالنضح فيها و جملة منها قد وقع الخلاف فيه بكونه على جهة الوجوب أو الاستحباب.

(فمنها)- مس الكلب جافا

فإن الأخبار المشار إليها آنفا قد دلت على الأمر بالنضح و قد اختلف الأصحاب في كونه على جهة الوجوب أو الاستحباب، و المشهور الثاني، و ظاهر الشيخ في المبسوط الحكم بالاستحباب في جميع النجاسات إذا لاقاها بيبوسة حيث قال: كل نجاسة أصابت الثوب و كانت يابسة لا يجب غسلها و انما يستحب نضح الثوب. و في استفادة هذا العموم من الأخبار نظر كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى و نقل عن ابن حمزة القول بالوجوب هنا استنادا إلى الأوامر الواردة به فإنها حقيقة في الوجوب. و رده العلامة في المختلف بأن النجاسة لا تتعدى مع اليبوسة إجماعا و إلا لوجب غسل المحل فيتعين حمل الأمر على الاستحباب. و فيه (أولا) ان الحمل على الوجوب لا ينحصر بالنجاسة لجواز كونه تعبدا شرعيا. و (ثانيا) ان ما ذكره من ان تعدي النجاسة موجب للغسل ليس كليا ليتم ما ذكره بل هو أكثري و كيف لا و قد اكتفى في بول الرضيع كما تقدم مع الاتفاق على نجاسته بالرش فلا مجال هنا للاستبعاد.

هذا، و الظاهر من كلام جملة من الأصحاب هنا ايضا هو الوجوب مثل عبارة الصدوق المتقدمة و قوله «فعليه ان يرشه بالماء» في الموضعين منها، و قال الشيخ في النهاية: إذا أصاب ثوب الإنسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة و كان يابسا وجب ان يرش الموضع بعينه فان لم يتعين رش الثوب كله. و قال المفيد في المقنعة: و إذا مس ثوب الإنسان كلب أو خنزير و كانا يابسين فليرش موضع مسهما منه بالماء و كذا الحكم في الفأرة و الوزغة. و نقل عن سلار انه صرح في رسالته بوجوب الرش من مماسة الكلب و الخنزير و الفأرة و الوزغة و جسد الكافر باليبوسة.

و القول بالوجوب تعبدا لا يخلو من قوة لاتفاق الاخبار عليه من غير معارض‌

391
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و(منها) ملاقاة الخنزير جافا ؛ ج 5، ص : 392

و اتفاق كلمة هؤلاء الفضلاء الذين هم أساطين المذهب و يرجحه اعتضاده بالاحتياط، و أكثر الأصحاب انما عبروا هنا بالرش و الموجود في الاخبار كما أشرنا إليه آنفا التعبير بالنضح في بعض و الصب في آخر و كأنه بناء منهم على فهم ترادف الألفاظ الثلاثة، و قد عرفت في آخر المسألة المتقدمة ما في كلام النهاية و صاحب المدارك من المخالفة في ذلك و بينا ما فيه.

و (منها) ملاقاة الخنزير جافا

و المشهور هنا ايضا بين المتأخرين الاستحباب و قد تقدم نقل القول بالوجوب عن الجماعة المتقدم ذكرهم، و يدل على الحكم هنا‌

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا ان يكون فيه اثر فيغسله».

و الرواية المذكورة قد اشتملت على النضح و قد تقدم الكلام في مرادفته للرش و عدمها و ان الأظهر المرادفة، و احتمال الوجوب أو الاستحباب هنا في الأمر جار على ما تقدم إلا ان الظاهر هنا ان الأمر على تقدير الوجوب لا يكون مستندا إلى النجاسة و انما هو تعبد كما ذكرنا آنفا، و ذلك لانه قد أمره بالمضي في الصلاة إذا كان دخل فيها و هذا لا يجامع النجاسة، و لا ينافي ذلك الأمر بالغسل إذا كان فيه أثر لأن سياق الرواية انما هو الإصابة بقول مطلق و لم يعلم كونها برطوبة أو عدمها و قد دخل في الصلاة و الحال كذلك. فأمر (عليه السلام) بالمضي في الصلاة استصحابا لأصالة الطهارة، لأن الإصابة بيبوسة غير موجبة للتنجيس و الرطوبة غير معلومة فيتم البناء على أصالة الطهارة و يتم الأمر بالمضي فيها و ان كان ذلك قبل دخوله في الصلاة فلينضحه إلا ان يكون فيه اثر فيغسله، و ظاهر الخبر الدلالة على عدم وجوب الفحص بعد دخوله في الصلاة و انه يكفي البناء على أصالة الطهارة عند الشك كما يدل عليه صحيح زرارة الطويل‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 13 من النجاسات.

392
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و(منها) - بول الرضيع ؛ ج 5، ص : 393

الوارد في المني و قد تقدم «1»

و روى الشيخ في الصحيح عن موسى بن القاسم عن علي ابن محمد «2» و هو مشترك قال: «سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جاف هل تصلح الصلاة فيه قبل ان يغسله؟ قال نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه.».

و في قرب الاسناد «3» عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال: «سألته عن خنزير أصاب ثوبا و هو جاف أ تصلح الصلاة فيه قبل ان يغسل؟ قال نعم ينضحه بالماء ثم يصلى فيه».

و (منها)- بول الرضيع

و قد تقدم الكلام فيه مستوفى.

و (منها)- الفأرة

ففي صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الفأرة الرطبة قد وقعت في الماء تمشي على الثياب أ يصلى فيها؟ قال اغسل ما رأيت من أثرها و ما لم تره فانضحه بالماء».

و مورد الخبر- كما ترى- هو نضح ما لا يرى من أثر الفأرة الرطبة في الثوب و اما ما يرى منه فحكم فيه بالغسل وجوبا أو استحبابا كما تقدم من الخلاف في الفأرة نجاسة و طهارة، و حينئذ فما وقع في عبارة جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) من إطلاق القول بالنضح في الفأرة الرطبة ليس بجيد، و المشهور بين الأصحاب حمل النضح في الخبر المذكور على الاستحباب و قد تقدم كلام الأصحاب الظاهر في الوجوب، و أنت خبير بان الكلام في ذلك يتفرع على الخلاف في طهارة الفأرة و نجاستها فان حكمنا بطهارتها كما هو الأشهر الأظهر تعين الحكم بحمل النضح على الاستحباب و ان حكمنا بالنجاسة كما هو أحد القولين في المسألة جرى الكلام فيها كما في الكلب و الخنزير من احتمال الوجوب تعبدا.

و (منها)- ثوب المجوسي

ففي صحيحة الحلبي «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصلاة في ثوب المجوسي؟ فقال يرش بالماء».

و ينبغي حملها على عدم‌

______________________________
(1) ص 256.

(2) رواه في الوسائل في الباب 26 من أبواب النجاسات.

(3) ص 89.

(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من أبواب النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 73 من أبواب النجاسات.

393
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و(منها) - الثوب و البدن الذي حصل الشك في نجاسته ؛ ج 5، ص : 394

معلومية ملاقاة المجوسي له برطوبة و إلا لكان نجسا يجب غسله، و بذلك يعلم ان إطلاق القول بالنضح في ثوب المجوسي ليس بجيد، و يجب حمل الأمر في الخبر بالنضح بناء على ما ذكرنا على الاستحباب‌

لصحيحة معاوية بن عمار عنه (عليه السلام) «1» «في الثياب السابرية يعملها المجوس. ألبسها و لا اغسلها و أصلي فيها؟ قال نعم. الحديث».

و قد تقدمت في التنبيه الثاني من التنبيهات الملحقة بالمسألة الثانية من المقصد الثاني في الأحكام، و لم أقف على من ذهب الى الوجوب في هذا المقام.

و (منها)- الثوب و البدن الذي حصل الشك في نجاسته

، ففي صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج «2» قال: «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يبول بالليل فيحسب ان البول اصابه فلا يستيقن فهل يجزيه ان يصب على ذكره إذا بال و لا يتنشف؟

قال يغسل ما استبان أنه اصابه و ينضح ما يشك فيه من جسده و ثيابه و يتنشف قبل ان يتوضأ».

و في حسنة الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء.».

و في حسنة عبد الله بن سنان «4» في ثوب أصابه جنابة أو دم و فيها «و ان كان يرى أنه اصابه شي‌ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء».

و في حسنة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله (عليه السلام) «5» قال: «سألته عن

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 73 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 37 من النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 16 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

394
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و(منها) - وقوع الثوب على الكلب الميت يابسا ؛ ج 5، ص : 395

أبوال الدواب و البغال و الحمير؟ فقال اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله فان شككت فانضحه».

و من هذا الباب‌

رواية إبراهيم بن عبد الحميد المتقدمة في تطهير الفرش و نحوها من الحشايا «1» حيث قال: «اغسل ما أصاب منه و مس الجانب الآخر فان أصبت مس شي‌ء منه فاغسله و إلا فانضحه بالماء».

و مورد هذه الاخبار و ان كان نجاسات مخصوصة لكن ظاهر الأصحاب العموم قال الشيخ في النهاية: و متى حصل في الثوب شي‌ء من النجاسات التي يجب إزالتها وجب غسل الموضع، الى ان قال و ان كان حصولها مشكوكا فيه فإنه يستحب ان يرش الثوب.

و قال المفيد في المقنعة: و إذا ظن الإنسان انه قد أصاب ثوبه نجاسة و لم يتيقن ذلك رشه بالماء.

و صريح عبارة النهاية الحكم باستحباب الرش و بذلك صرح العلامة في المنتهى و النهاية لكنه عبر عن الحكم بالنضح كما هو مورد الأخبار المتقدمة و قد عرفت الترادف فيهما فلا مشاحة حينئذ في التعبير خلافا لنهاية العلامة كما تقدم ذكره، و ظاهر عبارة المفيد المذكورة احتمال كل من الاستحباب و الوجوب لإطلاقها، و نقل عن سلار انه أوجب الرش إذا حصل الظن بنجاسة الثوب و لم يستيقن، و المفهوم من الاخبار النضح في الثوب و البدن في مقام الشك أو الظن كما عرفت، و حينئذ فما ذكره من إيجاب الرش مع الظن ان استند فيه الى ظاهر لفظ الأمر ففيه ان مثل ذلك ايضا قد ورد في مقام الشك كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المذكورة و حسنة محمد بن مسلم فلا وجه لتخصيصه بصورة الظن و ان استند الى دليل آخر فلم نقف عليه، و الظاهر ان الأصحاب انما حكموا هنا بالاستحباب لمعارضة أصالة الطهارة، و فيه ما أشرنا إليه آنفا من احتمال كونه وجوبا و ان وجهه التعبد بذلك لا النجاسة.

و (منها)- وقوع الثوب على الكلب الميت يابسا

لما رواه علي بن جعفر عن

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 5 من أبواب النجاسات.

395
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و(منها) - المذي ؛ ج 5، ص : 396

أخيه موسى (عليه السلام) «1» في الصحيح قال: «سألته عن رجل وقع ثوبه على كلب ميت؟ قال ينضحه بالماء و يصلي فيه و لا بأس».

و (منها)- المذي

لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «2» قال: «سألته عن المذي يصيب الثوب؟ قال ينضحه بالماء ان شاء.».

و هي صريحة في الاستحباب.

و (منها)- بول البعير و الشاة

لرواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصيبه أبوال البهائم أ يغسله أم لا؟

قال يغسل بول الفرس و البغل و الحمار و ينضح بول البعير و الشاة.».

و لم أقف في هذا الموضع على مصرح بوجوب النضح.

و (منها)- عرق الجنب في الثوب

لرواية أبي بصير «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن القميص يعرق فيه الرجل و هو جنب حتى يبتل القميص؟

فقال لا بأس و ان أحب ان يرشه بالماء فليفعل».

و رواية علي بن أبي حمزة «5» قال:

«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) و انا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه؟

قال لا ارى به بأسا. قال انه يعرق حتى انه لو شاء ان يعصره عصره؟ قال فقطب أبو عبد الله (عليه السلام) في وجه الرجل فقال ان أبيتم فشي‌ء من ماء فانضحه به».

و الرواية الأولى ظاهرة بل صريحة في الاستحباب و الثانية مشعرة بعدم الاستحباب، و الذي يلوح منها الإباحة و نفى البأس بالكلية و الأمر بالنضح انما وقع مماشاة للسائل حيث فهم (عليه‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 26 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 17 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 9 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 27 من النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 27 من النجاسات.

396
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

و(منها) - ذو الجرح في مقعدته يجد الصفرة بعد الاستنجاء ؛ ج 5، ص : 397

السلام) منه الامتناع عن ذلك و الميل الى التنزه عن العرق المذكور كما ينادي به تقطيب وجهه و قوله «ان أبيتم».

و (منها)- ذو الجرح في مقعدته يجد الصفرة بعد الاستنجاء

لصحيحة البزنطي «1» قال: «سأل الرضا (عليه السلام) رجل و انا حاضر فقال ان بي جرحا في مقعدتي فأتوضأ و استنجي ثم أجد بعد ذلك الندى و الصفرة من المقعدة أ فأعيد الوضوء؟ فقال و قد أنقيت؟ فقال نعم. قال لا و لكن رشه بالماء و لا تعد الوضوء».

و هذا الموضع قل من ذكره من الأصحاب و الظاهر من كلام من ذكره هو استحباب الرش كما هو مورد الخبر و قد تقدم نحوه في ثوب المجوسي و عرق الجنب و به يتضح ما ذكره الأصحاب من الترادف مع النضح.

و (منها)- [من يرى البلل بعد البلل]

ما ورد في رواية عبد الرحيم القصير «2» قال: «كتبت الى ابي الحسن الأول (عليه السلام) اسأله عن خصي يبول فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل بعد البلل؟

فقال يتوضأ و ينضح ثوبه في النهار مرة واحدة».

و رواه الصدوق في الفقيه مرسلا عنه (عليه السلام) «3» و قد تقدم تحقيق الكلام في هذه الرواية في فروع المسألة السادسة من البحث الثاني فيما يجب إزالته من النجاسات و ما يعفى عنه «4».

أقول: و سيأتي جملة من المواضع ان شاء الله تعالى في أمكنة الصلاة قد أمر فيها بالنضح و الرش نذكرها في محالها.

تذنيب [مسح أيد بالتراب بملاقاة بعض النجاسات]

قد اشتهر في كلام جملة من الأصحاب (رضوان الله عليهم) مسح اليد بالتراب من ملاقاة بعض النجاسات باليبوسة، قال الشيخ في النهاية و ان مس الإنسان بيده كلبا أو خنزيرا أو ثعلبا أو أرنبا أو فأرة أو وزغة أو صافح ذميا أو ناصبا معلنا بعداوة‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من نواقض الوضوء.

(2) المروية في الوسائل في الباب 13 من نواقض الوضوء.

(3) المروية في الوسائل في الباب 13 من نواقض الوضوء.

(4) ص 355.

397
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السادسة) هل يعتبر في التطهير ورود الماء على النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 398

آل محمد (صلى الله عليه و آله) وجب غسل يده ان كان رطبا و ان كان يابسا مسحه بالتراب. و قال المفيد: ان مس جسد الإنسان كلب أو خنزير أو فأرة أو وزغة و كان يابسا مسحه بالتراب، ثم قال و إذا صافح الكافر و لم يكن في يده رطوبة مسحها ببعض الحيطان أو التراب. و حكى العلامة في المختلف عن ابن حمزة إيجاب مسح البدن بالتراب إذا أصابه الكلب أو الخنزير أو الكافر بغير رطوبة. و حكى المحقق في المعتبر عن الشيخ في المبسوط انه قال كل نجاسة أصابت البدن و كانت يابسة لا يجب غسلها و انما يستحب مسح اليد بالتراب. و قد ذكر جمع من الأصحاب انهم لم يعرفوا للمسح المذكور وجوبا أو استحبابا وجها و لا دليلا. و قد ذكر العلامة في المنتهى استحبابه ايضا من ملاقاة البدن للكلب أو الخنزير باليبوسة بعد حكمه بوجوب الغسل مع كون الملاقاة برطوبة، ثم ذكر الدليل على إيجاب الغسل و قال بعد ذلك اما مسح الجسد فشي‌ء ذكره بعض الأصحاب و لم يثبت.

(المسألة السادسة) [هل يعتبر في التطهير ورود الماء على النجاسة؟]

- قال في المدارك اعتبر المرتضى (رضي الله عنه) على ما نقل عنه في إزالة النجاسة بالقليل ورود الماء على النجاسة فلو عكس نجس الماء و لم يفد المحل طهارة، و به قطع العلامة في جملة من كتبه. انتهى. أقول: قال في المنتهى إذا أراد غسل الثوب بالماء القليل ينبغي ان يورد الماء عليه، و لو صبه في الإناء ثم غمسه فيه لم يطهر، قاله السيد و هو جيد، و فرق بين ورود النجاسة على الماء و ورود الماء عليها.

و بذلك صرح ايضا الشهيد في الدروس فقال و يشترط الورود حيث يمكن. و نحوه في البيان فقال و يشترط ورود الماء على النجاسة فلو عكس نجس الماء القليل و لم يطهره إلا في نحو الإناء فإنه يكفي الملاقاة ثم الانفصال. و قال في الذكرى الظاهر اشتراط ورود الماء على النجاسة لقوته بالعمل إذ الوارد عامل. و للنهي عن إدخال اليد في الإناء، فلو عكس نجس الماء و لم يطهر، و هذا ممكن في غير الأواني و شبهها مما لا يمكن فيه الورود إلا ان يكتفى بأول وروده، ثم قال مع ان عدم اعتباره مطلقا متوجه لان امتزاج الماء بالنجاسة‌

398
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السادسة) هل يعتبر في التطهير ورود الماء على النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 398

حاصل على كل تقدير و الورود لا يخرجه عن كونه ملاقيا للنجاسة. انتهى. و أنت خبير بان هذا القول من المرتضى- بناء على مذهبه في نجاسة الماء القليل كما تقدم في أبواب المياه من الفرق بين ورود النجاسة على الماء و عكسه و انه انما يكون نجسا في الأول دون الثاني- جيد لان الماء عنده في حال وروده على النجاسة باق على الطهارة فيحصل التطهير به قطعا، و اما على مذهب الجماعة من نجاسة القليل بالملاقاة مطلقا فمشكل إذ الملاقاة حاصلة على كل من الحالين، و اليه أشار في الذكرى في آخر كلامه بقوله مع ان عدم اعتباره مطلقا متوجه. الى آخره، و به يشكل الحكم بالطهارة بالماء القليل لانه متى ثبت القول بنجاسة الماء القليل مطلقا و ثبت القول بالتطهير بالماء القليل فاللازم من ذلك حصول الطهارة بالماء النجس، و لا يخرج عن ذلك إلا بأحد وجوه ثلاثة ذهب الى كل منها ذاهب: (أحدها) القول بطهارة الغسالة و استثناؤها من نجاسة الماء القليل بالملاقاة و (ثانيها)- تخصيص النجاسة بالانفصال عن المحل المغسول. و (ثالثها)- ان النجاسة المانعة من التطهير هي ما ثبتت قبل التطهير لا ما كانت حال التطهير إذ لا مانع من التطهير بما حصلت نجاسته بذلك التطهير. و تحقيق هذه الأقوال و ما يتعلق بها من الأبحاث في هذا المجال قد تقدم منقحا في المقام الثاني من الفصل الثالث في الماء القليل الراكد من الباب الأول و في مسألة الغسالة من ختام الباب المذكور.

ثم لا يخفى ان ممن نقل عنه ايضا القول باشتراط الورود في التطهير الشيخ و المحقق حيث قال في الخلاف: إذا ولغ الكلب في إناء ثم وقع في ماء قليل تنجس و لم يجز استعماله و لا يعتد بذلك في غسل الإناء. و قال في المعتبر: لو وقع إناء الولوغ في ماء قليل نجس الماء و لم يتحصل من الغسلات شي‌ء. أقول: يمكن ان يكون عدم الاعتداد بهذه الغسلة انما هو من حيث تقدمها على التعفير لما سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة من ان الواجب أولا التعفير ثم الغسل فلو تقدم الغسل لم يحسب من ذلك لا من حيث ورود النجاسة على الماء.

399
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السادسة) هل يعتبر في التطهير ورود الماء على النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 398

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ما ذكروه من اعتبار الورود لا يتم لهم في الأواني و نحوها و لهذا استثناها في الذكرى و تأول الورود فيها بالحمل على أول الورود، و قال بعض الأصحاب بعد ان حكى كلام الذكرى و قوله فيها بالاكتفاء في الأواني و شبهها بأول وروده: الحق انه لا يراد بالورود أكثر من هذا و إلا لم يتحقق الورود في شي‌ء مما يحتاج فصل الغسالة عنه إلى معونة شي‌ء آخر.

قال في المعالم: و الذي ينبغي تحصيله في هذا المقام ان مبنى اعتبار الورود على ان انتفاءه يقتضي نجاسة الماء و من المستبعد صلاحية ما حكم بنجاسته لرفع حكم النجاسة عن غيره، و من أمعن نظره في دليل انفعال القليل بالملاقاة رأى انه مختص بما إذا وردت النجاسة على الماء، فيجب حينئذ ان يكون المعتبر هنا هو عدم ورود النجاسة على الماء لا ورود الماء على النجاسة إذ بين الأمرين فرق واضح، و إذا ثبت ان المعتبر ما ذكرناه لم يحتج الى استثناء نحو الأواني و لا لتكلف حمل الورود على ما يقع أولا فإن ورود النجاسة في جميع ذلك منتف و المحذور إنما يأتي من جهته. انتهى.

أقول: مبنى هذا الاشكال و هذه التكلفات كلها في دفعه انما نشأ مما قدمنا ذكره من لزوم نجاسة الماء مع الورود كما ذكره و نحن قد حققنا سابقا في الموضع المشار اليه آنفا انه لا مانع من النجاسة الحاصلة آن التطهير بذلك الماء و انما قام الدليل على منع التطهير بما تنجس سابقا قبل التطهير، و بذلك اعترف ايضا صاحب المعالم في هذا المقام بعد هذا الكلام فقال- بعد ان ذكر بأنه على رأي القائلين بنجاسة الماء القليل تعويلا على ان الماء القليل ينفعل بملاقاة النجاسة بأي وجه فرض و ان اعتبار ذلك مشكل إذ نجاسة الماء حاصلة على كل حال و مسمى الغسل المأمور به يصدق و ان كان الوارد هو النجاسة- ما هذا لفظه: و الفرق بينه و بين استعمال ما حكم بنجاسته بغير هذا الوجه من مقتضيات التنجيس قيام الدليل على عدم صلاحية ذلك للاستعمال و انتفاؤه في هذا، فان دليل نجاسته انما يقتضي المنع من استعماله في مغسول آخر و اما نفس المغسول الأول الذي‌

400
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة السابعة) اشتباه موضع النجاسة في الثوب ؛ ج 5، ص : 401

 

منه نشأ الحكم بالتنجيس فليس في الدليل ما يقتضي المنع من استعماله فيه بالنظر الى إزالة ذلك الحكم عنه. انتهى. و اما عدوله بعد ذلك عن هذا الكلام الى ما نقله عن العلامة من تخصيصه حصول النجاسة بما بعد الانفصال و ما تكلفه من استثناء ذلك للضرورة فيحتاج الى بيان القدح فيه و بيان إبطاله بدليل شاف و إلا فلا وجه للعدول عنه الى ما ذكره لظهور صحته و استقامته كما حققناه فيما تقدم. و الله العالم.

(المسألة السابعة) [اشتباه موضع النجاسة في الثوب]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) في انه إذا علم موضع النجاسة في ثوب و نحوه غسل ذلك الموضع خاصة و ان اشتبه غسل ما وقع فيه الاشتباه من الثوب كله أو بعض نواحيه و بالجملة كل موضع يحتمل كون النجاسة فيه. قال في المعتبر انه مذهب علمائنا و في المنتهى انه مذهب علمائنا اجمع و انما خالف فيه جماعة من العامة. و إذا حصل الاشتباه في ثوبين بحيث لا يدرى أيهما النجس وجب تطهيرهما معا و لو تعذر صلى الصلاة الواحدة فيهما مرتين.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين‌

[المقام] (الأول) فيما إذا حصل الاشتباه في الثوب الواحد

، و يدل على الحكم المذكور عدة روايات:

منها-

صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال في المني يصيب الثوب: «ان عرفت مكانه فاغسله فإن خفي عليك مكانه فاغسله كله».

و صحيحة زرارة الطويلة «2» و فيها قال: «قلت فاني قد علمت أنه اصابه و لم أدر أين هو فاغسله؟ قال تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتى تكون على يقين من طهارتك».

و اعترض هذا الخبر العلامة في المنتهى بأن زرارة لم يسنده الى الامام (عليه السلام) فلا حجة فيه. و فيه ان الشيخ و ان رواه في الصحيح كما ذكره إلا ان الصدوق قد‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من النجاسات.

(2) التهذيب ج 1 ص 119 و في الوسائل في الباب 37 و 41 و 42 و 44 من النجاسات.

 

401
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) فيما إذا حصل الاشتباه في الثوب الواحد ؛ ج 5، ص : 401

رواه في العلل «1» في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) على انه من الظاهر البين الظهور ان مثل زرارة لا يعتمد في أحكام دينه على غير امام سيما مع ما اشتمل عليه الخبر من الأسئلة العديدة و المراجعة مرة بعد أخرى فإن صدور مثل هذا من غير الامام لا يقبله الفهم السليم.

و منها-

حسنة الحلبي أو صحيحته عن الصادق (عليه السلام) «2» قال:

«إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه فإن ظن أنه أصابه مني و لم يستيقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء و ان استيقن انه قد أصابه مني و لم ير مكانه فليغسل الثوب كله فإنه أحسن».

و في الحسن أو الصحيح عن محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«سألته عن أبوال البغال و الدواب و الحمير فقال اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله».

و عن سماعة «4» قال: «سألته عن المني يصيب الثوب؟ قال اغسل الثوب كله ان خفي عليك مكانه قليلا كان أو كثيرا».

قال في المدارك- بعد ان نقل عن المحقق في المعتبر انه استدل على هذا الحكم بأن النجاسة موجودة على اليقين و لا يحصل اليقين بزوالها إلا بغسل جميع ما وقع فيه الاشتباه- ما هذا لفظه: و يشكل بان يقين النجاسة يرتفع بغسل جزء مما وقع فيه الاشتباه يساوي قدر النجاسة و ان لم يحصل القطع بغسل ذلك المحل بعينه. انتهى.

أقول: ما ذكره من الاشكال هنا مبني على ما قدمنا نقله عنه في مسألة الإناءين من حكمه بالطهارة في أحدهما، و قد أوضحنا ثمة بطلانه و بطلان ما توهمه من الاشكال و انه مجرد و هم نشأ من عدم التأمل في أدلة المسألة و تتبعها من جملة مواردها، و بالجملة فإنه لو كان ما ادعاه حقا بناء على قاعدته التي بنى عليها في أمثال هذا المقام و الاخبار التي توهم‌

______________________________
(1) ص 127.

(2) المروية في الوسائل في الباب 16 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 9 من النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 16 من النجاسات.

402
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب إذا غسل نصف الثوب النجس و بقي نصفه ؛ ج 5، ص : 403

دلالتها على ما صار اليه لكان الحكم في هذا الموضع ما ذكره من الاكتفاء بغسل جزء مما يظن فيه الاشتباه لأنه أحد جزئيات المسألة مع ان الاخبار كما ترى متفقة على وجوب غسل الجميع و انه لا يطهر إلا بذلك و هو أظهر ظاهر في بطلان ما بنى عليه، و مثل هذا الموضع غيره من المواضع التي نبهنا عليها ثمة في دلالة أخبارها على خلاف ما بنى عليه مع موافقته على العمل بما دلت عليه كما اعترف به هنا.

ثم قال ايضا (قدس سره) في المقام المذكور بعد إيراد أخبار المسألة: و لا يخفى ان الحكم بوجوب غسل الجميع لتوقف الواجب عليه أو للنص لا يقتضي الحكم بنجاسة كل جزء من اجزائه فلو لاقى بعض المحل المشتبه جسم طاهر برطوبة فالأظهر بقاؤه على الطهارة استصحابا للحكم قبل الملاقاة الى ان يحصل اليقين بملاقاته للنجاسة،

و في خبر زرارة المتقدم «1» «ليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا».

انتهى.

أقول: قد حققنا سابقا في مسألة الإناءين ان المستفاد من اخبار المسألة هو إعطاء المشتبه بالنجس في المحصور حكم النجس و المشتبه بالحرام كذلك حكم الحرام واحد لم يقل بنجاسة المشتبه و يجزم بالحكم عليه بالنجاسة و انما يدعى انه في حكم النجس في إجراء أحكامه، و لا ريب انه هو المستفاد من الاخبار كاخبار هذا الموضع فان الظاهر من الأمر فيها بتطهير الثوب كملا هو ترتب حكم النجس عليه قبل التطهير من عدم جواز الصلاة فيه و من تعدى النجاسة منه برطوبة و نحو ذلك من أحكام النجس المتيقن النجاسة و اما خبر زرارة الذي ذكره هنا هو و غيره فقد تقدم القول فيه ثمة و بينا انه ليس من محل المسألة في شي‌ء فلا نعيده.

تذنيب [إذا غسل نصف الثوب النجس و بقي نصفه]

قال الشيخ في الخلاف: إذا أصاب الثوب نجاسة فغسل نصفه و بقي نصفه فان‌

______________________________
(1) تقدم ص 256.

403
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - فيما إذا حصل الاشتباه في الثوبين ؛ ج 5، ص : 404

المغسول يكون طاهرا و لا تتعدى نجاسة النصف الآخر اليه، ثم حكى عن بعض العامة انه قال لا يطهر النصف المغسول لانه مجاور لا جزاء نجسة فتسري إليه النجاسة فينجس «1» قال الشيخ و هذا باطل لان ما يجاوره أجزاء جافة لا تتعدى نجاستها اليه، قال و لو تعدت لكان يجب ان يكون إذا نجس جسم ان ينجس العالم كله لأن الأجسام كلها متجاورة و هذا تجاهل،

ثم قال و روى عن النبي (صلى الله عليه و آله) و عن أئمتنا (عليهم السلام) «2» انه إذا وقع الفأر في سمن جامد أو في زيت القى و ما حوله و استعمل الباقي، و لو كانت النجاسة تسري لوجب ان ينجس الجميع.

و هذا خلاف النص. و ما ذكره (قدس سره) هنا جيد، و قد اقتفاه في هذه المقالة جمع ممن تأخر: منهم- الفاضلان في المعتبر و المنتهى و الشهيد في الذكرى فأوردوا محصول كلامه و دليله، و استجوده في المعالم ثم قال: و لا يخفى ان ما ذكره من لزوم نجاسة العالم بنجاسة جسم فيه يحتاج الى التقييد بحال كونه بأجمعه رطبا و لظهور ذلك لم يتعرض له و كذا الجماعة بعده.

(المقام الثاني)- فيما إذا حصل الاشتباه في الثوبين

و الأشهر الأظهر هو ما قدمناه من وجوب تطهيرهما معا و وجوب الصلاة الواحدة في كل منهما، و نقل في الخلاف عن بعض الأصحاب انه يطرحهما و يصلي عاريا و جعله في المبسوط رواية و اختاره ابن إدريس بعد نقله عن بعض الأصحاب.

و الذي يدل على وجوب الصلاة فيهما‌

______________________________
(1) في المهذب ج 1 ص 50 «قال أبو العباس بن القاص إذا كان ثوبه كله نجسا فغسل بعضه في جفنة ثم عاد فغسل ما بقي لم يطهر حتى يغسل الثوب كله دفعة واحدة لأنه إذا صب على بعضه ماء ورد جزء من البعض الآخر على الماء نجسه و إذا نجس الماء نجس الثوب».

(2)

في سنن البيهقي ج 9 ص 354 «ان رسول الله (ص) سئل عن فأرة سقطت في سمن فماتت فقال النبي (ص) خذوها و ما حولها و كلوا سمنكم».

و الأحاديث المروية عن أئمتنا (ع) في ذلك تقدمت ص 56.

404
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - فيما إذا حصل الاشتباه في الثوبين ؛ ج 5، ص : 404

ما رواه الصدوق في الصحيح أو الحسن عن صفوان عن ابي الحسن (عليه السلام) «1»: «انه كتب إليه يسأله عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو و حضرت الصلاة و خاف فوتها و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال يصلي فيهما جميعا».

قال الصدوق يعني على الانفراد.

و استدل على ذلك في المدارك أيضا بأنه متمكن من الصلاة في ثوب طاهر من غير مشقة فيتعين عليه، و بان الصلاة في الثوب المتيقن النجاسة سائغة بل ربما كانت متعينة على ما سيجي‌ء بيانه ان شاء الله تعالى فالمشكوك فيه اولى، و متى امتنعت الصلاة عاريا ثبت وجوب الصلاة في أحدهما أو في كل منهما إذ المفروض انتفاء غيرهما و الأول منتف إذ لا قائل به فيثبت الثاني، و يدل عليه ما رواه صفوان ثم أورد الرواية المذكورة.

أقول: ما ذكره- من ان الأول منتف إذ لا قائل به- فيه انه و ان كان لا قائل به كما ذكره إلا ان مقتضى قاعدته التي بنى عليها النزاع في مسألة الإناءين و نحوها هو صحة الصلاة في واحد منهما كما ذكره في مسألة الإناءين حيث قال ان اجتناب النجس لا يقطع بوجوبه إلا مع تحققه لا مع الشك، و ما ذكره أيضا في مسألة حصول النجاسة في المكان المحصور من انه لا مانع من الانتفاع بالمشتبه فيما يفتقر إلى الطهارة إذا لم يستوعب المباشرة، و حينئذ فاللازم من ذلك في هذا الموضع لو كان ما ذكره صحيحا هو وجوب الصلاة في أحدهما فنفيه له هنا مناقض لما اختاره في تلك المسائل مع ان الجميع من باب واحد، و من الظاهر ان النص الوارد في هذه المسألة كالنصوص الواردة في سابقتها أظهر ظاهر في رد كلامه و إبطاله من أصله لأن هذه من جزئيات المسألة المذكورة.

و قال ابن إدريس في السرائر: و إذا حصل معه ثوبان أحدهما نجس و الآخر طاهر و لم يتميز له الطاهر و لا يتمكن من غسل أحدهما، قال بعض أصحابنا يصلى في كل واحد منهما على الانفراد وجوبا، و قال بعض منهم ينزعهما و يصلي عريانا، و هذا الذي يقوى في نفسي و به افتى لأن المسألة بين أصحابنا خلافية و دليل الإجماع فيه منفي‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 64 من النجاسات.

405
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - فيما إذا حصل الاشتباه في الثوبين ؛ ج 5، ص : 404

فإذا كان كذلك فالاحتياط يوجب ما قلناه، فان قال قائل بل الاحتياط يوجب الصلاة فيهما على الانفراد لأنه إذا صلى فيهما جميعا تبين و تيقن بعد فراغه من الصلاتين معا انه قد صلى في ثوب طاهر، قلنا المؤثرات في وجوه الأفعال يجب ان تكون مقارنة لها لا متأخرة عنها و الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة ان يقطع على ثوبه بالطهارة و هذا يجوز عند افتتاح كل صلاة من الصلاتين انه نجس و لا يعلم انه طاهر عند افتتاح كل صلاة فلا يجوز ان يدخل في الصلاة إلا بعد العلم بطهارة ثوبه و بدنه و لا يجوز ان تكون صلاته موقوفة على أمر يظهر فيما بعد، و ايضا كون الصلاة واجبة وجه يقع عليه الصلاة فكيف يؤثر في هذا الوجه ما يأتي بعده و من شأن المؤثر في وجوه الأفعال ان يكون مقارنا لها لا يتأخر عنها على ما بيناه. انتهى.

و فيه انه- مع كونه محض اجتهاد صريح في مقابلة النص الصحيح- مردود بما ذكره جملة ممن تأخر عنه، اما ما ذكره من وجوب اقتران ما يؤثر في وجوه الأفعال فبالمع لانتفاء ما يدل عليه. ثم لو سلم ذلك فنقول انه مقيد بحال التمكن لا مطلقا. ثم مع تسليم هذا ايضا فيمكن ان يقال بحصول ذلك فإنه يقصد وجوب كل واحدة من الصلاتين فان ستر العورة بالساتر الطاهر لما كان واجبا و كان تحصيله موقوفا على الإتيان بالصلاتين تعين فتكون الصلاتان واجبتين من باب المقدمة، قال في المختلف بعد حكمه بوجوب الصلاتين من باب المقدمة: و هو- يعني ابن إدريس- لم يتفطن لذلك و حسب ان احدى الصلاتين واجبة دون الأخرى ثم يعلم المكلف بعد فعلهما انه قد فعل الواجب في الجملة، و ليس كذلك. و اما ما ذكره من ان الواجب عليه عند افتتاح كل فريضة ان يقطع بطهارة ثوبه فبالمنع من ذلك فإنه شرط مع القدرة لا مع الاشتباه، و انما أوردنا لك كلامه بطوله و ما ينبه على ضعف محصوله لتطلع على مزيد ضعف ما ذهب اليه و إلا فذكر جميع ذلك بعد ما عرفت من النص الواضح تطويل بغير طائل و تحصيل لغير حاصل.

406
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 407

فروع

(الأول)

- ما ذكر من الحكم المذكور لا يختص بالثوبين بل لو وقع الاشتباه في ثلاثة و قد علم كون واحد منها نجسا يقينا فإنه يصلي الفريضة الواحدة في اثنين منها خاصة، اما لو تعدد النجس كما لو كان ثوبان نجسان اشتبها بثوب طاهر فإنه يصلي الفريضة الواحدة فيما زاد عن النجس بواحد لتصادف الصلاة الزائدة الطاهر، فان كان النجس واحدا صلى الفريضة مرتين في ثوبين و ان كان اثنين صلاها ثلاثا و هكذا مراعيا للترتيب، فيصلي من وجبت عليه الظهر و العصر مثلا الظهر أولا في كل منهما ثم العصر في كل منهما لو كان الاشتباه بواحد نجس، و لو صلى الظهر و العصر في أحدهما ثم نزعه و صلى الفرضين أيضا في الآخر فقد صرح الأصحاب بالصحة لتحقق الترتيب و استشكل ذلك بعض للنهي عن الشروع في الثانية حتى تتحقق البراءة من الاولى.

و هو جيد. و لو صلى الظهر في أحدهما ثم صلى العصر في الآخر ثم صلى الظهر فيما صلى فيه العصر ثم صلى العصر فيما صلى فيه الظهر صحت الظهر لا غير و وجب اعادة العصر فيما صلى فيه العصر أولا لجواز ان يكون الظاهر هو ما وقعت فيه العصر الأولى.

(الثاني)

- لو تعددت الثياب و ضاق الوقت عن التكرار مطلقا فقيل بالصلاة عاريا لتعذر العلم بالصلاة في الطاهر بيقين. و قيل بتعين الصلاة في أحدها، لإمكان كونه الطاهر، و لاغتفار النجاسة عند تعذر إزالتها، و لان فقد وصف الساتر أسهل من فقده نفسه. و لما ورد من النصوص الدالة على الصلاة في الثوب النجس يقينا فالمشتبه اولى، و هو الأقرب.

(الثالث)

- قال في المنتهى: لو كان معه ثوب متيقن الطهارة تعين الصلاة فيه و لم يجز له ان يصلي في الثوبين لا متعددة و لا منفردة. قال في المدارك بعد نقله:

و هو حسن إلا ان وجهه لا يبلغ حد الوجوب و هو جيد.

407
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) ؛ ج 5، ص : 408

(الرابع)

- قال في المنتهى: و لو كان أحدهما طاهرا و الآخر نجسا معفوا عنه تخير في الصلاة في أيهما كان و الأولى الصلاة في الطاهر، قال و كذا لو كان احدى النجاستين المعفو عنهما في الثوب أقل من الأخرى كان الأولى الصلاة في الأقل.

أقول: اما حكمه بالأولوية في الصورة الأولى فجيد و عليه يدل بعض الاخبار بالتقريب المذكور ذيلها، و قد تقدمت في بعض فروع المسألة الرابعة من البحث الثاني فيما يجب إزالته من النجاسات من المقصد الثاني في الأحكام. و اما في الصورة الثانية فمحل توقف لانه مع بقاء النجاسة و صحة الصلاة معها لا يظهر لأولوية نقصانها وجه كما لا يخفى.

(الخامس)

- قيل لو فقد أحد المشتبهين صلى في الآخر و عاريا، و قيل بالاكتفاء بالصلاة في الباقي لجواز الصلاة في متيقن النجاسة. أقول: و هو جيد بناء على القول بذلك كما هو الأظهر و اما على قول من يوجب الصلاة عاريا فالمتجه هنا هو القول الأول. و الله العالم.

(المسألة الثامنة) [لو لم يجد إلا الثوب النجس بلا ضرورة إلى لبسه]

- اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيما لو لم يجد إلا الثوب النجس و لا ضرورة تلجئ الى لبسه من برد و نحوه و لا يقدر على غسله فهل تجوز الصلاة فيه و الحال كذلك أو تجب عليه الصلاة عاريا؟ و قد تقدم تحقيق البحث في هذه المسألة في المسألة السادسة من البحث الثاني فليرجع إليها من احتاج إليها.

(المسألة التاسعة) [الصلاة في النجاسة]

- لو صلى في النجاسة فلا يخلو اما ان يكون قد علم بها و صلى فيها عامدا أو لم يعلم بالكلية أو علم و نسي حال الدخول في الصلاة و لم يعلم إلا بعد الفراغ أو رآها في حال الصلاة.

و تحقيق الكلام في ذلك يتوقف على بسطه في مقامات أربعة‌

[المقام] (الأول)- ان يصلي فيه عالما عامدا

، و لا خلاف بين الأصحاب في بطلان صلاته و وجوب الإعادة عليه وقتا و خارجا، قال في المعتبر و هو إجماع ممن جعل طهارة البدن و الثوب شرطا.

و إطلاق كلام كثير من الأصحاب و صريح بعضهم انه لا فرق في العالم بالنجاسة بين‌

408
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - ان يصلي فيه عالما عامدا ؛ ج 5، ص : 408

ان يكون عالما بالحكم الشرعي أو جاهلا فإنه كالعالم في البطلان، لان شرط التكليف إمكان العلم فيكون مكلفا بما يشترط في الصلاة و عدم معرفة ذلك تقصير منه مستند الى تفريطه فيكون قد ضم تفريطا الى جهل فلا يكون معذورا، لانه بعد ان وصل اليه وجوب الصلاة و اشتراطها بأمور لزمه الفحص و التحقيق عما تصح معه و تفسد فتركه ذلك إخلال به عمدا، و نقل في المدارك عن العلامة و غيره انهم صرحوا بان جاهل الحكم عامد لان العلم ليس بشرط للتكليف، ثم اعترضه بأنه مشكل لقبح تكليف الغافل قال و الحق انهم ان أرادوا بكون الجاهل كالعامد انه مثله في وجوب الإعادة في الوقت مع الإخلال بالعبادة فهو حق لعدم حصول الامتثال المقتضى لبقاء التكليف تحت العهدة و ان أرادوا انه كالعامد في وجوب القضاء فهو على إطلاقه مشكل لان القضاء فرض مستأنف و يتوقف على الدليل فان ثبت مطلقا أو في بعض الصور ثبت الوجوب و إلا فلا، و ان أرادوا انه كالعامد في استحقاق العقاب فمشكل لان تكليف الجاهل بما هو جاهل به تكليف بما لا يطاق، نعم هو مكلف بالبحث و النظر إذا علم وجوبهما بالعقل و الشرع فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول كما هو واضح انتهى كلامه. و عليه جرى جملة ممن تأخر عنه.

و التحقيق عندي في المقام هو التفصيل بالنسبة إلى أفراد المكلفين و ان كلام كل من القائلين بعدم المعذورية و القائلين بالمعذورية ليس على إطلاقه، و ذلك لما حققناه في المقدمة الخامسة من مقدمات الكتاب من ان الجهل على قسمين: (أحدهما)- ان يراد به الغفلة عن الحكم الشرعي بالكلية و هو الجهل الساذج و هذا هو الذي يجب القول بمعذوريته في جميع الأحكام لان تكليف الغافل الذاهل مما منعت منه الأدلة العقلية و النقلية و عليه يجب ان تحمل الأخبار المستفيضة بمعذورية الجاهل. و (ثانيهما)- ان يراد به الغير العالم و ان كان شاكا أو ظانا و هذا هو الذي يجب ان يقال بعدم معذوريته و عليه تحمل الأخبار الدالة على عدم معذورية الجاهل كما تقدمت في المقدمة المذكورة،

409
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - ان يصلي فيه عالما عامدا ؛ ج 5، ص : 408

و قد بينا ثمة ان الحكم في ذلك مختلف باختلاف الناس في أنسهم بالأحكام و التمييز بين الحلال و الحرام و عدمه و قوة أفهامهم و عقولهم و عدمها، و بالجملة فتحقيق المسألة كما هو حقه قد تقدم في المقدمة المذكورة موضحا و مبرهنا عليه بالأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) فليرجع اليه من أحب تحقيق الحال و إزاحة الاشكال، و أوضح منه و ابسط ما في كتابنا الدرر النجفية.

و بذلك يظهر ان الجاهل بالمعنى الأول لا اعادة عليه لا وقتا و لا خارجا لعدم توجه الخطاب إليه بالكلية نعم لو علم في الوقت لزمه الإعادة حيث ان وقت الخطاب باق و اما القضاء فلا لنوقفه على أمر جديد، و هذا هو الذي يتم فيه كلام صاحب المدارك و تفصيله، و اما الجاهل بالمعنى الثاني فتجب عليه الإعادة وقتا و خارجا و ذلك لتوجه التكليف اليه و عدم ثبوت المعذورية بالجهل على هذا الوجه لانه عالم في الجملة و يتمكن من الفحص و التحقيق في الأحكام كما يشير اليه قولهم في حجة المشهور: لانه بعد ان وصل اليه وجوب الصلاة و اشتراطها بأمور لزمه الفحص و التحقيق عما تصح معه و تفسد. فإنه جيد وجيه في الجاهل بهذا المعنى و عليه تدل الأخبار كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و حسنة بريد الكناسي و صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الواردة في التزويج في العدة كما تقدم جميع ذلك في المقدمة المذكورة «1» و يزيدها تأكيدا‌

ما رواه الكليني عن الفضل بن إسماعيل الهاشمي عن أبيه «2» قال: «شكوت الى ابي عبد الله (عليه السلام) ما القى من أهل بيتي من استخفافهم بالدين فقال يا إسماعيل لا تنكر ذلك من أهل بيتك فان الله تبارك و تعالى جعل لكل أهل بيت حجة يحتج بها على أهل بيته في القيامة فيقال لهم أ لم تروا فلانا فيكم أ لم تروا هديه فيكم أ لم تروا صلاته فيكم أ لم تروا دينه فهلا اقتديتم به؟ فيكون حجة الله عليهم في القيامة».

و عن معاوية بن عمار «3» قال: «سمعت أبا عبد الله

______________________________
(1) ج 1 ص 73 و 82.

(2) روضة الكافي ص 83 الطبع الحديث.

(3) روضة الكافي ص 84 الطبع الحديث.

410
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - ان يصلي فيه عالما عامدا ؛ ج 5، ص : 408

(عليه السلام) يقول ان الرجل منكم ليكون في المحلة فيحتج الله تعالى يوم القيامة على جيرانه به فيقال لهم أ لم يكن فلان فيكم أ لم تسمعوا كلامه أ لم تسمعوا بكاءه في الليل؟

فيكون حجة الله عليهم».

و التقريب فيهما هو الدلالة على ان الله عز و جل يحتج على الجهال و ما يأتونه لجهلهم من عبادة و غيرها بالصلحاء الذين بين أظهرهم و عباداتهم و نسكهم فينبغي لهم الاقتداء بهم و السؤال و الفحص منهم، و منه يعلم ان الجهال متى علموا بوجوب الصلاة و ان لها شروطا مصححة و أمورا مبطلة في الجملة و رأوا المصلين و ما هم عليه من القيام بالشروط المصححة و اجتناب الأمور المبطلة فإنه يجب عليهم الفحص و السؤال عن تلك الأحكام و الاقتداء بهم كما دلت عليه الاخبار المشار إليها آنفا، و يعضدها أيضا الأخبار المستفيضة بالأمر بالتثبت و التوقف عند الجهل بالحكم و عدم وجود من يسأل عنه‌

كقول الصادق (عليه السلام) في رواية حمزة بن الطيار «1» «لا يسعكم فيما ينزل بكم مما لا تعلمون إلا الكف عنه و التثبت و الرد إلى أئمة الهدى حتى يحملوكم فيه على القصد و يجلوا عنكم فيه العمى و يعرفوكم فيه الحق. الحديث».

و اما من لم يصل اليه العلم بهذه الأشياء كمن نشأ في البادية مثلا و أخذ الصلاة من أمثاله من الجهال أو الرساتيق الغالب عليها الجهل و أمثالهم من النساء و البلة فهؤلاء من القسم الأول كما لا يخفى.

أقول: و ممن حام حول هذا التفصيل في معنى الجاهل و لكن لم يهتد للدخول فيه الفاضل المحقق الأردبيلي (قدس سره) في شرح الإرشاد حيث قال في هذا المقام: و ان كان جاهلا بالمسألة فقيل حكمه حكم العامد و فيه تأمل إذ الإجماع غير ظاهر و الأخبار ليست صريحة في ذلك، و النهي الوارد بعدم الصلاة مع النجاسة أو الأمر الوارد بالصلاة مع الطهارة المستلزم له غير واصل اليه فلا يمكن الاستدلال بالنهي المفسد للعبادة لعدم علمه به فكيف يكون منهيا عنه؟ و لما هو المشهور من الخبر‌

«الناس في سعة ما لم يعلموا أو مما لم يعلموا» «2».

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 4 و 8 و 12 من صفات القاضي.

(2) راجع التعليقة 2 ج 1 ص 43.

411
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المقام(الأول) - ان يصلي فيه عالما عامدا ؛ ج 5، ص : 408

و ما علم شرطية الطهارة في الثوب و البدن للصلاة مطلقا حتى ينعدم بانعدامه مع ان الإعادة تحتاج الى دليل جديد. إلا ان يقال انه وصل اليه وجوب الصلاة و اشتراطها بأمور فهو بعقله مكلف بالفحص و التحقيق و الصلاة مع الطهارة و قالوا شرط التكليف هو إمكان العلم فهو مقصر و مسقط عن نفسه بأنه لم يعلم فلو كان مثله معذورا للزم فساد عظيم في الدين، فتأمل فإن هذا ايضا من المشكلات. انتهى كلامه. أقول: لا اشكال بحمد الله الملك المتعال بعد ما أوضحناه من التفصيل في معنى الجاهل في هذا المجال، و اما قوله فهو بعقله ففيه انه مكلف بالاخبار ايضا كما عرفت من الاخبار الدالة على وجوب الفحص و السؤال على الجاهل بالمعنى الثاني و ان أيدتها الأدلة العقلية أيضا، و عليك بالتوثق بهذا التحقيق لتنجو به في جملة من الأحكام من لجج المضيق، هذا.

و اما الاخبار الدالة على بطلان صلاة العالم العامد فهي كثيرة، و منها-

صحيحة محمد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك، و كذلك البول».

و حسنة عبد الله بن سنان «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم؟ قال ان كان علم انه أصاب ثوبه جنابة قبل ان يصلي ثم صلى فيه و لم يغسله فعليه ان يعيد ما صلى و ان كان يرى أنه اصابه شي‌ء فنظر فلم ير شيئا أجزأه ان ينضحه بالماء».

و صحيحة إسماعيل الجعفي عن الباقر (عليه السلام) «3» قال: «في الدم يكون في الثوب الى ان قال و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 16 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 20 من النجاسات.

412
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - ان يصلي فيها جاهلا بها ؛ ج 5، ص : 413

صلاته و ان لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد الصلاة».

(المقام الثاني)- ان يصلي فيها جاهلا بها

و الأشهر الأظهر صحة صلاته، و قال الشيخ في المبسوط يعيد في الوقت لا في خارجه و نقل عنه انه اختاره في باب المياه من النهاية أيضا، و قال في الدروس بعد نقل هذا القول: و حملناه في الذكرى على من لم يستبرئ بدنه و ثوبه عند المظنة للرواية. و ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم وجوب القضاء لو لم يعلم حتى خرج الوقت، و نقل ابن إدريس في السرائر و ابن فهد في المهذب الإجماع عليه، و نسبه في المنتهى الى أكثر علمائنا مؤذنا بالخلاف فيه، و هو الظاهر ايضا من الخلاف حيث قال فيه: مسألة- إذا صلى ثم رأى على ثوبه نجاسة أو بدنه يتحقق انها كانت عليه حين الصلاة و لم يكن علمها قبل اختلف أصحابنا في ذلك و اختلفت رواياتهم، فمنهم من قال تجب الإعادة على كل حال، و قال بعد ذلك و منهم من قال ان علم في الوقت أعاد و ان لم يعلم إلا بعد خروج الوقت لم يعد. انتهى. و العجب انه اقتصر على القولين المخالفين في المسألة و لم ينقل القول المشهور و هو عدم الإعادة مطلقا.

و كيف كان فالظاهر هو القول الأول للأخبار الكثيرة، و منها صحيحة محمد بن مسلم و صحيحة الجعفي المتقدمتان.

و منها-

صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله عن الصادق (عليه السلام) «1» «عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟ قال ان كان لم يعلم فلا يعد».

و رواية أبي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن رجل صلى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم؟ قال قد مضت صلاته و لا شي‌ء عليه».

و صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) الطويلة «3» و فيها «قلت فان ظننت

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(3) التهذيب ج 1 ص 119 و في الوسائل في الباب 37 و 41 و 42 و 44 من النجاسات.

413
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - ان يصلي فيها جاهلا بها ؛ ج 5، ص : 413

انه قد اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فيه فرأيت فيه؟ قال تغسله و لا تعيد الصلاة».

و رواية أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «ان أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه. الحديث».

و حسنة عبد الله بن سنان المتقدمة إلا ان ما تقدم برواية الشيخ و اما برواية الكليني «2» فقل فيها بعد قوله «فعليه ان يعيد ما صلى» «و ان كان لم يعلم فليس عليه اعادة. الى آخر ما تقدم».

و صحيحة علي بن جعفر المروية في قرب الاسناد عن أخيه (عليه السلام) «3» و ستأتي ان شاء الله تعالى في المطلب الآتي و فيها «و ان كان رآه و قد صلى فليعتد بتلك الصلاة ثم ليغسله».

و يؤيده أيضا‌

صحيحة محمد بن مسلم «4» قال: «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي؟ قال لا يؤذنه حتى ينصرف».

و صحيحة العيص بن القاسم «5» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما ثم ان صاحب الثوب أخبره انه لا يصلي فيه؟ قال لا يعيد شيئا من صلاته».

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة و كلها- كما ترى- ظاهرة الدلالة على صحة القول المشهور.

بقي الكلام فيما ذكره في الدروس من الكلام بالنسبة إلى النجاسة المظنونة و الفرق بينها و بين المجهولة جهلا ساذجا حيث انه فصل في صورة الظن بين الاجتهاد بالنظر و عدمه فأوجب الإعادة على الثاني دون الأول، قال في الذكرى بعد نقل صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة المتضمنة لقوله: «و ان أنت نظرت في ثوبك. إلخ» ما صورته:

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 47 من النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 47 من النجاسات.

414
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - ان يصلي فيها جاهلا بها ؛ ج 5، ص : 413

و لو قيل بعدم الإعادة على من اجتهد قبل الصلاة و يعيد غيره أمكن لهذا الخبر‌

و لقول الصادق (عليه السلام) «1» في المني تغسله الجارية ثم يوجد: «أعد صلاتك اما انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء».

ان لم يكن احداث قول ثالث. انتهى.

و اعترضه في ذلك جملة من المتأخرين: منهم- السيد في المدارك.

أقول: ان ظاهر الشيخين و الصدوق القول بذلك و ان لم يعثر عليه شيخنا المشار اليه، و لهم في الاستدلال عليه ما هو أصرح من دليله، اما الشيخ المفيد (قدس سره) فإنه قال- بعد ان ذكر وجوب الإعادة على من ظن انه صلى على طهارة ثم انكشف فساد ظنه- ما صورته: و كذلك من صلى في الثوب و ظن انه طاهر ثم عرف بعد ذلك انه كان نجسا ففرط في صلاته من غير تأمل له أعاد الصلاة. و ظاهر الشيخ موافقته حيث استدل له‌

بما رواه عن منصور الصيقل عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «قلت له رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل و صلى فلما أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة؟ فقال الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلا و قد جعل له حدا ان كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا اعادة عليه و ان كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة».

و اما الصدوق فإنه‌

روى في الفقيه مرسلا «3» قال: و قد روى في المني «انه ان كان الرجل حين قام نظر و طلب فلم يجد شيئا فلا شي‌ء عليه و ان كان لم ينظر و لم يطلب فعليه ان يغسله و يعيد صلاته».

و يعضد ما دلت عليه هاتان الروايتان‌

قوله (عليه السلام) في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة: «و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا اعادة عليك».

الدال بمفهومه على انك إذا لم تنظر فعليك الإعادة، و يشير اليه‌

قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة و ان كان في كلام الراوي: «قلت فان ظننت أنه اصابه و لم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثم صليت فيه فرأيت فيه؟ قال تغسله و لا تعيد

______________________________
(1) المروي في الوسائل في الباب 18 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 41 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 41 من النجاسات.

415
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - ان يصلي فيها جاهلا بها ؛ ج 5، ص : 413

الصلاة».

فإن الجواب بعدم إعادة الصلاة قد ترتب هنا على ظن الإصابة مع النظر و عدم الرؤية فيفهم منه ترتب الإعادة مع الظن المذكور و عدم النظر.

و بالجملة فظاهر الروايات المذكورة و لا سيما الأوليين هو ما ذكره أولئك الأجلاء (رضوان الله عليهم) إلا انه ربما يشكل ذلك باعتبار بناء المصلي على يقين الطهارة فإن الظاهر انه لا يجب عليه الفحص في الثوب و لا طلب النجاسة متى ظنها أو شك فيها لما يفهم من جملة من الاخبار و قد تقدمت من النهي عن السؤال عما يشترى من أسواق المسلمين و ان ذلك تضييق للدين «1» و ما يستفاد من‌

صحيحة زرارة الطويلة و فيها بعد ما قدمنا نقله هنا منها من قوله: «قلت فان ظننت أنه أصابه. إلخ» «قلت لم ذلك؟

قال لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا. الى ان قال فهل علي ان شككت في انه أصابه شي‌ء ان انظر فيه؟ قال لا و لكنك انما تريد ان تذهب عنك الشك الذي في نفسك. الحديث».

و هي صريحة- كما ترى- في البناء على يقين الطهارة كما هي القاعدة المطردة المتفق عليها و ان النظر في مقام الظن أو الشك انما هو مستحب لا ذهاب وسوسة الشيطان، و المراد بالشك في الخبر ما يشمل الظن كما حققناه في محل أليق، و المراد بالشك هنا ما يقابل اليقين الشامل للظن و الشك بالمعنى المصطلح، و حينئذ فيمكن حمل الإعادة في تلك الاخبار على الاستحباب. اللهم إلا ان يقال انه لا منافاة بين عدم وجوب النظر عليه من أول الأمر و وجوب الإعادة لو ظهرت النجاسة في الصورة المذكورة لعدم فحصة عنها و طلبه لها و تظهر الفائدة في صحة صلاته مع استمرار الاشتباه، و نظيره في الأحكام غير عزيز فان من صلى مع اشتباه الوقت بانيا على ظن دخوله ثم ظهر خلاف ظنه بان كانت صلاته قبل الوقت فإنه يعيد و ان كانت صلاته صحيحة مع استمرار الاشتباه، و ظاهر رواية منصور ان هذا التفصيل حد شرعي للنجاسة في هذه الصورة فالمتعدي عنه داخل تحت‌

______________________________
(1) ص 257 و 258.

416
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثاني) - ان يصلي فيها جاهلا بها ؛ ج 5، ص : 413

قوله تعالى: «وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ «1» و تحت‌

قولهم (عليهم السلام) «2» «ان الله عز و جل جعل لكل شي‌ء حدا و لمن تعدى ذلك الحد حدا».

و هذه الروايات لا معارض لها بحسب الظاهر إلا إطلاق الروايات الدالة على عدم وجوب الإعادة على الجاهل و قضية الجمع توجب تقييد إطلاقها بهذه الروايات لكونها أخص، و على هذا فتكون الأخبار مخصوصة بالجهل الساذج الخالي من حصول الظن بالكلية، و بذلك يظهر قوة القول المذكور و يعضده أنه الأوفق بالاحتياط.

بقي شي‌ء و هو ان مورد الأخبار المذكورة انما هو نجاسة المني إلا ان ظاهر عبارة الشيخ المفيد مطلق النجاسة و كذا كلام الشهيد، و هو كذلك إذ لا خصوصية للمني بذلك.

و ظاهر الأخبار المذكورة أيضا الإعادة وقتا و خارجا و هو ظاهر القائلين بذلك ايضا، هذا.

و اما ما ذهب اليه الشيخ من الإعادة في الوقت فنقل عنه انه استدل عليه بأنه لو علم النجاسة في أثناء الصلاة وجب عليه الإعادة فكذا إذا علم في الوقت بعد الفراغ.

و أجيب عنه بمنع الملازمة إذ لا دليل عليها. و بالجملة فضعفه أظهر من ان يبين بعد ورود تلك الاخبار الصحاح و الحسان. و أضعف منه القول بالإعادة بعد الوقت.

بقي هنا في المقام روايتان إحداهما‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن وهب بن عبد ربه عن الصادق (عليه السلام) «3» «في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك؟ قال يعيد إذا لم يكن علم».

و الثانية‌

ما رواه عن ابي بصير عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن رجل صلى و في ثوبه بول أو جنابة؟

فقال علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم».

و ظاهرهما الدلالة على القول بالإعادة مطلقا، و الشيخ قد أجاب عن الاولى في التهذيب بالحمل على انه إذا لم يعلم في حال الصلاة و كان قد سبقه العلم بحصول النجاسة في الثوب. و لا يخفى بعده. و حملها بعض على‌

______________________________
(1) سورة البقرة، الآية 229.

(2) أصول الكافي ج 1 ص 59 الطبع الحديث.

(3) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 40 من أبواب النجاسات.

417
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

الاستحباب و بعض على الاستفهام الإنكاري بحذف الهمزة و بعض على زيادة حرف النفي و توهم الراوي. و الثانية حملها الشيخ على عدم العلم حال الاشتغال بالصلاة و بعض على الاستحباب.

أقول و كيف كان فهما لا يبلغان قوة المعارضة لما سردناه من الاخبار الصحيحة الصريحة المعتضدة بعمل الطائفة المحقة قديما و حديثا فهما من المرجأة إلى قائلها (عليه السلام) حسب ما ورد عنهم من الرد إليهم فيما اشتبه علينا. و الله العالم.

(المقام الثالث)- ان يصلي فيها ناسيا

و قد اختلف في ذلك كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) على أقوال: ثالثها ان يعيد في الوقت لا في خارجه و هو المشهور بين المتأخرين، و رابعها استحباب الإعادة و اليه ذهب جملة من متأخري المتأخرين كصاحب المدارك و غيره.

و ينبغي ان يعلم أولا ان ظاهر كلام الأصحاب في هذا المقام الفرق بين نجاسة الاستنجاء و غيرها من افراد النجاسات، و ذلك فإنهم قد صرحوا بأنه لو صلى ناسيا الاستنجاء فالمشهور وجوب الإعادة وقتا و خارجا، و قال ابن الجنيد: إذا ترك غسل البول ناسيا تجب الإعادة في الوقت و تستحب بعد الوقت. و قال أبو جعفر بن بابويه:

و من صلى و ذكر بعد ما صلى انه لم يغسل ذكره فعليه ان يغسل ذكره و يعيد الوضوء و الصلاة و من نسي ان يستنجي من الغائط حتى يصلي لم يعد الصلاة. كذا نقله العلامة في المختلف. و اما الصلاة في النجاسة بغير ذلك فالمشهور بين المتقدمين هو وجوب الإعادة وقتا و خارجا حتى ادعى ابن إدريس عليه الإجماع و ذكر بأنه لولا الإجماع لما صار اليه كذا نقل عنه في المدارك، و الذي وقفت عليه من كلامه في السرائر في هذا المقام خلاف ذلك حيث انه بعد ذكر المسألة أدمى فيها عدم الخلاف إلا من الشيخ في الاستبصار، و ما ذكره عنه من قوله لولا الإجماع لما صار اليه ليس له أثر في الموضع المذكور و احتمال نقل صاحب المدارك عنه من غير السرائر أو منه في غير موضع المسألة بعيد كما‌

418
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

لا يخفى فينبغي التنبيه لا مثال ذلك. و حكى العلامة في التذكرة عن الشيخ في بعض أقواله عدم الإعادة مطلقا. و فصل الشيخ في الاستبصار بين الوقت و خارجه و تبعه المتأخرون و صار المشهور بينهم هذا القول، و بذلك يظهر ان ما ذكره في المدارك في باب الاستنجاء و حكم الصلاة مع نسيانه من انها من جزئيات هذه المسألة التي نحن فيها على إطلاقه لا يخلو من نظر، فإنه ان أراد عند الأصحاب فهو ليس كذلك لما عرفت و ان أراد باعتبار الدليل فيمكن، و قد تقدم الكلام في الاخبار المتعلقة بالاستنجاء و بسط البحث فيها في صدر الباب الثاني من الأبواب التي رتب عليها الكتاب.

بقي الكلام في اخبار هذه المسألة التي نحن بصدد الكلام عليها و تحقيق البحث فيها:

فنقول- و بالله الثقة لكل مأمول- من الأخبار الدالة على الإعادة مطلقا فيها‌

حسنة محمد بن مسلم الواردة في الدم «1» حيث قال (عليه السلام) «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلوات كثيرة فأعد ما صليت فيه».

و رواية أبي بصير في الدم ايضا «2» قال فيها: «و ان هو علم قبل ان يصلي فنسي و صلى فيه فعليه الإعادة».

و رواية سماعة «3» «عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي؟

قال يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه».

و صحيحة الجعفي في الدم ايضا «4» قال: «و ان كان أكثر من قدر الدرهم و كان رآه و لم يغسله حتى صلى فليعد صلاته».

و رواية جميل بن دراج في الدم ايضا «5» قال: «و ان كان قد رآه صاحبه قبل

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 40 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 42 من النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 20 من النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 20 من النجاسات.

419
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

ذلك فلا بأس ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم».

و صحيحة ابن ابي يعفور «1» «في نقط الدم يعلم به ثم ينسى ان يغسله فيصلي فيه ثم يذكر بعد ما صلى أ يعيد صلاته؟ قال يغسله و لا يعيد صلاته إلا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد صلاته».

و صحيحة زرارة «2» قال: «قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره الى ان أصيب له الماء فأصبت و حضرت الصلاة و نسيت ان بثوبي شيئا و صليت ثم اني ذكرت بعد ذلك؟ قال تعيد الصلاة و تغسله. قلت فان لم أكن رأيت موضعه و علمت انه قد اصابه فطلبته فلم اقدر عليه فلما صليت وجدته؟ قال تغسله و تعيد».

و رواية ابن مسكان «3» قال: «بعثت بمسألة الى ابي عبد الله (عليه السلام) مع إبراهيم بن ميمون قلت اسأله عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله فيصلي فيه ثم يذكر انه لم يغسله؟ قال يغسله و يعيد صلاته».

و صحيحة علي بن جعفر المروية في قرب الاسناد و كتاب المسائل عن أخيه موسى (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال ان كان رآه و لم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي و لا ينقص منه شي‌ء، و ان كان رآه و قد صلى فليعتد بتلك الصلاة».

و مما يدل على عدم الإعادة في هذه الصورة‌

صحيحة العلاء عن الصادق (عليه السلام) «5» قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء فينجسه فينسى أن يغسله فيصلي فيه ثم يذكر انه لم يكن غسله أ يعيد الصلاة؟ قال لا يعيد قد مضت الصلاة و كتبت

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من أبواب النجاسات.

(2) التهذيب ج 1 ص 119 و في الوسائل في الباب 37 و 40 و 42 و 44 من النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 42 من أبواب النجاسات.

 (4) المروية في الوسائل في الباب 40 من النجاسات.

(5) المروية في الوسائل في الباب 42 من أبواب النجاسات.

420
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

له».

و ظاهرها عدم الإعادة في الوقت و خارجه بتقريب التعليل المذكور فيها المشعر بكونها بعد الفراغ منها قد كتبت له لكونها على ظاهر الصحة.

و يظهر من المحقق في المعتبر الميل الى العمل بمضمونها حيث قال: و عندي ان هذه الرواية حسنة و الأصول تطابقها لانه صلى صلاة مشروعة مأمورا بها فيسقط الفرض بها. و مراده بالحسن هنا يعني بالنسبة إلى متنها و ما تضمنته من الحكم لا الحسن باعتبار السند لان هذا الاصطلاح في التقسيم للأقسام المشهورة انما وقع بعده و ان كان وقع التحدث به في زمانه كما يشعر به طعنه في الاخبار في المعتبر بضعف الإسناد إلا ان استقرار الاصطلاح المذكور انما وقع من تلميذه العلامة فلا يتوهم المنافاة في كلامه.

بقي الكلام في اختياره العمل بهذه الرواية مع ان بإزائها من الأخبار ما عرفت و الترجيح في جانب تلك الأخبار لكثرتها و تعددها و اعتضادها بالشهرة بين المتقدمين كما عرفت و المخالف مجهول القائل كما تقدم، و الشيخ و ان خالف في الاستبصار الى ما ذكره من التفصيل بين الوقت و خارجه إلا انه في جميع كتبه قد وافق الأصحاب كما نقله ابن إدريس في السرائر حيث انه كما عرفت ادعى الإجماع إلا من الشيخ في الاستبصار، و بالجملة فإني لا اعرف لاختياره العمل بهذه الرواية و عدم الجواب عن ما بإزائها وجها.

و الشيخ في الاستبصار قد جمع بين الاخبار بحمل روايات الإعادة على ما إذا ذكر في الوقت و رواية العلاء على ما إذا ذكر خارج الوقت، و استدل على هذا الجمع‌

بصحيحة علي بن مهزيار «1» قال: «كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره انه بال في ظلمة الليل و انه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه اصابه و لم يره و انه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله و تمسح بدهن و مسح به كفيه و وجهه و رأسه ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى؟ فأجابه بجوابه قرأته بخطه: اما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشي‌ء إلا

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 42 من النجاسات.

421
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

ما تحقق فان حققت ذلك كنت حقيقا ان تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل ان الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت و إذا كان جنبا أو صلى على غير وضوء فعليه اعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته لان الثوب خلاف الجسد فاعمل على ذلك ان شاء الله تعالى».

و جل المتأخرين قد تبعوه في ذلك.

و اعترض هذه الرواية في المدارك فقال و هي مع تطرق الضعف إليها من حيث السند بجهالة الكاتب مجملة المتن ايضا، بل ربما أفادت بظاهرها عدم اعتبار طهارة محل الوضوء و هو مشكل إلا ان يحمل قوله: «فان تحققت ذلك» على ان المراد ان تحققت وصول البول الى بدنك على وجه لا يكون في أعضاء الوضوء. انتهى.

أقول و في ما ذكروه من الجمع المذكور عندي نظر من وجهين: (أحدهما) ان من جملة أخبار وجوب الإعادة حسنة محمد بن مسلم المتقدمة و قوله فيها «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلوات كثيرة فأعد ما صليت فيه» و ظاهرها كما ترى انه صلى في النجاسة صلوات كثيرة، و من المعلوم ان هذه الصلوات بلفظ الجمع و وصف الكثرة فأكثرها انما يقع خارج الوقت فالإعادة تقع خارج الوقت البتة فلا يتم ما ذكروه، و نحوها صحيحة علي بن جعفر المتقدم نقلها من الكتابين المشار إليهما ثمة، فإن ظاهرها عموم الحكم للعامد و الناسي في الوقت و خارجه لان فرضه (عليه السلام) رؤيته و عدم غسله أعم من ان يكون سابقا أو حال الصلاة و وقوع الأمر بلفظ القضاء و التعبير عن المقضي بقوله: «جميع ما فاته» يعطي ان ذلك في خارج الوقت و ان الفائت صلوات متعددة، و يؤكده ان فرض الرؤية للنجاسة انما وقع من الغد بعد مضي تلك الصلوات في اليوم السابق، و ما عدا هذين الخبرين و ان كان مطلقا يقبل التقييد بما ذكروه إلا ان هذين الخبرين لا يقبلان ذلك، و حينئذ فلا تنطبق أخبار المسألة على ما ذكروه و به يظهر بطلانه و إبقاء الأخبار المطلقة على إطلاقها كما هو المشهور المأثور‌

422
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

و (ثانيهما)- ان ما استندوا إليه في حمل تلك الأخبار على وجوب الإعادة في الوقت من صحيحة علي بن مهزيار المذكورة فإنه على غاية من الاشكال المانع من الاستناد إليها في الاستدلال، فإنه لا يخفى على من تأمل في الرواية المذكورة بعين التحقيق ما فيها من الإشكالات العديدة و الاحتمالات البعيدة بل الغير السديدة و بذلك صرح جملة من الأصحاب في الباب (الأول)- أنها تقتضي عدم اشتراط طهارة أعضاء الوضوء قبل ورود مائه عليها و هو موجب لتنجسه حينئذ فكيف يصح رفع الحدث به؟

(الثاني)- ان ذلك الوضوء الذي قد توضأه اما ان يكون صحيحا أم لا و على كلا التقديرين فالمنافاة حاصلة في البين، اما على الأول فإن ظاهر امره (عليه السلام) بإعادة الصلاة التي صلاها بذلك الوضوء بعينه مشعر بأن منشأ الإعادة فساد الوضوء، و اما على الثاني فلان آخر الخبر دل على ان فساد الوضوء يقتضي قضاء الفوائت مع انه حكم فيه بان ما فات وقتها فلا اعادة عليه. و قد حمل بعضهم الوضوء في قوله (عليه السلام) «بذلك الوضوء بعينه» على التمسح و التدهن قال فإنه معنى لغوي. و لا يخفى ما فيه من البعد التام (الثالث)- ان اليد الماسحة للرأس لا ريب في تنجسها بملامسة الرأس لنجاسته فتنجس الرطوبة التي عليها (الرابع)- قوله: «كنت حقيقا ان تعيد الصلوات التي كنت صليتهن بذلك الوضوء» يعطي انه لو أحدث عقيب ذلك الوضوء و توضأ وضوء آخر و صلى صلوات فإنه لا يعيدها مع ان العلة مشتركة.

و أجاب بعضهم عن الإشكال الأول بالتزام ذلك قال: لانه لم يقم لنا دليل تام على بطلان الوضوء حينئذ فلنا ان نلتزم عدم الاشتراط و الاكتفاء في إزالة الخبث و رفع الحدث بورود ماء واحد. انتهى. و فيه مع تسليم صحة ما ادعاه ان المفهوم من الروايات الواردة في تطهير الثوب و البدن من نجاسة البول وجوب المرتين و هذا القائل من جملة القائلين بذلك فكيف يتم ما ذكره هنا؟

و اما ما أجاب به في المدارك مما قدمنا نقله عنه و قوله: «إلا ان يحمل قوله فان‌

423
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

تحققت. إلخ» ففيه ان السؤال قد تضمن انه أصاب كفه لم يشك في انه أصابه إلا ان الامام (عليه السلام) في الجواب لأجل بيان شقوق المسألة و استيفاء أحكامها ردد له بين التوهم و التحقيق في اصابة البول اليد فقال ان كان على جهة التوهم فليس بشي‌ء و ان حققت ذلك يعني اصابة البول اليد فالتحقيق راجع الى اصابة البول اليد فكيف يتم الحمل على تحقيق اصابة البدن على وجه لا يصيب إمضاء الوضوء كما زعمه (قدس سره)؟

و أجيب أيضا عن الاشكال الثالث بأنه ليس في كلام السائل ما هو نص في استيعاب الرأس بمسح الدهن فلعل مقدار ما يقع عليه مسح الوضوء لم ينجس بذلك الدهن و هو (عليه السلام) قد اطلع على ذلك و لا يخفى ما فيه من التكلف و الخروج عن الظاهر إلى أقصى غايات البعد.

و أجاب شيخنا البهائي في الحبل المتين عن الاشكال الرابع فقال: و لمتكلف ان يقول لعله أراد بذلك الوضوء بعينه الوضوء النوعي الخاص اعني الواقع بعد التدهن و قبل تطهير البدن، و هذا التفصي و ان كان كما ترى إلا انه محمل صحيح في ذاته. انتهى و بالجملة فمعنى الخبر المذكور على غاية من الخفاء و عدم الظهور و ارتكاب هذه التمحلات في دفع هذه الإشكالات لا يجدي نفعا في مقام الاستدلال، و لقد أجاد المحدث الكاشاني في الوافي حيث قال بعد نقل الرواية المذكورة: معنى هذا الحديث غير واضح و ربما يوجه بتكلفات لا فائدة في إيرادها و يشبه ان يكون قد وقع فيه غلط من النساخ. انتهى. و بعض فضلاء المتأخرين جعل بعض هذه الإشكالات المذكورة منشأ الاضطراب الموجب لرد الحديث.

هذا، و اما ما قدمنا نقله عن المدارك في اعتراضه على سند الرواية فهو منظور فيه بان الاعتماد في صحة الخبر المذكور انما هو على كلام الثقة الجليل علي بن مهزيار و قوله:

«فأجابه بجواب قرأته بخطه» و يحتمل ان يكون مراده الطعن بجهالة المكتوب اليه كما طعن به جده في الروض على الرواية المذكورة فحرف قلمه فانصرف الى الكاتب،

424
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الثالث) - ان يصلي فيها ناسيا ؛ ج 5، ص : 418

و فيه ايضا ان مثل علي بن مهزيار في جلالة شأنه لا ينسب مثل هذه العبارة الى غير الامام (عليه السلام) بل و لا يعتمد على غيره في شي‌ء من الأحكام كما صرحوا به (رضوان الله عليهم) في أمثال هذا المقام.

و صار جماعة من فضلاء متأخري المتأخرين لما رأوا ما في جمع الشيخ من الاختلال الى الجمع بين الأخبار بحمل أخبار الإعادة على الاستحباب و الظاهر انهم قد اقتفوا في ذلك المحقق (قدس سره) في المعتبر حيث اختار القول بعدم وجوب الإعادة فجعلوا التأويل في جانب أخبار الإعادة بحملها على الاستحباب، قال في المدارك بعد كلام في المسألة: و الأظهر عدم وجوب الإعادة لصحة مستنده و مطابقته لمقتضى الأصل و العمومات و حمل ما تضمن الأمر بالإعادة على الاستحباب. انتهى.

و فيه (أولا)- ما قدمنا ذكره في غير موضع من انه لا مستند لهذا الجمع و ان تكرر منهم في جميع أبواب الفقه بل ظواهر القواعد الأصولية المبتني عليها عندهم تقتضي رده فان ظواهر الاخبار الوجوب بلا خلاف و الحمل على الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا مع القرينة و اختلاف الاخبار ليس من قرائن المجاز، و لان الاستحباب حكم شرعي يحتاج ثبوته الى الدليل الواضح و مجرد اختلاف الاخبار لا يوجب ذلك.

و (ثانيا)- ان الأمر بالإعادة قد ورد في اخبار متعددة و نجاسات متفرقة و مقامات متباينة و فيها الصحيح و الحسن و الموثق و غيرها كما تقدم لك ذكره و ما استند اليه رواية واحدة و ان صح سندها، و من القواعد المقررة في كلام أهل العصمة (عليهم السلام) الترجيح بالشهرة يعني في الرواية سيما مع اعتضادها بالشهرة في الفتوى فكيف يصح الحكم بترجيح تلك الرواية على هذه الأخبار و الحال كما عرفت؟ و لا يخفى ان ترجيحها على هذه الاخبار و الحال ان فيها الصحيح باصطلاحه خلاف قاعدته التي بنى عليها في أكثر المواضع من شرحه، و اعتضاد تلك الرواية بالعمومات و مطابقة مقتضى الأصل غير مجد هنا فإن الأصل يجب الخروج عنه بمقتضى الدليل و العمومات يجب تخصيصها،

425
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقام الرابع) - ان يرى النجاسة و هو في الصلاة ؛ ج 5، ص : 426

 

و بالجملة فإنه لما تعارضت هذه الرواية و باقي أخبار المسألة و كان الترجيح في جانب الأخبار المذكورة لما ذكرناه من الوجوه فإنه لا يبقى للتمسك بهذا الأصل و لا بالعمومات وجه كما لا يخفى.

و (ثالثا)- ان موثقة سماعة التي هي من جملة أخبار الإعادة قد دلت بعد الأمر بالإعادة على ان ذلك عقوبة لنسيانه بمعنى تهاونه بالإزالة حتى ادى الى نسيانها و الصلاة فيها و إلا فالنسيان من حيث هو لا يترتب عليه عقوبة، و الظاهر ان العقوبة لا تجامع الاستحباب الذي يجوز معه الترك اختيارا.

و بالجملة فالظاهر عندي هو القول المشهور إلا انه يبقى الإشكال في صحيحة العلاء و ما الذي ينبغي ان تحمل عليه، و كيف كان فالاحتياط في جانب القول المشهور و به يظهر ترجيحه لو تعارضت الاخبار على وجه لا يمكن ترجيح أحد طرفيها، و ان الاحتياط عندنا في مثل ذلك واجب كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب. و الله العالم.

(المقام الرابع)- ان يرى النجاسة و هو في الصلاة

، و الحال هنا دائرة بين أمرين فاما ان يعلم سبق النجاسة على الدخول في الصلاة بإحدى القرائن و الأمارات الدالة على ذلك و ان كان حال دخوله في الصلاة جاهلا بها أم لا، فههنا صورتان:

(الاولى)- ان يعلم سبقها

، و المشهور بين الأصحاب- و به قطع الشيخ في النهاية و المبسوط و المحقق و غيرهما- انه يجب عليه ازالة النجاسة أو إلقاء الثوب النجس و ستر العورة بغيره مع الإمكان و إتمام الصلاة و ان لم يمكن إلا بفعل المبطل أبطلها و استقبل الصلاة، قال في المعتبر: و على قول الشيخ الثاني يستأنف. و أشار بالقول الثاني الى ما تقدم نقله عن المبسوط من اعادة الجاهل لو علم في الوقت، قال في المدارك و يشكل بمنع الملازمة إذ من الجائز ان تكون الإعادة لوقوع الصلاة بأسرها مع النجاسة و لا يلزم مثله في البعض، و بان الشيخ قطع في المبسوط بوجوب المضي في الصلاة مع التمكن من إلقاء الثوب و ستر العورة بغيره مع حكمه فيه بإعادة الجاهل في الوقت. انتهى. و هو جيد.

 

426
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) - ان لا يعلم السبق ؛ ج 5، ص : 427

(الثانية)- ان لا يعلم السبق

و الحكم فيها عند الأصحاب كما في سابقتها بل هي أولى كما لا يخفى، و نقل في المدارك هنا ايضا عن المعتبر انه قطع بوجوب الاستئناف هنا بناء على القول بالإعادة على الجاهل في الوقت، ثم قال في المدارك و هو أشكل من السابق.

أقول: و تحقيق الكلام في المقام يتوقف على نقل جملة الأخبار المتعلقة بالمسألة و تذييل كل منها بما هو الظاهر من سياقه و بيان ما هو الحق في المسألة:

و الذي وقفت عليه من الاخبار روايات: (الأولى)-

صحيحة زرارة المذكورة «1» حيث قال في آخرها «قلت ان رأيته في ثوبي و انا في الصلاة؟ قال تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته، و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك».

و ظاهر الخبر المذكور التفصيل بعد رؤية النجاسة بأنه ان كان قد حصل له ظن بالنجاسة قبل دخوله في الصلاة و صلى و الحال هذه فإنه تجب عليه الإعادة، و ينبغي تقييده بما إذا لم ينظر في الثوب بعد ظنه لانه (عليه السلام) قد قدم في الخبر انه مع الظن و النظر في الثوب و عدم رؤية النجاسة ثم يجدها بعد ذلك فلا اعادة عليه، و ان لم يحصل له ظن بالنجاسة بل كان خالي الذهن من ذلك ثم علم في أثناء الصلاة فإن الحكم فيه ما ذكره من إزالة النجاسة و البناء على ما صلى، و في حكمه إلقاء الثوب الذي فيه النجاسة و الاستتار بغيره إن أمكن، و الحكم في الصورة الأولى مخالف لما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم) من المضي في الصلاة بعد طرح النجاسة أو غسلها إن أمكن إلحاقا لرؤية النجاسة في الأثناء مع الجهل بها سابقا بالرؤية بعد الصلاة مع الجهل كذلك فإنه إذا صحت الصلاة كملا بالنجاسة في الصورة المذكورة فبعضها مع استدراك الباقي أولى إلا‌

______________________________
(1) التهذيب ج 1 ص 119 و في الوسائل في الباب 27 و 41 و 42 و 44 من النجاسات.

427
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) - ان لا يعلم السبق ؛ ج 5، ص : 427

انه موافق و معاضد لما قدمناه من التحقيق في المقام الثاني و ان حكم بعض الصلاة حكمها كملا في التفصيل المتقدم. و قال (عليه السلام) في الرواية المذكورة كما تقدم «و ان لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة و غسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع عليك فليس ينبغي ان تنقض اليقين بالشك» و من هذا الكلام يستفاد دليل الصورة الثانية. و غاية ما استدل به في المدارك في هذه الصورة الأصل السالم عما يصلح للمعارضة و غفل عن الصحيحة المذكورة.

الثانية-

حسنة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) «1» انه قال له: «الدم يكون في الثوب علي و انا في الصلاة؟ فقال ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره، و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم فان كان أقل من درهم فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره، و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلوات كثيرة فأعد ما صليت فيه، و ليس ذلك بمنزلة المني و البول، ثم ذكر المني فشدد فيه و جعله أشد من البول، ثم قال (عليه السلام) ان رأيت المني قبل أو بعد فعليك إعادة الصلاة، و ان أنت نظرت ثوبك فلم تصبه و صليت فيه فلا اعادة عليك و كذلك البول» هكذا رواه الصدوق في الفقيه «2».

و رواه ثقة الإسلام في الكافي «3» أيضا كذلك الى قوله: «فأعد ما صليت فيه».

و رواه الشيخ في التهذيب «4» إلا ان فيه هكذا «و لا اعادة عليك و ما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشي‌ء».

بزيادة الواو و حذف جملة «فإن كان أقل من درهم» و في الاستبصار «5» حذف الجملة المذكورة و لم يزد الواو، و كيف كان فالاعتماد على رواية الشيخين المذكورين بل أحدهما لو لم يكن إلا هو إذ لا يخفى على من لاحظ التهذيب و ما وقع للشيخ فيه من التحريف و التغيير و الزيادة و النقصان في متون‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 20 من النجاسات.

(2) ج 1 ص 161.

(3) ج 1 ص 18.

(4) ج 1 ص 72.

(5) ج 1 ص 175.

428
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) - ان لا يعلم السبق ؛ ج 5، ص : 427

الاخبار و أسانيدها ترجيح ما ذكره غيره من المحدثين و لا ريب ان هذا من جملة ذلك.

ثم انه قد دل صدر الخبر المذكور على انه إذا رأى الدم في ثوبه و هو في الصلاة فإن كان عليه ثوب غيره طرح الثوب النجس و أتم صلاته و هو مما لا خلاف فيه بين الأصحاب إلا انهم خيروا فيما إذا لم يكن عليه إلا ذلك الثوب النجس بين إزالة النجاسة و إلقاء الثوب النجس و الستر بغيره إن أمكن، و ظاهر الخبر ان الحكم في المسألة ما ذكرنا و ان علم سبق النجاسة ببعض القرائن المفيدة لذلك، و بذلك صرح الأصحاب أيضا كما تقدم، و ان لم يكن عليه ثوب غيره و لم يمكنه إزالة النجاسة كما ذكره الأصحاب و دلت عليه صحيحة زرارة و لا الاستبدال مضى في صلاته بذلك الدم الذي في الثوب إذا كان الدم مما يعفى عنه بان لم يزد على مقدار الدرهم و مفهومه انه إذا لم يكن مما يعفى عنه فإنه يقطع صلاته و يعيدها من رأس، و بالجملة فظاهر الخبر هو انه بعد الرؤية ان أمكن إزالة النجاسة بأي الوجوه المتقدمة و إلا قطع الصلاة و إطلاقه يقتضي عموم ذلك لما لو علم بالتقدم أو لم يعلم، و هو موافق لما افتى به الأصحاب (رضوان الله عليهم) في هذه الصورة و الصورة الثانية فتكون الرواية دليلا لكل منهما. و اما قوله: «و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله» فقد تقدم حكمه في المقام الثالث و اما قوله: «ان رأيت المني قبل أو بعد. الى آخر الخبر» فالظاهر ان معناه ان رأيت المني قبل الدخول في الصلاة ثم صليت فيه عامدا أو ناسيا فعليك الإعادة، و هذا مما لا اشكال فيه كما تقدم ذكره في المقام الأول و الثالث. بقي الكلام في رؤيته بعد الدخول و هو (عليه السلام) قد رتب عليه ايضا وجوب الإعادة كما إذا رآه قبل و يجب تقييده بحصول العلم بتقدمه بل هو الظاهر من المني لأنه ليس من قبيل سائر النجاسات التي يحتمل وقوعها عليه في أثناء الصلاة فلا يحتاج حينئذ إلى التقييد المذكور، ثم فصل (عليه السلام) في الرؤية البعدية بعد حكمه بالإعادة بأنه ان نظر فلم يصبه فلا اعادة عليه، و هذا التفصيل نظير ما تقدم في صحيحة زرارة المتقدمة و هو مؤيد لما حققناه في المقام الثاني‌

429
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) - ان لا يعلم السبق ؛ ج 5، ص : 427

و ان خالف مقتضى ما عليه كلمة جمهور الأصحاب من عدم الإعادة مطلقا، و حينئذ فصدر الخبر محمول على الجهل الساذج الذي لا ظن فيه أو عدم العلم بالتقدم.

و بالجملة فالمتلخص من هذين الخبرين هو الحكم بما ذكره الأصحاب (رضوان الله عليهم) في غير صورة حصول الظن بالنجاسة و عدم النظر في الثوب فإنهما دلا على وجوب الإعادة في هذه الصورة خاصة و يعضدهما في ذلك الخبر ان المتقدمان في المقام المذكور الثالثة-

موثقة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) «1» «في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به؟ قال عليه ان يبتدئ الصلاة».

و ربما حملت على من علم بالنجاسة ثم صلى فيها ناسيا أو على الاستحباب، و الأظهر حملها على ما دل عليه عجز صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة من الصلاة في الجنابة بعد حصول الظن بها من غير نظر في الثوب فتكون من جملة أخبار المسألة المذكورة.

الرابعة-

ما رواه الشيخ عن داود بن سرحان عن الصادق (عليه السلام) «2» «في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما قال يتم».

الخامسة-

ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن علي بن محبوب عن ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «ان رأيت في ثوبك دما و أنت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك فإذا انصرفت فاغسله، قال و ان كنت رأيته قبل ان تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف و اغسله و أعد صلاتك».

و الخبر الأول حمله الشيخ على ما إذا كان الدم مما يعفى عنه كالاقل من الدرهم، و هو جيد في مقام الجمع إلا ان الخبر الثاني لا يقبل هذا التأويل لأمره (عليه السلام) بالإعادة متى صلى فيه ناسيا، و الظاهر شذوذ الخبرين المذكورين لمخالفتهما الأخبار المستفيضة عموما و خصوصا لان اخبار هذه المسألة ما بين صريح في الإبطال أو صريح‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 44 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 44 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 44 من النجاسات.

430
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) - ان لا يعلم السبق ؛ ج 5، ص : 427

في وجوب إزالة النجاسة أو طرح الثوب النجس و الاستبدال و الاخبار العامة دالة على بطلان الصلاة في النجاسة عامدا فكيف يجوز الإتمام في النجاسة كما يدل عليه ظاهر الخبرين و مخالفتهما لما عليه علماء الطائفة المحقة قديما و حديثا؟ فهما مرجئان الى قائلهما.

السادسة-

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلا يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به؟ قال ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا ان يكون فيه أثره فيغسله».

و هذا الخبر و ان كان لا يخلو من نوع إجمال إلا ان الظاهر بعد التأمل فيه ان الأمر بالمضي مبني على كون الملاقاة إنما وقعت مع اليبوسة و هو موجب للنضح خاصة و لما كان في الصلاة امره بالمضي فيها للطهارة بقرينة قوله:

«و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه»

فحاصل الكلام انه ان ذكر في الصلاة فليمض و ان لم يدخل فلينضح غاية الأمر انه (عليه السلام) في صورة عدم الدخول في الصلاة بين له حكما آخر و هو انه في حال النضح ان رأى فيه أثرا بسبب الملاقاة غسله، و بالجملة فهذا الاستثناء انما هو قيد للأخير خاصة كما لا يخفى على العارف بأسلوب الكلام.

هذا ما وقفت عليه من اخبار المسألة و خلاصة البحث فيها، و لصاحب المدارك هنا كلام لا بأس بإيراده و بيان ما فيه فإنه قال بعد الكلام في المسألة: و قد اختلفت الروايات في ذلك‌

فروى زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) «2» قال:

«قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني، و الحديث طويل قال في آخره:

قلت فإن رأيته في ثوبي و انا في الصلاة؟ قال تنقض الصلاة».

و روى محمد بن مسلم في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «3» انه قال: «ان رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 13 من النجاسات.

(2) ص 427.

(3) رواه في الوسائل في الباب 16 من النجاسات.

431
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) - ان لا يعلم السبق ؛ ج 5، ص : 427

في الصلاة فعليك إعادة الصلاة».

و مقتضى هاتين الروايتين تعين القطع مطلقا سواء تمكن من إلقاء الثوب و ستر العورة بغيره أم لا،

و روى محمد بن مسلم في الحسن «1» قال: «قلت له الدم يكون في الثوب علي و انا في الصلاة؟ قال ان رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل و ان لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك».

و روى علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير.

، ثم ساق الرواية المتقدمة «2» ثم قال و مقتضى هاتين الروايتين وجوب المضي في الصلاة إذا لم يكن عليه غيره أو كان و طرح الثوب النجس، و الجمع بين الروايات يتحقق بحمل ما تضمن الأمر بالاستيناف على الاستحباب و ان جاز المضي في الصلاة مع طرح الثوب النجس إذا كان عليه غيره و إلا مضى مطلقا، و لا بأس بالمصير الى ذلك و ان كان الاستئناف مطلقا اولى. انتهى.

و فيه (أولا)- ان ما ذكره من ان مقتضى صحيحتي زرارة و محمد بن مسلم تعين القطع مطلقا و ان أوهمه ما نقله من الروايتين حيث اقتصر منهما على هاتين العبارتين إلا أنك بالتأمل في سياقهما كما قدمناهما يظهر لك بطلان ما ذكره، و هذا أحد العيوب في الاستدلال بالاخبار حيث يقتطع منها ما يظن دلالته و يترك باقي الخبر، اما‌

صحيحة زرارة فإنه قال فيها بعد هذه العبارة «و تعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته و ان لم تشك. الى آخره».

فقيد (عليه السلام) نقض الصلاة و الإعادة بصورة ظن النجاسة كما أسلفنا تحقيقه و مع عدم الظن امره (عليه السلام) بإزالة النجاسة و البناء و اين هذا مما يدعيه من القطع مطلقا؟ و اما صحيحة محمد بن مسلم فإنه قال فيها بعد ما نقله منها «و ان نظرت في ثوبك. الى آخره» و ظاهرها كما قدمنا إيضاحه ان الإعادة مع الرؤية بعد الصلاة انما هو مع عدم النظر في الثوب لا مطلقا، و لكن العذر له واضح‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 20 من النجاسات.

(2) ص 431.

432
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) - ان لا يعلم السبق ؛ ج 5، ص : 427

حيث انه و غيره لم يحوموا حول هذا المعنى و لم يتوجهوا اليه و ان كانت الروايات ظاهرة الدلالة عليه.

و (ثانيا)- ان ما ادعاه- من ان مقتضى روايتي محمد بن مسلم و علي بن جعفر وجوب المضي في الصلاة و الصلاة في النجاسة إذا لم يكن عليه غيره- ليس في محله اما حسنة محمد بن مسلم فإنه بنى فيها على نقل الشيخ في التهذيب بل غيره من أصحاب كتب الاستدلال انما نقلوها برواية التهذيب و عليه بنى استدلاله هنا، و قد عرفت آنفا صورة رواية الشيخين المتقدمين لها فإنه على تقدير ما روياه- و هو الأصح- لا يتم ما ذكره لانه (عليه السلام) قيد الحكم بعدم الإعادة بما إذا لم يزد على مقدار الدرهم، و حاصله ان عدم الإعادة من حيث العفو عن ذلك الدم و مفهومه وجوب الإعادة مع الزيادة، فأين ما ذكره من الدلالة على وجوب المضي في الصلاة مع النجاسة؟ و عذره هنا ايضا واضح لعدم اطلاعه على الرواية المذكورة بنقل الشيخين إلا ان ذلك من مثله من المحققين لا يخلو من مجازفة فان الواجب مراجعة كتب الاخبار كملا سيما مع اعترافه في شرحه بما وقع للشيخ (قدس سره) من التساهل و الخبط في الروايات متونا و أسانيد و اما صحيحة علي بن جعفر فقد عرفت المعنى فيها و هو الأوفق بمقتضى الأصول الشرعية و الضوابط المرعية، فان إتمام الصلاة في النجاسة عمدا من غير عذر شرعي بعد العلم بها مما منعت منه الأدلة الصحيحة الصريحة عموما و خصوصا. و كان الاولى له الاستناد في هذا القول إلى موثقة أبي بصير و رواية السرائر المتقدمتين الدالتين على المضي في النجاسة و إتمام الصلاة بها. و ممن ساعدنا على ما ذكرناه في معنى صحيحة علي بن جعفر المحقق الشيخ حسن في المعالم حيث قال بعد نقل الخبر: قوله في هذا الحديث «ان كان دخل في صلاته الى قوله فلينضح» أراد به ما إذا كانت الإصابة بغير رطوبة بقرينة قوله: «إلا ان يكون فيه اثر فيغسله» انتهى.

و (ثالثا)- ان ما ذكره من الجمع بالاستحباب الذي اتخذوه قاعدة كلية في‌

433
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تنبيهات ؛ ج 5، ص : 434

 

جميع الأبواب قد عرفت ما فيه مما قدمناه في غير موضع من الكتاب.

و اما ما ذكره الأصحاب في الصورتين المتقدمتين من انه إذا لم يمكن إزالة النجاسة إلا بما يستلزم بطلان الصلاة فإنه يبطلها و يعيدها من رأس فإنه يدل عليه جملة من اخبار الرعاف كما ستأتي ان شاء الله تعالى في موضعها.

[تنبيهات]

بقي الكلام هنا في مواضع‌

(الأول)

لو علم بالنجاسة المعلوم سبقها في أثناء الصلاة و لكن الوقت يضيق عن الإزالة و الاستئناف فهل يجب الاستمرار في الصلاة أو يزيل النجاسة و ان لزم القضاء؟ قطع الشهيد في البيان بالأول و مال إليه في الذكرى موجها له باستلزامه القضاء المنفي، قال في المدارك بعد نقله عنه: و يشكل بانتفاء ما يدل على بطلان اللازم مع إطلاق الأمر بالاستيناف المتناول لهذه الصورة، ثم قال و الحق بناء هذه المسألة على ان ضيق الوقت عن إزالة النجاسة هل يقتضي انتفاء شرطيتها أم لا؟ بمعنى ان المكلف إذا كان على بدنه أو ثوبه نجاسة و هو قادر على الإزالة لكن إذا اشتغل بها خرج الوقت فهل يسقط وجوب الإزالة و يتعين فعل الصلاة بالنجاسة أو يتعين عليه الإزالة و القضاء لو خرج الوقت؟ و هي مسألة مشكلة من حيث إطلاق النصوص المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة المتناول لهذه الصورة و من ان وجوب الصلوات الخمس في الأوقات المعينة قطعي و اشتراطها بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم فلا يترك لأجله المعلوم. و قد سبق نظير هذه المسألة في التيمم إذا ضاق الوقت عن الطهارة المائية و الأداء مع وجود الماء عنده. انتهى.

أقول: الظاهر ان ما ذكره من الاشكال لا ورود له في هذا المجال و ذلك فإنه لا ريب ان وجوب الصلاة في الأوقات المعينة لها شرعا أمر قطعي كتابا و سنة و إجماعا من كافة الأمة غاية الأمر ان صحتها مشروطة بشروط: منها استقبال القبلة و منها ستر العورة و منها طهارة الساتر، و قد صرحوا من غير خلاف يعرف بان شروط الصحة انما تعتبر مع الإمكان فلو تعذر شي‌ء منها لم يوجب سقوط الصلاة و لا تأخيرها عن وقتها الى ان‌

 

434
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) ؛ ج 5، ص : 434

يحصل الشرط ثم يأتي بها قضاء و لا ريب ان ما نحن فيه من هذا القبيل فلو جاز تأخير الصلاة عن وقتها للاشتغال بإزالة النجاسة ثم الصلاة قضاء لجاز لفاقد القبلة أو فاقد الستر أو طهارته تأخير الصلاة عن وقتها الى ان يحصل الشرط المذكور ثم يصلي قضاء و لا قائل به و لا دليل عليه بل الأدلة و إجماعهم على خلافه، فان فاقد القبلة يصلي الى أربع جهات أو جهة واحدة على الخلاف و فاقد الستر يصلي عريانا و فاقد طهارته يصلي مع النجاسة أو عريانا على الخلاف، و بالجملة فهذه المسألة من قبيل هذه المسائل المذكورة و لو جاز تقديم مراعاة الشرط فيما نحن فيه لجاز في تلك الصور لان الجميع من باب واحد و ليس فليس.

و اما ما ذكره- من إطلاق الأخبار الذي صار منشأ لاستشكاله في المقام المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة الشامل إطلاقها لهذه الصورة- ففيه (أولا)- انه حقق جملة من المحققين ان الأحكام المودعة في الأخبار انما تحمل على الافراد المتكررة الشائعة المتكثرة فهي التي ينصرف إليها الإطلاق دون الفروض النادرة الوقوع.

و (ثانيا)- انه مع فرض شمول إطلاقها لهذه الصورة فإنه يجب تقييدها بما ذكرناه من القاعدة المتفق عليها نصا و فتوى، و حينئذ فيجب حمل الأخبار المشار إليها على ما لو حصل رؤية النجاسة في أثناء الصلاة في الوقت الذي فيه سعة للإزالة و الإعادة دون هذا الفرد النادر الوقوع الذي ربما لا يتفق و ان كان ممكنا، و بذلك يظهر ان الأنسب بالقواعد الشرعية هو وجوب الصلاة بالنجاسة. نعم يأتي على الخلاف في مسألة الصلاة في النجاسة مع تعذر إزالتها من الصلاة فيها أو الصلاة عاريا احتمال الصلاة عاريا هنا ايضا بناء على القول به ثمة، إلا انه حيث ان المسألة خالية من النصوص فالأحوط فيها مع ذلك القضاء في ساتر طاهر، هذا.

و لا يخفى عليك ما في كلام السيد من التدافع حيث انه ذكر في أول وجهي الاشكال ان إطلاق النصوص المتقدمة المتضمنة لإعادة الصلاة مع النجاسة متناول لهذه الصورة‌

435
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) ؛ ج 5، ص : 436

ثم ذكر في الوجه الثاني ان اشتراط الصلاة بإزالة النجاسة على هذا الوجه غير معلوم، و هو مما يدافع الكلام الأول فإن دخول هذه الصورة تحت إطلاق تلك الأخبار يقتضي المعلومية البتة فان اعادة الصلاة مع النجاسة التي من جملته محل البحث انما هو لاشتراطها بإزالة النجاسة، نعم معلومية الاشتراط على هذا الوجه لا يبلغ إلى معلومية وجوب الصلوات الخمس في الأوقات المعينة إلا انه غير المراد من عبارته، و قد تقدم منا في بحث التيمم ما يعضد ما صرنا اليه هنا ايضا. و الله العالم.

(الثاني)

- لو وقعت عليه نجاسة في أثناء الصلاة ثم زالت و لما يعلم ثم علم استمر على صلاته و هو مما لا اشكال فيه لأنه إذا جاز الاستمرار مع العلم بها في الأثناء و الإزالة كما في الصورة الثانية بل مع العلم بتقدمها و الإزالة كما في الصورة الأولى فبالأولى هذه الصورة.

(الثالث)

- لو صلى ثم رأى النجاسة و شك هل كانت عليه في الصلاة أم لا؟

فلا ريب في مضي صلاته على الصحة لعدم معارضة هذا الشك لليقين الذي كان عليه، قال في المنتهى بعد ذكر الفرع المذكور: و لا نعرف فيه خلافا من أهل العلم عملا بالأصلين الصحة و عدم النجاسة.

(المطلب الثاني)- في باقي المطهرات

و فيه مسائل‌

[المسألة] (الاولى) [في الشمس]

من المطهرات عند الأصحاب (رضوان الله عليهم) الشمس الا انه قد اختلف كلامهم هنا في مواضع ثلاثة: (الأول) ان ما تجففه الشمس هل هو طاهر حقيقة كما يطهر بالماء أو يكون مخصوصا بجواز الاستعمال مع اليبوسة فيكون عفوا لا طهارة حقيقة؟ (الثاني) ما الذي يطهر بها من النجاسات هل هو البول بخصوصه أم كل نجاسة ليس لها جرم يبقى بعد اليبوسة؟

(الثالث) ما الذي يطهر بها من المواضع؟

و قد صرح جماعة من الأصحاب: منهم- المحقق في الشرائع و العلامة في جملة من كتبه و الشهيدان- و الظاهر انه المشهور بين المتأخرين- ان الأرض إذا أصابتها‌

436
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المسألة(الاولى) في الشمس ؛ ج 5، ص : 436

نجاسة برطوبة و لم يكن لها عين كفى في طهارتها إشراق الشمس عليها و تجفيفها للرطوبة الحاصلة فيها، و كذا لو كانت لها عين فازيلت بوجه غير مطهر و بقيت رطوبتها ثم جففتها الشمس، و ألحقوا بالأرض في هذا الحكم كل ما لا ينقل و لا يحول في العادة كالأشجار و الابنية و الأبواب المثبتة و الأوتاد الداخلة و الفواكه على الشجر و من المنقول الحصر و البواري لا غير. و ذهب العلامة في المنتهى الى الاختصاص بنجاسة البول مع وقوعها على ما تقدم ذكره في القول المشهور، و نقل بعض الأصحاب عنه في التحرير ان ظاهره فيه التوقف في تعدية الحكم الى غير البول، و نقل في المنتهى عن الشيخ في موضع من المبسوط التخصيص بالبول ايضا، و ذهب المحقق في النافع الى العموم في النجاسة مع تخصيص ما وقعت عليه بالأرض و الحصر و البواري، و هو قول الشيخ في الخلاف حيث قال في موضع منه: الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول و ما أشبهه و طلعت عليها الشمس و هبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة طهرت و قال في موضع آخر منه بعد الحكم بطهارة الأرض بتجفيف الشمس لها من نجاسة البول: و كذا الكلام في الحصر و البواري. و ذهب الشيخ المفيد (قدس سره) في المقنعة- و نقل ايضا عن سلار في رسالته- الى القول بالاختصاص بالبول مع الثلاثة المذكورة من الأرض و الحصر و البواري، و نقل العلامة في المختلف عن القطب الراوندي انه قال: الأرض و البارية و الحصر هذه الثلاثة فحسب إذا أصابها البول فجففتها الشمس حكمها حكم الطاهر في جواز السجود عليها ما لم تصر رطبة و لم يكن الجبين رطبا. و قال المحقق في المعتبر ان الراوندي و صاحب الوسيلة ذهبا الى ان الأرض و البواري و الحصر إذا أصابها البول و جففتها الشمس لا تطهر بذلك و لكن يجوز الصلاة عليها، ثم قال و هو جيد. و نقله عنه في المختلف ايضا فقال بعد نقل قول الراوندي: و كان شيخنا أبو القاسم بن سعيد يختار ذلك. و الى القول بالعفو ذهب المحدث الكاشاني، و ظاهر صاحب المدارك التوقف في المسألة و هو في محله كما سيظهر لك ان شاء الله تعالى.

437
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

[الروايات الواردة في مطهرية الشمس]

و كيف كان فلا بد من سوق روايات المسألة و تذييل كل منها بما تدل عليه و ما يتلخص من الجميع و ما يرجع اليه، و الذي وقفت عليه من ذلك روايات: منها- ما هو ظاهر في الطهارة و منها- ما هو ظاهر في العدم و منها- ما هو مجمل قابل للدخول تحت كل من الفردين المذكورين، و ها انا اذكر ما وقفت عليه منها مذيلا لكل منها بما ادى اليه فهمي القاصر:

الأولى-

صحيحة زرارة «1» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه؟ فقال إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر».

أقول: و مورد هذه الرواية هو نجاسة البول خاصة مع خصوص الأرض و هو مما وقع الاتفاق عليه، و ظاهرها الحكم بالطهارة كما هو المشهور، و المناقشة فيها- بالحمل على المعنى اللغوي لعدم ثبوت كون المعنى المصطلح عليه حقيقة عرفية عندهم (عليهم السلام) كما صار اليه المحدث المتقدم ذكره حيث اختار القول بالعفو- فالظاهر بعدها من سياق الخبر المذكور و ان سلم ما ذكره من عدم ثبوت الحقيقة العرفية عندهم (عليهم السلام) إلا ان قرينة السياق ظاهرة الدلالة على ان المراد بالطهارة هي الطهارة الشرعية لأنها هي المعتبرة في أحكام الصلاة مكانا أو لباسا سيما مع تعلق السؤال بالنجاسة، و يؤيده إطلاق الأمر بالصلاة عليه بعد تجفيف الشمس الشامل لكونه بعد التجفيف و حال الصلاة رطبا و يابسا بمعنى انه متى جف بالشمس جازت الصلاة عليه رطبا كان أو يابسا لحصول الطهارة بالتجفيف الحاصل من الشمس ثم أكد ذلك بقوله: «فهو طاهر» و بالجملة فالخبر عندي ظاهر في الطهارة إلا انه سيأتي ما هو ظاهر في المعارضة.

الثانية-

رواية أبي بكر الحضرمي عن الباقر (عليه السلام) «2» قال:

«يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر».

و هي- كما ترى- ظاهرة في القول المشهور من طهارة الأرض و الحصر و البواري‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 29 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 29 من النجاسات.

438
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

و ما لا ينقل و لا يحول، و هي و ان كانت مطلقة بالنسبة الى ما زاد على ذلك إلا انه لا بد من تقييدها بما ذكروه لان ما لا ينقل و يحول لا بد من غسله بالأدلة الكثيرة، و كذلك بالنسبة إلى النجاسة فإن إطلاقها شامل لجميع النجاسات، و بالجملة فإنها ظاهرة الدلالة على القول المشهور و ان أمكن تطرق المناقشة إلى الطهارة فيها بالتأويل المتقدم إلا انه خلاف الظاهر. و العلامة في المنتهى حيث خص النجاسة في هذه المسألة بالبول رد هذه الرواية بضعف السند و هو عندنا غير مرضى و لا معتمد مع انه استدل بها في المختلف على العموم. و يعضد هذه الرواية أيضا ما‌

في الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) «1» «ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسات مثل البول و غيره طهرتها و اما الثياب فإنها لا تطهر إلا بالغسل».

و هي ظاهرة تمام الظهور في القول المشهور.

الثالثة-

صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع «2» قال: «سألته عن الأرض و السطح يصيبه البول أو ما أشبهه هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال كيف يطهر من غير ماء».

و هذه الرواية- كما ترى- ظاهرة الدلالة على ما ذهب إليه الراوندي و من حذا حذوه من عدم الطهارة و انما هو عفو، و قد احتج بها العلامة في المختلف للقائلين بعدم الطهارة بعد ان نقل عنهم الاحتجاج بان الاستصحاب يقتضي الحكم بالنجاسة و تسويغ الصلاة لا يدل على الطهارة لجواز ان يكون معفوا عنه كما في الدم اليسير. ثم أجاب عن الاستصحاب بان الاستصحاب ثابت مع بقاء الأجزاء النجسة اما مع عدمها فلا و التقدير عدمها بالشمس.

و عن الرواية بأنها متأولة لجواز حصول اليبوسة من غير الشمس. و فيه ان ما أجاب به عن الاستصحاب هنا لا يوافق مذهبه في الأصول من القول بحجية الاستصحاب كما هو المشهور بينهم، و بذلك اعترض عليه أيضا في المعالم فقال: و هذا الكلام من العلامة غريب إذ المعروف من مذهبه قبول مثل هذا الاستصحاب و الاعتداد به نعم هو‌

______________________________
(1) ص البحار ج 18 ص 35.

(2) المروية في الوسائل في الباب 29 من النجاسات.

439
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

على ما سلف تحقيقه في المباحث الأصولية و اخترناه وفاقا للمرتضى و المحقق من الاستصحاب المردود.

أقول: الظاهر عندي هنا هو صحة الاستدلال بالاستصحاب المذكور فان مرجعه الى عموم الدليل كما تقدم تحقيقه في مقدمات الكتاب فان مقتضى الأدلة ان النجاسة حكم شرعي يتوقف رفعه على وجود الرافع و النجاسة قد ثبتت بلا خلاف و لا اشكال فرفعها يحتاج الى دليل ظاهر، و اما ما ذكره في المعالم- من عد الاستصحاب هنا من الاستصحاب المردود الذي قد أوضحنا في مقدمات الكتاب بطلانه- فهو مبني على قول تفرد به في هذا المقام و لم اعرف له موافقا عليه من علمائنا الأعلام إلا الفاضل الخراساني في الذخيرة حيث حذا حذوه في هذا الكلام.

قال في المعالم على اثر العبارة المتقدمة في بيان كونه من الاستصحاب المردود ما صورته: لان ما دل من النصوص على تأثير النجاسات و التأثر بها على وجه يبقى و ان لم تبق أعيانها مقصور على البدن و الثوب و الآنية كما يشهد به الاستقراء و التتبع و انما استفيد الحكم فيما عدا ذلك من الإجماع، و أكثر ما يكون الاستصحاب المردود فيما مدركه الإجماع لأن الحكم الثابت به في موضع الحاجة الى الاستصحاب يكون لا محالة مخصوصا بحال اولى فيطلب بالاستصحاب انسحابه الى حالة ثانية. و قد مر ان اعتبار الاستصحاب حينئذ إثبات للحكم بغير دليل. و من هنا يتجه في موضع النزاع ان يقال ان الدليل الدال على تأثر الأرض و الحصر و البواري و كل ما لا ينقل في العادة بالنجاسة مختص بالحال التي قبل زوال العين عنها و تجفيف الشمس لها لانتفاء الإجماع فيما بعد ذلك قطعا فمن ادعى ثبوت الحكم في الحال التي بعد فهو مطالب بالبرهان عليه و ليس في يده غير الاستصحاب و لا يقبل منه (فان قلت) كأن الاتفاق واقع على ان للنجاسات المعلومة أثرا في كل ما تلاقيه برطوبة مستمرا الى ان يحصل المطهر الشرعي فيفتقر كل نوع من أنواع المطهرات الى دليل يثبته (قلت): هذا كلام ظاهري يقع في خاطر العاجز‌

440
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

عن استنباط بواطن الأدلة و يلتفت اليه القانع بالمجمل عن التفاصيل و ما قررناه أمر وراء ذلك. و بالجملة فالذي يقتضيه التحقيق انه لا معنى لكون الشي‌ء نجسا إلا دلالة الدليل الشرعي على التكليف باجتنابه في فعل مشروط بالطهارة و ازالة عينه أو أثره لأجله و اما ما لا دليل فيه على أحد الأمرين فهو على أصل الطهارة بمعنى أصالة براءة الذمة من التكليف فيه بأحدهما. و اما ما يتخيل- من ان كل نوع من أنواع النجاسات بمنزلة العلة الحقيقية في التأثير فكل ما لاقاه برطوبة أثر فيه النجاسة و توقف في عوده إلى الطهارة على طرو المطهر- فمن الأوهام التي يظهر فسادها بأدنى تأمل و لا يستريح إلى أمثالها محصل. انتهى كلامه زيد مقامه.

أقول فيه (أولا)- انه لا يخفى ان ما ذكره من قصر الحكم المذكور على الثلاثة المذكورة من حيث انه لم يرد في النصوص ما يدل على الأمر بالغسل بعد زوال العين في غير الثلاثة المذكورة ان كان مقصورا على هذا الموضع و مخصوصا بهذا الحكم فهو تخصيص من غير مخصص، و ان كان مطردا فيما جرى هذا المجرى مما وردت النصوص في خصوص بعض الافراد دون بعض و انه يخص الحكم بما وردت به الروايات فلا أراه يلتزمه، و ذلك فإنه لا يخفى ان جل الأحكام الشرعية التي صارت عند الأصحاب قواعد كلية انما استفيد حكمها من جزئيات السؤالات المخصوصة و خصوص وقائع جزئية مثلا- لا خلاف بين الأصحاب في ان من صلى في النجاسة عامدا أو ناسيا وجبت عليه الإعادة أي نجاسة كانت مع ان الوارد في النصوص انما هو نجاسات مخصوصة و لم يقل أحد من الأصحاب بتخصيص الإعادة بها بخصوصها بل عدوا الحكم الى كل نجاسة نظرا الى الاشتراك في العلة و هي النجاسة و هو تنقيح المناط القطعي الذي صرحوا به في الأصول و حملا للنجاسات المذكورة على الخروج مخرج التمثيل فلا يقتضي التخصيص و لا ريب ان ما نحن فيه من هذا القبيل، و من قبيل ذلك ما لو سأل السائل الإمام (عليه السلام) عن نجاسة أصابت قميصه فحكم بإزالتها و بطلان الصلاة فيها فان من المعلوم انه‌

441
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

لا خصوصية للقميص بذلك بل يعدى الحكم الى جميع لباس المصلي و يحكم ببطلان الصلاة في أيها كان إلا ما استثنى و لا يقال ان الخبر انما تضمن القميص خاصة فلا يجوز تعدي الحكم الى غيره، فإن العلة الموجبة للإعادة الصلاة في النجاسة و هي شاملة لجميع الثياب. ثم لا يخفى ايضا ان جل الأحكام من عبادات و معاملات و نحو ذلك انما خرجت في الرجال و السؤالات إنما وقعت في الرجال مع انه لا خلاف في دخول النساء ما لم تعلم الخصوصية للرجال في ذلك الحكم، و نحو ذلك مما لا يخفى على المتدبر في الأخبار الواردة في جميع الأحكام، و ما ذاك إلا لما ذكرناه من حمل ما ذكر في الأخبار على مجرد التمثيل و تعدية الحكم الى ما عدا المذكور بطريق تنقيح المناط القطعي و حينئذ فالواجب بمقتضى ما ذكره في هذه المسألة هو الوقوف على موارد النصوص في جميع هذه المواضع التي أشرنا إليها و لا أراه يقوله.

و (ثانيا)- انه لا يخفى ان الأمر بالغسل في الثلاثة المذكورة في كلامه بعد ازالة العين لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما في البين (أحدهما) ان العلة في ذلك هو ملاقاة عين النجاسة بالرطوبة و لا شك في وجود العلة المذكورة في محل النزاع فلا يتخلف عنها معلولها و لا يتوقف على وجود نص و لا إجماع. و (ثانيهما) ان يكون ذلك تعبدا شرعيا لا من حيث النجاسة و هو موجب لحصول الطهارة بمجرد زوال العين، و لا أراه يلتزمه و لا يقول به بل هو خلاف صريح كلامه.

و (ثالثا)- الصحيحة المذكورة فإن ظاهرها عدم حصول الطهارة بالماء من عين النجاسة أو محلها و هو قد اعترف في باقي كلامه بذلك أيضا إلا انه زعم عدم ظهورها في ذلك حيث ارتكب تأويلها بما سيأتي ذكره من التكلفات البعيدة و التعسفات الغير السديدة. قال بعد الكلام الذي نقلناه: قلت لو أبقى حديث ابن بزيع على ظاهره لسقطت هذه المباحث من أصلها لكن المعارض أخرجه عن الظاهر فانتفى احتمال النظر اليه. انتهى. أقول: الحق ان المسألة بسببه قد بقيت في قالب الاشكال كما صرح به‌

442
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

في المدارك ايضا، و عليه اعتمد المحدث الكاشاني في الاستدلال كما قدمنا نقله عنه فذهب الى القول بالعفو دون الطهارة وقوفا على ظاهر هذا الخبر و جعل التأويل فيما عارضه كما تقدم ذكره، و الحق كما ذكرنا ظهور كل من الخبرين فيما دل عليه في البين و بعد التأويلات من الجانبين و به حصل التوقف في المسألة.

و (رابعا)-

موثقة عمار الآتية عن الصادق (عليه السلام) «1» قال:

«سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر؟ قال لا تصل عليه و اعلم موضعه حتى تغسله. الحديث».

و هو ظاهر الدلالة في احتياج الأرض بعد زوال العين و جفاف النجاسة إلى الغسل بالماء و به تبطل دعواه الاختصاص بالثلاثة التي ذكرها كما لا يخفى. و اما ما أجاب به في المختلف عن الصحيحة المذكورة- من الحمل على التطهير بعد يبس البول حيث انه في هذه الحال لا يطهره إلا الماء لان الشمس انما تكون مطهرة إذا أشرقت عليه رطبا و جففت الرطوبة و إلا فلو جف بدونها فإنها لا تكفي في تطهيره بل يجب الماء البتة- فهو و ان كان بعيدا إلا انه في مقام الاحتمال قريب للجمع بين الاخبار. و قيل في الجواب عنها بان المراد بالماء الذي سئل عن تطهير الشمس بدونه ما يبل به الموضع إذا كان جافا، قالوا إذ ليس في السؤال إشعار بوجوده في المحل حال إشراق الشمس فيحمل على ما إذا جف قبل إشراقها. و لا يخفى ما فيه و ان استقربه في الذخيرة. و قيل بان المراد من الماء الرطوبة الحاصلة من النجاسة فكأنه قال هل تطهره إذا كان جافا؟ فأجابه (عليه السلام) بإنكار ذلك. و فيه ما في سابقه. و قيل بكون إنكار الطهارة بدون الماء عائدا إلى مجموع ما وقع في السؤال بعد حمل المشابهة في قوله: «و ما أشبهه» على المماثلة في أصل النجاسة فيتناول النجاسات التي لها أعيان كالدم و تأثير الشمس فيها انما يتصور بعد ذهاب العين فيرجع حاصل الإنكار الى ان من النجاسات ما له عين و هذا النوع لا سبيل الى طهارته‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 29 من أبواب النجاسات.

443
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

بالشمس إلا بتوسط الماء و ذلك بجعله مائعا على وجه يمكن تجفيف الشمس له و يذهب بالجفاف عينه و هو أبعد الجميع. و هذه الاحتمالات الثلاثة قد ذكرها في المعالم لإخراج الخبر عن ظاهره بزعمه و لا يخفى انه لو قامت أمثال هذه الاحتمالات لانسدت أبواب الاستدلالات. و بالجملة فإنه لا يخفى ما في هذه الأجوبة من التكلف نعم ربما أشعرت الرواية المذكورة بعدم التطهير إلا بالماء مطلقا إلا ان ظاهر سياقها انما هو اختصاص الحكم بالمسؤول عنه، و بالجملة فالرواية ظاهرة في عدم التطهير إلا بالماء كما فهمه منها الأصحاب.

الرابعة-

صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال:

«سألته عن البواري يصيبها البول هل تصلح الصلاة عليها إذا جفت من غير ان تغسل؟

قال نعم لا بأس».

الخامسة-

صحيحته الأخرى عن أخيه موسى (عليه السلام) «2» قال:

«سألته عن البواري يبل قصبها بماء قذر أ يصلى عليها؟ قال إذا يبست فلا بأس».

السادسة-

صحيحة له ثالثة عنه (عليه السلام) «3» «انه سأله عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلى فيهما إذا جفا؟ قال نعم».

أقول: و غاية ما تدل عليه هذه الأخبار هو الصلاة على الموضع النجس بعد الجفاف و عدم وجود عين النجاسة أعم من ان يكون الجفاف بالشمس أو بدونها بل ظاهر الثالث منها ان الجفاف انما هو بغير الشمس، و ظاهرها جواز السجود على ذلك الموضع مع ان الأصحاب قد اشترطوا في موضع السجود الطهارة، و ظاهرهم الاتفاق عليه و ان لم أقف له على دليل بل ظاهر هذه الأخبار كما ترى خلافه، و ظاهر كلام الراوندي المتقدم ايضا خلاف ذلك إلا ان يتأول كلامه بحمل السجود على الصلاة و لا يخلو من بعد كما لا يخفى على من تأمل العبارة المذكورة. و ربما قيل ان إطلاق هذه الأخبار و ما‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 29 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 30 من أبواب النجاسات.

(3) المروية في الوسائل في الباب 30 من أبواب النجاسات.

444
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

تدل عليه من جواز السجود شامل لما لو كانت الجبهة رطبة و هو مشكل إلا على ما سيأتي نقله عن الشيخ في الخلاف من الحكم بالطهارة بتجفيف الريح إلا انه خالف نفسه في ذلك في الكتاب المذكور كما سيأتي نقل كلامه ان شاء الله تعالى، نعم يتجه ذلك على ما تقدم نقله عن صاحب المعالم من حكمه بالطهارة مع الجفاف و زوال العين في غير الثلاثة التي ذكرها. و بالجملة فالظاهر عندي ان هذه الروايات كما عرفت ليست من روايات المسألة في شي‌ء و مع فرض كونها منها بحمل التجفيف على كونه بالشمس فإنما هي من القسم الثالث الذي قدمنا ذكره لإجمالها.

السابعة-

ما رواه زرارة و حديد بن حكيم الأزدي في الصحيح «1» قال:

«قلنا لأبي عبد الله (عليه السلام) السطح يصيبه البول أو يبال عليه أ يصلى في ذلك الموضع؟ فقال ان كان تصيبه الشمس و الريح و كان جافا فلا بأس إلا ان يتخذ مبالا».

و هذه الرواية أيضا من القسم الثالث و لا يمكن الاستدلال بها لشي‌ء من القولين المذكورين في البين، و موردها الأرض خاصة.

الثامنة-

ما رواه عمار في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سئل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر؟ قال لا تصل عليه و اعلم موضعه حتى تغسله. و عن الشمس هل تطهر الأرض؟

قال إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة، و ان أصابته الشمس و لم ييبس الموضع القذر و كان رطبا فلا تجوز الصلاة عليه حتى ييبس، و ان كانت رجلك رطبة أو جبهتك رطبة أو غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع و ان كان عين الشمس اصابه حتى ييبس فإنه لا يجوز. الحديث».

و ظاهر عجز الخبر بل صريحه الدلالة على عدم حصول التطهير بالشمس إلا ان‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 29 من أبواب النجاسات.

445
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

جملة من المحدثين نقلوا عن بعض نسخ التهذيب بدل «عين الشمس» بالعين المهملة و النون «غير الشمس» بالغين المعجمة و الراء أخيرا و حينئذ يسقط الاستدلال به على بقاء النجاسة، و ايضا قد روى الشيخ هذه الرواية بالإسناد المذكور في آخر أبواب الزيادات من التهذيب خالية من قوله: «و ان كان غير الشمس اصابه» و عليه ايضا يسقط الاستدلال المذكور على عدم الطهارة. و اما قوله: «و عن الشمس هل تطهر الأرض إلى قوله فالصلاة على الموضع جائزة» فغايته ان يكون من القسم الثالث لما عرفت من ان مجرد الرخصة في الصلاة عليه مع اليبوسة لا يدل على الطهارة لوقوع ذلك فيما جف بغير الشمس كما عرفت من روايات علي بن جعفر المذكورة، إلا ان هذه الرواية قد تضمنت النهي عن الصلاة على الموضع القذر بعد الجفاف بخلاف ما دلت عليه صحاح علي بن جعفر فبالنظر الى ما دلت عليه من النهي متى كان الجفاف بغير الشمس و تجويز الصلاة متى كان الجفاف بالشمس يقوى القول بان تجويز الصلاة انما هو من حيث حصول الطهارة بالشمس، إلا انك قد عرفت دلالة صحاح علي بن جعفر الثلاث على جواز الصلاة مع الجفاف مطلقا و هي أرجح من هذه الرواية البتة سيما مع ما علم من أحوال روايات عمار.

و اما ما ذكره جملة من الأصحاب: منهم- العلامة في المختلف- من ان السؤال في الرواية وقع عن الطهارة فلو لم يكن في الجواب ما يفهم منه السائل الطهارة أو عدمها لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة لكن الجواب الذي وقع لا يناسب النجاسة فدل على الطهارة- فظني أنه قاصر بل ربما كان بالدلالة على خلاف ما ادعوه أشبه، بأن يقال ان عدوله (عليه السلام) عن الجواب الصريح بكونه طاهرا الى الجواب بجواز الصلاة عليه ربما أشعر بعدم الطهارة و ان جازت الصلاة عليه و لا سيما على رواية «عين الشمس» في آخر الخبر الصريح في عدم الطهارة فإنه هو الملائم لهذا المعنى. و اما دعوى لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة بناء على ما ذكره فليس كذلك بل اللازم تأخير‌

446
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الروايات الواردة في مطهرية الشمس ؛ ج 5، ص : 438

البيان عن وقت الخطاب و لا مانع منه إذ كون الوقت وقت الحاجة ممنوع.

و بالجملة فإنه قد وقع التعارض في هذه المسألة بين صحيحة زرارة المتقدمة المعتضدة برواية الحضرمي و كلامه (عليه السلام) في الفقه الرضوي و بين صحيحة ابن بزيع المعتضدة بموثقة عمار على المشهور من روايتها ب‍ «عين الشمس» و التأويل كما عرفت من الجانبين قائم إلا انه بعيد عن ظواهر الأخبار المذكورة، فالمسألة عندي- بالنسبة إلى النجاسة و الى ما تقع عليه حسبما عليه القول المشهور كما تقدمت الإشارة إليه ذيل الروايات المتقدمة و بالنسبة إلى الطهارة و العفو- محل توقف و الاحتياط فيها لازم.

هذا، و لا يخفى عليك ان كلام المحقق في المعتبر هنا لا يخلو من اضطراب، فان مقتضى ما تقدم نقله عنه اختيار قول الراوندي مع انه قال- بعد ان نقل عن الشيخ الاحتجاج على الطهارة برواية عمار و صحيحة علي بن جعفر و هي الرابعة- ما لفظه: و في استدلال الشيخ بالروايات إشكال لأن غايتها الدلالة على جواز الصلاة عليها و نحن لا نشترط طهارة موضع الصلاة بل نكتفي باشتراط طهارة موضع الجبهة، و يمكن ان يقال الاذن في الصلاة عليها مطلقا دليل جواز السجود عليها و السجود يشترط طهارة محله، ثم قال و يمكن ان يستدل بما رواه أبو بكر الحضرمي و ساق الرواية، و بان الشمس من شأنها الإسخان و السخونة تلطف الأجزاء الرطبة و تصعدها فإذا ذهب أثر النجاسة دل على مفارقتها المحل و الباقي يسير تحيله الأرض إلى الأرضية فيطهر‌

لقول الصادق (عليه السلام) «1» «التراب طهور».

انتهى. و هذا الكلام منه بعد اختياره لمذهب الراوندي يشعر بالتردد أو العدول الى ترجيح جانب الطهارة، و أظهر من ذلك قوله بعد ذلك بقليل في مسألة تطهير الأرض من البول بإلقاء الذنوب بعد ان استضعف دليل الشيخ فيها: فإذا تقرر هذا فيما ذا تطهر؟ الوجه ان طهارتها بجريان الماء عليها أو المطر حتى يستهلك النجاسة أو‌

______________________________
(1) ورد في حديث محمد بن حمران و جميل بن دراج المروي في الوسائل في الباب 23 و 14 من التيمم «ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا».

447
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فروع ؛ ج 5، ص : 448

 

يزال التراب النجس على اليقين أو تطلع عليه الشمس حتى يجف بها. انتهى.

فروع

(الأول) [هل يكفي في التطهير بالشمس الجفاف بغيرها؟]

- المشهور بين الأصحاب القائلين بتطهير الشمس ان الجفاف بغير الشمس لا يثمر طهارة بل قال في المنتهى: لو جف بغير الشمس لم يطهر عندنا قولا واحدا خلافا للحنفية «1» قال في المدارك: و يدل عليه ان المفروض نجاسة المحل بالنص أو الإجماع فيقف زوال النجاسة على ما عده الشارع مطهرا، ثم أيد ذلك بصحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة و رواية عمار و غيرهما. أقول: و على هذا النهج كلام غيره من الأصحاب.

و نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال: الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول و ما أشبهه و طلعت عليها الشمس أو هبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة فإنها تطهر و يجوز السجود عليها و التيمم بترابها و ان لم يطرح عليها الماء. و احتج بإجماع الفرقة و قوله تعالى:

«فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً» «2» قال: و الطيب ما لم تعلم فيه نجاسة و معلوم زوال النجاسة عن هذه الأرض و انما يدعى حكمها و ذلك يحتاج الى دليل. ثم ذكر بعد هذا الكلام في موضع آخر من الكتاب: ان البول إذا أصاب موضعا من الأرض فجففته الشمس طهر الموضع و ان جف بغير الشمس لم يطهر. حكى ذلك عنه جملة من الأصحاب. منهم- العلامة في المنتهى و المختلف، و الظاهر ان دعوى العلامة الإجماع في المنتهى على الحكم المذكور مبني على رجوع الشيخ عن الحكم المذكور في كلامه الأول الى ما ذكره في كلامه الأخير، و تأول في المختلف كلام الشيخ الأول بأن مراده بهبوب الرياح المزيلة للأجزاء الملاقية للنجاسة الممازجة لها و ليس مراد الشيخ ذهاب الرطوبة عن الاجزاء كذهابها بحرارة الشمس.

و صاحب المعالم بناء على ما تفرد به مما قدمنا نقله عنه و أوضحنا بطلانه استراح‌

______________________________
(1) كما في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي ج 1 ص 226.

(2) سورة المائدة، الآية 6.

 

448
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) هل الثمرة على الشجرة مما تطهره الشمس ؛ ج 5، ص : 449

الى كلام الشيخ الأول لموافقته لما توهمه من المقالة المخالفة لما عليه كافة العلماء الاعلام فقال: و لو لا مخالفة الشيخ نفسه في الحكم لم يكن بذلك البعيد لما علم من ان الدليل على ثبوت التنجيس في مثله بعد ذهاب العين منحصر في الإجماع و الشيخ قد ادعى الإجماع على الطهارة فلا أقل من ان يكون ذلك دليلا على انتفاء الإجماع على النجاسة. و فيه ما عرفت آنفا من دلالة صحيحة ابن بزيع و موثقة عمار على عدم الطهارة إلا بالماء كما أشار إليه في المدارك فيما قدمنا نقله عنه مضافا الى الوجهين الآخرين اللذين تقدما في رد كلامه.

(الثاني) [هل الثمرة على الشجرة مما تطهره الشمس]

- عد جماعة من المتأخرين في ما تطهره الشمس مما لا ينقل و لا يحول الثمرة على الشجرة، و ظاهر العلامة في النهاية إخراجها من ذلك حيث مثل لغير المنقول و اخرج الثمرة منه فقال كالنبات و البناء دون الثمرة على الأشجار، قال في المعالم بعد نقل ذلك: و ما ذكره الجماعة أولى بالاعتبار و ان كان إلحاقها بالمنقول إذا صارت في محل القطع اولى. و عد والده (قدس سره) في الروضة في ما تطهره الشمس مما لا ينقل الفواكه الباقية على الأشجار و ان حان قطعها. و كأن المستند في ذلك عموم إطلاق‌

رواية الحضرمي و قوله (عليه السلام) فيها: «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر».

و هو كذلك و ان كان الاحتياط في ما ذكره في المعالم.

(الثالث) [المناط في النقل و عدمه في التطهير بالشمس حال الجفاف]

- لو انتقل كل من المنقول و غير المنقول إلى الحالة الأخرى كان المناط حال الجفاف، فلو هدم الجدار الذي فيه أحجار نجسة كان تطهيرها بالماء دون الشمس، و لو طين الجدار أو السطح بطين نجس طهر بالشمس، و نقل الشيخ احمد بن فهد في الموجز عن فخر المحققين هنا قولا غريبا قال: و كان فخر المحققين يرى عموم الحكم في النباتات و ان انفصلت كالخشب و الآلات المتخذة من النباتات، قال و يؤيده قوله في رواية الحضرمي: «ما أشرقت. إلخ» ثم قال لكن التمسك به ضعيف. أقول:

يمكن ان يكون مراد فخر المحققين هو انها إذا اتخذت أبوابا أو نحوها مما يكون مثبتا كما يشير اليه لفظ الآلات، و قد صرح بنحو ذلك شيخنا الشهيد الثاني في الروضة فعد من جملة‌

449
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابع) لو جفت رطوبة النجاسة و بل الموضع بماء و جف بإشراق الشمس ؛ ج 5، ص : 450

ما لا ينقل الأبواب المثبتة، و إلا فصدور مثل هذا الكلام من مثل هذا المحقق بعيد جدا‌

(الرابع) [لو جفت رطوبة النجاسة و بل الموضع بماء و جف بإشراق الشمس]

- المفهوم من كلام الأصحاب- و هو ظاهر النصوص ايضا- ان تطهير الشمس على القول به انما يكون مع بقاء رطوبة النجاسة فلو أشرقت عليه الشمس بعد الجفاف لم تفده طهارة لكن لو بل بماء فأشرقت عليه الشمس و جففته هل يطهر أيضا أم لا؟

الظاهر من كلام جملة من المتأخرين الأول بل الظاهر انه المشهور بينهم. أقول: يمكن الاستدلال عليه بقوله (عليه السلام)

في الفقه الرضوي «1» «ما وقعت عليه الشمس من الأماكن التي أصابها شي‌ء من النجاسات مثل البول و غيره طهرتها».

قال في الذخيرة بعد ان ذكر ان المشهور بين المتأخرين الطهارة: و يؤيده خبر زرارة السابق المذكور في الكافي و التهذيب و رواية محمد بن إسماعيل ببعض التأويلات. و يؤيد النجاسة مفهوم خبر زرارة و خبر عمار عند التأمل، و الحق انه لا يصلح شي‌ء من ذلك للدلالة فالمسألة محل تردد. انتهى.

أقول: التحقيق عندي في هذا المقام هو انه ان قلنا بتخصيص ما تطهره الشمس بنجاسة البول كما هو أحد الأقوال فلا دليل على التطهير في الصورة المفروضة لذهاب عين البول و هذه الرطوبة نجاسة أخرى بملاقاة المحل و ان قلنا بتطهيرها لما هو أعم كما هو المشهور فلا إشكال في حصول الطهارة، و ذلك لانه لا إشكال في انه لو أريق ماء نجس بنجاسة البول أو غيرها على الأرض فأشرقت عليه الشمس و جففته فإنها تطهره على المشهور، و ما نحن فيه من قبيل ذلك فإنه متى رشت الأرض الجافة المتنجسة بنجاسة البول عادت النجاسة بسبب هذه الرطوبة فتصير من قبيل ما ذكرناه.

(الخامس) [الباطن يتبع الظاهر في التطهير]

- قد نص جمع من متأخري الأصحاب على ان الباطن في ما تطهره الشمس كالظاهر فيطهر إذا جف الجميع بها و كانت النجاسة متصلة كالأرض التي دخلت فيها النجاسة، اما مع الانفصال كوجهي الحائط إذا كانت النجاسة فيهما غير خارقة‌

______________________________
(1) البحار ج 18 ص 35.

450
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادس) توقف التطهير على زوال جرم النجاسة ؛ ج 5، ص : 451

فتختص الطهارة بما حصل عليه الإشراق. و استجوده جملة من أفاضل متأخري المتأخرين و هو كذلك. و ربما لاح من كلام العلامة في المنتهى اختصاص الطهارة بالظاهر حيث انه علل تطهير الشمس بوجه اعتباري فقال بعد الاستدلال بالروايات التي ذكرها ما لفظه: و بان حرارة الشمس تفيد تسخينا و هو يوجب تبخير الأجزاء الرطبة و تصعيدها و الباقي تشربه الأرض فيكون الظاهر طاهرا. انتهى. و الظاهر ضعفه.

(السادس) [توقف التطهير على زوال جرم النجاسة]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب في انه لو كانت النجاسة ذات جرم فإنه لا تحصل الطهارة بالشمس ما لم يزل جرم النجاسة، و نقل في المدارك عن ابن الجنيد انه قال لا يطهر الكنيف و المجزرة بالشمس، ثم قال و هو حسن لمخالطة أجزاء النجاسة ترابهما، نعم لو أزيلت تلك الاجزاء و حصل التجفيف بالشمس اتجه مساواتهما لغيرهما. انتهى. و قال في الذكرى: و لا تطهر المجزرة و الكنيف بالشمس لبقاء العين غالبا و كذا كل ما تبقى فيه العين. و بالجملة فالظاهر ان الحكم لا خلاف و لا اشكال فيه.

(السابع)- لو وضع حصيران نجسان أو باريتان كذلك أحدهما على الآخر

فالذي يطهر بالشمس هو الأعلى خاصة ظاهره و باطنه لانه هو الذي أشرقت عليه الشمس و لا يطهر الآخر و ان جف لان جفافه انما استند إلى حرارة الشمس دون عينها و المعتبر في التطهير إشراق عين الشمس لا مجرد حرارتها. و الله العالم.

(المسألة الثانية) [في الأرض]

- من المطهرات ايضا الأرض الا ان كلام الأصحاب أيضا في هذا الباب لا يخلو من اختلاف و اضطراب فإنهم ما بين من خص ما يطهر بها بالخف و النعل و القدم خاصة و بين من لم يذكر القدم و بين من عدي ذلك الى مثل النعل من خشب كالقبقاب و آخرون الى كل ما يوطأ به و لو كخشبة الأقطع، و بعض اشترط طهارة الأرض و بعض جزم بالعموم، و بعض اشترط جفافها و بعض العدم، و بعض المشي خمسة عشر ذراعا و بعض العدم، اما الاقتصار على الثلاثة الأول فالظاهر انه المشهور بل قال في المدارك انه مقطوع به‌

451
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) في الأرض ؛ ج 5، ص : 451

في كلام الأصحاب مع ان المفيد (قدس سره) في المقنعة قال: و إذا داس الإنسان بخفه أو نعله نجاسة ثم مسحها بالتراب طهر بذلك. و هو مشعر باختصاص الحكم بهما و نحوه في كلام سلار ايضا حيث قال في رسالته: إزالة النجاسة على أربعة أضرب أحدها ما يمسح على الأرض و التراب و هو ما يكون في النعل و الخف. و نقل عن العلامة في التحرير انه استشكل الحكم في القدم و عزى في المنتهى القول بمساواته للنعل و الخف الى بعض الأصحاب و قال ان عنده فيه توقفا. و ابن الجنيد صرح في كتاب المختصر الأحمدي بالتعميم فقال و إذا وطأ الإنسان برجله أو ما هو وقاء لها نجاسة رطبة أو كانت رجله رطبة و النجاسة يابسة أو رطبة فوطأ بعدها نحوا من خمسة عشر ذراعا أرضا طاهرة يابسة طهر ما ماس النجاسة من رجله و الوقاء لها و لو غسلها كان أحوط، و لو مسحها حتى يذهب عين النجاسة و أثرها بغير ماء أجزأ إذا كان ما مسحها به طاهرا. انتهى. و قال ابن فهد في موجزه: الأرض تطهر باطن النعل و القدم و كعب العكاز و الصندل و كذا حكم الخف و الحافر و الظلف.

و قال في الذكرى بعد ذكر الثلاثة المتقدمة: و حكم الصنادل حكم النعل لانه مما يتنعل به. أقول لم أقف في كلام أهل اللغة على معنى الصندل هنا و لعل المراد به القبقاب المتخذ من الخشب في زماننا. و قال الشهيد الثاني في الروضة: و المراد بالنعل ما يجعل أسفل الرجل للمشي وقاية من الأرض و نحوها و لو من خشب و خشبة الأقطع كالنعل.

و قال في الروض: و لا فرق بين النعل و الخف و غيرهما مما يتنعل به و لو من خشب كالقبقاب، و في إلحاق خشبة الزمن و الأقطع بالنعل نظر من الشك في تسميتها نعلا بالنسبة اليه، و لا يلحق بهما أسفل العكاز و كعب الرمح و ما شاكل ذلك لعدم إطلاق اسم النعل عليهما حقيقة و لا مجازا. انتهى. و ربما ظهر من الشيخ في الخلاف عدم طهارة أسفل الخف بمسحه في الأرض حيث قال: إذا أصاب أسفل الخف نجاسة فدلكه في الأرض حتى زالت يجوز الصلاة فيه عندنا، ثم قال دليلنا انا قد بينا فيما تقدم ان ما لا‌

452
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الأخبار الواردة في مطهرية الأرض ؛ ج 5، ص : 453

تتم الصلاة فيه بانفراده جازت الصلاة فيه و ان كانت فيه نجاسة و الخف لا تتم الصلاة فيه بانفراده و عليه إجماع الفرقة.

[الأخبار الواردة في مطهرية الأرض]

أقول: و الواجب بسط الأخبار الواردة في المسألة كملا و النظر في ما تدل عليه من الأحكام المذكورة و ما لا تدل عليه:

و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة «1» قال: «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) رجل وطأ على عذرة فساخت رجله فيها أ ينقض ذلك وضوءه و هل يجب عليه غسلها؟ فقال لا يغسلها إلا ان يقذرها و لكنه يمسحها حتى يذهب أثرها و يصلي».

و في الصحيح عن زرارة عن الباقر (عليه السلام) «2» قال: «جرت السنة في أثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله و يجوز ان يمسح رجليه و لا يغسلهما».

و ما رواه ثقة الإسلام في الصحيح عن الأحول عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «في الرجل يطأ على الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا؟ قال لا بأس إذا كان خمسة عشر ذراعا أو نحو ذلك».

و عن المعلى بن خنيس «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا؟ فقال أ ليس وراءه شي‌ء جاف؟ قلت بلى. قال لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا».

و عن محمد الحلبي في الموثق «5» قال: «نزلنا في مكان بيننا و بين المسجد زقاق قذر فدخلت على ابي عبد الله (عليه السلام) فقال اين نزلتم؟ فقلت نزلنا في دار فلان فقال ان بينكم و بين المسجد زقاقا قذرا أو قلنا له ان بيننا و بين المسجد زقاقا قذرا فقال لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا. قلت فالسرقين الرطب أطأ عليه؟ فقال لا يضرك مثله».

و منها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن فضالة و صفوان بن يحيى عن عبد الله بن

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

453
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) تحقيق ما يطهر بالأرض ؛ ج 5، ص : 454

بكير عن حفص بن ابي عيسى «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني وطأت عذرة بخفي و مسحته حتى لم أر فيه شيئا ما تقول في الصلاة فيه؟ فقال لا بأس».

و ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلا من نوادر احمد بن محمد بن ابي نصر عن المفضل بن عمر عن محمد بن علي الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال:

«قلت له ان طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه فربما مررت فيه و ليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته؟ فقال أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت بلى.

قال فلا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا. قلت فأطأ على الروث الرطب؟ قال لا بأس انا و الله ربما وطأت عليه ثم أصلي و لا اغسله».

و في الحسن أو الصحيح عن محمد بن مسلم «3» قال: «كنت مع ابي جعفر (عليه السلام) إذ مر على عذرة يابسة فوطأ عليها فأصابت ثوبه فقلت جعلت فداك وطأت على عذرة فأصابت ثوبك؟ فقال أ ليست هي يابسة؟ فقلت بلى. قال لا بأس ان الأرض يطهر بعضها بعضا».

هذا ما وقفت عليه من روايات المسألة و تحقيق الكلام فيها يقع في مواضع:

[الموضع] (الأول) [تحقيق ما يطهر بالأرض]

- لا يخفى ان صحيحة زرارة الاولى و مثلها رواية المعلى بن خنيس و كذا رواية الحلبي المنقولة في السرائر قد تضمنت باطن القدم و صرحت بأنه مما يطهر بالأرض، و بذلك يظهر ما في كلام العلامة و دعواه الإشكال في موضع و التوقف في آخر مع دلالة الأخبار كما ترى عليه، و رواية حفص بن ابي عيسى قد تضمنت الخف و هي مستند الأصحاب فيما تقدم نقله عنهم من عد الخف في ما يطهر بالأرض، و اما ما طعن به في الذخيرة تبعا لصاحب المعالم على دلالتها- من انه يكفي في جواز الصلاة في الخف كونه مما لا تتم الصلاة فيه و لا يقتضي ذلك طهارته و ان كان الأصحاب أوردوها في الاحتجاج- فالظاهر بعده و ذلك فان ظاهر كلام السائل ان سؤاله انما هو عن الطهارة‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 32 من النجاسات.

454
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) تحقيق ما يطهر بالأرض ؛ ج 5، ص : 454

بالمسح و عدمها و سؤاله عن الصلاة فيه اما بناء منه على عدم علمه بالعفو عن نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه أو المراد الصلاة الكاملة الواقعة في الطاهر، و على هذا فيجب في الجواب ان يكون مطابقا للسؤال و حينئذ يكون نفي البأس كناية عن الطهارة و إلا فلو كان عالما بجواز الصلاة فيما لا تتم فيه و لم يحمل سؤاله على الصلاة الكاملة فإنه لا معنى للسؤال عن الصلاة فيه بل لا معنى لأصل سؤاله بالكلية كما لا يخفى و على هذا بنى الاستدلال بالخبر، و لعل ما تقدم نقله عن الشيخ في الخلاف مبني على ما ذكره هذان الفاضلان، إلا ان إطلاق صحيحة الأحول و موثقة الحلبي أيضا يرده لدلالتهما على ما يوطأ به، و الظاهر انه إلى إطلاق هذين الخبرين استند من عمم الحكم في كل ما يوطأ به من خف أو نعل و لو من خشب و مثل خشبة الأقطع، إلا ان مقتضى ما قرروه في غير مقام من ان الأحكام المودعة في الأخبار انما تنصرف الى الافراد الشائعة المتكثرة دون الفروض النادرة بعد الحكم في مثل خشبة الأقطع و أبعد منه ما ذكره بعضهم من أسفل العكاز و كعب الرمح و شيخنا الشهيد الثاني في الروض انما تنظر في خشبة الأقطع من حيث عدم صدق النعل عليها. و فيه انه و ان لم يصدق عليها النعل إلا انها مما يوطأ به فتدخل تحت إطلاق صحيحة الأحول و انما يمكن المناقشة فيها من الجهة التي ذكرناها إلا انه ربما أمكن أيضا شمول الحكم لها من حيث قوله (عليه السلام) في جملة من الأخبار المتقدمة:

«ان الأرض يطهر بعضها بعضا».

بل ربما استفيد منه تطهير أسفل العصا و الرمح إلا ان يجعل التعليل مقصورا على ما علل به من الافراد الواردة في تلك الأخبار، و الاحتياط لا يخفى.

و الذي تلخص مما ذكرناه انه يستفاد من الأخبار المذكورة طهارة القدم و الخف و النعل و كل ما يوطأ به مما يكون متعارفا أكثريا و في إلحاق ما عدا ذلك إشكال أحوطه العدم.

و صاحب المعالم لما كان اعتماده انما هو على صحاح الأخبار دون ضعيفها خرج لعموم الحكم فيما عدا القدم الذي هو مورد صحيحة زرارة وجها لا يخفى على الناظر ما فيه، قال بعد ذكر أخبار المسألة: و هذه الاخبار و ان لم تكن نقية الأسانيد فإنها‌

455
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثاني) لا فرق في التطهير بين المشي و المسح و الدلك ؛ ج 5، ص : 456

معتضدة بالحديث الأول الصحيح. و كونه مختصا بالقدم غير ضائر فإن ثبوت الحكم فيه يقتضي ثبوته في غيره بطريق أولى، ألا ترى ان الخف و النعل لا توقف لأحد من الأصحاب في حكمهما على ما يظهر و قد حصل في القدم نوع توقف. انتهى. و فيه نظر لمنع الأولوية التي ذكرها بالنظر الى الاخبار، و اما ما استند اليه في ثبوتها من الخلاف بين الأصحاب في القدم و الاتفاق على الخف و النعل ففيه (أولا) ان من خالف في القدم فهو غالط لمخالفته للأخبار المذكورة فلا يعتبر بخلافه على ان الخلاف أيضا في الخف حاصل كما تقدم في عبارة الشيخ في الخلاف. و (ثانيا) ان الكلام بالنظر الى الاخبار لا بالنظر الى كلام الأصحاب و ليس في الاخبار ما يشير إلى أولوية الخف و النعل في هذا الحكم على القدم ان لم يكن الأمر بالعكس، و بالجملة فالظاهر ان الذي ألجأه الى هذا الكلام عدم جرأته على الخروج عن ما عليه كافة الأصحاب في هذا الباب. و الله العالم.

[الموضع] (الثاني) [لا فرق في التطهير بين المشي و المسح و الدلك]

- الظاهر انه لا فرق في حصول التطهير بين كونه بالمشي أو المسح و الدلك، و على الاكتفاء بالمسح تدل صحيحة زرارة الاولى و كذا الثانية الواردة في الاستجمار و رواية حفص بن ابي عيسى، و بذلك صرح المفيد في عبارته المتقدمة و كذا آخر عبارة ابن الجنيد، و حينئذ فما نقله الأصحاب عن ابن الجنيد من انه يشترط المشي خمسة عشر ذراعا و نحوها و كذلك ما دلت عليه صحيحة الأحول محمول على مقدار المشي الذي تزول به النجاسة غالبا و في قوله في الخبر «أو نحو ذلك» إيماء اليه. و لا إشكال ايضا ان هذا مراد ابن الجنيد لتصريحه في آخر عبارته بالاكتفاء بالمسح كما عرفت.

[الموضع] (الثالث) [هل تعتبر طهارة الأرض في حصول الطهارة بها]

- قد اختلف الأصحاب في طهارة الأرض فقيل بالاشتراط و به صرح الشهيد في الذكرى و هو صريح عبارة ابن الجنيد المتقدمة، و ذهب جماعة من الأصحاب: منهم- الشهيد الثاني الى عدم الاشتراط بل ادعى (قدس سره) ان إطلاق النص و الفتوى يقتضي عدم الفرق في الأرض بين الطاهرة و غيرها. و هو كما ترى لتصريح من ذكرناه بالطهارة و هو ظاهر فحاوي جملة من عبائرهم أيضا نعم النصوص‌

456
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثالث) هل تعتبر طهارة الأرض في حصول الطهارة بها ؛ ج 5، ص : 456

مطلقة في ذلك إلا ان صحيحة الأحول مصرحة باشتراط ذلك حيث انه لما سأله عن الرجل الذي يطأ الموضع الذي ليس بنظيف ثم يطأ بعده مكانا نظيفا قال: «لا بأس إذا كان ذلك المكان النظيف قدر خمسة عشر ذراعا» ففيه إشعار بأن نفي البأس مخصوص بما إذا كان نظيفا بالمقدار المذكور.

أقول: و الأظهر عندي الاستدلال على ذلك‌

بقوله (صلى الله عليه و آله) في ما روي عنه بعدة طرق فيها الصحيح و غيره «1» «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا».

و هو بإطلاقه شامل لما نحن فيه فان الطهور لغة بمعنى الطاهر المطهر كما تقدم تحقيقه في صدر الباب الأول و هو أعم من ان يكون مطهرا من الحدث و الخبث، و العجب من أصحابنا (رضوان الله عليهم) حيث انهم في المقام ناقشوا في اشتراط طهارة الأرض و لم يلم أحد منهم ممن قال بالطهارة بهذا الحديث و انما استدلوا بان النجس لا يفيد غيره تطهيرا، و في بحث التيمم لم يذكروا دليلا على طهارة التراب سوى الإجماع، و بعض متأخري المتأخرين نقل الخبر المذكور دليلا و تنظر في الاستدلال به، و ليت شعري أي معنى لهذا الخبر و اين مصداقه الذي افتخر به (صلى الله عليه و آله) و ذكر انه اختص به؟

إذ لا يخفى انه لم يرد في الشرع موضع تصير فيه الأرض مطهرة غير هذين الموضعين و ثالثهما إناء الولوغ و لم يذكروا ايضا هذا الخبر فيه و رابعها أحجار الاستجمار، و حينئذ فإذا لم تدخل هذه المواضع في مصداق الخبر و لم يجعل دليلا عليها فلا مصداق له بالكلية فكيف‌

يقول (صلى الله عليه و آله) «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا»؟

و ليس المراد الاختصاص به حتى انه يكون ذلك من خصوصياته بل المراد انما هو له و لأمته، و في أي موضع يوجد مصداقه إذا لم تدخل هذه الأشياء فيه؟ ما هذه إلا غفلة ظاهرة تبع فيها المتأخر المتقدم، و يزيد ذلك‌

ما في دعائم الإسلام «2» حيث قال: «قالوا (عليهم السلام)

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من التيمم.

(2) رواه في مستدرك الوسائل في الباب 25 من النجاسات.

457
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الرابع) هل يعتبر في حصول الطهارة بالأرض جفافها ؛ ج 5، ص : 458

في المتطهر إذا مشى على أرض نجسة ثم على طاهرة طهرت قدميه».

انتهى.

[الموضع] (الرابع) [هل يعتبر في حصول الطهارة بالأرض جفافها]

- ظاهر رواية المعلى بن خنيس و رواية الحلبي المنقولة من السرائر اشتراط جفاف الأرض التي يمشي عليها، و بذلك صرح ابن الجنيد في عبارته المتقدمة، و اليه ذهب جماعة من متأخري الأصحاب كما ذكره في المعالم، و نفاه العلامة في النهاية فقال:

لا فرق بين الدلك بأرض رطبة أو يابسة إذا عرف زوال العين اما لو وطأ و حلا فالأقرب عدم الطهارة. و اقتفاه شيخنا الشهيد الثاني في الروضة و الروض و ذكر ان الرطوبة اليسيرة التي لا يحصل منها تعد غير قادحة على القولين. و في المعالم جعله الأحوط، و في المدارك نفى عنه البأس. و الأظهر عندي هو القول الأول لظاهر الخبرين المتقدمين و لا معارض لهما إلا إطلاق غيرهما من الاخبار فيجب تقييده بهما كما هو القاعدة.

[الموضع] (الخامس) [هل يكفي المسح بخشب و نحوه في التطهير؟]

- ربما أشعرت صحيحة زرارة الاولى من حيث إطلاق المسح فيها بالاكتفاء بالمسح و لو بخشب أو نحوه، و هو منقول في كلام الأصحاب عن ابن الجنيد، و هو ظاهر إطلاق عبارته المتقدمة، إلا ان الظاهر حمل إطلاق الرواية المذكورة على ما هو المعهود الغالب حال المشي من كون المسح بالأرض و هو الذي ينصرف إليه الإطلاق، و على ذلك ايضا يمكن حمل عبارة ابن الجنيد خصوصا مع تصريحه في صدرها بالأرض، و يؤكده انه هو المعروف بين الأصحاب من غير خلاف يعرف، و كأنه لما ذكرنا استشكل العلامة في النهاية فقال لو دلك النعل و القدم بالأجسام الصلبة كالخشب أو مشى عليها فإشكال. و بالجملة فالظاهر الوقوف على ما عليه الأصحاب (رضوان الله عليهم).

[الموضع] (السادس) [المراد بتطهير بعض الأرض بعضها]

- ما تكرر في الاخبار من‌

قولهم (عليهم السلام): «الأرض يطهر بعضها بعضا».

يحتمل ان يكون المراد به- و هو الأقرب- ان بعضها يطهر ما ينجس ببعض و انما أسنده إلى البعض مجازا كما يقال الماء مطهر للبول اي لنجاسة البول، فالمطهر بصيغة اسم المفعول في الحقيقة ما ينجس بالبعض لا نفس البعض، و يحتمل ان يكون بعضها و هو المماس لأسفل النعل و القدم الطاهر منها يطهر بعضا و هو النعل و القدم فالبعض‌

458
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) في النار ؛ ج 5، ص : 459

الثاني عبارة عن المطهر بها، و على الوجه الأول يكون التطهير مخصوصا بالنجاسة التي من الأرض النجسة، و قال شيخنا البهائي في الحبل المتين: لعل المراد بالأرض ما يشمل نفس الأرض و ما عليها من القدم و النعل و الخف. انتهى. و الظاهر انه ناظر الى الاحتمال الثاني. و قيل الوجه في هذا التطهير انتقال النجاسة بالوطء عليها من موضع الى آخر مرة بعد اخرى حتى تستحيل و لا يبقى منها شي‌ء. و الله العالم.

(المسألة الثالثة) [في النار]

- المشهور ان النار تطهر ما احالته رمادا أو دخانا و تردد فيه المحقق في كتاب الأطعمة و الأشربة من الشرائع فقال: و دواخن الأعيان النجسة عندنا طاهرة و كذا ما احالته النار فصيرته رمادا أو دخانا على تردد.

و نقل عن الشيخ في المبسوط انه حكم بنجاسة الدخان النجس معللا له بأنه لا بد من ان يتصاعد من اجزائه قبل احالة النار لها شي‌ء بواسطة السخونة. و رده جملة من الأصحاب بمنع تصاعد اجزاء الدهن بدون الاستحالة. و هو جيد مع انه في الخلاف ادعى الإجماع على طهارة الأعيان النجسة بصيرورتها رمادا.

و قد احتج في الخلاف على ما ذكر من الحكم بالطهارة بالاستحالة رمادا بالإجماع‌

و بصحيحة الحسن بن محبوب «1» «انه سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى و يجصص به المسجد أ يسجد عليه؟ فكتب اليه بخطه: ان الماء و النار قد طهراه».

و ظاهر المحقق في المعتبر هنا المنازعة في هذا الاستدلال و التوقف في الحكم حيث قال: و في احتجاج الشيخ إشكال، اما الإجماع فهو اعرف به و نحن لا نعلمه هنا، و اما الرواية فمن المعلوم ان الماء الذي يمازج الجص هو ما يحل به و ذلك لا يطهر إجماعا و النار لم تصيره رمادا و قد اشترط صيرورة النجاسة رمادا و صيرورة العظام و العذرة رمادا بعد الحكم بنجاسة الجص غير مؤثر طهارته، قال و يمكن ان يستدل بإجماع الناس‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 81 من النجاسات و 10 من ما يسجد عليه.

459
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) في النار ؛ ج 5، ص : 459

على عدم التوقي من دواخن السراجين النجسة فلو لم يكن طاهرا بالاستحالة لتورعوا منه. انتهى. و اقتفى أثره العلامة في المنتهى في الكلام على الخبر المذكور كما هي عادته غالبا فقال: ان في الاستدلال به اشكالا من وجهين: (أحدهما)- ان الماء الممازج هو الذي يحل به و ذلك غير مطهر إجماعا. و (الثاني)- انه حكم بنجاسة الجص ثم بتطهيره قال و في نجاسته بدخان الأعيان النجسة إشكال. انتهى.

أقول: اما ما ذكره المحقق من المنازعة للشيخ في الإجماع فهو بمحل من النظر لموافقته له في إجماعاته التي يدعيها بل استدلاله بها في غير موضع كما لا يخفى على من تأمل كتابه، و الحكم المذكور هنا لم يظهر فيه مخالف قبله حتى يكون موجبا للطعن في إجماعه و قد قرروا في أصولهم ان الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة. و اما ما ذكره بعد الطعن في دليلي الشيخ من الاستدلال على الطهارة بإجماع الناس على ما ذكره فهو أوهن من بيت العنكبوت و انه لا وهن البيوت فان بناء الأحكام الشرعية على مثل هذه التخريجات الوهمية مجازفة ظاهرة.

و اما ما ذكره من الكلام على الاستدلال بالرواية فليس في محله فإنه و كذا العلامة بعده لم يمعنا النظر في تحقيق المعنى المراد منها، و ذلك فان الظاهر ان المراد منها- و الله سبحانه اعلم- هو ان المستفاد من ظاهر السؤال هو ان العذرة تحرق على الجص و يختلط رمادها به و غرض السائل معرفة حالها بعد الإحراق و انها هل تبقى على النجاسة فيلزم تنجيس الجص بها لملاقاته لها بالرطوبة بالمزج بالماء وقت البناء أم لا؟ فخرج الجواب عنه (عليه السلام) بأنها تطهر بالإحراق و الاستحالة رمادا فليس على الجص منها بأس، و هو معنى واضح و دليل مفصح لا غبار عليه، و هذا المعنى و ان لم يفصح به لفظ الخبر إلا انه هو المرجع من سياقه كما ستعرف، و يؤيده‌

ما رواه في قرب الاسناد عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الجص يطبخ بالعذرة أ يصلح ان يجصص به

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 65 من أحكام المساجد.

460
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثالثة) في النار ؛ ج 5، ص : 459

المسجد؟ قال لا بأس».

لا ان المعنى فيها ما توهماه (قدس سرهما) من نجاسة الجص و انه لا يطهر بالنار لعدم الاستحالة و هو قد حكم بان تطهير النار انما هو بالاستحالة و لا بالماء الممازج له فإنه لا يطهره إجماعا، و بالجملة فما ذكرناه معنى ظاهر الاستقامة.

و الى ما ذكرنا أشار السيد السند في المدارك فقال: و يمكن ان يستدل على الطهارة أيضا بما رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن بن محبوب ثم ساق الرواية ثم قال: وجه الدلالة ان الجص يختلط بالرماد و الدخان الحاصل من تلك الأعيان النجسة و لو لا كونه طاهرا لما ساغ تجصيص المسجد به و السجود عليه و الماء غير مؤثر في التطهير إجماعا كما نقله في المعتبر فتعين استناده الى النار، و على هذا فيكون اسناد التطهير الى النار حقيقة و الى الماء مجازا أو يراد به فيهما المعنى المجازي. و تكون الطهارة الشرعية مستفادة مما علم من الجواب ضمنا من جواز تجصيص المسجد به و لا محذور فيه. انتهى.

أقول: الظاهر انما هو المعنى الأول لأن مطابقة الجواب للسؤال تقتضي حصول الطهارة و لا مطهر هنا حقيقة إلا النار كما عرفت فذكره (عليه السلام) في الجواب و لا ينافيه ضم الماء الى ذلك لانه يمكن حمل مدخليته في التطهير هنا على ان يكون من قبيل رش الماء على الثوب أو المكان المظنون النجاسة استحبابا، و بالجملة فالغرض من الخبر بيان انه قد ورد على ذلك الجص مطهران شرعيان الماء و النار و ان كان أحدهما حقيقة و الآخر مجازا، فلا يبقى توقف في طهارته و لا يرد السؤال بان النار إذا طهرته أولا فلا معنى لتطهيره بالماء إذ لا يلزم من ورود المطهر الثاني تأثيره في الطهارة كما عرفت بل يكفي حصول المعنى المجازي.

هذا، و لا يخفى عليك ان العلة الحقيقية في الطهارة انما هي الاستحالة سواء كانت بالنار أو بغيرها لأن الأحكام الشرعية تابعة لصدق الاسم فمتى انتقل الشي‌ء عن حالته الاولى و حقيقته السابقة إلى حقيقة أخرى و سمي باسم ما صدق عليه أفراد الحقيقة الثانية انتقل الحكم ايضا عما كان عليه أولا إلى حكم آخر و يخرج الخبر المذكور شاهدا على‌

461
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المواضع التي وقع الخلاف في طهارتها بالنار ؛ ج 5، ص : 462

ذلك، و بذلك صرح جملة من الأصحاب أيضا قال شيخنا الشهيد الثاني في الروض:

و ليست الاستحالة مختصة بالنار بل هي مطهرة بنفسها و من ثم طهرت النطفة و العلقة بصيرورتهما حيوانا و العذرة و الميتة إذا صارا ترابا. و قال سبطه في المدارك في هذه المسألة: و المعتمد الطهارة لأنها الأصل في الأشياء، و لان الحكم بالنجاسة معلق على الاسم فيزول بزواله. انتهى. و هو جيد. و نحن انما ذكرنا النار في عداد المطهرات مع ما سيأتي ان شاء الله تعالى من عد الاستحالة جريا على كلامهم (رضوان الله عليهم) و بذلك يظهر انه لا فرق بين الرماد و الدخان في الحكم المذكور سيما مع دلالة ظاهر الخبر المذكور على ذلك، لانه لا ريب ان الجص كما اختلط بتراب العذرة و العظام فقد لاقاه دخانها ايضا فلو لم يكن طاهرا لامتنع تجصيص المسجد به و جواز السجود عليه، هذا خلف، و بذلك يظهر انه لا وجه لما ذكره الشيخ في المبسوط من حكمه بنجاسة دخان الدهن النجس و لا لتردد المحقق في الرماد و الدهن في كتاب الأطعمة.

قال في المعالم بعد البحث في المسألة: إذا عرفت هذا فاعلم ان مورد الحديث كما علمت هو استحالة عين النجاسة و قد وقع في كلام أكثر الأصحاب فرض المسألة كما في النص، و عمم بعضهم الحكم على وجه يتناول المتنجس ايضا نظرا الى ان ثبوت ذلك في أعيان النجاسات يقتضي ثبوته في المتنجس بها بطريق اولى، و هو جيد و يؤيده ملاحظة ما قررناه في تطهير الشمس من كون دليل التنجيس في أمثال ذلك غالبا هو الإجماع و انتفاؤه بعد الاستحالة معلوم. انتهى. و ظاهره ان ثبوت الطهارة في المسألة المذكورة بالنسبة إلى عين النجاسة بعد الاستحالة انما هو بالإجماع مضافا الى النص المذكور و اما في المتنجس فليس إلا طريق الأولوية المؤيدة بعدم الإجماع كما ذكره. و فيه نظر بل الحق في الموضعين هو ما قدمنا ذكره من تبعية الأحكام للتسمية التابعة للحقيقة التي عليها ذلك الشي‌ء، و سيأتي في المسألة الآتية ان شاء الله تعالى مزيد إيضاح لذلك.

[المواضع التي وقع الخلاف في طهارتها بالنار]

نعم هنا مواضع قد وقع الخلاف في طهارتها بالنار مع عدم الاستحالة أو الشك فيها‌

462
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأول) الفحم ؛ ج 5، ص : 463

(الأول) الفحم

قال في المعالم: الحق بعض المتأخرين بالرماد الفحم محتجا بزوال الصورة فيه و الاسم، و توقف والدي (قدس سره) في ذلك، و كلام المتقدمين خال من التعرض له، و التوقف في محله ان كانت استحالته عن عين نجاسة اما إذا كان مستحيلا عن متنجس كالحطب النجس فليس بالبعيد طهارته نظرا الى ما قلناه في استحالة هذا النوع رمادا. انتهى و هو جيد إلا ان في الفرق بين عين النجاسة و المتنجس خفاء فإنه إن حصلت الاستحالة و الخروج عن الحقيقة الاولى و الاسم التابع لها إلى حقيقة أخرى يتبعها اسم آخر فالظاهر الطهارة كما قدمناه في الموضعين و إلا فلا.

(الثاني)- الطين النجس إذا طبخ بالنار حتى صار خزفا أو آجرا

، فذهب الشيخ في الخلاف و العلامة في النهاية و موضع من المنتهى و الشهيد في البيان و المحقق الشيخ حسن في المعالم الى القول بالطهارة، و جزم جمع من المتأخرين: منهم- الشهيد الثاني بالعدم، و توقف المحقق في المعتبر و العلامة في موضع آخر من المنتهى و السيد السند في المدارك استدل الشيخ في الخلاف بالإجماع و صحيحة الحسن بن محبوب المتقدمة، و احتج في المعالم على ذلك فقال: لنا- أصالة الطهارة بالتقريب السابق في تطهير الشمس و ملاحظة كون مدرك الحكم بالتنجيس في مثله بعد ذهاب العين هو الإجماع و لا ريب في التفائه بعد الطبخ، كيف و قد احتج الشيخ للطهارة بإجماع الفرقة فلا أقل من دلالته على نفي الإجماع على ثبوت التنجيس حينئذ و قد علم ان الاستصحاب في ما مدركه الإجماع مطرح و إذا لم يكن على الحكم بالنجاسة فيما بعد الطبخ دليل فالأصل يقتضي براءة الذمة من التكليف باجتنابه أو تطهيره أو تطهير ما يلاقيه برطوبة لأجل فعل مشروط بالطهارة. انتهى.

أقول: اما ما استدل به الشيخ هنا على الطهارة فإنا لا نعرفه و هو اعرف به، اما إجماعاته المدعاة في هذا الموضع و غيره فلا يخفى على العارف الخائض في الفن ما فيها، و اما الرواية فلا دليل فيها على ما يدعيه بالكلية كما تقدم بيانه إذ لا اشعار فيها بنجاسة الجص قبل الحرق حتى انه بالحرق صار طاهرا و يصير الحكم في الخزف مثله.

463
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثاني) - الطين النجس إذا طبخ بالنار حتى صار خزفا أو آجرا ؛ ج 5، ص : 463

و اما ما ذكره في المدارك بعد نقل احتجاج الشيخ (قدس سره)- حيث قال: و فيه إشكال منشأه الشك في تحقق الاستحالة و ان كان القول بالطهارة محتملا لعدم تيقن استمرار حكم النجاسة- ففيه ان ما ذكره من الاشكال باعتبار الشك في تحقق الاستحالة كما تقدم منه أيضا في باب التيمم في محله، و اما ما ذكره من ان القول بالطهارة محتمل لعدم تيقن استمرار حكم النجاسة فكلام مزيف لا يخفى ما فيه على المتأمل بعين التحقيق فإنه متى ثبتت النجاسة و حكم بها استمر الحكم بها حتى يثبت الرافع الشرعي و المطهر الشرعي و ليس هنا إلا الاستحالة و هو لا يقول بها بل جعلها موضع شك، و لو كان مجرد خروج الشي‌ء من حال إلى أخرى يوجب الطهارة لوجب بمقتضى ذلك الحكم بطهارة العجين النجس بخبزه و طهارة الأرض بعد الرطوبة باليبوسة بالهواء و نحو ذلك و هو لا يقول به، و قد صرح به في الفرع الأول من فروع مسألة تطهير الشمس في ما لو جف بغير الشمس فقال: و يدل عليه ان نجاسة المحل بالنص فيقف زوال النجاسة على ما عده الشارع مطهرا. انتهى. و هو آت في ما نحن فيه، و بالجملة فإن الاستصحاب هنا انما هو من قبيل استصحاب عموم الدليل المتفق على صحته. نعم ما ذكره يأتي في الاستصحاب المصطلح الذي هو محل النزاع بينهم و هو ما دل الدليل فيه على حال مخصوصة و أريد تعدية الحكم الى حالة أخرى خالية من النص لا في ما إذا كان الدليل شاملا للحالين.

و اما ما ذكره في المعالم فهو مبني على ما تفرد به في تطهير الشمس مما نقلناه ثمة عنه و بينا ما فيه و هو أصل متزعزع الأركان و قاعدة منهدمة البنيان بما أوضحنا من الأدلة الساطعة البرهان المخالفة لما عليه كافة العلماء الأعيان، و حينئذ فمتى ثبتت النجاسة وجب استصحاب حكمها الى ان يحصل المطهر الشرعي، و ليس ثبوت أصل الحكم بالإجماع خاصة كما ادعاه حتى انه بعد الطبخ حيث لا إجماع فمقتضى الأصل الطهارة، و بالجملة فإن المعتبر في الحكم بالنجاسة هو ملاقاتها للشي‌ء مع الرطوبة فإنه يصير بذلك متنجسا بالإجماع نصا و فتوى و هذا الحكم لا يزول عنه إلا بتطهيره بأحد المطهرات المنصوصة،

464
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - العجين المعجون بماء نجس هل يطهر بخبزه أم لا؟ ؛ ج 5، ص : 465

هذا هو مقتضى الأصول الشرعية و القواعد المرعية المتفق عليها بين كافة العلماء قديما و حديثا، و زوال العين لم يجعل مطهرا إلا في حالة مخصوصة متفق عليها نصا و فتوى لا مطلقا كما يدعيه في غير الثلاثة التي قدمها.

احتج شيخنا الشهيد الثاني في الروض على ما ذهب اليه من النجاسة بعدم خروج الخزف عن مسمى الأرض كما لم يخرج الحجر عن مسماها مع انه أقوى تصلبا منه مع تساويهما في العلة و هو عمل الحرارة في أرض أصابتها رطوبة و من ثم جاز السجود عليهما مع اختصاصه بالأرض و نباتها بشرطية. انتهى.

و أجاب عن ذلك ولده في المعالم فقال: هذا، و عندي ان ادعاء عدم الخروج عن الاسم هنا توهم منشأه النظر الى الحجر و ملاحظة ما ذكر من اشتراكهما في علة الصلابة و كونها في الحجر أقوى، و العرف الذي هو المحكم عند فقدان الحقيقة الشرعية و خفاء اللغوية ينادي بالفرق و يعلن بصدق اسم الأرض على الحجر دون الخزف، و قد تنبه لهذا جماعة: منهم- المحقق في المعتبر فقال في بحث التيمم: ان الخزف خرج بالطبخ عن اسم الأرض فلا يصلح التيمم به، ثم ذكر جوازه في الحجر محتجا بأنه أرض إجماعا (لا يقال) هذا مناف لتوقفه في طهارته (لأنا نقول) ليس نظره في التوقف الى عدم الخروج عن الاسم لانه توقف فيما لا ريب في خروجه و قد عرفت كلامه في الرماد و سترى كلامه في ما يستحيل بغير النار. انتهى و من هنا يظهر ان توقف من توقف في المسألة للشك في الخروج و عدمه في محله. و الله العالم.

(الثالث)- العجين المعجون بماء نجس هل يطهر بخبزه أم لا؟

المشهور العدم و قال الشيخ في النهاية في باب المياه: فان استعمل شي‌ء من هذه المياه النجسة في عجين يعجن به و يخبز لم يكن بأس بأكل ذلك الخبز فان النار قد طهرته. و قال في باب الأطعمة من الكتاب المذكور: و إذا نجس الماء بحصول شي‌ء من النجاسات فيه ثم عجن به و خبز لم يجز أكل ذلك الخبز و قد رويت رخصة في جواز اكله و ذلك ان النار قد طهرته‌

465
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - العجين المعجون بماء نجس هل يطهر بخبزه أم لا؟ ؛ ج 5، ص : 465

و الأحوط ما قدمناه. و اختلف كلامه أيضا في كتابي الحديث فأفتى في الاستبصار بالطهارة و في التهذيب بعدمها.

و احتج في المعالم بعد اختياره القول المشهور من عدم الطهارة فقال: لنا- أصالة النجاسة إذ المفروض كون الماء نجسا و النار لا تخرج من العجين المخبوز جميع الماء و انما تجفف بعض رطوبته فيفتقر الحكم بطهارة باقي الرطوبة إلى الدليل (لا يقال) يلزم على هذا طهر الأجزاء التي تجففها النار من رطوبة الماء رأسا لزوال المقتضى لاستصحاب النجاسة حينئذ (لأنا نقول) مدار غالب أحكام النجاسات على الإجماع و من البين ان الخلاف هنا منحصر في القول بالبقاء على النجاسة مطلقا و القول بطهارته إذا صار خبزا مطلقا و التمسك باستصحاب النجاسة ينفي القول الثاني، و اما احتمال الطهارة إذا صار خبزا يابسا فإنما ينفيه فرض انحصار الخلاف في القولين إذ لا مساغ لإحداث الثالث على ما يقتضيه أصول الأصحاب، و قد بينا هذا في مبحث الإجماع من مقدمة الكتاب. انتهى أقول: لا يخفى ان ما ذكره في صدر كلامه جيد و به استدل جملة من الأصحاب إلا انه في سؤالاته لنفسه و أجوبته قد ناقض نفسه في ما تقدم نقله عنه في تطهير الشمس فإنه قد قال ثمة- بعد ان ذكر انحصار وجوب التطهير بعد زوال العين في الثوب و البدن و الآنية دون غيرها- ما لفظه: (فان قلت) كأن الاتفاق واقع على ان للنجاسات المعلومة أثرا في كل ما تلاقيه برطوبة مستمرا الى ان يحصل المطهر الشرعي فيفتقر كل نوع من أنواع المطهرات الى دليل يثبته (قلت) هذا كلام ظاهري يقع في خاطر العاجز عن استنباط بواطن الأدلة و يلتفت اليه القانع بالمجمل عن التفاصيل و ما قررناه أمر وراء ذلك، و بالجملة فالذي يقتضيه التحقيق انه لا معنى لكون الشي‌ء نجسا إلا دلالة الدليل الشرعي على التكليف باجتنابه في فعل مشروط بالطهارة أو ازالة عينه أو أثره لأجله و ان ما لا دليل فيه على أحد الأمرين فهو على أصل الطهارة بمعنى أصالة براءة الذمة من التكليف فيه بأحدهما. إلى آخر ما تقدم.

466
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - العجين المعجون بماء نجس هل يطهر بخبزه أم لا؟ ؛ ج 5، ص : 465

أقول: لا ريب في دخول الخبز اليابس بالنار أو الهواء في ما ذكره من الافراد التي يجب بمقتضى تحقيقه الحكم فيه بالطهارة كالأرض التي تجف بغير الشمس، و توقفه هنا على وجود القائل به يدفعه قوله بما ذهب اليه من هذا القول الذي تفرد به فإن عامة الأصحاب قديما و حديثا كما لا يخفى على من راجع كتبهم و كلامهم على ان النجاسات متى أثرت في شي‌ء بملاقاتها له برطوبة وجب استصحاب ذلك الى وجود المطهر الشرعي و هو قد ذهب الى طهارته بمجرد زوال العين في غير الثوب و البدن و الآنية، فاللازم هنا هو طهارة الخبز الذي عجينه نجس باليبس و زوال الماء النجس كيف اتفق كما لا يخفى إذ العلة في الموضعين واحدة و التستر عن ذلك بلزوم احداث قول ثالث في هذا المقام تستر بما هو أوهن من بيت العنكبوت و انه لأوهن البيوت. فان انتشار الخلاف و تكثر الأقوال في المسائل الشرعية بين المتأخرين مما لم يوجد في كلام المتقدمين و لو صحت هذه القاعدة لم يبلغ الأمر الى ذلك، على ان الأصل الذي بنى عليه كما عرفت انما أحدثه هو خاصة و لم يقل به أحد قبله بل عبائر الأصحاب كلها على خلافه و ان سجل عليه بما سجل و أكثر بما طول، و بالجملة فظهور المنافاة بين كلاميه مما تقدم في مسألة تطهير الشمس و ما ذكره هنا أوضح من ان يحتاج الى تطويل و ان تستر عنه بما لا اعتماد عليه و لا تعويل.

و كيف كان فالواجب الرجوع الى الروايات الواردة في المقام و بيان ما يفهم منها من الأحكام:

فمنها-

ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابن ابي عمير عن بعض أصحابه قال و ما أحسبه إلا حفص بن البختري «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) في العجين يعجن من الماء النجس كيف يصنع به؟ قال يباع ممن يستحل أكل الميتة».

و في الصحيح عن ابن ابي عمير ايضا عن بعض أصحابه عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «يدفن و لا يباع».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأسآر.

(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب الأسآر.

467
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - العجين المعجون بماء نجس هل يطهر بخبزه أم لا؟ ؛ ج 5، ص : 465

و ما رواه ثقة الإسلام و الشيخ عن زكريا بن آدم «1» قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم؟ قال فقال فسد. قلت أبيعه من اليهود و النصارى و أبين لهم؟ قال نعم فإنهم يستحلون شربه».

و بمضمون هذه الرواية أفتى في الفقيه من غير إسنادها الى الامام فقال: «و ان قطر خمر أو نبيذ في عجين فقد فسد فلا بأس ببيعه من اليهود و النصارى بعد ان يبين لهم».

و في الصحيح عن ابن ابي عمير ايضا عن من رواه عن الصادق (عليه السلام) «2» «في عجين عجن و خبز ثم علم ان الماء كان فيه ميتة؟ قال لا بأس أكلت النار ما فيه».

و عن عبد الله بن الزبير «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن البئر تقع فيها الفأرة أو غيرها من الدواب فتموت فيعجن من مائها أ يؤكل ذلك الخبز؟ قال إذا أصابته النار فلا بأس بأكله».

أقول: و الظاهر ان مستند الشيخ في ما تقدم نقله عنه من الطهارة بالخبز هو الخبران الأخيران، ورده المتأخرون بعد الطعن بضعف السند بالطعن في الدلالة (اما الأول) فلأن الميتة أعم من الطاهرة و النجسة و لا دلالة في الخبر على كونها من ذوات الأنفس النجسة بالموت. و (اما الثاني) فهو موقوف على القول بنجاسة البئر و الأظهر طهارتها و هذا الخبر من جملة الأخبار الدالة على ذلك، و نفي البأس عن اكله بعد اصابة النار انما هو كناية عن الاستقذار المتوهم مما في الماء كما يشير اليه قوله في الخبر الأول «أكلت النار ما فيه» و من المحتمل قريبا ان المراد بالماء في رواية ابن ابي عمير الثالثة انما هو ماء البئر، و حينئذ فلا فرق بين كونها نجسة العين أو طاهرة بناء على عدم نجاسة البئر بالملاقاة، و بالجملة فالظاهر هو القول المشهور لأصالة بقاء النجاسة حتى يحصل‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق.

(3) رواه في الوسائل في الباب 14 من الماء المطلق.

468
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - العجين المعجون بماء نجس هل يطهر بخبزه أم لا؟ ؛ ج 5، ص : 465

المطهر الشرعي كما عليه جملة الأصحاب في هذا الباب و تخرج الروايات الثلاث المتقدمة شاهدة على ذلك.

بقي الكلام هنا في مسألتين: (إحداهما) أن الرواية الأولى تضمنت انه يباع ممن يستحل الميتة و الثانية تضمنت انه يدفن و لا يباع. و يمكن الجمع بينهما بحمل النهي عن البيع على البيع على المسلم من غير اعلام و إلا فبيعه على المسلم مع الاعلام لا إشكال في جوازه بل الظاهر انه لا خلاف فيه كالدهن النجس و نحوه فان له منافع محللة.

و (ثانيتهما)- ان الرواية الأولى تضمنت انه يباع من أهل الذمة و به صرح الشيخ في النهاية و هو ظاهر المشهور بين الأصحاب أيضا، و منع ابن إدريس من ذلك و ذهب الى انه لا يجوز بيعه مطلقا و قال ان الرواية الواردة بذلك متروكة فلا عمل عليها لأنها مخالفة لأصول مذهبنا‌

و لان الرسول (صلى الله عليه و آله) قال: «إذا حرم الله شيئا حرم ثمنه» «1».

و أجاب العلامة في المختلف بعد اختياره مذهب الشيخ عن كلام ابن إدريس بأن هذا في الحقيقة ليس بيعا و انما هو استنقاذ مال الكافر من يده برضاه فكان سائغا. انتهى. و هو مؤذن بتوقفه في الحكم بصحة البيع، و بذلك صرح في المنتهى فقال: و اما ما تضمنته الرواية من البيع ففيه نظر و الأقرب انه لا يباع لرواية ابن ابي عمير فان استدل بما رواه ابن ابي عمير و ذكر الرواية الاولى، ثم قال و الجواب انها معارضة لما قدمناه و يمكن ان يحمل على البيع على غير أهل الذمة و ان لم يكن ذلك بيعا حقيقة.

و عندي في ما ذكره ابن إدريس و كذا ما ذكره العلامة في المنتهى نظر‌

______________________________
(1) لم يرد هذا الحديث بهذا اللفظ في كتب الاخبار لا من طرق الخاصة و لا من طرق العامة نعم

ورد في حديث ابن عباس عنه (ص) «ان الله إذا حرم على قوم أكل شي‌ء حرم ثمنه عليهم».

و قد رواه أحمد في المسند ج 1 ص 247 و ص 293 و البيهقي في السنن ج 6 ص 13 و أبو داود في السنن ج 2 ص 280 و ابن الدنيع في تيسير الوصول ج 1 ص 55 و الشوكانى في نيل الأوطار ج 5 ص 121.

469
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالث) - العجين المعجون بماء نجس هل يطهر بخبزه أم لا؟ ؛ ج 5، ص : 465

(اما أولا) فلما قدمنا الإشارة إليه من انه عين مملوكة يجوز الانتفاع بها نفعا محللا في علف الحيوان كالدهن النجس للاستصباح و غيره فلا مانع من بيعه، نعم إذا باعه على مسلم فظاهر الأصحاب وجوب اعلامه و ان لم أقف فيه على دليل و اما بيعه على الكافر المستحل لذلك فلا يتوقف على الاعلام.

و (اما ثانيا)- فلتظافر الأخبار بذلك و منها رواية زكريا بن آدم المتقدمة و صحيحة ابن ابي عمير الاولى‌

و حسنة الحلبي أو صحيحته عن الصادق (عليه السلام) «1» «انه سئل عن رجل كانت له غنم و بقر و كان يدرك الذكي منها فيعزله و يعزل الميتة ثم ان الميتة و الذكي اختلطا كيف يصنع؟ قال يبيعه ممن يستحل الميتة و يأكل ثمنه.».

و صحيحته الأخرى أيضا عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سمعته يقول إذا اختلط الذكي بالميت باعه ممن يستحل الميتة.».

و مع دلالة هذه الأخبار على الحكم المذكور فلا مجال للتوقف فيه و لا ضرورة الى ما تكلفه العلامة في المختلف من التأويل.

و اما ما استند اليه ابن إدريس من الحديث الذي نقله ففيه انه بعد صحته و ثبوته فغايته ان يكون مطلقا و هذه الأخبار مع تكاثرها و صحتها خاصة فيجب تقييد إطلاق ذلك الخبر بها كما هو القاعدة المتكررة في كلامهم.

بقي ان رواية زكريا ابن آدم تضمنت الاعلام قبل البيع إلا ان ذلك في كلام السائل فلا يتقيد به الحكم المذكور لكن ظاهر عبارة الصدوق المتقدمة تقييد الحكم بذلك في البيع على أهل الذمة و اليه يشير كلام العلامة في المنتهى و قوله: «و يمكن ان يحمل على البيع على غير أهل الذمة» و يمكن توجيه ذلك بأنهم مع القيام بشرائط الذمة يعاملون معاملة المسلمين فلا يباع عليهم الا مع الإعلام. إلا ان فيه ان رواية زكريا المشتملة على ذلك و هي التي أخذ الصدوق عبارته منها تضمنت انهم يستحلون شربه فأي‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 36 من الأطعمة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 36 من الأطعمة المحرمة.

470
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) في الاستحالة ؛ ج 5، ص : 471

فائدة تترتب على الاعلام، و بالجملة فالإشكال في عبارة الصدوق لا في الرواية لما عرفت. و الله العالم.

(المسألة الرابعة) [في الاستحالة]

- من المطهرات عند الأصحاب الاستحالة إلا انهم قد اتفقوا على مواضع منها و اختلفوا في مواضع:

فاما ما وقع عليه الاتفاق فالنطفة و العلقة إذا استحالتا حيوانا طاهرا و الخمر إذا انقلب خلا و الدم إذا صار قيحا، و قد نقل العلامة في المنتهى الإجماع على الحكم في كل من هذه المذكورات و أضاف إلى القيح الصديد ايضا، و فيه كلام تقدم في آخر الفصل الرابع في نجاسة الدم و هو ان الصديد قيح يخالطه الدم كما لا يخفى، و من ذلك أيضا استحالة الماء النجس بولا لحيوان مأكول اللحم و الغذاء النجس روثا لحيوان مأكول اللحم.

و اما ما وقع فيه الخلاف من الافراد فمنه- ما تقدم في مسألة التطهير بالنار، و منه- الكلب إذا وقع في المملحة فصار ملحا فذهب المحقق في المعتبر و العلامة في عدة من كتبه الى عدم الطهارة، قال في المنتهى: إذا وقع الخنزير و شبهه في ملاحة فاستحال ملحا و العذرة في البئر فاستحالت حمأة لم تطهر و هو قول أكثر أهل العلم خلافا لأبي حنيفة «1» و بنحو ذلك صرح المحقق في المعتبر، و احتجا بأن النجاسة قائمة بالأجزاء لا بالصفات فلا تزول بتغير أوصاف محلها و تلك الأجزاء باقية فتكون النجاسة باقية لانتفاء ما يقتضي ارتفاعها. و المشهور في كلام المتأخرين عنهما هو القول بالطهارة لما قدمنا ذكره في بحث تطهير النار من ان الأحكام تابعة للاسم الجاري على حقائق الأشياء و جارية على ذلك، و الكلب بعد استحالته ملحا قد صارت حقيقته إلى حقيقة الملح و سمي باسم آخر باعتبار ما صار اليه، فما ورد من الأخبار الدالة على نجاسة الكلب لا تصدق في محل البحث و الاخبار الدالة على طهارة الملح و حله جارية عليه في هذه الحالة بعين ما وافقوا عليه في الافراد المتقدمة، و لو صحت هذه التعليلات العليلة لجرت ايضا فيما وافقوا على طهارته بالاستحالة.

______________________________
(1) كما في البحر الرائق ج 1 ص 227.

471
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الرابعة) في الاستحالة ؛ ج 5، ص : 471

و لا بأس بالتعرض لنقل كلام جملة من الأصحاب في الباب ليزول عنك الشك فيما ذكرنا و الارتياب. قال المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بعد ان ذكر عبارة المصنف المؤذنة بالتوقف في الحكم المذكور في بيان وجهي التوقف: من ان اجزاء النجاسة باقية لم تزل و انما تغيرت الصورة و كما ان النجاسة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل كذا حصول الطهارة موقوف على الدليل و لم يثبت، و من ان مناط النجاسة هي تلك الصورة مع الاسم لأن أحكام الشرع جارية على المسميات بواسطة الأسماء لأن المخاطب بها كافة الناس فينزل على ما هو المتفاهم بينهم عرفا أو لغة كما يليق بالحكمة، و لا ريب ان الذي كان من افراد نوع الكلب قبل الاستحالة بحيث يصدق عليه اسمه قد زال عنه ما كان و صار في الفرض من افراد الملح بحيث لا يصدق عليه ذلك الاسم بل يعد إطلاقه غلطا، و كذا القول في العذرة بعد صيرورتها ترابا فيجب الآن ان تجري عليها الأحكام المترتبة شرعا على التراب و الملح، على ان جميع ما أجمعوا على طهارته من نحو العذرة تصير دودا و المني يصير حيوانا طاهر العين و نحو ذلك لا يزيد على هذا، فكان التوقف في الطهارة هنا لا وجه له. انتهى كلامه. و هو جيد وجيه و بالجملة فإن المعلوم من الشرع و النصوص الواردة عن أهل الخصوص (عليهم السلام) هو دوران الأحكام مدار الأسماء الثابتة لتلك المسميات فإذا حكم الشارع بنجاسة الكلب مثلا أو العذرة بقي الحكم ثابتا ما ثبت هذا الاسم و إذا حكم بطهارة الملح و حله و طهارة التراب ثبت ايضا ما ثبت الاسم كائنا ما كان، و قد تقدم كلام صاحب المدارك في ذلك في سابق هذه المسألة و نحوه كلام جده، و قال المحقق الشيخ حسن في المعالم في هذه المسألة بعد نقل القول بالنجاسة عن الفاضلين و الطهارة عن فخر المحققين و المحقق الشيخ علي و الشهيد و والده- ما صورته: و هو الأظهر لنا- ان الحكم بالنجاسة منوط بالاسم كما هو الشأن في سائر الأحكام الشرعية فيزول بزواله و المفروض في محل النزاع انتفاء صدق الاسم الأول و دخوله تحت اسم آخر فيجب زوال الحكم الأول و لحوق‌

472
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فرعان ؛ ج 5، ص : 473

أحكام الاسم الثاني له، ثم نقل حجة الفاضلين المتقدمة و قال: و الجواب ان قيام النجاسة بالأجزاء مسلم لكن لا مطلقا بل بشرط الوصف لانه المتبادر من تعليق الحكم بالاسم و المعهود في الأحكام الشرعية و لا ريب في انتفاء المشروط عند انتفاء شرطه. انتهى.

و هو جيد وجيه.

فرعان

(الأول)

- قد نبه جملة من الأصحاب في الصورة المفروضة على اشتراط كرية ماء المملحة. و الظاهر ان الوجه فيه تنجس الماء و الأرض لو كان الماء أقل من كر و كذا الملح الملاقي له في المملحة، فطهارته بالاستحالة بعد تنجس جميع ذلك لا يجدي في زوال النجاسة العارضة به أولا و كذا استحالة الماء ملحا بعد نجاسة أرضه لا يجدي في زوال النجاسة عنه.

(الثاني)

- ينبغي ان يعلم ان طهارة العذرة مثلا باستحالتها ترابا و الحكم بطهارة التراب في الصورة المذكورة انما هو فيما إذا كانت العذرة التي كانت في الأرض يابسة ثم استحالت اما لو كانت رطبة ثم استحالت فإن الأرض قد تنجست بها في حال الرطوبة فهي و ان استحالت إلا ان الأرض باقية على النجاسة بذلك السبب و ان كانت عرضية، و هكذا كل نجاسة رطبة استحالت أرضا.

[باقي المطهرات]

و اما باقي المطهرات العشرة كما عده الأصحاب فمنه- الإسلام و الأمر فيه ظاهر، و الانقلاب و قد تقدمت الإشارة إليه في الاستحالة بانقلاب الخمر خلا و العصير، و عليه تدل جملة من الاخبار و منها-

موثقة عبيد بن زرارة «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأخذ الخمر فيجعله خلا؟ قال لا بأس».

و موثقة أخرى له ايضا عن الصادق (عليه السلام) «2» انه قال: «في رجل باع عصيرا فحبسه السلطان حتى

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 31 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 31 من الأشربة المحرمة.

473
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المقصد الثالث) - في الأواني ؛ ج 5، ص : 474

 

صار خمرا فجعله صاحبه خلا؟ فقال إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس».

و في هذا الخبر كما ترى دلالة على ما قدمنا ذكره من تبعية الأحكام الشرعية للاسم طهارة و نجاسة و حلا و حرمة و منها- نقصان العصير و قد تقدم جملة من الأخبار الدالة عليه في فصل نجاسة الخمر.

و منها- الانتقال كالدم المنتقل إلى البعوضة و القمل و نحوهما و الحكم فيه ايضا مما لا خلاف فيه و لا اشكال يعتريه و الله العالم.

(المقصد الثالث)- في الأواني

و الكلام يقع في حكم تطهيرها و بيان ما يجوز استعماله منها و ما لا يجوز فالكلام في هذا المقصد يقع في مطلبين‌

[المطلب] (الأول) في حكم تطهيرها

و فيه مسائل:

[المسألة] (الأولى) [كيفية تطهير الإناء من ولوغ الكلب]

اختلف الأصحاب في كيفية تطهير الإناء من ولوغ الكلب بالماء القليل، فالمشهور انه يطهر بغسله ثلاث مرات أولاهن بالتراب. و قال المفيد (قدس سره) في المقنعة يغسل ثلاثا وسطاهن بالتراب ثم يجفف. و أطلق جملة من الأصحاب:

منهم- المرتضى (رضي الله عنه) و الشيخ في الخلاف انه يغسل ثلاثا إحداهن بالتراب و قال الصدوق في الفقيه بعد تقدم ذكر الإناء: «و ان وقع فيه كلب أو شرب منه أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرات مرة بالتراب و مرتين بالماء ثم يجفف» و كذا نقله عن أبيه في الرسالة أيضا بعين هذه العبارة، و قال ابن الجنيد في مختصره: «و الأواني إذا نجست بولوغ الكلب أو ما جرى مجراه غسل سبع مرات أولاهن بالتراب».

و الذي وقفت عليه من الأخبار في المسألة‌

صحيحة أبي الفضل البقباق المروية في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أول مرة ثم بالماء».

و روى هذه الرواية المحقق في المعتبر و كذا العلامة في المنتهى و زادا لفظ «مرتين» بعد قوله «بالماء».

و ما في الفقه الرضوي حيث قال (عليه السلام) «2»: «ان وقع كلب في الماء أو شرب منه أهريق الماء و غسل الإناء ثلاث مرات مرة بالتراب و مرتين بالماء ثم

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 1 من الأسآر و 12 من النجاسات.

(2) ص 5.

 

474
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الأول) ما يلحق بالولوغ في كيفية التطهير ؛ ج 5، ص : 475

يجفف».

انتهى. و من هذه العبارة أخذ الصدوق في الفقيه و كذا في المقنع و أبوه في الرسالة ما ذكراه حسبما عرفت و ستعرف ان شاء الله تعالى في جملة من الأحكام الآتية في كتاب الصلاة و الكتب التي بعده.

و ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الإناء الذي يشرب فيه النبيذ؟ قال تغسله سبع مرات و كذلك الكلب».

و الظاهر ان هذا الخبر مستند ابن الجنيد في ما نقل عنه من السبع و الخبر و ان كان خاليا من ذكر التراب إلا انه يمكن أخذه من الخبر المتقدم.

و تحقيق البحث في المسألة يتوقف على بسط الكلام في موارد‌

[المورد] (الأول) [ما يلحق بالولوغ في كيفية التطهير]

- مورد الخبرين المتقدمين شرب الكلب من الإناء و الأصحاب عبروا في هذا الموضع بالولوغ و هو لغة- على ما نص عليه في الصحاح و غيره- شرب الكلب بطرف لسانه، و زاد في القاموس إدخال لسانه في الإناء و تحريكه.

و نص جماعة من متأخري الأصحاب على ان لطع الكلب بلسانه اي لحسه للإناء في معنى الولوغ ايضا و ان لم يصدق عليه اسمه حقيقة نظرا إلى انه اولى بالحكم من الولوغ فيتناوله الدليل بمفهوم الموافقة، و صرح به في المدارك و استحسنه في المعالم و هو غير بعيد.

و نص العلامة في النهاية على انه لو حصل اللعاب بغير الولوغ فالأقوى إلحاقه به إذ المقصود قلع اللعاب من غير اعتبار السبب، قال و هل يجري عرقه و سائر رطوباته و اجزائه و فضلاته مجرى لعابه؟ إشكال الأقرب ذلك لان فمه أنظف من غيره و لهذا كانت نكهته أطيب من غيره من الحيوانات لكثرة لهثه، مع انه قال في المنتهى:

لا يغسل بالتراب إلا من الولوغ خاصة فلو ادخل الكلب يده أو رجله أو غيرهما كان كغيره من النجاسات، ثم نقل عن ابن بابويه التسوية بين الوقوع و الولوغ و نقل أقوال بعض العامة ثم أجاب عنه بأنه تكليف غير معقول المعنى فيقف على النص و هو انما دل‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من الأشربة المحرمة.

475
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الأول) ما يلحق بالولوغ في كيفية التطهير ؛ ج 5، ص : 475

على الولوغ، ثم نقل حجة المخالف بان كل جزء من الحيوان يساوي بقية الاجزاء في الحكم، ثم أجاب بأن التساوي ممنوع و الفرق واقع إذ في الولوغ تحصل ملاقاة الرطوبة اللزجة للإناء المفتقرة إلى زيادة في التطهير. و قد اقتفى في هذه الحجة المحقق في المعتبر و منها يعلم الجواب عما صار إليه في النهاية، و من العجب انه قال فيها بعد الكلام المتقدم بسطر واحد تقريبا: و لو ادخل يده أو رجله أو غيرهما من اجزائه كان كغيره من النجاسات و قيل بمساواته للولوغ، و الأصحاب قد نقلوا عن ابني بابويه إلحاق الوقوع بالولوغ وردوه بعدم الدليل.

قال في المعالم بعد نقل ذلك عنهما: و المشهور بين الأصحاب قصر الحكم على الولوغ و ما في معناه و هو اللطع، و الوجه فيه ظاهر إذ النص انما ورد في الولوغ و ادعاء الأولوية في غيره مطلقا في حيز المنع و بدونها يكون الإلحاق قياسا. انتهى.

أقول: العذر لهم واضح حيث انهم لم يقفوا على هذا الكتاب الذي هو مستندهم في جميع ما يستغربونه من الأحكام التي يقول بها و لم يوجد مستندها في الكتب المشهورة. لكن الاولى بهم في مثل المقام ان يحملوا كلامهما على وصول خبر إليهما و لم يصل الى المتأخرين حيث انهما من أرباب النصوص الذين لا يعولون إلا عليها على الخصوص لا على مفهوم أولوية و لا قياس و لا نحوهما مما لا يخرج عن شبهة الالتباس، و بالجملة فقد عرفت مستندهما في ما ذكراه فلا ورود لما أورد عليهما.

و العجب ايضا ان ممن صرح بإلحاق الوقوع بالولوغ المفيد (قدس سره) و الظاهر ان مستنده أيضا في ذلك هو الكتاب المذكور و ان كانت عبارته على غير نهج عبارة الكتاب حيث قال: إذا شرب منه كلب أو وقع فيه أو ماسة ببعض أعضائه فإنه يهراق ما فيه من ماء ثم يغسل مرة بالماء و مرة ثانية بالتراب و مرة ثالثة بالماء و يجفف و يستعمل.

و منه يظهر قوة ما ذهب إليه في النهاية بالنسبة الى اجزاء الكلب. نعم ما ذكره زيادة على ذلك من عرقه و سائر رطوباته محل توقف لعدم الدليل.

476
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الثاني) عدد الغسل بالماء في التطهير من ولوغ الكلب ؛ ج 5، ص : 477

[المورد] (الثاني) [عدد الغسل بالماء في التطهير من ولوغ الكلب]

- المشهور بين الأصحاب من غير خلاف يعرف متقدميهم و متأخريهم هو وجوب المرتين بالماء مع ان الخبر الذي نقله الشيخ خال من ذلك و لفظ المرتين انما وجد في الخبر بنقل المعتبر و من أجل ذلك اعترضهم في المدارك فقال بعد نقل الخبر عن الشيخ: كذا وجدته في ما وقفت عليه من كتب الأخبار و نقله كذلك الشيخ (قدس سره) في مواضع من الخلاف و العلامة في المختلف إلا ان المصنف في المعتبر نقله بزيادة لفظ «مرتين» بعد قوله: «اغسله بالماء» و قلده في ذلك من تأخر عنه، و لا يبعد ان تكون الزيادة وقعت سهوا من قلم الناسخ، و مقتضى إطلاق الأمر بالغسل الاكتفاء بالمرة الواحدة بعد التعفير إلا ان ظاهر المنتهى و صريح الذكرى انعقاد الإجماع على تعدد الغسل بالماء فان تم فهو الحجة و إلا أمكن الاجتزاء بالمرة لحصول الامتثال بها. انتهى أقول: ان ذكر المرتين لو اختص بمن تأخر عن المحقق لتم ما ذكره و لكنه موجود في كلام المتقدمين كالشيخين و الصدوقين و المرتضى و غيرهم. و اما ما ادعاه من توهم السهو في النقل فقد أجاب عنه شيخنا البهائي في الحبل المتين بان عدم اطلاعنا على هذه الزيادة في الأصول المتداولة في هذا الزمان غير قادح و ان كلام المحقق في المعتبر يعطي انه نقل بعض الأحاديث المذكورة من كتب ليست في أيدي أهل زماننا إلا أسماؤها ككتب الحسن بن محبوب و احمد بن محمد بن ابي نصر و الحسين بن سعيد و الفضل بن شاذان و غيرهم، و لعله (قدس سره) نقل هذه الزيادة من بعض هذه الكتب. انتهى. و هو جيد، و يؤيده ما عرفت من تصريح أساطين الفرقة الناجية بذلك و وجود ذلك في كتاب الفقه فلا مجال للتوقف فيه.

[المورد] (الثالث) [هل يعتبر تقديم التعفير في التطهير من ولوغ الكلب؟]

- قد عرفت مما تقدم انه أطلق جملة من الأصحاب الغسل ثلاثا إحداهن بالتراب، و بعض قيد بتقديم التراب و بعض جعله متوسطا، و ظاهر الجميع الاتفاق على عدم جواز التأخير. بقي الكلام في القولين المذكورين و صحيحة البقباق‌

477
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الرابع) هل يعتبر في التعفير مزج التراب بالماء؟ ؛ ج 5، ص : 478

قد صرحت بالتقديم. و اما القول بالتوسط كما ذهب اليه شيخنا المفيد فلم نقف له على مستند.

[المورد] (الرابع) [هل يعتبر في التعفير مزج التراب بالماء؟]

- اختلف الأصحاب في الغسلة التي بالتراب هل يجب المزج فيها بالماء أم لا؟ فذهب إلى الأول الراوندي و ابن إدريس و مال إليه العلامة في المنتهى خاصة، و المشهور العدم لكنهم بين ساكت عن حكم المزج و بين مصرح بجوازه و اجزائه في التطهير، و ممن صرح بالاجزاء الشهيد في الدروس و البيان و هو ظاهر الشهيد الثاني في المسالك أيضا إلا انه اشترط بان لا يخرج التراب بالمزج عن اسمه.

قال ابن إدريس على ما نقله عنه العلامة في المختلف: كيفية غسله بالتراب ان يمزج الماء بالتراب ثم يغسل به الإناء أول مرة لأن حقيقة الغسل جريان المائع على المحل.

و قال في المنتهى قال ابن إدريس الغسل بالتراب غسل بمجموع الأمرين منه و من الماء لا يفرد أحدهما عن لآخر إذ الغسل بالتراب لا يسمى غسلا لان حقيقته جريان المائع على الجسم المغسول و التراب وحده غير جار، و في اشتراط الماء نظر و ان كان ما قاله قويا. انتهى.

أقول: و من هذا الكلام علم دليل القول المذكور و ملخصه ان حقيقة الغسل جريان المائع على الجسم المغسول و التراب وحده لا يحصل به الجريان فيعتبر مزجه بالماء تحصيلا لحقيقة الغسل.

و أجاب عنه المحقق الشيخ علي بأنه خيال ضعيف فان الغسل حقيقة إجراء الماء فالمجاز لازم على تقدير ذلك مع ان الأمر بغسله بالتراب و الممزوج ليس ترابا.

و أجاب عنه الشهيد في الذكرى تبعا للعلامة في المختلف بأنه لا ريب في انتفاء الحقيقة على التقديرين و الخبر مطلق فلا ترجيح. و هو يرجع في الحقيقة إلى الأول و توضيحه ان ادعاء صدق مفهوم الغسل مع المزج ان كان بالنظر الى الحقيقة فالمزج ليس بمحصل لحقيقة الغسل قطعا إذ الغسل حقيقة انما هو بالماء أو نحوه من المائعات المشابهة له، و ان كان باعتبار المجاز فهو صادق بالتراب وحده، و ليس على ترجيح‌

478
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الرابع) هل يعتبر في التعفير مزج التراب بالماء؟ ؛ ج 5، ص : 478

أحد المجازين دليل، و الإطلاق الواقع في الخبر يدل بظاهره على الاكتفاء بأقل ما يتحقق معه الاسم فيحتاج إثبات الزائد عليه الى دليل.

و يمكن دفعه بان يقال ان التراب الممتزج و ان لم يسم غسلا حقيقة إلا أنه أقرب الى حقيقة الغسل من الدلك بالتراب وحده و مع تعذر الحقيقة يصار إلى أقرب المجازات إلا انه ربما تطرق القدح ايضا الى هذا الوجه بأنه على تقدير المزج يلزم ارتكاب تجوزين (أحدهما) في الغسل كما اعترف به، و (ثانيهما) في التراب فان الممزوج بالماء على وجه يحصل فيه الجريان لا يسمى ترابا كما تقدم في كلام المحقق الشيخ علي، و اما على الوجه الآخر و هو الغسل بالتراب وحده فإنما يلزم ارتكاب مجاز واحد في لفظ الغسل.

و ربما بنى الكلام في المقام على معنى الباء في قوله (عليه السلام) «بالتراب» فان حملناها علي الاستعانة كما في قولهم «كتبت بالقلم» و الظرف حينئذ لغو و متعلقة خاص مذكور تعين التجوز في لفظ الغسل بإرادة الدلك منه بنوع من العلاقة و كان الخبر واضح الدلالة على القول المشهور، و ان حملناها على المصاحبة كما في قولهم «دخلت عليه بثياب السفر» فالظرف على هذا التقدير حال من الغسل المدلول عليه بالأمر و هو حينئذ مستقر لكون متعلقة امرا عاما واجب الحذف و هو الكون و الاستقرار كما قرر في محله من الكتب النحوية، و على هذا فلا حاجة الى التجوز في الغسل بل يبقى على حقيقته إلا انه يحتاج الكلام الى تقدير متعلق الجار و يصير حاصل الكلام و اغسله حال كون الغسل كائنا بمصاحبة التراب، و ليس في هذا الوجه ما ربما يستبعد به إلا تقدير متعلق الجار و هو و ان كان خلاف الأصل إلا ان مقتضى القواعد النحوية ذلك، و بهذا الوجه يكون الخبر حجة لابن إدريس و من قال بمقالته و ربما رجح ايضا بقلة استعمال الغسل في الدلك بالتراب و بعده عن الفهم و ليس الإضمار لمتعلق الجار بهذه المثابة بل هو شائع الاستعمال.

و بالجملة فالمسألة لا تخلو من الاشكال لما عرفت و الاحتياط بالتراب وحده و التراب الممزوج مما لا ينبغي تركه.

479
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تذنيب على هذا القول هل يجزئ لو صار مضافا؟ ؛ ج 5، ص : 480

 

تذنيب [على هذا القول هل يجزئ لو صار مضافا؟]

قال العلامة في التذكرة. ان قلنا بمزج التراب بالماء فهل يجزئ لو صار مضافا؟

اشكال، و على تقديره هل يجزئ عوض الماء ماء الورد و شبهه؟ اشكال، و بنى الحكم في النهاية على ان التعفير هل ثبت تعبدا أو استظهارا في القلع بغير الماء؟ فعلى الأول يتوقف فيه مع ظاهر النقل و على الثاني يجزئ عوض الماء غيره من المائعات كالخل و ماء الورد و لا يضر خروج الماء عن الإطلاق بالمزج بطريق أولى.

أقول: أنت خبير بان الظاهر ان الأمر بالتعفير انما هو تعبد شرعي و التعليل بإزالة الأجزاء اللعابية علة مستنبطة مع تخلفها في كثير من الموارد كما لا يخفى، و المعلوم من الشرع عدم مدخلية غير الماء المطلق في التطهير مطلقا، و صدق التراب مع صيرورة الماء به مضافا لا يخلو من اشكال، و بالجملة فإن إدخال هذه الفروع في المسألة لا يخلو من الاشكال.

[المورد] (الخامس) [هل تعتبر طهارة التراب في التطهير من ولوغ الكلب؟]

- قد نص جمع من الأصحاب على اشتراط طهارة التراب التفاتا الى ان المطلوب منه التطهير و النجس لا يطهر، و احتمل العلامة في النهاية أجزاء النجس و وجهه بان المقصود من التراب الاستعانة على القلع بشي‌ء آخر و شبهه حينئذ بالدفع بالنجس و أنت خبير بما فيه لان التعليل بما ذكره و ان تكرر في كلام جملة منهم إلا انه غير معلوم من النص بل هو علة مستنبطة بأهل القياس انسب. و ظاهر كلام صاحبي المعالم و المدارك الجواز بالنجس نظرا إلى إطلاق النص إلا انه قال في المعالم بعد ذلك: و لعل ارادة الطاهر تتبادر الى الفهم عند الإطلاق. و قال في المدارك بعد ان نقل عن العلامة في المنتهى اشتراط طهارة التراب لان المطلوب منه التطهير و هو غير مناسب للنجس: و يشكل بإطلاق النص و حصول الإنقاء بالطاهر و النجس.

أقول: و التحقيق عندي هو ما تقدمت الإشارة إليه في مسألة تطهير الأرض من ان الأظهر الاستدلال على مثل هذا الحكم بالحديث الوارد عنه (صلى الله عليه و آله)

 

480
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(السادس) هل يجزئ ما قام مقام التراب في إزالة النجاسة عن المحل؟ ؛ ج 5، ص : 481

بعدة طرق من‌

قوله «1»: «جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا».

فإنه شامل للطهارة الحدثية و الخبثية، و الطهور- كما تقدم تحقيقه في صدر الكتاب- هو الطاهر المطهر، فيجب الحكم هنا بطهارة التراب و ان غفل عنه الأصحاب في هذا الباب.

[المورد] (السادس) [هل يجزئ ما قام مقام التراب في إزالة النجاسة عن المحل؟]

- نقل العلامة في المختلف عن ابن الجنيد انه يجزئ في الغسلة الأولى التراب أو ما قام مقامه و هو يدل على عدم تحتم التراب عنده بل يجزئ ما قام مقامه في إزالة النجاسة عن المحل و ظاهره التخيير بين التراب و غيره مما في معناه، و جمهور الأصحاب على خلافه وقوفا على النص الوارد في المسألة كما تقدم، و لعل ذهاب ابن الجنيد الى ذلك مبني على ما نقله الأصحاب عنه من العمل بالقياس، قال الشيخ في الفهرست في ترجمة ابن الجنيد: و كان جيد التصنيف حسنة إلا انه كان يرى القول بالقياس فترك لذلك كتبه و لم يعول عليها. و قال النجاشي في كتابه: أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب وجه في أصحابنا ثقة جليل القدر صنف فأكثر و انا ذاكرها بحسب الفهرست الذي ذكرت فيه، ثم ذكرها الى ان قال سمعت شيوخنا الثقات يقولون انه كان يقول بالقياس. و قال العلامة في الخلاصة: انه كان وجها في أصحابنا ثقة جليل القدر، ثم نقل كلام الشيخ المتقدم. أقول: لا يخفى ما في كلامه و كذا كلام النجاشي قبله من الإشكال لأن وصفه بالجلالة و الوثاقة مع نقلهم عنه القول بالقياس مما لا يجتمعان فإن أصحابنا مجمعون على ان ترك العمل بالقياس من ضروريات مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لاستفاضة الأخبار بالمنع منه فكيف يجامع القول به الوثاقة؟ و ظاهر كلام الشيخ الجزم بذلك و النجاشي قد نقل عن شيوخه الثقات ذلك فكيف يصفه مع ذلك بما ذكره في صدر الترجمة؟ و بالجملة فكلامهم هنا لا يخلو من النظر الواضح.

[المورد] (السابع) [حكم إناء الولوغ إذا لم يوجد التراب]

- نقل المحقق في المعتبر عن الشيخ في المبسوط انه قال: إذا لم يوجد التراب اقتصر على الماء و ان وجد غيره كالأشنان و ما يجري مجراه أجزأ. ثم نقل ذلك‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 7 من التيمم.

481
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(السابع) حكم إناء الولوغ إذا لم يوجد التراب ؛ ج 5، ص : 481

عن ابن الجنيد ايضا، ثم قال: و وجه ما ذكراه ان الأشنان أبلغ في الإنقاء فإذا طهر بالتراب فبالأشنان أولى، ثم تردد فيه فقال و فيه تردد منشأه اختصاص التعبد بالتراب و عدم العلم بحصول المصلحة المرادة منه بغيره، على انه لو صح ذلك لجاز مع وجود التراب. انتهى.

و هو جيد، و فيه تأييد لما قدمناه من ان الأمر بالغسل بالتراب انما هو أمر تعبدي لا لما ذكروه من الوجه الاستنباطي، إلا انه قد نقل عن ابن الجنيد ما ذكره من ان ما عدا التراب من الأجسام المشابهة له انما يصار اليه بعد فقد التراب، و الذي نقله عنه في المختلف كما تقدم و مثله الشهيد في الذكرى ايضا هو القول بالتخيير. و كيف كان فإنه بالنظر الى توجيه المحقق لهذا القول- إذ لا وجه له ظاهرا سواه- فالأرجح هو قول ابن الجنيد بالتخيير لان أولويته في الإزالة و القلع من التراب لا أقل تقتضي مساواته فيجوز به و ان كان التراب موجودا و يرجع الى التخيير بين التراب المذكور في النص و بين غيره بحكم الأولوية إلا ان فيه ما أورده عليه في المعتبر.

و اقتفى الشيخ في ما ذكره من هذا الحكم جمع من الأصحاب: منهم- العلامة في كثير من كتبه، و توقف في النهاية، و قال في المنتهى ان عدم اجزاء غير التراب هو الأقوى لأن المصلحة الثابتة من التعبد باستعمال التراب لو حصلت بالأشنان و شبهه لصح استعماله مع وجود التراب.

و نقل عن المحقق الشيخ علي انه انتصر لهذا القول فقرب دليله و استوجهه ثم استدرك بان جمعا من الأصحاب ذكروا الاجتزاء بالمشابه مع فقد التراب و الخروج عن مقالتهم أشد إشكالا. و لا يخفى ما فيه فان غاية ما شاع بينهم تناكره هو عدم جواز احداث القول في مقام دعوى الإجماع لا في مقام الخلاف و اختيار أحد القولين في المسألة و الأمر هنا من قبيل الثاني لا الأول.

ثم انه لا يخفى ان ظاهر عبارة الشيخ المنقولة التخيير عند عدم التراب بين الاقتصار على الماء و استعمال ما يشبه التراب و لم نقف على قائل بذلك صريحا في كلامهم نعم نقل‌

482
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الثامن) عدد الغسل بالماء عند فقد التراب ؛ ج 5، ص : 483

عن العلامة في التذكرة و النهاية انه ذكر ذلك احتمالا.

[المورد] (الثامن) [عدد الغسل بالماء عند فقد التراب]

- يعزى الى الشيخ القول باجزاء الماء وحده عند عدم التراب و شبهه و اليه ذهب العلامة في جملة من كتبه و الشهيد، و عبارة الشيخ المتقدمة في سابق هذا المورد لا تدل عليه و انما تدل على ما قدمنا ذكره اللهم إلا ان يكون وصل إليهم من موضع آخر.

ثم انه على تقدير الاجتزاء بالماء مع فقد التراب و شبهه فهل يجب الغسل ثلاث مرات أو مرتين؟ احتمالان مبنيان على انه مع فوات التراب و شبهه ينتقل الى ما هو أبلغ منه و هو الماء فتجب الثلاث حينئذ أو انه بفقد التراب يسقط التكليف به و قيام غيره مقامه يحتاج الى دليل فيكتفى بالغسلتين لان الحكم ببقاء الإناء على النجاسة و الحال هذه تكليف بالمشقة. و قواه العلامة في التحرير و المنتهى على ما نقل عنه، و في القواعد اختار الثلاث.

و أورد على أصل المسألة المذكورة بأن مقتضى اشتراط حصول الطهارة للإناء بالغسل المعين بالتراب و الماء عند عروض هذا النوع من النجاسة هو انتفاء المشروط عند فقدان شرطه كما هو القاعدة في مثله، و من البين ان الشرط إذا كان مركبا من أمرين أو أمور كفى في انتفائه انتفاء جزئه، و ادعاء قيام البدل عن الجزء المفقود أو سقوط اشتراطه عند تعذره يحتاج الى الدليل، ألا ترى ان الجزء الآخر للشرط هنا و هو الماء لا يتفاوت الحال في انتفاء المشروط عند انتفائه بين إمكان وجوده و تعذره؟ و ما ذاك إلا لفقد الدليل على سقوط اعتباره في حال التعذر و قيام البدل مقامه. انتهى. و هو جيد وجيه كما لا يخفى على الفطن النبيه، و من ذلك يظهر ضعف ما بنى على أصل المسألة من احتمال المرتين أو الثلاث بل الظاهر هو بقاء الإناء على النجاسة لعدم حصول المطهر الشرعي الذي قرره الشارع لهذه النجاسة المخصوصة، و به صرح ايضا جمع من المتأخرين نظرا الى ما تقدم و قد عرفت جودته و قوته.

[المورد] (التاسع) [هل يعتبر تجفيف الإناء بعد الغسل بالتراب و الماء؟]

- قد ذكر جملة من المتأخرين و متأخريهم ما صرح به الصدوقان‌

483
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(العاشر) حكم إناء الولوغ لو خيف فساده باستعمال التراب ؛ ج 5، ص : 484

و المفيد من الحكم بالتجفيف. و اعترضوه بأنه منفي بالأصل و النص فان ظاهره الاكتفاء بمضمونه. أقول: قد عرفت ان مستندهم في ذلك انما هو كلامه (عليه السلام) في الفقه الرضوي و لكن حيث لم يبلغهم ذلك أوردوا عليهم ما أوردوه و به يجب الخروج عن الأصل المذكور. و اما النص المشار إليه في كلام المحقق و هو صحيحة البقباق فغايتها ان تكون مطلقة فيحمل إطلاقها على الخبر المذكور و يقيد به فلا اشكال.

[المورد] (العاشر) [حكم إناء الولوغ لو خيف فساده باستعمال التراب]

- اختلف الأصحاب فيما لو خيف فساد المحل باستعمال التراب، فقيل بان الحكم فيه كما لو فقد التراب من المرتين أو الثلاث كما تقدم و هو منقول عن العلامة في المنتهى و التذكرة و التحرير إلا انه في التذكرة صرح بالاجتزاء بالماء و لم يتعرض لذكر العدد و في المنتهى رجح المرتين.

و قيل ببقاء الإناء على النجاسة و به صرح الشهيد الثاني في الروضة و نقله في المعالم عن بعض مشايخه الذين عاصرهم، و الوجه فيه ظاهر مما تقدم حيث ان الدليل يقتضي توقف حصول الطهارة على التراب و الماء و ليس على استثناء حال التعذر دليل يعتمد عليه فيبقى على أصالة النجاسة.

و فصل ثالث بان خوف الفساد باستعمال التراب ان كان باعتبار توقف إيصاله إلى الآنية على كسر بعضها كما في الأواني الضيقة و أمكن مزج التراب بالماء و إنزاله إليها و خضخضتها به على وجه يستوعبها وجب و أجزأ، و ان كان باعتبار نفاسة الآنية بحيث يترتب الفساد على أصل الاستعمال اكتفى بالماء قال و كذا إذا امتنع في الصورة الأولى إنزاله ممتزجا على الوجه الذي ذكر، و فرق بين هذا و بين ما إذا فقد التراب حيث مال ثمة الى بقائه على النجاسة بأن الحكم بذلك هنا يفضى الى التعطيل الدائم و هو غير مناسب لحكمة الشرع و تخفيفه و اما هناك فحصول التراب مرجو فلا تعطيل.

أقول: و التحقيق في المقام انه ان قيل باجزاء الممزوج بالماء كما هو أحد الأقوال المتقدمة فما ذكره هذا المفصل في الوجه الأول جيد لان هذا أحد أفراد التطهير بالتراب‌

484
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الحادي عشر) إذا ولغ كلبان أو كلاب في إناء واحد ؛ ج 5، ص : 485

بل لقائل أن يقول انه متى أمكن وضع التراب فيه و ان كان ضيق الرأس و تحريكه في مواضع النجاسة فإنه يحصل التطهير به إذ الدلك غير مشترط فلا اشكال و لا ضرورة إلى المزج، و اما ما ذكره في الوجه الثاني من تفصيله من الاكتفاء بالماء فضعيف و الفرق بينه و بين فقد التراب الذي اختار فيه البقاء على النجاسة غير ظاهر. و ما استند اليه من الفرق بالحكمة مزيف فان الخروج من يقين النجاسة المخصوصة بمطهر مخصوص مع عدم وجود مطهرها بمثل هذه التخريجات الواهية مجازفة، و اي ضرر على المالك في تعطيل إناء من خزف أو غيره لا ينتفع به؟ و كثير من الأشياء غير قابل للتطهير أصلا مع قابليته للانتفاع، و بالجملة فإن التفات الشارع الى التخفيف في الصورة المذكورة و نحوها غير معلوم من الشرع، و ان قلنا بعدم اجزاء الممزوج كما هو أحد الأقوال فالحق هو القول الثاني كما جزم به شيخنا الشهيد الثاني في الروضة إلا انه يرد على شيخنا المذكور ان ما اختاره في هذه المسألة و صرح به في الروضة لا يلائم ما اختاره في المسالك في مسألة المزج من اجزائه. اللهم إلا ان يقول انه بالمزج على الكيفية التي في كلام هذا المفصل يخرج التراب عن اسمه كما قيد به قوله في المسالك فلا منافاة. و الله العالم.

[المورد] (الحادي عشر) [إذا ولغ كلبان أو كلاب في إناء واحد]

- قال الشيخ في الخلاف: إذا ولغ كلبان أو كلاب في إناء واحد لم يجب أكثر من غسل الإناء ثلاث مرات، ثم ذكر ان جميع الفقهاء لم يفرقوا بين الواحد و المتعدد إلا من شذ من العامة فأوجب لكل واحد العدد بكماله، و احتج الشيخ على ما ذكره بان النص خل من التعرض للفرق بين الواحد و الأكثر و الكلب جنس يقع على القليل و الكثير. و هذا الحكم قد ذكره أيضا أكثر الأصحاب و زادوا فيه ايضا تكرر الولوغ من الواحد، و احتج عليه الفاضلان في المعتبر و المنتهى بأن النجاسة واحدة فقليلها ككثيرها لأنها لا تتضمن زيادة عن حكم الاولى. و هو جيد إلا ان تعليل الشيخ (قدس سره) أجود و أقوى لأن سوق الخبر يساعده حيث انه صريح في‌

485
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الثاني عشر) كيفية التطهير من الماء الذي ولغ فيه الكلب ؛ ج 5، ص : 486

كون السؤال عن الجنس حيث قال فيه «1»

: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الإبل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم اترك شيئا إلا سألته عنه؟ فقال لا بأس به، حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله. الحديث».

هذا كله فيما لو كان قبل التطهير اما لو وقع في الأثناء فقد صرح جملة منهم بالاستئناف و عدم التداخل، قال في الروض و لو تكرر الولوغ قبل التطهير تداخل و في الأثناء يستأنف. و نحوه في الذكرى ايضا.

[المورد] (الثاني عشر) [كيفية التطهير من الماء الذي ولغ فيه الكلب]

- قال الشيخ في الخلاف: إذا ولغ الكلب في إناء نجس الماء الذي فيه فان وقع ذلك الماء على بدن الإنسان أو ثوبه وجب غسله و لا يراعى فيه العدد ثم حكى عن بعض العامة إيجاب غسل الموضع الذي يصيبه ذلك الماء بقدر العدد المعتبر في الإناء، ثم قال بعد ذلك دليلنا ان وجوب غسله معلوم بالاتفاق لنجاسة الماء و اعتبار العدد يحتاج الى دليل و حمله على الولوغ قياس لا نقول به. و ذكر نحو ذلك المحقق ايضا و زاد على ما ذكره الشيخ من البدن و الثوب الإناء أيضا، و الظاهر ان كلام الشيخ (قدس سره) انما خرج مخرج التمثيل فيكون ما ذكره عاما، و قال الشهيد في الذكرى: و لا يعتبر التراب في ما ينجس بماء الولوغ. و نقل عن العلامة في النهاية انه استقرب إلحاق هذا الماء بالولوغ و علله بوجود الرطوبة اللعابية. و رده جملة ممن تأخر عنه بالضعف و هو كذلك.

[المورد] (الثالث عشر) [حكم غسالة إناء الولوغ]

- المعروف من كلام أكثر الأصحاب ان الحكم في غسالة الإناء كسائر النجاسات فلا يعتبر فيها حكم المحل الذي انفصلت عنه، قال العلامة في المنتهى:

ليس حكم الماء الذي يغسل به إناء الولوغ حكم الولوغ في انه متى لاقى جسما يجب غسله بالتراب لأنها نجاسة فلا يعتبر فيها حكم المحل الذي انفصلت عنه، ثم حكى عن بعض الجمهور انه يجب غسله بالتراب و ان كان المحل الذي انفصل عنه غسل بالتراب و عن بعض آخر‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب الأسآر.

486
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الثالث عشر) حكم غسالة إناء الولوغ ؛ ج 5، ص : 486

منهم انه أوجب غسله من الغسلة الأولى ستا بناء على قولهم بوجوب السبع في الولوغ و من الثانية خمسا و من الثالثة أربعا، و كذا لو كانت قد انفصلت عن محل غسل بالتراب غسل محلها بغير تراب و ان كانت الاولى بغير تراب غسلت هذه بالتراب «1» ثم قال و هذا كله ضعيف و الوجه أنه يساوي غيره من النجاسات لاختصاص النص بالولوغ. انتهى. و هو جيد.

و للمحقق الشيخ علي (قدس سره) هنا كلام في بعض كتبه لا يخلو من غفلة في مقام و نظر في آخر حيث انه نقل عن العلامة في المنتهى و الشهيد في الذكرى انه لا يعتبر التراب فيما نجس بماء الولوغ ثم ناقش في ذلك بان عدم اعتبار التراب في هذه الصورة ان كان منوطا بتقديم تعفير إناء الولوغ على غسله بالماء الذي فرضت الملاقاة به فهو حق و كذا ان كان الجسم الملاقي به غير إناء و إلا فالظاهر اعتباره لأنها نجاسة الولوغ، ثم ذكر ان قوله: «و الوجه مساواة هذا الماء لباقي النجاسات» مشكل لان حكم النجاسة يخف شرعا بزيادة الغسل و يشتد بنقصانه فلا تتجه التسوية. انتهى كلامه.

أقول: اما وجه الغفلة في هذا الكلام فإن العبارة التي أسندها إلى العلامة في المنتهى و الشهيد في الذكرى انما هي في حكم ماء الولوغ نفسه و الشهيد انما ذكرها كما قدمناها عنه في سابق هذا المورد في بيان ذلك و كلام العلامة الذي ذكر من جملته قوله:

«و الوجه مساواة هذا الماء لباقي النجاسات» انما هو في ما يغسل به إناء الولوغ الذي صرح به الشهيد في الذكرى و هو الذي ولغ فيه الكلب في الإناء، فالمسألتان مفترقتان كما أشرنا إليه في مورد كل منهما، و العلامة لم يتعرض في المنتهى لحكم ماء الولوغ الذي نقله عنه بهذه العبارة و انما هذه العبارة التي نقلها عنهما هي عبارة الشهيد في الذكرى خاصة.

و اما وجه النظر في كلامه فمن وجهين (أحدهما)- قوله في المناقشة الأولى‌

______________________________
(1) كما في المغني ج 1 ص 56.

487
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

المورد(الرابع عشر) لو وقعت في إناء الولوغ نجاسة بعد غسله بعض العدد ؛ ج 5، ص : 488

مع كون مورد محل المناقشة غير العبارة التي ذكرها كما عرفت: «فالظاهر اعتباره لأنها نجاسة الولوغ» اي الظاهر اعتبار تعفير ذلك الإناء الذي لاقاه ماء الغسالة التي لم يعفر إناؤها أولا لأنها نجاسة ماء الولوغ، فإنه منظور فيه بأنه ان أراد بكونها نجاسة ماء الولوغ بمعنى انها مسببة عنه فلا يجدي نفعا و ان أراد انه يصدق عليها العنوان المرتب عليه الحكم فمنعه أوضح من ان يخفى، إذ ماء الولوغ الذي يترتب عليه التعفير و العدد انما هو الماء الذي ولغ فيه الكلب لا ما غسل به اناؤه، و ما أبعد قوله هنا بوجوب التعفير و الغسل بعده كما في أصل ماء الولوغ و بين قول الشيخ في الخلاف كما نقله عنه جملة من الأصحاب من طهارة غسالة ماء الولوغ.

و (ثانيهما)- ما ذكره من الإشكال فإنه لا وجه له عند التأمل في كلام العلامة و ذلك فان غرضه من الحكم بالمساواة المذكورة انما هو الرد على الأقوال التي نقلها عن العامة من التعدد الذي ذكروه في تلك المراتب فإنها موقوفة على الدليل و ليس فليس فالمتجه كونها نجاسة كغيرها من النجاسات، و التعلق بان حكم النجاسة يضعف و يشتد موقوف على الدليل الدال على التعدد في تلك المراتب و اما مع عدم الدليل فليس إلا الرجوع الى الأمر الإجمالي من الاتصاف بالتنجيس و اعتبار ما يصدق به زوالها. و هذا بحمد الله ظاهر لا سترة عليه. و الله العالم.

[المورد] (الرابع عشر) [لو وقعت في إناء الولوغ نجاسة بعد غسله بعض العدد]

- قال في المنتهى: لو وقع فيه نجاسة بعد غسله بعض العدد فان كانت ذات عدد مساو للباقي كان كافيا و إلا حصلت المداخلة في الباقي و اتى بالزائد و هكذا لو وقع فيه نجاسة قبل الغسل إلا ان التراب لا بد منه للولوغ ثم ان كانت النجاسة تفتقر الى الغسل ثلاثا وجب الثلاث من غير تراب، و بالجملة إذا تعددت النجاسة فإن تساوت في الحكم تداخلت و ان اختلفت فالحكم لا غلظها. انتهى. أقول: ما ذكره من التداخل في ما حصل الاتفاق فيه جيد إلا انه مخالف لمقتضى ما صرحوا به في غير موضع من ان تعدد الأسباب موجب لتعدد المسببات.

488
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس عشر) غسل إناء الولوغ بالماء الكثير ؛ ج 5، ص : 489

(الخامس عشر) [غسل إناء الولوغ بالماء الكثير]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) سقوط التعدد في الغسل إذا وقع الإناء في الماء الكثير، و هكذا كل متنجس يحتاج الى العدد إلا انه لا بد من تقديم التعفير في إناء الولوغ.

و نقل عن الشيخ في الخلاف و المبسوط انه قال: إذا ولغ الكلب في الإناء ثم وقع ذلك الإناء في الماء الكثير الذي بلغ كرا فما زاد لا ينجس الماء و يحصل له بذلك غسلة من جملة الغسلات و لا يطهر الإناء بذلك بل إذا تمم غسلاته بعد ذلك طهر. و مقتضاه وجوب التعدد في الكثير.

قال في المعالم: و مستند الشيخ في هذا ان الأمر بالعدد متناول للقليل و الكثير فلا بد للتخصيص من دليل، و الجماعة عولوا في التخصيص على ان اللفظ إذا أطلق ينصرف الى المعنى المتعارف المعهود و ظاهر الحال ان المتعارف في محال الأمر بالتعدد هو الغسل بالقليل، قال و يعضد ذلك في الجملة من جهة الاعتبار ان الماء الكثير إذا استولى على عين النجاسة و ان كانت مغلظة بحيث اقتضى شيوع اجزائها فيه و استهلاكها سقط حكمها شرعا و صار وجودها فيه كعدمها فإذا وقع المتنجس في الكثير و استولى الماء على آثار النجاسة فبالحري ان يسقط حكمها و يجعل وجودها كعدمها و إلا لكان الأثر أقوى من العين، و يؤيده من جهة النص‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الثوب يصيبه البول؟ قال اغسله في المركن مرتين فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة».

انتهى و هو جيد.

أقول: و مثل صحيحة محمد بن مسلم المذكورة ما صرح به‌

مولانا الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه «2» حيث قال: «و ان أصابك بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرة و من ماء راكد مرتين ثم أعصره».

و بهذه العبارة عبر الصدوق في الفقيه كما قدمنا ذكره. و ذكرنا ان المراد بالراكد في كلامه (عليه السلام) القليل.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 2 من النجاسات.

(2) ص 6.

489
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس عشر) غسل إناء الولوغ بالماء الكثير ؛ ج 5، ص : 489

بقي هنا شي‌ء آخر في كلام الشيخ (قدس سره) فان ظاهره حصول غسلة واحدة له و ان لم يتقدم التعفير بالتراب، و هو مشكل بل الظاهر ضعفه لقيام الدليل الصحيح الصريح على وجوبه مطلقا و غاية الكلام انما هو في وجوب تعدد الغسل بالماء في الكثير و عدمه و إلا فالتراب لا بد منه على كل حال.

و يظهر من العلامة في المختلف موافقة الشيخ في هذا المقام و ان لم يقل بوجوب التعدد كما هو ظاهر كلام الشيخ حيث قال بعد نقل كلام الشيخ المتقدم: و الوجه عندي طهارة الإناء بذلك لانه حال وقوعه في الكثير لا يمكن القول بنجاسته حينئذ لزوال عين النجاسة إذ التقدير ذلك و الحكم زال بملاقاة الكر.

و فيه (أولا)- ما عرفت من دلالة النص الصحيح الصريح على التعفير مطلقا فيمتنع الحكم بالطهارة بدونه.

و (ثانيا)- ان استبعاده البقاء على النجاسة مع كونه في كثير و قد زالت عين النجاسة مسلم لو انحصر التطهير في الماء هنا كما في سائر النجاسات، و اما إذا ضم له الشارع مطهرا آخر فجعل المطهر حينئذ مركبا من أمرين و لم يحصل أحدهما فلا مجال هنا للاستبعاد المذكور، و نظيره في هذا المقام وضع كر من ماء في جلد ميتة فإن الماء يكون طاهرا مع نجاسة الجلد فلا منافاة حينئذ بين بقائه على النجاسة و كونه في ماء كثير (فان قيل) انه يأتي على قول من جعل الغسل بالتراب تعبدا شرعيا كما اخترتموه آنفا دون ان يكون مطهرا ما قررتم منه هنا (قلنا) ان أحدا لم يقل بان التراب غير مطهر و انه لا دخل له في التطهير و انما معنى قولنا تعبدا هو ان الشارع تعبد المكلفين بالتطهير به هنا ردا على من قال ان الغرض منه انما هو قلع النجاسة و انه أبلغ من الماء في ذلك حتى رتبوا على هذا جملة من الأحكام المتقدمة التي قد عرفت ما فيها.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان ظاهر كلام المحقق في المعتبر موافقة الشيخ في ما ذكره من وجوب التعدد في الكثير إلا ان ظاهره الاكتفاء في حصول التعدد في الجاري‌

490
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامس عشر) غسل إناء الولوغ بالماء الكثير ؛ ج 5، ص : 489

بتعاقب الجريتين، و مقتضاه انه لو كان التطهير في الكثير الواقف الذي لا جريان فيه فالواجب التعدد حقيقة كما ذكره الشيخ و به صرح أيضا في الكتاب المذكور، قال لو وقع إناء الولوغ في ماء قليل نجس الماء و لم يتحصل من الغسلات شي‌ء و لو وقع في كثير لم ينجس و يحصل له غسلة واحدة ان لم يشترط تقديم التراب، و لو وقع في جار و مر عليه جريات قال في المبسوط لم يحكم له بالثلاث. و في قوله اشكال و ربما كان ما ذكره حقا ان لم يتقدم غسله بالتراب لكن لو غسل مرة بالتراب و تعاقب عليه جريات كانت الطهارة أشبه. انتهى.

و نقل عن الفاضل الشيخ نجيب الدين في الجامع اعتبار التعدد في الراكد دون الجاري و لعله التفاتا الى ما ذكره المحقق من انه في الجاري تتعاقب عليه الجريات فيحصل التعدد دون الكثير الواقف.

و ظاهر العلامة في المنتهى ايضا اقتفاء المحقق في ذلك إلا انه في آخره قد ناقض اوله. و لا بأس بنقل كلامه و بيان ما فيه، قال (قدس سره): لو وقع إناء الولوغ في ماء قليل نجس الماء و لم يحتسب بغسلة، و لو وقع في كثير لم ينجس و هل تحصل له غسلة أم لا؟ الأقرب انه لا تحصل لوجوب تقديم التراب، هذا على قولنا اما على قول المفيد فان الوجه الاحتساب بغسلة، و لو وقع في ماء جار و مرت عليه جريات متعددة احتسب كل جرية بغسلة خلافا للشيخ إذ القصد غير معتبر فجرى مجرى ما لو وضعه تحت المطر و لو خضخضه في الماء و حركه بحيث تخرج تلك الأجزاء الملاقية عن حكم الملاقاة و يلاقيه غيرها احتسب بذلك غسلة ثانية كالجريات، و لو طرح فيه ماء لم يحتسب به غسلة حتى يفرغ منه سواء كان كثيرا بحيث يسع الكر أو لم يكن خلافا لبعض الجمهور فإنه قال في الكثير إذا وسع قلتين لو طرح فيه ماء و خضخض احتسب له غسلة ثانية، و الوجه انه لا يكون غسلة إلا بتفريغه منه مراعاة للعرف، ثم قال: و الأقرب عندي بعد ذلك كله ان العدد انما يعتبر لو صب الماء فيه اما لو وقع الإناء في ماء كثير أو جار و زالت‌

491
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المسألة الثانية) - في بيان باقي ما يجب فيه التعدد ؛ ج 5، ص : 492

 

النجاسة طهر. انتهى. و لا يخفى ما في آخر كلامه من المدافعة لما قدمه، و ظاهر آخر كلامه الرجوع الى ما ذهب إليه في المختلف و قد عرفت ما فيه. و قد ذكر بعض محققي أصحابنا من متأخري المتأخرين انه كانت عنده من المنتهى نسختان و ان العبارة الأخيرة غير موجودة فيهما و نسخة اخرى عبارتها كما ذكرناه و ذكر ان بينهما تفاوتا بالزيادة و النقصان في مواضع و وجهه بأنه خرجت منه نسخة الكتاب أولا كما كتبه ثم حصل له عدول في مواضع في النسخة الأخيرة و ما هنا من جملة ذلك و هو قريب. و الله العالم.

(المسألة الثانية)- في بيان باقي ما يجب فيه التعدد

و ذلك في مواضع:

(منها)-

الخنزير

و قد اختلف الأصحاب في عدد ما يجب من ولوغه فالمشهور بين المتأخرين وجوب السبع ذهب إليه العلامة و من تأخر عنه، و قال الشيخ في الخلاف ان حكمه حكم الكلب، و نفى ذلك المحقق و جعل حكمه حكم غيره من النجاسات مع انه كما سيأتي ان شاء الله تعالى في المسألة الآتية يختار المرة فيها.

و يدل على المشهور و هو المؤيد المنصور‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال يغسل سبع مرات».

احتج الشيخ- على ما نقل عنه- على ما ذهب اليه بوجهين: (أحدهما) ان الخنزير يسمى كلبا في اللغة فتتناوله الأخبار الواردة في ولوغ الكلب. و (الثاني) ان الإناء يغسل ثلاث مرات من سائر النجاسات و الخنزير من جملتها.

و أجيب عن الأول بمنع الصدوق حقيقة. و عن الثاني بأن غاية دليله الذي ادعاه مع تسليمه هو عموم ما دل على الثلاث للخنزير و الصحيحة المذكورة خاصة فيجب تقييد العموم بها كما هو القاعدة، مع ان فيه ايضا ان ملاحظة هذا الوجه تقتضي الاكتفاء بالماء‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من النجاسات.

 

492
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الخمر ؛ ج 5، ص : 493

وحده و ملاحظة الأول تقتضي وجوب التراب معه فعلى كل تقدير لا ينتظم أحد وجهي الدليل على ما ادعاه.

و المحقق في المعتبر قد حمل صحيحة علي بن جعفر على الاستحباب مع انه لا معارض لها في الباب، قيل و لعل المانع له من العمل بالرواية عدم وجود القائل بها من المتقدمين قبله و هو كثيرا ما يراعي ذلك و نحوه في العمل بالاخبار، و القرينة على هذا انه لم يذكره قولا مع حكايته الخلاف في المسألة، و لهذا ان العلامة في المنتهى قال لو قيل بوجوب غسل الإناء منه سبع مرات كان قويا لما رواه علي بن جعفر، و ذكر الحديث ثم قال و حمله على الاستحباب ضعيف إذ لا دليل عليه مع ثبوت ان الأمر للوجوب.

و (منها)-

الخمر

و قد اختلف كلام الأصحاب في ذلك فقيل بالسبع ايضا ذهب اليه جمع من الأصحاب: منهم- المفيد و سلار و الشهيد في أكثر كتبه و المحقق الشيخ علي و الشيخ في المبسوط و الجمل و جمع من المتأخرين. و قيل بالثلاث ذهب اليه المحقق في غير المعتبر و العلامة في بعض كتبه و اليه ذهب الشيخ في النهاية و التهذيب كذا نقله عنه في المدارك، و الذي و جدته في النهاية انما هو سبع لا ثلاث كما نقله حيث قال بعد ذكر الأواني. فإن أصابها خمر أو شي‌ء من الشراب المسكر وجب غسلها سبع مرات، و اما ما نقله عن التهذيب فلم أقف عليه لانه بعد ان ذكر عبارة المفيد الدالة على غسل الأواني من الخمر و الأشربة المسكرة أورد جملة من الأخبار الدالة على نجاسة أواني الخمر و منها موثقة عمار الآتية الدالة على غسل الإناء منه ثلاثا و لم يستدل لما ذكره في المقنعة من السبع بشي‌ء من الأخبار، و بمجرد نقل الرواية بذلك لا يعد ذلك مذهبا له كما لا يخفى، و احتمال كونه ذكر ذلك في غير موضع المسألة ممكن إلا ان الأمر كما ترى فينبغي التأمل و المراجعة في هذه البقول و ان كانت من الفحول، و الى القول بالثلاث ذهب الشيخ في الخلاف ايضا لكن لا من حيث الخصوصية كما ذهب اليه الفاضلان بل من حيث وجوب الثلاث عنده في سائر النجاسات كما يأتي نقله. و قيل بالمرة اختاره المحقق في‌

493
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الخمر ؛ ج 5، ص : 493

المعتبر و العلامة في أكثر كتبه كغيره من النجاسات عدا الولوغ، و هو اختيار الشهيد الثاني في الروض أيضا إلا انه أطلق الاجتزاء بالمرة، و الفاضلان في المعتبر و المختلف قيداه بكونه بعد ازالة العين، و اختار هذا القول السيد السند في المدارك و المحقق الشيخ حسن في المعالم. و قيل بالمرتين و هو مذهب الشهيد في اللمعة حيث انه أوجب المرتين في غسل الإناء من جميع النجاسات بل في غير الإناء أيضا و ان وجب تقديم التعفير في إناء ولوغ الكلب، هذا ما وقفت عليه من الأقوال في المسألة.

و الذي وقفت عليه من اخبارها منها-

موثقة عمار بن موسى عن الصادق (عليه السلام) «1» «في الإناء يشرب فيه النبيذ؟ فقال تغسله سبع مرات».

و الى هذه الرواية استند أصحاب القول الأول.

و منها-

موثقة عمار الأخرى عنه (عليه السلام) «2» «انه سئل عن قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال تغسله ثلاث مرات. سئل أ يجزيه ان يصب فيه الماء؟

قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات».

و بهذا الخبر أخذ من قال بالقول الثاني.

و اما من اكتفى بالمرة فإنه رد الخبرين بضعف السند و اعتمد على ما دل على الأمر بالغسل الحاصل بالمرة المزيلة للعين، قال المحقق في المعتبر- بعد ان ذكر عبارة النافع المطابقة لعبارته في الشرائع بإيجاب الثلاث- ما صورته: هذا مذهب الشيخ ثم نقل قوله بالسبع ثم احتج للثلاث بموثقة عمار المتقدمة، ثم قال: مسألة- و يغسل الإناء من سائر النجاسات مرة و الثلاث أحوط، الى ان قال بعد كلام في البين: و الذي يقوى عندي الاقتصار في اعتبار العدد على الولوغ و فيما عدا ذلك على إزالة النجاسة و غسل الإناء بعد ذلك مرة واحدة لحصول الغرض من الإزالة و لضعف ما ينفرد به عمار‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 30 من الأشربة المحرمة.

(2) المروية في الوسائل في الباب 51 من النجاسات و 30 من الأشربة المحرمة.

494
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الخمر ؛ ج 5، ص : 493

و أشباهه و انما اعتبرنا في الخمر و الفأرة الثلاث ملاحظة لاختيار الشيخ و التحقيق ما ذكرناه. انتهى أقول: كم قد عمل في غير موضع من كتابه بموثقة عمار و ان تفرد بها كما قدمنا ذكره و لكنهم لا قاعدة لهم يقفون عليها.

ثم ان ما ذكره و مثله العلامة كما قدمنا نقله عنهما من اعتبار ازالة عين النجاسة أولا ثم الاكتفاء بالمرة قد اعترضهما فيه الشهيد الثاني في الروض حيث اكتفى بالمرة التي يحصل بها الإنقاء فقال و يحتمل اعتبار المرة بعد زوال العين ان كانت موجودة و هو خيرة المعتبر إذ لا اثر للماء الوارد مع وجود سبب التنجيس. و يضعف بأن الباقي من البلل و غيره في المحل عين نجاسة فيأتي الكلام فيه.

أقول: و تحقيق الكلام في المقام اما على تقدير ما ذكره هؤلاء من اطراح هذين الخبرين و ان قبلوا أمثالهما في غير موضع فالاكتفاء بالمرة ظاهر، و اما من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح أو يراه و يتستر ببعض الاعذار كالجبر بالشهرة و نحوه فإنه لا خروج عما دل عليه الخبران المذكوران و انما يبقى الكلام في الجمع بينهما فظاهر من قال بخبر الثلاث حمل خبر السبع على الاستحباب جمعا و اما من قال بالسبع فلا اعرف لاطراحه رواية الثلاث وجها مع الاشتراك في السند و عدم إمكان الترجيح، و ربما دل كلام بعضهم على ترجيحها بالشهرة و فيه ما فيه. و يقرب عندي في وجه الجمع بين الخبرين المذكورين الحمل على اختلاف الأواني في قلع النجاسة المذكورة منها فمنه ما يحصل بالثلاث و منه ما يتوقف على السبع، و هو و ان كان ايضا لا يخلو من تأمل إلا انه في مقام الجمع لا بأس به و كيف كان فالاحتياط لا يخفى. و اما القول بالمرتين فلا اعرف له وجها.

إذا عرفت ذلك فاعلم ان بعض من صرح بالسبع كالشيخين في المقنعة و النهاية و المبسوط جعلوا حكم سائر المسكرات كالخمر في ذلك و بعض اقتصر على ذكر الخمر خاصة و مورد الرواية انما هو النبيذ و مقتضاها تخصيص الحكم بما يصدق عليه هذا اللفظ، و الذي يظهر لي كما مر تحقيقه من صدق الخمر على الجميع انه لا منافاة بين التعبير بالخمر وحده‌

495
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

موت الفأرة فيه ؛ ج 5، ص : 496

و به مع ضم سائر الأشربة المسكرة لصدق الخمر على الجميع، نعم لفظ الخبر ورد بالنبيذ و هو أخص من الخمر و لعلهم فهموا منه ان المراد به مطلق الخمر كما صرحت به الرواية الثانية، نعم يأتي على قول من خص اسم الخمر بعصير العنب كما قدمنا نقله عن جملة منهم الإشكال في المقام.

ثم ان جملة ممن طعن في الخبرين بالضعف صرح باستحباب السبع خروجا من خلاف من أوجها، و لا يخفى وهنه لما حققناه في غير موضع مما تقدم من ان الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل فالخبر المذكور ان صلح للحجية و الاستدلال فليحمل على ظاهره من الوجوب و ان كان لا يصلح فلا معنى للحمل المذكور، ثم اي مخرج يحصل بالحمل على الاستحباب المؤذن بجواز الترك و عدم الإثم عن الوجوب الموجب تركه للمؤاخذة و العقاب؟ و الله العالم.

و (منها)-

موت الفأرة فيه

فأوجب الشيخ فيه سبعا و تبعه على ذلك جملة من الأصحاب، و اكتفى المحقق في الشرائع و مختصره و العلامة في جملة من كتبه و الشيخ في الخلاف بالثلاث إلا ان مذهب الشيخ الى ذلك بالاعتبار المتقدم في سابق هذا الموضع، و قيل بالمرة و هو مذهب المحقق في المعتبر. و العلامة في أكثر كتبه بالاعتبار المتقدم ثمة، و قيل بالمرتين كما ذهب إليه في اللمعة بالاعتبار المذكور ايضا.

و الذي وقفت عليه هنا من الأخبار‌

موثقة عمار عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبعا».

و هي ظاهرة الدلالة على مذهب الشيخ و من تبعه، و ردها المحقق في المعتبر فقال بعد ذكر عبارة المختصر التي اختار فيها القول بالثلاث و نقل القول بالرواية عن الشيخ- ما صورته: و حجته رواية عمار ثم ساقها ثم قال و الرواية ضعيفة لانفراد الفطحية بها و وجود الخلاف في مضمونها فان الشيخ يقتصر على الثلاث في جميع النجاسات عدا الولوغ و لأن ميتة الفأرة و الجرذ لا تكون‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 53 من النجاسات.

496
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

موت الفأرة فيه ؛ ج 5، ص : 496

أعظم نجاسة من ميتة الكلب و الخنزير، و لان امتثال الغسل يحصل بالثلاث فلا يجب ما زاد، و لانه يحتمل ان يكون هذا الحكم مختصا بالجرذ فلا يتناول الفأرة. انتهى. ثم انه رجع عن ذلك الى القول بالاكتفاء بالواحدة في كلامه الذي قدمنا نقله، و كلامه (رحمه الله) قوي من حيث الاعتبار إلا ان إطراح النص من غير معارض مما لا وجه له، و طعنه فيه بالضعف غير مسموع مع عمله بمثله و أمثاله في غير مقام من كتابه.

نعم يبقى الإشكال في ان مورد النص الجرذ و هو ضرب من الفأر كما ذكره في الصحاح فيشكل تعديته الى ما هو أعم منه و قد أشار الى ذلك في المعتبر كما قدمناه عنه، و للمحقق الشيخ علي (قدس سره) في شرح القواعد هنا كلام لا يخلو من الغفلة. قال بعد قول المصنف (قدس سره): «و من الجرذ و الخمر ثلاث مرات و يستحب السبع» ما صورته: الأصح وجوب السبع فيهما لخبري عمار عن الصادق (عليه السلام) الدالين على وجوب السبع فيهما و ضعف عمار منجبر بالشهرة و لا تضر المعارضة بخبره الدال على الثلاث لأن الشهرة مرجحة، و ليس الحكم مقصورا على الخمر بل المسكر المائع كله كذلك و لا يبعد إلحاق الفقاع بها. و اما الجرذ فهو بضم الجيم و فتح الراء المهملة و الذال المعجمة أخيرا ضرب من الفأر و المراد الغسل من نجاسة موته، و هل يكون الغسل من غير هذا الضرب من الفأر واجبا؟ الظاهر عدم التفاوت نظرا إلى إطلاق اسم الفأر على الجميع و قد صرح به جمع من الأصحاب و ان توقف فيه صاحب المعتبر. انتهى. أقول لا يخفى ان كلامه هذا انما يتجه لورود لفظ الفأر في خبر ليتمشى ما ذكره و الوارد انما هو أخص منه كما عرفت. غير ان ظاهر كلامه هنا إلحاق الفقاع بالخمر في السبع ايضا و لم أقف على من ذكره سواه و يمكن ان يكون منشأه تكاثر الأخبار بإطلاق اسم الخمر عليه كما تقدم و الله العالم.

(المسألة الثالثة) [غسل الإناء من باقي النجاسات]

- اختلف الأصحاب في غسل الإناء من باقي النجاسات فقيل بالثلاث في ما عدا الولوغ مطلقا و هو مذهب الشيخ في الخلاف و ابن الجنيد في مختصره‌

497
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

موت الفأرة فيه ؛ ج 5، ص : 496

على ما نقل عنه و اختاره الشهيد في الذكرى و الدروس و المحقق الشيخ علي، و قيل بالمرة و هو قول المحقق في المعتبر و تبعه الشهيدان في البيان و الروض، و قيل بالمرتين.

احتج الشيخ على ما ذهب إليه بطريقة الاحتياط فإنه مع الغسل ثلاثا يحصل العلم بالطهارة،

و بموثقة عمار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سئل عن الكوز أو الإناء يكون قذرا كيف يغسل و كم مرة يغسل؟ قال يغسل ثلاث مرات: يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه ذلك الماء ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه و قد طهر و قال اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات».

و رده المتأخرون أما الاحتياط فإنه ليس بدليل شرعي و اما الرواية فبضعف السند.

و اما حجة من قال بالمرة فهي ظاهرة من رد الرواية المذكورة، فإن امتثال الأمر بالغسل يحصل بالمرة و مسمى الإزالة يتحقق معها.

و الأظهر القول بما دلت عليه الرواية المذكورة عند من لا يرى العمل بهذا الاصطلاح أو يراه و لكن يحكم بجبر ضعف الرواية بالشهرة كما صرح به غير واحد في المقام نعم قال الشيخ في المبسوط: و يغسل الإناء من سائر النجاسات ثلاث مرات و لا يراعى فيها التراب و قد روي غسله مرة واحدة و الأول أحوط. إلا انا لم نقف على هذه الرواية فيما وصلنا من كتب الأخبار.

و صرح جمع من الأصحاب بأنه لو ملأ الإناء ماء كفى إفراغه منه عن تحريكه و انه يكفي في التفريغ مطلقا وقوعه بآلة لكن يشترط عدم إعادتها قبل تطهيرها و قيده بعضهم بكون الإناء مثبتا بحيث يشق قلعه. أقول: ما ذكروه من اشتراط عدم الإعادة إلا بعد التطهير متجه على تقدير القول بنجاسة الغسالة، و ما ذكر من التقييد بكونه مثبتا لا وجه له لانه لا فرق في حصول الطهارة بين إخراج ماء الغسالة منه بان يكفئه أو يخرجه بالآلة بالشرط المذكور.

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 53 من أبواب النجاسات.

498
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

تتميم ؛ ج 5، ص : 499

 

و اما حجة القول بالمرتين كما ذهب إليه في اللمعة فقد عرفت انها غير مختصة بهذا المقام حيث انه ذهب الى وجوب المرتين في إزالة جميع النجاسات في ثوب أو بدن أو آنية أو غير ذلك، و الظاهر ان الوجه فيه عنده ورود التعدد بالمرتين في إزالة البول عن الثوب و البدن و ان اعتباره في البول يدل بمفهوم الموافقة على اعتباره في غيره من النجاسات كما تقدم ذكره في مسألة إزالة نجاسة البول و ان غير الثوب و البدن مثلهما في الحكم بالتقريب المتقدم، و يؤيده ورود الاخبار بالتعدد في خصوص الإناء كما ينبه عليه حكم الولوغين و الفأرة و الخمر، و يضاف الى ذلك أصالة البراءة مما زاد على المرتين الذي وردت به الأخبار الصحيحة و استضعاف الأخبار الدالة على الزيادة، هذا أقصى ما يمكن ان يتكلف لتوجيه الحجة له (قدس سره) في المقام. و لا يخفى ما فيه على ذوي الأفهام فان إلحاق ما عدا البول به و ما عدا الثوب و البدن بهما لا يخرج عن القياس سواء سمي مفهوم موافقة أو أولوية أو لم يسم سيما مع ورود الاخبار في تطهير الأواني بأعداد مخصوصة تباين ما ذكره. و الله العالم.

تتميم

يشتمل على مسألتين‌

(الأولى) [أواني الخمر كلها قابلة للتطهير]

- المفهوم من كلام أكثر الأصحاب ان أواني الخمر كلها قابلة للتطهير سواء في ذلك الصلب الذي لا يشتف كالصفر و الرصاص و الحجر و المغضور و غير الصلب كالقرع و الخشب و الخزف غير المغضور إلا انه يكره استعمال غير الصلب و نسب الفاضلان في المعتبر و المنتهى الى ابن الجنيد القول بعدم طهارة غير الصلب بأنواعه المذكورة، قال في المعالم بعد نقل ذلك عنهما: و لم أره في مختصره. و العلامة في المختلف نسب الى ابن البراج القول بعدم جواز استعمال هذا النوع ايضا غسل أو لم يغسل.

و كيف كان فالواجب أولا ذكر الأخبار الواردة في المقام و بيان ما تدل عليه من الأحكام، و منها-

ما رواه الشيخان في الكافي و التهذيب عن محمد بن مسلم في

 

499
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأولى) أواني الخمر كلها قابلة للتطهير ؛ ج 5، ص : 499

الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) «1» قال: «سألته عن نبيذ سكن غليانه، الى ان قال: و سألته عن الظروف فقال نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الدباء و المزفت و زدتم أنتم الحتم يعني الغضار و المزفت يعني الزفت الذي يكون في الزق و يصير في الخوابي ليكون أجود للخمر. قال و سألته عن الجرار الخضر و الرصاص قال لا بأس بها».

و في التهذيب عوض «الحتم» «الحنتم» و هو الموجود في اللغة. أقول الدباء هو القرع و المزفت هو الإناء الذي يطلى بالزفت بالكسر و هو القير و الغضار بالفتح هو الطين اللازب الأخضر الحر، و الحنتم بالحاء المهملة ثم النون ثم التاء المثناة الفوقانية على ما في النهاية:

جرار خضر مدهونة كانت تحمل فيها الخمر إلى المدينة ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله حنتم واحدة حنتمة، و انما نهى عن الانتباذ فيها لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها، و قيل انها تعمل من طين يعجن بالدم و الشعر فنهى عنها ليمتنع من عملها. انتهى.

و ما روياه ايضا عن ابي الربيع الشامي عن الصادق (عليه السلام) «2» قال:

«نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن كل مسكر فكل مسكر حرام. فقلت له فالظروف التي يصنع فيها منه؟ فقال نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الدباء و المزفت و الحنتم و النقير. فقلت و ما ذلك؟ قال الدباء القرع و المزفت الدنان و الحنتم جرار خضر و النقير خشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها».

و ما رواه في الكافي عن جراح المدائني عن الصادق (عليه السلام) «3» «انه منع مما يسكر من الشراب كله و منع النقير و نبيذ الدباء. الحديث».

و ما رواه الشيخان في الكافي و التهذيب في الموثق عن عمار «4» قال: «سألته عن الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خل أو ماء أو كامخ أو زيتون؟ قال

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 52 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 52 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 25 من الأشربة المحرمة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 51 من النجاسات.

500
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأولى) أواني الخمر كلها قابلة للتطهير ؛ ج 5، ص : 499

إذا غسل فلا بأس و عن الإبريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح ان يكون فيه ماء؟ قال إذا غسل فلا بأس. و قال في قدح أو إناء يشرب فيه الخمر؟ قال تغسله ثلاث مرات. الحديث».

و قد تقدم تمامه قريبا.

و موثقته الأخرى المتقدمة أيضا في الإناء الذي يشرب فيه النبيذ و انه يغسله سبع مرات.

و ما رواه في الكافي عن حفص الأعور «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اني آخذ الزكاة فيقال انه إذا جعل فيها الخمر و غسلت ثم جعل فيها البختج كان أطيب لها فنأخذ الركوة فنجعل فيها الخمر فنخضخضه ثم نصبه و نجعل فيها البختج؟ قال لا بأس به».

قال في الوافي: الزكاة بضم المعجمة زق الشراب. أقول الذي في كلام أهل اللغة بالراء المهملة زق يتخذ للخمر و الخل و في القاموس زق صغير. هذا ما وقفت عليه من الاخبار المتعلقة بالمقام إذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استدل للقول المشهور بأمرين: (أحدهما) ان الواجب إزالة النجاسة المعلومة و الاستظهار بالغسل و تحصيل هذا القدر ممكن و ما لا يعلم من النجاسة لا يجب تتبعه و اللازم من ذلك حصول الطهارة حينئذ، و بأنه بعد ازالة عين النجاسة يرتفع المانع من الاستعمال فيكون سائغا، اما المقدمة الأولى فظاهرة لأن البحث على تقدير ارتفاع العين عن المحل و كون المقتضى للمنع ليس إلا تلك العين. و اما الثانية فلان المنع لو بقي بعد ارتفاع سببه لزم بقاء المعلول بعد العلة و ذلك يخرجها عن العلية.

و (ثانيهما) رواية عمار المتقدمة و التقريب فيها انها دالة بإطلاقها على قبول أواني الخمر التطهير مغضورة أو غيره مغضورة صلبة أو غير صلبة و نحوها روايته الثانية و لو كان غير المغضور لا يطهر لوجب الاستفصال في الجواب.

و احتج للقول الآخر بوجهين (أحدهما) صحيحة محمد بن مسلم و رواية أبي الربيع الشامي المتقدمتان. و (الثاني) ان للخمر حدة و نفوذا في الأجسام الملاقية له فإذا لم تكن‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 30 من الأشربة المحرمة.

501
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الأولى) أواني الخمر كلها قابلة للتطهير ؛ ج 5، ص : 499

الآنية مغضورة دخلت اجزاء الخمر في باطنها فلا ينالها الماء.

و أجيب عن الأول بأن النهي للكراهة. و أجاب في المدارك عن ذلك بان النهي عن ذلك لا يتعين كونه للنجاسة إذ من الجائز ان يكون لاحتمال بقاء شي‌ء من اجزاء الخمر في ذلك الإناء فيتصل بما يحصل فيه المأكول و المشروب انتهى. و عن الثاني بأن نفوذ الماء أشد من نفوذ غيره فان ما يشرب الخمر يشرب الماء فيصل الماء الى ما يصل اليه الخمر.

و أجاب في المدارك عن ذلك بأنه مع تسليم ما ذكر فإنه لا ينافي طهارة الظاهر و جواز استعماله الى ان يعلم ترشح اجزاء من الخمر المستكن في الباطن إليه.

أقول: لا يخفى على المتأمل في هاتين الروايتين ان النهي عن استعمال هذه الظروف المعدودة في الانتباذ لأنها تسرع الشدة فيها لأجل دهنها فيصير مسكرا و يشير الى ذلك ما تقدم في كلام صاحب النهاية، و لو كان النهي عنها انما هو من حيث نفوذ الخمر فيها و عدم قبولها للتطهير كما فهمه المستدل و المجيب لم يكن لذكر المزفت و هو المطلي بالزفت الذي هو القير معنى لانه لا نفوذ فيه و كذلك الحنتم و هي الجرار الخضر المغضورة، و يشير الى ما ذكرنا قوله في رواية جراح المدائني «انه منع نبيذ الدباء» يعني ما ينبذ فيه، و بالجملة فالظاهر من الأخبار المذكورة انما هو النهى عن النبيذ فيها خوفا من التغيير و الانقلاب الى المحرم لا عن الاستعمال بقول مطلق كما ظنوه و حينئذ فلا تكون الأخبار المذكورة من محل البحث في شي‌ء و يبقى إطلاق الاخبار الأولة سالما عن المعارض. و اما الوجه الاعتباري الذي أضافوه الى هاتين الروايتين فهو لا يسمن و لا يغني من جوع بعد بطلان دلالة الخبرين المذكورين مع ما عرفت من الجواب عنه بالوجهين المتقدمين، و بذلك يظهر لك قوة القول المشهور.

بقي الكلام هنا في شي‌ء آخر و هو ان ظاهر صحيحة محمد بن مسلم لا يخلو من حزازة حيث انه في آخر الخبر نفى البأس عن الجرار الخضر مع انه في صدر الخبر قال بعد ذكر ما نهى (صلى الله عليه و آله) عنه «و زدتم أنتم الحنتم» و قد عرفت ان المراد‌

502
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) حكم أواني المشركين ؛ ج 5، ص : 503

به الجرار الخضر المدهونة. و يمكن الجمع بحمل الجرار الخضر التي نفى البأس عنها على ما لا تكون مدهونة و يمكن ايضا الفرق باعتبار المعنى الثاني للنهي من حيث العمل من الطين المعجون بالدم و الشعر بان يحمل نفي البأس أخيرا من حيث عدم العمل من ذلك الطين و اما الجمع- بأن النهي عن الحنتم في صدر الخبر لم يسنده له (صلى الله عليه و آله) و انما قال: «و زدتم أنتم» فلا ينافيه نفي البأس في آخر الخبر- فيضعف بحصول النهي عنه في حديث ابي الربيع الشامي كما عرفت. و الله العالم.

(الثانية) [حكم أواني المشركين]

- المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) ان أواني المشركين طاهرة حتى تعلم النجاسة، قال في المعتبر: أواني المشركين طاهرة ما لم يعلم نجاستها بمباشرتهم لها أو ملاقاة نجاسة، و الضابط أن الآنية في الأصل على الطهارة فلا يحكم بالنجاسة إلا مع اليقين بورود النجس و حينئذ اما ان يكون ذلك معلوم الحصول فتكون نجسة أو معلوم الانتفاء فتكون طاهرة أو مشكوكا فيه فيكون استعمالها مكروها، و يستوي في ذلك المجوسي و من ليس من أهل الكتاب، و في الذمي روايتان أشهرهما النجاسة نجاسة عينية و نجاسة ما يلاقيه بالمائع، ثم نقل خلاف العامة و اختلاف أقوالهم. أقول: و بذلك صرح الشيخ في المبسوط و غيره إلا انه قال في الخلاف لا يجوز استعمال أواني المشركين من أهل الذمة و غيرهم، و قال الشافعي لا بأس باستعمالها ما لم يعلم فيها نجاسة و به قال أبو حنيفة و مالك، و قال احمد ابن حنبل و إسحاق لا يجوز استعمالها «1» ثم استدل على المنع بقوله تعالى «إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ» «2» و بإجماع الفرقة‌

و رواية محمد بن مسلم «3» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن آنية أهل الذمة و المجوس فقال لا تأكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر».

و لم أقف في كتب أصحابنا على من نقل‌

______________________________
(1) كما في الأم ج 1 ص 7 و المغني ج 1 ص 82 و بدائع الصنائع ج 1 ص 63.

(2) سورة التوبة، الآية 28.

(3) المروية في الوسائل في الباب 14 من النجاسات.

503
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(المطلب الثاني) - في ما يجوز استعماله من الأواني و الآلات و ما لا يجوز ؛ ج 5، ص : 504

 

خلافه في هذه المسألة مع ان كلامه صريح في ذلك، و أغرب منه دعواه الإجماع عليه مع انه لم يقل بذلك غيره فيما اعلم، و استند الأصحاب هنا الى التمسك بأصالة الطهارة حتى يعلم وجود الرافع و هو قوى منصوص في غير خبر كما تقدم في مقدمات الكتاب. و قد تقدم تحقيق القول في هذه المسألة زيادة على ما أشرنا إليه في المقدمات في التنبيه الثاني من التنبيهات الملحقة بالمسألة الثانية من مسائل المقصد الثاني في الأحكام من هذا الباب.

ثم ان غاية ما تدل عليه الآية التي ذكرها مع الإغماض عن المناقشات التي أوردت عليها هو نجاسة المشركين و هو مما لا نزاع فيه هنا و من القواعد المقررة المتفق عليها ان عين النجاسة لا يحكم بتعدي نجاستها إلا مع العلم و اليقين بذلك. و اما الخبر فهو محمول على الاستحباب كما حققناه في المسألة المشار إليها.

(المطلب الثاني)- في ما يجوز استعماله من الأواني و الآلات و ما لا يجوز

، [حكم أواني الذهب و الفضة]

لا خلاف بين الأصحاب في تحريم الأكل و الشرب و كذا سائر الاستعمالات كالتطيب و غيره في أواني الذهب و الفضة، و ادعى عليه العلامة في التذكرة و غيره الإجماع، و نقل عن الشيخ في الخلاف انه قال يكره استعمال الذهب و الفضة. و صرح جملة ممن تأخر عنه بحمل العبارة المذكورة على التحريم، و هو جيد.

[الأخبار الواردة في موردهما]

و الاخبار بذلك مستفيضة من طرق الخاصة و العامة،

فروى الجمهور عنه (صلى الله عليه و آله) «1» انه قال: «لا تشربوا في آنية الذهب و الفضة و لا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا و لكم في الآخرة».

و عن علي (عليه السلام) «2» انه قال: «الذي

______________________________
(1) رواه البخاري في كتاب الأطعمة باب الأكل في إناء مفضض الا ان فيه «و لنا في الآخرة» بدل «و لكم في الآخرة» و رواه أبو داود في السنن ج 3 ص 337 هكذا:

«ان رسول الله (ص) نهى عن الحرير و الديباج و عن الشرب في آنية الذهب و الفضة و قال هي لهم في الدنيا و لكم في الآخرة».

(2) رواه ابن ماجة في السنن ج 2 ص 335 عن النبي (ص) و لم نجد روايته عن علي (ع).

 

504
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الأخبار الواردة في موردهما ؛ ج 5، ص : 504

يشرب في آنية الذهب و الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم».

و من طريق الأصحاب‌

ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع «1» قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن آنية الذهب و الفضة فكرههما فقلت قد روى بعض أصحابنا انه كان لأبي الحسن مرآة ملبسة فضة؟ فقال لا و الحمد لله انما كانت لها حلقة من فضة و هي عندي، ثم قال ان العباس حين عذر عمل له قضيب ملبس من فضة من نحو ما يعمل للصبيان تكون فضته نحوا من عشرة دراهم فأمر به أبو الحسن فكسر».

أقول العذر بالعين المهملة ثم الذال المعجمة بمعنى الاختتان و عذر الغلام اختتانه.

و عن الحلبي في الحسن أو الصحيح عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «لا تأكل في آنية من فضة و لا في آنية مفضضة».

و عن داود بن سرحان عن الصادق (عليه السلام) «3» قال:

«لا تأكل في آنية الذهب و الفضة».

و عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) «4» «انه نهى عن آنية الذهب و الفضة».

و عن موسى بن بكر عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) «5» قال: «آنية الذهب و الفضة متاع الَّذِينَ لٰا يُوقِنُونَ».

و رواه في الفقيه مرسلا عن النبي (صلى الله عليه و آله) «6»

و في الفقيه بطريقه الى ابان عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) «7» قال: «لا تأكل في آنية ذهب و لا فضة».

و في الكافي عن سماعة بن مهران في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «8» قال: «لا ينبغي الشرب في آنية الذهب و الفضة».

و عن يونس بن يعقوب عن أخيه يوسف «9» قال:

«كنت مع ابي عبد الله (عليه السلام) في الحجر فاستسقى ماء فاتى بقدح من صفر فقال رجل ان عباد بن كثير يكره الشرب في الصفر فقال لا بأس. و قال (عليه السلام) للرجل أ لا سألته أ ذهب هو أم فضة؟».

و رواه الصدوق ايضا.

و في حديث المناهي من الفقيه «10» قال: «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الشرب في آنية الذهب

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(7) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(8) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(9) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(10) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

505
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الأخبار الواردة في موردهما ؛ ج 5، ص : 504

و الفضة».

و في قرب الاسناد عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) «1» «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهاهم عن سبع: منها- الشرب في آنية الذهب و الفضة».

و روى في الكافي عن بريد في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «2» «انه كره الشرب في الفضة و في القدح المفضض و كذلك ان يدهن في مدهن مفضض و المشطة كذلك».

و رواه الصدوق بإسناده عن ثعلبة عن بريد مثله «3» و زاد «فان لم يجد بدا من الشرب في القدح المفضض عدل بفمه عن موضع الفضة».

و هذه الزيادة محتملة لأن تكون من كلامه أو من أصل الخبر.

و روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن وهب «4» قال «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الشرب في القدح فيه ضبة من فضة؟ قال لا بأس إلا ان تكره الفضة فتنزعها».

و عن عبد الله بن سنان في الحسن بالوشاء عن الصادق (عليه السلام) «5» قال: «لا بأس ان يشرب الرجل في القدح المفضض و اعزل فمك عن موضع الفضة».

و هذه الرواية وصفها في المدارك بالصحة و هو كما ترى.

و روى في المحاسن بسنده عن عمرو بن ابي المقدام «6» قال: «رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) قد اتى بقدح من ماء فيه ضبة من فضة فرأيته ينزعها بأسنانه».

و رواه الكليني عن جعفر بن بشير عن عمرو بن ابي المقدام. و روى في الكافي عن الفضيل بن يسار عن الصادق (عليه السلام) «7» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السرير فيه الذهب أ يصلح إمساكه في البيت؟ فقال ان كان ذهبا فلا و ان كان ماء الذهب فلا بأس».

و في الصحيح عن منصور بن حازم عن الصادق (عليه السلام) «8» قال: «سألته عن التعويذ يعلق على الحائض فقال نعم إذا كان في جلد أو فضة أو قصبة حديد».

و عن صفوان بن يحيى «9» قال:

«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن ذي الفقار سيف رسول الله (صلى الله عليه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 65 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

(5) رواه في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

(6) رواه في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

(7) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

(8) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

(9) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

506
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) هل تسري الحرمة إلى المأكول و المشروب في آنية الذهب و الفضة؟ ؛ ج 5، ص : 507

و آله) قال نزل به جبرئيل من السماء و كانت حلقته فضة».

و روى نحوه في عيون الأخبار «1» إلا ان فيه عوض «حلقته» «و كانت حليته من فضة»‌

و عن يحيى بن ابي العلاء «2» قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول درع رسول الله (صلى الله عليه و آله) ذات الفضول لها حلقتان من ورق في مقدمها و حلقتان من ورق في مؤخرها و قد لبسها علي (عليه السلام) يوم الجمل».

و روى الصدوق في الصحيح عن محمد بن قيس عن الباقر (عليه السلام) «3» قال: «ان اسم النبي (صلى الله عليه و آله) الى ان قال و كان له درع تسمى ذات الفضول لها ثلاث حلقات فضة حلقة بين يديها و حلقتان خلفها. الحديث».

و روى البرقي في المحاسن في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن المرآة هل يصلح إمساكها إذا كان لها حلقة فضة؟ قال نعم انما يكره استعمال ما يشرب به. قال و سألته عن السرج و اللجام فيه الفضة أ يركب به؟ قال ان كان مموها لا يقدر على نزعه منه فلا بأس و إلا فلا يركب به».

و رواه على بن جعفر في كتابه «5» و رواه الكليني في أحكام الدواب «6»

و روى ابن إدريس في آخر السرائر نقلا من جامع البزنطي «7» قال: «سألته عن السرج و اللجام.».

و ذكر مثل ما تقدم.

هذا ما وقفت عليه من الأخبار المناسبة للمقام الداخلة في سلك هذا النظام‌

، و تحقيق البحث فيها يقع في مواضع:

[الموضع] (الأول) [هل تسري الحرمة إلى المأكول و المشروب في آنية الذهب و الفضة؟]

- المفهوم من كلام جملة من الأصحاب ان النهي عن الأكل في أواني الذهب و الفضة انما ينصرف إلى الأخذ و التناول منها فيأثم بذلك دون ما فيها فلا يتعلق به نهي و لا تحريم متى كان مباحا قال في المبسوط: و من أكل أو شرب في آنية ذهب أو فضة فإنه يكون قد فعل محرما، و لا يكون قد أكل محرما إذا كان المأكول مباحا‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

(2) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

(3) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

(4) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

(5) البحار ج 5 ص 154.

(6) ج 2 ص 230.

(7) رواه في الوسائل في الباب 67 من النجاسات.

507
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثاني) الوضوء و الغسل من آنية الذهب و الفضة ؛ ج 5، ص : 508

لأن النهي عن الأكل فيه لا يتعدى الى المأكول. و على هذا النحو كلام من تأخر عنه، و نقل في المدارك عن المفيد (قدس سره) تحريم المأكول و المشروب، قال و لو استدل بقول علي (عليه السلام) «1» «انما يجرجر في بطنه نار جهنم» أجيب عنه بأن الحقيقة غير مرادة و المتبادر من المعنى المجازي كون ذلك سببا في دخول النار بطنه و هو لا يستلزم تحريم نفس المأكول و المشروب. انتهى.

أقول: يمكن توجيه كلام المفيد (قدس سره) بان يقال ان النهي أولا و بالذات و ان كان عن تناول المأكول و المشروب لكن يرجع ثانيا و بالعرض إلى المأكول بأن يقال ان هذا المأكول يكون حراما متى أكل على هذه الكيفية، و ظاهر النصوص يساعده لأنها تضمنت النهي عن الأكل حال كونه في هذه الأواني و الأكل حقيقة عبارة عن المضغ في الفم و الازدراد في الحلق و حمل الأخبار على مجرد التناول مجاز فهذا الطعام أو الشراب الذي في الآنية و ان كان حلالا في حد ذاته يجوز أكله بأي نحو كان إلا انه بوضعه في هذه الآنية و اكله فيها عرض له التحريم، و نظيره تحريم أخذ الحق الشرعي بحكم حاكم الجور و انه سحت كما دلت عليه الأخبار مع جواز التوصل إلى أخذه مقاصة فضلا عن التوصل بحكم حاكم العدل. و بالجملة فإنه إذا قال الشارع لا تأكل في آنية الذهب مثلا و الأكل انما هو عبارة عن المعنى الذي قدمناه و النهي حقيقة في التحريم فإنه لا وجه للتحريم إلا من حيث عدم صلاحية المأكول للأكل من هذه الجهة فيرجع التحريم إلى المأكول بالأخرة لا من حيث ذاته بل من هذه الحيثية المخصوصة. و الله العالم‌

[الموضع] (الثاني) [الوضوء و الغسل من آنية الذهب و الفضة]

- قد صرح المحقق في المعتبر و قبله الشيخ في المبسوط بأنه لو تطهر من آنية الذهب و الفضة لم يبطل و ضوؤه و لا غسله. و الشيخ ذكر الحكم و لم يعلله بشي‌ء و المحقق نقل في المعتبر عن بعض الحنابلة المنع «2» معللا له بأنه استعمله في العبادة فيحرم‌

______________________________
(1) راجع التعليقة 2 ص 504.

(2) حكاه في المغني ج 1 ص 76 عن ابى بكر و هو من شيوخ الحنابلة.

508
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثالث) هل يحرم اقتناء أواني الذهب و الفضة؟ ؛ ج 5، ص : 509

كالصلاة في الدار المغصوبة. ثم قال (قدس سره) في الاستدلال لما اختاره: لنا- ان انتزاع الماء ليس جزء من الطهارة بل لا يحصل الشروع فيها إلا بعده فلا يكون له أثر في بطلان الطهارة، و قوله هو استعمال في العبادة قلنا اما انتزاع الماء فهو استعمال لكنه ليس جزء من الطهارة. و نحو ذلك ذكر العلامة في المنتهى إلا انه استوجه بعد ذلك البطلان فقال بعد موافقة المعتبر فيما ذكره في المقام: و لو قيل ان الطهارة لا تتم إلا بانتزاع الماء المنهي عنه فيستحيل الأمر بها لاشتمالها على المفسدة كان وجها و قد سلف نظيره. انتهى.

أقول لا ريب ان النهى في الاخبار المتقدمة ما بين مقيد بالأكل و الشرب و ما بين مطلق و مقتضى قواعدهم في مثل ذلك حمل المطلق على المقيد، و حينئذ فلا دليل على حكم الوضوء من آنية الذهب و الفضة و ان الوضوء هل يكون صحيحا أو باطلا؟ و قضية الأصل الصحة إلا ان ظاهر الأصحاب هو حمل النهي المطلق على النهي عن الاستعمال مطلقا، و قد نقل في المنتهى الإجماع على تحريم الاستعمال مطلقا. و حينئذ فالنهي عن الاستعمال في الوضوء لا يستلزم بطلان الوضوء كما ذكروه بل غايته حصول الإثم بالاستعمال خاصة و هذا بخلاف النهى عن الأكل و الشرب كما حققناه آنفا نعم لو كان ورود النهي عن الوضوء من آنية الذهب لتوجه القول بالبطلان لورود النهي على الوضوء و توجه النهي إليه موجب لبطلانه بمقتضى القاعدة المقررة من ان توجه النهي إلى العبادات موجب لبطلانها إلا ان الاخبار خالية من ذلك و غاية ما يفهم من مطلقاتها النهي عن الاستعمال ان لم يرتكب فيها التقييد كما قدمنا ذكره، نعم يأتي ما ذكره العلامة من لزوم اجتماع الأمر و النهي في شي‌ء واحد، و قد تقدم نبذة من القول في ذلك و يأتي تحقيقه ان شاء الله تعالى في كتاب الصلاة.

[الموضع] (الثالث) [هل يحرم اقتناء أواني الذهب و الفضة؟]

- المشهور بين الأصحاب تحريم اتخاذ الأواني المذكورة و ان كان للقنية و الادخار صرح بذلك المحقق في المعتبر و نقله عن الشيخ (قدس سره) و لم ينقل فيه خلافا إلا‌

509
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الرابع) حكم الأواني المفضضة و المذهبة ؛ ج 5، ص : 510

عن الشافعي حيث جوزه «1» و استدل في المعتبر على ذلك بان فيه تعطيلا للمال فيكون سرفا لعدم الانتفاع، و برواية محمد بن مسلم المتقدمة «2» المتضمنة للنهي عن آنية الذهب و الفضة، قال: و هو على إطلاقه. بمعنى ان النهي أعم من الاتخاذ و الاستعمال فتكون الرواية دالة بإطلاقها على محل البحث، ثم أورد رواية موسى بن بكر. أقول: و يدل على ذلك أيضا إطلاق صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع فإنها و ان تضمنت الكراهة إلا ان الكراهة هنا بمعنى التحريم اتفاقا كما هو شائع في الاخبار و تحريمها على الإطلاق شامل للقنية و الاتخاذ و غيرهما، و نقل في المدارك عن العلامة في المختلف انه استقرب الجواز استضعافا لأدلة المنع و استحسنه و جعل المنع اولى. و الظاهر ضعفه لما عرفت.

[الموضع] (الرابع) [حكم الأواني المفضضة و المذهبة]

- قد عرفت اتفاق كلمة الأصحاب على تحريم استعمال أواني الذهب و الفضة و انما الخلاف في المفضضة و المذهبة فعن الخلاف ان حكمها حكم أواني الفضة و الذهب، و ذهب في المبسوط الى الجواز لكن أوجب عزل الفم عن موضع الفضة و هو اختيار عامة المتأخرين و متأخريهم: منهم- المحقق و العلامة و الشهيدان و غيرهم.

و استدل الشيخ (قدس سره) على ما نقل عنه بحسنة الحلبي أو صحيحته المتقدمة المتضمنة للنهي عن الأكل في آنية فضة أو مفضضة. أقول: و يدل عليه أيضا موثقة بريد المتقدم نقلها عن الكافي و الفقيه فإنه ساوى فيها بين الفضة و المفضض، و الرواية و ان وردت بلفظ الكراهة لكن قد عرفت ان المراد بها هنا هو التحريم اتفاقا، و نقل الشهيد في الذكرى على اثر هذه الرواية عنه (عليه السلام) قال: و قوله «في التور يكون فيه تماثيل أو فضة لا يتوضأ منه و لا فيه» قال و النهي للتحريم. و هذه الرواية لم أقف عليها فيما حضرني الآن من كتب الأخبار.

و استدل على القول المشهور بحسنة عبد الله بن سنان المتقدمة، و ظاهر المتأخرين القائلين بالجواز حمل الأخبار الأولة على الكراهة جمعا بينها و بين الحسنة المذكورة حتى‌

______________________________
(1) كما في المغني ج 1 ص 77.

(2) ص 55.

510
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الرابع) حكم الأواني المفضضة و المذهبة ؛ ج 5، ص : 510

ان صاحب المعتبر استدل على ذلك بموثقة بريد المذكورة حيث تضمنت لفظ الكراهة مع ان القدح المفضض فيها انما عطف على الفضة و لا خلاف عندهم في التحريم فيها، إلا ان يقول بجواز استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه ان قلنا انه حقيقة في أحدهما أو معنييه ان قلنا بالاشتراك و هم لا يقولون به كما صرحوا به في أصولهم، و لهذا ان شيخنا الشهيد في الذكرى نظم هذه الرواية في أدلة الشيخ كما أشرنا إليه آنفا و قال في تقريب الاستدلال بها: و العطف على الشرب في الفضة مشعر بإرادة التحريم. إلا انه (قدس سره) اختار الجمع بين الأخبار بالكراهة كما أشرنا اليه و قال في التفصي عن هذه الرواية: و استعمال اللفظة فيها في التحريم مجاز يصار إليه بقرينة. و لا يخفى ما فيه فإنه خروج عن قواعدهم المقررة في أصولهم و أي قرينة هنا تدل على الجواز في المفضض؟

و مجرد وجود الخبر النافي ليس من قرائن المجاز.

و قال العلامة في المنتهى بعد اختيار الجواز: احتج الشيخ على القول الثاني‌

برواية الحلبي «1» قال: «لا تأكلوا في آنية من فضة و لا في آنية مفضضة».

و العطف يقتضي التساوي في الحكم و قد ثبت التحريم في آنية الفضة فيثبت في المعطوف،

و برواية بريد عن الصادق (عليه السلام) «2» «انه كره الشرب في الفضة و في القداح المفضضة».

و المراد بالكراهة في الأول التحريم فيكون في الثاني كذلك تسوية بين المعطوف و المعطوف عليه، و لانه لولا ذلك للزم استعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه أو اللفظ الواحد في معنى الحقيقة و المجاز و ذلك باطل، ثم قال و الجواب عن الحديث الأول ان المعطوف و المعطوف عليه قد اشتركا في مطلق النهي و ذلك يكفي في المساواة و يجوز الافتراق بعد ذلك بكون أحدهما نهى تحريم و الآخر نهى كراهة، و كذا الجواب عن الرواية الثانية إذ استعمال اللفظ المشترك في كلا معنييه أو في الحقيقة و المجاز غير لازم إذ‌

______________________________
(1) المروية في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

(2) المروية في الوسائل في الباب 66 من النجاسات.

511
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الرابع) حكم الأواني المفضضة و المذهبة ؛ ج 5، ص : 510

المراد بالكراهة مطلق رجحان العدم غير مقيد بالمنع من النقيض و عدمه فكان من قبيل المتواطئ. انتهى.

أقول: فيه (أولا)- ما عرفت مما أسلفنا ذكره في غير مقام من ان الجمع بين الاخبار بالكراهة و الاستحباب مما لا دليل عليه من سنة و لا كتاب و لا عقل يصفو عن شوب الارتياب. و (ثانيا)- ان ما أجاب به عن الخبر الأول لا يخلو من غرابة فإنه قد صرح في كتبه الأصولية و كذا غيره من المحققين بأن النهي من حيث هو حقيقة في التحريم كما ان الأمر حقيقة في الوجوب، و مقتضاه ان الحمل على الكراهة و الاستحباب مجاز لا يصار اليه إلا بالقرينة، و بذلك يظهر لك ما في كلامه هنا من قوله «ان المعطوف و المعطوف عليه قد اشتركا في مطلق النهي. إلخ» فإن فيه زيادة على ما عرفت انهما متى اشتركا في مطلق النهي و النهي حقيقة في التحريم فقد ثبت التحريم في الجميع فلا معنى لهذا الافتراق و لا دليل عليه سوى مجرد التحكم، و كذا ما أجاب به عن الرواية الثانية فإنه أغرب و أعجب فإن حمل الكراهة على مطلق رجحان العدم الشامل للتحريم و الكراهة الاصطلاحية مجرد دعوى ألجأت إليها ضرورة الوقوع في شباك الإلزام و إلا فمعنى الكراهة لا يخرج عن التحريم أو الكراهة الاصطلاحية و لو قامت هذه الاحتمالات البعيدة و التمحلات الغير السديدة في دفع الأدلة و صرفها عن ظاهرها لا نسد باب الاستدلال إذ لا قول إلا و هو قابل للاحتمال.

و الأظهر عندي هو القول المشهور من الجواز على كراهية و الاستدلال بالأخبار المذكورة، و التقريب فيها مبني على جواز استعمال المشترك في معنييه أو اللفظ في حقيقته و مجازه، و هو و ان منعوه في الأصول كما عرفت إلا ان ظواهر كثير من الاخبار وقوعه كما أشرنا إليه في غير مقام و منه هذه الأخبار، و الاشكال في الاستدلال بها انما يتجه على من يعمل بهذه القواعد الأصولية و منها هذه القاعدة، و ما استندوا إليه في الخروج عن الاشكال بعد التزامهم بالقاعدة المذكورة قد عرفت ما فيه. نعم هنا احتمالات أخر أيضا في الجمع بين أخبار‌

512
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الخامس) هل يلحق الإناء المذهب بالمفضض؟ ؛ ج 5، ص : 513

المسألة إلا ان الظاهر هو ما ذكرناه.

بقي الكلام في انه على تقدير القول بالجواز كما هو المشهور هل يجب العزل عن موضع الفضة أم لا و ان استحب؟ الظاهر الأول كما اختاره الشيخ في المبسوط و العلامة في المنتهى و الشهيد في الذكرى‌

لحسنة عبد الله بن سنان «1» و قوله (عليه السلام) فيها «و اعزل فمك عن موضع الفضة».

و اختار المحقق في المعتبر الاستحباب و تبعه في المدارك و استند في المعتبر إلى رواية معاوية بن وهب المتقدمة. قال في المدارك بعد نقل ذلك عنه: و هو حسن فان ترك الاستفصال في جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم.

و فيه ان غاية ما يدل عليه الخبر المذكور هو جواز استعمال المفضض لا موضع الفضة و أحدهما غير الآخر، و ما استند اليه من العموم الناشئ من ترك الاستفصال مخصوص برواية عبد الله بن سنان الدالة على الأمر بعزل الفم عن موضع الفضة كما لا يخفى.

[الموضع] (الخامس) [هل يلحق الإناء المذهب بالمفضض؟]

- مورد الأخبار تحريما أو كراهة الإناء المفضض و هل يكون الإناء المذهب ايضا كذلك؟ الظاهر نعم ان لم يكن اولى لاشتراكهما في أصل الحكم. و قال العلامة في المنتهى: الأحاديث وردت في المفضض و هو مشتق من الفضة ففي دخول الآنية المضببة بالذهب نظر و لم أقف للأصحاب فيه على قول، و الأقوى عندي جواز اتخاذه عملا بالأصل و النهي انما يتناول استعمال آنية الذهب و الفضة، نعم هو مكروه إذ لا ينزل عن درجة الفضة. انتهى. و اختياره الجواز في المذهب جرى على اختياره الجواز في المفضض كما سلف نقله عنه. و قال الشهيد في الذكرى: هل ضبة الذهب كالفضة؟ يمكن ذلك كأصل الإناء و المنع‌

لقوله (صلى الله عليه و آله) «2» في الذهب و الحرير: «هذان محرمان على ذكور أمتي».

و الظاهر ضعفه و الحديث المذكور ان ثبت فالظاهر منه ارادة اللبس كما يشير اليه ذكر الحرير.

______________________________
(1) ص 506.

(2) رواه ابن ماجة في السنن ج 2 ص 335 و النسائي في السنن ج 2 ص 285.

513
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(السادس) هل تدخل المكحلة و ظرف الغالية في الإناء ؛ ج 5، ص : 514

[الموضع] (السادس) [هل تدخل المكحلة و ظرف الغالية في الإناء]

- الظاهر دخول مثل المكحلة و ظرف الغالية في الإناء و بذلك صرح الشهيد في الذكرى فقال: الأقرب تحريم المكحلة منهما و ظرف الغالية و ان كانت بقدر الضبة لصدق الإناء أما الميل فلا. و بنحو ذلك صرح العلامة في جملة من كتبه و تردد في المدارك للشك في إطلاق اسم الإناء حقيقة على ذلك. أقول: و مما يؤيد صدق الإناء على ما نحن فيه ما ذكره الفيومي في المصباح المنير حيث قال: الإناء و الآنية الوعاء و الأوعية وزنا و معنى. و هو صريح في المراد لأنها وعاء لما يوضع فيها. و اما الميل فالظاهر انه من قبيل الآلات فلا يتعلق به حكم الأواني و به جزم الشهيد في الذكرى كما تقدم. و الله العالم.

[الموضع] (السابع) [جواز نحو الحلقة و القبضة من الذهب و الفضة]

- قد صرح جملة من الأصحاب: منهم- المحقق في المعتبر و العلامة في المنتهى و الشهيد في الذكرى و غيرهم بجواز نحو الحلقة للقصعة و قبضة السيف و السلسلة و اتخاذ الأنف من الذهب و ربط الأسنان به. و ظاهر كلامهم جواز ذلك بلا كراهة، و استندوا في ذلك الى انه كان للنبي (صلى الله عليه و آله) قصعة فيها حلقة من فضة و لموسى بن جعفر (عليه السلام) مرآة كذلك و ان قبضة سيف النبي (صلى الله عليه و آله) كانت من فضة و لدرعه حلق من فضة.

أقول: لا ريب في صحة ما ذكروه و وجود الاخبار به كما تقدم «1» إلا انه قد ورد ايضا ما ظاهره المنافاة مثل حديث الفضيل بن يسار الوارد في السرير فيه الذهب حيث منع (عليه السلام) عن إمساك السرير في البيت ان كان فيه ذهب و انما جوز المموه بماء الذهب، و صحيحة علي بن جعفر الواردة في اللجام و السرج فيه الفضة حيث منع من الركوب به ان كان فضة و جوزه ان كان مموها لا يقدر على نزعه، و صحيحة محمد بن إسماعيل المتقدمة المشتملة على القضيب الملبس فضة و أمر الكاظم (عليه السلام) بكسره و حديث بريد المشتمل على المشط، و يؤيد ذلك‌

ما روى عن

______________________________
(1) ص 505 و 506 و 507.

514
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثامن) جواز استعمال الأواني من غير الذهب و الفضة ؛ ج 5، ص : 515

الصادق (عليه السلام) «1» في القرآن المعشر بالذهب و في آخره سورة مكتوبة بالذهب فلم يعب سوى كتابة القرآن بالذهب و قال: «لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة».

و هذه الاخبار كما ترى ظاهرة في الكراهة ان تنزلنا عن التحريم و سؤال الفرق بينها و بين ما ورد في تلك الأخبار متجه، و بالجملة فالظاهر هو الجواز في الآلات على كراهة و ان تفاوتت شدة و ضعفا في مواردها، هذا في المذهب و المفضض منها و اما المموه فالظاهر جوازه من غير كراهة إلا ان في صحيحة علي بن جعفر ما يشعر ايضا بكون الحكم فيه كذلك من قوله: «ان كان مموها لا يقدر على نزعه» و الاحتياط لا يخفى.

[الموضع] (الثامن) [جواز استعمال الأواني من غير الذهب و الفضة]

- قد صرح جملة من الأصحاب من غير خلاف يعرف بأنه يجوز استعمال الأواني من غير هذين المعدنين من سائر الجواهر و ان علا ثمنه. و هو جيد للأصل و عدم ما يوجب الخروج عنه.

[الموضع] (التاسع) [الفروع المتفرعة على جواز اقتناعهما]

- قد عرفت آنفا الخلاف في جواز الاتخاذ للقنية و عدم الاستعمال و عدمه، و يتفرع على ذلك فروع: منها- عدم جواز كسر الآنية المذكورة و ضمان الأرش لو كسرها على الأول دون الثاني لأنه لا حرمة لها من حيث التحريم، و منها- جواز بيعها على الأول دون الثاني إلا ان يكون المطلوب كسرها و وثق من المشتري بذلك.

[الموضع] (العاشر) [تحريم استعمالهما مشترك بين الرجال و النساء]

- قال العلامة في المنتهى: تحريم الاستعمال مشترك بين الرجال و النساء لعموم الأدلة، و اباحة التحلي للنساء بالذهب لا يقتضي إباحة استعمالهن للآنية منه إذ الحاجة و هي التزيين ماسة في التحلي و هو مختص به فتختص به الإباحة. انتهى.

و ادعى في التذكرة الإجماع على الاشتراك المذكور. و هو جيد. و الله العالم.

تذنيب في أحكام الجلود

و البحث فيها يقع في مواضع‌

[الموضع] (الأول) [جلد الميتة لا يطهر بالدبغ]

المشهور بين الأصحاب‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 32 من أبواب ما يكتسب به.

515
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ؛ ج 5، ص : 515

(رضوان الله عليهم) بل ادعى عليه الإجماع ان جلد الميتة مما هو طاهر في حال الحياة لا يطهر بالدباغ و ادعى العلامة في المنتهى و المختلف الإجماع عليه من غير ابن الجنيد، و الشهيد في الذكرى ادعى الإجماع من غير استثناء، و هو اما بناء على ان معلوم النسب خروجه غير قادح في الإجماع أو لعدم الاعتداد بخلافه لشذوذه و موافقة قوله لأقوال العامة، و لم ينقلوا الخلاف هنا إلا عن ابن الجنيد خاصة حيث ذهب الى طهارته بالدباغ مما هو طاهر في حال الحياة لكن لا يجوز الصلاة فيه، و عزى الشهيد في الذكرى الى ابي جعفر الشلمغاني من قدماء أصحابنا إلا انه تغير و ظهرت منه مقالات منكرة- موافقة ابن الجنيد، مع ان ظاهر‌

الصدوق في الفقيه ذلك ايضا حيث روى في صدر الكتاب مرسلا عن الصادق (عليه السلام) «1» «انه سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن ما ترى فيه؟ فقال لا بأس».

و هو ظاهر في الطهارة كما ترى و ليس بين هذا الكلام و بين صدر الكتاب الذي قرر فيه انه لا يورد في كتابه إلا ما يعتقد صحته و يفتي به إلا أوراق يسيرة.

أقول: و قد قدمنا تحقيق القول في هذه المسألة في الفصل الخامس في الميتة من المقصد الأول و استوفينا الأخبار الواردة في المسألة و بينا الوجه فيها و في الجمع بينها إلا انه قد وقع للمحقق الشيخ حسن في هذا المقام كلام لا بأس بنقله و بيان ما فيه من نقض و إبرام و قد سبقه الى ذلك ايضا صاحب المدارك إلا أنا نكتفي بالكلام على ما ذكره في المعالم حيث انه ابسط و منه يعلم الجواب عما ذكره في المدارك.

قال في المعالم بعد نقل الخلاف في المسألة: إذا عرفت هذا فاعلم ان العمدة في الاحتجاج هنا لكل من القولين حسب ما ذكره المتأخرون هو الاخبار إلا ان الشيخ و الفاضلين أضافوا إليها في الاحتجاج لعدم الطهارة عموم قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» «2» تعويلا على تناوله لجميع أنواع الانتفاع، و استصحاب النجاسة لثبوتها قبل‌

______________________________
(1) ج 1 ص 9.

(2) سورة المائدة، الآية 4.

516
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ؛ ج 5، ص : 515

الدبغ فكذا بعده، و يلوح من الشهيد التمسك بالإجماع كما حكيناه عنه و هو صريح كلام الشيخ في الخلاف. و هذه الوجوه كلها ضعيفة، اما التمسك بالآية فلأن المتبادر منها بحسب العرف تحريم الأكل كما سبق تحقيقه في بحث المجمل من مقدمة الكتاب، و اما الاستصحاب فلان التمسك به موقوف على ملاحظة دليل الحكم و كونه عاما في الأزمان كما سلف القول فيه محررا و قد تقدم في البحث عن نجاسة الميتة ان العمدة فيه على الإجماع و حينئذ فلا استصحاب، و اما الإجماع فلعدم ثبوته على وجه يصلح للحجية و لهذا لم يتعرض له المحقق، و حال الشيخ و الشهيد في الإجماع معلوم إذ قد أشرنا في غير موضع إلى أنهما داخلان في عداد من ظهر منه في أمر الإجماع ما أوجب حمله على غير معناه المصطلح الذي هو الحجة عندنا أو أفاد قلة الضبط في نقلهم. ثم ان الاخبار التي احتجوا بها لعدم الطهارة كثيرة: منها-

ما رواه علي بن المغيرة قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جعلت فداك الميتة ينتفع بشي‌ء منها؟ قال لا. قلت بلغنا. الحديث».

و قد قدمناه في الموضع المشار اليه آنفا عن علي بن أبي المغيرة «1» ثم ذكر بعده رواية الفتح ابن يزيد الجرجاني و قد تقدمت ايضا «2» ثم روايات لا دلالة فيها في الحقيقة، ثم قال فاما ما يدل من الاخبار على الطهارة فحديث واحد رواه الشيخ بإسناده ثم نقل رواية الحسين بن زرارة و قد تقدمت أيضا في الموضع المشار اليه «3» ثم قال:

و أنت إذا تأملت هذه الاخبار كلها وجدت ما عدا الأولين منها و الأخير ليس من محل النزاع في شي‌ء، ثم ساق الكلام في بيان ذلك الى ان قال: فالتعارض واقع بينهما و بينه- يعني الخبرين الأولين و خبر الحسين- و الترجيح من جهة الاسناد منتف لأن رواية الفتح ضعيفة و الخبران الآخران مشتركان في جهالة حال راوييهما، و حينئذ فيمكن ان يجعل وجه الجمع حمل الروايتين الأوليين على الكراهة أو حمل رواية الطهارة على التقية و يرجح الثاني رعاية الموافقة لما عليه اتفاق أكثر الأصحاب، و يؤيد‌

______________________________
(1) ص 62.

(2) ص 61.

(3) ص 61.

517
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ؛ ج 5، ص : 515

الأول موافقته لمقتضى الأصل من براءة الذمة بملاحظة ما قدمناه من عدم استقامة اعتبار الاستصحاب في مثله. انتهى.

أقول: لا يخفى ما فيه على المتأمل النبيه (أما أولا) فإن ما ذكره من ان التمسك بالاستصحاب موقوف على ملاحظة دليل الحكم و كونه عاما فجيد، و اما قوله- ان العمدة في نجاسة الميتة انما هو الإجماع- فمردود بما قدمنا تحقيقه في الفصل المتقدم ذكره و نقلناه من الأخبار المستفيضة الدالة على الحكم المذكور و ما ذيلنا به من التحقيق الظاهر في ذلك تمام الظهور، و على هذا فالاستدلال بالاستصحاب في محله لأن الأخبار المذكورة قد دلت على نجاسة الميتة و منها الجلد و هي مطلقة عامة شاملة لجميع الأزمان حتى يقوم الرافع فالاستصحاب هنا راجع الى الاستصحاب بعموم الدليل كما هو المدعى.

و (اما ثانيا)- فان ما ذكره من الطعن في الإجماع فهو حق على رأينا الواجب الاتباع و ان كان قليل الاتباع من الاقتصار في الاستدلال على الكتاب و السنة لا على رأي من يعتمد على القواعد الأصولية كهذا القائل و نحوه. و ذلك فإنه لا يخفى ان من قواعدهم العمل بالإجماع المنقول بالخبر الواحد، و منها ان خلاف معلوم النسب غير قادح في الإجماع و الأمر هنا كذلك فيكون حجة، و قد ادعاه هنا العلامة في المنتهى و المختلف و ان استثنى ابن الجنيد منه، و ادعاه الشيخ في الخلاف و الشهيد في الذكرى من غير استثناء بناء على القاعدة الثانية، و بذلك اعترف هذا القائل في صدر كلامه فقال بعد نقل الإجماع عن العلامة كما حكيناه: و قال الشهيد في الذكرى لا يطهر جلد الميتة بالدباغ إجماعا فلم يحتفل باستثناء المخالف نظرا الى عدم اعتبار مخالفة معلوم الأصل في تحقق الإجماع انتهى.

و حينئذ فالإجماع المدعى هنا بمقتضى قواعدهم حجة في المقام فلا معنى لقدحه فيه، و وقوع التساهل من الشيخ و الشهيد في دعوى الإجماع في غير هذا الموضع لا يقتضي رد ما نقلاه هنا من الإجماع المشتمل على شروط الإجماع المقبولة و إلا لأدى ذلك الى‌

518
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الأول) جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ؛ ج 5، ص : 515

عدم قبول الإجماع بين المتأخرين مطلقا و لا جعله دليلا شرعيا عندهم لان عمدة الإجماعات الأصل فيها هو الشيخ و المرتضى اللذان هما في الصدر الأول فإذا لم يعول على نقلهم الإجماع مع عدم ظهور فساده و لا مانع منه فبالطريق الأولى إجماعات المتأخرين الذين هم أبعد طبقة من معرفة أقوال المتقدمين، غاية الأمر انه في مقام ظهور خلافه سيما إذا لم يعلم القائل به سوى المدعى أو مخالفة المدعى نفسه فيه في موضع آخر أو مخالفة غيره له فيه لا يعمل عليه، و ما لم يظهر فيه شي‌ء من ذلك و نحوه فإنه لا معنى لرده بمجرد التشهي كما لا يخفى.

و (اما ثالثا)- فان ما ذكره- من انه لا تعارض في الاخبار التي نقلها إلا بين روايتي علي بن المغيرة و الفتح بن يزيد الجرجاني و بين رواية الحسين بن زرارة- فحق لا ريب فيه إلا ان قوله: «و الترجيح من جهة الاسناد منتف» غفلة ظاهرة قد سبقه إليها صاحب المدارك ايضا، و ذلك فإن الرواية التي نقلاها عن علي بن المغيرة انما نقلاها من التهذيب و هي فيه كذلك و علي بن المغيرة المذكور مجهول ذكره و لم يتعرضوا له بمدح و لا قدح و اما في الكافي فإنما رواها عن ابن أبي المغيرة و هو ثقة كما في كتب الرجال و التحريف قد وقع من الشيخ كما لا يخفى على من له انس بطريقته و قد نبهنا على ذلك مرارا، و يدل على ذلك انه انما نقل الحديث عن ابن يعقوب بالسند المذكور في الكافي و لكن حرف قلمه فسقط منه لفظ «ابي» و المحدثان الفاضلان محسن الكاشاني و الشيخ الحر في الوافي و الوسائل إنما نقلا الخبر بسند صاحب الكافي كما ذكرنا و لكن المحققين المذكورين لم يراجعا الكافي و اعتمدا على التهذيب و الحال كما ترى، و حينئذ فالرواية المذكورة صحيحة صريحة في النجاسة و رواية الحسين بن زرارة قاصرة عن معارضتها، و اقصر منها و أضعف باصطلاحهم مرسلة الصدوق التي نوه بها في المدارك و اعتمد عليها، على ان أدلة القول بالنجاسة غير منحصرة في هاتين الروايتين بل هي عدة روايات قدمنا ذكرها في الموضع المشار اليه آنفا.

519
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثاني) هل يعتبر على القول بطهارة الجلد بالدبغ طهارة ما يدبغ به؟ ؛ ج 5، ص : 520

و (اما رابعا) فان ما ذكره- من وجهي الجمع بحمل رواية الطهارة على التقية أو حمل روايتي النجاسة على الكراهة و أيد الحمل الأول برعاية اتفاق أكثر الأصحاب و الثاني بموافقة الأصل- ففيه ان وجه الجمع الموافق لقواعد أهل العصمة (عليهم السلام) التي وضعوها انما هو الأول لما استفاض عنهم من الأخبار في مقام اختلاف الروايات الواردة عنهم في الأحكام من العرض على الكتاب العزيز و الأخذ بما وافقه و العرض على مذهب العامة و الأخذ بخلافه و الأخذ بالجمع عليه و الأخذ بالأعدل و نحو ذلك، و اما الحمل على الكراهة و الاستحباب و الترجيح بالأصل كما اتخذوه قاعدة كلية في جميع الأبواب فهو اجتهاد صرف و تخريج بحت ورد لنصوص أهل الخصوص، و ليت شعري أ رأيت حين خرجت عنهم (عليهم السلام) هذه القواعد في ترجيح الاخبار في مقام الاختلاف لم يعلموا بهذا الأصل و انه مما ترجح به الاخبار حتى أغفلوه و أهملوه أو علموا به و لم يذكروه و الأول كفر محض فتعين الثاني و ليس إلا لعدم صلاحيته للترجيح و إلا لعدوه في جملة هذه المرجحات.

و بهذا يظهر لك ايضا ما في كلام صاحب المدارك حيث قال بعد الكلام في المسألة: و بالجملة فالمسألة محل تردد لما بيناه فيما سبق من انه ليس على نجاسة الميتة دليل يعتد به سوى الإجماع و هو انما انعقد على النجاسة قبل الدبغ لا بعده، و على هذا فيمكن القول بالطهارة تمسكا بمقتضى الأصل و تخرج الروايتان شاهدا. انتهى.

أقول: لا تردد بحمد الله تعالى في ذلك بعد وضوح المدارك فيها و المسالك من الأخبار المستفيضة بنجاسة الميتة على العموم و الجلد على الخصوص المعلوم و حمل المخالف في الثاني على التقية كما استفاضت به الاخبار عن سادات البرية. و الله الهادي لمن يشاء‌

[الموضع] (الثاني) [هل يعتبر على القول بطهارة الجلد بالدبغ طهارة ما يدبغ به؟]

- اشترط ابن الجنيد في حصول الطهارة بالدباغ ان يكون ما يدبغ به طاهرا، قال في المختصر على ما نقل عنه: و ليس يكون دباغها المحلل لها إلا بمحلل طاهر كالقرظ و الشث و الملح و التراب فإذا دبغت بشي‌ء من النجس لم تطهر كالدارش فإنها‌

520
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثاني) هل يعتبر على القول بطهارة الجلد بالدبغ طهارة ما يدبغ به؟ ؛ ج 5، ص : 520

تدبغ بخرء الكلاب و كذا اللنكا. انتهى قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه: و لا نعلم حجته على هذا الشرط و يمكن ان يكون الوجه فيه علوق بعض اجزاء النجس به لسريانه في أعماق الجلد. انتهى. أقول: بل الظاهر ان الوجه فيه انما هو عدم وقوع التطهير بالنجس حيث انه جعل الدبغ مطهرا شرعا و قد تقرر في كلامهم انه لا بد في المطهر ان يكون طاهرا ليفيد غيره طهارة كما صرحوا به و عليه دلت الاخبار ايضا. أقول: قد‌

روى الشيخان في الكافي و التهذيب عن السياري عن ابي يزيد القسمي عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «1» «انه سأله عن جلود الدارش التي يتخذ منها الخفاف فقال لا تصل فيها فإنها تدبغ بخرء الكلاب».

و النهي في الخبر عن الصلاة في الخفاف المذكورة مخصوص بعدم تطهير الجلد و غسله و إلا فلو غسل فلا بأس، صرح بذلك الفاضلان في المعتبر و المنتهى.

و المذكور في كلام جملة من الأصحاب انه لا يجوز الدباغ إلا بما كان طاهرا قاله الشيخ في المبسوط و كذا ابن إدريس و العلامة في المنتهى و ظاهره تحريمه بالنجس، و لا اعرف للتحريم وجها بعد حصول الطهارة بالغسل كما صرح به هنا، و نحوه في المنتهى قال: يجوز استعمال الطاهر في الدباغ كالشث و القرظ و العفص و قشور الرمان و غيرها، و القائلون بتوقف الطهارة على الدباغ من أصحابنا و الجمهور اتفقوا على حصول الطهارة بهذه الأشياء أما الأشياء النجسة فلا يجوز استعمالها في الدباغ، و هل يطهر أم لا؟ اما عندنا فإن الطهارة حصلت بالتذكية فكان ملاقاة النجس موجبة لتنجس الجلد و يطهر بالغسل، و اما القائلون بتوقف الطهارة على الدباغ فقد ذهب بعضهم الى عدم الطهارة ذكره ابن الجنيد و بعض الجمهور لأنها طهارة من نجاسة فلا تحصل بالنجس كالاستجمار و الغسل الى ان قال و قد روي عن الرضا (عليه السلام) ثم نقل رواية أبي يزيد القسمي المتقدمة و ردها أولا بضعف السند ثم قال و مع تسليمها تحمل على المنع من الصلاة قبل الغسل. انتهى.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 71 من النجاسات.

521
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الثالث) هل يجوز الانتفاع بجلد الميتة بعد الدبغ على القول ببقائه على النجاسة؟ ؛ ج 5، ص : 522

و قد ضبط جملة من أصحابنا لفظ «الشث» هنا بالشين المعجمة و الثاء المثلثة قال الجوهري انه نبت طيب الريح مر الطعم يدبغ به، و في الذكرى بعد ان ضبطه هكذا قال و قيل بالباء الموحدة و هو شي‌ء يشبه الزاج. و القرظ بالقاف و الراء و الظاء المعجمة قال الجوهري هو ورق السلم يدبغ به. و اما الدارش فذكر الجوهري و غيره انه جلد معروف. و اما ما ذكره ابن الجنيد من اللنكا فذكر في المعالم انه ليس بعربي إذ لم يذكره أهل اللغة.

[الموضع] (الثالث) [هل يجوز الانتفاع بجلد الميتة بعد الدبغ على القول ببقائه على النجاسة؟]

- لو قلنا ببقاء جلود الميتة بعد الدباغ على النجاسة كما هو المشهور المنصور فهل يجوز الانتفاع بها في اليابس أم لا؟ صرح جملة من الأصحاب: منهم- الفاضلان في المعتبر و المنتهى و الشهيد في الذكرى بالثاني. و علله المحقق في المعتبر بعموم النهي عن الانتفاع و نحوه العلامة في المنتهى، و زاد الشهيد في الذكرى عموم «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» «1».

و اعترضهم في المعالم بأنه ليس بجيد لأن الآية غير صالحة لأن يتناول عمومها مثله كما بيناه و الخبران العامان قد علم ضعف إسنادهما.

أقول: اما ما ذكره من منع دلالة الآية سابقا و في هذا الموضع فهو جيد لما ذكره من ان المتبادر انما هو الأكل كما في قوله سبحانه «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ. الآية» «2» فإن المتبادر انما هو النكاح خاصة. و اما الطعن في الخبرين الدالين على ذلك فهو ايضا جيد على أصله الغير الأصيل المخالف لما عليه كافة العلماء جيلا بعد جيل، لإطباقهم على العمل بهذه الاخبار و اتفاقهم على ذلك في جميع الأعصار و ان اختلفوا في الوجه في ذلك فبين من يحكم بصحتها كما عليه كافة المتقدمين و جملة من متأخري المتأخرين و بين من يجبر ضعفها باتفاق الأصحاب على العمل بها و إجماعهم عليها. و الله العالم.

[الموضع] (الرابع) [هل يشترط في الانتفاع بجلد الحيوان المذكى الدبغ؟]

- الظاهر انه لا خلاف بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) فيما‌

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 4.

(2) سورة النساء، الآية 27.

522
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الرابع) هل يشترط في الانتفاع بجلد الحيوان المذكى الدبغ؟ ؛ ج 5، ص : 522

اعلم ان ما عدا الكلب و الخنزير و الإنسان من الحيوانات الطاهرة مما لا يؤكل لحمه كالسباع و نحوها تقع عليها الذكاة و انما الخلاف في انه بعد التذكية هل يشترط في الانتفاع بجلده الدبغ أم لا؟ المشهور على ما ذكره في الذكرى الأول حيث قال: الأصح وقوع الذكاة على الطاهر في حال الحياة كالسباع لعموم «إِلّٰا مٰا ذَكَّيْتُمْ» «1»

و قول الصادق (عليه السلام) «2» «لا تصل فيما لا يؤكل لحمه ذكاه الذبح أو لم يذكه».

فيطهر بالذكاة، و المشهور تحريم استعماله حتى يدبغ و الفاضلان جعلاه مستحبا لطهارته و إلا لكان ميتة فلا يطهره الدبغ. انتهى.

و ربما أشعر صدر عبارته بالخلاف في وقوع التذكية.

أقول: لم أقف في كلام أحد من الأصحاب على نقل الخلاف في جواز الاستعمال قبل الدبغ إلا عن الشيخ و المرتضى خاصة حيث نقل عنهما التحريم كما في المعتبر و المختلف و المنتهى، و شيخنا الشهيد في الذكرى قد ذكر انه هو المشهور و ظاهر أكثر المتأخرين انما هو ما ذهب اليه الفاضلان من الجواز و ان كان على كراهة خروجا من خلاف القائل بالتحريم، نعم ظاهر كلام العلامة ان خلاف الشيخ و المرتضى انما هو في الطهارة لا في الاستعمال كما هو المفهوم من كلام غيره، قال و اما الحيوان الطاهر حال الحياة مما لا يؤكل لحمه كالسباع فإنه تقع عليه الذكاة و يطهر الجلد بها و هو قول مالك و ابي حنيفة و قال الشيخ و المرتضى لا يطهر إلا بالدباغ و به قال الشافعي و احمد في إحدى الروايتين و في الأخرى لا يجوز الانتفاع بجلود السباع قبل الدبغ و لا بعده. إلخ «3». و هو غريب و نحوه كلام المحقق الشيخ علي في شرح القواعد حيث قال بعد قول المصنف «نعم يستحب الدبغ فيما لا يؤكل لحمه»: و قيل بالوجوب و مقتضى كلام القائلين به ان‌

______________________________
(1) سورة المائدة، الآية 4.

(2) الظاهر انه مضمون ما ورد في موثق ابن بكير المروي في الوسائل في الباب 2 من لباس المصلى من فساد الصلاة في كل شي‌ء من غير المأكول ذكاه الذبح أو لم يذكه.

(3) المغني ج 1 ص 66 و 71 و بداية المجتهد ج 1 ص 72.

523
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الرابع) هل يشترط في الانتفاع بجلد الحيوان المذكى الدبغ؟ ؛ ج 5، ص : 522

الطهارة تحصل بالدبغ و هو مردود لأن الطهارة حاصلة بالتذكية إذ لولاها لكان ميتة فلا يطهر بالدبغ، قال و الأصح عدم الوجوب و ان كان العمل به أحوط. و فيه ان مجرد القول بالوجوب لا يستلزم ما ذكره إذ يجوز ان يكون وجوب الدبغ الذي ذهبوا اليه انما هو لحل الاستعمال إلا ان يدعى ان حل الاستعمال تابع للطهارة فمتى قيل بها جاز الاستعمال ثم يستثني من ذلك الصلاة اتفاقا. ثم ان ظاهر الشهيد في الذكرى و نحوه في الدروس هو التوقف في المسألة حيث اقتصر على نقل الخلاف في المقام و لم يرجح شيئا.

و بالجملة فالذي يتلخص من كلام من وقفت على كلامهم في هذا المقام هو ان محل الخلاف انما هو جواز الاستعمال قبل الدبغ و عدمه فالشيخ و المرتضى على الثاني و المتأخرون كالفاضلين و من تأخر عنهما على الأول.

و نقل عن الشيخ في الخلاف انه احتج بالإجماع على جواز الاستعمال بعد الدبغ و لا دليل قبله. و فيه منع ظاهر لتظافر الأدلة بالجواز، و منها‌

ما رواه الصدوق في الفقيه و الشيخ في التهذيب عن سماعة في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال اما لحوم السباع و السباع من الطير و الدواب فانا نكرهه و اما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

و روى المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) عن سماعة في الموثق الأوثق عن الصادق (عليه السلام) «2» قال: «سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال اما لحوم السباع من الطير و الدواب فانا نكرهه و اما الجلود فاركبوا عليها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

و روى في المحاسن عن ابن أسباط عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن ركوب جلود السباع قال لا بأس ما لم يسجد عليها».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من الأطعمة المحرمة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 5 من لباس المصلى.

(3) رواه في الوسائل في الباب 5 من لباس المصلى.

524
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الرابع) هل يشترط في الانتفاع بجلد الحيوان المذكى الدبغ؟ ؛ ج 5، ص : 522

و عن عثمان بن عيسى عن سماعة «1» قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن جلود السباع قال فقال اركبوها و لا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه».

قال شيخنا المجلسي في البحار ذيل هذين الخبرين: هذان الخبران يدلان على كون السباع قابلة للتذكية بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلودها لطهارتها كما هو المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) بل قال الشهيد انه لم يعلم القائل بعدم وقوع الذكاة عليها سوى الكلب و الخنزير. و استشكال الشهيد الثاني و بعض المتأخرين في الحكم بعد ورود النصوص المعتبرة و عمل القدماء و المتأخرين بها لا وجه له. انتهى.

أقول: و من الأخبار في ذلك ايضا ما يأتي في كتاب الصلاة ان شاء الله تعالى من جواز الصلاة في الخز اتفاقا و في جلود جملة من الحيوانات كالفنك و السنجاب و السمور و الثعالب و الأرانب و نحوها على خلاف في ذلك دون أصل اللبس فإنها ظاهرة في جوازه.

و قال في الفقه الرضوي «2» «و لا تجوز الصلاة في سنجاب أو سمور أو فنك فإذا أردت الصلاة فانزعه عنك و قد روى فيه رخصة و إياك ان تصلي في الثعالب و لا في ثوب تحته جلد ثعالب و صل في الخز إذا لم يكن مغشوشا بوبر الأرانب. و لا تصل في جلد الميتة».

انتهى.

و إطلاق هذه الأخبار شامل للمدبوغ و غيره و به يظهر قوة القول المشهور، و بالجملة فإنه متى ثبتت الطهارة بالتذكية جاز الاستعمال و مدعى الزيادة على ذلك عليه الدليل.

و بما سردناه من الأخبار يظهر ما في حكم أصحابنا (رضوان الله عليهم) بكراهة الاستعمال قبل الدبغ تفصيا من خلاف الشيخ و المرتضى فإنه لا يخفى ان الكراهة عندهم من الأحكام الشرعية المتوقف ثبوتها على الدليل فكيف يسوغ الحكم بها من غير دليل؟

و مجرد قول هذا القائل مع خلوه من الدليل ليس بدليل الكراهة، و غاية ما يمكن‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 5 من لباس المصلى.

(2) ص 16.

525
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الخامس) حكم الجلد المطروح ؛ ج 5، ص : 526

التنزل اليه بعد الإغماض عما ذكرناه في غير موضع من التحقيق هو حمل دليله لو كان ثمة دليل على الكراهة جمعا كما هي قاعدتهم لا الحكم بالكراهة لمجرد التفصي من الخلاف فإنه لا يخفى ما فيه على ذوي الإنصاف.

[الموضع] (الخامس) [حكم الجلد المطروح]

- المشهور في كلام متأخري أصحابنا نجاسة الجلد لو وجد مطروحا و ان كان في بلاد المسلمين جديدا أو عتيقا مستعملا أو غير مستعمل لأصالة عدم التذكية و نحو ذلك اللحم ايضا.

و أنت خبير بما فيه (اما أولا) فللقاعدة الكلية المتفق عليها نصا و فتوى من ان‌

«كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه» «1».

و «كل شي‌ء طاهر حتى تعلم انه قذر» «2».

و من قواعدهم المقررة ان الأصل يخرج عنه بالدليل و الدليل موجود كما ترى، فترجيحهم العمل بالأصل المذكور على هذه القاعدة المنصوصة خروج عن القواعد، و يعضد هذه القاعدة المذكورة جملة من الاخبار‌

كصحيحة سليمان بن جعفر الجعفري عن العبد الصالح موسى (عليه السلام) «3» «انه سأله عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية أ يصلي فيها؟ قال نعم ليس عليكم المسألة ان أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين أوسع من ذلك».

و بمضمونها روايات عديدة قد تقدمت، و التقريب فيها دلالتها على الحل في موضع الاشتباه حتى في الصلاة.

و (اما ثانيا)- فلما‌

رواه الشيخ عن السكوني عن الصادق (عليه السلام) «4» «ان أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يقوم ما فيها ثم يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فان جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل يا أمير المؤمنين

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 4 من ما يكتسب به.

(2) راجع ص 255.

(3) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب النجاسات.

(4) المروية في الوسائل في الباب 50 من أبواب النجاسات.

526
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

الموضع(الخامس) حكم الجلد المطروح ؛ ج 5، ص : 526

لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي؟ قال هم في سعة حتى يعلموا».

و هو صريح في المطلوب، و نقل هذه الرواية‌

في البحار «1» عن الراوندي بسنده عن موسى بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل عن أبيه موسى. الحديث إلا ان فيه «لا نعلم أ سفرة ذمي هي أم سفرة مجوسي».

و (اما ثالثا)- فان مرجع ما ذكروه من الأصل إلى استصحاب عدم الذبح نظرا الى حال الحياة. و فيه- مع الإغماض عما حققناه في مقدمات الكتاب من ان مثل هذا الاستصحاب ليس بدليل شرعي- انه صرح جملة من المحققين كما حققناه في الدرر النجفية بان من شرط العمل بالاستصحاب ان لا يعارضه استصحاب آخر يوجب نفى الحكم الأول في الثاني و استصحاب عدم التذكية هنا معارض باستصحاب طهارة الجلد حال الحياة، و توضيحه ان وجه تمسكهم بالأصل المذكور من حيث استصحاب عدم الذبح نظرا الى حال الحياة و لم يعلم زوال عدم المذبوحية لاحتمال الموت حتف انفه فيكون نجسا إذ الطهارة لا تكون إلا مع الذبح، هكذا قالوا، و نحن نقول ان طهارة الجلد في حال الحياة ثابتة و لم يعلم زوالها لتعارض احتمال الذبح و عدمه فيتساقطان و يبقى الأصل ثابتا لا رافع له.

و (اما رابعا)- فان ما اعتمدوه من الاستصحاب و ان سلمنا صحته إلا انه غير ثابت هنا و لا موجود عند التأمل بعين التحقيق، فإنه لا معنى للاستصحاب كما حقق في محله إلا ثبوت الحكم بالدليل في وقت ثم إجراؤه في وقت ثان لعدم قيام دليل على نفيه مع بقاء الموضوع في الوقتين و عدم تغيره فثبوت الحكم في الوقت الثاني متفرع على ثبوته في الوقت الأول و الا فكيف يمكن إثباته في الثاني مع عدم ثبوته أولا؟

و استصحاب عدم المذبوحية في المسألة لا يوجب الحكم بالنجاسة كما توهموه لأن النجاسة لم تكن ثابتة في الوقت الأول و هو وقت الحياة، و بيانه ان عدم المذبوحية لازم لأمرين‌

______________________________
(1) ج 14 ص 766.

527
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

خاتمة الكتاب في فصول من السنن و الآداب ؛ ج 5، ص : 528

 

أحدهما الحياة و ثانيهما الموت حتف الأنف و الموجب للنجاسة ليس هو هذا اللازم من حيث هو بل ملزومه الثاني أعني الموت حتف الأنف فعدم المذبوحية اللازم للحياة مغاير لعدم المذبوحية اللازم للموت حتف الأنف و المعلوم ثبوته في الزمن الأول هو الأول لا الثاني و ظاهر انه غير باق في الوقت الثاني. و الله العالم.

خاتمة الكتاب [في فصول من السنن و الآداب]

في الاستطابة التي صرح بها جملة من الأصحاب و هي مشتملة على فصول من السنن و الآداب:

(فصل) [الأخبار الواردة في الحمام]

-

روى الشيخ في التهذيب عن عيسى بن عبد الله الهاشمي عن جده «1» قال: «دخل علي (عليه السلام) و عمر الحمام فقال عمر بئس البيت الحمام يكثر فيه العناء و يقل فيه الحياء. و قال علي (عليه السلام) نعم البيت الحمام يذهب الأذى و يذكر بالنار».

و روى في الكافي عن محمد بن أسلم الجبلي رفعه «2» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) نعم البيت الحمام يذكر بالنار و يذهب الدرن. و قال عمر بئس البيت الحمام يبدي العورة و يهتك الستر. قال فنسب الناس قول أمير المؤمنين (عليه السلام) الى عمر و قول عمر الى أمير المؤمنين (عليه السلام)».

و قال في الفقيه «3» قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «نعم البيت الحمام تذكر فيه النار و يذهب بالدرن».

و قال (عليه السلام) «بئس البيت الحمام يهتك الستر و يذهب بالحياء».

و قال الصادق (عليه السلام) «بئس البيت الحمام يهتك الستر و يبدي العورة و نعم البيت الحمام يذكر حر النار».

و روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن رفاعة عن الصادق (عليه السلام) «4»

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 16 من آداب الحمام.

 

528
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) الأخبار الواردة في الحمام ؛ ج 5، ص : 528

قال: «مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يدخل حليلته الحمام».

و عن سماعة في الموثق عن الصادق (عليه السلام) «1» قال: «مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يرسل حليلته الى الحمام».

و روى في الفقيه مرسلا «2» قال: و قال (عليه السلام) «من أطاع امرأته أكبه الله على منخريه في النار. قيل و ما تلك الطاعة؟ قال: تدعوه الى النياحات و العرسات و الحمامات و لبس الثياب الرقاق فيجيبها».

و روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن رفاعة عن الصادق (عليه السلام) «3» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يدخل الحمام إلا بمئزر».

و عن علي بن الحكم عن رجل من بني هاشم «4» قال: «دخلت على جماعة من بني هاشم فسلمت عليهم في بيت مظلم فقال بعضهم سلم على ابي الحسن (عليه السلام) فإنه في الصدر قال فسلمت عليه و جلست بين يديه و قلت له جعلت فداك قد أحببت أن ألقاك منذ حين لا سألك عن أشياء فقال سل عما بدا لك قلت ما تقول في الحمام؟ قال لا تدخل الحمام إلا بمئزر و غض بصرك و لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فإنه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا أهل البيت (عليهم السلام) و هو شرهم».

و عن محمد بن جعفر عن بعض رجاله عن الصادق (عليه السلام) «5» قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر الى عورته.

و قال ليس للوالدين ان ينظرا إلى عورة الولد و ليس للولد ان ينظر إلى عورة الوالد.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 16 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 16 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب الحمام.

(4) فروع الكافي ج 2 ص 219 و في الوسائل بعضه في الباب 11 من الماء المضاف و 9 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 21 من آداب الحمام.

529
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) الأخبار الواردة في الحمام ؛ ج 5، ص : 528

و قال: لعن رسول الله (صلى الله عليه و آله) الناظر و المنظور إليه في الحمام بلا مئزر».

و روى الصدوق في الفقيه مرسلا «1» قال: «سئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ» «2» فقال كل ما كان في كتاب الله من ذكر حفظ الفرج فهو من الزنا إلا في هذا الموضع فإنه الحفظ من ان ينظر اليه».

قال: و روى عن الصادق (عليه السلام) «3» انه قال: «انما كره النظر إلى عورة المسلم فاما النظر إلى عورة الذمي و من ليس بمسلم فهو مثل النظر إلى عورة الحمار».

و روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير عن غير واحد عن الصادق (عليه السلام) «4» قال: «النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل نظرك إلى عورة الحمار».

و روى في الكافي و الفقيه بإسنادين صحيح و حسن عن حنان بن سدير عن أبيه «5» قال: «دخلت انا و ابي وجدي و عمى حماما بالمدينة فإذا رجل في بيت المسلخ فقال لنا ممن القوم؟ فقلنا من أهل العراق. فقال و اي العراق؟ فقلنا كوفيون. فقال مرحبا بكم يا أهل الكوفة أنتم الشعار دون الدثار ثم قال ما يمنعكم من الأزر؟ فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: عورة المؤمن على المؤمن حرام. قال فبعث أبي إلى كرباسة فشقها بأربعة ثم أخذ كل واحد منا واحدا ثم دخلنا فيها، فلما كنا في البيت الحار صمد لجدي فقال يا كهل ما يمنعك من الخضاب؟ فقال له جدي أدركت من هو خير مني و منك لا يختضب. قال فغضب لذلك حتى عرفنا غضبه في الحمام فقال و من ذلك الذي هو خير مني؟ فقال أدركت علي بن ابي طالب (عليه السلام) و هو لا يختضب. قال

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أحكام الخلوة.

(2) سورة النور، الآية 30.

(3) رواه في الوسائل في الباب 6 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 6 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 9 و 41 من آداب الحمام.

530
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فوائد ؛ ج 5، ص : 531

 

فنكس رأسه و تصاب عرقا و قال صدقت و بررت ثم قال يا كهل ان تختضب فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد خضب و هو خير من علي و ان تترك فلك بعلي أسوة. قال فلما خرجنا من الحمام سألنا عن الرجل فإذا هو علي بن الحسين و معه ابنه محمد بن علي (عليهما السلام)».

و روى الشيخ في التهذيب عن حماد بن عيسى عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «1» قال: «قيل له ان سعيد بن عبد الملك يدخل مع جواريه الحمام قال و ما بأس إذا كان عليه و عليهن الأزر لا يكونون عراة كالحمير ينظر بعضهم الى سوأة بعض».

و في الفقيه عن سعدان بن مسلم «2» قال: «كنت في الحمام الأوسط فدخل علي أبو الحسن (عليه السلام) و عليه النورة و عليه إزار فوق النورة فقال السلام عليكم فرددت عليه السلام و بادرت فدخلت الى البيت الذي فيه الحوض فاغتسلت و خرجت».

و عن عبيد الله المرافقي «3» قال: «دخلت حماما بالمدينة و إذا شيخ كبير و هو قيم الحمام فقلت يا شيخ لمن هذا الحمام؟ فقال لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام) فقلت أ كان يدخله؟ فقال نعم فقلت كيف كان يصنع؟ قال كان يدخل فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها ثم يلف إزاره على طرف إحليله و يدعوني فاطلي سائر بدنه فقلت له يوما من الأيام: الذي تكره أن أراه فقد رأيته فقال كلا ان النورة سترة».

[فوائد]

بيان: ما في هذه الأخبار الشريفة يشتمل على فوائد‌

(الأولى) [استحباب الاستحمام]

- الدلالة على استحباب الحمام لدخول الأئمة (عليهم السلام) فيه و مدحه كما ورد عن علي (عليه السلام) و اما أحاديث الذم فقد حملها الأصحاب على دخوله عاريا، قال الشهيد في الذكرى: و يستحب الاستحمام لدخول النبي (صلى الله عليه و آله) حمام الجحفة و دخول‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 12 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 14 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 18 من آداب الحمام.

 

531
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثانية) ما ورد من منع النساء من دخول الحمام ؛ ج 5، ص : 532

علي (عليه السلام) و كان الباقر (عليه السلام) يدخل حمامه،

و قال علي (عليه السلام) «1» «نعم البيت الحمام تذكر فيه النار و يذهب بالدرن».

و ما روى عنه و عن الصادق (عليهما السلام) «2» «بئس البيت الحمام يهتك الستر و يذهب الحياء و يبدي العورة».

فالمراد به مع عدم المئزر. و قال في المعالم: و حمل الشهيد في الذكرى ما ورد من الذم على حال الدخول بغير مئزر. و فيه بعد و الأقرب ترجيح المدح بما رواه في الكافي عن الصادق (عليه السلام) ثم ذكر مرفوعة محمد بن أسلم الجبلي المتقدمة. و ظاهره حمل ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) من الذم على نقل العامة عنه ذلك، و اما ما نقل عن الصادق (عليه السلام) فعلى التقية موافقة لقول امامهم. و هو جيد و ان كان الأول أيضا لا يخلو من قرب.

(الثانية) [ما ورد من منع النساء من دخول الحمام]

- ما ورد من منع النساء من دخول الحمام مشكل و لا اعلم بمضمونه قائلا بل ظاهر كلام من وقفت على كلامه خلافه من القول بالجواز و ارتكاب التأويل في هذه الأخبار، و قال في الوافي بعد نقل خبر سماعة و مرسل الفقيه المتقدمين ما صورته:

حمل على ما إذا كان هناك ريبة فإنهن ضعفاء العقول تزيغ قلوبهن بأدنى داع الى ما لا ينبغي لهن و يحتمل ان يكون ذلك لانكشاف سوءاتهن و كان ذلك مختصا بذلك الزمان أو ببعض البلدان. انتهى. و ظاهر الشهيد في الذكرى حمل الأخبار المذكورة على حال اجتماعهن و استثنى من الكراهة مع الاجتماع حال الضرورة. و استحسنه في المعالم، و ذكر في الذكرى ايضا ان الاتزار عند الاجتماع يخفف الكراهة و ان ذلك مروي عن علي (عليه السلام). و لم نقف على هذه الرواية و بذلك اعترف في المعالم أيضا إلا انه قال و لكن الاعتبار يشهد له.

(الثالثة)- يجب على الداخل للحمام ستر العورة

عن الناظر المحترم لما تقدم في باب الوضوء و عليه يحمل‌

قوله (عليه السلام) في صحيحة رفاعة المتقدمة «3»:

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من آداب الحمام.

(3) ص 529.

532
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابعة) حكم النظر إلى عورة غير المسلم ؛ ج 5، ص : 533

«مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يدخل الحمام إلا بمئزر».

و اما مع عدم الناظر المحترم فلا بأس و ان كره ذلك‌

لما رواه الحلبي في الصحيح «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يغتسل بغير إزار حيث لا يراه أحد؟ قال لا بأس».

و اما ما يدل على الكراهة‌

فرواية أبي بصير عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «2» قال: «إذا تعرى أحدكم نظر اليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا».

و اما ما ورد في جملة من الأخبار من الأمر بغض البصر عند دخول الحمام فهو مبني على ذلك الوقت من حيث عدم الاتزار و انهم عراة فأمروا بغض البصر عن النظر الى عورات الناس‌

(الرابعة) [حكم النظر إلى عورة غير المسلم]

- ما تضمنه مرسل الصدوق و مرسل ابن ابي عمير من جواز النظر إلى عورة غير المسلم خلاف ما هو المفهوم من كلام أكثر الأصحاب، قال شيخنا الشهيد في الذكرى: نعم يجب ستر الفرج و غض البصر و لو عن عورة الكافر و فيه خبر عن الصادق (عليه السلام) بالجواز. و قال المولى محمد تقي المجلسي في شرحه على الفقيه بعد نقل الرواية: يدل على جواز النظر إلى عورة الكافر و لكن ظاهر الآيات و الاخبار عموم الحرمة و الخبر ليس بصحيح يمكن تخصيصهما به، و ذهب جماعة إلى الجواز كما هو ظاهر الخبر و الأحوط عدم النظر، هذا إذا لم يكن النظر بشهوة و تلذذ و إلا فإنه حرام بلا خلاف. و ظاهر صاحب المعالم الميل الى ما دلت عليه هذه الاخبار حيث قال: و ظاهر الشهيد في الذكرى انه لا خلاف في وجوب غض البصر عن عورة الكافر حيث قال، ثم نقل العبارة المتقدمة و قال بعدها و لم يزد على هذا، و أنت خبير بأن إيراد الخبر في الفقيه يدل على ان مصنفه يعمل به كما نبهنا عليه مرارا فيكون القائل بجواز النظر إلى عورة الكافر موجودا، و رواية الكافي و ان لم تكن صحيحة السند فالأصل يعضدها و الخبر‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 9 من آداب الحمام.

533
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الخامسة) حكم دخول الرجل مع ابنه الحمام ؛ ج 5، ص : 534

الذي سبق الاحتجاج به لتحريم النظر إلى العورة في بحث الخلوة مخصوص بعورة المسلم. انتهى. و هو جيد.

(الخامسة) [حكم دخول الرجل مع ابنه الحمام]

- قال في الفقيه بعد إيراد خبر حنان بن سدير المتقدم ما لفظه:

و في هذا الخبر إطلاق للإمام (عليه السلام) ان يدخل ولده معه الحمام دون من ليس بإمام و ذلك لان الإمام معصوم في صغره و كبره لا يقع منه النظر إلى عورة في حمام و لا غيره.

و قال ايضا قبل ذلك: و من الآداب ان لا يدخل الرجل ولده معه الحمام فينظر الى عورته. و تبعه الشهيد في الذكرى في هذه المقالة فقال: و يكره دخول الولد مع أبيه الحمام و دخول الباقر مع أبيه (عليهما السلام) لعصمتهما.

أقول: لا يخفى ان ما ذكراه من عموم كراهة دخول الرجل مع ابنه الحمام غير ثابت حتى يستثني منه المعصوم، و الموجود من اخبار هذه المسألة مرسلة محمد بن جعفر المتقدمة «1»

و مرفوعة سهل بن زياد رفعه «2» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا يدخل الرجل مع ابنه الحمام فينظر الى عورته».

و ظاهرهما النهي عن دخولهما عاريين و الظاهر ان تخصيص النهي بهما مع ورود النهي عن الدخول عاريا مطلقا ان ذلك أشد كراهة بالنسبة إليهما، و اما خبر حنان بن سدير المتضمن لدخول الباقر مع أبيه (عليهما السلام) فهو انما كان بالإزار و كل منهما متزر فلا تعارض بين الاخبار حتى يحتاج الى الاستثناء كما ذكروه، و هذا بحمد الله ظاهر لا سترة عليه، و يؤيده انه لو كان مجرد دخول الولد مع أبيه مكروها لما أقر الإمام (عليه السلام) الجماعة المذكورين في الخبر على ذلك من الجد و الأب و الابن فكما أمرهم بستر العورة كان يخبرهم بكراهة دخولهم جميعا، و بالجملة فالظاهر ان ما ذكراه بعيد غاية البعد عن أخبار المسألة و لا ضرورة تلجئ الى تكلفه.

(السادسة) [الاغتسال عاريا مع وجود الناظر المحترم]

- لو ترك الستر حال غسله و اغتسل عاريا مع وجود الناظر المحترم‌

______________________________
(1) ص 529.

(2) رواه في الوسائل في الباب 21 من آداب الحمام.

534
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(السادسة) الاغتسال عاريا مع وجود الناظر المحترم ؛ ج 5، ص : 534

فقد صرح الأصحاب بصحة غسله و ان فعل محرما، قال الشهيد في الذكرى: و لو ترك الستر متعمدا قادرا فالأشبه صحة غسله للامتثال و خروج النهي عنه عن حقيقة الغسل. انتهى.

و قال بعض فضلاء متأخري المتأخرين: يمكن ان يبين بطلان الغسل بأنه حال فعل الغسل مأمور بالاستتار فلا يكون مأمورا بضده و إلا لزم تكليف ما لا يطاق و إذا لم يكن مأمورا لم يكن مجزئا فلا يتحقق به الامتثال و لا الخروج عن العهدة إذ الموجب لذلك الأمر كما تقرر في محله أقول: تقريب ما ذكره جعل هذه المسألة من قبيل فعل الصلاة في المكان المغصوب و اللباس المغصوب و ان غير العبارة في الاستدلال، و قد مضى نبذة من القول في ذلك في باب التيمم و سيجي‌ء ان شاء الله تتمة الكلام في ذلك في كتاب الصلاة.

قال في الفقيه بعد ذكر خبر سعدان بن مسلم المتقدم «1»: و في هذا الخبر إطلاق في التسليم في الحمام لمن عليه مئزر و النهي الوارد عن التسليم فيه فهو لمن لا مئزر عليه.

قال في المعالم بعد نقل ذلك عنه: و لم نقف على رواية النهي التي أشار إليها. أقول: يمكن ان يكون مراده بالخبر المذكور هو‌

ما رواه في الكافي عن محمد بن الحسين رفعه «2» قال «كان أبو عبد الله (عليه السلام) يقول ثلاثة لا يسلمون: الماشي مع الجنازة و الماشي إلى الجمعة و في بيت حمام».

أقول: و قد ورد النهي عن التسليم على أقوام منهم من في الحمام‌

رواه في الخصال «3» عن الباقر (عليه السلام) قال: «لا تسلموا على اليهود و لا على النصارى و لا على المجوس و لا على عبدة الأوثان و لا على موائد شراب الخمر و لا على صاحب الشطرنج و النرد و لا على المخنث و لا على الشاعر الذي يقذف المحصنات و لا على المصلي، و ذلك ان المصلي لا يستطيع ان يرد السلام لان التسليم من المسلم تطوع و الرد عليه فريضة و لا على آكل الربا و لا على رجل جالس على غائط و لا على الذي في الحمام و لا على

______________________________
(1) ص 531.

(2) رواه في الوسائل في الباب 42 من أحكام العشرة.

(3) ج 2 ص 82 و في الوافي في باب التسليم ورده من الفصل الخامس من الايمان و الكفر.

535
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) المستحبات و المكروهات في الحمام ؛ ج 5، ص : 536

الفاسق المعلن بفسقه».

(فصل) [المستحبات و المكروهات في الحمام]

- و مما يستحب في حال الحمام‌

ما رواه في الفقيه عن يحيى بن سعيد الأهوازي عن البزنطي عن محمد بن حمران «1» قال: قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) «إذا دخلت الحمام فقل في الوقت الذي تنزع فيه ثيابك: اللهم انزع عني ربقة النفاق و ثبتني على الايمان. و إذا دخلت البيت الأول فقل: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي و أستعيذ بك من أذاه و إذا دخلت البيت الثاني فقل: اللهم أذهب عني الرجس النجس و طهر جسدي و قلبي. و خذ من الماء الحار و ضعه على هامتك و صب منه على رجليك و ان أمكن ان تبلع منه جرعة فافعل فإنه ينقي المثانة، و البث في البيت الثاني ساعة و إذا دخلت البيت الثالث فقل: نعوذ بالله من النار و نسأله الجنة. ترددها الى وقت خروجك من البيت الحار، و إياك و شرب الماء البارد و الفقاع في الحمام فإنه يفسد المعدة، و لا تصبن عليك الماء البارد فإنه يضعف البدن و صب الماء البارد على قدميك إذا خرجت فإنه يسل الداء من جسدك، فإذا لبست ثيابك فقل: اللهم ألبسني التقوى و جنبني الردى. فإذا فعلت ذلك أمنت من كل داء».

بيان: الظاهر ان المراد من الفقاع ما هو أعم من المحال و المحرم و النهي عنه انما هو لحكمة صلاح البدن و ان حرم أو حل في حد ذاته.

و يكره التدلك فيه بالخزف‌

لما رواه في الكافي عن محمد بن علي بن جعفر عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «2» قال: «من أخذ من الحمام خزفة فحك بها جسده فاصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه، و من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومن إلا نفسه. قال محمد بن علي فقلت لأبي الحسن (عليه السلام) ان أهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين؟ فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل خلق من خلق الله تعالى ثم يكون فيه شفاء من العين انما شفاء

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من المضاف و 20 و 101 من آداب الحمام.

536
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) المستحبات و المكروهات في الحمام ؛ ج 5، ص : 536

العين قراءة الحمد و المعوذتين و آية الكرسي و البخور بالقسط و المر و اللبان».

و في الخبر زيادة على ما ذكرنا النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام و قد تقدم الكلام فيه.

و روى في الكافي مسندا مرفوعا و في الفقيه مرسلا «1» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا تتك في الحمام فإنه يذيب شحم الكليتين و لا تسرح في الحمام فإنه يرقق الشعر و لا تغسل رأسك بالطين فإنه يذهب بالغيرة و لا تدلك بالخزف فإنه يورث البرص و لا تمسح وجهك بالإزار فإنه يذهب بماء الوجه».

بيان: في الفقيه بدل قوله:

«فإنه يذهب بالغيرة» «فإنه يسمج الوجه» قال و في حديث آخر: «يذهب بالغيرة» و قال بعد تمام الحديث: و روى ان ذلك طين مصر و خزف الشام. أقول:

روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن أسباط عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «2» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا تغسلوا رؤوسكم بطين مصر فإنه يذهب بالغيرة و يورث الدياثة».

أقول: في قصة عزيز مصر حيث علم من زوجته مع يوسف على نبينا و آله و عليه السلام ما علم و غاية ما صدر عنه في المقام ان قال:

«يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هٰذٰا وَ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخٰاطِئِينَ» «3» قيل و في كثرة وقوع البرص بالشام ما ينبئ عما دل عليه الخبر من ان التدلك بالخزف المفسر هنا بخزف الشام يورث البرص.

و روى في الكافي و التهذيب عن سليمان بن جعفر الجعفري «4» قال: «مرضت حتى ذهب لحمي و دخلت على الرضا (عليه السلام) فقال أ يسرك ان يعود إليك لحمك؟ فقلت بلى.

فقال الزم الحمام غبا فإنه يعود إليك لحمك و إياك ان تدمنه فإن إدمانه يورث السل».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 13 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 13 من آداب الحمام.

(3) سورة يوسف، الآية 28.

(4) رواه في الوسائل في الباب 2 من آداب الحمام.

537
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) المستحبات و المكروهات في الحمام ؛ ج 5، ص : 536

بيان: قال في الوافي: الغب بكسر الغين المعجمة و تشديد الباء الموحدة ان يدخله يوما و يتركه يوما و منه حمى الغب، و اما تفسير بعض اللغويين الغب في «زر غبا تزدد حبا» «1» بالزيارة في كل أسبوع فإن صح فهو مخصوص بالغب في الزيارة لا غير. انتهى أقول: ما ذكره هنا مأخوذ من كلام شيخنا البهائي (قدس سره) في مشرق الشمسين، و اما كلام أهل اللغة الذي أشار إليه فهو ما ذكره الجوهري قال: و الغب في الزيارة قال الحسن في كل أسبوع يقال «زر غبا تزدد حبا». و قال في القاموس «الغب في الزيارة ان تكون في كل أسبوع» و ظاهر كلامهما انما هو تفسير الغب في الزيارة لا الغب حيثما كان.

و مما يؤيد هذا الخبر ايضا‌

ما رواه في الكافي عن الجعفري المتقدم «2» قال:

«من أراد ان يحمل لحما فليدخل الحمام يوما و يغب يوما و من أراد ان يضمر و كان كثير اللحم فليدخل الحمام كل يوم».

و ما رواه في الكافي عن الجعفري عن ابي الحسن (عليه السلام) «3»

و رواه في الفقيه عن ابي الحسن موسى (عليه السلام) قال: «الحمام يوم و يوم لا يكثر اللحم و إدمانه في كل يوم يذيب شحم الكليتين».

و روى في الكافي عن رفاعة عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» «انه كان إذا أراد دخول الحمام تناول شيئا فأكله قال قلت له ان الناس عندنا يقولون انه على الريق أجود ما يكون؟ قال لا بل يؤكل شي‌ء قبله يطفئ المرار و يسكن حرارة الجوف».

و روى في الفقيه مرسلا «5» قال: «قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) لا تدخلوا الحمام على الريق و لا تدخلوه حتى تطعموا شيئا».

______________________________
(1) أورده ابن الأثير في النهاية في مادة (غبب) و السيوطي في الجامع الصغير في حرف الزاي.

(2) رواه في الوسائل في الباب 2 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 2 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 17 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 17 من آداب الحمام.

538
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) المستحبات و المكروهات في الحمام ؛ ج 5، ص : 536

و روى في الكافي في الصحيح عن علي بن يقطين «1» قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) اقرأ القرآن في الحمام و انكح؟ قال لا بأس».

و عن محمد بن مسلم في الحسن «2» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) أ كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ينهى عن قراءة القرآن في الحمام؟ فقال لا انما نهى ان يقرأ الرجل و هو عريان فاما إذا كان عليه إزار فلا بأس».

و عن الحلبي في الحسن عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» قال: «لا بأس للرجل ان يقرأ القرآن في الحمام إذا كان يريد به وجه الله و لا يريد ينظر كيف صوته».

و روى الشيخ في التهذيب في الصحيح عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) «4» قال: «سألته عن الرجل يقرأ في الحمام و ينكح فيه؟ قال لا بأس به».

و في الصحيح عن علي بن يقطين عن ابي الحسن (عليه السلام) «5» قال: «سألته عن الرجل يقرأ في الحمام و ينكح فيه قال لا بأس به».

و عن ابي بصير «6» قال: «سألته عن القراءة في الحمام؟ قال إذا كان عليك إزار فاقرأ القرآن ان شئت كله».

و روى في الكافي عن ابن مسكان «7» قال: «كنا جماعة من أصحابنا دخلنا الحمام فلما خرجنا لقينا أبا عبد الله (عليه السلام) فقال لنا من أين أقبلتم؟ فقلنا له من الحمام فقال أنقى الله غسلكم فقلنا جعلنا الله فداك. و انا جئنا معه حتى دخل الحمام فجلسنا له حتى خرج فقلنا له أنقى الله غسلك فقال طهركم الله».

و روى في الكافي مسندا عن ابي مريم الأنصاري رفعه «8» قال: ان الحسن و في الفقيه «ان الحسن بن علي (عليه السلام) خرج من الحمام فلقيه انسان فقال له طاب استحمامك فقال يا لكع و ما تصنع بالاست ههنا؟

فقال طاب حميمك. فقال اما تعلم ان الحميم العرق؟ فقال طاب حمامك. فقال فإذا طاب حمامي فأي شي‌ء لي؟ و لكن قل طهر ما طاب منك و طاب ما طهر منك».

أقول:

الظاهر ان القائل المذكور من المخالفين.

و روى في الفقيه مرسلا «9» قال: «قال

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 15 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 15 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 15 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 15 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 15 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 15 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 24 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 24 من آداب الحمام.

(9) رواه في الوسائل في الباب 24 من آداب الحمام.

539
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب النورة ؛ ج 5، ص : 540

الصادق (عليه السلام) إذا قال لك أخوك و قد خرجت من الحمام: طاب حمامك فقل أنعم الله بالك».

(فصل) في استحباب النورة

روى في الكافي في الصحيح «1» أو الحسن عن سليم الفراء قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) و في الفقيه مرسلا قال: «قال أمير المؤمنين:

النورة طهور».

و روى في الكافي عن عبد الرحمن بن ابي عبد الله «2» قال: «دخلت مع ابي عبد الله (عليه السلام) الحمام فقال يا عبد الرحمن اطل فقلت انما اطليت منذ أيام فقال اطل فإنها طهور».

و روى في الكافي عن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين «3» قال:

«دخل أبو عبد الله (عليه السلام) الحمام و انا أريد ان اخرج منه فقال يا محمد إلا تطلي؟ فقلت عهدي به منذ أيام فقال اما علمت انها طهور؟».

و عن خلف بن حماد عن من رواه «4» قال:

«بعث أبو عبد الله (عليه السلام) ابن أخيه في حاجة فجاء و أبو عبد الله قد اطلى بالنورة فقال له أبو عبد الله اطل فقال إنما عهدي بالنورة منذ ثلاث فقال أبو عبد الله (عليه السلام) ان النورة طهور».

و عن هارون بن حكيم الأرقط خال ابي عبد الله (عليه السلام) «5» قال: «أتيته في حاجة فأصبته في الحمام يطلي فذكرت له حاجتي فقال ألا تطلي؟ فقلت له انما عهدي به أول من أمس فقال اطل فإن النورة طهور».

و نحوه‌

في حديث ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) «6» حيث «دخل عليه و هو يتنور فقال له يا أبا بصير تنور قال انما تنورت أول من أمس و اليوم الثالث فقال اما علمت انها طهور فتنور».

و روى في الكافي و الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «7» قال:

«أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما».

و روى فيهما عن ابي عبد الله (عليه السلام) «8» قال: «السنة في النورة في كل خمسة عشر يوما فإن أتت عليك عشرون

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 28 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 32 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 32 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 32 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 32 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 32 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 33 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 33 من آداب الحمام.

540
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب النورة ؛ ج 5، ص : 540

يوما و ليس عندك شي‌ء فاستقرض على الله».

و روى فيهما عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) مَنْ كٰانَ يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يترك عانته فوق أربعين يوما و لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر ان تدع ذلك منها فوق عشرين يوما».

و روى في الكافي عن علي بن الحكم عن علي بن أبي حمزة «2» قال: «دخلت مع ابي بصير الحمام فنظرت الى ابي عبد الله (عليه السلام) قد اطلى إبطيه بالنورة قال فخبرت أبا بصير فقال أرشدني إليه لأسأله عنه فقلت قد رأيته أنا فقال أنت رأيته و انا لم أره أرشدني إليه قال فأرشدته إليه فقال له جعلت فداك أخبرني قائدي أنك اطليت و طليت إبطيك بالنورة فقال نعم يا أبا محمد ان نتف الإبطين يضعف البصر اطل يا أبا محمد فإنه طهور فقال اطليت منذ أيام فقال اطل فإنه طهور».

و روى في الكافي عن ابن ابي يعفور «3» قال: «كنا بالمدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط و حلقه فقلت حلقه أفضل و قال زرارة نتفه أفضل فاستأذنا على ابي عبد الله (عليه السلام) في الحمام فاذن لنا و هو في الحمام يطلي و قد اطلى إبطيه فقلت لزرارة يكفيك فقال لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي ان أفعله فقال فيما أنتما؟ فقلت ان زرارة لاحاني في نتف الإبط و حلقه فقلت حلقه أفضل و قال زرارة نتفه أفضل فقال أصبت السنة و أخطأها زرارة ان حلقه أفضل من نتفه و طليه أفضل من حلقه. ثم قال لنا اطليا فقلنا فعلنا منذ ثلاث فقال (عليه السلام) أعيدا فإن الإطلاء طهور».

بيان: المفهوم من هذه الاخبار استحباب النورة و انه لا حد لها في جانب القلة من الأيام لما علل به في هذه الاخبار من انها طهور و اما في جانب الكثرة فخمسه عشر يوما فإنها غاية الترك لها‌

و قوله (عليه السلام) فيما تقدم «السنة في النورة في كل خمسة عشر يوما»

يعني نهايتها هذه المدة لا انها ليست بسنة قبلها و كذا‌

قوله (عليه السلام) «أحب للمؤمن أن يطلي في كل خمسة عشر يوما»

اي لا يترك زيادة على ذلك، و لهذا‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 86 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 85 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 85 من آداب الحمام.

541
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب النورة ؛ ج 5، ص : 540

امره بالاستقراض على الله سبحانه لو أتت عليه عشرون يوما و ليس عنده شي‌ء، و بالغ في الإنكار على الرجل إذا اتى عليه أربعون يوما و المرأة إذا أتت عليها عشرون يوما، و بذلك يظهر ما في كلام بعضهم من توظيف الاستحباب بالخمسة عشر يوما بمعنى انها لا تكون مستحبة قبل ذلك كما يعطيه ظاهر كلامه فإنه غفلة ظاهرة عن ملاحظة هذه الاخبار‌

و روى في الكافي و الفقيه عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «لا يطولن أحدكم شعر إبطيه فإن الشيطان يتخذه مخبأ يستتر به».

و روى في الكافي عن حذيفة بن منصور «2» قال «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يطلي العانة و ما تحت الأليين في كل جمعة».

أقول: يحتمل ان يراد بالجمعة اليوم المخصوص و ان يراد به الأسبوع فإنه يطلق عليه في الاخبار ايضا.

و روى في الكافي عن السياري رفعه «3» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) من أراد الإطلاء بالنورة فأخذ من النورة بإصبعه فشمه و جعل على طرف انفه و قال صلى الله على سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة لم تحرقه النورة».

و روى في الفقيه مرسلا «4» قال: «قال الصادق (عليه السلام) من أراد ان يتنور فليأخذ من النورة و يجعله على طرف انفه و يقول اللهم ارحم سليمان بن داود كما أمرنا بالنورة فإنه لا تحرقه النورة ان شاء الله تعالى».

و عن سدير «5» «انه سمع علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول من قال إذا اطلى بالنورة اللهم طيب ما طهر مني و طهر ما طاب مني و أبدلني شعرا طاهرا لا يعصيك

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 84 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من صلاة الجمعة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 29 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 29 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 30 من آداب الحمام.

542
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب النورة ؛ ج 5، ص : 540

اللهم اني تطهرت ابتغاء سنة المرسلين و ابتغاء رضوانك و مغفرتك فحرم شعري و بشري على النار و طهر خلقي و طيب خلقي و زك عملي و اجعلني ممن يلقاك على الحنيفية السمحة ملة إبراهيم خليلك و دين محمد (صلى الله عليه و آله) حبيبك و رسولك عاملا بشرائعك تابعا لسنة نبيك آخذا به متأدبا بحسن تأديبك و تأديب رسولك (صلى الله عليه و آله) و تأديب أوليائك الذين غذوتهم بأدبك و وزعت الحكمة في صدورهم و جعلتهم معادن لعلمك صلواتك عليهم من قال ذلك طهره الله عز و جل من الأدناس في الدنيا و من الذنوب و أبدله شعرا لا يعصى و خلق الله بكل شعرة من جسده ملكا يسبح له الى ان تقوم الساعة، و ان تسبيحة من تسبيحهم تعدل ألف تسبيحة من تسبيح أهل الأرض».

و روى في الكافي عن البرقي رفعه الى ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال:

«قيل له يزعم الناس ان النورة يوم الجمعة مكروهة؟ فقال ليس حيث ذهبت اي طهور اطهر من النورة يوم الجمعة».

و روى في الفقيه مرسلا «2» قال: «قال الصادق (عليه السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) ينبغي للرجل ان يتوقى النورة يوم الأربعاء فإنه يوم نحس مستمر و يجوز النورة في سائر الأيام».

بيان: يفهم من هذا الخبر ان يوم الأربعاء حيث كان من الشهر نحس لا خصوصية له بالأخير من الشهر أو الأول منه كما هو المشهور،

و قال في الفقيه: و روى انها في يوم الجمعة تورث البرص.

و روى فيه عن الريان بن الصلت عن من أخبره عن ابي الحسن (عليه السلام) «3» قال: «من تنور يوم الجمعة فأصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه».

بيان: قال في الوافي بعد ذكر مرفوعة البرقي أولا ثم الروايتين الأخيرتين ثانيا:

يمكن الجمع بين الخبرين بان يحمل هذا الخبر على انه من تنور يوم الجمعة معتقدا انه يورث البرص كما يزعمه الناس بزعمهم الفاسد فاصابه البرص فلا يلومن إلا نفسه و ذلك لان التطير مؤثر في نفس المتطير. أقول: بل الظاهر حمل هذا الخبر على التقية لموافقته لما‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من صلاة الجمعة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من صلاة الجمعة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 38 من صلاة الجمعة.

543
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب غسل الرأس بالخطمي و السدر ؛ ج 5، ص : 544

نقله في الخبر الأول عن الناس الذين هم العامة كما لا يخفى.

(فصل) [استحباب غسل الرأس بالخطمي و السدر]

-

روى المشايخ الثلاثة (عطر الله مراقدهم) بأسانيدهم عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «غسل الرأس بالخطمي في كل جمعة أمان من البرص و الجنون».

و روى الشيخان في الكافي و الفقيه بسنديهما عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «2» قال: «غسل الرأس بالخطمي يذهب الدرن و ينفي الأقذار».

أقول: و في بعض النسخ «ينقى» بالقاف و في الفقيه «الأقذاء» بالهمزة في آخره جمع قذى مقصورا و هو يقال لما يقع في العين و ان أطلق على غيره مجازا.

و روى في الكافي و التهذيب عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» قال: «من أخذ من شاربه و قلم أظفاره و غسل رأسه بالخطمي في يوم الجمعة كان كمن أعتق نسمة».

و عن سفيان بن السمط عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «تقليم الأظفار و الأخذ من الشارب و غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر و يزيد في الرزق».

و قال في الفقيه «5» قال الصادق (عليه السلام) «غسل الرأس بالخطمي ينفي الفقر و يزيد في الرزق».

و روى في الكافي عن منصور بزرج «6» قال: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول غسل الرأس بالسدر يجلب الرزق جلبا».

و رواه في الفقيه مرسلا «7»

و روى في الكافي عن محمد بن الحسين العلوي عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) «8» قال: «لما أمر الله عز و جل رسوله (صلى الله عليه و آله) بإظهار الإسلام و ظهر الوحي رأى قلة من المسلمين و كثرة من المشركين فاهتم رسول الله (صلى الله عليه و آله) هما شديدا فبعث الله إليه جبرئيل بسدر من سدرة المنتهى فغسل

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 32 من صلاة الجمعة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 25 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 32 من صلاة الجمعة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 25 من آداب الحمام.

(5) ج 1 ص 71 و في الوسائل في الباب 25 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 26 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 26 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 26 من آداب الحمام.

544
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) التدلك بالدقيق و الخضاب بالحناء بعد النورة ؛ ج 5، ص : 545

به رأسه فجلا به همه».

و نحوه روى في الفقيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مرسلا «1»

و روى في الفقيه مرسلا «2» قال: «قال الصادق (عليه السلام) اغسلوا رؤوسكم بورق السدر فإنه قدسه كل ملك مقرب و كل نبي مرسل، و من غسل رأسه بورق السدر صرف الله عنه و سوسة الشيطان سبعين يوما و من صرف الله عنه و سوسة الشيطان سبعين يوما لم يعص الله و من لم يعص الله دخل الجنة».

(فصل) [التدلك بالدقيق و الخضاب بالحناء بعد النورة]

روى ثقة الإسلام في الكافي عن إسحاق بن عبد العزيز «3» قال:

«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن التدلك بالدقيق بعد النورة؟ فقال لا بأس قلت يزعمون أنه إسراف؟ فقال ليس فيما أصلح البدن إسراف و اني ربما أمرت بالنقي فيلت بالزيت فأتدلك به انما الإسراف فيما أتلف المال و أضر بالبدن».

بيان: قال في الوافي النقي بالكسر المخ من العظام في غير الرأس و يقال قرصة النقي للخبز الأبيض الذي نخل حنطته مرة بعد اخرى و لعل المراد به هنا الحنطة المنخولة ناعما، و كانوا يتدلكون بالنخالة بعد النورة ليقطع ريحها.

و روى في التهذيب عن إسحاق بن عبد العزيز عن رجل ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «قلت له انا نكون في طريق مكة نريد الإحرام و لا يكون معنا نخالة نتدلك بها من النورة فنتدلك بالدقيق فيدخلني من ذلك ما الله به عليهم؟ قال مخافة الإسراف؟ فقلت نعم. فقال ليس فيما يصلح البدن إسراف. الحديث».

و روى في الكافي عن هشام بن الحكم عن ابي الحسن (عليه السلام) «5» «في الرجل يطلي و يتدلك بالزيت و الدقيق؟ قال لا بأس به».

______________________________
(1) الفقيه ج 1 ص 70 و 72 و كذا في الوافي ج 4 ص 95 و في الوسائل في الباب 26 من آداب الحمام لم يسنده الى أمير المؤمنين (ع).

(2) رواه في الوسائل في الباب 26 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 38 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 38 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 38 من آداب الحمام.

545
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) التدلك بالدقيق و الخضاب بالحناء بعد النورة ؛ ج 5، ص : 545

و عن ابان بن تغلب «1» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) انا لنسافر و لا يكون معنا نخالة فنتدلك بالدقيق؟ فقال لا بأس إنما الفساد فيما أضر بالبدن و أتلف المال فاما ما أصلح البدن فإنه ليس بفساد اني ربما أمرت غلامي فلت لي النقي بالزيت ثم أتدلك به».

و عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يطلي بالنورة فيجعل الدقيق بالزيت يلته به يتمسح به بعد النورة ليقطع ريحها؟ قال لا بأس».

قال في الكافي «3» و في حديث آخر لعبد الرحمن قال:

«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) و قد تدلك بدقيق ملتوت بالزيت فقلت له ان الناس يكرهون ذلك؟ قال لا بأس به».

و روى في التهذيب عن عبيد بن زرارة في الموثق «4» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الدقيق يتوضأ به؟ قال لا بأس بأن يتوضأ به و ينتفع به».

يعني ينظف به البدن من التوضؤ بمعنى التنظيف و التحسين.

و روى في الكافي عن الحسين بن موسى «5» قال: «كان ابي موسى بن جعفر (عليه السلام) إذا أراد الدخول الى الحمام أمران يوقد له عليه ثلاثا و كان لا يمكنه دخوله حتى يدخله السودان فيلقون له اللبود فإذا دخل فمرة قاعد و مرة قائم فخرج يوما من الحمام فاستقبله رجل من آل الزبير يقال له لبيد و بيده اثر حناء فقال له ما هذا الأثر بيدك؟ فقال اثر حناء. فقال ويلك يا لبيد حدثني ابي و كان أعلم أهل زمانه عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) من دخل الحمام فاطلى ثم اتبعه بالحناء من قرنه الى قدمه كان أمانا له من الجنون و الجذام و البرص و الأكلة إلى مثله من النورة».

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 38 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 38 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 38 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب التيمم.

(5) رواه في الوسائل في الباب 27 و 26 من آداب الحمام.

546
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) التدلك بالدقيق و الخضاب بالحناء بعد النورة ؛ ج 5، ص : 545

و روى في الفقيه مرسلا «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) من اطلى و اختضب بالحناء آمنه الله عز و جل من ثلاث خصال: الجذام و البرص و الأكلة إلى طلية مثلها».

و روى في الكافي عن الحسين بن موسى (عليه السلام) «2» قال: «كان أبو الحسن (عليه السلام) مع رجل عند قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فنظر اليه و قد أخذ الحناء من يديه فقال بعض أهل المدينة إلا ترون الى هذا كيف قد أخذ الحناء من يديه فالتفت اليه فقال فيه ما تخبره و ما لا تخبره ثم التفت الي فقال انه من أخذ الحناء بعد فراغه من النورة من قرنه الى قدمه أمن من الأدواء الثلاثة الجنون و الجذام و البرص».

و عن الحكم بن عيينة «3» قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) و قد أخذ الحناء و جعله على أظافيره فقال يا حكم ما تقول في هذا؟ فقلت ما عسيت أن أقول فيه و أنت تفعله و ان عندنا يفعله الشبان فقال يا حكم ان الأظافير إذا أصابتها النورة غيرتها حتى تشبه أظافير الموتى فغيرها بالحناء».

و عن عبدوس بن إبراهيم «4» قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) و قد خرج من الحمام و هو من قرنه الى قدمه مثل الوردة من اثر الحناء».

بيان: المراد بابي جعفر هنا هو الجواد (عليه السلام).

و روى في التهذيب عن عبدوس بن إبراهيم عن ابي عبد الله (عليه السلام) «5» قال: «الحناء يذهب بالسهك و يزيد في ماء الوجه و يطيب النكهة و يحسن الولد، و قال من اطلى في الحمام فتدلك بالحناء من قرنه الى قدمه نفى عنه الفقر، و قال رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) قد خرج من الحمام و هو من قرنه الى قدمه مثل الورد من اثر الحناء».

بيان: قيل السهك الرائحة الشديدة الكريهة ممن عرق.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 35 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 36 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 36 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 35 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 35 من آداب الحمام.

547
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) التدلك بالدقيق و الخضاب بالحناء بعد النورة ؛ ج 5، ص : 545

أقول: و ربما سبق الى الوهم من هذه الاخبار اختصاص استحباب الحناء أو جوازه بكونه بعد النورة خاصة و لذلك أنكر بعض المتعسفين استحبابه أو جوازه في غير ذلك، و ربما استندوا في ذلك الى‌

ما رواه الصدوق في كتاب معاني الاخبار عن أبيه عن سعد عن احمد بن ابي عبد الله عن أبيه رفعه «1» قال: «نظر أبو عبد الله (عليه السلام) الى رجل و قد خرج من الحمام مخضوب اليدين فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) أ يسرك ان يكون الله خلق يديك هكذا؟ قال لا و الله و انما فعلت ذلك لأنه بلغني عنكم انه من دخل الحمام فلير عليه أثره يعني الحناء. فقال ليس ذلك حيث ذهبت انما معنى ذلك إذا خرج أحدكم من الحمام و قد سلم فليصل ركعتين شكرا».

و الظاهر كما هو المفهوم من كلام جملة من الأصحاب انه لا اختصاص له بالنورة و من أظهر الأدلة على ذلك‌

ما رواه الصدوق (قدس سره) في كتاب الخصال «2» بسنده فيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) اربع من سنن المرسلين: العطر و النساء و السواك و الحناء».

فإنه دال بإطلاقه على انه في حد ذاته من السنن لا بخصوص موضع كالإفراد المعدودة معه، و يظهر ذلك ايضا من بعض الأحاديث الآتية في فضل الخضاب و استحبابه كما سنشير اليه ان شاء الله، و يؤيد ما ذكرناه ما صرح به المحدث الكاشاني في الوافي في باب الخضاب بعد نقل اخبار تغير الأظافير بالنورة و مسحها بالحناء و خبر إنكار المدني على الامام (عليه السلام) الحناء في يديه كما تقدم حيث قال: و في هذه الاخبار دالة على جواز ما هو المتعارف بين أصحابنا اليوم من خضاب اليدين و الرجلين بلا كراهة على انه لو لم تكن هذه الأخبار لكفى في ذلك‌

«كل شي‌ء مطلق حتى يرد فيه نهي» «3».

إذ لم يرد في هذا‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 36 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب السواك.

(3) الفقيه ج 1 ص 208 و في الوسائل في الباب 19 من أبواب القنوت.

548
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) التدلك بالدقيق و الخضاب بالحناء بعد النورة ؛ ج 5، ص : 545

نهى، و يمكن ان يستفاد ذلك من عموم اخبار هذا الباب و إطلاقها و ان كانت ظاهرة في اللحية و الرأس بل لو استفيد ذلك من‌

قوله (عليه السلام) «1» «لا بأس بالخضاب كله».

و جعل أحد معانيه لم يكن بذلك البعيد. انتهى.

أقول: و من أظهر الأدلة على جواز ذلك من غير كراهية و لا ذم انه لا شك ان ذلك من الزينة و قد قال سبحانه: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبٰادِهِ وَ الطَّيِّبٰاتِ مِنَ الرِّزْقِ» «2» و سياق الآية و ان كان انما هو الإنكار على من حرم ذلك إلا ان سياقها أظهر ظاهر في ان الله قد حلل لعباده الزينة و الطيبات من الرزق تفضلا و كرما فالمانع منها تحريما أو كراهة راد عليه سبحانه فيما تفضل به.

و اما الخبر الذي نقلناه من معاني الأخبار فالأقرب عندي انه انما خرج مخرج التقية لما عرفت من سياق جملة من الاخبار المتقدمة من إنكار الناس ذلك و ان المعروف بين المخالفين بل عامة الناس لشهرة الأمر بين المخالفين إنكار ذلك، كما تضمنه حديث الحسين بن موسى المتضمن لإنكار ذلك الرجل الذي هو من أهل المدينة على الامام (عليه السلام) أخذ الحناء من يديه و كما تضمنه حديث الحسين بن موسى و إنكار الزبيري على الكاظم (عليه السلام) الحناء في يده، و ما تضمنه‌

حديث الحكم بن عيينة لما رأى الحناء على أظافير أبي جعفر (عليه السلام) و قوله «ان عندنا انما يفعله الشبان».

فان الجميع ظاهر في كون هذه السنة كانت متروكة عند العامة، و قال صاحب الوسائل بعد إيراد هذا الخبر. أقول: هذا غير صريح في الإنكار و لعله استفهام منه ليظهر غلط الراوي في فهم الحديث، و كون معناه ما ذكر لا ينافي الاستحباب، و الإنكار السابق انما هو من العامة مثل الحكم و أهل المدينة، ثم ان الأخير يحتمل التقية و يمكن حمله على الإفراط و المداومة للرجل بل ظاهره ذلك بقرينة قوله «خلق يديك» إذ لو كان اللون خلقيا لدام. و الله العالم. و ربما احتمل بعض ايضا كون المتحنى فعل‌

______________________________
(1) الفقيه ج 1 ص 69.

(2) سورة الأعراف، الآية 30.

549
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب الخضاب ؛ ج 5، ص : 550

بالحناء ما يشبه النساء من التخطيط و النقش بالحناء، قال و قد ورد النهي عن التشبه بالنساء و ذمه فلعل الإنكار كان لذلك. أقول: و الكل عندي بمحل من التكلف الذي لا ضرورة إليه بعد ما ذكرناه و انطباق سياق الخبر على هذه الاحتمالات على غاية من البعد. و الله العالم.

(فصل) [استحباب الخضاب]

روى في الكافي و الفقيه عن الحسن بن الجهم «1» قال: «دخلت على ابي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) و قد اختضب بالسواد فقلت أراك اختضبت بالسواد؟ فقال ان في الخضاب اجرا و الخضاب و التهيئة مما يزيد الله به في عفة النساء و لقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة. قال قلت له بلغنا ان الحناء يزيد في الشيب؟

فقال اي شي‌ء يزيد في الشيب الشيب يزيد في كل يوم».

و عن مسكين ابي الحكم عن رجل عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال:

«جاء رجل الى النبي (صلى الله عليه و آله) فنظر الى الشيب في لحيته فقال النبي نور ثم قال من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فلما رأى الخضاب قال نور و إسلام.

فخضب الرجل بالسواد فقال النبي (صلى الله عليه و آله) نور و إسلام و ايمان و رغبة إلى نسائكم و رهبة في قلوب عدوكم».

و عن العباس بن موسى الوراق عن ابي الحسن (عليه السلام) «3» قال: «دخل قوم على ابي جعفر (عليه السلام) فرأوه مختضبا بالسواد فسألوه فقال اني رجل أحب النساء و انا أ تصنع لهن».

و عن ابي خالد الزيدي عن ابي جعفر (عليه السلام) «4» قال: «دخل قوم

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 46 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 44 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 41 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 46 من آداب الحمام.

550
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب الخضاب ؛ ج 5، ص : 550

على الحسين بن علي (عليه السلام) فرأوه مختضبا بالسواد فسألوه عن ذلك فمد يده الى لحيته ثم قال أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) في غزاة غزاها ان يختضبوا بالسواد ليقووا به على المشركين».

و عن إبراهيم بن عبد الحميد في الصحيح أو الحسن عن ابي الحسن (عليه السلام) «1» قال: «في الخضاب ثلاث خصال: مهيبة في الحرب و محبة الى النساء و يزيد في الباه».

و عن محمد بن عبد الله بن مهران عن أبيه رفعه «2» قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله) نفقة درهم في الخضاب أفضل من نفقة مائة درهم في سبيل الله ان فيه أربع عشرة خصلة:

يطرد الريح من الأذنين و يجلو الغشاء من البصر و يلين الخياشيم و يطيب النكهة و يشد اللثة و يذهب بالغشيان و يقل و سوسة الشيطان و تفرح به الملائكة و يستبشر به المؤمن و يغيظ به الكافر و هو زينة و طيب و براءة في قبره و يستحيى منه منكر و نكير».

و روى في الفقيه مرسلا «3» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) يا علي درهم في الخضاب أفضل من الف درهم في غيره في سبيل الله و فيه أربع عشرة خصلة. الحديث».

و قال بدل «الغشيان» «الضنى» و في بعض النسخ «الصفار» بيان: و الغشيان خبث النفس و ان لا تطيب و الضنى الهزال و الصفار كغراب الماء الأصفر يجتمع في البطن.

و روى في الكافي عن الحلبي في الصحيح «4» قال: « «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن خضاب الشعر؟ فقال قد خضب النبي (صلى الله عليه و آله) و الحسين بن علي و أبو جعفر (عليه السلام) بالكتم».

قبل الكتم محركة نبت يخلط بالوسمة يختضب به‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 41 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 42 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 42 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 48 من آداب الحمام.

551
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب الخضاب ؛ ج 5، ص : 550

و عن معاوية بن عمار في الصحيح أو الحسن «1» قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) مخضوبا بالحناء».

بيان: ظاهر هذا الخبر مطلق في خضاب لحيته أو يديه و رجليه كما تقدمت الإشارة اليه.

و عن معاوية بن عمار في الصحيح «2» قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يختضب بالحناء خضابا قانيا».

أقول: و هكذا كذلك.

و عن حفص الأعور «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن خضاب اللحية و الرأس أ من السنة؟ فقال نعم. قلت ان أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يختضب فقال انما منعه قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان هذه ستخضب من هذه».

و عن عبد الله بن سنان في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «خضب النبي (صلى الله عليه و آله) و لم يمنع عليا (عليه السلام) إلا قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) تخضب هذه من هذه و قد خضب الحسين و أبو جعفر (عليهما السلام)».

بيان: الظاهر ان المراد من هذين الخبرين المذكورين انه لما أخبره رسول الله (صلى الله عليه و آله) بان لحيته ستخضب من دم رأسه و خضابها بذلك حقيقة لا يكون إلا مع بياضها ثم احمرارها بالدم و إلا فلو كانت سوداء ثم جرى عليها الدم لم يصدق الخضاب إلا بنوع من التجوز ترك (عليه السلام) الخضاب و جعلها بيضاء انتظارا لما وعده به ليقع كلامه (صلى الله عليه و آله) على وجه الحقيقة لا المجاز، لعن الله الفاعل لذلك و الراضي به لعنا يستعيذ منه أهل النار في النار.

و يعضد ما ذكرناه‌

ما رواه في كتاب العلل بسنده فيه عن الأصبغ بن نباتة «5» قال: «قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما يمنعك من الخضاب و قد اختضب

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 50 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 50 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 45 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 41 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 41 من آداب الحمام.

552
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب جز الشعر و استئصاله ؛ ج 5، ص : 553

رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ قال انتظر أشقاها أن يخضب لحيتي من دم رأسي بعهد معهود أخبرني به حبيبي رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

و الاخبار في هذا الباب كثيرة يقف عليها من يرجع إليها.

و روى في من لا يحضره الفقيه مرسلا عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «1» انه قال: «الشيب نور فلا تنتفوه».

قال الصدوق (قدس سره) «2»: النهي عن نتف الشيب نهي كراهة لا نهي تحريم‌

لان الصادق (عليه السلام) يقول: «لا بأس بجز الشمط و نتفه و جزه أحب الي من نتفه».

و اخبارهم (عليهم السلام) لا تختلف في حالة واحدة لأن مخرجها من عند الله تعالى ذكره و انما تختلف بحسب اختلاف الأحوال انتهى أقول: ما ذكره (قدس سره) من ان أخبارهم لا تختلف في حالة واحدة على إطلاقه ممنوع نعم هو مسلم فيما عدا موضع التقية.

و روى عن الصادق (عليه السلام) مرسلا «3» انه قال: «أول من شاب إبراهيم الخليل (عليه السلام) و انه ثنى لحيته فرأى طاقة بيضاء فقال يا جبرئيل ما هذا؟ فقال هذا وقار فقال إبراهيم اللهم زدني وقارا».

أقول:

و قد روى الكليني حديث نتف الشيب بإسناد حسن عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «لا بأس بجز الشمط و نتفه و جزه أحب الي من نتفه».

أقول:

الشمط بياض شعر الرأس يخالطه سواده و المراد هنا الشيب.

(فصل) [استحباب جز الشعر و استئصاله]

-

روى ثقة الإسلام في الصحيح عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) «5» قال: «قال لي استأصل شعرك يقل درنه و دوابه و وسخه و تغلظ رقبتك و يجلو بصرك» قال: و في رواية أخرى «و يستريح بدنك».

و عن معمر بن خلاد عن ابي الحسن (عليه السلام) «6» قال: «ثلاث من عرفهن لهم يدعهن: جز الشعر

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 79 من آداب الحمام.

(2) الفقيه ج 1 ص 77.

(3) الفقيه ج 1 ص 76.

(4) رواه في الوسائل في الباب 79 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 59 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 59 من آداب الحمام.

553
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب جز الشعر و استئصاله ؛ ج 5، ص : 553

و تشمير الثياب و نكاح الإماء».

و عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «اني لأحلق كل جمعة فيما بين الطلية إلى الطلية».

بيان: قال في الوافي أظهر معنيي الحلق هنا حلق العانة كما يشعر به تمام الكلام و يحتمل حلق الرأس أيضا لانصراف الإطلاق اليه، و أظهر معنيي الجمعة اليوم المعهود و يحتمل الأسبوع و على الأول فيه دلالة على عدم البأس بالنورة يوم الجمعة كما مر. انتهى. أقول: و الأظهر عندي هو حمل الحلق على حلق الرأس (اما أولا) فلانصراف الإطلاق إليه كما اعترف به. و (اما ثانيا) فلما علم من الاخبار من انهم كانوا يطلون العانة و لم يرد ما يدل على حلقهم لها. و (اما ثالثا) فلقوله:

«فيما بين الطلية إلى الطلية» فإنه مع طلي البدن يطلى معه العانة البتة. و بالجملة فحاصل الخبر انه (عليه السلام) يحلق رأسه في كل جمعة يعني يوم الجمعة و ان ذلك بين الطليتين فلعله كان (عليه السلام) يطلي في الأسبوع مرتين.

و عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «قلت جعلت فداك ربما كثر الشعر في قفاي فغمني غما شديدا؟ قال فقال يا إسحاق أما علمت ان حلق القفا يذهب بالغم؟».

و عن علي بن محمد رفعه «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان الناس يقولون حلق الرأس مثلة؟ فقال عمرة لنا و مثلة لأعدائنا».

و روى في التهذيب عن حفص عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «حلق الرأس في غير حج و لا عمرة مثلة».

و روى في الفقيه مرسلا «5» قال: «قال الصادق (عليه السلام) حلق الرأس في غير حج و لا عمرة مثلة لأعدائكم و جمال لكم».

و روى فيه مرسلا قال «6»: «و قال رسول الله (صلى الله عليه

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 60 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 61 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 60 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 12 من أبواب الحلق و التقصير.

(5) رواه في الوسائل في الباب 60 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 60 من آداب الحمام.

554
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب جز الشعر و استئصاله ؛ ج 5، ص : 553

و آله) لرجل احلق فإنه يزيد في جمالك».

و روى في الكافي و الفقيه عن البزنطي «1» قال: «قلت لأبي الحسن (عليه السلام) ان أصحابنا يروون ان حلق الرأس في غير حج و لا عمرة مثلة؟ فقال كان أبو الحسن (عليه السلام) إذا قضى مناسكه عدل إلى قرية يقال لها ساية فحلق».

قيل لعل عدوله إلى ساية لأجل الحلق للتقية، و في الفقيه «سائق» و كأنه معرب.

و روى في الكافي عن عبد الرحمن بن عمر بن أسلم «2» قال «حجمني الحجام فحلق من موضع النقرة فرآني أبو الحسن (عليه السلام) فقال اي شي‌ء هذا اذهب فاحلق رأسك. قال فذهبت فحلقت رأسي».

و عن عبد الله بن سنان «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ما تقول في إطالة الشعر؟ فقال كان أصحاب محمد (صلى الله عليه و آله) مشعرين يعني الطم».

بيان: قال في الوافي مشعرين من أشعر أو شعر بمعنى نبت عليه الشعر يعني كانوا تاركين له، و في النهاية الأشعر الذي لم يحلق رأسه و لم يرجله و رجل أشعر اي كثير الشعر و قيل طويله و طم الشعر جزه و أطم شعره حان له ان يجز و كأن المراد انهم كانوا يطيلون و كان دأبهم الجز دون الحلق.

و روى في الكافي عن السكوني عن ابى عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه».

و رواه في الفقيه عنه (صلى الله عليه و آله) مرسلا «5»

و روى فيه «6» قال: «قال (صلى الله عليه و آله) الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه».

و روى فيه مرسلا «7» قال: «قال الصادق (عليه السلام) من اتخذ شعرا فلم يفرقه فرقه الله

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 60 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 61 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 60 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 78 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 78 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 78 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 62 من آداب الحمام.

555
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب جز الشعر و استئصاله ؛ ج 5، ص : 553

بمنشار من نار يوم القيامة، قال و كان شعر رسول الله (صلى الله عليه و آله) وفرة لم يبلغ الفرق».

بيان: ظاهر هذه الاخبار الاختلاف في ان السنة في شعر الرأس هو الحلق أو التوفير و بذلك ايضا اختلفت كلمة الأصحاب، قال العلامة في المنتهى و التحرير اتخاذ الشعر يعني شعر الرأس أفضل من إزالته ثم أورد حديثين على اثر ذلك و هو‌

قول النبي (صلى الله عليه و آله): «الشعر الحسن من كسوة الله فأكرموه».

و قوله (صلى الله عليه و آله) «من اتخذ شعرا فليحسن ولايته أو ليجزه».

و الظاهر ان غرضه من إيرادهما الاحتجاج بهما لما ذكره حيث انه لم يورد دليلا في المقام و يؤيده انه قال بعد ذكر الخبرين: و قد روى خلاف ذلك‌

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لرجل «احلق فإنه يزيد في جمالك».

ثم ذكر انه يحتمل كون الأمر بالحلق مختصا بذلك المخاطب لمعرفته بان الحلق يزيد في جماله. و قال أيضا في المنتهى و التحرير ان من الفطرة فرق الرأس قال ابن الأثير في الحديث «عشر من الفطرة» أي من السنة يعني سنن الأنبياء التي أمرنا أن نقتدي بهم فيها. و قال في صفة النبي (صلى الله عليه و آله) ان انفرقت عقيصته فرق اي ان صار شعره فرقتين بنفسه في مفرقه تركه و ان لم ينفرق لم يفرقه.

و هذا الحكم ايضا لم يذكر له حجة و انما نقل معه الخبر الذي تقدم نقله‌

عن الصدوق مرسلا عن الصادق (عليه السلام) من ان «من اتخذ شعرا و لم يفرقه فرقه الله بمنشار من نار».

و نحوه ايضا‌

روى في الكافي عن ابي العباس البقباق «1» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له وفرة أ يفرقها أو يدعها؟ قال يفرقها».

قال في المعالم بعد نقل ذلك عن العلامة في الكتابين المتقدمين: و كلام الصدوقين في الرسالة و من لا يحضره الفقيه موافق لما قاله العلامة فإنهما ذكرا ان السنن الحنيفية عشر سنن خمس في الرأس و خمس في الجسد، فأما التي في الرأس فالمضمضة و الاستنشاق و السواك و قص‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 62 من آداب الحمام.

556
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب جز الشعر و استئصاله ؛ ج 5، ص : 553

الشارب و الفرق لمن طال شعر رأسه، قال في الرسالة: و إياك ان تدع الفرق ان كان لك شعر طويل‌

فقد روى عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: «من لم يفرق شعره فرقه الله يوم القيامة بمنشار من نار».

و اما التي في الجسد فالاستنجاء و الختان و حلق العانة و قص الأظفار و نتف الإبطين. انتهى. أقول: و كلام الصدوق في كتابه في هذا المقام لا يخلو من الاضطراب بناء على ما قرره في صدر كتابه و غفل الأصحاب عنه من إفتائه بمضمون ما يرويه، و هو قد جمع هنا في النقل بين روايات الحلق و التوفير و التدافع بينهما غير خفي و لم يجمع بينهما بوجه يرتفع به التنافي من البين.

و الذي يظهر لي من الاخبار وفاقا لجملة من متأخري علمائنا الأبرار (رفع الله تعالى مقامهم جميعا في دار القرار) هو أفضلية الحلق و حمل ما دل على خلاف ذلك على التقية.

و يدل على ذلك زيادة على ما تقدم من الاخبار‌

ما رواه في الكافي عن أيوب بن هارون عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «قلت له أ كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يفرق شعره؟ قال لا ان رسول الله كان إذا طال شعره كان الى شحمة اذنه».

و عن عمرو بن ثابت عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «قلت انهم يروون ان الفرق من السنة قال من السنة. قلت يزعمون ان النبي (صلى الله عليه و آله) فرق قال ما فرق النبي و لا كانت الأنبياء تمسك الشعر».

و روى في الكافي أيضا عن ابي بصير «3» قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الفرق من السنة؟ قال لا قلت فهل فرق رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ قال نعم قلت كيف فرق رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ليس من السنة؟ قال من اصابه ما أصاب رسول الله و فرق كما فرق رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقد أصاب سنة رسول الله و إلا فلا. قلت كيف ذلك؟ قال ان رسول الله

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 62 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 62 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 62 من آداب الحمام.

557
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب جز الشعر و استئصاله ؛ ج 5، ص : 553

(صلى الله عليه و آله) حين صد عن البيت و قد كان ساق الهدى و أحرم أراه الله الرؤيا التي أخبرك بها في كتابه إذ يقول: «لَقَدْ صَدَقَ اللّٰهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ» «1» فعلم رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان الله سيفي له بما أراه فمن ثم وفر ذلك الشعر الذي كان على رأسه حين أحرم انتظارا لحلقه في الحرم حيث وعده الله فلما حلقه لم يعد في توفير الشعر و لا كان ذلك من قبله».

قال في الوافي- و نعم ما قال- قيل ان الحلق كان في الجاهلية عارا عظيما في العرب فلما جاء الإسلام و فرض الحج و صار سنة لم يجدوا بدا من فعله حين يحجون أو يعتمرون و لكنه كان كبيرا عليهم في غيرهما و لما رأى النبي (صلى الله عليه و آله) ذلك منهم أمرهم بتربية الشعر لئلا يكونوا شعثا ذوي قمل، ثم ان منهم من حلق و منهم من ترك الشعر حتى آل الأمر الى ان صار الحلق شعارا للشيعة لان أئمتهم (عليهم السلام) كانوا محلقين أسوة برسول الله (صلى الله عليه و آله) و خلافه شعارا لمخالفيهم لان أئمتهم لحميتهم الجاهلية يعدونها مثلة لارتدادهم الى ما كانوا عليه قبل الإسلام. انتهى و اما ما ذكره الصدوقان في الرسالة و الفقيه من حديث السنن العشر فهو عين عبارة الفقه الرضوي حيث قال بعد كلام قد سقط من النسخة التي عندي من الكتاب «و لكنها من الحنيفية التي قال الله عز و جل لنبيه (صلى الله عليه و آله) «وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰاهِيمَ حَنِيفاً» «2» فهي عشر سنن خمس في الرأس و خمس في الجسد. فأما التي في الرأس فالفرق و المضمضة و الاستنشاق و قص الشارب و السواك، و اما التي في الجسد فنتف الإبط و تقليم الأظافير و حلق العانة و الاستنجاء و الختان، و إياك ان تدع الفرق ان كان لك شعر‌

فقد روى عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» انه قال: «من لم يفرق

______________________________
(1) سورة الفتح، الآية 27.

(2) سورة النساء، الآية 124.

(3) رواه في الوسائل في الباب 62 من آداب الحمام.

558
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) ما ورد في اللحية و الشارب ؛ ج 5، ص : 559

شعره فرقه الله بمنشار من النار».

انتهى. و قد عرفت الوجه فيه. و الله العالم.

(فصل) [ما ورد في اللحية و الشارب]

روى ثقة الإسلام في الكافي عن معلى بن خنيس عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال «ما زاد من اللحية عن القبضة فهو في النار».

و روى في الكافي عن محمد بن أبي حمزة عن من أخبره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «ما زاد على القبضة ففي النار يعني اللحية».

و عن يونس عن بعض أصحابه عن ابى عبد الله (عليه السلام) «3»

و رواه في الفقيه مرسلا عن ابي عبد الله «في قدر اللحية؟ قال تقبض بيدك على اللحية و تجز ما فضل».

بيان: قال في الوافي المراد بالقبض على اللحية أن يضع يده على ذقنه فيأخذ بطرفيه فيجز ما فضل من مسترسل اللحية طولا لا القبض مما تحت الذقن.

و روى في الكافي و الفقيه عن محمد بن مسلم «4» قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) و الحجام يأخذ من لحيته فقال دورها».

و رويا فيهما مسندا في الكافي عن درست عن ابى عبد الله (عليه السلام) و مرسلا في الفقيه «5» قال: «مر النبي (صلى الله عليه و آله) برجل طويل اللحية فقال ما كان على هذا لو هيأ من لحيته؟ فبلغ ذلك الرجل فهيأ من لحيته بين اللحيتين ثم دخل على النبي (صلى الله عليه و آله) فلما رآه قال هكذا فافعلوا».

و روى في الفقيه مرسلا «6» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) حفوا الشوارب و أعفوا اللحى و لا تتشبهوا باليهود».

و قال: و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «ان المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم و انا نحن نجز الشوارب و نعفي اللحى و هي الفطرة».

بيان: قال في الوافي الحف الإحفاء و هو الاستقصاء في الأمر‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 65 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 65 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 65 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 63 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 63 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 67 من آداب الحمام.

559
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) ما ورد في اللحية و الشارب ؛ ج 5، ص : 559

و المبالغة فيه و إحفاء الشارب المبالغة في جزه و الإعفاء الترك، و اعفاء اللحى ان يوفر شعرها من عفى الشعر إذا كثر و زاد، و قوله‌

«و أعفوا عن اللحى»

اي لا تستأصلوها بل اتركوا منها و وفروا، و قوله‌

«و لا تتشبهوا باليهود»

اي لا تطيلوها جدا و ذلك لان اليهود لا يأخذون من لحاهم بل يطيلونها، و ذكر الإعفاء عقيب الإحفاء ثم النهي عن التشبه باليهود دليل على ان المراد بالإعفاء ان لا يستأصل و يؤخذ منها من غير استقصاء بل مع توفير و إبقاء بحيث لا يتجاوز القبضة فيستحق النار. و قال بعض المنسوبين الى العلم و الحكمة من فهم من هذا الحكم طلب الزينة الإلهية في قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّٰهِ» «1» نظر الى لحيته فإذا كانت الزينة في توفيرها و ان لا يأخذ منها شيئا تركها و ان كانت الزينة في ان يأخذ منها قليلا حتى تكون معتدلة تليق بالوجه و تزينه أخذ منها على هذا الحد و قد ورد عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه كان يأخذ من طول لحيته لا من عرضها. انتهى كلامه. و لعل مراده أن الزينة تختلف باختلاف الناس في لحاهم و لهذا لم يحدد اعني من جهة التقليل و ان حد من جهة التوفير، و قد مضى في كتاب الحجة‌

حديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «2» «ان أقواما حلقوا اللحى و فتلوا الشوارب فمسخوا».

و قد أفتى جماعة من فقهائنا بتحريم حلق اللحية و ربما يستشهد لهم بقوله سبحانه عن إبليس اللعين: «وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ» «3» انتهى كلامه في الوافي.

و روى في الكافي عن السكوني عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال:

«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا يطولن أحدكم شاربه فان الشيطان يتخذه مخبئا يستتر به».

و رواه في الفقيه عنه (ص) مرسلا «5»

و روى في الكافي

______________________________
(1) سورة الأعراف، الآية 30.

(2) رواه في الوسائل في الباب 67 من آداب الحمام.

(3) سورة النساء، الآية 119.

(4) رواه في الوسائل في الباب 66 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 66 من آداب الحمام.

560
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فوائد ؛ ج 5، ص : 561

بالسند المتقدم عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان من السنة ان تأخذ من الشارب حتى يبلغ الإطار».

بيان: قيل الإطار ككتاب ما يفصل بين الشفة و بين شعرات الشارب. و قال في مجمع البحرين:

في الحديث «من السنة ان تأخذ الشارب حتى يبلغ الإطار».

و هو ككتاب طرف الشفة الأعلى الذي يحول بين منابت الشعر و الشفة و كل شي‌ء أحاط بشي‌ء فهو اطار له. انتهى.

و عن عبد الله بن عثمان «2» «انه رأى أبا عبد الله (عليه السلام) احفى شاربه حتى ألزقه بالعسيب».

بيان: العسيب منبت الشعر.

و عن علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) «3» قال: «سألته عن قص الشارب أمن السنة هو؟ قال نعم».

و عن ابن فضال عن من ذكره عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «ذكرنا الأخذ من الشارب فقال نشرة و هو من السنة».

أقول: النشرة لغة رقية يعالج بها المجنون و المريض و المراد هنا أنها عوذة من الشيطان.

و روى في الفقيه مرسلا «5» قال:

«قال الصادق (عليه السلام) أخذ الشارب من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام».

قال «6» «و قال أبو عبد الله (عليه السلام) أخذ الشعر من الأنف يحسن الوجه».

[فوائد]

بيان: يستنبط من هذه الاخبار فوائد‌

(الأولى)

ان الأفضل المندوب اليه هو اعفاء اللحية إلى حد القبضة المذكورة و ما زاد عليها فالأفضل جزه و إحفاء الشارب و جزه حتى يبلغ به أصول الشعر و هذا لا خلاف فيه و لا إشكال.

(الثانية) [حرمة حلق اللحية]

- الظاهر- كما استظهره جملة من الأصحاب كما عرفت- تحريم حلق اللحية لخبر المسخ المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه لا يقع الا على ارتكاب أمر محرم بالغ في التحريم، و اما الاستدلال بآية «وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ» «7»

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 66 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 66 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 66 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 66 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(6) الوسائل في الباب 68 من آداب الحمام.

(7) سورة النساء، الآية 119.

561
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الثالثة) - انه هل يجوز حلق الشارب؟ ؛ ج 5، ص : 562

ففيه انه قد ورد عنهم (عليهم السلام) ان المراد دين الله فيشكل الاستدلال بها على ذلك و ان كان ظاهر اللفظ يساعده.

(الثالثة)- انه هل يجوز حلق الشارب؟

استظهر بعض مشايخنا المحققين من متأخري المتأخرين ذلك قال للأوامر المطلقة الشاملة له و ان كان الأحوط العدم لانه لم ينقل عن النبي و الأئمة (صلوات الله عليهم) حلقه و لا الرخصة في حلقه. انتهى.

أقول ما استند اليه في القول بالجواز من الأوامر المطلقة لا يخلو من اشكال لأن الأوامر الواردة في الاخبار منها ما هو بلفظ الأخذ و منها ما هو بلفظ الجز و منها ما هو بلفظ القص و قضية حمل مطلقها على مقيدها هو العمل بالجز و هو الظاهر و يؤيده ما ذكره أخيرا في وجه الاحوطية، و بالجملة فإن دليل الجواز غير ظاهر بل ربما دخل تحت آية «فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ» التي استدلوا بها على تحريم حلق اللحية بناء على ظاهر اللفظ.

(الرابعة)

- انه هل أفضلية القبضة في اللحية بالنسبة الى ما زاد خاصة بمعنى انه لا يتجاوز القبضة أو يكون كذلك أيضا بالنسبة الى ما نقص عنها بمعنى انه يستجب له ان يعفيها و يتركها حتى تبلغ القبضة أيضا؟ لم أقف على كلام لأحد من أصحابنا في ذلك إلا ان ظاهر الأخبار الأول. و الله العالم.

(فصل) [استحباب التمشط و آدابه]

روى ثقة الإسلام في الكافي عن سفيان بن السمط «1» قال: «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) الثوب النقي يكبت العدو و الدهن يذهب بالبؤس و المشط للرأس يذهب بالوباء قال قلت و ما الوباء؟ قال الحمى، و المشط للحية يشد الأضراس».

و روى في الفقيه مرسلا «2» قال: «قال الصادق (عليه السلام) مشط الرأس يذهب بالوباء و مشط اللحية يشد الأضراس».

و قال في الفقيه ايضا «3»: «قال الصادق (عليه السلام)

______________________________
(1) ج 2 ص 216 و في الوسائل بعضه في الباب 69 و 102 من آداب الحمام و في الباب 6 من أحكام الملابس.

(2) رواه في الوسائل في الباب 73 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 70 من آداب الحمام.

562
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب التمشط و آدابه ؛ ج 5، ص : 562

المشط يذهب بالوباء و هو الحمى».

و في رواية البرقي «يذهب بالونا و هو الضعف قال الله تعالى وَ لٰا تَنِيٰا فِي ذِكْرِي «1» أي لا تضعفا»‌

و روى في الكافي عن عمار النوفلي عن أبيه «2» قال: «سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول المشط يذهب بالوباء و كان لأبي عبد الله (عليه السلام) مشط في المسجد يتمشط به إذا فرغ من صلاته».

و عن عبد الله بن المغيرة عن ابي الحسن (عليه السلام) «3» «في قوله تعالى «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» «4» قال من ذلك التمشط عند كل صلاة».

و روى في الفقيه مرسلا «5» قال: «سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) عن قول الله. الحديث».

و روى في الكافي عن عنبسة بن سعيد رفع الحديث إلى النبي (صلى الله عليه و آله) «6» قال: «كثرة تسريح الرأس يذهب بالوباء و يجلب الرزق و يزيد في الجماع».

و عن يونس عن من أخبره عن ابي الحسن (عليه السلام)- و رواه في الفقيه عن ابي الحسن موسى (عليه السلام)- «7» قال: «إذا سرحت رأسك و لحيتك فأمر المشط على صدرك فإنه يذهب بالهم و الوباء».

و روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه «8» قال: «كثرة التمشط تقلل البلغم».

و عن إسماعيل بن جابر عن ابي عبد الله- و رواه في الفقيه مرسلا عن ابي عبد الله (عليه السلام)- «9» قال: «من سرح لحيته سبعين مرة و عدها مرة مرة لم يقربه الشيطان أربعين يوما».

و يستحب بالعاج‌

لما رواه في الكافي عن الحسين بن عاصم عن أبيه «10» قال:

______________________________
(1) سورة طه، الآية 44.

(2) رواه في الوسائل في الباب 71 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 71 من آداب الحمام.

(4) سورة الأعراف، الآية 31.

(5) رواه في الوسائل في الباب 71 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 69 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 75 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 70 من آداب الحمام و الرواية في كتب الحديث عن البرقي عن أبيه.

(9) رواه في الوسائل في الباب 76 من آداب الحمام.

(10) رواه في الوسائل في الباب 72 من آداب الحمام.

563
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب التمشط و آدابه ؛ ج 5، ص : 562

«دخلت على ابي إبراهيم (عليه السلام) و في يده مشط عاج يتمشط به فقلت له جعلت فداك ان عندنا بالعراق من يزعم انه لا يحل التمشط بالعاج؟ فقال و لم فقد كان لأبي منها مشط أو مشطان، ثم قال تمشطوا بالعاج فان العاج يذهب بالوباء».

بيان: قال في كتاب مجمع البحرين: العاج عظم أنياب الفيل و عن الليث لا يسمى غير عظم الناب عاجا، ثم قال و روى انه كان لفاطمة (عليها السلام) سوار من عاج. انتهى.

و عن موسى بن بكر «1» قال: «رأيت أبا الحسن (عليه السلام) يتمشط بمشط عاج و اشتريته له».

و عن عبد الله بن سليمان «2» قال: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن العاج فقال لا بأس به و ان لي منه لمشطا».

و عن القاسم بن الوليد «3» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عظام الفيل مداهنها و أمشاطها؟ قال لا بأس به».

و روى في كتاب الخصال عن عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» «في قول الله عز و جل: «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» «5» قال المشط يجلب الرزق و يحسن الشعر و ينجز الحاجة و يزيد في ماء الصلب و يقطع البلغم و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يسرح تحت لحيته أربعين مرة و من فوقها سبع مرات و يقول انه يزيد في الذهن و يقطع البلغم».

و روى العياشي في تفسيره عن ابى بصير «6» قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله تعالى: «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» «7» قال هو التمشط عند كل صلاة فريضة و نافلة».

و يكره التمشط من قيام‌

لما رواه الصدوق في الخصال بسنده عن ثابت بن أبي صفية الثمالي عن ثور بن سعيد بن علاقة عن أبيه عن علي (عليه السلام) «8» قال في حديث

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 72 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 72 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 72 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 71 من آداب الحمام.

(5) سورة الأعراف، الآية 29.

(6) رواه في الوسائل في الباب 71 من آداب الحمام.

(7) سورة الأعراف، الآية 29.

(8) رواه في الوسائل في الباب 74 من آداب الحمام.

564
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب التمشط و آدابه ؛ ج 5، ص : 562

«و التمشط من قيام يورث الفقر».

و ما رواه الحسن بن الفضل الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق عن النبي (صلى الله عليه و آله) «1» قال: «من امتشط قائما ركبه الدين».

و عن ابى الحسن موسى (عليه السلام) «2» قال: «لا تمتشط من قيام فإنه يورث الضعف في القلب و امتشط جالسا فإنه يقوي القلب و يمخخ الجلد».

و يستحب قراءة إنا أنزلناه و سورة و العاديات، قال السيد الزاهد العابد المجاهد رضي الدين علي بن طاوس في كتاب الأمان من الاخطار: روى انه يبدأ من تحت و يقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر، قال و في رواية يسرح لحيته من تحت الى فوق أربعين مرة و يقرأ إنا أنزلناه و من فوق الى تحت سبع مرات و يقرأ و العاديات و يقول اللهم سرح عني الهم و الغموم و الوحشة في الصدر.

و في كتاب الفقيه الرضوي «3» قال:

(عليه السلام): «إذا أردت أن تمشط لحيتك فخذ المشط بيدك اليمنى و قل بسم الله و ضع المشط على أم رأسك ثم تسرح مقدم رأسك و قل اللهم حسن شعري و بشرى و طيب عيشي و افرق عني السوء، ثم تسرح مؤخر رأسك و قل اللهم لا تردني على عقبي و اصرف عني كيد الشيطان و لا تمكنه مني، ثم تسرح حاجبيك و قل اللهم زيني بزينة أهل التقوى، ثم تسرح لحيتك من فوق و قل اللهم اسرح عني الغموم و الهموم و وسوسة الصدور، ثم أمر المشط على صدغك».

بيان: الظاهر ان الأمر بتسريح مقدم الرأس و مؤخره مبني على ما تقدم من توفير شعر الرأس لما يدل عليه لفظ الدعاء في تلك الحال و اما بناء على ما قدمناه من استحباب الحلق فلا، و اما الأمر بتسريح اللحية من فوق فظاهره ان وظيفة الاستحباب ذلك و يؤيده انه قال في موضع آخر بعد هذا الكلام بعد ان نقل‌

عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه قال: «ادهنوا غبا و اكتحلوا وترا و امشطوا مرسلا» قال: «فسئل عن معناها فقال (عليه السلام) ادهنوا يوم و يوم لا و اكتحلوا وترا و امشطوا مرسلا قال من فوق لا من تحت».

انتهى. و هو بظاهره مناف‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 74 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 74 من آداب الحمام.

(3) ص 54.

565
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب السواك و آدابه ؛ ج 5، ص : 566

لما تقدم في حديثي الخصال و الأمان من الاخطار من أكثرية التسريح من تحت على التسريح من فوق و لعل هذا الخبر محمول على الآكد. و الله العالم.

(فصل) [استحباب السواك و آدابه]

-

روى ثقة الإسلام في الصحيح عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر (عليه السلام) «1» قال: «قال النبي (صلى الله عليه و آله) ما زال جبرئيل يوصيني بالسواك حتى خفت أن أحفي أو أدرد».

بيان: قد تقدم معنى الحفاء بالحاء المهملة و الفاء و هو مبالغة في الاستقصاء، و الدرد هو سقوط الأسنان يقال درد دردا من باب تعب سقطت أسنانه و بقيت أصولها فهو أدرد و الأنثى درداء مثل احمر و حمراء و به كنى أبو الدرداء، و المراد هنا حتى خفت ذهاب أسناني من كثرة السواك، و استظهر جملة من المحدثين ان الترديد من بعض الرواة.

و عن جميل بن دراج في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أوصاني جبرئيل بالسواك حتى خفت على أسناني».

و عن إسحاق بن عمار في الموثق «3» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) من أخلاق الأنبياء السواك».

و عن إسحاق بن عمار عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «السواك من سنن المرسلين».

و عن مهزم الأسدي «5» قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول في السواك عشر خصال: مطهرة للفم و مرضاة للرب و مفرحة للملائكة و هو من السنة و يشد اللثة و يجلو البصر و يذهب بالبلغم و يذهب بالحفر» و رواه البرقي في المحاسن.

، بيان: قيل الحفر بثر في أصول الأسنان أو تقشير فيها أو صفرة تعلوها و الخصلتان الباقيتان اما مطويتان في مقام التفصيل أو ساقطتان من قلم النساخ.

و عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (عليه السلام) «6» قال «في السواك اثنتي عشرة خصلة، هو من السنة و مطهرة للفم و مجلاة للبصر و يرضي الرب و يذهب بالغم و يزيد في الحفظ و يبيض الأسنان و يضاعف الحسنات و يذهب بالبلغم و يشد اللثة و يشهي الطعام و تفرح به الملائكة».

و رواه البرقي‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب السواك.

(2) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب السواك.

(3) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب السواك.

(4) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب السواك.

(5) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب السواك.

(6) رواه في الوسائل في الباب 1 من أبواب السواك.

566
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب السواك و آدابه ؛ ج 5، ص : 566

في المحاسن و الصدوق و لكنه خالف في الترتيب.

و عن حنان عن أبيه عن ابى جعفر (عليه السلام) «1» قال: «شكت الكعبة الى الله عز و جل ما تلقى من أنفاس المشركين فأوحى الله إليها ان قرى يا كعبة فإني مبدلك بهم قوما يتنظفون بقضبان الشجر فلما بعث الله محمدا (صلى الله عليه و آله) أوحى اليه مع جبرئيل بالسواك و الخلال».

و عن المعلى بن خنيس «2» قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن السواك بعد الوضوء فقال الاستياك قبل ان يتوضأ. قلت أ رأيت ان نسي حتى يتوضأ؟ قال يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات».

قال في الكافي «3»: و روى ان السنة في السواك وقت السحر.

و روى في الكافي أيضا عن ابي بكر بن ابي سمال «4» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا قمت بالليل فاستك فان الملك يأتيك فيضع فاه على فيك و ليس من حرف تتلوه و تنطق به إلا صعد به الى السماء فليكن فوك طيب الريح».

و روى في الفقيه مرسلا «5» قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ان أفواهكم طرق القرآن فطهروها بالسواك».

و روى البرقي في المحاسن عن إسماعيل بن ابان الخياط عن ابي عبد الله (عليه السلام) «6» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) نظفوا طريق القرآن قيل يا رسول الله و ما طريق القرآن؟ قال أفواهكم قيل بماذا؟ قال بالسواك».

و عن علي بن الحكم عن عيسى بن عبد الله رفعه «7» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أفواهكم طريق من طرق ربكم فأحبها الى الله أطيبها ريحا

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 8 من أبواب السواك.

(2) رواه في الوسائل في الباب 4 من أبواب السواك.

(3) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب السواك.

(4) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب السواك.

(5) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب السواك.

(6) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب السواك.

(7) رواه في الوسائل في الباب 7 من أبواب السواك.

567
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب السواك و آدابه ؛ ج 5، ص : 566

فطيبوها بما قدرتم عليه».

و روى في الكافي عن معاوية بن عمار في الصحيح «1» قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول كان في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) ان قال يا علي أوصيك في نفسك بخصال احفظها عني ثم قال اللهم أعنه، و عد جملة من الخصال الى ان قال و عليك بالسواك عند كل صلاة».

و عن محمد بن مروان عن ابي جعفر (عليه السلام) «2» في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) «عليك بالسواك لكل صلاة».

و عن القداح عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3»- و رواه في الفقيه مرسلا عن ابي عبد الله- قال: «ركعتان بالسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك».

قال: و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة».

بيان: اي أوجبت ذلك عليهم «لأن الأمر حقيقة في الوجوب كما عرفت،

و في الفقيه «4» «عند وضوء كل صلاة».

و روى في الكافي عن ابن بكير عن من ذكره عن ابي جعفر (عليه السلام) «5»- و رواه في الفقيه مرسلا عن ابي جعفر- «في السواك قال لا تدعه في كل ثلاث و لو ان تمره مرة».

و عن الحلبي في الصحيح أو الحسن عن ابى عبد الله (عليه السلام) «6» «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان إذا صلى العشاء الآخرة أمر بوضوئه و سواكه فيوضع عند رأسه مخمرا فيرقد ما شاء الله ثم يقوم فيستاك و يتوضأ و يصلي اربع ركعات ثم يرقد و يقوم فيستاك و يتوضأ و يصلي ثم قال لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ (صلى الله عليه و آله) أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ».

و روى البرقي في المحاسن عن إسحاق بن عمار «7» قال:

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 3 من أبواب السواك.

(2) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب السواك.

(3) رواه في الوسائل في الباب 5 من أبواب السواك.

(4) ج 1 ص 34.

(5) رواه في الوسائل في الباب 2 من أبواب السواك.

(6) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب السواك.

(7) رواه في الوسائل في الباب 6 من أبواب السواك.

568
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب قص الأظفار و الأخذ من الشارب ؛ ج 5، ص : 569

«قال أبو عبد الله اني لأحب للرجل إذا قام بالليل ان يستاك و ان يشم الطيب فان الملك يأتي الرجل إذا قام بالليل حتى يضع فاه على فيه فما خرج من القرآن من شي‌ء دخل في جوف ذلك الملك».

بيان: قد دلت اخبار هذا الفصل على استحباب السواك في حد ذاته استحبابا مؤكدا و يتأكد زيادة على ذلك للوضوء و للصلاة و لقراءة القرآن و في السحر خصوصا مع الإتيان بصلاة الليل.

و يكره في مواضع: منها- الحمام و الخلاء‌

فقد روى الصدوق في الفقيه في حديث المناهي المذكور في آخره «1» قال: «و نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن السواك في الحمام».

قال و روي: «ان السواك في الحمام يورث وباء الأسنان».

و روى في كتاب العلل في الموثق عن ابن ابي يعفور عن ابى عبد الله (عليه السلام) «2» في حديث قال: «و إياك و السواك في الحمام فإنه يورث وباء الأسنان».

و قد تقدم في آداب الخلوة ما يدل على انه يورث البخر في الخلاء.

(فصل) [استحباب قص الأظفار و الأخذ من الشارب]

في استحباب قص الأظفار‌

روى ثقة الإسلام في الكافي عن عبد الله بن ميمون القداح عن ابى عبد الله (عليه السلام) «3» قال: «احتبس الوحي عن النبي (صلى الله عليه و آله) فقيل له احتبس الوحي عنك فقال و كيف لا يحتبس و أنتم لا تقلمون أظفاركم و لا تنقون رواجبكم».

بيان: قال في النهاية: فيه «ألا تنقون رواجبكم» هي ما بين عقد الأصابع من داخل واحدها راجبة و البراجم العقد المتسنمة «4» في ظاهر الأصابع. و قال في القاموس. و الرواجب مفاصل أصول الأصابع أو بواطن مفاصلها أو هي قصب الأصابع أو مفاصلها أو ظهور السلاميات أو ما بين البراجم من السلاميات أو المفاصل التي تلي الأنامل واحدتها راجبة.

و عن القاسم عن جده «5» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) تقليم الأظفار

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب السواك.

(2) رواه في الوسائل في الباب 11 من أبواب السواك.

(3) رواه في الوسائل في الباب 80 من آداب الحمام.

(4) في النهاية (المتشنجة).

(5) رواه في الوسائل في الباب 80 من آداب الحمام.

569
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب قص الأظفار و الأخذ من الشارب ؛ ج 5، ص : 569

يمنع الداء الأعظم و يدر الرزق».

و عن هشام بن سالم في الصحيح أو الحسن عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «تقليم الأظفار يوم الجمعة يؤمن من الجذام و البرص و العمى و ان لم تحتج فحكها حكا».

و رواه في‌

الفقيه عن هشام بن سالم «2» و زاد على الثلاثة المذكورة «الجنون».

ثم قال و في خبر آخر «و ان لم تحتج فأمر عليها السكين أو المقراض».

و روى في الكافي و التهذيب في الصحيح عن حفص بن البختري عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» قال:

«أخذ الشارب و الأظفار من الجمعة إلى الجمعة أمان من الجذام».

و عن عبد الله بن هلال «4» قال: «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) خذ من شاربك و أظفارك في كل جمعة فان لم يكن فيها شي‌ء فحكها لا يصيبك جنون و لا جذام و لا برص».

و روى في الكافي عن ابن بكير في الموثق عن ابي عبد الله (عليه السلام) «5» قال: «تقليم الأظفار و أخذ الشارب في كل جمعة أمان من البرص و الجنون».

و عن أبي حمزة عن ابي جعفر (عليه السلام) «6» قال: «انما قصوا الأظفار لأنها مقيل الشيطان و منه يكون النسيان».

و عن حذيفة بن منصور عن ابي عبد الله (عليه السلام) «7» قال: «ان أستر و أخفى ما يسلط الشيطان من ابن آدم ان صار يسكن تحت الأظافير».

و عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) «8» قال: «قلت له ما ثواب من أخذ من شاربه و قلم أظفاره في كل جمعة؟

قال لا يزال مطهرا إلى الجمعة الأخرى».

و رواه الصدوق مرسلا «9» قال: قال الحسين ابن ابي العلاء للصادق (عليه السلام).

الحديث.

و روى المشايخ الثلاثة عن عبد الرحيم القصير «10» قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام) من أخذ من شاربه و أظفاره كل جمعة و قال حين يأخذ بسم الله و بالله و على سنة رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم تسقط

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(6) رواه في الوسائل في الباب 80 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 80 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(9) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(10) رواه في الوسائل في الباب 35 من صلاة الجمعة.

570
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب قص الأظفار و الأخذ من الشارب ؛ ج 5، ص : 569

منه قلامة و لا جزازة إلا كتب الله له بها عتق نسمة و لا يمرض إلا مرضه الذي يموت فيه».

بيان: في الفقيه «على سنة محمد و آل محمد»‌

و روى في الكافي عن ابي كهمس «1» قال: «قال رجل لعبد الله بن الحسن علمني شيئا في الرزق فقال الزم مصلاك إذا صليت الفجر الى طلوع الشمس فإنه أنجح في طلب الرزق من ان تضرب في الأرض. فأخبرت بذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فقال ألا أعلمك في الرزق ما هو أنفع من ذلك؟ قال قلت بلى. قال خذ من شاربك و أظفارك في كل جمعة».

و عن علي بن عقبة عن أبيه «2» قال: «أتيت عبد الله بن الحسن فقلت علمني دعاء في الرزق فقال: قل اللهم تول امري و لا تول امري غيرك. فعرضته على ابي عبد الله (عليه السلام) فقال ألا ادلك على ما هو أنفع من هذا في الرزق؟ تقص من أظفارك و شاربك في كل جمعة و لو بحكها».

و عن خلف «3» قال: «رآني أبو الحسن (عليه السلام) بخراسان و انا اشتكي عيني فقال ادلك على شي‌ء ان فعلته لم تشتك عينك؟ قلت بلى فقال خذ من أظفارك في كل خميس قال ففعلت فما اشتكيت عيني إلى يوم أخبرتك».

و روى في الفقيه مرسلا «4» قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) «من أخذ من أظفاره كل يوم خميس لم يرمد ولده».

و قال فيه ايضا: و قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «من قلم أظفاره يوم السبت و يوم الخميس و أخذ من شاربه عوفي من وجع الضرس و وجع العين».

و عن عبد الله بن الفضل عن أبيه و عمه جميعا عن ابي جعفر (عليه السلام) «5» قال: «من أخذ أظفاره كل خميس لم ترمد عينه».

و روى في الكافي و الفقيه مسندا في الأول و مرسلا في الثاني «6» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للرجال قصوا أظفاركم و للنساء اتركن فإنه أزين لكن»

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(2) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(3) رواه في الوسائل في الباب 34 من صلاة الجمعة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 34 من صلاة الجمعة.

(5) رواه في الوسائل في الباب 34 من صلاة الجمعة.

(6) رواه في الوسائل في الباب 81 من آداب الحمام.

571
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) استحباب قص الأظفار و الأخذ من الشارب ؛ ج 5، ص : 569

و في الفقيه «اتركن من أظفاركن فإنه أزين لكن».

بيان: يعني لا يبالغن في قصها كما يبالغ الرجال بل يتركن شيئا منها كما يستفاد من لفظة «من» التبعيضية.

و روى في الكافي في الصحيح أو الحسن عن ابن ابي عمير رفعه «1» «في قص الأظافير تبدأ بخنصرك الأيسر ثم تختم باليمين».

و قال في الفقيه «2» و روى «ان من يقلم أظفاره يوم الجمعة يبدأ بخنصره من اليد اليسرى و يختم بخنصره من اليد اليمنى».

بيان:

قال في الوافي: لعل السر في ذلك تحصيل التيامن في كل إصبع إصبع و ذلك لان الوضع الطبيعي لليدين ان يكون ظهرهما الى فوق و بطنهما الى تحت.

و روى في الفقيه مرسلا «3» قال: قال الصادق (عليه السلام) «من قلم أظفاره يوم الجمعة لم تسعف أنامله».

بيان: في بعض النسخ «تشعث أنامله» و المعنى واحد و هو تفرق الجلد حول الأظفار فينفصل منه اجزاء صغار، و قد تقدم ذكر الخلاف بين الأصحاب في حكم هذه الاجزاء بعد الانفصال طهارة و نجاسة و اما قبل الانفصال فلا ريب في طهارتها.

و روى في الفقيه عن موسى بن بكر «4» «انه قال للصادق (عليه السلام) ان أصحابنا يقولون إنما أخذ الشارب و الأظفار يوم الجمعة فقال سبحان الله خذها إن شئت في يوم الجمعة و ان شئت في سائر الأيام».

بيان: ظاهر السؤال حصر أخذها في يوم الجمعة و لعله توهم الوجوب في هذا اليوم بخصوصه فأجاب (عليه السلام) بجواز أخذها في سائر الأيام و إلا فحصر الاستحباب أو تأكده في اليوم المذكور لا شك فيه، أو يحمل الخبر على ما إذا طالت فإنه لا ينتظر بها اليوم المذكور، و كيف كان فالظاهر ان ما ورد من أخذها يوم الخميس و يترك واحد ليوم الجمعة أو السبت فهي رخص لا تنافي التوظيف‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 83 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 83 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 33 من صلاة الجمعة.

(4) رواه في الوسائل في الباب 80 من آداب الحمام.

572
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب الكحل ؛ ج 5، ص : 573

و الاستحباب في ذلك اليوم لما عرفت من الأمور المرتبة عليه فيه بخصوصه.

و روى في الفقيه مرسلا «1» قال: قال الصادق (عليه السلام) «يدفن الرجل شعره و أظفاره إذا أخذ منها و هي سنة».

و قال و روى: «ان من السنة دفن الشعر و الظفر و الدم».

و روى في الكافي عن ابي كهمس عن ابي عبد الله (عليه السلام) «2» «في قول الله تعالى أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفٰاتاً أَحْيٰاءً وَ أَمْوٰاتاً «3»؟ قال دفن الشعر و الظفر».

بيان: قال في الوافي: الكفات بالكسر الموضع يكفت فيه الشي‌ء أي يضم و يجمع و الأرض كفات لنا. انتهى. أقول: لعل ذكر الشعر و الظفر للتنبيه على انهما مما يكفتان في الأرض أي يضمان فيها كما يضم فيها الإنسان بعد الموت.

(فصل) في استحباب الكحل

روى ثقة الإسلام في الكافي عن سليمان الفراء عن رجل عن ابي عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يكتحل بالإثمد إذا آوى الى فراشه وترا وترا».

و عن زرارة في الصحيح عن ابي عبد الله (عليه السلام) «5» قال: «الكحل بالليل ينفع العين و هو بالنهار زينة».

و عن الفضل بن إسماعيل الهاشمي عن أبيه و عمه «6» قالا «قال أبو جعفر (عليه السلام) الاكتحال بالإثمد يطيب النكهة و يشد أشفار العين».

و عن حماد بن عيسى في الموثق عن ابي عبد الله (عليه السلام) «7» قال: «الكحل يعذب الفم».

و عن خلف بن حماد عن من ذكره عن ابى عبد الله (عليه السلام) «8» قال: «الكحل ينبت الشعر و يحد البصر و يعين على طول السجود».

و عن علي بن عقبة عن رجل عن ابى عبد الله (عليه السلام) «9»

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 77 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 77 من آداب الحمام.

(3) سورة المرسلات، الآية 25 و 26.

(4) رواه في الوسائل في الباب 55 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 57 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 55 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 54 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 54 من آداب الحمام.

(9) رواه في الوسائل في الباب 55 من آداب الحمام.

573
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب الكحل ؛ ج 5، ص : 573

قال: «الإثمد يجلو البصر و ينبت الشعر في الجفن و يذهب بالدمعة».

و عن ابن فضال عن بعض أصحابنا عن ابى عبد الله (عليه السلام) «1» قال: «الكحل يزيد في المباضعة».

بيان: المباضعة المجامعة.

و عن حماد بن عثمان عن ابى عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «الكحل ينبت الشعر و يجفف الدمعة و يعذب الريق و يجلو البصر».

و عن الحسين ابن الحسن بن عاصم عن أبيه عن ابى عبد الله (عليه السلام) «3» قال: «من نام على إثمد غير ممسك أمن من الماء الأسود أبدا ما دام ينام عليه».

و عن ابن القداح عن ابى عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من اكتحل فليوتر و من فعل فقد أحسن و من لم يفعل فلا بأس».

و روى الصدوق مرسلا «5» قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) اكتحلوا وترا و استاكوا عرضا».

و عن زرارة في الصحيح عن ابى عبد الله (عليه السلام) «6» قال: «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يكتحل قبل ان ينام أربعا في اليمنى و ثلاثا في اليسرى».

و عن الحسن بن الجهم «7» قال: «أراني أبو الحسن (عليه السلام) ميلا من حديد و مكحلة من عظام فقال هذا كان لأبي (عليه السلام) فاكتحل به».

و روى الحسين بن بسطام في كتاب طب الأئمة عن ابى صالح الأحول عن الرضا (عليه السلام) «8» قال: «من اصابه ضعف في بصره فليكتحل سبعة مراود عند منامه من الإثمد».

و عن جابر عن خداش عن عبد الله بن ميمون عن الصادق (عليه السلام) «9» قال: «كان للنبي (صلى الله عليه و آله) مكحلة يكتحل منها في كل ليلة ثلاثة مراود في كل عين عند منامه».

و روى الحسن بن الفضل

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 54 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 54 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 55 من آداب الحمام.

 (4) رواه في الوسائل في الباب 56 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 56 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 57 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 58 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 57 من آداب الحمام.

(9) رواه في الوسائل في الباب 57 من آداب الحمام.

574
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

فوائد ؛ ج 5، ص : 575

الطبرسي في كتاب مكارم الأخلاق «1» قال: «كان النبي (صلى الله عليه و آله) يكتحل في عينه اليمنى ثلاثا و في اليسرى ثنتين، و قال من شاء اكتحل ثلاثا في كل عين و من فعل دون ذلك أو فوقه فلا حرج، و ربما اكتحل و هو صائم و كانت له مكحلة يكتحل منها في الليل و كان كحله الإثمد».

و في كتاب الفقه الرضوي «2» قال: «إذا أردت أن تكتحل فخذ الميل بيدك اليمنى و اضربه بالمكحلة و قل بسم الله و إذا جعلت الميل في عينك فقل اللهم نور بصري و اجعل فيه نورا أبصر به حقك و اهدني إلى طريق الحق و أرشدني إلى سبيل الرشاد اللهم نور علي دنياي و آخرتي».

و قال في موضع آخر «روى عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) انه قال ادهنوا غبا و اكتحلوا وترا».

[فوائد]

بيان: هنا فوائد‌

(الأولى) [الكحل المستحب هو الإثمد]

ان الكحل المستحب و هو الذي ذكرت له هذه الخواص هو الإثمد و هو بكسر الهمزة حجر معروف يؤتى به الآن من مكة المشرفة يجلب إليها ثم يؤتى به منها، قال في مجمع البحرين: و الإثمد بكسر الهمزة و الميم حجر يكتحل به و يقال انه معرب و معادنه بالمشرق،

و منه الحديث «اكتحلوا بالإثمد».

و عن بعض الفقهاء الإثمد هو الأصفهاني و لم يتحقق. انتهى.

(الثانية)

- المستفاد من هذه الاخبار باعتبار ضم بعضها الى بعض ان الأفضل في الاكتحال ان يكون وترا في كل من العينين أو فيهما معا بان يكون ثلاثة ثلاثة في كل واحدة أو خمسة أو سبعة فيهما معا بان تكون الزيادة في العين اليمنى.

(الثالثة) [عدم وجوب غسل الكحل من العين وقت الوضوء]

- ما دلت عليه صحيحة زرارة التي هي الثانية من الروايات المتقدمة من ان الكحل ينفع بالليل و زينة بالنهار مما يدفع ما توهمه بعض المتعسفين و ربما سرى الوهم منه الى بعض الفضلاء ايضا- من إيجاب غسل الكحل من العين وقت الوضوء أو عدم الاكتحال لذلك لانه يكون حائلا عن وصول ماء الوضوء الى ما تحته أو يكون الماء به مضافا يخرج عن الإطلاق، و ليت شعري كيف خفي هذا المعنى الذي اهتدى إليه هذا القائل على‌

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 57 من آداب الحمام.

(2) ص 54.

575
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(الرابعة) ؛ ج 5، ص : 576

 

النبي (صلى الله عليه و آله) و أهل بيته الذين يكتحلون و يأمرون به في هذه الاخبار التي سمعت؟ أ رأيت انه كان يجب غسله لما ذكره هؤلاء و يغفلون (عليهم السلام) عن الأمر بذلك و تنبيه الناس عليه؟ و كيف يكون زينة بالنهار و هو يجب غسله إذا انتبه و توضأ لصلاة الصبح؟ ما هذه إلا و ساوس شيطانية و خيالات وهمية و لقد كنت لا اعتنى بهذا القائل حتى وقفت في كلام بعض الفضلاء المعاصرين في رسالة له في الصلاة على مثل ذلك فزاد تعجبي، و لعل الفاضل المشار اليه لم يقف على الصحيحة المذكورة.

(الرابعة)

- يستفاد من رواية الحسن بن الجهم المتقدمة استحباب كون الميل من حديد.

(فصل) في استحباب الطيب

روى ثقة الإسلام (عطر الله مرقده) في الكافي عن احمد بن محمد بن ابي نصر عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام) «1» قال: «الطيب من أخلاق الأنبياء».

و عن زيد الشحام عن ابى عبد الله (عليه السلام) «2» قال:

«العطر من سنن المرسلين».

و عن العباس بن موسى «3» قال «سمعت ابى (عليه السلام) يقول العطر من سنن المرسلين».

و عن ابى بصير عن ابى عبد الله (عليه السلام) «4» قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) الطيب في الشارب من أخلاق النبيين و كرامة للكاتبين».

و عن ابن رئاب «5» قال: «كنت عند ابى عبد الله (عليه السلام) و انا مع بصير فسمعت أبا عبد الله يقول قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) ان الريح الطيبة تشد القلب و تزيد في الجماع».

و عن ابى بصير «6» قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) الطيب يشد القلب».

و روى الشيخان في الكافي و الفقيه عن معمر بن خلاد عن ابى الحسن الرضا (عليه السلام) «7» قال:

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 89 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 89 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 89 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 90 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 89 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 89 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 37 من صلاة الجمعة.

 

576
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب الطيب ؛ ج 5، ص : 576

«لا ينبغي للرجل ان يدع الطيب في كل يوم فان لم يقدر عليه فيوم و يوم لا فان لم يقدر ففي كل جمعة و لا يدع».

و زاد في الفقيه «1» «و كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كان يوم الجمعة و لم يصب طيبا دعا بثوب مصبوغ بزعفران فرش عليه الماء ثم مسح بيده ثم مسح به وجهه».

و روى في الكافي عن علي رفعه الى ابي عبد الله (عليه السلام) «2» قال: «من تطيب أول النهار لم يزل عقله معه الى الليل».

قال: و قال أبو عبد الله (عليه السلام) «صلاة متطيب أفضل من سبعين صلاة بغير طيب».

و عن إسحاق الطويل العطار عن ابي عبد الله (عليه السلام) «3» قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) ينفق في الطيب أكثر مما ينفق في الطعام».

و عن زكريا المؤمن رفعه «4» قال: «ما أنفقت في الطيب فليس بسرف».

و عن عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) «5» «ان النبي (صلى الله عليه و آله) كان لا يرد الطيب و الحلواء».

و عن القداح عن ابي عبد الله (عليه السلام) «6» قال: «اتي أمير المؤمنين (عليه السلام) بدهن و قد كان ادهن فادهن و قال انا لا نرد الطيب».

و عن سماعة عن ابي عبد الله (عليه السلام) «7» قال: «سألته عن الرجل يرد الطيب؟ قال لا ينبغي له ان يرد الكرامة».

و عن الحسن بن الجهم «8» قال: «دخلت على ابي الحسن (عليه السلام) فاخرج الي مخزنة فيها مسك فقال خذ من هذا فأخذت منه شيئا فتمسحت به فقال أصلح و اجعل في لبتك منه قال فأخذت منه قليلا فجعلته في لبتي فقال لي أصلح فأخذت منه ايضا فمكث في يدي منه شي‌ء صالح فقال لي اجعل في لبتك ففعلت، ثم قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يأبى الكرامة إلا حمار. قال قلت ما معنى ذلك؟

______________________________
(1) ج 1 ص 274.

(2) رواه في الوسائل في الباب 90 من آداب الحمام.

(3) رواه في الوسائل في الباب 92 من آداب الحمام.

(4) رواه في الوسائل في الباب 92 من آداب الحمام.

(5) رواه في الوسائل في الباب 94 من آداب الحمام.

(6) رواه في الوسائل في الباب 94 من آداب الحمام.

(7) رواه في الوسائل في الباب 94 من آداب الحمام.

(8) رواه في الوسائل في الباب 94 و 95 من آداب الحمام.

577
الحدائق الناضرة في أحکام العترة الطاهرة5

(فصل) في استحباب الطيب ؛ ج 5، ص : 576

قال الطيب و الوسادة، و عد أشياء. الحديث».

بيان: قال في الوافي: أصلح يعني خذ منه قدرا صالحا معتدا به، و اللبة المنحر، و شيئا صالحا اي زمانا يعتد به.

و عن أبي البختري عن ابي عبد الله (عليه السلام) «1» «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يتطيب بالمسك حتى يرى وبيصه في مفارقه».

بيان: الوبيص بالصاد المهملة البريق و اللمعان و المفرق محل فرق الشعر من الرأس. و عن نوح بن شعيب عن بعض أصحابنا‌

عن ابي الحسن (عليه السلام) «2» قال: «كان يرى وبيص المسك في مفرق رسول الله (صلى الله عليه و آله)».

و الاخبار في الباب أكثر من ان يأتي عليها الكتاب.

و على اخبار المسك تمسك اعنة الأقلام و يقطع الكلام ليكون ختامه مسكا تيمنا بما ذكره الملك العلام و اسأل الله سبحانه بمزيد فضله و بركة أهل البيت (عليهم السلام) ان يكون هذا الكتاب وسيلة لديه و لديهم صلوات الله عليهم أجمعين في يوم القيامة و ان يوفقني لإكماله و الفوز بسعادة الاختتام، و هو المجلد الثاني «3» من كتاب الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة و يتلوه ان شاء الله تعالى في المجلد الثالث كتاب الصلاة، و قد وقع الفراغ من تحريره في الأرض المقدسة التي هي على التقوى مؤسسة أرض كربلاء المعلى في جوار سيد الشهداء و امام السعداء صلوات الله عليه و على آبائه و أبنائه النجباء بتاريخ اليوم السادس و العشرين من شهر جمادى الثانية من السنة الثامنة و السبعين بعد المائة و الالف من الهجرة المحمدية على مهاجرها و آله أفضل الصلاة و التحية، و كتبه مؤلفه بيمينه الداثرة أعطاه الله تعالى كتابه بها في الآخرة فقير ربه الكريم يوسف بن احمد بن إبراهيم البحراني عفى عنهم بمنه حامدا مصليا مسلما مستغفرا.

______________________________
(1) رواه في الوسائل في الباب 95 من آداب الحمام.

(2) رواه في الوسائل في الباب 95 من آداب الحمام.

(3) هذا بحسب ترتيب المصنف (قدس سره) حيث جعل كتاب الطهارة مجلدين الأول ينتهي بانتهاء فصل غسل الجنابة و الثاني ينتهي بانتهاء كتاب الطهارة، و قد جعلناه في هذه الطبعة خمسة اجزاء و بانتهاء هذا الجزء (الخامس) ينتهى كتاب الطهارة و يتلوه الجزء السادس في مقدمات الصلاة، و الحمد لله أولا و آخرا.

578