×
☰ فهرست و مشخصات
مجمع البحرين1

المقدمة ص 9

الجزء الأول‌

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* و به نستعين‏

الحمد لمن‏ خَلَقَ الْإِنْسانَ‏، و عَلَّمَهُ الْبَيانَ‏ و التبيان، و أوضح له الهدى و الإيمان، و الصلاة على من خُصّ بالفرقان، و الآثار المحمودة الحسان، و آله حجج الرحمن، المطهرين عن الرجس بنص القرآن. أما بعد: فلما كان العلم باللغة العربية من الواجبات العقلية، لتوقف العلوم الدينية عليه، وجب على المكلفين معرفته و الالتفات إليه، و حيث لا طريق إلى معرفة غير المتواتر منها سوى الآحاد المستفادة من التتبع و الاستقراء مست الحاجة إلى ضبط ما هو بالغ في الاتفاق حدا يقرب من الإجماع و يوثق به في الانتفاع. و لما صنف في إيضاح غير الأحاديث المنسوبة إلى الآل كتب متعددة و دفاتر متبددة، و لم يكن لأحد من الأصحاب و لا لغيرهم من أولي الألباب مصنف مستقل موضح لأخبارنا مبين لآثارنا، و كان جمع الكتب في كل وقت متعبا و تحصيلها عن آخرها معجزا معجبا و وفق الله سبحانه المجاورة لبيته الحرام و للحضرة الرضوية على مشرفها السلام و ظفرت هناك و هنالك بعدد عديد من الكتب اللغوية كصحاح الجوهري، و الغريبين للهروي، و الدر النثير، و نهاية ابن الأثير، و شمس العلوم، و القاموس، و مجمع البحار المأنوس، و فائق اللغة، و أساسها، و المجمل من أجناسها، و المغرب‏

9
مجمع البحرين1

المقدمة ص 9

الغريب، و شرح النهج العجيب، و نحوها من الكتب المرضية و الشروح المطلعة على النكت الخفية حداني ذلك على الشروع في تأليف كتاب كاف شاف يرفع عن غريب أحاديثنا أستارها، و يدفع عن غير الجلي منها غبارها. ثم إني شفعته بالغرائب القرآنية و العجائب البرهانية ليتم الغرض من مجموعي الكتاب و السنة لمن رام الانتفاع بهما، و يتحصل المطلوب فيه من كل منهما، إذ لا يجد الجلم كل واجد، و ليس العلم مخصوصا منهما بواحد. ثم إني اخترت لترتيبه من الكتب الملاح ما أعجبني ترتيبه من كتاب الصحاح، غير أني جعلت بابي الهمزة و الألف بابا واحدا ليكون التناول أسهل و الانتشار أقل. و حين تم التأليف صببته في قالب الترصيف، معلما لكل حرف من حروف الهجاء كتابا، و لكل كتاب أبوابا، باذلا فيه جهدي، مغنيا فيه كدي، طالبا فيه رضى ربي، إنه وليي و حسبي. و سميته ب (مجمع البحرين و مطلع النيرين).

10
مجمع البحرين1

كتاب الألف ص 11

كتاب الألف‏

11
مجمع البحرين1

باب الألف المفردة ص 13

باب الألف المفردة
 (أ) الألف المفردة على ضربين: ليِّنة و متحرّكة، و اللينة تسمّى" ألفا" و المتحركة تسمى" همزة". و الألف قد تكون منقلبة عن الواو كغزا أو عن الياء كرمى، و قد لا تكون كذلك كإلى و إذا و حتى، و قد تكون من حروف المد و اللين و الزيادات، و قد تكون في الأفعال ضمير الاثنين كفعلا و يفعلان، و تكون في الأسماء علامة الاثنين و دليلا على الرفع نحو" رجلان". و الهمزة قد ينادى بها تقول:" أ زيد أقبل" إلا أنها للقريب دون البعيد لأنها مقصورة، و قد تزاد في الكلام للاستفهام تقول:" أ زيد عندك أم عمرو". فإن اجتمعت همزتان فصلت بينهما بألف، قال ذو الرمة
أيا ظبية الوعساء بين جلاجل             و بين النقا آ أنت أم أم سالم‏

و الهمزة أصل أدوات الاستفهام و لهذا اختصت بأحكام: أحدها: جواز حذفها- سواء تقدمت على أم كقول عمر بن أبي ربيعة:
بسبع رمين الجمر أم بثمان‏


أم لم تقدم كقوله:
أحيا و أيسر ما قاسيت قد قتلا


الثاني: أنها ترد لطلب التصور نحو

13
مجمع البحرين1

باب الألف المفردة ص 13

" أ زيد قائم أم عمرو" و لطلب التصديق نحو" أ زيد قائم" و هل مختصة بطلب التصديق نحو" هل قام زيد" و بقية الأدوات مختصة بطلب التصور نحو" من جاءك" و" ما صنعت" و" كم مالك" و" أين بيتك" و" متى سفرك". الثالث: أنها تدخل على الإثبات- كما تقدم- و على النفي نحو أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏
. الرابع: تمام التصدير بها، و ذلك أنها إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف، تنبيها على أصالتها في التصدير نحو أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا
، أَ فَلَمْ يَسِيرُوا*
، أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ‏
 و أما أخواتها فتتأخر عن العاطف- كما هو قياس جميع أجزاء الجملة المعطوفة- نحو: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ، فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ*، فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ، فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ- هذا هو مذهب سيبويه و عليه الجمهور. و زعم جماعة- منهم الزمخشري-: أن الهمزة في تلك المواضع في محلها الأصلي، و أن العطف على جملة مقدرة بينها و بين العاطف، و التقدير" أَ* مكثوا فَلَمْ يَسِيرُوا"*،" أَ نهملكم فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً"،" أَ تؤمنون به في حياته فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ"،" أَ نحن مخلدون فَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ". و هو تكلف بما لا حاجة إليه. و قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي. فتكون للتسوية نحو قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ. و للإنكار الإبطالي، فتقتضي بطلان ما بعدها و كذب مدعيه نحو أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ‏
. و للإنكار التوبيخي، فيقتضي أن ما بعدها واقع و فاعله ملوم نحو: أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ‏
. و للتقرير، و معناه حملك المخاطب على الإقرار و الاعتراف بأمر استقر ثبوته عنده أو نفيه، و يجب أن يليها الشي‏ء المقر

14
مجمع البحرين1

باب الألف المفردة ص 13

به، تقول في التقرير بالفعل:" أ ضربت زيدا" و بالفاعل:" أ أنت ضربت زيدا" و بالمفعول:" أ زيدا ضربت". و للتهكم نحو أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا
. و للأمر نحو أَ أَسْلَمْتُمْ‏
. و للتعجب نحو أَ لَمْ تَرَ إِلى‏ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ‏
. و للاستبطاء نحو أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
. و الهمزة على ضربين: ألف وصل و ألف قطع، فكل ما يثبت في الوصل فهو ألف القطع و ما لم يثبت فهو ألف الوصل. و ألف القطع قد تكون زائدة مثل ألف الاستفهام، و قد تكون أصلية مثل" أَخَذَ" و" أَمَرَ".
باب ما أوله الهمزة
 (أبا)
قوله تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ‏
 جعل إبراهيم أبا للأمة كلها، لأن العرب من ولد إسماعيل و أكثر العجم من ولد إسحاق، و لأنه أبو رسول الله (ص) و هو أب لأمته، فالأمة في حكم أولاده، و مثله قوله: وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ‏
 أضيف الأب إليهما لأنه من نسلهما. و قد تجعل العرب العمّ أبا و الخالة أمّا، و منه قوله تعالى: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ‏
 يعني الأب و الخالة، و كانت أمّه راحيل قد ماتت. قوله: أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُون‏

15
مجمع البحرين1

أبا ص 15

شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ قال الشيخ أبو علي (ره): أخبر سبحانه عن الكفار منكرا عليهم أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ‏
 أي يتبعون آباءهم فيما كانوا عليه من الشرك و عبادة الأوثان، و إن كان آباؤهم لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً من الدين وَ لا يَهْتَدُونَ إليه. و في هذه الآية دلالة على فساد التقليد و أنه لا يجوز العمل به في شي‏ء من أمور الدين إلا بحجة، و فيها دلالة على وجوب المعرفة و أنها ليست ضرورية، لأنه سبحانه بيّن الحِجَاج عليهم ليعرفوا صحة ما دعاهم الرسولُ إليه، و لو كانوا يعرفون الحق ضرورة لم يكونوا مقلِّدين لآبائهم.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" كُلُّكُمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا مَنْ أَبَى".
أي امتنع و ترك الطاعة التي يستوجب بها الجنة. و مثله:
" الْمَلَأُ أَبَوْا عَلَيْنَا".
أي امتنعوا من إجابتنا إلى الإسلام. و منه‏
حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع)- وَ قَدْ جَمَعَ وُلْدَهُ لِلْوَصِيَّةِ وَ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ ذَكَراً-:" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَبَى إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ فِيَّ سُنَّةً مِنْ يَعْقُوبَ".
و منه:
" أَبَى اللَّهُ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا سِرّاً".
أي كره ذلك في الدولة الظالمة دولة الشيطان، و ذلك لأن الدولة دولتان: دولة الشيطان و دولة الرحمن، فإذا كانت العبادة سرّا فالدولة دولة الشيطان، و إذا كانت العبادة جهرا فالدولة دولة الرحمن. و" أَبَوْتُ الصبيَّ أَبْواً": غَذَوْتُه. و بذلك سمّي الأَبُ أَباً. و الأَبُ لامه محذوفة و هي واو. و يطلق على الجدّ مجازاً. و في لغة قليلة تشدّد الباء عوضا عن المحذوف فيقال:" هو الأبُّ". و في لغة يلزم التقصير مطلقا فيقال:" هذا أبَاهُ" و" رأيت أبَاهُ" و" مررت بِأَبَاهُ". و في لغة الأقل يلزمه النقص مطلقا، فيستعمل استعمال" يد" و" دم". و الأُبُوَّةُ: مصدر من الأب، مثل الأمومة و الأخوة و العمومة و الخؤولة. و الأبَوَانِ: الأب و الأم.

16
مجمع البحرين1

أبا ص 15

و إذا جمعت الأب بالواو و النون قلت:" أبُونَ". قال الجوهري: و على هذا قرأ بعضهم: و إله أَبِيكَ إبراهيم و إسماعيل و إسحاق يريد جمع" أب" أي أَبِينَك، فحذفت النون للإضافة. و النسبة إلى أب" أَبَوِيّ". و
فِي الْحَدِيثِ:" بِآبَائِنَا وَ أُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ".
و هذه الباء يسمّيها بعض النحاة باء التَّفْدِيَة يحذف فعلها في الغالب، و التقدير:" نُفَدِّيكَ بآبائنا و أمهاتنا". و هي في التحقيق باء العوض نحو" خُذْ هذا بهذا". قال بعض المحققين: و عُدَّ منه قوله تعالى: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، ثم قال: و يمكن جعل الباء في الحديث للمعية أيضا و المعنى:" نحن فداء مع آبائنا و أمهاتنا". و قولهم:" يا أبَةِ افعل" يجعلون علامة التأنيث عوضا عن ياء الإضافة، كقولهم في الأم:" يا أمة". قال الجوهري: تقف عليها بالهاء إلا في القرآن فإنك تقف بالياء. و
فِي الْحَدِيثِ:" لِلَّهِ أَبُوكَ".
قيل: الأصل فيه أنه إذا أضيف شي‏ء إلى عظيم اكتسي عظما كبيت الله، فإذا وجد من الولد ما يحسن موقعه قيل:" لله أبُوكَ" للمدح و التعجب، أي لله أبوك خالصا حيث أتى بمثلك. و مثله:" لله دَرُّهُمْ" فإنه دعاء لهم بالخير، بخلاف" لله أبُوهُمْ" فقيل: هو تهزُّؤ، و قيل: تعجُّب منهم و ليس بدعاء. و قولهم:" لا أبَا لك" قد يكثر في المدح، أي لا كافي لك غير نفسك، و قد يذكر في الذم ك" لا أم لك"، و قد يذكر في التعجب، و بمعنى جد في الأمر و شمر، لأن من له أب اتَّكل عليه. و اللام زيدت لتأكيد الإضافة كما زيدت في قوله تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ مؤكدة لإرادة التبيين. و قد يقال:" لا أبَاكَ" بترك اللام. و أُبَيّ- بضم الهمزة و تشديد الياء-:

17
مجمع البحرين1

أبا ص 15

اسم رجل من القراء، و منه:
" نَحْنُ نَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ أُبَيّ".
و أنكروا قراءة ابن مسعود لأنه ضال. و الأَبْوَاء- بفتح أوّله و سكون ثانيه و المدّ أخيرا-: مكان بين الحرمين عن المدينة نحوا من ثلاثين ميلا. نقل أنه مولد أبي الحسن موسى عليه السلام- و فيه قبة آمنة أم النبي (ص). سمّي بذلك لتبوُّء السّيل و نزوله فيه.
 (أتا)
قوله: فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ‏
 أي أعطت ثمرتها ضعفي غيرها من الأرضين. قوله: وَ آتُوا الزَّكاةَ*
 أي أعطوها، يقال:" آتَيْتُه" أي أعطيته. و أتَيْتُه- بغير مدّ- أي جئته. قوله: آتِنا غَداءَنا
 أي ائتنا به. قوله: وَ آتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا
 أي أعطوا أزواجهن ما أنفقوا، أي ادفعوا إليهم المَهْر. قوله: وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ‏
 أي جازاهم. قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ‏
 أي ما ينظر هؤلاء إلا أن تأتيهم ملائكة الموت أو العذاب أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ‏
 أي كل آيات ربك، بدلالة قوله: أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ‏
 يريد آيات القيامة و الهلاك الكلي، و بعض الآيات أشراط الساعة، كطلوع الشمس من مغربها و غير ذلك، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ‏
 التي يزول التكليف عندها لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ أي لا ينفع الإيمان حينئذ نفسا لم تقدم إيمانها من قبل ظهور الآيات- قاله الشيخ أبو علي (ره). قوله: حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ
 أي تشرع لنا تقريب قربان تأكله النار. قوله: أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ‏
 أي أتى وعدا فلا تستعجلوه وقوعا، فإن العرب تقول:

18
مجمع البحرين1

أتا ص 18

" أتَاكَ الأمرُ و هو متوقّع". قوله: أَتَيْنا طائِعِينَ‏
 أي جئنا طائعين، و قرأ ابن عباس بالمد فيكون المعنى:" أعطينا الطاعة". قال الشيخ محمد بن محمد بن النعمان (ره): هو سبحانه و تعالى لم يخاطب السماء بكلام و لا السماء قال قولا مسموعا، و إنما أراد أنه عمد إلى السماء فخلقها و لم يتعذر خلقها عليه، و كأنه لما خلقها قال لها و للأرض:" ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً"
 فلما فعلتا بقدرته كانتا كالقائلتين:" أَتَيْنا طائِعِينَ"
، و مثل ذلك كثير في محاورات العرب. قوله: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
 أي أتى مكرهم من أصله، و هو تمثيل لاستيصالهم، و المعنى أنهم فعلوا حيلا ليمكروا الله بها فجعل الله هلاكهم في تلك الحيل، كحال قوم بنوا بنيانا و عمدوه بالأساطين و أتى البنيان من الأساطين بأن ضعفت فسقط عليهم السقف فهلكوا. و في التفسير: أراد صرح نمرود. قوله: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ‏
 الضمير للقرآن، أي ليس فيه ما لا يطابق الواقع لا في الماضي و لا في الحال- كذا روي عن أهل البيت عليهم السلام. قوله: وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً
 أي يشبه بعضه بعضا، فجائز أن يشتبه في اللون و الخلقة و يختلف بالطعم، و جائز أن يشتبه بالنبل و الجودة فلا يكون فيه ما يفضله غيره قوله حكاية عن الشيطان: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ‏
 الآية، أي لآتينهم من الجهات الأربع التي يأتي العدو منها في الغالب، و هذا مثل لوسوسته إليهم على كل وجه يقدر عليه. و
عَنِ الْبَاقِرِ (ع) قَالَ: لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ‏
 يَعْنِي أُهَوِّنُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ الْآخِرَةِ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ آمُرُهُمْ بِجَمْعِ الْأَمْوَالِ وَ الْبُخْلِ بِهَا عَنِ الْحُقُوقِ لِتَبْقَى لِوَرَثَتِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ أُفْسِدُ عَلَيْهِمْ أَمْرَ دِينِهِمْ بِتَزْيِينِ الضَّلَالَةِ وَ تَحْسِينِ الشُّبْهَةِ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ بِتَحْبِيبِ اللَّذَّاتِ إِلَيْهِمْ وَ تَغْلِيبِ الشَّهَوَاتِ عَلَى قُلُوبِهِمْ.

19
مجمع البحرين1

أتا ص 18

و عن بعض المفسرين: إنما دخلت" من" في القدام و الخلف و" عن" في الشمال و اليمين لأن في القدام و الخلف معنى طلب النهاية و في اليمين و الشمال الانحراف عن الجهة. قوله: وَ الَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
 أي يعطون ما أعطوا. و قرئ يُؤْتُونَ ما أَتَوْا بغير مدّ، أي يفعلون ما فعلوا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أي يعملون العمل و هم يخافونه و يخافون لقاء الله.
وَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ (ع):" مَا الَّذِي أَتَوْا بِهِ أَتَوْا وَ اللَّهِ بِالطَّاعَةِ مَعَ الْمَحَبَّةِ وَ الْوَلَايَةِ وَ هُمْ مَعَ ذَلِكَ خَائِفُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، وَ لَيْسَ- وَ اللَّهِ- خَوْفُهُمْ خَوْفَ شَكٍّ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ إِصَابَةِ الدِّينِ وَ لَكِنَّهُمْ خَافُوا أَنْ يَكُونُوا مُقَصِّرِينَ فِي الْمَحَبَّةِ وَ الطَّاعَةِ".
و الْمَأْتِيُّ: الآتِي. و منه قوله تعالى: كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا
. و
فِي حَدِيثِ الْمُكَاتَبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَ آتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ‏
 قَالَ:" تَضَعَ عَنْهُ مِنْ نُجُومِهِ الَّتِي لَمْ تَكُنْ تُرِيدُ أَنْ تَنْقُصَهُ مِنْهَا ..
" الحديث.
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ:" يَضَعُ عَنْهُ مِمَّا يَرَى أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَيْهِ".
و في كلام بعض المحقّقين: يجب على المولى إعانته من مال الزكاة لقوله تعالى: وَ آتُوهُمْ الآية، لأن مال الله هو الزكاة على ما هو المعروف ضد الإطلاق،a

20
مجمع البحرين1

أتا ص 18

و الأمر للوجوب، و لا يضر تطرق الاحتمال، لأن الوجوب المستفاد من الأمر كالقرينة على إرادته ... انتهى. و في المسألة أقوال: الوجوب مطلقا، و العدم مطلقا، و الوجوب من الزكاة للمطلق دون المشروط. و
فِي الْحَدِيثِ:" مِنْ هَاهُنَا أَتَيْتَ".
أي من هاهنا دخل عليك البلاءُ- قاله المطرزي في المغرب. و فيه:" لَيَأْتِيَنَّ على الأمة كذا" أي ليغلبن عليهم ذلك، بقرينة" على" المشعرة بالغلبة المؤذنة بالهلاك. و أتَى الرجل يَأْتِي أَتْياً: جاء. و الإتْيَان الاسم منه. و" أَتَيْتُك في الحديث على وجهه" أي جئتك به على مساقه تاما من غير تغيير و لا حذف. و أَتَيْتُ تُستعمَل لازما و متعديا. و أتَا يَأتُو أَتْواً: لغة فيه. و" أَتَى عليه الدهرُ" أهلكه. و" تَأْتِي له الأمرُ" تسهل و تهيأ. و" أَتَى الرجُلُ أَمَةً" زنى بها، و الحائضَ: جامعها. و" جاءهم سَيْل أَتِيّ"- بفتح أوله و تشديد آخره-: و أَتَاوِيّ أيضا، أي سيل لم يُصبه مطره. و المُوَاتَاة: حسن المطاوعة و الموافقة، و أصله الهمزة و خفف و كثر حتى صار يقال بالواو الخالصة. و منه‏
الْحَدِيثَ:" خَيْرُ النِّسَاءِ الْمُوَاتِيَةُ لِزَوْجِهَا".
و" مَأْتَى الأمرِ"- بفتح ما قبل الآخر-: وجهه الذي يُؤْتَى منه. و
فِي حَدِيثٍ الدُّبُرِ:" هُوَ أَحَدُ الْمَأْتَيَيْنِ فِيهِ الْغُسْلُ".
هو بفتح التاء الفوقانية و تخفيف الياء التحتانية.
 (أخا)
قوله تعالى: يا أُخْتَ هارُونَ‏
 أي شبيهته في الزهد و الصلاح، و كان رجلا عظيم الذكر في زمانه. و
قِيلَ: كَانَ لِمَرْيَمَ أَخٌ يُقَالُ لَهُ هَارُونُ.
قوله: أَخا عادٍ
 هو هود (ع).

21
مجمع البحرين1

أخا ص 21

قوله: أَخاهُمْ هُوداً*
 لأنهم يجتمعون إلى واحد، و منه" يا أخَا العرب" للواحد منهم. قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ‏
 الآية. قال الشيخ أبو علي (ره): وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ‏
 أي لأجل إخوانهم، و قوله: لِيَجْعَلَ يتعلق ب قالُوا أي قالوا ذلك و اعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم، و يكون اللام للعاقبة، كما في قوله: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً، و يجوز أن يكون المعنى" لا تكونوا مثلهم في النطق بذلك القول و اعتقاده ليجعله الله حسرة في قلوبهم خاصة و يصون منها قلوبكم"، و إنما أسند الفعل إلى الله لأنه سبحانه عند ذلك الاعتقاد الفاسد يضع الحسرة في قلوبهم و يضيق صدورهم، و هو قوله: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً. قوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ‏
 يريد المشاكلة، لأن الأُخُوَّة إذا كانت في غير الوِلادة كانت للمُشاكلة و الاجتماع في الفعل، كقولك:" هذا الثوب أخُو هذا الثوب". و منه قوله تعالى: وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها
 أي من التي تشبهها. و منه قوله:" لي إخْوَانٌ" أي أصدقاء.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ".
و معناه كما جاءت به الرواية
عَنْ سُلَيْمَانَ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع)، قَالَ:" يَا سُلَيْمَانُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نُورِهِ، وَ صَبَغَهُمْ بِرَحْمَتِهِ، وَ أَخَذَ مِيثَاقَهُمْ لَنَا بِالْوَلَايَةِ، فَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ لِأَبِيهِ وَ أُمِّهِ، أَبُوهُ النُّورُ وَ أُمُّهُ الرَّحْمَةُ" الْحَدِيثَ.
و
فِيهِ:" لَمْ تَتَوَاخَوْا عَلَى هَذَا الْأَمْرِ وَ لَكِنْ تَعَارَفْتُمْ عَلَيْهِ".
و المعنى أن الأُخُوَّة كانت بينكم في الأزل لا اليوم، و إنما التعارف اليوم.
وَ فِي الْخَبَرِ:" أَكْرِمُوا أَخَاكُمْ".
و يعني به نفسه (عليه السلام) هضْما لها، أي أكرموا مَن‏

22
مجمع البحرين1

أخا ص 21

هو بشر مثلكم. و الأَخُ محذوف اللام و هي واو، و ترد في التثنية على الأشهر، فيقال:" أخَوَان". و في لغة تستعمل منقوصا فيقال:" أخَان" و جمعه إخْوَة و إخْوَان- بالكسر فيهما. و ضم الهمزة لغة، و جمعه بالواو و النون، و على" إخَاء" كإباء أقل. و الأنثى" أُخْت" و جمعها" أخَوَات". و تقول:" هو أخُو الصّدق" أي ملازم له. و" أخُو الغِنى" أي ذو الغنى. و" خُوَّةُ الإسلام" لغة في الأُخُوَّة. و" تَأَخَّيْتُ الشي‏ء" بمعنى قصدته و تحرّيته. و في المجمل: قال بعض أهل العلم: سمي الأَخَوان لتأخِّي كلّ واحد منهما ما يَتَأخَّاه الآخرُ. و" آخَى بين الرجلين" أي جعل بينهما أخوّة. و" آخَيْتُ بين الشيئين"- بهمزة ممدودة و قد تقلب واوا على البدل- أي شابهت بينهما. و قالوا:" لا أخَا لك" و يريدون المدح أو الذم.
 (أدا)
قوله تعالى: وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ‏
 أي إيصال إليه و قضاء. و منه" و أَدَّى دَيْنَه" و" أَدَّى الأمانة إلى أهلها" أي أوصلها. و الاسم الأَدَاء و التَّأدِيَة. قوله: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا
 أي ظلما.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ مَا أُؤَدِّي بِهِ أَمَانَتِي".
أي أقضي ما ائتمنتني عليه من الحقوق.
وَ فِي حَدِيثِ الْمَيِّتِ مَعَ وُلْدِهِ:" نُؤَدِّيكَ إِلَى حُفْرَتِكَ".
أي نوصلك إليها. و
فِيهِ:" مَنْ غَسَّلَ مَيِّتاً وَ أَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ".
و معناه كما جاءت به الرواية أن لا يخبر بما رآه منه.
وَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِنْجَاءِ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَافِظِ الْمُؤْدِي".
- بتخفيف الدال- كأنه من‏

23
مجمع البحرين1

أدا ص 23

أدَاهُ كأعطاه: إذا قوّاه و أعانه. و الأدَاة: آلة الحرب من سلاح و نحوه. و في الحديث ذكر الإدَاوَة- بالكسر- و هي المِطْهَرة، و الجمع الأَدَاوَى- بفتح الواو. و في المصباح و غيره: هي إناء صغير من جلد يتطهر به و يشرب. و الأدَاة- بالفتح-: الآلة، و أصلها الواو، و الجمع أَدَوَات.
 (أذا)
قوله تعالى: قُلْ هُوَ أَذىً‏
 أي الحيض مستقذر يؤذي من يقربه نفرة منه، إذ الأَذَى هو ما يكره و يغتمّ به. قوله: أَذىً مِنْ رَأْسِهِ‏
 كجِراحة و قَمْل. قوله: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً‏
 أي إلا ضررا يسيرا، كطعن و تهديد. قوله: كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى‏
 قيل: هو اتهامهم إياه بقتل هارون، و قد كان صعدا الجبل فمات هارون فحملته الملائكةُ و مرّوا به على بني إسرائيل مَيْتاً، و قيل: رموه بعيب في جسده من برص أو أُدْرَة فأطلعهم الله على أنه بري‏ء من ذلك. قوله: وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما
 قيل: المراد اللواط، لإتيانه بلفظ التذكير، و أكثر المفسِّرين على إرادة الزنا، و التثنية للفاعل و المرأة، و غلّب التذكير، و المراد بِالْإِيذَاء قيل: التعيير و التوبيخ و الاستخفاف، فعلى هذا لا يكون منسوخا، لأنه حكم ثابت مطلقا، بل المنسوخ الاقتصار عليه، و على الأول يعني اللواط، فالْإِيذَاء هو القتل، و هو أبلغ مراتبه. قوله: يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏
 أي‏

24
مجمع البحرين1

أذا ص 24

قالوا: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً*، و قيل: أولياءَه. قوله: فَإِذا أُوذِيَ فِي اللَّهِ‏
 أي في ذات الله و بسبب دين الله رجع عن الدين، و هو المراد ب فِتْنَةَ النَّاسِ يعني يصرفهم ما مسَّهم من أذاهم عن الإيمان، كما أن عذاب الله يصرف المؤمنين عن الكفر.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" كُلُّ مُؤْذٍ فِي النَّارِ".
و هو وَعيد لمن يُؤذِي الناس في الدنيا بعقوبة النار في الآخرة.
وَ فِي حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ:" أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى".
يريد به الشعر و النجاسة و ما يخرج على رأس الصبي حين يُولَد مما يؤذيه. و ما
رُوِيَ مِنْهُ:" صِيَامُ أَذَى حَلْقِ الرَّأْسِ".
فالظاهر أن يراد به صيام أَذَى الشعر المُوجِب لحلق الرأس و ما قاربه. و" أَذَى الطريقِ" ما يُؤذي فيها من شَوْك و نجاسة و نحو ذلك. و" أَذِيَ الرجل أَذًى" من باب تعب: وصل إليه المكروه، فهو" أذٍ" مثل عمٍ، و يعدَّى بالهمزة فيقال:" آذَيْتُه إيذاءً" و الأَذِيَّة: اسم منه. و" إذا" الجوابية المبدلة نونها ألفا في الوقف في الأصح، عملها نصب المضارع بشرط تصديرها، و استقباله، و اتصالها، أو انفصالها بالقسم، أو بلاء النافية. و عن جماعة من النحويين: إذا وقعت بعد الواو و الفاء جاز الوجهان، نحو: وَ إِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلًا
، فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً. و قرى‏ء شاذا بالنصب فيهما.
وَ فِي حَدِيثِ شُرَيْحٍ:" إِذَنْ لَمْ تَشْتَرِهَا بِدِرْهَمَيْنِ".
فإذن هي الجوابية. و الأكثر وقوعها بعد" إن" و" لو"، و لكن اختلف في كتابتها، و المشهور بالألف، و المازني بالنون، و الفراء كالجمهور إذا أعملت و كالمازني إذا أهملت. و أما" إذَا" التي لا تنون فلها معان:

25
مجمع البحرين1

أذا ص 24

تكون ظرفا يستقبل بها الزمان، و فيها معنى الشرط نحو" إذَا جئت أكرمتك". و للوقت المجرَّد نحو" قُمْ إذَا احمرّ البُسْرُ" أي وقت احمراره. و مرادفة للفاء، فيُجازى بها كقوله تعالى: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ‏
. و تكون للشي‏ء توافقه في حال أنت فيها، و ذلك نحو" خرجت فإذا زيد قائم" المعنى: خرجت ففاجأني زيد في الوقت بقيام.
 (تنبيه)
قال بعض الأعلام: إذا دلَّت" إذَا" على الشرط فلا تدل على التكرار على الصحيح. و قيل: تدل ك" كُلَّما". و اختاره ابن عصفور، قال: و كما لا تدل" إذا" على التكرار لا تدل على العموم على الصحيح، و قيل: تدل. و جعل من فروعه أن يكون له عبيد و نساء فيقول:" إذا ولدتْ امرأتي فعبد من عبيدي حُرٌّ" و ولدت أربعا بالتوالي أو المعية فلا يعتق إلا عبد واحد و ينحلُّ اليمين. و الخلاف في" مَتَى" و" متى ما" في الدلالة على التكرار و عدمه كالخلاف في" إذا".
و أما" إذْ" فكلمة تدلّ على ما مضى من الزمان، و لها استعمالات: تكون ظرفا- و هو الغالب- نحو قوله تعالى: فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
. و مفعولا به نحو قوله تعالى: وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ‏
، وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ*، وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ. و بدلا من المفعول نحو: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ‏
 فإذ بدل اشتمال من مريم. و مضافا إليها اسم زمان صالح للاستغناء عنه نحو" حينئذ" و" يومئذ"، و غير صالح له نحو: بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا
. و تكون" إذْ" حرف جزاء إلا أنه لا يجازى به إلا مع" ما". تقول:" إذْمَا تأتِني آتِك" كما تقول:" إن تأتني‏

26
مجمع البحرين1

تنبيه ص 26

وقتا آتك". و للشي‏ء توافقه في حال أنت فيها، و لا يليها إلا الفعل تقول:" بينما أنا كذا إذْ جاءني زيد". و اسما للزمن المستقبل نحو يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. و للتعليل نحو وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ‏
 أي لن ينفعكم اليوم إشراككم لأجل ظلمكم في الدنيا. و زائدة نحو قوله: وَ إِذْ واعَدْنا
.
 (أرا)
الأرْوَى- على أفعل-: الذكر من الوعول. و الأُرْوِيَّة- بضم الهمزة و إسكان الراء و كسر الواو و تشديد الياء- الأنثى. و الجمع: أرَاوٍ.
وَ فِي الْخَبَرِ:" أَنَّ يُونُسَ بْنَ مَتَّى لَمَّا طُرِحَ بِالْعَرَاءِ وَ أَنْبَتَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْيَقْطِينَةَ هَيَّأَ لَهُ أُرْوِيَّةً وَحْشِيَّةً تَرْعَى فِي الْبَرِّيَّةِ وَ تَأْتِيهِ فَتَرْوِيهِ مِنْ لَبَنِهَا كُلَّ بُكْرَةٍ وَ عَشِيَّةٍ حَتَّى نَبَتَ لَحْمُهُ".
 (أزا)
فِي الْخَبَرِ:" فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى آزَتَا شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ".
الإزَاءُ- بالكسر-: المحاذاة و المقابلة، يقال:" آزَيْنَا العدوَّ و وَازَيْنَاهُمْ" أي قابلناهم. و روي في صلاة الخوف بالواو، و أنكره الجوهري. و قولهم:" هو بِإزَائِهِ" أي بحذائه. و
" هَاشِمِيٌّ لَا يُوَازَى".
أي لا يُحاذى و لا يُقابَل، لهَيْبته و عِظَم شأنه.
 (أسا)
قوله تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ‏
 أي لا تحزن. قوله:" آسَى" أي أحزن، من قولهم: أَسِيَ أسًى- من باب تعب: حَزِنَ، فهو آسٍ أي حزين.

27
مجمع البحرين1

أسا ص 27

قوله: أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ*
 هي بكسر الهمزة و ضمّها: القُدْوة، أي ائتمام و اتباع. و منه‏
الْحَدِيثُ:" لَكَ بِرَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ وَ بِعَلِيٍّ أُسْوَةٌ".
و منه قولهم:" تَأَسَّيْتُ و اتَّسَيْتُ". و" المال أُسْوَة بين الغُرَماء" أي شركة و مساهمة بين غرماء المُفْلِس لا ينفرد به أحدُهم دون الآخر.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" مُوَاسَاةُ الْإِخْوَانِ".
و هي مشاركتهم و مساهمتهم في الرزق و المعاش. قيل: و لا يكون إلا عن كفاف لا عن فضلة، و أصلها الهمزة فقلبت واوا تخفيفا. و" تَآسَوْا" أي آسَى بعضُهم بعضا، قال الشاعر:
و إنّ الأُلى بالطَّفِّ مِنْ آلِ هاشم             تَآسَوْا فَسَنُّوا للكرام تَآسِيا

و آسِيَة بنْتُ مُزاحِم: امرأة فرعون- عليها الرحمة-
رُوِيَ:" أَنَّهَا لَمَّا عَايَنَتِ الْمُعْجِزَ مِنْ عَصَا مُوسَى وَ غَلَبَتِهِ السَّحَرَةَ أَسْلَمَتْ، فَلَمَّا بَانَ لِفِرْعَوْنَ ذَلِكَ نَهَاهَا، فَأَبَتْ، فَأَوْتَدَ يَدَيْهَا وَ رِجْلَيْهَا بِأَرْبَعَةِ أَوْتَادٍ وَ أَلْقَاهَا فِي الشَّمْسِ، ثُمَّ أَمَرَ أَنْ تُلْقَى عَلَيْهَا صَخْرَةٌ عَظِيمَةٌ، فَلَمَّا قَرُبَ أَجَلُهَا قَالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ فَرَفَعَهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْجَنَّةِ، فَهِيَ فِيهَا تَأْكُلُ وَ تَشْرَبُ".
وَ عَنِ الْحَسَنِ (ع):" هُوَ أَنَّ آسِيَةَ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ كُلَّمَا أَرَادَ فِرْعَوْنُ أَنْ يَمَسَّهَا تَمَثَّلَتْ لَهُ شَيْطَانَةٌ يُقَارِبُهَا".
و كذلك في عمر مع أمّ كلثوم.

28
مجمع البحرين1

ألا ص 29

 (ألا)
قوله تعالى: آلاءَ اللَّهِ*
 أي نعمه، واحدها" ألَى" بالقصر و الفتح، و قد تكسر الهمزة. و في الغريب: واحدها" أُلى" بالحركات الثلاث. و قيل:" الآلَاء" هي النعم الظاهرة، و" النَّعْمَاء" هي النعم الباطنة. و منه‏
الْحَدِيثُ:" تَفَكَرُّوا فِي آلَاءِ اللَّهِ وَ لَا تَتَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ".
قوله تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ‏
 أي يحلفون على ترك وطء أزواجهم و كأن التعدية بمِن لتضمين معنى الانتفاع. و منه‏
الْحَدِيثُ:" آلَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنْ لَا يَنُوحُوا عَلَى مَيِّتٍ حَتَّى يَبْدَءُوا بِحَمْزَةَ".
أي حَلَفوا. و قوله: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ‏
 هو يفتعل من الأَلِيَّة، أي يحلف. و الأَلِيَّة- على فعيلة- اليمين، و الجمع" ألايَا". و" ألَّى الرجلُ" إذا قصر و ترك الجهد. و منه قوله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا
 أي لا يقصرون لكم في الفساد. و ألَاه يَألُوه- كغزاه- يغزوه-: استطاعه و عليه حُمل‏
قَوْلُ الْمَلَكَيْنِ لِلْمَيِّتِ- عِنْدَ قَوْلِ" لَا أَدْرِي"-:" لَا دَرَيْتَ وَ لَا ائْتَلَيْتَ".
أي لا استطعت. و الألْيَة: ألية الشاة، و لا تكسر الهمزة، و لا يقال" لِيَّة"، و الجمع" ألَيَات" كسجدة و سجدات، و التثنية" ألْيَان" بحذف التاء كسكران. و" إلْيا" نقل أنه اسم علي (ع) بالسريانية، و هي لغة اليهود. و إلى: حرف جر تكون لانتهاء الغاية، تقول:" خرجت من الكوفة إلى مكة". و جائز أن تكون بلغتها و لم تدخلها، لأن النهاية تشمل أول الحد و آخره، و إنما تمتنع مجاوزته. و للمعية نحو: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ*،

29
مجمع البحرين1

ألا ص 29

و حمل بعضهم عليه قوله تعالى: إِلَى الْمَرافِقِ‏
 فتدخل ضرورة، أما إذا كانت للانتهاء فقيل: تدخل بالأصالة لعدم تميز الغاية عن ذي الغاية بمحسوس، و قيل: تدخل بالتبعية لورودها تارة داخلة و أخرى خارجة. و تكون للتبيين، و هي المبينة فاعلية مجرورها، نحو رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ‏
 و مرادفة للام نحو وَ الْأَمْرُ إِلَيْكِ، و قيل: هي هنا لانتهاء الغاية، أي مُنْتهٍ إليك. و بمعنى" في"- ذكره جماعة. و بمعنى" من". و بمعنى" عند" نحو قوله تعالى: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏
 أي محل نحرها عند البيت العتيق. و تزاد للتأكيد، أثبته الفراء. قال الجوهري: قال سيبويه: ألف" إلَى" و" على" منقلبتان من واوين، لأن الألفين لا تكون فيهما الإمالة. و إذا اتصل المضمر بهما قلبت ألفهما ياء، تقول:" إليك" و" عليك" و قل" إلاك" و" علاك".
وَ فِي الدُّعَاءِ:" وَ الشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ".
أي ليس مما يتقرب به إليك. و
قَوْلُهُ:" وَ أَنَا مِنْكَ وَ إِلَيْكَ".
أي التجائي و انتمائي إليك. و
قَوْلِهِ:" اللَّهُمَّ إِلَيْكَ".
أي اقبِضْني أو خُذني أو أشكو [إليك‏] و" إلَيْكَ إليك" كما يقال:" الطَّرِيقَ الطَّرِيقَ" أي تَنَحَّ و أبعِد، و التكرير للتأكيد. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" إِلَيْكَ عَنِّي".
أي تنحّي عني. قال بعض الشارحين: خاطَب الدنيا خِطابَ الزوجة المكروهة

30
مجمع البحرين1

ألا ص 29

منافرا لها، و هو أغرب و ألذّ. و ألَا- بالفتح و التخفيف- تكون لمعان: للتنبيه، يفتتح بها الكلام. و للتوبيخ و الإنكار نحو قوله:
ألا طِعَان ألا فُرْسان عادِيَة


و للتمني نحو قوله:
ألا عُمْر ولَّى مستطاع رجوعه‏


و للاستفهام عن النفي نحو قوله:
ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد


و التحضيض نحو قوله تعالى: أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ‏
. و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" كَانَتِ الْخَيْلُ وُحُوشاً فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، فَصَعِدَ إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْمَاعِيلُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ فَنَادَيَا: أَلَا هَلَا أَلَا هَلُمَّ، فَمَا بَقِيَ فَرَسٌ إِلَّا أَعْطَى بِقِيَادِهِ وَ أَمْكَنَ مِنْ نَاصِيَتِهِ".
فإن" ألا" و" هلا" كل منهما للحثّ و التحضيض، و كأنهما أرادا بذلك الحثّ و الإسراع، يعني إسراعهن بالطاعة. و أُولى- بضم الهمزة- قال الجوهري: هو جمع لا واحد له من لفظه، واحده" ذا" للمذكر و" ذه" للمؤنث، يمدّ و يقصر، فإن قصرته كتبته بالياء و إن مددت بنيته على الكسر، و يستوي فيه المذكر و المؤنث، و تدخل عليه الهاء للتنبيه فيقال:" هؤلاء"، و تدخل عليه الكاف للخطاب تقول:" أولئك" و" أولاك". قال الكسائي: من قال:" أولئك" فواحده" ذلك"، و من قال:" أولاك" فواحده" ذاك"، و" أولالك" مثل‏

31
مجمع البحرين1

ألا ص 29

" أولئك"، و ربما قالوا:" أولئك" في غير العقلاء، قال تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا قال: و أما الأُولَى- بوزن العلى- فهو أيضا جمع لا واحد له من لفظه، واحده" الذي" ... انتهى. و إلَّا- بالكسر و التشديد- قال الجوهري: هو حرف استثناء، يستثنى بها على خمسة أوجه: بعد الإيجاب، و بعد النفي، و المفرغ، و المقدم، و المنقطع. فتكون في المنقطع بمعنى" لكن" لأن المستثنى من غير جنس المستثنى منه. و قد يوصف بإلا، فإن وصفت بها جعلتها و ما بعدها في موضع غير، و أتبعت الاسم بعدها ما قبله في الإعراب، فقلت:" جاءني القوم إلا زيدا" كقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا
، و قال عمرو بن معديكرب:
و كل أخ مفارقه أخوه             لعمر أبيك إلَّا الفرقدان‏

كأنه قال:" غير الفرقدين". ثم قال: و أصل" إلَّا" الاستثناء و الصفة عارضة، و أصل" غير" صفة و الاستثناء عارض، و قد تكون" إلَّا" بمنزلة الواو في العطف ... انتهى. و قد جعلوا منه قوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا
 و قوله: لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ أي و لا الذين ظلموا و لا من ظلم، و تأولهما الجمهور على الاستثناء المنقطع. و في التنزيل: كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏
 أي لكن الذين عاهدتم منهم عند المسجد الحرام و لم يظهر منهم نكث، كبني كنانة و بني ضمرة، فتربصوا أمرهم. و فيه: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏
 قيل: إنها ليست للاستثناء، إذ لو كانت له كانت المودة مسئولة، و ليس كذلك، بل المعنى: و لكن افعلوا المودة في القربى.

32
مجمع البحرين1

ألا ص 29

و فيه: إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ
 قال الشيخ أبو علي (ره): قرئ ألَا من تولى و كفر بالتخفيف، على أن" ألا" للافتتاح، و" من" شرط و جوابه فَيُعَذِّبُهُ.
 (تنبيه)
الاستثناء من النفي إثبات و بالعكس في المشهور. نص عليه جماعة، و دل عليه كلمة التوحيد، و القول بأنها شرعية لا لغوية باطل و
قَوْلِهِ (ص):" لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ".
و
" لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ".
متأول: إما بأن المعنى: لا صلاة حاصلة إلا صلاة بطهور، أو لا صلاة تثبت بوجه من الوجوه إلا باقترانها بطهور.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" وَ إِلَّا كَانَتْ نَافِلَةً".
أي إنْ لم تصادف الأمر على ما قصدته كانت الصلاة لك نافلة.
و ألَّا- بالفتح و التشديد- حرف تحضيض، تختص بالجمل الفعلية الخبرية كسائر أدوات التحضيض. و أولو: جمع لا واحد له من لفظه، واحده" ذو". و أولات: للإناث، واحدها" ذات". تقول:" جاءني أولو الألباب و أولات الأحمال".
 (أما)
قد تكرر في الحديث ذكر الأمة، قال الجوهري: الأَمَة خلاف الحرة، و الجمع" إمَاء" و" آم" و يجمع على" إمْوَان" كإخوان و أصل" أمَة" أمو- بالتحريك- و النسبة إليها" أَمَوِيّ" بالفتح، و تصغيره على" أُمَيَّة". قال: و" أُمَيَّة" أيضا من قريش، و النسبة إليهم" أُمَوِيّ" بالضم و ربما فتحوا، و هو

33
مجمع البحرين1

أما ص 33

في الأصل اسم رجل ... انتهى. و في نقل آخر: أن بني أُمَيَّة ليسوا من قريش، بل كان لعبد شمس بن مناف عبد رومي يقال له:" أُمَيَّة" فنسب إلى عبد شمس، فقيل:" أمية بن عبد شمس" فنسبوا بني أمية إلى قريش لذلك، و أصلهم من الروم، و كان ذلك عند العرب جائزا أن يلحق بالنسب مثل ذلك،
وَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْكَلْبِيِّ مِثْلَ ذَلِكَ، حَيْثُ تَبَنَّاهُ بَعْدَ أَسْرِهِ وَ نَسَبَهُ إِلَيْهِ حِينَ تَبْرَأُ أَبُوهُ مِنْهُ، فَقَالَ (ص):" يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَ الْعَرَبِ زَيْدٌ ابْنِي وَ أَنَا أَبُوهُ" فَدُعِيَ بِزَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
و إمّا المشدّدة المكسورة، قال الجوهري: هي بمنزلة" أو" في جميع أحكامها، إلّا في وجه واحد و هو: أنك تبتدئ في" أو" متيقنا ثم يدركك الشك، و" إمّا" تبتدئ بها شاكا، و لا بد من تكريرها تقول:" جاءني؟ إما زيد و؟ إما عمرو" ... انتهى. و في التنزيل: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً*
 قيل: هي شرط ذكرت بحرف الشك للتنبيه على أن إتيان الرسل أمر جائز غير واجب، كما ظنه أهل التعليم، و ضمت إليها" ما" لتأكيد معنى الشرط، و لذلك أكد فعلها بالنون.
وَ فِي حَدِيثِ بَيْعِ الثَّمَرَةِ:" إِمَّا لَا فَلَا تُبَايَعُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ".
قيل: هي كلمة ترد في المحاورات كثيرا، و أصلها" إن" و" ما" و" لا" فأدغمت النون في الميم و" ما" زائدة في اللفظ لا حكم لها، و معناها: إن لم تفعل هذا فليكن هذا. و" أَمَّا" المشددة المفتوحة، قال الجوهري: هي لافتتاح الكلام، و لا بد

34
مجمع البحرين1

أما ص 33

من الفاء في جوابه، تقول:" أَمَّا عبد الله فقائم"، و إنما احتيج إلى الفاء في جوابه لأن فيه تأويل الجزاء، كأنك قلت:" مهما يكن من شي‏ء فعبد الله قائم". ثم قال: و" أَمَا" مخففا لتحقيق الكلام الذي يتلوه، تقول:" أما إن زيدا عاقل" يعني أنه عاقل على الحقيقة دون المجاز ... انتهى. و قال الزمخشري: أما من مقدمات اليمين و طلائعها نحو:
أما و الذي لا يعلم الغيب غيره‏


أما و الذي أبكى و أضحك و الذي‏


و قد تحذف ألفها نحو" أم و الله زيد قائم".
 (أنا)
قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى‏ طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ‏
 أي نضجه و إدراكه، من الإنَا- بالكسر و القصر- النضج، و قيل: إنَاه: وقته، أي غير ناظرين إلى وقت الطعام و ساعة أكله. قال المفسر: هو حال من لا تَدْخُلُوا وقع الاستثناء على الحال و الوقت معا، كأنه قال:" لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن، و لا تدخلوها إلا غير ناظرين إناه".
رُوِيَ:" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ بِتَمْرٍ وَ سَوِيقٍ وَ ذَبَحَ شَاةً، فَأَمَرَ أَنَساً أَنْ يَدْعُوَ لَهُ الصَّحَابَةَ، فَتَرَادَفُوا أَفْوَاجاً أَفْوَاجاً، يَأْكُلُ كُلُّ فَوْجٍ فَيَخْرُجُ ثُمَّ يَدْخُلُ فَوْجٌ، إِلَى أَنْ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَدْ دَعَوْتُ حَتَّى لَا أَجِدُ أَحَداً أَدْعُوهُ. فَقَالَ: ارْفَعُوا طَعَامَكُمْ، وَ تَفَرَّقَ النَّاسُ وَ بَقِيَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَحَدَّثُونَ فَأَطَالُوا، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ لِيَخْرُجُوا، فَطَافَ بِالْحُجُرَاتِ وَ رَجَعَ فَإِذَا الثَّلَاثَةُ جُلُوسٌ مَكَانَهُمْ، وَ كَانَ (ص) شَدِيدَ الْحَيَاءِ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ مُتَوَلِّياً خَرَجُوا، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ".
قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا
 من أَنَى الأمرُ: إذا جاء إنَاه، أي وقته، و المعنى: أ لم يَحِن للمؤمنين أن تَلين قلوبهم، أي أ لم يَأتِ وقْتُ ذلك.

35
مجمع البحرين1

أنا ص 35

قوله تعالى: وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ‏
 أي ساخن منتهي الحرارة، من قولهم:" أنى الماء" إذا سخن و انتهى حره. و منه: عَيْنٍ آنِيَةٍ
 أي قد انتهى حرها. و
فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (ره): أَيْ لَهَا أَنِينٌ مِنْ شِدَّةِ حَرِّهَا.
قوله تعالى: آناءَ اللَّيْلِ*
 أي ساعاته، واحدها" أنى" بحركات الهمزة.
وَ فِي حَدِيثِ زُرَارَةَ عَنِ الْبَاقِرِ (ع)- وَ قَدْ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ‏
-" قَالَ: يَعْنِي صَلَاةَ اللَّيْلِ. قَالَ: قُلْتُ: وَ أَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى‏؟ قَالَ: يَعْنِي مَنْ تَطَوَّعَ بِالنَّهَارِ. قَالَ: قُلْتُ: وَ إِدْبارَ النُّجُومِ؟ قَالَ: رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ. قُلْتُ: وَ أَدْبارَ السُّجُودِ؟ قَالَ: رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ".
و" تأنى له في الأمر" ترفق و تنظر، و الاسم" الأناة" كقناة- قاله الجوهري و غيره.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" وَ الرَّأْيُ مَعَ الْأَنَاةِ".
و ذلك لأنها مظنة الفكر في الاهتداء إلى وجوه المصالح. و" الإناء" معروف، و جمعه الآنية و جمع الآنية أواني، مثل سقاء و أسقية و أساقي. و" أنا" ضمير متكلم، و أصله على ما ذكره البعض" أن" بسكون النون، و الأكثرون على فتحها وصلا و الإتيان بالألف وقفا، تقول:" أن فعلت" و" فعلت أنا".
 (أوا)
قوله: آوى‏ إِلَيْهِ أَخاهُ‏
 أي ضم إليه أخاه بنيامين. قوله: فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ‏
 أي‏

36
مجمع البحرين1

أوا ص 36

انضموا إليه. قوله: آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ
 أي انضم إلى عشيرة منيعة. و مثله قوله: سَآوِي إِلى‏ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ
. قوله: أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى‏ نُزُلًا
 جنات المأوى: نوع من الجنان. و
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: تَأْوِي إِلَيْهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ.
و
قِيلَ: هِيَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ.
و نُزُلًا عطاء بأعمالهم- كذا ذكره الشيخ ابو علي (ره). و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ تَطَهَّرَ ثُمَّ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ".
أي رجع و انضم إليه‏
" بَاتَ وَ فِرَاشُهُ كَمَسْجِدِهِ".
أي يحصل له ثواب المتعبد في ليلته. و" أَوَى إلى الله فآوَاه" أي انضم إلى مجلسه فجازاه بمثله، بأن ضمه إلى رحمته. قال في المجمع: آوى- بالمد و القصر- بمعنى، و المقصور لازم و متعد، قال: و أنكر بعضهم المقصور المتعدي.
وَ فِي حَدِيثٍ الدُّعَاءِ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانَا وَ آوَانَا".
أي ردنا إلى مأوى لنا و لم يجعلنا منتشرين كالبهائم. و آويته إيواء- بالمد- و أويته أيضا- بالقصر-: إذا أنزلته بك. و
فِيهِ:" مَنْ آوَى مُحْدِثاً".
إلى آخره، هو بكسر الدال، و هو الذي جنى على غيره جناية. و إيواه: إجارته من خصمه، و الحيلولة بينه و بين ما يستحق استيفاءه منه، قيل: و يدخل في ذلك الجاني على الإسلام بإحداث بدعة إذا حماه عن التعرض له و الأخذ على يده، لدفع عاديته. و يجوز أوى بالقصر، يعني ضمه. و
مِنْهُ:" لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلَّا ضَالٌّ".
و" أويت" في‏
قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنِّي أَوَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ أَذْكُرَ مَنْ ذَكَرَنِي".
قال القتيبي نقلا عنه: هذا من المقلوب و الصحيح" وأيت" من الوأي: الوعد، يقول: جعلته وعدا على نفسي. و الإيواء بالمد: العهد.

37
مجمع البحرين1

أوا ص 36

و منه‏
حَدِيثُ الدُّعَاءِ:" اللَّهُمَّ إِنِّي أَنْشُدُكَ بِإِيوَائِكَ عَلَى نَفْسِكَ".
أي بعهدك على نفسك و وعدك الذي وعدته أهل طاعتك فيكون أيضا من باب القلب- كما نبه عليه القتيبي سابقا. و المَأْوَى: المنزل. و" مَأْوَى الشياطين" موضع اجتماعهم كالأسواق و الحمامات و نحوها. و" ابن آوى" بمد في أوله: حيوان معروف، و قال الجوهري: يسمى بالفارسية شغال. و الجمع" بنات آوى". و" آوى" لا ينصرف، لأنه أفعل، و هو معرفة.
 [أو]
و" أو" قال الجوهري: هي حرف إذا دخلت على الخبر دلت على الشك و الإبهام و إذا دخلت على الأمر أو النهي دلت على التخيير و الإباحة. و قد تكون بمعنى" إلى" تقول:" لأضربنك" أو تتوب". و قد تكون بمعنى" بل" في توسع الكلام، قال تعالى: وَ أَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ‏
 و يقال: معناه إلى مائة ألف عند الناس أو يزيدون عند الناس، لأن الشك عليه تعالى محال. و في المغني: و تكون" أو" للتقسيم نحو" الكلمة اسم أو فعل أو حرف". و بمعنى" إلا" في الاستثناء كقوله:
كسرت كعوبها أو تستقيما


و للتقريب نحو" لا أدري أسلم أو ودع" و للشرطية نحو" لأضربنه عاش أو مات" و للتبعيض نحو قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى‏
 ... انتهى. و في التنزيل أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قال بعض المفسرين: الهمزة في" أَ وَ لَمَّا" للتقرير و التقريع، دخلت على الواو العاطفة على محذوف، تقديره: أ فعلتم كذا من الفشل و التنازع وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ بأحد، الآية

38
مجمع البحرين1

أو ص 38

و أما قوله تعالى: وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى‏ هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏
 فقيل: هو من باب التعريض كما يقول أحدنا:" أنا كاذب" و أنت تعلم أنه صادق. و مثله‏
حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ لِفُلَانٍ:" أَشْهَدُ أَنَّ النَّبِيَّ (ص) قَالَ: أَشْهَدُ إِنِّي أَوْ إِيَّاكَ لَفِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ".
يريد أنك و لكنه ألقاه إليه تعريضا.
 (أيا)
قوله: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ هي جمع" آية" و هي العبرة. و الآيات: العلامات و العجائب. قوله: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ قيل: هي شهادة الصبي، و القميص المخرق من دبر، و استباقهما الباب حتى سمع مجاذبتها إياه على الباب، فلما عصاها لم تزل مولعة بزوجها حتى حبسه. قوله: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ‏
 أي علامات واضحات، و هي- على ما جاءت به الرواية- أثر قدمي إبراهيم (ع) و الحجر الأسود و منزل إسماعيل (ع). قوله: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا
قَالَ الشَّيْخُ إبو عَلِيٍّ: الْآيَاتُ الَّتِي أَرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ (ص) حِينَ أَسْرَى بِهِ إِلَى الْبَيْتِ الْمَقْدِسِ أَنْ حَشَرَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ أَمَرَ جَبْرَئِيلَ فَأَذَّنَ شَفْعاً وَ أَقَامَ شَفْعاً، وَ قَالَ فِي أَذَانِهِ:" حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ" ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى بِالْقَوْمِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لَهُمْ:" عَلَى مَ تَشْهَدُونَ وَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ" قَالُوا:" نَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَ أَنَّكَ رَسُولُهُ أَخَذَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَ مِيثَاقَنَا".
انتهى، و منه يعلم جواب من يقول: كيف قال‏

39
مجمع البحرين1

أيا ص 39

تعالى: وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا و النبي (ص) لم يدركهم. قوله: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ في الآفاق مثل الكسوف و الزلازل و ما يعرض في السماء من الآيات، و في أنفسهم مرة بالجوع و مرة بالعطش و مرة يشبع و مرة يروى و مرة يمرض و مرة يصح و مرة يفتقر و مرة يستغني و مرة يرضى و مرة يغضب و مرة يخاف و مرة يأمن، فهذا من عظيم دلالة الله على التوحيد. قوله: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً لم يقل" آيتين" لأن قصتهما واحدة، و قيل: لأن الآية فيهما معا، و هي الولادة بغير فحل. قوله: وَ لَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ
نُقِلَ:" أَنَّهُ أَبْقَى اللَّهُ سَفِينَةَ نُوحٍ حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ".
أي شيئا من أجزائها إلى زمان بعثة النبي (ص). و
فِي الْخَبَرِ:" بَلِّغُوا عَنِّي وَ لَوْ آيَةً".
الآية هنا: الكلام المفيد نحو
" مَنْ سَكَتَ نَجَا".
أي بلغوا عني أحاديث و لو قليلة.
وَ فِي حَدِيثٍ مَدَحَ الْإِسْلَامَ وَ جَعَلَهُ آيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ.
التَّوَسُّمُ: التفرس، أي من تفرس الخير في الإسلام كان علامة له عليه. و الآية من القرآن، قيل: كل كلام متصل إلى انقطاعه، و قيل: ما يحسن السكوت عليه، و قيل: هي جماعة حروف، من قولهم:" خَرَجَ القَوْمُ بِآيَتِهِمْ" أي بجماعتهم. و قال الجوهري:" الآيَةُ" العلامة، و الأصل" أوية" بالتحريك، و جمع الآية" آي" و" آيات" ... انتهى و منه الحديث:" نزل جبرئيل بآي من القرآن" أي آيات منه. و" أيُّ" في الكلام اسم معرب‏

40
مجمع البحرين1

أيا ص 39

يستفهم به و يجازى فيمن يعقل و فيمن لا يعقل. قال الجوهري: و هو معرفة للإضافة، و قد يتعجب به. قال الفراء:" أيُّ" يعمل فيه ما بعده و لا يعمل فيه ما قبله كقوله تعالى: لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى‏
 فرفع. و إذا ناديت اسما فيه الألف و اللام أدخلت بينه و بين حرف النداء" أيُّهَا" فتقول:" يا أيها الرجل" و" يا أيتها المرأة" فأيُّ اسم مبهم مفرد معرفة بالنداء مبني على الضم، و" ها" حرف تنبيه، و هي عوض مما كانت" أي" تضاف إليه، و ترفع الرجل لأنه صفة" أي". قال في المغني: و قد تزاد" ما" على" أي" مثل:" أيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ". و قد تكون" أيُّ" خبرا بمعنى" كم" للعدد كقوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ* و كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ‏
 أصله" أي" دخلت الكاف عليها فصارت بمعنى" كم" التي للتكثير ... انتهى. و
فِي الْحَدِيثِ:" وَ أَيُّ شَيْ‏ءٍ الدُّنْيَا".
و لعل" أي" للاستفهام الذي يراد به النفي لقصد التحقير، كقولك لمن ادعى إكرامك:" أي يوم أكرمتني". و" إيَّا" بكسر الهمزة و التشديد، قال الجوهري: هو اسم مبهم و يتصل به جميع المضمرات المتصلة للنصب نحو" إياي" و" إياك" و" إياه" و" إيانا" و جعلت الياء و الكاف و الهاء و النون بيانا عن المقصود، ليعلم المخاطب من الغائب، و لا موضع لها من الإعراب، فهي كالكاف في" ذلك" قال: و قد تكون للتحذير تقول:" إيَّاكَ و الأسد" و هو بدل من فعل، كأنك قلت:" باعد". قال: و أما" أيَا" مخففة فهي من حروف النداء، ينادى بها القريب و البعيد و" أيْ" مثال" كي" ينادى بها القريب دون البعيد، و هي أيضا كلمة تتقدم التفسير تقول:" أيْ كذا" كما أن" إي"

41
مجمع البحرين1

أيا ص 39

بالكسر تتقدم القسم، و معناها" بلى" تقول:" إي و ربي إي و الله". و في المغني: إذا وقعت" أيْ" للتفسير بعد" تقول" و قبل فعل مسند للضمير حكي الضمير، أي أتيت به على الحكاية نحو" تقول استكتمته الحديث أي سألته كتمانه" يقال ذلك بضم التاء، و لو جئت بإذا مكان أي فتحت، فقلت:" إذا سألته" لأن إذا ظرف لتقول، و قد نظم بعضهم ذلك فقال:
إذا كنيت بأي فعلا تفسره             فضم تاءك فيه ضم معترف‏
و إن تكن بإذا يوما تفسره             ففتحة التاء أمر غير مختلف‏

باب ما أوله الباء
 (با)
قال الجوهري: الباء من حروف الشفة بنيت على الكسر لاستحالة الابتداء بالموقوف. و قال غيره: الباء المفردة لمعان: الإلصاق. و التعدية. و الاستعانة. و السببية كقوله تعالى: إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ‏
. و المصاحبة كقوله تعالى: اهْبِطْ بِسَلامٍ‏
. و الظرفية كقوله: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ
. و البدل نحو قول الشاعر:
فليت لي بهم قوما إذا ركبوا             شنوا الإغارة فرسانا و ركبانا

42
مجمع البحرين1

با ص 42

و المقابلة. و المجاوزة- كعن- كقوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً
 و قوله: يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ‏
 و قوله: يَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ‏
 و قيل: الباء هنا للحال، أي و عليها الغمام، كما تقول:" ركب الأمير بسلاحه" أي و عليه سلاحه و الاستعلاء- كعلى- كقوله تعالى: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ
 أي على قنطار. و القسم. و الغاية كقوله تعالى: وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي‏
 أي إلي. و التوكيد- و هي الزائدة- كقوله تعالى وَ كَفى‏ بِاللَّهِ حَسِيباً*
. و للدلالة على التكرير و الدوام" كأخذت بالخطام". و في المغني: اختلف النحويون في الباء من قوله: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ*
 فقيل: للمصاحبة و" الحمد" مضاف إلى المفعول أي سبحه حامدا، أي نزهه عما لا يليق به و أثبت له ما يليق به، و قيل: للاستعانة و" الحمد" مضاف إلى الفاعل، أي سبحه بما حمد به نفسه. قال: و اختلف أيضا في" سبحانك اللهم و بحمدك" فقيل: جملة واحدة، و الواو زائدة، و قيل: جملتان و الواو عاطفة و متعلق الباء محذوف، ثم قال: و تكون الباء للتبعيض- أثبت ذلك الأصمعي و الفارسي و الثعلبي و ابن مالك، قيل و الكوفيون و جعلوا منه قوله تعالى: عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ قيل: و منه قوله تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ انتهى و مجيئها للتبعيض و كونها في الآية له مما لا شك فيه، كما عليه الإمامية و نطق به الخبر الصحيح عن زرارة عن الباقر (ع) و يتم الكلام في بعض إن شاء الله تعالى‏

43
مجمع البحرين1

بأبأ ص 44

 (بأبأ)
رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْخَاصَّةِ وَ الْعَامَّةِ:" أَنَّ النَّبِيَّ (ص) بَأْبَأَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ" وَ كَذَا عَلِيٌّ.
و ذلك من" بَأْبَأْتُ الصَّبِيَّ" إذا قلت له:" بأبي أنت و أمي" أي أنت مفدى بهما أو فديتك بهما.
 (بدأ)
قوله تعالى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ هو من بدأت الشي‏ء: فعلته ابتداء، و يقال:" بديت بالشي‏ء" بكسر الدال: بدأت به، فلما خففت الهمزة كسرت الدال و انقلبت ياء. قوله: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ‏
 أي بتفتيشها قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ بنيامين لنفي التهمة. قوله تعالى: بادِيَ الرَّأْيِ‏
 أي في أول رأي رآه و ابتدائه. و بادِيَ الرَّأْيِ- غير مهموز- من البدو و الظهور، أي في ظاهر الرأي و النظر. قيل: و كلهم قرأ بغير همزة غير أبي عمرو قوله: بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما*
 أي ظهرت لهما عوراتهما، و ظهرت لكل واحد منهما عورة صاحبه وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ* قال المفسر: و هذا إنما كان لأن المصلحة اقتضت إخراجهما من الجنة و إهباطهما إلى الأرض لا على وجه العقوبة فإن الأنبياء لا يستحقون العقوبة.
قَوْلُهُ: وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها
 هِيَ الثِّيَابُ وَ الْكُحْلُ وَ الْخَاتَمُ وَ خِضَابُ الْكَفِّ وَ السِّوَارُ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (ره): وَ الزِّينَةُ ثَلَاثٌ: زِينَةٌ لِلنَّاسِ وَ زِينَةٌ لِلْمَحْرَمِ وَ زِينَةٌ لِلزَّوْجِ، فَأَمَّا زِينَةُ النَّاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَ أَمَّا زِينَةُ الْمَحْرَمِ فَمَوْضِعُ الْقِلَادَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَ الدُّمْلُجُ فَمَا دُونَهُ وَ الْخَلْخَالُ وَ مَا أَسْفَلَ مِنْهُ، وَ أَمَّا زِينَةُ الزَّوْجِ فَالْجَسَدُ كُلُّهُ.
قوله: وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ
 قال الشيخ أبو علي (ره): الحي إما أن يبدأ فعلا أو يعيده، فإذا هلك لم يكن منه إبداء و لا إعادة، فجعلوا قولهم" لا يبدى‏ء

44
مجمع البحرين1

بأبأ ص 44

و لا يعيد" مثلا للهلاك، و المعنى جاء الحق و هلك الباطل. و" أبْدَى الشي‏ءَ" أظهره. و منه سميت البادية لظهورها. و البدو- على فعول-: الظهور، و منه‏
الْحَدِيثُ:" نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا".
أي قبل ظهوره، و هو أن يحمر البسر أو يصفر. قوله: سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ
 أي الذي من أهل البدو. و البدو- كفلس-: خلاف الحضر. قوله: بادُونَ فِي الْأَعْرابِ‏
: خارجون إلى البدو، و أراد البداوة أي الخروج إلى البادية، و تفتح باؤها و تكسر و
فِي الْحَدِيثِ:" أَتَى أَهْلُ الْبَادِيَةِ رَسُولَ اللَّهِ".
أي جماعة من الأعراب سكان البادية. و البَدَوِيُّ: نسبة إلى البادية على غير القياس. و
فِي الْخَبَرِ:" كَرِهَ شَهَادَةَ الْبَدَوِيِّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ".
قيل: لما فيه من الجفاء في الدين و الجهالة بأحكام الشرع، و لأنهم في الغالب لا يضبطون الشهادة على وجهها. و" فلان ذو بداوة" أي لا يزال يبدو له رأي جديد. و منه" بدا له في الأمر" إذا ظهر له استصواب شي‏ء غير الأول. و الاسم منه البداء- كسلام- و هو بهذا المعنى مستحيل على الله تعالى، كما
جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ (ع):" بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْدُ لَهُ مِنْ جَهْلٍ".
و
قَوْلُهُ (ع):" مَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا كَانَ فِي عِلْمِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ".
و قد تكثرت الأحاديث من الفريقين في البداء، مثل:
" مَا عُظِّمَ اللَّهُ بِمِثْلِ الْبَدَاءِ".
و
قَوْلُهُ:" مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِالْبَدَاءِ".
أي يقر له بقضاء مجدد في كل يوم بحسب مصالح العباد لم يكن ظاهرا عندهم، و كان الإقرار عليهم بذلك للرد على من زعم أنه تعالى فرغ من الأمر، و هم اليهود، لأنهم يقولون:

45
مجمع البحرين1

بأبأ ص 44

" إن الله عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدر كل شي‏ء على وفق علمه". و
فِي الْخَبَرِ:" الْأَقْرَعُ وَ الْأَبْرَصُ وَ الْأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ".
أي قضى بذلك، و هو معنى البداء هاهنا لأن القضاء سابق. و مثله‏
فِي الْيَهُودِ:" بَدَا لِلَّهِ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ".
أي ظهر له إرادة و قضاء مجدد بذلك عند المخلوقين. و
فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع):" مَا بَدَا لِلَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ كَمَا بَدَا لَهُ فِي إِسْمَاعِيلَ ابْنِي".
يعني ما ظهر له سبحانه أمر في شي‏ء كما ظهر له في إسماعيل ابني، إذ اخترمه قبلي ليعلم أنه ليس بإمام بعدي- كذا قرره الصدوق (ره). و
فِي حَدِيثِ الْعَالِمِ (ع):" الْمُبْرَمُ مِنَ الْمَفْعُولَاتِ ذَوَاتِ الْأَجْسَامِ الْمُدْرَكَاتِ بِالْحَوَاسِّ مِنْ ذَوِي لَوْنٍ وَ رِيحٍ وَ وَزْنٍ وَ كَيْلٍ، وَ مَا دَبَّ وَ دَرَجَ مِنْ إِنْسٍ وَ جِنٍّ وَ طَيْرٍ وَ سِبَاعٍ وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ فَلِلَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فِيهِ الْبَدَاءُ مِمَّا لَا عَيْنَ لَهُ، فَإِذَا وَقَعَ الْعَيْنُ الْمَفْهُومُ الْمُدْرَكُ فَلَا بَدَاءَ وَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ".
و فيه من توضيح معنى البداء ما لا يخفى. و قال الشيخ في العدة: و أما الْبَدَاءُ فحقيقته في اللغة: الظهور، و لذلك يقال:" بَدَا لنا سور المدينة" و" بدا لنا وجه الرأي" قال تعالى: وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا
، وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا و يراد بذلك كله: ظهر. و قد يستعمل ذلك في العلم بالشي‏ء بعد أن لم يكن حاصلا، و كذلك في الظن، فأما

46
مجمع البحرين1

بأبأ ص 44

إذا أضيفت هذه اللفظة إلى الله تعالى فمنه ما يجوز إطلاقه عليه و منه ما لا يجوز، فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه، و يكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع، و على هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين (ع) من الأخبار المتضمنة لأضافة البداء إلى الله تعالى، دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن، و يكون وجه إطلاق ذلك عليه و التشبيه هو: أنه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهرا و يحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلا و أطلق على ذلك لفظ البداء. قال: و ذكر سيدنا المرتضى- قدس روحه- وجها آخر في ذلك، و هو أن قال: يمكن حمل ذلك على حقيقته، بأن يقال:" بَدَا لله" بمعنى أنه ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهرا له، و بدا له من النهي ما لم يكن ظاهرا له، لأن قبل وجود الأمر و النهي لا يكونان ظاهرين مدركين، و إنما يعلم أنه يأمر أو ينهى في المستقبل، فأما كونه آمرا و ناهيا فلا يصح أن يعلمه إلا إذا وجد الأمر و النهي، و جرى ذلك مجرى أحد الوجهين المذكورين في قوله تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ بأن تحمله على أن المراد به: حتى نعلم جهادكم موجودا، لأن قبل وجود الجهاد لا يعلم الجهاد موجودا، و إنما يعلم كذلك بعد حصوله، فكذلك القول في البداء ثم قال: و هذا وجه حسن جدا. و" ابتداء بدء الأمور بيده"- بمفتوحة ثم ساكنة و همزة- أي ابتداء أوائل الأمور بقدرته. و البَدِيُّ- بالتشديد-: الأول، و منه:" الحمد لله بَدِيّاً". و قولهم:" أفعل ذلك بَدِيّاً" أي أول كل شي‏ء. و البَدِيُّ: البئر التي حفرت في الإسلام و ليست بعادية. و منه:" حريم البئر البَدِيّ خمسة و عشرون ذراعا".

47
مجمع البحرين1

بذا ص 48

 (بذا)
فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْجَنَّةَ عَلَى كُلِّ فَحَّاشٍ بَذِيٍّ".
الْبَذِيُّ- على فعيل-: السفيه، من قولهم:" بَذَا على القوم يَبْذُو بَذَاءً" بالفتح و المد: سفه عليهم و أفحش في منطقه، و إن كان صادقا فيه، و لعلهما في الحديث واحد مفسر بالآخر. قيل: و ربما كان التحريم زمانا طويلا لا تحريما مؤبدا، و المراد بالجنة جنة خاصة معدة لغير الفحاش، و إلا فظاهره مشكل و
فِي الْخَبَرِ:" الْبَذَاءُ مِنَ الْجَفَاءِ".
يعني الفحش من القول. و قد جاء أَبْذَى يُبْذِي بالألف، و بَذِيَ يَبْذُو من بابي تعب و قرب.
 (برأ)
قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ
 قيل: الخَالِق المقدِّر لما يُوجِده، و البَارِئُ: المميِّز بعضهم عن بعض بالأشكال المختلفة، و المُصَوِّر: الممثّل. و يتم الكلام في خلق إن شاء الله تعالى. و البَارِئُ: اسم من أسمائه تعالى، و فسّر بالذي خلق الخلق من غير مثال. قيل: و لهذه اللفظة من الاختصاص بخلق الحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات، و قلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال:" بَرَأَ الله النَّسَمَة و خلق السموات و الأرض". قوله: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها
 الضمير في نَبْرَأَها
 للنفس أو المصيبة، و المراد بالمصيبة في الأرض مثل القحط و نقص الثمار، و في الأنفس مثل الأمراض و الثَّكْل بالأولاد، و المراد بالكتاب اللوح المحفوظ ثم بين تعالى وجه الحكم في ذلك بقوله: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ أي لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ من نعيم الدنيا، وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ الله عز و جل، يعني إذا علمتم أن كل شي‏ء مقدر مكتوب قلّ حزنكم على الفائت‏

48
مجمع البحرين1

برأ ص 48

و فرحكم على الآتي، و كذا إذا علمتم أن شيئا منها لا يبقى لم تهتمّوا لأجله و اهتَمَمْتُم لأمور الآخرة التي تدوم و لا تبيد. قوله: إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏
 بُرَاءَةٌ- بالضم- أي بريئون، و قرئ" بَرَاءٌ" بالفتح وزن" سلام". قوله: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ‏
 أي هذه الآيات براءة و" من" لابتداء الغاية.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (ره): أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) حِينَ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ دَفَعَهَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ أَخَذَهَا مِنْهُ وَ دَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍّ (ع).
و إن اختلفوا في تفصيله. قوله تعالى: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ
 أي هم خير الخلق، من" بَرَأَ الله الخلق" أي خلقهم، فتركت همزتها، و منهم من يجعلها من" البرء [البرى‏]" و هو التراب لخلق آدم منه. قال الشيخ أبو علي (ره): قرأ نافع و ذَكْوان الْبَرِيئَةَ مهموزا و الباقون بغير همز، و المعنى: أولئك هم خير الخليقة، قال: و
رُوِيَ مَرْفُوعاً إِلَى يَزِيدَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْأَنْصَارِيِّ كَاتِبِ عَلِيٍّ (ع) قَالَ:" سَمِعْتُ عَنْ عَلِيٍّ (ع) قَالَ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَ أَنَا مُسْنِدُهُ إِلَى صَدْرِي فَقَالَ: يَا عَلِيُّ أَ لَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ
 وَ هُمْ شِيعَتُكَ وَ مَوْعِدِي وَ مَوْعِدُكَ الْحَوْضُ إِذَا اجْتَمَعَتِ الْأُمَمُ لِلْحِسَابِ، يُدْعَوْنَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ".
و
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ
 قَالَ:" نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (ع) وَ أَهْلِ بَيْتِهِ".
قوله: وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي‏
 الآية. قال الشيخ أبو علي (ره): ثم تواضع لله- يعني يوسف- و بين أن ما به من الأمانة إنما هو بتوفيق الله و عصمته وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي‏
 من الزلل لأنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ أراد الجنس إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي إلا البعض الذي رحمه ربي بالعصمة. و قيل: من كلام امرأة العزيز،

49
مجمع البحرين1

برأ ص 48

أي ذلك قلت ليعلم يوسف أني لم أكذب عليه في حال الغيبة و صدقت فيما سئلت عنه، وَ ما أُبَرِّئُ نَفْسِي‏
 مع ذلك من الخيانة، فإني خنته حين فرقته و سجنته، تريد الاعتذار مما كان. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ نَامَ عَلَى سَطْحٍ غَيْرِ مُحَجَّرٍ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ".
و معناه: أن لكل أحد من الله عهدا بالحفظ و الكلاءة، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة أو فعل ما حرم أو خالف ما أمر به خذلته ذمة الله. و
فِيهِ:" مَنْ يُطِيقُكَ وَ أَنْتَ تُبَارِي الرِّيحَ".
أي تسابقه، من قولهم:" فلان يُبَارِي الريح سماحة" أي يسابقه فيها، أو من المعارضة من قولهم:" فلان يُبَارِي فلانا" إذا صنع كصنعه ليعجزه. و
فِي الْخَبَرِ:" نُهِيَ عَنْ طَعَامِ الْمُتَبَارِيَيْنِ".
أي يفعلهما ليعجز أحدهما الآخر، و إنما كرهه لما فيه من المباهات و الرياء. و" بَرَأْتُ من المرض أَبْرَأُ بَرَاءً" بالفتح، و يقال:" بَرِئْتُ" بالكسر" بُرَءاً" بالضم، و" و أَبْرَأَهُ الله من المرض". و" بَرِئَ فلان من دينه" من باب تعب: سقط عنه طلبه. و" بَرِئَ فلان من فلان" إذا تَبَرَّأَ منه و" الله منه بَرِي‏ءٌ" أي مُتَبَرِّئٌ، و هو من باب الوعيد. و إذا قلت:" أنا بَرِي‏ءٌ منه" قلت في الجمع:" نحن منه بُرَآءُ" مثل فقيه و فقهاء، و" بِرَاءٌ" مثل كريم و كرام، و" أَبْرَاءٌ" مثل شريف و أشراف، و" أَبْرِيَاءٌ" مثل نصيب و أنصباء، و" بَرِيئُونَ"- كذا قاله الجوهري. و" أنا منه بَرَاءٌ" أي بَرِي‏ءٌ عن مساواته في الحكم و أن أقاس به، و لم يرد بَرَاءَةَ الإيمان و الولاية. و
فِي حَدِيثِ الطِّبِّ وَ التَّطَيُّرِ:" فَلْيَطْلُبْ مِنْ وَلِيِّهِ الْبَرَاءَ".
كأنه يريد الْبَرَاءَةَ من الضمان عند عروض التلف. و" أَبْرَأُ إلى الله أن يكون لي منكم خليل" أي أمتنع. و" اسْتَبْرَأْتُ الشي‏ء" طلبت آخره‏

50
مجمع البحرين1

برأ ص 48

لقطع الشبهة عنه. و منه" اسْتِبْرَاءُ الخبر". و الِاسْتِبْرَاءُ من البول: أن يستفرغ بقيته و ينقي موضعه و مجراه حتى يُبَرِّئَهُمَا منه، و من الحيض: هو طلب نقاوة الرحم من الدم، و كيفيته- على ما ذكر في الفقيه- هو أن تلصق المرأة بطنها بالحائط و ترفع رجلها اليسرى- كما ترى الكلب إذا بال- و تدخل قطنة فإن خرج الدم فهو حيض. و من الجلل: هو ربط الجلال و حبسه عن أكل النجاسات مدة مقدرة من الشرع، و في كمية القدر خلاف، و محصله- على ما ذكره بعض المحققين-: اسْتِبْرَاءُ الناقة بأربعين يوما، و البقرة بعشرين- و قيل بثلاثين- و الشاة بعشرة و البطة و شبهها بخمسة- و في الفقيه بثلاثة أيام و روي ستة أيام-، و الدجاجة و شبهها بثلاثة أيام، و السمك، بيوم و ليلة، و ما عدا هذه المذكورات بما يزيل حكم الجلل، و مرجعه إلى العرف. و" اسْتَبْرَأَ لدينه و عرضه" أي طلب الَبْرَاءَ لأجل دينه من الذم الشرعي و من الإثم و لعرضه من الطعن فيه. و" بَارَى الرجل امرأته" إذا فارقها. و الْمُبَارَاةُ: أن تقول المرأة لزوجها:" لك ما عليك و اتركني" فيتركها. إلا أنه يقول لها:" إن ارتجعت في شي‏ء فأنا أملك ببضعك" إلى غير ذلك من الشروط المذكورة في محالها. و الْبَرَى: التراب، و
مِنْهُ" اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَدَدَ الثَّرَى وَ الْبَرَى".
و الْبَرَاءُ:- بالمد و التخفيف- يقال لابن معرور الذي هو من النقباء ليلة العقبة، و لابن عازب الذي‏
نُقِلَ أَنَّهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ (ص) ثَلَاثَمِائَةٍ وَ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ، وَ أَنَّهُ حَضَرَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ (ع) وَ لَمْ يَنْصُرْهُ، وَ كَانَ يُطِيلُ الْحَسْرَةَ وَ النَّدَمَ عَلَى ذَلِكَ.
و لابن مالك أخو أنس بن مالك الذي‏

51
مجمع البحرين1

برأ ص 48

شهد أحُدا و الخندق. و الْبُرَةُ- بالضم و خفّة الراء-: الحلقة التي توضع في أنف البعير، و هي الخزامة، و ربما كانت من شعر. و
فِي الْحَدِيثِ:" كَانَتْ بُرَةُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) مِنْ فِضَّةٍ".
و نهي عن بَرْيِ النبل في المساجد، أي نحته و عمله فيها. يقال:" بَرَيْتُ النبل و القلم بَرْياً" من باب رمى، و" بَرَوْتُهُ" لغة، و اسم الفعل الْبِرَايَةُ بالكسر. و الْبَارِيَّةُ الحصير الخشن، و هو المعروف في الاستعمال، و قال المطرزي: الْبَارِيّ الحصير، و يقال له بالفارسية: الْبُورِيَا.
 (بزا)
فِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ يُعَاتِبُ قُرَيْشاً فِي أَمْرِ النَّبِيِّ (ص):
كَذَبْتُمْ وَ بَيْتِ اللَّهِ يُبْزَى مُحَمَّدٌ             وَ لَمَّا نُطَاعِنُ دُونَهُ وَ نُنَاضِلُ.


يُبْزَى: أي يُقهَر، و المعنى: لا يُبْزَى، بحذف" لا" أي لا يقهر و لم نقاتل عنه و ندافع. و الْبَازِي- وزان القاضي- واحد الْبُزَاةُ التي تصيد، و يجمع أيضا على" أَبْوَازٍ" و" بِيزَانٍ" مثل أبواب و نيران. و في حياة الحيوان: أفصح اللغات الْبَازِي مخففة، و الثانية" بَاز" و الثالثة" بَازِيّ" بتشديد الياء، و يقال في التثنية:" بَازِيَانِ" و في الجمع" بُزَاةٌ". و يقال لِلْبُزَاةِ و الشواهين و غيرها مما يصيد" صقورة" و كنيته أبو الأشعث و أبو بهلول و أبو لاحق، و هو من أشد الحيوان تكبرا و أضيقها خلقا. قال القزويني في عجائب المخلوقات: قالوا: إنه لا يكون إلا أنثى و ذكرها من نوع آخر من الحدأة و الشواهين، و لهذا اختلفت‏

52
مجمع البحرين1

بزا ص 52

أشكالها ... انتهى. و
عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: الْبَازِيُّ يَقُولُ:" سُبْحَانَ رَبِّي وَ بِحَمْدِهِ".
 (بطا)
قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ‏
 من التَّبْطِئَةِ، و هو التأخر عن الأمر. و الْمُبَطِّئُونَ: المنافقون، تثاقلوا و تخلفوا عن الجهاد، من" بَطَّأَ" بمعنى" أَبْطَأَ". و منه‏
الْخَبَرَ:" مَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يَنْفَعْهُ نَسَبُهُ".
أي من أخره عمله السي‏ء و تفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب. قال الجوهري: اللام الأولى في الآية للتأكيد، و الثانية جواب، لأن القسم جملة توصل بأخرى و هي المقسم عليه لتوكيد الثانية بالأولى، و يربطون بين الجملتين بحروف يسميها النحويون جواب القسم. و" أَبْطَأَ الرجل" تأخر مجيئه. و يقال:" بَطُؤَ مجيئه بُطْأً" من باب قرب فهو بَطي‏ءٌ على فعيل. و في الصحاح: بَطُؤَ مجيئك و أَبْطَأْتَ، و لا يقال أَبْطَيْتَ. و في القاموس: بَطُؤَ ككرم بُطْأً بالضم، و بِطَاءً ككتاب، و أَبْطَأَ: ضد أسرع. و بَامْطِي بن شرجيل السامري: رجل عالم، أعلم الناس باليهودية. و الْبَاطِيَةُ: الإناء، قال الجوهري: و أظنه معربا.
 (بغا)
قوله تعالى: وَ ما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا
 الْبَغِيّ: المرأة الفاجرة، يقال:" بَغَتِ المرأة تَبْغِي بِغَاءً"- بالكسر و المد- فجرت، فهي بَغِيٌّ، و الجمع" الْبَغَايَا"، و هو وصف يختص بالمرأة الفاجرة و لا يقال للرجل بَغِيّ. و" الْبِغَاءُ"- بالكسر و المد- الزنا." و بَغَيْتُ الشي‏ء أَبْغِيهِ بُغْياً" طلبته، و ابْتَغَيْتُهُ مثله، و الاسم: الْبُغَاءُ- بالضم- كغراب. قال تعالى: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُون‏

53
مجمع البحرين1

بغا ص 53

أي يطلبون. و بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ‏
 أي طلبا أن ينزل الله. قوله: وَ ما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ‏
 قيل: هو نفي و يراد به النهي، مثل‏
" لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَ خَالَتِهَا".
و مراده لا ينفقون شيئا إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ‏
، أي طلب وجه الله، و فيه نهي عن الرياء و طلب السمعة بالإنفاق، و أمر بالإخلاص لما في الكلام من النفي و الإثبات. قوله: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ‏
 قيل: هو في محل النصب مفعول له، و المفعول محذوف: أي أحل لكم ما وراء ذلكم لأن تطلبوا النساء. قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ*
 أن لا يَبْغِي الميتة و لا يطلبها و هو يجد غيرها، و لا عاد يعدو شبعه. قوله: وَ ابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ‏
 أي رزقه أو علمه، و
وَرَدَ أَنَّهُ عِيَادَةُ مَرِيضٍ وَ حُضُورُ جَنَازَةٍ وَ زِيَارَةُ أَخٍ.
قوله: وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ
 الوسيلة فعيلة من قولهم:" توسلت إليه" أي تقربت، و الضمير راجع إلى الله تعالى، أي اطلبوا التقرب إلى الله تعالى بأعمالكم. قوله: إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ‏
 أي فسادكم على أنفسكم. و الْبَغْيُ: الفساد، و أصل الْبَغْيِ: الحسد ثم سمي الظالم بَغِيّاً، لأن الحاسد ظالم. و منه قوله تعالى: فَبَغى‏ عَلَيْهِمْ‏
 أي ترفع و جاوز المقدار. و قوله تعالى: وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ‏

فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (ره): هُوَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَ هَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى الْغَارِ، فَطَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ، فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقُتِلَ عُتْبَةُ وَ شَيْبَةُ وَ الْوَلِيدُ وَ أَبُو جَهْلٍ وَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَ غَيْرُهُمْ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) طَلَبَ بِدِمَائِهِمْ، فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ (ع) وَ آلُ مُحَمَّدٍ بَغْياً وَ عُدْوَاناً وَ ظُلْماً، وَ هُوَ قَوْلُ يَزِيدَ:

54
مجمع البحرين1

بغا ص 53

لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا             وَقْعَةَ الْخَزْرَجِ مَعَ وَقْعِ الْأَسَلِ‏


إِلَى قَوْلِهِ:
قَدْ قَتَلْنَا الْقَوْمَ مِنْ سَادَاتِهِمْ             وَ عَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلَ‏


فَقَوْلُهُ: وَ مَنْ عاقَبَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ (ص) بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ‏
 يَعْنِي بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ (ع) بَغْياً وَ ظُلْماً وَ عُدْوَاناً لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ يَعْنِي بِالْقَائِمِ مِنْ وُلْدِهِ.
قوله: وَ ما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً
 أي ما يتأتى للرحمن اتخاذ الولد، و لا يصلح له ذلك. يقال:" ما يَنْبَغِي لك أن تفعل كذا" أي ما يصلح لك ذلك. و في المصباح: حكي عن الكسائي أنه سمع من العرب:" و ما يَنْبَغِي أن يكون كذا" أي ما يستقيم و ما يحسن، قال:" و يَنْبَغِي أن يكون كذا" معناه يندب ندبا مؤكدا لا يحسن تركه، ثم قال: و استعمال ماضيه مهجور، و قيل: عدوا" ينبغي" من الأفعال التي لا تتصرف و لا يقال" انبغى" قال: و قيل في وجهه أن ينبغي مطاوع" بغى" و لا يستعمل انفعل إلا إذا كان فيه علاج و انفعال، و هو لا علاج فيه، و أجازه بعضهم ... انتهى. و
فِي الْحَدِيثِ:" أَلَا وَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ بُغَاةَ الْعِلْمِ".
بضم موحده، أي طلبته، جمع" بَاغٍ" بمعنى طالب و الجمع" بُغْيَانٌ" كراع و رعيان يقال: بَغَيْتُ الشي‏ء بغاء و بغية إذا طلبته قال الحاجبي: الصفة من نحو" جاهل" على" جهل" و" جهال" غالبا و" فسقة" كثيرا و على قضاة. و" الْبُغَاةُ" أيضا جمع" بَاغٍ" و هم الخارجون على إمام معصوم- كما في الجمل و صفين- سموا بذلك لقوله تعالى: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‏ءَ
" و الفئة الْبَاغِيَةُ" الخارجة عن طاعة الإمام من" الْبَغْيِ" الذي هو مجاوزة الحد. و منه‏
حَدِيثُ عَمَّارٍ:" تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ".
و
فِيهِ:" إِيَّاكَ أَنْ يُسْمَعَ مِنْكَ كَلِمَةُ بَغْيٍ".
أي ظلم و فساد.

55
مجمع البحرين1

بغا ص 53

و" بَغَى على الناس" ظلم و اعتدى، فهو" باغ". و" بَغَى" سعى في الفساد. قيل: و منه" الفئة الْبَاغِيَةُ" لأنها عدلت عن القصد. و" الْبِغْيَةُ"- بالكسر مثل الجلسة- الحال التي تبغيها. و" الْبُغْيَةُ"- بضم الموحدة- الحاجة نفسها. عن الأصمعي:" و بَغَى ضالته" طلبها، و كل طلبة" بُغَاءٌ"- بالضم- و" بُغَايَةٌ" أيضا- قاله الجوهري. و
فِي الْحَدِيثِ فِي رَجُلٍ أَعَارَ جَارِيَةً" لَمْ يَبْغِهَا غَائِلَةً".
أي لا يقصد اغتيالها، فقضى أن لا يغرمها. و" ابْغِنِي كذا"- بهمزة الوصل- اطلب لي، و بهمزة القطع أعني على الطلب قاله في الدر.
 (بقا)
قوله تعالى: فَهَلْ تَرى‏ لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ
 أي من بقية، أو من بقاء مصدر كالعافية. قوله: وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏
 أي أكثر بقاء. قوله: وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ*

قِيلَ: هِيَ الْأَعْمَالُ يَبْقَى ثَوَابُهَا، وَ قِيلَ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَ قِيلَ:" سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ".
و عن بعض المفسرين من الخاصة و العامة في قوله تعالى: الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا
: المراد بها أعمال الخير، فإن ثمرتها تَبْقَى أبد الآبدين، فهي بَاقِيَاتٌ، و معنى كونها خيرا أملا أن فاعلها ينال بها في الآخرة ما كان يأمل بها في الدنيا. و ما جاء
فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِهِ:" هُنَّ مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ".
فمعناه- على ما ذكر-: أن تلك الكلمات من جملة ما ذكره الله سبحانه في القرآن المجيد و عبر عنه بِالْبَاقِيَاتِ الصالحات و جعل ثوابه و أمله خيرا من المال و البنين. قوله: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ‏
 أي ما أبْقَى‏

56
مجمع البحرين1

بقا ص 56

الله لكم من الحلال و لم يحرمه عليكم، فيه مقنع و رضى فذلك خير لكم. قوله: وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى‏ وَ آلُ هارُونَ‏
 أي في التابوت مما تكسر من الألواح التي كتب الله لموسى، و عصا موسى و ثيابه، و عمامة هارون. و يقال:" بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ"
 رُضَاض قَطْعِ الألواح. قوله: أُولُوا بَقِيَّةٍ
 أي أولوا تمييز و طاعة، يقال:" فلان بَقِيَّةٌ" أي فضل مما يمدح به. و الْبَقِيَّةُ: الرحمة، و منه‏
حَدِيثُ وَصْفِهِمْ (ع):" أَنْتُمْ بَقِيَّةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ".
أي رحمة الله التي من الله بها على عباده. و جمع الْبَقِيَّةِ" بَقَايَا" و" بَقِيَّاتٌ" مثل عطية و عطايا و عطيات. و
فِي حَدِيثِ النَّارِ:" لَا تُبْقِي عَلَى مَنْ تَضَرَّعَ إِلَيْهَا".
أي لا ترحمه، من أَبْقَيْتُ عليه إِبْقَاءً: إذا رحمته و أشفقت عليه. و الاسم الْبُقْيَا. و بَقِيَ الشي‏ء يَبْقَى- من باب تعب- دام و ثبت. و يتعدى بالألف فيقال:" أَبْقَيْتُهُ". و الاسم:" الْبَقْوَى" بالفتح مع الواو و" الْبُقْيَا" بالضم مع الياء. قال في المصباح: و مثله الفتوى و الفتيا و الثنوى و الثنيا، قال: و طي تبدل الكسرة فتحة فتقلب الياء ألفا، و كذلك كل فعل ثلاثي مثل بَقِيَ و نسي و فتي ... انتهى و" بَقِيَ من الدين كذا" فضل و تأخر و" تَبَقَّى" مثله. و الاسم: الْبَقِيَّةُ. و
فِي حَدِيثِ مَلَكِ الْمَوْتِ لِبَنِي آدَمَ:" إِنَّ لَنَا فِيكُمْ بَقِيَّةً".
يريد ما يبقى من الشي‏ء و يفضل." و لأربع بَقِينَ من كذا" أي بقيت منه، و كذا" خلون" أي خلون منه. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَا مِنْ نَبِيٍّ وَ لَا وَصِيٍّ يَبْقَى فِي الْأَرْضِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حَتَّى يُرْفَعَ بِرُوحِهِ وَ عَظْمِهِ وَ لَحْمِهِ إِلَى السَّمَاءِ".

57
مجمع البحرين1

بقا ص 56

و فيه تأويل. و" الْبَاقِي" من صفاته تعالى، و هو من لا ينتهي تقدير وجوده في الاستقبال إلى آخر ينتهي إليه.
 (بكا)
قوله تعالى: بُكِيًّا
 هو جمع" بَاكٍ" و أصله" بُكُوي" على فعول، فأدغمت الواو في الياء. و يقال:" الْبَكِيّ" على فعيل: الكثير البكاء، و" الْبُكِيُّ" على فعول جمع" بَاكٍ". قوله: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ‏

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ يَبْكِي عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ مُصَلَّاهُ وَ بَابُ ارْتِفَاعِ عَمَلِهِ.
و قيل: معناه أهل السماء، فحذف، و قيل: العرب تقول إذا هلك العظيم فيها:" بَكَتْ عليه السماء و كسفت لموته الشمس". و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ لِلْحَسَنِ (ع):" وَ ابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ".
قال بعض أهل التحقيق: و هذا لا يستقيم على ظاهره على قواعد الإمامية القائلين بالعصمة، و قد ورد مثله كثيرا في الأدعية المروية عن أئمتنا (ع) و قد
رَوَى فِي الْكَافِي فِي بَابِ الِاسْتِغْفَارِ عَنِ الصَّادِقِ (ع): أَنَّ" رَسُولَ اللَّهِ (ص) كَانَ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً".
و أمثال ذلك من طريق الخاصة و العامة كثير، ثم قال: و أحسن ما تضمحل به الشبهة ما أفاده الفاضل الجليل بهاء الدين علي بن عيسى الإربلي في كتاب كشف الغمة، قال: إن الأنبياء و الأئمة (ع) تكون أوقاتهم مستغرقة بذكر الله تعالى،

58
مجمع البحرين1

بكا ص 58

و قلوبهم مشغولة، و خواطرهم متعلقة بالملأ الأعلى، و هم أبدا في المراقبة كما
قَالَ (ع):" اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَرَهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ".
فهم أبدا متوجهون إليه و مقبلون بكليتهم عليه، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العلية و المنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل و المشرب و التفرغ إلى النكاح و غيره من المباحات عدوه ذنبا و اعتقدوه خطيئة فاستغفروا منه، ألا ترى إلى بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد يأكل و يشرب و ينكح و هو يعلم أنه بمرأى من سيده و مالكه يعده ذنبا، فما ظنك بسيد السادات و مالك الملاك، و إلى هذا أشار
بِقَوْلِهِ (ع):" إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَ إِنِّي أَسْتَغْفِرُ بِالنَّهَارِ سَبْعِينَ مَرَّةً".
و
قَوْلِهِ:" حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ" ..
انتهى. و يجي‏ء في" غين" إن شاء الله تعالى ما يتم به الكلام. و بَكَى يَبْكِي بُكًى و بُكَاءً- بالقصر و المد- قيل: القصر مع خروج الدموع، و المد على إرادة الصوت. قال في المصباح: و قد جمع الشاعر بين المعنيين، فقال:
بَكَتْ عيني و حق لها بُكَاهَا             و ما يغني الْبُكَاءُ و لا العويل‏

و قد تكرر ذكر الْبُكُاءِ في الحديث، و المبطل منه للصلاة يحتمل معنيين، و قصر البعض تحريمه على الممدود لمكان الاستصحاب في صحة الصلاة، و إطلاق‏

59
مجمع البحرين1

بكا ص 58

النص يأباه. و" تَبَاكَى الرجل": تكلف البكاء. و
مِنْهُ:" إِنْ لَمْ تَجِدُوا الْبُكَاءَ فَتَبَاكُوا".
و قيل: معناه لا تكلفوا الْبُكَاءَ. و" بَكَيْتُهُ" و" بَكَيْتُ عليه" و" بَكَيْتُ له" و" بَكَّيْتُهُ"- بالتشديد- و" بَكَتِ السماء" إذا أمطرت، و منه" بَكَتِ السحابة".
 (بلا)
قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ‏
 أراد به الاختبار و الامتحان، يقال:" بَلَاهُ يَبْلُوهُ". إذا اختبره و امتحنه. و بَلَاهُ بالخير أو الشر يَبْلُوهُ بَلْواً، و أَبْلَاهُ- بالألف- و ابْتَلَاهُ بمعنى: امتحنه. و الاسم: الْبَلَاءُ مثل سلام. و الْبَلْوَى و الْبَلِيَّةُ مثله. و يقال الْبَلَاءُ على ثلاثة أوجه: نعمة، و اختبار، و مكروه.
قَوْلُهُ: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ‏
 يُرِيدُ تَوْطِينَ النَّفْسِ عَلَى الصَّبْرِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ (ع)
قوله: وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ‏
 أي اختبره بما تعبده به من السنن، و
قِيلَ: هِيَ عَشْرُ خِصَالٍ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ، وَ هِيَ: الْفَرْقُ وَ السِّوَاكُ وَ الْمَضْمَضَةُ وَ الِاسْتِنْشَاقُ وَ قَصُّ الشَّارِبِ، وَ خَمْسَةٌ فِي الْبَدَنِ: الْخِتَانُ وَ حَلْقُ الْعَانَةِ وَ الِاسْتِنْجَاءُ وَ تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ وَ نَتْفُ الْإِبْطِ.
قوله: فَأَتَمَّهُنَّ أي عمل بهن و لم يدع منهن شيئا. و الْبَلَاءُ يكون حسنا و سيئا، و أصله المحنة.

60
مجمع البحرين1

بلا ص 60

و الله يَبْلُو العبد بما يحبه ليمتحن شكره، و بما يكرهه ليمتحن صبره، قال تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً
. قوله تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ
 أي تختبر السرائر في القلوب، من العقائد و النيات و غيرها و ما أسر و أخفى من الأعمال، فيتميز منها ما طاب و ما خبث. قوله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا*
 أي ليعاملكم معاملة المختبرين لكم، و إلا فعالم الغيب و الشهادة لا يخفى عليه شي‏ء، و إنما يَبْلُو و يختبر من تخفى عليه العواقب. و
عَنِ الصَّادِقِ (ع):" لَيْسَ يَعْنِي أَكْثَرَكُمْ عَمَلًا وَ لَكِنْ أَصْوَبُكُمْ عَمَلًا وَ إِنَّمَا الْإِصَابَةُ خَشْيَةُ اللَّهِ وَ النِّيَّةُ الصَّادِقَةُ".
و عن بعض المفسرين: جملة لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا*
 تعليل لخلق الموت و الحياة في قوله: خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ و النية الصادقة انبعاث القلب نحو الطاعة، غير مخلوط فيه شي‏ء سوى وجه الله سبحانه كمن يعتق عبده مثلا ملاحظا مع القربة الخلاص من مئونته أو سوء خلقه و نحو ذلك. قوله: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
 ... لِيَبْلُوَكُمْ‏
 متعلق بما تقدم، أي خلقهن لحكمة بالغة، و هي أن يجعلها مساكن لعباده، و ينعم عليهم فيها بفنون النعم و يكلفهم و يعرضهم للثواب، و لما أشبه ذلك اختبار المختبر. قال: لِيَبْلُوَكُمْ‏
 أي ليفعل بكم ما يفعل الْمُبْتَلِي لأحوالكم. و
فِي الْحَدِيثِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تُنْزِلُ الْبَلَاءَ".
و هي كما جاءت به الرواية
عَنْ سَيِّدِ الْعَابِدِينَ ع:" تَرْكُ إِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ، وَ تَرْكُ مُعَاوَنَةِ الْمَظْلُومِ، وَ تَضْيِيعُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ".
و
فِيهِ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَبْلَانَا".
أي أنعم علينا و تفضل، من الْإِبْلَاءِ الذي هو الإحسان و الإنعام. و
فِيهِ:" الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَبْلَى وَ ابْتَلَى".

61
مجمع البحرين1

بلا ص 60

أي على ما أبلى من النعم و ابتلى من النقم. يقال:" أَبْلَاهُ الله بَلَاءً حسنا" أي بكثرة المال و الصحة و الشباب، و ابْتَلَاهُ أي بالمرض و الفقر و المشيب. و
فِيهِ:" لَا تَبْتَلِنَا إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".
أي لا تمتحنا و لا تختبرنا إلا بالتي هي أحسن. و
فِيهِ:" إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَ أَبْتَلِيَ بِكَ".
أي لأمتحنك هل تقوم بما أمرت به من تبليغ الرسالة و الجهاد و الصبر، و أَبْتَلِي بك قومك من يتبعك و من يتخلف عنك و من ينافق معك. و
" ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْعِلْمِ".
أي اختبرت به و امتحنت. و الْبَلِيَّةُ و الْبَلْوَى و الْبَلَاءُ واحد، و الجمع الْبَلَايَا." و لا أُبَالِيهِ": لا أكترث به و لا أهتم لأجله. و منه" ما بَالَيْتُ بِهِ". و منه‏
" لَا أُبَالِي أَ بَوْلٌ أَصَابَنِي أَمْ مَاءٌ".
و منه‏
حَدِيثُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ:" هَؤُلَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَ لَا أُبَالِي، وَ هَؤُلَاءِ إِلَى النَّارِ وَ لَا أُبَالِي".
و
فِيهِ:" مَنْ لَا يُبَالِي مَا قَالَ وَ مَا قِيلَ فِيهِ فَهُوَ لِغَيَّةٍ أَوْ شِرْكِ شَيْطَانٍ".
و فسره بمن تعرض للناس يشتمهم و هو يعلم أنهم لا يتركونه. و" بَلِيَ الثوب يَبْلَى"- من باب تعب" بِلًى"- بالكسر و القصر- و" بُلَاءً"- بالضم و المد-: خلق، فهو" بَالٍ". و" بَلِيَ الميت" أفنته الأرض. و
فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع)- وَ قَدْ سُئِلَ عَنِ الْمَيِّتِ يَبْلَى جَسَدُهُ- قَالَ:" نَعَمْ حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ لَحْمٌ وَ لَا عَظْمٌ إِلَّا طِينَتُهُ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْلَى بَلْ تَبْقَى فِي الْقَبْرِ مُسْتَدِيرَةً حَتَّى يُخْلَقَ مِنْهَا كَمَا خُلِقَ مِنْهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ".
و" بَلَى" حرف إيجاب، فإذا قيل:

62
مجمع البحرين1

بلا ص 60

" ما قام زيد" و قلت في الجواب" بَلَى" فمعناه إثبات القيام، و إذا قلت:" ليس كان كذا" و قلت:" بَلَى" فمعناه التقرير و الإثبات. و لا يكون معناه إلا بعد نفي إما في أول كلام- كما تقدم-، و إما في أثنائه كما في قوله تعالى: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى‏
 و التقدير: بَلَى نجمعها و قد يكون مع النفي استفهام و قد لا يكون- كما تقدم- فهو أبدا يرفع حكم النفي و يوجب نقيضه- جميع ذلك قاله في المصباح. و
فِي الْحَدِيثِ:" تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ يَمْحُو لَا وَ اللَّهِ وَ بَلَى وَ اللَّهِ".
أي يمحو ما وقع للعبد من القسم الكاذب في اليوم‏
 (بنا)
قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ‏
 الْبُنْيَانُ: الحائط، و المرصوص الملصق بعضه على بعض.
قَوْلُهُ: ابْنُوا لَهُ بُنْياناً
 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: بَنَوْا لَهُ حَائِطاً مِنْ حِجَارَةٍ طُولُهُ فِي السَّمَاءِ ثَلَاثُونَ ذِرَاعاً وَ عَرْضُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعاً وَ مَلَئُوهُ نَاراً وَ أَلْقَوْهُ فِيهِ.
قوله: وَ نادى‏ نُوحٌ ابْنَهُ هو- على ما في الرواية عن أهل البيت (ع) ابْنُهُ، و إنما نفاه عنه بقوله: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ لأنه خالفه في دينه. و
فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (ره): إِنَّهُ لَيْسَ ابْنَهُ، إِنَّمَا هُوَ ابْنُ امْرَأَتِهِ، وَ هُوَ بِلُغَةِ طَيٍّ، يَقُولُونَ لِابْنِ الِامْرَأَةِ:" ابْنَهُ".
و
فِي تَفْسِيرِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ (ره): وَ قَرَأَ عَلِيٌّ (ع): ابْنَهَ- بِفَتْحِ الْهَاءِ- اكْتِفَاءً بِالْفَتْحَةِ عَنِ الْأَلْفِ.
و روي أيضا بالألف و قوله: هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُم‏

63
مجمع البحرين1

بنا ص 63

نسبهم إليه باعتبار أن كل نبي أب لقومه. قوله:" لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏
 قال المفسر: المعنى: لا يزال هدم بنيانهم الذي بنوه سبب شك و نفاق في قلوبهم، لا يضمحل أثره إلا أن تقطع، أي تقطع قلوبهم قطعا و تتفرق أجزاء، فحينئذ يميلون عنه، و الريبة باقية فيها ما دامت سالمة. و قرئ" تَقَطَّعَ"
 بالتشديد و التخفيف، و يجوز أن يراد حقيقة تقطيعهم بقتلهم أو في النار. و قيل: معناه: إلا أن يتوبوا توبة تتقطع بها قلوبهم ندما على تفريطهم. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ هَدَمَ بُنْيَانَ رَبِّهِ فَهُوَ مَلْعُونٌ".
أي من قتل نفسا بغير حق لأن الجسم بُنْيَانُ الله تعالى. و
فِيهِ:" الْكَلِمَاتُ الَّتِي بُنِيَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ اللَّهُ أَكْبَرُ".
أي الكلمات التي هي أصل الإسلام يُبْنَى عليها كما يُبْنَى على الأساس، و كان الوجه في ذلك- على ما قيل- اشتمالها على عمدة أصول الدين: من التوحيد و الصفات الثبوتية و السلبية. و
فِيهِ:" بَنَى بِالثَّقَفِيَّةِ".
أي نكح زوجة من ثقيف. و
فِيهِ:" تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ بِعَائِشَةَ وَ هِيَ بِنْتُ سِتٍّ، وَ بَنَى بِهَا وَ هِيَ بِنْتُ تِسْعٍ".
أي دخل بها و هي بنت تسع سنين. قال في المصباح و غيره: و أصله أن الرجل كان إذا تزوج بَنَى للعرس خباء جديدا و عمره بما يحتاج إليه، ثم كثر حتى كني به عن الجماع. ثم حكى عن ابن دريد أنه قال:" بَنَى عليها" و" بَنَى بها" و الأول أفصح، و حكى عن ابن السكيت أنه قال:" بَنَى على أهله" إذا زفت إليه، و العامة تقول:" بَنَى بأهله" و" ابْتَنَى على أهله" إذا أعرس انتهى و
فِي الْخَبَرِ:" أَوَّلُ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ فِي مُبْتَنَى رَسُولِ اللَّهِ (ص).
" أراد بِالْمُبْتَنَى هنا الِابْتِنَاءَ. و
فِي حَدِيثِ الِاعْتِكَافِ" فَأَمَرَ بِبِنَائِهِ فَقُوِّضَ".
أي نقض، و يريد به واحد

64
مجمع البحرين1

بنا ص 63

الْأَبْنِيَةِ، و هي البيوت التي تسكنها العرب في الصحاري. قال الجوهري: أَبْنِيَةُ العرب طِرَاف و أخْبِيَة، فالطِّراف من أدم و الخباء من صوف أو وبر. و
فِيهِ:" كُلُّ بِنَاءٍ وَبَالٌ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ".
قيل: أراد ما بُنِيَ للتفاخر و التنعم، لا أَبْنِيَةَ الخير من المساجد و المدارس و الربط و نحوها و
فِيهِ:" اتَّقُوا الْحَرَامَ فِي الْبِنَاءِ".
أي احترزوا عن إنفاق مال الحرام‏
فِي الْبُنْيَانِ" فَإِنَّهُ أَسَاسُ الْخَرَابِ".
أي خراب الدين، و المعنى: اتقوا ارتكاب الحرام في البنيان، فإنه أساس الخراب، فإنه لو لم يُبْنَ لم يخرب- كما
فِي الْحَدِيثِ:" لِدُوا لِلْمَوْتِ وَ ابْنُوا لِلْخَرَابِ".
و الْبَنِيَّةُ- على فعيلة بفتح الباء-: الكعبة، يقال:" و رب هذه الْبَنِيَّة" و كانت تدعى بَنِيَّةُ إبراهيم (ع) قالوا: أول من بَنَى الكعبة الملائكة، ثم إبراهيم (ع)، ثم قريش في الجاهلية، و حضره النبي (ص) و له خمس و ثلاثون أو خمس و عشرون، ثم ابن الزبير، ثم الحجاج. و قيل: بُنِيَتْ بعد ذلك مرتين أو ثلاثا.
 [بنو]
و الِابْنُ: ولد الرجل، و أصله" بَنَوٌ"- بالفتح- لأنه يجمع على" بَنِينَ" و هو جمع سلامة، و جمع السلامة لا يتغير، و جمع القلة" أَبْنَاءٌ" و أصله" بِنْوٌ"- بكسر الباء- مثل حمل، بدليل" بنت". و يطلق الِابْنُ على ابْنِ الِابْنِ و إن سفل مجازا. و أما غير الأناسي مما لا يعقل" كَابْنِ مخاض" و" ابْنِ لبون" فيقال في الجمع:" بَنَاتُ مخاض" و" بَنَاتُ لبون" و ما أشبهه. قال في المصباح: قال ابْنُ الأنباري: و اعلم أن جمع غير الناس بمنزلة جمع المرأة من الناس، تقول فيه:" منزل" و" منزلات" و" مصلى" و" مصليات" و في" ابْنِ عرس":" بَنَاتَ عرس" و في" ابْنِ نعش":" بَنَاتَ نعش" و ربما قيل في ضرورة الشعر" بَنُو نعش" و فيه لغة محكية عن الأخفش أنه يقال:

65
مجمع البحرين1

بنو ص 65

" بَنَاتُ عرس" و" بَنُو عرس" و" بَنَاتُ نعش" و" بَنُو نعش"، فقول الفقهاء" بَنُو لبون" يخرج إما على هذه اللغة و إما للتمييز بين الذكور و الإناث، قال: و يضاف الِابْنُ إلى ما يخصصه لملابسة بينهما نحو" ابْنِ السبيل" لمار الطريق المسافر، و" ابْنِ الدنيا" لصاحب الثروة، و" ابْنِ الماء" لطير الماء، و" ابْنِ فاطمة" و" ابْنِ الحنفية" و نحو ذلك، و هو قاعدة العرب ينسب الإنسان إلى أمه عند ذكره لأمرين: إما لشرفها و علو منزلتها أو لخساستها و دناءتها، و يريدون النقص في ولدها، كما يقال في معاوية:" ابْنُ هند" و في عمرو بن العاص" ابْنُ النابغة" لشهرتها بالزنا. و مؤنث الِابْنِ" ابْنَةٌ"، و في لغة" بِنْتٌ" و الجمع" بَنَاتٌ" قال ابن الأعرابي: و سألت الكسائي: كيف تقف على" بِنْتٍ"؟ فقال: بالتاء، تبعا للكتاب، و الأصل بالهاء لأن فيها معنى التأنيث ... انتهى و
فِي حَدِيثِ الْمَوَاضِعِ:" وَ اذْكُرْ خُرُوجَ بَنَاتِ الْمَاءِ مِنْ مَنْخِرَيْكَ".
يريد الديدان الصغار، و الإضافة للملابسة. و" بَنَاتُ الماء" أيضا سمكة ببحر الروم شبيهة بالنساء ذوات شعر سبط، ألوانهن تميل إلى السمرة، ذوات فروج عظام و ثدي و كلام لا يكاد يفهم و يضحكن و يقهقهن، و ربما وقعن في أيدي بعض أهل المراكب فينكحوهن ثم يعيدوهن إلى البحر- كذا في حياة الحيوان. و الْبَنَاتُ أيضا: التماثيل الصغار التي يلعب بها الجواري. و إذا نسبت إلى" ابْنٍ" و" بِنْتٍ" حذفت ألف الوصل و التاء، و رددت المحذوف، فقلت:" بَنَوِيّ". قال في المصباح: و يجوز مراعاة اللفظ فيقال:" ابْنِيّ" و" ابْنَتِيّ". و يصغر برد المحذوف، فيقال" بُنَيّ" و الأصل" بُنَيْو". و إذا اختلط ذكور الأناسي بإناثهم غلب التذكير و قيل:" بَنُو فلان" حتى قالوا:

66
مجمع البحرين1

بنو ص 65

" امرأة بَنِي تميم" و لم يقولوا:" من بَنَاتِ تميم" بخلاف غير الأناسي حيث قالوا:" بَنَاتِ لبون". قال في المصباح: و على هذا لو أوصى لِبَنِي فلان دخل الذكور و الإناث- كما عليه الفتيا.
 (بوا)
قوله تعالى: باؤُ بِغَضَبٍ*
 أي انصرفوا بذلك، و لا يقال: إلا بالشر. قوله: تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ‏
 أي تنصرف بإثم قتلي و إثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ، قوله: وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ‏
 أي أنزلناهم. و يقال:" جعلنا لهم مَبَاءً" و هو المنزل الملزوم. قوله: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً
 قيل: معناه: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مَبَاءَةً حسنة، و هي المدينة حيث آواهم الأنصار و نصروهم. و الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ
 أي المدينة و الْإِيمانَ و هو كقولهم:
علفتها تبنا و ماء باردا


و تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً
 أي اتخذا بناء. و تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ‏
 أي تسوي و تهيى‏ء لهم. و نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ
 أي ننزل منازلها حيث نهوي. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ طَلَبَ عِلْماً لِيُبَاهِي بِهِ الْعُلَمَاءَ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
أي لينزل منزله منها، أو ليهيى‏ء منزله منها، من" بَوَّأْتُ للرجل منزلا": هيأته له أو من" تَبَوَّأْتُ له منزلا": اتخذته له و أصله الرجوع، من" بَاءَ" إذا رجع و سمي المنزل" مَبَاءَةً" لكون صاحبه يرجع إليه إذا خرج منه. و مثله:
" مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
و قد بلغ هذا الحديث غاية الاشتهار حتى قيل بتواتره لفظا و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ حَفَرَ لِلْمُؤْمِنِ قَبْراً فَكَأَنَّمَا بَوَّأَهُ بَيْتاً مُوَافِقاً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
أي أنزله فيه و أسكنه.

67
مجمع البحرين1

بوا ص 67

و" بُؤْتُ بذنبي"- بالباء المضمومة و الهمزة و تاء في الآخر- أقررت و اعترفت و مثله" أَبُوءُ بنعمتك علي" أي أقر و أعترف بها. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ- يَعْنِي مُؤَنَ النِّكَاحِ- فَلْيَتَزَوَّجْ".
و الْبَاءَةُ- بالمد لغة-: الجماع، ثم قيل لعقد النكاح. و حكي في ذلك أربع لغات" الْبَاءَةُ"- بالمد مع الهاء- و هو المشهور، و حذفها" و الْبَاهَةُ"- وزان العاهة-،" و الْبَاهُ" مع الهاء، و قيل: الأخيرة تصحيف و منه‏
حَدِيثُ أَبِي بَصِيرٍ" قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوَجَدْتُهُ قَدْ بَاهَى".
من الْبَاهِ أي جامع، و إنما سمي النكاح" بَاهاً" لأنه من الْمَبَاءَةِ: المنزل، لأن من تزوّج امرأة بَوَّأَهَا منزلا. و قيل:" لأن الرجل يَتَبَوَّأُ من أهله" أي يتمكن كما يَتَبَوَّأُ من منزله. و البوّ: جلد الحُوار يحشى ثُماما فتعطف عليه الناقة، إذا مات ولدها- قاله الجوهري.
 (بها)
فِي الْحَدِيثِ:" يَتَبَاهَوْنَ بِأَكْفَانِهِمْ".
- بفتح الهاء- أي يتفاخرون بها و بجودتها، و يترفع بعضهم على بعض، من" الْمُبَاهَاةِ" و هي المفاخرة. و
فِيهِ:" إِنَّ اللَّهَ لَيُبَاهِي بِالْعَبْدِ الْمَلَائِكَةَ".
أي يحله من قربه و كرامته بين أولئك الملإ محل الشي‏ء الْمُبَاهَى به، و ذلك لأن الله عز و جل غني عن التعزز بما اخترعه ثم تعبده، و لأن الْمُبَاهَاةَ موضوعة للمخلوقين فيما يترفعون به على أكفائهم، و الله تعالى غني عن ذلك، فهو من باب المجاز. و مثله‏
حَدِيثُ أَهْلِ عَرَفَةَ:" ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلَائِكَةَ".
و يحتمل الحقيقة و يكون راجعا إلى أهل عرفة، لتنزلهم منزلة تقتضي الْمُبَاهَاةَ بينهم و بين الملائكة، و أضاف الفعل إلى نفسه تحقيقا لكون ذلك هو موهبته تعالى، و هو يجزي‏

68
مجمع البحرين1

بها ص 68

في الأول. و الْبَهَاءُ: الحسن و الجمال، يقال:" بَهَاءُ الملوك" أي هيئتهم و جمالهم،" و بهاء الله" عظمته. و" أَبْهُوا الخيل" عطلوها من الغزو.
 (بيا)
فِي حَدِيثِ آدَمَ (ع):" حَيَّاكَ اللَّهُ وَ بَيَّاكَ".
قال الجوهري: معنى" حياك" ملكك، و قال في" بَيَّاكَ" قال الأصمعي اعتمدك بالتحية، و قال ابن الأعرابي: جاء بك، و قال خلف الأحمر:" بَيَّاكَ" معناه: بَوَّأَكَ منزلا، إلا أنها لما جاءت مع حياك تركت همزتها و حولت واوها ياء قال: و
فِي الْحَدِيثِ:" أَنَّ آدَمَ (ع) لَمَّا قُتِلَ ابْنُهُ مَكَثَ مِائَةَ سَنَةٍ لَا يَضْحَكُ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ: حَيَّاكَ اللَّهُ وَ بَيَّاكَ، فَقَالَ: وَ مَا بَيَّاكَ؟ فَقِيلَ: أَضْحَكَكَ".
و قال بعض الناس: إنه إتباع، و هو عندي ليس بإتباع، و ذلك لأن الإتباع لا يكاد يكون بالواو و هذا بالواو ... انتهى‏
باب ما أوله التاء
 (تأتأ)
يقال:" فيه تَأْتَأَةً" لمن يتردّد في التاء إذا تكلم قاله الجوهري. و التاء من حروف المعجم. و" تا" اسم يشار به إلى المؤنث مثل" ذا" للمذكر و" ته" مثل" ذه" و" تان" للتثنية. و لك أن تدخل عليها هاء تقول:" هاتا هند" و" هاتان" فإن خاطبت جئت بالكاف، فقلت:" تيك" و" تلك" و التثنية" تانك" و تشدد، و الجمع" أولئك" و" أولالك" فالكاف لمن تخاطبه في التذكير و التأنيث و التثنية و الجمع، و تدخل الهاء على" تيك" و" تاك" فنقول:" هاتيك هند" و" هاتاك" و لا تدخل على" تلك" لأنهم جعلوا اللام عوضا عن هاء التنبيه.

69
مجمع البحرين1

تأتأ ص 69

ثم قال: و التاء في القسم بدل من الواو كما أبدلوا منها في" تترى" و في" تراث" و" تخمه" و" تجاه". و في الكتاب العزيز: تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ و فيه حذف. و
فِي الْحَدِيثِ:" تَاللَّهِ أَنْتَ".
قلبت الواو تاء مع الله دون سائر الأسماء. و في المصباح: تكون التاء للقسم، و تختص باسم الله على الأشهر.
 (تلا)
قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ‏
 من الجن أو الإنس أو منهما عَلى‏ مُلْكِ سُلَيْمانَ أي عهده‏
قِيلَ: كَانُوا يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ وَ يَضُمُّونَ إِلَى مَا سَمِعُوا أَكَاذِيبَ وَ يُلْقُونَهَا إِلَى الْكَهَنَةِ وَ هُمْ يُدَوِّنُونَهَا وَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ، وَ فَشَا ذَلِكَ فِي عَهْدِ سُلَيْمَانَ (ع) حَتَّى قِيلَ: إِنَّ الْجِنَّ تَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَ إِنَّ مُلْكَ سُلَيْمَانَ يَتُمُّ بِهَذَا الْعِلْمِ، وَ إِنَّ سُلَيْمَانَ يُسَخِّرُ بِالسِّحْرِ الْإِنْسَ وَ الْجِنَّ وَ الرِّيحَ.
قوله: وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَ‏
 الآية، قيل في ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ‏
 إنه في محل الرفع على العطف، أي الله يفتيكم و الْمَتْلُوُّ في الكتاب. قوله: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها
 أي تبعها في الضياء، و ذا في النصف الأول من الشهر و منه قرى‏ء: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ بمعنى تتبع، و قيل: تَتْلُو كتاب حسناتها و سيئاتها. قوله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ‏
 قيل: يتبعونه. و سمي القارى‏ء تَالِياً لأنه يتبع ما يقرأ و
فِي الْحَدِيثِ عَنِ الْبَاقِرِ (ع) قَالَ:" يَتْلُونَ آيَاتِهِ، وَ يَتَفَقَّهُونَ فِيهِ، وَ يَعْمَلُون‏

70
مجمع البحرين1

تلا ص 70

بِأَحْكَامِهِ، وَ يَرْجُونَ وَعْدَهُ، وَ يَخَافُونَ وَعِيدَهُ، وَ يَعْتَبِرُونَ بِقِصَصِهِ، وَ يَأْتَمِرُونَ بِأَوَامِرِهِ، وَ يَنْتَهُونَ بِنَوَاهِيهِ، مَا هُوَ وَ اللَّهِ حِفْظُ آيَاتِهِ وَ دَرْسُ حُرُوفِهِ وَ تِلَاوَةُ سُوَرِهِ وَ دَرْسُ أَعْشَارِهِ وَ أَخْمَاسِهِ، حَفِظُوا حُرُوفَهُ وَ أَضَاعُوا حُدُودَهُ، وَ إِنَّمَا هُوَ تَدَبُّرُ آيَاتِهِ وَ الْعَمَلُ بِأَحْكَامِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ".
قوله: فَالتَّالِياتِ ذِكْراً
، عُذْراً أَوْ نُذْراً قيل: هي الملائكة تلقي بالوحي إلى الأنبياء عذرا من الله و إنذارا و" تَلَوْتُ الكتاب تِلَاوَةً". و التَّالِي في‏
قَوْلِهِمْ (ع):" وَ يَلْحَقُ بِنَا التَّالِي".
هو المرتاد الذي يريد الخير ليؤجر عليه. و" تَلَوْتُ الرجل أَتْلُوهُ تُلُوّاً"- على فعول تبعته، فأنا تَالٍ، و تِلْوٌ أيضا وزان حمل.
 (توا)
فِي الْحَدِيثِ:" الْقَصْدُ مَثْرَاةٌ وَ السَّرَفُ مَتْوَاةٌ".
أي فقر و قلة. و التَّوَى- مقصور و يمد-: هلاك المال يقال:" تَوِيَ المال"- بالكسر-" تَوىً" و" تَوَاءً" هلك. و هذا" مال تَوٍ"- على فعل. و منه‏
حَدِيثٍ السَّلَفِ فِي اللَّحْمَ:" يُعْطِيكَ مَرَّةً السَّمِينَ وَ مَرَّةً التَّاوِيَ".
أي الضعيف الهالك. و منه قوله:" فما تَوِيَ فعلي" أي ما هلك من المال يلزمني. و منه‏
الْحَدِيثُ:" جِهَادُ الْمَرْأَةِ أَنْ تَصْبِرَ عَلَى مَا تَوِيَ مِنْ أَذَى زَوْجِهَا".

71
مجمع البحرين1

باب ما أوله الثاء ص 72

باب ما أوله الثاء
 (ثبا)
قوله تعالى: فَانْفِرُوا ثُباتٍ‏
 أي جماعات متفرقة، جمع" ثبة" من" ثَبَّيْتُ على فلان تَثْبِيَةً" إذا ذكرت متفرق محاسنه. و تجمع أيضا على" ثُبِينٍ". و قال الجوهري: و أصلها" ثُبَيٌّ" و الجمع" ثُبَاتٌ" و" ثُبُونٌ" و" أَثَابِيُّ".
 (ثدى)
فِي الْحَدِيثِ:" حَدُّ الْقَبْرِ إِلَى الثَّدْيِ".
- بالفتح و سكون المهملة و خفة الياء يذكر و يؤنث- و هو للمرأة و الرجل، و الجمع" أَثْدٍ" و" ثُدُيٌّ" على فعول، و" ثِدِيّ" بكسر الثاء، و ربما جاء على" ثِدَاء" كسهم و سهام، و المعنى: أن منتهى الحفرة في الأرض ذلك، و عد من الفضل دون الفرض. و الثَّنْدُوَةُ للرجل بمنزلة الثَّدْيِ للمرأة- قاله الجوهري. قال: و قال الأصمعي: هي مغرز الثَّدْيِ و حكي عن ابن السكيت: هي اللحم الذي حول الثَّدْيِ. و" ذو الثُّدَيَّةِ" لقب رجل من الخوارج، اسمه ثرملة قتل يوم النهروان. فمن قال في الثَّدْيِ: أنه مذكر، يقول: إنما أدخلوا الهاء في التصغير لأن معناه اليد و هي مؤنثة، و ذلك أن يده كانت قصيرة مقدار الثدي، يدل على ذلك أنهم يقولون فيه:" ذو الثُّدَيَّةِ" و" ذو اليدية" و قيل: هو تصغير الثَّنْدُوَةِ- بحذف النون- لأنها من تركيب الثَّدْيِ، و انقلاب الياء فيها واوا لضم ما قبلها، و لم يضر ارتكاب الشاذ لظهور الاشتقاق.
 (ثرا)
قوله تعالى: وَ ما تَحْتَ الثَّرى‏
 الثَّرَى: التراب الندي، و هو الذي تحت‏

72
مجمع البحرين1

ثنا ص 73

الظاهر من وجه الأرض، فإن لم يكن فهو تراب، و لا يقال: ثَرَى. و" المال الثَّرِيُّ"- على فعيل- الكثير. و منه:" رجل ثَرْوَانٌ" و" امرأة ثَرْوَى". و الثَّرَاءُ- بالمد-: كثرة المال. و" أَثْرَى الرجل": كثرت أمواله. و الثَّرْوَةُ: كثرة العدد. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" صِلَةُ الرَّحِمِ مَثْرَاةٌ لِلْمَالِ".
بالفتح فالسكون على مفعلة مكثرة للمال‏
" مَنْسَأَةٌ لِلْأَجَلِ".
أي موسعة للعمر. و الثُّرَيَّا- بالقصر-: النجم المعروف، تصغير" ثَرْوَى"، يقال: إن خلال أنجمها الظاهرة كواكب خفية كثيرة العدد.
 (ثغا)
الثُّغَاءُ- بالضم و المد-: صوت الشاة، يقال:" ثَغَتِ الشاة تَثْغُو ثُغَاءً" مثل صراخ وزنا و معنى، فهي ثَاغِيَةٌ. قالوا:" ما له ثَاغِيَةٌ و لا راغية" أي لا نعجة و لا ناقة، أي ما له شي‏ء.
 (ثفا)
فِي الْحَدِيثِ:" أَثَافِيُّ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ: الصَّلَاةُ وَ الزَّكَاةُ وَ الْوَلَايَةُ، لَا تَصِحُّ وَاحِدَةٌ إِلَّا بِصَاحِبَتِهَا".
الْأَثَافِيُّ: جمع الْأُثْفِيَّةِ- بالضم و الكسر- على أفعولة، و هي الحجارة التي تنصب و يجعل القدر عليها، و قد تخفف الياء في الجمع، و استعارها هنا لما قام الإسلام عليه و ثبت كثبوت القدر على الْأَثَافِيِّ.
 (ثنا)
قوله: ثانِيَ اثْنَيْنِ‏
 أي أحد اثْنَيْنِ- كقوله ثالِثُ ثَلاثَةٍ- و هما رسول الله و أبو بكر، و انتصابه على الحال، أو هما بدل من إِذْ أَخْرَجَهُ و إِذْ يَقُولُ بدل ثَانٍ. قوله: يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏
 أي يطوون على معاداة النبي (ص)
نُقِلَ:" أَنَّ قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِذَا أَغْلَقْنَا أَبْوَابَنَا

73
مجمع البحرين1

ثنا ص 73

وَ أَرْخَيْنَا سُتُورَنَا وَ اسْتَغْشَيْنَا ثِيَابَنَا وَ ثَنَيْنَا صُدُورَنَا عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمَّدٍ كَيْفَ يَعْلَمُ بِنَا، فَأَنْبَأَهُ اللَّهُ عَمَّا كَتَمُوهُ، فَقَالَ تَعَالَى: أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ".
قوله: مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ*
 يعني اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا. قيل: و ليست الواو هنا على حالها و إلا لزم الجمع بين تسع نسوة، و أجيب: بأن الجمع في الحكم لا يستلزم الجمع في الزمان فلا محذور. قوله: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ‏
 الآية،
قَالَ (ص): مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ‏
 عَنَى الْأَهْلِيَّ وَ الْجَبَلِيِّ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ‏
 عَنَى الْأَهْلِيَّ وَ الْجَبَلِيِّ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ‏
 عَنَى الْأَهْلِيَّ وَ الْوَحْشِيَّ وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ‏
 عَنَى الْبَخَاتِيِّ وَ الْعِرَابَ.
قوله: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏
 يعني سورة الحمد، إذ هي سبع آيات اتفاقا، و ليس في القرآن ما هو كذلك، غير أن بعضهم عد البسملة، دون صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ و بعضهم عكس.
قِيلَ: وَ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ مُطْلَقُ التَّكْرِيرِ لِأَنَّهَا تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ فَصَاعِداً، وَ قِيلَ: لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ صَلَاةٍ.
و في أنها مكية أو مدنية خلاف، و الأول مروي عن ابن عباس. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" أَنَّهُ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَ هِيَ سَبْعُ آيَاتٍ تَمَامُهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ‏
 وَ إِنَّ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ أَشْرَفُ مَا فِي كُنُوزِ الْعَرْشِ، وَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَصَّ مُحَمَّداً وَ شَرَّفَهُ بِهَا، وَ لَمْ يُشْرِكْ مَعَهُ فِيهَا أَحَداً مِنْ أَنْبِيَائِهِ، خَلَا سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ فَإِنَّهُ أَعْطَاهُ مِنْهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، أَلَا فَمَنْ قَرَأَهَا مُعْتَقِداً لِمُوَالاةِ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ، مُنْقَاداً لِأَمْرِهَا، مُؤْمِناً بِظَاهِرِهَا وَ بَاطِنِهَا، أَعْطَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا حَسَنَةً، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا أَفْضَلُ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا

74
مجمع البحرين1

ثنا ص 73

فِيهَا مِنْ أَصْنَافِ أَمْوَالِهَا وَ خَيْرَاتِهَا، وَ مَنِ اسْتَمَعَ إِلَى قَارِئٍ يَقْرَأُهَا كَانَ لَهُ مَا لِلْقَارِئِ، فَلْيَسْتَكْثِرْ أَحَدُكُمْ مِنْ هَذَا الْخَيْرِ الْمُعْرَضِ لَكُمْ، فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ لَا يَذْهَبَنَّ أَوَانُهُ فَيَبْقَى فِي قُلُوبِكُمْ حَسْرَةً".
و سمي القرآن مَثَانِيَ لأن الأنباء و القصص تُثَنَّى فيه، أو لاقتران آية الرحمة بآية العذاب. و قيل: هي سبع سور، و قيل: هي السبع الطوال و السابعة الأنفال و براءة لأنهما في حكم سورة واحدة. و
فِي الْخَبَرِ عَنْهُ (ص):" أُعْطِيتُ السُّوَرَ الطِّوَالَ مَكَانَ التَّوْرَاةِ، وَ أُعْطِيتُ الْمِئِينَ مَكَانَ الْإِنْجِيلِ، وَ أُعْطِيتُ الْمَثَانِيَ مَكَانَ الزَّبُورِ، وَ فُضِّلْتُ بِالْمُفَصَّلِ"،.
و لعله أراد بِالْمَثَانِي سورة الفاتحة. و
فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ:" نَحْنُ الْمَثَانِي الَّتِي أَعْطَاهَا اللَّهُ نَبِيَّنَا (ص)".
و معنى ذلك- على ما ذكره الصدوق (ره)-: نحن الذين قرننا النبي (ص) إلى القرآن، و أوصى بالتمسك بالقرآن و بنا، و أخبر أمته بأن لا نفترق حتى نرد على الحوض. و
فِي حَدِيثٍ وَصَفَهُ (ص):" لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُتَثَنِّي".
و هو الذاهب طولا، و أكثر ما تستعمل في طويل لا عرض له. و
فِي الْحَدِيثِ:" الْوُضُوءُ مَثْنَى مَثْنَى".
أي مرتان في الغسل، أو غسلتان و مسحتان.

75
مجمع البحرين1

ثنا ص 73

و" صلاة الليل مَثْنَى مَثْنَى" أي ركعتان ركعتان. و" الإقامة مَثْنَى مَثْنَى" أي يكرر فيها اللفظ. و" اثْنِ على ربك" أي اذكره ذكرا حسنا جميلا، من" الثَّنَاءِ"- بالمد- و هو الذكر الحسن و الكلام الجميل، يقال:" أَثْنَيْتُ على زيد"- بالألف- مدحته. و الاسم" الثَّنَاءُ" و استعماله في الذكر الجميل أكثر من القبيح. و قوله:" لا أحصي ثَنَاءً عليك" يأتي في" حصى إن شاء الله تعالى. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ أُتِيَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيُكَافِئْ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَلْيُثْنِ، وَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَقَدْ كَفَرَ النِّعْمَةَ".
أراد: فليثن على من جاء بها. و الثُّنْيَا- بالضم مع القصر-: الاسم من الاستثناء، و كذلك الثَّنْوَى- بالواو مع فتح الثاء. و
فِي حَدِيثِ زُرَارَةَ- وَ قَدْ حَصَرَ النَّاسَ بِمُؤْمِنٍ وَ كَافِرٍ-" فَأَيْنَ أَهْلُ ثَنْوَى اللَّهِ".
أي الذين اسْتَثْنَاهُمُ الله بقوله: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ الآية. و في بعض نسخ الحديث غير ذلك. و
فِي الْخَبَرِ:" الشُّهَدَاءُ ثَنِيَّةُ اللَّهِ".
أي الذين استثناهم في قوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ. و
فِيهِ:" نَهَى عَنِ الثُّنْيَا إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ".
و هي- على ما قيل- أن يستثنى في عقد البيع شي‏ء مجهول، و قيل: أن يباع شي‏ء جزافا، فلا يجوز أن يستثنى منه شي‏ء قل أو كثر. و
فِيهِ:" مَنِ اسْتَثْنَى فَلَهُ ثُنْيَاهُ".
أي ما استثناه. و الِاسْتِثْنَاءُ- من" ثَنَيْتُ الشي‏ء أَثْنِيهِ ثَنْياً" من باب رمى- إذا عطفته و رددته. و" ثَنَيْتُهُ عن مراده" إذا صرفته عنه‏

76
مجمع البحرين1

ثنا ص 73

و عدلته. و على هذا فَالاسْتِثْنَاءُ: صرف العامل عن‏ الْمُسْتَثْنَى‏. و" ثَنَّيْتُ‏ الشي‏ء"- بالتشديد-: جعلته‏ اثْنَيْنِ‏. و الثِّنَى‏- بالكسر و القصر-: الأمر يعاد مرتين. و" الثَّنِيَّةُ من الأسنان" جمعها" ثَنَايَا" و" ثَنَايَاتٌ‏" و هي في الفم أربع في الأعلى و الأسفل. و" الثَّنِيُ‏" الجمل الذي يدخل في السنة السادسة، و" الناقة ثَنِيَّةٌ" و" الشي‏ء" الذي ألقى‏ ثَنِيَّتَهُ‏. و هو من ذوات الظلف و الحافر في السنة الثالثة، و من ذوات الخف في السنة السادسة، و هو بعد الجذع، و الجمع" ثِنَاءٌ"- بالكسر و المد- و" ثُنْيَان‏" مثل رغيف و رغفان. و

مِنْهُ‏:" سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ أَسْلَمَ فِي الْغَنَمِ ثَنِيَّانِ وَ جَذَعَانِ".

و" أثنى‏": إذا ألقى ثنيته" فهو ثني" فعيل بمعنى فاعل. و على ما ذكرناه من معرفة الثني الجمع من أهل اللغة. و قيل: الثني‏ من الخيل: ما دخل في الرابعة، و من المعز، ما له سنة و دخل في الثانية. و قد جاء

فِي الْحَدِيثِ‏:" وَ الثَّنِيُ‏ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْمَعْزِ هُوَ الَّذِي تَمَّ لَهُ سَنَةٌ".

و في المجمع: الثَّنِيَّةُ من الغنم: ما دخل في الثالثة، و كذا من البقر و الإبل في السادسة، و الذكر" ثَنِيٌ‏"، و عن أحمد: من المعز: ما دخل في الثانية انتهى. و الثَّنِيَّةُ: الطريق العالي في الجبل، و قيل: كالعقبة فيه. و منه:" مكة يأتيها رزقها من أعلاها

77
مجمع البحرين1

ثنا ص 73

و أسفلها و الثَّنِيَّةُ" يريد المعلى و المسفل و عقبة المدنيين. و منه‏
الْخَبَرُ:" وَ كَانَ (ص) يَدْخُلُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَ يَخْرُجُ مِنَ السُّفْلَى".
و الثَّنِيَّةُ العليا: التي تنزل منها إلى المعلى مقابر مكة، و السفلى عند باب شبكة. قيل: و السر في ذلك قصد أن يشهد له الطريقان. و الِاثْنَانِ: اسم من أسماء العدد، حذفت لامه ثم عوض همزة وصل فقيل:" اثْنَانِ" كما يقال:" ابنان" و مؤنثه" اثْنَتَانِ" و في لغة" ثِنْتَانِ" بغير همز، ثم سمي اليوم به فقيل:" يوم الْإِثْنَيْنِ" و هو أحد أيام الأسبوع، لا يُثَنَّى و لا يجمع، و إذا عاد عليه ضمير جاز الإفراد فيه على معنى اليوم، و هو الأصح، فيقال:" مضى يوم الْإِثْنَيْنِ بما فيه" و الثاني اعتبار المعنى، فيقال:" بما فيهما". و" جاء في أَثْنَاءِ الأمر" أي في خلاله. و" ثَنَى رجليه"- بخفة النون- أي عطف، و" يَثْنِى رجليه" أي يعطفهما. و منه‏
الْحَدِيثُ:" مَنْ قَالَ وَ هُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ".
أي عاطفهما. و الثَّنَوِيَّةُ: من يثبت مع القديم قديما غيره، قيل: و هم فرق المجوس يثبتون مبدأين مبدأ للخير و مبدأ للشر و هما النور و الظلمة، و يقولون بنبوة إبراهيم (ع). و قيل: هم طائفة يقولون: إن كل مخلوق مخلوق للخلق الأول، و قد شهد لبطلان قولهم‏
قَوْلُهُ (ع) فِي وَصْفِ الْحَقِّ تَعَالَى:" لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ وَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ خَلَقَ مَا كَانَ".
 (و بهذا يبطل) جميع حجج الثنوية و شبههم.
 (ثوا)
قوله: أَكْرِمِي مَثْواهُ‏
 أي اجعلي مقامه عندنا كريما، أي حسنا. قوله: مَثْوىً لَهُمْ*
 أي منزلا لهم. قوله: ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَن‏

78
مجمع البحرين1

ثوا ص 78

أي مقيما عندهم. قوله: النَّارُ مَثْواكُمْ‏
 أي مقامكم. و الثَّوَاءُ: الإقامة. و الْمَثْوَى- بالفتح-: المنزل، من ثَوَى بالمكان يَثْوِي ثَوَاءً- بالمد-: إذا أقام فيه، و الجمع:" مَثَاوِي". و منه:" أصلحوا مَثَاوِيكُمْ". و منه‏
الدُّعَاءُ:" اللَّهُمَّ عَظُمَ مَثْوَايَ".
أي منزلي عندك و مقامي. و
مِنْهُ:" وَ اجْعَلْنِي مَعَ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ فِي كُلِّ مَثْوًى وَ مُنْقَلَبٍ".
و
فِي حَدِيثِ الْمَيِّتِ مَعَ إِخْوَانِهِ:" أَشْكُو إِلَيْكُمْ طُولَ الثَّوَاءِ فِي قَبْرِي".
أي الإقامة فيه. و أما قول الأعشى:
لَقَدْ كَانَ فِي حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتُهُ             تَقَضِّي لُبَانَات و يَسْأَمَ سائم‏

فحكى الجر في" ثَوَاءٍ" مع كونه اسما لكان لمجاورة" حول"، و" تقضي" ممكن البدلية من اسم كان، و" لُبَانَات" جمع" لُبَانَة"- بالضمّ- و هي الحاجة، و السَّآمَة: الملالة، و الجملة مقدرة بالمصدر لصحة العطف، أي سَآمَة السائم و ملالة المال، و ربما احتمل غير ذلك من الإعراب فإنه باب واسع. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" عِبَادَ اللَّهِ إِنَّكُمْ وَ مَا تَأْمُلُونَ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا أَثْوِيَاءُ مُؤَجَّلُونَ وَ مَدِينُونَ مُقْتَضَوْنَ".
" أَثْوِيَاءُ" جمع" ثَوِيّ" و هو الضّيف، و يتمّ الكلام في" دين". و الثُّوَيَّةُ- بضم الثاء و فتح الواو و تشديد الياء، و يقال: بفتح الثاء و كسر الواو-: موضع بالكوفة به قبر أبي موسى الأشعري و المغيرة بن شعبة- قاله في المجمع و غيره. و الثَّوِيَّةُ: حدّ من حدود عرفة، و في الحديث:" ليست منها".

79
مجمع البحرين1

باب ما أوله الجيم ص 80

باب ما أوله الجيم‏
 (جا)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" لَأَنْ أَطَّلِيَ بِجِوَاءِ قِدْرٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَطَّلِيَ بِالزَّعْفَرَانِ".
يريد به سواد القدر، من الْجُؤْوَةِ، و هي لون الحمرة تضرب إلى السواد. و جأى عليه جأيا" أي عض قاله الجوهري.
 (جأجأ)
فِي الْحَدِيثِ:" يَنْبَغِي لِمَنْ سَجَدَ سَجْدَةَ الشُّكْرِ أَنْ يُلْصِقَ جُؤْجُؤَهُ بِالْأَرْضِ".
الْجُؤْجُؤُ: بضم المعجمتين من الطائر و السفينة صدرهما. و قيل: الْجُؤْجُؤُ عظام الصدر، و منه‏
حَدِيثُ سَفِينَةِ نُوحٍ (ع):" فَضَرَبَتْ بِجُؤْجُؤِهَا حَوْلَ الْجَبَلِ".
و المراد بالجبل ما قرب من نجف الكوفة. و الجمع: الْجَآجِئ. و" جَأْجَأْتُ بالإبل" إذا دعوتها للشرب- قاله الجوهري نقلا عن الأموي.
 (جبا)
قوله تعالى: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ‏
 أي اختاره و اصطفاه و قربه إليه. قوله: وَ اجْتَبَيْناهُمْ‏
 أي اخترناهم، و مثله: يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ‏
. قوله: لَوْ لا اجْتَبَيْتَها
 أي هلا اخترتها لنفسك، و قيل: هلا تقبلتها من ربك، و قيل: هلا أبيت بها من قبل نفسك، فليس كل ما تقوله وحيا من السماء. قوله: يُجْبى‏ إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ
 أي يجمع، قيل: كلهم قرأ بالياء من تحت غير نافع فإنه قرأ بالتاء على التأنيث. و" يُجْبَى لهم الفي‏ء" أي يجمع لهم الخراج. و الْجَابِي: الذي يدور في الْجِبَايَةِ. يقال:" جَبَيْتُ الخراج جِبَايَةً" و

80
مجمع البحرين1

جبا ص 80

" جَبَوْتُهُ جِبَاوَةً": جمعته- قال الجوهري: و لا يهمز. و الْجَوَابِيّ: الحياض الكبار، جمع" جَابِيَة" لأن الماء يُجْبَى فيها، أي يجمع. و
فِي الْخَبَرِ:" مَنْ أَجْبَى فَقَدْ أَرْبَى".
قيل: هو من" أَجْبَأْتُ الزرع" إذا بعته قبل أن يبدو صلاحه. و
فِي الدُّعَاءِ" وَ أَجْبَأَ بِشُعَاعِهِ ظُلْمَةَ الْغَطَشِ".
أي وارى.
 (جثا)
قوله تعالى جِثِيًّا*
 أي على الركب لا يستطيعون القيام بما هم فيه، واحدهم" جَاثٍ" و تلك جلسة المخاصم و المجادل، و
فِي تَفْسِيرِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ جِثِيًّا*
 يَعْنِي فِي الْأَرْضِ إِذَا تَحَوَّلَتْ نِيرَاناً.
و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو لِلْخُصُومَةِ".
أي يجلس على الركب و أطراف الأصابع عند الحساب. و منه: وَ تَرى‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً
 و قيل: جَاثِيَةٌ مجتمعة، و الأول أعرف. و الْجُثُوُّ و الْجُثِيُّ- بالضم فيهما- بمعنى. و الفعل جَثَا- كدعا و رمى-.
 (جخا)
فِي الْخَبَرِ:" إِنَّهُ جَخَّى فِي سُجُودِهِ".
أي خَوَّى و مدّ ضَبْعَيْهِ و تجافى عن الأرض.
 (جدا)
فِي حَدِيثِ الْقِبْلَةِ:" ضَعِ الْجَدْيَ قَفَاكَ وَ صَلِّ".
الْجَدْيُ- بالفتح فالسكون-: نجم إلى جنب القطب تعرف به القبلة، و يقال له:" جَدْيُ الفرقد" و قيل: هو الْجُدَيّ مصغرا، و الأول أعرف. قال في المغرب نقلا عنه: و المنجمون يسمونه الْجُدَيّ على لفظ التصغير، فرقا بينه و بين البرج. و الْجَدْيُ أيضا من أولاد المعز، و هو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة، و الجمع" جِدَاءٌ"" و أَجْدٍ" أيضا مثل دلو و دلاء و أدل. و في المصباح عن ابن الأنباري أنه قال: الْجَدْيُ هو الذكر من أولاد المعز و الأنثى عناق، و قيده بعضهم في السنة

81
مجمع البحرين1

جدا ص 81

الأولى ... انتهى. و الْجِدَايَةُ- بكسر الجيم و فتحها-: الذكر و الأنثى من أولاد الظباء، و هو ما بلغ ستة أشهر أو سبعة، بمنزلة الْجَدْيِ من أولاد المعز.
 (جدا)
و" ما أَجْدَى فعله شيئا" مستعار من الإعطاء إذا لم يكن فيه نفع. و" أَجْدَى عليك الشي‏ء" كفاك. و" أَجْدَى عليه يُجْدِي" إذا أعطاه. و اجْتَدَى: إذا سأل و طلب. و الْجَدَا: المطر العام، و منه‏
الدُّعَاءُ:" اللَّهُمَّ اسْقِنَا جَداً طَبَقاً".
أي عاما لنا و لغيرنا.
 (جذا)
قوله: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ
 هي بالحركات الثلاث: قطعة غليظة من الحطب فيها نار بغير لهب. و" جَذَا على ركبتيه" لغة في جثا. و منه:" دخلنا عليه و قد جَذَا منخراه و شخصت عيناه".
 (جرا)
قوله تعالى: حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ
 يعني السفينة، سميت بذلك لجريها في البحر. و منه قيل للأمة: الْجَارِيَةُ، على التشبيه لِجَرْيِهَا مستمرة في إشغال مواليها، ثم توسعوا فسموا كل أمة جَارِيَةً و إن كانت عجوزا لا تقدر على السعي، و الجمع: الْجَوَارِي. و الْجَوَارِي: السفن، و منه قوله تعالى: وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ
 قيل: قرأ نافع بإثبات الياء في الوصل خاصة، و ابن كثير في الحالين، و الباقون بحذفها فيهما. قوله: فَالْجارِياتِ يُسْراً
 هي السفن تَجْرِي في الماء جريا سهلا، و يقال: ميسرة مسخرة. قوله: بِسْمِ اللَّهِ مُجْراها وَ مُرْساها أي إجراؤها و إرساؤها و قرئ مَجْراها
 بالفتح، أي جريها و مَجَارِيهَا، قال الجوهري فيهما: هما مصدران من‏

82
مجمع البحرين1

جرا ص 82

" أُجْرِيَتِ السفينة و أرسيت" و" مَجْراها وَ مُرْساها"
 من جرت السفينة و رست. انتهى. و الْجَارِيَةُ من النساء: من لم تبلغ الحلم. و
فِي الْحَدِيثِ:" إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ".
و عد منها الصدقة الْجَارِيَةَ، أي الدارة المستمرة غير المنقطعة كالوقف و نحوه من أبواب البر." و جَرَى الماء": سال، خلاف وقف و سكن. و المصدر الْجَرْيُ بفتح الجيم. و" جِرْيَةُ الماء" بالكسر: حالة الْجَرَيَانِ. و" الماء الْجَارِي" هو المتدافع في انحدار و استواء- قاله في المصباح. و" جَرَى القلم بما فيه" أي مضى على ما ثبت عليه حكمه في اللوح المحفوظ. و" جَرَى الأمر" وقع. و" جَرَى عليه القلم" تعلق التكليف به و" جَرَتِ السنة بكذا" أي استمرت به. و منه" السنة الْجَارِيَةُ" أي المستمرة غير المنقطعة. و" الأرزاق الْجَارِيَةُ" الدارة المتصلة. و جَرَيْتُ" إلى كذا" قصدت و أسرعت. و" جَرَى الخلاف بينهم" وقع أو استمر. و
" الشَّيْطَانُ يَجْرِي فِي ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ".
قيل: أي يَجْرِي كيده و تسري وساوسه في العروق و الأبشار مَجْرَى الدم حتى تصل إلى القلب، مع احتمال الحقيقة، فإنه من نار لا يمتنع سريانه كالدم. و" مَجْرَى" إما مصدر أو اسم مكان. و" تَجَارَيْنَا ذكر الصعاليك" أي تذاكرناهم. و الْمُجَارَاةُ في‏
قَوْلِهِ (ع):" مَنْ طَلَبَ عِلْماً لِيُجَارِي بِهِ الْعُلَمَاءَ".
هي أن يجري معهم في المناظرة، ليظهر علمه إلى الناس‏

83
مجمع البحرين1

جرا ص 82

رياء و سمعة و ترفعا. و أكثر ما يستعمل التَّجَارِي في الحديث يقال:" تَجَارَوا في الحديث" أي جَرَى كل واحد مع صاحبه و جَارَاهُ. و منه:" مُجَارَاةُ من لا عقل له" أي الخوض معه في الكلام. و" تَتَجَارَى بهم الأهواء" أي يتواقعون في الأهواء الفاسدة و يتداعون، تشبيها بِجَرْيِ الفرس. و قيل في‏
قَوْلِهِ (ص):" سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ".
أي تسري بهم في عروقهم و مفاصلهم، فتستمر بهم و تتمارى، و تذهب بهم في كل واد. و" اجْتَرَأَ على القول"- بالهمز- أسرع بالهجوم عليه من غير ترو. و الاسم" الْجُرْأَةُ" كغرفة، و ربما تركت الهمزة فيقال" الْجُرَةُ" كالكرة. و الْجَرِي‏ءُ على- فعيل-: اسم من جَرُؤَ جَرَاءَةً كضخم ضخامة. و
فِي الدُّعَاءِ:" لَا تَبْتَلِيَنِي بِالْجُرْأَةِ عَلَى مَعَاصِيكَ".
و الْجَرِيُّ- بغير- همز الرسول و الْأَجِيرُ أو الوكيل، لأنه يجري مجرى موكله. و" أَجْرَى الخيل" أي سابق بها. و منه‏
الْحَدِيثُ:" قَدْ سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَ أَجْرَى الْخَيْلَ".
و الْجِرْو: ولد الكلب و السباع، و الفتح و الضم لغة، و الجمع" أَجْرَاءٌ" و" جِرَاءٌ" ككتاب.
 (جزا)
قوله تعالى: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً*
 أي لا تقضي و لا تغني عنها شيئا. يقال: جَزَى الأمر يَجْزِي جَزَاءً مثل قضى يقضي قضاء وزنا و معنى، و الْجُزْءُ من الشي‏ء الطائفة منه، و الجمع" أَجْزَاءٌ" كأقفال. و الجُزْءُ: النصيب، قال تعالى وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً
 أي نصيبا، و قيل: بنات، و في التفسير: أن مشركي العرب قالوا: إن الملائكة بنات الله، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

84
مجمع البحرين1

جزا ص 84

و" جَازَاهُ بفعله" إذا كافأه، قال تعالى: وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ
 و قرئ بالنون و نصب الكفور، و قرئ بالياء و رفع الكفور، أي و هَلْ يُجَازَى بمثل جَزَائِهِمْ إلا الكَفُورُ. قوله: وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ‏
 قيل: قرأ أهل الكوفة فَجَزاءٌ
 منونا و رفع" مِثْلُ" تقديره: فالواجب جَزَاءٌ، فيكون خبرا، أو: فعليه جَزَاءٌ، فيكون مبتدأ، و" مِثْلُ" صفته على التقديرين، و الباقون بضم" جَزَاءُ" و إضافته إلى" مِثْلِ". قوله: مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ‏
 قيل: هكذا كان في شرع يعقوب (ع). و الْجِزْيَةُ: الخَراج المعروف المجعول على رأس الذمي، يأخذه الإمام (ع) في كل عام. قال تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ‏
 قيل: سميت بذلك لأنها قضاية منهم لما عليهم، و قيل: لأنها يُجْتَزَأُ بها و يكتفى بها منهم، يقال" أَجْزَأَنِي الشي‏ء": كفاني، من جَزَأَ" بمعنى كفى. و الْمُجَازَاةُ: المكافأة. و
فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ:" الصَّوْمُ لِي وَ أَنَا أَجْزِي عَلَيْهِ".
بفتح الهمزة، أي أكافئ عليه، من" جَزَى" بمعنى كفى لا من" أَجْزَأَ" الذي هو من الْإِجْزَاءِ، إذ لا معنى له. و قد كثر الكلام في توجيهه، و أحسن ما قيل فيه هو: أن جميع العبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى من صلاة و غيرها- قد عبد المشركون بها ما كانوا يتخذون من دون الله أندادا، و لم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين و أرباب النحل في الأزمنة المتقدمة عبدت إلها بالصوم و لا تقربت إليه به، و لا عرف الصوم في العبادات إلا من الشرائع، فلذلك قال تعالى: الصوم لي و من مخصوصاتي و أنا أَجْزِي عليه بنفسي، لا أكله إلى أحد غيري من ملك مقرب و لا غيره، و يكون‏
قَوْلُهُ:" وَ أَنَا أَجْزِي عَلَيْهِ".
بيانا

85
مجمع البحرين1

جزا ص 84

لكثرة الثواب، و يكون مستثنى من قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها هكذا روي الحديث، و
رُوِيَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى:" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَ أَنَا أَجْزِي عَلَيْهِ".
و على هذا فيمكن أن يقال فيه: هو أن معنى‏
" كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ".
بحسب ما يظهر من أعماله الظاهرة بين الملإ فإنها بحسب الظاهر له و إن كانت لله في الباطن، بخلاف الصوم فإنه لله تعالى لم يطلع عليه أحد سواه و لم يظهر لأحد غيره، فكان مما استأثر بعلمه دون غيره، و إذا كان بهذه المرتبة العظيمة عند العظيم الواسع كان هو العالم بالجزاء الذي يستحقه الصائم، و فيه من الترغيب ما لا يخفى. و قولهم:" جَزَاهُ الله خيرا" أي أعطاه الله جَزَاءَ ما أسلف من طاعته، و قولهم:" أجْزَأَتْ عنك شاة" هي لغة في" جزت" بمعنى قضتْ. و" أجْزَأْتُ عنك مُجْزَأَ فلان" أي أغنيت عنك مَغْنَاه. و" جَزَّأْتُ الشي‏ء" أي قسمته و جعلته أَجْزَاءَ، و كذلك التَّجْزِئَةُ. و منه:" الملائكة أَجْزَاءٌ" أي أقسام: جُزْءٌ له جناحان، و جُزْءٌ له ثلاثة، و جُزْءٌ له أربعة. و
فِي الْخَبَرِ:" الْهَدْيُ الصَّالِحُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ".
و مثله:
" الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ كَذَا".
قال بعض الشارحين: معناه: هذه الخلال و نحوها من شمائل الأنبياء فاقتدوا بهم فيها، و لا يريد أن النبوة تَتَجَزَّأُ، و لا أن من جمع هذه الخلال كان فيه جُزْءٌ من النبوة. و فيه:
" وَ أَمَّا خَيْبَرَ فجزأها ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ".
أي ثلاثة أقسام، و وجه ذلك بأن خيبر ذات قرى كثيرة فتح بعضها عنوة و كان له منها الخمس، و كان بعضها صلحا من غير قتال فكان فيئا خاصا به، و اقتضت القسمة أن يكون الجميع بينه‏

86
مجمع البحرين1

جزا ص 84

و بين الجيش أثلاثا. و الأَجْزَاءُ- بفتح الهمزة الأولى-: أجزاء القرآن و غيره. و منه‏
حَدِيثُ الصَّادِقِ (ع):" عِنْدِي مُصْحَفٌ مُجَزَّأً بِأَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ".
وَ مِنْهُ‏
فِي أَوْصَافِ الْحَقِّ تَعَالَى:" لَا يَتَبَعَّضُ بِتَجْزِئَةِ الْعَدَدِ فِي كَمَالِهِ".
قيل في معناه: أن أوصافه الكاملة كثيرة، و هو عالم قادر سميع و نحو ذلك، و مصداق الكل واحد هو ذاته تعالى، و هو منزه عن التَّجْزِئَةِ التي تستلزم الكثرة و العدد.
قَوْلُهُ:" وَ يُجْزِيهِ التَّيَمُّمُ مَا لَمْ يُحْدِثْ".
يقرأ بضمِّ مثنَّاة من الْإِجْزَاءِ، و بفتحها بمعنى كفى. و مثله:
" وَ يُجْزِيهِ الْمَسْحُ بِبَعْضِ الرَّأْسِ".
و مثله:
" يُجْزِي مِنْ ذَلِكَ رَكَعَاتٌ".
كل ذلك يقال بضم الياء و فتحها. و الْجَازِيّ- بالجيم و الزاء-: منسوب إلى الْجَازِيَةِ، قرية.
 (جسا)
فِي دُعَاءِ خَتْمِ الْقُرْآنِ:" وَ سَهَّلْتَ جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ".
كأن المراد: ما صلب منها، من قولهم" جَسَأَتْ يده من العمل تَجْسَى جَساً": صلبت. و الاسم: الْجَسْأَةُ كالجرعة. و
فِي بَعْضِ النُّسَخِ:" حَوَاشِيَ أَلْسِنَتِنَا".
بالحاء المهملة و الشين المعجمة، و المعنى واضح.
 (جشا)
فِي الْحَدِيثِ:" إِذَا تَجَشَّأْتُمْ فَلَا تَرْفَعُوا جُشَاءَكُمْ إِلَى السَّمَاءِ".
و
فِيهِ:" أَطْوَلُكُمْ جُشَاءً فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُكُمْ جُوعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
الْجُشَاءُ كغراب صوت مع ريح يخرج من الفم عند شدة الامتلاء. و" جَشَأَتِ الروم": نهضت و أقبلت من بلادها. و" جَشَأَتِ النفس": نهضت من حزن أو فزع. و" جَشَأَ على نفسه" ضيق عليها.

87
مجمع البحرين1

جفا ص 88

 (جفا)
قوله تعالى: تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ‏
 أي ترفع و تنبو عن الفرش، يقال:" تَجَافَى جنبه عن الفراش" إذا لم يستقرّ عليه من خوف أو وجع أو همّ. قال الشيخ أبو علي (ره): و هم المتهجدون بالليل الذين يقومون لصلاة الليل، يدعون ربّهم لأجل خوفهم من سخطه و طمعهم في رحمته، قال:
وَ عَنْ بِلَالٍ عَنِ النَّبِيِّ (ص):" عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَ إِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ، وَ مَنْهَاةٌ عَنِ الْإِثْمِ، وَ مَكْفَرَةٌ عَنِ السَّيِّئَاتِ، وَ مَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ".
وَ
عَنْهُ (ص):" شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُهُ بِاللَّيْلِ وَ عِزُّهُ كَفُّ الْأَذَى عَنِ النَّاسِ".
و الْجُفَاءُ- بالضم و المد-: الباطل. و منه قوله تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً
. و الْجُفَاءُ: ما رمى به السيل و القذى من الزبد. و
فِي الْخَبَرَ:" خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ السُّفْلَى مِنَ الْأَرْضِ الْجُفَاءِ".
أي من زبد اجتمع. و
فِيهِ- وَ قَدْ قِيلَ لَهُ مَتَى تَحِلُّ الْمَيْتَةُ-" قَالَ: مَا لَمْ تَجْتَفِئُوا بَقْلًا".
أي تقتلعوه و ترموا به، من" جَفَأَتِ القدر" إذا رمت بما يجتمع على رأسها من الزبد و الوسخ، و فيه نسخ لا طائل بذكرها. و
فِي حَدِيثِ الْمَسْبُوقِ بِالصَّلَاةِ:" إِذَا جَلَسَ يَتَجَافَى وَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْقُعُودِ".
أي يرتفع عن الأرض و يجلس مقعيا غير متمكن، لأنه أقرب إلى القيام. و
فِيهِ:" أَنَّهُ (ع) كَانَ يُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ لِلسُّجُودِ".
أي يباعدهما عن جنبيه و لا يلصقهما بهما. و
مِنْهُ:" إِذَا سَجَدْتَ فَتَجَافَ".
أي ارتفع عن الأرض و لا تلصق جؤجؤك بها و
فِيهِ:" الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ مِنَ الْجَفَاءِ".
أي فيه بعد عن الآداب الشرعية. و" تَجَافُوا عن الدنيا" أي تباعدوا عنها و اتركوها لأهلها. و
فِي حَدِيثِ الْجَرِيدَةِ لِلْمَيِّتِ:" يَتَجَافَى عَنْهُ الْعَذَابُ مَا دَامَتْ رَطْبَةً".
أي يرتفع‏

88
مجمع البحرين1

جفا ص 88

عنه عذاب القبر ما دامت كذلك. و الْجَفَاءُ- بالمد-: غلظ الطبع و البعد و الإعراض، يقال:" جَفَوْتُ الرجل أجْفُوهُ" إذا أعرضت عنه. و الْجَفَاوَةُ: قساوة القلب. و
فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص):" لَيْسَ بِالْجَافِي وَ لَا بِالْمُهِينِ".
أي ليس بالذي يَجْفُو أحدا من أصحابه، و لا المُهِين: الذي يُهين أصحابه أو يحقرهم في قوله: هُوَ مَهِينٌ أي حقير. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ لَا يَفْعَلُ كَذَا جَفَوْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
أي أبعدته عني يوم القيامة و لم أقربه إلي. و
فِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ:" إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَهْلُ الْجَفَاءِ مِنَ النَّاسِ".
أي غليظو الطباع البعيدون عن آداب الشرع. و
فِي حَدِيثِ الْعِلْمِ:" لَا يَقْبِضُ اللَّهُ الْعِلْمَ بَعْدَ مَا يُهْبِطُهُ، وَ لَكِنْ يَمُوتُ الْعَالِمُ فَيَذْهَبُ بِمَا يَعْلَمُ، فَتَلِيهِمُ الْجُفَاةُ فَيَضِلُّونَ وَ يُضِلُّونَ".
يريد بِالْجُفَاةِ: الذين يعملون بالرأي و نحوه مما لم يرد به شرع. و
فِي حَدِيثِ السَّفَرِ:" زَادُ الْمُسَافِرِ الْحُدَاءُ وَ الشِّعْرُ مَا كَانَ مِنْهُ لَيْسَ فِيهِ جَفَاءٌ".
أي بعد عن آداب الشرع. و
فِي حَدِيثِ الْإِبِلِ:" فِيهَا الشَّقَاءُ وَ الْجَفَاءُ".
أي المشقة و العناء و عدم الخير، لأنها إذا أقبلت أدبرت.
 (جلا)
قوله تعالى: وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها
 أي جَلَّى الظلمة و إن لم يجر لها ذكر، مثلها أنها اليوم بارزة و يريد الغداة. و الْجَلَاءُ: الخروج عن الوطن و البلد. و" قد جَلَوْا عن أوطانهم" و" جَلَوْتُهُمْ أنا" يتعدى و لا يتعدى. قوله: وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى‏
 أي ظهر و انكشف. قوله: لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها
 أي يظهرها. قوله: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا
 أي ظهر بآياته التي أحدثها في الجبل، و التَّجَلِّي هو الظهور.

89
مجمع البحرين1

جلا ص 89

وَ
فِي الْحَدِيثِ:" أَنَّهُ بَرَزَ مِنْ نُورِ الْعَرْشِ مِقْدَارُ الْخِنْصِرِ فَتَدَكْدَكَ بِهِ الْجَبَلُ".
و تَدَكْدَكَ: صار مستويا بالأرض، و قيل: صار ترابا، و قيل: ساخ في الأرض و
فِي الْحَدِيثِ:" الْقُرْآنُ جَلَاءٌ لِلْقَلْبِ".
أي يذهب الشكوك و الأحزان، من" جَلَوْتُ السيف": صقلته، أو" جَلَوْتُ بصري بالكحل": كشفت عنه. و
مِنْهُ:" تَحَدَّثُوا فَإِنَّ الْحَدِيثَ جَلَاءٌ لِلْقُلُوبِ، إِنَّ الْقُلُوبَ لَتَرِينُ كَمَا يَرِينُ السَّيْفُ، جَلَاؤُهُ الْحَدِيثُ".
برفع" جَلَاؤُه" على الابتداء- كما هو الظاهر من النسخ- و معناه واضح. و الْجِلَاءُ- بالكسر و القصر و المدّ-: الإثمد. و الْجُلَاءُ- بالضم و المد-: حكاكة حجر على حجر يكتحل بها، سميت بذلك لأنها تَجْلُو البصر و" يَجْلُونَ عن الحوض" أي ينفون و يطردون عنه. و منه:" غير مُجْلِينَ عن ورد" و الأشهر بالحاء و الهمزة- كما يأتي في بابه. و
فِي الْحَدِيثِ:" السِّوَاكُ مَجْلَاةٌ لِلْبَصَرِ".
أي آلة لتقوية البصر و كشف لما يغطيه. و
فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص):" فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ".
بتشديد اللام و تخفيفها: كشفه. و
فِي وَصْفِهِ (ص):" إِنَّهُ أَجْلَى الْجَبْهَةِ".
أي الخفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين. و" جَلَوْتُ العروس جِلْوَةٌ" بالكسر- و الفتح لغة- و" جِلَاءٌ" ككتاب، و" اجْتَلَيْتُهَا" مثله. و" أَجْلَى القوم عن القتيل" تفرقوا عنه، بالألف لا غير- نقلا عن ابن فارس‏

90
مجمع البحرين1

جنا ص 91

 (جنا)
قوله تعالى: وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ‏
 أي ما يُجْتَنَى منهما قريب، يقال:" جَنَيْتُ الثمرة أَجْنِيهَا، و" أَجْتَنِيهَا" بمعنى. و الْجَنَى مثل الحصى ما يُجْنَي من الشجر ما دام غضا، و الْجَنِيُّ على فعيل مثله. و منه قوله: رُطَباً جَنِيًّا
 أي غضا. و يقال:" جَنِيٌّ" أي مجني طري. و الْجِنَايَةُ- بالكسر-: الذنب و الجرم مما يوجب العقاب و القصاص، و هي في اللغة عبارة عن إيصال المكروه إلى غير مستحق، و في الشرع عبارة عن إيصال الألم إلى بدن الإنسان كله أو بعضه، فالأول جِنَايَةُ النفس و الثاني جِنَايَةُ الطرف. و
فِي الْحَدِيثِ:" لَا يَجْنِي الْجَانِي إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ".
هو مثل قوله تعالى:" وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏* و السبب فيه أن أهل الجاهلية كانوا يرون أخذ الرجل بِجِنَايَةِ غيره من ذوي الرحم و أولي القرابة فجاء الحديث في رده. و" جَنَى على قومه" أي أذنب ذنبا يؤاخذون به. و غلبت الْجِنَايَةُ في ألسنة الفقهاء على الجرح و القطع، و الجمع" جِنَايَاتٌ" و" جَنَايَا"- مثل عطايا- قليل.
 (جوا)
فِي الْحَدِيثَ:" فَنُودِيَ مِنَ الْجَوِّ".
و" يسبحون الله في الجو". و
فِي حَدِيثِ الشَّمْسِ:" حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْجَوَّ".
الْجَوُّ- بتشديد الواو-:
ما بين السماء و الأرض. و الْجَوُّ أيضا: ما اتسع من الأودية، و الجمع" جِوَاءٌ" كسهام. و الَجْوَاءُ: الهواء، و" جَوُّ السماء": ما تحتها من الهواء، و لعله أراد بِالْجَوِّ في حديث الشمس أعلى دائرة الأفق. و الْأَجْوَاءُ جمع الْجَوِّ، و منه‏
حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع):" ثُمَّ أَنْشَأَ سُبْحَانَهُ فَتْقَ الْأَجْوَاءِ وَ شَقَّ الْأَرْجَاءِ".
أي النواحي.

91
مجمع البحرين1

جوا ص 91

و الْجَوَى: الداء في البطن. و في الصحاح: الْجَوَى: الحرقة و شدة الوجد من عشق أو خوف. و
مِنْهُ:" رَحِمَ اللَّهُ مَنْ دَاوَى أَجْوَاءَهُ".
و
مِنْهُ:" التَّقْوَى دَوَاءُ أَجْوَائِهِ".
و" اجْتَوَيْتُ البلد": كرهت المقام فيه و إن كنت في نعمة. و منه‏
حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ:" إِنِّي قَدِ اجْتَوَيْتُ الْمَدِينَةَ".
أي كرهت المقام فيها، و كان ذلك من شدة ما ناله من مقت عثمان. و الْجُوَّةُ مثل الحوة، و هي لون كالسمرة و صدأ الحديد- قاله الجوهري. و الْجَوِيَّةُ- بالجيم و الياء المشددة- بعد الواو- على ما في كثير من النسخ: اسم موضع بمكة.
 (جيا)
قوله تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى‏ جِذْعِ النَّخْلَةِ
 أي جَاءَ بها، و يقال: ألجأها من قولهم:" أَجَأْتُهُ إلى كذا" بمعنى ألجأته و اضطررته إليه. و منه‏
حَدِيثُ الِاسْتِسْقَاءِ:" أَجَاءَتْنَا الْمَضَائِقُ الْوَعِرَةُ".
و عن الشيخ أبي علي (ره) في تفسيره فَأَجاءَهَا
 الآية: أن" أَجَاءَ" منقول من" جَاءَ" إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، و المخاض: تمخض الولد في بطنها، أي ألجأها وجع الولادة إلى جذع نخلة في الصحراء يابسة ليس لها ثمر و لا خضرة. قوله: وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ‏

رُوِيَ" أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ عُرِفَ فِي وَجْهِهِ حَتَّى اشْتَدَّ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا رَأَوْا مِنْ حَالِهِ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَقَالُوا: يَا عَلِيُّ لَقَدْ حَدَثَ أَمْرٌ قَدْ رَأَيْنَاهُ فِي نَبِيِّ اللَّهِ، فَجَاءَ عَلِيٌّ (ع) فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَ قَبَّلَ بَيْنَ عَاتِقَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَا الَّذِي حَدَثَ الْيَوْمَ؟ قَالَ: جَاءَ جَبْرَئِيلُ فَأَقْرَأَنِي وَ جِي‏ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ‏
 قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ يُجَاءُ بِهَا؟ قَالَ: يَجِي‏ءُ بِهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَك‏

92
مجمع البحرين1

جيا ص 92

يَقُودُونَهَا بِسَبْعِينَ أَلْفَ زِمَامٍ فَتَشْرُدُ شَرْدَةً لَوْ تُرِكَتْ لَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْجَمْعِ".
و
فِي الْحَدِيثِ:" سُئِلَ عَنِ امْرَأَةٍ كَانَتْ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ ذَاهِبَةً وَ جَائِيَةً رَكْعَتَيْنِ".
أي آتية، بتقديم الهمزة على الياء، لأن اسم الفاعل من" جَاءَ يَجِي‏ءُ جَاءٍ" و الأصل" جاي‏ء" بتقديم الياء على الهمزة، و لكن وقع الخلاف في إعلاله، فقيل: الأصل في" جاء":" جاي‏ء" فقلبت الياء همزة- كما في صائن- لوقوعها بعد ألف فاعل فصارت" جاءء" بهمزتين قلبت الثانية ياء لانكسار ما قبلها فقيل" جائي" ثم أعل إعلال رام، فوزنه فاع، و إلى هذا ذهب سيبويه، و عند الخليل الأصل" جاي‏ء" نقلت العين إلى موضع اللام و اللام إلى موضع العين و أعلت، و الوزن فالع. و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" التَّقْصِيرُ بَرِيدٌ ذَاهِبٌ وَ بَرِيدٌ جَاءٍ".
و" جَاءَ زيد" أتى و حضر. و يستعمل أيضا بنفسه و بالباء، فيقال:" جِئْتُ شيئا حسنا" إذا فعلته، و" جِئْتُ زيدا" إذا أتيت إليه، و" جِئْتُ به" إذا أحضرته معك. قال في المصباح و قد يقال" جِئْتُ إليه" على معنى ذهبت إليه، و يقال:" جَاءَ الغيث" أي نزل، و" جَاءَ أمر السلطان": بلغ، و الْمَجِي‏ءُ الإتيان، يقال:" جَاءَ مَجِيئاً حسنا" قال الجوهري: و هو شاذ، لأن المصدر من فعل يفعل مفعل بفتح العين، و قد شذ منه حروف فَجَاءَتْ على مفعل كَالْمَجِي‏ءِ و المحيض و المكيل و المصير- انتهى. و الْجِيئَةُ- كالجيعة- الاسم من جَاءَ يَجِي‏ءُ. و الْجِيَّةُ- بالكسر و تشديد الياء-: مستنقع الماء.

93
مجمع البحرين1

باب ما أوله الحاء ص 94

باب ما أوله الحاء
 (حبا)
فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ أَوَّلَ حِبَائِكَ الْجَنَّةُ".
أي عطاؤك، يقال:" حَبَوْتُ الرجل حِبَاءً" بالكسر و المد: أعطيته الشي‏ء بغير عوض، و الاسم منه الْحُبْوَةُ- بالضم. و منه" بيع الْمُحَابَاةِ" و هو أن يبيع شيئا بدون ثمن مثله، فالزائد من قيمة المبيع عن الثمن عطية، يقال:" حَابَيْتُهُ في البيع مُحَابَاةً". و الْحِبَاءُ: القرب و الارتفاع، و عليه حمل‏
قَوْلُهُ:" أَعْلَاهُمْ دَرَجَةً وَ أَقْرَبُهُمْ حَبْوَةً زُوَّارُ وَلَدِي عَلِيٍّ (ع)".
أي أعلاهم و أرفعهم عند الله- كذا فسر في كنز اللغة. و
فِي الْحَدِيثِ:" الْعَقْلُ حِبَاءٌ مِنَ اللَّهِ وَ الْأَدَبُ كُلْفَةٌ".
يريد أن العقل موهبيّ و الأدب كسبيّ‏
" فَمَنْ تَكَلَّفَ الْأَدَبَ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَ مَنْ تَكَلَّفَ الْعَقْلَ لَمْ يَزْدَدْ بِذَلِكَ إِلَّا جَهْلًا".
أي حمقا، و
فِيهِ" نَهْيٌ عَنِ الْحِبْوَةِ فِي الْمَسَاجِدِ".
هي بالكسر و الضم: الاسم من الِاحْتِبَاءِ الذي هو ضم الساقين إلى البطن بالثوب أو اليدين، و لعل العلة لكونها مجلبة للنوم، فربما أفضت إلى نقض الطهارة، أو لكونها جلسة تنافي تعظيم الله و توقيره، كيف لا و هو جالس بين يدي الله تعالى. و منه:" الِاحْتِبَاءُ حيطان العرب" و كان ذلك لأنه يقوم مقام الاستناد إلى الجدران. و
فِي الْخَبَرِ:" نُهِيَ عَنِ الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ".
و علل بأنه ربما تحرك أو تحرك الثوب فتبدو عورته. و حَبَا الصبي يَحْبُو حَبْواً، و حَبَى يَحْبِي حَبْياً- من باب رمى لغة-: إذا مشى على أربع.

94
مجمع البحرين1

حبا ص 94

و منه‏
الْحَدِيثُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَ الْعِشَاءِ:" لَوْ عَلِمَ الْمُنَافِقُونَ الْفَضْلَ فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَ لَوْ حَبْواً".
يعني زحفا على الركب. و صلاة الْحَبْوَةِ هي صلاة جعفر بن أبي طالب المشهورة بين الفريقين، سميت بذلك لأنها حِبَاءٌ من الرسول (ص) و منحة منه، و عطية من الله، تفضل بها على جعفر (رض).
 (حثا)
فِي الْحَدِيثِ:" احْثُوا فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ".
أي ارموا التراب في وجوههم، إجراء للفظ على ظاهره، و قيل: هو كناية عن الخيبة و أن لا يعطوا شيئا، و قيل: هو كناية عن قلة إعطائهم، و يحتمل إرادة دفعهم عنه و قطع لسانهم بما يرضيهم من الرضخ، و أراد بالمداحين الذين اتخذوا مدح الناس عادة و جعلوه بضاعة ليستأكلوا به الممدوح، فأما من مدح على الفعل الحسن و الأمر المحمود ترغيبا و تحريضا للناس على الاقتداء به في أشباهه فليس به بأس. و" حَثَا الرجل التراب يَحْثُوهُ حَثْواً" و" يَحْثِيهِ حَثْياً"- من باب رمى- لغة: إذا أهاله بيده، و بعضهم يقول: قبضه بيده ثم رماه. و منه:" فَاحْثُوا التراب في وجهه" و لا يكون إلا في القبض و الرمي. و منه‏
حَدِيثُ الْمَيِّتِ:" فَحَثَا عَلَيْهِ التُّرَابَ".
أي رفعه بيده و ألقاه عليه. و قوله:" يكفيه أن يَحْثُوَ ثلاث حَثَيَاتٍ على رأسه" يريد ثلاث غرف على التشبيه. و الْحَثَى- بالفتح و القصر-: دقاق التبن.
 (حجا)
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ بَاتَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حِجاً فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ".
أي ليس عليه ستر يمنعه من السقوط. و الْحِجَا- بالكسر و القصر-: العقل شبه الستر به في المنع عن التعرض للهلاك. و
رُوِيَ:" لَيْسَ عَلَيْهِ حِجَارٌ".
جمع" حجر" ما يحجر به كالحائط، و قد سبق المعنى في برئت منه الذمة في" برا".

95
مجمع البحرين1

حجا ص 95

و الْحَجَا- وزان العصا-: الناحية و الجمع" أَحْجَاءٌ". و" أولي الْحِجَا" أصحاب العقول. و منه:" و يختل ذلك على ذي حِجاً" أي ذي عقل. و أَحْجَى: أجدر و أحق. و منه‏
حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع):" فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى".
و قولهم:" هو حَجِيٌّ بذلك" على فعيل، و" حَجٍ بذلك" أي خليق به. و الْأُحْجِيَّةُ، و الْأُحْجُوَّةُ- بضم الهمزة لغة-: لعبة و أغلوطة يتعاطاها الناس بينهم، و الجمع" الْأَحَاجِي" و يعبر عنها بالألغاز.
 (حدا)
في الحديث ذكر الْحِدَأَةِ كعنبة، و هو طائر خبيث، و يجمع بحذف الهاء كعنب. و
فِي الْخَبَرِ:" لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْحِدْوِ لِلْمُحْرِمِ".
قيل: هو لغة في الوقف على ما آخره ألف بقلب الألف واوا، و المراد به جمع" حِدَأَةٍ" للطائر المعروف، سكنت الهمزة للوقف فصارت ألفا فقلبت واوا، و منهم من يقلبها ياء و يخفف و يشدد. و
عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: الْحِدَأَةُ تَقُولُ:" كُلُّ شَيْ‏ءٍ هَالِكٌ إِلَّا اللَّهَ".
حدا
و" حَدَا بالإبل حَدْواً و حُدَاءً" مثل غراب: إذا زجرها و غنى لها ليحثها على السير. و
مِنْهُ:" زَادُ الْمُسَافِرِ الْحُدَاءُ وَ الشِّعْرُ مَا كَانَ لَيْسَ فِيهِ الْخَنَا".
أي الفحش، و في بعض النسخ" جفا" و قد مر في بابه. و
قَوْلُهُ:" وَ سَاكِنٌ الدُّنْيَا يَحْدُو بِالْمَوْتِ".
على التشبيه. و مثله:
" وَ طَالِبٌ حَثِيثٌ فِي الدُّنْيَا يَحْدُوهُ".
أي يَحْدُو به، و المراد الموت. و
فِي الدُّعَاءِ:" وَ تَحْدُونِي عَلَيْهَا خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ".
أي تبعثني و تسوقني عليها خصلة واحدة، و هو من حَدْوِ الإبل على ما قيل،

96
مجمع البحرين1

حدا ص 96

فإنه من أكبر الأشياء على سوقها و بعثها. و فيه ذكر الْحَادِيَيْنِ و هما الليل و النهار، كأنهما يَحْدُوَانِ بالناس للسير إلى قبورهم كالذي يَحْدُو بالإبل.
حدي‏
و التَّحَدِّي من" حَادَيْتُ فلانا" إذا باريته و نازعته في فعله لتغلبه، أو من" تَحَدَّيْتُ الناس القرآن" طلبت ما عندهم لتعرف أينا أقرأ. قال في المصباح: و هو في المعنى مثل قول الشخص الذي يفاخر الناس بقوله:" هاتوا قوما مثل قومي" أو" مثل واحد منهم". و
فِي حَدِيثِ جَابِرٍ:" فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ".
أي منفردا وحده و سيأتي في بابه.
 (حذا)
و
فِي الْحَدِيثِ:" لَا يُصَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ بِحِذَاءٍ".
هو بالكسر و المد: النعل، و الجمع" أَحْذِيَةٌ" مثل كساء و أكسية. و
مِنْهُ:" لَا تُصَلِّ عَلَى الْجِنَازَةِ بِنَعْلٍ حَذْوٍ".
أي نعل يُحْتَذَى به. و الْحِذَاءُ أيضا: ما وطأ عليه البعير من خفه. و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَ سِقَاؤُهَا".
يعني الناقة. و" حَاذَيْتُ الشي‏ء" صرت بِحِذَائِهِ و بجنبه. و منه‏
حَدِيثُ الْمَأْمُومِ:" يَقُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ بِحِذَائِهِ".
أي بجنبه مساويا له من غير تأخر اللهم، إلا بالعقب. و مثله:" المرأة تصلي بِحِذَاءِ الرجل" أي بإزائه. و" حَذَوْتُ النعل بالنعل" إذا قدرت كل واحدة من طاقاتها على صاحبتها ليكونا على سواء. و
فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص):" لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ".
أي تشابهونهم و تعملون مثل أعمالهم على السواء. و
فِي الْخَبَرِ:" أَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَحَذَا بِهَا فِي وُجُوهِ الْمُشْرِكِينَ".
حَذَا: لغة في حثا.

97
مجمع البحرين1

حذا ص 97

و" اسْتَحْذَيْتُهُ فَأَحْذَانِي" أي استعطيته فأعطاني. و الاسم" حُذَيَّا" على فعلى- بالضم. و الْحَذِيَّةُ على فعيلة مثل الْحُذَيَّا من الغنيمة، و كذلك الْحِذْوَةُ بالكسر. و الْحُذْوَةُ أيضا: القطعة، و منه‏
الْخَبَرُ:" يَعْمِدُونَ إِلَى عُرْضِ جَنْبِ أَحَدِهِمْ فَيَحْذُونَ مِنْهُ الْحُذْوَةَ مِنَ اللَّحْمِ".
و يريد الغيبة. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الدَّارِيِّ إِنْ لَمْ يُحْذِكَ مِنْ عِطْرِهِ عَلِقَكَ مِنْ رِيحِهِ".
أي إن لم يُعْطِك. و الْحَذِيَّةُ: العطيّة. و قولهم:" لم يُحْذِنِي من العطية" بالضم فالسكون: لم يعطني منها شيئا.
 (حرا)
قوله تعالى: فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً
 أي طلبوا الحق. و التَّحَرِّي و التوخي: القصد و الاجتهاد في الطلب و العزم على تخصيص الشي‏ء بالفعل و القول. و منه‏
الْحَدِيثُ:" لَا تَتَحَرَّوْا بِالصَّلَاةِ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَ غُرُوبَهَا".
أي لا تقصدوا بها ذلك. و
فِي الْخَبَرِ:" تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْآخِرِ".
أي تعمدوا طلبها فيها. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ تَحَرَّى الْقَصْدَ خَفَّتْ عَلَيْهِ الْمُؤَنُ".
أي من طلب القصد في الأمور كان كذلك. و
فِيهِ:" التَّحَرِّي يُجْزِي عِنْدَ الضَّرُورَةِ".
أعني طلب ما هو الأحرى في الاستعمال في غالب الظن. و منه:" التَّحَرِّي في الإنائين". و
فِيهِ:" إِنَّكَ حَرِيٌّ أَنْ تُقْضَى حَاجَتُكَ".
أي جدير و خليق بذلك. و قد تكرر فيه ذكر الْحَرُورِيِّ و الْحرُورِيَّةُ- بضم الحاء و فتحها- و هم طائفة من الخوارج، نسبوا إلى حَرَوْرَاءَ- بالمد و القصر- موضع بقرب من الكوفة، كان أول مجتمعهم و تحكيمهم فيه، و هم أحد الخوارج الذين قاتلهم علي (ع)، و كان عندهم من التشدد في الدين ما هو

98
مجمع البحرين1

حرا ص 98

معروف. و
فِي الْحَدِيثِ:" الْحَرُورِيُّ هُوَ الَّذِي يَبْرَأُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) وَ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ".
و حِرَاءَ- بالكسر و المد-: جبل بمكة- قاله في المجمع.
 (حزا)
فِي الْحَدِيثِ:" شُرْبُ الْحَزَاءِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ يَنْفَعُ الْمَعِدَةَ".
الْحَزَاءُ- بفتح الحاء و المد- نبت بالبادية يشبه الكزبرة إلا أنه أعرض ورقا منه. قال في المصباح: و في الدر: هو نبت بالبادية يشبه الكرفس، واحده" حَزَاءَةٌ". و" حَزَوْتُ النخل"- و حَزَيْتُهُ حَزْياً- لغة-: إذا خرصته. و اسم الفاعل" حَازٍ" كقاض. و
فِي الْخَبَرِ" هِرَقْلُ كَانَ حَزَّاءً".
بشد الزاي و آخره همزة، من يَحْزُو الأشياء و يقدرها بظنه، لأنه كان ينظر في النجوم، و يقال لمن كان كذلك:" حَزَّاء"، و لخارص النخل:" الْحَازِي" و كان هرقل علم من الحساب أن المولد النبوي كان بقران العلويين ببرج العقرب كذا في المجمع.
 (حسا)
فِي الْحَدِيثِ:" فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَ عَلِيٌّ (ع) وَ حَسَوَا الْمَرَقَ".
أي شربا منه شيئا بعد شي‏ء. و الْحُسْوَةُ بالضم- و الفتح لغة-: الجرعة من الشراب، مل‏ء الفم مما يحسى مرة واحدة، و الجمع حُسىً و حُسَيَاتٌ مثل مدية و مدى و مديات. و" في الإناء حُسْوَةٌ"- بالضم- أي قدر ما يُحْتَسَى. و الْحَسُوُّ على فعول- بالفتح-: طعام معروف. و
فِي الْحَدِيثِ" مَا التَّلْبِينَةُ؟ قَالَ (ص): الْحَسُوُّ بِاللَّبَنِ".
و الْحَسْوَاءُ- بالفتح و المد-: طبيخ يتخذ من دقيق و ماء و دهن، و قد يحلى لِيُحْسَى.

99
مجمع البحرين1

حسا ص 99

و الْحِسْيُ- بالكسر فالسكون-: ما تشربه الأرض من الرمل عند الحفر فيستخرج منه الماء.
 (حشا)
فِي الْحَدِيثِ" وَ احْشُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ".
هو على التشبيه، أي أدخلهما فيها و لا تفرق بينهما. و
فِي حَدِيثِ الْمُسْتَحَاضَةِ:" أَمْرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، فَإِنْ رَأَتْ شَيْئاً احْتَشَتْ".
أي استدخلت شيئا يمنع الدم من القطر. و به سمي الْحَشْوُ للقطن، لأنه يُحْشَى به. و" حَشَوْتُ الوسادة و غيرها حَشْواً" إذا أدخلت الحشو فيها. و منه:" الحائض تَحْتَشِي بالكرسف ليحتبس الدم". و الْحَشَا- مقصورا- كمعا، و الجمع" أَحْشَاءٌ" كسبب و أسباب. و قولهم:" لا أدري أي الْحَشَا آخذ" أي أي الناحية آخذ.
 (حصا)
قوله تعالى: وَ أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً
 هو من أَحْصَى الشي‏ء إذا عده كله، أي أحصى ما كان و ما يكون منذ يوم خلق الله آدم إلى أن تقوم الساعة من فتنة أو زلزلة أو خسف أو أمة أهلكت فيما مضى أو تهلك فيما بقي، و كم من إمام عادل أو جائر يعرفه باسمه و نسبه، و من يموت موتا أو يقتل قتلا، و كم من إمام مخذول لا يضره خذلان من خذله، و كم من إمام منصور لا تنفعه نصرة من نصره. قوله: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها
 أي لا تطيقون إحصاءها و الْإِحْصَاءُ يكون علما و معرفة و يكون إطاقة. قوله: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى‏
 الآية، أي الفريقين أصوب و أحفظ لِما لَبِثُوا أي مكثوا، يعني أصحاب الكهف في كهفهم، و أَمَداً غاية، و قيل: عددا، و في نصبه وجهان: أحدهما على التفسير- كذا قيل، و في تفسير الشيخ أبي علي: (ره) ثم بَعَثْناهُمْ أي أيقظناهم من نومهم أَيُّ الْحِزْبَيْنِ فيه معنى الاستفهام، و لذلك علق فيه‏

100
مجمع البحرين1

حصا ص 100

لِنَعْلَمَ فلم يعمل فيه، و أَحْصى‏
 فعل ماض، و معناه: أَيُّ الْحِزْبَيْنِ من المؤمنين و الكافرين من قوم أصحاب الكهف أضبط أمدا لأوقات لبثهم، و لا يكون أَحْصى
 من أفعل التفضيل في شي‏ء، لأنه لا يبنى من غير الثلاثي المجرد، و لم يزل سبحانه عالما بذلك و إنما أراد ما تعلق به العلم من ظهور الأمر لهم ليزدادوا إيمانا، و قيل: يعني ب الْحِزْبَيْنِ أصحاب الكهف و إنهم لما استيقظوا اختلفوا في مقدار لبثهم. قوله: وَ اللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ‏
 يعني أنه يعسر عليكم ضبط أوقات الليل و حصر ساعاته، بل سبحانه هو المقدر لذلك، أي العالم بمقداره، قوله: فَتابَ عَلَيْكُمْ قيل: معناه نسخ الحكم الأول، بأن جعل قيام الليل تطوعا بعد أن كان فرضا، و قيل: معناه لم يلزمكم إثما و لا تبعه، و قيل: معناه خفف عليكم، لأنهم كانوا يقومون الليل كله حتى انتفخت أقدامهم فخفف ذلك عنهم. قوله: وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ‏

رُوِيَ:" أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) هُوَ ذَلِكَ الْإِمَامُ".
و
رُوِيَ:" أَنَّهُ (ع) مَرَّ بِأَصْحَابِهِ عَلَى وَادٍ يَضْطَرِبُ نَمْلًا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سُبْحَانَ مَنْ يَعْلَمُ عَدَدَ هَذَا النَّمْلِ، فَقَالَ (ع): لَا تَقُلْ كَذَا قُلْ: سُبْحَانَ مَنْ خَلَقَ هَذَا النَّمْلَ، فَقَالَ: كَأَنَّكَ تَعْلَمُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) قَالَ: نَعَمْ وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُهُ وَ أَعْلَمُ الذَّكَرَ مِنْهُ مِنَ الْأُنْثَى، فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ إِلَى ذَلِكَ، فَقَالَ (ع): أَ وَ مَا قَرَأْتَ يس؟ فَقَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا قَرَأْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ‏
؟".
و
فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ اسْماً مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ".
قيل: المراد من حفظها في قلبه، و قيل: من علمها و آمن بها، و قيل: من استخرجها من الكتاب و السنة، و قيل: من أطاق العمل بها، مثل من يعلم أنه سميع بصير يكف سمعه و لسانه عما لا يجوز له، و كذا

101
مجمع البحرين1

حصا ص 100

باقي أسمائه، و قيل: من أخطر بباله عند ذكرها معانيها و تفكر في مدلولها معظما لمسماها و مقدسا معتبرا بمعانيها و متدبرا راغبا فيها و راهبا. و
فِيهِ:" تَرْكُكَ حَدِيثاً لَمْ تَدْرِهِ خَيْرٌ مِنْ رِوَايَتِكَ حَدِيثاً لَمْ تُحْصِهِ".
أي لم تحط به خبرا، من" الْإِحْصَاءِ": الإحاطة بالشي‏ء حصرا و تعدادا. و
فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ:" لَا تُحْصِ فَيُحْصَى عَلَيْكَ".
المراد عد الشي‏ء للقنية و الادخار و الاعتداد به،
" فَيُحْصَى عَلَيْكَ".
يحتمل أن يراد به يحبس عليك مادة الرزق و يقلله بقطع البركة حتى يصير كالشى‏ء المعدود، و الآخر أنه يحاسبك في الآخرة. و" الْمُحْصِي" من أسمائه تعالى، و هو الذي أَحْصَى كل شي‏ء بعلمه و أحاط به، فلا يفوته دقيق منها و لا جليل، و لا يعزب عنه مثقال ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ. و
فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:" لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".
أي لا أطيقه و لا أُحْصِي نعمك و إحسانك و إن اجتهدت‏
" أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".
و هو اعتراف بالعجز، أي لا أطيق أن أثني عليك كما تستحقه و تحبه، أنت كما أثنيت على نفسك بقولك:" فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ" و" ما" في" كما" موصولة أو موصوفة. و في المصباح: قال الغزالي في الإحياء: ليس المراد أنه عاجز عما أدركه، بل معناه الاعتراف بالقصور عن إدراك كنه جلاله، و على هذا فيرجع المعنى إلى الثناء على الله بأتم الصفات و أكملها التي ارتضاها لنفسه و استأثر بها مما هو لائق بجلاله تعالى- انتهى. و يتم الكلام في" رضا" إن شاء الله تعالى. و
فِيهِ:" نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ".
و فسر بأن يقول: بعتك من السلع ما تقع حصاتك عليه إذا رميت بها، و إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع، و هو بيع كان في الجاهلية. و" الْحَصَاةُ" واحدة" الْحَصَى"

102
مجمع البحرين1

حصا ص 100

و الجمع" حَصَيَاتٌ" مثل بقرة و بقرات- قاله الجوهري. و في القاموس" الْحَصَى": صغار الحجارة الواحدة" حَصَاةٌ" و الجمع" حَصَيَاتٌ" و" حُصِىّ". و الْحَصَاةُ: اللب و العقل.
 (حطا)
فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَخَذَ النَّبِيُّ (ص) بِقَفَايَ فَحَطَانِي حَطْوَةً".
الْحَطْوُ: تحريك الشي‏ء مزعزعا، و روي بالهمزة من" حَطَأَهُ"- بالهمز-: إذا دفعه بكفه بين الكتفين، و إنما فعله (ص) ملاطفة و تأنيسا.
 (حظا)
فِي حَدِيثِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ:" تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ فِي شَوَّالٍ، وَ بَنَى بِي فِي شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَائِهِ كَانَ أَحْظَى مِنِّي".
أي أقرب إليه و أسعد به، من قولهم:" حَظِيَتِ المرأة عند زوجها تَحْظَى حظْوَةً"- بالضم و الكسر-: سعدت به و دنت من قلبه و أحبها. و فيه من الرد على من كره التزويج في شوال ما لا يخفى. و الْحَظْوَةُ- بفتح الحاء-: بلوغ المرام يقال:" حَظِيَ في الناس يَحْظَى" من باب تعب" حِظَةً" وزان فعة و" حَظْوَةً" إذا أحبوه و رفعوه منزلة" فهو حَظِيٌّ" على فعيل. و
فِي الدُّعَاءِ:" وَ مَا يُقَرِّبُ مِنْكَ وَ يُحْظِي عِنْدَكَ".
أي ما يوجب لي الحظ عندك و التفضيل و بلوغ المرام، من قولهم:" أَحْظَيْتُهُ على فلان": فضلته عليه.
 (حفا)
قوله تعالى: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها
 أي كأنك استحفيت بالسؤال عنها حتى علمتها. و الْحَفِيُّ: المستقصي بالسؤال عن الشي‏ء. و" أَحْفَى فلان في المسألة": إذا ألح فيها و بالغ. و منه: فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا
 أي يلح عليكم و يجهدكم. و الْحَفِيُّ: البار.

103
مجمع البحرين1

حفا ص 103

و منه قوله تعالى: كانَ بِي حَفِيًّا
 أي بارا معينا. و
فِي الْحَدِيثِ:" سَأَلُوا النَّبِيَّ (ص) حَتَّى أَحْفَوْهُ".
أي استقصوه بالسؤال. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (ص):" وَ سَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ النَّازِلَةُ بِكَ فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ".
أي استقصها فيه تحكي لك ما صدر من المنافقين و أعداء الدين. و من‏
كَلَامِهِ (ص):" لَزِمْتُ السِّوَاكَ حَتَّى كِدْتُ أُحْفِي فَمِي".
أي أستقصي على أسناني فأذهبها بالتسوك. و
فِي الدُّعَاءِ:" لَا يُحْفِيهِ سَائِلٌ".
قيل: معناه أي يمنعه، من" حَفَوْتُ الرجل من كذا": منعته. و
مِنْهُ:" إِنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ (ص) لَهُ: حَفَوْتَ".
أي منعتنا من أن نشمتك بعد الثلاث. و
فِي الْحَدِيثِ:" كَانَ أَبِي (ع) يُحْفِي رَأْسَهُ إِذَا جَزَّهُ".
أي يستقصيه و يقطع أثر الشعر بالكلية، من" أَحْفَى شاربه" من باب أكرم: إذا بالغ في جزه. و
فِيهِ:" أَحْفُوا الشَّوَارِبَ".
يقرأ بفتح الألف مع القطع، و بضمها مع الوصل، أي بالغوا في جزها حتى يلزق الجز بالشفة. و في معناه:" أنهكوا الشوارب". و مثله:
" نَحْنُ نَجُزُّ الشَّوَارِبَ وَ نُعْفِي اللِّحَى".
أي نتركها على حالها. و في كراهة حلق اللحى و تحريمها وجهان أما تحسينها فحسن، و اختلف في تحديده، فمنهم من حده بجز ما زاد على القبضة، و في الخبر ما يشهد له. و" حَفِيَ الرجل حَفَاءً" مثل سلام من باب تعب: مشى بغير نعل و لا خف" فهو حَافٍ" و الجمع" حُفُاةٌ" كقاض و قضاة. و الْحِفَاءُ- بالكسر و المد-: اسم منه. و منه:
" حَفِيَ مِنْ كَثْرَةِ الْمَشْيِ حَتَّى رَقَّتْ قَدَمَاهُ".
و الْحَفْيَا- بالمد و القصر-: موضع بالمدينة على أميال.

104
مجمع البحرين1

حقا ص 105

 (حقا)
في الحديث ذكر الْحَقْوِ- بفتح المهملة و سكون القاف-: موضع شد الإزار، و هو الخاصرة، ثم توسعوا حتى سموا الإزار الذي يشد على العورة" حَقْوا" و الجمع" أَحْق" و" حُقِيّ" مثل فلس و أفلس و فلوس، و قد يجمع على" حِقَاءٍ" كسهام. و
فِي حَدِيثِ الرَّحِمِ:" قَامَتْ وَ أَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ".
هو على الاستعارة و التمثيل أي استمسكت به كما يستمسك القريب بقريبه و النسيب بنسيبه.
 (حكا)
فِي الْحَدِيثِ" أَ لَا أَحْكِي لَكُمْ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ (ص)".
هو من قولهم:" حَكَى الشي‏ء عن غيره حِكَايَةً": إذا أتى به على الصفة التي أتى بها غيره قبله من غير زيادة و لا نقصان منه. و منه الْحِكَايَةُ في العربية، و هو أن تأتي بالقول على ما تسمعه من غيرك كما تقول:" قرأت الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ" و لا تعمل قرأت. و الْحُكْأَةُ العضاءة و جمعها" حُكاً" بالقصر .. و" الْحُكَاءُ" ممدودة ذكر الخنافس.
 (حلي)
قوله تعالى: مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً
 هو بضم الحاء و تشديد الياء جمع" حَلِي"- بفتح الحاء و خفة الياء- اسم لكل ما يتزين به من الذهب و الفضة. و منه‏
قَوْلُهُ (ص):" تَصَدَّقْنَ وَ لَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ".
و
قَوْلُهُ (ع):" لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ".
وَ قَوْلُهُ (ع) فِي حَدِيثِ آدَمَ:" فَطَارَ الْحُلِيُّ وَ الْحُلَلُ مِنْ جَسَدِهِ".
قوله تعالى: حِلْيَةٍ
 أي ذهب و فضة أَوْ مَتاعٍ: حديد و صفر و نحاس و رصاص. و جمع الْحِلْيَةِ" حِلىً" كلحية و لحى،- و يضم- و كذلك جمع الْحِلْيَةِ" بالكسر بمعنى الصفة.

105
مجمع البحرين1

حلي ص 105

و" تَحَلَّى بِالْحُلِيِّ": تزين به. و" حِلْيَةُ السيف": زينته. و
فِي حَدِيثِ التَّخَتُّمِ بِالْحَدِيدِ:" مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ؟".
لأن الْحَدِيدَ زي بعض الكفار، و هم أهل النار، و قيل: إنما كرهه لريحه و زهوكته. و" حَلَّاهُ تَحْلِيَةً" وصفه و نعته. و منه:
" مَا نَبِيٌّ سَلَفَ إِلَّا كَانَ مُوصِياً بِاتِّبَاعِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَ مُحَلِّيَهُ عِنْدَ قَوْمِهِ".
و" حَلِيَ الشي‏ء بعيني" من باب تعب: أعجبني و حسن عندي.
حلا
و" حَلَّيْتُهُ في عين صاحبه" إذا جعلته حُلْواً. و" حَلَا الشي‏ء يَحْلُو حَلَاوَةً فهو حُلْوٌ". و" حَلَا لي الشي‏ء" لذ لي. و" اسْتَحْلَيْتُهُ" وجدته حُلْواً. و الْحَلَاوَةُ" نقيض المرارة. و" احْلَوْلَى الشي‏ء" مثل حَلَا، مبالغة في العذوبة. و منه‏
حَدِيثُ الدُّنْيَا:" قَدْ تَنَكَّرَتْ وَ احْلَوْلَتْ".
و
فِي الْحَدِيثِ:" حَرَامٌ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَنْ تَجِدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى تَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا".
و قد اختلف في حَلَاوَةِ الإيمان هل هي معقولة أو محسوسة؟ و يشهد للثاني الحديث المذكور، مع قول من قال:" وا طرباه غدا ألقى الأحبة محمدا و صحبه". و الْحَلْوَاءُ بالفتح و المد- و يقصر-: الذي يؤكل، و جمع الممدود" حَلَاوِيّ" كَصَحَاري بالتشديد، و جمع المقصور" حَلَاوَى" بفتح الواو. و منه‏
الْحَدِيثُ:" فَهُوَ لِحَلْوَائِهِمْ هَاضِمٌ".
يريد أن مثل هذا يأكل حلواء هؤلاء و يهضمها أي لم يبق لها أثرا في قلبه، و الكلام استعارة و تمثيل. و
فِي الْخَبَرِ:" نَهَى عَنْ حُلْوَانِ الْكَاهِنِ".
و هو ما يعطى عند كهانته و الْحُلْوَانُ- بالضم- العطاء غير الأجرة و أصله من الحلاوة.

106
مجمع البحرين1

حلا ص 106

و الْحُلْوَانُ أيضا: أن يأخذ الرجل من مهر ابنته، و كانت العرب تعير من يفعل ذلك. و" حُلْوَان" بلد مشهور من سواد العراق و هو آخر مدن العراق، قيل: بينه و بين بغداد خمس مراحل، و هي من طرف العراق من المشرق و القادسية من طرفه من المغرب، قيل: سميت باسم بانيها، و هو حُلْوَانُ بن عمران بن الحارث بن قضاعة.
حلأ
و" المحلأ عن الورد": المطرود عنه. و منه:
" غَيْرَ مُحَلَّئِينَ عَنْ وِرْدٍ".
أي غير مطرودين عنه. يقال:" حَلَّأْتُ الإبل- بالتشديد- عن الماء تَحْلِئَةً و تَحْلَاءً" طردتها عنه و منعتها أن ترده، و كذلك غير الإبل. و في بعض نسخ الحديث" مُجْلَيْنَ" بالجيم بدل الحاء، و قد مر في بابه.
 (حمأ)
قوله: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*
 الْحَمَأُ جمع" حَمْأَةٍ" و هو الطين الأسود المتغير، و" المسنون" المصور، و قيل: المصبوب المفرغ، كأنه أفرغ حتى صار صورة. قوله: وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ
 الْحَمِئَةُ بالهمزة: ذات حَمْأَةٍ، و" حَمِيَّةٌ" و" حَامِيَةٌ" بلا همز أي حارة، قيل: و ليس المعنى أنها تسقط في تلك العين بل خبر عن غاية بلغها ذو القرنين و وجدها تتدلى عند غروبها فوق هذه العين أو سمتها و كذلك يراها من كان في البحر. و الْحَمِيَّةُ- بفتح الحاء و كسر الميم و تشديد التحتية- الأنفة و الغضب. و" حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ"
 هي قولهم: قد قتل محمد أبناءنا و إخواننا و يدخلون علينا في منازلنا، لا تتحدث العرب بذلك. قوله: وَ لا حامٍ‏
 الْحَامِ: الفحل إذا أنتج من صلبه عشرة أبطن، قالوا:" حمى ظهره فلا يركب و لا يمنع من كلاء و لا ماء" و
فِي الْحَدِيثِ:" لَمْ تَدْخُلِ الْجَنَّةَ حَمِيَّةٌ غَيْرُ حَمِيَّةِ حَمْزَةَ".
و ذلك حين أسلم غضبا للنبي ص‏

107
مجمع البحرين1

حمأ ص 107

في حديث السلا الذي ألقى على النبي (ص)"، و حمزة هو عم النبي. و الْحِمَى- كإلى- المكان و الكلاء و الماء يحمي أي يمنع. و منه:" حِمَى السلطان" و هو كالمرعى الذي حماه فمنع منه، فإذا سيب الإنسان ماشية هناك لم يؤمن عليها أن ترتع في حماه فيصيبه من بطشه ما لا قبل له به. و تثنية الْحِمَى" حِمْيَانٌ" بكسر الحاء، على لفظ الواحد. و منه‏
الْحَدِيثُ:" أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، فَمَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى أَوْشَكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ".
أي قرب أن يدخله. و مثله:
" وَ الْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَمَنْ يَرْتَعْ حَوْلَهَا يُوشِكْ أَنْ يَدْخُلَهَا".
و
فِي قَوْلِهِ (ع):" إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ".
إعلام بأن التجنب عن مقاربة حدود الله و الحذر من الخوض في حماه أحق و أجدر من مجانبة كل ملك، فإن النفس الأمارة بالسوء إذا أخطأتها السياسة في ذلك الموطن كانت أسوأ عاقبة من كل بهيمة خليع العذار. و
فِي الْحَدِيثِ:" جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حَوْلَ الْمَدِينَةِ حِمىً".
أراد تحريم صيدها و قطع شجرها، و" هذا شي‏ء حِمىً" على فعل بكسر الفاء و فتح العين، يعني محظور لا يقرب. و
مِنْهُ:" لَا حُمَّى فِي الْأَرَاكِ".
و
قَوْلُهُ (ع):" لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ".
هو رد لما كان يصنع في الجاهلية، و ذلك أن الشريف منهم كان إذا نزل أرضا حَمَاهَا و رعاها من غير أن يشرك فيها غيره و هو يشارك القوم في سائر ما يرعون فيه، فجاء النهي عن ذلك، و أضافه إلى الله و رسوله، أي إلا ما يحمى للخيل التي ترصد للجهاد و الإبل‏

108
مجمع البحرين1

حمأ ص 107

التي يحمل عليها في سبيل الله و إبل الزكاة. و قوله:" القرض حِمَى الزكاة" أي حافظ لها، بمعنى إذا مات المقترض أو أعسر احتسبت عليه. و" حَمَيْتُ المكان" من باب رمى" حِمْياً" و" حِمْيَةً" بالكسر: منعته عنهم. و" حَمَيْتُهُ حِمَايَةً" إذا دفعت عنه و منعت و" حَمَيْتُ القوم الماء" أي منعتهم إياه. و" حَمَاهُ عن الدنيا" حفظه من مالها و مناصبها و ما يضر بها. و" احْتَمَى من الطعام" لم يقربه. و منه‏
الْحَدِيثُ:" عَجِبْتُ لِمَنْ يَحْتَمِي مِنْ طَعَامٍ مَخَافَةَ الدَّاءِ كَيْفَ لَا يَحْتَمِي مِنَ الذُّنُوبِ مَخَافَةَ النَّارِ".
و إطلاق الْحِمْيَةِ على الذنوب من باب المشاكلة. و" حَمَيْتُ الحديدة" من باب تعب: إذا اشتد حرها بالنار فهي حامية. و" حَمِيَ الوحي" كثر نزوله. و الْحَمُ" واحد الْأَحْمَاءِ" و هم أقارب الزوج، مثل الأب و الأخ، و فيه أربع لغات ذكرت في الصحاح و المصباح. و عن ابن فارس: الْحَمُ" أب الزوج و أبو امرأة الرجل و" حَمَاةُ المرأة" وزان حصاة: أم زوجها، و لا يجوز فيها غير القصر. و من أسمائه (ص) في الكتب السالفة" حِمْيَاطَى" و معناه يحمي الحريم [و يمنع من الحرام‏] و يوطى‏ء الحلال كذا فسره من أسلم من اليهود
 (حنا)
فِي الْحَدِيثِ:" أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ: التَّعَطُّرُ وَ السِّوَاكُ، وَ النِّسَاءُ وَ الْحِنَّاءُ.
و
فِيهِ:" سُمِّيَتِ الْحِنَّاءُ حِنَّاءً لِأَنَّهَا حَنَّت‏

109
مجمع البحرين1

حنا ص 109

إِلَى أَهْلِ الْبَيْتِ (ع) وَ هِيَ خَشَبَةٌ خَرَجَتْ مِنَ الْجَنَّةِ".
قال الجوهري: الْحِنَّاءُ- بالمد و التشديد- معروف، و الْحِنَّاءَةُ أخص منه و حَنَّأْتُ لحيته بِالْحِنَّاءِ: خضبت. و في المصباح: و التخفيف من باب نفع لغة. قال بعض شراح الحديث من العامة: افترق أهل الرواية في‏
قَوْلِهِ:" الْحِنَّاءُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ".
على ثلاث طوائف، منهم من يرويه الختان بإسقاط النون، قال و هذا أشبه الألفاظ، لأن الختان لم يزل مشروعا في الرسل من لدن إبراهيم (ع) إلى زمان نبينا (ص) إلا عيسى (ع) فإنه ولد مختونا على ما نقل، و منهم من يرويه الحياء- بالياء المثناة التحتانية- من الستر و الانقباض عما يفحش و يستقبح قوله، و منهم من يرويه بالنون، و قد قيل: إنه تصحيف، و من الشواهد على ذلك أنه لو كان لكان من حقه أن يقول:" التَّحْنِيَةُ" أو" استعمال الْحِنَّاءِ" أو" الخضاب بِالْحِنَّاءِ" و لو قدر ذلك لكان إما في الأطراف أو في الشعور، أما في الأطراف فمنفي في حقهم، لأن ذلك من دأب أهل التصنع و قد نزه الله أقدارهم عن ذلك، كما دل عليه‏
قَوْلُهُ (ص):" طِيبُ الرِّجَالِ مَا خَفِيَ لَوْنُهُ، وَ طِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَ خَفِيَ رِيحُهُ".
و كان (ص) يأمر النساء بتغيير أظفارهن بِالْحِنَّاءِ، و أما في الشعور و الخضاب فيها فمن شعار هذه الأمة لم يشاركهم فيها أحد، لأنه لم يبلغنا عن أحد من الرسل قبل نبينا (ص) أنه كان يختضب، فاللفظ غير محفوظ، و الأكثرون أنه تصحيف ... انتهى. و فيه ما فيه، فإن ارتكاب التصحيف لا حاجة إليه، و ما ذكره من الشواهد غير شاهدة، و إلا لجري مثله في نظائرها، و دعوى أن خضاب الشعور من مخصوصات‏

110
مجمع البحرين1

حنا ص 109

هذه الأمة تحكم لا شاهد له، و قوله: لم يبلغنا عن أحد من الرسل قبل نبينا أنه كان يختضب غير مسلم، كيف و قد اشتهر بين الفريقين الخبر به. و في‏
حَدِيثِ الْمُسْتَحَاضَةِ:" وَ تَحْتَشِي وَ تَسْتَثْفِرُ وَ لَا تَحَنَّى".
أي لا تختضب بِالْحِنَّاءِ فتكون الكلمة عبارة عن مضارع حذفت منه أي إحدى التاءين، و في بعض نسخ العارفين" و لا تحَيِّي" بياءين أولهما مشددة و هي الأشهر من النسخ، أي لا تصلي تحية المسجد، و في بعضها" و تحتبي" من الحبوة و هي جمع الساقين بعمامة و نحوها، ليكون ذلك موجبا لزيادة التحفظ من الدم، و في بعض حواشي المنتهى بخط العلامة عليه الرحمة" و لا تَجْثِي" بالجيم و الثاء المثلثة ثم الياء، و يكون معناه: و لا تجلس على الركبتين، قال: و يمكن أن يكون بالهاء المهملة و النون ثم الياء بمعنى لا تنحرف حفظا لعدم تفرق الدم. و
فِي الْحَدِيثِ:" لَوْ صَلَّيْتُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالْحَنَايَا".
هي جمع" حَنِيَّةٍ" أو" حَنِيّ القوس" لأنها مَحْنِيَّةٌ معطوفة، و سيأتي" حتى تكونوا كالحنايز" في" حنز". و
فِيهِ:" فَهَلْ يَنْتَظِرُ أَهْلُ بضَاضَةِ الشَّبَابِ إِلَّا حَوَانِيَ الْهَرَمِ".
جمع" حَانِيَةٍ" و هي التي تحني ظهر الشيخ و تكبه. و" حَنَوْتُ عليه" عطفت عليه. و" حَنَّتِ المرأة على ولدها تَحْنِي- و تَحْنُو حُنُوّاً" عطفت و أشفقت فلم تتزوج بعد أبيهم. و منه:" المرأة الْحَانِيَةُ". و
فِي الْحَدِيثِ:" لَيْسَ أَحْنَى عَلَى وَلَدٍ مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ".
أي أشفق و أحن و أعطف، من قولهم:" فلان أَحْنَى الناس ضلوعا عليك" أي أشفقهم و أعطفهم و أحنهم. و
مِنْهُ:" لَا يَحْنِي عَلَيْكُنَّ بَعْدِي إِلَّا الصَّابِرُونَ".
و" حَنَى ظهره" أي أماله في استواء من رقبته و من ظهره من غير تقويس. و" حَنَيْتُ العود- و حَنَوْتُهُ أَحْنُوهُ حَنْواً" ثنيته.

111
مجمع البحرين1

حنا ص 109

و يقال للرجل إذ انْحَنَى من الكبر:" حَنَاهُ الدهر، فهو محني و محنو". و الحنو واحد الْأَحْنَاءِ، و هي الجوانب. و
مِنْهُ:" لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي أَحْنَائِهِ".
بفتح الهمزة، أي في جوانبه، أي ليس له غور و تعمق، في بعض النسخ" أحيائه" بالياء المثناة من تحت، أي في ترويجه و تقويته.
 (حوا)
قوله تعالى: غُثاءً أَحْوى‏
 أي أسود ليس بشديد السواد، من" الحوة" و منه قولهم:" ولدت أَحْوَى" أي ليس بشديد السواد. قوله: أو الْحَوَايَا هي جمع" حَاوِيَةٍ" و هي ما تحوي البطن من الأمعاء. و منه الشعر المنسوب إلى تأبط شرا:
و أطوي على الخمص الْحَوَايَا كأنها             خيوطة ماري تغار و تقتل‏

و يتم معناه في مرا إن شاء الله تعالى. و
فِي الْخَبَرِ:" خَيْرُ الْخَيْلِ الْحُوُّ".
جمع" أَحْوَى" و هو الكميت الذي يعلوه سواد و" الْحُوَّةُ" لون تخالطه الكمتة مثل صدا الحديد و عن الأصمعي: حمرة تضرب إلى السواد. و" حَوَيْتُ الشي‏ء أَحْوِيهِ حِوَايَةً" إذا ضممته و استوليت عليه. و حَوَيْتُهُ" ملكته و جمعته، و" حَوَى الشي‏ء" إذا أحاط به من جهاته. و" احْتَوَى الشي‏ء" جمعه و اشتمل عليه. و حَوَّاءُ" اسم أم البشر، و
مَعْنَى" حَوَّاءَ" أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ حَيٍّ وَ هُوَ آدَمُ (ع)- قَالَهُ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ، عَاشَتْ بَعْدَ آدَمَ سَنَةً، وَ دُفِنَتْ مَعَهُ- كَذَا فِي بَعْضِ التَّوَارِيخِ‏
 (حيا)
قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِب‏

112
مجمع البحرين1

حيا ص 112

الآية. قال المفسر: الحَيَاءُ تغيّر و انكسار يعتري الإنسان من تخوّف ما يعاب به و يذمّ، فإن قيل: كيف جاز وصف الله سبحانه به و لا يجوز عليه التغير و الخوف و الذم، و ذلك‏
فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ:" إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إِذَا رَفَعَ الْعَبْدُ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صُفْراً حَتَّى يَضَعَ فِيهِمَا خَيْراً".
قلت: هو جارٍ على سبيل التمثيل، كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي‏
 أي لا يترك ضرب المثل بالبعوضة ترك من يَسْتَحْيِي أن يمثِّل بها لحقارتها. قوله تعالى: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها
 أصل التَّحِيَّة تَحْيِيَةٌ و يُعدَّى بتضعيف العين، قيل: و إنما قال: بِتَحِيَّةٍ
 بالباء لأنه لم يُرِد المصدر بل المراد نوع من التَّحَايَا، و التنوين فيها للنوعية، و اشتقاقها من" الْحَيَاةِ" لأن المسلِّم إذا قال:" سلام عليك" فقد دعا لمخاطب بالسلامة من كل مكروه، و الموت من أشد المكاره، فدخل تحت الدعاء، و المراد بِالتَّحِيَّةِ السلام و غيره من البر- كما جاءت به الرواية عنهم (ع). إذا تم هذا فاعلم أن الجمهور من الفقهاء و المفسرين اتفقوا على أنه إذا قال المسلم:" سلام عليكم و رحمة الله" فأجيب ب" سلام عليكم و رحمة الله" فهو رد بالمِثْل و لو زِيدَ" و بركاتُه" فهو أحسن، و إذا قال:" سلام عليكم و رحمة الله و بركاته" فليس فوقها ما يزيد عليها، و يقال: أمر الله تعالى المسلمين بردّ السلام للمسلّم بأحسن مما سلم إن كان مؤمنا، و إلا فليقل:" و عليكم" لا يزيد عليها، فقوله: بِأَحْسَنَ مِنْها للمسلمين خاصة، و قوله: أَوْ رُدُّوها لأهل الكتاب. قوله: وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ‏
 معناه: أن يُحَيِّيَ بعضهم بعضا في الجنة بالسلام، و قيل: هي تَحِيَّةُ الملائكة إياهم، فيكون المصدر مضافا إلى المفعول، و قيل: هي تحية الله لهم. قوله: فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏
 أي ثابتة مشروعة من عنده، لأن التسليم طلب سلامة المسلم عليه،

113
مجمع البحرين1

حيا ص 112

و التَّحِيَّةُ طلب حَيَاةِ الْمُحَيَّا من عند الله، و وصفها بالبركة و الطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من عند الله زيادة الخير و طيب الرزق. و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" سَلِّمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكَ يَكْثُرْ خَيْرُ بَيْتِكَ".
ف تَحِيَّةً
 منسوب إلى فَسَلِّمُوا لأنها في معنى تسليما، مثل" حمدت شكرا". قوله: وَ مَنْ أَحْياها
 أي بالإنقاذ من قتل أو غرق أو حرق أو هدم فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
. و الإحْيَاءُ الاستبقاء، قوله حكاية عن نمرود: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ‏
 قال المفسر يريد: أُخلِّي مَن وجب عليه القتل، و أميت بالقتل. قوله: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ
 أي منفعة- عن أبي عبيدة- و عن ابن عرفة: إذا علم القاتل أنه يقتل كفّ عن القتل. قوله: حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ‏
 أي يقولون في تحيّتك:" السام عليك" و السام: الموت. قوله: لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى‏*
 النفي- على ما قيل- إنما هو لصفة محذوفة، أي لا يحيى حياة طيبة. قوله: لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى‏ حَياةٍ
 قال في الكشاف: فإن قلت: لم قال: عَلى‏ حَياةٍ
 بالتنكير؟ قلت: لأنه أراد حَيَاةً مخصوصة، و هي الحياة المتطاولة. قوله: وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ‏
 قد يفسران بالخيرات التي تقع في حال الحياة منجزة و التي تصل إلى الغير بعد الموت كالوصية للفقراء بشي‏ء، أو معناه: أن الذي أتيته في حياتي و أموت عليه من الإيمان و العمل الصالح لله خالصا له. قوله: الْحَيُّ الْقَيُّومُ*
 أي الباقي الذي لا سبيل للفناء عليه. قال الزمخشري: و هو- على اصطلاح المتكلمين- الذي يصح أن يعلم و يقدر، و الْقَيُّومُ*: الدائم القيام‏

114
مجمع البحرين1

حيا ص 112

بتدبير الخلق و حفظه. قوله: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ‏
 بالتحريك، أي ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة خالدة لا موت فيها، فكأنها في ذاتها حياة، و الْحَيَوانُ‏
 مصدر" حَيِيَ" و قياسه" حَيَيَانِ". و الْحَيَاةُ حركة كما أن الموت سكون، فمجيئه على ذلك مبالغة في الْحَيَاةِ- كذا قاله الزمخشري نقلا عنه. و يقال: الحيوان جنس للحي، و الْحَيَوَان الْحَيَاةُ، و ماء في الجنة و في شمس العلوم: الْحَيَوَانُ- بفتح الفاء و العين-: كل ذي روح، هو على نوعين: مكلّف و غير مكلّف. و قوله: لَهِيَ الْحَيَوانُ‏
 أي الباقية .. انتهى. قوله: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى‏
 الْحَيَّةُ الأفعى، يذكر و يؤنث، فيقال:" هي الحية" و" هو الحية". قوله تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ
 في موضع الحال، أي مُسْتَحْيِيَةً. قوله: يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ*
 يستفعلون من الْحَيَاةِ أي يستبقونهن. قوله: وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ
 لا يأمر بِالْحَيَاءِ فيه. و
فِي الْحَدِيثِ:" الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ".

115
مجمع البحرين1

حيا ص 112

و
" الْحَيَاءُ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ".
و ذلك لأن الْمُسْتَحْيِي ينقطع بِحَيَائِهِ عن المعاصي، و إنما جعله بعضه و من شعبه لأن الإيمان ينقسم إلى الائتمار بما أمر الله به و الانتهاء عما نهى الله عنه، فإذا حصل الانتهاء بِالْحَيَاءِ كان بعض الإيمان. و الْحَيَاءُ- ممدودا-: الاسْتِحْيَاءُ، و هو الانقباض و الانزواء عن القبيح مخافة الذم، قال الأخفش: يتعدى بنفسه و بالحرف، فيقال:" اسْتَحْيَيْتُ منه" و" اسْتَحْيَيْتُهُ" و فيه لغتان: إحداهما للحجاز- و بها جاء القرآن- بياءين، و الثانية لتميم بياء واحدة. و
قَوْلُهُمْ:" الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ حَقُّ الْحَيَاءِ".
فسّر بأن تحفظ الرأس و ما وعى، و البطن و ما حوى، و تذكر الموت و البلى. و
مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ:" إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ".
و معناه: إذا لم تَسْتَحِ من العيب و لم تَخْشَ من العار مما تفعله فافعل ما تحدِّثك به نفسُك من أغراضها، فقوله:" اصْنَعْ" أمر و معناه التهديد و التوبيخ، أي اصْنَع ما شئت فإن الله يَجزيك، و فيه إشعار بأن الرادع عن المساوئ هو الْحَيَاءُ، فإذا انخلع عنه كان كالمأمور بارتكاب كل ضلالة و تعاطى كل سيّئة، قيل: و يمكن حمل الأمر على بابه، و معناه: إذا كنتَ في فِعلك آمنا أن تستحيي، لجريك فيه على سنن الصواب و ليس من الأفعال التي يستحيا منها فاعمل ما شئت. و" التَّحِيَّاتُ لله" قيل: معناه المُلك لله، و إنما قيل للمُلك: التَّحِيَّةُ لأنهم كانوا يخصّون الملوك بتحيّة مخصوصة بهم، فلما كان الملك موجبا للتحية المذكورة على نعت التعظيم سمّي بها، و قيل: أراد بها السلام و قيل:" التَّحِيَّاتُ" المال، و قيل: البقاء

116
مجمع البحرين1

حيا ص 112

و" حَيَّاكُمَا الله من كاتبين" من التحية، و هي الدعاء بالبقاء لهما و السلام عليهما من الله تعالى، من قولهم:" حَيَّاكَ" أي سلم عليك، و
فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ" اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً وَ حَياً رَبِيعاً".
بقصر: الْحَيَا، و هو المطر، سمّي بذلك لإحيائه الأرض، و قيل: الخِصْب و ما يحيا به الناس. و الْحَيُّ: ضد الميّت. و الْحَيُّ: واحد أَحْيَاءِ العرب. و منه:" مسجد الْحَيِّ" أعني القبيلةَ. و حَيٌّ من الجن: قبيلة منها. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ أَحْيَا مَوَاتاً فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ".
و الْمَوَاتُ: أرض لم يجْرِ عليها مِلْكٌ لأحد، و إحياؤها بتأثير شي‏ء فيها من إحاطة أو زرع أو عمارة أو نحو ذلك، تشبيها بِإِحْيَاءِ الميت، كما
فِي قَوْلِهِ:" شَدَّ مِئْزَرَهُ وَ أَحْيَا لَيْلَهُ".
أي ترك نومَه الذي هو أخو الموت و اشتغل بالعبادة. و الْحَيَاءُ- بالمدّ-: الفَرْج. و منه‏
الْحَدِيثُ:" كُرِهَ مِنَ الذَّبِيحَةِ الدَّمُ وَ الْمَرَارَةُ وَ الْحَيَاءُ".
و ما لا تحُلُّه الْحَيَاةُ من الذبيحة حُصِر في عشرة: الصوف و الشعر و الوَبَر و العظم و الظفر و الظِّلْف و القَرْن و الحافِر و قشر البَيض الأعلى و الإنْفَحَة. و
فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ:" مَا لَا تَحُلُّهُ الْحَيَاةُ مِنَ الْمَيِّتِ عَشَرَةٌ: الْقَرْنُ وَ الْحَافِرُ وَ الْعَظْمُ وَ السِّنُّ وَ الْإِنْفَحَةُ وَ اللَّبَنُ وَ الشَّعْرُ وَ الصُّوفُ وَ الرِّيشُ وَ الْبَيْضُ".
و" حَيَّ على الصلاة" أي هلُمَّ و أقبِلْ و أسرع و عجِّل، و فتحت الياء لسكون ما قبلها كما قيل ليتَ و لعلَّ. و" الْحَيْعَلَةُ" كلمة جمعت بين كلمتين، مثل" بَسْمَلَة" من" بسم الله". و" الْحَيْعَلاتُ الثلاث" معروفة. و
قَوْلُهُمْ:" إِذَا ذُكِرَ الصَّالِحُونَ فَحَيَّهَلَا بِعَلِيٍّ".
أي ابدأ به و عجل بذكره.

117
مجمع البحرين1

حيا ص 112

و" حَيَّهَلَا" كلمة مركبة من" حَيّ" و" هلا" و" حَيّ" بمعنى" هلم"، و" هلا" بمعنى" عجل". و يجي‏ء متعديا بنفسه و بالباء و بإلى و على، و يستعمل حَيّ" وحده و" هلا" وحده كذا قيل. و حَيِيَ يَحْيَا- من باب تعب حياة فهو حَيٌّ، و الجمع" أَحْيَاءٌ". و يقال في تصريفه: حَيِيَ حَيِيَا حَيِيُوا، و يجوز:" حَيُوا" كرضوا، و وزنه" فعوا" و يجوز" حَيَّ" بالإدغام" حَيَّا" في الاثنين" حَيُّوا" في الجمع المذكر، فهم" أَحْيَاءٌ" و تقول في غير الثلاثي: أَحْيَا يُحْيِي و لا تدغم، و حَايَا يُحَايِي مُحَايَاةً. و تقول: اسْتَحْيَا يَسْتَحْيِي اسْتِحْيَاءً، بالياء و منهم من يحذفها لكثرة الاستعمال كما في" لا أدر". و يَحْيَى بن زكريا معروف، قيل: كان هو و عيسى بن مريم ابني خالة. و يَحْيَى بن أكثم كان قاضيا في سُرَّ مَنْ رَأَى.
باب ما أوله الخاء
 (خبا)
قوله تعالى: يُخْرِجُ الْخَبْ‏ءَ
 أي الْمَخْبُوءَ، سماه بالمصدر، و هو النبات للأرض و المطر للسماء و غيرهما مما خَبَأَهُ الله في غيوبه، و قرى‏ء" الْخَبَ" بتخفيف الهمزة بالحذف.

118
مجمع البحرين1

خبا ص 118

قوله: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً
 أي سكنت، يقال" خَبَتِ النار خَبْواً" من باب قعد: خمد لهبها، و يعدى بالهمز. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‏ءٍ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْخِبَاءِ".
يعني التقية و الاستتار، يقال:" خَبَأْتُ الشي‏ء خَبْأً" من باب نفع: سترته. و منه" الْخَابِيَةُ" و تركت الهمزة تخفيفا، و ربما همزت على الأصل، و خَبَّأْتُهُ" حفظته، و التشديد مبالغة. و الْخَبَاءُ: اسم لما خُبِئَ و ستر. و منه‏
الْحَدِيثُ" اطْلُبُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ".
يريد الزرع و ما خَبَأَهُ الله في معادن الأرض. و" اخْتَبَأْتُ عند الله خصالا" ادخرتها و جعلتها عنده. و
فِي الْحَدِيثِ:" هَذَا مِنَ الْمَخْبِيَّاتِ مِمَّا عَلِّمْنِي رَبِّي".
أي المستورات التي لم تظهر لكل أحد و الْخِبَاءُ- بالكسر و المد كالكساء-: ما يعمل من وبر أو صوف أو شعر، و الجمع" أَخْبِيَةٌ" بغير همز، و يكون على عمودين أو ثلاثة، و ما فوق ذلك فهو بيت، قاله الجوهري و غيره. و منه‏
الْحَدِيثُ:" ضَعُوا لِيَ الْمَاءَ فِي الْخِبَاءِ".
أي في الخيمة. و الْخِبَاءُ- أيضا- يعبر به عن مسكن الرجل و داره، و
مِنْهُ:" أَتَى خِبَاءَ فَاطِمَةَ".
يريد منزلها، لأنه يخبأ به و يستتر.
 (خثا)
فِي الْخَبَرِ:" فَأَخَذَ مِنْ خِثْيِ الْإِبِلِ".
أي روثها، و أصله للبقر و استعاره للإبل، يقال:" خَثَى البقر خَثْياً" من باب رمى، أي روث، و هو كالتغوط للإنسان.
 (خرا)
الْخِرَاءَةُ- بالكسر و المد- أي أدب التخلي و القعود للحاجة، و بعضهم يفتح الخاء ككره كراهة قال في المجمع‏

119
مجمع البحرين1

خرا ص 119

و لعله بالفتح المصدر و بالكسر الاسم. و في المجمع الْخَرَا": الغائط كتبت الهمز بالألف في الحديث، إما بحذف حركتها أو قلبت ألفا بنقل الحركة فصار" كالعصا". و في المصباح: يقال خَرِئَ بالهمز يَخْرَأُ- من باب تعب- إذا تغوط و اسم الخارج" خَرْءٌ" و الجمع" خُرُوءٌ" مثل فلس و فلوس، و قيل: هما مثل جند و جنود ... انتهى. و قد تكرر ذكر الْخَرْءِ كَخَرْءِ الطير و الكلاب و نحو ذلك، و المراد ما خرج منها كالعذرة من الإنسان. و يقال للمخرج: مُخْرُؤَةٌ" و (مَخْرَأَةٌ) بضم الراء و فتحها. و منه‏
حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع):" فَأَمَرَ بِرَجُلٍ فَلُوِّثَ فِي مَخْرَأَتِهِ".
 (خزا)
قوله تعالى: مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ‏
 أي أهلكته، و قيل: باعدته من الخير، من قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَ‏
 قوله: مُخْزِي الْكافِرِينَ‏
 أي مهلكهم. و يقال:" أَخْزَاهُ الله" أي مقته. و قد يكون الْخِزْيُ بمعنى الهلاك و الوقوع في بلية. و
فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:" غَيْرَ خَزَايَا وَ لَا نَدَامَى".
هو من" خَزِيَ" بالكسر من باب علم" فهو خَزْيَان" إذا استحيا حياء مفرطا. و جمع الْخَزْيَانِ" خَزَايَا" و الندامى جمع نادم، و حقه في القياس نادمين و إنما جمع على ذلك إتباعا للكلام الأول، و العرب تفعل ذلك للازدواج بين الكلمتين‏

120
مجمع البحرين1

خزا ص 120

كقولهم:" الغدايا" و" العشايا". و
فِي حَدِيثِ شَارِبِ الْخَمْرِ:" أَخْزَاهُ اللَّهُ"، وَ يُرْوَى" خَزَاهُ".
أي قهره و أذله و أهانه، من" خَزِيَ خِزْياً" إذا ذل و هان. و قد يكون الْخِزْيُ بمعنى الفضيحة، و منه‏
" اللَّهُمَّ اخْزِ عَبْدَكَ فِي بِلَادِكَ".
في الوصل دون القطع، أي افضحه، و قيل: أهلكه أو أهنه أو أذله. و
فِي حَدِيثِ وَصْفِ الْإِمَامِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ:" وَ لَمْ يُخْزِهِمْ فِي بُعُوثِهِمْ".
قال بعض شراح الحديث: لعله من الخزي، و خزاهم أنهم يغلبون فيقتلون، و لكن يرفق بهم، كأن يبعث جيشا مقاوما للأعداء. و" الْبَعَثُ"- بالتحريك-: الجيش، و الجمع" بعوث". و الْمُخْزِيَةُ"- على صيغة اسم الفاعل-: الخصلة القبيحة، و الجمع" الْمُخْزِيَاتُ" و" الْمَخَازِي"، و منه" ذق مُخْزِيَةً في الدنيا". و
قَوْلُهُ:" إِلَّا أَنَّ الْكَاذِبَ عَلَى شَفَا مَخْزَاةٍ وَ هَلَكَةٍ".
يقرأ على صيغة اسم المفعول، من" الْخِزْيِ" بالكسر، و هو الذل و الهوان و المقت.
 (خسا)
قوله تعالى: اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ‏
 [23/ 108] أي ابعدوا، و هو إبعاد بمكروه. و منه خاسِئِينَ*
 [2/ 65] أي باعدين و مبعدين. قوله خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ
 [67/ 4] أي مبعدا و هو كليل، و الْخَاسِئُ" الصاغر. و
فِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:" وَ اخْسَأْ شَيْطَانِي".
بهمزة وصل و آخره همزة ساكنة، أي أسكته صاغرا مطرودا و أبعده عني حتى لا يكون سبيل له علي و اجعله مبعدا

121
مجمع البحرين1

خسا ص 121

كالكلب المهين. قيل: و إنما قال:" شيطاني" لأنه أراد به قرينه من الجن، أو أراد الذي يبغي غوايته، فأضافه إلى نفسه. قال الجوهري: و خَسَأَ بنفسه يتعدى و لا يتعدى.
 (خشى)
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ‏
 [23/ 57] أي من خوف ربهم. و" الْخَشْيَةُ": الخوف. يقال:" خَشِيَ الرجل يَخْشَى خَشْيَةً" أي خاف، و رجل خَشْيَان و امرأة خَشْيَاء. و الْخَشْيَةُ: الكراهة. قوله تعالى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً
 [18/ 80] أي كرهنا، و قيل:" فَخَشِينا"
 علمنا، و منه قول جرير:
         و لقد خَشِيتُ بأن من تبع الهدى             سكن الجنان مع النبي محمد

قال المفسر في الجامع: فَخَشِينا
 أي خفنا أن يغشي الوالدين المؤمنين طُغْياناً وَ كُفْراً فيعقهما بعقوقه و سوء صنعته، و يلحق بهما بلاء، أو يعذبهما على الطغيان و الكفران. قوله تعالى: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً
 [4/ 9] قيل: هم الذين يجلسون عند المريض‏

122
مجمع البحرين1

خشى ص 122

يقولون: إن أولادك لا يغنون عنك من الله شيئا، فقدم مالك في سبيل الله، فيفعل المريض بقولهم، فيبقى أولاده ضائعين كلا على الناس، فأمر هؤلاء بأن يخافوا الله في هذا القول. قوله تعالى: فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً أي موافقا بأن لا يشيروا بزائد على الثلث. و
فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع):" إِنَّ آكِلَ مَالِ الْيَتِيمِ ظُلْماً يَسْتَدْرِكُهُ وَبَالُ ذَلِكَ فِي عَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ" فَقَالَ:" ذَلِكَ أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ‏
 وَ أَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.
قوله تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
 [35/ 28] قال الشيخ أبو علي (ره): المعنى: إن الذين يخشون الله من بين عباده هم العلماء دون غيرهم، إذ عرفوه حق معرفته و علموه حق علمه. قال: و
عَنِ الصَّادِقِ (ع):" يَعْنِي بِالْعُلَمَاءِ مَنْ صَدَّقَ قَوْلَهُ فِعْلُهُ، وَ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْ قَوْلَهُ فِعْلُهُ فَلَيْسَ بِعَالِمٍ".
- انتهى. و في المغني: جزم النحويون بأن" ما" في هذه الآية كافة، و لا يمتنع أن تكون بمعنى الذي، و" العلماء" خبر، و العائد مستتر في يخشى- انتهى. و ذلك مؤكد لما ذكره الشيخ (ره). و في كلام بعض الأفاضل: قرئ بنصب الجلالة و رفع العلماء و بالعكس، على أن تكون الْخَشْيَةُ مستعارة للتعظيم، و فيه بعد. و في بعض مؤلفات المحقق الطوسي ما حاصله: أن الْخَشْيَةَ و الخوف- و إن كانا في اللغة بمعنى واحد- إلا أن بين خوف الله و خَشْيَتِهِ في عرف أرباب القلوب فرقا، و هو أن الخوف تألم النفس من‏

123
مجمع البحرين1

خشى ص 122

العقاب المتوقع بسبب ارتكاب المنهيات و التقصير في الطاعات، و هو يحصل لأكثر الخلق- و إن كانت مراتبه متفاوتة جدا- و المرتبة العليا منه لا تحصل إلا للقليل، و الْخَشْيَةُ حالة تحصل عند الشعور بعظمة الحق و هيبته و خوف الحجب عنه، و هذه حالة لا تحصل إلا لمن اطلع على حال الكبرياء و ذاق لذة القرب، و لذا قال سبحانه: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
 فَالْخَشْيَةُ خوف خاص، و قد يطلقون عليها الخوف أيضا- انتهى. و
فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ:" لَقَدْ أَكْثَرْتُ مِنَ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَسْهَلَ عِنْدَ نُزُولِهِ".
أي حتى رجوت- كذا قيل.
 (خصا)
فِي الْحَدِيثِ:" سَأَلْتُهُ عَنِ الْخَصِيِّ يَبُولُ".
هو من خَصَيْتُ العبد أَخْصِيهِ خِصَاءً- بالكسر و المد-: سللت خُصْيَيْهِ، فهو" خَصِيٌّ"- على فعيل- بمعنى مفعول. و" الْخُصْيَةُ" كمدية جمعها" خُصىً" كمدى. و عن أبي عبيدة:" لم أسمع خِصْية" بالكسر. و إذا ثنيت الْخُصْيَةَ قلت:" خُصْيَانِ" بإسقاط التاء، و كذلك الألية. و الْخُصْيَانِ" هما: الجلدتان فيهما البيضتان. و
فِي الْحَدِيثِ:" سَأَلْتُهُ عَنِ الْخِصْيَانِ.
هو بكسر الخاء: جمع خصي.
 (خطا)
قوله تعالى: لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ‏
 [69/ 37] قيل: هو من" خَطِئَ الرجل خِطْئاً"- من باب علم-: إذا أتى بالذنب متعمدا، فهو خَاطِئ‏

124
مجمع البحرين1

خطا ص 124

و عن أبي عبيدة: خَطِئَ و أَخْطَأَ بمعنى. و قال غيره:" خَطِئَ في الدين و أَخْطَأَ في كل شي‏ء" إذا سلك سبيل خَطَإٍ- عامدا أو غير عمد. و يقال:" خَطِئَ" إذا أثم، و أَخْطَأَ" إذا فاته الصواب. و الْخِطْءُ"- بالكسر فالسكون-: الذنب و ما فيه إثم، و الْخَطَأُ" ما لا إثم فيه، قال تعالى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً
 [17/ 31] أي إثما كبيرا. قوله تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً
 [4/ 92] ظاهره جواز القتل خَطَأً و ليس كذلك. قال الشيخ أبو علي: أجمع المحققون من النحويين على أن قوله: إِلَّا خَطَأً
 استثناء منقطع من الأول، على معنى: ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا البته إلا أن يَخْطَأَ المؤمن ... و قال بعضهم: الاستثناء متصل، و المعنى: لم يكن لمؤمن أن يقتل مؤمنا متعمدا، و متى قتله متعمد، لم يكن مؤمنا، فإن ذلك يخرجه من الإيمان، ثم قال: إِلَّا خَطَأً
 أي فإن قتله له خطأ لا يخرجه من الإيمان انتهى. و الْخَطَأُ": نقيض الصواب، و قد يمد. قال الجوهري: و قرئ بهما قوله: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً
، و مثله قال في المصباح. و الْخَطَيِئَةُ"- على فعيلة، و لك أن تشدد الياء- الاسم من الْخِطْءِ- بالكسر-: الإثم، و الجمع" الْخَطَايَا". قوله: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ*
 [2/ 168] قيل: أعماله، و قيل: خطراته التي تخطر بالبال، و قيل: خَطَايَاهُ. و قرئ بضم الطاء و سكونها. و يقال:" اتبع خُطُوَاتِهِ و وطئ على عقبه" في معنى اقتدى به و استن‏

125
مجمع البحرين1

خطا ص 124

سنته.
فِي الْحَدِيثِ:" يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ".
أي يخطو خطوة- بالضم- و هي بعد ما بين القدمين في المشي، و تجمع على" خطى" و" خطوات" مثل غرف و غرفات. و الْخَطْوَةُ"- بالفتح-: المرة من الخطو، و تجمع على" خَطَوَاتٍ" مثل شهوة و شهوات. و" خَطَا خَطْواً": مشى، و منه" قصر الله خَطْوَكَ" أي مشيك. و" يَخْطُو في مشيه" أي يتمايل و يمشي مشية المعجب. و" تَخَطَّيْتُ الشي‏ء": تجاوزته، و لا يقال:" تخطأته". و
فِيهِ:" الرَّجُلُ يَأْتِي جَارِيَتَهُ وَ هِيَ طَامِثٌ خَطَأً".
أي من غير تعمد. و
فِي الْخَبَرِ:" مَنِ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ".
- بالهمز- أي مذنب، و المحرم منه ما يكون في الأوقات وقت الغلاء للتجارة، و يؤخره ليغلو، لا فيما جاء به من قريته، أو اشتراه في وقت الرخص و أخره، أو ابتاعه في الغلاء ليبيعه في الحال.
 (خفا)
قوله تعالى: تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً*
 [6/ 63] الْخُفْيَةُ الاسم من الِاسْتِخْفَاءِ، أعني الاستتار. و" خَفِيَ الشي‏ء خَفَاءً" إذا استتر. قوله تعالى: لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ
 [69/ 18] و قرئ بالياء، لأنه تأنيث غير حقيقيّ. و" أَخْفَى الشي‏ء" كتمه و ستره. قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ‏
 [32/ 17] هو بالبناء للمجهول، أي سُتِر عنهم. قال الشيخ أبو علي (ره): و قرئ أَخْفَى لهم بالبناء للفاعل، و هو الله تعالى، و" ما"

126
مجمع البحرين1

خفا ص 126

بمعنى الذي، أو بمعنى أي، و قرئ عن النبي ص: قُرَّات أعْيُنٍ، أي لا تعلم النفوس كلهن و لا نفس واحدة منهن، لا ملك مقرب و لا نبي مرسل، أي نوع عظيم من الثواب جني لهم و ادخر. قوله تعالى: أَكادُ أُخْفِيها
 [20/ 15] أي أسترها أو أظهرها، يعني أزيل عنها خَفَاءً أي غطاءها، و هو من الأضداد. و قال في المصباح- بعد أن ذكر خَفِيَ من الأضداد-: و بعضهم يجعل حرف الصّلة فارقا، فيقول:" خَفِيَ عليه" إذا استَتَر، و" خَفِيَ له" إذا ظَهَرَ. و الْخَفِيُّ" الْخَافِي، و منه قوله تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ‏
 [42/ 45]. قوله تعالى: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ‏
 [13/ 10] أي مستتر به. قوله تعالى: وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ‏
 [33/ 37] قيل: أَخْفَى في نفسه أنه إن طلقها زيد و تزوجها لامه الناس أن يقولوا: أمره بطلاقها ثم تزوجها. و قيل: إن الذي أَخْفَاهُ هو أن الله سبحانه أعلمه بما ستكون من أزواجه، و أن زيدا سيطلقها، فأبدى سبحانه ما أَخْفَاهُ في نفسه بقوله زَوَّجْناكَها و لم يرد سبحانه بقوله: وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ خشية التقوى، لأنه- ص- كان يتق الله حق تقاته، و يخشاه فيما يجب أن يخشى فيه، و لكن المراد خشية الاستحياء، لأن الحياء من شيمة الكرام. و
فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ".
يعني المعتزل عن الناس، الذي يَخْفَى عليهم مكانه، أو المنقطع إلى العبادة، المشتغل بأمور نفسه. و
فِيهِ:" خَيْرُ الذِّكْرِ الْخَفِيُّ".
أي‏

127
مجمع البحرين1

خفا ص 126

ما أَخْفَاهُ الذاكر. و" الْمُخْفِي للصدقات" المستتر بها.
ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ أَنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع كَانَ يَعُولُ أَرْبَعَمِائَةِ بَيْتٍ فِي الْمَدِينَةِ، وَ كَانَ يُوصِلُ قُوتَهُمْ إِلَيْهِمْ بِاللَّيْلِ، وَ هُمْ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِمْ، فَلَمَّا مَاتَ (ع) انْقَطَعَ عَنْهُمْ ذَلِكَ، فَعَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ.
و
فِي الْحَدِيثِ:" تَصَدَّقَ إِخْفَاءً حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ".
قيل: هو ضرب مثل، و المعنى حتى لا يعلم ملك شماله. و" اسْتَخْفَيْتُ منه" تواريت، و لا تقل اخْتَفَيْتُ"، و فيه لغة. و" فعلته خفْيَةً"- بضم الخاء و كسرها. و
فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ:" سَقَطْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ".
الْخِفَاءُ: الكساء، و كل شي‏ء غطيت به شيئا فهو خِفَاءٌ.

128
مجمع البحرين1

خفا ص 126

و
فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ مَدِينَةَ لُوطٍ حَمْلَهَا جَبْرَئِيلُ عَلَى خَوَافِي جَنَاحِهِ".
و هي الريش الصغار التي في جناح الطير عند القوادم، واحدها" خَافِيَةٌ".
 (خلا)
قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ
 [35/ 24] أي مضى و أرسل. قوله تعالى: وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ‏
 [2/ 14] أي إذا خَلَا بعضهم إلى بعض، يقال:" خَلَا الرجل إلى الرجل" إذا اجتمعا في خَلْوَةٍ. و قيل:" إلى" بمعنى" مع" مثل قوله تعالى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ*. قوله تعالى: وَ قَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ‏
 [46/ 17] أي مضت، و مثله قوله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ‏
 [13/ 30]، قوله تعالى: وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ‏
 [84/ 4] تفعلت، من الْخَلْوَةِ". و
فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ اللَّهَ خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ وَ خَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ".
بكسر الخاء و تسكين اللام، و المراد المباينة الذاتية و الصفاتية بين الخالق و المخلوق، فكل منهما خِلْوٌ من شبه الآخر. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" فَيُخَلِّينِي أَدُورُ مَعَهُ كَيْفَ دَارَ".
قيل: هو إما من الْخَلْوَةِ" أو من التَّخْلِيَةِ" أي يتركني أدور معه كيف دار. و عن بعض الأفاضل: أنه ليس المراد الدوران الحسي، بل العقلي، و المعنى: أنه- ص- كان يطلعني على الأسرار المصونة عن‏

129
مجمع البحرين1

خلا ص 129

الأغيار، و يتركني أخوض معه في المعارف اللاهوتية و العلوم الملكوتية، التي جلت عن أن تكون شرعة لكل وارد، أو يطلع عليها جماعة إلا واحدا بعد واحد- انتهى. و
فِي الدُّعَاءِ:" لَا تُخَلِّنِي مِنْ يَدِكَ".
هو بالخاء المعجمة و تشديد اللام، من التَّخْلِيَةِ، و جوزوا أن يراد النعمة، و حينئذ يقرأ بتخفيف اللام، أي لا تجعلني خَالِياً من نعمتك. و
فِيهِ:" أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَ تَخَلَّيْتُ".
قيل: أراد من التَّخَلِّي التبري من الشرك، و عقد القلب على الإيمان. و التَّخَلِّي التفرغ، و منه" أنت خِلْوٌ من مصيبتي"- بكسر الخاء- أي فارغ البال منها. و" خَلَّى عنهم" أي تركهم، و أعرض عنهم. و الْخَلِيُّ" الْخَالِي من الهم، و هو خلاف" الشجي". و" الْخَلَاءُ"- بالمد-: المتوضأ، و المكان المعد للخروج، سمي بذلك لأن الإنسان يَخْلُو فيه بنفسه. و
فِي الْحَدِيثِ:" وَ كَانَ (ص) إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ".
و اختلف فيه أنه مختص بالبنيان أو يعم الصحراء، و لفظ" دخل" يخصه. و تَخَلَّى" تغوط، و منه‏
الْحَدِيثُ:" لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ".
و عد منها الْخَلَاءَ، يعني الغائط فقط، لمقابلته بالبول و الريح و الصوت. و تَخَلَّى دخل الْخَلَاءَ.

130
مجمع البحرين1

خلا ص 129

و الْخَلَاءُ- أيضا- المكان لا شي‏ء فيه. و" خَلَا المنزل من أهله فهو خَالٍ"، و" أَخْلَى" بالألف- لغة. و" خَلَا الزوج بزوجته" انفرد بها، و أَخْلَى لغة. قيل: و لا تسمى خَلْوَةً إلا بالاستمتاع و المفاخذة، فإن حصل معها وطي فهو الدخول. و" خَلَا من العيب خُلُوّاً" برئ منه، فهو خَلِيٌّ. و الْخَلَى"- بالقصر-: الرطب من النبات، الواحدة خَلَاةٌ، مثل حصى و حصاة. و" اخْتَلَيْتُهُ" اقتطعته، و منه‏
حَدِيثُ مَكَّةَ:" لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا.
- بضم أوله و فتح اللام- أي لا يجز نبتها الرقيق و لا يقطع ما دام رطبا، و إذا يبس فهو حشيش. و" منتك نفسك في الْخَلَاءِ ضلالا" أي في الْخَلْوَةِ. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" سَتُعْقَبُونَ مِنِّي جُثَّةً خَلَاءً".
أي لا روح معها، و معناه الموت. و" خَلَأَتِ الناقة خَلْئاً و خِلَاءً"- بالمد و الكسر-: حرنت و بركت من غير علة، و منه‏
حَدِيثُ سُرَاقَةَ:" مَا خَلَأَتْ وَ لَا حَرَنَتْ وَ لَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ".
و منه‏
حَدِيثُ الْحُدَيْبِيَةِ:" خَلَأَتِ الْقَصْوَى".
أي حرنت و تصعبت. و" خَلَتِ المرأة من النكاح فهي خَلِيَّةٌ". و من كنايات الطلاق عندهم‏

131
مجمع البحرين1

خلا ص 129

" أنت خَلِيَّةٌ" أي طالق. و
" خَلَاكُمْ ذَمٌّ.
في حديث علي ع أي أعذرتم و سقط الذم عنكم، و معنى آخر: أي عداكم و جاوزكم. و" خَوَالِي الأعوام" مواضيها، من أضافة الصفة إلى الموصوف. و خَلَا" كلمة يستثنى بها، و تنصب ما بعدها و تجر، فهي عند بعض النحويين حرف جر بمنزلة حاشا، و عند بعضهم مصدر مضاف. أما" ما خَلَا" فلا يكون فيما بعدها إلا النصب، لأن خَلَا" بعد" ما" لا تكون إلا صلة لها، و هي مع ما بعدها مصدر- كذا قرره الجوهري.
 (خنا)
الْخَنَا"- مقصور-: الفحش من القول. و" أَخْنَى عليه الدهر" إذا مال عليه و أهلكه. و" أَخْنَيْتُ عليه" أفسدت.
 (خوا)
قوله تعالى: وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها*
 [2/ 259] أي ساقطة، من" خَوَى النجم" إذا سقط، أو خالية، من" خَوَى المنزل" خلا من أهله، و كل مرتفع أظلك- من سقف أو بيت أو كرم- فهو عرش، فقوله: عَلى‏ عُرُوشِها* إن تعلق بِخَاوِيَةٍ، فالمعنى: أنها ساقطة، بأن سقطت سقوفها على الأرض ثم سقطت حيطانها عليها، و إن كان خبرا بعد خبر، فالمعنى: هي خَاوِيَةٌ و هي مظلة على عروشها، على معنى أن العروش سقطت على الأرض و بقيت الحيطان مشرفة عليها. و
فِي الْحَدِيثِ:" كَانَ عَلِيٌّ ع يَتَخَوَّى كَمَا يَتَخَوَّى الْبَعِيرُ الضَّامِرُ عِنْدَ بُرُوكِهِ".
أي يجافي بطنه عن الأرض في سجوده، بأن يجنح بمرفقيه و يرفعهما عن الأرض و لا يفرشهما افتراش الأسد، و يكون شبه المعلق، و يسمى هذا تَخْوِيَةً

132
مجمع البحرين1

خوا ص 132

لأنه ألقى التَّخْوِيَةَ بين الأعضاء. و يقال:" نخل خَاوِيَةٌ" التي انقطعت من أصولها، فَخَوَى مكانها، أي خلا. و الْخَوِيُّ" المكان الخالي. و" خَوَتِ الدار خَوَاءً"- ممدودا-: أقوت، و هو من باب ضرب.
باب ما أوله الدال‏
 (دبا)
فِي الْحَدِيثِ:" إِنِّي أَصَبْتُ دَبَاةً وَ أَنَا مُحْرِمٌ".
و
فِيهِ:" سَأَلْتُهُ عَنِ الدَّبَا".
هو بفتح الدال المهملة و تخفيف الباء الموحدة و القصر: الجراد قبل أن يطير، الواحدة" دَبَاةٌ". و" أرض مُدْبِيَةٌ" كثيرة الدَّبَاءِ. و الدُّبَاءُ"- فعال، بالضم-: القرع، و حكى القصر، الواحدة" دَبَاءَةٌ". و
فِيهِ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنِ الدُّبَّاءِ وَ المُزَفَّتِ وَ الْحَنْتَمِ وَ النَّقِيرِ".
ثم فسر الدُّبَّاءَ بالقرع، و المزفت بالدنان، و الختم بالجرار الخضر، و النقير بخشب كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف ينبذون فيها، و ذلك لأنهم كانوا ينبذون فيها فتسرع الشدة في الشراب. و" الدُّبَّاءُ" لامه همزة، لأنه لم يعرف انقلاب لامه عن واو أو ياء. قال الزمخشري: و أخرجه الهروي في هذا الباب، على أن الهمزة زائدة، و أخرجه الجوهري في المعتل، على أن همزته منقلبة. قال ابن الأثير: و كأنه أشبه.

133
مجمع البحرين1

دجا ص 134

(دجا)

فِي الْحَدِيثِ:" فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ مُلْتَبِسَاتِ الدُّجَى وَ مُعَمِّيَاتِ السُّنَنِ".
يريد: أنه ع عالم بما يرد عليه من الأمور المظلمة التي لا ظهور فيها لغيره، من" عميت البيت تعمية" و" الشعر المعمى" و بالسنن المشبهة التي لا شعور لأحد في الاطلاع عليها. و" ليل دُجىً"- كغنى- أي مظلم، و
مِنْهُ:" لَا يُوَارِي مِنْكَ لَيْلٌ دَاجٍ".
و" غياهب الدُّجَى" ظلماته، جمع" الغيهب". و" دَيَاجِي الليل" حنادسه. و" الدَّوَاجِي المظلم" جمع الداجية. و" دَجَا الإسلامُ" شاع و كثر.
 (دحا)
قوله تعالى: وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
 [79/ 30] أي بسطها، من" دَحَوْتُ الشي‏ء دَحْواً" بسطته. و
فِي الْحَدِيثِ" يَوْمُ دَحْوِ الْأَرْضِ".
أي بسطها من تحت الكعبة، و هو اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة. و
فِيهِ:" خَرَجَ عَلَيْنَا أَبُو الْحَسَنِ يَعْنِي الرِّضَا (ع) بِمَرْوَ فِي يَوْمِ خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، فَقَالَ: صُومُوا، فَإِنِّي أَصْبَحْتُ صَائِماً، قُلْنَا: جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ؟ قَالَ: يَوْمٌ نُشِرَتْ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ دُحِيَتْ فِيهِ الْأَرْضُ".
قال بعض شراح الحديث: فيه إشكال، و هو أن المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة، و قد دلت الآيات على أن خلق السماوات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام، فكيف تتحقق الأشهر في تلك المدة؟ ثم قال: و أجيب بأن في بعض الآيات دلالة على أن الدحو متأخر

134
مجمع البحرين1

دحا ص 134

عن خلق السماوات و الأرض و الليل و النهار، و ذلك قول الله تعالى: أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها. وَ أَغْطَشَ لَيْلَها وَ أَخْرَجَ ضُحاها. وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
 [79/ 27- 30] ثم قال: و هذا غير واف بحل الإشكال، و التحقيق أن يقال: الظاهر من معنى الدَّحْوِ كونه أمرا زائدا على الخلق، و في كلام أهل اللغة و التفسير: أنه البسط و التمهيد للسكنى، و تحقيق الأيام و الشهور بالمعنى الذي ذكر في الإيراد إنما يتوقف على خلق الأرض لا دَحْوِهَا، و التقدير بالستة أيام إنما هو في الخلق أيضا، فلا ينافي تأخر الدَّحْوِ بما يتحقق معه الأشهر. و
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع):" لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَخْلُقَ الْأَرْضَ أَمَرَ الرِّيَاحَ الْأَرْبَعَ فَضَرَبْنَ مَتْنَ الْمَاءِ حَتَّى صَارَ مَوْجاً، ثُمَّ أَزْبَدَ فَصَارَ زَبَداً وَاحِداً، فَجَمَعَهُ فِي مَوْضِعِ الْبَيْتِ، ثُمَّ جَعَلَهُ جَبَلًا مِنْ زَبَدٍ ثُمَّ دَحَا الْأَرْضَ مِنْ تَحْتِهِ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً".
فأول بقعة خلقت من الأرض. و
فِي الدُّعَاءِ:" اللَّهُمَّ دَاحِيَ الْمَدْحُوَّاتِ"، وَ رُوِيَ" الْمَدْحِيَّاتِ". وَ" الْمَدْحُوَّاتِ".
الأرضون، من" دحا يدحو"، و" المدحيات" من" دحى يدحي". و" الأداحي" جمع" أدحي" أفعول من الدَّحْوِ و هو الموضع الذي تفرخ فيه النعامة. و الدَّحْوُ" الرمي بقهر، و منه‏
الْحَدِيثُ:" أَخَذَهُ ثُمَّ دَحَا بِهِ".

135
مجمع البحرين1

دحا ص 134

و فيه: دِحْيَةُ الكلبي"- بكسر الدال، و يروى الفتح أيضا- و هو دحية بن خليفة الكلبي رضيع رسول الله (ص)، كان جبرئيل يأتي النبي (ص) في صورته و كان من أجمل الناس.
 (درا)
قوله تعالى: فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ‏
 [3/ 168] أي ادفعوا عنها. و يَدْرَؤُنَ*
 [13/ 22] يدفعون. و فَادَّارَأْتُمْ فِيها
 [2/ 72] تدافعتم و اختلفتم في القتل، فأدغمت التاء في الدال لأنهما من مخرج واحد، فلما أدغمت سكنت فاجتلب لها ألف وصل للابتداء، و كذلك ادَّارَكُوا و اثَّاقَلْتُمْ و ما أشبهه. و
فِي الْحَدِيثِ:" ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ".
أي ادفعوها بها، و مثله‏
قَوْلُهُ (ع):" لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْ‏ءٌ وَ لَكِنِ ادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ".
و
فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْأَعْدَاءِ:" وَ أَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِهِمْ".
أي أدفع بك فيها لتكفيني أمرهم، و خص النحر لأنه أسرع و أقوى في الدفع و التمكن من المدفوع. و
فِي الْحَدِيثِ:" يَتَدَارَءُونَ ..
الحديثَ" أي يتدافعونه، و ذلك أن كل واحد منهم يدفع قول صاحبه بما ينفع له من‏

136
مجمع البحرين1

درا ص 136

القول، و كأن المعنى: إذا كان بينهم محاجة في القرآن طفقوا يدافعون بالآيات، و ذلك كأن يسند أحدهم كلامه إلى آية، ثم يأتي صاحبه بآية أخرى مدافعا له، يزعم أن الذي أتى به نقيض ما استدل به صاحبه، و لهذا شبه لهم بحال من قبلهم،
فَقَالَ:" ضَرَبُوا كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَلَمْ يُمَيِّزُوا الْمُحْكَمَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ وَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ" ..
- الحديث. و
فِي حَدِيثِ الْخُلْعِ:" إِذَا كَانَ الدَّرْءُ مِنْ قِبَلِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا".
يريد الخلاف و النشوز. و دَرَأْتُهُ"- من باب نفع-: دفعته. و دَارَأْتُهُ" دافعته. و" دَرَيْتُهُ دَرْياً" من باب رمى، و دِرْيَةً و" دِرَايَةً" علمته. و يعدى بالهمز، فيقال:" أَدْرَيْتُهُ". و" دَارَيْتُهُ مُدَارَاةً"- بدون همزة، و قد يهمز-: لاطفته و لاينته. و منه‏
الْحَدِيثُ:" أُمِرْتُ بِمُدَارَاةِ النَّاسِ"،.
و مثله‏
الْخَبَرُ:" رَأْسُ الْعَقْلِ بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ مُدَارَاةُ النَّاسِ".
أي ملاءمة الناس و حسن صحبتهم و احتمالهم لئلا ينفروا. و يقال:" دَارَأْتُهُ"- بهمز و بدونها-: اتقيته و لاينته. و
فِي حَدِيثِ غَسْلِ الْيَدِ عِنْدَ الْوُضُوءِ بَعْدَ النَّوْمِ:" فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ".
قيل في توجيهه: كان أكثرهم يومئذ يستنجي بالأحجار فيقتصر عليها، لإعواز الماء و قلته بأرض الحجاز، فإذا نام عرق منه محل الاستنجاء، و كان عندهم إذا أتى المضجع حل إزاره و نام معروريا، فربما أصاب يده ذلك الموضع و لم يشعر به، فأمرهم أن لا يغمسوها في الإناء حتى يغسلوها، لاحتمال ورودها على النجاسة،

137
مجمع البحرين1

درا ص 136

و هو أمر ندب، و فيه حث على الاحتياط. و الدِّرَايَةُ بالشي‏ء: العلم به، و هي في الاصطلاح العلمي: ما أخذ بالنظر و الاستدلال الذي هو رد الفروع إلى الأصول. و
فِي الْحَدِيثِ:" حَدِيثٌ تَدْرِيهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفٍ تَرْوِيهِ".
 (دعا)
قوله تعالى: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ‏
 [2/ 186] قيل: هي الإجابة المتعارفة، و السؤال الوارد مدفوع بتقدير" إن شئت" فتكون الإجابة مخصوصة بالمشيئة، مثل قوله: فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ
 [6/ 41] و قيل: مشروطة بكونها خيرا، و قيل: أراد بالإجابة لازمها، و هو السماع، فإنه من لوازم الإجابة، فإنه يجيب دَعْوَةَ المؤمن في الحال و يؤخر إعطاءه، لِيَدْعُوَهُ و يسمع صوته فإنه يحبه. قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ‏
- الآية [17/ 110] قال المفسرون: الحذف لمجرد الاختصاص. قوله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ‏
 على معنى إن" الدُّعَاءَ" بمعنى التسمية التي تتعدى إلى مفعولين، أي سموه" الله" أو سموه" الرحمن" أيا ما تسموه فله الأسماء الحسنى، إذ لو كان الدُّعَاءُ بمعنى النداء المتعدي إلى مفعول واحد لزم الاشتراك- إن كان مسمى" الله" غير مسمى" الرحمن"- و لزم عطف الشي‏ء على نفسه- إن كان عينه-، قال: و مثل هذا العطف- و إن صح بالواو باعتبار الصفات- و لكنه لا يصح في" أو" لأنها لإحدى الشيئين المتغايرين، و لأن التخيير إنما يكون بين الشيئين، و أيضا لا يصح قوله: أَيًّا ما تَدْعُوا
 لأن" أَيًّا" إنما تكون لواحد من الاثنين أو جماعة. قوله تعالى: وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ‏
 [2/ 23] قيل: هو بمعنى السؤال، و مثله قوله: وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى‏ حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ
 [35/ 18]. قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُول‏

138
مجمع البحرين1

دعا ص 138

بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً
 [24/ 63] قيل: أمروا أن يَدْعُوهُ في لين و تواضع، و قيل: دُعَاؤُهُ إياكم الأمر و النهي، أي سارعوا إلى ما يأمركم به، أ لا تراه يقول: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ- الآية. قوله تعالى: لَوْ لا دُعاؤُكُمْ‏
 [25/ 77] أي عبادتكم. قوله تعالى: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ
 [70/ 17] قيل: أي تعذب، يشهد له قول الأعرابي لآخر:" دَعَاكَ الله" أي عذبك، و قيل: تنادي، و يشهد له‏
قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ:" نَارُ جَهَنَّمَ تُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ".
قوله تعالى: دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَ‏
 [10/ 10] قال المفسرون: معناه اللهم إنا نسبحك، و يجوز أن يراد بِالدُّعَاءِ العبادة، على معنى أنه لا تكليف في الجنة و لا عبادة إلا أن يسبحوا الله و يحمدوه، ينطقون بذلك من غير كلفة، وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ‏
 يقولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. و" أن" هي المخففة من المثقلة، و أصله أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ- انتهى. و
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" كُلَّمَا اشْتَهَى أَهْلُ الْجَنَّةِ شَيْئاً قَالُوا: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ، فَيَجِيئُهُمْ كُلُّ مَا يَشْتَهُونَ، فَإِذَا طَعِمُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَذَلِكَ آخِرُ دَعْواهُمْ‏
".
قوله تعالى: أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً
 [19/ 91] أي جعلوا. قوله: لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً
 [18/ 14] أي لن نعبد أحدا غيره. قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ‏
 [13/ 14] هي- على ما قيل-: شهادة أن لا إله إلا الله. قوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ
 [54/ 6] أي منكر، فسر الدَّاعِي بإسرافيل و قوله: إِلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ أي منكر فضيع. قوله تعالى: وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ‏
 [36/ 57] أي ما يتمنون. قوله تعالى: هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ‏
 [67/ 27]

139
مجمع البحرين1

دعا ص 138

أي تستنبطونه فتدعون به. قوله تعالى: وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ‏
 [33/ 4] أي من تتبنونه، و لا يكون الرجل الواحد دَعِيّاً لرجل و ابنا له، لأن الابن هو المعروف في النسب، و الدَّعِيُّ اللاصق في التسمية لا غير، و لا يجتمع في الشي‏ء أصيل و غير أصيل. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ
 [29/ 42] النفي- على ما قيل- إنما هو لصفة محذوفة، و التقدير:" من شي‏ء ينفهم" كما سيأتي تحقيقه في" نفا". قوله تعالى: فَما كانَ دَعْواهُمْ‏
 [7/ 5] أي ما يدعون من دينهم إلا اعترافهم ببطلانه و قوله لهم: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ. قوله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ‏
 [33/ 5] هو أمر بأن يُدْعَى الرجل باسم أبيه، و هذا مثل ضربه الله في زيد بن حارثة، و قصته مشهورة، فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ أي بنو أعمامكم، أو ناصروكم. و
فِي الْحَدِيثِ:" لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ".
قيل: أراد بالقضاء ما تخافه من نزول مكروه و تتوقاه، و تسميته قضاء مجاز، و يراد به حقيقة القضاء، و معنى رده تسهيله و تيسيره، حتى كأن القضاء النازل لم ينزل، و يؤيده ما
رُوِيَ مِنْ أَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، أَمَّا مِمَّا نَزَلَ فَصَبْرُهُ عَلَيْهِ وَ تَحَمُّلُهُ لَهُ وَ رِضَاهُ بِهِ، وَ أَمَّا نَفْعُهُ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَيَصْرِفُهُ عَنْهُ.
و
فِي حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع- وَ قَدْ سُئِلَ: كَيْفَ الدَّعْوَةُ إِلَى الدِّينِ؟ فَقَالَ:" يَقُولُ: أَدْعُوكَ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى دِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَ جِمَاعُهُ أَمْرَانِ".
و
فِيهِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَرُدُّ الدُّعَاءَ".
و هي- كما جاءت به الرواية
عَنِ الصَّادِقِ (ع): سُوءُ النِّيَّة

140
مجمع البحرين1

دعا ص 138

وَ السَّرِيرَةِ، وَ تَرْكُ التَّصْدِيقِ بِالْإِجَابَةِ، وَ النِّفَاقُ مَعَ الْإِخْوَانِ، وَ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا.
و
فِيهِ:" الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ".
أي يستحق أن يسمى عبادة، لدلالته على الإقبال عليه تعالى، و الإعراض عما سواه. و" دَعَوْتُ الله أَدْعُوهُ دُعَاءً" ابتهلت إليه بالسؤال، و رغبت فيما عنده من الخير. و يقال: دَعَا أي استغاث. و
فِي الْحَدِيثِ:" ادْعُوا اللَّهَ وَ أَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ".
أي كونوا وقت الدُّعَاءِ على شرائط الإجابة، من الإتيان بالمعروف، و اجتناب المنهي، و رعاية الآداب. و
فِيهِ:" لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ".
أي لا تقولوا شرا و ويلا. و
فِيهِ" أَفْضَلُ الدُّعَاءِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ".
قيل: لأنه سؤال لطيف يدق مسلكه، و منه قول الشاعر:
إذا أثنى عليك المرء يوما             كفاه من تعرضه الثناء

و لأن التهليل و التمجيد و التحميد دُعَاءٌ، لأنه بمنزلته في استيجاب الله و جزائه.
وَ الدُّعَاءُ الَّذِي عَلَّمَهُ جَبْرَئِيلُ لِيَعْقُوبَ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ابْنَهُ هُوَ:" يَا مَنْ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ كَيْفَ هُوَ إِلَّا هُوَ، يَا مَنْ سَدَّ السَّمَاءَ بِالْهَوَاءِ وَ كَبَسَ الْأَرْضَ عَلَى الْمَاءِ وَ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَحْسَنَ الْأَسْمَاءِ ائْتِنِي بِكَذَا".
و
فِي الْحَدِيثِ:" لَا دِعْوَةٌ فِي الْإِسْلَامِ".
و هي بالكسر و بالفتح عند بعض، أي لا تنسب، و هو أن تنسب إلى غير أبيه و عشيرته، و قد كانوا يفعلونه، فنهى عنه، و جعل الولد للفراش.

141
مجمع البحرين1

دعا ص 138

و
فِيهِ:" لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ".
قيل: أي مجابة البته، و هو على يقين من إجابتها، و قيل: جميع دَعَوَاتِ الأنبياء مستجابة، و معناه: لكل نبي دَعْوَةٌ لأمته. و
فِيهِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ".
أي من الظلم، لأنه يترتب عليه دَعْوَةُ المظلوم، و ليس بينها و بين الله حجاب. و
فِي الدُّعَاءِ:" اللَّهُمَّ رَبَّ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ".
قيل: النافعة، لأن كلامه تعالى لا نقص فيه، و قيل: المباركة، و تمامها فضلها و بركتها، و يتم الكلام في" تم". و
فِي الْحَدِيثِ:" أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ (ع)"،.
هي قوله تعالى: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي [14/ 40]. و فيه:" دَعْوَةُ سليمان"، و هي: هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [38/ 35]. و فيه:" دَعْوَةُ إبراهيم"، هي رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ [2/ 129]. و
فِيهِ" الطَّاعُونُ دَعْوَةُ نَبِيِّكُمْ (ص)".
هي‏
قَوْلُهُ:" اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءِ أُمَّتِي بِالطَّاعُونِ".
و قول بعضهم:" هو مني على دَعْوَةِ الرجل" أي ذاك قدر ما بيني و بينه، و مثله" سناباذ من موقان على دَعْوَةٍ" أي قدر سماع صوت، و ربما أريد من ذلك المبالغة في القرب. و الدُّعَاءُ واحد الْأَدْعِيَةِ، و أصله" دُعَاوٌ"، لأنه من دَعَوْتُ. و" دُعَاءُ المؤذن إلى الله فهو دَاعٍ" و الجمع‏

142
مجمع البحرين1

دعا ص 138

" دُعَاةٌ"، مثل قاض و قضاة و قاضون. و النبي (ص) دَاعِ الخلق إلى التوحيد. و" ادَّعَيْتُ الشي‏ء" طلبته لنفسي، و منه" الدَّعْوَةُ في الطعام" اسم من" دَعَوْتُ الناس" إذا طلبتهم ليأكلوا عندك، و الاسم" الدَّعْوَى". و" دَعْوَى فلان كذا" أي قوله، و الجمع" الدَّعَاوِي" بكسر الواو و فتحها، و قال بعضهم: و الفتح أولى، لأن العرب آثرت التخفيف و حافظت على ألف التأنيث التي بني عليها المفرد. و
فِي الْحَدِيثِ:" الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ".
و المراد بِالْمُدَّعِي على ما يفهم من الحديث من يكون في إثبات قضية على غيره، و من" الْمُدَّعَى عليه" المانع من ذلك، و هو المعبر عنه بالمنكر. و الْمَدْعَى" موضع دون الروم في مكة، يعبر عنه بالرقطاء، سمي بذلك لأنه مَدْعَى الأقوام و مجتمع قبائلهم، يقال:" تَدَاعَتْ عليه الأمم من كل جانب"

143
مجمع البحرين1

دعا ص 138

أي اجتمعت عليه. و" التَّدَاعِي" التتابع. و" تَدَاعَتِ الحيطان" تساقطت أو كادت. و الدَّعِيُّ" من تبنيته، و" الْأَدْعِيَاءُ" جمع" دَعِيٍّ"، و هو من يدعي في نسب كاذبا. و يقال: الْأَدْعِيَاءُ" الذين ينتسبون إلى الإسلام و ينتحلون أنهم على سنة النبي (ص)، كأهل بدر و غيرهم. و قولهم:" أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ الإسلام" قيل: أي بِدَعْوَتِهِ، و هي كلمة الشهادة التي يُدْعَى إليها أهل الملل الكافرة.
 (دفا)
قوله تعالى: لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ
 [16/ 5] الدِّفْ‏ءُ- كحمل-: ما اسْتُدْفِئَ به من الأكسية و الأخبئة و غير ذلك، و
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" الدِّفْ‏ءُ نَسْلُ كُلِّ دَابَّةٍ".
و عن الأموي:" نتاج الإبل"، و قال الجوهري: الدِّفْ‏ءُ"- بالكسر-: ما يُدْفِئُكَ، و الجمع" الْأَدْفَاءُ"، و تقول:" أقعد في دِفْ‏ءِ هذا الحائط" أي كنه، و" قد أَدْفَأَهُ الثوب" و" تَدَفَّأَ هو به" و" يوم دَفِي‏ءٌ"- على فعيل- و" ليل دَفِيئَةٌ". و قال في باب المعتل:" دَفَوْتُ الجريح أَدْفُوهُ دَفْواً" إذا أجهزت عليه ... انتهى. و
فِي الْحَدِيثِ:" وَ كَانَ (ع) لَا تُدْفِئُهُ فِرَاءُ الْحِجَازِ".
أي لا تقية من البرد. و" دَفِئَ البيت يَدْفَأُ" مهموز من باب تعب، في المصباح قالوا: و لا يقال في اسم الفاعل:" دَفِي‏ءٌ" وزان" كريم" بل وزان" تعب"، يقال:" دَفِئَ الشخص فهو دَفِئٌ"، و الذكر" دَفْآنُ" و الأنثى" دَفْأَى"، مثل غضبان و غضبى.
 (دكا)
يقال:" دَكَأْتُ القوم دَكَاءً" إذا زاحمتهم، و" تَدَاكَأَ القوم" أي ازدحموا

144
مجمع البحرين1

دكا ص 144

و منه:" تَدَاكَأَتْ عليه الديون".
 (دلا)
قوله تعالى: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ
 [7/ 22] قيل: قربهما إلى المعصية، و قيل: أطمعهما، قال الأزهري: أصله العطشان يُدْلِي في البئر فلا يجد ماء فيكون مُدِلًّا بغرور، فوضع التَّدْلِيَةُ موضع الإطماع فيما لا يجدي نفعا، و قيل: جرأهما على الأكل، من" الدَّالِّ" و" الدَّالَّةِ" أي الجرأة، و قيل: دَلَّاهُمَا من الجنة إلى الأرض، و قيل: أضلهما. قوله تعالى: فَأَدْلى‏ دَلْوَهُ‏
 [12/ 19] أي أرسلها ليملأها. قوله تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى‏
 [35/ 8] يعني دنا جبرئيل من رسول الله (ص) فتعلق عليه في الهواء، و هو مثل في القرب، و فيه إشعار أنه عرج فيه غير منفصل عن محله، فإن التَّدَلِّي إرسال مع تعلق كَتَدَلِّي الثمرة. قوله تعالى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ‏
 [2/ 188] أي تلقوا حكومة الأموال إلى الحكام، و" الْإِدْلَاءُ" الإلقاء، و في الصحاح: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ‏
 يعني الرشوة. و منه‏
حَدِيثُ عَلِيٍّ (ع) فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ:" حَتَّى إِذَا مَضَى الْأَوَّلُ بِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ"،.
و يريد بالأول أبا بكر و بفلان بعده عمر، أي ألقاها إليه، و كنى بذلك عن نص أبي بكر عليه بالخلافة بعده. و قد تكرر في الحديث ذكر" الدِّلَاءِ" و هي جمع" دَلْوٍ" للتي يستقى بها، و يجمع في القلة على" أَدْلٍ"، و في الكثرة على" دِلَاءٍ". و" دُلِيّ" كفعال و فعول، قال في المصباح: تأنيث الدَّلْوِ أكثر فيقال:" هي دَلْوٌ". و" دَلَوْتُهَا" و" دَلَوْتُ بها" أي أخرجتها مملوءة. و
فِي الْخَبَرِ:" يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ مُدِلًّا".

145
مجمع البحرين1

دلا ص 145

أي منبسطا لا خوف عليه.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" مُدِلًّا عَلَيْكَ فِيمَا قَصَدْتُ فِيهِ إِلَيْكَ".
هو أيضا من" الْإِدْلَالِ" على من لك عنده منزلة و قرب كالأول. و
فِي الْحَدِيثِ:" فِيمَا سَقَتِ الدَّوَالِي نِصْفُ الْعَشْرِ".
هي جمع" دَالِيَةٍ"، و" الدَّالِيَةُ" جذع طويل يركب تركيب مدال الأرز، و في رأسه مغرفة كبيرة يستقى بها. قال في المغرب: و في المصباح:" الدَّالِيَةُ" دَلْوٌ و نحوها، و خشبة تصنع كهيئة الصليب و تشد برأس الدَّلْوِ، ثم يؤخذ حبل يربط طرفه بذلك و طرفه الآخر بجذع قائمة على رأس البئر و يستقى بها، فهي فاعلة بمعنى مفعولة- انتهى. و قال الجوهري: هي منجنون تديرها البقرة.
 (دما)
قوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ‏
 [7/ 133]
فَالدَّمُ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي أَرْسَلَهَا اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَسَالَ النِّيلُ عَلَيْهِمْ فَصَارَ دَماً، فَمَا يَسْتَقُونَ مِنَ الْأَنْهَارِ وَ الْآبَارِ إِلَّا دَماً عَبِيطاً أَحْمَرَ، فَشَكَوْا إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ سَحَرَكُمْ، وَ كَانَ فِرْعَوْنُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْقِبْطِيِّ وَ الْإِسْرَائِيلِيِّ عَلَى إِنَاءٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مَا يَلِي الْإِسْرَائِيلِيَّ مَاءً وَ مَا يَلِي الْقِبْطِيَّ دَماً، حَتَّى كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ تَأْتِي الْمَرْأَةِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ جَهَدَهُمُ الْعَطَشُ، فَتَقُولُ: ضَعِي فِي فَمِي مَاءً فَلَمَّا تَضَعُهُ فِي فِيهَا يَصِيرُ دَماً عَبِيطاً، حَتَّى ذَاقُوا الْعَذَابَ الشَّدِيدَ.
و
فِي الْحَدِيثِ:" كُلَّمَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ".
أي نفس سائلة كالعقارب و الخنافس و الديدان و نحوها. و في الخبر نهى عن الدَّمِ، أي لا يجوز

146
مجمع البحرين1

دما ص 146

بيعه، و قيل: يعني أجرة الحجام. و
فِيهِ:" ثُمَّ ائْتِ مَقَامَ جَبْرَئِيلَ بِالْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَدْعُو بِدُعَاءِ الدَّمِ، وَ هُوَ مَقَامٌ لَا تَدْعُو فِيهِ الْحَائِضُ- يَعْنِي الْمُسْتَحَاضَةَ-، فَتَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، إِلَّا رَأَتِ الطُّهْرَ".
و هو دعاء مشهور مذكور في الفقيه. و
فِيهِ:" لَا يَبْطُلُ دَمُ امْرِءٍ مُسْلِمٍ".
أي لا يذهب دمه هدرا. و" دَمِيَ الجرح دَمىً" من باب تعب، و" دُمِيّاً" أيضا: خرج منه الدم، فهو دَمٍ" على النقص. و" شجة دَامِيَةٌ" للتي خرج منها الدَّمُ، فإن سال فهي الدامعة، و منه" في الدَّامِيَةِ بعير". و يقال:" أَدْمَيْتُهُ أنا" و" دَمَّيْتُهُ تَدْمِيَةً" إذا ضربته فخرج منه الدم. و أصل الدَّمِ" دَمْيٌ" بسكون الميم، لكن حذفت اللام و جعلت الميم حرف أعراب، و قيل: الأصل بفتح الميم، و يثنى بالياء، فيقال:" دَمَيَانِ"، و قيل: أصله واو، لقولهم:" دَمَوَانِ"، و قد يثنى الواحد، فيقال:" دَمَانِ"- كذا في المصباح. و
فِي الْحَدِيثِ:" وَ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ الدَّمِيَّةُ بَيْنَ كُلِّ صَلَاةٍ".
هي في كثير من النسخ بالدال المهملة، يعني صاحبة الدَّمِ، و في بعضها- بل ربما كان أغلب- بالذال المعجمة، و فسرت بمن اشتغلت ذمتها بالصلاة، و كونها نسبة إلى أهل الذمة غير مناسب- كما لا يخفى. و
فِي وَصْفِهِ (ص):" كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيد

147
مجمع البحرين1

دما ص 146

دُمْيَةٍ".
هي بضم دال مهملة و سكون ميم: صنم يتخذ من عاج، أو صورة يتنوق في صنعتها و يبالغ في تحسينها. و جمع الدُّمْيَةِ" دُمىً". و
فِي الْخَبَرِ:" وَجَدْتُ الْأَرْنَبَ تَدْمَى".
أي تحيض. و" سهم مُدَمَّى" للذي دَمَّى فيه فأصابه الدَّمُ.
 (دنا)
قوله تعالى: فِي أَدْنَى الْأَرْضِ‏
 [30/ 3] قيل: في أطراف الشام، أي في أدنى أرض العرب. و قيل: هي أرض الجزيرة، و هي أَدْنَى أرض الروم إلى فارس. قوله تعالى: عَرَضَ هذَا الْأَدْنى‏
 [7/ 169] يعني الدنيا، من" الدُّنُوِّ" بمعنى القرب، فكأنه أجل قريب. قوله تعالى: وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ
 [32/ 21] قيل: العذاب الْأَدْنَى عذاب الدنيا، من القتل و الأسر و ما محنوا به من المحل سبع سنين حتى أكلوا الجيف، و قيل: هو القتل يوم بدر بالسيف، و قيل: عذاب القبر و عذاب الآخرة. و" الْأَدْنَى" يصرف على وجوه: فتارة يعبر به عن الأقل فيقابل بالأكثر و الأكبر، و تارة على الأذل و الأحقر فيقابل بالأعلى و الأفضل، و تارة عن الأقرب فيقابل بالأقصى، و تارة عن الأول فيقابل بالآخر، و بجميع ذلك ورد التنزيل. قوله تعالى: الَّذِي هُوَ أَدْنى‏
 [2/ 61] أي الذي هو أخس. قوله تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ‏
 [33/ 59] أي يرخينها و يغطين بها وجوههن أو أعطافهن ليعلم أنهن حرائر. قوله تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ
 [69/ 23] أي دانية المتناول، و مثله قوله تعالى: وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ‏
 [55/ 54]. و
فِي الْخَبَرِ:" عَلَى مَ تُعْطَى الدُّنْيَا".

148
مجمع البحرين1

دنا ص 148

أي الخصلة المذمومة المحقورة. و
مِنْهُ:" إِنَّ الْمَنِيَّةَ قَبْلَ الدَّنِيَّةِ".
يعني الموت خير للإنسان من الإتيان بخصلة مذمومة، و الأصل فيه الهمز فخفف. و" الدَّنِيَّةُ" أيضا: النقيصة، و منه يقال:" نفس فلان تُدْنِؤُهُ" أي تحمله على الدَّنَاءَةِ. و" الجمرة الدُّنْيَا" القريبة، و كذا" السماء الدُّنْيَا" لقربها و دنوها، و الجمع" الدُّنَى" مثل الكبرى و الكبر. و" الدُّنْيَا" مقابل الآخرة، سميت بذلك لقربها. و
فِي الْحَدِيثِ:" الدُّنْيَا دُنْيَيَانِ: دُنْيَا بَلَاغٍ، وَ دُنْيَا مَلْعُونَةٍ".
البلاغ ما يتبلغ به لآخرته، و الملعونة بخلافه. و قد جاء في ذم الدُّنْيَا الكتاب و الأحاديث المتواترة، قال تعالى: أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ
 [57/ 20] و ذلك مما يندرج تحته جميع المهلكات الباطنة: من الغل و الحسد و الرياء و النفاق و التفاخر و حب الدُّنْيَا و حب النساء.
قَالَ (ع):" حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ".
قال بعض العارفين: و ليس الدُّنْيَا عبارة عن الجاه و المال فقط بل هما حظان من حظوظهما، و إنما الدُّنْيَا عبارة عن حالتك قبل الموت كما أن الآخرة عبارة عن حالتك بعد الموت، و كل ما لك فيه حظ قبل الموت فهو دنياك، و ليعلم الناظر أنما الدُّنْيَا خلقت للمرور منها إلى الآخرة، و أنها مزرعة

149
مجمع البحرين1

دنا ص 148

الآخرة في حق من عرفها، إذ يعرف أنها من منازل السائرين إلى الله، و هي كرباط بني على طريق أعد فيها العلف و الزاد و أسباب السفر، فمن تزود لآخرته فاقتصر منها على قدر الضرورة من المطعم و الملبس و المنكح و سائر الضروريات فقد حرث و بذر و سيحصد في الآخرة ما زرع و من عرج عليها و اشتغل بلذاتها و حظوظها هلك، قال تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ [3/ 14] و قد عبر العزيز عن حظك منها بالهوى فقال: وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏ [79/ 40، 41]- انتهى. و
فِي الْحَدِيثِ:" كَانَتِ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لِآدَمَ وَ لِأَبْرَارِ وُلْدِهِ، فَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْأَعْدَاءُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِمْ بِالْحَرْبِ وَ الْغَلَبَةِ فَهُوَ فَيْ‏ءٌ، وَ مَا رَجَعَ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ سُمِّيَ أَنْفَالًا، وَ هُوَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ".
و
فِيهِ" لَرَوْحَةٌ أَوْ غُدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا".
أي من إنفاقها لو ملكها، أو من نفسها لو ملكها، أو تصور تعميرها، لأنه زائل لا محالة، و هما عبارة عن وقت و ساعة. و" أَدْنَوْهُ مني"- بفتح همزة- أي قربوه مني. و" التَّدَانِي إلى الشي‏ء" التقرب منه. و" أَدْنَاهُمَا من فيه" قربهما. و" أَدْنَى من صداقها" أي أقل من مهرها. و" أَدْنَى خيبر" أي أسفلها و طرفها مما يلي المدينة. و
فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْجَنَّةِ:" مَا فِيهِ دَنِي‏ءٌ".
أي دون أو خسيس،
" وَ إِنَّمَا فِيهِمْ أَدْنَى".
أي أقل رتبة. و" الدَّنِي‏ءُ" الخسيس من الرجال. و" الدَّنِيُّ" القريب- غير مهموز. و" دَنَا يَدْنُو" مثل قرب يقرب. و" دَانَيْتُ بين الأمرين" قاربت بينهما. و" ادْنُ"- بضم الهمزة و سكون‏

150
مجمع البحرين1

دنا ص 148

الدال-: أمر المخاطب، و ربما لحقته الهاء فيقال:" ادْنُهْ"، و قد تكرر في الحديث.
وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" قَطَعْتُمُ الْأَدْنَى مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَ وَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ مِنْ أَبْنَاءِ الْحَرْبِ لِرَسُولِ اللَّهِ".
يعني تركتم بيعة الحق و بايعتم أولاد العباس.
 (دوا)
فِي الْحَدِيثِ:" وَ أَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ".
أي أشد، أي أي عيب أقبح منه. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" قَدْ مَلَّتْ أَطِبَّاءُ هَذَا الدَّاءِ الدَّوِيِّ".
أي الشديد، استعار لفظ" الداء الدوي" لما هم عليه من مخالفة أمره، و لفظ" الأطباء" لنفسه و أعوانه. و
فِي حَدِيثٍ:" الْإِجَّاصُ يُسَكِّنُ الدَّمَ وَ يُسِيلُ الدَّاءَ الدَّوِيَّ".
قال في النهاية:" الدَّوِيُّ" منسوب إلى" دو" من" دوي" بالكسر" يدوى دوا فهو دوي" إذا هلك بمرض باطن. و
فِي الْخَبَرِ:" وَ يَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ".
- بفتح الدال و كسر الواو، و هو صوت ليس بالعالي كصوت النحل. قال في المشارق: و جاء عندنا في البخاري بضم الدال و الصواب فتحها، و هو شدة الصوت و بعده في الهواء. و" دَوِيُّ الريح" حفيفها، و كذلك دَوِيُّ النحل و الطائر. و" الدَّاءُ" المرض، و الجمع" أَدْوَاءٌ

151
مجمع البحرين1

دوا ص 151

مثل باب و أبواب، و بابه" تعب". و منه‏
الْحَدِيثُ:" إِذَا بَلَغَ الْمُؤْمِنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً آمَنَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَدْوَاءِ الثَّلَاثَةِ: الْبَرَصِ وَ الْجُذَامِ وَ الْجُنُونِ".
و" الدَّوَاءُ" ما يتداوى به، و في الصحاح" الدَّوَاءُ" ممدود واحد" الْأَدْوِيَةِ"، و" الدِّوَاءُ" بالكسر لغة- انتهى. و قولهم:" به دَوَاءُ الظبي" معناه أنه ليس به داء كما لا داء في الظبي و" دَاوَاهُ" عالجه، و" يُدَاوِي بالشي‏ء" يعالج به. و" الدَّوَاةُ" التي يكتب منها، و الجمع" دَوَيَاتٌ" كحصاة و حصيات.
 (دها)
قوله تعالى: أَدْهى‏ وَ أَمَرُّ
 [54/ 46] أي أشد و أنكر. و" الدَّاهِيَةُ" النائبة العظيمة النازلة، و الجمع" الدَّوَاهِي"، و هي فاعل من" دَهَاهُ الأمر يَدْهَاهُ" إذا نزل به. و" دَوَاهِي الدهر" عظيم نوبه. و عن ابن السكيت: دهته داهية دهياء و دهواء أيضا، و هي توكيد لها. و
فِي الْخَبَرِ:" كَانَ رَجُلًا دَهْيَاءَ".
أي فطنا جيد الرأي. و في الصحاح:" الدَّهْيُ"- ساكنة الهاء-: النكر و جودة الرأي.
باب ما أوله الذال‏
 (ذا)
قوله تعالى: وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
 [6/ 57] أي عليم بنفس الصدور، أي ببواطنها و خفياتها. قوله تعالى: وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ‏
 [8/ 1] أي حقيقة أحوال بينكم،

152
مجمع البحرين1

ذا ص 152

و المعنى: أصلحوا ما بينكم من الأحوال حتى تكون أحوال ألفة و محبة و اتفاق و مودة، و مثله" و أصلح ذَاتَ بيننا و بينهم من الأحوال". و" ذَاتُ الشي‏ء" نفسه و حقيقته، و إذا استعمل في" ذَاتِ يوم" و" ذَاتِ ليلة" و" ذَاتِ غداة" و نحوها فإنها إشارة إلى حقيقة المشار إليه نفسه. و حكي عن الأخفش أنه قال في قوله تعالى: وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ‏
: إنما أنثوا ذَاتَ لأن بعض الأشياء قد يوضع له اسم مؤنث و لبعضها اسم مذكر، كما قالوا:" دار" و" حائط" أنثوا الدار و ذكروا الحائط- انتهى. و قولهم:" فلما كان ذَاتُ يوم" يقال بالرفع و النصب، بمعنى: كان الزمان ذات يوم أو يوم من الأيام. قوله تعالى: ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ [22/ 30]. قال بعض المفسرين: الأحسن في ذَلِكَ أن يكون فصل خطاب، كقوله: هذا وَ إِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ‏
. و قوله: وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللَّهِ ابتداء كلام، و كثيرا ما يتكرر ذكر" ذَلِكَ" في الكلام و يراد به الإشارة إلى ما تقدم، و تقديره" الأمر ذَلِكَ". و أما" كَذَلِكَ" مثل قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ‏
 [2/ 187] أي مثل ذلك البيان يبين الله آياته للناس، و قد تكررت في القرآن الكريم. و المراد من" ذَلِكَ" قوله: وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَابِّ وَ الْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ
 [35/ 28] أي كاختلاف الثمرات و الجبال. و" ذا" لامه محذوف، و أما عينه فقيل: ياء، و قيل: واو، و هو الأقيس قاله في المصباح. و قال الجوهري في بحث الألف اللينة:" ذَا" اسم يشار به إلى المذكر، و" ذِي"- بكسر الذال- للمؤنث، فإن وقفت عليها قلت:" ذِهْ" بهاء، فإن أدخلت عليها هاء التنبيه قلت:" هَذَا زيد"

153
مجمع البحرين1

ذا ص 152

و" هَذِهِ أمة الله"، و" هَذِهِ" بتحريك الهاء. فإن صغرت" ذا" قلت:" ذيا" و تصغيره" هذيا". إن ثنيت" ذا" قلت:" ذان" فتسقط أحد الألفين، فمن أسقط ألف" ذا" قرأ: إِنْ هذانِ لَساحِرانِ‏
 و من أسقط ألف التثنية قرأ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ‏
 لأن ألف" ذا" لا يقع فيها أعراب، قال: و إن خاطبت جئت بالكاف فقلت:" ذَاكَ" و" ذَلِكَ" فاللام زائدة و الكاف للخطاب، و فيه دليل على أن ما يومى إليه بعيد. و تدخل الهاء على" ذَاكَ" و لا تدخل على" ذَلِكَ". و لا تدخل الكاف على" ذِي" للمؤنث، و إنما تدخل على" تا" تقول:" تلك" و" تيك" و لا تقل:" ذِيكَ"، و تقول في التثنية:" جاءني ذَانِكَ الرجلان"، و ربما قالوا:" ذَانِّكَ" بالتشديد تأكيدا و تكثيرا للاسم. قال: و أما" ذَا" و" الذي" بمعنى صاحب فلا يكون إلا مضافا، و أصل" ذو" ذوا مثل عصا، يدل على ذلك قولهم:" هاتان، ذواتا مال"، قال تعالى: ذَواتا أَفْنانٍ [55/ 48]. ثم قال: و أما" ذُو" التي في اللغة بمعنى" الذي" فحقها أن يوصف بها المعارف، ثم حكى قول سيبويه، و هو أن" ذَا" وحدها بمعنى" الذي" مستشهدا بقول لبيد:

154
مجمع البحرين1

ذا ص 152

أ لا تسألان المرء ما ذَا يحاول‏


- انتهى. و
فِي الْحَدِيثِ:" مَا أَنْتَ وَ ذَاكَ".
كأن المعنى: لا يليق بك ذَلِكَ و لا تصل إليه. و من كلامهم:" إيها الله ذَا" و" لاها الله ذَا" قال الخطابي نقلا عنه:" لاها الله ذَا" و" إيها الله ذا" بغير ألف قبل الذال، و معناه في كلامهم:" لا و الله ذا" و" أي و الله ذا" يجعلون الهاء مكان الواو، و معناه: لا و الله يكون ذا. و عن الأخفش: أنه من جملة القسم توكيد له، كأنه قال:" ذَا قسمي" قال: و الدليل عليه أنهم يقولون:" لاها الله ذا لقد كان كَذَا" فيجيئون بالمقسم عليه بعده.
 (ذرا)
قوله تعالى: تَذْرُوهُ الرِّياحُ‏
 [18/ 45] أي تطيره و تفرقه، من قولهم:" ذَرَتِ الريحُ الترابَ تَذْرُوهُ" فرقته، و" ذَرَأَكُمْ" خلقكم، و بابه نفع. قوله تعالى: يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ‏
 [42/ 11] أي في هذا التدبير، و هو أن جعل لكم من الذكور و الإناث من الناس و الأنعام للتوالد و التناسل، و الضمير في" يَذْرَأُ" يرجع إلى المخاطبين و الأنعام. قوله تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏
 على أن مصيرهم إلى جهنم بسوء اختيارهم، و هم الذين علم الله أنه لا لطف لهم. قوله تعالى: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ‏
 [17/ 3] عزير و عيسى (ع)، و" الذّرِّيَّةُ" مثلثة، اسم يجمع نسل الإنسان من ذكر و أنثى، كالأولاد و أولاد الأولاد و هلم جرا، قيل: و أصلها الهمز لأنها فعولة من" يَذْرَأُ الله الخلق" فأبدلت الهمزة ياء كنبي، فلم يستعملوها إلا غير مهموزة، و قيل:

155
مجمع البحرين1

ذرا ص 155

أصلها" ذُرُّورَةٌ" على وزن فعلولة من" الذرّ" بمعنى التفريق، لأن الله ذَرَّهُمْ في الأرض، فلما كثر التضعيف أبدلوا الراء الأخيرة ياء فصارت" ذروية" فأدغمت الواو في الياء فصارت" ذُرِّيَّةً"، و تجمع على" ذُرِّيَّاتٍ" و" ذَرَارِيّ" بالتشديد. قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ‏
- الآية [6/ 84] قال المفسِّر: أي من ذرية نوح (ع)، لأنه أقرب المذكورين و لأن فيمن عددهم ليس من ذرية إبراهيم (ع)، و قيل: أراد و من ذرية إبراهيم (ع)، و إنما سمي ذُرِّيَّتِهِ‏
 إلى قوله: كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ثم عطف عليه قوله: وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى‏، قال: و لا يمتنع أن يكون غلب الأكثر الذين هم من نسل إبراهيم (ع). قوله تعالى: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. وَ خَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ‏
 [36/ 41- 42] قال المفسر: ذُرِّيَّتَهُمْ‏
 أولادهم و من يهمهم حمله. و قيل: إن اسم الذُّرِّيَّةِ يقع على النساء لأنهن من مزارعها. و
فِي الْحَدِيثِ نَهَى عَنْ قَتْلِ الذَّرَارِيِّ، وَ خَصَّهُمْ بِالْحَمْلِ.
لضعفهم، و لأنهم لا قوة لهم على السفر كقوة الرجال، و مِنْ مِثْلِهِ أي من مثل الفلك ما يَرْكَبُونَ، يعني الإبل و هي سفن البر، و قيل: الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ سفينة نوح (ع)، و مِنْ مِثْلِهِ أي مثل ذلك الفلك ما يَرْكَبُونَ من السفن و الزوارق. قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ‏
 [52/ 21]
رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (ع) قَالَ:" قَصُرَتِ الْأَبْنَاءُ عَنِ الْآبَاءِ فَأَلْحَقُوا الْأَبْنَاءَ بِالْآبَاءِ لِتَقَرَّ أَعْيُنُهُمْ".
و
عَنْهُ (ع) أَنَّهُ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَكْفَلَ إِبْرَاهِيمَ وَ سَارَةَ أَطْفَال‏

156
مجمع البحرين1

ذرا ص 155

الْمُؤْمِنِينَ يَغْذُونَهُمْ بِشَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ لَهَا أَخْلَافٌ كَأَخْلَافِ الْبَقَرِ فِي قَصْرٍ مِنْ دُرَّةٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُلْبِسُوا وَ طُيِّبُوا وَ أُهْدُوا إِلَى آبَائِهِمْ، فَهُمْ مُلُوكٌ فِي الْجَنَّةِ مَعَ آبَائِهِمْ، وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَتْبَعْنَاهُمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ.
و قال الشيخ أبو علي (ره) في تفسير الآية: وَ الَّذِينَ آمَنُوا عطف على بِحُورٍ عِينٍ أي و بالذين آمنوا، أي بالرفقاء و الجلساء، فيتمتعون تارة بملاعبة الحور و تارة بمؤانسة الإخوان، و قرئ وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ‏
 و ذُرِّيَّاتُهُمْ و أتبعناهم ذُرِّيَّاتِهِمْ و أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ‏
 و ذُرِّيَّاتِهِمْ- انتهى. و
عَنِ النَّبِيِّ (ص):" الْمُؤْمِنُونَ وَ أَوْلَادُهُمْ فِي الْجَنَّةِ".
و قرأ هذه الآية. و المعنى: أن الله سبحانه يجمع لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم و بمزاوجة الحور العين و بمؤانسة الإخوان المؤمنين المتقابلين و باجتماع أولادهم و نسلهم معهم. قوله تعالى: وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً
 [51/ 1] و هي الرياح تَذْرُو الشي‏ء ذَرْواً و ذَرْياً: تنسفه و تذهبه، و يقال:" ذَرَتْهُ الريح و أَذْرَتْهُ" طيرته. و
فِي الْحَدِيثِ:" سُئِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع عَنِ الذَّارِياتِ ذَرْواً
 فَقَالَ: الذَّارِيَاتِ هِيَ الرِّيحُ، وَ عَنْ الْحَامِلَاتِ وِقْراً فَقَالَ: هِيَ السَّحَابُ، وَ عَنِ الْجَارِيَاتِ يُسْراً فَقَالَ: هِيَ السُّفُنُ، وَ عَنِ الْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً قَالَ: الْمَلَائِكَةُ، وَ هُوَ قَسَمٌ كُلُّهُ".
و
فِي الْحَدِيثِ:" كَسْبُ الْحَرَامِ يَبِينُ فِي الذُّرِّيَّةِ".
قيل عليه: أنه ينافي قوله‏

157
مجمع البحرين1

ذرا ص 155

تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏* [6/ 164] و يمكن الجواب بأن كسب الحرام له تأثير في الذُّرِّيَّةِ يسبب التربية منه، فيفعلون الأفعال القبيحة، أو هو للتوبيخ و التحذير عن تناوله. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" يَذْرُو الرِّوَايَةَ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ".
أي يسرد الرواية كما تنسف الريح هشيم النبت. و" الذِّرْوَةُ"- بالكسر و الضم من كل شي‏ء-: أعلاه، و سنام كل شي‏ء: أعلاه أيضا. و منه‏
الْحَدِيثُ:" ذِرْوَةُ الْإِسْلَامِ وَ سَنَامُهُ الْجِهَادُ".
و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ".
و منه" ذُرَى الآكام"- بالضم- فإنها جمع" ذُرْوَةٍ" يعني أعاليها. و" الذُّرْوَةُ"- بالضم-: الشيب أو أول بياضه في مقدم الرأس. و" الذَّرَى"- بالفتح- كلما استترت به. و" الذُّرَةُ"- بضم معجمة و خفة مهملة و ها عوض عن لام محذوفة-: حبّ معروف. و" أَذْرَأَتِ العين دمعها" صبته. و" الْمِذْرَى" خشبة ذات أطراف يُذَرَّى بها الطعام.
 (ذكا)
قوله تعالى: إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ‏
 [5/ 3] أي إلا ما أدركتم ذبحه على التمام، و معنى" ذَكَّيْتُمْ‏
" ذبحتم، أي قطعتم الأوداج و ذكرتم اسم الله عليه إذا ذبحتموه. و
فِي حَدِيثِ السَّمَكِ:" ذَكَّاهَا اللَّهُ لِبَنِي آدَمَ".
هو كناية عن إحلال السمك لهم من غير تذكية. و" التَّذْكِيَةُ" الذبح و النحر، و الاسم" الذَّكَاةُ"، و المذبوح" ذَكِيٌّ". و
فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ:

158
مجمع البحرين1

ذكا ص 158

" ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ".
قال في النهاية: و يروى هذا الحديث بالرفع و النصب، فمن رفعه جعله خبر المبتدأ الذي هو" ذَكَاةُ الجنين"، فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين، فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف، و من نصب كان التقدير:" ذكاة الجنين كَذَكَاةِ أمه" فلما حذف الجار نصب، أو على تقدير:" يُذَكَّى تَذْكِيَةً مثل ذكاة أمه" فحذف المصدر و صفته و أقام المضاف إليه مقامه، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حيا. و منهم من يرويه بنصب الذكاتين، أي ذَكُّوا الجنين كَذَكَاةِ أمه- انتهى.
فِي الْحَدِيثِ:" كُلُّ يَابِسٍ ذَكِيٌّ"".
أي طاهر، و
مِنْهُ:" ذَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا".
أي طهارتها من النجاسة. و
فِيهِ:" أَذْكِ بِالْأَدَبِ قَلْبَكَ".
أي طهره و نظفه عن الأدناس و الرذائل." و ذَكِيَ الشخص و ذَكَا" من باب تعب و من باب علا لغة يريد سرعة الفهم. و عن بعض المحققين:" الذَّكَاءُ" حدة الفؤاد، و هي شدة قوة النفس معدة لاكتساب الآراء. و قيل: هو أن يكون سرعة إنتاج القضايا و سهولة استخراج النتائج ملكة النفس كالبرق اللامع بواسطة كثرة مزاولة المقدمات المنتجة." الذَّكِيُّ"- على فعيل-: الشخص المتصف بذلك، و الجمع" أَذْكِيَاءُ". و" ذُكَاءُ"- بالضم- اسم للشمس معرفة. و" الذَّكَاءُ"- بالفتح-: شدة وهج النار و اشتعالها، و في القاموس:" ذَكَتِ النار ذُكُوّاً و ذَكاً و ذَكَاءً"- بالمد-: اشتد لهبها. و" الذَّكَوَاتُ" جمع" ذَكْوَةٍ" الجمرة الملتهبة من الحصى، و منه‏
الْحَدِيثُ:" قَبْر

159
مجمع البحرين1

ذكا ص 158

عَلِيٍّ (ع) بَيْنَ ذَكَوَاتٍ بِيضٍ".
و أحب التختم بما يظهره الله بِالذَّكَوَاتِ البيض. و ذَكْوَانُ قبيلة من سليم. و" أذكوتكين" بالذال المعجمة بعد ألف ثم الكاف فالتاء المثناة الفوقانية بعد الواو ثم الياء التحتانية بعد الكاف ثم النون أخيرا على ما وجدناه في النسخ: اسم حاكم جائر.
 (ذوا)
قوله تعالى: ذَواتا أَفْنانٍ‏
 [55/ 48] تثنية" ذُو" التي بمعنى صاحب، و" أفنان" أغصان، و مثله قوله: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏
 [65/ 2] و" ذَوَى العود و البقل" من باب رمى" يَذْوِي ذَوْياً فهو ذَاوٍ" أي ذبل. و في الدر" ذَوَى العود" يبس. و
فِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ الْمَهْدِيِّ (ع):" قُرَشِيٌّ يَمَانٍ لَيْسَ مِنْ ذِي وَ لَا ذَوَا".
أي ليس نسبه نسب أَذْوَاءِ اليمن، و هم ملوك حمير مثل ذي يزن و ذو رعين، و قوله:" قرشي النسب يمان" أي يماني المنشإ.

160
مجمع البحرين1

باب ما أوله الراء ص 161

باب ما أوله الراء
 (رأى)
قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ‏
 [2/ 243] يقال:" أ لم تَرَ إلى كذا" تاؤه مفتوحة أبدا، و هي كلمة تقولها عند التعجب من الشي‏ء و عند تنبيه المخاطب، كقوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ*
- الآية أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ*
 [3/ 23] أ لم تعجب من فعلهم و لم ينبه شأنهم إليك. قوله: قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏
- الآية [41/ 29].
قَالَ الْعَالِمُ:" مِنَ الْجِنِّ الَّذِي دَلَّ عَلَى قَتْلِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فِي دَارِ النَّدْوَةِ وَ أَضَلَّ النَّاسَ بِالْمَعَاصِي وَ جَاءَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَ بَايَعَهُ، وَ مِنَ الْإِنْسِ فُلَانٌ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ.
قوله تعالى: أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ‏
 [6/ 40] قال المفسر: أمر الله تعالى نبيه بمحاجة الكفار، فقال: قُلْ يا محمد لهؤلاء الكفار: أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ‏
 في الدنيا كما نزل بالأمم قبلكم، مثل عاد و ثمود أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أي القيامة أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ لكشف ذلك عنكم، يعني تدعون هذه الأوثان التي تعلمون أنها لا تضر و لا تنفع، أو تدعون الله الذي هو خالقكم و مالككم يكشف ذلك عنكم إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في أن هذه الأوثان آلهة. قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا
 [19/ 77] قال الشيخ‏

161
مجمع البحرين1

رأى ص 161

أبو علي (ره): استعملوا" أ رَأَيْتَ" في معنى أخبر، و الفاء جاءت للتعقيب، فكأنه قال: أخبر أيضا بقصة هذا الكافر عقيب حديث أولئك. و هو ابن وائل، كان لخباب بن الأرت عليه دين فتقضاه، قال: لا و الله حتى تكفر بمحمد، فقال: لا و الله لا أكفر بمحمد حيا و لا ميتا و لا حين أبعث، فقال: فإني مبعوث فإذا بعثت سيكون لي مال و ولد سأعطيك. قوله تعالى: أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ‏
 [17/ 62] أي أخبرني عن حاله. قوله تعالى: وَ أَرِنا مَناسِكَنا
 [2/ 128] أي عرفنا. و تكون" الرُّؤْيَا" بمعنى العلم، كقوله تعالى: لَأَرَيْناكَهُمْ‏
 [47/ 30]، و قوله تعالى: فَهُوَ يَرى‏
 [53/ 35]. قوله تعالى: وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ‏
 [17/ 60] قيل: هي الرُّؤْيَةُ المذكورة من الإسراء إلى بيت المقدس و المعراج، و الفتنة: الامتحان و شدة التكليف، ليعرض المصدق بذلك الجزيل الثواب و المكذب الأليم العقاب. و قيل: الرُّؤْيَا هي التي رَآهَا بالمدينة حين صده المشركون، و إنما كانت فتنة لما دخل على المسلمين من الشبهة و الشك لما تراخى الدخول إلى مكة حتى العام القابل. قيل: هي رُؤْيَا في منامه أن قرودا تصعد منبره و تنزل. قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ‏
 [48/ 27]
قَالَ الْمُفَسِّرُ: رَأَى- أَيْ رَسُولُ اللَّهِ- فِي الْمَنَامِ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحُدَيْبِيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَ أَخْبَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابَهُ فَفَرِحُوا، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَ لَمْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ قَالَ الْمُنَافِقُونَ: مَا حَلَقْنَا وَ لَا قَصَّرْنَا وَ لَا دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، فَنَزَلَتْ أَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّ مَنَامَك‏

162
مجمع البحرين1

رأى ص 161

حَقٌّ وَ صِدْقٌ، وَ أَكَّدَ الدُّخُولَ بِالْقَسَمِ.
قوله تعالى: وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ‏
 [81/ 23] يعني رَأَى محمد (ص) جبرئيل في صورته الحقيقية التي جبل عليها في الأفق المبين، أي في أفق الشمس و قد ملأ الأفق. قيل: ما رَآهُ أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد (ص)، رَآهُ مرتين: مرة في الأرض، و مرة في السماء. قوله تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏
 [53/ 11] أي ما كذب فؤاد محمد (ص) ما رَآهُ ببصره من صورة جبرئيل (ع)، أي ما قال فؤاده لما رَآهُ: لم أعرفك، و لو كان كذلك لكان كاذبا لأنه عرفه. قوله تعالى: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏
 [53/ 13- 14] أي و لقد رَأَى (ص) جبرئيل نزلة أخرى، أي مرة أخرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏.
وَ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا (ع) قَالَ: قَالَ لِي:" يَا أَحْمَدُ مَا الْخِلَافُ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ أَصْحَابِ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي التَّوْحِيدِ"؟ فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ قُلْنَا نَحْنُ بِالصُّورَةِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) رَأَى رَبَّهُ فِي صُورَةِ شَابٍّ، وَ قَالَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بِالنَّفْيِ لِلْجِسْمِ، فَقَالَ:" يَا أَحْمَدُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَ بَلَغَ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ خُرِقَ لَهُ فِي الْحُجُبِ مِثْلُ سُمِّ الْإِبْرَةِ فَرَأَى مِنْ نُورِ الْعَظَمَةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرَى وَ أَرَدْتُمْ أَنْتُمُ التَّشْبِيهَ، دَعْ هَذَا يَا أَحْمَدُ لَا يَنْفَتِحُ عَلَيْكَ مِنْهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ".
قوله تعالى: قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ‏
 [7/ 143]

163
مجمع البحرين1

رأى ص 161

أَوْرَدَ عَلَيْهِ: كَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَلِيمُ اللَّهِ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُرَى حَتَّى يَسْأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ؟ وَ أَجَابَ عَنْهُ الرِّضَا (ع):" أَنَّ كَلِيمَ اللَّهِ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ أَنْ يُرَى بِالْأَبْصَارِ، وَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَلَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ قَرَّبَهُ نَجِيّاً رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَلَّمَهُ وَ قَرَّبَهُ وَ نَاجَاهُ، فَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَسْمَعَ كَلَامَهُ كَمَا سَمِعْتَهُ، وَ كَانَ الْقَوْمُ سَبْعَمِائَةِ أَلْفٍ، فَاخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ أَلْفاً ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَةَ آلَافٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةٍ ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِهِمْ إِلَى طُورِ سَيْنَاءَ فَأَقَامَهُمْ فِي سَفْحِ جَبَلٍ وَ صَعِدَ مُوسَى إِلَى الطُّورِ وَ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُكَلِّمَهُ وَ يُسْمِعَهُمْ كَلَامَهُ، وَ كَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَ سَمِعُوا كَلَامَهُ مِنْ فَوْقُ وَ أَسْفَلَ وَ يَمِينٍ وَ شِمَالٍ وَ وَرَاءَ وَ أَمَامَ، لِأَنَّ اللَّهَ أَحْدَثَهُ فِي الشَّجَرَةِ ثُمَّ جَعَلَهُ مُنْبَعِثاً مِنْهَا حَتَّى سَمِعُوهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ هَذَا الَّذِي سَمِعْنَاهُ كَلَامُ اللَّهِ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً
، فَلَمَّا قَالُوا هَذَا الْقَوْلَ الْعَظِيمَ وَ اسْتَكْبَرُوا وَ عَتَوْا بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ صَاعِقَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ فَمَاتُوا، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ مَا أَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِذَا رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ وَ قَالُوا: إِنَّكَ ذَهَبْتَ بِهِمْ وَ قَتَلْتَهُمْ لِأَنَّكَ لَمْ تَكُنْ صَادِقاً فِيمَا ادَّعَيْتَ مِنْ مُنَاجَاتِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاكَ؟ فَأَحْيَاهُمُ اللَّهُ وَ بَعَثَهُمْ مَعَهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ لَوْ سَأَلْتَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُرِيَكَ لِتَنْظُرَ إِلَيْهِ لَأَجَابَكَ فَتُخْبِرُنَا كَيْفَ هُوَ وَ نَعْرِفُهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، فَقَالَ مُوسَى: يَا قَوْمِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُرَى بِالْأَبْصَارِ وَ لَا كَيْفِيَّةَ لَهُ وَ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِآيَاتِهِ وَ يُعْلَمُ بِأَعْلَامِهِ، فَقَالُوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَسْأَلَهُ، فَقَالَ مُوسَى: يَا رَبِّ إِنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ مَقَالَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِصَلَاحِهِمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: يَا مُوسَى سَلْنِي مَا سَأَلُوكَ فَلَنْ آخُذَكَ بِجَهْلِهِمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُوسَى: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِن‏

164
مجمع البحرين1

رأى ص 161

اسْتَقَرَّ مَكانَهُ.
قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏
 [99/ 7- 8] قال الشيخ أبو علي (ره): في بعض الروايات عن الكسائي خَيْراً يُرَهُ بضم الياء فيهما، و هو رواية أبان عن عاصم، و قراءة علي (ع) و الباقون بفتح الياء في الموضعين و المعنى: من يعمل وزن ذرة من الخير يَرَ ثوابه و جزاءه، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏
 أي يرى ما يستحق من العقاب. قال: و يمكن أن يستدل بهذا على بطلان الإحباط- إلى أن قال- و
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: مَعْنَاهُ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً وَ هُوَ كَافِرٌ يَرَ ثَوَابَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ وَ وُلْدِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏
 وَ هُوَ مُؤْمِنٌ يَرَى عُقُوبَتَهُ فِي الدُّنْيَا فِي نَفْسِهِ وَ أَهْلِهِ وَ مَالِهِ وَ وُلْدِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ شَرٌّ.
ثم قال: و
قَالَ مُقَاتِلٌ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ‏
 يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي كِتَابِهِ فَيَفْرَحُ بِهِ، وَ كَذَلِكَ مَنْ يَعْمَلُ الشَّرَّ يَرَاهُ فِي كِتَابِهِ فَيَسُوءُهُ ذَلِكَ. قَالَ: وَ كَانَ أَحَدُهُمْ يَسْتَقِلُّ أَنْ يُعْطِيَ الْيَسِيرَ، وَ يَقُولُ: إِنَّمَا نُؤْجَرُ عَلَى مَا نُعْطِي وَ نَحْنُ نُحِبُّهُ وَ لَيْسَ الْيَسِيرُ مِمَّا نُحِبُّ، وَ يَتَهَاوَنُ بِالذَّنْبِ الْيَسِيرِ وَ يَقُولُ: إِنَّمَا وَعَدَ اللَّهُ النَّارَ عَلَى الْكَبَائِرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ يُرَغِّبُهُمْ فِي الْقَلِيلِ مِنَ الْخَيْرِ وَ يُحَذِّرُهُمْ مِنَ الْيَسِيرَ مِنَ الشَّرِّ.
- انتهى. قال بعض المحققين في هذه الآية و في قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ‏
 [99/ 6] و في قوله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَد

165
مجمع البحرين1

رأى ص 161

لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [3/ 30]: دلالة على تجسم الأعمال في النشأة الأخرى، و قد ورد في بعض الأخبار تجسم الاعتقادات أيضا، فالأعمال الصالحة و الاعتقادات الصحيحة تظهر صورا نورانية مستحسنة توجب لصاحبها كمال السرور و الابتهاج، و الأعمال السيئة و الاعتقادات الباطلة تظهر صورا ظلمانية مستقبحة توجب غاية الحزن و التألم، كما قال جماعة من المفسرين عند هذه الآيات- انتهى. و يؤيده ما
رُوِيَ مِنْ أَنَّهُ:" إِذَا بَعَثَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ قَبْرِهِ خَرَجَ مَعَهُ مِثَالٌ يَقْدُمُهُ أَمَامَهُ- يَعْنِي صُورَةً لِأَنَّ الْمِثَالَ الصُّورَةُ- كُلَّمَا رَأَى الْمُؤْمِنُ هَوْلًا مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ لَهُ الْمِثَالُ: لَا تَفْزَعْ وَ لَا تَحْزَنْ وَ أَبْشِرْ بِالسُّرُورِ وَ الْكَرَامَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى يَقِفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحَاسِبُهُ حِسَاباً يَسِيراً وَ يَأْمُرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمِثَالُ أَمَامَهُ- إِلَى قَوْلِهِ (ع)- فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا السُّرُورُ الَّذِي كُنْتَ أَدْخَلْتَهُ عَلَى أَخِيكَ الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا".
قوله تعالى: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ‏
 [102/ 6]
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (ره): قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتُرَوُنَّ بِضَمِّ التَّاءُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ (ع).
، و الباقون لَتَرَوُنَ‏
 بفتح التاء. و قد تكرر في الكتاب و السنة" أَ رَأَيْتَكَ‏
" و" أَ رَأَيْتَكُمْ*
" و هي كلمة تقال عند الاستخبار و التعجب، يعني أخبروني و أخبروني، و تاؤها مفتوحة أبدا، و" كم" فيها لا محل له من الإعراب، لأنك تقول:" أ رَأَيْتَكَ زيدا ما شأنه، فلو جعلت للكاف محلا لكنت كأنك تقول:" أ رَأَيْتَ نفسك زيدا ما شأنه" و ذلك فاسد، و لو جعلت الكاف مفعولا- كما قاله الكوفيون- للزم أن يصح الاقتصار على المنسوب في المثال المذكور، لأنه المفعول الثاني على ذلك التقدير، و لكن الفائدة لا تتم عنده،

167
مجمع البحرين1

رأى ص 161

فلا يجوز الاقتصار عليه. و أما أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ‏
 [17/ 62] فالمفعول الثاني محذوف، أي كرمته علي و أنا خير منه لعديت الفعل إلى ثلاث مفاعيل، و للزم أن تقول:" أ رَأَيْتُمُوكُمْ" بل الفعل معلق عن العمل للاستفهام، أو المفعول محذوف تقديره: أ رَأَيْتَكُمْ آلهتكم تنفعكم إذ تدعونها. قوله تعالى: يُراؤُنَ النَّاسَ‏
 [4/ 142] قال الشيخ أبو علي (ره): قرئ في الشواذ" يَرْءُونَ" مثل" يَدْعُونَ" و القراءة المشهورة" يُراؤُنَ"
 مثل" يراعون" قال ابن جني:" يَرْءُونَ" و معناه يبصرون الناس و يحملون على أن يَرَوْهُمْ يتعاطون، و هذا أقوى من" يُراؤُنَ"
 بالمد على يفاعلون، لأن معناه يتعرضون لأن يَرَوْهُمْ. قوله تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ‏
 [9/ 105]
رُوِيَ عَنْهُمْ (ع):" تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) كُلَّ صَبَاحٍ- أَبْرَارُهَا وَ فُجَّارُهَا- فَاحْذَرُوهَا".
و المؤمنون هم الأئمة- ع-. و
فِي الْحَدِيثِ:" سُرُّوا رَسُولَ اللَّه‏

167
مجمع البحرين1

رأى ص 161

وَ لَا تَسُوءُوهُ".
لأنه إذا رَأَى معصية ساءه. قوله تعالى: أَثاثاً وَ رِيًّا [19/ 74] بغير همز، يجوز أن يكون من" الري" أي منظرهم مريوء من النعمة، و أَثاثاً وَ رِءْياً
- بهمزة قبل الياء-: ما رَأَيْتَ عليه بشارة و هيئة، و إن شئت قلت: المنظر الحسن، وَ زِيًّا بالزاي المعجمة- يعني هيئة و منظرا. قيل: و قرئت بهذه الثلاثة أوجه. و
فِي الْخَبَرِ:" إِنِّي لَأَرَاهُ مُؤْمِناً".
بفتح الهمزة أي أعلمه، و بضمها أي أظنه و" الرُّؤْيَا"- بالضم و القصر و منع الصرف-: ما يرى في المنام. و
فِي الْخَبَرِ:" مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي".
يعني إن رُؤْيَتَهُ (ص) ليست أضغاث أحلام و لا تخيلات شيطان، و الرُّؤْيَةُ بخلق الله لا يشترط فيها مواجهة و لا مقابلة إن قيل الجزاء هو الشرط، أجيب بإرادة لازمه، أي فليستبشر فإنه رَآنِي. و
فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع) قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ أَبِيهِ (ع): أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قَالَ:" مَنْ رَآنِي فَقَدْ رَآنِي لِأَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي، وَ لَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ أَوْصِيَائِي، وَ لَا فِي صُورَةِ أَحَدٍ مِنْ شِيعَتِهِمْ، وَ أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنَ النُّبُوَّةِ". وَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْحَدِيثِ" الصَّالِحَةَ".
و وصفها بها لأن غير الصالحة تسمى الحلم. و
فِيهِ:" رَأْيُ الْمُؤْمِنِ وَ رُؤْيَاهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عَلَى سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ".
قيل: المراد بالأول ما يخلق‏

168
مجمع البحرين1

رأى ص 161

الله في قلبه من الصور العلمية في حال اليقظة، و من الثاني ما يخلق الله في قلبه حال النوم، و كأن المراد من" في آخر الزمان" زمان ظهور الصاحب (ع)، فإنه وقع التصريح في بعض الأخبار بأن في زمان ظهوره يجمع الله قلوب المؤمنين على الصواب. و قيل: و لفظة" على" نهجية، أي على هذا النهج، يعني يكون مثل الوحي موافقين للواقع. و
فِيهِ:" الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ وَ الْكَاذِبَةُ مَخْرَجُهُمَا مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ" يَعْنِي الْقَلْبَ، فَالرُّؤْيَا الْكَاذِبَةُ الْمُخْتَلِقَةُ هِيَ الَّتِي يَرَاهَا الرَّجُلُ فِي أَوَّلِ لَيْلِهِ فِي سُلْطَانِ الْمَرَدَةِ الْفَسَقَةِ، وَ إِنَّمَا هِيَ شَيْ‏ءٌ يُخَيَّلَ إِلَيْهِ وَ هِيَ كَاذِبَةٌ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَ أَمَّا الصَّادِقَةُ فَيَرَاهَا بَعْدَ الثُّلُثَيْنِ مِنَ اللَّيْلِ مَعَ حُلُولِ الْمَلَائِكَةِ وَ ذَلِكَ قَبْلَ السَّحَرِ، وَ هِيَ صَادِقَةٌ لَا تَخْتَلِفُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جُنُباً أَوْ يَنَامَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ تَعَالَى، فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ وَ تُبْطِئُ عَلَى صَاحِبِهَا.
و
فِي الْخَبَرِ عَنْهُ (ص) أَنَّهُ قَالَ:" الرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: رُؤْيَا بُشْرَى مِنَ اللَّهِ، وَ رُؤْيَا تَحْزِينٍ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ الْإِنْسَانُ نَفْسَهُ فَيَرَاهُ فِي مَنَامِهِ".
و
فِي خَبَرٍ آخَرَ عَنْهُ (ع) أَنَّهُ قَالَ:" الرُّؤْيَا عَلَى رَجُلٍ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ، فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ".
قال بعض الشارحين: وجه الجمع بين هذين الخبرين أنه عبر عن مطلق الرُّؤْيَا بكونها كالطائر الذي لا قرار له و لا ثبات له حتى يحصل تعبيرها فإذا حصل طارت كالطائر الذي أصيب بالضربة أو الرمية فوقع بعد طيرانه، و أما الرُّؤْيَا الحقيقية التي يعبر عنها بأنها بشرى من الله فهي ما تشاهده النفس المطمئنة من الروحانيات و العالم العلوي، و تلك الرُّؤْيَا واقعة عبرت أم لم تعبر، لأن ما في ذلك‏

169
مجمع البحرين1

رأى ص 161

العالم كله حقيقي لا يتغير، و أما الرُّؤْيَا التي هي تحزين من الشيطان فهي ما تشاهده النفس عند استيلاء القوة الشهوية أو الغضبية، فإن ذلك مما يحصل به الأمور الشريرة باعتبار الشخص في الأمور الواقعة في العالم الجسماني باعتبار حصوله عن هذه النفس الشيطانية، و كذا ما يَرَاهُ الإنسان من الأمور المرتسمة في نفسه من القوة المتخيلة و المتوهمة، لأنها صور لا حقائق لها، و هاتان المرتبتان تقعان مع التعبير بحسب ما يعبران- انتهى. و سيأتي في" حلم" مزيد كلام في الأحلام. و
فِي الْحَدِيثِ:" يُعْطِي الزَّكَاةَ عَلَى مَا يَرَى".
أي على ما يعرف من أهل الاستحقاق و غيرهم. و قد تكرر فيه:" فما تَرَى" و معناه قريب من معنى" ما تقول" و المراد الاستخبار. و" فلان يَرَى رَأْيَ الخوارج" يذهب مذهبهم. و
فِي الْحَدِيثِ:" لَمْ يَقُلْ (ع) بِرَأْيٍ وَ لَا قِيَاسٍ".
قيل في معناه: الرَّأْيُ التفكر في مبادئ الأمور و النظر في عواقبها و علم ما يئول إليه من الخطإ و الصواب، أي لم يقل (ع) بمقتضى العقل و لا بالقياس. و قيل: الرَّأْيُ أعم لتناوله مثل الاستحسان. و جمع الرأي" أَرَآءٌ"، و" رُئِيٌّ"." آرَاءُ" أيضا مقلوب. و" ارْتَأَى" أي طلب الرأي و التدبير. و" أصحاب الرَّأْيِ" عند الفقهاء هم أصحاب القياس و التأويل كأصحاب أبي حنيفة و أبي الحسن‏

170
مجمع البحرين1

رأى ص 161

الأشعري، و هم الذين قالوا: نحن بعد ما قبض رسول الله (ص) يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رَأْيُ الناس.
قَالَ الْعَلَّامَةُ الدِّمْيَرِيُّ- نَقْلًا عَنْهُ فِي تَفْسِيرِ الرَّأْيِ-: رَوَى نُوحٌ الْجَامِعُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ (ص) فَعَلَى الرَّأْسِ وَ الْعَيْنِ، وَ مَا جَاءَ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتَرْنَاهُ، وَ مَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُمْ رِجَالٌ وَ نَحْنُ رِجَالٌ.
و
عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: عَلِمْنَا هَذَا رَأْيٌ، وَ هُوَ أَحْسَنُ مَا قَدَرْنَا عَلَيْهِ، فَمَنْ جَاءَ بِأَحْسَنَ مِنْهُ قَبِلْنَاهُ.
- انتهى، و هو باطل مردود.

171
مجمع البحرين1

رأى ص 161

و
فِي خَبَرِ مُعَاذٍ فِي قَوْلِهِ:" أَجْتَهِدُ رَأْيِي".
- إن صح- فالمراد به رد القضية التي تعرض للحكم من طريق القياس أو غيره إلى الكتاب و السنة، و لم يرد الرَّأْيَ الذي يَرَاهُ من قبل نفسه من غير حمل على كتاب و سنة، و على هذا يحمل‏
قَوْلُهُ (ع):" مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ".
أي قال فيه قولا غير مستفاد من كتاب و لا سنة و لا من دليل يعتمد عليه بل قال بِرَأْيِهِ حسب ما يقتضيه عقله و يذهب إليه وهمه بالظن و التخمين، و من خاض في كتاب الله بمثل ذلك فبالحري أن يكون قوله مهجورا و سعيه مبتورا. و" التَّرَائِي" تفاعل من الرُّؤْيَةِ، يقال:" تَرَاءَى القوم" إذا رَأَى بعضهم بعضا، و" تَرَاءَى لي الشي‏ء" ظهر لي حتى رَأَيْتُهُ، و" تَرَاءَيْنَا الهلال" تكلفنا النظر إلى جهته لِنَرَاهُ، و" تَرَاءَى لي الشي‏ء من الجن" ظهر. و" فلان له رَئِيٌّ من الجن"- بتشديد الياء على فعيل أو فعول- لأنه يَتَرَاءَى لمتبوعه، أو هو من" الرَّأْيِ" يقال:" فلان رَئِيُّ قومه" إذا كان صاحب رأيهم و الْمِرْآةُ التي ينظر فيها، و جمعها" مَرَاءٍ" كجوار و مناص، و الكثير" مَرَايَا". و" فلان بِمَرْأىً مني و مسمع" أي حيث أَرَاهُ و أسمع قوله. و" سَامِرَّاء" المدينة التي بناها المعتصم و دفن فيها علي الهادي (ع) و الحسن العسكري (ع). و فيها لغات:" سُرَّ من رأى" و" سَرَّ من رأى"- بفتح السين و ضمها- و" ساء من رأى" [و" سامرا"] قاله الجوهري عن أحمد بن يحيى و ابن الأنباري. و" رَأَيْتُهُ عالما" يستعمل بمعنى العلم‏

172
مجمع البحرين1

رأى ص 161

و الظن، فيعدى إلى مفعولين. و" رَأَيْتُ زيدا" أبصرته، و يعدى إلى مفعول واحد، لأن أفعال الحواس إنما تتعدى إلى واحد، فإن رَأَيْتَهُ هيئة نصبتها على الحال و قلت:" رَأَيْتُهُ قائما". و تقول:" رَأَى يَرَى" و القياس" يَرْأَى"- كينعى- لكن العرب أجمعت على حذف الهمزة من مضارعه فقالوا: يَرَى يَرَيَانِ يَرَوْنَ- إلخ. و اسم الفاعل منه رَاءٍ كرام. و إذا أمرت بنيت الأمر على الأصل فقلت:" ارْءَ" كارع، و على تقدير الحذف رِ كق، و يلزمه الهاء في الوقف. و بناء أفعل من" رَأَى" مخالف لأخواته، تقول:" أَرْأَى" كأعطى" يُرْئِي" كيعطي نقلت و حذفت" إِرَاءَةً" في المصدر و الأصل" إِرْآياً" على وزن إفعالا قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة فصار" إِرَآءً" ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء و حذفت- كما في الفعل- و عوضت تاء التأنيث عن الهمزة كما عوضت عن الواو في" إقامة" فقيل:" إِرَاءَةً"- كذا ذكره المحقق التفتازاني.
 (ربا)
قوله تعالى: اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ*
 [22/ 5] أي انتفخت، و" اهتزت النبات"- بالهمز-: ارتفعت. قوله تعالى: هِيَ أَرْبى‏ مِنْ أُمَّةٍ
 [16/ 92] أي أكثر عددا، و منه سمي" الرِّبَا" أي إذا كان بينكم و بين أمة عقد أو حلف نقضتم ذلك و جعلتم مكانهم أمة هي أكثر عددا، و" الرِّبَا"

173
مجمع البحرين1

ربا ص 173

الكثرة. قوله تعالى: زَبَداً رابِياً
 [13/ 17] أي طافيا فوق الماء. قوله تعالى: أَخْذَةً رابِيَةً
 [69/ 10] أي شديدة زائدة في الشدة على الأخذات كما زادت قبائحهم في القبح قوله تعالى: رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ‏
 [23/ 50] قيل: هي دمشق و" الرّبْوَةُ" مثلثة الراء الارتفاع من الأرض و ذاتِ قَرارٍ يستقر فيها الماء للعمارة، وَ مَعِينٍ ماء ظاهر جار.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الرَّبْوَةُ نَجَفُ الْكُوفَةِ.
و الْمَعِينُ: الفرات" قوله تعالى: وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا
 [30/ 39] أي من أعطى يبتغي أفضل من ذلك فلا أجر له عند الله فيه. و" الرِّبَا" الفضل و الزيادة، و هو مقصور على الأشهر، و تثنيته" رَبَوَانِ" على الأصل، و" رِبَيَانِ" على التخفيف، و النسبة إليه" رَبَوِيٌّ". و" أَرْبَى الرجل" دخل في الرِّبَا.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الرِّبَا رِبَوَانِ- أَوْ رِبَاءَانِ رِباً يُؤْكَلُ وَ رِباً لَا يُؤْكَلُ، فَأَمَّا الَّذِي يُؤْكَلُ فَهُوَ هَدِيَّتُكَ إِلَى رَجُلٍ تُرِيدُ الثَّوَابَ أَفْضَلَ مِنْهَا، وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ‏
، وَ أَمَّا الَّذِي لَا يُؤْكَلُ فَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ أَكْثَرَ مِنْهَا، فَهَذَا الرِّبَا الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ"
.
و
فِيهِ:" إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ".
أي الربا الذي عرف في النقدين و المطعوم أو المكيل و الموزون ثابت في النسيئة و الحصر للمبالغة. و
فِي الْخَبَرِ:" الصَّدَقَةُ تَرْبُو فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ".
أي يعظم أجرها أو جثتها حتى‏

174
مجمع البحرين1

ربا ص 173

تثقل في الميزان، و أراد بالكف كف السائل، أضيف إلى الرحمن إضافة ملك. و
فِيهِ:" الْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ".
أي أرفعها. و
فِيهِ:" قَوَائِمُ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ (ص) رَبَتْ فِي الْجَنَّةِ".
أي نشأت. و
فِي بَعْضِ النُّسَخِ" رُتَبٌ".
بتقديم المثناة على الموحدة، و كأن المراد: درجات في الجنة يعلو عليها كما كان يعلو على المنبر. و" رَبَوْتُ في بني فلان".
وَ فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع):" دِرْهَمُ رِباً أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ سَبْعِينَ زَنْيَةً بِذَاتِ مَحْرَمٍ فِي بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ".
و فيه من المبالغة في التحريم ما لا يخفى. و" رَبَّيْتُهُ تربية" غذيته، و هو لكل ما ينمي كالولد و الزرع.
وَ فِي الْخَبَرِ:" مَثَلِي وَ مَثَلُكُمْ كَرَجُلٍ ذَهَبَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ".
أي يحفظهم من عدوهم، و الاسم" الرَّبِيئَةُ" و هو العين الذي ينظر للقوم لئلا يدهمهم عدو، و لا يكون إلا على جبل أو شرف. و" الزنجبيل الْمُرَبَّى" معروف.
 (رثا)
" رَثَى له" أي رق له و رحمه، و" رَثَيْتُ له" ترحمت و ترفقت.
وَ فِي الْأَثَرِ" رَثَى النَّبِيُّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ".
و هو من" رَثَيْتُ الميت"- من باب رمى" مَرْثِيَّةً". و" رَثَوْتُهُ" أيضا إذا بكيته و عددت محاسنه، و كذلك إذا نظمت فيه شعرا. و في الدر:" التَّرَثِّي" هو أن يندب‏

175
مجمع البحرين1

رثا ص 175

الميت، فيقال:" وا فلاناه".
 (رجا)
قوله تعالى: وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها
 [69/ 17] أي جوانبها و نواحيها، واحدها" رجا" مقصور كسبب و أسباب، يعني أن السماء تتشقق و هي مسكن الملائكة فيفيضون إلى أطرافها و حافاتها. قوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً
 [71/ 13] أي لا تخافون عظمة الله، من" الرجاء" بمعنى الخوف قال الشاعر:
         لعمرك ما أرجو إذا مت مسلما             على أي جنب كان في الله مصرعي‏

قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ
 [33/ 51] يقال:" تُرْجِي‏
"- بهمز و غير همز- بمعنى تؤخر، و" تُؤْوِي"- بضم- يعني تترك مضاجعة من تشاء منهن و تطلق من تشاء و تمسك من تشاء، و لا تقسم لأيتهن شئت. و كان (ص) يقسم بين أزواجه فأبيح له ترك ذلك. قوله تعالى: أَرْجِهْ وَ أَخاهُ*
 [7/ 111] أي احبسه و أخر أمره و لا تعجل بقتله. قوله تعالى: وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏
 [9/ 106] أي مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد. قال الجوهري: و منه سميت" الْمُرْجِئَةُ" مثال المرجعة، يقال:" رجل مُرْجِئٌ" مثال مرجع، و النسبة إليه" مُرْجِئِيٌّ" مثال مرجعي، هذا إذا همزت فإذا لم تهمز قلت:" رجل مُرْجٍ" مثال معط، و" هم الْمُرْجِيَّةُ" بالتشديد. و في القاموس: [و إذا لم تهمز ف]" رجل مُرْجِيٌّ" بالتشديد، و إذا همزت ف" رجل مُرْجِئٌ" [كمرجع لا" مرج" كمعط]، و وهم الجوهري، و هم" الْمُرْجِئَةُ" بالهمز و" الْمُرْجِيَةُ" بالياء

176
مجمع البحرين1

رجا ص 176

مخففة. و قد اختلف في الْمُرْجِئَةِ فقيل: هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مُرْجِئَةً لاعتقادهم أن الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنهم. و عن ابن قتيبة أنه قال: هم الذين يقولون الإيمان قولا بلا عمل، لأنهم يقدمون القول و يؤخرون العمل. و قال بعض أهل المعرفة بالملل: إن الْمُرْجِئَةَ هم الفرقة الجبرية الذين يقولون: إن العبد لا فعل له، و إضافة الفعل إليه بمنزلة إضافته إلى المجازات، كجرى النهر و دارت الرحا، و إنما سميت المجبرة مُرْجِئَةً لأنهم يؤخرون أمر الله و يرتكبون الكبائر. و في المغرب- نقلا عنه-: سموا بذلك لِإِرْجَائِهِمْ حكم أهل الكبائر إلى يوم القيامة.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" مُرْجِئٌ يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَ لَمْ يَصُمْ وَ لَمْ يَغْتَسِلْ مِنْ جَنَابَةٍ وَ هَدَمَ الْكَعْبَةَ وَ نَكَحَ أُمَّهُ فَهُوَ عَلَى إِيمَانِ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ".
وَ فِي الْحَدِيثِ خِطَاباً لِلشِّيعَةِ:" أَنْتُمْ أَشَدُّ تَقْلِيداً أَمِ الْمُرْجِئَةُ".
قيل: أراد بهم ما عدا الشيعة من العامة، اختاروا من عند أنفسهم رجلا بعد رسول الله و جعلوه رئيسا، و لم يقولوا بعصمته عن الخطإ، و أوجبوا طاعته في كل ما يقول، و مع ذلك قلدوه في كل ما قال، و أنتم نصبتم رجلا- يعني عليا (ع)- و اعتقدتم عصمته عن الخطإ و مع ذلك خالفتموه في‏

177
مجمع البحرين1

رجا ص 176

كثير من الأمور، و سماهم مُرْجِئَةً لأنهم زعموا أن الله تعالى أخر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الأمة بعد النبي (ص).
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الْقُرْآنُ يُخَاصِمُ بِهِ الْمُرْجِئُ وَ الْقَدَرِيُّ وَ الزِّنْدِيقُ الَّذِي لَا يُؤْمِنُ بِهِ".
و فسر الْمُرْجِئُ بالأشعري، و الْقَدَرِيُّ بالمعتزلي.
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: ذَكَرْتُ الْمُرْجِئَةَ وَ الْقَدَرِيَّةَ وَ الْحَرُورِيَّةَ، فَقَالَ (ع):" لَعَنَ اللَّهُ تِلْكَ الْمِلَلَ الْكَافِرَةَ الْمُشْرِكَةَ الَّتِي لَا يَعْبُدُونَ اللَّهَ عَلَى شَيْ‏ءٍ".
وَ فِي حَدِيثِ الْمُشْتَبِهِ أَمْرُهُ:" فَأَرْجِهْ حَتَّى تَلْقَى إِمَامَكَ".
أي أخره و احبس أمره، من" الْإِرْجَاءِ" و هو التأخير. قال بعض الأفاضل من نقلة الحديث: في هذا الحديث و ما وافقه دلالة على وجوب التوقف عند تعادل الحديثين المتناقضين، و في بعض الأخبار التوسعة في التخيير من باب التسليم، و قد جمع بعض فقهائنا بين الكل بحمل التخيير على واقعة لا تعلق لها في حقوق الناس، كالوضوء و الصلوة و نحوها، و التوقف في واقعة لها تعلق بحقوقهم- انتهى، و هو جيد. و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" يَدَّعِي [بِزَعْمِهِ‏] أَنَّهُ يَرْجُو اللَّهَ، كَذَبَ وَ الْعَظِيمِ، مَا بَالُهُ لَا يَتَبَيَّنُ رَجَاؤُهُ فِي عَمَلِهِ".
و فيه ذم من يرجو الله بلا عمل، فهو كالمدعي للرجاء، و كل من رجا عرف رجاؤه في عمله. و
فِي الْحَدِيثِ:" أَرْجُو مَا بَيْنِي وَ مَا بَيْنَ اللَّهِ".
أي أتوقع. و" الرَّجَاءُ" من الأمل ممدود- قاله الجوهري. و منه‏
الْحَدِيثُ:" أَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَقْطَعُ الرَّجَاءَ".
و هي فسرها (ع) باليأس من روح الله، و القنوط من رحمة الله، و الثقة بغير الله، و التكذيب‏

178
مجمع البحرين1

رجا ص 176

بوعده.
وَ فِي حَدِيثِ خَيْمَةِ آدَمَ (ع) الَّتِي هَبَطَ بِهَا جَبْرَئِيلُ:" أَطْنَابُهَا مِنْ ظَفَائِرِ الْأُرْجُوَانِ".
هو بضم همز و جيم: اللون الأحمر شديد الحمرة، قيل: هو معرب، و قيل: الكلمة عربية و الألف و النون زائدتان. قال الجوهري: و يقال أيضا: شجر له نور أحمر أحسن ما يكون، و كل لون يشبهه فهو أُرْجُوَانِيٌّ- انتهى. و فيه نهى عن ميثرة الأرجوان، و ستذكر في بابها إن شاء الله تعالى.
 (رحا)
فِي الْحَدِيثِ:" أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ سَادَةُ الْمُرْسَلِينَ وَ النَّبِيِّينَ، عَلَيْهِمْ دَارَتِ الرَّحَى".
أي السماوات، أو هي مع الأرض. و
فِي الْخَبَرِ:" تَدُورُ رَحَى الْإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَ ثَلَاثِينَ".
دوران الرَّحَى قيل: هو كناية عن الحرب و القتال، شبهها بِالرَّحَى الدائرة التي تطحن الحب، لما يكون فيها من تلف الأرواح و هلاك الأنفس. و" دارت عليه رَحَى الموت" إذا نزل به. و
فِي وَصْفِ السَّحَابِ:" كَيْفَ تَرَوْنَ رَحَاهَا".
أي استدارتها، أو ما استدار منها. و عن ابن الأعرابي:" رَحَاهَا" وسطها و معظمها. و" الرَّحَى" القطعة من الأرض تستدير و ترفع ما حولها. و" الرَّحَى" معروفة مؤنثة مقصورة، و الأصل فيها- على ما قالوه رَحَيَ قلبت ألفا و حذفت لالتقاء الساكنين بين الألف و التنوين، و المنقلبة عن الياء تكتب بصورة الياء فرقا بينها و بين المنقلبة عن الواو، و تقول في تصريفها:" رحى رحيان"، و كل من مد قال:" رحاء و رحيان و أرحية" جعلها منقلبة عن‏

179
مجمع البحرين1

رحا ص 179

الواو. قال الجوهر- و لا أدري ما حجته-: و" أرحية الماء" من عمل الشياطين و كذا الحمامات و النورة.
 (رخا)
قوله تعالى: رُخاءً حَيْثُ أَصابَ‏
 [38/ 36] الرُّخَاءُ- بالضم-: الريح اللينة، أي رخوة لينة حيث أراد، يقال:" أصاب الله لك خيرا" أي أراد الله بك خيرا. نقل أن الريح كانت مطيعة لسليمان بن داود إذا أراد أن تعصف عصفت و إذا أراد أن تُرْخِيَ أَرْخَتْ، و هو معنى قول الله تعالى: رُخاءً حَيْثُ أَصابَ‏
. و
فِي الْحَدِيثِ:" اذْكُرِ اللَّهَ فِي الرَّخَاءِ يَذْكُرْكَ فِي الشِّدَّةِ".
و
فِيهِ:" الْمُؤْمِنُ شَكُورٌ عِنْدَ الرَّخَاءِ".
و أراد بالرخاء سعة العيش و لينه و يقابله الشدة، يقال:" زيد رَخِيُّ البال" أي في نعمة و خصب. و
مِنْهُ" رَاخِ الْإِخْوَانَ فِي اللَّهِ".
بالخاء المعجمة من" الْمُرَاخَاةِ" و هي ضد التشدد و
مِنْهُ:" لَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَإِنَّهُ أَرْخَى لِبَالِهَا وَ أَدْوَمُ لِحُسْنِهَا وَ جَمَالِهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ".
و" أَرْخَى الشي‏ء بين كتفيه" سدله و أرسله. و" أَرْخَيْتُ الستر و غيره" أرسلته. و" شي‏ء رِخْوٌ"- بكسر الراء و فتحها-: أي هش. و" فرس رِخْوَةٌ"- بالكسر- أي سهلة. و" رَخِيَ الشي‏ء" و" رَخُوَ" من باب تعب و قرب" رَخَاوَةً" بالفتح.

180
مجمع البحرين1

رخا ص 180

و" تَرَاخَى الأمر" امتد زمانه و" في الأمر تَرَاخٍ" أي فسحة
 (ردا)
قوله تعالى: رِدْءاً يُصَدِّقُنِي
 [28/ 34] أي معينا، يقال:" رَدَأْتُهُ على عدوه" أي أعنته عليه. و" الرِّدْءُ" العون، فعل بمعنى مفعول، كالدف‏ء لما يدفأ به. و قوله تعالى: أَرْداكُمْ‏
 [41/ 23] أهلككم. و قوله تعالى: لِيُرْدُوهُمْ‏
 [6/ 137] أي يهلكوكم بالإغواء، و كذلك قوله تعالى: تَرَدَّى‏
 [92/ 11] فإنه تفعل من" الردى" أي الهلاك، و يقال: سقط على رأسه من قولهم:" فلان تَرَدَّى من رأس الجبل" إذا سقط، و يقال:" تَرَدَّى"
 إذا مات فسقط في قبره، و قيل تَرَدَّى‏
 سقط في جهنم. و" الْمُتَرَدِّيَةُ" التي تردت و سقطت من جبل أو حائط أو بئر و ما يدرك ذكاته.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَ الْعَظَمَةُ إِزَارِي".
و المعنى على ما نقل عن بعض العارفين: أنهما صفتان لله اختص بهما، و ضرب الرداء و الإزار مثلا، أي لا يشركني في هاتين الصفتين مخلوق كما لا يشرك الإنسان فيما هو لابسه من الإزار و الرِّدَاءِ أحد، و ذلك من مجازات العرب و بديع استعاراتها، يكنون عن الصفة اللازمة بالثوب يقولون:" شعار فلان الزهد و لباسه التقوى"، و فيه تنبيه على أن الصفتين المذكورتين لا يدخلهما المجاز كما يدخل في ألفاظ بعض الصفات مثل الرحمة و الكرم، و مثله في التوجيه:" العز رِدَاءُ الله و الكبرياء إزاره". و" الرِّدَاءُ"- بالكسر-: ما يستر أعالي البدن فقط، و الجمع" أَرْدِيَةٌ" مثل سلاح و أسلحة، و إن شئت قلت:" الرِّدَاءُ" الثوب الذي يجعل على العاتقين و بين الكتفين فوق الثياب، و التثنية" رِدَاءَانِ" و إن شئت" رِدَاوَانِ"- قاله الجوهري و غيره. و" هو حسن الردية" بالكسر

181
مجمع البحرين1

ردا ص 181

كالجلسة.
وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" مَنْ أَرَادَ الْبَقَاءَ وَ لَا بَقَاءَ فَلْيُبَاكِرِ الْغَدَاءَ، وَ لْيُجَيِّدِ الْحِذَاءَ، وَ لْيُخَفِّفِ الرِّدَاءَ، وَ لْيُقِلَّ مُجَامَعَةَ النِّسَاءِ. قِيلَ: وَ مَا خِفَّةُ الرِّدَاءِ؟ قَالَ: قِلَّةُ الدَّيْنِ".
قيل: سمي رِدَاء لقولهم:" دينك في ذمتي و في عنقي و لازم في رقبتي" و هو موضع الرداء. و عن الفارسي: يجوز أن يقال: كنى بِالرِّدَاءِ عن الظهر لأن الرداء يقع عليه، فمعناه: فليخفف ظهره و لا يثقله بالدين. و" ارْتَدَى" و" تَرَدَّى" لبس الرداء.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ أَرْدِيَةَ الْغُزَاةِ لَسُيُوفُهُمْ".
سمي السيف رِدَاءً لأن من تقلده فكأنه قد تردى به.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَوَى الْمُرْدِي".
أي المهلك. و
فِيهِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُرْدِيَاتِ سَخَطِكَ".
أي ما يوجب الردى، أي الهلاك من سخطك. و
فِيهِ:" لَا تُرْدِنِي فِي هَلَكَةٍ".
أي لا توقعني في هلاك. و
فِيهِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنَ التَّرَدِّي".
أي من الوقوع في الهلاك.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ تُرْدِيهِ بُعْدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ".
أي توقعه في مهلكة. و
فِيهِ:" نَهَى عَنِ الشَّاةِ الْمُتَرَدِّيَةِ".
و ذلك لأنها ماتت من غير ذكاة.
وَ فِي حَدِيثِ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ (ص):" عَشَاءُ اللَّيْلِ لِعَيْنِكِ رَدِيٌّ".
أي ضار مضر. و رَدُؤَ الشي‏ء- بالهمز يَرْدُؤُ كحسن يحسن رَدَاءَةً- بالمد-: فسد. و" الرَّدِي‏ءُ"- على وزن فعيل-: الفاسد، و" رجل رَدِي‏ءٌ" أي وضيع خسيس. و" رَدِيَ" بالكسر" يَرْدَى" من باب تعب: هلك.

182
مجمع البحرين1

ردا ص 181

و" رَدَا يَرْدُو" من باب علا لغة. و" الْمُرْدِيُّ" خشبة تدفع بها السفينة تكون في يد الملاح، و الجمع" الْمَرَادِيُّ"- قاله الجوهري.
 (رزا)
فِي الْحَدِيثِ:" إِنِّي لَا أَرْزَأُ مِنْ فَيْئِكُمْ دِرْهَماً".
أي لا أنقص شيئا و لا درهما. و" رَزَأَتْهُ رَزِيئَةٌ" بفتح راء و كسر زاي فتحتية فهمزة، و قد يشدد التحتية بالإدغام: أصابته مصيبة، و كذا" الْمَرْزِئَةُ" بالفتح‏
وَ فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ صَبَرَ عَلَى الرَّزِيَّةِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ".
و
فِيهِ:" الْمُؤْمِنُ مُرَزَّأٌ".
براء فزاي مشددة، أي مفعول الرزية أي المصيبة و مصاب بالبلاء. و" الرُّزْءُ"- بالضم-: المصيبة بفقد الأعزة، و الجمع" أَرْزَاءٌ".
 (رسا)
قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها*
 [7/ 187] أي مثبتها، من" أَرْسَاهَا الله" أثبتها، أي متى الوقت التي تقوم فيه القيامة، و ليس من القيام على الرجل و إنما هو كقولك:" قام الحق" أي ظهر. قوله تعالى: وَ قُدُورٍ راسِياتٍ‏
 [34/ 13] يعني ثابتات في أماكنها لا تزول لعظمها، و يقال: أثافيها منها. قوله تعالى: وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ*
 [15/ 19] أي جبالا رَاسِيَةً، أي ثابتة. علل أرباب الهيئة ذلك أنها كرة حاصلة في الماء، و إنما الطالع منها ربعها المسكون، فلو كانت خفيفة لم تثبت على وضع واحد، لأن بعض أوضاعها ليس أولى من بعض، فجعلت الجبال عليها لتخرجها عن كونها خفيفة و تثبت و لا تضطرب.
وَ فِي حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ (ع):" بِكُمْ تَسْتَقِلُّ جِبَالُ الْأَرْضِ عَنْ مَرَاسِيهَا".
أي عن ما يمسكها. و" ألقت السحابة مَرَاسِيَهَا" أي دامت. و" رَسَوْتُ بين القوم" أصلحت. و" رَسَا الشي‏ء يَرْسُو رَسْواً" ثبت.

183
مجمع البحرين1

رسا ص 183

و" جبال رَاسِيَةٌ و رَاسِيَاتٌ و رَوَاسِي". و" رَسَتْ أقدامهم في الحرب" ثبتت.
 (رشا)
فِي الْحَدِيثِ:" لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) الرَّاشِيَ وَ الْمُرْتَشِيَ وَ الرَّائِشَ".
يعني المعطي للرشوة و الآخذ لها و الساعي بينهما يزيد لهذا و ينقص لهذا، و هو الرائش. و" الرِّشْوَةُ"- بالكسر-: ما يعطيه الشخص الحاكم و غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد، و الجمع" رِشَأٌ" مثل سدرة و سدر، و الضم لغة، و أصلها من" الرِّشَاءِ" الحبل الذي يتوصل به إلى الماء، و جمعه" أَرْشِيَةٌ" ككساء و أكسية، و قيل: من" رَشَا الفرخ" إذا مد عنقه إلى أمه لتزقه. و الرِّشْوَةُ قل ما تستعمل إلا فيما يتوصل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل. و" رَشَوْتُهُ رَشْواً"- من باب قتل-: أعطيته رِشْوَةً. و" ارْتَشَى" أخذ الرِّشْوَةَ. و" اسْتَرْشَى في حكمه" طلب عليه الرِّشْوَةَ. و" الرَّشَأُ"- مهموز-: ولد الظبية إذا تحرك و مشى و هو الغزال، و الجمع" أَرْشَاءٌ" كسبب و أسباب.
 (رضا)
قوله تعالى: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*
 [69/ 21] أي مَرْضِيَّةٍ.

184
مجمع البحرين1

رضا ص 184

قوله تعالى: وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏
 [21/ 28] أي ارتضاه الله لأن يشفع له. قوله تعالى: وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏
 [93/ 5] قال المفسر: اللام في وَ لَسَوْفَ لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، و المبتدأ محذوف، و التقدير:" و لأنت سوف يعطيك" و ليست بلام قسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد- انتهى. و
فِي الرِّوَايَةِ:" إِنَّ أَرْجَى آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةُ، لِأَنَّهُ لَا يَرْضَى بِدُخُولِ أَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ النَّارَ".
قوله تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ‏
 [5/ 16] الرِّضْوَانُ من الله ضد السخط، و قيل: هو المدح على الطاعة و الثناء، و" الرِّضَى" مثله، فَرِضَى الله ثوابه و سخطه عقابه من غير شي‏ء يتداخله فيهيجه من حال إلى حال، لأن ذلك من صفات المخلوقين‏

185
مجمع البحرين1

رضا ص 184

العاجزين المحتاجين. قوله تعالى: وَ لِيَرْضَوْهُ‏
 [6/ 113] أي لِيَرْضَوْا ما أوحي إليهم من القول وَ لِيَقْتَرِفُوا أي و ليكتسبوا من الإثم و المعاصي ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ‏
وَ فِي الْحَدِيثِ:" سُبْحَانَ اللَّهِ رِضَا نَفْسِهِ".
أي ما يقع منه سبحانه موقع الرِّضَا أو ما يَرْضَاهُ لنفسه.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" وَ خُذْ لِنَفْسِكَ رِضًا مِنْ نَفْسِي".
أي اجعل نفسي رَاضِيَةً بكل ما يرد عليها منك- هكذا نقل عن بعض العارفين. و
فِيهِ:" أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ".
قيل: قدم الرضا لأن المعافاة من العقوبة تحصل بالرضا، و إنما ذكرها ليدل عليها مطابقة، فكنى عنها أولا ثم صرح بها ثانيا، و لأن الرِّضَا قد يعاقب لمصلحة أو لاستيفاء حق الغير. و روي أنه بدأ بالمعافاة من العقوبة أولا ثم بِالرِّضَا ثانيا ليترقي من الأدنى إلى الأعلى، ثم لما ازداد يقينا قصر نظره على الذات فقال:" أعوذ بك منك" ثم لما ازداد قربا استحى من الاستعاذة على بساط القرب فالتجأ إلى الثناء فقال:" لا أحصي ثناء عليك" ثم علم قصوره فقال:" أنت كما أثنيت على نفسك".
وَ فِي حَدِيثِ الشِّيعَةِ مَعَ مُخَالِفِيهِمْ:" ارْضُوا مَا رَضِيَ اللَّهُ مِنْهُمْ مِنَ الضَّلَالِ".
أي أقروهم على ما أقرهم الله عليه، و ليس المراد حقيقة الرضا.
وَ فِي حَدِيثِ مَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مُنْتَهَى عِلْمِهِ:" لَا تَقُولَنَّ مُنْتَهَى عِلْمِهِ وَ قُلْ مُنْتَهَى رِضَاهُ".
وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" أَ مَا تَرْضَى‏

186
مجمع البحرين1

رضا ص 184

أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى".
أي في استخلافه على ذريته و أهله و قومه. و" رَضِيتُ بالشي‏ء رِضًى" اخترته، و" ارْتَضَيْتُهُ" مثله. و" رَضِيتُ عن زيد" و" رَضِيتُ عليه" لغة، و الاسم" الرِّضَاءُ" بالمد. و" رَضِيتُ بالله ربا" قنعت به و لا أطلب معه غيره.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ رَضِيَ بِالْقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَمَلِ، وَ مَنْ رَضِيَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْحَلَالِ خَفَّتْ مَئُونَتُهُ وَ تَنَعَّمَ أَهْلُهُ، وَ بَصَّرَهُ اللَّهُ دَاءَ الدُّنْيَا وَ دَوَاءَهَا، وَ أَخْرَجَهُ مِنْهَا سَالِماً إِلَى دَارِ السَّلَامِ".
و" الرَّاضِي" الذي لا يسخط بما قدر عليه، و لا يرضى لنفسه بالقليل من العمل. و" الرِّضَا" هو علي بن موسى ع‏
وَ إِنَّمَا لُقِّبَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ رِضَى اللَّهِ فِي سَمَائِهِ، وَ رِضَى الرَّسُولِ (ص) فِي أَرْضِهِ، وَ رِضًى لِلْأَئِمَّةِ (ع) مِنْ بَعْدِهِ، وَ رَضِيَ بِهِ الْمُخَالِفُونَ مِنْ أَعْدَائِهِ كَمَا رَضِيَ بِهِ الموافقون مِنْ أَوْلِيَائِهِ، وَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِأَحَدٍ مِنْ آبَائِهِ (ع). وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَ أَرْبَعِينَ وَ مِائَةٍ. وَ قُبِضَ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً- كَذَا فِي الْكَافِي. وَ فِي رِوَايَةٍ وَ قُبِضَ وَ هُوَ ابْنُ تِسْعٍ وَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَ أَشْهُرٍ.
و قول الفقهاء:" أشهد على رِضَاهَا" أي إذنها، جعلوا الإذن رِضًى لدلالته عليه.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الصَّلَاةُ رِضْوَانُ اللَّهِ".

187
مجمع البحرين1

رضا ص 184

أي سبب رضوانه، أو مبالغة كزيد عدل. و" الرِّضْوَانُ"- بكسر الراء و ضمها-: أعلى مراتب الرضا. و" بلغ بي رِضْوَانَكَ" أي أبلغني منتهى رضاك. و قوله:" حتى تَرْضَى و بعد الرِّضَا" قيل: هو كناية عن دخول الجنة، و يمكن أن يكون كناية عن كمال الحمد، أو إني لا أقطع شكري لك بعد حصول رضاك. و" رِضْوَانُ" خازن الجنان. و" رَضْوَى" جبل بالمدينة. و" الْمُرْتَضَى" لقب علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)، ذو المجدين علم الهدى، متوحد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، متقدم في علم الكلام و الفقه و أصول الفقه و الأدب و النحو و الشعر و اللغة، له ديوان شعر يزيد على عشرين ألف بيت. قال في مجامع الأصول- نقلا عنه عند ذكر السيد-: كانت للسيد نقابة الطالبيين ببغداد، و كان عالما فاضلا متكلما فقيها على مذاهب الشيعة و له تصانيف كثيرة- انتهى. توفي (ره) في شهر ربيع الأول سنة ستة و ثلاثين و أربعمائة، و كان مولده في رجب سنة خمس و خمسين و ثلاثمائة، و يوم توفي كان عمره ثمانين سنة و ثمانية أشهر و أياما، صلى عليه ابنه في داره و دفن فيها. ذكر أبو القاسم التنوخي. صاحب السيد- قال: لما مات السيد

188
مجمع البحرين1

رضا ص 184

حصرنا كتبه فوجدناها ثمانين ألف مجلد من مصنفاته و محفوظاته و مقرواته. و قال الثعالبي- نقلا عنه- في كتاب اليتيمة: إنها قومت بثلاثين ألف دينار بعد أن أخذ الوزراء و الرؤساء منها شيئا عظيما. و أما أخوه السيد الرضي فإنه توفي في المحرم من سنة أربع و أربعمائة، و حضر الوزير و جميع الأعيان و الأشراف و القضاة جنازته و الصلاة عليه، و دفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ، و مضى أخوه المرتضى (ره) من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر (ع)، لأنه لم يستطع أن ينظر إلى جنازته و دفنه، و صلى عليه فخر الملك أبو غالب.

189
مجمع البحرين1

رضا ص 184

و رَاضَيْتُهُ مُرَاضَاةً و رِضَاءً مثل وافقته موافقة و وفاقا وزنا و معنى و" شهادة أن لا إله إلا الله مَرْضَاةٌ للرحمن" أي محل رضاه.
 (رطو)
" الأرطى" شجر من شجر الرمل، و هو أفعل من وجه [و فعلى من وجه‏] لأنهم يقولون:" أديم مَأْرُوطٌ" إذا دبغ بورقه، و يقولون:" أديم مَرْطِيٌّ" و الواحدة" أَرْطَاةٌ". قال الجوهري: و لحوق تاء التأنيث له يدل على أن الألف ليست للتأنيث و إنما هي للإلحاق أو بني الاسم عليها.
 (رعا)
قوله تعالى: وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا
 [4/ 46] أي أَرِعْنَا سمعك، من" أَرْعَيْتُهُ سمعي" أي أصغيت إليه، و الياء ذهبت للأمر، و كان اليهود يذهبون بها إلى الرعونة، و هي الحمق، و قرئ راعناً بالتنوين على إعمال القول فيه، كأنه قال: لا تقولوا حقا و لا تقولوا هجرا، و هو من الرعونة. قوله تعالى: حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ
 [28/ 23] بالكسر و المد جمع راع الغنم من الرعي و هي حفظ العين، يقال:" رَعَيْتُ الرجل" إذا تأملته و حفظته و تعرفت أعماله، و منه راعُونَ*
 [23/ 8].
وَ فِي الْحَدِيثِ:" رُوَاةُ الْكِتَابِ كَثِيرٌ وَ رُعَاتُهُ قَلِيلٌ".
هو من" الرِّعَايَةِ" و هي الْمُرَاعَاةُ و الملاحظة. و
فِيهِ:" الْعُلَمَاءُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُ الرِّعَايَةِ".
أي رعاية الحق و امتثال ما علموه من العلم، فإنه حزن عليهم لعدم حصول الغاية منه. فالعالم منهم كالراقم على الماء، بل ربما كان وبالا عليه، و منه قيل: ويل‏

190
مجمع البحرين1

رعا ص 190

للعالم من علمه. و" رِعَايَةُ الحق" حفظه و النظر فيه و" رَعَاكَ الله" حفظك و وقاك‏
وَ فِي الْحَدِيثِ:" لَيْسَا مِنْ رُعَاةِ الدِّينِ فِي شَيْ‏ءٍ".
هو من" الرُّعُاةِ" بالضم جمع" راع" بمعنى الولي، كقاض و قضاة، يعني من ولاته و حفظته. و قيل:" رِعَاءٌ" بالكسر و المد و" رُعْيَان" كزعفان، و فيه إشعار بأن العالم الحقيقي وال على الدين و قيم عليه. و" الرَّاعِي" الوالي، و" الرَّعِيَّةُ" من عداه، و منه يقال:" ليس المَرْعِيُّ كَالرَّاعِي".
وَ قَوْلُهُ:" لَا يُعْطَى مِنَ الْغَنَائِمِ شَيْ‏ءٌ إِلَّا رَاعٍ".
قيل: هو عين القوم على العدو.
وَ" اسْتَرْعَاكُمْ أَمْرَ خَلْقِهِ".
في حديث الأئمة (ع) أي جعلكم ولاة على خلقه و جعلهم رعية لكم تحكم بهم بما أمرتم. و" المَرْعَى" ما ترعاه الدواب، و الجمع" الْمَرَاعِي". و" رَعَتِ الماشية رَعْياً فهي رَاعِيَةٌ" إذا سرحت بنفسها. و" رَعَيْتُهَا أَرْعَاهَا" تستعمل لازما و متعديا، و الفاعل" رَاعٍ" كقاض. و" رَعَيْتُ النجوم" رغبتها. و" رَاعَيْتُ الأمر" نظرت في عاقبته. و" رَاعَيْتُهُ" لاحظته. و" أَرْعَيْتُ عليه" إذا أبقيت عليه و رحمته. و" رَعَا يَرْعُو" أي كف عن الأمر. و" قد ارْعَوَى عن القبيح" ارتدع، و الاسم" الرُّعْيَا"، بالضم، و" الرَّعْوَى" بالفتح. و" يَرْعَوِي عنه" يكف. و
مِنْهُ:" شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ لَا يَرْعَوِي إِلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهُ".
أي لا ينكف و لا ينزجر و
فِي الْحَدِيثِ:" ثَلَاثَةٌ مَنْ كُنَّ فِيه‏

191
مجمع البحرين1

رعا ص 190

فَلَا يُرْجَى خَيْرُهُ" وَ عَدَّ مِنْهُنَّ مَنْ لَمْ يَرْعَوِ عِنْدَ الشَّيْبِ.
أي من لم ينكف و يندم. و" الِارْعِوَاءُ" الندم على الشي‏ء و تركه.
 (رغا)
فِي الْحَدِيثِ:" رَغْوَةُ السِّدْرِ".
و المراد زبده الذي يعلوه عند ضربه في الماء، من" الرَّغْوَةِ" بفتح الراء و ضمها و حكي الكسر: زبد يعلو الشي‏ء عند غليانه، و جمع المفتوح" رَغَوَاتٌ" مثل شهوة و شهوات، و جمع المضموم" رُغىً" مثل مدية و مدى. و" الرُّغَاءُ" كغراب صوت ذوات الخف. و" قد رَغَا البعير يَرْغُو رُغَاءً" ضج، و" رَغَتِ الناقة" صوتت، فهي رَاغِيَةٌ.
 (رفا)
فِي الْحَدِيثِ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنِ الْإِرَفاءِ".
و هي كما جاءت به الرواية: كثرة التدهن. و" الرِّفَاءُ" ككتاب: الالتئام و الإنفاق و البركة و النماء، و منه‏
حَدِيثُ خَدِيجَةَ عِنْدَ مَا وَصَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) حَيْثُ قَالَتْ:" بِالرِّفَاءِ يَا رَسُولَ اللَّهِ" وَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ" بِالْوَفَاءِ".
و معناه واضح. و
فِي الْخَبَرِ نَهَى أَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ:" بِالرِّفَاءِ وَ الْبَنِينَ".
قيل: و إنما نهى عنه كراهية لأنه كان من عادات الجاهلية يَرْفَئُونَ بعض المتزوجين، و ربما كان في قولهم:" و البنين" تنفير عن البنات، و كان ذلك الباعث على وأدهم المفضي إلى انقطاع النسل، فلذلك نهوا عن ذلك و بدلوا سنة إسلامية. و يقال:" بين القوم رِفَاءٌ" أي التحام و اتفاق. و" رَفَوْتُ الثوب رَفْواً" من باب قتل، و" رَفَيْتُ رَفْياً" من باب رمى‏

192
مجمع البحرين1

رفا ص 192

لغة: أصلحت ما وهى منه، و يقال:" رَفَأْتُ الثوب أَرْفُؤُهُ رَفْأً" بالهمز. و" رَفَوْتُ الرجل" سكنته من الرعب.
 (رقا)
قوله تعالى: وَ قِيلَ مَنْ راقٍ‏
 [75/ 27] أي صاحب رقية، أي هل طبيب يَرْقِي، و قيل: معنى مَنْ راقٍ‏
 من يَرْقَى بروحه ملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب.
وَ فِي الْحَدِيثِ سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: وَ قِيلَ مَنْ راقٍ وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ‏
 قَالَ:" ذَلِكَ ابْنُ آدَمَ إِذَا حَلَّ بِهِ الْمَوْتُ قَالَ: هَلْ مِنْ طَبِيبٍ؟ وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ أَيْقَنَ بِمُفَارَقَةِ الْأَحِبَّةِ وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ الْتَفَّتِ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ، إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ‏
 قَالَ: الْمَصِيرُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ".
قوله تعالى: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ‏
 [38/ 10] أي في معارج السماء و طرقها التي يتوصل بها إلى العرش و يدبر بها أمر العالم. قوله تعالى: تَرْقى‏ فِي السَّماءِ
 [17/ 93] أي معارج السماء فحذف المضاف. قوله تعالى: وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ‏
 [17/ 93] أي لأجل رقيك، و الكل بمعنى الصعود. و
فِي الْحَدِيثِ:" يُقَالُ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَ ارْقَ".
أي ارق درجات الجنان. و
" بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ يَا مُحَمَّدُ".
أي أعوذك. و" الرُّقْيَةُ"- كمدية-: العوذة التي يُرْقَى بها صاحب الآفة، كالحمى و الصرع و غير ذلك من الآفات.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" اللَّهُمَّ هَبْ لِي رُقَيَّةَ مِنْ ضَمَّةِ الْقَبْرِ".
و" رَقَيْتُهُ"- من باب رمى-: عوذته بالله، و الاسم" الرُّقْيَا" على فعلى.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" رَقَى النَّبِيُّ (ص)

193
مجمع البحرين1

رقا ص 193

حَسَناً وَ حُسَيْناً بِكَذَا".
و" رُقَيَّةُ" بنت رسول الله (ص) قيل: تزوجها عثمان، و قيل إنها ربيبته و هو الأصح. و" رَقِيتُ في السلم" من باب تعب" رَقْياً و رُقِيّاً" على فعول: صعدت، و" ارْتَقَيْتُ" مثله. و" رَقَيْتُ السطح و الجبل" علوته. و" رَقَّى إليّ" رفع. و" المَرْقَاةُ" بالفتح: الدرجة، فمن كسرها شبهها بالآلة التي يعمل بها. و" المُرْتَقَى" موضع الرُّقِيِّ كالمرقاة.
رقأ
و" رَقَأَ الدمع و الدم" من باب نفع" رُقُوءاً"- على فعول-: انقطع بعد جريانه، و" الرُّقُوءُ" على فعول اسم منه. و" ما لا يَرْقَأُ من الدم" ما لا ينقطع منه. و
فِي الْخَبَرِ:" لَا تَسُبُّوا الْإِبِلَ فَإِنَّهَا رَقُوءُ الدَّمِ".
على فعول بالفتح، أي إنها تعطى في الديات فيحقن بها الدماء.
 (ركا)
في الحديث تكرر ذكر" الرَّكْوَةُ" بالفتح، و هي دلو صغير من جلد، و كثيرا ما يستصحبه الصوفية، و الجمع رِكَاءٌ" مثل كلب و كلاب، و قال في المصباح: و يجوز" رَكَوَاتٌ" مثل شهوة و شهوات. و" الرُّكْوَةُ" بالضم: زق يتخذ للخمر

194
مجمع البحرين1

ركا ص 194

و الخل- قاله في القاموس. و" الرَّكْوُ المخمر" أي المغطى قد يفسر بِالرَّكْوَةِ المعروفة. و" المَرْكُوُّ" أيضا: الحوض الكبير. و" الرَّكِيَّةُ" بالفتح و تشديد الياء: البئر، و الجمع" رَكَايَا" كعطية و عطايا. و في الصحاح: و جمعها" رَكِيٌّ" و" رَكَايَا". و منه‏
الْحَدِيثُ:" إِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي الرَّكِيِّ كُرّاً لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْ‏ءٌ".
 (رما)
قوله تعالى: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏
 [8/ 17]
قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ جَبْرَئِيلَ قَالَ لِلنَّبِيِّ (ص) يَوْمَ بَدْرٍ: خُذْ قَبْضَةً مِنْ حَصَى الْوَادِي، فَنَاوَلَهُ كَفّاً مِنْ حَصْبَاءَ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَرَمَى بِهِ فِي وُجُوهِ الْقَوْمِ وَ قَالَ شَاهَتِ الْوُجُوهُ، فَلَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ إِلَّا دَخَلَ فِي عَيْنِهِ وَ فَمِهِ وَ مَنْخِرِهِ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ، ثُمَّ رَدَفَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَقْتُلُونَهُمْ وَ يَأْسِرُونَهُمْ، وَ كَانَتْ تِلْكَ الرَّمْيَةُ سَبَبَ هَزِيمَةِ الْقَوْمِ.
و في الحديث: ذكر الرِّمَايَة- بالكسر- و هي عقد شرعي لفائدة التمرن على مباشرة النصال و الاستعداد لممارسة القتال. و فيه:" الرَّمْيَةُ" و هي بالفتح فعيلة بمعنى مفعول، و هي الصيد المرمي من ذكر كان أو أنثى، و الجمع" رَمِيَّاتٌ" و" رَمَايَا" كعطية و عطيات و عطايا.
وَ فِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ:" يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ".
و مجيئها بالهاء لصيرورتها في عداد الأسماء. يريد أن دخولهم في الدين ثم خروجهم منه و لم يتمسكوا بشي‏ء منه كسهم دخل في صيد

195
مجمع البحرين1

رما ص 195

ثم خرج و لم يعلق به منه شي‏ء من الدم و الفرث لسرعة نفوذه. و
فِيهِ:" لَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ مَرْمًى".
أي مقصد ترمى إليه الآمال و يوجه نحوه الرجاء، تشبيها بالهدف التي ترمى إليه السهام.
وَ فِي الْخَبَرِ:" لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ دُعِيَ إِلَى مِرْمَاتَيْنِ لَأَجَابَ وَ هُوَ لَا يُجِيبُ لِلصَّلَاةِ".
المِرْمَاةُ بكسر الميم و ضمها: ظلف الشاة، و قيل ما بين ظلفيها، و قيل بالكسر: السهم الصغير، و هو أرذل السهام، أي لو دعي أن يعطى سهمين لأسرع الإجابة. و قيل: هي لعبة كانوا يلعبون بها بنصال محدودة يرمونها في كوم التراب فأيهم أثبتها في الكومة غلب. و" رَمَيْتُ الشي‏ء من يدي" ألقيته. و" رَمَيْتُ السهم و تَرَامَيْتُ و رَامَيْتُ" إذا رميت به عن القسي. و" رَمَيْتُ على الخمسين" زدت. و" طعنه فَأَرْمَاهُ عن فرسه" أي ألقاه عنها. و" تَرَامَى به الأمر إلى كذا" أي رمته الأقدار إليه. و" رَمَانِي القوم بأبصارهم" أي نظروا إلي نظر الزجر. و" إِرْمِيَا" هو الذي بعثه الله إلى بيت المقدس، فكفروا به، فسلط الله عليهم بخت نصر فخرج إلى مصر ثم رجع إلى بيت المقدس.
 (رنا)
" رَنَا إليه يَرْنُو رُنُوّاً" من باب علا: أدام النظر، و يقال:" رجل رَنَّاءٌ" للذي يديم النظر إلى السماء. و" جاء يَرْنَأُ في مشيته" يتثاقل. و" الرُّنَاءُ" بالضم و المد: الصوت- قاله الجوهري.
 (روا)
يوم التَّرْوِيَةِ هو يوم الثامن من ذي الحجة، سمي بذلك لأنهم كانوا يَرْتَوُونَ من الماء لما بَعْد- قاله الجوهري.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" لَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَة

196
مجمع البحرين1

روا ص 196

قَالَ جَبْرَئِيلُ لِإِبْرَاهِيمَ (ع) تَرَوَّ مِنَ الْمَاءِ".
فسميت التروية. و" ارْتَأَى" فكر، و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" فطفقت أَرْتَئِي".
أي فجعلت أفكر في أمري.
وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" مَنْ عَمِلَ بِالرَّأْيِ وَ الْمَقَايِيسِ قَدِ ارْتَوَى مِنْ آجِنٍ".
هو افتعل من" روي من الماء ريا"، و" الآجِن" الماء المتغير، و هذا عندهم من المجاز المرشَّح، و قد شبّه علمه بالماء الآجِن لأنه لا ينتفع به. قال في المغرب- نقلا عنه-: و مثله‏
" قَدِ ارْتَوَى مِنْ آجِنٍ وَ اكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ" وَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ" وَ أَكْثَرَ".
و المعنى واضح. و" الرّيُّ" بالراء المهملة و الياء المشددة: اسم قعب كان للنبي (ص). و" الرَّيُّ" بالفتح: اسم بلد من بلاد العجم، و النسبة إليه" رَازِيٌّ" بالزاي على غير القياس- قاله في المصباح و غيره. و" الرِّيُّ"- بالكسر من" رَوِيَ من الماء يَرْوَى رَيّاً" و الجمع في المذكر و المؤنث" رِوَاءٌ" مثل كتاب و منه‏
حَدِيثُ الِاسْتِسْقَاءِ:" رَيّاً يَغُصُّ بِالرِّيِّ رَبَابُهُ".
و رباب النبت. و" الرَّيَّانُ" أحد رواة الحديث.

197
مجمع البحرين1

روا ص 196

و" الرَّيَّانُ" ضد العطشان، و" المرأة رَيَّا". و" رَوَّأْتُ في الأمر تَرْوِئَةً" إذا نظرت فيه و لم تعجل بجواب، و الاسم" الرَّوِيّةُ" جرت في كلامهم غير مهموزة. و" الرَّوِيَّةُ" الحاجة. و" الرَّوِيَّةُ" البقية من الدين. و" الرِّوَاءُ" بالكسر و المد: حبل يشد به المتاع على البعير. و رَوِيتُ من الماء- بالكسر- أَرْوَى رَيّاً و رِيّاً- أيضا و رَوِيَ- وزان رضي- و ارْتَوَيْتُ و تَرَوَّيْتُ كله بمعنى. و" عين رَيَّةٌ" كثيرة الماء. و" ماء رَوَاءٌ" بالفتح و المد، أي عذب، و إذا كسرت الراء قصرته و كتبته بالياء. و" رجل رَاوِيَةٌ للشعر" للمبالغة. و" الرَّوِيُّ" حروف القافية. و" الرَّوِيُّ" أيضا سحابة عظيمة القطر شديدة الوقع و الرَّوَايَا من الإبل: الحوامل للماء جمع" رَاوِيَةٍ" فشبهها بها، و منه سميت" المزادة" رَاوِيَةً و قيل بالعكس.
وَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ:" فَإِذَا هُوَ بِرَوَايَا

198
مجمع البحرين1

روا ص 196

قُرَيْشٍ".
أي إبلهم للماء. و في المصباح:" رَوَى البعير الماء" من باب رمى: حمله، فهو رَوِايَةٌ، ثم أطلقت على كل دابة يستقى الماء عليها، و منه قيل:" رَوَيْتُ الحديث رِوَايَةً" و" رويته الحديث تروية" حملته على روايته. و" الرِّوَايَةُ" في الاصطلاح العلمي: الخبر المنتهي بطريق النقل من ناقل إلى ناقل حتى ينتهي إلى المنقول عنه من النبي أو الإمام، على مراتبه من المتواتر و المستفيض، و خبر الواحد على مراتبه أيضا.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الْجُهَّالُ يَحْزُنُهُمْ تَرْكُ الرِّوَايَةِ".
أي ترك رواية العلم، إذ لا عذر للجاهل عن التعلم. و" الرَّايَةُ" العلم الكبير و اللواء دون ذلك، و الرَّايَةُ هي التي يتولاها صاحب الحرب و يقاتل عليها و إليها تميل المقاتلة، و اللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار. و في الحديث ذكر الرَّايَةِ، و هي القلادة التي توضع في عنق الغلام الآبق ليعلم أنه أبق. و منه‏
قَوْلُهُ (ع) وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَتَخَوَّفُ إِبَاقَ مَمْلُوكِهِ أَوْ يَكُونُ الْمَمْلُوكُ قَدْ أَبَقَ، قَالَ:" يُقَيِّدُهُ أَوْ يَجْعَلُ فِي رَقَبَتِهِ رَايَةً".
و منه يعلم أن‏
قَوْلَهُ:" أَوْ يَجْعَلُ فِي رَقَبَتِهِ دَابَّةً".
بالدال المهملة و الباء الموحدة تصحيف و إن تكثرت نسخه. و" ابن أَرْوَى" عثمان بن عفان، و" أَرْوَى" أمه.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" كَانَ النَّبِيُّ (ص) يُكَرِّمُ فِي الْأَذَانِ أَوْ يُكَرِّرُ وَ أَوَّلُ مَنْ حَذَفَه‏

199
مجمع البحرين1

روا ص 196

ابْنِ أَرْوَى".
 (رها)
قوله تعالى: وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً
 [44/ 24] أي ساكنا كهيئته، و قيل: منفرجا، و قيل: واسعا، و قيل: دمثا، و هو السهل الذي ليس برمل، و قيل: طريقا يابسا. ف رَهْواً
 حال من البحر، أي دعه كذا. و من كلام الجوهري:" رَهَا بين رجليه يَرْهُو رَهْواً" فتح، و منه قوله تعالى: وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً
 قال: و" الرَّهْوُ" السير السهل، و" الرَّهْوَةُ" المكان المرتفع و المنخفض أيضا يجتمع فيه الماء، و الجمع" رَهَوَاتٌ" بالتحريك. و" الرَّهْوُ" ضرب من الطير يقال له:" الكركي". و" رُهَاءً" بالضم: حي من مذحج، و النسبة إليهم" رُهَاوِيُّ".
باب ما أوله الزاي‏
 (زآ)
" تَزَأْزَأْتُ من الرجل تَزَأْزُؤاً شديدا" إذا تصاغرت له و خفت منه- قاله الجوهري.

200
مجمع البحرين1

زبا ص 201

 (زبا)
" الزُّبْيَةُ" مثل مدية: حفرة تحفر للأسد و الصيد يغطى رأسها بما يسترها ليقع فيها، و إنما تحفر في مكان عال لئلا يبلغ السيل، و الجمع" زُبىً" مثل مدى، و منه المثل" قد بلغ السيل الزُّبَى".
وَ فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ:" قَضَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي أَرْبَعَةِ نَفَرٍ اطَّلَعُوا فِي زُبْيَةِ الْأَسَدِ فَخَرَّ أَحَدُهُمْ فَاسْتَمْسَكَ بِالثَّانِي فَاسْتَمْسَكَ الثَّانِي بِالثَّالِثِ وَ اسْتَمْسَكَ الثَّالِثُ بِالرَّابِعِ، فَقَضَى بِالْأَوَّلِ فَرِيسَةَ الْأَسَدِ وَ غَرَّمَ أَهْلَهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ لِأَهْلِ الثَّانِي، وَ غَرَّمَ الثَّانِيَ لِأَهْلِ الثَّالِثِ ثُلُثَيِ الدِّيَةِ، وَ غَرَّمَ الثَّالِثَ لِأَهْلِ الرَّابِعِ الدِّيَةَ كَامِلَةً.
و به عمل أكثر فقهائنا، و يتوجه عليه أنه مخالف للأصول و وجه بتوجيهين: (أحدهما) أن الأول لم يقتله أحد و الثاني قتله الأول و قتل هو الثالث و الرابع، فسقطت الدية أثلاثا فاستحق كل واحد منهم بحسب ما جني عليه، فالثاني قتله واحد و هو قتل اثنين فلذلك استحق الثلث، و الثالث قتله اثنان و قتل هو واحدا فاستحق لذلك ثلثين، و الرابع قتله ثلاثة فاستحق الدية كاملة. (الثاني) أن دية الرابع إنما هي على الثلاثة بالسوية لاشتراكهم جميعا في سببية قتله، و إنما نسبها إلى الثالث لأن الثاني استحق على الأول ثلث الدية فيضيف إليه ثلثا آخر

201
مجمع البحرين1

زبا ص 201

و يدفعه إلى الثالث فيضيف إلى ذلك ثلثا آخر و يدفعه إلى الرابع. و ردهما بعض المحققين بأن الأول تعليل بموضع النزاع إذ لا يلزم من قتله لغيره سقوط شي‏ء من ديته عن قاتله، و بأن الثاني مع مخالفته للظاهر لا يتم في الأخيرين لاستلزام كون دية الثالث على الأولين و دية الثاني على الأول إذ لا مدخل لقتله بعده في إسقاط حقه- كما مر. قال: إلا أن يفرض كون الواقع عليه سببا في افتراس الأسد له فيقرب إلا أنه خلاف الظاهر- انتهى. و هو كما قال.
وَ رُوِيَ أَنَّ عَلِيّاً (ع) قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ وَ لِلثَّانِي بِالثُّلُثِ، وَ لِلثَّالِثِ بِالنِّصْفِ وَ لِلرَّابِعِ بِالدِّيَةِ تَمَاماً.
و وجهت بكون البئر حفرت عدوانا و الافتراس مستند إلى الازدحام المانع من التخلص، فالأول مات بسبب الوقوع في البئر و وقوع الثلاثة فوقه إلا أنه بسببه و هو ثلاثة أرباع السبب فيبقى الربع على الحافر، و الثاني مات بسبب جذب الأول و هو ثلث السبب و وقوع الباقين فوقه و هو ثلثاه و وقوعهما عليه من فعله فيبقى له نصف، و الرابع موته بسبب جذب الثالث فله كمال الدية. و يرد عليه- مع ما فيه من التكلف- أن الجناية إما عمد أو شبهه و كلاهما يمنع تعلق العاقلة به، على أن في الرواية" فازدحم الناس عليها ينظرون إلى الأسد" و ذلك ينافي ضمان حافر البئر. هذا، و قد ذهب بعض علمائنا إلى ضمان كل واحد دية من أمسكه أجمع، لاستقلاله بإتلافه. و للبحث فيه مجال.
 (زجا)
قوله تعالى: وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ
 [12/ 88] أي يسيرة قليلة، من قولك:" فلان يُزْجِي العيش" أي يقتنع بالقليل و يكتفي به. قوله تعالى: يُزْجِي سَحاباً
 [24/ 43] أي يسوق.

202
مجمع البحرين1

زجا ص 202

قوله تعالى: يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ‏
 [17/ 66] أي يسير لكم الفلك و يجريه في البحر.
 (زرا)
قوله تعالى: تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ‏
 من" ازْدَرَاهُ" و" ازْدَرَى به" إذا احتقره. و" الِازْدِرَاءُ" افتعال من" زَرَى عليه" إذا عاب عليه فعله، و المعنى: استرذلتموهم لفقرهم.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ".
أي لا تحتقروها، من" الِازْدِرَاءِ" الاحتقار و العيب، يقال:" ازْدَرَيْتُهُ" إذا عبته و احتقرته، و أصل" ازْدَرَيْتُ" ازتريت فهو افتعلت قلبت التاء دالا لأجل الزاي. و" زَرَى عليه زَرْياً" من باب رمى و" زِرَايَةً" بالكسر: عابه و استهزأ به.
 (زكا)
قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها
 [91/ 9] الضمير للنفس، و" التَّزْكِيَةُ" التطهير من الأخلاق الذميمة الناشئة من شر البطن و الكلام و الغضب و الحسد و البخل و حب الجاه و حب الدنيا و الكبر و العجب، و لكل هذه المذكورات علاج في المطولات. و في الغريب: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها
 أي ظفر من طهر نفسه بالعمل الصالح. قوله تعالى: ما زَكى‏ مِنْكُمْ‏
 [24/ 21] أي ما طهر. قوله تعالى: وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ
 [19/ 31] أي الطهارة، و قيل: زكاة الرءوس لأن كل الناس ليس لهم أموال و إنما الفطرة على الفقير و الغني و الصغير و الكبير. قوله تعالى: وَ تُزَكِّيهِمْ بِها
 [9/ 103] أي تطهرهم بها. قوله تعالى: أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً
 [18/ 74] أي طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها، و قرى‏ء زَكِيَّةً و زاكية فالزاكية: نفس لم تذنب قط، و الزكية: أذنبت ثم غفر لها. قوله تعالى: ذلِكُمْ أَزْكى‏ لَكُمْ وَ أَطْهَر

203
مجمع البحرين1

زكا ص 203

 [2/ 232] أي أنمى لكم و أعظم بركة، و إلا لكان تأكيدا و التأسيس خير منه. قوله تعالى: يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏
 [4/ 49] أي يمدحونها و يزعمون أنهم أزكياء، يقال:" زكى نفسه" أي مدحها و أثنى عليها. قوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ‏
 [53/ 32] أي لا تعظموها و لا تمدحوها بما ليس لها فإني أعلم بها.
وَ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى‏
؟ قَالَ:" هُوَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ: صَلَّيْتُ الْبَارِحَةَ وَ صُمْتُ أَمْسِ وَ نَحْوَ هَذَا" ثُمَّ قَالَ (ع):" إِنَّ قَوْماً كَانُوا يُصْبِحُونَ فَيَقُولُونَ: صَلَّيْنَا الْبَارِحَةَ وَ صُمْنَا أَمْسِ فَقَالَ عَلِيٌّ (ع): لَكِنِّي أَنَامُ اللَّيْلَ وَ النَّهَارَ وَ لَوْ أَجِدُ شَيْئاً بَيْنَهُمَا لَنِمْتُهُ".
قوله تعالى: وَ ما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى‏
 [80/ 7] أي أن لا يسلم فيتطهر من الشرك. قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى. وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏
 [87/ 14- 15] قيل: تَزَكَّى‏
 أي أدى زَكَاةَ الفطرة فَصَلَّى صلاة العيد، و به جاءت الرواية عنهم- ع. قوله تعالى: أَزْكى‏ طَعاما

204
مجمع البحرين1

زكا ص 203

 [18/ 19] أي أطيب و أحل. قوله تعالى: غُلاماً زَكِيًّا
 [19/ 19] أي طاهرا من الذنوب، و قيل: تاما في أفعال الخير. و قد تكرر ذكر" الزَّكَاةِ" في الكتاب و السنة، و هي إما مصدر" زَكَا" إذا نمى لأنها تستجلب البركة في المال و تنميه و تفيد النفس فضيلة الكرم، و إما مصدر" زَكَا" إذا طهر لأنها تطهر المال من الخبث و النفس البخيلة من البخل. و في الشرع: صدقة مقدرة بأصل الشرع ابتداء ثبت في المال أو في الذمة للطهارة لهما، فَزَكَاةُ المال طهر للمال و زَكَاةُ الفطرة طهر للأبدان.

205
مجمع البحرين1

زكا ص 203

قوله تعالى: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً
 [18/ 81] أي إسلاما، و قيل صلاحا وَ أَقْرَبَ رُحْماً أي رحمة لوالديه.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" أَبْدَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى ابْنَةً فَوُلِدَ مِنْهَا سَبْعُونَ نَبِيّاً".
و" زَكَّى عمله" أي طهره و وقره. و" زَكَا الزرع يَزْكُو" من باب قعد" زَكَاءً" بالمد: إذا نما. و" صلاة زَاكِيَةٌ" تامة مباركة. و
" زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا".
أي طهارتها من النجاسة كالبول، بأن يجف و يذهب أثره و" زَكَاةُ الوضوء أن تقول كذا" أي بركته و فضله. و" هذا الأمر لا يَزْكُو بفلان" أي لا يليق به. و" النفس الزَّكِيَّةُ" محمد بن عبد الله بن الحسن، و سيأتي ذكره. و" الزَّكِيُّ" عند الإطلاق هو الحسن بن علي (ع).
 (زنا)
قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏
 [17/ 32] هو بالقصر و المد: وطء المرأة حراما من دون عقد، و عند فقهائنا هو إيلاج فرج البالغ العاقل في فرج امرأة

206
مجمع البحرين1

زنا ص 206

محرمة من غير عقد و لا ملك و لا شبهة قدر الحشفة عالما مختارا. و" الزَّانِي" فاعل الزنا، و الجمع" الزُّنَاةُ" كالقضاة. و
فِي الْحَدِيثِ:" لَا يَزْنِي الزَّانِي [حِينَ يَزْنِي‏] وَ هُوَ مُؤْمِنٌ".
و في معناه وجوه: أحدها- أن يحمل على نفي الفضيلة عنه حيث اتصف منها بما لا يشبه أوصاف المؤمنين و لا يليق بهم. و ثانيها- أن يقال: لفظه خبر و معناه نهي، و
قَدْ رُوِيَ" لَا يَزْنِ".
على صيغة النهي بحذف الياء. الثالث- أن يقال: و هو مؤمن من عذاب الله، أي ذو أمن من عذابه. الرابع- أن يقال: و هو مصدق بما جاء فيه من النهي و الوعيد. الخامس- أن يصرف إلى المستحل. و فيه توجيه آخر هو أنه وعيد يقصد به الردع، كما في‏
قَوْلِهِ:" لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ".
و
" الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ يَدِهِ وَ لِسَانِهِ".
و قيل في معناه أيضا: هو أن الهوى ليطفي الإيمان، فصاحب الهوى لا يرى إلا هواه و لا ينظر إيمانه الناهي له عن ارتكاب الفاحشة، فكأن الإيمان في تلك الحالة قد انعدم، و فيه وجه آخر و هو الحمل على المقاربة و المشارفة، بمعنى أن الزَّانِيَ حال حصوله في حالة مقاربة لحال الكفر مشارفة له، فأطلق عليه الاسم مجازا.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" إِذَا زَنَا الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا أَقْلَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ".
و لعل المراد روح الإيمان و كماله و نوره و لم يرد الحقيقة، و يجيى‏ء إن شاء الله تعالى مزيد كلام في هذا المقام في" روح".

207
مجمع البحرين1

زنا ص 206

وَ فِي الْخَبَرِ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَ هُوَ زَنَاءٌ.
- بالفتح و المد كجبان- أي حاقن بوله، و" الزَّنَاءُ" في الأصل الضيق ثم استعير للحاقن لأنه يضيق ببوله.
وَ فِي الْخَبَرِ:" لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ زَانِئٍ".
و هو الحاقن أيضا.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" دِرْهَمٌ فِي رِباً أَشَدُّ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ سَبْعِينَ زَنْيَةً".
- بالفتح- و هو المرة من الزِّنَا، و أجاز البعض الكسر. و" الزَّنْيَةُ" بالفتح و الكسر: آخر ولد الرجل. و يقال للولد من الزنا:" و هو لِزَنْيَةٍ"، و قيل: الفتح في الزَّنْيَةِ و الرشدة أفصح، و ولد الرشدة ما كان عن نكاح صحيح.
 (زوا)
فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ الْمَسْجِدَ لَيَنْزَوِي مِنَ النُّخَامَةِ كَمَا تَنْزَوِي الْجِلْدَةُ مِنَ النَّارِ".
أي ينضم و ينقبض، و قيل: المراد أهل المسجد و هم الملائكة.
وَ فِي حَدِيثِ الْمُؤْمِنِ:" وَ إِنِّي لَأَبْتَلِيهِ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ وَ أَزْوِي عَنْهُ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ".
أي أضم و أقبض. و مثله:
" مَا زَوَى اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا خَيْرٌ مِمَّا عَجَّلَ لَهُ فِيهَا".
أي ضم و قبض، أو ما نحى من الخير و الفضل، و تصديق ذلك‏
أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ إِنَّ أَهْلَ الدُّنْيَا تَنَافَسُوا فِي دُنْيَاهُمْ فَنَكَحُوا النِّسَاءَ وَ لَبِسُوا الثِّيَابَ اللَّيِّنَةَ وَ أَكَلُوا الطَّعَامَ وَ سَكَنُوا الدُّورَ وَ رَكِبُوا الْمَشْهُورَ مِنَ الدَّوَابِّ فَأَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُمْ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: وَ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْكُمْ مِثْلُ مَا أَعْطَيْتُ أَهْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا إِلَى أَنِ انْقَضَتْ سَبْعُونَ ضِعْفاً.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" اللَّهُمَّ مَا زَوَيْتَ عَنِّي مَا أُحِبُّ اجْعَلْهُ فَرَاغاً لِي فِيمَا تُحِبُّ".
يعني اجعل ما نحيته عني من محابي عونا على شغلي بمحابك، و ذلك لأن الفراغ خلاف الشغل، فإذا زوى عنه الدنيا ليتفرغ‏

208
مجمع البحرين1

زوا ص 208

بمحاب ربه كان ذلك الفراغ عونا على الاشتغال بطاعة الله تعالى.
وَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص):" إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَ مَغَارِبَهَا".
أي جعلها لي، من" زَوَيْتُهُ أَزْوِيهِ زَوْياً" يريد تقريب البعيد منها حتى يطلع عليه اطلاعه على القريب منها. و مثله‏
" أَعْطَانِي رَبِّي اثْنَتَيْنِ وَ زَوَى عَنِّي وَاحِدَةً".
أي ضم و قبض.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" وَ ازْوِ لَنَا الْبَعِيدَ".
أي اجمعه و اطوه.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزْوِيَ الْإِمَامَةَ عَنِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَعْدِهِ".
أي يقبضها عنه. و" زَوَيْتُهُ أَزْوِيهِ" أخفيته. و" زَوَيْتُ المال عن صاحبه" مثله. و" زَاوِيَةُ البيت" اسم فاعل من ذلك، لأنها جمعت قطرا منه، و الجمع" زَوَايَا".
وَ فِي الْحَدِيثِ:" صَلِّ فِي زَوَايَا الْبَيْتِ".
يريد الكعبة المشرفة، و بالصلاة فيها صلاة النافلة دون المكتوبة، لورود النهي عن ذلك. و" الزِّيُّ" بالكسر: الهيئة، و أصله" زَوَيَ". و منه قولهم:" زِيُّ المسلم مخالف لِزِيِّ الكافر". قال في المصباح: و قولهم:" زَيَّيْتُهُ بكذا" إذا جعلت له زِيّاً، و القياس" زَوَيْتُهُ" لأنه من بنات الواو و لكنهم حملوه على لفظ" الزي" تخفيفا- انتهى. و" الزاي" حرف يمد و يقصر و لا يكتب إلا بياء بعد الألف- قاله الجوهري.
 (زها)
في الحديث نهى عن بيع الثمار حتى تَزْهُوَ أي تصفر أو تحمر كما فسرته الرواية.

209
مجمع البحرين1

زها ص 209

قال بعضهم:" زَهَا النخل يَزْهُو" ظهرت ثمرته، و" أَزْهَى يُزْهِي" احمر و اصفر، و منهم من أنكر" يَزْهُو" و منهم من أنكر" يُزْهِي". و في الصحاح:" زَهَا النخل زَهْواً" و" أَزْهَى" أيضا لغة حكاه أبو زيد و لم يعرفها الأصمعي، قال: و" الزَّهْوُ" البسر الملون، و أهل الحجاز يقولون:" الزُّهْوُ" بالضم- انتهى. و عن بعضهم: إنما يسمى" زَهْواً" إذا أخلص لون البسر في الحمرة و الصفرة. و" الزَّهْوُ" الكبر و الفخر، و منه‏
حَدِيثُ الشِّيعَةِ:" لَوْ لَا يَدْخُلُ النَّاسَ زَهْوٌ لَسَلَّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ قُبُلًا".
أي فخر و كبر و استعظام. و مثله:
" لَوْ لَا أَنْ يَتَعَاظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلَهُمْ زَهْوٌ لَسَلَّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ قُبُلًا".
و" الزَّهْوُ" الباطل و الكذب. و" الزَّهْوُ" المنظر الحسن. و" زُهَاءُ" في العدد وزان غراب، يقال:" لهم زُهَاءُ ألف" أي قدر ألف، كأنه من زَهَوْتُ القوم إذا حزرتهم. قال بعض الأفاضل: إذا قلت: أوصيت له أو له علي زُهَاءَ ألف فمعناه مقدار الألف وفاقا لأهل اللغة و بعض النحاة. و قال بعض الفقهاء: إنه أكثر الشي‏ء حتى يستحق في مثالنا خمسمائة و حبة، و لا شاهد له. و" تَزْهُو مناكبهم" تهتز من قولهم:" زَهَتِ الريح الشجر" إذا هزته.

210
مجمع البحرين1

باب ما أوله السين ص 211

باب ما أوله السين‏
السين المفردة
و هي حرف يختص بالمضارع و تخليصه للاستقبال و ينزل منه منزلة الجزء و لهذا لم يعمل فيه مع اختصاصه به، و ليس مقتطعا من سوف خلافا للكوفيين، و لا مدة الاستقبال معه أضيق منها مع سوف خلافا للبصريين، و زعم بعضهم أنها للاستمرار لا للاستقبال و استدل عليها بقوله تعالى: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ، سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال. قال ابن هشام: هذا الذي قاله لا يعرفه النحويون، ثم حكى عن الزمخشري أنه قال: فإن قلت: أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت: فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد و العلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع- انتهى. و تسمى هذه السِّينُ حرف توسع، و ذلك لأنها تقلب المضارع من الزمن الضيق و هو الحال إلى الزمن الموسع و هو الاستقبال.
 (سبا)
قوله تعالى: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ‏
 [34/ 15]
قَالَ (ع):" إِنَّ بَحْراً كَانَ مِنَ الْيَمَنِ وَ كَانَ سُلَيْمَانُ أَمَرَ جُنُودَهُ أَنْ يُجْرُوا لَهُمْ خَلِيجاً مِنَ الْبَحْرِ الْعَذْبِ إِلَى بِلَادِ الْهِنْدِ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَ عَقَدُوا لَهُ عُقْدَةً عَظِيمَةً مِنَ الصَّخْرِ [وَ الْكِلْسِ‏] حَتَّى يُفِيضَ عَلَى بِلَادِهِمْ وَ جَعَلُوا لِلْخَلِيج‏

211
مجمع البحرين1

سبا ص 211

مَجَارِيَ فَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا أَنْ يُرْسِلُوا مِنْهُ الْمَاءَ أَرْسَلُوهُ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ مِنْ مَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فِيهَا ثَمَرٌ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا الشَّمْسُ مِنِ الْتِفَافِهَا، فَلَمَّا عَمِلُوا بِالْمَعَاصِي وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ نَهَاهُمُ الصَّالِحُونَ فَلَمْ يَنْتَهُوا بَعَثَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ السَّدِّ الْجُرَذَ- وَ هِيَ الْفَأْرَةُ الْكَبِيرَةُ- فَكَانَتْ تَقْتَلِعُ الصَّخْرَةَ الَّتِي لَا يَسْتَقِلُّهَا الرِّجَالُ وَ تَرْمِي بِهَا، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْهُمْ هَرَبُوا وَ تَرَكُوا الْبِلَادَ، فَمَا زَالَ الْجُرَذُ يَقْلَعُ الْحَجَرَ حَتَّى خَرَّبُوا ذَلِكَ السَّدَّ، فَلَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى غَشِيَهُمُ السَّيْلُ وَ خَرَّبَ بِلَادَهُمْ وَ قَلَعَ أَشْجَارَهُمْ، وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ أَيِ الْعَظِيمِ الشَّدِيدِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ- الْآيَةَ.
و قرئ" سَبَأً" بالهمز منونا و غير منون على منع الصرف، و" سَبَا" بالألف، فمن جعله اسما للقبيلة لم يصرفه و من جعله اسما للحي أو للأب الأكبر صرفه. و" سَبَأٌ" أبو عرب اليمن كلها، و هو سَبَأُ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، ثم سميت مدينة مأرب المسماة بمازن سَبَأ، و هي قرب اليمن بينها و بين صنعاء مسيرة ثلاث ليال. و يقال: إن سَبَأَ مدينة بلقيس باليمن، و هي ملكة سَبَإٍ. و قولهم:" ذهبوا أيدي سَبَا" و" أيادي سَبَا" مثل متفرقين، و هما اسمان جعلا واحدا كمعديكرب. و سَبَأُ" قبيلة من أولاد سَبَإِ بن يشجب المتقدم ذكره، و هذه القبيلة كانت بمازن و قصتهم في تفرقهم مشهورة

212
مجمع البحرين1

سبا ص 211

يضرب فيها المثل.
وَ فِي وَصْفِهِ (ع):" لَمْ يَسْتَحِلَّ السِّبَاءَ".
هو بالكسر و المد: الخمر. و" السِّبَاءُ" أيضا- و القصر لغة- الاسم من" سَبَيْتُ العدو سَبْياً" من باب رمى: أسرته. و" السَّبْيُ" ما يُسْبَى، و هو أخذ الناس عبيدا و إماء. و" السَّبِيَّةُ" المرأة المنهوبة، و الجمع" سَبَايَا" كعطية و عطايا. و" سَبَاهُ الله سَبْياً" إذا غربه و أبعده.
وَ فِي الْخَبَرِ:" تِسْعَهُ أَعْشَارِ الْبَرَكَةِ فِي التِّجَارَةِ وَ عُشْرٌ فِي السَّابِيَاءِ".
و فسر بالنتاج.
 (سجا)
قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏
 [93/ 2] أي إذا سكن و استوت ظلمته، و منه: بحر سَاجٍ.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" لَا يُوَارِيكَ لَيْلٌ سَاجٍ".
أي لا يستر عنك، و" سَاجٍ" اسم فاعل من سَجَيَ بمعنى ركد و استقر، و المراد ليل راكد ظلامه مستقر قد بلغ غايته.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" إِذَا مَاتَ لِأَحَدِكُمْ مَيِّتٌ فَسَجُّوهُ".
أي غطوه" تجاه القبلة" أي تلقاها. يقال:" سَجَّيْتُ الميت" بالتثقيل إذا غطيته بثوب و نحوه، و تَسْجِيَةً الميت: تغطيته. و في وصف الريح مع الماء" ترد أوله على آخره و سَاجِيهِ على مائره" أي ساكنه على متحركه. و" السَّجِيَّةُ" كعطية: الغريزة و الطبيعة التي جبل عليها الإنسان.
وَ فِي وَصْفِهِ (ع):" خُلُقُهُ سَجِيَّةٌ".
أي طبيعة من غير تكلف.
وَ مِثْلُهُ فِي وَصْفِهِمْ (ع):" سَجِيَّتُكُم‏

213
مجمع البحرين1

سجا ص 213

الْكَرَمُ".
 (سحا)
فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ:" فَخَرَجُوا فِي مَسَاحِيِّهِمْ".
و هي جمع مِسْحَاةٍ من السحو: الكشف و الإزالة. قال الجوهري:" المِسْحَاةُ" كالمجرفة إلا أنها من حديد.
وَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُوسَى لِأَخِيهِ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (ع):" مَا أَعْرَفَنِي بِلِسَانِكَ وَ لَيْسَ لِمِسْحَاتِكَ عِنْدِي طِينٌ".
هو مثل أو خارج مخرجه لكل من لم يسمع كلام غيره و لم يصغ لنصيحته. و" التَّمْسِيحُ" القول الحسن ممن يخدعك به- قاله في القاموس. و" السِّحَاءُ" بالكسر و المد: شجرة صغيرة مثل الكف لها شوك و زهرة حمراء في بياض، تسمى زهرتها" البهرمة" إذا أكلته النحل طاب عسلها و حلا. و" السَّحَا" الخفاش، الواحدة" سَحَاةٌ" مفتوحتان مقصورتان- قاله الجوهري. و" سَحَيْتُهُ أسْحَاهُ" إذا قشرته.
 (سخا)
فِي الْحَدِيثِ:" مِمَّا سَخَى بِنَفْسِي كَذَا".
أي مما أرضاني كذا. و" السَّخَاءُ" بالمد: الجود و الكرم قال في المصباح: و في الفعل ثلاث لغات:

214
مجمع البحرين1

سخا ص 214

سَخَا و سَخَتْ نفسه من باب علا، و الثانية سَخِيَ يَسْخَى من باب تعب، و الثالثة سَخُوَ يَسْخُو من باب قرب سَخَاوَةً فهو سَخِيٌّ- انتهى.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" السَّخَاءُ مَا كَانَ ابْتِدَاءً وَ أَمَّا مَا كَانَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَحَيَاءٌ وَ تَذَمُّمٌ".
قال بعض الشارحين:" السَّخَاءُ" ملكة بذل المال لمستحقه بقدر ما ينبغي ابتداء، و" التذمم" الاستنكاف مما يقع من السائل. و
فِيهِ:" الْمُسَخِيَةُ رِيحٌ يَبْعَثُهَا اللَّهُ إِلَى الْمُؤْمِنِ تُسَخِّي نَفْسَهُ عَنِ الدُّنْيَا حَتَّى يَخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى".
كأنه من سَخَوْتُ نفسي عن الشي‏ء: تركته. و" سَخُوَ الرجل" صار سَخِيّاً. و" فلان يَتَسَخَّى على أصحابه" أي يتكلف السَّخَاءَ. و" السَّخْوَاءُ" الأرض السهلة الواسعة، و الجمع" السَّخَاوِي" مثل الصحاري- قاله الجوهري.
 (سدا)
قوله تعالى: أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً‏
 [75/ 36] أي مهملا غير مكلف لا يحاسب و لا يعذب و لا يسأل عن شي‏ء. و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" وَ لَمْ يَتْرُكْ جَوَارِحَكَ سُدًى".
وَ فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ أَسْدَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفاً فَكَافِئُوهُ".
أي من أعطاكم معروفا فكافئوه. قال في النهاية: أَسْدَى و أولى و أعطى بمعنى- انتهى. و" السَّدَى" من الثوب كحصى، و" السَّتَا" لغة فيه: خلاف اللحمة، و هو مما يمد طويلا في النسج، و" السَّدَاةُ" مثله، و هما" سَدَيَانِ" و الجمع" أَسْدِيَةٌ". و" السَّادِي" السادس، وقع الإبدال من السين.

215
مجمع البحرين1

سرا ص 216

 (سرا)
قوله تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ*
 [11/ 81] أي سر بهم ليلا، يقال:" سَرَى بهم ليلا" و" أَسْرَى". قوله تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏
 [17/ 1] المعنى على ما
قِيلَ: أَنَّهُ أَسْرَى بِهِ فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمْلَةِ اللَّيَالِي مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ مَسِيرَةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَ قَدْ عُرِجَ إِلَى السَّمَاءِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَ بَلَغَ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ وَ بَلَغَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى.
و قيل: الإِسْرَاءُ إلى السماوات في المنام لا بجسده، و الحق الأول كما عليه الجمهور، و أحاديث البراق مشهورة. قوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
 [89/ 4] قيل: المعنى إذا يمضي و سار و ذهب. قوله تعالى: تَحْتَكِ سَرِيًّا
 [19/ 24] قيل السَّرِيُّ الشريف الرفيع، يعني عيسى (ع). و منه‏
قَوْلُهُ (ع):" يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ السَّرِيِّ أَنْ يَحْمِلَ الشَّيْ‏ءَ الدَّنِي‏ءَ".
و جمعه" سَرَاةٌ" بالفتح على غير القياس. و قيل: سَرِيًّا
 أي نهرا تشربين منه و تطهرين فيه. و منه‏
قَوْلُهُ (ص):" مَثَلُ الصَّلَاةِ فِيكُمْ كَمَثَلِ السَّرِيِّ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَ اللَّيْلَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ خَمْسَ مَرَّاتٍ".
و
فِي الْحَدِيثِ:" فَبَعَثَ سُرِّيَّةً".
هي بفتح سين، فعيلة بمعنى فاعلة: القطعة من الجيش من خمس أنفس إلى ثلاثمائة و أربعمائة، توجه مقدم الجيش إلى العدو، و الجمع" سَرَايَا" و" سَرَايَاتٌ" مثل عطية و عطايا و عطايات. قيل: سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر و خيارهم، أو من الشي‏ء السَّرِيِّ: النفيس. و قيل: سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا و خفية. قال في النهاية: و ليس بالوجه لأن لام‏

216
مجمع البحرين1

سرا ص 216

" السر" راء و هذه ياء. و منه‏
الدُّعَاءُ:" اللَّهُمَّ انْصُرْ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ وَ سَرَايَاهُمْ وَ مُرَابِطِيهِمْ".
و" سَرَيْنَا سَرْيَةً واحدة" الاسم" السُّرْيَةُ" بالضم، و" السِّرَايَةُ سُرَى" الليل و هو مصدر. و" سَرَيْتُ الليل" و" سَرَيْتُ فيه سَرْياً" إذا قطعته بالسير. و" أَسْرَيْتُ" لغة حجازية، و يستعملان متعديان بالباء إلى مفعول فيقال:" سَرَيْتُ بزيد"، و" سَرَيْنَا سرية من الليل". و" سُرْيَة" و الجمع" سُرًى" مثل مُدْيَة و مُدًى. و عن أبي زيد:" السُّرَى" أول الليل و وسطه و آخره، و قد استعملت العرب سَرَى في المعاني تشبيها لها بالأجسام مجازا، قال تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ
. و" سَرَى فيه السم" إذا تعدى أثره إليه. و" سَرَى عليه الهم" إذا أتاه ليلا. و" سَرَى همه" ذهب. و" سَرَى الجرح إلى النفس" دام ألمه حتى حدث منه الموت. و" سَرَى العتق" بمعنى التعدية. و" اللغة السُّرْيَانِيَّةُ" لغة القس و الجاثليق.
وَ فِي الْخَبَرِ:" لَيْسَ لِلنِّسَاءِ سَرَوَاتُ الطَّرِيقِ".
أي ظهر الطريق و وسطه، و لكنهن يمشين في الجوانب. و" السَّرْوُ" شجر معروف، الواحدة" السروة".
 (سطا)
قوله تعالى: يَكادُونَ يَسْطُونَ‏
 [22/ 72] أي يتداولونهم بالمكروه و يبطشون بهم من شدة الغيظ.
وَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص) مَعَ قُرَيْشٍ:" أَمَا لَيَسْطُنَّ بِكُمْ سَطْوَةً يَتَحَدَّثُ بِهَا أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ".
يقال:" سَطَا عليه و به يَسْطُو سَطْواً و سَطْوَةً" قهره و أذله،

217
مجمع البحرين1

سطا ص 217

و هو البطش بشدة، و الجمع" سطوات".
وَ فِي الْخَبَرِ:" لَا بَأْسَ أَنْ يَسْطُوَ الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ تَجِدِ امْرَأَةً تُعَالِجُهَا وَ خِيفَ عَلَيْهَا".
يعني إذا نشب ولدها في بطنها ميتا فله مع عدم القابلة أن يدخل يده و يستخرج الولد.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ سَطَوَاتِ اللَّيْلِ".
يعني الأخذ بالمعاصي.
 (سعا)
قوله تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏
 [53/ 39] أي إلا ما عمل. قال المفسر: و أما ما جاء في الأخبار من الصدقة عن الميت و الحج عنه و الصلاة فإن ذلك و إن كان سعي غيره فكأنه سعي نفسه، لكونه قائما مقامه و تابعا له، فهو بحكم الشريعة كالوكيل النائب عنه. قوله تعالى: فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ‏
 [62/ 9] أي بادروا بالنية و الجد، و لم يرد العدو و الإسراع في المشي، و السعي يكون عدوا و مشيا و قصدا و عملا، و يكون تصرفا بالصلاح و الفساد. و الأصل فيه المشي السريع لكنه يستعمل لما ذكر و للأخذ في الأمر. قوله تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ‏
 [57/ 12] قال الشيخ أبو علي (ره): يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ‏
 لأنهم أوتوا صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين، فجعل النور في الجهتين شعارا لهم و آية لسعادتهم و فلاحهم، فإذا ذهب بهم إلى الجنة و مروا على الصراط يَسْعَوْنَ سَعْيَ ذلك النور لِسَعْيِهِمْ، و يقول لهم الذين يتلقونهم: بُشْراكُمُ الْيَوْمَ- الآية. قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ‏
 [37/ 102] أي الحد الذي يقدر فيه على السعي، و كان إذ ذاك ابن ثلاثة عشر سنة.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ" سُئِلَ الصَّادِقُ (ع) عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ:" لَوْ أَنَّ جَيْشاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَاصَرُوا قَوْماً مِنَ الْمُشْرِكِين‏

218
مجمع البحرين1

سعا ص 218

فَأَشْرَفَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ: أَعْطُونِي الْأَمَانَ حَتَّى أَلْقَى صَاحِبَكُمْ وَ أُنَاظِرَهُ، فَأَعْطَاهُ أَدْنَاهُمُ الْأَمَانَ وَجَبَ عَلَى أَفْضَلِهِمُ الْوَفَاءُ بِهِ".
و" سَعَى به إلى الوالي" وشى به. و كل من ولي شيئا على قوم فهو ساع عليهم. قيل: و أكثر ما يقال ذلك في ولاة الصدقة و هم السعاة، يقال:" سَعَى الرجل على الصدقة يَسْعَى سَعْياً" عمل في أخذها من أربابها. و" سَعَى إلى الصلاة" ذهب إليها على أي وجه كان. و" اسْتَسْعَيْتُهُ في قيمته" طلبت منه، و الفاعل" سَاعٍ". و
فِيهِ:" إِذَا عُتِقَ الْعَبْدُ اسْتُسْعِيَ" وَ هُوَ أَنْ يَسْعَى فِي فَكَاكِ مَا بَقِيَ مِنْ رِقِّهِ.
و" السِّعَايَةُ" بكسر السين: العمل، و منه سُعَاةُ الصدقات.
وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) فِي الدُّنْيَا:" مَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ".
أي سابقها، و هي مفاعلة من السعي. و من أمثال العرب:" رب سَاعٍ لقاعد" قيل: أول من قال ذلك نابغة الذبياني و من قصته أنه وفد إلى النعمان‏

219
مجمع البحرين1

سعا ص 218

بن المنذر وفد من العرب فيهم رجل من عبس فمات عنده، فلما حبا النعمان الوفد بعث إلى أهل الميت بمثل حباء الوفود، فبلغ النابغة ذلك فقال:" رب سَاعٍ لقاعد".
(سفا)
فِي حَدِيثِ أَصْحَابِ الْفِيلِ:" جَاءَهُمْ طَيْرٌ سَافٌّ مِنْ قِبَلِ الْبَحْرِ رُءُوسُهَا كَأَمْثَالِ رُءُوسِ السِّبَاعِ".
أي مسرع، من" سَفَا يَسْفُو" أسرع في المشي و في الطيران. و" السَّافِي" كالرامي: الريح التي تَسْفِي التراب و تذروه، و السَّافِيَاتُ مثله. يقال:" سَفَتِ الريح التراب" بالتخفيف" تَسْفِيهِ سَفْياً" إذا ذرته، و منه‏
" قَبْرٌ سَفَى عَلَيْهِ السَّافِي".
وَ فِي الْحَدِيثِ:" لَمْ يُوضَعِ التَّقْصِيرُ عَلَى الْبَغْلَةِ السَّفْوَاءِ وَ الدَّابَّةِ النَّاجِيَةِ".
أراد بِالسَّفْوَاءِ الخفيفة السريعة، و بالدابة الناجية مثله.
 (سقا)
قوله تعالى: ناقَةَ اللَّهِ وَ سُقْياها
 [91/ 13] أي شربها، و نصب ناقَةَ بفعل مقدر. قوله تعالى: وَ إِذِ اسْتَسْقى‏ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ‏
 [2/ 60] أي دعا لهم بِالسُّقْيَا. قوله تعالى: جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ‏
 [12/ 70] السِّقَايَةُ- بالكسر-: مشربة يُسْقَى بها و هو الصواع، قيل: كان يُسْقَى بها الملك ثم جعلت صواعا يكال به، و كانت من فضة مموهة بالذهب، و قيل: كانت من ذهب مرصع بالجواهر. و" السِّقَايَةُ" موضع يتخذ لِسَقْيِ الناس. و منه قوله تعالى: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِ‏
 [9/ 19] أي أهل سقاية

220
مجمع البحرين1

سقا ص 220

الحاج وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ- الآية.
وَ فِي الْحَدِيثِ: نَزَلَتْ حِينَ افْتَخَرُوا بِالسِّقَايَةِ يَعْنِي زَمْزَمَ وَ الْحِجَابَةِ.
رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) قَالَ:" نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ (ع) وَ الْعَبَّاسِ وَ شَيْبَةَ، قَالَ الْعَبَّاسُ: أَنَا أَفْضَلُ لِأَنَّ سِقَايَةَ الْحَاجِّ بِيَدِي، وَ قَالَ شَيْبَةُ أَنَا أَفْضَلُ لِأَنَّ حِجَابَةَ الْبَيْتِ بِيَدِي، وَ قَالَ عَلِيٌّ (ع): أَنَا أَفْضَلُ فَإِنِّي آمَنْتُ قَبْلَكُمَا ثُمَّ هَاجَرْتُ وَ جَاهَدْتُ، فَرَضُوا بِرَسُولِ اللَّهِ (ص) فَنَزَلَتِ الْآيَةُ".
و" السُّقْيَا" بالضم: موضع يقرب من المدينة، و قيل: هي على يومين منها. و" السُّقْيَا" بالضم الاسم من سَقَاهُ الغيث و أَسْقَاهُ.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ".
أي اسْقِنَا غيثا فيه نفع بلا ضرر و لا تخريب.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ".
أي يطلبون السَّقْيَ فلا يُسْقَوْنَ، بضم المثناة فسكون المهملة. و" الاسْتِسْقَاءُ" استفعال و هو طلب السُّقْيَا، و منه صلاة الِاسْتِسْقَاءِ. و" سَقَيْتُ الزرع سَقْياً فأنا سَاقٍ و هو مَسْقِيٌّ" على مفعول. و" الْمُسَاقَاةُ" مفاعلة من السَّقْيِ، و شرعا معاملة على الأصول بحصة من ثمرتها. و" السِّقَاءُ" ككتاب: جلد السخلة إذا جذع يكون للماء و اللبن، و الجمع أَسْقِيَةٌ و أَسَاقِيُّ. و منه‏
الْحَدِيثُ:" سَافِرْ بِسِقَائِكَ".
وَ فِي حَدِيثَ الْجَمَلِ:" كَرِشُهُ سِقَاؤُهُ".

221
مجمع البحرين1

سقا ص 220

و مثله‏
فِي النَّاقَةِ الضَّالَّةِ:" مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَ حِذَاؤُهَا".
أراد بِالسِّقَاءِ ما يحويه كرشها من الماء و الحذاء ما وطئ عليه البعير من خفه، أي يؤمن عليها من الظماء و الحفاء، لأنها تقوى على السير الدائم و الظماء المجهد.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" أَتَى رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ سُقِيَ بَطْنُهُ".
و اسْتَسْقَى بطنه: حصل فيه الماء الأصفر و لا يكاد يبرأ.
 (سلا)
قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى‏
 [2/ 57] قيل: هو طائر يشبه السماني لا واحد له، و الفراء يقول:" سمانات"- نقلا عنه.
وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَ قَدْ سُئِلَ عَنِ السَّلْوَى فَقَالَ: هِيَ الْمُرَعَةُ.
- بضم الميم و فتح الراء و سكونها- طائر أبيض حسن اللون طويل الرجلين بقدر السماني يقع في المطر من السماء. و قال الشيخ أبو علي (ره) في المن و السَّلْوَى: كان ينزل عليهم الترنجبين مثل الثلج و يبعث الله إليهم الحبوب فتحشر عليهم السَّلْوَى- و هي السماني- فيذبح الرجل منها ما يكفيه و ذلك في التيه. و في المصباح" السَّلْوَى" طائر نحو الحمامة و هو أطول ساقا و عنقا، قاله الأخفش- انتهى. و" السَّلْوَى" العسل- قاله الجوهري و أنشد عليه:
ألذ من السَّلْوَى إذا ما نشورها


و" السَّلَا" كحصى: الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي تنزع من وجه الفصيل ساعة يولد و إلا قتلته، و الجمع" أَسْلَاءٌ" مثل سبب و أسباب. و قال بعضهم: هو في الماشية" السَّلَا" و في الناس" المشيمة" تخرج بعد الولد و لا يكون الولد فيها يخرج.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ الْمُشْرِكِينَ جَاءُوا بِسَلَا جَزُورٍ وَ طَرَحُوهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص)".
وَ فِي آخَرَ:" بَيْنَا النَّبِيُّ (ص) جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ جُدَدٌ فَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ سَلَا نَاقَةٍ فَمَلَئُوا بِهَا ثِيَابَهُ".
و السِّلَاءُ" ككساء من سَلَأْتُ السمن‏

222
مجمع البحرين1

سلا ص 222

من باب نفع و اسْتَلَأْتُهُ، و ذلك إذا طبخ و عولج حتى خلص. و" السُّلَّاءُ" بالضم مهموز مشدد: النخل، الواحد" سُلَاءَةُ". و" سَلَوْتُ عنه سَلْواً" من باب قعد: صبرت عنه، و" السَّلْوَةُ" اسم منه. و" سَلِيتُ أَسْلَى" من باب تعب" سَلْياً" لغة. و في القاموس:" سَلَاهُ" كدعاه و رضيه، سَلْواً و سُلْوَاناً و سُلِيّاً: نسيه.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى عَلَى عِبَادِهِ السَّلْوَةَ بَعْدَ الْمُصِيبَةِ وَ لَوْ لَا ذَلِكَ لَانْقَطَعَ النَّسْلُ".
و" سَلَانِي من همي" كشفه عني. و" هو في سَلْوَةٍ من العيش" أي في نعمة و رفاهية و رغد.
 (سما)
قوله تعالى: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها
 [2/ 31] قيل: أي أَسْمَاءَ الْمُسَمَّيَاتِ كلها فحذف المضاف إليه لكونه معلوما مدلولا عليه بذكر الأسماء، لأن الِاسْمَ لا بد له من مُسَمَّى، و عوض منه اللام. قال الشيخ أبو علي (ره): و ليس التقدير و علم آدم مسميات الأسماء فيكون حذفا للمضاف، لأن التعليم تعلق بالأسماء لا الْمُسَمَّيَاتِ، لقوله: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ
 و معنى تعليمه الْأَسْمَاءَ الْمُسَمَّيَاتُ أنه أراه الأجناس التي خلقها، و علمه هذا اسْمُهُ فرس و هذا اسْمُهُ كذا، و علمه أحوالها و ما يتعلق فيها من المنافع الدينية و الدنيوية. قوله تعالى: وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها
 [7/ 180] قيل: هي: الله، الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، الخالق، البارئ، المصور- إلى تمام ثلاثمائة و ستين اسما. و قال الشيخ أبو علي (ره): وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏
 التي هي أحسن الْأَسْمَاءِ لأنها تتضمن معاني حسنة، بعضها يرجع إلى صفات ذاته كالعالم و القادر و الحي و الإله، و بعضها يرجع إلى صفات فعله كالخالق و الرازق و البارى‏ء و المصور،

223
مجمع البحرين1

سما ص 223

و بعضها يفيد التمجيد و التقديس كالقدوس و الغني و الواحد- انتهى. و عن بعض المحققين: الْأَسْمَاءُ بالنسبة إلى ذاته المقدسة على أقسام ثلاثة: (الأول)- ما يمنع إطلاقه عليه تعالى، و ذلك كل اسْمٍ يدل على معنى يحيل العقل نسبته إلى ذاته الشريفة، كَالْأَسْمَاءِ الدالة على الأمور الجسمانية أو ما هو مشتمل على النقص و الحاجة. (الثاني)- ما يجوز عقلا إطلاقه عليه و ورد في الكتاب العزيز و السنة الشريفة تَسْمِيَتُهُ به، فذلك لا حرج في تَسْمِيَتِهِ به بل يجب امتثال الأمر الشرعي في كيفية إطلاقه بحسب الأحوال و الأوقات و التعبدات إما وجوبا أو ندبا. (الثالث)- ما يجوز إطلاقه عليه و لكن لم يرد ذلك في الكتاب و السنة، كالجوهر فإن أحد معانيه كون الشي‏ء قائما بذاته غير مفتقر إلى غيره، و هذا المعنى ثابت له تعالى، فيجوز تَسْمِيَتُهُ به، إذ لا مانع في العقل من ذلك و لكنه ليس من الأدب، لأنه- و إن كان جائزا عقلا و لم يمنع منه مانع- لكنه جاز أن لا يناسبه من جهة أخرى لا تعلمها، إذ العقل لم يطلع على كافة ما يمكن أن يكون معلوما، فإن كثيرا من الأشياء لا نعلمها إجمالا و لا تفصيلا، و إذا جاز عدم المناسبة و لا ضرورة داعية إلى التَّسْمِيَةِ فيجب الامتناع من جميع ما لم يرد به نصّ شرعي من الْأَسْمَاءِ، و هذا معنى قول العلماء:" إن أَسْمَاءَهُ تعالى توقيفية" يعني موقوفة على النص و الإذن في الإطلاق. إذا تقرر هذا فاعلم أن أَسْمَاءَهُ تعالى إما أن تدل على الذات فقط من غير اعتبار أمر، أو مع اعتبار أمر، و ذلك الأمر إما إضافة ذهنية فقط أو سلب فقط، أو إضافة و سلب فالأقسام أربعة: (الأول)- ما يدل على الذات فقط، و هو لفظ" اللَّه"، فإنه اسْمٌ للذات الموصوفة بجميع الكمالات الربانية المنفردة بالوجود الحقيقي، فإن كل موجود سواه غير مستحق للوجود بذاته، بل إنما

224
مجمع البحرين1

سما ص 223

استفاده من الغير، و يقرب من هذا الِاسْمِ لفظ" الْحَقّ" إذا أريد به الذات من حيث هي واجبة الوجود، فإن الحقّ يراد به دائم الثبوت و الواجب ثابت دائما غير قابل للعدم و الفناء، فهو حق بل هو أحق من كل حق. (الثاني)- ما يدل على الذات مع إضافة، ك" الْقَادِر" فإنه بالإضافة إلى مقدور تعلقت به القدرة بالتأثير، و" الْعَالِم" فإنه أيضا اسْمٌ للذات باعتبار انكشاف الأشياء لها، و" الْخَالِق" فإنه اسْمٌ للذات باعتبار تقدير الأشياء، و" الْبَارِئ" فإنه اسْمٌ للذات باعتبار اختراعها و إيجادها، و" الْمُصَوِّر" باعتبار أنه مرتّب صور المخترعات أحسنَ ترتيب، و" الْكَرِيم" فإنه اسْمٌ للذات باعتبار إعطاء السؤالات و العفو عن السيئات، و" الْعَلِيّ" اسْمٌ للذات باعتبار أنه فوق سائر الذوات، و" الْعَظِيم" فإنه اسْمٌ للذات باعتبار تجاوزها حدّ الإدراكات الحسية و العقلية، و" الْأَوَّل" باعتبار سبقه على الموجودات، و" الْآخِر" باعتبار صيرورة الموجودات إليه، و" الظَّاهِر" هو اسْمٌ للذات باعتبار دلالة العقل على وجودها دلالة بينة، و" الْبَاطِن" فإنه اسْمٌ للذات بالإضافة إلى عدم إدراك الحسّ و الوهم، إلى غير ذلك من الْأَسمَاءِ. (الثالث)- ما يدل على الذات باعتبار سلب الغير عنه، ك" الْوَاحِد" باعتبار سلب النظير و الشريك، و" الْفَرْد" باعتبار سلب القسمة و البعضية، و" الْغَنِيّ" باعتبار سلب الحاجة، و" الْقَدِيم" باعتبار سلب العدم، و" السَّلَامُ" باعتبار سلب العيوب و النقائص، و" الْقُدُّوس" باعتبار سلب ما يخطر بالبال عنه، إلى غير ذلك. (الرابع)- باعتبار الإضافة و السلب معا، ك" الْحَيّ" فإنه المدرِك الفعّال الذي لا تلحقه الآفات، و" الْوَاسِع" باعتبار سعة علمه و عدم فوت شي‏ء منه، و" الْعَزِيز" و هو الذي لا نظير له و هو مما يصعب إدراكه و الوصول إليه،

225
مجمع البحرين1

سما ص 223

و" الرَّحِيم" و هو اسْمٌ للذات باعتبار شمول رحمته لخلقه و عنايته بهم و إرادته لهم الخيرات، إلى غير ذلك- انتهى.
وَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ (ع):" إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ اسْماً بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُتَصَوَّتٍ" إِلَى أَنْ قَالَ:" فَجَعَلَهُ" يَعْنِي فَجَعَلَ مَا خَلَقَ" عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ مَعاً" يَعْنِي غَيْرَ مُتَرَتِّبَةٍ" فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ" كَأَنَّهَا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ أَوِ اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" لِفَاقَةِ الْخَلْقِ" وَ حَاجَتِهِمْ" إِلَيْهَا، وَ حَجَبَ وَاحِداً وَ هُوَ الِاسْمُ" الْأَعْظَمُ" الْمَكْنُونُ الْمَخْزُونُ" ..." وَ سَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ، فَذَلِكَ اثْنَا عَشَرَ رُكْناً، ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ اسْماً فِعْلًا مَنْسُوباً إِلَيْهَا" كَأَنَّهُ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ" فَهُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ" إِلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ، ثُمَّ قَالَ:" فَهَذِهِ الْأَسْمَاءُ وَ مَا كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى حَتَّى يُتِمَّ ثَلَاثَمِائَةٍ وَ سِتِّينَ اسْماً فَهِيَ نِسْبَةٌ لِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ وَ حَجَبَ الِاسْمَ الْوَاحِدَ الْمَكْنُونَ الْمَخْزُونَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ".
فعلها لحكمة اقتضت ذلك كما حجب ليلة القدر و ساعة الإجابة. قال بعض شراح الحديث: لا يخفى عليك أن هذا الحديث من أسرارهم (ع) لا يعقله إلا العالمون، و ما ذكره الشارحون إنما هو لأجل التقريب إلى الأفهام، و الله أعلم. قوله تعالى: وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏
 [87/ 15] قيل: المراد بِالاسْمِ هنا الأذان بدلالة تعقيبه بالفاء الترتيبية. قوله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا
 [19/ 65] أي مثلا و نظيرا، و إنما قيل للمثل" سَمِيٌّ" لأن كل متشابهين يُسَمَّى كل واحد منهما سَمِيّاً لصاحبه.

226
مجمع البحرين1

سما ص 223

وَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمْ يُسَمَّ أَحَدٌ قَبْلَهُ بِيَحْيَى.
وَ فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع):" وَ كَذَلِكَ الْحُسَيْنُ (ع) لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيٌّ وَ لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ إِلَّا عَلَيْهِمَا أَرْبَعِينَ صَبَاحاً" قِيلَ لَهُ: وَ مَا كَانَ بُكَاؤُهَا؟ قَالَ:" كَانَتْ تَطْلُعُ حَمْرَاءَ، وَ كَانَ قَاتِلُ يَحْيَى وَلَدَ زِنًا، وَ كَانَ قَاتِلُ الْحُسَيْنِ وَلَدَ زِنًا".
قوله تعالى: وَ أَجَلٌ مُسَمًّى*
 [30/ 8] أي معلوم بالأيام و الأشهر لا بالحصاد و قدوم الحاج. قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً
 [25/ 48] قيل: يمكن حملها على الفلك، بمعنى أن المطر ينزل منه إلى السحاب و منه إلى الأرض و على السحاب أيضا لعلوه، و على ما زعمه الطبيعيون من أن المطر من بحار الأرض يصعد منها فينعقد سحابا، إن تم يكون المراد بإنزال الماء من السَّمَاءِ أنه حصل ذلك بأسباب سماوية. قال بعض الأفاضل: قد استفاد بعض أئمة الحديث من قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً
 و من قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّا عَلى‏ ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ‏
 و من قوله تعالى: وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ‏
 أن أصل الماء كله من السَّمَاءِ، فأورد عليه أن النكرة غير مفيدة للعموم في الإثبات كما هي في النفي فلا يتم الاستدلال، و أجيب بأن التفريع على مجموع الآيات الكريمة التي ما فيه إيماء إلى التهديد، أعني قوله تعالى: وَ إِنَّا عَلى‏ ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ و هي واردة كلها في مقام الامتنان على الخلق، فلو كان بعض الماء من السَّمَاءِ و الآخر من الأرض كان الامتنان بهما أتم من الامتنان بالأول فقط، خصوصا مع شدة الانتفاع بالثاني، فإن أكثر المدار عليه، ففي الإغماض عنه و الاقتصار على ذكر غيره في هذا الباب دلالة واضحة على ما ذكره هذا القائل عند التأمل- انتهى. و هو جيد. قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماء

227
مجمع البحرين1

سما ص 223

إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ [43/ 84] المعنى: هو إله واحد في السَّمَاءِ و الأرض لا شريك له تعالى عن ذلك.
وَ فِي الْحَدِيثِ: قَدْ تَحَيَّرَ أَبُو شَاكِرٍ الدَّيْصَانِيُّ الزِّنْدِيقُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ‏
 فَسَأَلَ هِشَامَ بْنَ الْحَكَمِ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَ الصَّادِقَ (ع) عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ:" إِذَا رَجَعْتَ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: مَا اسْمُكَ بِالْكُوفَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ: فُلَانٌ، فَقُلْ لَهُ: مَا اسْمُكَ فِي الْبَصْرَةِ؟ فَإِنَّهُ يَقُولُ: فُلَانٌ، فَقُلْ: كَذَلِكَ اللَّهُ رَبُّنَا فِي السَّماءِ إِلهٌ‏
 وَ فِي الْبِحَارِ إِلَهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَ فِي الْقِفَارِ إِلَهٌ وَ فِي كُلِّ مَكَانٍ إِلَهٌ".
وَ فِي الْحَدِيثِ:" سَطْحٌ يُبَالُ عَلَيْهِ فَتُصِيبُهُ السَّمَاءُ".
- الحديث. قيل: يمكن أن يراد بِالسَّمَاءِ معناها المتعارف، أي تصيبه بمطرها، و أن يراد المطر فإنه من أَسْمَائِهِ. قال: و حينئذ فحرف المضارعة يمكن قراءته بالتاء و الياء، فالأول على الأول و الثاني على الثاني. و" السَّمَاءُ" يذكّر و يؤنّث، و يجمع على أَسْمِيَةٍ و سَمَاوَاتٍ و حكى ابن الأنباري أن التذكير قليل، و هو على معنى السقف، و جمعها" سُمِيّ" على فعول، و النسبة إلى السَّمَاءِ" سَمَائِيٌّ" بالهمز على لفظها و" سَمَاوِيٌّ" بالواو اعتبارا بالأصل.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تَحْبِسُ غَيْثَ السَّمَاءِ".
و هي كما جاءت به الرواية جور الحكام و شهادة الزور و كتمان الشهادة و منع الزكاة و المعاونة على الظلم و قساوة القلب على الفقراء.

228
مجمع البحرين1

سما ص 223

و" بنو ماء السَّمَاءِ" هم العرب لأنهم يعيشون بمائه و يتبعون مساقط الغيث. و منه‏
حَدِيثُ:" هَاجَرَ تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ".
وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" فَسَوَّى مِنْهُ- يَعْنِي مِنَ الْمَاءِ- سَبْعَ سَمَاوَاتٍ جَعَلَ سُفْلَاهُنَّ مَوْجاً مَكْفُوفاً، وَ عُلْيَاهُنَّ سَقْفاً مَحْفُوظاً".
قال بعض الأفاضل: قوله:" جعل سفلاهن"- إلخ كالتفسير لقوله:" فسوى" لأن التسوية عبارة عن التعديل و الوضع و الهيئة التي عليها السَّمَاوَاتِ بما فيهن، و استعار لفظ الموج لِلسَّمَاءِ ملاحظة للمشابهة بينهما بالعلو و اللون، و" مكفوفا" ممنوعا من السقوط، و" علياهن سقفا محفوظا" من الشياطين. و" الْمُسَامَاةُ" المباراة و المفاخرة، يقال:" سَامَاهُ" إذا فاخره و باراه، و" يُسَاوِمُنِي" يفاخرني.
وَ فِي وَصْفِهِ (ص):" أَبْطَحِيٌّ لَا يُسَامَى".
أي لا يفاخر و لا يضاهى. و" الِاسْمُ" هو اللفظ الدال على الْمُسَمَّى بالاستقلال المجرد عن الزمان، فقد يكون نفس الْمُسَمَّى كلفظ" الِاسْمِ" فإنه لما كان إشارة إلى اللفظ الدال على الْمُسَمَّى و من جملة الْمُسَمَّيَاتِ لفظ الِاسْمِ فقد دل عليه، و قد يكون مغايرا كلفظ" الجدار" الدال على معناه المغاير و نحو ذلك. قال جار الله: و الِاسْمُ واحد الْأَسْمَاءِ العشرة التي بنوا أوائلها على السكون. فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة لئلا يقع ابتداؤهم بالساكن، إذ دأبهم أن يبتدءوا بالمتحرك و يقفوا على الساكن. فإن قيل: فلم حذفت الألف في" بِسْمِ الله" و أثبتت في" بِاسْمِ ربك"؟ قلت: قد اتبعوا في حذفها حكم الدرج دون الابتداء الذي عليه وضع الخط لكثرة الاستعمال، فقالوا: طولت الباء في" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ"*
 تعويضا من طرح الألف.

229
مجمع البحرين1

سما ص 223

قال الجوهري: و الِاسْمُ مشتق من سَمَوْتُ لأنه تنويه و رفعة، و تقديره افع، و الذاهب منه الواو لأن جمعه" أَسْمَاءٌ" و جمع الْأَسْمَاءِ" أَسَامٍ" و تصغيره" سُمَيٌّ"، و اختلف في تقدير أصله فقال بعضهم" فعل" و قال آخرون" فعل"، و فيه أربع لغات: اسْمٌ و اسْمٌ و سِمٌ و سُمٌ- انتهى. و قال بعض الكوفيين: أصله" وَسْمٌ" لأنه من الْوَسْمِ [بمعنى‏] العلامة فحذفت الواو و هي فاء الكلمة و عوض عنها الهمزة، فوزنه أعل. و استضعفه المحققون.
وَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ (ص):" تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَ لَا تكتنوا بِكُنْيَتِي".
يعني أبا القاسم، و تَسَمَّوْا بفتح تاء و سين و ميم مشددة، و في عدم الحل مطلقا أو لمن اسْمُهُ محمد و أحمد أو نسخ عدم الحل أقوال.
وَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ الْبَاقِرِ (ع) ثَلَاثٌ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً، وَ كَانَ عِنْدَ آصَفَ حَرْفٌ وَاحِدٌ فَتَكَلَّمَ بِهِ فَخَسَفَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَرِيرِ بِلْقِيسَ حَتَّى تَنَاوَلَ السَّرِيرَ بِيَدِهِ، وَ عِنْدَنَا نَحْنُ مِنَ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ اثْنَانِ وَ سَبْعُونَ حَرْفاً، وَ حَرْفٌ عِنْدَ اللَّهِ اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ.
وَ عَنِ الصَّادِقِ (ع):" أُعْطِيَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (ع) حَرْفَيْنِ كَانَ يَعْمَلُ بِهِمَا، وَ أُعْطِيَ مُوسَى (ع) أَرْبَعَةَ أَحْرُفٍ، وَ أُعْطِيَ إِبْرَاهِيمُ (ع) ثَمَانِيَةَ أَحْرُفٍ، وَ أُعْطِيَ نُوحٌ (ع) خَمْسَةَ عَشَرَ حَرْفاً، وَ أُعْطِيَ آدَمُ (ع) خَمْسَةً وَ عِشْرِينَ حَرْفاً، وَ أُعْطِيَ مُحَمَّدٌ (ص) اثْنَيْنِ وَ سَبْعِينَ حَرْفاً".
و علم مما تقدم أنها انتقلت منه (ص) إلى الأئمة (ع).
وَ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ زَوْجَةُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَعَ زَوْجِهَا

230
مجمع البحرين1

سما ص 223

جَعْفَرٍ فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّداً وَ عَبْدَ اللَّهِ وَ عَوْناً، ثُمَّ هَاجَرَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ تَزَوَّجَهَا أَبُو بَكْرٍ وَ وَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَوَلَدَتْ لَهُ يَحْيَى بْنَ عَلِيٍّ.
و" السَّمَاوَةُ" موضع بالبادية. و" سُمَيَّةُ" بالتصغير أم زياد المنتسب إلى أبي سفيان أبي معاوية، و فيها يقول الشاعر:
سُمَيَّةُ أضحى نسلها عدد الحصى             و بنت رسول الله ليس لها نسل‏

 (سنا)
فِي الْحَدِيثِ:" عَلَيْكُمْ بِالسَّنَا".
السَّنَا بالقصر: نبات معروف من الأدوية، له حمل إذا يبس و حركته الريح سمعت له زجلا، الواحدة" سناة". و بعضهم يرويه بالمد. و" السَّنَا" البرق. و" السَّانِيَةُ" الناضحة، و هي الناقة التي يسنى عليها، أي يستقى عليها من البئر، و منه‏
حَدِيثُ الزَّكَاةِ:" فِيمَا سَقَتِ السَّوَانِي نِصْفُ الْعُشْرِ".
و" سَنَوْتُ" استقيت، و منه‏
حَدِيثُ فَاطِمَةَ (ع):" لَقَدْ سَنَوْتُ حَتَّى اشْتَكَيْتُ صَدْرِي".
و" السَّنَاءُ" بالمد: الرفعة، و
فِي الْخَبَرِ:" بَشِّرْ أُمَّتِي بِالسَّنَاءِ".
أي بارتفاع القدر و المنزلة عند الله. و" السَّنِيُّ" الرفيع. و" الْمُسَنَّاةُ" بضم الميم: نحو المروزور بما كان أزيد ترابا منه، و منه:" التحجير بِمُسَنَّاةٍ". و
فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ النِّطَاقِ وَ الْأَرْبِعَاءِ قَالَ: وَ الْأَرْبِعَاءُ أَنْ تَسَنَّ مُسَنَّاةً فَتَحْمِلَ الْمَاءَ وَ تَسْقِيَ بِهِ الْأَرْضَ.
و" سَنَابَاذُ" بالسين المهملة فالنون ثم‏

231
مجمع البحرين1

سنا ص 231

الباء الموحدة بعد الألف ثم الذال المعجمة بعد الألف أيضا قرية توفي فيها علي بن موسى الرضا (ع). قيل: هي من موقان على دعوة، أي على قدر سماع صوت‏
 (سوا)
قوله تعالى: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏
 [30/ 10] أي عاقبة الذين أشركوا النار، كما أن عاقبة الذين أحسنوا الحسنى، أعني الجنة. قوله تعالى: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ
 [12/ 24] السُّوءَ: خيانة صاحبة العزيز، و
عَنِ الرِّضَا (ع):" السُّوءُ الْقَتْلُ، وَ الْفَحْشَاءُ الزِّنَا".
قوله تعالى: يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ
 [2/ 169] أي ما يسوؤكم عواقبه. قوله تعالى: سُوءَ الْعَذابِ*
 [2/ 49] يعني الجزية. قوله تعالى: سُوءُ الدَّارِ*
 [13/ 25] يعني النار تَسُوءُ داخلها. قوله تعالى: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ*
 [9/ 98] السُّوءُ و السَّوْءُ هما من سَاءَهُ يَسُوءُهُ سَوْءاً بالفتح و مَسَاءَةً: نقيض سره، و الاسم" السُّوءُ" بالضم، فمن قرأ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ*
 بالفتح فمن الْمَسَاءَةِ، و من قرأ بالضم فمن السُّوءِ. و" مطر السَّوْءِ" بالفتح يعني الحجارة. قوله تعالى: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا
 [67/ 17] أي سَاءَهُمْ ذلك حتى يتبين السُّوءُ في وجوههم. و أصل السُّوءِ التكره، يقال:" سَاءَهُ يَسُوءُهُ سَوْءاً" إذا أتاه بما يكرهه. و" السَّيِّئَةُ" الخصلة التي تسوء صاحبها عاقبتها. قوله تعالى: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ
 [7/ 95] أي مكان الجدب الخصب. و أصل السَّيِّئَةِ" سيوءة" فقلبت الواو و أدغمت.

232
مجمع البحرين1

سوا ص 232

قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ
 [23/ 96] قيل: هو مثل رجل أَسَاءَ إليك فالحسنة أن تعفو عنه و التي هي أحسن أن تحسن إليه مكان إِسَاءَتِهِ، مثل أن يذمك فتمدحه. قوله تعالى: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ
 [13/ 6] أي يستعجلونك بالعذاب و النقمة قبل الرحمة بالعافية و الإحسان إليهم بالإمهال، و ذلك أنهم سألوا رسول الله (ص) أن يأتيهم بالعذاب. قوله تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ‏
 [4/ 79] قال الشيخ أبو علي (ره): الحسنة تقع على النعمة و الطاعة و السَّيِّئَةُ تقع على البلية و المعصية، و المعنى ما أَصابَكَ يا إنسان- خطابا عاما- من خير من نعمة و إحسان فَمِنَ اللَّهِ تفضيلا منه و امتنانا و امتحانا، وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ
 أي بلية و مصيبة فَمِنْ نَفْسِكَ لأنك السبب فيها بما اكتسبت من الذنوب، و مثله ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [42/ 30]. قوله تعالى: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ [4/ 78] أي خصب و رخاء يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ
 أي جدب و ضيق رزق يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فإن الكل منه إيجاد، غير أن الحسنة إحسان و امتحان و السَّيِّئِةَ مجازاة و انتقام. قوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ‏
 [11/ 114] فيه كما قيل إبطال مذهب المعتزلة حيث قالوا: إن الكبائر غير مغفورة، لأن لفظ" السَّيِّئَاتِ" يطلق عليها، بل هي أَسْوَأُ السَّيِّئَاتِ. قوله تعالى: كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً
 [17/ 38] بإضافة سي‏ء إلى ضمير كل أي إثمه. قوله تعالى: لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ‏
 [5/ 31] أي فرجه. قوله تعالى: آذَنْتُكُمْ عَلى‏ سَواء

233
مجمع البحرين1

سوا ص 232

 [21/ 109] أي أعلمتكم على سَوَاءٍ؟ أي مستوين في الإعلام ظاهرين بذلك فلا عذر و لا خداع. و" السَّوَاءُ" العدل، و منه قوله تعالى: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى‏ سَواءٍ [8/ 58]. قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ*
 [2/ 6] أي ذو استواء، و قيل: اسم وضع موضع مستو. و الصِّراطِ السَّوِيِ‏
 [20/ 135] الدين المستقيم. و سَواءِ الصِّراطِ
 [38/ 22] أي وسط الصراط، و مثله سَواءَ السَّبِيلِ*
 و سَواءِ الْجَحِيمِ*
 و سَواءً لِلسَّائِلِينَ‏
 أي تماما. و قرئ" سَواءً" بالحركات الثلاث: الجر على الوصف لأيام، و النصب على استوت سواء، و الرفع على هي سواء. تعلق قوله لِلسَّائِلِينَ بمحذوف، كأنه قال: هذا الحصر لأجل من سأل في كم خلقت الأرض و ما فيها، أو بقدر أي قدر فيها أقواتها لأجل السائلين. قوله تعالى: إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ
 [3/ 94] أي ذات اسْتِوَاءٍ لا تختلف فيها الكتب السماوية. قوله تعالى: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا
 [19/ 10] أي من غير علة من خرس و غيره. قوله تعالى: مَكاناً سُوىً‏
 [20/ 58] أي وسطا بين الموضعين تستوي مسافته على الفريقين. قوله تعالى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ*
 [15/ 29] أي عدلت خلقته و أكملتها و هيأتها للنفخ، و مثله خَلَقَ فَسَوَّى [75/ 38] فإنها من التسوية، و هي عبارة عن التعديل و الوضع و الهيئة التي عليها الشي‏ء. قوله تعالى: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها
 [79/ 28] السمك الارتفاع و هو مقابل العمق، لأنه ذهاب الجسم بالتأليف إلى جهة العلو، و بالعكس صفة العمق، و التسوية هي جعل أحد الشيئين على مقدار الآخر في نفسه أو في حكمه. قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ*

234
مجمع البحرين1

سوا ص 232

 [2/ 29] يعني قصد، و كل من فرغ من شي‏ء و عمد إلى غيره فقد استوى إليه. و
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: صَعِدَ أَمْرُهُ.
و
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع): ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ*
 أَيْ أَخَذَ فِي خَلْقِهَا وَ إِتْقَانِهَا فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏
.
قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏
 [20/ 5] أي استوى من كل شي‏ء، فليس شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء- كذا في الحديث أو استولى كما يقال:
" اسْتَوَى بشر على العراق"


أي استولى من غير سيف و دم يهريقه. قوله تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ‏
 [5/ 100] أي قُلْ يا محمد لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ‏
 أي الحلال و الحرام وَ لَوْ أَعْجَبَكَ أيها السامع و أيها الإنسان كَثْرَةُ الْخَبِيثِ أي كثرة ما تراه من الحرام لأنه لا يكون في الكثير من الحرام بركة و يكون في القليل من الحلال بركة. قوله تعالى: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏
 [53/ 6]
يَعْنِي جَبْرَئِيلَ اسْتَقَامَ عَلَى صُورَتِهِ الْحَقِيقِيَّةِ دُونَ الصُّورَةِ الَّتِي كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَا كُلَّمَا هَبَطَ بِالْوَحْيِ، وَ كَانَ يَأْتِيهِ بِصُورَةِ الْآدَمِيِّينَ فَأَحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ (ص) أَنْ يَرَاهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي جُبِلَ عَلَيْهَا فَاسْتَوَى لَهُ.
قوله تعالى: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها
 [91/ 14] أي أرجف الأرض بهم، يعني حركها فسواها عليهم. قيل: فسوى الأمة بإنزال العذاب صغيرها و كبيرها. قوله تعالى: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ‏
 [4/ 42] أي لو يدفنوا فَتُسَوَّى بهم الأرض كما تُسَوَّى بالموتى. و قيل: يودون أنهم لم يبعثوا و أنهم كانوا و الأرض‏

235
مجمع البحرين1

سوا ص 232

سواء. و قيل تصير البهائم ترابا فيودون حالها.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" سَيِّئَةٌ تَسُوءُكَ خَيْرٌ مِنْ حَسَنَةٍ تُعْجِبُكَ".
أي توقعك في العجب، و كأن الوجه في ذلك أن السَّيِّئَةَ تزول مع الندم عليها، و أما العجب فإنه يبطل العمل و يثبت السيئة فكانت السيئة خيرا من الحسنة المعجبة.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَ الْمَالِ".
قيل: سُوءُ النظر في الأهل و المال هو أن يصيبهما آفة يَسُوؤُهُ النظر إليهما. و تقول:" هذا رجل سَوْءٍ" بالإضافة ثم تدخل عليه الألف و اللام فتقول:" هذا رجل السَّوْءِ"، و لا يقال:" الرجل السَّوْءِ"- كذا قاله الجوهري.
وَ فِي الدُّعَاءِ" وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ سَوْءٍ وَ إِنْسَانِ سَوْءٍ".
بالإضافة.
وَ فِي الدُّعَاءِ" أَسْأَلُكَ مَيْتَةً سَوِيَّةً".
قيل: المراد منها الموت بعد حصول الاستعداد لنزوله و التهيؤ لحصوله من تقديم التوبة و قضاء الفوائت و الخروج من حقوق الناس. و" سَاوَاهُ مُسَاوَاةً": ماثله و عادله قيمة و قدرا، و منه قوله:" هذا يُسَاوِي درهما" أي يعادل قيمته درهما.
وَ فِي وَصْفِهِ (ص):" سَوَاءَ الْبَطْنِ وَ الصَّدْرِ".
و معناه كما قيل: إن بطنه ضامر و صدره عريض، فمن هذه الجهة ساوى بطنه ظهره. و" اسْتَوَى على بعيره" أي استقر على ظهره، و مثله" استوى جالسا" و" اسْتَوَى على سرير الملك" كناية عن التملك و إن لم يجلس عليه. و" اسْتَوَى الطعام" نضج. و" اسْتَوَى القوم في المال" لم يفضل بعضهم على بعض. و" اسْتَوَتْ به راحلته" رفعته على ظهرها. و" اسْتَوَتْ خلقة السقط" أي تمت. و" العمل السَّيِ‏ءُ" خلاف الحسن،

236
مجمع البحرين1

سوا ص 232

و هو اسم فاعل من ساء يسوء: إذا قبح، و" ساء" على فاعل إعلالها إعلال جاء. و" هو أَسْوَأُ القوم" أي أقبحهم. و الناس يقولون:" أَسْوَأُ الأحوال" و يريدون الأقل و الأضعف. و الْمَسَاءَةُ التي هي نقيض المسرة أصلها" مسوأة" على مفعلة بفتح الميم و العين، و لهذا ترد الواو في الجمع فيقال:" هي المساوي". و" مَسَاوِي الأفعال" ضد محاسنها. و" بدت مساويه" أي نقائصه و معايبه. و يقال:" أسأت به الظن" و" سوأت به ظنا" يكون الظن معرفة مع الرباعي و نكرة مع الثلاثي. قال في المصباح: و منهم من يجيزه نكرة فيهما، و هو خلاف أحسنت به الظن. و" السَّوْأَةُ" بالفتح و التأنيث: العورة من الرجل و المرأة، و التثنية" سَوْأَتَانِ" و الجمع" سَوْآتٌ". قيل: سميت" سَوْأَةً" لأن انكشافها للناس يسوء صاحبها. و" سَايَةٌ" فعلة: واد بين الحرمين و قرية بمكة.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" كَانَ أَبُو الْحَسَنِ إِذَا قَضَى نُسُكَهُ عَدَلَ إِلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: سَايَةُ، فَحَلَقَ بِهَا".
و" السَّائِيُّ" نسبة لعلي بن سويد ثقة من رواة الحديث. و" سَوَاءٌ" قال في المغني يوصف بها المكان ... و الأفصح فيه حينئذ أن يقصر مع الكسر ... و يوصف به غير المكان فيجب أن يمد مع الفتح نحو" مررت برجل سَوَاءٍ و العدم"، و بمعنى الوسط

237
مجمع البحرين1

سوا ص 232

و بمعنى التمام فتمد فيهما مع الفتح نحو قوله تعالى: فِي سَواءِ الْجَحِيمِ‏
 و قولك:" هذا درهم سَوَاءِ" ... و استثناء كما يقع" غير" و هو عند الزجاج و ابن مالك كغير في المعنى و التصرف فتقول:" جاءني سواؤك" بالرفع [على الفاعلية] و" رأيت سواءك" بالنصب [على المفعولية] ... و عند سيبويه و الجمهور أنها ظرف مكان ملازم للنصب لا يخرج عن ذلك إلا في الضرورة، و عند الكوفيين و جماعة أنها ترد لوجهين. ثم قال: يخبر بسواء التي هي بمعنى مستوي عن الواحد فما فوقه نحو لَيْسُوا سَواءً
 لأنها في الأصل مصدر بمعنى الاستواء، و قد أجيز في قوله تعالى: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ*
 كونها خبرا عما قبلها أو عما بعدها، أو مبتدأ و ما بعدها فاعل على الأول و خبر و مبتدأ على الثاني و خبر على الثالث.
 (سها)
قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏
 [107/ 5] قيل: السَّهْوُ في الشي‏ء تركه عن غير علم، و السَّهْوُ عنه تركه مع العلم، و منه قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏
. قال الشيخ أبو علي (ره) في قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏
 قال: هم الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها. و
قِيلَ: يُرِيدُ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لَهَا ثَوَاباً إِنْ صَلُّوا وَ لَا يَخَافُونَ عَلَيْهَا عِقَاباً إِنْ تَرَكُوا، فَهُمْ عَنْهَا غَافِلُونَ حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا، فَإِذَا كَانُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ صَلَّوْهَا رِيَاءً وَ إِذَا لَمْ يَكُونُوا مَعَهُمْ لَمْ يُصَلُّوا، وَ هُوَ قَوْلُهُ: الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ عَنْ عَلِيٍّ وَ ابْنِ عَبَّاسٍ‏
و
قَالَ أَنَسٌ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَالَ: عَنْ صَلاتِهِمْ وَ لَمْ يَقُلْ:" فِي صَلَوتِهِمْ".
وَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِهِ: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏
 أَ هِيَ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ؟ فَقَالَ:" لَا، كُلُّ أَحَدٍ يُصِيبُهُ هَذَا، وَ لَكِنْ أَنْ يُغْفِلَهَا وَ يَدَعَ أَن‏

238
مجمع البحرين1

سها ص 238

يُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا".
وَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ زَيْدٍ الشَّحَّامِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏
 قَالَ:" هُوَ التَّرْكُ لَهَا وَ التَّوَانِي عَنْهَا".
وَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (ع) قَالَ:" هُوَ التَّضْيِيعُ لَهَا".
وَ فِي الْحَدِيثِ:" وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي السَّهْوُ وَ الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ".
أي حكم هذه المذكورات و المؤاخذة بها. و فسر السَّهْوُ بزوال المعنى عن الذاكرة فقط و بقاؤه مرتسما في الحافظة بحيث يكون كالشي‏ء المستور، و النسيان زواله عن القوتين: الذاكرة، و الحافظة. و في الصحاح:" السَّهْوُ" الغفلة و قد سَهَا عن الشي‏ء فهو سَاهٍ، و النسيان خلاف الذكر و الحفظ.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" لَا سَهْوَ فِي سَهْوٍ".
أي لا تعيد بِالسَّهْوِ إذا وقع في موجب السهو- بفتح الجيم- يعني في صلاة الاحتياط، و سجدتا السهو، و الأجزاء المنسية المقتضية، فيبني على الصحيح كما في النافلة. و فيه ذكر" السُّهَا" بالقصر و ضم السين، و هو كوكب صغير نجم قريب من النجم الأوسط من الأنجم الثلاثة من بنات النعش، و يسمى" أسلم" و العرب تسميه" السُّهَا" و الناس يمتحنون به أبصارهم.

239
مجمع البحرين1

سيا ص 240

 (سيا)
فِي الْحَدِيثِ:" لَا تُسَلِّمِ ابْنَكَ سَيَّاءً".
بالياء المثناة التحتانية زنة فعال، و فسر فيه بمن يبيع الأكفان و يتمنى موت الناس، و لعله من السوء و المساءة- كما ذكر في المجمع. و" سية القوس" بالتخفيف على ما ذكره اللغويون ما عوطف من طرفيه، و الجمع" سِيَاتٌ" و الهاء عوض عن الواو، و عن رؤبة همزه و العرب لا تهمز، و قد جاءت في الحديث. و" السِّيُّ" المثل، و" السِّيَّانُ" المثلان، و" لا سيما" مشددة و يجوز تخفيفها قال في المصباح: و فتح السين مع التثقيل لغة. و نقل عن ابن جني أنه يجوز أن يكون ما زائدة في قوله:
و لا سيما يوم بداره جلجل‏


فيكون يوم مجرورا بها على الإضافة أي يكون بمعنى الذي، فيكون يوم مرفوعا لأنه خبر مبتدإ محذوف و تقديره: و لا مثل اليوم الذي هو يوم بداره جلجل. و حكي عن تغلب: من قال بغير اللفظ الذي جاء به امرى‏ء القيس فقد أخطأ- يعني بغير لا- قال: و وجه ذلك أن" لا سيما" تركبا و صارا كالكلمة الواحدة و تساق لترجيح ما بعدها على ما قبلها فيكون كالمخرج عن مساواته إلى التفضيل، فقولهم:" تستحب الصدقة في شهر رمضان لا سيما في العشر الأواخر" معناه و استحبابها في العشر الأواخر آكد و أفضل، فهو مفضل على ما قبله، و مثله حكي عن ابن حاجب و ابن فارس و غيرهما، ثم قال: إذا تقرر ذلك فلو قيل: سيما في العشر الأواخر بدون لا اقتضى التسوية و بقي المعنى على التشبيه دون التفضيل، فيكون التقدير و تستحب الصدقة في شهر رمضان مثل استحبابها في العشر الأواخر، و لا يخفى ما فيه- انتهى.

240
مجمع البحرين1

باب ما أوله الشين ص 241

باب ما أوله الشين‏
 (شآ)
قد جاء في الحديث مما استشهد به من قول الشاعر:
حتى شَآهَا كليل موهنا عمل             باتت طرابا و بات الليل لم ينم‏

و قيل في شرحه:" شَآهَا" أي سبقها، و الضمير للاتن الوحشية من قولهم:" شَأَوْتُ القوم شَأْواً" إذا سبقتهم، و" الكليل" الذي أعيا من شدة العمل يقال:" كللت من الشي‏ء أكل كلالة" أي عييت، و كذلك البعير، و المراد به هنا البرق الضعيف، و" موهنا" ظرف معمول الكليل و هو الساعة من الليل. و في الصحاح: الوهن نحو من نصف الليل و الموهن مثله، قال الأصمعي: هو حين يدبر الليل. و" عمل" بكسر الميم على فعل: الدائب العمل، يقال: رجل عمل أي مطبوع على العمل، و لا فرق بين عمل و عامل، و" الإبل الطراب" التي تسرع إلى أوطانها. و المعنى: أن البرق الذي سبق الحمر الوحشية أكل الساعات من الليل يداومه فباتت الحمر طرابا من ضوئه و الليل بات و لم ينم من عمل البرق، و إكلاله إياه من قبيل المجاز كما يقال:" أتعبت يومك" و" أسهرت ليلتك". قال بعض الأفاضل: الخليل و سيبويه و جمهور النحاة على أن فعيلا يعمل عمل‏

241
مجمع البحرين1

شآ ص 241

فعله و قليل أنه لا يعمل، و استشهد على إعماله بقول الشاعر:
" حتى شَآهَا ..."


- البيت. ثم قال: فإن قيل: فكليل غير متعد لأنه من كل إذا أعيا، و لا يقال:" كل زيد عمرا" و حينئذ لا حجة فيه! قلنا: لا نسلمه بل كليل بمعنى مكل كأنه أكل حمر الوحش، أي أتعبها و أعياها بالمشي إلى جهته و لذلك وصفه بأنه لم ينم يعني البرق، كأليم بمعنى مؤلم و سميع بمعنى مسمع، فيكون بمعنى متعبها، و لا يقال: إن فعيلا لا يأتي إلا من فعل- بضم العين- و هو للغرائز، كشرف فهو شريف و كرم فهو كريم، و لا يكون إلا لازما فلا يصح لأن يكون عاملا. لأنا نقول: قد بينا أن فعيلا يأتي لغير الغرائز، و منه قوله:" زيد رحيم عمرا" و قوله::
إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له             أكيلا فإني لست آكله وحدي‏

فأكيل بمعنى آكل.
 (شتا)
فِي الْحَدِيثِ:" الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ".
الشِّتَاءُ- ممدودا-: أحد الفصول الأربعة من السنة، و هو في حساب المنجمين أحد و تسعون يوما و ثمن، و هو النصف من تشرين الثاني و كانون الأول و كانون الثاني و نصف شباط، و دخوله عند حلول الشمس رأس الجدي، قيل: هو جمع" شتوة" مثل كلبة و كلاب- نقلا عن ابن فارس و الخليل و الفراء. و يقال: إنه مفرد علم على الفعل و لهذا جمع على" أَشْتِيَةٍ". و يقال:" شَتَوْنَا بمكان كذا شَتْواً" من باب قتل: أقمنا به شتاء. و" أَشْتَيْنَا" بالألف: دخلنا في الشتاء. و" شَتَى القوم" من باب قال" فهو شَاةٍ": إذا اشتد برده. و" هذا الشي‏ء يَشْتِينِي" أي يكفيني‏

242
مجمع البحرين1

شتا ص 242

لشتائي- كذا في المصباح.
 (شجا)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع) فِي أَمْرِ الْخِلَافَةِ:" فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجاً".
القذى: ما يقع في العين فيؤذيها كالغبار و نحوه، و الشَّجَى ما ينبت في الحلق من عظم و نحوه فيغص به، و هما على ما قيل كنايتان عن النقمة و مرارة الصبر و التألم من الغبن.
وَ فِي الْخَبَرِ:" كَانَ لِلنَّبِيِّ (ص) فَرَسٌ يُقَالُ لَهُ: الشّجَاءُ".
بمد، و فسر بواسع الخطو. و" شَجِيَ الرجل يَشْجَى شَجىً" من باب تعب: حزن، فهو شج بالنقص. و ربما قيل على قلة" شَجِيٌّ" بالتثقيل كما قيل: حزن و حزين. قال في المصباح: و يتعدى بالحركة فيقال: شَجَا لهم يَشْجُو شَجْواً من باب قتل: إذا حزنته- انتهى. و من أمثال العرب:" ويل لِلشَّجِيِّ من الخلي" و المراد بالخلي الذي ليس به حزن فهو يعذل الشجي و يلومه فيؤذيه. و" الشَّجِي" بكسر الجيم و سكون الياء على ما قيل منزل بطريق مكة.
 (شدا)
" الشَّادِي" الذي يشدو شيئا من الأدب، أي يأخذ طرفا منه. و" شَدَوْتُ" إذا أنشدت بيتا أو بيتين تمد به صوتك كالغناء، و يقال للمغني:" الشَّادِي"- كذا في الصحاح.

243
مجمع البحرين1

شذا ص 244

 (شذا)
" الشَّذَا" الأذى و الشر.
 (شرا)
قوله تعالى: شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ‏
 [2/ 102] أي باعوا به أنفسهم، و مثله وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ‏
 [12/ 20] أي باعوه. قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ‏
 [2/ 207] أي يبيعها. قوله تعالى: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ
 [4/ 74] أي يبيعونها. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ‏
- الآية [9/ 111] نزلت في الأئمة خاصة، و يدل على ذلك أن الله مدحهم و حلاهم و وصفهم بصفة لا تجوز في غيرهم فقال: التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ [9/ 112] و من المعلوم أنه لا يقوم بذلك كله صغيره و كبيره و دقيقه و جليله إلا هم- ع- و لا يجوز أن يكون بهذه الصفة غيرهم. قوله تعالى: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏*
 [2/ 16] أي بدلوا، و أصله" اشتريوا". قوله تعالى: لَمَنِ اشْتَراهُ‏
 [2/ 102] أي استبدلوا ما تتلو الشياطين بكتاب الله.
وَ فِي حَدِيثِ مَاءِ الْوُضُوءِ:" وَ مَا يَشْتَرِي بِذَلِكَ مَالٌ كَثِيرٌ".
قيل: لفظ" ما يشتري" يقرأ بالبناء للفاعل و المفعول، و المراد أن الماء المشترى للوضوء مال كثير لما يترتب عليه من الثواب العظيم، و ربما يقرأ" ماء" بالمد و الرفع. اللفظي، و الأظهر كونها موصولة أو موصوفة- انتهى. و هذا على ما في بعض النسخ، و في بعضها- و هو كثير-" يسرني" و في بعضها" يسوؤني" و المعنى واضح.

244
مجمع البحرين1

شرا ص 244

و فيه ذكر" الشُّرَاةِ" جمع شَارٍ كقضاة جمع قاض، و هم الخوارج الذين خرجوا عن طاعة الإمام، و إنما لزمهم هذا اللقب لأنهم زعموا أنهم شَرَوْا دنياهم بالآخرة أي باعوا، أو شَرَوْا أنفسهم بالجنة لأنهم فارقوا أئمة الجور. و" الشَّرَاةُ" بالفتح: اسم جبل دون عسفان. و" شراء" يمد و يقصر و هو الأشهر، يقال:" شَرَيْتُ الشي‏ء أَشْرِيهِ شِرًى و شِرَاءً" إذا بعته و إذا اشتريته أيضا، و هو من الأضداد، و إنما ساغ أن يكون الشِّرَاءُ من الأضداد لأن المتبايعين تبايعا الثمن و المثمن، فكل من العوضين مبيع من جانب و مشتري من جانب. و" شَرَيْتُ الجارية شِرًى فهي شَرِيَّةٌ" فعيلة بمعنى مفعولة، و" عبد شَرِيٌّ" و جوزوا" مُشْرَيَةً و مُشْرىً"، و الفاعل" شَارٍ" مثل قاض. و" الشِّرَا" يجمع على أَشْرِيَةٍ و إن شذّ، و منه‏
الْحَدِيثُ:" كُلَّمَا صَغُرَ مِنْ أُمُورِكَ كِلْهُ إِلَى غَيْرِكَ فَقِيلَ: ضَرْبُ أَيِّ شَيْ‏ءٍ؟ فَقَالَ:" ضَرْبُ أشْرِيَةِ الْعَقَارِ وَ مَا أَشْبَهَهَا".
و شَرْوَى الشي‏ءِ مثلُه. و" الشَّرْيَةُ" النخلة تنبت من النواة. و" اسْتَشْرَى" إذا لجّ في الأمر. و" الشَّرَى" كحصى: خراج صغار لها لذع شديد، و منه" شَرِيَ جِلْدُه". و" أَشْرَاءُ الحرم" نواحيه. و" الْمُشْتَرِي" نجم ظاهر معروف.
 (شطا)
قوله تعالى: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ‏
 [48/ 29] المراد السنبل و فراخ الزرع، عن ابن الأعرابي من" أَشْطَأَ الزرع" بالألف" فهو مُشْطِئٌ" إذا فرخ، و الجمع" أَشْطَاء". قيل: هذا مثل ضرب الله عز و جل للنبي (ص)

245
مجمع البحرين1

شطا ص 245

إذ خرج وحده ثم قواه الله بأصحابه. قوله تعالى: شاطِئِ الْوادِ
 [28/ 30] أي شطه و جانبه. و" شَطَا" بغير همز: قرية بناحية مصر تنسب إليها الثياب الشَّطَوِيَّةِ و منه‏
حَدِيثُ أَبِي الْحَسَنِ (ع):" إِنِّي كَفَّنْتُ أَبِي فِي ثَوْبَيْنِ شَطَوِيَّيْنِ".
 (شظا)
فِي الْخَبَرِ:" إِنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ لِإِبْلِيسَ نَسْلًا وَ زَوْجَةً أَلْقَى عَلَيْهِ الْغَضَبَ فَطَارَتْ مِنْهُ شَظِيَّةٌ مِنْ نَارٍ فَخَلَقَ مِنْهَا امْرَأَتَهُ".
قال الجوهري:" الشَّظِيَّةُ" الفلقة من العصا و نحوها، و الجمع" شَظَايَا".
 (شعا)
قال الجوهري:" غارة شَعْوَاءُ" أي متفرقة. و شِعْيَا بن راموسى، قيل: بعثه الله إلى قوم فقتلوه فأهلكهم الله.
 (شغا)
" السن الشَّاغِيَةُ" هي الزائدة على الإسنان، و هي التي يخالف نبتها نبته. و" الشَّغْوَاءُ" بفتح الشين و سكون الغين المعجمة و بالمد: العقاب، سمي بذلك لفضل منقارها الأعلى على الأسفل- قاله الجوهري و غيره.
 (شفا)
قوله تعالى: عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ
 [9/ 109] هو بالقصر و فتح الشين‏

246
مجمع البحرين1

شفا ص 246

وزان نوى: طرفه و جانبه، يقال:" شفا جرف" و" شفا بئر" و" شفا واد" و" شفا قبر" و ما أشبهها و يراد بها ذلك، فقوله: عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ
 أي طرف موضع تجرفه السيول، أي أكلت ما تحته. و" هار" مقلوب من هائر، كقولهم:" شاك السلاح" و" شائك السلاح" كما يأتي في بابه. و مثله قوله تعالى: كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ
 [3/ 103] أي طرفها. قوله تعالى: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ‏
 [16/ 69] الضمير للشراب لأنه من جملة الأشفية و الأدوية المشهورة، و تنكيره إما لتعظيم الشفاء الذي فيه أو لأن فيه بعض الشفاء. و قيل: الضمير للقرآن لما فيه من شفاء بعض الأدوية.
وَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَلِيٍّ (ع):" وَ لَوْ لَا مَا سَبَقَنِي إِلَيْهِ ابْنُ الْخَطَّابِ مَا زَنَى مِنَ النَّاسِ إِلَّا شَفىً".
أي إلا قليل، من قوله:" غابت الشمس إلا شَفىً" أي إلا قليل من ضوئها لم يغب المراد بما سبقه من تحريم المتعة فإنه هو الذي حرمها بعد رسول الله (ص) و لم تكن محرمة في زمانه (ص) و لا في زمان الأول من الخلفاء. و مثله‏
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:" مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلَّا رَحْمَةً رَحِمَ اللَّهُ بِهَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، فَلَوْ لَا نَهْيُهُ مَا احْتَاجَ إِلَى الزِّنَى إِلَّا شَفىً".
و" أَشْفَى على الشي‏ء" بالألف: أشرف، و منه أَشْفَى على طلاق نسائه و أشفى المريض على الموت. قيل: و لا يكاد يأتي شفا إلا في الشر.
وَ فِي الْخَبَرِ:" لَا تَنْظُرُوا إِلَى صَلَاةِ أَحَدٍ وَ صِيَامِهِ وَ لَكِنِ انْظُرُوا إِلَى وَرَعِهِ إِذَا أَشْفَى".
أي أشرف على الدنيا. و" شَفَى الله المريض يَشْفِيهِ" من باب رمى" شفاء" و" أشفيت بالعدو" و" تشفيت به" من ذلك. قال في المصباح: لأن الغضب الكامن كالداء فإذا زال ما يطلبه الإنسان من عدوه فكأنه‏

247
مجمع البحرين1

شفا ص 246

برئ من الداء. و" ما شَفَيْتَنِي فيما أردت" ما بلغتني مرادي و غرضي. و" اسْتَشْفَى الرجل" طلب الشفاء. و منه اسْتَشْفَيْتُ من التربة الحسينية.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ".
قيل: المراد من كل داء من الرطوبة و البرودة و البلغم لأنها حارة يابسة. و
فِيهِ:" عَلَيْكُمْ بِالشِّفَاءِ مِنَ الْعَسَلِ وَ الْقُرْآنِ".
جعل الشفاء حقيقيا و غير حقيقي. و" شُفَيَّةُ" بالضم و التصغير: بئر بمكة. و كتاب الشافي للسيد المرتضى في نقض المغني لعبد الجبار، و أبو الحسن البصري كتب نقض الشَّافِي. و بخط الشهيد (ره) أن السيد المرتضى أمر سلارا بنقض نقض الشافي فنقضه.
 (شقا)
قوله تعالى: إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها
 [91/ 12] قيل: هو قداد بن سافل عاقر ناقة رسول الله. قوله تعالى: وَ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا
 [19/ 4] أي لم تشقني بالرد و الخيبة. قوله تعالى: غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا
 [23/ 106] بالكسر أي شَقَاوَتُنَا، و الفتح لغة. قوله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى‏
 [20/ 123] قيل: أي في معيشته.
وَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" وَ إِنَّ أَشْقَاهَا الَّذِي يَخْضِبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ".
أي لحيته من رأسه، أي أشقى اليوم أو أشقى الثلاثة الذين تعاهدوا على قتل ثلاثة منهم ابن ملجم لعنه الله. و" الشَّقِيُّ" ضد السعيد، و شَقِيَ يَشْقَى ضد سعد فهو شَقِيٌّ، و" أَشْقَاهُ الله"

248
مجمع البحرين1

شقا ص 248

بالألف فهو شقي.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ".
أي من قدر الله عليه في أصل خلقته أن يكون شَقِيّاً فهو الشَّقِيُّ حقيقة لا من عرض له بعد ذلك، و هو إشارة إلى شقاء الآخرة لا شقاء الدنيا. و الأوضح في معناه ما قيل هو أن الشَّقِيَّ حق الشقي من علم الله أنه سَيَشْقَى في فعله من اختياره الكفر و المعصية في بطن أمه فكأنه في بطن أمه علم الله ذلك منه و المعلوم لا يتغير، لأن العلم يتعلق بالمعلوم على ما هو عليه و المعلوم لا يتبع العلم، فإذا كان زيد أسود في علم الله فعلم الله لا يصيره أسود. و في تسميته في بطن أمه شَقِيّاً نوع مبالغة، أي سيصير كذلك لا محالة كقوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ أي إنك ستموت. و قيل: أراد بالأم جهنم كما في قوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ أي الشقي كل الشقي من شقي في نار جهنم و هي شقاوة لا شقاوة مثلها. و فيه‏
عَنِ الصَّادِقِ (ع) وَ قَدْ سُئِلَ: مِنْ أَيْنَ لَحِقَ الشَّقَاءُ أَهْلَ الْمَعْصِيَةِ حَتَّى حَكَمَ اللَّهُ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ بِالْعَذَابِ عَلَى عَمَلِهِمْ؟ فَقَالَ:" حُكْمُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يَقُومُ لَهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَقِّهِ، فَلَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهَبَ لِأَهْلِ مَحَبَّتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ وَ وَضَعَ عَنْهُمْ ثِقْلَ الْعَمَلِ [بِحَقِيقَةِ مَا هُمْ أَهْلُهُ‏]، وَ وَهَبَ لِأَهْلِ الْمَعْصِيَةِ الْقُوَّةَ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ لِسَبْقِ عِلْمِهِ فِيهِمْ وَ مَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ مِنْهُ، فَوَافَقُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ وَ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا حَالًا تُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ، لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلَى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ، وَ هُوَ مَعْنَى شَاءَ مَا شَاءَ وَ هُوَ سِرُّهُ".
قال بعض الأفاضل من شراح الحديث:
قَوْلُهُ (ع):" فَلَمَّا حَكَمَ بِذَلِكَ وَهَبَ ..
إلخ" المراد حكمه تعالى في التكليف الأول يوم الميثاق قبل تعلق الأرواح بالأبدان حيث ظهرت ذلك يوم الطاعة و المعصية فقال جل و عز مشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه الطاعة:
" هَؤُلَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَ لَا أُبَالِي".

249
مجمع البحرين1

شقا ص 248

و مشيرا إلى من ظهرت ذلك اليوم منه المعصية:
" هَؤُلَاءِ إِلَى النَّارِ وَ لَا أُبَالِي".
فلما علم تعالى أن أفعال الأرواح بعد تعلقها بالأبدان موافقة في يوم الميثاق مهد لكل روح شروطا تناسب ما في طبعه من السعادة و الشَّقَاوَةِ. ثم قال:
قَوْلُهُ (ع):" وَ مَنَعَهُمْ إِطَاقَةَ الْقَبُولِ".
معناه أنه لم يشأ و لم يقدر قبولهم، و من المعلوم أن المشية و التقدير شرطان في وجود الحوادث.
ثُمَّ قَالَ:" وَ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَأْتُوا ..
إلخ" معناه- و الله أعلم- أنه لم يقدروا على قلب حقائقهم بأن يجعلوا أرواحهم من جنس أرواح السعداء، و هو معنى‏
قَوْلِهِ (ع):" وَ لَا يَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ وَ لَا هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْ هَؤُلَاءِ".
ثم قال:
وَ قَوْلُهُ (ع):" لِأَنَّ عِلْمَهُ أَوْلَى بِحَقِيقَةِ التَّصْدِيقِ".
تعليل‏
لِقَوْلِهِ:" فَوَافَقُوا مَا سَبَقَ لَهُمْ فِي عِلْمِهِ".
ثم بين (ره) قاعدة تناسب المقام فقال: الجمادات إذا خليت و أنفسها كانت في أمكنة مخصوصة تناسب طباعها، و كذلك الأرواح إذا خليت و إرادتها اختارت الطاعة أو المعصية بمقتضى طباعها. و
فِيهِ:" هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ".
أي لا يخيب عن كرامتهم فَيَشْقَى. و قيل: إن صحبتهم مؤثرة في الجليس، فإذا لم يكن له نصيب مما أصابهم كان محروما فَيَشْقَى.
وَ فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع):" إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ أَ شَقِيٌّ الرَّجُلُ أَمْ سَعِيدٌ فَانْظُرْ سَيْبَهُ وَ مَعْرُوفَهُ إِلَى مَنْ يَضَعُهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَاعْلَمْ أَنَّهُ إِلَى خَيْرٍ، وَ إِنْ كَانَ يَضَعُهُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ".
و
فِيهِ:" بَيْنَ الْمَرْءِ وَ الْحِكْمَةِ نِعْمَةُ الْعَالِمِ وَ الْجَاهِلُ شَقِيٌّ بَيْنَهُمَا".
أي بين نفسه و الحكمة، أي ليس بسعيد- كذا وجدناه في النسخ كلها. و قال بعض علمائنا المتأخرين: و لا يزال يختلج في البال أن هنا سهوا من قلم الناسخ صوابه و الجاهل شفا عنهما، وزان" نوى"، و شفا كل شي‏ء طرفه، و المعنى: صاحب الجهل في‏

250
مجمع البحرين1

شقا ص 248

طرف عنهما- انتهى. و هو كما ترى.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" أَعُوذُ بِكَ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي تُورِثُ الشَّقَاءَ".
بالفتح و المد و فسر بالشدة و العسر. قيل: و هو ينقسم إلى دنيوي هو في المعاش من النفس و المال و الأهل، و أخروي هو في المعاد. قال الجوهري: الشَّقَاءُ و الشَّقَاوَةُ بالفتح نقيض السعادة، و قرأ قتادة شِقَاوَتُنَا بالكسر و هي لغة، و إنما جاء بالواو لأنه بني على التأنيث في أول أحواله، و كذلك النهاية، فلم تكن الواو و الياء حرفي إعراب و لو بني على التذكير لكان مهموزا كعظاءة و عباءة و صلاءة، و هذا أعل قبل دخول الهاء يقال:" شَقِيَ الرجل" انقلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها، ثم تقول:" يَشْقِيَانِ" فيكونان كالماضي- انتهى.
 (شكا)
قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ [24/ 35] الْمِشْكَاةُ كوة غير نافذة فيها يوضع المصباح، و استعيرت لصدره (ص) و شبه اللطيفة القدسية في صدره بالمصباح، فقوله: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ‏
 أي كمصباح في زجاجة في مِشْكَاةٍ. و يتم الكلام في النور إن شاء الله تعالى. و" الشَّكْوَى" و" الشِّكَايَةُ" المرض. و" دخلت عليه في شَكْوَاهُ" أي في مرضه. و" الشَّكْوَى المذمومة" هي ما جاءت به الرواية
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) قَالَ:" إِنَّمَا الشَّكْوَى أَنْ يَقُولَ: لَقَدِ ابْتُلِيتُ بِمَا لَمْ يُبْتَلَ بِهِ أَحَدٌ، وَ يَقُولَ: لَقَدْ أَصَابَنِي مَا لَمْ يُصِبْ أَحَداً، وَ لَيْسَ الشَّكْوَى أَنْ يَقُولَ: سَهِرْتُ الْبَارِحَةَ وَ حُمِمْتُ الْيَوْمَ وَ نَحْوَ هَذَا".
و اشْتَكَى عضو من أعضائه و تَشَكَّى بمعنى. و شَكَوْتُهُ شَكْوىً من باب قتل و شِكَايَةً،

251
مجمع البحرين1

شكا ص 251

و شَكِيَّةً و شَكَاةً: إذا أخبرت عنه بسوء فعله، و الاسم الشَّكْوَى. و" الْمُشْتَكَى" الشِّكَايَةُ، و منه‏
الْخَبَرُ:" شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (ص) مِنْ حَرِّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا".
من أَشْكَيْتُهُ: أزلت شَكْوَاهُ، فالهمزة للسلب مثل" أعريته" أي أزلت عريته. و" اشْتَكَتْ أم سلمة عينها" أي وجعها و" الشَّكْوَةُ" وعاء كالركوة و القربة الصغيرة، يتخذ للبر، و الجمع" شُكىً"
 (شلا)
فِي الْحَدِيثِ:" جَعَلَ لَكُمْ أَشْلَاءً".
أي أعضاء، جمع" شِلْوٍ" بالكسر، و هو العضو من أعضاء اللحم وزان أحمال و حمل و" أَشْلَيْتُ الكلب و غيره إِشْلَاءً" دعوته. و" أَشْلَيْتُهُ على الصيد" مثل أغريته وزنا و معنى- كذا ذكر جماعة من أهل اللغة. و نقل عن ابن السكيت منع أَشْلَيْتُهُ على الصيد بمعنى أغريته، و إنما يقال:" أوسدت الكلب بالصيد و آسدته" إذا أغريته به، و لا يقال:" أَشْلَيْتُهُ" إنما الْإِشْلَاءُ الدعاء. و عن تغلب أنه قال: و قول الناس:" أَشْلَيْتُ الكلب على الصيد" خطأ.
 (شنا)
قوله تعالى: شَنَآنُ قَوْمٍ*
 [5/ 2] محركة أي بغضاء قوم، و بسكون النون: بغض قوم، و قرئ بهما مع شذوذهما: أما شذوذ التحريك فمن جهة المعنى، لأن فعلان من بناء ما كان معناه الحركة و الاضطراب كالضربان و الخفقان، و أما التسكين فلأنه لم يجئ شي‏ء من المصادر عليه.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" لَا أَبَ لِشَانِئِيكَ".
أي لمبغضيك. و" الله شَانِئٌ لأعماله" أي باغض لها. و" شَنَأَ المقام بمكة" أي كرهه. و شَنَأَ شَنَأً و شُنْأً و شِنْأً و شَنَآناً بالتحريك و شَنْآناً كله بمعنى البغض. و شَنِئْتُهُ أَشْنَؤُهُ من باب تعب مثله‏
 (شوا)
قوله تعالى: نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏
 [70/ 16]

252
مجمع البحرين1

شوا ص 252

بالفتح جمع" شُوَاءٍ" بالضم و هي جلدة الرأس. و قيل: الآخر من اليد و الرجل و غيرهما. و" النزع" القطع. و" الشِّوَاءُ" ككتاب بمعنى مَشْوِيٍّ، من" شَوَيْتُ اللحم شيا". و" أَشْوَيْتُ القوم" أطعمتهم شِوَاءً.
 (شها)
قوله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ
 [3/ 14] الشَّهَوَاتُ بالتحريك جمع شَهْوَةٍ و هي اشتياق النفس إلى الشي‏ء.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" جَهَنَّمُ مَحْفُوفَةٌ بِاللَّذَّاتِ وَ الشَّهَوَاتِ".
و معناه: من أعطى نفسه لذتها و شهوتها دخل النار. نعوذ بالله منها.
وَ فِي الْخَبَرِ:" أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ الرِّيَاءُ وَ الشَّهْوَةُ الْخَفِيَّةُ".
قيل: هي حب اطلاع الناس على العمل. و" شي‏ء شَهِيٌّ" مثل لذيذ وزنا و معنى. و اشْتَهَيْتُ الشي‏ء و شَهَوْتُهُ من باب تعب و علا مثل اشْتَهَيْتُهُ. قاله في المصباح: و" تَشَهَّى" اقترح شَهْوَةً بعد شَهْوَةٍ. و" شَهِيتُ الشَّيْ‏ءَ"- بالكسر شهوة: إذا اشْتَهَيْتَهُ.
 (شيأ)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ يَكُ شَيْئاً
 [19/ 68] أَيْ لَا مُقَدَّراً وَ لَا مُكَوَّناً، قَالَهُ الصَّادِقُ ع‏
قِيلَ: وَ مَعْنَاهُ: لَا مُقَدَّراً فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَ لَا مُكَوَّناً مَخْلُوقاً فِي الْأَرْضِ.
و منه يعلم تجدد إرادته تعالى و تقديره، و هي معنى البداء في حقه تعالى. قوله تعالى: عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ*
 [2/ 20] الشَّيْ‏ءُ ما صح أن يعلم و يخبر عنه. قال المفسر: و هو أعم العام يجري‏

253
مجمع البحرين1

شيأ ص 253

على الجسم و العرض و القديم، تقول:" شَيْ‏ءٌ لا كَالْأَشْيَاءِ" أي معلوم لا كسائر المعلومات، و على المعدوم و المحال. قال: إن قلت: كيف قيل:" عَلى‏ كُلِ‏ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ"* و في الأشياء ما لا تعلق به لقادر كالمستحيل و فعل قادر آخر؟ قلت: مشروط في حد القادر أن لا يكون الفعل مستحيلا، فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على الأشياء كلها، فكأنه قال: على كل شي‏ء مستقيم قدير. قوله تعالى: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏ [10/ 99]

رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ (ع) أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ (ص): لَوْ أَكْرَهْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنَ النَّاسِ كَثُرَ عَدَدُنَا وَ قَوِينَا عَلَى عَدُوِّنَا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص):" مَا كُنْتُ لِأَلْقَى اللَّهَ بِبِدْعَةٍ لَمْ يُحْدِثْ لِي فِيهَا شَيْئاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ‏" فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَيْهِ: يَا مُحَمَّدُ وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً عَلَى سَبِيلِ الْإِلْجَاءِ وَ الِاضْطِرَارِ فِي الدُّنْيَا كَمَا يُؤْمِنُونَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ وَ رُؤْيَةِ الْبَأْسِ فِي الْآخِرَةِ، وَ لَوْ فَعَلْتُ ذَلِكَ لَمْ يَسْتَحِقُّوا مِنِّي ثَوَاباً وَ لَا مَدْحاً، لَكِنِّي أُرِيدُ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْمِنُوا مُخْتَارِينَ غَيْرَ مُضْطَرِّينَ لِيَسْتَحِقُّوا مِنِّي الزُّلْفَى وَ الْكَرَامَةَ وَ دَوَامَ الْخُلُودِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ.

قوله تعالى: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً* [5/ 48] قال المفسر: أي لو شَاءَ لجعلكم على ملة واحدة و لكن جعلكم على شرائع مختلفة ليمتحنكم فيما آتاكم، أي فيما فرض عليكم و شرع لكم. و قيل: فيما أعطاكم من النبيين و الكتاب. قوله تعالى: لا تَسْئَلُوا عَنْ‏ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏ [5/ 101]

رُوِيَ فِي مَعْنَاهُ‏: أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ (ص): يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ فِي كُلِّ عَامٍ كُتِبَ الْحَجُّ عَلَيْنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَعَادَ الْمَسْأَلَةَ ثَلَاثاً، فَقَالَ:" وَيْحَكَ وَ مَا يُؤْمِنُكَ أَنْ أَقُول‏

254
مجمع البحرين1

شيأ ص 253

نَعَمْ، وَ اللَّهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَ وَ لَوْ وَجَبَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ لَوْ تَرَكْتُمْ لَكَفَرْتُمْ، وَ إِنَّمَا يَهْلِكُ مَنْ هَلَكَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَ اخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْ‏ءٍ فَأَتَوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ فَاجْتَنِبُوهُ" وَ إِنْ تَسْأَلُوا عَنْ هَذِهِ التَّكَالِيفِ الصَّعْبَةِ فِي زَمَانِ الْوَحْيِ تُبْدَ لَكُمْ تِلْكَ التَّكَالِيفُ الَّتِي تَسُؤْكُمْ وَ تُؤْمَرُوا بِحَمْلِهَا".
- كذا نقله الشيخ أبو علي (ره). و" أَشْيَاءُ" جمع شَيْ‏ءٍ غير منصرف، و اختلف في تعليله اختلافا كثيرا، قال في المصباح: و الأقرب ما حكي عن الخليل بأن أصله" شيئاء" على وزن حمراء، فاستثقل وجود الهمزتين في آخره فنقلوا الأولى إلى أول الكلمة فقالوا:" أشياء" و الْمَشِيئَةُ: الإرادة، من" شَاءَ زيد يَشَاءُ" من باب نال: أراده.
وَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ الصَّادِقِ (ع):" لَا يَكُونُ شَيْ‏ءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لَا فِي السَّمَاءِ إِلَّا بِخِصَالٍ سَبْعٍ: بِمَشِيئَةٍ، وَ إِرَادَةٍ، وَ قَدَرٍ، وَ قَضَاءٍ، وَ إِذْنٍ، وَ كِتَابٍ، وَ أَجَلٍ".
قال بعض أفاضل العلماء: الْمَشِيئَةُ و الإرادة و القدر و القضاء كلها بمعنى النقش في اللوح المحفوظ و هي من صفات الفعل لا الذات، و التفاوت بينها تفضيل كل لاحق على سابقه. ثم قال: توقف أفعال العباد على تلك الأمور السبعة إما بالذات أو بجعل الله تعالى، و تحقيق المقام أن تحرك القوى البدنية بأمر النفس الناطقة المخصوصة المتعلقة به ليس من مقتضيات الطبيعة فيكون بجعل جاعل، و هو أن يجعل الله بدنا مخصوصا مسخرا لنفس مخصوصة بأن قال كن متحركا بأمرها، ثم جعل ذلك موقوفا على الأمور السبعة- انتهى.

255
مجمع البحرين1

شيأ ص 253

وَ عَنِ الرِّضَا (ع):" أَنَّ الْإِبْدَاعَ وَ الْمَشِيئَةَ وَ الْإِرَادَةَ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ وَ الْأَسْمَاءُ ثَلَاثَةٌ".
وَ عَنِ الْبَاقِرِ (ع):" لَا يَكُونُ شَيْ‏ءٌ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَ أَرَادَ وَ قَدَّرَ وَ قَضَى" سُئِلَ: مَا مَعْنَى شَاءَ؟ قَالَ:" ابْتِدَاءُ الْفِعْلِ" سُئِلَ: مَا مَعْنَى قَدَّرَ؟ قَالَ:" تَقْدِيرُ الشَّيْ‏ءِ مِنْ طُولِهِ وَ عَرْضِهِ" سُئِلَ: مَا مَعْنَى قَضَى؟ قَالَ:" إِذَا قَضَى أَمْضَى، فَذَلِكَ الَّذِي لَا مَرَدَّ لَهُ".
و على هذا فيكون معنى القضاء هو النقش الحتمي في اللوح المحفوظ. و فيه:
" خَلَقَ اللَّهُ الْمَشِيئَةَ بِنَفْسِهَا ثُمَّ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ بِالْمَشِيئَةِ".
قيل في معناه: أن الأئمة (ع) تارة يطلقون الْمَشِيئَةَ و الإرادة على معنى واحد، و تارة على معنيين مختلفين، و المراد بهذه العبارة أن الله تعالى خلق اللوح المحفوظ و نقوشها من غير سبب آخر من لوح و نقش آخر و خلق سائر الْأَشْيَاءَ بسببهما، و هذا مناسب‏
لِقَوْلِهِ (ع):" أَبَى اللَّهُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَشْيَاءَ إِلَّا بِأَسْبَابِهَا".
و
فِيهِ:" أَمَرَ اللَّهُ وَ لَمْ يَشَأْ وَ شَاءَ وَ لَمْ يَأْمُرْ: أَمَرَ إِبْلِيسَ أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ وَ شَاءَ أَنْ لَا يَسْجُدُ وَ لَوْ شَاءَ لَسَجَدَ، وَ نَهَى آدَمَ عَنْ أَكْلِ الشَّجَرَةِ وَ شَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَ لَوْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَأْكُلْ".
و منه يعلم أن جميع الكائنات مطابقة لعلمه السابق في الممكنات و هو لا يؤثر في المعلوم كما سبق فلا إشكال. و
فِيهِ:" إِنَّ لِلَّهِ إِرَادَتَيْنِ وَ مَشِيئَتَيْنِ: إِرَادَةَ حَتْمٍ وَ إِرَادَةَ عَزْمٍ، يَنْهَى وَ هُوَ يَشَاءُ وَ يَأْمُرُ وَ هُوَ لَا يَشَاءُ، نَهَى آدَمَ (ع) وَ زَوْجَتَهُ أَنْ يَأْكُلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَ شَاءَ أَنْ يَأْكُلَا وَ لَوْ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَأْكُلَا لَمَا غَلَبَت‏

256
مجمع البحرين1

شيأ ص 253

شَهْوَتُهُمَا مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى، وَ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَذْبَحَ إِسْحَاقَ وَ لَمْ يَشَأْ أَنْ يَذْبَحَهُ وَ لَوْ شَاءَ لَمَا غَلَبَتْ مَشِيئَةُ إِبْرَاهِيمَ مَشِيئَتَهُ".
و
فِيهِ وَ قَدْ سُئِلَ عَنْ عِلْمِ اللَّهِ وَ مَشِيئَتِهِ هُمَا مُخْتَلِفَانِ أَمْ مُتَّفِقَانِ؟ فَقَالَ (ع):" الْعِلْمُ لَيْسَ هُوَ الْمَشِيئَةَ، أَ لَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ سَأَفْعَلُ كَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَ لَا تَقُولُ إِنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى، فَقَوْلُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَشَأْ فَإِذَا شَاءَ كَانَ الَّذِي شَاءَ كَمَا شَاءَ وَ عِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى السَّابِقُ لِلْمَشِيئَةِ" وَ لَمْ تَجِدْ أَحَداً إِلَّا وَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ حُجَّةٌ وَ لِلَّهِ فِيهِ الْمَشِيئَةُ، وَ لَا أَقُولُ إِنَّهُمْ مَا شَاءُوا صَنَعُوا" ثُمَّ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ يَهْدِي وَ يُضِلُّ".
قال بعض الأفاضل: في هذا الكلام- أعني قوله: لا أقول ما شَاءُوا صنعوا- نفي لما أعتقده المعتزلة من أن العباد ما شاءوا صنعوا، يعني أنهم مستقلون بِمَشِيئَتِهِمْ و قدرتهم و لا توقف لها على مَشِيئَةِ الله تعالى و إرادته و قضائه، و هذا يخرج الله عن سلطانه.
وَ فِي حَدِيثِ يُونُسَ: لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَ أَرَادَ وَ قَدَّرَ وَ قَضَى. فَقَالَ الرِّضَا (ع):" يَا يُونُسُ لَيْسَ هَكَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَ أَرَادَ وَ قَدَّرَ وَ قَضَى".
قيل: فيه إنكار كلام يونس لأجل إدخال باء السببية على المشيئة و غيرها المستلزمة لمسببها لا من أجل توقف أفعال العباد عليها توقف الشرط على المشروط.
وَ فِي حَدِيثٍ أَيْضاً:" لَا يَكُونُ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَ أَرَادَ وَ قَدَّرَ وَ قَضَى، يَا يُونُسُ تَعْلَمُ مَا الْمَشِيئَةُ"؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ:" هِيَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ، فَتَعْلَمُ مَا الْإِرَادَةُ"؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ:" هِيَ الْعَزِيمَةُ عَلَى مَا يَشَاءُ، فَتَعْلَمُ مَا الْقَدَرُ"؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ:" هِيَ الْهَنْدَسَةُ وَ وَضْعُ الْحُدُودِ مِنَ الْبَقَاءِ وَ الْفَنَاءِ" ثُمَّ قَالَ:" وَ الْقَضَاءُ هُوَ الْإِبْرَامُ وَ إِقَامَةُ الْعَيْنِ".
قال بعض الأفاضل: كأن‏

257
مجمع البحرين1

شيأ ص 253

المراد من الذكر الأول و العزيمة و القدر و القضاء النقوش الثابتة في اللوح المحفوظ، و من تفسير القدر بالهندسة تقديرات الْأَشْيَاءِ من طولها و عرضها، و الهندسة عند أهل اللسان هي تقدير مجاري القنى حيث تحفر. و الشَّيْ‏ءُ في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا كالأجسام و إما حكما كالأقوال، نحو:" قلت شَيْئاً".
وَ فِي حَدِيثِ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ شَيْ‏ءٌ:" أَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلَّهِ: إِنَّهُ شَيْ‏ءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، يُخْرِجُهُ مِنَ الْحَدَّيْنِ: حَدِّ التَّعْطِيلِ، وَ حَدِّ التَّشْبِيهِ".
و المعنى لا تقل إنه لا شَيْ‏ءَ و لا تقل إنه شَيْ‏ءٌ كَالْأَشْيَاءِ التي تدرك بالعقول، بل إنه شَيْ‏ءٌ موجود لا يشابه شَيْئاً من الماهيات المدركة و لا شَيْئاً من الممكنات.
وَ فِي حَدِيثِ وَصْفِهِ تَعَالَى:" لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ وَ لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ خَلَقَ مَا كَانَ".
قيل في معناه: إنه (ع) نفى‏
بِقَوْلِهِ:" لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ كَانَ".
جميع حجج السنوية و شبههم، لأن أكثر ما يعتمدونه في حدوث العالم أن يقولوا: لا يخلو من أن يكون الخالق خلق الْأَشْيَاءَ من شَيْ‏ءٍ أو من لا شَيْ‏ءَ، فقولهم من شي‏ء خطأ و قولهم من لا شي‏ء مناقضة و إحالة لأن من توجب شيئا و لا شي‏ء ينفيه، فأخرج (ع) هذه اللفظة
فَقَالَ:" لَا مِنْ شَيْ‏ءٍ خَلَقَ مَا كَانَ".
فنفى من إذ كانت توجب شيئا و نفى الشي‏ء إذ كان كل شي‏ء مخلوقا محدثا لا من أصل أحدثه الخالق، كما قالت الثنوية: إنه خلق من أصل قديم فلا يكون تدبيرا إلا باحتذاء مثال. و" إن شَاءَ الله" تكرر في الحديث بعد إعطاء الحكم كقوله‏
فِي حَدِيثِ الْوَصِيَّةِ:" لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يُخَالِفَا الْمَيِّتَ وَ أَنْ يَعْمَلَا حَسَبَ مَا أَمَرَهُمَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ".
وَ قَوْلُهُ (ع):" وَ إِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ".
و نحو ذلك. فقيل: معناه إذ شَاءَ الله. و قيل:" إن" شرطية و المعنى: لاحقون في الموافاة على الإيمان و قيل: هو التبري و التفويض،

258
مجمع البحرين1

شيأ ص 253

و منه قوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ‏
 [48/ 27] و يحتمل أن يريد لتدخلن جميعا إن شَاءَ الله و لم يمت منكم أحد. و قيل هو على التأديب كقوله تعالى: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏
 [18/ 23] و يحتمل إرادة التبرك بذكر الله أو بمعنى" قد"- و الله أعلم.
باب ما أوله الصاد
 (صبا)
قوله تعالى: وَ الصَّابِئِينَ*
 [2/ 62] بالهمز و قرأ نافع بالتخفيف، هو من" صَبَأَ فلان" خرج من دينه إلى دين آخر، و" صَبَأَتِ النجوم" خرجت من مطالعها. قيل: أصل دينهم دين نوح (ع) فمالوا عنه. و قيل: الصَّابِئُونَ لقب لقب به طائفة من الكفار يقال إنها تعبد الكواكب في الباطن، و تنسب إليه النصرانية، يدعون على أنهم على دين صَابِئِ بن شيث بن آدم (ع). و في الصحاح: الصَّابِئُونَ جنس من الكفار. و في القاموس: الصَّابِئُونَ يزعمون أنهم على دين نوح و قبلتهم من مهب الشمال عند منتصف النهار. و في الكشاف: هم قوم عدلوا عن اليهودية و النصرانية و عبدوا الملائكة. و
عَنْ قَتَادَةَ: الْأَدْيَانُ سِتَّةٌ خَمْسَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَ وَاحِدٌ لِلرَّحْمَنِ: الصَّابِئُونَ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَ يُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَ يَقْرَءُونَ الزَّبُورَ، وَ الْمَجُوسُ يَعْبُدُونَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ، وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ، وَ الْيَهُودُ، وَ النَّصَارَى.
وَ فِي حَدِيثِ الصَّادِقِ (ع):" سُمِّيَ الصَّابِئُونَ لِأَنَّهُمْ صَبَوْا إِلَى تَعْطِيلِ الْأَنْبِيَاءِ وَ الرُّسُلِ وَ الشَّرَائِعِ، وَ قَالُوا: كُلَّمَا جَاءُوا بِهِ بَاطِلٌ، فَجَحَدُوا تَوْحِيدَ اللَّهِ وَ نُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ وَ رِسَالَةَ الْمُرْسَلِينَ وَ وَصِيَّةَ الْأَوْصِيَاءِ، فَهُم‏

259
مجمع البحرين1

صبا ص 259

بِلَا شَرِيعَةٍ وَ لَا كِتَابٍ وَ لَا رَسُولٍ".
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئُونَ‏
 [5/ 69] قال المفسر: قال سيبويه و الخليل و جميع البصريين: إن قوله وَ الصَّابِئُونَ محمول على التأخير و محمول على الابتداء، و المعنى: أن الذين آمنوا و الذين هادوا من آمن بالله ... إلخ و الصَّابِئُونَ و النصارى كذلك أيضا. قوله تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
 [19/ 12] أي الحكمة و النبوة و هو ابن ثلاث سنين. قوله تعالى: أَصْبُ إِلَيْهِنَ‏
 [12/ 33] أي أميل إليهن. و" الصَّبِيُّ" الصغير و هو من الواو. و في القاموس: من لم يفطم بعد. و في الصحاح: الغلام. و الجمع صِبْيَةٌ بالكسر و الصِّبْيَانُ. و" الصِّبَا" مقصور مكسور: الصغر. و صَبَا صَبْواً مثل قعد قعودا و صَبْوَةً مثل شهوة: مال. و" الصَّبِيَّةُ" على فعيلة: الجارية، و الجمع" الصَّبَايَا" مثل المطية و المطايا. و" بنت تسع سنين لا تُسْتَصْبَى إلا أن يكون في عقلها ضعف" أي لا تعد في الصبايا. و" أم الصِّبْيَانِ" ريح تعرض لهم. و" الإمرة الصِّبْيَانِيَّةُ" القوية الشديدة، و منه‏
" خَالِطُوهُمْ بِالْبَرَّانِيَّةِ وَ خَالِفُوهُمْ بِالْجَوَّانِيَّةِ إِذَا كَانَتِ الْإِمْرَةُ صِبْيَانِيَّةً".
وَ فِي الْحَدِيثِ:" مَنْ كَانَ عِنْدَهُ صَبِيٌّ فَلْيَتَصَابَ".
أي يجعل نفسه مثله و ينزلها منزلته. و" الصَّبَا" كعصا: ريح تهب من مطلع الشمس، و هي أحد الأرياح الأربع. و قيل: الصَّبَا التي تجي‏ء من ظهرك إذا استقبلت القبلة، و" الدَّبُورُ" عكسها. و العرب تزعم أن الدَّبُورَ تزعج السحاب و تشخصه في الهواء ثم تسوقه، فإذا علا كشفت عنه و استقبلته الصبا فوزعت بعضه على بعض حتى يصير كسفا واحدا، و الْجَنُوبُ تلحق روادفه به و تمده، و الشَّمَال‏

260
مجمع البحرين1

صبا ص 259

تمزق السحاب. و عن بعض أهل التحقيق أن الصَّبَا محلها ما بين مطلع الشمس و الجدي في الاعتدال، و الشمال محلها من الجدي إلى مغرب الشمس في الاعتدال، و الدبور من سهيل إلى المغرب، و الجنوب من مطلع الشمس إليه. و قد نظم ذلك بعضهم فقال:
مهب الصبا من مطلع الشمس واصل             إلى الجدي و الشمال حتى مغيبها
و بين سهيل و الغروب تفردت             دبور و مطلعها إليه جنوبها

 (صحا)
الصَّحْوُ: ذهاب الغيم، يقال:" أَصْحَتِ السماء" بالألف أي انقشع عنها الغيم فهي مُصْحِيَةٌ. و عن الكسائي لا يقال:" أَصْحَتْ فهي مُصْحِيَةٌ" و إنما يقال: صَحَتْ فهي صَحْوٌ، و أَصْحَى اليوم فهو مُصْحٍ، و" أَصْحَيْنَا" صرنا في صَحْوٍ. و عن السجستاني: العامة تظن أن" الصَّحْوَ" لا يكون إلا ذهاب الغيم، و ليس كذلك و إنما الصَّحْوُ تفرق الغيم مع ذهاب البرد. و" صَحَا من سكره صَحْواً" أي زال سكره فهو صَاحٍ.
 (صدا)
قوله تعالى: مُكاءً وَ تَصْدِيَةً
 [8/ 35] قيل: المكاء الصفير، و التَّصْدِيَةُ تفعلة من الصدى و هو أن يضرب بإحدى يديه على الأخرى فيخرج بينهما صوت و هو التصفيق. قوله تعالى: فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى‏
 [80/ 6] أي تعرض و تقبل عليه بوجهك، من" التَّصَدِّي" و هو الاستشراف إلى الشي‏ء ناظرا إليه،
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (ره): وَ قِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ (ع) تُصَدَّى بِضَمِّ التَّاءِ وَ فَتْحِ الصَّادِ وَ تُلَهَّى بِضَمِّ التَّاءُ أَيْضاً.
وَ فِي الْخَبَرِ:" فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَتَصَدَّى لَهُ (ص) لِيَأْمُرَهُ بِقَتْلِهِ".
أي يتعرض له، و الْمُصَادَّةُ: المعارضة. و" صَدَى" كنوى: ذكر البوم. و" صَدَأَ الحديد" وسخه، و صَدِئ‏

261
مجمع البحرين1

صدا ص 261

الحديد صَدَءاً من باب تعب إذا علاه الخرب‏
وَ فِي الْخَبَرِ:" إِنَّ هَذَا الْقَلْبَ يَصْدَأُ كَمَا يَصْدَأُ الْحَدِيدُ".
أي يركبه الرين بمباشرة المعاصي و الآثام فيذهب بجلائه.
وَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع):" يَصْدَأُ الْقَلْبُ فَإِذَا ذَكَرْتَهُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ انْجَلَى".
و" صَدِيَ صَدىً" من باب تعب: عطش، فهو صَادٍ و صَدْيَانُ و امرأة صَدْيَا و قوم صِدَاءٌ أي عطاش. و" الصَّدَى" صوت يسمعه المصوت عقيب صوته راجعا إليه من جبل أو بناء مرتفع. و" الصَّدَى ما يخرج من الآدمي بعد موته و حشو الرأس و الدماغ.
 (صرا)
فِي الْحَدِيثِ:" لَا تُصَرُّوا الْإِبِلَ وَ الْغَنَمَ فَإِنَّهُ خِدَاعٌ".
أي لا تفعلوا ذلك فإنه خداع، التَّصْرِيَةُ فيما بينهم هي تحفيل الشاة و البقرة و الناقة و جمع لبنها في ضرعها بأن تربط أخلافها و يترك حلبها اليوم و اليومين و الثلاثة ليتوفر لبنها ليراه المشتري كثيرا فيزيد في ثمنها و هو لا يعلم. يقال:" صَرِيَتِ الناقة" من باب تعب فهي صَرِيَةٌ، و" صَرَيْتُهَا صَرْياً" من باب رمى، و التضعيف مبالغة و تكثير: إذا تركت حلبها و جمعت لبنها.
 (صعا)
في الحديث ذكر" الصَّعْوَةِ" كتمرة، قيل: هي اسم طائر من صغار العصافير أحمر الرأس، و الجمع صَعْوٌ و صِعَاءٌ كدلو و دلاء.
 (صغا)
قوله تعالى: وَ لِتَصْغى‏ إِلَيْهِ‏
 [6/ 113] أي يميل إليه، أي إلى هذا الوحي أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، أي قلوبهم. فالعامل في قوله تعالى: وَ لِتَصْغى‏
 قوله يُوحِي و لا يجوز أن يكون العامل فيه جَعَلْنا لأن الله لا يريد إصغاء القلوب إلى الكفر و وحي الشياطين. قوله تعالى: إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما
 [66/ 4] قال الشيخ‏

262
مجمع البحرين1

صغا ص 262

أبو علي: هو خطاب لعائشة و حفصة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما، فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما
 أي وجد منهما ما يوجب التوبة و هو ميل قلوبكما عن الواجب فيما يخالف رسول الله (ص) من حب ما يحبه و كراهة ما يكرهه، أو إن تتوبا إلى الله مما هممتما من الشتم فقد زاغت قلوبكما. و" صَغِيَ يَصْغَى صَغاً" من باب تعب و صُغِيّاً على فعول و صَغَوْتُ" من باب قعد لغة. و بالأولى جاء القرآن. و" صَغَتِ النجوم" مالت للغروب. و" أَصْغَيْتُ بسمعي و رأسي" أملتهما
 (صفا)
قوله تعالى: أَ فَأَصْفاكُمْ‏
 [17/ 40] أي آثركم. قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ‏
 [2/ 158] هما جبلان معروفان بمكة يسعى بينهما، و يجوز التذكير و التأنيث في الصَّفَا باعتبار لفظ المكان و البقعة، و يستعمل في الجمع و المفرد، فإذا استعمل في المفرد فهو الحجر و إذا استعمل في الجمع فهو الحجارة الملساء، الواحدة" صفوانة".
وَ فِي الْحَدِيثِ:" إِنَّمَا سُمِّيَ الصَّفَا صَفَا لِأَنَّ الْمُصْطَفَى آدَمَ هَبَطَ عَلَيْهِ فَقُطِعَ لِلْجَبَلِ اسْمٌ مِنِ اسْمِ آدَمَ، وَ هَبَطَتْ حَوَّاءُ عَلَى الْمَرْوَةِ فَسُمِّيَتِ الْمَرْوَةَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ أُهْبِطَتْ عَلَيْهَا فَقُطِعَ لِلْجَبَلِ اسْمٌ مِنِ اسْمِ الْمَرْأَةِ".
قوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [35/ 32] قيل: هم علماء الأمة لما
رُوِيَ:" أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ".
وَ فِي حَدِيثِ الْبَاقِرِ وَ الصَّادِقِ (ع) قَالا:" هِيَ لَنَا خَاصَّةً وَ إِيَّانَا عَنَى".
و قوله تعالى: فَمِنْهُم‏

263
مجمع البحرين1

صفا ص 263

ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قيل: الضمير للعباد، لأن من عباده من هو ظالِمٌ لِنَفْسِهِ و من هو مُقْتَصِدٌ و من هو سابِقٌ بِالْخَيْراتِ. و قيل: الضمير للذين اصطفاهم لكنه لا يلائم قوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ كما ترى. و
فِي تَفْسِيرِ الشَّيْخِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ: فَمِنْهُمْ أَيْ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ هُوَ الْجَاحِدُ لِلْإِمَامِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ هُوَ الْمُقِرُّ بِالْإِمَامِ وَ مِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ هُوَ الْإِمَامُ.
قوله تعالى: كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ‏
 [2/ 264] صَفْوَانٌ اسم للحجر الأملس، و هو اسم واحد معناه جمع واحده" صفوانة" أيضا. و" صَفَا الماء صُفُوّاً" من باب قعد و صَفَاءً ممدودا: إذا خلص من الكدر. و" صَفَّيْتُهُ من القذر تَصْفِيَةً" أزلته عنه و" صَفْوُ الشي‏ء" خالصه و خياره.
وَ فِي حَدِيثِ الْأَئِمَّةِ (ع):" نَحْنُ قَوْمٌ فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَنَا، لَنَا الْأَنْفَالُ وَ لَنَا صَفْوُ الْمَالِ".
أي جيده و أحسنه كالجارية الفاره و السيف القاطع و الدرع قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال. و
فِي آخَرَ:" لِلْإِمَامِ صَوَافِي الْمُلُوكِ".
و هي ما اصطفاه ملك الكفار لنفسه، و قيل: الصَّوَافِي ما ينقل و القطائع ما لا ينقل، و قد اصْطَفَى رسول الله يوم بدر سيف منبه بن الحجاج و هو ذو الفقار اختاره لنفسه. و" محمد (ص) صَفْوَةُ الله من خلقه" أي اصطفاه.

264
مجمع البحرين1

صفا ص 263

و" صَفْوَةُ المال" بحركات الصاد: جيده، فإذا نزعوا الهاء قالوا:" صَفْوُ المال" بالفتح لا غير. و" الصَّافِيَةُ" أحد الحيطان السبعة لفاطمة (ع). و صَفْوَانُ بن يحيى البجلي الثقة أحد رواة الحديث. و الصَّفْوَانِيُّ هو محمد بن أحمد [بن عبد الله‏] بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال شيخ الطائفة ثقة فقيه فاضل. و صَفْوَانُ بن أمية الجمحي هو الذي استعار درعا حطمية و كان ذلك قبل إسلامه و هو الذي سرق رداؤه من المسجد بعد إسلامه. و صَفِيَّةُ بنت عبد المطلب والدة الزبير و لذا كان علي ابن خاله.

265
مجمع البحرين1

صلا ص 266

(صلا)

قوله تعالى: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ‏
 [22/ 40] قيل: هي كنائس اليهود، و سميت الكنيسة صلاة لأنه يصلى فيها.
وَ فِي قِرَاءَةٍ مَرْوِيَّةٍ عَنِ الصَّادِقِ (ع)" صُلُوَاتٌ" بِضَمِّ الصَّادِ وَ اللَّامِ وَ فَسَّرَهَا بِالْحُصُونِ وَ الْآطَامِ، وَ هِيَ حُصُونٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَ الْبِيَعُ لِلنَّصَارَى.
و" الصَّلَاةُ" في كتاب الله جاءت لمعان: (منها) قوله تعالى: وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ‏
 أي و ادع لهم إِنَّ صَلاتَكَ‏
 أي دعاءك سَكَنٌ و تثبيت لَهُمْ [9/ 103]. و (منها) قوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً
 [4/ 103] و يريد بها الصَّلَاةَ المفروضة. و (منها) قوله تعالى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ
 [2/ 157] أي ترحم. و (منها) قوله تعالى: أَ صَلاتُكَ تَأْمُرُكَ‏
 [11/ 87] أي دينك، و
قِيلَ: كَانَ شُعَيْبٌ كَثِيرَ الصَّلَاةِ فَقَالُوا لَهُ ذَلِكَ.
و" الْمُصَلَّى" بفتح اللام موضع الصلاة و الدعاء، و منه قوله تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى‏
 [2/ 125] قوله تعالى: اصْلَوْهَا*
 [36/ 64] أي احترقوا بها. يقال:" صَلَيْتُ النار و بالنار" إذا نالك حرها. قوله تعالى: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً
 [4/ 30] أي نلقيه فيها. قوله تعالى: وَ يَصْلى‏ سَعِيراً
 [84/ 12] قرى‏ء مخففا و مشددا فمن خفف فهو" من صلي" بكسر اللام يصلى صليا: احترق، و مثله: هُمْ أَوْلى‏ بِها صِلِيًّا
 [19/ 70]. قوله تعالى: وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ‏
 [56/ 94] التَّصْلِيَةُ: التلويح على النار. و اختلف في اشتقاق الصَّلَاةِ بمعنى ذات الأركان: فعن المغرب أنها فعلة من" صلى" كالزكاة من زكى و اشتقاقها من‏

266
مجمع البحرين1

صلا ص 266

" الصَّلَا" و هو من العظم الذي عليه الأليان، لأن الْمُصَلِّي يحرك صَلْوَيْهِ في الركوع و السجود. و عن ابن فارس هي من" صليت العود بالنار" إذا لينته، لأن الْمُصَلِّي يلين بالخشوع. قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ‏
 [33/ 56] قرئ برفع مَلَائِكَتُهُ، فقال الكوفيون بعطفها على أصل إن و اسمها، و قال البصريون مرفوعة بالابتداء كقول الشاعر:
نحن بما عندنا و أنت بما             عندك راض و الأمر مختلف‏

قال بعض الأفاضل:" الصَّلَاةُ" و إن كانت بمعنى الرحمة لكن المراد بها هنا الاعتناء بإظهار شرفه و رفع شأنه، و من هنا قال بعضهم: تشريف لله محمدا (ص) بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ‏
 أبلغ من تشريف آدم بالسجود.
وَ فِي الدُّعَاءِ:" اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَ آلِ إِبْرَاهِيمَ".
قيل: ليس التشبيه من باب إلحاق الناقص بالكامل، بل لبيان حال من يعرف بمن لا يعرف، و قيل: هو في أصل الصَّلَاةِ لا في قدرها. و قيل: معناه اجعل لمحمد صَلَاةً بمقدار الصَّلَاةِ لإبراهيم و آله، و في آل إبراهيم خلائق لا يحصون من الأنبياء و ليس في آله نبي، فطلب إلحاق جملة فيها نبي، واحد بما فيه أنبياء. و اختلف في وجوب الصَّلَاةِ على محمد (ص) في الصَّلَاةِ: فذهب أكثر الإمامية و أحمد و الشافعي إلى وجوبها فيها، و خالف أبو حنيفة و مالك في ذلك و لم يجعلاها شرطا في الصلاة، و كذلك اختلف في إيجابها عليه في غير الصَّلَاةِ: فذهب الكرخي إلى وجوبها في العمر مرة، و الصحاوي‏

267
مجمع البحرين1

صلا ص 266

كلما ذكر و اختاره الزَّمخشري، و كذلك ابن بابويه من فقهائنا و هو قوي.
وَ فِي الْحَدِيثِ:" الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ (ص) أَفْضَلُ مِنَ الدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ".
و وجهه أن فيها ذكر الله و تعظيم النبي، و من ذكره عن مسألة أعطاه أفضل مما يعطي الداعي لنفسه، و يدخل في ذلك كفاية ما يهمه في الدارين. و
فِيهِ:" مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِ عَشْراً".
أي دعت له و باركت و جاءت الصَّلَاةُ بمعنى التعظيم، قيل: و منه" اللهم صَلِّ على محمد و آل محمد" أي عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره و إظهار دعوته و إبقاء شريعته، و في الآخرة بتشفيعه في أمته و تضعيف أجره و مثوبته. و
فِيهِ:" مَا مِنْ صَلَاةٍ يَحْضُرُ وَقْتُهَا إِلَّا نَادَى مَلَكٌ بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ ..
إلخ" قال بعض الشارحين" من" صلة لتأكيد النفي" إلا نادى ملك" استثناء مفرغ و جملة" نادى ملك" حالية، و المعنى: ما حضر وقت صَلَاةٍ على أي حالة من الحالات إلا مقارنا لنداء ملك ... إلخ و إنما صح خلو الماضي عن" قد" و الواو مع كونه حالا لأنه في هذه المقامات قصد به تعقيب ما بعد" إلا" لما قبلها فأشبه الشرط و الجزاء- انتهى. و يتم البحث في" يدا" إن شاء الله تعالى. و" الصَّلَا" وزان العصا و هو مغرز الذنب من الفرس. و" الصَّلَوَانُ" العظمان النابتان عن يمين الذنب و شماله، و منه قيل للفرس الذي بعد السابق" الْمُصَلِّي" لأن رأسه عند صَلَا السابق. و عليه حمل قوله تعالى: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ‏
 [74/ 43] أي لم نك من أتباع السابقين. و" الْمَصَالِي" الأشراك تنصب للطير، و منه‏
" إِنَّ لِلشَّيْطَانِ فُخُوخاً وَ مَصَالِيَ".
الواحدة مِصْلَاةٌ. و قيل:" و مَصَالِي الشيطان" ما يستفز الناس به من زينة

268
مجمع البحرين1

صلا ص 266

الدنيا و شهواتها. و" الصِّلَاءُ" ككساء: الشواء لأنه يصلى بالنار. و" الصِّلَاءُ" أيضا: صلاء النار. قال الجوهري: فإن فتحت الصاد قصرت و قلت" صَلَا النار". و" الِاصْطِلَاءُ بالنار" تسخن بها. و" فلان لا يُصْطَلَى بناره" أي شجاع لا يطاق.
 (صنا)
قوله تعالى: صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ‏
 [13/ 4] الصِّنْوَانُ نخلتان و ثلاث من أصل واحد، فكل واحدة منهن صنو كجرو، و الجمع" صِنْوَانٌ". و" الصِّنْوُ" المثل، و منه‏
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:" عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ".
أي مثله‏
 (صوا)
" الصُّوَى" الأعلام من الحجارة، الواحدة" صُوَّةٌ" مثل مدية و مدى. و" الصَّاوِي" اليابس، و منه صَوَتِ النخلة
 (صها)
يقال: صَهِيَ الجرح بالكسر يَصْهَى صَهْياً إذا ندي و سال.
باب ما أوله الضاد
 (ضحا)
قوله تعالى: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها
 [91/ 1] أي ضوئها إذا أشرقت. قوله تعالى: وَ أَخْرَجَ ضُحاها
 [79/ 29] أي نورها و الضمير للشمس و" ضُحَى الشمس" امتداد ضوئها و انبساطه و إشراقه. قوله تعالى: وَ لا تَضْحى‏
 [20/ 119] أي لا يصيبك فيها أذى الشمس و حرها. قوله تعالى: وَ الضُّحى‏
 [93/ 1]

269
مجمع البحرين1

ضحا ص 269

أي وقت ارتفاع الشمس، و خصه لقوة النهار فيه، أو لتكليم موسى فيه، أو أراد النهار لمقابلته بالليل. قوله تعالى: يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها
 [79/ 46] قيل: معناه يَوْمَ يَرَوْنَها أي يعاينون القيامة لَمْ يَلْبَثُوا في الدنيا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها
 و قيل: معناه إذا رأوا الآخرة صغرت الدنيا في أعينهم حتى كأنهم لم يقيموا بها إلا مقدار عشية أو مقدار ضُحَى تلك العشية. و مثله قوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [46/ 35].
وَ فِي الْحَدِيثِ:" أَضْحِ لِمَنْ أَحْرَمْتَ لَهُ".
أي اظهر و اعتزل الكن و الظل. يقال:" ضَحَيْتُ للشمس و ضَحِيتُ" إذا برزت لها و ظهرت. و في الصحاح: يرويه المحدثون أَضِحْ بفتح الألف و كسر الحاء و إنما هو بالعكس- انتهى. و" ضَحْوَةُ النهار" بعد طلوع الشمس قال الجوهري: ثم بعده الضُّحَى و هي حين تشرق الشمس، مقصورة تؤنث و تذكر فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضَحْوَةٍ، و من ذكّر ذهب إلى أنها اسم على فعل مثل صرد، و هو ظرف غير متمكن مثل سحر و يقال:" لقيته ضُحَى" إذا أردت به ضحى يومك [لم تنونه‏]، ثم بعده الضَّحَاءُ ممدود مذكر و هو عند ارتفاع النهار الأعلى، تقول منه:" أقمت بالمكان حتى أَضْحَيْتُ".
وَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ:" حَتَّى ضَاحَتْ بِلَادُنَا وَ اغْبَرَّتْ أَرْضُنَا".
أي برزت للشمس و ظهرت بعد النبات فيها، من" ضَحَيْتُ للشمس" برزت،
وَ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ (ع):" إِنْ ضَاحَتْ جِبَالُنَا".
و سيجي‏ء في محله إن شاء الله تعالى. و الْأَضْحَى من الخيل: الأشهب و الأنثى ضَحْيَاءُ. و" ضَاحِيَةُ كل شي‏ء" ناحيته البارزة، و منه" ينزلون الضَّوَاحِي" و فلان أَضْحَى‏

270
مجمع البحرين1

ضحا ص 269

يفعل كذا" كما تقول:" ظل يفعل كذا" و" ضَحَّى تَضْحِيَةً" إذا ذبح الأضحية وقت الضحى يوم الأضحى، و هذا أصله ثم كثر حتى قيل و ضَحَّى في أي وقت كان من أيام التشريق، و يتعدى بالحرف فيقال:" أَضْحَيْتُ بشاة". و في الْأُضْحِيَّةِ لغات محكية عن الأصمعي أُضْحِيَّةٌ و إِضْحِيَّةٌ بضم الهمزة و كسرها و ضَحِيَّةٌ على فعيلة و الجمع ضَحَايَا كعطية و عطايا و أَضْحَاةٌ كأرطاة و الجمع أَضْحىً كأرطى.
 (ضرا)
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (ع):" يَمْشُونَ الْحَفَاءَ وَ يُدْنُونَ الضَّرَاءَ".
و هو بتخفيف الراء و المد و الفتح: الشجر الملتف، يريد المكر و الخديعة- قاله في النهاية. و فيه نهي عن الشرب في الإناء الضَّارِي و هو الذي ضري بالخمر و عود بها فإذا جعل فيه العصير صار خمرا. و الضَّارِي من الكلاب ما لهج بالصيد. يقال: ضَرِيَ بالشي‏ء كتعب ضَرَاوَةً اعتاده و اجترى عليه فهو ضَارٍ، و كلبة ضَارِيَةٌ و يعدى بالهمز و التضعيف فيقال: أَضْرَيْتُهُ و ضَرَّيْتُهُ. و" الذئب الضَّارِي" الذي اعتاد أكل لحوم الناس. و" عرق ضَرِيٌّ" لا يكاد ينقطع دمه.
 (ضفا)
" ثوب ضَافٍ" أي سابغ من الضفو السبوغ، يقال: ضَفَا الثوب يَضْفُو ضَفْواً فهو ضَافٍ أي تام واسع، و" فلان في ضَفْوَةٍ من عيشه" و" رجل ضَافِي الرأس" كثير شعر الرأس- قاله الجوهري.
 (ضنا)
فِي حَدِيثِ الْخِضَابِ:" يَذْهَبُ بِالضَّنَاءِ".
بالفتح و المد اسم من ضَنِيَ بالكسر: مرض مرضا ملازما حتى أشرف على الموت، فهو" ضَنٍ" بالنقص، و منه‏

271
مجمع البحرين1

ضنا ص 271

الْخَبَرُ:" إِنَّ مَرِيضاً اشْتَكَى حَتَّى أَضْنَى".
أي أصابه الضنا حتى نحمل جسمه. و أَضْنَاهُ المرض: أثقله.
وَ فِي حَدِيثٍ:" الدُّنْيَا تُضْنِي ذَا الثَّرْوَةِ الضَّعِيفَ".
أي تمرض صاحب الثروة و الغناء الضعيف الاعتقاد بإدخال الحرص و البخل و سوء الاعتقاد، فلا ينتفع بشي‏ء من غناه. و" الضَّنَاءُ" بالفتح: الولد، يقال: ضَنَتِ المرأة ضَنَاءً: كثر ولدها فهي ضَانِئٌ، و ضَانِئَةٌ و أَضْنَأَتْ مثله- قاله الجوهري. و قال في باب الألف:" ضَنَتِ المرأة ضَنَاءً" ممدود: كثر ولدها يهمز و لا يهمز و" الضَّنْوُ" الولد بفتح الضاد و كسرها بلا همز- نقلا عن أبي عمرو.
 (ضوا)
قوله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً
 [10/ 5] الضِّيَاءُ: الضوء و كذلك الضُّوْءُ بالضم. و فرق ما بين الضياء و النور هو أن الضِّيَاءَ ما كان من ذات الشي‏ء كالشمس، و النُّورُ ما كان مكتسبا من غيره كاستنارة الجدران بالشمس. و" أَضَاءَ القمر إِضَاءَةً" أنار و أشرق، و ضَاءَ ضَوْءاً لغة. و الكواكب قيل: كلها مُضِيئَةٌ بذاتها إلا القمر فإن نوره مستفاد من الشمس. و قيل: إن الْمُضِي‏ءَ