التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
المقدمة ص : 5
الجزء
الأول
بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ+
[المقدمة]
إِيَّاكَ
نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ... الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعالَمِينَ+، و الصلوة و السّلام على أشرف بريّته خاتم النبيّين أبي القاسم محمّد
و آله الطاهرين.
رَبِّ
إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
و بعد: فلمّا
كانت الاستفادة من الحقائق و المعارف و الأحكام و الآداب من القرآن المجيد،
متوقّفةً على فهم مفردات كلماته على وجه التدقيق و التحقيق:
فيلزم علينا
أن نجهد في إدراك حقائق تلك الكلمات و اللغات، و التمييز بين مفاهيمها الحقيقيّة و
المجازيّة.
و كانت الكتب
المؤلّفة في لغات العرب مختلفة، و أكثرها ما ألّفت و الغرض فيها جمع الأقوال و
الاشارة الى مطلق موارد الاستعمال بأيّ وجه كان، فهذه الكتب لا تغني من الحقّ
شيئاً، و لا تزيد إلّا ضلالًا و تحيّرا في كلمات اللّه تعالى.
و من فضل
اللّه المتعال و تأييده: أن وفّقنى لتأليف هذا الكتاب الشريف بهذا المنظور، و على
هذه الخصوصيّات:
1- اعتمدنا
في نقل اللّغات على كتب الّفت على مبنى الدقّة و تمييز الحقيقة و النُّكْتَة و
التحقيق و إيراد الصحيح، كالصحاح و المقاييس و الاشتقاق و المصباح و
5
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
المقدمة ص : 5
التهذيب و
الجمهرة و العين و أمثالها.
2- و نقلنا
عمّا يقرب منها في الدقّة و التحقيق، تأييدا و توضيحا، كالأساس و الفائق و
المفردات و اللسان.
3- رمزنا عن
الكتب الّتى ننقل عنها كثيرا، للاختصار، و أشرنا اليها في آخر الكتاب.
4- و كان
نقلنا عن الكتب بمقدار حاجتنا من دون تغيير و زيادة، و أسقطنا منها ما لم تمسّ
الحاجة اليه.
5- و كتبنا
ما ننقل من كلمات القوم بخطّ النسخ: و ما يضاف إليها و يلحق بها من التوضيح و
التحقيق و التفسير بخطّ النستعليق. في الطبعة الاولى، و ميزّنا بينهما بعلامات في
الطبعة الثانية.
6- و احترزنا
في التعليق و البيان عن التطويل، و عن نقل ما هو خارج عن موضوع بحثنا، و عن
المكرّرات.
7- و كان
اعتمادنا في تعيين الآيات على كتاب المعجم المفهرس، في أكثر الموارد، و قد نقلنا
عن سائر، المصاحف المصريّة في بعض الموارد.
8- و لم يكن
غرضنا من تأليف هذا الكتاب: إلّا التحقيق و الكشف عن المعاني الحقيقيّة للكلمات، و
اجتهدنا غاية الاجتهاد و بذلنا نهاية وسعنا و استمددنا من الآيات الكريمة، و
تعرّضنا للفيوضات الإلهيّة و الإلهامات الربّانيّة فيها، فنحمد اللّه تعالى على ما
هدانا و ألهمنا. وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ العزيز الحكيم.
9- و لمّا
تبيّن الحقّ في كلمة: طبقناه على موارد استعمال تلك الكلمة في الآيات الكريمة،
ليظهر الحقّ و يزهق الباطل.
10- و إذا
ظهر الأصل الواحد في مادّة: أرجعنا سائر المعاني المجازيّة و المستعملة اليه، و
بيّنا وجه المناسبة بينها.
11- و حيث
تبيّن الحقّ: لم نتعرّض لما في كتب اللغة و التفسير و الأدب
6
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
المقدمة ص : 5
من جهات
الضعف و الوهن و الانحراف.
12- و في إثر
هذه الدقّة و التحقيق: قد اتّضحت حقائق لامعة و معارف حقّة و لطائف شريفة و أسرار
مكنونة قد خفيت على اكثر المفسّرين و اشتبهت عليهم.
و الْحَمْدُ
لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا
اللَّهُ ...، وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ
تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.
الطبعة
الاولى- طهران- 1393 ه. ق.
حسن
المصطفوي
7
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
«تنبيه و اعتذار» ص : 8
«تنبيه و
اعتذار»
لمّا كانت
كتابة هذه المجموعة و تأليفها مسودّة و مبيضّة، في نسخة واحدة و ذلك لضيق المجال،
فنرجو من إخواننا الكرام الفضلاء أن يسامحونا فيما يرون فيها من وهن أو خطأ في
كتابة أو عبارة.
ثمّ جدّدنا
النظر في الجملة، و أصلحنا ما كان محتاجا الى الإصلاح و التغيير في الطبعة
الثانية. و نرجو إتمام الإصلاح بنظر الأفاضل الكرام من المحقّقين.
المؤلّف
[ملاحظات]
و يلزم علينا
أن نشير الى مطالب لا بدّ من التوجّه اليها في مطالعة هذا الكتاب، و هي امور:
1- إنّ
الترادف الحقيقيّ بمعنى توافق اللفظين في معنى واحد من جميع الخصوصيّات: غير موجود
في كلمات العرب، و لا سيّما في كلمات القرآن الكريم. و لكلّ من الألفاظ المترادفة
ظاهرا خصوصيّة يمتاز بها عن نظائرها. و قد أشرنا الى تلك الخصوصيّات الفارقة في
ضمن كلّ لغة إجمالًا.
2- موادّ
الألفاظ و هيئاتها توجبان خصوصيّة و امتيازا في معانيها و لا يبعد أن ندّعى بأنّ
دلالة الألفاظ ذاتيّة في الجملة، و إن عجزت أفهامنا عن إدراكها تفصيلا، كما أنّ
اختلاف الأشكال و ظواهر الأبدان يدلّ على اختلاف البواطن و
8
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
ملاحظات ص : 8
الصفات، و إن
لم ندركها بحقائقها، و يشهد على ذلك علم القيافة و الفراسة و خطوط الكفّ.
3- الاشتراك
اللفظيّ بمعنى كون لفظ مشتركا بين معنيين أو معاني بنحو الدلالة الحقيقيّة و عند
قوم معيّن: غير موجود في كلمات العرب، و لا سيّما في كلمات القرآن الكريم. و كلّما
يدّعى كونه منه إمّا من باب الاشتراك المعنويّ، أو من باب الاستعمال في المصاديق و
هذا هو الأغلب، أو مأخوذ من لغة اخرى و الغالب فيها هو العبرىّ ثمّ السريانىّ، أو
منقول عن قوم آخرين و مستعمل عندهم.
4- و لمّا
كان استعمال الكلمات في القرآن الحكيم بقيد الحكمة و التوجّه الى خصوصيّات الكلمة
و اللطائف المخصوصة بها، بحيث إن وضعت كلمة اخرى أيّ كلمة مكانها فاتت تلك
الخصوصيّة: فلا يجوز التسامح في بيان معانيها و الاكتفاء فيها على شاهد من كلمات
العرب في الجملة، مع أنّ المجاز متداول في جميع اللغات إن لم يكن غلطا، و لا سيّما
في الأشعار فإنّ التقيّد بوزن مخصوص و قافية معلومة يوجب التسامح في استعمال
الكلمات، حتّى يرتفع المضيق و الاضطرار في الوزن.
5- فظهر أنّ
استعمال كلمة في معنى، في كلمات اللّه و لا سيّما في القرآن الحكيم الوارد على
سبيل الإعجاز: دليل على الحقيقة، و لا يعارضها ما في معاني كلمات العرب من شعرهم
أو نثرهم، فانّ التجوّز فيها شايع كثير، و إنّهم يتسامحون في اطلاق الكلمات بأيّ
علاقة. نعم يستنتج من استقصاء الاستعمال في كلماتهم و التحقيق من موارده، تعيين
الحقيقة و الأصل الواحد في الكلمة حتّى يرجع اليها سائر المعاني المناسبة.
6- و مراجع
تحقيقنا في استخراج الأصل الواحد في كلّ كلمة: الكتب المستندة المعتبرة المؤلّفة
في القرون الأوّليّة على هذا الترتيب:
فأوّلًا-
التهذيب لأبي منصور الأزهرىّ- 282- 370 ه، و العين للخيل المتوفّى سنة 175- ه.
9
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
البحث في بعض موضوعات مذكورة في الكتاب ص : 10
و ثانيا-
معجم مقاييس اللغة لابن فارس المتوفّى 395 ه.
و ثالثا-
الجمهرة، و الاشتقاق لابن دريد- 223- 321 ه.
و رابعا-
صحاح اللغة للجوهريّ، و مصباح اللغة للفيّومى.
و خامسا-
أساس البلاغة، و الفائق للزمخشريّ المتوفّى 583- ه.
و سادسا-
لسان العرب لابن منظور 630- 711 ه.
و سابعا-
المفردات للراغب الاصبهانيّ المتوفّى 565 ه.
ثمّ استفدنا
في مقام طلبتنا عن سائر كتب اللغة: كفروق اللغة للعسكرىّ، و كتاب الأفعال لابن
القطّاع، و كليّات أبى البقاء الكفويّ، و المعرّب من الكلام للجواليقيّ، و فقه
اللغة للثعالبيّ، و غيرها كالقواميس العبريّة و غيرها.
7- و قد
نقلنا من هذه الكتب ما يفيد في تحصيل غرضنا و استنتاج مقصدنا، و مقدار ما يلزم
نقله في إفادة المطلوب، أو ما فيه فائدة أدبيّة مربوطة، و لم نلتزم نقل جميع ما في
الباب، و لا سيّما من المفصّلات كالتهذيب و اللسان، و لكنّا نقلنا منها عين
ألفاظها و عباراتها من دون تحريف و تبديل و تغيير و زيادة.
8- و قد
استفدنا في كلّ كلمة بعد مراجعة تلك الكتب: عن موارد استعمال الكلمة في القرآن
الحكيم، و كان هذا النظر هو المهمّ المنتج، و لا عجب فيه فانّه كلام اللّه العزيز
العليم، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ
خَلْفِهِ تنزيل من ربّ حكيم عظيم.
9- و استفدنا
من كتب الأدب و الإعراب و الاشتقاق للعلماء المتقدّمين كأدب الكاتب و الكافيّة و
الشافيّة و كتب الزمخشري و الكتاب لسيبويه و أشباهها، و لا سيّما في الاشتقاق من
المشتقّات و المقالات للعلّامة المحقّق التبريزي رضوان اللّه عليه.
10- فليراجع
في معاني الهيئات الى فهرس المجلّد الأوّل و سائر المجلّدات.
[البحث في
بعض موضوعات مذكورة في الكتاب]
و قد سأل
منّى بعض فضلاء الأصدقاء المعظّمين أن أشرح لهم بعض
10
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الأول - الاشتقاق ينقسم على أقسام: ص : 11
موضوعات
مذكورة في الكتاب، و أوضح بعض مطالب من مبانى مخصوصة في هذا التأليف، فامتثلت أمره
و أنجحت مأموله و أجبت مسؤوله بقدر الميسور، و منه التأييد.
الأوّل-
الاشتقاق ينقسم على أقسام:
1-
الاشتقاق الصغير أو الأصغر-
هو أن يشتمل
الفرع على أصول حروف الأصل مع محفوظيّة الترتيب بينها، كاشتقاق الأفعال و الصفات
عن المصدر، كما في الضرب و ضرب و يضرب و اضرب و ضارب.
2-
الاشتقاق الكبير،
و قد يعبّر
عنه بالصغير: و هو أن يشتمل الفرع على اصول الأصل فقط و لا يلاحظ فيه ترتيب
الحروف، كما في حمد و مدح، و جذب و جبذ، و غرد و رغد.
3-
الاشتقاق الأكبر،
و قد يعبّر
عنه بالكبير: و هو ما لا يشتمل على شيء منهما، فليست حروف الأصل مضبوطة في الفرع
و لا محفوظة الترتيب، و لكن يوجد تناسب بينهما في اللفظ و المعنى، كما في خبت و
خبط و خفت و خفي و خبل، فيستفاد منها مفهوم الانخفاض. و هكذا في الغور و الغوض و
الغوص و الغوط و الغيب، فيستفاد منها مفهوم الدخول و الورود.
و البحث في
علم الصرف إنّما هو في الاشتقاق الصغير.
4-
الاشتقاق الانتزاعىّ:
و هو اشتقاق
عن موادّ جوامد تعتبر فيها جهة حدث انتزاعيّة في جهة من الجهات توجب صحّة الاشتقاق
منها، كالخروج عن شيء، و الورود و الدخول فيه، و العروض لشيء، و الاتّصاف به.
و القاعدة
الكليّة في جعل مصدر انتزاعيّ: هو إلحاق ياء مشدّدة مع هاء المصدريّة في آخر
الكلمة، و تفيد حينئذ انتساب شيء الى نفسه، و بذلك تخرج عن الجمود و يتحصّل في
مفادها تحليل و تفكيك، كالرجليّة.
فهذه أنحاء
الاشتقاق، و في التوجّه اليها، و ملاحظة خصوصيّة كلّ منها: تأثير كلّىّ في معرفة
حقائق المعاني، و لا يتمّ الوصول إليها إلّا بالاطلاع التامّ و المعرفة
11
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الثاني - الأصل الواحد: ص : 12
الكاملة
بخصايصها و آثارها.
فيلزم لمن
يريد السلوك في هذه المرحلة: أن يعرف خصوصيّات كلّ نوع من أنواع الاشتقاق و أن
يتوجّه الى خصوصيّات الصيغ و معانيها.
الثاني-
الأصل الواحد:
الأصل الواحد
هو المعنى الحقيقىّ و المفهوم الأصيل المأخوذ في مبدأ الاشتقاق، الساري في تمام
صيغ الاشتقاق.
و ممّا ينبغي
أن يتوجّه اليه: أنّ مفاهيم صيغ المشتقّات لا يصحّ أن يكون مخالفا أو ضدّا أو
مغايرا هذا الأصل الواحد الثابت الأصيل، فانّ تطوّر الهيئات و اختلافها لا يوجب
تغايرا و اختلافا في أصل المعنى الحقيقي، و إنّما يضاف إلي ما يستفاد من تطوّر
الهيئة.
و قد أشرنا
الى خصوصيّات معاني الهيئات المشتقّة في خلال المجلّد الأوّل و سائر المجلّدات.
و هذا المعنى
أصل مسلّم قطعىّ لمن يريد التحقيق في تعيين الأصل الواحد، و ردّ جميع مشتقّات
الكلمة و فروعها الى ذلك الأصل، و قد خفي هذا المعنى على أغلب أهل التأليف من
اللغويّين و الأدباء و المفسّرين.
و أمّا تعيين
الأصل الواحد و انتخابه في كلمة:
فأوّلا-
بالمراجعة الى كتب في اللغة تتعرّض و تتوجّه الى المعاني الحقيقيّة، و تميّزها عن
المجازيّة و لو إجمالًا، كما في مقاييس اللغة و أساس البلاغة.
و ثانيا-
بالمراجعة الى معاني اللغة في المعاجم المعتبرة و تمييز ما هو الغالب و الشائع
استعمالا في صيغة المشتقّة و ما يكون مرادا عند الإطلاق.
و ثالثا-
بالمراجعة الى جميع موارد استعمالها و استقصاء معانيها، ثمّ استخراج ما هو الجامع
بينها و الضابط لها و ما يناسب كلّا منها.
و رابعا-
بالمراجعة الى كلمات يراد فيها ظاهرا و التمييز بينها و تعيين
12
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الثالث - الدلالة الذاتية: ص : 13
خصوصيّة كلّ
منها، حتّى تتعيّن خصوصيّة كلّ لغة منها و امتيازها من بينها.
و خامسا-
بالمراجعة الى موارد استعمال المادّة في القرآن الكريم و الدقّة و النظر الخالص
فيها، و تحصيل ما هو الجامع بينها و الصادق حقيقة على جميعها، بحيث لا يبقى تجوّز
و لا التباس، فانّ الألفاظ القرآنيّة إنّما استعملت في المعاني الحقيقيّة.
و لا يخفي
أنّ المهمّ الأصيل في جميع هذه المقامات: هو التوجّه الخالص و الذهن الصافي و
القلب المنوّر و النفس المطهّر من الأرجاس و الكدورات، حتّى يهديه اللّه بفضله و
رحمته و منّه الى ما هو الحقّ، و يرشده الى الحقائق و اللطائف المكنونة.
الثالث-
الدلالة الذاتيّة:
و منظورنا من
هذه الكلمة: وجود تناسب بين حروف الكلمة و تركيبها و هيئتها و بين معناها المفهوم
منها حقيقة، و هذا التناسب ارتباط مخصوص بينهما، كتناسب مخصوص بين الروح و الجسد،
و الصفات النفسانيّة و الصورة، و صورة البدن و حركاته و خصوصيّة صوته، و هكذا جميع
المراحل الوجوديّة.
و يدلّ على
هذا المعنى امور:
الأوّل-
تحقّق النظم الكامل في جميع مراتب العالم، و للألفاظ سهم من الوجود، و النظم سار
في قاطبة مراحل الوجود، و التناسب سنخ من النظم.
الثاني- أنّ
وضع اللفظ لمعنى إمّا بأمر معنوىّ الهىّ أو بارادة الواضع، فالتناسب في الصورة
الاولى لا بدّ منه، و في الثانية أيضا: لا ينفكّ إرادته عن إرادة اللّه بالكليّة،
فانّ الأمر بين الأمرين.
الثالث- أنّ
انتخاب لفظ لمعنى مخصوص لا بدّ أن يكون بعد تصوّر المعنى ثم وضع لفظ مناسب راجح في
مقابله، لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح.
الرابع-
سريان نفوذه تعالى و جريان سلطانه و قدرته و حكمه في جميع أطوار الوجود و في جميع
مظاهر التكوين و مجالي الخلقة، و الألفاظ من مجالي الخلقة.
الخامس- هذا
المعنى مرتبط بتوحيد الأفعال أيضا.
13
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الرابع - و أما حصر استعمال - كلمات القرآن في الحقائق: ص : 14
و لا يخفي
أنّ المراد هو التناسب في الواقع و في نفس الأمر، و ليس بلازم أن نطّلع عليه و أن
نعرفه، كما في سائر موارده.
ثمّ إنّ هذا
الامر جارٍ في كلمات سائر انواع الحيوان، فهي أيضا تجليّات من مقاصدهم الباطنيّة و
ممّا يريدون تفهيمه و إظهاره، و أنّها مضبوطة غير مختلّة، و جارية على قوانين
كليّة، و لذا ترى تحقّق التفهيم و التفهّم بينهم.
و يدلّ على
هذا المعنى: ما في الاشتقاق الكبير و الأكبر، من تقارب المعاني و تشابه المفاهيم و
اشتراكها في جامع، كما في الخسر و الخسّ و الخسق، المشتركة في المحدوديّة و الضعف،
و الخبن و الخبأ و الخدر و الخلب و الخمن و الخفي، المشتركة في السرّ و الخفاء.
و قد أشرنا
في مطاوى مطالب الكتاب: أنّ ذوات الحروف و كيفيّة تركيبها و حركاتها و هيآتها لها
تأثير مخصوص في خصوصيّات المعاني، و كثيرا ما فتترق و تختلف معاني الكلمات
المتشابهة بهذه الخصوصيّات اللفظيّة، و هذا المعنى ظاهر جدّا في الكلمات المشتقّة
بالاشتقاق الصغير. و هذا بحث طويل.
فظهر
إجمالًا: أنّ للذوق و التدبّر و الدقّة في ظواهر الكلمات تأثيرا في تشخيص الأصل
الواحد و تعيينه و تمييز خصوصيّاته.
الرابع- و
أمّا حصر استعمال- كلمات القرآن في الحقائق:
فإنّ اللّه
عزّ و جلّ محيط حكيم عالم، و علمه حضوريّ لا يحتاج الى تحصيل و فكر و حصول و
إحضار، و الأبعاد الزمانيّة و الحدود الشخصيّة و التشخّصات المميّزة في ساحة
جبروته تعالى منتفية، سبحانه و تعالى عمّا يوصف- يَعْلَمُ ما
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ
إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ.
فجميع الكلمات
عنده تعالى حاضر مشهود، و ليس واحد منها أقرب و لا آنس في مقام علمه و إحاطته من
كلمة أخرى.
فإذا شاء
تعالى أن يتكلّم بألفاظ و ينزل آيات منه على صورة كلمات و
14
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الخامس - و بهذا تنكشف حقيقة إعجاز القرآن المجيد ص : 15
جملات:
فيقتضى حكمته و إتقانه أن يختار ما هو الحقيقة و يستعمل ما هو أدلّ على المراد،
فيعرّف المنظور على ما هو عليه من الخصوصيّات و الدقائق و اللطائف.
فانّ التسامح
و عدم الدقّة في استعمال الكلمة في موضعه و مورده الحقّ و مقامه الصحيح: يوجب محو
ما فيه من اللطف و الخصوصيّة الفارقة، فينحرف الحقّ عن مقامه، و يختلط الحق
بالباطل، و يشتبه المراد على العبيد، و يوجب الضلال و الخسران و الغواية.
ففي هذه
الصورة: لا يزيد القرآن إلّا مزيد ريب و ضلال، و لا ينتج إلّا توارد الاشكال و
الاعتراض، فيستدلّ كلّ قوم على ما يريده بتأويله، و يتمسّك كلّ فرقة باطلة على طبق
رأيه بتفسيره، و ليس هذا إلّا إغراء بالجهل. و لا يثمر إلّا إسقاط القرآن عن
الإحكام و الحجّيّة.
فظهر أنّ كلّ
كلمة في القرآن الكريم: إنّما استعملت في معناها الحقيقيّ، و يراد منها هو المدلول
الحقّ الأصيل ليس إلّا.
الخامس- و
بهذا تنكشف حقيقة إعجاز القرآن المجيد
: فانّ استعمال
الألفاظ على هذا النحو خارج عن عهدة البشر و قدرته، لعدم إمكان إحاطته و حضوره و
علمه بالجزئيّات علما حضوريّا و احاطة فعليّة، حتّى يأتى بكلّ كلمة في موردها و
يستعمل كلّ جملة في مقامها الحقيقيّ، من دون تجوّز- راجع قرأ، سور.
هذا من جهة
الألفاظ، و كذلك في بيان الحقائق و المعارف الإلهيّة، و تبيين ما يرتبط
بالأخلاقيّات و تهذيب النفس، و في جعل الأحكام و التكاليف المتعلّقة بالوظائف و
الأعمال البدنيّة.
فهو تعالى
محيط و عالم و حكيم و مدبّر بالاحاطة الحضوريّة الفعليّة بجميع أرقام الكلمات و
بكلّ المعاني و المعارف و الحقائق، فيضع كلّ كلمة في موردها الّذي اقتضته، و لا
يصحّ تبديلها و تغييرها عنه، و هكذا في المعاني.
و الى هذه
الحقيقة يرجع كلّ ما ذكروه في موضوع إعجاز القرآن.
15
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
السادس - التجوز و الاشتراك: ص : 16
السادس-
التجوّز و الاشتراك:
فظهر أنّ
الحكمة تقتضي أن لا يكون في القرآن تجوّز و لا اشتراك لفظىّ، حذرا من الإغراء
بالجهل، و إضلال الناس، و إسقاط الحجيّة و الإحكام، من كتاب اللّه الكريم.
و قد أثبتنا
هذه الحقائق عملا في تفسير الكلمات و تبيين المطالب و توضيح المعاني من الكتاب،
بتوفيق اللّه المتعال و تأييده، و أسأله أن يوفّقنى بحول منه و قوّة في إتمام
المقصود الأصيل من هذا الكتاب، و هو التفسير للقرآن الكريم، فانّ التفسير الصحيح
لا يمكن إلّا بعد التحقيق في الكلمات و تبيين المعاني الحقيقيّة منها، و اللّه
تعالى هو الهادي الى الحقّ. إنّه ولىّ التوفيق.
السابع- و
قد ذكرنا: أنّا راعينا الأمانة التامّة في النقل و الرواية عن الكتب المستندة، من
جهة المفهوم و المعنى،
و إن احتجنا
الى التلخيص و الاختصار (حذف ما لا يرتبط بالموضوع) في المفصّلات، أو حذف مختصر من
الألفاظ ممّا لا يخلّ بالمقصود، في المختصرات، فلا يحمل على خلاف الأمانة.
16
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
باب حرف الألف ص : 17
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ+ و نبدأ بالمقصود بعود اللّه المعبود.
باب حرف الألف
الألف
مغنى اللبيب- الألف المفردة تأتى على وجهين، أحدهما أن تكون حرفاً ينادى به القريب. و الثاني أن تكون للاستفهام و حقيقته طلب الفهم. و قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي فترد لثمانية معان: التسوية، الإنكار الإبطالى، و التوبيخي، التقرير، التهكّم، الأمر، التعجّب، الاستبطاء.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في الهمزة، هو الاستفهام، و أمّا النداء: فليس معنى للهمزة بل هو مفهوم كلمة أى، ثم خفّفت بحذف الياء فصارت همزة مفتوحة مجردّة، و دلّت على النداء القريب.
فالمناسب أن ينادى بأى و أيا للبعيد، و بالهمزة للقريب، و يمكن أن نقول إنّ مقتضى كثرة المبنى أن تكون أيا للبعيد، و أى و آ للمتوسّط، و أ للقريب.
و الاستفهام إمّا حقيقىّ و هو طلب الفهم لنفسه حقيقة، إمّا نازل منزلته، بأن يكون الاستفهام بدواعى مختلفة و أغراض خارجيّة، كالتقرير و الامر و الإنكار و التعجّب و غيرها. فالمستفهم ينزّل نفسه منزلة من يطلب الفهم حتّى يحصل الغرض المقصود له.
17
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الأب: ص : 18
و أمّا التسوية: فهي مفهومة من كلمات- سواء، لا أبالى، لا أدرى، و أمثالها. و الاستفهام محفوظ في مقامه.
سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ+- 2/ 6.
أى هل أنذرتهم أم لا؟ فانّ كلا الوجهين متساويان من جهة أخذ النتيجة.
الأَبُّ:
مقا- له أصلان، أحدهما المرعى و الآخر- القصد و التهيّؤ. و قال الزّجاج:
الْأَبُ جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية.
مفر- الْأَبُ: المرعى المتهيّئ للرعي و الجزّ.
مصبا- الْأَبُ: المرعى الّذى لم يزرعه الناس، ممّا تأكله الدوابّ و الأنعام، و يقال: الفاكهة للناس و الأبّ للدوابّ.
صحا- الْأَبُ: المرعى، و النزاع الى الوطن (أى الاشتياق)، أبّ يأبّ أبّا و أبابا و أبابة: تهيّأ للذهاب و تجهّز.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التهيّؤ، فالأبّ مصدرا بهذا المعنى، و صفة كصعب بمعنى المتهيّئ. و إطلاقه على المرعى بمناسبة كونه متهيّئا للرعي.
فالكلأ و العشب و ما ينبت من الأرض طبعا و من دون زرع متهيّأ لرعى الأنعام، كالفاكهة لتنعّم الإنسان.
و أمّا مفاهيم القصد و التجهّز و الاشتياق الى الوطن، كلّها من مصاديق التهيّؤ في مواردها.
فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَ عِنَباً وَ قَضْباً وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا وَ حَدائِقَ غُلْباً وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا-
18
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أبد: ص : 19
80/ 31.
فالفاكهة ما
يتفكّه به الإنسان و يتمتّع به رطبا أو يابسا، و غلب استعماله في أثمار النباتات
الّتى يتمتّع بأكلها الإنسان. كما أنّ الأبّ غلب استعماله في الكلأ و العشب
المتهيّئ لتنعّم الأنعام. فأنبت اللّه تعالى غذاء الأنعام من الأرض من دون حاجة
الى الزراعة و العمل، و هذا بخلاف الإنسان الشاعر المكلّف على العمل و تحصيل
المعيشة.
مَتاعاً
لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ.+ فغداء الأنعام هو الأبّ (في الآية) الّذي
تهيّأ طبعا و من دون عمل لها.
أبد:
مصبا- الْأَبَدُ: الدهر، و
يقال: الدهر الطويل الّذى ليس بمحدود. قال الرمّانى: فإذا قلت لا أكلّمه أبدا،
فالأبد من لدن تكلّمت الى آخر عمرك. و جمعه آبَادٌ. و أبد
أبودا: نفر و توحّش فهو آبد.
مقا- أبد: يدلّ
بناؤها على طول المدّة و على التوحّش. قالوا الأبد:
الدهر. و
العرب تقول: أبد أبيد كما يقولون دهر دهير.
صحا- الْأَبَدُ: الدهر و
الجمع آباد و أبود، لا أفعله أبد الأبيد و أبد الآبدين كما يقال: دهر الداهرين. و
الأبد: الدائم. و التأبيد: التخليد. و أبد: توحّش. و الأوابد: الوحوش.
مفر- الأبد عبارة عن
مدّة الزمان الممتدّ الّذى لا يتجزّء كما يتجزّء الزمان، و ذلك أنّه يقال زمان كذا
و لا يقال أبد كذا، و كان حقّه أن لا يثنّى و لا يجمع إذ لا يتصوّر حصول أبد آخر
يضمّ اليه فيثنّى به، لكن قيل: آباد، و ذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله،
كتخصيص اسم الجنس في بعضه ثمّ يثنّى و
19
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 20
يجمع، على
أنّه ذكر بعض الناس أنّ آباد مولّد و ليس من كلام العرب العرباء.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو مطلق امتداد الزمان و طوله، و ليس في مفهومه قيد و لا
حدّ، و إنّما يفهم الحدّ من جانب متعلّقاته، فهذه الكلمة تدلّ على امتداد مفهوم
الجملة المتعلّقه بها على حسب اقتضائها.
إِنَّا
لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها- 5/ 24.
يمتدّ الزمان
الى آخر دوامهم فيها.
لَنْ
تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً- 9/ 83.
يمتدّ عدم
خروجهم الى أن يبقى حيّا.
لا تَقُمْ
فِيهِ أَبَداً- 9/ 108.
أى ما دام
كنت حيّا و بقي هذا المسجد.
لَنْ
تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً- 18/ 20.
أى ما داموا
موجودين.
وَ بَدا
بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً.
أى ما دام
الطرفان باقيين.
خالِدِينَ
فِيها أَبَداً+، ... نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً.
أى بمقدار
خلُودهم.
و أمّا نصب
هذه الكلمة في جميع موارد استعمالها: فعلى الظرفيّة، فانّها من ظروف الزمان
المبهمة الّتى لا تحصرها حدود، و قد استعملت في القرآن في ثمانية و عشرين موردا-
كما في المعجم.
و أمّا مفهوم
النفر و التوحّش: فهو مأخوذ من العبريّة.
قع- (آبد): ضاع،
اختفى، زال، فتى.
20
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
ابراهيم: ص : 21
ابراهيم:
قاموس الكتاب- أبرام: الأب العالي، ثمّ سمّى بأبراهامز أى أب الجماعة العظيمة، فانّه كان رئيس الطائفة من بنى إسحاق و بنى إسماعيل، أى اليهود و الأعراب، فهو في مورد الاحترام و التجليل عند كلّ من اليهود و النصارى و المسلمين بالاتّفاق.
و قال أيضا- رام المرتفع. دامد المحلّ المرتفع.
قع- [آب] الأب و الرّئيس.
[رام] الارتفاع.
[رحم] الرحم.
المُعرب- أسماء الأنبياء كلّها أعجميّة، نحو إِبْرَاهِيمُ و إسماعيل و إسحاق و إلياس و إدريس و إسرائيل و أيّوب إلّا أربعة أسماء و هي آدم و صالح و شعيب و محمّد. فأمّا إبراهيم: ففيه لغات- إبراهيم: اسم قديم ليس بعربىّ و هو المشهور، إبراهام: و قد قرئ به، إبراهيم: بتثليث الهاء و حذف الياء، إبرهم.
صحا- و إبراهيم اسم أعجمىّ و فيه لغات: ابراهام، ابراهم.
كليا- ابراهيم: اسم سريانىّ معناه أب رحيم. و قال بعض المحقّقين: إنّ إجماع أهل العربيّة على أنّ منع الصرف في ابراهيم و نحوه للعجمة و العلميّة، فتبيّن منه وقوع المعرّب في القرآن.
أنّه قد استعمل هذا الاسم في تسعة و ستّين موردا في القرآن الكريم.
و التحقيق:
و ليعلم أنّ هذه الكلمة و أمثالها المأخوذة من اللغات الأعجميّة إذا تصرّف
21
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق: ص : 21
فيها
بالإبدال أو التغيير أو التخفيف في التلفّظ: تصير عربيّة و يقال: إنّها معربّة. فإذا
قيل إنّها أعجميّة فهي باعتبار الأصل و معلوم أنّ كثيرا من اللغات العربيّة مأخوذة
من العبريّة و السريانيّة، و هذا لا ينافي استقلال اللغة و أصالتها، فإنّ اللغات
كالتكوينيّات لها مراحل مترتّبه و سير تكاملىّ، و إنّما يتنوّع و يتشخّص كلّ شيء
بالحدود و الفصول، فالإنسان له أصالة و استقلال و هو نوع خاصّ مستقلّ، و إن صحّ أن
يقال: إنّه نوع كامل و مرتبة مترقّية من الحيوان أو الجماد أو النبات.
فكلّ لغة
أجنبيّة وردت في العربيّة بتصرّف خاصّ: فهي عربيّة. و بهذا المعنى يتبيّن مفهوم
الآيات الكريمة:
إِنَّا
أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا.
وَ هذا
كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا.
إِنَّا
جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا- 43/ 3.
في التكوين
11- لمّا كان سام [ابن نوح] ابن مائة سنة ولد أرفكشاد بعد الطوفان بسنتين، و عاش
سام بعد ما ولد أرفكشاد شالح و عاش بعد أربعمائة و ثلاث سنين، و ولد شالح عابر، و
ولد عابر فالج و عاش بعد أربعمائة و ثلاثين سنة، و ولد فالج رعوه، و ولد رعوه
سروج، و ولد سروج ناحور، و ولد ناحور تارح و عاش بعد مائة و عشرين سنة، و عاش تارح
سبعين سنة و ولد أبرام و ناحور و هاران، و ولد هاران لوطا، و اتّخذ أبرام و ناحور
لأنفسهما امرأتين، اسم امرأة أبرام ساراى، و اسم امرأة ناحور ملكة، و عاش تارح
مائتين و خمس سنين، و مات في حاران- انتهى ملخّصا.
هذا نسب
ابراهيم (ع) الى نوح (ع) من التوراة.
و أمّا صفاته
الممتازة الّتى ذكرت في القرآن الكريم، فهي تستفاد من هذه الآيات:
1- ما كانَ
إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً- 3/ 67.
22
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أبق ص : 23
أى لم يكن
على دين اليهود و لا على دين النصارى، مع أنّه كان مع الحقّ اتّفاقا، و كان
موحّداً و مخلصّاً في اللّه تعالى و مائلًا اليه و سالكاً سبيله، فهذا هو المطلوب
المقصود.
2- إِنَ
إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ- 11/ 75.
إنّه كان مع
الحلم و الاستقامة، متوجّها الى جهات الضعف في نفسه بحال الخشوع و الخشية، و راجعا
سائرا اليه تعالى.
3- سَلامٌ
عَلى إِبْراهِيمَ- 37/ 109.
دعاء له
بالسلامة في بدنه و قلبه و إيمانه.
4- وَ
إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى- 53/ 37.
أى وفى
بميثاقه و عهوده و استقام على الحقّ.
5- إِنَّهُ
كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا+- 19/ 41.
أى من
الصدّيقين في القول و العمل و من الأنبياء.
6- وَ
كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ- 6/ 75.
يأتى في ملك.
7- بَلْ
مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ- 2/ 135.
يأتى في
الحنف.
و قال ابن
الوردي- إنّ ابراهيم ولد لمضىّ 1081 من الطوفان.
أبق
مقا- أبق: يدلّ على
إباق العبد و التشدّد في الأمر. أبق العبد يأبق أبقا و أبقا. و عبد أبوق و أبّاق.
مصبا- أبق العبد أبقا:
إذا هرب من سيّده من غير خوف و لا كدّ عمل،
23
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق: ص : 24
من بابى تعبّ و قتل في لغة، و الأكثر من باب ضرب.
مفر- أَبَقَ: إذا هرب، و عبد آبق و جمعه أبّاق. تأبّق الرجل: تشبّه به في الاستتار، و أبق يأبق إباقا.
كليا- الأبق: و هو هرب العبد من السيّد خاصّة، و لا يقال للعبد آبق إلّا إذا استخفى و ذهب من غير خوف و لا كدّ عمل، و إلّا فهو هارب.
و التحقيق:
أنّ الأبق و الهرب مشتركان في الذهاب من غير استيذان، و في الأبق قيد آخر و هو الهرب قبل أن يتوجّه اليه خوف أو شدّة من سيّده.
وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ- 37/ 140.
فيدلّ على ذهابه من غير استيذان من ربّه، و قبل أن يصل اليه خوف أو شدّة أو كدّ عمل من جانب مولاه، فهو العبد الآبق غفلة.
و الأبق كان مكروها عند اللّه المتعال، فأخذه اللّه.
فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ- 21/ 87.
راجع يونس.
حَسَنَاتُ الأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الُمَقَّرِبينَ
. إبل:
مصبا- الإبل اسم جمع لا واحد لها و هي مؤنّثة، لأنّ اسم الجمع الّذى لا واحد له من لفظه إذا كان لما لا يعقل يلزمه التأنيث و تدخله الهاء إذا صغّر نحو أبيلة و غنيمة، و الجمع آبال أبيل، فالمراد قطيعات الإبل.
لسا- ابن الاعرابى: الإبّول- طائر ينفرد من الرفّ و هو السطر من الطير.
24
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق: ص : 25
و الإبّيل و
الإبّول و الإبّالة: قطعة من الطير و الخيل و الإبل. و قيل: الأبابيل جماعة في
تفرقة، واحدها إبّيل و إبّول. و ذهب أبو عبيدة: الى أنّ الأبابيل جمع لا واحد له
بمنزلة عبابيد و شماطيط و شعاليل. قال الجوهري: و قال بعضهم: إبّيل، قال: و لم أجد
العرب تعرف له واحدا، و قيل إبّالة و أبابيل، و إبّالة: كأنّها جماعة. و قيل:
أبابيل و
إبّول مثل عجاجيل عجّول. التهذيب: و لو قيل واحد الأبابيل إيبالة كان صوابا
كدينار.
مقا- إبل:
بناء على ثلاثة اصول، على الإبل، و على الاجتزاء، و
على النقل و الغلبة. إبل مُؤَبَّلَةٌ: جعلت قطيعا قطيعا. قال الخليل، في- طَيْراً
أَبابِيلَ:
يتبع بعضها
بعضا، واحدها إبّالة و إبّول.
مفر- و أبل
أبلا: اجتزأ عن الماء تشبّها بالإبل في صبرها عن الماء، و كذلك تأبّل الرجل عن
امرأته: إذا ترك مقاربتها. و طيرا أبابيل: متفرّقة كقطعات إبل، الواحد إبّيل. و
الإبّالة: الحزمة من الحطب تشبيها به.
و التحقيق:
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو الحيوان المتّصف بصفة الاجتزاء مع الثقل، و الإبل أحد
مصاديق هذا المعنى فغلب استعماله فيها. و أمّا الأبابيل: فلعلّها أيضا كانت موصوفة
بالاجتزاء و الغلبة، بمعنى اتّصافها بالقوّة و القدرة و القناعة و الاجتزاء مع
كونها قطيعة قطيعة، فهذه الكلمة ليست اسماً لنوع مخصوص من الطير، بل هي اسم لطير
تكون بهذه الخصوصيّات، و أمّا أنّها من أىّ نوع كانت: فاللّه أعلم بها.
و الاشتقاق
منها انتزاعىّ بلحاظ الصّفتين.
أَ فَلا
يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ- 88/ 17.
مضافا الى
حواسّها و اعضائها الظاهريّة: أنّها خلقت للركوب في الأسفار و
25
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
ابن ص : 26
لحمل
الأثقال، بالخلقة المتناسبة لهما و بقدرة التحمّل و الصبر على الجوع و العطش.
وَ
أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ 105/ 3.
طائرات قطيعة
قطيعة لها القدرة و المقاومة و الاستقامة و الصبر حتّى ينلن ما يردن.
ابن
انظر مادّة-
بنو.
أب
مقا- يدلّ
على التربية و الغذو، أَبَوْتُ الشَّيْءَ: إذا غذوته. و بذلك سمّى الأب
أبا. و يقال في النسبة الى أب: أبوىّ.
مصبا- لامه
محذوفة و هي واو، لأنّه يثنّى أبوين و الجمع آباء مثل سبب و أسباب، و إذا صغّر
ردّت اللام المحذوفة، ثمّ تجتمع الواو و الياء فتقلب الواو ياءً و تدغم في الياء
فيبقى أبىّ.
مفر- أب: و
يسمّى كلّ من كان سببا في إيجاد شيء أو إصلاحه أو ظهوره أبا، و لذلك يسمّى النبيّ
(ص) أبا للمؤمنين. و
روى أنّه
(ص) قال لعلىّ:
أَنَا وَ
أَنْتَ أَبَوَا هَذِهِ الْأُمَّةِ.
كليا- و
أرباب الشرائع المتقدّمة كانوا يطلقون الْأَبُ على اللّه تعالى،
باعتبار أنّه السبب الأوّل، حتّى قالوا الأب هو الربّ الأصغر و اللّه هو الربّ الأكبر،
ثمّ ظنّت الجهلة منهم أنّ المراد به معنى الولادة، فاعتقدوا ذلك تقليدا، و لذا كفر
قائله.
يوحنّا 14/
16- و أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحقّ الّذى
لا يستطيع العالم أن يقبله.
صحا- و لقد أَبَوْتُ
أُبُوَّةً و ما له أب يأبوه اى يغذوه و يربّيه، و النسبة اليه
26
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 27
أبوىّ. و الأبوان: الأب و الامّ. و قولهم- يا أَبَتِ افْعَلْ: يجعلون علامة التأنيث عوضا من ياء الاضافة.
قع- [آب] الأب و الرئيس.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التربية في جهة مادّيّة أو معنويّة، و بلحاظ هذا المفهوم يوجد للأب مصاديق حقيقية كثيرة، كالوالد و الربّ المتعال و المعلّم و النبىّ و الجدّ و العمّ، و غيرهم من أولياء التربية. و الاشتقاق منها انتزاعىّ.
وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ ... كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ ... كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ ... وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ ... وَ لِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا ... قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ... وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ ... وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ- 6/ 74.
يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ ... يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ.
و لا يخفى أنّ حرف التاء من علائم الخطاب، كما في فعلت و فعلت و تفعل و أنت و أنت، و الخطاب يدلّ على القرب و المشافهة و المودّة و العطوفة، فإلحاق التاء في النداء حيث ما يمكن يكون بهذا النظر، و ليست عوضا عن الياء، و إنّما تحذف الياء للثقل، و يكتفى بالكسرة للتخفيف.
أبى
مقا- أَبَى: يدلّ على الامتناع. أَبَيْتُ الشيء آباه، و قوم أبيّون و أباة. و الإباء ان تعرض على الرجل الشيء فيأبى قبوله، فتقول ما هذا الإباء. و الأبيّة:
الصّعبة.
27
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 28
مصبا- أبى الرجل يأبى الرجل إباء و إباية: امتنع، فهو آب و أبىّ، و بناؤه شاذّ، لأنّ باب فعل يفعل حقّه أن يكون حلقىّ العين أو اللام، و لم يكن يأتى من حلقىّ الفاء إلّا أبى يأبى و عضّ يعضّ و أتّ الشعر يأتّ إذا كثر و التفّ.
مفر- الإباء: شدّة الامتناع، فكلّ امتناع إباء و ليس كلّ إباء امتناع. و رجل أبىّ: ممتنع من تحمّل الضيم (القهر و الظلم).
و التحقيق
أنّ المادّة تدلّ على الامتناع في قبال أمر مواجه ماديّا أو معنويّا. و المنع هو حدوث العائق، راجع- منع أَبى وَ اسْتَكْبَرَ ... فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ+ ... وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ ... وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ ... فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها ... فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما.
يراد الامتناع في قبال هذه الأمور.
أتى
صحا- الْإِتْيَانُ: المجيء، و قد أتيته أتيا، و آتَيْتُهُ على ذلك الأمر مُوَاتَاةً:
إذا وافقته و طاوعته. و الإِيتَاءُ الإعطاء. و تَأَتَّى له الشيء: تهيّأ، و تأتّى له:
ترفّق. و سيلٌ أتىٌّ و أتاوىّ: إذا جاءك. و الأتىّ و الأتاوىّ: الغريب.
مفر- الإِتْيَانُ: مجيء بسهولة، و منه قيل للسيل المارّ على وجهه: أتىّ و أتاوىّ، و به شبّه الغريب فقيل أتاوىّ، و الإتيان يقال للمجيء بالذات و بالأمر و بالتدبير، و يقال في الخير و في الشرّ و في الأعيان و الأعراض: إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ... أَتى أَمْرُ اللَّهِ ... فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ. أى بالأمر. و التدبير، نحو- جاءَ رَبُّكَ. و كلّ موضع ذكر فيه- أُوتُوا+: فانّه قد يقال فيمن لم يكن منه قبول. وَ آتَيْنا+:
28
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 29
يقال فيمن
كان منه قبول. و خصّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء: آتُوا الزَّكاةَ+.
مصبا- أتى
الرجل يأتى أتيا: جاء، و الإِتْيَانُ اسم منه، و أتيته يستعمل لازما و
متعديّا. و أتى يأتوا أتوا لغة فيه. و أتى زوجته إتيانا: كناية عن الجماع. و أتى
عليه: مر بّه. و أتى عليه الدهر: أهلكه.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو المجيء بسهولة و بجريان طبيعيّ، سواء استعملت في
اللزوم أو التعدّى، مجرّدة أو مزيدا فيها، و سواء كان الإتيان في المكان أو في الزمان،
و سواء كان الفاعل أو المفعول به محسوسا أو معقولا، فتختلف خصوصيّات الإتيان
باختلاف الموارد، ففي كلّ مورد بحسبه.
ففي الزمان- أَوْ
تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ ... هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ.
و في المكان- أَتَيا أَهْلَ
قَرْيَةٍ ... فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى.
و في اللازم- إِنَّ
السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ+ ...، تَأْتِي كُلُّ
نَفْسٍ تُجادِلُ.
و في
المتعدّى- أَتاهُمُ الْعَذابُ+ ... أَتَيا أَهْلَ
قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما.
و في
المعقول- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى+ ... أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنْقُصُها+ ... مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ... هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ
الْغاشِيَةِ.
و في المزيد
فيها- آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً+ ...
يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ... وَ آتِ ذَا
الْقُرْبى حَقَّهُ ... فَآتُوهُنَ أُجُورَهُنَّ+ ... وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ.
فالأصل
الواحد في جميع هذه الموارد محفوظ. و اختلاف خصوصيّات ذلك المعنى باعتبار اختلاف
الموارد و الصيغ و بحسب التناسب و اقتضاء طرفى النسبة- كالسيل إذا اجرى و أتى فهو
أتىّ. أو الغريب إذا ورد و أتى البلد فهو أتاوىّ. و إتيان الأمر و التدبير فيما
كان الفاعل معنويا خاصّا.
و هذه
المادّة في اللغة العبريّة أيضا بهذا المعنى:
29
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أثاث ص : 30
فر- [أتاء] المجيء.
أثاث
صحا- أَثَ النبات يأثّ أثاثة: كبر و التفّ، نبات أثيث و شعر أثيث.
قال الفرّاء: الْأَثَاثُ متاع البيت و لا واحد له. و قال أبو زيد: الأثاث المال أجمع، الإبل و الغنم و العبيد و المتاع.
مقا- أثّ: هذا من الاجتماع يتفرّع و من اللين، و هو أصل واحد. قال ابن دريد: أَثَ النبت أثّا إذا كثر، و نبت أثيث، و كلّ شيء موطّأ أثيث. و أثاث البيت من هذا، يقال إنّ واحده أثاثة، و يقال لا واحد لها.
مفر- الْأَثَاثُ: متاع البيت الكثير، من أثّ إذا كثر و تكاثف و قيل للمال كلّه إذا كثر.
و التحقيق
أنّ الأصل في هذه المادّة هو مجموع ما يتعلّق بموضوع يكون بها تشكّله. و يتنوّع ذلك بتنوّع مواردها، فيقال أَثَاثُ البيت، أثاث الحجرة، أثاث المعمل، أثاث السّيارة، أثاث الحياة الإنسانيّة.
و أمّا مطلق الكثرة أو المال: فمن باب التجوّز، بمناسبة قيود الأصل.
وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً- 19/ 74.
أى مطلق ما يتعلّق بمعاشهم من لوازم المأكل و الملبس و المسكن و المتجر.
وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً- 16/ 80.
أى يراد مطلق ما يعمل منها و يستفاد في تأمين المعاش.
30
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أثر ص : 31
و المتاع كلّ ما يتمتّع به من اللباس و غيره.
أثر
صحا- الأَثَرُ مصدر أثرت الحديث أءثره: إذا ذكرته عن غيرك، و منه حديث مأثور: ينقله خلف عن سلف. و الأثر: ما بقي من رسم الشيء و ضربة السيف. و سنن النبيّ (ص): آثاره. و المأثرة: المكرمة لأنّها تؤثر أى تذكر و يأثرها قرن عن قرن. و أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ: بقيّة منه، و كذلك الأثرة. و التأثير: إبقاء الأثر في الشيء.
مصبا- ما يقرب من صحا.
مقا- أَثَرٌ: له ثلاثة اصول- تقديم الشيء، ذكر الشيء، رسم الشيء الباقي. و الأثر: بقيّة ما يرى من كلّ شيء و ما لا يرى بعد أن تبقى فيه علقة. و الأَثَار: الأثر، كالسداد و السدد و الفلاح و الفلح. قال الخليل: الأثر الاستقفاء و الاتّباع، و فيه لغتان: أثر و إثر. و لا يشتقّ من حروفه فعل في هذا المعنى و لكن يقال ذهبت في إثره.
مفر- أَثَر الشيء حصول ما يدلّ على وجوده، و الجمع الآثار- قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا ...، فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ. و الْمَآثِرُ: ما يروى من مكارم الإنسان، و يستعار الأثر للفضل و الإيثار للتفضّل (و هو اختيار الفضل)، و منه آثرته، وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ، و تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الْأَثَرُ، أى ما يدلّ على الشيء و ما يبقى من آثَارِ وجوده. و من مصاديقه: الحديث المَأْثُورُ. أَثَر الضربة. السنّة النبويّة. أَثَارَةً
31
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أثل ص : 32
من العلم.
البقيّة من الشيء. أثر المشي و السلوك. المكرمة. الفضيلة الباقية المأثورة.
و أمّا حقيقة
الْإِيثَارُ: فهي إثبات الأثر و تقديم ما له الفضل و انتخابه و اختياره على
غيره. و التَّأْثِيرُ: إيجاد الأثر و إحداثه.
قَبْضَةً
مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ... مِنْ أَثَرِ
السُّجُودِ ... كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ ...
نَكْتُبُ
ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ ... وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ
مُهْتَدُونَ ... ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ
عِلْمٍ ... وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ ... لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ
عَلَيْنا ... بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا.
و الفرق بين
الإيثار و التأثير: هو الفرق بين صيغة الإفعال و التفعيل، فإنّ الافعال لقيام
الفعل و نسبته أوّلا إلى الفاعل و الثاني للوقوع أوّلا و نسبته إلى المفعول به.
أثل
مصبا-
الْأَثْلُ: شجر عظيم لا ثمر له، الواحدة أَثْلَةٌ، و قد استعيرت الأثلة للعرض
فقيل نحت أثلة فلان إذا عابه و تنقّصه، و هو لا تنحت أثلته أى ليس به عيب و لا
نقص.
مقا-
الْأَثْلُ: يدلّ على أصل الشيء و تجمّعه. قال الخليل: الْأَثْلُ شجر يشبه
الطرفاء إلّا أنّه أعظم منه و أجود عودا منه، تصنع منه الأقداح الجياد. أثّل
تأثيلا: إذا كثر ماله و حسنت حاله. قال أبو عمرو: الْأثال: المجد و المال. و أثلة
كلّ شيء أصله.
صحا- و قيل
للأصل أَثْلَةٌ، يقال فلان ينحت أثلتنا إذا قال في حسبه
قبيحا. و التَّأْثِيلُ: التأصيل. يقال مجد مؤثّل و أثيل.
أسا-
الْأَثْلَةُ: السمرة، و قيل شجرة من العضاه طويلة مستقيمة الخشبة تعمل منها
الأقداح و القصاع، فوقعت مجازا في قولهم نحت أثلته، و لفلان أثلة مال أى أصل مال.
32
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 33
أنّ السمرة: أجود عودا و استقامة من بين العضاه و ليس فيها احسن من السمرة. و العضاه: كلّ شجر عظيم ذى شوك و الواحدة عضاهة.
و التحقيق
و أمّا الأصل و الحقيقة في هذه المادّة: فهي الأصالة، و اكثر استعماله في المعنويّات، و هي قريبة من موادّ الأصل و الأثّ و الأسل، ثمّ استعملت في كلّ شجر أصيل مستقيم لا يقصد منه إلّا أصله و عوده، أو في السمرة خاصّة.
وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ- 34/ 16.
الأكل: الثمرة. و الْخَمْطُ من الثمرة: ما لا يلائم طعمه أو رائحته. و الأثل عطف على أُكُلٍ اى و ذواتي أثل و هي الأشجار القويّة بلا اثمار. و يمكن أن يكون بمعناه الحقيقي و هو أصل الشجر و أسفله، إشارة الى جريان السيل العرم، أى و لم تبق فيها إلّا اصول الأشجار المثمرة الملائمة و شيء من السدر.
و هذا المعنى أنسب بسياق الآية الشريفة: من جهة جريان السيل، و ذكر الخمط في الأشجار الّتى لا تلائم أثمارها، و ذكر سِدْرٍ قَلِيلٍ من الّتى تلائم، و من كونه معنى حقيقيّا كما قلنا.
و أمّا قرب الموادّ في كلمات- أصل، أثل، أسل: فيقال له الاشتقاق الأكبر.
و أمّا مفهوم التجمّع في التَّأَثُّلِ: فيستفاد من صيغة التفعّل، أى المطاوعة للتأثيل.
الإثم:
مقا- أَثِمَ: يدلّ على أصل واحد، و هو البطؤ و التأخّر، يقال: ناقة آثمة أى
33
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 34
متأخّرة. و
الْإِثْمُ مشتقّ من ذلك لأنّ ذا الإثم بطيء عن الخير متأخّر عنه.
مصبا- أثم
أثما من باب تعب، و الإثم بالكسر اسم منه، فهو آثم، و في المبالغة: أثّام و أثيم و
أثوم. و أثّمته تأثيما: قلت له أثمت، كما يقال صدّقته و كذّبته.
و الأثام كسلام هو
الإثم و جزاؤه.
مفر-
الْإِثْمُ و الْأَثَامُ اسم للأفعال المبطئة عن الثواب و جمعه آثام.
و قوله تعالى- فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ أى في تناولهما
إبطاء عن الخيرات. يَلْقَ أَثاماً أى عذابا، فسمّاه عذابا و أثاما لما كان منه،
و قيل: أى يحمله ذلك على ارتكاب آثام، و ذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة الى الكبيرة،
و على الوجهين حمّل- فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.
و التحقيق
أنّ المعنى
الحقيقىّ و الأصل في هذه المادّة: هو البطؤ و التأخّر للخير. و بالنظر الى هذا
الأصل تنكشف لطائف و حقائق في موارد استعمالاتها في الآيات الكريمة.
وَ إِذا
قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ- 2/ 206.
أى يظهر
البطؤ و يتأخّر في مرحلة التقوى حفظا للعزّة و المنزلة المتخيّلة الموهومة.
وَ
تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى
الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ- 5/ 2.
فالبرّ هو
صدق العمل و حسن الفعل، و يقابله البطؤ و التسامح و التأخّر فيه، كما أنّ التقوى
هو وقاية النفس و حفظها، و يقابله العدوان و هو التجاوز، فيكون العدوان مقابلا
للإثم باعتبار آخر.
قُلْ
إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ
الْإِثْمَ- 7/ 33.
فالفواحش هي
الأعمال القبيحة و الشنيعة، و يماثلها الإثم و هو التأخّر عن العمل الصالح و
التهاون فيه، و لا كذلك إذا أريد من الإثم معناه المتداول و هو من الفواحش، و لا
يكون في ذكره فائدة.
34
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أجاج: ص : 35
وَ
يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ- 58/ 8.
أى بالتفريط
و التقصير في العمل، و التعدّى عن الحقّ و العصيان للرسول.
إِنَّما
نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً- 3/ 178.
اى نمهّل و
نطوّل عيشهم ليزدادوا في التأخّر و البطؤ في طريق الصلاح و السعادة و الخير.
وَ مَنْ
يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ- 2/ 283.
أى مبطئ عن
السير الى الحقّ و محجوب عنه.
لا
يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً 56/ 25.
أى قولا و
كلاما بجعل الآخرين بطيئا في العمل بوظائفهم و موجبا لتأخّرهم.
هذا هو الأصل
و المعنى الحقيقىّ في هذه المادّة، و قد استعملت في الأعمال المبطئة مجازا، و على
أىّ حال: فاللازم لنا أن نحمل هذه الكلمة على أصلها، و لا سيّما في كلمات اللّه
التامّة، حتّى تنكشف لنا أسرار الكلمات و لطائف الآيات، و كذا في سائر الكلمات
الإلهيّة.
أجاج:
مقا- أَجَ: فلها
أصلان: الحفيف، و الشدّة إمّا حرّا و إمّا ملوحة. أجّ الظليم: إذا عدا، أجيجا و
أجّا، و ذلك إذا سمعت حفيفه في عدوه. و الْأَجِيجُ:
أجيج الكير
من حفيف النار. و أجّة القوم حفيف مشيهم و اختلاط كلامهم. و الماء الْأُجَاجُ: الملح.
مصبا- ماء أُجَاجٌ: مرّ شديد
الملوحة. و أجّت النار تؤجّ أجيجا: توقّدت.
صحا
الْأَجِيجُ: تلهّب النار. و قد أجّت تأجّ أجيجا. و أجّ الظليم يؤجّ
35
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 36
أجّا: عدا و له حفيف في عدوه. و الأجّة شدّة الحرّ و توهّجه، و الجمع أجاج. و ماء أجاج: ملح مرّ.
مفر- هذا ملح أُجَاجٌ: شدّة الملوحة و الحرارة، من قولهم أجيج النار و أجّتها، و قد أجّت و ائتجّ النهار.
و التحقيق
أنّ الأصل في هذه المادّة: هو حدّة مع الشدّة، و هو يختلف باختلاف الموارد، فحدّة كلّ بحسبه: حفيف الظليم عنه عدوه، و الحدّة في التأجج و التلهبّ، و في الحرارة، و المرارة، و الكلام.
و يدلّ عليه ما يفهم من الضجّ و العجّ، و بينها اشتقاق اكبر.
و أمّا شدّة الملوحة: فكأنّها نوع تأجّج، و يظهر هذا التّأجّج في جهاز الهاضمة عند تناول ما فيه الملوحة الشديدة.
هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ- 25/ 53.
فيما قلنا يظهر لطف ذكر الأجاج بعد كلمة الملح، أى ملح يتوقّد الفم من تناوله، في قبال الفرات.
أجر
مقا- أَجْرٌ: له أصلان يمكن الجمع بينهما بالمعنى: فالأوّل- الكراء على العمل. و الثاني جبر العظم الكسير. فامّا الكراء: فالأَجْرُ و الْأُجْرَةُ، و كان الخليل يقول: الأجر جزاء العمل، أجر يأجر أجرا، و المفعول مأجور، و الأجير المستأجر و الإجارة ما أعطيت من أجر في عمل، و من ذلك مهر المرأة- فَآتُوهُنَ أُجُورَهُنَ.+ و أمّا جبر العظم: فيقال أجرت يده. فهذان الأصلان، و المعنى الجامع بينهما أنّ أجرة
36
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 37
العامل
كأنّها شيء يجبر به حاله فيما لحقه من كدّ فيما عمله. فأمّا الاجّار: فلغة
شاميّة.
مصبا- أَجَرَهُ اللَّهُ أَجْراً و آجره إذا
أثابه، و أجرت الدار و العبد. قال الزمخشري: و آجرت الدار على أفعلت فأنا مؤجر و
لا يقال مؤاجر فهو خطأ، و الاجرة الكراء، و الجمع أجر مثل غرفة و غرف، و ربّما
جمعت أجرات بضمّ الجيم و فتحها، و يستعمل الأجر بمعنى الإجارة و الاجرة.
مفر- الْأَجْرُ و
الْأُجْرَةُ: ما يعود من ثواب العمل دنيويّا كان أو اخرويّا- إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا
عَلَى اللَّهِ+، ... وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا، ... وَ لَأَجْرُ
الْآخِرَةِ خَيْرٌ و الاجرة: في الثواب الدنيويّ. و الجمع للأجر أجور، و الأجر و
الأجرة يقال فيما كان عن عقد و ما يجرى مجرى العقد، و لا يقال إلّا في النفع- فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ
رَبِّهِمْ+، و أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ+. و الجزاء: يقال في العقد و النافع و
غيرهما- جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً، ...
جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ. أجر يأجر زيد عمرا أجرا: أعطاه الشيء بأجرة.
أسا- أجرك
اللّه على ما فعلت، و أنت مأجور عليه. و منه قولهم: عَلى أَنْ
تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ- أى تجعلها أجرى على التزويج، يريد المهر، من
قوله تعالى- وَ آتُوهُنَ أُجُورَهُنَ- كأنّه قال على ان
تمهرنى عمل هذه المدّة. و آجرني فلان داره فاستأجرتها و هو موجر، و لا تقل مؤاجر
فانّه خطأ و قبيح، و إنّما الّذى هو فاعل:
قولك- آجر
الأجير مؤاجرة، كما يقال عامله معاملة.
و التحقيق
أنّ الأصل في
هذه المادّة: هو الاجرة و ما يقابل بالعمل، و الْإِيجَارُ وَ
الْإِجَارَةُ بمعنى الكراء، و هو الاجرة، و هو في الأصل مصدر كاريته فهو مكار،
يقال أجرته و آجرته أى جعلت له اجرة، و استأجرت زيدا: طلبت منه الأجرة.
إِنَّ
خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ- 28/ 26.
أى خير من
طلبت منه الاجرة في قبال ما التزمت به له من تأمين أو تعليم أو
37
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الأجل ص : 38
تربية.
قالَتْ
إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ- 28/ 26.
أى اجعله
مستأجرا لك، و هو الأجير، أى من عليه الاجرة في قبال التزام المستأجر.
عَلى
أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ- 28/ 27).
أى أنّ تكون
الاجرة عليك مدّة ثماني سنوات في قبال النكاح و التزويج.
وَ ما
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ+ 26/ 109.
أى ما
استأجرتُكم عليه.
إِنَّا
أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ 33/ 50.
أى مهورهنّ
في قبال تزويجهنّ.
و ليعلم أنّ
الْإِجَارَةَ مصدر مجرّد كالتجارة و الزراعة. و المصدر من الإفعال هو الإيجار. و
الايجار يستعمل متعديّا الى مفعول واحد أو الى مفعولين- كقولك آجرت زيدا الدار- أى
جعلت الدار لزيد حتّى يأجرها أى أن يعطي أجرتها.
الأَجَلُ
مصبا- أَجَلَ الرجل على
قومه شرّا أجلا، من باب قتل: جناه عليهم و جلبه عليهم. و يقال من أجله كان كذا، أى
بسببه، و أجل الشيء مدّته و وقته الّذي يحلّ فيه، و هو مصدر أجل الشيء أجلا، من
باب تعب، و أَجَّلْتُهُ تأجيلا، أى جعلت له أجلا، و الآجل خلاف
العاجل، و جمع الأجل الآجال. و أجل مثل نعم وزنا و معنى.
مقا- فالأجل غاية الوقت
في محلّ الدين و غيره، أجل يأجل، و الاسم الآجل نقيض العاجل. و قولهم أجل: في
الجواب، هو من هذا الباب، كأنّه يريد
38
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 39
انتهى و بلغ الغاية. و الإجل: قطيع من بقر الوحش. و قولهم: من أجل ذلك فعلت كذا: و هو محمول على أجلت الشيء أى جنيته، فمعناه من أن اجل كذا فعلت، أى من أن جنى.
كليا- و أَجَلٌ في الأصل مصدر أجل شرّا إذا جناه، استعمل في تعليل الجنايات ثمّ اتّسع فيه فاستعمل في كلّ تعليل.
و التحقيق
أنّ الأصل فيها هو الوقت المعيّن المعهود، و بتناسب هذا المعنى تستعمل فيما يقرب منها. فيقال أجل على قومه شرّا أى جلبه و جرّه اليهم فان تعيين وقت عليهم يلازم اقداما على ضررهم، و تضييقا عليهم. و هذا المعنى قريب من قولهم- أجل الشيء أى تأخّر و تعيّن.
إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ ... وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ... وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا ...
لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ... كِتاباً مُؤَجَّلًا.
و التَّأْجِيلُ: تعيين الأجل. و الْمُؤَجَّلُ: الموقّت و المعيّن.
و أمّا قطيع البقر و غيره: فهو نوع من الانتهاء و المحدوديّة و التعيّن.
أحد
مصبا- أحد: أصله وحد فأبدلت الواو همزة، و يقع على الذكر و الأنثى- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ. و يكون مرادفا لواحد في موضعين سماعا:
أحدهما- وصف اسم الباري تعالى، فيقال هو الواحد و هو الأحد، لاختصاصه بالأحديّة فلا يشركه فيها غيره، و لهذا لا ينعت به غير اللّه تعالى، فلا يقال رجل أحد و لا درهم أحد. و الثاني- أسماء العدد للغلبة و كثرة الاستعمال، فيقال أحد و
39
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 40
عشرون و واحد
و عشرون، و في غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال، بأنّ الأحد لنفى ما يذكر
معه فلا يستعمل إلّا في الجحد لما فيه من العموم، نحو ما قام أحد، أو مضافا نحو ما
قام احد الثلاثة. و أمّا تأنيث الأحد: فلا يكون إلّا بالألف لكن لا يقال إحدى إلّا
مع غيرها- إحدى و عشرون.
مقا- أحد فرع، و
الأصل الواو- وحد. ما استأحدت بهذا الأمر: ما انفردت به.
صحا- يوم الْأَحَدِ و يجمع على آحَادٍ، و استأحد
الرجل: انفرد. و جاءوا أحاد أحاد، غير مصروفين لأنّهما معدولان. و احد جبل في
المدينة. و أَحِّدْهُنَّ:
صيّرهنّ أحد
عشر.
و التحقيق
أنّ النسبة
بين أحد و وحد: هي الاشتقاق الأكبر، كما في أمثالهما من الكلمات المتقاربة لفظا و
معنى، و الحكم بأنّ واحدا منهما أصل و الآخر فرع:
مشكل، و لا
سيّما مع استعمال الصيغ المشتقّة من كلّ واحد من المادّتين- راجع وحد.
و في الأحد
دلالة زائدة من الواحد، على الانفراد و التجرّد.
وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ
مِنْ نِعْمَةٍ- 92/ 19.
أستعمل في
مقام النفي.
هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ.
اطلق على
اللّه تعالى.
إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ ... إِحْداهُنَ ... إِحْدَى ابْنَتَيَّ.
صيغة تأنيث
استعملت مضافة.
إِذا
حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ+ ... أَمَّا
أَحَدُكُما ... فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ ... يَوَدُّ
أَحَدُهُمْ لَوْ
40
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أخذ ص : 41
يُعَمَّرُ ... قالَ
أَحَدُهُما.
التعبير بهذه
الكلمة إشارة الى عدم خصوصية فرد معيّن، و التوجّه الى الحكم لا الى موضوع معيّن.
أخذ
مقا- أَخَذَ: أصل واحد
تتفرّع منه فروع متقاربة في المعنى، فالأصل جوز الشيء وجيبه و جمعه، تقول: أَخَذْتُ الشيءَ
آخذه أخذا. قال الخليل: هو التناول خلاف العطاء.
صحا- أَخَذَهُ بيده أخذا:
تناوله. و الإخذ بالكسر اسم منه. و أخذ من الشعر: قص. و أخذ الخطام: أمسكه. و أخذه
اللّه تعالى: أهلكه. و أخذه بذنبه.
عاقبه عليه.
و آخذه و مؤاخذة كذلك و الأمر منه آخذ. و أخذته مثل أسرته لفظا و معنى، فهو أخيد
فعيل بمعنى مفعول، و الاتّخاذ افتعال من الأخذ، ائتخذوا في الحرب: إذا أخذ بعضهم
بعضا، ثمّ ليّنوا الهمزة و أدغموا فقالوا- اتّخذوا.
كليا- الأخذ
التناول. و أخذ إخذهم بالكسر: سار سيرتهم و تخلّق بأخلاقهم. و أَخَذَ: يعدّى
بالباء نحو فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي، و بنفسه نحو خُذْها وَ لا
تَخَفْ و إن كان المقصود بالأخذ غير الشيء المأخوذ حسّا فيتعدّى اليه
بحرف. و الفعل مع صلته قد يكون بمعنى فعل آخر مع صلة اخرى- أَخَذَتْهُ
الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ- أى حملته عليه.
مفر- الْأَخْذُ حوز الشيء
و تحصيله، و ذلك تارة بالتناول، نحو مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا
مَنْ وَجَدْنا. و تارة بالقهر نحو- لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا
نَوْمٌ ... أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ...
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ ... وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ
إِذا أَخَذَ الْقُرى. و يعبّر عن الأسير بالمأخوذ و الأخيذ. و
الاتّخاذ افتعال منه و يعدّى الى مفعولين و يجرى مجرى الجعل نحو- لا
تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ و
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ+.
41
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 42
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا. أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ. و قوله- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ+ بعضهم ببعض ففي لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة و المقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر، و يقال فلان مأخوذ به.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التناول مع الحوز. و هذا المعنى يختلف باختلاف الموارد:
فقد يكون التناول باليد- كما في- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ...، أَخَذَ الْأَلْواحَ.
و قد يكون بالقلب- كما في- خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ+، ... وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ.
و قد يكون بالسمع كما في- بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ.
و بأخذ قهر أو رأفة- فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ+، ... لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ.
و بأخذ إحاطة في الخير و الشرّ- فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ+ ...، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ ...، كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها.
و كذلك سائر أنواع هذا المفهوم: من الأخذ بالعمل، و بالتصرف، و غيرهما- خُذِ الْعَفْوَ ...، يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ.
و أمّا الاتّخاذ: فهو الأخذ مع الدقّة و التوجّه، فيكون قريبا من الانتخاب.
وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ...، اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا ...، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ ...، اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ+ ...، اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً.
أخر
مقا- أخر: أصل واحد اليه ترجع فروعه، و هو خلاف التقدّم، و الْآخَرُ
42
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أخر ص : 42
نقيض القدم.
و الآخر نقيض المتقدّم.
مصبا- قال
أبو عبيد: مؤخر العين، الأجود فيه التخفيف، و مؤخّر كلّ شيء
خلاف مقدّمه، و أخّرته ضدّ قدّمته، فتأخر، و الأخر و زان فرج بمعنى المطرود
المبعد. و الأخير و الآخر خلاف الأوّل، و الأنثى آخرة. و الآخر بالفتح: بمعنى
الواحد و وزنه أفعل و الأنثى أخرى بمعنى الواحدة أيضا، و يجمع الآخر لغير العاقل
على الأواخر، و إذا وقع صفة للجمع غير العاقل أو حالا أو خبرا له: جاز أن يجمع جمع
المذكّر أو جمع المؤنث و أن يعامل معاملة المفرد المؤنّث لأنّه غير عاقل، فيقال
الأيّام الأفاضل باعتبار الواحد المذكّر، و الفضليات و الفضل إجراء له مجرى جمع
المؤنّث لأنّه غير عاقل، و الفضلى اجراء له مجرى الواحدة، و جمع الاخرى أخريات و
أخر.
كليا- الْآخَرُ مقابل
الأوّل، و هو اسم لفرد لا حق لمن تقدّمه و لم يتعقّبه مثله، يجمع على آخرين و
تأنيثه بالتاء لا غير، و رجل آخر معناه أشدّ تأخّرا، ثمّ أجرى مجرى غيره، و مدلول
الآخر خاصّ بجنس ما تقدّمه بخلاف غير، فانّها تقع على المغايرة مطلقا في جنس أو
صفة، و أخر جمع أخرى، و إنّما لم ينصرف لأنّه وصف معدول عن الأخر (أى مع اللام)، و
القياس أن يعرّف إلّا أنّه في معنى المعرّف، و ليس في القرآن من الألفاظ المعدولة
الّا ألفاظ العدد- مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ+. و من غيرها طُوىً+. و من
الصفات اخر، وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ. و الآخرة و كذا
الدنيا مع كونهما من الصفات الغالبة قد جرتا مجرى الأسماء، إذ قلّما يذكر معهما
موصوفهما.
لسا- قال
الزجّاج في قوله- وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ: و اخر لا
ينصرف لأنّ وحدانها لا تنصرف مثل كبر و صغر، و كذلك كلّ جمع على فعل لا ينصرف إذا
كانت وحدانها لا تنصرف. و إذ كان فعل جمعا لفعلة فانّه ينصرف نحو سترة و ستر، و
إذا كان فعل اسما مصروفا عن فاعل لم ينصرف في المعرفة و ينصرف في النكرة. و أخرّته
فتأخّر، و استأخر: كتأخّر، و في التنزيل- لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ
لا يَسْتَقْدِمُونَ+ ...
وَ لَقَدْ
عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَأْخِرِينَ.
43
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 44
و التحقيق
أنّ الأصل في
هذه المادّة: هو التأخّر و هو ما يقابل التقدّم. و اختلاف المعاني في مشتقّاتها
ليس إلّا من جهة اختلاف الصيغ و الهيئات فقط.
فآخر كفاعل،
و أخير كفعيل، و أخر كحسن، و الآخر كأفعل، و أخرى كفعلى، و اخر جمع اخرى كصغرى و
صغر و كبرى و كبر، و تفصيل عدم انصراف اخر مذكور في الكتب النحويّة.
و إطلاق أخر
على المطرود من جهة تأخّره عن مقامه.
و الظاهر أنّ
صيغ الفعل المجرّد و كذا باب الإفعال من هذه المادّة غير مستعملة، و لم نر صيغة
على وزانها.
خَلَطُوا
عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً ...
يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ...
أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ.
... وَ قالَ الْآخَرُ إِنِّي
أَرانِي أَحْمِلُ ... وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ.
فذكر هذه
الكلمة (آخر) في هذه الموارد يشير الى زيادة التأخّر فيها رتبة، كما في الآيتين
الأوليين. أو تكوّنا و من جهة شدّة الامتياز و الفصل، كما في الآية الثالثة، أو من
جهة خصوصيّات ظاهريّة كما في الأخيرتين.
و هذا المعنى
محفوظ في صيغ التأنيث و التثنيّة و الجمع منها- ذَوا عَدْلٍ
مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ.
إشارة الى
زيادة تأخّر رتبة من ليس بعادل و انحطاط مقامه بالنسبة إلى العادل.
فَإِنْ
عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ ... وَ آخَرُونَ
يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
التأخّر في
هاتين الآيتين في جهة الارتفاع و العلوّ.
وَ آخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا- التأخّر من جهة الانحطاط في الرتبة.
و قد يكون
التأخّر في الزمان: كما في- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ ... وَ
44
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 44
آخَرِينَ مِنْهُمْ
لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ.
و قد يكون
التأخّر من جهة مجرّد الارتباط و النسبة: كما في- وَ لا تَزِرُ
وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى+ ... وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى ... هُنَّ
أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ ... ثُمَّ
نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ.
و الآخر:
كفاعل، بمعنى المتأخّر المطلق بالنسبة الى ما قبله، و هذا المعنى محفوظ في جميع
موارد استعماله كما في- اليوم الآخر- بالنسبة الى يوم الدنيا المتقدّم.
وَ آخِرُ
دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ- 10/ 10.
بالنسبة الى
قولهم أوّلا- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ، و إشارة الى كونهم
شاكرين حامدين راضين ما داموا في الجنّة.
عِيداً
لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا.
أى لمبتدأ
حياتنا و بقيّتها ما داموا في الدنيا.
هُوَ
الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ- 57/ 3.
أى هو البدء
في عالم الوجود و المتأخّر المطلق أى ما يكون بعده، فلا فصل بين الأوّل و الآخر
كالنقيضين، فالآخر يشمل جميع المراحل لما بعد الأوّل، كما أنّ الباطن في مقابل
الظاهر و يشمل جميع المراحل و المراتب الّتى هي دون الظاهر.
فلا يطلق
الآخر [بصيغة أفعل التفضيل] على اللّه المتعال، إذ لا معنى لكونه أشدّ تأخّرا.
و أيضا لا
يستعمل اسم الآخر إلّا مع اسم الأوّل، فانّه يدلّ على امتداد مفهوم الوجود فيما
بعد الأوّل، فهو مفهوم إضافىّ، كما أنّ الباطن له مفهوم إضافىّ في مقابل الظاهر.
و الآخرة: مؤنّث
الآخر، و قد ذكرت في تسعة موارد في القرآن الكريم، مقيّدة بالدار، صفة أو مضافة
اليها.
إِنْ
كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ ... وَ إِنَّ الدَّارَ
الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ ... وَ لَدارُ الْآخِرَةِ
45
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 44
خَيْرٌ+.
و في مورد
واحد مقيّدة بالنشأة- يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ.
و في خمسة
موارد مقابلة بالأوّلى- فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ
الْأُولى ... فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى.
و في ثمانية
و أربعين موردا مقابلة بالدنيا- فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ+ ... فِي
الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ... مَنْ كانَ
فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ...
اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ.
و قد ذكر
الآخر مذكّرا صفة لليوم في ستّة و عشرين موردا- آمَنَّا بِاللَّهِ
وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ... لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ
الْيَوْمَ الْآخِرَ+.
فظهر أنّ
معنى الآخر و الآخرة: هو المراحل المتأخّرة و المنازل المتعقّبة بعد انقضاء أيّام
الدنيا، فيعبّر عنها بالدار الآخرة و النشأة الآخرة و اليوم الآخر و الآخرة
(المطلقة) فالآخرة ممتدّة في طول الحياة الدنيا، فتشمل مرحلة القبر و البرزخ و
الحشر و النشر و الحساب و الجنّة و الجحيم و غيرها.
و ممّا قلنا
يظهر لطف التعبير بهذه الكلمة دون كلمة الآخر بالفتح أو كلمة الاخرى: فانّ الواقع
و الحقّ اتّصال مرحلة تلك الدار بالحياة الدنيا و ترتّبها عليها من دون فصل، فلا
معنى في التعبير بصيغة أفعل الدالّة على البعد و الفصل، و هذا من إعجاز كتاب اللّه
المبين.
و أمّا الفرق
بين التأخّر و الاستيخار في قولهم- أخّرته فتأخّر و استأخر:
فالتأخّر
للمطاوعة الصرفة، و في الاستيخار مضافة الى المطاوعة: دلالة على الطلب المكنون في
باطنه، فكأنّه يحبّ الاستيخار قبل أن يتأخّر.
لَقَدْ
عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَأْخِرِينَ- 15/ 24.
أى من كان
يحبّ التقدّم و يطلبه ثمّ تقدّم، و من كان يحبّ التأخّر و تأخّر.
فَإِذا
جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا
يَسْتَقْدِمُونَ+- 7/ 34.
46
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أخو ص : 47
أى لا يتأخّرون
و لا يتقدّمون و لا يوجد منهم ميل أو طلب الى التأخّر و التقدّم أيضا، و هذا
التعبير يدلّ على كمال اللطف و الرحمة من اللّه المتعال بحيث لا يبقى حين حلول
الأجل اقتضاء في تقدّمه و تأخّره حتّى يوجب الطلب و الميل الى خلافه.
ما
تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ+- 15/ 5.
إشارة الى
كمال النظم و نهاية التدبير في خلق اللّه تعالى بحيث لا يمكن السبق فيها و لا طلب
التأخير منهم بأىّ سبب كان.
أخو
مصبا- الأخ لامه محذوفة
و هي واو، و تردّ في التثنيّة على الأشهر، فيقال أخوان و جمعه إخوه و اخوان و
آخاء، و الأنثى أخت و جمعها أخوات، هو أخو تميم أى واحد منهم، و أخو الموت أى
مثله، و أخو الصدق أى ملازم له، و أخو الغنى أى ذو الغنى، و تأخيّت الشيء بمعنى
قصدته و تحريته. و آخيت بين الشيئين و واخيت لغة اليمن كواخذت.
صحا- الْأَخُ أصله أخو
بالتحريك لأنّه جمع على آخاء مثل آباء، و الذاهب منه و او لأنّك تقول في التثنيّة
أخوان، و الجمع إخوان كخرب و خربان، و إخوه و أخوة، و قد يتّسع في الجمع فيراد به
الاثنان،- و فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ- كقولك إنّا فعلنا و
نحن صنعنا، و أنتما اثنان.
مفر- الْأَخُ و هو
المشارك آخر في الولادة، من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع، و يستعار في كلّ
مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودّة أو في
غير ذلك من المناسبات- و لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا
لِإِخْوانِهِمْ- أى لمشاركيهم في الكفر- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... أَ
يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ. و قوله فَإِنْ
كانَ لَهُ إِخْوَةٌ أى إخوان و أخوات. و قوله إِخْواناً عَلى
سُرُرٍ
47
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 48
مُتَقابِلِينَ- تنبيه على
انتفاء المخالفة فيما بينهم. و الاخت تأنيث الأخ و جعل التاء فيه عوضا من المحذوف
فيه. و يا أُخْتَ هارُونَ- يعنى أخته في
الصلاح لا في النسبة، كقولهم يا أخا تميم، أَخا عادٍ، سمّاه أخا
تنبيها على إشفاقه عليهم شفقّة الأخ على أخيه. و عليه قوله: وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ+، ... وَ إِلى
مَدْيَنَ أَخاهُمْ+. و قولهم: تأخّيت أى تحريّت تحرّى
الأخ للأخ، و اعتبر من الاخوّة معنى الملازمة، فقيل أخيّة الدابّة. و قولهم وَ ما
نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها- أى من
الآية الّتى تقدّمتها، و سمّاها أختا لها لاشتراكهما في الصحّة و الابانة و الصدق.
و قوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها- إشارة الى
أوليائهم المذكورين في نحو قولهم: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ.
لسا- و
الْأُخْتُ أنثى الأخ، صيغة على غير بناء المذكّر و التاء بدل من الواو، وزنها
فعلة فنقلوها الى فعل و ألحقتها التاء المبدلة من لامها بوزن فعل فقالوا أخت، و
ليست التاء فيها بعلامة تأنيث كما ظنّ من لا خبرة له بهذا الشأن، و ذلك لسكون ما
قبلها، هذا مذهب سيبويه و هو الصحيح.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في المادّة: هو تشارك في نسب أو في أمر مادّىّ أو معنوىّ يجمعهما ذلك
الأمر. كما قلنا في الأب أيضا: إنّ الأصل فيه هو التربية المطلقة.
و هذه الكلمة
من الأسماء الستّة الّتي ذكروا أنّ إعرابها بالحروف، و هي أب، أَخٌ، حم، هن،
فم، ذو.
فَأَرْسِلْ
مَعَنا أَخانا- 12/ 63.
و كان يوسف
أخاهم من الأب.
وَ إِلى
عادٍ أَخاهُمْ هُوداً+ ... وَ إِلى
مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً+.
باعتبار
كونهم من قبيلة واحدة و ينتهى نسبهم الى أب واحد، و هكذا:
قالَ
لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ ... إِذْ قالَ
لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ ... فَمَنْ
عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ
48
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 48
شَيْءٌ- 2/ 178.
عبّر
بِالْأَخِ لإيجاد الشفقّة و الرحمة، فانّ أفراد بنى آدم لازم لهم أن يعاملوا و
يعاشروا بينهم كالإخوان، فانّهم من أب واحد و امّ واحدة، أبوهم آدم و الام حوّاء. إِنَّ
الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ- 17/ 27.
فإذا كان
الإنسان مبذّرا و خرج عن الاعتدال فهو أخو الشيطان، و يجمعهما عنوان واحد و هو
التعدّى عن الحقّ و البعد عن مرحلة العدل.
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ... نافَقُوا يَقُولُونَ
لِإِخْوانِهِمُ ... كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ.
فالمؤمنون و
المنافقون و الكافرون كلّ فرقة منهم بعضهم إخوة بعض، يجمعهم عنوان واحد- النفاق،
الكفر، الايمان.
و الفرق بين
الإخوة و الإخوان: أنّ استعمال الإخوة في ابتداء مراحل الأخوّة، و لمّا تحقّقت
المحبّة بينهم و كملت الالفة و خلصت المودّة تطلق كلمة الإخوان، و كذلك إذا أريد
تحقّق المحبّة و جلب الالفة و إيجاد الاخوّة بينهم. و يؤيّده وجود حرف المدّ و
اللين فيه. هذا ما يظهر و يستكشف من تحقيق موارد استعمال الكلمتين.
إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ- 49/ 10.
نزلت في
موارد حدوث الاختلاف و البغض بينهم، فيشار الى دفعه بالاشتراك في الايمان.
و كذلك- لا
تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ ... فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ
فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ... فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ.
هذه الآيات
نزلت في موارد مقتضية للاختلاف و حدوث البغض، فيلاحظ معنى الاخوّة و يتوجّه اليه.
و في
مقابلتها: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً- 3/ 103.
إِنْ كانَ
آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ- 9/ 24.
49
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أد ص : 50
نزلت في مقام تحقّقت الالفة أو اقتضتها.
وَ لَهُ أَخٌ ... ائْتُونِي بِأَخٍ ... وَ هذا أَخِي ... وَ أَخِي هارُونُ:
و شرط ذا الاعراب أن يضفن لا
|
|
للياء كجاء أَخُو أبيك ذا اعتلاء.
|
و أمّا تأخّيت أى تحرّيت و قصدت: فلا يبعد أن تكون مأخوذة من مادّة الوخي بمعنى القصد و السير، فيكون بين المادّتين اشتقاق أكبر.
أدّ
مقا- أَدٌّ: فأصلان أحدهما عظم الشيء و شدّته و تكرّره. و الآخر الندود.
أمّا الأوّل: فالإدّ و هو الأمر العظيم. قال اللّه تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا- أى عظيما من الكفر. و يقال: أدت الناقة إذا رجعت حنينها. و الأدّ: القوّة. و ثانيهما أدّت الإبل إذا ندّت (نفرت).
صحا- الْإِدُّ و الْإِدَّةُ: الداهية و الأمر الفظيع، و منه قوله تعالى- لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. و كذلك الْآدُّ مثال فاعل.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الأمر العظيم المكره، و هو خلاف الجريان الصحيح السليم، كما أنّ نسبة الولد الى اللّه العزيز المتعال كذلك، فانّها نسبة منكرة، و هكذا حنين شديد من الناقة، و نفرها دفعة، و يدلّ عليه الكسرة و التشديد الدالّان على انكسار و شدّة.
وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا- 19/ 89.
هذه الكلمة وردت في القرآن المجيد في مورد واحد.
50
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أدم ص : 51
أدم
مقا- أَدَمٌ: أصل واحد و
هو الموافقة و الملائمة. طعام مأدوم. و أدم الطعام، لأنّ صلاحه و طيبه لا يكون
إلّا بالإدام.
مصبا- أَدَمْتُ بين القوم
أدما: أصلحت و ألّفت. و
في الحديث: فهو أحرى
أن يُؤْدَمَ بينكما
: أى يدوم
الصلح و الالفة. و الإدام: ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا.
مفر- آدَمُ أبو البشر،
قيل سمّى بذلك لكون جسده من أديم الأرض، و قيل لسمرة في لونه، يقال رجل آدم أى
أسمر، و قيل سمّى بذلك لكون جسده من عناصر مختلفة و قوى متفرّقة، يقال جعلت فلانا
أدمة أهلى، أى خلطته بهم، و قيل سمّى به لما طيّب به من الروح المنفوخ به و جعل له
به العقل و الفهم و الرويّة الّتى فضّل بها على غيره.
فر- [آدَام]
آدم، انسان.
[آدوم]
الأحمر.
[اداماه]
الأرض، التربة.
أخبار الزمان
ص 49- و سمّى اللّه آدَمَ عبد اللّه و كنّاه أبا محمّد، و كان يتكلّم
بالعربيّة فحوّل اللّه عزّ و جل لسانه الى السريانيّة.
المعارف ص
11- فخلق آدم من أدمة الأرض و نفخ في وجهه نسمة الحياة، و قال إنّ آدم لا يصلح أن
يكون وحده، و لكن أصنع له عونا.
التنبيه و
الإشراف ص 69- و هذه جزيرة العرب كانت كلّها مملكة واحدة يملكها ملك واحد و لسانها
واحد سريانىّ و هو اللسان الأوّل لسان آدم و نوح و ابراهيم (ع) و غيرهم فيما ذكر
اهل الكتب ... و انّما تختلف لغات هذه الشعوب من السريانيّين اختلافا يسيرا، و
العربيّة أقرب اللغات بعد العبرانيّة الى السريانيّة، و ليس التفاوت بينهما
بالكثير، و قيل إنّ أوّل من تكلّم بالعبرانيّة ابراهيم الخليل (ع)
51
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 52
بعد أن خرج
من قريته المعروفة باور كشد و عبر الفرات.
و التحقيق
أنّ الأصل في
المادّة: هو خلط يوجب إصلاحا و ملائمة، و منه خبز مأدوم، و إدام الطعام.
و كلمة آدم
عربيّة على أفعل، و هي مأخوذة من العبرانيّة و السريانيّة بتغيير مختصر و تصرّف و
تعريب.
ثمّ إنّ ما
يقوى في النظر أنّ هذه الكلمة أطلقت عليه (ع) أوّلا باعتبار معناه الوصفي لا
بعنوان العلميّة، ثمّ جعلت علما له بالغلبة.
و من الآيات
الّتى استعملت هذه الكلمة فيها بعنوان العلميّة الشخصيّة:
إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً ...، إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ
كَمَثَلِ آدَمَ- 3/ 59.
فالكلمة
استعملت فيها علما كنوح و عيسى، و الحكم [الاصطفاء، المثليّة] أيضا مخصوص به، و لا
يمكن تعميمه بسائر بنى آدم.
و من الموارد
الّتى يمكن تعميمه و إن كان المورد خاصّا.
وَ إِذْ
قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ+- 2/ 34.
وَ
عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ... يا آدَمُ إِنَّ هذا
عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ- 20/ 117.
فانّ سجود
الملائكة و خضوعهم لآدم: ليس من جهة خصوصيّة شخص آدم من حيث هو هو، بل من جهة
مقامه و صفاته النفسانيّة و صفاء ذاته و روحانيّة نفسه، و بلحاظ أنّه خليفة اللّه
في خلق الرحمن و مظهره في أرضه و حجّته و آيته الكبرى.
إِنِّي
جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً- 2/ 30.
و بهذا ينكشف
معنى تعليم الأسماء لآدم: فانّه أمر تكوينىّ يرجع الى الاستعداد الفطرىّ و الجعل
التكوينىّ الإلهىّ و المرآتيّة الكاملة و الجامعيّة التامّة.
ثُمَّ
أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ- 23/ 14.
52
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أدى ص : 53
و كذلك يظهر
معنى عداوة إبليس لآدم شخصا أو نوعا: فانّ الإنسان مظهر للرحمن كما أنّ إبليس مظهر
للاستكبار و الشيطنة و مصداق غضب و قهر للجبّار و هو مطرود رجيم، فهذه العداوة
بينهما طبيعىّ قهرىّ.
إِنَّ
الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 12/ 5.
إِنَّ
الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا- 35/ 6.
هذا منشأ
العداوة و لا ينافيه حدوث عداوة اخرى أيضا في أثر مقتضيات اخر. كما أنّ تعليم
الأسماء تكوينا لا ينافيه التعليم الحادث.
و ليعلم أنّ
إطلاق كلمة- آدم- في القرآن الكريم: واقع في موارد تقتضي الاشارة الى فطرته
الأصليّة السليمة الصافية و خلقته الطاهرة الخالصة فإنّها أوّل كلمة أطلقت عليه
بعد قوله تعالى- إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، و هذا بخلاف كلمة
البشر و الإنسان: فانّ إطلاقهما عليه باعتبارات عرضيّة ثانويّة بتناسب المادّتين.
و الى هذا
المعنى يشار بالعهد التكوينىّ في قوله تعالى:
وَ لَقَدْ
عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ...
أَ لَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا
تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ.
و لا ينافي
هذا العهد: الوصايا و التذكّرات و عهود اخر تشريعيّة بوسائط أخر من الكتب النّازلة
و الأنبياء المرسلين و الوحى و غيرها.
وَ
أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ.
أدى
مقا- أصل
واحد و هو إيصال الشيء الى الشيء أو وصوله اليه من تلقاء نفسه، أَدَى اللبن إذا
وصل الى حال الرؤوب، أدّى فلان يؤدّى ما عليه أداء أو تأدية، و فلان آدَى للأمانة
منك.
53
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 54
مصبا- أَدَّى الأمانة الى
أهلها تأدية إذ أوصلها، و الاسم الأداء، و آدى على أفعل: قوى في السلاح و نحوه، و
الْأَدَاةُ: الآلة و أصلها واو، و الجمع أدوات، و الْإِدَاوَةُ: المطهرة.
مفر-
الْأَدَاءُ: دفع الحقّ دفعة و توفيته، كأداء الخراج و الجزية و ردّ الأمانة.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو الوصول و الإيصال لما في الذمّة الى مورده.
و ليعلم انّ
هذه المادّة يائيّة (آخرها ياء)، و أمّا الواويّة و هي أَدْوٌ: فمشتقّاتها
الأداة و الإداوة، و آداه يؤديه ايداء إذا قوّاه و أعانه. و قد اختلطت المادّتان
في كلامهم، و بينهما اشتقاق أكبر، فانّ التناسب بين الإيصال و الاعانة و التقوية
ظاهرة، و لا سيّما مع دعاية خصوصيّة البابين، الإفعال و التفعيل، و قد استعملت الواويّة
من باب الافعال و اليائيّة من التفعيل.
فَاتِّباعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ... إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى
أَهْلِها- 4/ 58.
أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ
عِبادَ اللَّهِ 44/ 18. فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ- 2/ 283.
و أمّا حقيقة
التأدية في قوله تعالى: وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ. أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ
عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى
اللَّهِ- 44/ 18.
تحويل عباد
اللّه (و هم الّذين يتوجّهون اليه و لهم تعلّق به و يريدون أن يسيروا اليه و
يعملوا بوظائف عبوديتهم) اليه، أى الى الرسول موسى (ع) الّذى مرسل من جانب اللّه
تعالى و خليفته في أرضه و أمين اللّه و رسوله على خلقه، حتّى
يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ+ و يبلّغهم أوامر
اللّه و نواهيه و أحكام العبوديّة.
و هذا المعنى
أقرب الى الصواب لغة و أدبا و معنى.
54
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إدريس ص : 55
و الفرق بين
الإيصال و التَّأْدِيَةُ: أنّ التأدية إيصال ما كان في ذمّته و ما كان
ملزما بإيصاله، بخلاف الإيصال فهو مطلق، فلا يقال في الأمانة: إنّه أوصلها بل
أدّيها الى أهلها.
إدريس
صحا- و يقال
سمّى إدريس لكثرة دراسة كتاب اللّه، و اسمه أختوخ.
المعارف- و
إنّما سمّى إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتاب اللّه و سنن الإسلام، و أنزل اللّه
عليه ثلاثين صحيفة، و هو اوّل من خطّ بالقلم و أوّل من حاك الثياب و لبسها، و
كانوا من قبل يلبسون الجلود، و استجاب له ألف انسان ممّن كان يدعوهم، فلمّا رفعه
اللّه اختلفوا بعده و أحدثوا الأحداث الى زمن نوح، و هو أبو جدّ نوح، و رفع و هو
ابن ثلاثمائة و خمس و ستّين سنة، و في التوراة إنّ أختوخ أحسن خدّام اللّه فرفعه
اللّه اليه.
التكوين 5/
18- و عاش يارد مائة و اثنتين و ستّين سنة، و ولد أخنوخ ... و عاش أخنوخ خمسا و
ستّين سنة و ولد متوشالح، و سار أخنوخ مع اللّه ...
و سار
متوشالح مائة و سبعا و ثمانين سنة و ولد لامك ... و عاش لامك مائة و اثنتين و
ثمانين سنة و ولد ابنا و دعا اسمه نوحا.
المروج- خنوخ
و هو إِدرِيسُ النبي (ص) و الصابئة تزعم إنّه هو هرمس، و هو
الّذى أخبر اللّه تعالى في كتابه- إنّه رفعه مَكاناً عَلِيًّا- و هو أوّل
من درز الدروز و خاط بالإبرة و أنزل عليه ثلاثون صحيفة.
البدء- 3/
11- قصّة إدريس: يزعم أهل العلم إنّه أخنوخ بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش
بن شيث بن آدم، و هو أوّل نبىّ أعطى الرسالة بعد آدم، و انزل عليه النجوم و الطبّ
و اسمه عند اليونانيّين هرمس، و كان يصعد له من
55
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إدريس ص : 55
العمل في كلّ
يوم مثل عمل بنى آدم كلّهم، فشكر اللّه ذلك له و رفعه مَكاناً عَلِيًّا.
فر-: (حانخ)
(حينخ) التربية و التعليم.
التكوين
العبرى- 5/ 21- (ويحى- حنوخ) و عاش حنوخ.
و
فِي
زِيَارَةِ النَّاحِيَةِ- السَّلَامُ عَلَى آدَمَ صِفْوَةِ اللَّهِ مِنْ
خَلِيقَتِهِ، السَّلَام عَلَى شَيْثٍ وَلِيِّ اللَّهِ وَ خِيَرَتِهِ، السَّلَامُ
عَلَى إِدْرِيسَ الْقَائِمِ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ،
السَّلَامُ عَلَى نُوحٍ الْمُجَابِ فِي دَعْوَتِهِ
. و
فِي
دُعَاءِ أُمِّ دَاوُدَ- أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى هَابِيلَ وَ شَيْثٍ وَ
إِدْرِيسَ وَ نُوحٍ وَ هُودٍ وَ صَالِحٍ وَ إِبْرَاهِيمَ.
البحار- 5
باب معنى النّبوّة-
عن أبي ذر
قال: قلت يا رسول اللّه كم المرسلون منهم؟ قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر
... يا أبا ذرّ أربعة من الأنبياء سريانيّون- آدم و شيث و أخنوح و هو
إِدْرِيسُ و هو اوّل من خطّ بالقلم، و نوح، و أربعة من العرب هود و صالح و
شعيب و نبيّك محمّد (ص).
و
فيه أيضا- سأل
الشامىّ أمير المؤمنين (ع): من ولد من الأنبياء مختونا؟
فقال خلق
اللّه آدم مختونا و ولد شيث مختونا و إدريس و نوح و ابراهيم و داود و سليمان ...
الخ.
الطبري- 1/
86-
عن أبى ذرّ
عن رسول اللّه (ص) قال: أربعة من الرسل سريانيّون آدم و شيث و نوح و خنوح، و
هو أوّل من خطّ بالقلم و أنزل اللّه على خنوخ ثلاثين صحيفة.
أخبار
العلماء للقفطى- إِدْرِيسُ: فقالت فرقة ولد بمصر و سمّوه هرمس الهرامسة،
و قالوا هو باليونانيّة أرميس و عرّب بهرمس و معنى أرميس عطارد، و قال آخرون اسمه
باليونانيّة طرميس و هو عند العبرانيّين اسمه خنوخ و عرّب أخنوخ، و سمّاه اللّه
تعالى في كتابه العربىّ المبين إِدْرِيسُ.
56
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 57
و التحقيق
أنّه ظهر
ممّا نقلنا لك امور:
1- أنّ
إِدْرِيسُ هو أخنوخ بن يارد، و نسبه مضبوط في التكوين.
2- أنّ أخنوخ
قد ضبط في العبريّة بلفظ- حنوخ.
3- أنّ حنوخ
من مادّة حانخ العبريّة و هي بمعنى التعليم و التربية، و لا يبعد أن يكون إدريس
ترجمة لها إن كان عربيّا من الدرس.
4- أنّ إدريس
يمكن أن يكون مأخوذا من أرميس أو طرميس يونانيّة كما سبق، و يحتمل أن يكون مأخوذا
من العبريّة- [دارش] الوعظ. و الّذى يقوى في النظر كونه معرّبا لا عربيّا أصيلا.
5- فلا يبعد
أن يكون إدريس اسما آخر له باعتبار صفة أو خصوصيّة فيه، كما في يعقوب و إسرائيل،
محمّد و أحمد، عيسى و المسيح.
وَ اذْكُرْ
فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَ
رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا- مريم/ 56. وَ إِسْماعِيلَ وَ
إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ- أنبياء/ 85.
و يستفاد من
الآيتين الكريمتين: مقامه السامي في الصدق و الحقّ، و ارتفاعه الى مقام علىّ من
الروحانيّة و الحقيقة، و كونه من الأنبياء المرسلين في مرتبة إسماعيل و ذى الكفل،
و أنّه من الصابرين على الحقّ الّذين هم استقاموا على الطريقة الإلهيّة و أداء
الوظائف المعيّنة.
سعد السُعود-
32- فيما نذكره من صحائف إِدْرِيسَ (ع)، وجدت هذه الصحف
بنسخة عتيقة يوشك أن يكون تاريخها من مائتين من السنين بخزانة كتب مولانا أمير
المؤمنين (ع) ... الخ.
ثم ذكر منها
موارد في السنن و المواعظ و ما يتعلّق بآدم.
و ممّا ينتسب
الى إِدْرِيسَ النبىّ ما طبع في تبريز مرّات، و منها في سنة
57
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إذ ص : 58
1315- ه.
منضمّا الى الأحاديث القدسيّة، و في أوّله:
قال أحمد بن
الحسين بن محمّد المعروف بابن متويه، وجدت هذه الصحف بالسوريّة ممّا أنزلت على
إدريس النبىّ أخنوح (ص) و كانت ممزّقة و مندرسة فتحرّيت الأجر في نقلها الى
العربيّة.
ثمّ نقل
ثلاثة عشر صحيفة في الحمد و الخلق و الرزق و المعرفة و العظمة و القربة و غيرها.
فظهر ممّا
ذكر أنّ إدريس لا شكّ أنّه أخنوخ بن يارد، و أنّه قبل نوح، و أنّه من الأنبياء
الصدّيقين. و أمّا أن كلمة إدريس هل هي معرّبة من السريانيّة أو العبرانيّة أو
اليونانيّة! و هل هي كانت وصفا أو لقبا أو اسما آخر له! فلا مأخذ لنا في تحقيقها.
و هنا أقوال
اخر: من أنّ كلمة إِدْرِيسَ عربيّة من مادّة الدرس، و أنّه من أنبياء بنى
إسرائيل، و أنّه هو إلياس أو غيره، و أنّه بعد زمان نوح النبيّ: كلّها ضعيفة
ساقطة.
إذ
يدلّ على
الزمان الماضي.
الكافية- و إِذْ لما مضى و
يقع بعدها الجملتان.
صحا- إِذْ: كلمة تدلّ
على ما مضى من الزمان، و هو اسم مبنىّ على السكون، و حقّه أن يكون مضافا الى جملة،
تقول جئتك إذ قام زيد، و إذ زيد قائم، و إذ زيد يقوم، فإذا لم تضف نوّنت
58
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 59
و التحقيق
أنّ هذه الكلمة موضوعة للدلالة على وقوع فعل أو نسبة في الزمان الماضي، فهي من الظروف.
و هذا المعنى تختلف خصوصيّاته و قيوداته باختلاف الموارد:
فقد تقع مفعولا فيها: فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا.
أو مفعولا بها: وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا.
أو مضافا إليها: بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، ... يَوْمَئِذٍ+.
أو في مقام التعليل: وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ.
أو مضافة الى المضارع: إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ.
أى فقد كان ابراهيم في الماضي مشتغلا برفع القواعد مستمرّا، فصيغة الاستقبال إنّما هي بالنسبة الى الماضي المفهوم أوّلا من كلمة إذ.
أو مضافة الى الجملة الاسميّة:
وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ.
و قد تدخل على الماضي ذكرا و اعتبارا:
يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أى في ذلك اليوم الّذى ذكرنا و وصفناه، تحدّث الأرض أخبارها.
يومئذ: هذه الكلمة قد ذكرت في القرآن المجيد في 68 موردا، و قد حذفت الجملة المضافة اليها فيها، و تنوينها للتعويض عن تلك الجملة المحذوفة، أى يوم إذ كان كذلك، و ليست للتمكّن لتخالف بناءها.
إذا
اسم ظرف للمستقبل في مقابل إذ.
59
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إذن ص : 60
فالأصل
الواحد في هذه الكلمة هو الظرفيّة في الاستقبال، و تختلف خصوصيّاتها باختلاف
الموارد و القرائن.
فتدخل على
الفعل المضارع: إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا+.
و على الجملة
الاسميّة: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ.
و على الماضي
إذا كان مستقبلا في المعنى:
ثُمَ إِذا دَعاكُمْ
دَعْوَةً ... إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ... فَإِذا نُقِرَ
فِي النَّاقُورِ.
و على الماضي
إذا كان مستقبلا بالنسبة الى ما سبق و باعتبار ما ذكر:
إِذا بَلَغَ
بَيْنَ السَّدَّيْنِ ... إِذا ساوى بَيْنَ
الصَّدَفَيْنِ ... حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ.
فانّ
الاستقبال فيها باعتبار ما سبق من قوله: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً+ ... آتُونِي
زُبَرَ الْحَدِيدِ.
فذكر كلمة
إذا باعتبار هذه الجملات السابقة الجارية. و ذكر صيغة الماضي- بلغ- ساوى: باعتبار
زمان التكلّم، فقد لوحظ في تلك الآيات الاعتباران.
و تقع في
مقام الشرط: فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ.
فيستفاد من
صدر الجملة معنى الشرطيّة.
و في مقام
الجزاء أو مثله في ترتّب أمر على ما تقدّم و يسمّى بالمفاجأة:
إِذا هُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ+ و إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا و فَإِذا هِيَ
حَيَّةٌ.
فهذه المعاني
المختلفة إنّما تستفاد من القرائن و اقتضاء الموارد و من لحن الكلام و كيفيّة
التعبير، و الأصل فيها ما قلنا.
إذن
هذه الكلمة
أصلها إذا، و النون فيها هي صورة التنوين في إذا، و هي تنوين التعويض، كما في-
أيّا و كلٌ.
إذا قمت فَإِذَنْ أكرمك، و
يجوز أن تكتب بالألف أيضا:
60
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إذن ص : 61
أَيًّا ما
تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ ... كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ+.
فالتنوين عوض
عن المحذوف، أى أىّ اسم، و كلّ منها.
ثمّ إنّ هذه
الكلمة تعمل النصب في المضارع إذا لم يعتمد ما بعدها على ما قبلها.
و نصبوا
بِإِذَنْ المستقبلا
|
|
ان
صدّرت و الفعل بعد موصلا
|
صحا- و إِذَنْ: حرف مكافاة
و جواب إن قدّمتها على الفعل المستقبل نصبت بها لا غير، إذا قال لك قائل: الليلة
أزورك، قلت: إِذَنْ أكرمك. و ان أخّرتها ألغيت و قلت: أكرمك إِذَنْ.
إذن
مقا- إِذْنٌ: أصلان
متقاربان في المعنى و متباعدان في اللفظ: أحدهما أُذُنُ كلّ ذى أُذُنٍ. و الآخر
العلم. و عنهما يتفرّع الباب كلّه. فأمّا التقارب: فبالأُذُنِ يقع علم كلّ
مسموع. و أمّا تفرّع الباب: فالأُذُن معروفة مؤنّثة، و يقال لذي الأُذُن آذِنٌ، و
للرجل السامع من كلّ أحد أُذُنٌ- وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ
النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ. و الأَذْنُ الاستماع. و
الأصل الآخر: العلم و الإعلام. يقال قد أذنت بهذا الأمر:
علمت. و
آذنني فلان: أعلمنى. و المصدر الأَذْنُ و
الإِيذَانُ. و فعله بإذني: بعلمي، و يجوز بأمرى. و هو قريب من ذلك. و من ذلك
أذن لي في كذا. و من الباب الْأَذَانُ، و هو اسم
التَّأْذِينُ، كما أَنَّ العذاب اسم التعذيب. وَ إِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، أى أعلم
ربّكم و ربّما قالت العرب: في معنى أفعلت تفعّلت، و مثله أوعدني و توعّدنى، هو
كثير.
مصبا- أَذِنْتُ له في كذا:
أطلقت له فعله، و الاسم الإذن، و هو الأمر و الإرادة، نحو بإذن اللّه. و أذنت
للعبد فهو مأذون له، و الفقهاء يحذفون الصلة تخفيفا
61
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 62
فيقولون
للعبد: المأذون، كما قالوا محجور و الأصل محجور عليه. و أَذِنْتُ لِلشَّيْءِ
أَذَناً من باب تعب: استمعت. و أذنت بالشيء: علمت به. و يعدّى بالهمزة-
آذَنْتُهُ إِيذَاناً، و تأذّنت: أعلمت. و أذّنت بالصلاة: أعلمت بها، و الأذان
اسم منه، و الفعال يأتى اسما من فعّل مثل الوداع و السلام و الزواج و الكلام و
الجهاز. و الأذن جمعها الْآذَانُ. و استأذنته في كذا: طلبت إذنه، فأذن لي فيه:
أطلق لي فعله.
كليا- وَ ما
أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ، أى بإرادته
و أمره أو بعلمه، لكنّ الإذن أخصّ من العلم و لا يكاد يستعمل إلّا فيه مشيّته،
ضامّه الأمر أو لم يضمّه، وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ
إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ- فيه مشيئة من وجه.
مفر- و أذن:
استمع، نحو- وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ+. و يستعمل
ذلك في العلم الّذى يتوصّل اليه بالسماع- فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ
اللَّهِ وَ رَسُولِهِ. و الإذن و الأذان لما يسمع، و يعبّر بذلك عن العلم، إذ
هو مبدأ كثير من العلم فينا- ائْذَنْ لِي وَ لا
تَفْتِنِّي، ... وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ. و أذنته و
آذنته: بمعنى. و المؤذّن كلّ من يعلم بشيء نداء.
ثُمَ أَذَّنَ
مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد فيها هو الإطّلاع بقيد الرضا و الموافقة سواء صدر منه أمر أم لا، فهذا
المعنى مأخوذ في جميع موارد استعمالها.
فالأذن-
كالجنب صفة مشبّهة، و معناها- المطّلع الراضي الموافق.
قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ
لَكُمْ ... وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ- 9/ 61.
ثمّ غلب
استعمالها في الجارحة المخصوصة الّتى هي حاسّة السمع و الاطّلاع.
وَ
الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ- 5/ 45.
أُذُنٌ واعِيَةٌ 69/ 12.
و جمعها الْآذَانُ.
62
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 62
يَجْعَلُونَ
أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ- 2/ 19.
و فِي
آذانِهِمْ وَقْرٌ- 6/ 25.
و
الْإِذْنُ- اسم من أذنت، و هو الاطّلاع مع الرضا و الوفاق.
أَنْ
تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ... وَ أُحْيِ
الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ ... خالِدِينَ
فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ...
فَتَكُونُ
طَيْراً بِإِذْنِي ... وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى
بِإِذْنِي ... لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ... تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ.
أى باطّلاع
من الربّ و رضائه و وفاقه، و كلّ هذه الأمور جارية تحت نظره و تدبيره.
و الاستيذان-
طلب الاذن و الرضا و الوفاق في المطلوب.
إِنَّ
الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ ... وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ
مِنْهُمُ النَّبِيَ ... فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ- 9/ 83.
أى يطلبون
منك التوافق و الرضا فيما يريدون.
و التأذين-
جعل الناس مطّلعين راضين موافقين، و الأذان اسم منه كما مرّ.
وَ أَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِ ... فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ
بَيْنَهُمْ ... وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ.
و التأذّن-
إظهار الإذن و الرضا بملاحظات ثانوية و مصالح خارجيّة، و هذا معنى التكلّف في باب
التفعّل، كالتحلّم و التعجّل و التستّر.
وَ إِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ
يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ- 7/ 167.
ضمير الجمع
راجعة الى الّذين عتوا [فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا] و التكلّف
في الإذن باعتبار بعث العذاب: إشارة الى أنّ التعذيب منه تعالى بملاحظات ثانويّة،
و قد سبقت رحمته غضبه، فالغضب منه تعالى خلاف رحمته الذاتّيّة و يحتاج الى
التكلّف.
وَ إِذْ
تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ
كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ-
63
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 62
14/ 7.
فالآية في
مقام الإشارة الى عواقب الكفران، بدليل ما بعدها- إِنْ تَكْفُرُوا
أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ. فلا نحتاج الى إرادة معنى مجازىّ من
التأذّن.
و الإيذان-
مثل التأذين إلّا أنّ النسبة في الإفعال في المرتبة الاولى و في قصد المتكلّم الى
الفاعل، بخلاف التفعيل فانّ التوجّه و القصد فيه في المرتبة الاولى الى المفعول
به، أى محلّ الوقوع، فباب الإفعال ناظر الى الصدور و باب التفعيل الى الوقوع.
فالنظر الابتدائى في الإيذان الى إظهار الإعلام و في التأذين الى الإبلاغ و
الاعلام الى النّاس.
وَ يَوْمَ
يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ- 41/ 47.
أى أظهرنا
اطّلاعنا و أعلنّا.
فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ- 21/ 109.
أى فقد عملتُ
بوظائف النبوّة و أبلغتُ رسالاتي و آذنت الجميع قاطبة.
و هذا بخلاف
التأذين في- أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ
لَسارِقُونَ.
فانّ المقصود
فيها الإبلاغ الى العير و الإسماع لهم.
و يدلّ على
هذا الفرق بين الهيئتين: وجود حرف الألف في أفعل و حرف الياء و التشديد في فعلّ و
التفعيل.
و بما قلناه
من الفرق بين البابين: ينكشف لك حقيقة التعبير و سرّه في موارد استعمالهما في
كلمات أخر. و كذلك يظهر سرّ التعبير بهذه المادّة و اختيارها في مواردها على
موادّ- العلم، الإعلان، الاطلاع، الاخبار، و نظائرها- في القرآن الكريم، فانّ
النظر فيها الى تحقّق الاطّلاع مع الموافقة.
64
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أذى ص : 65
أذى
مصبا- أَذِيَ الشيْءُ أَذىً، من باب تعب: قذر- قُلْ هُوَ أَذىً أى مستقذر. و أذى الرجل أذى: وصل اليه المكروه، فهو أذ مثل عم. و يعدّى بالهمزة فيقال آذيته إيذاء، و الأذيّة اسم منه، فتأذّى.
مفر- الْأَذَى: ما يصل الى الحيوان من الضرر إمّا في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيويّا كان أو اخرويّا- لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى، ... وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً- فسمى ذلك أذى باعتبار الشرع و باعتبار الطبّ. يقال آذيته أؤذيه إيذاء و أذّية و أذى.
لسا- الْأَذَى: كلّ ما تأذّيت به. و أذّى أذى، و تأذّى. و رجل أذىّ:
إذا كان شديد التأذّى.
مقا- أَذىً: أصل واحد و هو الشيء تتكرّهه و لا تقرّ عليه، يقال آذيت فلانا أؤذيه، بعير أَذٍ و ناقة أَذِيَةٌ: إذا كان لا يقرّ في مكان من غير وجع و كأنّه يأذى بمكانه.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما يتكرّه و ما لا يلائم، فالإيذاء إيصال ما يكرهه. و التَّأَذِّي الحالة الحاصلة من وصول المكروه و اختياره، و كذلك الأذى مصدرا كالتعب. ثمّ استعملت هذه الكلمة فيما يتأذّى به.
وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ دَعْ أَذاهُمْ- 33/ 48.
مصدرا- أي أن يتأذّوا. و اسما- أي دع ما يتكرّهوه.
وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً- 2/ 222 أى إنّه أمر يتكرّه و لا يلائم فاعتزلوهنّ فيه.
لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى 2/ 264.
بما يؤذيهم و يتكرّهون به.
65
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أرب ص : 66
أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ- 33/ 59.
حتّى لا يصل اليهنّ ما يكرهنه.
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ- 33/ 57.
يوجبون التأذّى و التكرّه.
أرب
مصبا- الْأَرَبُ و الإربة و المأربة: الحاجة، و الجمع المآرب. و الأرب في الأصل مصدر من باب تعب. أرب اليه: احتاج. فهو آرب. و الإرب يستعمل في الحاجة و في العضو، و الجمع آراب.
مقا- أَرَبٌ: أربعة اصول- الحاجة، العقل، النصيب، العقد. ما أرَبك الى هذا: ما حاجتك- غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ. و الإِرْبُ أى العقل، فهو أريب. أَرَبَ يأرُب إِرَبا. و من هذا الباب الفوز و المهارة. و أمّا النصيب: فهو و العضو من باب واحد لأنّها جزء الشيء.
مفر- أَرَبٌ: فرط الحاجة المقتضى للاحتيال في دفعه، فكلّ أرب حاجة و ليس كلّ حاجة أرب، ثمّ يستعمل تارة في الحاجة و تارة في الاحتيال و إن لم يكن حاجة. فلان ذو أَرَب، و أَرِيب، أى ذو احتيال. و قد أَرِبَ الى كذا: احتاج اليه حاجة شديدة- وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى. و لا أَرَب لي في كذا: ليس بى شدّة حاجة اليه. أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ- كناية عن الحاجة الى النكاح. و تسمّى الأعضاء الّتى تشتدّ الحاجة اليها آرَاباً كاليد و الرجل و العين، دون ما لا تشتدّ الحاجة اليها.
و التحقيق
أنّ الأصل في هذه المادّة: هو الحاجة الشديدة بحيث يكون تقوّم الشيء بها.
66
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أرض ص : 67
و أغلب ما
تكون تلك الحاجة في الاحتياجات الداخليّة و الذاتيّة و الأصيلة، دون العرضيّة. و
هذا هو الفارق بين المادّتين الإربة و الحاجة.
و بلحاظ هذه
الخصوصيّة: تطلق على مصاديق، كالعقل و الأعضاء البدنيّة و ما يضاهيها كالنصيب
المخصوص به و العقد الّذى يلتزم عليه و أمثالهما.
أَوِ
التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ- 24/ 31.
أى الّذين
يعدّون من التابعين لكم كالخادمين و العبيد و الشيخ و المجنون و غيرهم إذا لم تكن
فيهم حاجة الى النساء بالطبيعة، و لا يحتاجون في تقوّم حياتهم اليها.
أَتَوَكَّؤُا
عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى- 20/ 18.
التعبير بهذه
المادّة إشارة الى شدّة الحاجة اليها فكأنّها عضو من الأعضاء البدنيّة يتوسّل
اليها في رفع الحوائج المخصوصة.
و أمّا
التعبير في الآية الاولى بكلمة- ذوى الإربة- إشارة الى الحاجة الى النكاح، و أنّها
من الحاجات الأصيلة الذاتيّة البدنيّة و ليست بعرضيّة.
أرض
مقا- أَرْضٌ: الأصل
الأوّل- فكلّ شيء يسفل و يقابل السماء، يقال لأعلى الفرس سماء و لقوائمه
الْأَرْضُ، سماؤه أعاليه و أرضه قوائمه. و الْأَرْضُ: الّتى نحن
عليها، و تجمع على أرضين و لم تجيء في كتاب اللّه مجموعة. و يتفرّع منه قولهم
أَرْضٌ أَرِيضَةٌ: إذا كانت ليّنة طيّبة. و رجل أَرِيض للخير: خليق له، شبّه
بالأرض الأريضة. و الْإِرَاضُ: بساط ضخم من وبر أو صوف. و تأرّض فلان: إذ
لزم الأرض. و أصلان آخران: الزكمة و الرعدة. رجل مأروض: مزكوم. و به أرض:
رعدة.
67
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 68
صحا-
الْأَرْضُ مؤنّثة و هي اسم جنس، و كان حقّ الواحدة أن يقال أرضة، و لكنّهم لم
يقولوا، و الجمع أرضات، لأنّهم قد يجمعون المؤنّث الّتى ليست فيه هاء التأنيث
بالتاء كقولهم: عرسات، ثمّ قالوا أرضين و أراضى على غير قياس، كأنّهم جمعوا أرضا و
كلّ ما سفل. و رجل أريض: متواضع.
مفر- الأرض:
الجرم المقابل للسماء، و جمعه أرضون و لا تجيء مجموعة في القرآن، و يعبّر بها عن
أسفل الشيء كما يعبّر بالسماء عن أعلاه- و اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها- عبارة عن كلّ تكوين بعد إفساد و عود بعد
بدء، و لذلك قال بعض المفسّرين: يعنى به تليين القلوب بعد قساوتها.
و التحقيق
أنّ المعنى
الحقيقىّ لِلْأَرْضِ: ما سفل و ما يقابل السماء و هو اسم جنس يصحّ
إطلاقه على كلّ ما يقابل السماء، فإذا أطلقت في مقابل السماء: تشمل جميع ما سفل من
الجماد و النبات و الحيوان.
لَهُ
مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ+ ... رَبُّ السَّماواتِ
وَ الْأَرْضِ+ ... لَهُ مَقالِيدُ
السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ+- 39/ 63.
و إذا أطلقت
مطلقة و من حيث هي: تدلّ على الكرة الأرضيّة.
وَ
الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ+ ... وَ
الْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ ... أَ لَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ كِفاتاً- 77/ 25.
و قد تطلق و
يراد منها العالم الجسمانىّ في قبال العالم الروحاني:
اللَّهُ
نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ... يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي
السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ... أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي
السَّماءِ وَ الْأَرْضِ ... يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ
إِلَى الْأَرْضِ ... وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي
السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.
و قد يراد
منها قطعة محدودة معيّنة من الأرض من بلد أو محلّ:
68
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 68
يا قَوْمِ
ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ، ... وَ
نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا، و نَسُوقُ
الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ، ... وَ ما
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِ أَرْضٍ تَمُوتُ، ... أَوِ
اطْرَحُوهُ أَرْضاً، ... وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ، ...
يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ+.
فانكشف أنّ
لكلمة الأرض إطلاقات، بعضها أوسع من بعض من جهة المفهوم: المسكن، المحلّ، القرية،
البلدة، المملكة، القارّة، الكرة الْأَرْضِيَّةُ، كلّ ما سفل و وقع
تحت السماء، كلّ ما في عالم الجسم و دون عالم الروح و في كلّ من هذه المفاهيم قد
أخذ قيدان: السفل، و النسبة الى العلوّ.
و بهذا
اللحاظ لا يصحّ إطلاقها على الإنسان أو الحيوان أو سائر ما فيه الروح و الحياة،
فانّ مفهوم (النسبة الى العلوّ) فيها غير منظورة، و كأنّها بواسطة حياتها موجودات
مستقلّة.
و أمّا جمعها
على أَرَضُونَ و أَرَاضِي: فغير فصيحة، و لم
ترد في القرآن المجيد، و على تقدير ورودها في كلمات الأنبياء و الأئمّة عليهم
السلام: فلعلّ المراد القطعات و المصاديق و الجزئيّات من مطلق مفهوم الأرض.
و أمّا الآية
الكريمة- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ- 65/ 12.
فتدلّ على
أنّ اللّه سبحانه خلق سبع سماوات عاليات: منظومات، أو طبقات، أو محدودات بحدود
معلومة عند اللّه تعالى. و لا بدّ أن تكون لكلّ سماء بالنسبة اليها أرض سافلة.
و يمكن أن
يراد من السماوات: السماوات العلويّة الروحانيّة، و من الأرض في- وَ مِنَ
الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ: السماوات السبع الجسمانيّة الماديّة. فكلّ
منظومة بالنسبة الى عالمها الروحاني أرض، و كلّ عالم روحانىّ يتعلّق بمنظومة
محدودة مشهودة سماء. و اللّه العالم بحقائق الأمور، و لا يخفى أنّ هذه المعاني
كلّها من مصاديق السماء و الأرض و روى هذا المضمون عن الإمام ثامن الأئمّة الرضا
عليه السّلام.
69
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أرك ص : 70
أرك
مقا- أَرَكَ: أصلان
عنهما يتفرّع المسائل، أحدهما شجر، و الآخر الإقامة.
أرك يأرك
اروكا، و منه تسميتهم السرير في الحجلة: أَرِيكَةٌ، و الجمع أرائك.
صحا- أَرَكَ الرجل
بالمكان: أقام به، و أَرَكَ الجرحُ أُرُوكاً: سكن ورمه و تماثل. و الأريكة سرير منجّد
مزيّن في بيت أو قبّة، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة.
لسا- أَرَكَ و أرك:
أقام. و أرك الرجل: لجّ. و أرك الأمر في عنقه:
ألزمه ايّاه.
و أرك الجرح: برء و صلح و سكن و رمه. و الأريكة سرير في حجلة، و الجمع أريك و
أرائك. و قال الزجّاج: الْأَرَائِكُ الفرش في الحجال. و قيل هي الأسرة و
هي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال. و قيل هو كلّ ما اتكئ عليه
من سرير أو فراش أو منصّة.
الاشتقاق- و
الأريكة: الطنفسة أو الوسادة. و قال أبو عبيدة: الأرائك الفرش في الحجال أو في
الكلل.
مفر-
الْأَرِيكَةُ: حجلة على سرير جمعها أرائك، و تسميتها بذلك إمّا لكونها في الأرض
متّخذة من أراك و هو الشجرة، أو لكونها مكانا للاقامة، من قولهم أرك بالمكان
اروكا، و أصل الاروك: الاقامة على رعى الأراك، ثمّ تجوّز به في غيره من الأوقات.
أقول الحجلة:
ستر في جوف البيت أو بيت يزيّن للعروس.
اللجّ:
الملازمة و الإلحاح.
المنصّة:
الكرسىّ أو ما يشبهه ترفع عليه العروس، أو الثياب، أو الفرش الموطّأة.
الطنفسة:
البساط.
الكلّة:
الستر يخاط كالبيت.
70
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 71
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد فيها السكون و الطمأنينة و رفع الاضطراب، و الأريكة فعليه: ما يتّصف بكونه
ذا سكون و طمأنينة ليس فيه اضطراب كالفريضة لما يفرض من الحكم و الصدقة، و السكينة
لما يسكن من الوقار و الطمأنينة، و الحديقة لما يطاف و يحاط.
و من هذا
المعنى ما يقام و يهيّأ و يزيّن للعروس حتّى تقوم فيها ما كانت عروسا. فهذا المعنى
يشمل مجموع ما يهيّأ بهذا المنظور من السرير و الفرش و الكرسىّ و البساط و الستر،
و يعبّر عنها بالحجلة. فتخصيص الْأَرِيكَةِ بالسرير أو بالبساط
أو الفراش أو غيرها غير وجيه.
و لا يبعد أن
يكون الْأَرَاكُ و هو الشجر الّذى يستاك بفروعه و أطيب ما
رعته الماشية: أيضا مأخوذا من هذا المعنى، فاللفظ في الأصل كان صفة على وزان جبان،
أو مصدرا، و معناه المتّصف بالسكون و الطمأنينة باعتبار كون الشجرة خضراء ناعمة
كثيرة الورق و الأغصان، أو باعتبار إقامة الناس عندها لاتّخاذ المساويك، و الماشية
للرعي.
مُتَّكِئِينَ
فِيها عَلَى الْأَرائِكِ+- 76/ 13.
عَلَى
الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ- 36/ 56.
و الاتّكاء
اعتماد الظهر أو الجنب الى شيء، أو التمكّن في الجلوس، و إذا عرفت حقيقة الأريكة:
فيصحّ كلّ من المعنيين و التعبيرين.
عَلَى
الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ+- 83/ 23.
أى متمكنّين
و مستقرّين على السرر و الفرش أو معتمدين على البساط و الكرسىّ.
و أمّا
التعبير بصيغة الجمع: فباعتبار الأفراد المتمكنّين و المتّكئين عليها. و
71
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الأرم ص : 72
يمكن أن يكون إشارة الى تعدّد الأريكة لكلّ فرد منهم.
الأَرَم
التكوين- 10/ 22- بنو سام: عيلام و أشّور و أرفكشاد و لود و أرام. و بنو أرام: عوص و حول و جاثر و ماش.
المعارف- و من ولد إرَم بن سام بن نوح: عاد بن عوص بن إرم، و ثمود بن جاثر بن إرم، و هو ابن عمّ عاد، و من ولده أيضا: طسم و جديس ابنا لاوذ بن إرم و نزلوا اليمامة، و أخوهما عمليق بن لاوذ، نزل بعضهم الحرم و بعضهم الشام، فمنهم العماليق امم تفرّقوا في البلاد، و منهم فراعنة مصر، و أخوهم أميم بن لاوذ نزل أرض فارس، فأجناس الفرس كلّهم من ولده.
الإنباه- 18- و قال الزبير: طسم و أميم و عمليق: بنو لوذ بن سام بن نوح. و جديس و ثمود ابنا جاثر بن إِرَم بن سام. و أمّا هشام بن الكلبي فقال: إنّ العرب العاربة هم عاد و عبيل ابنا عوص بن إِرَم، و طسم اخوه عمليق و أميم و يقطعون بن عابر بن شالخ بن أرفحشد بن سام، فهؤلاء هم العرب العاربة.
التكوين- 10/ 24- و أرفكشاد ولد شالح، و شالح ولد عابر، و لعابر ولد ابنان فالج و يقطان، و يقطان ولد الموداد و شالف و حضرموت و يارح و هدورام ... الخ.
و التحقيق
أنّ هذا نسب يقطان و فالج، و نسب إبراهيم الخليل ينتهى الى فالج بن عابر، و منه الى نوح، و منه الى آدم عليه السلام، مضبوطا في التكوين. و أمّا أنساب صالح و هود و ثمود و طسم و أميم و جديس و عمليق: فليست بمضبوطة فيه، و لذا
72
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أز ص : 73
وقع الخلاف
فيها.
و المسلّم
أنّ إرم هو ابن سام بن نوح و أنّ عادا و ثمود من ذرّيته، و أمّا كيفيّة انتسابهما
اليه فمختلف فيها.
ثمّ إنّ
أسماء إخوان ارم [عيلام، أشّور، أرفكشاد، لود] ليست بعربيّة، فتدلّ على أن كلمة
إرام ايضا عجميّة، سريانيّة أو غيرها و أمّا كلمة إرم فلا شكّ أنّها معرّبة.
و في التكوين
العبرى- في الآية- [و أرام و بنى أرام]. فيعلم أنّ أصل هذه الكلمة في اللغة
العبريّة: أرام. ثمّ عرّب بتغيير مختصر فصار ارم.
أَ لَمْ
تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ- 89/ 7.
كلمة عاد اسم
لقبيلة من ذريّة عاد قد سمّوا باسم أبيهم. كما أنّ كلمة إرم أيضا كذلك، فيطلق اسم
إرم على قبيلة عاد باعتبار أنّهم من نسله.
فكلمة إرم
بدل أو عطف بيان من عاد. و لا معنى للقول بأنّ الكلمتين علمان شخصيّان، أو أنّ ارم
اسم بلدة، أو غيرهما. و يجيء في- عاد، ثمود، هود:
مزيد توضيح.
و في
الكشّاف- الفجر- قيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح: عاد، كما يقال لبنى
هاشم: هاشم. ثمّ قيل للأوّلين منهم عاد الاولى و إرم، تسمية لهم باسم جدّهم. و لمن
بعدهم عاد الاخيرة. فإرم في قوله- بِعادٍ إِرَمَ: عطف بيان لعاد، و
إيذان بأنّهم عاد الاولى القديمة. و قيل إرم بلدتهم و أرضهم.
أزّ
مقا- أَزٌّ: يدلّ على
التحرّك و التحريك و الإزعاج. قال الخليل: الْأَزُّ حمل
73
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 74
الإنسان الإنسان على الأمر برفق و احتيال. الشيطان يؤزّ الإنسان على المعصية أزا.
صحا- ائتزّت القدر ائتزازا: اشتدّ غليانها. و الأزّ: الإغراء و التهييج- تَؤُزُّهُمْ أَزًّا- أى تعريهم على المعاصي. و الأزّ: الاختلاط.
الفائق- أزّ:
كَانَ النَّبِيُّ (ص) يُصَلِّي وَ لِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ
- هو غليان المرجل.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التحريك بقصد الاحتيال، و من هذا المعنى: التهييج و الإغراء، فانّهما تحريك مخصوص معنوىّ، و فيهما نوع احتيال.
أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا- 19/ 83.
فلمّا كان الكافرون محجوبين عن الحقّ متورّطين في الحيرة و الغواية، فلا حاجة الى إغوائهم و إضلالهم، و للشياطين أن يهيّجوهم و يحرّكوهم الى العصيان و الإفساد.
و ذكر المصدر [المفعول المطلق] للدلالة على التأكيد و شدّة التهييج.
أزر
مقا- أَزَرَ: أصل واحد و هو القوّة و الشدّة، تأزّر النبت: قوى و اشتدّ. و الأَزْرُ: القوّة.
مصبا- الإِزَارُ معروف و الجمع أءزره و أزر- يذكّر و يؤنّث، و ربّما انّث بالهاء فقيل إزارة. و المئزر نظيره كلحاف و ملحف، و ائتزرت: لبست الإزار. و أزّرت الحائط تأزيرا: جعلت له من أسفله كالإزار. و آزرته: أعنته و قوّيته. و الاسم: اْلَأْزُر كفلس.
74
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 75
الفائق- الْأَزْرُ: هو القوّة و الشدّة. و منه الإزار، لأنّ الْمُؤْتَزِرُ يشدّ به وسطه.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو بلوغ القوّة.
اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي- 20/ 31.
أى بلوغ قوّتى و قدرتي.
وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى- 49/ 29.
أى كزرع أخرج فرخه و ورقه ثمّ قوّاه فاشتدّ و استغلظ.
آزر
التكوين- 11/ 25- و عاش ناحور بعدها ولد تارح مائة و تسع عشرة سنة، و ولد بنين و بنات، و عاش تارح سبعين سنة و ولد أبرام و ناحور و هاوان.
لسا- و ليس بين النسّابين اختلاف أنّ اسم أبيه كان تارخ، و الّذى في القرآن يدلّ أنّ اسمه آزر، و قيل آزر عندهم ذمّ في لغتهم، كأنّه قال: و إذ قال ابراهيم لأبيه الخاطي.
العرائس- و كان اسم أبى ابراهيم الّذى سمّاه به أبوه تارخ، فلمّا صار مع النمرود قيّما على خزائن آلهته سمّاه آزر. و قيل هو لقب عيب به و هو بمعنى معوجّ. و قيل هو بالنبطيّة الشيخ الهرم.
فر- [آزر] شدّ الوسط، التقوية.
[آزور] من يشدّ وسطه.
البحار- 5- باب قصص ولادة ابراهيم-
قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:
75
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 76
إنّ آزَرَ أبا
ابراهيم كان منجّما لنمرود بن كنعان، فقال له انّى أرى في حساب النجوم أنّ هذا
الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ...
الخ.
و
يروى ايضا
عنه (ع): و كان آزر صاحب أمر نمرود و وزيره و كان يتّخذ الأصنام له و
للناس و يدفعها الى ولده.
و التحقيق
أنّ الّذى
يقوى في النظر: أنّ كلمة آزَرَ معرّبة من آزور، و هو الّذى يشدّ وسطه للخدمة
و يتقوّى، و كلمة الوزير قريبة منها لفظا و معنى. و لمّا كان تارخ وزيرا لنمرود و
صاحب أمره و معتمدا عنده في النظر و الرأى: فلقّب بهذا الاسم.
وَ إِذْ
قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ
أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 6/ 74.
إِذْ قالَ
لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ أَ إِفْكاً آلِهَةً- 37/ 86.
وَ إِذْ
قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ- 43/ 26.
إِذْ قالَ
لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ ... يا أَبَتِ
لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ ... يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ
يَمَسَّكَ- 19/ 45.
فيظهر من هذه
الآيات الكريمة: أنّ آزر كان أبا ابراهيم، و كان من الضالّين المخالفين له قطعا،
سواء قلنا بأنّ اسمه آزر أو غيره، فانّ موضوع الحكم في أكثر الآيات هو عنوان الأب.
و قد يقال
فرارا عن الإشكال: إنّ المراد من الأب هو العمّ، و كان آزر عمّا له لا أبا.
و لكنّ هذا
التأويل لا يجدى إذا نسب الشرك الى الآباء المتقدّمين و أجدادهم فيما يأتى. مضافا
الى أنّ هذا خلاف ظواهر الآيات، و خلاف ما قال المورّخون، بل الروايات أيضا كما
رأيت.
76
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 76
إِذْ قالَ
لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ ... قالُوا بَلْ
وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ قالَ أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ
تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ- 26/ 76.
إِذْ قالَ
لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ
قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ
آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ- 21/ 54.
فانّ آباء
العمّ هم آباء الأب أيضا، و القائلون بتنزيه الأب عن الشرك لا يفرّقونه عن
الأجداد، و الآيات مصرّحة بانّ آباء أبيه و آباء قومه كانوا في ضلال مبين.
و كان
ابراهيم عليه السلام يحبّ أن يستغفر لأبيه من اللّه تعالى، و قد استغفر له و قال:
وَ اغْفِرْ
لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ- 26/ 86.
و قد كان وعد
الاستغفار لأبيه من قبل- وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا
عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها- التوبة/ 114.
إِلَّا
قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ- الممتحنة/ 4.
سَلامٌ
عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي- مريم/ 47.
و ظاهر آية
الاستغفار [وَ اغْفِرْ لِأَبِي] أنّه قد تحقّق بعد موته، بقرينة جملة- إِنَّهُ
كانَ مِنَ الضَّالِّينَ.
فلا تنافى
هذه الآية الكريمة آية- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ
تَبَرَّأَ مِنْهُ: فانّ ظاهر هذه الآية هو التبرّى في حياته.
ثمّ إنّ هذه
الآيات الكريمة لا تخالف ما قد ورد من الروايات في أنّ آباء النّبي (ص) كلّهم
طاهرون طيّبون.
البحار- 6-
باب بدّو نوره و ظهوره- عن رسول اللّه (ص): لا يصيبنا نجس الشرك و لا سفاح
الكفر.
و
عن أبى عبد
اللّه (ع): فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر الى رحم مطهّر، فلم
77
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 76
يزالا
يجريان طاهرين مطهّرين في الأصلاب الطاهرة.
فالقدر
المسلّم من تلك الروايات: طهارة الآباء عن الانحرافات و التمايلات الجنسيّة غير
المشروعة، و عدم تلوثهم برجس الشرك و سفاح الكفر عملا بحفظ اللّه المتعال و
صيانته.
و من الواجب
في الطبيعة و الشريعة: نزاهة آباء النّبي (ص) عن أمراض خلقيّة أو خلقيّة الّتى
تتوارث الأبناء عن الآباء، إذا كانت تلك الأمراض تنافى مقام النبوّة و مقام
الإرشاد و التبليغ و الخلافة.
و أمّا ما لا
تنافى فيه: كبعض المعاصي و السيّئات الأخلاقيّة و التكليفيّة العمليّة أو الاعتقادات
الضعيفة الّتى تخالف الإخلاص و التوجّه التامّ و التوحيد الكامل و مقام الولاية،
فلا طريق لنا الى إثباته.
كيف و آباء
رسول اللّه (ص) كانوا من متولّى الكعبة و من خدمة بيت اللّه الحرام، و كانت مملّوة
من الأصنام، و الناس يعبدونها و يتّخذونها آلهة لهم، و الآباء لا ينهونهم عن ذلك و
لا يجاهدون في تطهيرها منها.
و يؤيّد ما
قلنا التعبير في الروايات الشريفة بقولهم- الأصلاب الطاهرة و الأرحام المطهّرة، و
نظائرها. و لم يعبّر فيها بكلمة- النفوس الطاهرين و الطاهرة.
و في تفسير
التبيان: توبة- و ما كان استغفار- لما ذكر اللّه تعالى إنّه ليس للنبىّ و الّذين
آمنوا أن يطلبوا المغفرة للمشركين: بيّن الوجه في استغفار ابراهيم لأبيه مع أنّه
كان كافرا، سواء كان أباه الّذى ولد أو جدّه لأمّه أو عمّه على ما يقوله أصحابنا.
و في تنزيه
الأنبياء: الجواب- قلنا معنى هذه الآية أنّ أباه كان وعده بأن يؤمن، و أظهر له
الايمان على سبيل النفاق حتّى ظنّ به الخير فاستغفر له اللّه تعالى على هذا الظنّ،
فلمّا تبيّن له أنّه مقيم على كفره رجع عن الاستغفار له و تبرّء منه.
و لعلّ منشأ
هذا القول انّما هو كلام الصدوق (ره) في اعتقاداته- اعتقادنا
78
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أزف ص : 79
فيهم أنّهم
مسلمون من آدم الى أبيه عبد اللّه، و أنّ أبا طالب كان مسلما، و أمه آمنة بنت وهب
كانت مسلمة، و
قال النبىّ
(ص): أخرجت من نكاح و لم اخرج من سفاح من لدن آدم
، و
قد روى أنّ عبد
المطلّب كان حجّة و أبا طالب كان وصيّه
. و قد عرفت
أنّ القول بإسلام آبائه و إيمانهم كلّهم لم يثبت، و لا محذور فيه عقلًا و لا شرعا،
بل المحذورات في ذلك القول، مضافا الى نصوص الكتاب الكريم و الروايات السابقة.
و لكنّ مقتضى
التقوى و الأدب و حفظ الحرمة: هو السكوت عن البحث و القول في أمثال هذه الموارد، و
الاعتقاد الإجمالى بطهارتهم و نزاهتهم و قداستهم.
أزف
مقا- يدلّ
على الدنوّ و المقاربة. أَزِفَ.
الرحيلُ:
اقترب و دنا. رجل مُتَآزِفٌ: قصير متقارب الخلق.
مصبا- أَزِفَ الرجل أزفا
و أزوفا من باب تعب: دنا و قرب.
لسا- أَزِفَ أَزَفاً:
دنا و أفد (عجل). و أزف الرجل: عجل، فهو آزف، و هو المستعجل. و مكان متآزف: ضيّق.
مفر- أَزِفَتِ
الْآزِفَةُ: دنت القيامة. و أزف و أفد يتقاربان، لكن أزف يقال اعتبارا بضيق
وقتها، و يقال أزف الشخوص. و الازف: ضيق الوقت. و سمّيت به لقرب كونها.
أسا- أَزِفَ الرَّحِيلُ:
دنا و عجل. و كأنّه من الوزيف و الهمزة عن واو. و من المجاز: في عيشه أزف، أى
ضيّق.
79
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 80
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو القرب و الدنّو مع العجل. و أمّا ضيق الوقت: فهو لازم
هذا المعنى، فيكون معنى مجازيّا.
وَ
أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ
كاظِمِينَ- 40/ 18.
إشارة إلى
الانتقال الى عالم الآخرة بالموت و الاحتضار، بقرينة- إِذِ الْقُلُوبُ
لَدَى الْحَناجِرِ ...
أَزِفَتِ
الْآزِفَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ 53/ 57.
اقتربت حادثة
الموت و صيحة الرحلة الى عالم الآخرة، و تلك حادثة لا يردّها و لا يكشفها أحد.
فقد عبّر
إقبال عالم الآخرة بالآزفة: فانّه قريب مستعجل.
و توضيح ذلك:
أنّ كلّ حادثة من حوادث الدنيا و ابتلاءاتها من المرض و الفقر و الفراق و الشدائد
و الآلام و المصيبات، يمكن ردّها و علاجها و تأخيرها، و لا يحكم بنزولها و إصابتها
قطعا، إلّا الموت فانّه يدرك الإنسان أينما كان.
كُلُّ
نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ+ ... نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ
الْمَوْتَ ... أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي
بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ.
فباعتبار
كونه قطعيّا لا رادّ له و لا يقبل العلاج و التغيير و لا ينفع الفرار- قُلْ
فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
يعبّر عنه و
عن العالم الّذى ورائه بالآزفة، فانّ كلّ آت باتّ فهو قريب مستعجل، و لا سيّما إذا
كانت مصيبة عظيمة.
و التعبير
بصيغة الماضي [أَزِفَتِ] للإشارة الى القطعيّة و بتّيّة
الموضوع.
و حرف
[التاء] في الآزفة للمبالغة، و كأنّها تعقّب حوادث و مصيبات و حالات شديدة مولمة،
فبالنظر اليها عبّرت بصيغة التأنيث، و من جهة اتّصافها بها تدلّ
80
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أس ص : 81
على المبالغة و الشدّة. و من الحوادث المتعقّبه وصول القلوب و توقّفها لَدَى الْحَناجِرِ فيما قبل ظاهرا و فيما بعد.
أسّ
مقا- يدلّ على الأصل و الشيء الوطيد الثابت. فَالأُسُ أصل البناء و جمعه آسَاسٌ. و يقال للواحد أَسَاسٌ و الجمع أُسُسٌ. قالوا: الاس أصل الرجل.
مصبا- أس الحائط أصله، و جمعه آساس مثل قفل و أقفال. و الأساس مثله، و جمعه أسس. و أسّسته تأسيسا: جعلت له أساسا.
أسا- بنى بيته على أساسه الأوّل، و قلعه من اسّه. و فلان أساس أمره الكذب.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ما يبتنى و يثبت، حتّى يجعل عليه شيء آخر، مادّيّا أو معنويّا.
أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ- 9/ 109.
لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى- 9/ 108.
أى جعل أساس بنيان وجوده، و أساس بنيان المسجد على برنامج التقوى.
و ليس المراد البنيان المادّىّ المحسوس في المسجد و الإنسان، بل برمامج العمل و الفعّاليّة للإنسان و في المسجد.
و معلوم أنّ بنيان العمل على النيّة الأوّليّة، فكما أنّ البناء المادّى يبتنى على ما رسمه و قدرّه المهندس: فكذلك العمل مبتنى على النيّة صالحة أو طالحة إلهيّة أو
81
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إسحاق ص : 82
مادّية، فالعمل هو ظهور النيّة. ثمّ إنّ العمل في المسجد يبتدأ من أوّل عمارته و بنائه الى أن ينتهى الى العبادة فيه.
إسحاق
قم- إِسْحَاقُ: الضاحك.
فع- [ايصحق] الضحك.
التكوين 25- ولد ابراهيم اسحق و كان اسحق ابن أربعين سنة لمّا اتّخذ لنفسه زوجة، رفقة بتوئيل الأرامىّ اخت لابان الأرامىّ من فدّان أرام، و صلّى اسحق الى الربّ لأجل امرأته لأنّها كانت عاقرا، فاستجاب له الربّ، فحبلت رفقة امرأته ...
فلمّا كملت أيّامها لتلد إذا في بطنها توأمان.
المروج 1/ 27- و كان عمر إسحاق الى أن قبضه اللّه مائة و خمسا و ثمانين سنة، و دفن مع أبيه الخليل و مواضع قبورهم مشهورة و ذلك على ثمانية عشر ميلا من بيت المقدس.
و التحقيق
أنّ هذه الكلمة مأخوذة من العبريّة. و أمّا ما يستفاد من الآيات الكريمة في شأنه:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ- 14/ 39.
تدلّ على أنّ ولادة إسحاق كانت على كبر أبيه ابراهيم، و على تأخّره عن إسماعيل، بلحاظ تأخّر ذكره عنه.
وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ- 37/ 112.
تدلّ على نبوّته و صلوحه.
82
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أسر ص : 83
وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ- 11/ 71.
هذا يناسب تسميته.
وَ ما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ 2/ 136.
تدلّ على نزول صحف اليه كما أنزلت على أبيه و أخيه إسمعيل.
أسر
مقا- أصل واحد و هو الحبس، و هو الإمساك. من ذلك الْأَسِيرُ، و كانوا يشدّونه بالقدّ و هو الإِسَارُ، فسمّى كلّ أخيذ و إن لم يؤسر أسيرا.
مصبا- أسرته أسرا من باب ضرب فهو أسير، و امرأة أسير أيضا، و الجمع أسرى و أسارى. و أسره اللّه أسرا: خلقه خلقا حسنا، و شددنا أسرهم، أى قويّنا خلقهم. و اسرة الرجل: رهطه. و حللت إساره: فككته. و خذه بأسره: بجميعه.
مفر- الأسر الشدّ بالقيد من قولهم أسرت القتب، و سمّى الأسير بذلك ثمّ قيل لكلّ مأخوذ و مقيّد و إن لم يكن مشدودا، و يتجوّز به فيقال أنا أسير نعمتك. و أسرة الرجل من يتقوّى به.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الحبس و الضبط، بأن يكون تحت نظره و حكمه و سلطانه. و هذا المعنى منظور في جميع موارد استعمالها.
مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً- 76/ 8 أى من هو محبوس و واقع تحت سيطرة، أو مشدود بقيود ظاهريّة أو بتعهّدات عرفيّة و التزامات قانونيّة، فهذه الكلمة تشمل العبد و المسجون و المحبوس نظرا.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى- 8/ 70.
83
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إسرائيل ص : 84
جمع أسير، و هم الذّين أسروا و أخذوا و كانوا تحت سلطان المسلمين.
ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ- 8/ 67.
أى ليس من شأن نبىّ أن يأسر أفرادا و يجعلهم ذخيرة دنيويّة.
نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ- 76/ 28.
أى شددنا ضبطهم و قدرّنا امور معاشهم في الحيوة الدنيويّة فهم تحت سلطاننا و جبروتنا لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إلّا ما شاء اللّه عزّ و جلّ.
فالأسر ليس بمعنى الخلق، بل بمعنى التقدير و الضبط و الجعل تحت الأمر و الحكم، فهو يتحقّق بعد الخلق أو ملازم له.
فالاسرة فعلة بمعنى ما يؤسر و يضبط. و بمناسبة الضبط يطلق الأسر على جميع موارد الضبط و الحكم الدقيق.
إسرائيل
قم- إِسْرَائِيلُ: المظفّر على اللّه.
فع- [آسير] الأسير.
[أسر] التوقيف.
[ال] اللّه.
و التحقيق
أنّ معنى هذه الكلمة في اللغة العبريّة يطابق ما قلنا في مادّة أسر من العربيّة، فمعنى إسرائيل: من يكون تحت النظر و التوقيف و التدبير و الأسر من اللّه تعالى، و هذا المعنى قريب من كلمة عبد اللّه. و ما قال- قم- في ترجمته: فهو تحريف عن معناه الحقيقىّ، و لعله أراد المقهوريّة.
84
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أسف ص : 85
و في مع-
ففيه لغات، قالوا إسرال كما قالوا ميكال، و قالوا إسرائيل، و قالوا أيضا إسرائين،
و كذا نجد العرب إذا وقع اليهم ما لم يكن من كلامهم تكلّموا فيه بألفاظ مختلفة،
كما قالوا بغداذ و بغداد و بغدان.
التكوين- 35/
9- و ظهر اللّه ليعقوب أيضا حين جاء من فدّان أرام و باركه، و قال له اللّه اسمك
يعقوب لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل اسمك إِسْرَائِيلُ فدعا اسمه
إسرائيل.
المروج- 1/
27- و تزّوج إسحاق بعد إبراهيم يومحاء ابنة بتوئيل فولدت له العيص و يعقوب في بطن
واحد، و كان البادي منهما الى الفصل عيص ثمّ يعقوب، و كان لإسحاق في وقت مولدهما
ستّون سنة، و ذهب بصر إسحاق، فدعا ليعقوب بالرئاسة على اخوته و النبوّة في ولده، و
دعا لعيص بالملك في ولده.
التكوين- 25-
ما يقرب من هذه المضامين فراجع.
و يقال إنّ
وجه تسميته بيعقوب: تعقبّه في الولادة. و فيه يقول- و بعد ذلك خرج أخوه و يده
قابضة بعقب عيسو، فدعى اسمه يعقوب.
ثمّ إنّ كلمة
إسرائيل قد ذكرت مجرّدة في موردين من القرآن.
وَ مِنْ
ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ- 19/ 58.
كُلُّ
الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما
حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ- 3/ 93.
أسف
مقا- أَسَفٌ: أصل واحد
يدلّ على الفوت و التلهّف و ما أشبه ذلك. و الْأُسَافَةُ: الأرض الّتى لا
تنبت شيئا، و هذا هو القياس لأنّ النبات قد فاتها.
مصبا- أَسِفَ أَسَفاً من
باب تعب: حزن و تلّهف. فهو أسف. و أسف مثل غضب وزنا و معنى. و يعدّى بالهمزة-
آسفته.
85
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 86
مفر-
الْأَسَفُ: الحزن و الغضب معا، و قد يقال لكلّ واحد منهما على الانفراد، و
حقيقته ثوران القلب دمه شهوة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا،
و متى كان على من فوقه انقبض و صار حزنا. فَلَمَّا آسَفُونا
انْتَقَمْنا مِنْهُمْ- أى أغضبونا.
صحا- الأسف:
أشدّ الحزن، و قد أسف على ما فاته و تأسّف، أى تلهّف. و أسف عليه أسفا أى غضب. و
آسفه: أغضبه. و الأسيف و الأسوف:
السريع الحزن
الرقيق.
و التحقيق
أنّ الأصل في
الكلمة هو التلهّف و الحزن عند فوت شيء. و أمّا الغضب و غيره: فمّما يفهم
بالقرائن، و من المعاني المجازيّة لها.
فَرَجَعَ
مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً- 20/ 86.
أى متأسّفا و
حزينا على ما فعلوا من اتّخاذهم العجل. و ذكر هذه الكلمة بعد كلمة غضبان يدلّ على
التقابل بينهما و عدم دلالة مادّة الأسف على معنى الغضب. فالأسف: على ترك التوحيد
و فوته منهم بسبب اتّخاذ العجل و الشرك الباعث للغضب.
وَ
تَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ- 12/ 84.
أى على
فقدانه.
فَلَعَلَّكَ
باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً- 18/ 6.
يتأسّف رسول
اللّه (ص) على عدم إيمانهم بما جاء به.
فَلَمَّا آسَفُونا
انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ 43/ 55.
أى فلمّا
أوجب طغيان فرعون و أتباعه التأسّف منّا على كفرهم و خلافهم
86
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إسماعيل ص : 87
النصيحة و الصلاح و السعادة: فانتقمنا منهم و عذّبناهم. فلا حاجة لنا الى حمل الأسف على الغضب، مع أنّ المناسب هو التأسّف.
و أمّا أنّ الأسف كيف ينسب الى مقام الربّ: فهو كالغضب، فيطلق عليه تعالى باعتبار آثاره و نتائجه المترتّبة- راجع الغضب.
ثمّ إنّ بين الْأَسَفُ و الأسى: اشتقاق اكبر، و معناهما متقاربان.
إسماعيل
قم- إِسْمَاعِيلُ: مسموع من اللّه.
فع- [ايشمع] السماع. و كذلك: شمع، شامع.
و [ال] اللّه. و كذلك: الوهيم.
المعرّب- فيه لغتان: إِسْمَاعِيلُ و إسماعين. و يقول في الباب الأوّل: و أبدلوا السين من الشين، فقالوا: سراويل و إسماعيل، و أصلهما شراويل و اشماويل.
و قالوا للصحراء: دست (في دشت).
و التحقيق
أنّ الأصل في هذه الكلمة: هو اللغة العبريّة، مأخوذة منها.
و أمّا ما يستفاد من الآيات في حالاته.
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ 14/ 39.
هذه الآية تناسب وجه التسمية، فانّه ولد وهب له أوّلا، فهو مولود في أثر الدعاء المسموع.
وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ 2/ 127.
87
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 87
وَ
عَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا
بَيْتِيَ- 2/ 125.
الآيتان
تدلّان على أنّه كان شريك أبيه في بناء البيت (الكعبة) و كذا في تطهيرها.
وَ ما
أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ
يَعْقُوبَ- 3/ 84.
وَ
أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ- 4/ 163.
تدلّان على
نزول الصحف و الوحى اليه، في رديف أبيه و أخيه و يعقوب.
وَ
إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى
الْعالَمِينَ- 6/ 86.
وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَ
الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ- 38/ 48.
وَ
إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ 21/ 85.
قد عدّ في
هذه الآيات في عداد الصابرين، و من الأخيار، و ممّن فضّلهم على العالمين.
وَ اذْكُرْ
فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ
رَسُولًا نَبِيًّا- 19/ 54.
مضافا الى
صدقه، عرّفه بمقام الرسالة و النبوّة معا.
التكوين 17/
20- و أمّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا اباركه و أكثره كثيرا جدّا اثنى عشر
رئيسا يلد و أجعله أمّة كبيرة.
و 25/ 12- و
هذه مواليد إسماعيل بن إبراهيم الّذى ولدته هاجر المصريّة جارية سارة لإبراهيم، و
هذه أسماء بنى إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم نبايوث ... هؤلاء هم بنو إسماعيل و
هذه أسمائهم بديارهم و حصونهم اثنى عشر رئيسا حسب قبائلهم.
الإنباه ص
17- قال رسول اللّه (ص): إنّ اللّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، و اصطفى من ولد
إسماعيل بنى كنانة، و اصطفى من بني كنانة قريشا، و اصطفى من قريش بني هاشم، و
اصطفاني من بنى هاشم. ص 18- و قال العدوىّ
88
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أسن ص : 89
في كتابه في نسب قريش: جماع قريش كلّها فهر و الحرث ابنا مالك بن النضر بن كنانة.
تاريخ ابن الوردي 1/ 91- العرب المستعربة من ولد إِسْمَاعِيلَ و كان عمره لما أنزله إبراهيم مع امّه هاجر بمكّة موضع الحجر نحو أربع عشرة سنة، و ذلك لمضىّ مائة سنة من عمر إبراهيم عليهما السلام، فمن سكنى إسماعيل مكّة الى الهجرة 2793 سنة، و تزوّج إسماعيل من جرهم امرأة ولدت له اثنى عشر ذكرا منهم قيدار، و دفنت هاجر بالحجر و ابنها معها أيضا ... ثمّ ولد لقيدار حمل، و له نبث و يقال نابث، و له سلامان، و له الهميسع، و له اليسع، و له أدد، و له أدّ، و له عدنان، و له معدّ، و له نزار، و له مضر على عمود النسب النبوىّ.
أقول: و مضر هذا هو ولد الياس، و هو ولد مدركة، و هو ولد خزيمة، و هو ولد كنانة، و هو ولد النضر، و هو ولد مالك، و هو ولد فهر.
إستبرق: يأتى في مادّة (برق).
اسم: يأتى في مادّة (سما).
أسن
مقا- أَسَنَ: أصلان، أحدهما تغيّر الشيء، أسن الماء ياسن: إذا تغيّر. و أسن الرجل: إذ أغشى عليه من ريح البئر. تأسّن: اعتلّ.
مصبا- أَسَنَ الماء من باب قعد، أُسُوناً، و يَأْسَنُ: تغيّر فلم يشرب، فهو آسِنٌ و أَسِنَ مثل تعب.
و التحقيق
أنّه يظهر من موارد استعمال هذه المادّة: أنّها بمعنى التغيّر الى حالة مكروهة،
89
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أسو ص : 90
و بينها و
بين كلمات- أفن- أجن- عفن، اشتقاق اكبر.
مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ- 47/ 15.
باق على
حالته الطبيعيّة من الصفاء و الخلوص و الطيب و العذوبة، و لا يتغيّر طعمه و لا
ريحه و لا صفاؤه و لا لونه و لا خلوصه، و هذا كمال الطيب في الماء.
أسو
مصبا-
الْأُسْوَةُ بالكسر و الضمّ: القدوة. و تأسّيت به و ائتسيت به:
اقتديت. و
أسى: حزن. و آسيته: سوّيته.
مقا- أَسْوٌ: أصل واحد
يدلّ على المداواة و الإصلاح. أَسَوْتُ الجرح: داويته و لذلك يسمّى الطبيب الآسى.
أسوت بين القوم: أصلحت بينهم. و من هذا الباب لي في فلان أسوة أى قدوة (بالحركات
الثلاث) أى انّى أقتدى به. و أسّيتُ فلانا:
عزّيته.
مفر-
الْأُسْوَةُ كالقدوة و هي الحالة الّتى يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره إن
حسنا و إن قبيحا و إن سارّا و إن ضارّا، و لهذا قال تعالى- لَقَدْ كانَ
لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. و يقال
تأسّيت به. و الأسى: الحزن، و حقيقته اتّباع الفائت بالغمّ، يقال أسيت عليه أسى و
أسيت له. فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ. و أصله من
الواو، لقولهم رجل أسوان أى حزين. و الأسو: إصلاح الجرح، و أصله إصلاح الأسى و
إزالته.
و في مقا- أَسَى: كلمة واحدة
و هو الحزن، يقال أَسَيْتُ على الشيء آسى أسا: حزنت عليه.
90
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 91
و التحقيق
أنّ الظاهر
من مراجعة موارد استعمال هذه المادّة: أنّها واويّة و يائيّة، أمّا اليائيّة: فهي
من باب علم، و قلنا في (أسف) إنّ بينهما اشتقاقا أكبر، فمعنى الأسى قريب من الأسف،
و هو التلهّف على ما فات مقرونا بالحزن.
و أمّا
الواويّة: فهي من باب نصر، و تدلّ على جبر ضعف و إصلاحه، و وجود الضعف و الضرر
يلازم الحزن.
فمفاهيم-
المعالجة و التعزية و الاقتداء من مصاديق الأصل.
و أمّا الفرق
بين الأسى و الأسف: فالظاهر أنّ الأسف كان عبارة عن التلهّف المستتبع للحزن، و
الأسى عبارة عن الحزن المستتبع للتلهّف.
لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما
فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ- 57/ 23.
من الأسى
اليائىّ أى لا تحزنوا و لا تلهّفوا على الفائت. و الأصل- لا تأسيوا.
فَلا تَأْسَ عَلَى
الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ- 5/ 26.
و الأصل- لا
تأسي.
فَكَيْفَ آسى عَلى
قَوْمٍ كافِرِينَ- 7/ 93.
أى أحزن و
أتلّهف على من فسق و كفر.
لَقَدْ
كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ- 33/ 21.
لَقَدْ
كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ- 60/ 6.
من الأسو
الواوىّ، و فعلة لما يفعل به، كما في اللقمة و الاكلة. فالاسوة ما يؤتسى و يصلح به
من العمل و الحالة و السلوك و الطريقة، فيلزم لكم اتّخاذ هذه الطريقة المأخوذة من
رسول اللّه من قوله و عمله و سلوكه و أدبه و أخلاقه، إن كنتم راجين السعادة و
السير الى اللّه تعالى، فهي طريقة حسنة مطلوبة مرضيّة، موجبة لإصلاح ما فات عنكم.
91
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أشر ص : 92
و قد اشتبهت هذه المادّة على بعض اللغويّين فخلطوا بين اليائيّة و الواويّة، و مفاهيمهما.
أشر
مصبا- أَشُورٌ فهو أَشِرٌ من باب تعب: بطر و كفر النعمة فلم يشكرها. و أشر الخشبة أشرا من باب قتل: شقّها. لغة في النون، و المئشار بالهمزة و الجمع مآشير. فهو آشر و الخشبة ماشورة. و أشرت المرأة أسنانها: رقّقت أطرافها.
مقا- أشر: أصل واحد يدلّ على الحدّة. من ذلك قولهم: هو أشر، أى بطر متسرّع ذو حدّة، و أشر يأشر، و ناقة مئشير من الأشر. و رجل أشر و اشر. و الأشر:
رقّة في أطراف الأسنان. و أشرت الخشبة بالمئشار من هذا.
مفر- الْأَشِرُ: شدّة البطر. فالأشر أبلغ من البطر، و البطر ابلغ من الفرح، فإنّ الفرح و إن كان في أغلب أحواله مذموما- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ: فقد يحمد إذا كان على قدر ما يجب- فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، و ذلك إذا كان باقتضاء العقل. و الأشر لا يكون إلّا بحسب قضيّة الهوى.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الحدّة و الشدّة في البطر، و البطر: هو تجاوز عن الاعتدال في الطرب.
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ- 54/ 26.
بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ 54/ 25.
أى من يكذب بطرا و باقتضاء الهوى و بالحدّة- راجع البطر.
92
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 93
أصر
صحا- أَصَرَهُ
يَأْصِرُهُ أَصْراً: حبسه. و الموضع مأصرة. و الآصرة: ما يعطفك على رجل من
رحم أو قرابة أو صهر أو معروف. و الإصر: العهد و الذنب و الثقل.
مقا- أَصْر: أصل واحد
يتفرّع منه أشياء متقاربة: فالأصر: الحبس و العطف و ما في معناهما. و تفسير ذلك
أنّ العهد يقال له إصر، و القرابة تسمّى آصرة، و كلّ عقد و قرابة و عهد إصر. و
الباب كلّه واحد. فأمّا قولهم إنّ الثقيل إصر: فهو من هذا لأنّ العهد و القرابة
لهما إصر ينبغي أن يتحمّل. و أصرته: حبسته.
مفر- الْأَصْرُ: عقد الشيء
و حبسه بقهره، و يضع عنهم إصرهم- أى الأمور الّتى تثّبطهم و تقيّدهم عن الخيرات و
عن الوصول الى الثوابات، و على ذلك- وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً، و قيل
ثقلا. و تحقيقه ما ذكرت. و الإصر: العهد المؤكّد الّذى يثبّط ناقضه عن الثواب و
الخيرات- أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة هو الحبس الأكيد و التقيّد الموجب للتثقّل من امور معنوية.
و من مصاديقه: مفاهيم- العقد، الثقل، الذنب، العهد، القرابة، و أمثال ذلك ممّا يستفاد
منه القيد المؤكّد و الضبط و الحبس الشديد و التعهّد الملزم، و في كلّ من هذه
المفاهيم يلاحظ معنى القيد الملازم للثقل.
رَبَّنا وَ
لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِنا- 2/ 286.
أى ما يوجب
التثبّط و التقيّد و الشدّة و الضيق و التحبّس و الابتلاء كما وقع في الأمم
السابقة.
وَ يَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ- 7/ 157.
93
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أصل ص : 94
أى و يرفع عنهم الشدّة و الضيق و الكلفة و الابتلاء المعنويّة، و التقيّدات بالأغلال الّتى كانت عليهم ظاهرا، بالتكاليف الشاقّة و العادات السخيفة و الأعمال الباطلة.
قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي- 3/ 81.
أى ما أخذت منكم من التعهّد و الإقرار و القبول بتكليف الايمان بالرسل و نصرتهم- و هي التقيّد الشديد المأخوذ من جانب اللّه تعالى و المحدوديّة الثقيلة.
أصل
مقا- ثلاثة أُصُول متباعد بعضها من بعض، أحدها- أساس الشيء. و الثاني- الحيّة العظيمة. و الثالث- ما كان من النهار بعد العشىّ. فالأصيل:
الزمان بعد العشىّ و جمعه آصال.
مصبا- أَصْلُ الشيء: أسفله. و أساس الحائط أصله. و استأصل الشيء:
ثبت أصله و قوى. ثمّ كثر حتّى قيل أصل كلّ شيء: ما يستند وجود ذلك الشيء اليه. فالأب أصل للولد. و النهر أصل للجدْول. و الجمع اصول. و أصل النسب أصالة: شرف. فهو أصيل. و أصّلته تأصيلا: جعلت له أصلا ثابتا يبنى عليه. و قولهم لا أصل له و لا فصل- أى الحسب و النسب. و الأصل العقل. و الأصيل:
العشىّ. و الجمع اصل و آصال. و الأصلة من دواهي الحيّات قصيرة عريضة. و استأصلته: قلعته بأصوله. و منه قيل استأصل اللّه الكفّار: أهلكم جميعا. ما فعلته أصلا: قطّ و أبدا.
و التحقيق
أنّ المعنى الحقيقىّ في هذه المادّة: هو ما يبنى عليه شيء، سواء كان في
94
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 94
الجمادات أو
في النباتات أو في الحيوان أو في المعقولات أو في العلوم، يقال أصل الحائط، أصل
الشجر، أصل الإنسان، أصل المعرفة، الأصل في الألفاظ، الأصل في المعاني، و غير ذلك.
و لا يبعد أن
تكون الأصلة مأخوذة من هذا المعنى، فكأنّ تلك الحيّة لها أصالة في الحيّات فانّها
حيّة عظيمة و من دواهيها. و كذلك الزمان بعد العشىّ و هي آخر الساعات من النهار في
مقابل البكرة و هي اوّل اليوم، فلمّا كان اليوم زمان العمل خيرا أو شرا، يبتدء به
من البكرة و ينتهى الى الأصيل، فنتيجة العمل في كلّ يوم ماديّا أو روحانيّا تعلم
في آخر ساعة منه و هو المسمّى بالأصيل، فالجزاء أيّاما كان إنّما يبنى على ما حصل
في تلك الساعة، فتكون لها الأصالة في ساعات النهار، فراغا و نتيجة و محصولا و
عيشا.
كَشَجَرَةٍ
طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ- 14/ 24.
ما
قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها- 59/ 5.
إِنَّها
شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ- 37/ 64.
أى تنشأ من
متن أرضها الأصليّة و من موادّها الأصيلة.
وَ اذْكُرِ
اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا- 76/ 25.
وَ
سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا- 33/ 42.
أى ليكون
الذكر و التسبيح في أوّل النهار و آخرها- يراد دوامهما في جميع اليوم.
وَ قالُوا
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا- 25/ 5.
يريدون
الإملاء عليه على الدوام، و هذا التعبير شايع في العرف.
يُسَبِّحُ
لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ- 24/ 36.
و الفرق بين
الْأَصْلِ و الأساس: أنّ الأصل ما يبنى عليه شيء و هذا المعنى إنّما يتحقّق
بعد تحقّق الفرع، فهو أمر نسبىّ و ليس بمفهوم مستقل. و هذا بخلاف
95
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
اف ص : 96
الأساس فهو
مفهوم مستقلّ لا يحتاج الى وجود غيره، فيقال انّه أسّس أساس الظلم و أسّس أساس
البيت، و لا يقال أصّله.
افّ
مقا- فمعنيان
أحدهما تكرّه الشيء و الآخر الوقت الحاضر. أَفَ يَؤُفُ أَفّاً: إذا
تَأَفَّفَ من كرب او ضجر. أفّ و أفّ خفضا بلا نون أو معها، و ذلك أنّه صوت، كما
تخفض الأصوات، فيقال طاق طاق. و من العرب من يقول أفّ له. و قد قال بعض العرب: لا
تقولنَّ له أفّا و لا تفّا، يجعله كالاسم.
صحا- يقال أُفّاً له و أفّة
له: قذرا له، و التنوين للتنكير. و افّة و تفّة. و قد أفّف تأفيفا إذا قال أفّ- فَلا
تَقُلْ لَهُما أُفٍ- و فيه ستّ لغات حكاها الأخفش:
أفّ، أفّ،
أفّ، أفّا، أفّ. و يقال أفّا و تفّا له، و هو اتباع له. و كان ذلك على أفّ ذلك أى
حينه.
لسا- الْأُفُ: الوسخ
الّذى حول الظفر. و التفّ الّذى فيه، و قيل الأفّ وسخ الاذن و التفّ وسخ الأظفار.
يقال ذلك عند استقذار الشيء، ثمّ استعمل ذلك عند كلّ شيء يضجر منه و يتأذّى به.
و
الْأَفَفُ الضجر، و قيل الافّ و الأفف القلّة.
قال الرضى في
شرحه ص 178- و أمّا أخّ و كخّ و أفّ و بخّ و أوّه: إذا لم تستعمل استعمال المصادر
و هو أن تنصب نحو أفّا، أو تبيّن بحرف كافّ لك: فالأولى أن يقال ببقائها على ما
كانت عليه أعنى أسماء أصوات و أنّها لم تصر مصادر و لا أسماء أفعال، لعدم الدليل
عليه.
96
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 97
و التحقيق
أنّ هذه
الكلمة تستعمل في مقام الانضجار و إظهاره، و هي صوت و من اسماء الأصوات، مبنيّة
على هيئتها، و ليست من أسماء الأفعال، و بمناسبة هذا المعنى تستعمل في المعاني
المذكورة.
و قد نهى
اللّه تعالى عن إظهار الانزجار بهذه الكلمة المظهرة له، و أمّا نفس الانزجار في
قبال المكروهات فأمر قهرىّ غير اختيارىّ لا يقبل النهى.
فَلا
تَقُلْ لَهُما أُفٍ وَ لا تَنْهَرْهُما- 17/ 23.
أُفٍ لَكُمْ وَ
لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ- 21/ 67.
وَ الَّذِي
قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ- 46/ 17
أفق
مقا- أصل
واحد يدلّ على تباعد ما بين أطراف الشيء و اتّساعه و على بلوغ النهاية. و من ذلك
الْآفَاقُ: النواحي و الأطراف. و الرجل الْآفِقُ: الّذى بلغ
النهاية في الكرم. أفق يأفق أفقا: غلب. قال الخليل: واحد الآفاق الأفق و هي
الناحية من نواحي الأرض. رجل أفقىّ من أهل الآفاق، جاء على غير قياس. و قيل افقىّ.
مصبا-
الْأُفُقُ بضمّتين الناحية من الأرض و من السماء و الجمع آفاق، و النسبة اليه
افقىّ ردّا الى الواحد، و ربّما قيل أفقىّ بفتحتين تخفيفا على غير قياس، و لا ينسب
الى الآفاق على لفظها فلا يقال آفاقىّ. و الأفيق الجلد بعد دبغه، و الجمع الأفق.
لسا-
الْأُفُقُ و الْأُفْقُ مثل عُسُر و عُسْر: ما ظهر من نواحي الفلك و
أطراف الأرض، و كذلك آفاق السماء نواحيها.
97
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 98
و التحقيق
أنّ المعنى الحقيقىّ لهذه المادّة: هو الناحية الواسعة من أطراف الأرض أو السماء، مادّيّة أو معنويّة.
سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ- 41/ 53.
تدلّ على جميع الآيات الظاهرة في قاطبة النواحي و أطراف الأرض و السماء، فانّ الآفاق جمع محلّى بالّلام.
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَ هُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى- 53/ 7.
أى علمّه اللّه عزّ و جلّ الّذى هو الحقّ المستوى على خلقه. و كان الرسول (ص) مقيما بالمرتبة العليا و مقام رفيع أعلى، و هو أفق عالم العقول و ما فوق الناسوت. و هذا تعليم إشراقىّ و إنارة ربانيّة يتكوّن منه علم حضورىّ و نور إلهىّ في القلب، فلا بد لصاحبه أن يكون في مقام مجرّد نورانىّ حتّى يستعدّ لقبول تلك الأنوار.
وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ 81/ 23.
أى ليس بمحجوب عن شهود الأنوار و رؤية الحقائق و الإلهامات الغيبيّة، و لقد رأى هذا القول و هو القرآن المفهوم من [إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ]+ بالأفق الّذى يبين الحقائق و لما يشبه فيه أمر على شاهده، و هو عالم الشهود و الحضور و النور.
فظهر أنّ الأفق له مفهوم كلّى يشمل الآفاق الأرضيّة و السماويّة و العلويّة.
افك
مقا- أَفَكَ: أصل واحد، يدلّ على قلب الشيء و صرفه عن جهته. أفك
98
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 99
الشيء و أفك
الرجل: كذب، و الإفك الكذب. و أفكت الرجل عن الشيء:
صرفته عنه- أَ
جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا. و
الْمُؤْتَفِكَاتُ: الرياح الّتى تختلف مهابّها.
مصبا- أَفَكَ
يَأْفِكُ من باب ضرب إِفْكاً: كذب، فهو أفوك و أفّاك، و امرأة أفوك و أفّاكة.
و أفكته: صرفته، و كلّ امر صرف عن وجهه فقد افك.
صحا-
الْإِفْكُ: الكذب و كذلك الأفيكة و الجمع الأفائك، و رجل أفّاك: كذّاب. و
الأفك بالفتح مصدر أفكه يأفكه: قلبه و صرفه عن الشيء. و ائتفكت البلدة بأهلها:
انقلبت. و المؤتفكات: المدن الّتى قلبها اللّه تعالى على قوم لوط (ع). و
المؤتفكات: الرياح تختلف مهابّها. و المأفوك: المأفون، و هو الضعيف العقل و الرأى.
مفر-
الْإِفْكُ: كلّ مصروف عن وجهه الّذى يحقّ أن يكون عليه، و منه قيل للرياح
العادلة عن المهاب: مؤتفكة.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو القلب و الصرف عن وجهه. و بهذا الاعتبار يطلق على
الكذب، لانصرافه عن الحقّ و الواقع. و كذلك إطلاقه على الرياح المنصرفة عن
مهابّها، و المدن الّتى انقلبت عن جريانها الطبيعيّة، و العقل الّذى ينحرف عن
كماله و صفائه.
وَيْلٌ
لِكُلِ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ- 45/ 7.
من يصرف
الحقائق عن وجهها.
بَلْ
ضَلُّوا عَنْهُمْ وَ ذلِكَ إِفْكُهُمْ وَ ما كانُوا
يَفْتَرُونَ- 46/ 28.
وَ قالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ- 25/ 4.
وَ قالُوا
ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً 34/ 43.
في هذه
الآيات قد وصف الإفك بالافتراء، و هو قريب من معنى الإفك-
99
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 99
راجع الفرى.
كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ
كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ- 40/ 63.
لَيَقُولُنَّ
اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ+، ... لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ+ 35/ 3.
اى يصرفون و
يقلبون.
يُؤْفَكُ عَنْهُ
مَنْ أُفِكَ- 51/ 9.
أي يُصرف
عنه- و هو الحقّ و الدين و الوعد.
ففي جميع
موارد استعمال هذه المادّة: يلاحظ مفهوم القلب و الصرف عن وجهه الحقّ.
و المؤتفكات:
هذه الكلمة مفردة قد ذكرت في آية واحدة، و جمعا قد ذكرت في آيتين:
وَ قَوْمِ
إِبْراهِيمَ وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ
رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ- التوبة/ 70.
وَ جاءَ
فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ
فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ- الحاقّة/ 9.
وَ قَوْمَ
نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى وَ
الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى فَغَشَّاها ما غَشَّى- النجم/ 53.
في لسا- و
الِائْتِفَاكُ عند اهل العربيّة: الانقلاب، كقريات قوم لوط الّتى ائتفكت بأهلها أى
انقلبت. و قيل المؤتفكات المدن الّتى قلبها اللّه تعالى على قوم لوط عليه السّلام.
أقول:
فالمؤتفك: من أخذ الافك طريقة له و الآخذ به، و نتيجة هذا هي الانصراف عن الحقّ و
قلب الحقّ الى الباطل. و تأنيث الكلمة باعتبار النفس أو البلدة أو الملّة.
فهذه الكلمة
أمّا صفة للنفوس- أى النفوس المنصرفة أو الملل العادلة عن
100
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 99
الحقّ و
المنقلبة عن مجارى الفطرة الاصليّة الّتى خلقها اللّه تعالى عليها. أو صفة للمدن و
البلاد المنقلبة بالبلاء و الهلاك و الخسف و الغرق و غيرها، أو البلاد المنقلبة
الى الفساد و الباطل و الكفر و الطغيان باعتبار أهلها.
ثمّ إنّ مدن
لوط من المصاديق الواضحة لهذه الكلمة، سواء أريد بها النفوس أو أريد بها البلاد،
لانحرافهم الكامل عن الفطرة السليمة.
فَلَمَّا
جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها.
هذه الآية
باعتبار مدينتهم.
إِذْ قالَ
لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ
مِنَ الْعالَمِينَ- 29/ 28 أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ
تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ- 29/ 29 و
هذه باعتبار النفوس و أصحاب لوط المنحرفين عن الحقيقة.
و في
المراصد- المؤتفكة: قيل كان بقرب سلميّة بالشام مدينة تدعى المؤتفكة، انقلبت
بأهلها فلم يسلم منها إلّا مائة نفس خرجوا منها فبنوا لهم مائة بيت، فسميّت حوزتهم
الّتى بنوافيها منازلهم سلم مائية، فقال الناس سلميّة، و قد جاء
عن علىّ
(ع) إنّه قال في ذمّ البصرة يا أَهْلَ المُؤْتَفِكَةِ
ائْتَفَكَتْ بأهلها ثلاثا و على اللّه الرابعة
، و هذا يدلّ
على أنّ الائتفاك الانقلاب، و قيل إنّ المراد بالمؤتفكة مدائن قوم لوط.
و هذا الكلام
يدلّ على أنّ هذه الكلمة صفة لا اسم علم، فانّ اسم مدينة قوم لوط هو سدوم- كما في
التوراة و كتب التاريخ.
التكوين 19-
و إذ أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر، فأمطر الربّ على سدوم و عمورة
كبريتا و نارا من عند الربّ من السماء، و قلب تلك المدن و كلّ الدائرة.
101
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أفل ص : 102
و لا يبعد أن يكون المراد من المؤتفكات في الآيات السابقة: هي المدن و القرى المنقلبة خاصّه، فانّها ذكرت في مقابل النفوس المتحولّة و الأقوام المرتدّة- الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ ... وَ الْمُؤْتَفِكاتِ+ ... أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى ... وَ الْمُؤْتَفِكَةَ ... وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ.
أفل
مقا- أَفَلَ: أصلان أحدهما الغيبة، و الثاني الصغار من الإبل. يقال أفلت الشمس غابت، و نجوم أُفَّلٌ، و كلّ شيء غاب فهو آفل. و الأفيل: الفصيل و الجمع الإفال.
مصبا- أَفَلَ الشيء أفلا و أفولا من باب ضرب و قعد: غاب، و منه قيل أفل فلان عن البلد: إذا غاب عنها. و الْأَفِيلُ: الفصيل.
صحا- مفر- و فيهما ما يقرب منها.
لسا- أَفَلَ: غاب. أفلت الشمس: غربت.
فر- [افل] الظلمة و الغروب.
و التحقيق
أنّ الغيبة معناها مطلق الغياب في قبال الشهود من دون توجّه فيها الى حدوثها أو دوامها أو بقائها، بخلاف الأفول فانه يدلّ على حدوث الغيبة بعد الحضور، و يوجه الانفصال، و هذا المعنى أشدّ تأثيرا في سلب الحبّ حيث قال- لا أُحِبُ الْآفِلِينَ- فانه مضافا الى الغيبة يدلّ على التغيّر. و كذا في البرائة من الشرك في قوله:
فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ- 6/ 78.
102
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أكل ص : 103
فان التغيّر
و التقلّب ممّا لا يليق بحال الخالق الحىّ القيّوم.
و اطلاق
المادّة على الفصيل: باعتبار غيابه عن امّه في بعض الأوقات.
فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا
أُحِبُ الْآفِلِينَ- انعام/ 76.
فلمّا أظهر
بأنّ الكوكب ربّه أى مربيّه و مدبّر أموره: فأثبت له شعورا و عقلا و علما و قدرة،
فاللازم أن يقال في وصفه بصيغة الجمع للعقلاء، فقال لا أُحِبُ
الْآفِلِينَ.
أكل
صحا- أَكَلْتُ الطعام أكلا
و مأكلا. و الأَكْلَةُ: المرّة الواحدة حتّى يشبع. و الاكلة:
اللقمة. و هذا الشيء اكلة لك. طعمة لك. و الأكل: ما أكل.
فلان ذو أكل:
إذا كان ذا حظّ من الدنيا و رزق واسع، و الأكل ثمر النخل و الشجر، و كلّ ما يؤكل
فهو أكل. آكلته: أطعمته. و الْأَكِيلَةُ: المأكولة.
مقا- أكل:
باب تكثر فروعه، و الأصل كلمة واحدة و معناها التنقّص.
رجل أكول:
كثير الأكل. و الأكلة جمع آكل. و الأكيل: الّذى يؤاكلك. و المأكل: ما يوكل. و فلان
ذو اكلة في الناس: إذا كان يغتابهم. و الأكل: حظّ الرجل و ما يعطاه من الدنيا. و
أكل الشجرة: ثمرها- تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ.
مصبا-
الْأَكْلُ مصدر أكل من باب قتل، و يتعدّى الى ثان بالهمزة. و الاكل بضمّتين و
إسكان الثاني تخفيف: المأكول.
مفر-
الْأَكْلُ تناول المطعم، و على طريق التشبيه به قيل أكلت النار الحطب. وَ لا
تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ- و هو صرفه الى ما
ينافيه الحقّ، و قد يعبّر عن الفساد بالأكل- كَعَصْفٍ
مَأْكُولٍ.
103
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 104
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو التناول الملازم إزالة الصورة و التشخّص من الطرف
المأكول، ففي أكل الطعام: يتناول الآكل من الطعام بحيث يزيل صورته. و كذلك في أكل
النار الحطب، و في أكل الأموال بالباطل، و في أكل المغتاب لحم أخيه حيث انّه يزيل
تشخّصه و وجهته.
حَتَّى
يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ- 3/ 183.
تتناول النار
منه و تزيل صورته.
وَ لا
تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ ...
لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ- 2/ 188.
وَ لا
تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ- 4/ 2.
أى التناول و
التصرّف فيها حتّى تزول صورة المملوكيّة لصاحبها و تجعلونها متعلّقة لأنفسكم.
و كذلك- لا
تَأْكُلُوا الرِّبَوا- 3/ 130.
وَ
تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا- 89/ 19.
الَّذِينَ
يَأْكُلُونَ الرِّبا- 2/ 275.
إِنَّ
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى- 4/ 10.
أى يتناولون
لأنفسهم.
أَ يُحِبُّ
أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً- 49/ 12.
و قد عبّر
باللحم و الميّت فانّ صورة البدن و نظمه باللحم، فالمغتاب يزيل بالتعييب و ذكر
السوء عنوانّه و حيثيته، و الحال أنّه غائب لا يستطيع دفع السوء عنه كالميّت،
فكأنّ المغتاب يزيل اللحم عن أخيه الميّت، و لا يحفظه و لا يستر سوّأته.
أُولئِكَ
ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ 2/ 174.
104
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
ألت ص : 105
فكأنّ المأكول للّذين يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ ... وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا: هو النار، و معلوم أنّ معدة الإنسان و بدنه لا يتحمّلها و لا يتثبّت في مقابل إحراقها و لهبها.
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ- 105/ 5.
كزرع قد تنوول و أزيل نظمه و انمحت صورته، فهم ايضا كأنهم قد أكلوا فانمحت صورهم بالخضم و المضغ.
تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ...، وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ 13/ 4.
أى الثمر و المأكول، و الظاهر أنّ هذه الصيغة صفة مشبهة على وزن جنب، و هو ما يكون متّصفا بالماكوليّة، فكأنّها قد أخذت من أكل بضمّ العين لازما.
ألت
مصبا- أَلَتَ الشيءُ من باب ضرب: نقص. و يستعمل متعديّا ايضا، فيقال ألته.
مقا- أَلَتَ: كلمة واحدة تدلّ على النقصان، ألته يألته: نقصه.
صحا- أَلَتَهُ حقّه يَأْلِتُهُ أَلْتاً: نقصه. و ألته: حبسه عن وجهه و صرفه، مثل لاته يليته. و هما لغتان. و قال في ليت: لاته عن وجهه يلوته و يليته: حبسه عن وجهه و صرفه. و ألاته عن وجهه، فعل و أفعل بمعنى، و ما ألاته من عمله شيئا: ما نقصه، و مثله ألته.
و التحقيق
أنّ هذه المادّة تدلّ على النقص المخصوص و هو ما كان عن طريق الحبس و المنع و الصرف، مثل أن يحبس و يمنع عن الوصول الى تمام ماله من المال و الأجر، أو يصرف المال و الأجر عنه بإيجاد الموانع و الصوارف، و هذا المعنى أبلغ في المقام من
105
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الر ص : 106
النقص و أدقّ
و ألطف.
وَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ
ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ
امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ- 52/ 21.
هذه الكلمة
يجوز فيها أن تكون من ألت ماضيا مجرّدا، أو من ألات، و هو من مادّة لات أجوفا، فهي
إمّا متكلّم من المجرّد أو من الإفعال، و المعنى واحد، و الظاهر أن يكون بين
المادّتين اشتقاق اكبر. و في لات بوجود حرف اللين دلالة على الجريان الطبيعي.
الر
من الحروف
المقطّعة في فواتح السور، و أنّها من المتشابهات و الرموز الّتى لا طريق لنا الى
معرفتها، و البحث عنها غير مفيد للعلم، و اكثر ما قيل فيها خارج عن مقام القرآن
المجيد و عن شأن كلام اللّه العزيز الحكيم.
نعم لا يبعد
أن تكون هذه الحروف إشارة إجماليّة الى موضوعات و مطالب وقعت في تلك السور. فهذه
الحروف [ا- ل- ر] إنّما وقعت في فواتح خمس سور (يونس، هود، يوسف، ابراهيم، الحجر)
و الموضوعات المهمّة المبحوث عنها في تلك السور: السوق الى اللّه و توحيده و عبادته،
و السوق الى لقائه و ترك اللهو في الحيوة الدنيا، و السوق الى الرسل و الاهتداء
بسلوكهم و كلماتهم و أعمالهم.
و هذا المعنى
محفوظ في سائر السور الّتى وقعت في فواتحها حروف من الحروف المقطّعة، و سنشير
اليها في مواردها بالترتيب. راجع الم+، ... المر.
ألف
مقا- أَلِفٌ: يدلّ على
انضمام الشيء الى الشيء، و الأشياء الكثيرة
106
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 107
أيضا. و قد آلَفَتِ الإبلُ:
صارت ألفا، و آلَفْتُ القومَ: صيرّتهم ألفا، و آلفوا: صاروا ألفا. و مثله أخمسوا و
أماءوا. و هذا قياس صحيح لأنّ الألف اجتماع المئين. قال الخليل: ألفت الشّيء و
آلفه، و الالفة مصدر: الائتلاف. و الفك و أليفك: الّذى تألفه، و كلّ شيء ضممت
بعضه الى بعض فقد ألّفته تأليفا. قال الأصمعى: ألفت الشيء آلفه إلفا و أنا آلف و
آلفته و أنا مؤلف، و آلفت هذه الطير موضع كذا، و هنّ مؤلفات.
مصبا- ألفته
ألفا من باب علم: أنست به و أحببته و الاسم الالفة، و الالفة أيضا اسم من الائتلاف
و هو الالتئام و الاجتماع، و اسم الفاعل أليف و آلف و الجمع أُلَّاف. و آلفت
الموضع إيلافا و آلفته أو الفه مؤالفة و إلافا و ألفته من باب علم كذلك. و تألّف
القوم: اجتمعوا و تحابّوا. و ألّفت بينهم تأليفا. وَ
الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: المستمالة قلوبهم بالإحسان و المودّة. و
الألف اسم لعقد من العدد و جمعه ألوف و آلاف.
مفر-
الْإِلْفُ: الاجتماع مع الالتئام. و الألف العدد المخصوص و سمّى بذلك لكون
الأعداد فيه مؤتلفة.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو الائتلاف أى الاجتماع ملتئما، و لعلّ باعتبار هذا
المفهوم أطلقت كلمة الألف على العدد المعيّن الجامع بين العشرات و الماءات، أى
فوقها.
مضافا الى
كون الكلمة مأخوذة من العبريّة (إلف) و الأراميّة (ألف)، كما في فرهنگ تطبيقى.
فَلَبِثَ
فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً- 29/ 14.
هذه الآية
صريحة في طول عمر نوح قريبا من ألف سنة، بل و ظاهر الآية أنّ
107
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أل ص : 108
هذه المدّة
كانت الى الطوفان، بقرينة- فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ- إذا كانت
الفاء للترتيب لا للنتيجة.
يُمْدِدْكُمْ
رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ 3/ 125.
خَرَجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ- 2/ 243.
الآلاف جمع
قلّة، و الألوف جمع كثرة.
وَ لكِنَّ
اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ- 8/ 63.
يُزْجِي سَحاباً
ثُمَ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ- 24/ 43.
وَ
الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ... لِإِيلافِ قُرَيْشٍ
إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ- 106/ 2.
قد سبق في
كلمة [اذن] أنّ النظر في باب الإفعال الى نسبة الفعل الى الفاعل أوّلا ثمّ الى
المفعول، بخلاف صيغة التفعيل فان النسبة فيها أوّلا الى المفعول.
فالنظر في
الإيلاف الى إيجاد الالفة و إظهاره، و في التأليف الى تحقيق الائتلاف و إيقاعه
بينهم في الخارج، و بعبارة و ضحى: إنّ النظر في الإفعال الى جهة الصدور و في
التفعيل الى الوقوع.
ألّ
صحا- أَلَّهُ
يَؤُلُّهُ أَلًّا من باب نصر: طعنه بالحربة. و ألّ يؤلّ ألّا: صفا و برق. و ألّ أيضا:
أسرع. و الأليل: الأنين و الإلّ: العهد و القرابة. و الألّ جمع ألّة و هي الحربة.
مقا- أَلٌ: ثلاثة
اصول- اللمعان في اهتزاز، و الصوت، و السبب يحافظ عليه. ألّ الشيء: إذا لمع، و
سمّيت الحربة ألّة للمعانها، و ألّ الرجل في مشيته:
اهتزّ. و أذن
مؤلّلة: محدّدة. و يوم أليل، أى شديد. و أمّا الصوت: فالأليل أنين. و الألّ: رفع
الصوت بالدعاء و البكاء. و المعنى الثالث: الإلّ هو اللّه. و قربى الرحم،
108
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 109
و العهد. و كلّ سبب بين اثنين.
مفر- الْإِلُ: كلّ حالة ظاهرة من عهد حلف و قرابة و هي تئلّ و تلمع فلا يمكن إنكارها. و ألّ الفرس: أسرع و حقيقته لمع. و ذلك استعارة في باب الإسراع. و الألّة الحربة اللامعة. و قيل إل و ايل اسم اللّه، و ليس ذلك بصحيح.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو العلاقة و الربط الظاهر الثابت طبيعيّا أو نحوه، في مقابل العلاقة الحاصلة بالتعهّد أو المعاهدة الصوريّة التعبديّة المعبّر عنها بالذّمة- كما في الآيتين الكريمتين الآتيتين.
فباعتبار هذا الأصل تستعمل في القرابة و العهد الثابت و السبب بين الاثنين، و بالنظر الى الظهور و الثبوت الطبيعىّ تستعمل في اللمعان و الحربة و ما يشابهها. و أمّا البكاء و الأنين و رفع الصوت المخصوص: فهي باعتبار ظهور العلاقة و تجلّى الربط الثابت و الكاشف عمّا بينهما.
كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً 9/ 8.
لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ- 9/ 10.
فهذه الكلمة لا تدلّ على العهد المطلق كما أنّها لا تدلّ على اللمعان و الحربة و البكاء و الصوت و السرعة على الإطلاق.
و أمّا مفهوم اسم اللّه: فكلمة- إل- في اللغة العبريّة، بمعنى اللّه، و القوّة، كما في- قع.
إلّا
مصبا- إلّا حرف استثناء نحو قام القوم إلّا زيدا، فزيد غير داخل في حكم
109
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 110
القوم، و قد
تكون للاستيناف بمعنى لكن عند تعذّر الحمل على الاستثناء، نحو ما رأيت القوم إلّا
حمارا، و منه قوله تعالى- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا
الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى، إذ لو كانت للاستثناء لكانت المودّة مسئولة
أجرا و ليس كذلك. و قد تأتى بمعنى الواو، كقوله: لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا- فمعناه و الّذين ظلموا أيضا لا يكون لهم عليكم حجّة.
الكافية-
المستثنى متّصل و منقطع، فالمتّصل هو المخرج عن متعدّد لفظا أو تقديرا بالّا و
أخواتها. و المنقطع هو المذكور بعدها غير مخرج. و هو منصوب إذا كان بعد إلّا غير
الصفة في كلام موجب أو مقدّما على المستثنى منه أو منقطعا، في الأكثر.
كليا- و إلّا
الاستثنائيّة قد تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك- لِئَلَّا يَكُونَ
لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا. أى و لا الّذين ظلموا. و تكون بمعنى بلّ- إِلَّا
تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى. و بمعنى لكن- لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ، و نحو- إِلَّا مَا
اضْطُرِرْتُمْ. و تكون صفة بمعنى غير فيوصف بها و بتاليها جمع منكّر أو شبهه- لَوْ كانَ
فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا، و المراد بشبه
الجمع المنكّر: الجمع المعرّف بلام الجنس، و المفرد غير المختصّ بواحد. و كون
إلّا- في هذه الآية للاستثناء غير صحيح من جهة اللفظ و المعنى، إذ المعنى حينئذ:
لو كان فيهما آلهة ليس فيهم اللّه لفسدتا، و هو باطل باعتبار مفهومه. و أمّا
اللفظ: فلانّ آلهة جمع منكّر في الإثبات فلا عموم له فلا يصحّ الاستثناء منه.
و التحقيق
أنّ هذه
الكلمة تدلّ على الاستثناء في جميع الموارد، و التفاسير المختلفة لها إنّما نشأت
من الغفلة عن درك اللطائف المقصودة في الآيات المذكورة.
و ليعلم أنّ
الاستثناء ليس معناه الإخراج عن عموم لفظ سابق و هو المسمّى بالمستثنى منه كالقوم
في ما جاءني القوم إلّا زيد.
110
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 110
بل حقيقته
استثناء شيء عن حكم سابق متعلّق بموضوع، فزيد مستثنى عن مجيء القوم لا عن القوم،
فالاستثناء يرجع في المرتبة الاولى الى الحكم لا الى الموضوع، و لا سيّما في موارد
ينصب المستثنى فيها، كما مرّ من الأقسام الثلاثة- الموجب، المقدّم، المنقطع.
فعلى هذا:
إنّ التعبير بالمنقطع بمعنى انقطاع المستثنى عن المستثنى منه، و هكذا تخصيص
المستثنى منه بالموضوع العامّ: غير صحيح. فالحمار في- ما رأيت القوم إلّا حمارا-
مخرج عن عدم الرؤية لا عن القوم.
و أمّا آية- أَمِ
اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ ... لَوْ كانَ
فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا- 21/ 22. فالمعنى لو
كان فيهما آلهة اتخذوها من أنفسهم لفسدتا، و يستثنى من ذلك الحكم: اللّه القادر
المتعال المدبّر الحكيم الحىّ القيّوم، فإذا استثنى اللّه في مقام الخلق و التدبير
و بقي الآلهة لفسدت السموات و الأرض.
فيدلّ هذا
التعبير على أنّ الخلق و التدبير و النظم من اللّه المتعال.
و أمّا إذا
فسّرت كلمة إِلَّا: بالغير [آلهة غير اللّه]: فتكون في مقام توصيف الآلهة و
تعريفها، و لا تكون فيها إشارة الى قدرة اللّه و تدبيره و مقامه و شأنه الرفيع.
و ثانيا-
يلزم أن يكون اللّه تعالى بمقتضى هذا التعبير و التفسير في مرتبة الآلهة و في
عرضها، فانّ التغاير يقتضى ما قلناه من التقابل.
و ثالثا- أنّ
هذا التعبير و هو فرض أن يكون من دون اللّه آلهة موجودون فيهما غير صحيح، فانّ
العالم يوجد باللّه تعالى، و لا يمكن أن نفرض عالما لا يرتبط باللّه. و هذا بخلاف
التعبير بالاستثناء الملازم لوجود المستثنى و الخارج في مقام الحكم.
و على هذا:
ترى هذا التعبير أى التعبير بكلمة غير، واقعا في القرآن الكريم في مقام النفي
دائما- ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ+، ... مَنْ
إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ+.
و أمّا آية- قُلْ لا
أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبى- 42/ 23:
فالاستثناء
يتعلّق بسؤال الأجر و لا محذور فيه بوجه، فانّ محبّة القربى (قربى الرسول أو
111
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 110
مطلق ذوى
القربى و منهم قربى الرسول) أمر يعود نفعه الى أنفسهم، و بذلك يتمّ نظم أمورهم و
يقوى أساس حياتهم العلميّة و العمليّة و الاجتماعية.
و أمّا آية- فَوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ
ظَلَمُوا مِنْهُمْ 2/ 150: فالاستثناء يتعلّق بكون الحجّة للناس عليهم، و
الحجّة البرهان و ما يحتّج به. و المعنى: لئلّا يحتجّ الناس عليكم و لا يقول
المخالفون فيكم و لا يبقى مورد لتمسّكهم، و يستثنى من ذلك الحكم: الَّذِينَ
ظَلَمُوا، فانّ من شأنهم التعدّى و التجاوز الى حقوق آخرين، و لسانهم لا
يملك، فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي.
فلا حاجة لنا
بوجه الى التجوّز البعيد الركيك، و لا سيّما في كلام ربّ العالمين، مضافا الى ضعف
المعنى، فانّ ذكر الظالمين بعد عموم الناس من المخالفين لا وجه له، و أيضا فإنّ ما
بعد الآية- فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي- لا يلائم هذا
الوجه، فانّ الخشية في صورة فقدان الحجّة من الناس و من الظالمين عليهم غير صحيحة.
و امّا آية- ما
أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ
يَخْشى- 20/ 3.
فالاستثناء
يرجع الى الحكم و هو إنزال القرآن، أى ما أنزلناه إلّا للتذكرة لمن يخشى و
لهدايتهم الى سبيل الرشد و الصلاح و لتعلّم وظائف العبوديّة و العمل بها، لا
لتكلّفهم و تحمّلهم المشقّة، و جملة- لمن يخشى- تعمّ الرسول و امّته.
أو المعنى:
ما أنزلناه إلّا لتذكّر الناس من الّذين يخشون، و لا يجب لك أن تتحمّل المشقّة في
الإبلاغ- كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ ... فَذَكِّرْ
بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ، ... فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ- 88/ 22.
و أمّا آية- لَسْتَ
عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ: فالاستثناء
يتعلّق بتذكر الناس. أى ذكّر الناس فانّ وظيفة الرسالة إنّما هي التذكير، و لست
بمسلّط و حاكم عليهم حتّى يجب لك إلزامهم و إجبارهم، و يستثنى من الناس الّذين
تولّوا و أعرضوا عنك و كفروا فليس لك أن تذكّرهم، فذرهم و ما يعملون.
فقد ظهر أنّ
كلمة- إلّا- للاستثناء في جميع موارد استعمالها في
112
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الذى - اللذان، اللذين، الذين، اللذون التي - اللتان، اللتين، اللات، اللاء، اللواتي ص : 113
كلمات اللّه
تعالى و بل في كلمات الفصحاء أيضا، و قلنا إنّ الاستثناء يتعلّق دائما الى الحكم
المتعلّق بموضوع، و لمّا كان الاستثناء لا بدّ أن يتعلّق بعامّ حتّى يصحّ الإخراج
منه: فيلزم أن يكون الموضوع عامّا في الجملة حتّى يعمّ الحكم المتعلّق به فلا يصحّ
أن يقال جاءني زيد إلّا عمرا.
الّذى-
اللَّذانِ، اللَّذَيْنِ، الَّذِينَ، اللَّذُونَ. الّتِي- اللَّتانِ،
اللَّتَيْنِ، الّلاتِ، الّلاءِ، اللَّوَاتِي.
موصول
الأسماء الَّذي، الأنثى الّتى
|
|
و الياء
إذا ما ثنّيا لا تثبت
|
جمع
الَّذي: أُولَى، الَّذِين، مطلقا
|
|
و بعضهم
بالواو رفعا نطقا
|
بالّلات
و الّلاء، الَّتي قد جمعا
|
|
و
الّلاء كالّذين نذرا وقعا
|
الكافية-
الموصول: ما لا يتمّ جزءا إلّا بصلة و عايد، و صلته جملة خبريّة، و العائد ضمير
له. (اى جزءا من الكلام).
كليا- كلّ
اسم كان أوّله لا ما ثمّ أدخلت عليه لام التعريف فانّه يكتب بلامين، إلّا الّذي و
الّتي، لكثرة الاستعمال، و إذا ثنيّت الّذى تكتبه بلامين- اللّذان، و إذا جمعته
فبلام واحدة.
أدب الكاتب ص
200- ما يقرب منها، و فيها: لتفرق بين التثنية و الجمع. فامّا
اللَّتَانِ و اللاتي و اللائي فكلّها يكتب بلامين.
[لا يبعد أن
تكون هذه الكلمات مشتقّة من أسماء الاشارة [ذا، ذان، تا، تان، أولاء] باضافة
اللّام و تغيير مختصر، للدلالة على معهود ذهنىّ تفسّره الصلة الواقعة بعدها.
كَمَثَلِ الَّذِي
اسْتَوْقَدَ ناراً ...، الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ+ ...، اذْكُرُوا
نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ+ ...، إِنْ
أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ...، وَ
اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ...، وَ الَّذانِ
يَأْتِيانِها مِنْكُمْ ...، أَرِنَا الَّذَيْنِ
أَضَلَّانا.
113
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الم * ص : 114
الم+
من فواتح
السور [البقرة- آل عمران- العنكبوت- الروم- لقمان- السجدة] و إنّها من رموز الكتاب
لا يعلمها إلّا اللّه و من علّمه.
و قلنا في- الر+- إنّ السور
المفتتح بها يبحث فيها عن موضوعات- اللّه- اللقاء- الرسل- أى أهمّ البحث في تلك
السور هو ذكر اللّه المتعال و ذكر لقائه و ذكر رسله.
و نرى في هذه
السور المفتتحة بحروف- الم+- أيضا أنّ أهمّ البحث في تلك السور:
هو ذكر اللّه المتعال و آياته في آدم و الإنسان و الأمم، و ذكر لقائه بالتقوى عن
اللعب و اللهو و لقاء أعدائه و عن اللعن، و ذكر رسوله محمّد (ص) و ملائكته
المرسلين و الاشارة الى الأمتعة الزائلة الدنيويّة و الموت و الفناء- و اللّه
اعلم. راجع- المص.
كليا- كلّ
سورة استفتحت ب الم+: فهي مشتملة على مبدأ الخلق و نهايته و التوسّط بينهما من
التشريع بالأوامر و النواهي.
ألم
مصبا- أَلِمَ الرجلُ
أَلَماً من باب تعب، و يعدّى بالهمزة يقال آلَمْته إيلاما فَتَأَلَّم، و عَذابٌ
أَلِيمٌ+: مؤلم.
صحا-
الْأَلَمُ: الوجع. و قد ألِم يألَم أَلَما. و قولهم ألِمت بطنك. كقولهم رشدت
أمرك- أى الم بطنك و رشد أمرك. و التَّأَلُّم: التوجّع. و الإيلام:
الايجاع. و
الأَلِيمُ: الموجع مثل السميع بمعنى المسمع.
مفر- الأَلَم: الوجع
الشديد. أَلِمَ يَأْلَمُ ألما فهو آلِمٌ.
114
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 115
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الوجع الشديد. و الأليم: ما ثبت له الوجع كما أنّ الألم ما ظهر و صدر منه الوجع. و إذ أردنا تعديته قلنا آلمته إيلاما، أى أوجدت الألم. و أمّا تفسير الأَلِيم بالمُولِم و السميع بالمسمع: غير وجيه ناشئ من عدم التوجّه الى حقيقة معنى هذه الصيغة، و المنظور في توصيف العذاب و الرجز و اليوم بكلمة الْأَلِيمُ: الإشارة الى شدّتها في أنفسها، و هذا أبلغ من التفسير بالمُؤلِم.
و أمّا ألمت بطنك: فنصب البطن من باب التفسير أى التمييز، و الأصل فيه أن يكون نكرة، و قد يجيء بلفظ المعرفة كما في- طبت النفس.
وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ- 4/ 104.
و لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ+، ... أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ، ... لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ+، ... أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً+.
المر
من الحروف المقطّعة في فاتحة سورة الرعد.
و يبحث في هذه السورة أيضا: عن السوق الى اللّه المتعال و آياته الكريمة و عن الأمم و الأمور و الآجال، ثمّ عن لقاء يوم الآخرة و اللعن لمن خالف المرسلين المنذرين، و لم يشكر نعم اللّه من المرسلين و المعقبّات و المغفرة و الملائكة المتوكّلين، ثمّ عن الربّ تعالى و تربيته و رسله.
و قلنا في المص: إنّ هذه الحروف [ا ل م ر] يشاربها الى انتهاء دورة الخلافة النبويّة الاثني عشريّة الظاهريّة، و من هذه السنة 258- ه 271، يبتدء قوس
115
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
المر ص : 115
النزول في
غيبتهم، و في سنة 260 يتوفّى الامام الحادي عشر و يتحقّق زمان الغيبة للإمام
الحجّة الثاني عشر عجلّ اللّه تعالى فرجه.
و يمكن أن
نضيف في الدورات الاسلاميّة دورة اخرى، و نقول إنّ الدورة الاولى هي المخصوصة
بالرسول الأكرم، و نسمّى الدورات الاخر باسلاميّة، و هي خمس دورات:
1- افتتاح
الخلافة الحقيقيّة، و يشار اليه بحروف حم+.
2- زمان حياة
اهل بيت الطهارة- و يشار اليه بحروف الم+.
3- انتهاء
أيّام البيان و اظهار الحقائق و يشار اليه بحروف المص.
4- انتهاء
أيّام العظمة و الجلالة و الاحترام للخلفاء و الائمّة عليهم السلام، و يشار اليه
بحروف الر+، فانّ عدد حروفها الأبجديّة 231 و هذا العدد إذا حوسب من
أوّل التاريخ الإسلامي و هو البعثة، يطابق 218- ه.
و من هذه
السنة يبتدء بالقوس النزوليّ الى أن يتوّفى الامام التاسع جواد الأئمّة، ثمّ يبتدء
بالشدّة و المحدوديّة و الحبس للعسكريّين عليهما السلام و ذلك في سنة 220- ه.
5- ابتداء
دورة الغيبة في القوس النزولي و يشار اليه بحروف المر.
ثمّ إنّ
فواتح السور [الم+، المص، الر+، المر] ذكرت
مرتبّة في القرآن المجيد، على ما ذكرناها في الدورات الأربعة.
1- الم+- في البقرة
و تكرّرت في آل عمران. 2- المص- في الأعراف.
3- الر+- ذكرت في
يونس و تكررّت في هود و يوسف. 4- المر- ذكرت في الرعد. و
هذا الترتيب يؤيّد ترتيب معانيها إجمالا.
و من العجب
تطبيق عدد حروف الرعد على السنة الاولى من خلافة الامام الثاني عشر و من غيبته، و
هو 274 فيطابق 261- ه.
فخذ و اغتم و
لا تعدّها من تفسير القرآن الكريم.
116
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
المص ص : 117
المص
من الحروف
المقطّعة، في فاتحة سورة الأعراف.
و قد أضيفت
فيها حرف [ص] فانّ في هذه السورة الكريمة نرى مضافا الى البحوث السابقة: البحث عن
إصلاح الصدور بالصلاح و الصدق و إقامة الصلوة، و نزع ما في الصدور من الحرج، ليكون
من الصادقين المصطفين الصالحين، و الاجتناب عن الأصنام و صدّ السبيل لئلا يكون من
أصحاب النار و من الصاغرين.
و قد يبحث في
هذه السورة المباركة عن أحوال الأمم المطيعين للّه تعالى و المتوجّهين الى أسمائه،
و الّذين يطيعون إبليس و يتّبعونه و أصحابه، و يتّخذون دِينَهُمْ لَعِباً
وَ لَهْواً و ينكرون لقاء الآخرة، و هم ملأ من الأمم الماضية خالفوا الرسل و
غزّتهم الأموال و الامتعة الدنيويّة. و البحث عنها بتناسب الم+.
ثمّ إنّ هذه
الحروف إذا حوسبت، بالأبجد، كما هو مضبوط في العبريّة، يكون عددها مطابقا- 161- و
هذا العدد ينطبق على سنة- 148- ه. فانّ مبدأ التاريخ الإسلامي من البعثة، و أمّا
الهجرة فهي اعتبارىّ مجعول في حكومة عمر بن الخطّاب، فيزاد على التاريخ المتداول
الهجري- 13 سنة، و هي مدّة اقامة رسول اللّه (ص) بمكّة المشرّفة.
و هذه السنة
148- منطبقة على خاتمة حياة الامام الصادق (ع) و هو الناشر لأحكام جدّه و المبيّن
لحقائق الإسلام و علومه.
و لا يخفى
أنّ لرسول اللّه (ص) و أهل بيته الأطهار المعصومين في حياتهم العمليّة و
الاسلاميّة دورات في الانجلاء و الاختفاء:
1- دورة
الشدّة: و هي رسالته (ص) أيّام إقامته بمكّة، و هي 13 سنة، و سنة 14 مبتدأ الفتح و
الوسع و الحريّة، و يشار الى هذه السنة بحروف- طه- فانّها 14- طه ما
أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى. فهذه السورة بشارة له (ع) بالفتح و
الظفر، و
117
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أله ص : 118
آياتها
متناسبة.
2- دورة
افتتاح الخلافة الحقيقيّة و الحكومة الاسلاميّة الحقّه الصرفة: و تلك في سنة 48
تطابق سنة 35- ه. و يشار اليها بحروف- حم+، فانّها 48- و يناسبها آيات السور: حم- وَ
الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ...، حم-
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ+.
3- دورة
خاتمة حياة أهل بيت النبوّة و الطهارة من أهل الكساء: و هذه الدورة تبتدء في قوس
نزولها من سنة 71 تطابق سنة 58- ه. و يشار اليها بحروف- الم+- فانّها 71،
و ينتهى هذا النزول الى سنة 61 الهجريّة، الّتى وقعت فيها حادثة الطفّ، و لم يبق
من أهل الكساء أحد. و تناسبها الآيات- الم- غُلِبَتِ
الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ... الآية. الم- أَ
حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ... الآية.
4- دورة
انتهاء أيّام البيان و التبليغ الإسلامي علنا- المص.
5- دورة
ابتداء قوس النزول في اختتام الخلافة من خلفاء رسول اللّه الاثني عشر ظاهرا: و
يبتدء من سنة 271- تطابق سنة 258- ه الى أن توفّى الامام العسكريّ (ع) سنة 260- ه،
و يشار اليها بحروف- المر.
و لا يخفى
أنّ حرف- م- في هذه الفواتح لها جهة اختصاص بهذه الدورات المنتسبة الى رسول اللّه
محمّد (ص) و ملّته الاسلاميّة.
و قد مرّ أنّ
هذه الفواتح من المتشابهات، و لا يعلم تفسيرها و لا تأويلها إلّا اللّه المتعال و
رسوله الكريم، و ما قلناه ليس من التفسير و لا التأويل. بل استحسانات ذوقيّة و
تطبيقات احتماليّة.
أله
فر- [إلوه]
[الوهيم] اللّه.
118
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 119
مصبا- أَلِهَ
يَأْلَهُ إِلَاهَةً من باب تعب: عبد عبادة. تَأَلَّهَ: تعبّد. و
الْإِلَاهُ:
المعبود و هو
اللّه سبحانه و تعالى، ثمّ استعاره المشركون لما عبدوه من دون اللّه تعالى، و
الجمع آلِهَةٌ. فالاله فعال بمعنى مفعول مثل كتاب بمعنى مكتوب و بساط
بمعنى مبسوط.
و أمّا اللَّهُ: فقيل غير
مشتقّ من شيء بل هو علم لزمته الألف و اللام. و قال سيبويه: مشتقّ و أصله إلاه
فدخلت عليه الألف و اللّام فبقى الإلاه و سقطت الهمزة و أدغمت اللام و فخّم
تعظيما، و يرقّق مع كسر ما قبله.
صحا- أَلِهَ بالفتح
إلاهة: عبد عبادة. و منه قولنا اللّه و أصله إلاه على فعال بمعنى مألوه أى معبود
كالإمام بمعنى مفعول لأنّه مؤتمّ به، فلمّا أدخلت عليه الألف و اللام حذفت الهمزة
تخفيفا لكثرته في الكلام، و قطعت الهمزة في النداء للزومها تفخيما لهذا الاسم. و
الآلهة الأصنام سمّوا بذلك لاعتقادهم أنّ العبادة يحقّ لها.
مفر- اللّه:
قيل أصله إله، فخصّ بالباري تعالى و لتخصيصه به قال تعالى هَلْ تَعْلَمُ
لَهُ سَمِيًّا. و إله جعلوه اسما لكلّ معبود لهم، و أله فلان يأله: عبد. و قيل هو
من أله أى تحيّر، لأنّ العبد إذا تفكّر في صفاته تحيّر فيها. و قيل أصله ولاه
فأبدل من الواو همزة، لكون كلّ مخلوق والها نحوه، إمّا بالتسخير فقط كالجمادات و
النباتات، و إمّا بالتسخير و الإرادة معا كبعض الناس. و قيل أصله من لاه يلوه
لياها أى احتجب.
و التحقيق
أنّ
الْإِلَهَة بمعنى العبادة. و الفرق بين المادّتين أنّ العبادة قد أخذ فيها قيد
الخضوع، و إله أخذ فيه قيد التحيّر.
و ظهر أيضا
أنّ كلمة اللّه أصلها من أله يأله، بقرينة اللغة العبريّة، و لعدم الحاجة فيها الى
التكلّف، و لكون كلمة إله شايعة استعمالها في هذا المعنى، ثمّ دخلت عليها الألف و
اللام، ثمّ صارت علما بالغلبة، و بكثرة الاستعمال فيه تعالى، فقيل لا
119
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 119
إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.
و أمّا كون
المصدر بمعنى الفاعل أو المفعول حقيقة: فهو بعيد عن الحقّ و الصواب، فانّ هيئة
المصدر تخالف هيئة الفاعل أو المفعول، فكيف يمكن اتحادّ مفاهيمها، نعم انّ المصدر
إذا انتسب الى الفاعل يكون للفاعل و إذا انتسب الى المفعول يكون للمفعول، كما في
الفعل المبنىّ للفاعل المسمّى بالمعلوم، و المبنىّ للمفعول المسمّى بالمجهول،
كقولنا في ضرب زيد عمرا. ضرب زيد، أو ضرب عمرو.
و قد يكون
إطلاق المصدر للفاعل للمبالغة كما في زيد عدل، و أمّا الخلق و البساط و الكتاب و
الصنع و كونها بمعنى المخلوق و المبسوط و المكتوب و المصنوع: فانّه من التصادق و
التوافق في المصداق، فانّ المعنى المصدرىّ إذا اعتبر فيها من حيث هو و من دون نسبة
الى الفاعل: فهو بمعنى اسم المصدر أو بمعنى المفعول، فيتصادق المفهومان في هذه
الموارد، و هذا التصادق لا يستقيم في جميع المصادر.
فالإِلَهُ
بمعنى العبادة و التحيّر: غلب استعماله في ما يعبد و يتوجّه اليه و يخضع لديه.
لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ+ ... إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ ... مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ+ ... لا
تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ... إِذاً
لَذَهَبَ كُلُ إِلهٍ بِما خَلَقَ ... فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى ... نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ
إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ ...
أَ
رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ... وَ ما
نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا ... أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا
بِآلِهَتِنا.
فَالْإِلَهُ: قد اطلق في
هذه الآيات على كلّ من يعبد و يخضع لديه حقّا أو باطلا، من ذوى العقول أو من
غيرها.
و أمّا اللَّهُ: فهذه
الكلمة لا تطلق إلّا على اللّه العزيز المتعال، فانّه المعبود الّذى قد تحيّر
العقول في مقامه و عظمته حقّا، فهو الإسلام الأخصّ الأعلى من بين أسمائه الحسنى،
فإذا اطلق يدلّ على ذاته المستجمع لجميع صفاته الجلاليّة و الجماليّة المتعالية.
هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ
الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ...، اللَّهُ الصَّمَدُ ...، اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا
120
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
ألو ص : 121
هُوَ+ ...، وَ اللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ+ ...، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَ اللَّهَ هُوَ
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ+ ...، وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ
اللَّهَ عَلى حَرْفٍ.
فقد ذكرت هذه
الكلمة الشريفة في القرآن المجيد في 2697 موردا كما في المعجم.
و أمّا
أَللَّهُمَ: فقد ذكرت في خمسة موارد:
اللَّهُمَ مالِكَ
الْمُلْكِ ...، اللَّهُمَ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا ...،
اللَّهُمَ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ ...،
اللَّهُمَ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها ...، اللَّهُمَ فاطِرَ
السَّماواتِ.
فحذفت حرف
النداء في هذه الكلمة و أبدلت عنها الميم المشدّدة في آخرها مفتوحة، و هذه الكلمة
تستعمل في مقام إظهار الخصوصيّة و جلب التوجّه الخاصّ و العطوفة، و لا يبعد أن
تكون هذه الميم المشدّدة مأخوذة من مادّة أمّ يؤمّ كمدّ يمدّ، و أن تكون أمرا في
الأصل [أمّ] أى اقصد و توجّه، ثم حذفت حرف النداء و ركّبت كلمة اللّه مع كلمة
أمّ، و سقطت الهمزة للتخفيف و حصول الاتصال بينهما.
و على أىّ
حال: فهذه الكلمة تستعمل في مقام الخطاب الخاصّ.
و قد يقال في
اشتقاق هذه الكلمات [إِلَهٌ، اللَّهُ،
أَللَّهُمَ] مطالب اخر غير مستدلّة، لا فائدة في التعرّض بها و نقلها.
ألو
صحا- أَلَا
يَأْلُو: قصّر. و فلان لا يَأْلُوكَ نصحا، فهو آلٍ و
المرأة آلِيَةٌ، و جمعها أَوَالٍ.
مفر-
أَلَوْتُ في الأمر: قصّرت فيه، و أَلَوْتُ فلانا أى أوليته تقصيرا نحو كسبته أى
أوليته كسبا، و ما أَلَوْتُهُ جهدا أى ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد، فالجهد تمييز،
و كذلك ما أَلَوْتُهُ نصحا.
121
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 122
لسا- أَلَا يَأْلُو
أَلْواً و ألوّا و أليّا و إليّا، و ألّى يؤلّى تألية و أتلى: قصّر و أبطأ. هو
مؤلّ، أى مقصّر. و يقال للكلب إذ قصّر عن صيده: ألّى، و كذلك البازي. و ما ألوت
ذلك أى ما استطعته. و ما ألوت أن أفعله ألوا و ألوّا: ما تركت.
و
قال
النّبيُّ (ص) لفاطمةَ (ع): ما يُبْكِيكُ فَمَا أَلَوْتُكِ وَ
نَفْسِي وَ قَدْ أَصَبْتُ لَكَ خَيْرَ أَهْلِى
- أى ما
قصّرت في أمرك و أمرى حيث اخترت لك عليّا زوجا.
و التحقيق
أنّ الأصل في
هذه المادّة: هو التواني و التسامح الموجب للتقصير و التأخير في العمل و قضاء
الأمر. و من لوازم هذا المعنى: ترك العمل و عدم صرف الاستطاعة في طلبه و تحصيله، و
الإبطاء و التأخير.
و ما يقال من
معاني أخر: فهي لليائىّ من هذه المادّة، فخلطوا بينهما.
لا
تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا- 3/ 118.
لا يقصّرون
في إفساد أموركم و الإفساد عليكم، بل يجتهدون عليكم كلّ الجهد.
وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا
الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى- 24/ 22.
أى لا يأخذون
التقصير و لا يطاوعون فيه أن يؤتوا اولى القربى.
لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ
نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ- 2/ 226.
أى الّذين
يظهرون التواني و يؤخّرون أنفسهم عن أزواجهم: فلهم تربّص اربعة أشهر.
و خصوصيّات
الإيلاء و أحكامه مضبوطة في الكتب الفقهيّة.
ثمّ إنّ
الايتلاء و الإيلاء يمكن أخذهما من الألى و سيجيء في عنوانه.
122
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
ألى ص : 123
ألى
مقا- أَلْوٌ- أَلْيٌ: أصلان متباعدان: أحدهما الاجتهاد و المبالغة، و الآخر التقصير. و الثاني خلاف الأوّل. آلَى يُولِي: إذا حلف أليّة و ألوة و إلوة. و الأليّة محمولة على فعولة، و ألوة على فعلة. و يقال يؤلى و يأتلى، و يتألّى في المبالغة.
قال الفرّاء: ائْتَلَى الرجل إذا حلف- وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ. و ما ألوتك نصحا: لم ندع جهدا. قال الشيباني: آليت: توانيت و أبطأت.
مصبا- الْأَلَى مقصور: النعمة، و الجمع الآلَاء. و الأَلْيَة: أَلْيَةُ الشاة، و الجمع أليات، مثل سجدة و سجدات. و ألى الكبش ألى من باب تعب: عظمت أليته، فهو أليان، و سمع آلى على وزن أعمى. و الأليّة: الحلف. و الجمع ألايا مثل عطيّة و عطايا. و آلى إيلاء مثل آتى إيتاء إذا حلف. فهو مول. و تألّى و ائتلى كذلك.
صحا- و الْآلَاءُ: النعم واحدها ألا بالفتح و قد يكسر، و يكتب بالياء، مثاله معى و أمعاء، و آلى يؤلى إيلاء: حلف، و تألّى و ايتلى مثله. و الألية بالفتح ألية الشّاة، و لا تقل إلية و لا لية.
و التحقيق
أنّ الأَلْوَ بمعنى التواني و التقصير. و الألى بمعنى البلوغ و ظهور القدرة. و هذان المعنيان متقابلان، و لا يبعد أن يكون بين المادّتين اشتقاق اكبر و يؤخذ أحد المفهومين من الآخر بنسبة التقابل، ثمّ تفرّعت من المعنيين معاني اخر.
فمن مفهوم التقصير و التواني: التأخير، الإبطاء، و الترك، البعد.
و من مفهوم البلوغ: التصميم، و العهد، و الحلف، و الاستطاعة، و إظهار القدرة و العطوفة و النعمة، و الانتهاء، و الاجتهاد، و الألية، و النعمة.
123
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 123
فظهر أنّ
الحلف من متفرّعات البلوغ و التصميم، فهو عهد جدّى و تصميم نهائى في العمل و
الإقدام على أمر، و هكذا النعمة: فهي ترجع الى إظهار الرحمة و الانتهاء في
العطوفة. و كذلك النعمة الخاصّة الّتى هي الألية في الشاة. و كلّ هذه المعاني في
قبال التواني و التقصير.
و تبيّن أنّ
مفهوم الأَلَى: ليس مرادفا للنعمة، بل كلّ ما يعدّ من مصاديق الإكمال في الرحمة و
البلوغ في العطوفة، سواء كان بالأمر أو بالتقدير أو بالخلق أو بتهيّة الأسباب أو
بالنظم أو بالنعم العموميّة، ظاهرة أو باطنة، دنيويّة أو اخرويّة. و هذا المعنى
يظهر عند التدبّر في مصاديق الآلاء في سورة الرحمن:
رَبُّ
الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِ آلاءِ ... كُلُّ
مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ... فَبِأَيِ آلاءِ رَبِّكُما ...
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ فَبِأَيِ آلاءِ ... هَلْ
جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فَبِأَيِ آلاءِ ... حُورٌ
مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ فَبِأَيِ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ.
فمصاديق
الآلاء في تلك الآيات الكريمة مختلفة جدّا، و الجامع بينهما مفهوم الانتهاء في
الإحسان و البلوغ في إظهار الرحمة و عدم التقصير فيه.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ
وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ 7/ 74.
كلّ نعمة و
رحمة و فضل و إحسان منه تعالى، ماديّا أو معنويّا، ظاهريّا أو باطنيّا.
و قد يستشكل
بأنّ العذاب كيف يكون من النعم على العباد؟
فيقال:
البلوغ في إحقاق الحقّ و الانتهاء في بسط العدل و إجراء الحكم و القانون و حفظ
النظم: كلّها من الرحمة و النعمة و من الألى، كما في- وَ وَضَعَ
الْمِيزانَ ...، وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ ...،
سَنَفْرُغُ لَكُمْ ...، يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ ...،
فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ ...، هذِهِ
جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ ...،
فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي ...، فَبِأَيِ آلاءِ رَبِّكُما
تُكَذِّبانِ.
124
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إلى ص : 125
إلى
من الحروف
الجارّة و تدلّ على انتهاء الغاية زمانا أو مكانا، ظاهرا أو معنى، موضوعا أو حكما.
و لعلّ هذا اللفظ قد أخذ من مادّة الألى و وضع للربط المخصوص و هو الانتهاء.
فَلَمَّا
نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ+ ...، ثُمَ إِلَيْنا
تُرْجَعُونَ ...، فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ...، إِلى رَبِّكَ
الْمُنْتَهى ...، إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ...، اذْهَبْ إِلى
فِرْعَوْنَ+.
و نظير هذه
الكلمة في أخذها عن مادّة مشتقّة: عدا، حاشا، خلا.
فالأصل
الواحد فيها هو هذا المعنى:
و أمّا- وَ
أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ ...، وَ لا تَأْكُلُوا
أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ: فالانتهاء قيد للموضوع لا للحكم، أى
الأيدى الى انتهاء المرافق فاغسلوها، و لا تأكلوا أموالهم مرتبطة الى أموالكم.
و أمّا
قولهم- وَ قَضَيْنا إِلى بَنِي
إِسْرائِيلَ، بمعنى على بنى إسرائيل: فليس بصحيح، فانّ (قضى عليه) تستعمل في
العذاب و الأخذ و الشدّة:
فَوَكَزَهُ
مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ ...، فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ
الْمَوْتَ ...، لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ.
و أمّا جملة
(قضى اليه) فتستعمل في مقام بيان الحكم:
وَ
قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ ...، وَ
قَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ ...، إِذْ
قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ.
ألا
بالتخفيف من
حروف التنبيه، مثل- أما و ها. و بالتشديد من حروف التخصيص، مثل هلّا و لو لا و
لوما.
125
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إلياس ص : 126
أَلا
إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ ...، أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ
مَصْرُوفاً عَنْهُمْ.
و حروف
التنبيه تدلّ على تنبيه المخاطب على مضمون الجملة الواقعة بعدها لئلا يفوته و لا
يغفل عنه، و تدلّ على تحقّق هذا المضمون.
و لا يخفى ما
بين هذه الكلمة و بين مادّة [إلى] من التناسب في المفهوم: فانّ التنبيه يناسب
العهد و البلوغ.
إِلْيَاسُ
قم- إيليا:
اللّه ربّى. من أنبياء بنى إسرائيل أرسل الى آحاب ملك إسرائيل.
المعارف-
إِلْيَاسُ: هو من سبط يوشع بن نون بعثه اللّه الى بعلبك و كانوا يعبدون صنما
يقال له بعل، و ملكهم أحب و امرأته أزبيل، و كان يستخلفها على ملكه إذا غاب.
بحار 5 باب
قصّه إِلْيَاسُ و إليا- يروى روايات مربوطة بإلياس و إليا،
ثم يقول: بيان- لا يبعد اتّحاد إلياس و إليا لتشابه الاسمين و القصص المشتملة
عليهما.
الملوك
الأوّل 17- و قال إيليّا التشبّى من مستوطنى جلعاد لأخآب:
حىّ هو الربّ
إله إسرائيل الذّى وقفت أمامه، إنّه لا يكون طل و لا مطر في هذه السنين إلّا عند
قولي.
و في 16/ 29-
و ملك أخاب بن عمرى على إسرائيل في السامرة اثنتين و عشرين سنة ... حتّى اتّخذ
إيزابل ابنة أثبعل ملك الصيدونيّين امرأة، و سار و عبد البعل و سجد له.
و في 19/ 19-
فذهب [ايليّا] من هناك و وجد أليشع بن شافاط يحرث و اثنى عشر فدّان بقر قدّامه و
هو مع الثاني عشر فمرّ إيليّا به و طرح ردائه عليه، فترك
126
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 127
البقر و ركض
وراء إيليّا.
البدء 3/ 99-
يقال هو الياس بن العادر من ولد يوشع بن نون. و كان ابن إسحاق يقول: هو الياس بن
يسى من ولد هرون بن عمران، يقال له إِلْيَاسُ و
إِلْيَاسِينُ و اذر ياسين، و يقال هو ذو الكفل بعينه، بعثه اللّه بعد حزقيل الى
ملك ببعلبك يقال له آحب و له امرأة يقال لها ازبيل كان يستخلفها ... الخ.
تاريخ
الطبري- 1/ 239- إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. عن محمد
بن إسحاق قال: ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قبض حزقيل و عظمت في بنى إسرائيل الأحداث،
و نسوا ما كان من عهد اللّه اليهم حتّى نصبوا الأوثان و عبدوها من دون اللّه: فبعث
اللّه اليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيّا ... الخ.
الملوك
الثاني 2/ 9- و لمّا عبرا قال إيليّا لأليشع اطلب ما ذا أفعل لك ...
و فيما هما
يسيران و يتكلّمان إذا مركبة من نار و خبل من نار ففصلت بينهما فصعد ايليّا في
العاصفة الى السماء، و كان أليشع يرى و هو يصرخ يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل و
فرسانها و لم يره بعد ... الخ.
يوحنا 1/ 19-
هذه هي شهادة يوحنّا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة و لاويّين ليسألوه من أنت؟
... فسألوه إذا ما ذا، إيليّا أنت؟ فقال لست أنا. النبىّ أنت؟ فأجاب لا.
و التحقيق
أنّه يظهر من
هذه الكلمات أنّ كهنة أورشليم كانوا ينتظرون ظهور المسيح، و ظهور إيليّا و رجعته
بعد ما رفع الى السماء، و ظهور النبىّ المطلق و هو نبىّ الإسلام.
ثمّ إنّ كلمة
إيليّا قد ضبطت في التوراة العبريّة هكذا-، أى إليّاهو. و في الفارسيّة بخطّ
العبرىّ مثلها. و في الفارسيّة ترجمة فاضل خان، هكذا-
127
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 127
إيلياه. و في
العبريّة طبع 1811 م، هكذا- إيليا، و في يوحنّا- إيلياء. و في اغلب النسخ
المتأخّرة المترجمة هكذا- إيليّا.
و أمّا كلمة
إِلْيَاسُ: فالظاهر أنّها معربّة من إليّاهو، أو إيلياه أو إيلياء. و حرف
السين تلحق أو اخر الأسماء في اليونانيّة كثيرا كما في هرمس، ديوجانس، ديوغانس،
هيردوطس، يولياس، طيطوس.
و توجد في
الكلمات المعرّبة و غيرها كثيرا، كما في إبليس، برجيس، بلقيس، جرجيس، سندوس،
عبدوس، طمروس، طرابلس، طرطوس، طغموس، جرنفس.
راجع باب ما
آخره السين من قاموس اللغة تجد فيها لغات كثيرة من هذا القبيل، و إلحاق السين في
غالب موارده: إمّا للوقف و السكت كالهاء، و إمّا للدلالة على العظمة و المبالغة و
الكثرة و الزيادة.
وَ
زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ
الصَّالِحِينَ- أنعام/ 85.
فقد عدّ
الياس في رديف زكريّا و يحيى و عيسى: إشارة الى أنّ هدايته و اجتبائه و تفضيله كان
من نوع هدايتهم عليهم السلام. ثمّ قال:
وَ
إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ.
فذكرهم في
رديف واحد.
و هذا المعنى
منظور في كلّ مورد ذكرت أسماء الأنبياء عليهم السّلام في مقام ذكر فضلهم و
اجتبائهم و هدايتهم و كيفيّة سلوكهم و العمل برسالتهم، و ليس في الآيات دلالة على
تقدّم زمانهم أو تأخّره، فإنّه أمر مادّى تاريخىّ لا ربط فيه الى النبوّة و
الرسالة و الهداية و التبليغ.
فيستفاد من
الآية الكريمة أنّ إلياس عليه السلام كان في حال التجرّد و الانقطاع و التوجّه
التامّ و التبتّل الخالص و العبوديّة الكاملة.
وَ إِنَ إِلْياسَ لَمِنَ
الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَ
تَذَرُونَ
128
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إلياسين ص : 129
أَحْسَنَ
الْخالِقِينَ- 37/ 123.
هذه الآيات
الكريمة في مقام ذكر جمع من المرسلين الّذين أرسلوا الى الناس، فيذكرون واحدا
واحدا و يذكر ما هو الجالب من جريان رسالتهم، ثم يختم بجملة- وَ تَرَكْنا
عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى+ ... الآية.
ففي هذه
الآيات أيضا يقول تعالى:
وَ
تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِلْياسِينَ- 37/ 130.
فيستفاد من
نظم الآيات الكريمة: أنّ المراد من كلمة- إِلْياسِينَ- هو إلياس المذكور
قطعا، و الأقوال الاخر في هذا المورد خلاف نظم الآيات و ظاهرها.
إِلْياسِينَ
و أمّا البحث
عن هذه الكلمة لغة، فنقول:
البيضاوي- سَلامٌ
عَلى إِلْياسِينَ: لغة في إِلْيَاسَ، كَسِينَا و سِينِينَ ...
و قرء نافع و ابن عامر و يعقوب: على اضافة آل الى ياسين، لأنّهما في المصحف
مفصولان، فيكون ياسين أبا إلياس.
المعرّب-
إسماعيل: فيه لغتان إسماعيل و إسماعين. و يقول في إسرائيل:
ففيه لغات
إسرال، إسرائيل، إسرائين.
الكشّاف- و
قرئ على إِلْياسِينَ و إدريسين و إدراسين و إدرَسين، على أنّها
لغات في إلياس و إدريس، و لعلّ لزيادة الياء و النون في السريانيّة معنى.
قم- آحاب: أى
العمّ. و هو السابع من سلاطين بنى إسرائيل ملك بعد أن توّفى أبوه عمرى سنة 874 قبل
الميلاد، و كان مدّة سلطنته 22 سنة، و كانت زوجته ايزابل بنت اتباعل الملك
الصيدونىّ.
129
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 130
و التحقيق
أنّ كلمة إِلْياسِينَ كإسرائين كلمة واحدة، و هي لغة في إلياس، زيدت فيها الياء و النون لحفظ النظم في أواخر الآيات في المورد، و لقصد التجليل و التعظيم بزيادة المبنى.
و لا يخفى أنّ حرف س: تزاد عليها ياء و نون في التلفّظ، فيقال: سين. و هذا المعنى شبيه بحدّ الحرف و تفخيمها و إظهارها، كما أنّ كلمة- يس، تتلفّظ بهذه الصورة- ياسين.
و الظاهر أنّ قرائة بعضهم هذه الكلمة بفتح الهمزة و مدّها و كسر اللام- آلُ يَاسِينَ- هي الموجبة لكتابتها منفصلة، و لعلّ من هذا المعنى نشأت القول بأن اسم أبيه ياسين. كما أنّ منشأ هذه القراءة هو كلمة- يس، المفسّرة برسول اللّه (ص). و كلّ هذه موهونة ضعيفة.
اليسع
هو خليفة إلياس و من أنبياء بنى إسرائيل:
الملوك الأوّل 19/ 19- فذهب من هناك و وجد أليشع بن شافاط يحرث و اثنا عشر فدّان بقر قدّامه و هو مع الثاني عشر فمرّ ايليّا به و طرح رداءه عليه فترك البقر و ركض وراء ايليّا و قال دعني أقبّل أبى و أمي و أسير وراءك ... الخ.
قم- أليشع: أى اللّه يرى او ينجّى.
كان خليفة إيليّا النبىّ و ابن شافاط و الساكن في آبل محولة.
و يقول: في آبل محولة: أى مزرعة الرقص. موضع في صحراء أردن واقع بين بحر الطبريّة و بحر لوط.
130
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 131
و في الملوك
العبريّة- إليشاع.
فر- إل. أى
اللّه و القوّة.
ياشع. أى
الفلاح و النجاة.
نثر المرجان
2/ 197- و اليسع: بإثبات همزة الوصل، قرأه حمزة و الكسائي و خلف بتشديد الّلام و
سكون الياء، فهو بلامين لام التعريف زيدت للمدح بتفخيم الاسم، و أمّا رسمه فليس
إلّا بلام واحدة، و قرء الباقون بإسكان اللام مخفّفة و فتح الياء بعدها.
و التحقيق
أنّ الألف و
اللام فيها ليست للتعريف، بل هي من جوهرة الكلمة، و أصلها- إل بمعنى اللّه، و أصل
الكلمة في العبريّة- إليشاع و قد عرّبت بلفظ- اليسع. و القراءة الصحيحة في القرآن
الكريم أيضا كذلك. نعم يجوز حذف الهمزة وصلا للتخفيف و لكونها شبيهة بهمزة الوصل
في لام التعريف، كما تحذف الهمزة في بعض الأسماء كابن و ابنم و اثنين و ايمن و
ابنة و امرئ و امرأة و غيرها في الوصل.
فإن قيل:
سقوط الهمزة في الأسماء سماعىّ و لا يقاس عليها! قلنا: أىّ سماع أقوى من كلام
اللّه تعالى و قد ذكرت موصولة في موردين من القرآن المجيد.
وَ
إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا
عَلَى الْعالَمِينَ- 6/ 86.
وَ اذْكُرْ
إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ
الْأَخْيارِ- 38/ 48.
فقد استعملت
هذه الكلمة في الآيتين و همزتها موصولة ساقطة، و يستفاد من الآيتين الكريمتين:
أنّ أَلْيَسَعَ النبىّ (ص) كان في رديف اسمعيل و يونس و لوط
و ذى الكفل من الأنبياء الأخيار و الّذين فضّلوا على قومهم و أهل زمانهم أجمعين.
131
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أم ص : 132
أَم
من الحروف
العاطفة.
الكافية- و
أو، و إمّا، و أَمْ: لأحد الأمرين مبهما. و أم المتّصلة: لازمة لهمزة
الاستفهام، يليها أحد المستويين، و الآخر الهمزة، (أى يقع بعد أم أحدهما، و آخرهما
بعد الهمزة، من دون فصل)، بعد ثبوت أحدهما، لطلب التعيين، و من ثمّ لم يجز تركيب أ
رأيت زيدا أم عمرا. و كان جوابها بالتعيين دون نعم أو لا. و أم- المنقطعة: كبل- أى
في الإعراض عن الأوّل.
و يقول ابن
مالك:
و أم
بها اعطف بعد همز التسوية
|
|
أو همزة
عن لفظ أىّ مغنية
|
و ربّما
أسقطت الهمزة إن
|
|
كان خفا
المعنى بحذفها أمن
|
و
بانقطاع و بمعنى بل وفت
|
|
إن تك
ممّا قيّدت به خلت
|
مصبا- أَمْ تكون متّصلة
و منفصلة، فالمنفصلة بمعنى بل و الهمزة جميعا، و يكون ما بعدها خبرا و استفهاما،
انّها لإبل أم شاة، هل زيد قائم أَمْ عمرو، و تسمّى
منقطعة لانقطاع ما قبلها و ما بعدها و استقلال كلّ واحد كلاما تامّا. و المتّصلة
يلزمها همزة الاستفهام و هي بمعنى أيّهما، و لهذا كان ما بعدها و ما قبلها كلاما
واحدا.
لسا- أَمْ: حرف عطف و
معناه الاستفهام، و يكون بمعنى بل. التهذيب:
الفرّاء أم
في المعنى تكون ردّا على الاستفهام.
أقول: و همزة
التسوية: هي الداخلة على جملة واقعة في محلّ المصدر.
سَواءٌ
عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ
لا يُؤْمِنُونَ+.
أى سواء
عليهم الإنذار.
و الهمزة
بمعنى أىّ: هي المستفهم بها تعيين أحد الشيئين مع ثبوت الحكم
132
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 133
لأحدهما
اجمالا- أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ
الْخالِقُونَ.
و أَمْ المنقطعة: و
هي المنفصلة عما قبلها غير مرتبطة به- مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ
يَقُولُونَ افْتَراهُ+ ...، أَمْ هَلْ تَسْتَوِي
الظُّلُماتُ وَ النُّورُ ...، أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ
لَكُمُ الْبَنُونَ ...، وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ ... أَمْ
يَقُولُونَ افْتَراهُ+.
هذا توضيح ما
قيل في الكتب النحويّة.
و التحقيق
أنّ كلمة أَمْ تدلّ على
الاستفهام، و لا تقع إلّا بعد سبق استفهام آخر، أو جملة أخرى توجب استفهاما، أى
تقتضي أن يستفهم عن موضوع سبق مبهما أو سبق مقدّرا.
فالأوّل- أَ ذلِكَ
خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ ...، أَ
أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ ...، أَ
جِئْتَنا بِالْحَقِ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ...، أَ
أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا.
ففي تلك
الموارد تدلّ على الاستفهام المكرّر، و إن شئت قل على الاستفهام و العطف، أى
الإلحاق على سابقه و جعله عدلا له.
و الثاني أن
يسبقه كلام يقتضى تعجبّا أو إبهاما أو إجمالا فيستفهم حتّى يرتفع ذلك التعجّب و
ينكشف الإبهام و يتبيّن الإجمال:
لا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمْ يَقُولُونَ
افْتَراهُ+ ...، وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا+ ... أَمْ يَقُولُونَ
افْتَراهُ+ ...، مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي
حَرْثِهِ ...
أَمْ لَهُمْ
شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ... وَ إِنَّا
لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ
أَصْحابَ الْكَهْفِ ... أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ... أَمْ تَحْسَبُ
أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ.
فالاستفهام
في الأوّل و الثاني و الرابع و الخامس للإنكار التوبيخي، و في الثالث للإنكار
الإبطالى. و في هذه الموارد كأمثالها قد سبقت مطالب و جملات: من الآيات البيّنات،
و زيادة الحرث، و جعل ما عليها صعيدا، و اتّخاذ الهوى إلها، و
133
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أم ص : 134
غيرها: أوجبت
إثباتها انكار مطالب اخرى تنافيها.
فكلمة أَمْ في هذا
القسم تدلّ على استفهام ما، و هو واقع بعد جملة فيها نوع إبهام أو إشكال أو اعتراض
أو توهّم باطل يراد دفعها.
فالعاطفيّة
في هذا القسم بمعناه الاصطلاحي غير صحيح.
فاتّضح ممّا
قلنا أنّ تفسيره بمعنى بل، أو بل مع الهمزة: ضعيف.
أُمّ
مصبا أَمَّهُ
أَمّاً من باب قتل: قصده. و أمّمه و تأمّمه أيضا: قصده. و أمّه و أمّ به
إمامة: صلّى به إماما. و أمّه: شجّه. و الاسم آمّه بالمدّ اسم فاعل، و بعض العرب
يقول مَأْمُومَة، لأنّ فيها معنى المفعوليّة في الأصل. و أمّ
الشيء: أصله. و الأمّ:
الوالدة. و
قيل أصلها أمّهة و لهذا تجمع على امّهات. و أجيب بزيادة الهاء و أنّ الأصل أمّات.
قال ابن جنّى: دعوى الزيادة أسهل من دعوى الحذف. و الأمّىّ في كلام العرب الّذى لا
يحسن الكتابة فقيل نسبة الى الأمّ لأنّ الكتابة مكتسبة، فهو على ما ولدته أمّه من
الجهل بالكتابة. و الإمام الخليفة، و الإمام العالم المقتدى به، و الإمام من يؤتمّ
به في الصلوة، و يطلق على الذكر و الأنثى. و جمع الامام أئمّة و الأصل أءممة و زان
أمثلة. و أمام الشيء: مستقبله و هو ظرف، و لذا قد يؤنّث على معنى الجهة.
مقا- أَمَ: أصل واحد
يتفرّع منه أربعة أبواب، و هي: الأصل، المرجع، الجماعة، الدين. و هذه الأربعة
متقاربة. و بعد ذلك اصول ثلاثة، و هي القامة، الحين، القصد. قال الخليل: كلّ شيء
يضمّ اليه ما سواه ممّا يليه فانّ العرب تسمّى ذلك الشيء أمّا، و من ذلك امّ
الرأس و هو الدماغ، و أمّ القرى مكّة، و كلّ مدينة هي أمّ ما حولها من القرى، و
أمّ القرآن فاتحة الكتاب، و أمّ الكتاب ما في اللوح
134
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 135
مبدئه. وَ
إِنَّهُ فِي أُمِ الْكِتابِ- أى اللوح المحفوظ، و ذلك لكون العلوم كلّها
منسوبة اليه و متولّدة منه. و قيل لفاتحة الكتاب أمّ الكتاب، لكونها مبدأ الكتاب.
و قوله تعالى- فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ- أى مثواه النار،
فجعلها أمّا له- نحو مَأْواكُمُ النَّارُ+. و الأمّة:
كلّ جماعة
يجمعهم أمر ما، إمّا دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر
الجامع تسخيرا أو اختيارا. وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ- أى حين، و
حقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين. و الأمّ القصد المستقيم و هو التوجّه
نحو مقصود- آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ. و قولهم- أمّه:
شجّه. فحقيقته إنّما هو ان يصيب أمّ دماغه، و ذلك على حدّ ما يبنون من إصابة
الجارحة لفظ فعلت منه، و ذلك نحو رأسته و رجلته و كبدته و بطنته إذا أصيب هذه
الجوارح.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة هو القصد المخصوص، أى القصد مع التوجّه الخاصّ اليه. و هذا
المعنى محفوظ في جميع مشتقّاتها: أَمَ- أَمَّةً- إمام-
أمام- إمّا- أمّا- أم.
أمّ- لا يبعد
أن تكون هذه الكلمة في الأصل على وزان صلب من أوزان الصفة المشبهة بمعنى ما يكون
موردا للقصد و التوجّه. فانّ هذه الصفة إنّما تؤخذ من اللازم، أصلا أو اعتبارا،
فالامّ مأخوذ من أمم.
ثمّ اطلق على
الوالدة و على الأصل و المبدإ و ما يرجع اليه.
الْأُمَّةُ
- على وزان
فعلة كاللقمة، بمعنى ما يلقم، و العدّة و العمدة و الحفرة و الجحفة- أى المقدار
المعيّن و المحدود من الفعل. فالامّة تدلّ على ما يقصد محدودا و يتوجّه اليه
مشخّصا، سواء كان متشكّلا من الأفراد أو من قطعات الزمان أو من العقيدة و الفكر أو
يكون فردا مشخّصا يتوجّه اليه في مقابل سائر الناس.
إِمَامٌ-
على وزان
كتاب، هو في الأصل مصدر ثمّ اطلق على ما يتوجّه اليه و
135
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إمام - ص : 135
المحفوظ. قال
الخليل: الامّة: الدين- إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ+. و كذلك كلّ
من كان على دين حقّ مخالف لسائر الأديان فهو أمّة. و كلّ قوم نسبوا الى شيء و
أضيفوا اليه فهم امّة، و كلّ جيل من الناس أمّة على حدة. و قال الخليل: الامّة
القامة تقول العرب إنّ فلانا لطويل الامّة، و هم طوال الأمم. و الامّة في- وَ
ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ- أى بعد حين. و الإِمَامُ: كلّ من اقتدى به و
قدّم في الأمور، و النبىّ (ص) إمام الأئمّة، و الخليفة إمام الرعيّة، و القرآن
إمام المسلمين، و الأمام: القدّام، صدرك أمامك و أخوك أمامك: الأوّل بالرفع على
الاسميّة و الثاني بالنصب على الوصفيّة و الظرفيّة. و الأمم: القصد، وَ لَا آمِّينَ الْبَيْتَ
الْحَرامَ- جمع آمّ، يؤمّون بيت اللّه أى يقصدونه، قال الخليل:
التَّيَمُّمُ يجرى مجرى التوخّى.
صحا- يروى
المعاني الّتى رواها مقا، فلا نعيدها.
لسا- الْأُمُ: القصد.
أمّه يؤمّه أمّا: إذا قصده. و أمّمه، و أتمّه، و تأمّمه، و يمّه، و تيمّمه، و
الأخيرتان على البدل. و يمّمته و تيمّمته: قصدته. و تَيَمَّمْتُ الصعيدَ
للصلاة، و أصله التعمّد و التوخّى، و الأصل في التيمّم القصد و التوخّى ...
و أصل هذا
الباب كلّه من القصد، يقال أممت اليه إذا قصدته، فمعنى الأمّة في الدين: أنّ
مقصدهم مقصد واحد، و معنى الإمّة في النعمة إنّما هو الشيء الّذى يقصده الخلق و
يطلبونه، و معنى الامّة في الرجل المنفرد الّذى لا نظير له أنّ قصده منفرد من قصد
سائر الناس.
كليا-
الْأُمَّةُ بالضمّ: في الأصل، المقصود كالعمدة و العدة في كونهما معمودا و
معدا، و تسمّى بها الجماعة من حيث تؤمّها الفرق- أُمَّةً مِنَ
النَّاسِ يَسْقُونَ، و أتباع الأنبياء أمّتهم، و تطلق على الرجل الجامع لخصال
محمودة- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً. و على
الرجل المنفرد بدين لا يشركه فيه غيره، و على الدين و الملّة و الطريقة التي تؤمّ،
و على الحين و الزمان، و على القامة.
مفر- أَمَ: و يقال
لكلّ ما كان أصلا لوجود شيء أو تربيته أو إصلاحه أو
136
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أمام - ص : 137
يقصد و يكون
مصداقا لهذا المعنى و مظهرا تامّا له. و يختلف الامام باختلاف الموارد و القاصدين
و المتوجّهين و الجهات و الاعتبارات، فيقال: إمام الجمعة، إمام الجماعة، إمام
الهداية، إمام الضلالة.
أَمَامَ-
بالفتح ظرف
بمعنى الجانب الّذى يقابل الخلف. فهذه الجهة ما بين يدي الإنسان و في قبال الوجه،
فتكون موردا للتوجّه دائما.
الأُمِّىُّ-
من ليس له من
الفضل و العلم و التربية و النظر إلّا بمقدار ما يؤخذ بالطبيعة من الامّ، فبرنامج
حياته طبيعىّ، ليس في قوله و عمله و فكره تصنّع و لا حيلة و لا تكلّف و لا نظر
خاصّ.
مِنْهُ
آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَ أُمُ الْكِتابِ- 3/ 7.
اصول يرجع اليها
و هي مقصودة بذاتها و مطلوبة بنفسها.
وَ
لِتُنْذِرَ أُمَ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها- 6/ 92.
يريد بلدة
مكّة و ما حولها من البلاد و القرى الّتى ناظرة اليها، و المراد أهاليها بقرينة
التصريح بهم في المعطوف- وَ مَنْ حَوْلَها. و أمّا الاختصاص
بها و بمن حولها:
لأنّ ذلك هو
الميسور الممكن المقدور في مقام الانذار عملا، و هذا المعنى لا يوجب المحدوديّة في
الرسالة، اشارة الى عموميّة في متعلّق الانذار، حتّى أيضا كأنّ البلد هو المنحرف
المتعلّق للانذار. فانّها أعمّ من الانذار، و أعمّ من المباشرة. و أمّا التعبير
بكلمة امّ القرى: و للاشارة الى أهميّتها و عظمتها و كونها مرجعا و مقصودا و
متوجّها اليها. و الى سهولة تكليف الانذار، لأنّ من حولها يراجعون اليها. و هذا
التكليف بعد ما نزلت- وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ...
قالَ
ابْنَ أُمَ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي- 7/ 150.
التعبير بها
إشارة الى وحدة مقصدهما و فكرهما و توجّههما، و لتحريك العطوفة و المحبّة.
يَمْحُوا
اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُ
الْكِتابِ- 13/ 39.
137
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الأمى - ص : 137
أى أصل ما
يكتب و منشأ ما يثبت و يمحى، و في علمه ما يقدّر، و بإرادته ما يكون.
وَ إِنَّهُ
فِي أُمِ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ- 43/ 4.
أى إن القرآن
في مقام المصدر الأوّل المعبّر عنه بامّ الكتاب و علمه تعالى، له شأن عال و إنّه
مظهر الحكمة.
وَ أَمَّا
مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ- 101/ 9.
من خفّت قواه
الروحيّة و ضعفت صفاته النفسانيّة الّتى هي الموازين و بها يوزن الإنسان و يكون
قويّا مقتدرا أو ضعيفا محدودا: فمأواه و مرجعه و ملاذه مقام سافل و مرتبة دانية و
منزلة هاوية، فلا تكون له عيشة واسعة راضية.
الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَ الْأُمِّيَ- 7/ 157.
فَآمِنُوا
بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِ الْأُمِّيِ 7/ 158.
أى ليس له
فضل خارجىّ و لون آخر و علوم مكتسبة غير مقام النبوّة و الرسالة الإلهيّة، فجميع
الحيثيّات المادّيّة ملغاة عنده.
هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ- 62/ 2.
لتكون للّه
الحجّة البالغة عليهم، و لا يبقى لهم مورد للاعتذار و التعلّل.
إِنِّي
جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً- 2/ 124.
فيكون مقصودا
لهم يتوجّهون اليه.
وَ مِنْ
قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً+- 46/ 12.
كان موردَ
قصد و توجّه في سلوكهم.
وَ
إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ- 15/ 75.
أى جريان
امور أصحاب الأيكة و قوم لوط، فانّ أصحاب الأيكة كانوا بعد قوم لوط و سكنوا قريبا
من بلادهم.
وَ ما
قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ- هود/ 92.
138
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
الأمى - ص : 137
و جملة- وَ إِنْ
كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ- 15/ 79.
مربوطة بما
قبلها من تتمّة جريان قوم لوط.
وَ إِنَّها
لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَ إِنْ كانَ ...
أى أخذ قوم
لوط و جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها+، سنّة قائمة و طريق ثابت
عند طغيان اىّ قوم، و إنّ أصحاب الأيكة كانوا مع قرب زمانهم و مكانهم منهم غير
معتبرين، فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ أيضا.
فجريان امور
هاتين الطائفين يكون عبرة للناظرين و مورد توجّه لمن كان بعدهما من المؤمنين و
الكافرين، و ليعلم الكفّار أنّ مرجع أمرهم و عاقبة مسيرهم و نتيجة خلافهم تنتهي
الى هذا السبيل المقيم. و هذا معنى الآية- وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ- أى يبين
عاقبة أمرهم لهم.
وَ قالَ
الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ- 12/ 45.
أى بعد
انقضاء مدّة معيّنة من الزمان، أو بعد مرور دورة من طبقات الحكومة.
إِنَّ
إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً- 16/ 120.
أى أهلا لأن
يؤتّم به و يقصد و يتوجّه اليه بانفراده في قبال سائر الخلق.
وَجَدَ
عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ 28/ 23.
أى جمعا
يجمعهم هذا العنوان.
إِنَّا
وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ+ 43/ 23.
على برنامج و
مقصد محدود.
وَ ما مِنْ
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ- 6/ 38.
أى كلّ منها
متشعبّة و متشكلّة و منقسمة الى طوائف و امم معيّنة.
بَلْ
يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ- 75/ 5.
أى يريد
الفجور فيما بين يديه.
139
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أما: ص : 140
فالمعنى
الحقيقىّ لهذه المادّة محفوظ في جميع مشتقّاتها.
و
أَمّا:
حرف ترد في
مقام التفصيل و التفسير لما قد ذكر إجمالا و لو تضّمنا أو فحوى، و تقع بعدها كلمة
(أَمَّا) اخرى
معادلة لها غالبا، و فيها معنى الشرط و الجواب، و جوابها تقع بعد الفاء.
فَأَمَّا الَّذِينَ
آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ
كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا- 2/ 26.
فَأَمَّا
الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا
تَنْهَرْ وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ- 93/ 9.
و قد يحذف
معادلها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر:
فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ- 3/ 7.
و لا يخفى
أنّ مفهوم هذه الكلمة قريب من مفهوم مادة أمّ، إذ فيه ايضا معنى التوجّه و القصد و
التعيين و التحديد، و المتكلّم بها يريد تعيين معنى و تفسيره و يقصد توجّه المخاطب
و انصراف ذهنه اليه.
و كذلك كلمة إِمَّا بالكسر و
كلمة أم العاطفة: ففيهما ايضا معنى التعيين و القصد المخصوص و التحديد و التوجّه.
و ليعلم أنّ
هذا الارتباط و التناسب بين الكلمتين و أمثالهما: تناسب و اشتقاق لغوىّ و في مرحلة
الوضع، لا اصطلاحىّ صرفىّ، حتّى يقال: إنّ الاشتقاق و التصريف لا يكون في الحروف.
و إِمّا:
لسا- قال
الكسائي: في باب أمّا و إمّا، إذا كنت آمرا أو ناهيا أو مخبرا: فهو أمّا مفتوحة. و
إذا كنت مشترطا أو شاكّا أو مخيّرا أو مختارا: فهو إمّا بكسر الألف.
و تقول في الأوّل: أمّا اللّه فاعبده و أمّا الخمر فلا تشربها، و أمّا زيد فقد
خرج. و في النوع الثاني: إذا كنت مشترطا- إمّا تشتمنّ فانّه يحلم عنك، و في الشكّ-
لا أدرى من قام إمّا زيد و إمّا عمرو، و في التخيير-
تعلّم إمّا الفقه و إمّا
140
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و أما: ص : 141
النحو، و في المختار- لي دار إمّا أن أسكنها و إمّا أن أبيعها.
المفصّل- و بين أو و إمّا من الفصل، أنّك مع أو: يمضى اوّل كلامك على اليقين ثمّ يعترضه الشكّ. و مع إمّا: كلامك من أوّله مبنىّ على الشكّ.
فهذه الكلمة بالكسر حرف عطف ترد في مقام التفصيل و التخيير و الشكّ و الإبهام و الاباحة، و هذا المعنى في امّا الثانية المعادلة، و أمّا الاولى الواقعة ابتداء:
فهي ترد في مقام يراد تفصيل أمر.
إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً.
إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً- 18/ 86.
فيراد من ذكر إمّا تعيين القصد و تفصيل المنظور.
و أَما:
الكافيّة- حروف التنبيه ألا، أَمَا، ها. فالكلمة بالفتح و التخفيف تدلّ على التحقيق في مدخولها، و تقع في افتتاح الكلام، و على هذا تكون- إنّ- الواقعة بعدها مكسورة الهمزة.
و القول بأنّها مركّبة من همزة الاستفهام و ما الزائدة: ضعيف جدّا.
و التحقيق
أنّ الأصل فيها: هو التنبيه و توجيه المخاطب الى الكلام و الى زيادة قصده و توجّهه اليه، كما أنّ المتكلّم بها ايضا يقصد ذلك. و يتفرّع من هذا الأصل: العرض و التخصيص و الاستفهام و غيرها، كلّ منها بمناسبة المورد و اقتضاء الكلام و المقام.
قال أمير المؤمنين (ع):
أَمَا و اللّه لقد تَقَمَّصَهَا فلانٌ و إنَّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلَّ القُطْبِ
.
141
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أمت ص : 142
أمت
مقا- أَمْتٌ: أصل واحد
لا يقاس عليه. قال الخليل: العوج و الأمت بمعنى واحد. و قال آخرون- و هو ذلك
المعنى إنّ الأمت أن يغلظ مكان و يرّق مكان.
لسا- و
الأمت: النباك و هي التلال الصغار. و في التنزيل- عِوَجاً وَ لا أَمْتاً- أى لا
انخفاض فيها و لا ارتفاع. قال الفرّاء: الأمت: النبك من الأرض و ما ارتفع.
صحا-
الْأَمْتُ: المكان المرتفع. أبو عمرو: الْأَمْتُ- النباك و هي التلال
الصغار. عِوَجاً وَ لا أَمْتاً- أى لا انخفاض و لا
ارتفاع.
و التحقيق
أنّ الاعوجاج
في السطح هو الانخفاض و هذا معنى الرقّة فيها، كما أنّ الغلظة في السطح هي
الارتفاع في نقاطها. و لا يبعد أن يكون العوج في مقابل القاع، و الأمت في مقابل
الصفصف.
فَيَذَرُها
قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً- 20/ 107.
القاع: الأرض
المستوى السهل المنفرج.
الصفصف:
المستوى المطمئنّ.
أمد
مصبا- الْأَمَدُ: الغاية. و
بلغ أمده: أى غايته. و أَمِدَ أَمَداً من باب تعب: غضب.
مقا- الْأَمَدُ: الغاية
كالمدى. يقال ما أمدك: أى كما منتهى عمرك. و
142
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 143
الأَمَدُ أيضا الغضب. و قد أَمِدَ عليه و أَبِدَ عليه: غضب.
مفر- الأبد و الْأَمَدُ يتقاربان لكنّ الأبد عبارة عن مدّة الزمان الّتى ليس لها حدّ محدود و لا يتقيّد، لا يقال أبد كذا. و الأمد مدّة لها حدّ مجهول إذا أطلق، و قد ينحصر نحو أن يقال: أمد كذا كما يقال زمان كذا. و الفرق بين الزمان و الأمد أنّ الأَمَدَ يقال باعتبار الغاية، و الزمان عامّ في المبدإ و الغاية.
و التحقيق
أنّ الأصل في هذه المادّة: هو الغاية و المنتهى من الزمان، و أمّا الغضب:
فهو باعتبار انتهاء الصبر و الحلم عليه.
فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ 57/ 16.
أى طال الأمد بامهالنا لهم ليزيدوا في العصيان.
تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً- 3/ 30.
أى بين النفس الّتى عملت من سوء و بين عمله منتها و غاية بعيدة.
أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً- 72/ 25.
أى غاية غير قريبة.
أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً- 18/ 12.
أى أحاطَ و اطّلعَ من جهة الأمَد و الغاية لما لبثوا من الزمان، و أيّهما وصلوا الى منتهى الحياة.
الأمر
مقا- أَمْرٌ: اصول خمسة- الأمر من الْأُمُورِ، الأمر ضدّ النهى، الأمر النماء و البركة، المعلم، العجب.
143
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 144
يقال هذا أمر
رضيته و أمر لا أرضاه. و الثاني- أمرة مطاعة، و إنّه لَأَمُورُ بالمعروف، و
من هذا الباب الإِمْرَةُ و الإِمَارَةُ و صاحبها أَمِير و مُؤَمَّرٌ. و النماء-
امرأة أمرة: مباركة على زوجها، أمر الشيء، أى كثر، و يقال أمر اللّه ماله و آمره.
و المعلم- الْأَمَارَةُ: العلامة. و الأَمَارُ أَمَار الطريق و
معالمه، و الواحدة الأمارة، جعلت بيني و بينه أمارا: وقتا و موعدا و أجلا، و الأمر
و اليأمور: العلم. و العجب- يقول اللّه تعالى- لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئاً إِمْراً.
مصبا- الْأَمْرُ: بمعنى
الحال جمعه امور، و عليه- وَ ما أَمْرُ
فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. و الْأَمْرُ بمعنى الطلب جمعه
أوامر فرقا بينهما. و الإمرة و الإمارة: الولاية، يقال أمر على القوم يأمر من باب
قتل، فهو أمير و الجمع أمراء، و يعدّى بالتضعيف- أمّرته تأميرا فتأمّر. و
الأَمَارَةُ العلامة وزنا و معنى. و أمر الشيء يأمر من باب تعب: كثر. و
الأَمْرُ: الحالة، يقال: أمره مستقيم، و الجمع امور مثل فلس و فلوس.
صحا- أمر: ما
يقرب من- مقا و مصبا.
مفر- الْأَمْرُ: الشأن و
جمعه امور، و المصدر من أمرته: إذا كلّفته أن يفعل شيئا، و هو لفظ عامّ للأفعال و
الأقوال كلّها- وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ. و يقال
للإبداع أمر- أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ- و يختصّ ذلك باللّه
دون الخلائق. و قوله- بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً+- أى ما تأمر
النفس الأمّارة بالسوء. و قيل أمر القوم:
كثروا، و ذلك
لأنّ القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير يسوسهم، و قوله- لَقَدْ جِئْتَ
شَيْئاً إِمْراً- أى منكرا، من قولهم أمر الأمر اى كبر و كثر. و قوله- وَ
أُولِي الْأَمْرِ- قيل عنى الْأُمَرَاءَ في زمن
النبىّ (ص) و قيل الأَئِمَّةَ من أهل البيت.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة هو الطلب و التكليف مع الاستعلاء. ثمّ يطلق على كلّ ما يكون
مطلوبا و موردا لتوجّه تكليف من جانب مولى أو من جانب
144
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 144
نفسه، صريحا
أو مقدّرا. و أَمِرَ بكسر العين: مأخوذ من هذا المعنى أيضا: فانّ أمر متعدّيا
إذا أريد لزومه تكسر عينه و يكون الطلب مع الاستعلاء بمعنى العلوّ و الكبر لازما
في نفسه. و منه يؤخذ معنى المنكر و العجب و النماء و البركة. و كذلك العلامة من
جهة كونها علامة للطلب و المطلوب.
فمعنى الطلب
و الاستعلاء في جميع هذه الموارد محفوظ، فهذه المادّة تطلق على تلك المعاني بهذه
الحيثيّة لا مطلقا، و باعتبار هذا القيد يحصل الفرق بين الأمارة و العلامة، و بين
الأمر و الشأن، و بين أمر و كثر، و هكذا بينها و بين العجب و النماء و البركة.
وَ إِذا
أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها
فَفَسَقُوا فِيها- 17/ 16.
أى بالأمر
الواقعىّ التكوينىّ في قبال النهى العملىّ التكوينىّ، بمعنى رفع المانع و سلب
التوفيق، فلا يكون حائل بينهم و بين شهواتهم النفسانيّة، فعصوا و اتّبعوا أمر
الشيطان، و بذلك تتمّ الحجّة عليهم للّه المتعال، و معلوم أنّ إهلاك قرية لا يكون
إلّا بعد الطغيان و العصيان.
يُرِيدُ
أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ 7/ 110.
لمّا طلب
فرعون من أتباعه من الامّة النظر و الرأى و أراد جلب خاطرهم و تحريك عواطفهم و
تجليل شخصيّاتهم: فعبّر بهذه العبارة- فَما ذا تَأْمُرُونَ.
إِنَّ
الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ 28/ 20.
الافتعال
بمعنى أخذ الفعل و الايتمار بمعنى أخذ الأمر، و هذا المعنى قريب من المطاوعة في
بعض الموارد، و قد يفسّر هذا اللفظ بالمشاورة، و مرجعها الى أخذ الأمر و الرأى.
وَ
أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ- 65/ 6.
ليكن أخذ
الحكم و التكليف بينكم بالمعروف.
أَلا لَهُ
الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ- 7/ 54.
145
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 144
أى الحكم و
التدبير بين الخلق و اطلاق الأمر يشمل على عالم الأمر المتكوّن فيه الأشياء بمجرّد
الإرادة و الأمر من دون حاجة الى المادّة و التقدير، كما في عالم الجبروت و
الاقتدار.
أَطِيعُوا
اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ- 4/ 59.
عطف على
الرسول فيكون إطاعة اولى الأمر في مرتبة إطاعة الرسول و من سنخه. و لازم أن يكون
أمرهم موافق أمر الرسول، كما أنّ إطاعة الرسول لازم أن لا تخالف إطاعة اللّه بوجه،
و إلّا يلزم التنافي و التخالف و لا تتحقّ الاطاعة.
فتفسير أولى
الأمر بالامراء و الحكّام في غاية الوهن.
ثُمَّ
اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ- 10/ 3.
ينظّم عواقب
امور الخلق و شئون مراتب الموجودات و حالاتها. و الأمر عبارة عن الشأن و الحالة و
العارضة و الجريان الحادث بعد تحقّق الموضوع على ما يقتضيه الطلب من الخالق الآمر.
و اطلاق الأمر على متعلّق الأمر: اشارة الى أنّ ذلك المتعلّق فانٍ في الأمر، و
الأمر متجلّى فيه.
وَ لِلَّهِ
غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ- 11/ 123.
أى لِلّه ما
يتعلّق بما وراء المحسوس منهما، و اليه يرجع ما يجرى فيهما من الحالات.
وَ ما أَمْرُ
فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ 11/ 97.
أى حاله و
جريان عمله و قوله، ممّا يكون متعلّقا بالتكليف و الأمر الإلهىّ أو العقلىّ.
وَ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي 17/ 85.
أى ممّا
يتعلّق عليه أمره و يتوجّه اليه خطابه و هو قوله تعالى- كُنْ فَيَكُونُ+.
فالروح
متكوّنة من أمره، و أمّا مادّتها فهي خارجة عن المادّة، و لا يمكن لنا فهم حقيقتها
بحواسّنا. فالأمر هنا مصدر.
146
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أمس ص : 147
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً 18/ 71.
الظاهر أنّه صفة على وزان ملح من قولهم أمر يأمر أى كبر و كثر. أى لقد جئت شيئا كبيرا.
أمس
مصبا- أَمْسِ: اسم علم على اليوم الّذى قبل يومك، و يستعمل فيما قبله مجازا، و هو مبنىّ على الكسر، و بنو تميم يعربه إعراب ما لا يتصرف.
صحا- أَمْسِ: اسم حرّك آخره لإلتقاء الساكنين، و اختلفت العرب فأكثرهم يبنيه على الكسر معرفة، و منهم من يعربه معرفة، و كلّهم يعربه إذا أدخل عليه الألف و اللام أو صيّره نكرة أو أضافه، يقول مضى الأَمْسُ المبارك و مضى أَمْسُنا و كلّ غد صائر أَمْساً.
لسا- أَمْسِ: من ظروف الزمان مبني على الكسر إلّا أن ينكّر أو يعرّف، و ربّما بنى على الفتح. ابن الأنبارى: أدخل اللام و الألف على أمس و تركه على كسره، لأنّ أصل أَمْسِ عندنا من الإمساء، فسمّى الوقت بالأمر و لم يغيّر لفظه.
و التحقيق
أنّ هذه الكلمة قد وردت في القرآن المجيد في أربعة موارد، و كلّها معرّفا و مجرورا بالجارّة (بالأَمْسِ)، و ظاهره الاعراب، و أمّا وروده مبنيّا في بعض الحالات في كلماتهم، هل هو في حال المعرفة أو في حالة و شرائط اخرى: فهي خارجة عن وظيفتنا و لا نبحث عنها.
و الظاهر أنّ معناه الحقيقىّ هو اليوم الماضي قبل يومك. و إطلاقه على مطلق الزمان الماضي: إذا فرض ذلك الزمان قريبا كأنّه اليوم المتّصل بيومك، فالمعنى هو
147
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أمل ص : 148
اليوم المتّصل الماضي ادّعاء.
فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ- 28/ 18.
امّا اليوم الماضي تحقيقا، أو ادّعاء، و التعبير به للاشارة الى تغيير حاله في زمان قريب.
و كذلك آية- وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ- 28/ 82.
و هكذا- حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ- 10/ 24.
أى جعلنا زرعهم كالحصيد فكأنّه لم يكن فيه الغنى في اليوم الماضي.
أمل
مصبا- أَمَلَ: أَمَلْتُهُ أَمَلًا من باب طلب: ترقّبته. و أكثر ما يستعمل الأمل فيما يستبعد حصوله. و من عزم السفر الى بلد بعيد يقول أملت الوصول و لا يقول طمعت إلّا إذا قرب حصوله، و الرجاء بين الأمل و الطمع، فانّ الراجي قد يخاف أن لا يحصل مأموله، و لهذا يستعمل بمعنى الخوف. أنا آمل و هو مأمول و أمّلته تأميلا مبالغة و تكثيرا. و تأمّلت الشيء: تدبّرته.
مقا- أَمَلٌ: أصلان: الأوّل- التثبّت و الانتظار. و الثاني- الحبل من الرمل. قال الخليل: الأمل الرجاء، فتقول أمّلته أو مّله تأميلا، و أملته أمله أملا و إملة على بناء جلسة، و هذا فيه بعض الانتظار. و التأمّل التثبّت في النظر. و الأميل حبل من الرمل معتزل معظم الرمل.
صحا- أمل: الرجاء، يقال أمل خيره يأمله أملا، و كذلك التأميل. و قولهم ما أطول إِمْلَتَهُ أى أَمَلَهُ، و تأمّلت الشيء: نظرت اليه مستبينا له. و الأميل حبل من الرمل يكون عرضه نحوا من ميل.
148
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 149
و التحقيق
أنّ التثبّت في الامر أو الرأى: أى التأنّى فيه و الفحص عنه.
و الحبل: الرسن، و الرمل المستطيل شبّه بالحبل.
ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ الْأَمَلُ- 15/ 3.
أى الترقّب و الرجاء البعيد بما يستبعد حصوله و لا يوافق النظر الصحيح.
وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا- 18/ 46.
أى إنّها خير ما تؤمّلون و حريٌّ بأن تترقَّبون و ترجون حصولها.
فظهر أنّ المعنى الحقيقىّ لهذه المادّة: الرجاء البعيد و الترقّب لأمر بعيد حصوله و يقال له بالفارسيّة- آرزو. و الرجاء يقال له- اميد.
و أمّا التَّأَمُّلُ: فهو التظاهر بالأمل و ليس بآمل حقيقة بل يتكلّف و يتظاهر به حتّى يحصل له الرجاء و الأمل و الطلب، فالتأمّل غير التدبّر و التفكّر و التحقيق، و كلّ منها له خصوصيّة.
و أمّا الْأَمِيلُ: فكأنّه بمناسبة انتظاره و أمله أن يكون معظم الرمل.
أمن
مصبا- أَمِنَ: أمن زيد الأسد أمنا، و أمن منه: مثل سلم منه وزنا و معنى.
و الأصل أن يستعمل في سكون القلب يتعدّى بنفسه و بالحرف، و يعدّى الى ثان بالهمزة، فيقال: آمنته منه و أمنته عليه و ائتمنته عليه، فهو أمين، و أمن البلد اطمأنّ به أهله فهو آمن و أمين. و آمنت الأسير: أعطيته الأمان فأمن، و آمَنْتُ باللّهِ إِيمَاناً:
أسلمت له. و أَمِنَ أَمَانَةً فهو أمين، ثمّ استعمل المصدر في الأعيان مجازا، فقيل الوديعة أمانة و الجمع أمانات.
149
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 150
مقا- أمن:
أصلان متقاربان: أحدهما الأَمَانَةُ الّتى هي ضدّ الخيانة، و معناها سكون
القلب. و الآخر التصديق.
صحا-
الْأَمَانُ بمعنى، و قد أمنت، و آمنت غيرى، من الأمن و الأمان. و الإيمان
التصديق. و اللّه المؤمن، لأنّه آمن عباده من أن يظلمهم. و الأمن ضدّ الخوف.
و
الْأَمَنَةُ: الأَمْنُ، و الأَمَنَة أيضا الّذى يثق بكلّ أحد، و كذلك الامنة
مثال الهمزة. و أمنته على كذا و ائتمنته بمعنى.
مفر- أَمِنَ: أصله
طمأنينة النفس و زوال الخوف. و الأمن و الأمانة و الأمان في الأصل مصادر، و يجعل
الأمان تارة اسما للحالة الّتى يكون عليها الإنسان في الأمن، و تارة اسما لما يؤمن
عليه الإنسان نحو- وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ. و يقال آمنته:
جعلت له
الأمن.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو الأمن و السكون و رفع الخوف و الوحشة و الاضطراب.
يقال: أمن
يأمن أمنا، أى اطمأنّ و زال عنه الخوف، فهو آمن، و ذاك مأمون، و مأمون منه، و
الأَمَانَةُ مصدر و يطلق على العين الخارجىّ الّذى يتعلّق به الأمن كالوديعة فهي
مورد الأمن و المأمون عليها. و الآمن هو المطمئنّ و بلدة آمنة إذا لم تكن فيها خوف
و لا وحشة. و الايتمان هو أخذه أمينا. و الايمان جعل نفسه أو غيره في الأمن و
السكون. و الايمان به حصول السكون و الطمأنينة به.
هَلْ
آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ.
من أمن يأمن.
الَّذِي
أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ. جعلهم في
الأمن.
بَلَداً آمِناً ...، كانَ آمِناً ...، قَرْيَةً
كانَتْ آمِنَةً ...، بِسَلامٍ آمِنِينَ.
150
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 150
أى الساكن
المطمئنّ من دون خوف و اضطراب و وحشة.
فَإِنْ أَمِنَ
بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ.
أي فليؤدّ
المأمون الأمانة الّتى يريد الآمن ردّها و هي الدين الّذى أخذ بدون كتابة و رهانة،
أو برهان مقبوضة فقط.
وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَ رُسُلِهِ+.
أى اطمأنّوا
و حصل لهم الأمن.
و آمَنَ بِاللَّهِ+: حصل له
الاطمينان و السكون باللّه المتعال، وَ هُوَ مُؤْمِنٌ+ أى مطمئنّ،
و في هذا المورد يذكر المتعلّق بحرف الباء.
و قد يحذف
المتعلّق إذا كان معلوما:
وَ أَمَّا
مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ...، وَ ما آمَنَ مَعَهُ
إِلَّا قَلِيلٌ ...، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ
عَمِلُوا+ ...، لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ+ ...، وَ
لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ.
و مثلها إذا
ذكر بحرف اللام فانّ المتعلّق فيه محذوف.
فَما آمَنَ لِمُوسى
إِلَّا ذُرِّيَّةٌ ... فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ- 29/ 26.
أى آمن
باللّه لدعوة موسى عليه السلام.
وَ
الَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ+ 23/ 8.
الظاهر أنّ
الْأَمَانَةَ و العهد بمعناهما الاسمّى، و يمكن أن يراد منها معناهما المصدرىّ.
إِنَّا
عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ 33/ 72.
بالمعنى
المصدرىّ، و هو الطمأنينة و السكون و عدم الوحشة و الاضطراب في قبال الحوادث و
التكاليف التكوينيّة و التشريعيّة و الاطاعة و التسليم، و من الطمأنينة و
الاستقرار في قبال التكاليف التكوينيّة: حمل النبوّة و قبول الخلافة و الاستعداد
للولاية و الأهليّة لتوارد الفيوضات و التجليّات الإلهيّة.
ثُمَّ
أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ أَمَنَةً نُعاساً 3/ 154.
151
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أمو ص : 152
مصدر
كالغلبة، و هي بزيادة مبناها على الأمن، تدلّ على كثرة الأمن.
و أمّا آمِينُ: قال مقا-
تفسيره قالوا- ألّلهم افعل.
و قال مصبا:
و أمين بالقصر في لغة الحجاز، و بالمدّ في لغة بنى عامر، و المدّ إشباع، بدليل
أنّه لا يوجد في العربيّة كلمة على فاعيل. و معناه- أللّهم استجب. و قال ابو حاتم:
معناه كذلك يكون. و التشديد خطأ.
و قال مفر:
يقال بالمدّ و القصر، و هو اسم للفعل نحو صه و مه.
فر- [آمن]
آمِين، يكون كذا.
قع- [آمن]
آمين، حقّا.
أقول:
فالكلمة مأخوذة من العبريّة، و لا يبعد أن تكون مأخوذة من آمن- بصيغة الأمر من باب
الافعال، و معناه: صدّق و أمّن، و اجعل في الأمن. و لا يخفى أنّ هذه المادّة في
العبريّة أيضا قريبة منها لفظا و معنى.
أمو
صحا- أمّا: الْأَمَةُ خلاف
الحرّة، و الجمع إماء و آم و إموان. و أصل أمة أموة بالتحريك لأنّه جمع على آم و
هو أفعل مثل أنيق، و لا يجمع فعلة على ذلك، و ما كنت أمة و لقد أموت أموّة، و
النسبة اليها أموىّ، و تصغيرها أميّة، و أميّة قبيلة من قريش و النسبة اليهم
أموىّ، و ربّما فتحوا.
مقا- أَمْوٌ:
أصل واحد و هو عبوديّة المملوكة. قال الخليل: الْأَمَةُ: المرأة ذات
عبوديّة، تقول أقرّت بالاموّة، و تأمّيت فلانة: جعلتها أمة، و كذلك استأميت. و لو
قيل تأمّت، أى صارت أمة لكان صوابا.
مصبا-
أَمَةٌ: محذوفة اللام و هي واو، و الأصل أموة، و لهذا تردّ في التصغير فيقال أميّة
و الأصل أميوة، و بالمصغّر سمّي الرجل، و التثنية أمتان على لغة المفرد،
152
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 153
و الجمع آمٍ و إموان و قد تجمع على أموات وزان سنوات، و النسبة الى أميّة أموىّ على القياس و بفتحها على غير القياس و هو الأشهر عندهم.
اشتقاق- أميّة تصغير أمة، و النسب اليه أموىّ بضمّ الهمزة فامّا من قال أموىّ فقد أخطأ.
و التحقيق
أنّه لا يخفى ما بين كلمتي الأمّ و الأمة من التناسب في اللفظ و المعنى، فانّ كلمة الْأُمِ صحيحة مضمومة اوّلها و مشدّدة آخرها، بخلاف الأموة فانّها مفتوحة اوّلها و معتلة آخرها، و قد أخفيت علّتها في الأُمَّةِ، فالضمّ و التشديد و الصّحة تدلّ على القوّة و الطمأنينة و الثبوت و الثقل. و هذا بخلاف الفتحة و العلّة و الحذف و التاء، فإنها تدلّ على الخفّة و الضعف و التزلزل و التبدّل و عدم الثبوت و الاستقلال، و هذه الخصوصيّات هي الفارقة بين مفهومى الامّ و الأمة، مع اشتراكهما في الحرفين لفظا و في عمدة الصفات النوعيّة الذاتيّة معنى.
وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ- 2/ 221.
أى أمة مطمئنّة ساكنة مقيّدة خير.
وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ 24/ 32.
إنّ- أنّ
من الحروف المشبهة بالفعل، و تدلّان على التحقّق كما أنّ أخواتهما [لكنّ، لعلّ، كأنّ، ليت] أيضا تدلّ على الاستدراك و الترجّى و التشبيه و التمنّى.
و قد علم في موضعه: أنّ الحرف يدلّ على خصوصيّة في غيره، و
قال الإمام (ع): الحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل، أو أوجد معنى في غيره.
153
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إن - أن ص : 153
فالحرف لا
يدلّ على المسمّى بل على خصوصيّة فيه.
فإذا كان
الموضوع محقّقا و متّصفا بصفة التحقّق جيء بحرف إنّ و أنّ، كما أنّه إذا كان
مرجوّا أو مشبّها أو مستدركا أو متمنّيا: جيء بأخواتهما.
و هذا علّة
النصب في أسماء هذه الحروف: فانّها في الحقيقة باعتبار هذه الخصوصيّات و المعاني
تصير مفاعيل في المعنى. قال ابن مالك:
و همز
إِنَّ افتح لسدّ مصدر
|
|
مسدّها
و في سوى ذاك اكسر
|
و لا يبعد
أن تكون إِنَ كلمة مكسورة موضوعة للتحقيق و التأكيد بمناسبة مادّة- وأى
يأى- الدالّة على الوعد و القوّة، فيكون الأمر منها مؤكّدا بالنون الثقيلة- إنّ، و بهذه المناسبة:
الأصل منهما هو إنّ بكسر الهمزة ثمّ تتفرّع منها المفتوحة، و هذا المعنى محفوظ و
منظور في إنّ مخفّفة، فانّها تدلّ على الشرط و الجزاء- أى الوعد و القوّة، الوعد
بالنسبة الى الشرط، و القوّة بالنسبة الى ترتّب الجزاء:
و أنّ مفتوحة
الهمزة: لمّا غيّرت عن هيئتها الأصليّة صار التأكيد و التحقيق فيها أخفّ، و لا تقع
في ابتداء الكلام و يؤوّل معمولها الى المصدر، و كذلك أن مخفّفة، فما بعدها أيضا
في تأويل المصدر.
إِنَ
الْإِنْسانَ لَيَطْغى ...، إِنَ وَعْدَ اللَّهِ
حَقٌّ+ ...، إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...،
أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ...، أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا ...، أَنْ تَمِيدَ
بِهِمْ.
و قريب من
هذه المادّة: كلمة- أن للتفسير و الوصل، و إنّما، و أنّى، و إنّ النافية، و ألّا،
و إلّا. فليراجع في تحقيق معانيها و خصوصيّات موارد استعمالاتها الى عناوينها و
الكتب النحويّة و الأدبيّة.
و في كليّات- إنّ: في لغة
العرب تفيد التأكيد و القوّة في الوجود، و لهذا أطلقت الفلاسفة لفظ الإنيّة على
واجب الوجود لذاته، لكونه أكمل الموجودات في تأكيد الوجود و قوّته، و هذا لفظ محدث
ليس من كلام العرب. و إنّ من الحروف الّتى شابهت الفعل.
154
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أنا ص : 155
أنا
صحا- أَنَا فهو اسم مكنّى و هو ضمير للمتكلّم وحده، و إنّما بنى على الفتح فرقا بينه و بين أن الّتى هي حرف ناصب للفعل، و الألف الأخيرة إنّما هي لبيان الحركة في الوقف، فان وسطت سقطت. و اعلم أنّه قد توصل بها تاء الخطاب فتصيران كالشىء الواحد من غير أن تكون مضافة اليها، تقول أنت، و تكسّر للمؤنّث، و أنتم و أنتنّ. و قد تدخل عليه كاف التشبيه- أنت كأنا.
لسا- و أنت ضمير المخاطب، الاسم أن، و التاء علامة المخاطب، و الأنثى أنت و تقول في التثنية أنتما.
شرح الرضى- و امّا أنت الى أنتنّ: فالضمير عند البصريّين- أنّ، و أصله أنا، و كان أنا عندهم ضمير صالح لجميع المخاطبين و المتكلّم، فابتدءوا بالمتكلّم، و كان القياس أن يبيّنوه بالتاء المضمومة نحو أنت إلّا أنّ المتكلّم لمّا كان أصلا جعلوا ترك العلامة له علامة، و بيّنوا المخاطبين بتاء حرفيّة بعد أن، كالاسميّة في اللفظ و في التصرّف. و مذهب الفرّاء: أنّ أنت بكماله اسم و التاء من نفس الكلمة.
و التحقيق
أنّ كلّا من هذه الضمائر كلمة واحدة غير مركّبة، قد وضعت في المرتبة الاولى مستقلّة و منظورة في حال الإفراد، و لا ينافي ذلك ما فيها من علائم التكلّم و الخطاب و الافراد و التثنية و الجمع.
فالتركّب يكون قبل الوضع، فقد أخذت هذه الكلمات من- أن، الدّالّة على التأكيد و القوّة، و من علائم التكلّم و الخطاب، ثمّ وضعت.
و لا يخفى ما في صيغة التكلّم و الخطاب من التحقّق و القوّة، و لا سيّما مع كونها ضمائر للفاعل منفصلة.
155
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أنث ص : 156
أنث
مصبا- الْأُنْثَى فعلى و جمعها إِنَاثٌ، و ربّما قيل الأناثى. و التأنيث خلاف التذكير، يقال انّث الاسم تأنيثا إذا ألحقت به أو بمتعلّقه علامة التأنيث.
مقا- أنث: قال الخليل و غيره: الأنثى خلاف الذكر. و الأنثيان:
الخصيتان. و أرض أنيثة: حسنة النبات.
صحا- الْأُنْثَى خلاف الذكر، و يجمع على إناث. و آنَثَتِ المرأةُ: ولدت أنثى، فهي مؤنّث، و إذا كان ذلك عادتها فهي مِئْنَاثٌ، و تأنيث الاسم خلاف التذكير.
و قد أنّثته فتأنّث.
و التحقيق
أنّ ما يقابل الذكر هو الأنثى، و أمّا المؤنّث: فهو الاسم الّذى ألحقت به علامة التأنيث أو من ولدته أنثى، فإطلاق المؤنّث على الأنثى غير صحيح، و هكذا المذكّر، و الصحيح هو الذكر.
وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى- 3/ 36.
وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى- 16/ 58.
مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى+ 16/ 97.
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ+- 4/ 11.
قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ+- 6/ 143.
يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً- 42/ 49.
و قد يقال إنّ الأصل في هذه المادّة: هو اللين، ثمّ أطلقت على المرأة مجازا للينها. و على أىّ حال: فصيغة الأنثى مؤنّثة من أفعل التفضيل كأفضل و فضلى، كما أنّ الذكر لا يبعد أن يكون في الأصل صفة على وزان حسن. و صيغ الجمع باعتبار
156
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
إنجيل ص : 157
المعنى
الاسمّى.
و في لسا- و
زعم ابن الأعرابى: إنّ المرأة إنّما سمّيت أنثى، من البلد الأنيث، قال: لأنّ
المرأة ألين من الرجل، و سمّيت أنثى للينها. قال ابن سيده: فأصل هذا الباب على
قوله إنّما هو الأنيث الّذى هو اللين.
و يؤيّد هذا
القول: ما في بين هذه المادّة و مادّة الانس من المناسبة اللفظيّة و المعنويّة،
فانّ الانس نوع من اللين.
إنجيل
قم-
إِنْجِيلُ: لفظ يونانىّ بمعنى البشارة.
تاريخ
الكليسا لميلرص 70- و قد سمّيت هذه الأناجيل الأربعة من أوّل الأمر
بالإِنْجِيلِ، و هذه الكلمة مشتقّة من لفظ يونانىّ بمعنى البشارة [خبر خوش] و
لمّا كان المسيح واحدا فلازم أن يكون الإنجيل أيضا منه واحدا، و الجامع بينها هو
البشارة.
قاموس تركى
لسامى- إنجيل: عربىّ و جمعه أناجيل. و اليونانىّ- [اوانگليون].
إنجيل لوقا-
1/ 1- إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقّنة عندنا، كما سلمها
إلينا الّذين كانوا منذ البدء معاينين و خدّاما للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ قد
تتّبعت كلّ شيء من الأوّل بتدقيق أن اكتب على التوالي اليك.
إنجيل
يوحنّا- 21/ 24- هذا هو التلميذ الّذى يشهد بهذا و كتب هذا و نعلم أنّ شهادته حقّ،
و أشياء كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظنّ أنّ العالم نفسه يسع
الكتب المكتوبة.
و في 20/ 30-
و آيات اخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في
157
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 158
هذا الكتاب، و أمّا هذه فقد كتبت لتؤمنوا أنّ يسوع هو ابن اللّه.
إنجيل مرقس- 16/ 14- أخيرا ظهر للأحد عشر و هم متكئون، و ويخّ عدم ايمانهم و قساوة قلوبهم لأنهم لم يصدّقوا الّذين نظروه قد قام.
و التحقيق
أنّ هذه الكلمة مأخوذة من مادّة يونانيّة، و هي بمعنى البشارة، باعتبار أنّ هذه الكتب مبشّرة بالنعيم و السعادة و الجنّة و الخير و الحيوة الطيّبة في الدنيا و الآخرة.
و لا يخفى أنّ هذه الْأَنَاجِيلَ الأربعة قد الّفت في أواخر القرن الأوّل أو أوائل الثاني من رحلة المسيح روح اللّه، و ليست بإنجيل نزل الى عيسى عليه السّلام من اللّه المتعال، فهي أقدم كتب كتبت في جريان أمر المسيح و كيفيّة دعوته و حياته و رحلته.
و على هذا فليست منزلة من السماء، و ليست حجّة علينا حتّى يجب علينا اتّباعه و الأخذ به، مضافا الى الاختلافات بينهما و تعدّدها.
فليراجع الى الكتب المبسوطة في هذا الموضوع.
أنس
مصبا- أَنِسْتُ به إِنْساً من باب علم، و في لغة من باب ضرب. و الأنس اسم منه. و الأنس جماعة من الناس، و سمّى به و بمصغّره. و الأنيس: الّذى يستأنس به. و استأنست به و تأنّست به: إذا سكن اليه القلب و لم ينفر. و آنست الشيء:
علمته و أبصرته. و الإنس خلاف الجنّ. و الإنسان من الناس اسم جنس يقع على الذكر و الأنثى و الواحد و الجمع. و اختلف في اشتقاقه مع اتفاقهم على زيادة النون
158
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أنس ص : 158
الأخيرة،
فقال البصريّون من الإنس و وزنه فعلان، و الكوفيّون: مشتقّ من النيسان و وزنه
إفعان و الأصل إنسيان. و الأناس مشتقّ من الانس لكن يجوز حذف الهمزة على غير قياس
تخفيفا، فيبقى الناس. و عن الكسائي: إنّ الأناس و الناس لغتان بمعنى واحد و ليس
أحدهما مشتقّا من الآخر، و هو الوجد، لأنّهما مادّتان مختلفتان في الاشتقاق كما
سيأتى في نوس.
مقا- أُنْسٌ: أصل واحد،
و هو ظهور الشيء و كلّ شيء خالف طريقة التوحّش. قالوا: الْإِنْسُ خلاف الجنّ،
و سموّا لظهورهم.
لعلّه
باعتبار كثرة عددهم و شدّة طغيانهم و مزيد انحرافهم و كفرهم بالنسبة إلى الإنس.
وَ لا
يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ- أى لا يعطفه و لا
يؤثّر فيه انحناء و ثقلا و انعطافا حتّى يوجب ضعفه في قبال الحفظ.
أنّه يناسب
تكون هذه الكلمة أيضا مشتقّة من مادّة أوّل، بمناسبة إرجاع المخاطب الى ما يشار
اليه و توجيهه اليه، فهي تدلّ على الاشارة و الإرجاع.
وضعها كان
متوجّها إلى مادّة أوى- أيى، لوجود المناسبة بين تلك الموادّ و هذه الكلمات لفظا و
معنى كما لا يخفى.
يقال: آنَسْتُ الشيء: إذا
رأيته- فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً. و يقال: آنست
الشيء إذا سمعته، و هذا مستعار من الأوّل. و الأنس أنس الإنسان بالشيء إذا لم
يستوحش منه.
صحا-
الْأُنْسُ: البشر، الواحد إِنْسِيٌ و أنسىّ أيضا، و
الجمع أناسىّ، و إن شئت جعلته إنسانا ثمّ جمعته أناسىّ، فتكون الياء عوضا من
النون- وَ أَناسِيَ كَثِيراً. و إنسان العين:
المثال الّذى يرى في السواد، و يجمع أيضا على أناسىّ. و تقدير إنسان فعلان، و
إنّما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل رويجل. و
159
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 160
أناس لغة في
الناس و هو الأصل فخفّف. و الأنيس: المؤانس و كلّ ما يؤنس به. و
الْإِينَاسُ خلاف الايحاش، و كذلك التأنيس.
مفر-
الْإِنْسُ: خلاف الجنّ. و الأنس خلاف النفور. و الإنسىّ منسوب الى الإنس، يقال
ذلك لمن كثر أنسه و لكلّ ما يؤنس به. و الإنسىّ من كلّ شيء ما يلي الْإِنْسَانُ، و الوحشىّ
ما يلي الجانب الآخر له. و الإنسان قيل سمّى بذلك لانّه خلق خلقة لا قوام له إلّا
بانس بعضهم ببعض.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو القرب مع الظهور بعنوان الاستيناس، في مقابل النفور و
الوحشة و البعد. و هذا المعنى محفوظ في جميع صيغ مشتقّاتها. و امّا ما ينفر
فكالوحوش و الحيوان، و ما لا يظهر و لا يستأنس فكالجنّ.
و أمّا
الرؤية و السماع: فليس مفهومها مطلقّ الرؤية و السماع بل بقيد الاستيناس و
الاختلاط. و كذلك الإنس و الإنسان: فبملاحظة أنسه و اختلاطه، و هذا هو الفارق بين
لفظ الإنسان و البشر و آدم.
فباعتبار
معنى الظهور في مفهومها: تستعمل في مقابل الجنّ:
يا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ+ ...، إِنْسٌ وَ لا
جَانٌ ...، ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ
الْإِنْسِ ...، لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ
الْجِنُ ...، جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ ...، وَ ما
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ.
و لم تستعمل
كلمة البشر و لا آدم في مقابل الجنّ أو الجانّ.
و أمّا تقدّم
الإنس على الجنّ أو تأخّره عنه: ففي كلّ مورد بحسبه من خصوصيّة في المورد أو في
العمل أو خصوصيّة لكلّ واحد منهما، تقتضي تقدّم واحد أو تأخّره.
وَ كَذلِكَ
جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ
الْجِنِ- 6/ 112.
160
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 160
- تقدّم
الإنس باعتبار كون النبىّ (ص) إنسانا و كثرة تماسّه و اختلاطه بالإنس.
يا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا 55/ 33.
- تقدّم
الجنّ باعتبار قوّة الجنّ و شدة قدرته في النفوذ و الحركة و العمل.
يا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ 6/ 130.
لعلّه
باعتبار كثرة عددهم و شدّة طغيانهم و مزيد انحرافهم و كفرهم بالنسبة إلى الإنس.
و كذلك- وَ لَقَدْ
ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ- 7/ 179.
وَ حُشِرَ
لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ- 27/ 17.
هذا- و لمزيد
عملهم.
و الإنسان: أصله الإنس
و هو اسم جنس زيدت فيه الالف و النون، فيدلّ على التشخّص و خصوصيّة زائدة:
إِنَّ
الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ- 12/ 5.
كَمَثَلِ
الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ- 59/ 16.
وَ كانَ
الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا- 25/ 29.
و الإنسىّ:
منسوب الى الإنس يستعمل في المفرد- فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ
إِنْسِيًّا.
و الأناسىّ:
أصله الأناسين جمع انسان- أَنْعاماً وَ أَناسِيَ كَثِيراً.
و الأناس: هو
الإنس و قد يخفّف بحذف الهمزة- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ النَّاسِ مَلِكِ
النَّاسِ ...، قَدْ عَلِمَ كُلُ أُناسٍ
مَشْرَبَهُمْ+ ...، يَوْمَ نَدْعُوا كُلَ أُناسٍ
بِإِمامِهِمْ- 17/ 71، إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ+.
و
الإِينَاسُ: هو الإظهار و التقريب مع الانس:
آنَسْتُ ناراً+- 20/ 10.
161
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أنف ص : 162
يدلّ على درك
ظهور النار و قرب منها و الانس بها.
لا
تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا- 24/ 27.
أى تطلبوا
منهم القرب و الظهور و رفع الحجاب و الغيبة و الستر بينهما، و هذا كناية حسنة عن
الإذن.
و أمّا القول
بأنّ الإنسان مشتقّ من النسيان، أو أنّ الناس من النوس، أو أنّ الاستيناس بمعنى
الاستيذان: فغير صحيح.
أنف
مصبا- أَنِفَ من الشيء
أنفا من باب تعب: استنكف و هو الاستكبار. و أنف منه: تنزّه عنه. و الأنف: المعطس،
و الجمع آناف و انوف و آنف. و أنف الجبل ما خرج منه. و استأنفت الشيء: أخذت فيه و
ابتدأت.
صحا-
الْأَنْفُ للإنسان و غيره. و أنف كلّ شيء: أوّله، و الاستيناف:
الابتداء، و
كذلك الايتناف. و قلت كذا آنفا و سالفا.
مفر- أصل
الْأَنْفُ الجارحة، ثمّ يسمّى به طرف الشيء و أشرفه، فيقال أنف الجبل و أنف
اللحية، و نسب الحميّة و الغضب و العزّة و الذلّة الى الأنف. و استأنفت الشيء:
أخذت أنفه أى مبدأه، و منه قوله عزّ و جلّ- ما ذا قالَ آنِفاً، أى مبتدأ.
مقا- أَنْفٌ: أصلان
منهما يتفرّع مسائل الباب كلّها: أحدهما- أخذ الشيء من أوّله. و الثاني أنف كلّ
ذى أنف. و قياسه التحديد. قال الخليل:
استأنفت كذا
أى رجعت الى أوّله، و مؤتنف الأمر: ما يبتدء فيه. و من هذا الباب قولهم: فعل كذا
آنفا، كأنّه ابتداؤه. و الأنف: معروف. و أنفت الرجل: ضربت أنفه، و أنف من كذا: فهو
من الأنف، كقولهم للمتكبّر: ورم أنفه. ذكر الأنف
162
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 163
دون سائر
الجسد لأنّه يقال شمخ بأنفه يريد رفع رأسه كبرا، و هذا يكون من الغضب. و أنف
الجبل: أوّله و ما بدا لك. و سنان مونّف: أى محدّد، و أنّفت السراج: أحددت طرفه و
سوّيته.
لسا- و في
حديث أبى بكر لعمر: فكلّكم ورم أَنْفُهُ، أى اغتاظ من ذلك،
لأنّ المغتاظ يرم أنفه و يحمّرّ. و منه حديث الآخر: أما أنك لو فعلت ذلك لجعلت
أنفك في قفاك، يريد أعرضت عن الحقّ و أقبلت على الباطل.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو ما يقابل في النظر اوّلا، يقال: جاءوا آنِفاً و من ذى أَنْفٍ: اى قبيلا،
و من ذى قبل. و من مصاديقه: الأنف من كلّ حيوان. و لمّا كان الأنف اوّل ما يبدو من
وجه الإنسان و الحيوان، و أنّه واقع في مقدّم الوجه: تستعمل في معنى الابتداء و
الأوّل و المقدّم و ما يظهر أوّلا و المقابل.
و باعتبار
ظهور اثر الغضب و الحميّة و الذلّة و الاعراض فيه ابتداء لأنّه اوّل ما يرى و
يطلع: تستعمل في قريب من هذه المعاني. و كلّ هذه المعاني لازم أن يراعى فيها قيد
التقدّم و الطلوع و خصوصيّة ما في الأنف، لا مطلق الابتداء و التقدّم و الاعراض و
الغضب.
وَ
الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ- 5/ 45.
يريد العضو
المخصوص.
ما ذا
قالَ آنِفاً- 47/ 16.
أى من أوّل
وقت يقرب منّا، و قبيل هذا.
163
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أنام ص : 164
أنام
مصبا- الْأَنَامُ: الجنّ و الانس، و قيل الْأَنَامُ: ما على وجه الأرض من جميع الخلق.
لسا- الْأَنَامُ: ما ظهر على الأرض من جميع الخلق، و يجوز في الشعر:
الأنيم. و قال المفسّرون في قوله عزّ و جلّ- وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ: هم الجنّ و الانس- بدليل- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، و لم يَجرِ للجنّ ذكرٌ قبل ذلك، و الجنّ و الانس هما الثقلان. قيل جاز مخاطبة الثقلين قبل ذكرهما معا لأنّهما ذكرا بعقب الخطاب.
البيضاوي- الآية- لِلْأَنامِ: للخلق، و قيل الأنام كلّ ذى روح.
الكشّاف- وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ: للخلق و هو كلّ ما على ظهر الأرض من دابّة. و عن الحسن: الإنس و الجنّ، فهي كالمهاد لهم يتصرّفون فوقها.
و التحقيق
أنّ هذه الكلمة تطلق على ذوى العقول من الإنس و الجنّ الساكنين على وجه الأرض، و لا تطلق على الجماد و النبات و الحيوان، فانّ الجمادات من أجزاء الأرض، و النبات و الحيوان قد خلقا للإنسان، و قد عدّت النباتات من لوازم الأرض و زينتها، حيث قال تعالى- فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ. ثمّ إنّه قد صرّح بعد بالنوعين- خَلَقَ الْإِنْسانَ ... وَ خَلَقَ الْجَانَ ... سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ... يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ- الرحمن/ 14- 33.
قال تعالى- وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ- 16/ 5.
و لا يخفى أن انتخاب كلمة الأنعام في مورد الحيوان: للإشارة الى أنّها من
164
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أنى ص : 165
النعم
الإلهيّة المهيّأة للإنسان.
أنى
مصبا- الْآنَاءُ على أفعال
هي الأوقات، و في واحدها لغتان: إنى بالكسر و القصر و أنى بفتحين. و تأنّى في
الأمر: تمكّث و لم يعجل، و الاسم منه الأناة وزان حصاة. و الْإِنَاءُ و الآنِيَةُ: الوعاء و
الأوعية وزنا و معنى، و الأَوَانِي جمع الجمع. و الإنى بالكسر: الإدراك و
النضج. و أنى الشيء أنيا من باب رمى: دنا و قرب و حضر، و أنى لك أن تفعل كذا: و
المعنى هذا وقته فبادر اليه- قال تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ. و قد قالوا آن لك
أن تفعل كذا أينا من باب باع:
بمعناه و هو
مقلوب منه. و آنيته بالمدّ: أخرّته، و الاسم الأناء كسلام.
صحا- أَنَى
يَأْنِي إِنًى: حان. و أنى أيضا: أدرك. قال تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ. و يقال أنى
الحميم: انتهى حرّه، و منه قوله تعالى- وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ. و آناه
يُؤنيه إيناء: أخّره و حبسه و أبطأه، و الاسم منه الأناء. و آناءَ اللَّيْلِ+: ساعاته،
واحدها إنى أو إنى أو إنو، يقال: إنيان من الليل و إنوان. و تأنّى في الأمر: ترفّق
و تنظّر. و استأنى به: انتظر، و الاسم الأناة، قال سيبويه: أصله الوناة مثل أحد و
وحد، من الونى، و رجل آن: كثير الحلم. و الإناء معروف.
مقا- أنى: له أربعة
اصول- البطؤ و ما أشبهه من الحلم و غيره، و ساعة من الزمان، و إدراك الشيء، و ظرف
من الظروف. فقال الخليل: الأناة الحلم، و الفعل منه تأنّى و تأيّى، و يقال للتمكّث
في الأمور: التأنّى. و الانى و الأنى ساعة من ساعات الليل، و الجمع آناء، و كلّ
إنى ساعة. و الإنى: الإدراك، و ما أنى لك و لم يان لك أى لم يحن. و استأنيت الطعام
أى انتظرت إدراكه، و أنى الماء المسخّن يأنى و حميم آن: قد انتهى حرّه. و الإناء
من الآنية.
165
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 166
مفر- أنى
الشيء: قرب إناه. و حَمِيمٍ آنٍ: بلغ إناه في شدّة
الحرّ، و منه قوله تعالى- مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ، و قوله
تعالى- أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ- أى ألم يقرب إناه. و يقال آنيت الشيء ايناءا: أخّرته عن
أوانه. و تأنّيت: تأخّرت. و تأنّى تأنّيا و أنى يأنى فهو آن: أى وقور. و استأنيته:
انتظرت أوانه، و يجوز بمعنى استبطأته. و استأنيت الطعام: كذلك. و الإناء: ما يوضع
فيه شيء.
لسا- أَنَى الشيءُ
يأنى أنيا و إنّى و أنى و هو أنىّ: حان و أدرك. الفراء:
ألم يأن و
ألم يئن و ألم ينل لك و ألم ينل لك، كلّ بمعنى واحد، أى حان لك. هل أنى الرحيل، أى
حان وقته. و الأنى: بلوغ الشيء منتهاه، و قد أنى يأنى: أدرك و بلغ. و إنى الشيء:
إدراكه و بلوغه. و الإناء: الّذى يرتفق به (اى ينتفع به) و هو مشتقّ من ذلك لأنّه
قد بلغ أن يعتمل بما يعانى به من طبخ أو خرز أو تجارة. و أنى الماء: قد سخن و بلغ
في الحرارة. و بلغ الشيء إنا، أى غايته، غير ناظرين إناه: أى نضجه و إدراكه و بلوغه.
و الأناة: الحلم و الوقار.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو البلوغ و النضج من جهة الوقت. و هذا المعنى يختلف بحسب
اختلاف الموارد و المفاهيم. كما في بلوغ وقت اشتداد الحرارة، و البلوغ في أوقات
الليل و ساعاته، و بلوغ مرتبة الحلم و الطمأنينة. و بلوغ وقت الاستفادة من الظروف،
و بلوغ وقت إدراك الطعام و الأكل منه.
و يؤيّد هذا
المعنى: ما يفهم من مادّة أين، أون، أنو.
أَ لَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ- 57/ 16.
أى أ لم يبلغ
وقت خشوع قلوبهم في مقابل العظمة للّه تعالى.
يَطُوفُونَ
بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ- 55/ 44.
بين جهنّم و
بين ماء حارّ في الغاية أو مطلق الحميم الّذى بلغ الى حدّ نهايته في
166
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أنى ص : 167
الحرارة.
تُسْقى
مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ 88/ 5.
عين بلغت و
كملت وقت حرارتها.
إِلَّا
أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ- 33/ 53.
غير منتظرين
بلوغ الطعام و نضجه في وقت مخصوص.
يَتْلُونَ
آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ- 3/ 113.
وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ
فَسَبِّحْ- 20/ 130.
أَمَّنْ
هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ- 39/ 9.
أى الليل إذا
كملت ساعاته و بلغت اجزاؤه الى حدّ الكمال و نهاية الظلمة و السكوت و تحقّقت حقيقة
الليليّة.
يُطافُ
عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ- 76/ 15.
بظروف بلغت
حدّ الكمال و انتهت الاستفادة منها الى وقت الغاية.
ففي كلّ من
هذه الموارد قد أخذ قيد البلوغ بحسب الموضوع و قيد الوقت و هذا هو الفارق بينها و
بين- الأوقات، الظروف.
فقد اتّضحت
اللطائف في انتخاب هذه المادّة في هذه الموارد.
و لا يخفى ما
فيما بين هذه المادّة و كلمة- أنّى و إنّ، من التناسب.
أنّى
مصبا- أَنَّى: استفهام عن
الجهة، تقول أنّى يكون هذا، أى من أىّ وجه و طريق.
كليا- أَنَّى: استفهاميّة
بمعنى كيف نحو أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها. أو بمعنى
أين نحو أنّى لك هذا، و ترد أيضا بمعنى متى و حيث. و يحتمل الكلّ قوله تعالى
167
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 168
- فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ، لكن لمّا كانت كلمة أنّى مشتركة في معنى كيف و أين، و أشكل الإتيان في الآية: تأمّلنا فيه فظهر أنّه كيف، بقرينة الحرث.
و التحقيق
أنّ هذه الكلمة تدلّ على الاستفهام في مقام التحقيق في مورد يناسب الزمان و الوقت، و قد وردت في القرآن المجيد في 28 موردا و هذا المعنى هو الأنسب في جميعها.
نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ- 2/ 223.
كيف و في أىّ زمان شئتم؟
أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها- 2/ 259.
كيف و في أىّ وقت يحييها اللّه؟
أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ+- 3/ 40.
كيف و متى يكون لي غلام؟
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ+- 35/ 3.
ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ- 10/ 34.
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ- 23/ 89.
فكيف و متى تؤفكون و تسحرون و تصرفون.
قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ- 3/ 37.
كيف و متى تهيّأ هذا الرزق و حضر عندك.
أهل
صحا- أَهْلٌ: أَهْلُ الرجل و أَهْلُ الدارِ، و كذلك الأَهْلَةُ، و الجمع أَهْلَاتٌ
168
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 169
و أَهَالٍ، و زادوا
فيه على غير قياس كما في الليالي، و منزل آهِلٌ: أى به أهله، و فلان
أهل لكذا و لا تقل مُسْتَأْهِلٌ. و العامّة تقول: أَهَلَ
يَأْهِلُ أُهُولًا: تزوّج، و كذلك تأهّل، و مرحبا و أهلا: أى أتيت سعة و
أتيت أهلا فاستأنس و لا تستوحش.
مقا- أَهْلُ الرجل: زوجه.
و التأهّل التزوّج. و أهل الرجل: أخصّ الناس به، و أهل البيت سكّانه، و أهل
الإسلام من يدين به، و جمع الأهل أهلون و الأهالى جماعة الجماعة، و كلّ شيء من
الدوابّ و غيرها إذا ألف مكانا فهو آهل و أهلىّ. و أهلك: زوّجك.
مصبا- أَهَلَ المكانُ
أُهُولًا من باب قعد: عُمِرَ بِأَهْلِهِ، و قَرْيَةٌ آهِلَةٌ:
عَامِرَةٌ. و
أهلت بالشيء: آنست به. و أهل الرجل يأهل أهولا: إذا تزوّج، و تأهّل كذلك، و يطلق
الأهل على الزوجة، و الأهل: أهل البيت، و الأصل فيه القرابة، و قد اطلق على
الأتباع، و أهل البلد من استوطنه، و أهل العلم: من اتّصف به.
و التحقيق
أنّ المعنى
الحقيقىّ لهذه المادّة: هو تحقّق الانس مع الاختصاص و التعلّق.
ثمّ إنّ لهذا
المعنى مراتب سعة و ضيقا، فالزوجة و الأبناء و البنات و الأحفاد و الأصهار كلّهم
من الأهل، و كلمّا يشتدّ التعلّق و يزداد الاختصاص: يقوى عنوان الأهليّة، فقد يكون
واحد من المرتبة المتأخّرة أقرب و أولى من الآخر المتقدّم، و قد ينفى عنوان
الأهليّة عمّن ينتفي فيه التعلّق و التوافق و الاختصاص- إِنَّهُ لَيْسَ
مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ.
و قد تتّسع
دائرة الأهل باختلاف الموارد و الأغراض و المقامات.
قالُوا أَ
تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ
الْبَيْتِ- 11/ 73.
يراد من أهل
البيت: ابراهيم (ع) و زوجته.
169
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 169
فَقالَتْ
هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ 28/ 12.
يراد من في
بيت عمران، من الأب و امّ موسى و غيرهما.
لِيُذْهِبَ
عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ 33/ 33.
يراد من
كانوا مخاطبين حين نزول الآية، كما في الآيتين، و هم الخمسة النجباء المعصومون
الّذين استقرّوا تحت الكساء بأمر من رسول اللّه (ص).
و لا يخفى
أنّ كلمة [أهل البيت] مركّبة: يراد بها البيت المصطلح في علم الرجال، و يعبّر عنه
بالفارسيّة بكلمة- خانواده، و ليست بتقدير كلمة اخرى مضافة اليها، كما توهّمها بعض
المفسّرين، ففسّروها بقولهم- أهل بيت رسول اللّه.
و الحذف و
التقدير خلاف الأصل في الكلام الفصيح، مع أنّ ظاهر إطلاق [أهل بيت الرسول] عدم
شمولها لنفس الرسول، و كذا في الآيتين- بالنسبة الى عمران و إبراهيم (ع).
و سيجيء أنّ
حقيقة معنى البيت هي المأوى و المآب و مجمع الشمل ليلا.
و أمّا
التناسب بين آية التطهير و ما قبلها و بعدها، من نزولها في نساء النبىّ (ص): فانّ
الجامع بينها كونها مربوطة الى أهل البيت (خانواده) بمعناها العرفىّ الظاهرىّ
العمومىّ، و هذه الآية بقرينة نزولها في الخمسة أهل الكساء: تثبت أنّ مصداق أهل
البيت الخاصّة بحكم التطهير منحصر في الخمسة. و هذا الترتيب و ذكر هذه الآية
الشريفة فيما بين تلك الآيات للاشارة الى أنّ اهل البيت الّذين يجب اتباعهم و
ينبغي أن يكونوا قدوة للناس هم الخمسة، و النساء خارجات عنها- راجع البيت.
يا أَهْلَ الْكِتابِ
لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ- 5/ 68.
فانّ التعلّق
بالكتاب و الاختصاص به و الانس يقتضى العمل به و إقامته.
وَ
لْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ- 5/ 47.
بمقتضى مفهوم
الأهليّة.
170
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أوب ص : 171
و هذا المعنى
محفوظ في جميع موارد استعمال هذه الكلمة.
أَهْلَ الْقُرى+ ...، أَهْلِ الْمَدِينَةِ+ ...، أَهْلَ الذِّكْرِ+، أهل هذه
المدينة، أَهْلِ مَدْيَنَ+ ...، أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ+ ...، أَهْلَ يَثْرِبَ ...، أَهْلِ النَّارِ ...، أَهْلُ
التَّقْوى ...، أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ...، أَهْلِكَ+ ...،
بِأَهْلِكُمْ ...، أَهْلَنا+ ...، أَهْلَهُ+ ...، أَهْلِي+ ...، أَهْلِها+.
فخصوصيّات
الأهل صفة و عملا و عقيدة و سلوكا و أدبا و معرفة و مقاما و شأنا: تختلف باختلاف
المضاف اليه من هذه الجهات.
فَابْعَثُوا
حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها- 4/ 35.
حتى يكون
الحَكَمانِ في أثر كمال التعلّق و الاختصاص، مطّلعين عن مبدأ اختلافهما و عالمين
بصلاح أمرهما و متوجّهين الى حكمهما فيهما قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ
أَهْلِيكُمْ ناراً- 66/ 6.
بمناسبة شدّة
الاختصاص كلّفوا بها.
شَغَلَتْنا
أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا- 48/ 11 صيغة الجمع- أَهْلُونَ و أَهْلِينَ،
باعتبار الضمير.
أوب
مصبا- آبَ من سفره يَؤُوبُ
أَوْباً و مَآباً: رجع، و الإِيَابُ اسم منه، فهو آئِبٌ. و آبَ الى
اللّه تعالى: رجع عن ذنبه. و تاب فهو أَوَّابٌ مبالغة. و آبَتِ
الشمس: رجعت من مشرقها فغريت. و التَّأْوِيبُ مسير الليل. و جاءوا
من كلّ أوب: من كلّ مرجع أى فجّ.
مقا- أَوْبٌ: أصل واحد و
هو الرجوع. ثمّ يشتقّ منه ما يبعد في السمع قليلا، و الأصل واحد. قال الخليل: آبَ
فلان الى سيفه: ردّ يده ليستلّه. و الْأَوْبُ:
ترجيع الأيدى
و القوائم في السير. و التَّأْوِيبُ: التسبيح- يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ. و
171
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 172
الْإِيَابُ: الرجوع
أَيَّ وقتٍ رجع و لكنّ اكثر ما يجيء بالليل. و الْمَآبُ: المرجع و
يسمّى مخرج الدقيق من الرحى المآب لأنّه يؤوب اليه ما كان تحت الرحى. و آبت الشمس:
إذا غابت.
الفائق- هم
التوّابون: الراجعون عن المعاصي. و الأوب و التوب و الثوب أخوات.
مفر-
الْأَوْبُ: ضرب من الرجوع، و ذلك أنّ الأوب لا يقال إلّا في الحيوان الّذى له
إرادة، و الرجوع يقال فيه و في غيره، يقال: آب أوبا و إيابا و مآبا. و المآب مصدر
منه و اسم الزمان و المكان- وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. و
الْأَوَّابُ كالتوّاب، و هو الراجع الى اللّه تعالى بترك المعاصي و فعل الطاعات.
لسا- أوب: و
أوّب و تأوّب و أيّب كلّه رجع. و آب الغائب يؤب مآبا:
إذا رجع. و
قوله عزّ و جلّ- يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ، و يقرأ
أوبى معه. أَوِّبِي أى سبّحى معه و رجّعي التسبيح، لأنّه قال:
سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ. و أوبى أى عودي معه في التسبيح كلّما
عاد فيه، و المآب: المرجع. و اتَّابَ افتعل: مثل آب. و أَوَّابٌ: كثير
الرجوع الى اللّه عزّ و جلّ من ذنبه.
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في المادّة: هو الرجوع، و النظر فيه الى التوجّه الى جهة المرجع، أى
الملحوظ فيه جهة السير الى المرجع، كما أنّ الملحوظ في التوبة: جهة الرجوع عن
شيء.
وَ اللَّهُ
عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ- 3/ 14.
اى الرجوع
الحسن.
إِنَّ
جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ مَآباً- 78/ 22.
مكان الرجوع
لهم.
172
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أود ص : 173
نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ+ 38/ 30.
شديد الرجوع و التوجّه الى اللّه تعالى.
إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ 88/ 25.
أى رجوعهم و توجّهم و سيرهم.
يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ- 34/ 10.
أى رجعي التسبيح و الذكر معه.
ثمّ إنّ الرجوع اليه باعتبار الانصراف عن عالم المادّة و الظلمة و الطبيعة و العلائق، و التوجّه الى عالم النور و الروحانيّة و التجرّد.
أود
مصبا- آدَهُ يَؤُودُهُ أَوْداً: أثقله، فَانْآدَ وزان انفعل: ثقل به. و آدَهُ أَوْداً:
أعطفه و حناه.
مقا- أَوْدٌ: أصل واحد، و هو العطف و الانثناء. أُدْتُ الشيء: عطفته. و تأوّد النبت مثل تعطّف و تعوّج. و الى هذا يرجع آدَنِى الشيء يَؤُودُنِي: كأنّه ثقل عليك حتّى ثنّاك و عطفك.
صحا- أَوِدَ الشيءُ بالكسر يَأْوَدُ أَوْداً: اعوجّ. و تأوّد: تعوّج. و آدنى يؤودنى أودا: أثقلنى، فهو مَؤُودٌ مثل مقول، يقال: ما آدك فهو لي آيد. و آده أيضا: حناه و عطفه، و أصلهما واحد.
و التحقيق
أنّ الأصل الواحد في المادّة. هو الخروج عن الاعتدال و الحالة الطبيعيّة المستقيمة.
173
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أول ص : 174
و من مصاديقه:
الاعوجاج، و الانحناء، و العطف، و التثقّل، و الانثناء.
وَ لا يَؤُدُهُ
حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ- أى لا يَعطفه و لا يؤثّر فيه انحناء
و ثقلا و انعطافا حتّى يوجب ضعفه في قبال الحفظ.
أول
مصبا- آلَ الشيء يَؤُولُ
أَوْلًا و مَآلًا: رجع. و الموئل: المرجع وزنا و معنى.
و
الأَوَّلُ: مفتتح العدد و هو الّذى له ثان، و يكون بمعنى الواحد، و المؤنّثة
الْأُولَى، و تجمع الاولى على الأُولَيَاتِ و
الْأُوَلُ. و وزن أوّل من آلَ يَؤُولُ و الأصل أءول قلبت الهمزة الثانية واوا.
مقا- أَوْلٌ: أصلان
ابتداء الأمر و انتهاؤه. أمّا الأوّل.: فهو مبتدأ الشيء، و المؤنّثة الاولى مثل
أفعل و فعلى، و جمع الأُولَى أُولَيَاتٌ مثل الاخرى. و آل الشيء يئول:
رجع، أوّل الحكم الى أهله: أرجعه و ردّه اليهم. و الإِيَالَةُ: السياسة،
من هذا الباب، لأنّ مرجع الرعيّة الى راعيها. آل الرجل رعيّته يؤولها: إذا أحسن
سياستها. و من هذا الباب: تأويل الكلام، و هو عاقبته و ما يؤول اليه.
صحا- أَوَّلَ:
التَّأْوِيلُ تفسير ما يؤول اليه الشيء، و قد أوّلته تأويلا و تأوّلته تأوّلا:
بمعنى. و قال: في وأل: و الأوّل: نقيض الآخر، و أصله أوءل قلبت الهمزة واوا و
أدغمت. و قال قوم أصله و وأل على فوعل فقلبت الواو الاولى همزة.
مفر-
التَّأْوِيلُ من الأوّل أى الرجوع الى الأصل. و الأول: السياسة الّتى تراعى
مالها. و الأوّل هو الّذي يترتّب عليه غيره، و يستعمل في المتقدّم بالزمان أو
بالرئاسة أو بالوضع و النسبة أو بالنظام الصناعى، و هو الأوّل أى لم يسبقه في
الوجود شيء. و أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ+، و أَوَّلَ كافِرٍ: أى من
يقتدى به.
174
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 175
و التحقيق
أنّ الأصل
الواحد في هذه المادّة: هو التقدّم بحيث يترتّب عليه آخر، و التَّأْوِيلُ: جعل شيء
متقدّما حتّى يترتّب عليه آخر، و هو أعمّ من المادّىّ و المعنوىّ.
و يؤيّد هذا
المعنى استعماله في قبال الآخر- هُوَ الْأَوَّلُ وَ
الْآخِرُ. و هذا المعنى منظور في جميع مشتّقاتها الأوّل، الاولى، الأوّلين،
التأويل- في القرآن الكريم، راجع موارد استعمالاتها.
و يؤيّد هذا
المعنى قربها من مادّة- أوب، أوى.
أُسِّسَ
عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ- 9/ 108.
حتّى يكون
أساسا يبنى عليه.
هُوَ
الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ- 57/ 3.
أى البدء
المقدّم مبتنى عليه غيره.
إِنَ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ- 3/ 96.
ثمّ تلحقه
بيوت آخر.
وَ
السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ- 9/ 100.
الذين
ابتدأوا في قبول الإسلام أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ+- 37/ 17.
الّذين هم
المتقدّمون المقتدون.
إِلَّا
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ+- 6/ 25.
ثمّ أخذ من
أساطيرهم المتأخّرون.
مِنْ
بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى- 28/ 43.
فتكون عبرة
للّاحقين.
وَ
يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ- 12/ 6.
175
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
آل ص : 176
حقايق
معانيها المقصودة.
تَأْوِيلُ رُءْيايَ
مِنْ قَبْلُ 12/ 100.
المنظور
الّذى يقصد و يتوجّه اليه.
تَأْوِيلُ ما لَمْ
تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً- 18/ 82.
مرجعها الّذى
ينتهى اليه العمل.
وَ ما
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ- 3/ 7.
حقيقته
المقصودة المنظورة المتقدّمة رتبة و معنى، يترتّب عليها الآثار.
فظهر أنّ
اطلاق كلمة الأوّل على مفتتح العدد أو المبتدإ أو المتقدّم: بلحاظ وجود القيدين و
من جهة كونها مصداق الأصل و كذلك اطلاق كلمة التأويل على المعنى الغائىّ و منتهى
المقصود.
و الفرق بين
التفسير و التأويل، أنّ التفسير هو البحث عن مدلول اللفظ و ما يقتضيه ظاهر التعبير
أدبا و التزاما و عقلا. و أمّا التأويل: فهو تعيين مرجع اللفظ و المراد و المقصود
منه، و قد يخفى المراد على الناس و لا يدلّ عليه ظاهر اللفظ، فهذا يحتاج الى
الاطّلاع بالمقصود و المراد من اللفظ- وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا
اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.
ثمّ إنّ
الأوّل من الأسماء الحسنى، و يراد منه التقدّم على الإطلاق ذاتا في قبال قاطبة
الموجودات و العوالم، بحيث يترتّب عليه جميع مراتب الوجود، و ليست هذه العوالم
المتأخّره غيره تعالى، بل هو الآخر أيضا في الحقيقة.
آل
صحا- آلُ الرجل: أهله
و عياله، و آلُهُ ايضا: أتباعه. و الآلَةُ: الأداة و الجمع
الْآلَاتُ. و الآلة أيضا واحدة الآل. و الآلة: الحالة و الجمع آل.
176
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
و التحقيق ص : 177
مقا- و آل الرجل: أهل
بيته من هذا أيضا [أى من الأوّل و الرجوع] لأنّه اليه مآلهم و اليهم مآله. و آل
الرجل: شخصه من هذا أيضا. و كذلك آل كلّ شيء، و ذلك أنّهم يعبّرون عنه بآله، و هم
عشيرته، يقولون آل أبى بكر و هم يريدون أبا بكر.
مصبا- و الآلُ: أهل الشخص
و هم ذو و قرابته، و قد اطلق على أهل بيته و على الأتباع، و أصله عند بعض أول:
تحرّكت الواو و انفتح ما قبلها فقبلت ألفا مثل قال، و قال بعض: أصله أهل لكن دخله
الإبدال، و استدلّ عليه بعود الهاء في التصغير فيقال أهيل.
و التحقيق
أنّ هذه
الكلمة مشتقّة من الأول بمعنى التقدّم و ترتّب الغير عليه. و بلحاظ هذا المعنى
تطلق على عدّة يرجع نسبهم أو عنوانهم أو طريقتهم أو دينهم الى شخص، فتضاف اليه،
فيقال: آلُ يعقوب، آلُ النبىّ، آل فرعون،
آل موسى.
و يختلف
مفهومه سعة و ضيقا باختلاف هذه النسبة، و قد يتعيّن مفهومه بالقرائن كلاما أو
مقاما أو خارجا.
فَأَنْجَيْناكُمْ
وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ- 2/ 50.
أى من يتّبعه
و يعينه.
وَ لَقَدْ
أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ- 7/ 130.
أى رعيّته
التابعين له.
و كذلك من
جهة سعة المفهوم:
كَدَأْبِ آلِ
فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ+- 8/ 52.
فَقَدْ
آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ- 4/ 54.
و قوله
تعالى: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ ...، إِنَ
177
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1
أو ص : 178
اللَّهَ
اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ
عَلَى الْعالَمِينَ ...، وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ
يَعْقُوبَ ...، اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً- 34/ 13.
و لا يبعد أن
نقول: إنّ القدر المسلّم من مفهوم الآل، هو أهل بيت الرجل، ثمّ يوسّع بالقرائن
فيطلق على ذوى قرابته ادعاء بانّهم من أهل بيته، ثمّ يوسّع فيطلق على مطلق الأتباع
له، فالتوسعة محتاجة الى القرينة.
فإذا لم تكن
قرينة في المورد: فيحمل على القدر المتيقّن.
أَللَّهُمَّ
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ.
فالتصلية و
التسليم و التحيّة و ذكرهم عقب ذكر الرسول (ص) قرائن لإختصاص الآل، و إن قلنا
بفقدان القرائن و عدم دلالتها: فهم القدر المسلّم و المصداق المتيقّن، فَالْآلُ المخصوص هم
أهل الكساء الّذين عرّفهم رسول اللّه (ص).
فالقيد في
مفهوم الأهل: هو الانس. و في الآل: هو الرجوع و الاتّكاء. و أمّا اشتقاق أحدهما عن
الآخر: فغير معلوم.
نعم بين هذه
الكلمات اشتقاق أكبر.
أو
الكافية-
العاطفة: و أَوْ، و إمّا، و أم، لأحد الأمرين مبهما.
مصبا- أَوْ: لها معان-
الشكّ و الإبهام نحو رأيت زيدا أو عمروا، و الفرق أنّ المتكلّم في الشكّ لا يعرف
التعيين و في الإبهام يعرفه لكنّه أبهمه على السامع لغرض الإيجاز أو غيره. و
ا