×
☰ فهرست و مشخصات
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

المقدمة ص : 5

الجزء الأول‏

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ+

 [المقدمة]

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ‏ ... الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ+، و الصلوة و السّلام على أشرف بريّته خاتم النبيّين أبي القاسم محمّد و آله الطاهرين.

رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.

و بعد: فلمّا كانت الاستفادة من الحقائق و المعارف و الأحكام و الآداب من القرآن المجيد، متوقّفةً على فهم مفردات كلماته على وجه التدقيق و التحقيق:

فيلزم علينا أن نجهد في إدراك حقائق تلك الكلمات و اللغات، و التمييز بين مفاهيمها الحقيقيّة و المجازيّة.

و كانت الكتب المؤلّفة في لغات العرب مختلفة، و أكثرها ما ألّفت و الغرض فيها جمع الأقوال و الاشارة الى مطلق موارد الاستعمال بأيّ وجه كان، فهذه الكتب لا تغني من الحقّ شيئاً، و لا تزيد إلّا ضلالًا و تحيّرا في كلمات اللّه تعالى.

و من فضل اللّه المتعال و تأييده: أن وفّقنى لتأليف هذا الكتاب الشريف بهذا المنظور، و على هذه الخصوصيّات:

1- اعتمدنا في نقل اللّغات على كتب الّفت على مبنى الدقّة و تمييز الحقيقة و النُّكْتَة و التحقيق و إيراد الصحيح، كالصحاح و المقاييس و الاشتقاق و المصباح و

5
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

المقدمة ص : 5

التهذيب و الجمهرة و العين و أمثالها.

2- و نقلنا عمّا يقرب منها في الدقّة و التحقيق، تأييدا و توضيحا، كالأساس و الفائق و المفردات و اللسان.

3- رمزنا عن الكتب الّتى ننقل عنها كثيرا، للاختصار، و أشرنا اليها في آخر الكتاب.

4- و كان نقلنا عن الكتب بمقدار حاجتنا من دون تغيير و زيادة، و أسقطنا منها ما لم تمسّ الحاجة اليه.

5- و كتبنا ما ننقل من كلمات القوم بخطّ النسخ: و ما يضاف إليها و يلحق بها من التوضيح و التحقيق و التفسير بخطّ النستعليق. في الطبعة الاولى، و ميزّنا بينهما بعلامات في الطبعة الثانية.

6- و احترزنا في التعليق و البيان عن التطويل، و عن نقل ما هو خارج عن موضوع بحثنا، و عن المكرّرات.

7- و كان اعتمادنا في تعيين الآيات على كتاب المعجم المفهرس، في أكثر الموارد، و قد نقلنا عن سائر، المصاحف المصريّة في بعض الموارد.

8- و لم يكن غرضنا من تأليف هذا الكتاب: إلّا التحقيق و الكشف عن المعاني الحقيقيّة للكلمات، و اجتهدنا غاية الاجتهاد و بذلنا نهاية وسعنا و استمددنا من الآيات الكريمة، و تعرّضنا للفيوضات الإلهيّة و الإلهامات الربّانيّة فيها، فنحمد اللّه تعالى على ما هدانا و ألهمنا. وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ‏ العزيز الحكيم.

9- و لمّا تبيّن الحقّ في كلمة: طبقناه على موارد استعمال تلك الكلمة في الآيات الكريمة، ليظهر الحقّ و يزهق الباطل.

10- و إذا ظهر الأصل الواحد في مادّة: أرجعنا سائر المعاني المجازيّة و المستعملة اليه، و بيّنا وجه المناسبة بينها.

11- و حيث تبيّن الحقّ: لم نتعرّض لما في كتب اللغة و التفسير و الأدب‏

6
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

المقدمة ص : 5

من جهات الضعف و الوهن و الانحراف.

12- و في إثر هذه الدقّة و التحقيق: قد اتّضحت حقائق لامعة و معارف حقّة و لطائف شريفة و أسرار مكنونة قد خفيت على اكثر المفسّرين و اشتبهت عليهم.

و الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ‏ ...، وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ‏.

الطبعة الاولى- طهران- 1393 ه. ق.

حسن المصطفوي‏

7
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

«تنبيه و اعتذار» ص : 8

 «تنبيه و اعتذار»

لمّا كانت كتابة هذه المجموعة و تأليفها مسودّة و مبيضّة، في نسخة واحدة و ذلك لضيق المجال، فنرجو من إخواننا الكرام الفضلاء أن يسامحونا فيما يرون فيها من وهن أو خطأ في كتابة أو عبارة.

ثمّ جدّدنا النظر في الجملة، و أصلحنا ما كان محتاجا الى الإصلاح و التغيير في الطبعة الثانية. و نرجو إتمام الإصلاح بنظر الأفاضل الكرام من المحقّقين.

المؤلّف‏

 [ملاحظات‏]

و يلزم علينا أن نشير الى مطالب لا بدّ من التوجّه اليها في مطالعة هذا الكتاب، و هي امور:

1- إنّ الترادف الحقيقيّ بمعنى توافق اللفظين في معنى واحد من جميع الخصوصيّات: غير موجود في كلمات العرب، و لا سيّما في كلمات القرآن الكريم. و لكلّ من الألفاظ المترادفة ظاهرا خصوصيّة يمتاز بها عن نظائرها. و قد أشرنا الى تلك الخصوصيّات الفارقة في ضمن كلّ لغة إجمالًا.

2- موادّ الألفاظ و هيئاتها توجبان خصوصيّة و امتيازا في معانيها و لا يبعد أن ندّعى بأنّ دلالة الألفاظ ذاتيّة في الجملة، و إن عجزت أفهامنا عن إدراكها تفصيلا، كما أنّ اختلاف الأشكال و ظواهر الأبدان يدلّ على اختلاف البواطن و

8
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ملاحظات ص : 8

الصفات، و إن لم ندركها بحقائقها، و يشهد على ذلك علم القيافة و الفراسة و خطوط الكفّ.

3- الاشتراك اللفظيّ بمعنى كون لفظ مشتركا بين معنيين أو معاني بنحو الدلالة الحقيقيّة و عند قوم معيّن: غير موجود في كلمات العرب، و لا سيّما في كلمات القرآن الكريم. و كلّما يدّعى كونه منه إمّا من باب الاشتراك المعنويّ، أو من باب الاستعمال في المصاديق و هذا هو الأغلب، أو مأخوذ من لغة اخرى و الغالب فيها هو العبرىّ ثمّ السريانىّ، أو منقول عن قوم آخرين و مستعمل عندهم.

4- و لمّا كان استعمال الكلمات في القرآن الحكيم بقيد الحكمة و التوجّه الى خصوصيّات الكلمة و اللطائف المخصوصة بها، بحيث إن وضعت كلمة اخرى أيّ كلمة مكانها فاتت تلك الخصوصيّة: فلا يجوز التسامح في بيان معانيها و الاكتفاء فيها على شاهد من كلمات العرب في الجملة، مع أنّ المجاز متداول في جميع اللغات إن لم يكن غلطا، و لا سيّما في الأشعار فإنّ التقيّد بوزن مخصوص و قافية معلومة يوجب التسامح في استعمال الكلمات، حتّى يرتفع المضيق و الاضطرار في الوزن.

5- فظهر أنّ استعمال كلمة في معنى، في كلمات اللّه و لا سيّما في القرآن الحكيم الوارد على سبيل الإعجاز: دليل على الحقيقة، و لا يعارضها ما في معاني كلمات العرب من شعرهم أو نثرهم، فانّ التجوّز فيها شايع كثير، و إنّهم يتسامحون في اطلاق الكلمات بأيّ علاقة. نعم يستنتج من استقصاء الاستعمال في كلماتهم و التحقيق من موارده، تعيين الحقيقة و الأصل الواحد في الكلمة حتّى يرجع اليها سائر المعاني المناسبة.

6- و مراجع تحقيقنا في استخراج الأصل الواحد في كلّ كلمة: الكتب المستندة المعتبرة المؤلّفة في القرون الأوّليّة على هذا الترتيب:

فأوّلًا- التهذيب لأبي منصور الأزهرىّ- 282- 370 ه، و العين للخيل المتوفّى سنة 175- ه.

9
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

البحث في بعض موضوعات مذكورة في الكتاب ص : 10

و ثانيا- معجم مقاييس اللغة لابن فارس المتوفّى 395 ه.

و ثالثا- الجمهرة، و الاشتقاق لابن دريد- 223- 321 ه.

و رابعا- صحاح اللغة للجوهريّ، و مصباح اللغة للفيّومى.

و خامسا- أساس البلاغة، و الفائق للزمخشريّ المتوفّى 583- ه.

و سادسا- لسان العرب لابن منظور 630- 711 ه.

و سابعا- المفردات للراغب الاصبهانيّ المتوفّى 565 ه.

ثمّ استفدنا في مقام طلبتنا عن سائر كتب اللغة: كفروق اللغة للعسكرىّ، و كتاب الأفعال لابن القطّاع، و كليّات أبى البقاء الكفويّ، و المعرّب من الكلام للجواليقيّ، و فقه اللغة للثعالبيّ، و غيرها كالقواميس العبريّة و غيرها.

7- و قد نقلنا من هذه الكتب ما يفيد في تحصيل غرضنا و استنتاج مقصدنا، و مقدار ما يلزم نقله في إفادة المطلوب، أو ما فيه فائدة أدبيّة مربوطة، و لم نلتزم نقل جميع ما في الباب، و لا سيّما من المفصّلات كالتهذيب و اللسان، و لكنّا نقلنا منها عين ألفاظها و عباراتها من دون تحريف و تبديل و تغيير و زيادة.

8- و قد استفدنا في كلّ كلمة بعد مراجعة تلك الكتب: عن موارد استعمال الكلمة في القرآن الحكيم، و كان هذا النظر هو المهمّ المنتج، و لا عجب فيه فانّه كلام اللّه العزيز العليم، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ‏ تنزيل من ربّ حكيم عظيم.

9- و استفدنا من كتب الأدب و الإعراب و الاشتقاق للعلماء المتقدّمين كأدب الكاتب و الكافيّة و الشافيّة و كتب الزمخشري و الكتاب لسيبويه و أشباهها، و لا سيّما في الاشتقاق من المشتقّات و المقالات للعلّامة المحقّق التبريزي رضوان اللّه عليه.

10- فليراجع في معاني الهيئات الى فهرس المجلّد الأوّل و سائر المجلّدات.

 [البحث في بعض موضوعات مذكورة في الكتاب‏]

و قد سأل منّى بعض فضلاء الأصدقاء المعظّمين أن أشرح لهم بعض‏

10
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الأول - الاشتقاق ينقسم على أقسام: ص : 11

موضوعات مذكورة في الكتاب، و أوضح بعض مطالب من مبانى مخصوصة في هذا التأليف، فامتثلت أمره و أنجحت مأموله و أجبت مسؤوله بقدر الميسور، و منه التأييد.

الأوّل- الاشتقاق ينقسم على أقسام:

1- الاشتقاق الصغير أو الأصغر-

هو أن يشتمل الفرع على أصول حروف الأصل مع محفوظيّة الترتيب بينها، كاشتقاق الأفعال و الصفات عن المصدر، كما في الضرب و ضرب و يضرب و اضرب و ضارب.

2- الاشتقاق الكبير،

و قد يعبّر عنه بالصغير: و هو أن يشتمل الفرع على اصول الأصل فقط و لا يلاحظ فيه ترتيب الحروف، كما في حمد و مدح، و جذب و جبذ، و غرد و رغد.

3- الاشتقاق الأكبر،

و قد يعبّر عنه بالكبير: و هو ما لا يشتمل على شي‏ء منهما، فليست حروف الأصل مضبوطة في الفرع و لا محفوظة الترتيب، و لكن يوجد تناسب بينهما في اللفظ و المعنى، كما في خبت و خبط و خفت و خفي و خبل، فيستفاد منها مفهوم الانخفاض. و هكذا في الغور و الغوض و الغوص و الغوط و الغيب، فيستفاد منها مفهوم الدخول و الورود.

و البحث في علم الصرف إنّما هو في الاشتقاق الصغير.

4- الاشتقاق الانتزاعىّ:

و هو اشتقاق عن موادّ جوامد تعتبر فيها جهة حدث انتزاعيّة في جهة من الجهات توجب صحّة الاشتقاق منها، كالخروج عن شي‏ء، و الورود و الدخول فيه، و العروض لشي‏ء، و الاتّصاف به.

و القاعدة الكليّة في جعل مصدر انتزاعيّ: هو إلحاق ياء مشدّدة مع هاء المصدريّة في آخر الكلمة، و تفيد حينئذ انتساب شي‏ء الى نفسه، و بذلك تخرج عن الجمود و يتحصّل في مفادها تحليل و تفكيك، كالرجليّة.

فهذه أنحاء الاشتقاق، و في التوجّه اليها، و ملاحظة خصوصيّة كلّ منها: تأثير كلّىّ في معرفة حقائق المعاني، و لا يتمّ الوصول إليها إلّا بالاطلاع التامّ و المعرفة

11
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الثاني - الأصل الواحد: ص : 12

الكاملة بخصايصها و آثارها.

فيلزم لمن يريد السلوك في هذه المرحلة: أن يعرف خصوصيّات كلّ نوع من أنواع الاشتقاق و أن يتوجّه الى خصوصيّات الصيغ و معانيها.

الثاني- الأصل الواحد:

الأصل الواحد هو المعنى الحقيقىّ و المفهوم الأصيل المأخوذ في مبدأ الاشتقاق، الساري في تمام صيغ الاشتقاق.

و ممّا ينبغي أن يتوجّه اليه: أنّ مفاهيم صيغ المشتقّات لا يصحّ أن يكون مخالفا أو ضدّا أو مغايرا هذا الأصل الواحد الثابت الأصيل، فانّ تطوّر الهيئات و اختلافها لا يوجب تغايرا و اختلافا في أصل المعنى الحقيقي، و إنّما يضاف إلي ما يستفاد من تطوّر الهيئة.

و قد أشرنا الى خصوصيّات معاني الهيئات المشتقّة في خلال المجلّد الأوّل و سائر المجلّدات.

و هذا المعنى أصل مسلّم قطعىّ لمن يريد التحقيق في تعيين الأصل الواحد، و ردّ جميع مشتقّات الكلمة و فروعها الى ذلك الأصل، و قد خفي هذا المعنى على أغلب أهل التأليف من اللغويّين و الأدباء و المفسّرين.

و أمّا تعيين الأصل الواحد و انتخابه في كلمة:

فأوّلا- بالمراجعة الى كتب في اللغة تتعرّض و تتوجّه الى المعاني الحقيقيّة، و تميّزها عن المجازيّة و لو إجمالًا، كما في مقاييس اللغة و أساس البلاغة.

و ثانيا- بالمراجعة الى معاني اللغة في المعاجم المعتبرة و تمييز ما هو الغالب و الشائع استعمالا في صيغة المشتقّة و ما يكون مرادا عند الإطلاق.

و ثالثا- بالمراجعة الى جميع موارد استعمالها و استقصاء معانيها، ثمّ استخراج ما هو الجامع بينها و الضابط لها و ما يناسب كلّا منها.

و رابعا- بالمراجعة الى كلمات يراد فيها ظاهرا و التمييز بينها و تعيين‏

12
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الثالث - الدلالة الذاتية: ص : 13

خصوصيّة كلّ منها، حتّى تتعيّن خصوصيّة كلّ لغة منها و امتيازها من بينها.

و خامسا- بالمراجعة الى موارد استعمال المادّة في القرآن الكريم و الدقّة و النظر الخالص فيها، و تحصيل ما هو الجامع بينها و الصادق حقيقة على جميعها، بحيث لا يبقى تجوّز و لا التباس، فانّ الألفاظ القرآنيّة إنّما استعملت في المعاني الحقيقيّة.

و لا يخفي أنّ المهمّ الأصيل في جميع هذه المقامات: هو التوجّه الخالص و الذهن الصافي و القلب المنوّر و النفس المطهّر من الأرجاس و الكدورات، حتّى يهديه اللّه بفضله و رحمته و منّه الى ما هو الحقّ، و يرشده الى الحقائق و اللطائف المكنونة.

الثالث- الدلالة الذاتيّة:

و منظورنا من هذه الكلمة: وجود تناسب بين حروف الكلمة و تركيبها و هيئتها و بين معناها المفهوم منها حقيقة، و هذا التناسب ارتباط مخصوص بينهما، كتناسب مخصوص بين الروح و الجسد، و الصفات النفسانيّة و الصورة، و صورة البدن و حركاته و خصوصيّة صوته، و هكذا جميع المراحل الوجوديّة.

و يدلّ على هذا المعنى امور:

الأوّل- تحقّق النظم الكامل في جميع مراتب العالم، و للألفاظ سهم من الوجود، و النظم سار في قاطبة مراحل الوجود، و التناسب سنخ من النظم.

الثاني- أنّ وضع اللفظ لمعنى إمّا بأمر معنوىّ الهىّ أو بارادة الواضع، فالتناسب في الصورة الاولى لا بدّ منه، و في الثانية أيضا: لا ينفكّ إرادته عن إرادة اللّه بالكليّة، فانّ الأمر بين الأمرين.

الثالث- أنّ انتخاب لفظ لمعنى مخصوص لا بدّ أن يكون بعد تصوّر المعنى ثم وضع لفظ مناسب راجح في مقابله، لئلّا يلزم الترجيح بلا مرجّح.

الرابع- سريان نفوذه تعالى و جريان سلطانه و قدرته و حكمه في جميع أطوار الوجود و في جميع مظاهر التكوين و مجالي الخلقة، و الألفاظ من مجالي الخلقة.

الخامس- هذا المعنى مرتبط بتوحيد الأفعال أيضا.

13
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الرابع - و أما حصر استعمال - كلمات القرآن في الحقائق: ص : 14

و لا يخفي أنّ المراد هو التناسب في الواقع و في نفس الأمر، و ليس بلازم أن نطّلع عليه و أن نعرفه، كما في سائر موارده.

ثمّ إنّ هذا الامر جارٍ في كلمات سائر انواع الحيوان، فهي أيضا تجليّات من مقاصدهم الباطنيّة و ممّا يريدون تفهيمه و إظهاره، و أنّها مضبوطة غير مختلّة، و جارية على قوانين كليّة، و لذا ترى تحقّق التفهيم و التفهّم بينهم.

و يدلّ على هذا المعنى: ما في الاشتقاق الكبير و الأكبر، من تقارب المعاني و تشابه المفاهيم و اشتراكها في جامع، كما في الخسر و الخسّ و الخسق، المشتركة في المحدوديّة و الضعف، و الخبن و الخبأ و الخدر و الخلب و الخمن و الخفي، المشتركة في السرّ و الخفاء.

و قد أشرنا في مطاوى مطالب الكتاب: أنّ ذوات الحروف و كيفيّة تركيبها و حركاتها و هيآتها لها تأثير مخصوص في خصوصيّات المعاني، و كثيرا ما فتترق و تختلف معاني الكلمات المتشابهة بهذه الخصوصيّات اللفظيّة، و هذا المعنى ظاهر جدّا في الكلمات المشتقّة بالاشتقاق الصغير. و هذا بحث طويل.

فظهر إجمالًا: أنّ للذوق و التدبّر و الدقّة في ظواهر الكلمات تأثيرا في تشخيص الأصل الواحد و تعيينه و تمييز خصوصيّاته.

الرابع- و أمّا حصر استعمال- كلمات القرآن في الحقائق:

فإنّ اللّه عزّ و جلّ محيط حكيم عالم، و علمه حضوريّ لا يحتاج الى تحصيل و فكر و حصول و إحضار، و الأبعاد الزمانيّة و الحدود الشخصيّة و التشخّصات المميّزة في ساحة جبروته تعالى منتفية، سبحانه و تعالى عمّا يوصف- يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏.

فجميع الكلمات عنده تعالى حاضر مشهود، و ليس واحد منها أقرب و لا آنس في مقام علمه و إحاطته من كلمة أخرى.

فإذا شاء تعالى أن يتكلّم بألفاظ و ينزل آيات منه على صورة كلمات و

14
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الخامس - و بهذا تنكشف حقيقة إعجاز القرآن المجيد ص : 15

جملات: فيقتضى حكمته و إتقانه أن يختار ما هو الحقيقة و يستعمل ما هو أدلّ على المراد، فيعرّف المنظور على ما هو عليه من الخصوصيّات و الدقائق و اللطائف.

فانّ التسامح و عدم الدقّة في استعمال الكلمة في موضعه و مورده الحقّ و مقامه الصحيح: يوجب محو ما فيه من اللطف و الخصوصيّة الفارقة، فينحرف الحقّ عن مقامه، و يختلط الحق بالباطل، و يشتبه المراد على العبيد، و يوجب الضلال و الخسران و الغواية.

ففي هذه الصورة: لا يزيد القرآن إلّا مزيد ريب و ضلال، و لا ينتج إلّا توارد الاشكال و الاعتراض، فيستدلّ كلّ قوم على ما يريده بتأويله، و يتمسّك كلّ فرقة باطلة على طبق رأيه بتفسيره، و ليس هذا إلّا إغراء بالجهل. و لا يثمر إلّا إسقاط القرآن عن الإحكام و الحجّيّة.

فظهر أنّ كلّ كلمة في القرآن الكريم: إنّما استعملت في معناها الحقيقيّ، و يراد منها هو المدلول الحقّ الأصيل ليس إلّا.

الخامس- و بهذا تنكشف حقيقة إعجاز القرآن المجيد

: فانّ استعمال الألفاظ على هذا النحو خارج عن عهدة البشر و قدرته، لعدم إمكان إحاطته و حضوره و علمه بالجزئيّات علما حضوريّا و احاطة فعليّة، حتّى يأتى بكلّ كلمة في موردها و يستعمل كلّ جملة في مقامها الحقيقيّ، من دون تجوّز- راجع قرأ، سور.

هذا من جهة الألفاظ، و كذلك في بيان الحقائق و المعارف الإلهيّة، و تبيين ما يرتبط بالأخلاقيّات و تهذيب النفس، و في جعل الأحكام و التكاليف المتعلّقة بالوظائف و الأعمال البدنيّة.

فهو تعالى محيط و عالم و حكيم و مدبّر بالاحاطة الحضوريّة الفعليّة بجميع أرقام الكلمات و بكلّ المعاني و المعارف و الحقائق، فيضع كلّ كلمة في موردها الّذي اقتضته، و لا يصحّ تبديلها و تغييرها عنه، و هكذا في المعاني.

و الى هذه الحقيقة يرجع كلّ ما ذكروه في موضوع إعجاز القرآن.

15
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

السادس - التجوز و الاشتراك: ص : 16

السادس- التجوّز و الاشتراك:

فظهر أنّ الحكمة تقتضي أن لا يكون في القرآن تجوّز و لا اشتراك لفظىّ، حذرا من الإغراء بالجهل، و إضلال الناس، و إسقاط الحجيّة و الإحكام، من كتاب اللّه الكريم.

و قد أثبتنا هذه الحقائق عملا في تفسير الكلمات و تبيين المطالب و توضيح المعاني من الكتاب، بتوفيق اللّه المتعال و تأييده، و أسأله أن يوفّقنى بحول منه و قوّة في إتمام المقصود الأصيل من هذا الكتاب، و هو التفسير للقرآن الكريم، فانّ التفسير الصحيح لا يمكن إلّا بعد التحقيق في الكلمات و تبيين المعاني الحقيقيّة منها، و اللّه تعالى هو الهادي الى الحقّ. إنّه ولىّ التوفيق.

السابع- و قد ذكرنا: أنّا راعينا الأمانة التامّة في النقل و الرواية عن الكتب المستندة، من جهة المفهوم و المعنى،

و إن احتجنا الى التلخيص و الاختصار (حذف ما لا يرتبط بالموضوع) في المفصّلات، أو حذف مختصر من الألفاظ ممّا لا يخلّ بالمقصود، في المختصرات، فلا يحمل على خلاف الأمانة.

16
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

باب حرف الألف ص : 17

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ+ و نبدأ بالمقصود بعود اللّه المعبود.

باب حرف الألف‏

الألف‏

مغنى اللبيب- الألف‏ المفردة تأتى على وجهين، أحدهما أن تكون حرفاً ينادى به القريب. و الثاني أن تكون للاستفهام و حقيقته طلب الفهم. و قد تخرج الهمزة عن الاستفهام الحقيقي فترد لثمانية معان: التسوية، الإنكار الإبطالى، و التوبيخي، التقرير، التهكّم، الأمر، التعجّب، الاستبطاء.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في الهمزة، هو الاستفهام، و أمّا النداء: فليس معنى للهمزة بل هو مفهوم كلمة أى، ثم خفّفت بحذف الياء فصارت همزة مفتوحة مجردّة، و دلّت على النداء القريب.

فالمناسب أن ينادى بأى و أيا للبعيد، و بالهمزة للقريب، و يمكن أن نقول إنّ مقتضى كثرة المبنى أن تكون أيا للبعيد، و أى و آ للمتوسّط، و أ للقريب.

و الاستفهام إمّا حقيقىّ و هو طلب الفهم لنفسه حقيقة، إمّا نازل منزلته، بأن يكون الاستفهام بدواعى مختلفة و أغراض خارجيّة، كالتقرير و الامر و الإنكار و التعجّب و غيرها. فالمستفهم ينزّل نفسه منزلة من يطلب الفهم حتّى يحصل الغرض المقصود له.

 

17
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الأب: ص : 18

 

و أمّا التسوية: فهي مفهومة من كلمات- سواء، لا أبالى، لا أدرى، و أمثالها. و الاستفهام محفوظ في مقامه.

سَواءٌ عَلَيْهِمْ‏ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ+- 2/ 6.

أى هل أنذرتهم أم لا؟ فانّ كلا الوجهين متساويان من جهة أخذ النتيجة.

الأَبُّ:

مقا- له أصلان، أحدهما المرعى و الآخر- القصد و التهيّؤ. و قال الزّجاج:

الْأَبُ‏ جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية.

مفر- الْأَبُ‏: المرعى المتهيّئ للرعي و الجزّ.

مصبا- الْأَبُ‏: المرعى الّذى لم يزرعه الناس، ممّا تأكله الدوابّ و الأنعام، و يقال: الفاكهة للناس و الأبّ للدوابّ.

صحا- الْأَبُ‏: المرعى، و النزاع الى الوطن (أى الاشتياق)، أبّ يأبّ أبّا و أبابا و أبابة: تهيّأ للذهاب و تجهّز.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التهيّؤ، فالأبّ مصدرا بهذا المعنى، و صفة كصعب بمعنى المتهيّئ. و إطلاقه على المرعى بمناسبة كونه متهيّئا للرعي.

فالكلأ و العشب و ما ينبت من الأرض طبعا و من دون زرع متهيّأ لرعى الأنعام، كالفاكهة لتنعّم الإنسان.

و أمّا مفاهيم القصد و التجهّز و الاشتياق الى الوطن، كلّها من مصاديق التهيّؤ في مواردها.

فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَ عِنَباً وَ قَضْباً وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا وَ حَدائِقَ غُلْباً وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا-

 

18
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أبد: ص : 19

80/ 31.

فالفاكهة ما يتفكّه به الإنسان و يتمتّع به رطبا أو يابسا، و غلب استعماله في أثمار النباتات الّتى يتمتّع بأكلها الإنسان. كما أنّ الأبّ غلب استعماله في الكلأ و العشب المتهيّئ لتنعّم الأنعام. فأنبت اللّه تعالى غذاء الأنعام من الأرض من دون حاجة الى الزراعة و العمل، و هذا بخلاف الإنسان الشاعر المكلّف على العمل و تحصيل المعيشة.

مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ.+ فغداء الأنعام هو الأبّ (في الآية) الّذي تهيّأ طبعا و من دون عمل لها.

أبد:

مصبا- الْأَبَدُ: الدهر، و يقال: الدهر الطويل الّذى ليس بمحدود. قال الرمّانى: فإذا قلت لا أكلّمه أبدا، فالأبد من لدن تكلّمت الى آخر عمرك. و جمعه‏ آبَادٌ. و أبد أبودا: نفر و توحّش فهو آبد.

مقا- أبد: يدلّ بناؤها على طول المدّة و على التوحّش. قالوا الأبد:

الدهر. و العرب تقول: أبد أبيد كما يقولون دهر دهير.

صحا- الْأَبَدُ: الدهر و الجمع آباد و أبود، لا أفعله أبد الأبيد و أبد الآبدين كما يقال: دهر الداهرين. و الأبد: الدائم. و التأبيد: التخليد. و أبد: توحّش. و الأوابد: الوحوش.

مفر- الأبد عبارة عن مدّة الزمان الممتدّ الّذى لا يتجزّء كما يتجزّء الزمان، و ذلك أنّه يقال زمان كذا و لا يقال أبد كذا، و كان حقّه أن لا يثنّى و لا يجمع إذ لا يتصوّر حصول أبد آخر يضمّ اليه فيثنّى به، لكن قيل: آباد، و ذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله، كتخصيص اسم الجنس في بعضه ثمّ يثنّى و

19
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 20

يجمع، على أنّه ذكر بعض الناس أنّ‏ آباد مولّد و ليس من كلام العرب العرباء.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو مطلق امتداد الزمان و طوله، و ليس في مفهومه قيد و لا حدّ، و إنّما يفهم الحدّ من جانب متعلّقاته، فهذه الكلمة تدلّ على امتداد مفهوم الجملة المتعلّقه بها على حسب اقتضائها.

إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها- 5/ 24.

يمتدّ الزمان الى آخر دوامهم فيها.

لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ‏ أَبَداً- 9/ 83.

يمتدّ عدم خروجهم الى أن يبقى حيّا.

لا تَقُمْ فِيهِ‏ أَبَداً- 9/ 108.

أى ما دام كنت حيّا و بقي هذا المسجد.

لَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً- 18/ 20.

أى ما داموا موجودين.

وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً.

أى ما دام الطرفان باقيين.

خالِدِينَ فِيها أَبَداً+، ... نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً.

أى بمقدار خلُودهم.

و أمّا نصب هذه الكلمة في جميع موارد استعمالها: فعلى الظرفيّة، فانّها من ظروف الزمان المبهمة الّتى لا تحصرها حدود، و قد استعملت في القرآن في ثمانية و عشرين موردا- كما في المعجم.

و أمّا مفهوم النفر و التوحّش: فهو مأخوذ من العبريّة.

قع- (آبد): ضاع، اختفى، زال، فتى.

20
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ابراهيم: ص : 21

 

ابراهيم:

قاموس الكتاب- أبرام: الأب العالي، ثمّ سمّى بأبراهامز أى أب الجماعة العظيمة، فانّه كان رئيس الطائفة من بنى إسحاق و بنى إسماعيل، أى اليهود و الأعراب، فهو في مورد الاحترام و التجليل عند كلّ من اليهود و النصارى و المسلمين بالاتّفاق.

و قال أيضا- رام المرتفع. دامد المحلّ المرتفع.

قع- [آب‏] الأب و الرّئيس.

 [رام‏] الارتفاع.

 [رحم‏] الرحم.

المُعرب- أسماء الأنبياء كلّها أعجميّة، نحو إِبْرَاهِيمُ‏ و إسماعيل و إسحاق و إلياس و إدريس و إسرائيل و أيّوب إلّا أربعة أسماء و هي آدم و صالح و شعيب و محمّد. فأمّا إبراهيم: ففيه لغات- إبراهيم: اسم قديم ليس بعربىّ و هو المشهور، إبراهام: و قد قرئ به، إبراهيم: بتثليث الهاء و حذف الياء، إبرهم.

صحا- و إبراهيم‏ اسم أعجمىّ و فيه لغات: ابراهام، ابراهم.

كليا- ابراهيم: اسم سريانىّ معناه أب رحيم. و قال بعض المحقّقين: إنّ إجماع أهل العربيّة على أنّ منع الصرف في ابراهيم و نحوه للعجمة و العلميّة، فتبيّن منه وقوع المعرّب في القرآن.

أنّه قد استعمل هذا الاسم في تسعة و ستّين موردا في القرآن الكريم.

و التحقيق:

و ليعلم أنّ هذه الكلمة و أمثالها المأخوذة من اللغات الأعجميّة إذا تصرّف‏

 

21
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق: ص : 21

فيها بالإبدال أو التغيير أو التخفيف في التلفّظ: تصير عربيّة و يقال: إنّها معربّة. فإذا قيل إنّها أعجميّة فهي باعتبار الأصل و معلوم أنّ كثيرا من اللغات العربيّة مأخوذة من العبريّة و السريانيّة، و هذا لا ينافي استقلال اللغة و أصالتها، فإنّ اللغات كالتكوينيّات لها مراحل مترتّبه و سير تكاملىّ، و إنّما يتنوّع و يتشخّص كلّ شي‏ء بالحدود و الفصول، فالإنسان له أصالة و استقلال و هو نوع خاصّ مستقلّ، و إن صحّ أن يقال: إنّه نوع كامل و مرتبة مترقّية من الحيوان أو الجماد أو النبات.

فكلّ لغة أجنبيّة وردت في العربيّة بتصرّف خاصّ: فهي عربيّة. و بهذا المعنى يتبيّن مفهوم الآيات الكريمة:

إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا.

وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا.

إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا- 43/ 3.

في التكوين 11- لمّا كان سام [ابن نوح‏] ابن مائة سنة ولد أرفكشاد بعد الطوفان بسنتين، و عاش سام بعد ما ولد أرفكشاد شالح و عاش بعد أربعمائة و ثلاث سنين، و ولد شالح عابر، و ولد عابر فالج و عاش بعد أربعمائة و ثلاثين سنة، و ولد فالج رعوه، و ولد رعوه سروج، و ولد سروج ناحور، و ولد ناحور تارح و عاش بعد مائة و عشرين سنة، و عاش تارح سبعين سنة و ولد أبرام و ناحور و هاران، و ولد هاران لوطا، و اتّخذ أبرام و ناحور لأنفسهما امرأتين، اسم امرأة أبرام ساراى، و اسم امرأة ناحور ملكة، و عاش تارح مائتين و خمس سنين، و مات في حاران- انتهى ملخّصا.

هذا نسب ابراهيم (ع) الى نوح (ع) من التوراة.

و أمّا صفاته الممتازة الّتى ذكرت في القرآن الكريم، فهي تستفاد من هذه الآيات:

1- ما كانَ‏ إِبْراهِيمُ‏ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً- 3/ 67.

22
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أبق ص : 23

أى لم يكن على دين اليهود و لا على دين النصارى، مع أنّه كان مع الحقّ اتّفاقا، و كان موحّداً و مخلصّاً في اللّه تعالى و مائلًا اليه و سالكاً سبيله، فهذا هو المطلوب المقصود.

2- إِنَ‏ إِبْراهِيمَ‏ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ‏- 11/ 75.

إنّه كان مع الحلم و الاستقامة، متوجّها الى جهات الضعف في نفسه بحال الخشوع و الخشية، و راجعا سائرا اليه تعالى.

3- سَلامٌ عَلى‏ إِبْراهِيمَ‏- 37/ 109.

دعاء له بالسلامة في بدنه و قلبه و إيمانه.

4- وَ إِبْراهِيمَ‏ الَّذِي وَفَّى‏- 53/ 37.

أى وفى بميثاقه و عهوده و استقام على الحقّ.

5- إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا+- 19/ 41.

أى من الصدّيقين في القول و العمل و من الأنبياء.

6- وَ كَذلِكَ نُرِي‏ إِبْراهِيمَ‏ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏- 6/ 75.

يأتى في ملك.

7- بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ‏ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏- 2/ 135.

يأتى في الحنف.

و قال ابن الوردي- إنّ ابراهيم ولد لمضىّ 1081 من الطوفان.

أبق‏

مقا- أبق‏: يدلّ على إباق العبد و التشدّد في الأمر. أبق العبد يأبق أبقا و أبقا. و عبد أبوق و أبّاق.

مصبا- أبق‏ العبد أبقا: إذا هرب من سيّده من غير خوف و لا كدّ عمل،

23
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق: ص : 24

 

من بابى تعبّ و قتل في لغة، و الأكثر من باب ضرب.

مفر- أَبَقَ‏: إذا هرب، و عبد آبق و جمعه أبّاق. تأبّق‏ الرجل: تشبّه به في الاستتار، و أبق يأبق إباقا.

كليا- الأبق‏: و هو هرب العبد من السيّد خاصّة، و لا يقال للعبد آبق إلّا إذا استخفى و ذهب من غير خوف و لا كدّ عمل، و إلّا فهو هارب.

و التحقيق:

أنّ‏ الأبق‏ و الهرب مشتركان في الذهاب من غير استيذان، و في الأبق قيد آخر و هو الهرب قبل أن يتوجّه اليه خوف أو شدّة من سيّده.

وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ‏ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏- 37/ 140.

فيدلّ على ذهابه من غير استيذان من ربّه، و قبل أن يصل اليه خوف أو شدّة أو كدّ عمل من جانب مولاه، فهو العبد الآبق غفلة.

و الأبق كان مكروها عند اللّه المتعال، فأخذه اللّه.

فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ‏- 21/ 87.

راجع يونس.

حَسَنَاتُ الأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الُمَقَّرِبينَ‏

. إبل:

مصبا- الإبل اسم جمع لا واحد لها و هي مؤنّثة، لأنّ اسم الجمع الّذى لا واحد له من لفظه إذا كان لما لا يعقل يلزمه التأنيث و تدخله الهاء إذا صغّر نحو أبيلة و غنيمة، و الجمع آبال أبيل، فالمراد قطيعات الإبل.

لسا- ابن الاعرابى: الإبّول‏- طائر ينفرد من الرفّ و هو السطر من الطير.

 

24
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق: ص : 25

و الإبّيل و الإبّول و الإبّالة: قطعة من الطير و الخيل و الإبل. و قيل: الأبابيل‏ جماعة في تفرقة، واحدها إبّيل و إبّول. و ذهب أبو عبيدة: الى أنّ الأبابيل جمع لا واحد له بمنزلة عبابيد و شماطيط و شعاليل. قال الجوهري: و قال بعضهم: إبّيل، قال: و لم أجد العرب تعرف له واحدا، و قيل إبّالة و أبابيل، و إبّالة: كأنّها جماعة. و قيل:

أبابيل و إبّول مثل عجاجيل عجّول. التهذيب: و لو قيل واحد الأبابيل إيبالة كان صوابا كدينار.

مقا- إبل: بناء على ثلاثة اصول، على‏ الإبل‏، و على الاجتزاء، و على النقل و الغلبة. إبل مُؤَبَّلَةٌ: جعلت قطيعا قطيعا. قال الخليل، في- طَيْراً أَبابِيلَ‏:

يتبع بعضها بعضا، واحدها إبّالة و إبّول.

مفر- و أبل أبلا: اجتزأ عن الماء تشبّها بالإبل في صبرها عن الماء، و كذلك‏ تأبّل‏ الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها. و طيرا أبابيل: متفرّقة كقطعات إبل، الواحد إبّيل. و الإبّالة: الحزمة من الحطب تشبيها به.

و التحقيق:

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الحيوان المتّصف بصفة الاجتزاء مع الثقل، و الإبل أحد مصاديق هذا المعنى فغلب استعماله فيها. و أمّا الأبابيل: فلعلّها أيضا كانت موصوفة بالاجتزاء و الغلبة، بمعنى اتّصافها بالقوّة و القدرة و القناعة و الاجتزاء مع كونها قطيعة قطيعة، فهذه الكلمة ليست اسماً لنوع مخصوص من الطير، بل هي اسم لطير تكون بهذه الخصوصيّات، و أمّا أنّها من أىّ نوع كانت: فاللّه أعلم بها.

و الاشتقاق منها انتزاعىّ بلحاظ الصّفتين.

أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى‏ الْإِبِلِ‏ كَيْفَ خُلِقَتْ‏- 88/ 17.

مضافا الى حواسّها و اعضائها الظاهريّة: أنّها خلقت للركوب في الأسفار و

25
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ابن ص : 26

لحمل الأثقال، بالخلقة المتناسبة لهما و بقدرة التحمّل و الصبر على الجوع و العطش.

وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ‏ 105/ 3.

طائرات قطيعة قطيعة لها القدرة و المقاومة و الاستقامة و الصبر حتّى ينلن ما يردن.

ابن‏

انظر مادّة- بنو.

أب‏

مقا- يدلّ على التربية و الغذو، أَبَوْتُ‏ الشَّيْ‏ءَ: إذا غذوته. و بذلك سمّى الأب أبا. و يقال في النسبة الى أب: أبوىّ.

مصبا- لامه محذوفة و هي واو، لأنّه يثنّى أبوين و الجمع آباء مثل سبب و أسباب، و إذا صغّر ردّت اللام المحذوفة، ثمّ تجتمع الواو و الياء فتقلب الواو ياءً و تدغم في الياء فيبقى أبىّ.

مفر- أب: و يسمّى كلّ من كان سببا في إيجاد شي‏ء أو إصلاحه أو ظهوره أبا، و لذلك يسمّى النبيّ (ص) أبا للمؤمنين. و

روى أنّه (ص) قال لعلىّ‏:

أَنَا وَ أَنْتَ‏ أَبَوَا هَذِهِ الْأُمَّةِ.

كليا- و أرباب الشرائع المتقدّمة كانوا يطلقون‏ الْأَبُ‏ على اللّه تعالى، باعتبار أنّه السبب الأوّل، حتّى قالوا الأب هو الربّ الأصغر و اللّه هو الربّ الأكبر، ثمّ ظنّت الجهلة منهم أنّ المراد به معنى الولادة، فاعتقدوا ذلك تقليدا، و لذا كفر قائله.

يوحنّا 14/ 16- و أنا أطلب من الأب فيعطيكم معزّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد، روح الحقّ الّذى لا يستطيع العالم أن يقبله.

صحا- و لقد أَبَوْتُ‏ أُبُوَّةً و ما له أب يأبوه اى يغذوه و يربّيه، و النسبة اليه‏

26
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 27

 

أبوىّ. و الأبوان: الأب و الامّ. و قولهم- يا أَبَتِ‏ افْعَلْ‏: يجعلون علامة التأنيث عوضا من ياء الاضافة.

قع- [آب‏] الأب و الرئيس.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التربية في جهة مادّيّة أو معنويّة، و بلحاظ هذا المفهوم يوجد للأب مصاديق حقيقية كثيرة، كالوالد و الربّ المتعال و المعلّم و النبىّ و الجدّ و العمّ، و غيرهم من أولياء التربية. و الاشتقاق منها انتزاعىّ.

وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ‏ ... كَما أَتَمَّها عَلى‏ أَبَوَيْكَ‏ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ‏ ... كَما أَخْرَجَ‏ أَبَوَيْكُمْ‏ مِنَ الْجَنَّةِ ... وَ وَرِثَهُ‏ أَبَواهُ‏ ... وَ لِأَبَوَيْهِ‏ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا ... قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ‏ آبائِكَ‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً ... وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ‏ لِأَبِيهِ‏ ... وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ‏ لِأَبِيهِ‏ آزَرَ- 6/ 74.

يا أَبَتِ‏ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ‏ ... يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ.

و لا يخفى أنّ حرف التاء من علائم الخطاب، كما في فعلت و فعلت و تفعل و أنت و أنت، و الخطاب يدلّ على القرب و المشافهة و المودّة و العطوفة، فإلحاق التاء في النداء حيث ما يمكن يكون بهذا النظر، و ليست عوضا عن الياء، و إنّما تحذف الياء للثقل، و يكتفى بالكسرة للتخفيف.

أبى‏

مقا- أَبَى‏: يدلّ على الامتناع. أَبَيْتُ الشي‏ء آباه، و قوم‏ أبيّون‏ و أباة. و الإباء ان تعرض على الرجل الشي‏ء فيأبى قبوله، فتقول ما هذا الإباء. و الأبيّة:

الصّعبة.

 

27
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 28

 

مصبا- أبى‏ الرجل يأبى الرجل إباء و إباية: امتنع، فهو آب و أبىّ، و بناؤه شاذّ، لأنّ باب فعل يفعل حقّه أن يكون حلقىّ العين أو اللام، و لم يكن يأتى من حلقىّ الفاء إلّا أبى يأبى و عضّ يعضّ و أتّ الشعر يأتّ إذا كثر و التفّ.

مفر- الإباء: شدّة الامتناع، فكلّ امتناع إباء و ليس كلّ إباء امتناع. و رجل أبىّ: ممتنع من تحمّل الضيم (القهر و الظلم).

و التحقيق‏

أنّ المادّة تدلّ على الامتناع في قبال أمر مواجه ماديّا أو معنويّا. و المنع هو حدوث العائق، راجع- منع‏ أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ ... فَأَبى‏ أَكْثَرُ النَّاسِ+ ... وَ تَأْبى‏ قُلُوبُهُمْ‏ ... وَ لا يَأْبَ‏ كاتِبٌ‏ ... فَأَبَيْنَ‏ أَنْ يَحْمِلْنَها ... فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما.

يراد الامتناع في قبال هذه الأمور.

أتى‏

صحا- الْإِتْيَانُ‏: المجي‏ء، و قد أتيته أتيا، و آتَيْتُهُ على ذلك الأمر مُوَاتَاةً:

إذا وافقته و طاوعته. و الإِيتَاءُ الإعطاء. و تَأَتَّى له الشي‏ء: تهيّأ، و تأتّى له:

ترفّق. و سيلٌ أتىٌّ و أتاوىّ: إذا جاءك. و الأتىّ و الأتاوىّ: الغريب.

مفر- الإِتْيَانُ‏: مجي‏ء بسهولة، و منه قيل للسيل المارّ على وجهه: أتىّ و أتاوىّ، و به شبّه الغريب فقيل أتاوىّ، و الإتيان يقال للمجي‏ء بالذات و بالأمر و بالتدبير، و يقال في الخير و في الشرّ و في الأعيان و الأعراض: إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ‏ السَّاعَةُ ... أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ‏ ... فَأَتَى‏ اللَّهُ بُنْيانَهُمْ‏. أى بالأمر. و التدبير، نحو- جاءَ رَبُّكَ‏. و كلّ موضع ذكر فيه- أُوتُوا+: فانّه قد يقال فيمن لم يكن منه قبول. وَ آتَيْنا+:

 

28
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 29

يقال فيمن كان منه قبول. و خصّ دفع الصدقة في القرآن بالإيتاء: آتُوا الزَّكاةَ+.

مصبا- أتى الرجل يأتى أتيا: جاء، و الإِتْيَانُ‏ اسم منه، و أتيته يستعمل لازما و متعديّا. و أتى يأتوا أتوا لغة فيه. و أتى زوجته إتيانا: كناية عن الجماع. و أتى عليه: مر بّه. و أتى عليه الدهر: أهلكه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو المجي‏ء بسهولة و بجريان طبيعيّ، سواء استعملت في اللزوم أو التعدّى، مجرّدة أو مزيدا فيها، و سواء كان الإتيان في المكان أو في الزمان، و سواء كان الفاعل أو المفعول به محسوسا أو معقولا، فتختلف خصوصيّات الإتيان باختلاف الموارد، ففي كلّ مورد بحسبه.

ففي الزمان- أَوْ تَأْتِيَهُمُ‏ السَّاعَةُ ... هَلْ‏ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ‏.

و في المكان- أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ ... فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى‏.

و في اللازم- إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ+ ...، تَأْتِي‏ كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ‏.

و في المتعدّى- أَتاهُمُ‏ الْعَذابُ+ ... أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما.

و في المعقول- هَلْ‏ أَتاكَ‏ حَدِيثُ مُوسى‏+ ... أَنَّا نَأْتِي‏ الْأَرْضَ نَنْقُصُها+ ... مَنْ‏ أَتَى‏ اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏ ... هَلْ‏ أَتاكَ‏ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ.

و في المزيد فيها- آتَيْناهُ‏ حُكْماً وَ عِلْماً+ ... يُؤْتِكُمْ‏ أُجُورَكُمْ‏ ... وَ آتِ‏ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ‏ ... فَآتُوهُنَ‏ أُجُورَهُنَّ+ ... وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ.

فالأصل الواحد في جميع هذه الموارد محفوظ. و اختلاف خصوصيّات ذلك المعنى باعتبار اختلاف الموارد و الصيغ و بحسب التناسب و اقتضاء طرفى النسبة- كالسيل إذا اجرى و أتى فهو أتىّ. أو الغريب إذا ورد و أتى البلد فهو أتاوىّ. و إتيان الأمر و التدبير فيما كان الفاعل معنويا خاصّا.

و هذه المادّة في اللغة العبريّة أيضا بهذا المعنى:

29
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أثاث ص : 30

 

فر- [أتاء] المجي‏ء.

أثاث‏

صحا- أَثَ‏ النبات يأثّ أثاثة: كبر و التفّ، نبات أثيث و شعر أثيث.

قال الفرّاء: الْأَثَاثُ‏ متاع البيت و لا واحد له. و قال أبو زيد: الأثاث المال أجمع، الإبل و الغنم و العبيد و المتاع.

مقا- أثّ‏: هذا من الاجتماع يتفرّع و من اللين، و هو أصل واحد. قال ابن دريد: أَثَ‏ النبت أثّا إذا كثر، و نبت أثيث، و كلّ شي‏ء موطّأ أثيث. و أثاث البيت من هذا، يقال إنّ واحده أثاثة، و يقال لا واحد لها.

مفر- الْأَثَاثُ‏: متاع البيت الكثير، من أثّ إذا كثر و تكاثف و قيل للمال كلّه إذا كثر.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه المادّة هو مجموع ما يتعلّق بموضوع يكون بها تشكّله. و يتنوّع ذلك بتنوّع مواردها، فيقال‏ أَثَاثُ‏ البيت، أثاث الحجرة، أثاث‏ المعمل، أثاث السّيارة، أثاث الحياة الإنسانيّة.

و أمّا مطلق الكثرة أو المال: فمن باب التجوّز، بمناسبة قيود الأصل.

وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ‏ أَثاثاً- 19/ 74.

أى مطلق ما يتعلّق بمعاشهم من لوازم المأكل و الملبس و المسكن و المتجر.

وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً- 16/ 80.

أى يراد مطلق ما يعمل منها و يستفاد في تأمين المعاش.

 

30
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أثر ص : 31

 

و المتاع كلّ ما يتمتّع به من اللباس و غيره.

أثر

صحا- الأَثَرُ مصدر أثرت الحديث أءثره: إذا ذكرته عن غيرك، و منه حديث مأثور: ينقله خلف عن سلف. و الأثر: ما بقي من رسم الشي‏ء و ضربة السيف. و سنن النبيّ (ص): آثاره. و المأثرة: المكرمة لأنّها تؤثر أى تذكر و يأثرها قرن عن قرن. و أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ‏: بقيّة منه، و كذلك الأثرة. و التأثير: إبقاء الأثر في الشي‏ء.

مصبا- ما يقرب من صحا.

مقا- أَثَرٌ: له ثلاثة اصول- تقديم الشي‏ء، ذكر الشي‏ء، رسم الشي‏ء الباقي. و الأثر: بقيّة ما يرى من كلّ شي‏ء و ما لا يرى بعد أن تبقى فيه علقة. و الأَثَار: الأثر، كالسداد و السدد و الفلاح و الفلح. قال الخليل: الأثر الاستقفاء و الاتّباع، و فيه لغتان: أثر و إثر. و لا يشتقّ من حروفه فعل في هذا المعنى و لكن يقال ذهبت في إثره.

مفر- أَثَر الشي‏ء حصول ما يدلّ على وجوده، و الجمع الآثار- قَفَّيْنا عَلى‏ آثارِهِمْ‏ بِرُسُلِنا ...، فَانْظُرْ إِلى‏ آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ‏. و الْمَآثِرُ: ما يروى من مكارم الإنسان، و يستعار الأثر للفضل و الإيثار للتفضّل (و هو اختيار الفضل)، و منه آثرته، وَ يُؤْثِرُونَ‏ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏، و تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ‏ اللَّهُ عَلَيْنا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الْأَثَرُ، أى ما يدلّ على الشي‏ء و ما يبقى من‏ آثَارِ وجوده. و من مصاديقه: الحديث‏ المَأْثُورُ. أَثَر الضربة. السنّة النبويّة. أَثَارَةً

 

31
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أثل ص : 32

من العلم. البقيّة من الشي‏ء. أثر المشي و السلوك. المكرمة. الفضيلة الباقية المأثورة.

و أمّا حقيقة الْإِيثَارُ: فهي إثبات الأثر و تقديم ما له الفضل و انتخابه و اختياره على غيره. و التَّأْثِيرُ: إيجاد الأثر و إحداثه.

قَبْضَةً مِنْ‏ أَثَرِ الرَّسُولِ‏ ... مِنْ‏ أَثَرِ السُّجُودِ ... كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ‏ ...

نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ‏ ... وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ‏ ... ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ‏ ... وَ يُؤْثِرُونَ‏ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ ... لَقَدْ آثَرَكَ‏ اللَّهُ عَلَيْنا ... بَلْ‏ تُؤْثِرُونَ‏ الْحَياةَ الدُّنْيا.

و الفرق بين الإيثار و التأثير: هو الفرق بين صيغة الإفعال و التفعيل، فإنّ الافعال لقيام الفعل و نسبته أوّلا إلى الفاعل و الثاني للوقوع أوّلا و نسبته إلى المفعول به.

أثل‏

مصبا- الْأَثْلُ‏: شجر عظيم لا ثمر له، الواحدة أَثْلَةٌ، و قد استعيرت الأثلة للعرض فقيل نحت أثلة فلان إذا عابه و تنقّصه، و هو لا تنحت أثلته أى ليس به عيب و لا نقص.

مقا- الْأَثْلُ: يدلّ على أصل الشي‏ء و تجمّعه. قال الخليل: الْأَثْلُ‏ شجر يشبه الطرفاء إلّا أنّه أعظم منه و أجود عودا منه، تصنع منه الأقداح الجياد. أثّل تأثيلا: إذا كثر ماله و حسنت حاله. قال أبو عمرو: الْأثال: المجد و المال. و أثلة كلّ شي‏ء أصله.

صحا- و قيل للأصل‏ أَثْلَةٌ، يقال فلان ينحت أثلتنا إذا قال في حسبه قبيحا. و التَّأْثِيلُ‏: التأصيل. يقال مجد مؤثّل و أثيل.

أسا- الْأَثْلَةُ: السمرة، و قيل شجرة من العضاه طويلة مستقيمة الخشبة تعمل منها الأقداح و القصاع، فوقعت مجازا في قولهم نحت أثلته، و لفلان أثلة مال أى أصل مال.

32
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 33

 

أنّ السمرة: أجود عودا و استقامة من بين العضاه و ليس فيها احسن من السمرة. و العضاه: كلّ شجر عظيم ذى شوك و الواحدة عضاهة.

و التحقيق‏

و أمّا الأصل و الحقيقة في هذه المادّة: فهي الأصالة، و اكثر استعماله في المعنويّات، و هي قريبة من موادّ الأصل و الأثّ و الأسل، ثمّ استعملت في كلّ شجر أصيل مستقيم لا يقصد منه إلّا أصله و عوده، أو في السمرة خاصّة.

وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ‏ وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ- 34/ 16.

الأكل‏: الثمرة. و الْخَمْطُ من الثمرة: ما لا يلائم طعمه أو رائحته. و الأثل عطف على‏ أُكُلٍ‏ اى و ذواتي أثل و هي الأشجار القويّة بلا اثمار. و يمكن أن يكون بمعناه الحقيقي و هو أصل الشجر و أسفله، إشارة الى جريان السيل العرم، أى و لم تبق فيها إلّا اصول الأشجار المثمرة الملائمة و شي‏ء من السدر.

و هذا المعنى أنسب بسياق الآية الشريفة: من جهة جريان السيل، و ذكر الخمط في الأشجار الّتى لا تلائم أثمارها، و ذكر سِدْرٍ قَلِيلٍ‏ من الّتى تلائم، و من كونه معنى حقيقيّا كما قلنا.

و أمّا قرب الموادّ في كلمات- أصل، أثل، أسل: فيقال له الاشتقاق الأكبر.

و أمّا مفهوم التجمّع في‏ التَّأَثُّلِ‏: فيستفاد من صيغة التفعّل، أى المطاوعة للتأثيل.

الإثم:

مقا- أَثِمَ‏: يدلّ على أصل واحد، و هو البطؤ و التأخّر، يقال: ناقة آثمة أى‏

 

33
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 34

متأخّرة. و الْإِثْمُ‏ مشتقّ من ذلك لأنّ ذا الإثم بطي‏ء عن الخير متأخّر عنه.

مصبا- أثم أثما من باب تعب، و الإثم بالكسر اسم منه، فهو آثم، و في المبالغة: أثّام و أثيم و أثوم. و أثّمته تأثيما: قلت له أثمت، كما يقال صدّقته و كذّبته.

و الأثام‏ كسلام هو الإثم و جزاؤه.

مفر- الْإِثْمُ‏ و الْأَثَامُ‏ اسم للأفعال المبطئة عن الثواب و جمعه آثام. و قوله تعالى- فِيهِما إِثْمٌ‏ كَبِيرٌ أى في تناولهما إبطاء عن الخيرات. يَلْقَ‏ أَثاماً أى عذابا، فسمّاه عذابا و أثاما لما كان منه، و قيل: أى يحمله ذلك على ارتكاب آثام، و ذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة الى الكبيرة، و على الوجهين حمّل- فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.

و التحقيق‏

أنّ المعنى الحقيقىّ و الأصل في هذه المادّة: هو البطؤ و التأخّر للخير. و بالنظر الى هذا الأصل تنكشف لطائف و حقائق في موارد استعمالاتها في الآيات الكريمة.

وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ‏- 2/ 206.

أى يظهر البطؤ و يتأخّر في مرحلة التقوى حفظا للعزّة و المنزلة المتخيّلة الموهومة.

وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى‏ الْإِثْمِ‏ وَ الْعُدْوانِ‏- 5/ 2.

فالبرّ هو صدق العمل و حسن الفعل، و يقابله البطؤ و التسامح و التأخّر فيه، كما أنّ التقوى هو وقاية النفس و حفظها، و يقابله العدوان و هو التجاوز، فيكون العدوان مقابلا للإثم باعتبار آخر.

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ‏- 7/ 33.

فالفواحش هي الأعمال القبيحة و الشنيعة، و يماثلها الإثم و هو التأخّر عن العمل الصالح و التهاون فيه، و لا كذلك إذا أريد من الإثم معناه المتداول و هو من الفواحش، و لا يكون في ذكره فائدة.

34
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أجاج: ص : 35

وَ يَتَناجَوْنَ‏ بِالْإِثْمِ‏ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ‏- 58/ 8.

أى بالتفريط و التقصير في العمل، و التعدّى عن الحقّ و العصيان للرسول.

إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً- 3/ 178.

اى نمهّل و نطوّل عيشهم ليزدادوا في التأخّر و البطؤ في طريق الصلاح و السعادة و الخير.

وَ مَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ‏ آثِمٌ‏ قَلْبُهُ‏- 2/ 283.

أى مبطئ عن السير الى الحقّ و محجوب عنه.

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً 56/ 25.

أى قولا و كلاما بجعل الآخرين بطيئا في العمل بوظائفهم و موجبا لتأخّرهم.

هذا هو الأصل و المعنى الحقيقىّ في هذه المادّة، و قد استعملت في الأعمال المبطئة مجازا، و على أىّ حال: فاللازم لنا أن نحمل هذه الكلمة على أصلها، و لا سيّما في كلمات اللّه التامّة، حتّى تنكشف لنا أسرار الكلمات و لطائف الآيات، و كذا في سائر الكلمات الإلهيّة.

أجاج:

مقا- أَجَ‏: فلها أصلان: الحفيف، و الشدّة إمّا حرّا و إمّا ملوحة. أجّ الظليم: إذا عدا، أجيجا و أجّا، و ذلك إذا سمعت حفيفه في عدوه. و الْأَجِيجُ‏:

أجيج الكير من حفيف النار. و أجّة القوم حفيف مشيهم و اختلاط كلامهم. و الماء الْأُجَاجُ‏: الملح.

مصبا- ماء أُجَاجٌ‏: مرّ شديد الملوحة. و أجّت النار تؤجّ أجيجا: توقّدت.

صحا الْأَجِيجُ‏: تلهّب النار. و قد أجّت تأجّ أجيجا. و أجّ الظليم يؤجّ‏

35
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 36

 

أجّا: عدا و له حفيف في عدوه. و الأجّة شدّة الحرّ و توهّجه، و الجمع أجاج. و ماء أجاج: ملح مرّ.

مفر- هذا ملح‏ أُجَاجٌ‏: شدّة الملوحة و الحرارة، من قولهم أجيج النار و أجّتها، و قد أجّت و ائتجّ النهار.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه المادّة: هو حدّة مع الشدّة، و هو يختلف باختلاف الموارد، فحدّة كلّ بحسبه: حفيف الظليم عنه عدوه، و الحدّة في التأجج و التلهبّ، و في الحرارة، و المرارة، و الكلام.

و يدلّ عليه ما يفهم من الضجّ و العجّ، و بينها اشتقاق اكبر.

و أمّا شدّة الملوحة: فكأنّها نوع تأجّج، و يظهر هذا التّأجّج في جهاز الهاضمة عند تناول ما فيه الملوحة الشديدة.

هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ‏ أُجاجٌ‏- 25/ 53.

فيما قلنا يظهر لطف ذكر الأجاج بعد كلمة الملح، أى ملح يتوقّد الفم من تناوله، في قبال الفرات.

أجر

مقا- أَجْرٌ: له أصلان يمكن الجمع بينهما بالمعنى: فالأوّل- الكراء على العمل. و الثاني جبر العظم الكسير. فامّا الكراء: فالأَجْرُ و الْأُجْرَةُ، و كان الخليل يقول: الأجر جزاء العمل، أجر يأجر أجرا، و المفعول مأجور، و الأجير المستأجر و الإجارة ما أعطيت من أجر في عمل، و من ذلك مهر المرأة- فَآتُوهُنَ‏ أُجُورَهُنَ‏.+ و أمّا جبر العظم: فيقال أجرت يده. فهذان الأصلان، و المعنى الجامع بينهما أنّ أجرة

 

36
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 37

العامل كأنّها شي‏ء يجبر به حاله فيما لحقه من كدّ فيما عمله. فأمّا الاجّار: فلغة شاميّة.

مصبا- أَجَرَهُ‏ اللَّهُ‏ أَجْراً و آجره إذا أثابه، و أجرت الدار و العبد. قال الزمخشري: و آجرت الدار على أفعلت فأنا مؤجر و لا يقال مؤاجر فهو خطأ، و الاجرة الكراء، و الجمع أجر مثل غرفة و غرف، و ربّما جمعت أجرات بضمّ الجيم و فتحها، و يستعمل الأجر بمعنى الإجارة و الاجرة.

مفر- الْأَجْرُ و الْأُجْرَةُ: ما يعود من ثواب العمل دنيويّا كان أو اخرويّا- إِنْ‏ أَجْرِيَ‏ إِلَّا عَلَى اللَّهِ+، ... وَ آتَيْناهُ‏ أَجْرَهُ‏ فِي الدُّنْيا، ... وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ و الاجرة: في الثواب الدنيويّ. و الجمع للأجر أجور، و الأجر و الأجرة يقال فيما كان عن عقد و ما يجرى مجرى العقد، و لا يقال إلّا في النفع- فَلَهُمْ‏ أَجْرُهُمْ‏ عِنْدَ رَبِّهِمْ+، و أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ+. و الجزاء: يقال في العقد و النافع و غيرهما- جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً، ... جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ‏. أجر يأجر زيد عمرا أجرا: أعطاه الشي‏ء بأجرة.

أسا- أجرك اللّه على ما فعلت، و أنت مأجور عليه. و منه قولهم: عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ‏- أى تجعلها أجرى على التزويج، يريد المهر، من قوله تعالى- وَ آتُوهُنَ‏ أُجُورَهُنَ‏- كأنّه قال على ان تمهرنى عمل هذه المدّة. و آجرني فلان داره فاستأجرتها و هو موجر، و لا تقل مؤاجر فانّه خطأ و قبيح، و إنّما الّذى هو فاعل:

قولك- آجر الأجير مؤاجرة، كما يقال عامله معاملة.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه المادّة: هو الاجرة و ما يقابل بالعمل، و الْإِيجَارُ وَ الْإِجَارَةُ بمعنى الكراء، و هو الاجرة، و هو في الأصل مصدر كاريته فهو مكار، يقال أجرته و آجرته أى جعلت له اجرة، و استأجرت زيدا: طلبت منه الأجرة.

إِنَّ خَيْرَ مَنِ‏ اسْتَأْجَرْتَ‏ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ‏- 28/ 26.

أى خير من طلبت منه الاجرة في قبال ما التزمت به له من تأمين أو تعليم أو

37
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الأجل ص : 38

تربية.

قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ‏ اسْتَأْجِرْهُ‏- 28/ 26.

أى اجعله مستأجرا لك، و هو الأجير، أى من عليه الاجرة في قبال التزام المستأجر.

عَلى‏ أَنْ‏ تَأْجُرَنِي‏ ثَمانِيَ حِجَجٍ‏- 28/ 27).

أى أنّ تكون الاجرة عليك مدّة ثماني سنوات في قبال النكاح و التزويج.

وَ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ‏ أَجْرٍ إِنْ‏ أَجْرِيَ‏+ 26/ 109.

أى ما استأجرتُكم عليه.

إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ‏ أُجُورَهُنَ‏ 33/ 50.

أى مهورهنّ في قبال تزويجهنّ.

و ليعلم أنّ‏ الْإِجَارَةَ مصدر مجرّد كالتجارة و الزراعة. و المصدر من الإفعال هو الإيجار. و الايجار يستعمل متعديّا الى مفعول واحد أو الى مفعولين- كقولك آجرت زيدا الدار- أى جعلت الدار لزيد حتّى يأجرها أى أن يعطي أجرتها.

الأَجَلُ‏

مصبا- أَجَلَ‏ الرجل على قومه شرّا أجلا، من باب قتل: جناه عليهم و جلبه عليهم. و يقال من أجله كان كذا، أى بسببه، و أجل الشي‏ء مدّته و وقته الّذي يحلّ فيه، و هو مصدر أجل الشي‏ء أجلا، من باب تعب، و أَجَّلْتُهُ‏ تأجيلا، أى جعلت له أجلا، و الآجل خلاف العاجل، و جمع الأجل‏ الآجال‏. و أجل مثل نعم وزنا و معنى.

مقا- فالأجل‏ غاية الوقت في محلّ الدين و غيره، أجل يأجل، و الاسم الآجل نقيض العاجل. و قولهم أجل: في الجواب، هو من هذا الباب، كأنّه يريد

38
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 39

 

انتهى و بلغ الغاية. و الإجل: قطيع من بقر الوحش. و قولهم: من أجل ذلك فعلت كذا: و هو محمول على أجلت الشي‏ء أى جنيته، فمعناه من أن اجل كذا فعلت، أى من أن جنى.

كليا- و أَجَلٌ‏ في الأصل مصدر أجل شرّا إذا جناه، استعمل في تعليل الجنايات ثمّ اتّسع فيه فاستعمل في كلّ تعليل.

و التحقيق‏

أنّ الأصل فيها هو الوقت المعيّن المعهود، و بتناسب هذا المعنى تستعمل فيما يقرب منها. فيقال أجل على قومه شرّا أى جلبه و جرّه اليهم فان تعيين وقت عليهم يلازم اقداما على ضررهم، و تضييقا عليهم. و هذا المعنى قريب من قولهم- أجل الشي‏ء أى تأخّر و تعيّن.

إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‏ أَجَلٍ‏ ... وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ‏ ... وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي‏ أَجَّلْتَ‏ لَنا ...

لِأَيِّ يَوْمٍ‏ أُجِّلَتْ‏ ... كِتاباً مُؤَجَّلًا.

و التَّأْجِيلُ‏: تعيين الأجل. و الْمُؤَجَّلُ‏: الموقّت و المعيّن.

و أمّا قطيع البقر و غيره: فهو نوع من الانتهاء و المحدوديّة و التعيّن.

أحد

مصبا- أحد: أصله وحد فأبدلت الواو همزة، و يقع على الذكر و الأنثى- يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ. و يكون مرادفا لواحد في موضعين سماعا:

أحدهما- وصف اسم الباري تعالى، فيقال هو الواحد و هو الأحد، لاختصاصه بالأحديّة فلا يشركه فيها غيره، و لهذا لا ينعت به غير اللّه تعالى، فلا يقال رجل أحد و لا درهم أحد. و الثاني- أسماء العدد للغلبة و كثرة الاستعمال، فيقال أحد و

 

39
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 40

عشرون و واحد و عشرون، و في غير هذين يقع الفرق بينهما في الاستعمال، بأنّ الأحد لنفى ما يذكر معه فلا يستعمل إلّا في الجحد لما فيه من العموم، نحو ما قام أحد، أو مضافا نحو ما قام احد الثلاثة. و أمّا تأنيث الأحد: فلا يكون إلّا بالألف لكن لا يقال إحدى إلّا مع غيرها- إحدى و عشرون.

مقا- أحد فرع، و الأصل الواو- وحد. ما استأحدت بهذا الأمر: ما انفردت به.

صحا- يوم‏ الْأَحَدِ و يجمع على‏ آحَادٍ، و استأحد الرجل: انفرد. و جاءوا أحاد أحاد، غير مصروفين لأنّهما معدولان. و احد جبل في المدينة. و أَحِّدْهُنَّ:

صيّرهنّ أحد عشر.

و التحقيق‏

أنّ النسبة بين أحد و وحد: هي الاشتقاق الأكبر، كما في أمثالهما من الكلمات المتقاربة لفظا و معنى، و الحكم بأنّ واحدا منهما أصل و الآخر فرع:

مشكل، و لا سيّما مع استعمال الصيغ المشتقّة من كلّ واحد من المادّتين- راجع وحد.

و في الأحد دلالة زائدة من الواحد، على الانفراد و التجرّد.

وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ- 92/ 19.

أستعمل في مقام النفي.

هُوَ اللَّهُ‏ أَحَدٌ.

اطلق على اللّه تعالى.

إِحْدَى‏ الطَّائِفَتَيْنِ‏ ... إِحْداهُنَ‏ ... إِحْدَى‏ ابْنَتَيَّ.

صيغة تأنيث استعملت مضافة.

إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ‏ الْمَوْتُ+ ... أَمَّا أَحَدُكُما ... فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ‏ ... يَوَدُّ أَحَدُهُمْ‏ لَوْ

40
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أخذ ص : 41

يُعَمَّرُ ... قالَ‏ أَحَدُهُما.

التعبير بهذه الكلمة إشارة الى عدم خصوصية فرد معيّن، و التوجّه الى الحكم لا الى موضوع معيّن.

أخذ

مقا- أَخَذَ: أصل واحد تتفرّع منه فروع متقاربة في المعنى، فالأصل جوز الشي‏ء وجيبه و جمعه، تقول: أَخَذْتُ‏ الشي‏ءَ آخذه أخذا. قال الخليل: هو التناول خلاف العطاء.

صحا- أَخَذَهُ‏ بيده أخذا: تناوله. و الإخذ بالكسر اسم منه. و أخذ من الشعر: قص. و أخذ الخطام: أمسكه. و أخذه اللّه تعالى: أهلكه. و أخذه بذنبه.

عاقبه عليه. و آخذه و مؤاخذة كذلك و الأمر منه آخذ. و أخذته مثل أسرته لفظا و معنى، فهو أخيد فعيل بمعنى مفعول، و الاتّخاذ افتعال من الأخذ، ائتخذوا في الحرب: إذا أخذ بعضهم بعضا، ثمّ ليّنوا الهمزة و أدغموا فقالوا- اتّخذوا.

كليا- الأخذ التناول. و أخذ إخذهم بالكسر: سار سيرتهم و تخلّق بأخلاقهم. و أَخَذَ: يعدّى بالباء نحو فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي‏، و بنفسه نحو خُذْها وَ لا تَخَفْ‏ و إن كان المقصود بالأخذ غير الشي‏ء المأخوذ حسّا فيتعدّى اليه بحرف. و الفعل مع صلته قد يكون بمعنى فعل آخر مع صلة اخرى- أَخَذَتْهُ‏ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ‏- أى حملته عليه.

مفر- الْأَخْذُ حوز الشي‏ء و تحصيله، و ذلك تارة بالتناول، نحو مَعاذَ اللَّهِ أَنْ‏ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا. و تارة بالقهر نحو- لا تَأْخُذُهُ‏ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ ... أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ ... فَأَخَذَهُ‏ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ ... وَ كَذلِكَ‏ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى‏. و يعبّر عن الأسير بالمأخوذ و الأخيذ. و الاتّخاذ افتعال منه و يعدّى الى مفعولين و يجرى مجرى الجعل نحو- لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ و اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ+.

41
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 42

 

فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ‏ سِخْرِيًّا. أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ‏ اتَّخِذُونِي‏ وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ‏. و قوله- وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ+ بعضهم ببعض ففي لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة و المقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر، و يقال فلان مأخوذ به.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التناول مع الحوز. و هذا المعنى يختلف باختلاف الموارد:

فقد يكون التناول باليد- كما في- خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً ...، أَخَذَ الْأَلْواحَ.

و قد يكون بالقلب- كما في- خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ+، ... وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ‏ فَخُذُوهُ‏.

و قد يكون بالسمع كما في- بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي‏ فَخُذْ ما آتَيْتُكَ‏.

و بأخذ قهر أو رأفة- فَأَخَذَهُمُ‏ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ+، ... لا تَأْخُذْكُمْ‏ بِهِما رَأْفَةٌ.

و بأخذ إحاطة في الخير و الشرّ- فَأَخَذَهُمُ‏ الْعَذابُ+ ...، لا تَأْخُذُهُ‏ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ ...، كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْها.

و كذلك سائر أنواع هذا المفهوم: من الأخذ بالعمل، و بالتصرف، و غيرهما- خُذِ الْعَفْوَ ...، يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ.

و أمّا الاتّخاذ: فهو الأخذ مع الدقّة و التوجّه، فيكون قريبا من الانتخاب.

وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً ...، اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا ...، فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ ...، اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ+ ...، اتَّخِذِي‏ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً.

أخر

مقا- أخر: أصل واحد اليه ترجع فروعه، و هو خلاف التقدّم، و الْآخَرُ

 

42
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أخر ص : 42

نقيض القدم. و الآخر نقيض المتقدّم.

مصبا- قال أبو عبيد: مؤخر العين، الأجود فيه التخفيف، و مؤخّر كلّ شي‏ء خلاف مقدّمه، و أخّرته ضدّ قدّمته، فتأخر، و الأخر و زان فرج بمعنى المطرود المبعد. و الأخير و الآخر خلاف الأوّل، و الأنثى آخرة. و الآخر بالفتح: بمعنى الواحد و وزنه أفعل و الأنثى أخرى بمعنى الواحدة أيضا، و يجمع الآخر لغير العاقل على الأواخر، و إذا وقع صفة للجمع غير العاقل أو حالا أو خبرا له: جاز أن يجمع جمع المذكّر أو جمع المؤنث و أن يعامل معاملة المفرد المؤنّث لأنّه غير عاقل، فيقال الأيّام الأفاضل باعتبار الواحد المذكّر، و الفضليات و الفضل إجراء له مجرى جمع المؤنّث لأنّه غير عاقل، و الفضلى اجراء له مجرى الواحدة، و جمع الاخرى أخريات و أخر.

كليا- الْآخَرُ مقابل الأوّل، و هو اسم لفرد لا حق لمن تقدّمه و لم يتعقّبه مثله، يجمع على آخرين و تأنيثه بالتاء لا غير، و رجل آخر معناه أشدّ تأخّرا، ثمّ أجرى مجرى غيره، و مدلول الآخر خاصّ بجنس ما تقدّمه بخلاف غير، فانّها تقع على المغايرة مطلقا في جنس أو صفة، و أخر جمع أخرى، و إنّما لم ينصرف لأنّه وصف معدول عن الأخر (أى مع اللام)، و القياس أن يعرّف إلّا أنّه في معنى المعرّف، و ليس في القرآن من الألفاظ المعدولة الّا ألفاظ العدد- مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ+. و من غيرها طُوىً+. و من الصفات اخر، وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ‏. و الآخرة و كذا الدنيا مع كونهما من الصفات الغالبة قد جرتا مجرى الأسماء، إذ قلّما يذكر معهما موصوفهما.

لسا- قال الزجّاج في قوله- وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ‏: و اخر لا ينصرف لأنّ وحدانها لا تنصرف مثل كبر و صغر، و كذلك كلّ جمع على فعل لا ينصرف إذا كانت وحدانها لا تنصرف. و إذ كان فعل جمعا لفعلة فانّه ينصرف نحو سترة و ستر، و إذا كان فعل اسما مصروفا عن فاعل لم ينصرف في المعرفة و ينصرف في النكرة. و أخرّته فتأخّر، و استأخر: كتأخّر، و في التنزيل- لا يَسْتَأْخِرُونَ‏ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ+ ...

وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏.

43
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 44

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه المادّة: هو التأخّر و هو ما يقابل التقدّم. و اختلاف المعاني في مشتقّاتها ليس إلّا من جهة اختلاف الصيغ و الهيئات فقط.

فآخر كفاعل، و أخير كفعيل، و أخر كحسن، و الآخر كأفعل، و أخرى كفعلى، و اخر جمع اخرى كصغرى و صغر و كبرى و كبر، و تفصيل عدم انصراف اخر مذكور في الكتب النحويّة.

و إطلاق أخر على المطرود من جهة تأخّره عن مقامه.

و الظاهر أنّ صيغ الفعل المجرّد و كذا باب الإفعال من هذه المادّة غير مستعملة، و لم نر صيغة على وزانها.

خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً ... يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ ... أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ.

... وَ قالَ‏ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ‏ ... وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ‏ الْآخَرِ.

فذكر هذه الكلمة (آخر) في هذه الموارد يشير الى زيادة التأخّر فيها رتبة، كما في الآيتين الأوليين. أو تكوّنا و من جهة شدّة الامتياز و الفصل، كما في الآية الثالثة، أو من جهة خصوصيّات ظاهريّة كما في الأخيرتين.

و هذا المعنى محفوظ في صيغ التأنيث و التثنيّة و الجمع منها- ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ‏ مِنْ غَيْرِكُمْ‏.

إشارة الى زيادة تأخّر رتبة من ليس بعادل و انحطاط مقامه بالنسبة إلى العادل.

فَإِنْ عُثِرَ عَلى‏ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً فَآخَرانِ‏ ... وَ آخَرُونَ‏ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏.

التأخّر في هاتين الآيتين في جهة الارتفاع و العلوّ.

وَ آخَرُونَ‏ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا- التأخّر من جهة الانحطاط في الرتبة.

و قد يكون التأخّر في الزمان: كما في- ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ‏ ... وَ

44
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 44

آخَرِينَ‏ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ‏.

و قد يكون التأخّر من جهة مجرّد الارتباط و النسبة: كما في- وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏+ ... وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ‏ أُخْرى‏ ... هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ‏ ... ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ‏ أُخْرى‏ فَإِذا هُمْ قِيامٌ‏.

و الآخر: كفاعل، بمعنى المتأخّر المطلق بالنسبة الى ما قبله، و هذا المعنى محفوظ في جميع موارد استعماله كما في- اليوم الآخر- بالنسبة الى يوم الدنيا المتقدّم.

وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏- 10/ 10.

بالنسبة الى قولهم أوّلا- دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ‏، و إشارة الى كونهم شاكرين حامدين راضين ما داموا في الجنّة.

عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا.

أى لمبتدأ حياتنا و بقيّتها ما داموا في الدنيا.

هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ‏- 57/ 3.

أى هو البدء في عالم الوجود و المتأخّر المطلق أى ما يكون بعده، فلا فصل بين الأوّل و الآخر كالنقيضين، فالآخر يشمل جميع المراحل لما بعد الأوّل، كما أنّ الباطن في مقابل الظاهر و يشمل جميع المراحل و المراتب الّتى هي دون الظاهر.

فلا يطلق الآخر [بصيغة أفعل التفضيل‏] على اللّه المتعال، إذ لا معنى لكونه أشدّ تأخّرا.

و أيضا لا يستعمل اسم الآخر إلّا مع اسم الأوّل، فانّه يدلّ على امتداد مفهوم الوجود فيما بعد الأوّل، فهو مفهوم إضافىّ، كما أنّ الباطن له مفهوم إضافىّ في مقابل الظاهر.

و الآخرة: مؤنّث الآخر، و قد ذكرت في تسعة موارد في القرآن الكريم، مقيّدة بالدار، صفة أو مضافة اليها.

إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ ... وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ ... وَ لَدارُ الْآخِرَةِ

45
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 44

خَيْرٌ+.

و في مورد واحد مقيّدة بالنشأة- يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ.

و في خمسة موارد مقابلة بالأوّلى- فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ‏ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى‏ ... فَلِلَّهِ‏ الْآخِرَةُ وَ الْأُولى‏.

و في ثمانية و أربعين موردا مقابلة بالدنيا- فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ+ ... فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي‏ الْآخِرَةِ حَسَنَةً ... مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي‏ الْآخِرَةِ أَعْمى‏ ... اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ.

و قد ذكر الآخر مذكّرا صفة لليوم في ستّة و عشرين موردا- آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ‏ الْآخِرِ ... لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ‏ الْآخِرَ+.

فظهر أنّ معنى الآخر و الآخرة: هو المراحل المتأخّرة و المنازل المتعقّبة بعد انقضاء أيّام الدنيا، فيعبّر عنها بالدار الآخرة و النشأة الآخرة و اليوم الآخر و الآخرة (المطلقة) فالآخرة ممتدّة في طول الحياة الدنيا، فتشمل مرحلة القبر و البرزخ و الحشر و النشر و الحساب و الجنّة و الجحيم و غيرها.

و ممّا قلنا يظهر لطف التعبير بهذه الكلمة دون كلمة الآخر بالفتح أو كلمة الاخرى: فانّ الواقع و الحقّ اتّصال مرحلة تلك الدار بالحياة الدنيا و ترتّبها عليها من دون فصل، فلا معنى في التعبير بصيغة أفعل الدالّة على البعد و الفصل، و هذا من إعجاز كتاب اللّه المبين.

و أمّا الفرق بين التأخّر و الاستيخار في قولهم- أخّرته فتأخّر و استأخر:

فالتأخّر للمطاوعة الصرفة، و في الاستيخار مضافة الى المطاوعة: دلالة على الطلب المكنون في باطنه، فكأنّه يحبّ الاستيخار قبل أن يتأخّر.

لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ‏- 15/ 24.

أى من كان يحبّ التقدّم و يطلبه ثمّ تقدّم، و من كان يحبّ التأخّر و تأخّر.

فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ‏ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ+- 7/ 34.

46
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أخو ص : 47

أى لا يتأخّرون و لا يتقدّمون و لا يوجد منهم ميل أو طلب الى التأخّر و التقدّم أيضا، و هذا التعبير يدلّ على كمال اللطف و الرحمة من اللّه المتعال بحيث لا يبقى حين حلول الأجل اقتضاء في تقدّمه و تأخّره حتّى يوجب الطلب و الميل الى خلافه.

ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ‏+- 15/ 5.

إشارة الى كمال النظم و نهاية التدبير في خلق اللّه تعالى بحيث لا يمكن السبق فيها و لا طلب التأخير منهم بأىّ سبب كان.

أخو

مصبا- الأخ‏ لامه محذوفة و هي واو، و تردّ في التثنيّة على الأشهر، فيقال أخوان و جمعه إخوه و اخوان و آخاء، و الأنثى أخت و جمعها أخوات، هو أخو تميم أى واحد منهم، و أخو الموت أى مثله، و أخو الصدق أى ملازم له، و أخو الغنى أى ذو الغنى، و تأخيّت الشي‏ء بمعنى قصدته و تحريته. و آخيت بين الشيئين و واخيت لغة اليمن كواخذت.

صحا- الْأَخُ‏ أصله أخو بالتحريك لأنّه جمع على آخاء مثل آباء، و الذاهب منه و او لأنّك تقول في التثنيّة أخوان، و الجمع إخوان كخرب و خربان، و إخوه و أخوة، و قد يتّسع في الجمع فيراد به الاثنان،- و فَإِنْ كانَ لَهُ‏ إِخْوَةٌ- كقولك إنّا فعلنا و نحن صنعنا، و أنتما اثنان.

مفر- الْأَخُ‏ و هو المشارك آخر في الولادة، من الطرفين أو من أحدهما أو من الرضاع، و يستعار في كلّ مشارك لغيره في القبيلة أو في الدين أو في صنعة أو في معاملة أو في مودّة أو في غير ذلك من المناسبات- و لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ‏- أى لمشاركيهم في الكفر- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏ إِخْوَةٌ ... أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ‏ أَخِيهِ‏. و قوله‏ فَإِنْ كانَ لَهُ‏ إِخْوَةٌ أى إخوان و أخوات. و قوله‏ إِخْواناً عَلى‏ سُرُرٍ

47
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 48

مُتَقابِلِينَ‏- تنبيه على انتفاء المخالفة فيما بينهم. و الاخت تأنيث الأخ و جعل التاء فيه عوضا من المحذوف فيه. و يا أُخْتَ‏ هارُونَ‏- يعنى أخته في الصلاح لا في النسبة، كقولهم يا أخا تميم، أَخا عادٍ، سمّاه أخا تنبيها على إشفاقه عليهم شفقّة الأخ على أخيه. و عليه قوله: وَ إِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ‏+، ... وَ إِلى‏ مَدْيَنَ‏ أَخاهُمْ‏+. و قولهم: تأخّيت أى تحريّت تحرّى الأخ للأخ، و اعتبر من الاخوّة معنى الملازمة، فقيل أخيّة الدابّة. و قولهم‏ وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ‏ أُخْتِها- أى من الآية الّتى تقدّمتها، و سمّاها أختا لها لاشتراكهما في الصحّة و الابانة و الصدق. و قوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ‏ أُخْتَها- إشارة الى أوليائهم المذكورين في نحو قولهم: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ‏.

لسا- و الْأُخْتُ‏ أنثى الأخ، صيغة على غير بناء المذكّر و التاء بدل من الواو، وزنها فعلة فنقلوها الى فعل و ألحقتها التاء المبدلة من لامها بوزن فعل فقالوا أخت، و ليست التاء فيها بعلامة تأنيث كما ظنّ من لا خبرة له بهذا الشأن، و ذلك لسكون ما قبلها، هذا مذهب سيبويه و هو الصحيح.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو تشارك في نسب أو في أمر مادّىّ أو معنوىّ يجمعهما ذلك الأمر. كما قلنا في الأب أيضا: إنّ الأصل فيه هو التربية المطلقة.

و هذه الكلمة من الأسماء الستّة الّتي ذكروا أنّ إعرابها بالحروف، و هي أب، أَخٌ‏، حم، هن، فم، ذو.

فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا- 12/ 63.

و كان يوسف أخاهم من الأب.

وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ‏ هُوداً+ ... وَ إِلى‏ مَدْيَنَ‏ أَخاهُمْ‏ شُعَيْباً+.

باعتبار كونهم من قبيلة واحدة و ينتهى نسبهم الى أب واحد، و هكذا:

قالَ لَهُمْ‏ أَخُوهُمْ‏ نُوحٌ‏ ... إِذْ قالَ لَهُمْ‏ أَخُوهُمْ‏ لُوطٌ أَ لا تَتَّقُونَ‏ ... فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ‏ أَخِيهِ‏

48
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 48

شَيْ‏ءٌ- 2/ 178.

عبّر بِالْأَخِ‏ لإيجاد الشفقّة و الرحمة، فانّ أفراد بنى آدم لازم لهم أن يعاملوا و يعاشروا بينهم كالإخوان، فانّهم من أب واحد و امّ واحدة، أبوهم آدم و الام حوّاء. إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ‏ الشَّياطِينِ‏- 17/ 27.

فإذا كان الإنسان مبذّرا و خرج عن الاعتدال فهو أخو الشيطان، و يجمعهما عنوان واحد و هو التعدّى عن الحقّ و البعد عن مرحلة العدل.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏ إِخْوَةٌ ... نافَقُوا يَقُولُونَ‏ لِإِخْوانِهِمُ‏ ... كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ‏.

فالمؤمنون و المنافقون و الكافرون كلّ فرقة منهم بعضهم إخوة بعض، يجمعهم عنوان واحد- النفاق، الكفر، الايمان.

و الفرق بين الإخوة و الإخوان: أنّ استعمال الإخوة في ابتداء مراحل الأخوّة، و لمّا تحقّقت المحبّة بينهم و كملت الالفة و خلصت المودّة تطلق كلمة الإخوان، و كذلك إذا أريد تحقّق المحبّة و جلب الالفة و إيجاد الاخوّة بينهم. و يؤيّده وجود حرف المدّ و اللين فيه. هذا ما يظهر و يستكشف من تحقيق موارد استعمال الكلمتين.

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ‏ أَخَوَيْكُمْ‏- 49/ 10.

نزلت في موارد حدوث الاختلاف و البغض بينهم، فيشار الى دفعه بالاشتراك في الايمان.

و كذلك- لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى‏ إِخْوَتِكَ‏ ... فَإِنْ كانَ لَهُ‏ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏ ... فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ‏.

هذه الآيات نزلت في موارد مقتضية للاختلاف و حدوث البغض، فيلاحظ معنى الاخوّة و يتوجّه اليه.

و في مقابلتها: فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ‏ إِخْواناً- 3/ 103.

إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ‏ وَ أَزْواجُكُمْ‏- 9/ 24.

49
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أد ص : 50

 

نزلت في مقام تحقّقت الالفة أو اقتضتها.

وَ لَهُ‏ أَخٌ‏ ... ائْتُونِي‏ بِأَخٍ‏ ... وَ هذا أَخِي‏ ... وَ أَخِي‏ هارُونُ‏:

و شرط ذا الاعراب أن يضفن لا

 

 للياء كجاء أَخُو أبيك ذا اعتلاء.

 

و أمّا تأخّيت أى تحرّيت و قصدت: فلا يبعد أن تكون مأخوذة من مادّة الوخي بمعنى القصد و السير، فيكون بين المادّتين اشتقاق أكبر.

أدّ

مقا- أَدٌّ: فأصلان أحدهما عظم الشي‏ء و شدّته و تكرّره. و الآخر الندود.

أمّا الأوّل: فالإدّ و هو الأمر العظيم. قال اللّه تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا- أى عظيما من الكفر. و يقال: أدت الناقة إذا رجعت حنينها. و الأدّ: القوّة. و ثانيهما أدّت الإبل إذا ندّت (نفرت).

صحا- الْإِدُّ و الْإِدَّةُ: الداهية و الأمر الفظيع، و منه قوله تعالى- لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. و كذلك‏ الْآدُّ مثال فاعل.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الأمر العظيم المكره، و هو خلاف الجريان الصحيح السليم، كما أنّ نسبة الولد الى اللّه العزيز المتعال كذلك، فانّها نسبة منكرة، و هكذا حنين شديد من الناقة، و نفرها دفعة، و يدلّ عليه الكسرة و التشديد الدالّان على انكسار و شدّة.

وَ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا- 19/ 89.

هذه الكلمة وردت في القرآن المجيد في مورد واحد.

 

50
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أدم ص : 51

أدم‏

مقا- أَدَمٌ‏: أصل واحد و هو الموافقة و الملائمة. طعام مأدوم. و أدم الطعام، لأنّ صلاحه و طيبه لا يكون إلّا بالإدام.

مصبا- أَدَمْتُ‏ بين القوم أدما: أصلحت و ألّفت. و

في الحديث‏: فهو أحرى أن‏ يُؤْدَمَ‏ بينكما

: أى يدوم الصلح و الالفة. و الإدام: ما يؤتدم به مائعا كان أو جامدا.

مفر- آدَمُ‏ أبو البشر، قيل سمّى بذلك لكون جسده من أديم الأرض، و قيل لسمرة في لونه، يقال رجل آدم أى أسمر، و قيل سمّى بذلك لكون جسده من عناصر مختلفة و قوى متفرّقة، يقال جعلت فلانا أدمة أهلى، أى خلطته بهم، و قيل سمّى به لما طيّب به من الروح المنفوخ به و جعل له به العقل و الفهم و الرويّة الّتى فضّل بها على غيره.

فر- [آدَام‏] آدم، انسان.

 [آدوم‏] الأحمر.

 [اداماه‏] الأرض، التربة.

أخبار الزمان ص 49- و سمّى اللّه‏ آدَمَ‏ عبد اللّه و كنّاه أبا محمّد، و كان يتكلّم بالعربيّة فحوّل اللّه عزّ و جل لسانه الى السريانيّة.

المعارف ص 11- فخلق آدم من أدمة الأرض و نفخ في وجهه نسمة الحياة، و قال إنّ آدم لا يصلح أن يكون وحده، و لكن أصنع له عونا.

التنبيه و الإشراف ص 69- و هذه جزيرة العرب كانت كلّها مملكة واحدة يملكها ملك واحد و لسانها واحد سريانىّ و هو اللسان الأوّل لسان آدم و نوح و ابراهيم (ع) و غيرهم فيما ذكر اهل الكتب ... و انّما تختلف لغات هذه الشعوب من السريانيّين اختلافا يسيرا، و العربيّة أقرب اللغات بعد العبرانيّة الى السريانيّة، و ليس التفاوت بينهما بالكثير، و قيل إنّ أوّل من تكلّم بالعبرانيّة ابراهيم الخليل (ع)

51
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 52

بعد أن خرج من قريته المعروفة باور كشد و عبر الفرات.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في المادّة: هو خلط يوجب إصلاحا و ملائمة، و منه خبز مأدوم، و إدام الطعام.

و كلمة آدم عربيّة على أفعل، و هي مأخوذة من العبرانيّة و السريانيّة بتغيير مختصر و تصرّف و تعريب.

ثمّ إنّ ما يقوى في النظر أنّ هذه الكلمة أطلقت عليه (ع) أوّلا باعتبار معناه الوصفي لا بعنوان العلميّة، ثمّ جعلت علما له بالغلبة.

و من الآيات الّتى استعملت هذه الكلمة فيها بعنوان العلميّة الشخصيّة:

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ‏ وَ نُوحاً ...، إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ‏ آدَمَ‏- 3/ 59.

فالكلمة استعملت فيها علما كنوح و عيسى، و الحكم [الاصطفاء، المثليّة] أيضا مخصوص به، و لا يمكن تعميمه بسائر بنى آدم.

و من الموارد الّتى يمكن تعميمه و إن كان المورد خاصّا.

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ‏+- 2/ 34.

وَ عَلَّمَ‏ آدَمَ‏ الْأَسْماءَ كُلَّها ... يا آدَمُ‏ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ‏- 20/ 117.

فانّ سجود الملائكة و خضوعهم لآدم: ليس من جهة خصوصيّة شخص آدم من حيث هو هو، بل من جهة مقامه و صفاته النفسانيّة و صفاء ذاته و روحانيّة نفسه، و بلحاظ أنّه خليفة اللّه في خلق الرحمن و مظهره في أرضه و حجّته و آيته الكبرى.

إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً- 2/ 30.

و بهذا ينكشف معنى تعليم الأسماء لآدم: فانّه أمر تكوينىّ يرجع الى الاستعداد الفطرىّ و الجعل التكوينىّ الإلهىّ و المرآتيّة الكاملة و الجامعيّة التامّة.

ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ‏- 23/ 14.

52
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أدى ص : 53

و كذلك يظهر معنى عداوة إبليس لآدم شخصا أو نوعا: فانّ الإنسان مظهر للرحمن كما أنّ إبليس مظهر للاستكبار و الشيطنة و مصداق غضب و قهر للجبّار و هو مطرود رجيم، فهذه العداوة بينهما طبيعىّ قهرىّ.

إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏- 12/ 5.

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا- 35/ 6.

هذا منشأ العداوة و لا ينافيه حدوث عداوة اخرى أيضا في أثر مقتضيات اخر. كما أنّ تعليم الأسماء تكوينا لا ينافيه التعليم الحادث.

و ليعلم أنّ إطلاق كلمة- آدم- في القرآن الكريم: واقع في موارد تقتضي الاشارة الى فطرته الأصليّة السليمة الصافية و خلقته الطاهرة الخالصة فإنّها أوّل كلمة أطلقت عليه بعد قوله تعالى- إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، و هذا بخلاف كلمة البشر و الإنسان: فانّ إطلاقهما عليه باعتبارات عرضيّة ثانويّة بتناسب المادّتين.

و الى هذا المعنى يشار بالعهد التكوينىّ في قوله تعالى:

وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ‏ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ...

أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي‏ آدَمَ‏ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ‏.

و لا ينافي هذا العهد: الوصايا و التذكّرات و عهود اخر تشريعيّة بوسائط أخر من الكتب النّازلة و الأنبياء المرسلين و الوحى و غيرها.

وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ‏.

أدى‏

مقا- أصل واحد و هو إيصال الشي‏ء الى الشي‏ء أو وصوله اليه من تلقاء نفسه، أَدَى‏ اللبن إذا وصل الى حال الرؤوب، أدّى فلان يؤدّى ما عليه أداء أو تأدية، و فلان‏ آدَى‏ للأمانة منك.

53
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 54

مصبا- أَدَّى‏ الأمانة الى أهلها تأدية إذ أوصلها، و الاسم الأداء، و آدى على أفعل: قوى في السلاح و نحوه، و الْأَدَاةُ: الآلة و أصلها واو، و الجمع أدوات، و الْإِدَاوَةُ: المطهرة.

مفر- الْأَدَاءُ: دفع الحقّ دفعة و توفيته، كأداء الخراج و الجزية و ردّ الأمانة.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الوصول و الإيصال لما في الذمّة الى مورده.

و ليعلم انّ هذه المادّة يائيّة (آخرها ياء)، و أمّا الواويّة و هي‏ أَدْوٌ: فمشتقّاتها الأداة و الإداوة، و آداه يؤديه ايداء إذا قوّاه و أعانه. و قد اختلطت المادّتان في كلامهم، و بينهما اشتقاق أكبر، فانّ التناسب بين الإيصال و الاعانة و التقوية ظاهرة، و لا سيّما مع دعاية خصوصيّة البابين، الإفعال و التفعيل، و قد استعملت الواويّة من باب الافعال و اليائيّة من التفعيل.

فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ‏ ... إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ‏ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها- 4/ 58.

أَنْ‏ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ‏ 44/ 18. فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ‏- 2/ 283.

و أمّا حقيقة التأدية في قوله تعالى: وَ جاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ. أَنْ‏ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. وَ أَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ‏- 44/ 18.

تحويل عباد اللّه (و هم الّذين يتوجّهون اليه و لهم تعلّق به و يريدون أن يسيروا اليه و يعملوا بوظائف عبوديتهم) اليه، أى الى الرسول موسى (ع) الّذى مرسل من جانب اللّه تعالى و خليفته في أرضه و أمين اللّه و رسوله على خلقه، حتّى‏ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ+ و يبلّغهم أوامر اللّه و نواهيه و أحكام العبوديّة.

و هذا المعنى أقرب الى الصواب لغة و أدبا و معنى.

54
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إدريس ص : 55

و الفرق بين الإيصال و التَّأْدِيَةُ: أنّ التأدية إيصال ما كان في ذمّته و ما كان ملزما بإيصاله، بخلاف الإيصال فهو مطلق، فلا يقال في الأمانة: إنّه أوصلها بل أدّيها الى أهلها.

إدريس‏

صحا- و يقال سمّى‏ إدريس‏ لكثرة دراسة كتاب اللّه، و اسمه أختوخ.

المعارف- و إنّما سمّى إدريس لكثرة ما كان يدرس من كتاب اللّه و سنن الإسلام، و أنزل اللّه عليه ثلاثين صحيفة، و هو اوّل من خطّ بالقلم و أوّل من حاك الثياب و لبسها، و كانوا من قبل يلبسون الجلود، و استجاب له ألف انسان ممّن كان يدعوهم، فلمّا رفعه اللّه اختلفوا بعده و أحدثوا الأحداث الى زمن نوح، و هو أبو جدّ نوح، و رفع و هو ابن ثلاثمائة و خمس و ستّين سنة، و في التوراة إنّ أختوخ أحسن خدّام اللّه فرفعه اللّه اليه.

التكوين 5/ 18- و عاش يارد مائة و اثنتين و ستّين سنة، و ولد أخنوخ ... و عاش أخنوخ خمسا و ستّين سنة و ولد متوشالح، و سار أخنوخ مع اللّه ...

و سار متوشالح مائة و سبعا و ثمانين سنة و ولد لامك ... و عاش لامك مائة و اثنتين و ثمانين سنة و ولد ابنا و دعا اسمه نوحا.

المروج- خنوخ و هو إِدرِيسُ‏ النبي (ص) و الصابئة تزعم إنّه هو هرمس، و هو الّذى أخبر اللّه تعالى في كتابه- إنّه رفعه‏ مَكاناً عَلِيًّا- و هو أوّل من درز الدروز و خاط بالإبرة و أنزل عليه ثلاثون صحيفة.

البدء- 3/ 11- قصّة إدريس: يزعم أهل العلم إنّه أخنوخ بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم، و هو أوّل نبىّ أعطى الرسالة بعد آدم، و انزل عليه النجوم و الطبّ و اسمه عند اليونانيّين هرمس، و كان يصعد له من‏

55
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إدريس ص : 55

العمل في كلّ يوم مثل عمل بنى آدم كلّهم، فشكر اللّه ذلك له و رفعه‏ مَكاناً عَلِيًّا.

فر-: (حانخ) (حينخ) التربية و التعليم.

التكوين العبرى- 5/ 21- (ويحى- حنوخ) و عاش حنوخ.

و

فِي زِيَارَةِ النَّاحِيَةِ- السَّلَامُ عَلَى آدَمَ صِفْوَةِ اللَّهِ مِنْ خَلِيقَتِهِ، السَّلَام عَلَى شَيْثٍ وَلِيِّ اللَّهِ وَ خِيَرَتِهِ، السَّلَامُ عَلَى‏ إِدْرِيسَ‏ الْقَائِمِ لِلَّهِ بِحُجَّتِهِ، السَّلَامُ عَلَى نُوحٍ الْمُجَابِ فِي دَعْوَتِهِ‏

. و

فِي دُعَاءِ أُمِّ دَاوُدَ- أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى هَابِيلَ وَ شَيْثٍ وَ إِدْرِيسَ‏ وَ نُوحٍ وَ هُودٍ وَ صَالِحٍ وَ إِبْرَاهِيمَ.

البحار- 5 باب معنى النّبوّة-

عن أبي ذر قال‏: قلت يا رسول اللّه كم المرسلون منهم؟ قال ثلاثمائة و ثلاثة عشر ... يا أبا ذرّ أربعة من الأنبياء سريانيّون- آدم و شيث و أخنوح و هو إِدْرِيسُ‏ و هو اوّل من خطّ بالقلم، و نوح، و أربعة من العرب هود و صالح و شعيب و نبيّك محمّد (ص).

و

فيه أيضا- سأل الشامىّ أمير المؤمنين (ع): من ولد من الأنبياء مختونا؟

فقال خلق اللّه آدم مختونا و ولد شيث مختونا و إدريس و نوح و ابراهيم و داود و سليمان ...

الخ.

الطبري- 1/ 86-

عن أبى ذرّ عن رسول اللّه (ص) قال‏: أربعة من الرسل سريانيّون آدم و شيث و نوح و خنوح، و هو أوّل من خطّ بالقلم و أنزل اللّه على خنوخ ثلاثين صحيفة.

أخبار العلماء للقفطى- إِدْرِيسُ‏: فقالت فرقة ولد بمصر و سمّوه هرمس الهرامسة، و قالوا هو باليونانيّة أرميس و عرّب بهرمس و معنى أرميس عطارد، و قال آخرون اسمه باليونانيّة طرميس و هو عند العبرانيّين اسمه خنوخ و عرّب أخنوخ، و سمّاه اللّه تعالى في كتابه العربىّ المبين إِدْرِيسُ.

56
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 57

و التحقيق‏

أنّه ظهر ممّا نقلنا لك امور:

1- أنّ‏ إِدْرِيسُ‏ هو أخنوخ بن يارد، و نسبه مضبوط في التكوين.

2- أنّ أخنوخ قد ضبط في العبريّة بلفظ- حنوخ.

3- أنّ حنوخ من مادّة حانخ العبريّة و هي بمعنى التعليم و التربية، و لا يبعد أن يكون إدريس ترجمة لها إن كان عربيّا من الدرس.

4- أنّ إدريس يمكن أن يكون مأخوذا من أرميس أو طرميس يونانيّة كما سبق، و يحتمل أن يكون مأخوذا من العبريّة- [دارش‏] الوعظ. و الّذى يقوى في النظر كونه معرّبا لا عربيّا أصيلا.

5- فلا يبعد أن يكون إدريس اسما آخر له باعتبار صفة أو خصوصيّة فيه، كما في يعقوب و إسرائيل، محمّد و أحمد، عيسى و المسيح.

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ‏ إِدْرِيسَ‏ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا- مريم/ 56. وَ إِسْماعِيلَ وَ إِدْرِيسَ‏ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ‏- أنبياء/ 85.

و يستفاد من الآيتين الكريمتين: مقامه السامي في الصدق و الحقّ، و ارتفاعه الى مقام علىّ من الروحانيّة و الحقيقة، و كونه من الأنبياء المرسلين في مرتبة إسماعيل و ذى الكفل، و أنّه من الصابرين على الحقّ الّذين هم استقاموا على الطريقة الإلهيّة و أداء الوظائف المعيّنة.

سعد السُعود- 32- فيما نذكره من صحائف‏ إِدْرِيسَ‏ (ع)، وجدت هذه الصحف بنسخة عتيقة يوشك أن يكون تاريخها من مائتين من السنين بخزانة كتب مولانا أمير المؤمنين (ع) ... الخ.

ثم ذكر منها موارد في السنن و المواعظ و ما يتعلّق بآدم.

و ممّا ينتسب الى‏ إِدْرِيسَ‏ النبىّ ما طبع في تبريز مرّات، و منها في سنة

57
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إذ ص : 58

1315- ه. منضمّا الى الأحاديث القدسيّة، و في أوّله:

قال أحمد بن الحسين بن محمّد المعروف بابن متويه، وجدت هذه الصحف بالسوريّة ممّا أنزلت على إدريس النبىّ أخنوح (ص) و كانت ممزّقة و مندرسة فتحرّيت الأجر في نقلها الى العربيّة.

ثمّ نقل ثلاثة عشر صحيفة في الحمد و الخلق و الرزق و المعرفة و العظمة و القربة و غيرها.

فظهر ممّا ذكر أنّ إدريس لا شكّ أنّه أخنوخ بن يارد، و أنّه قبل نوح، و أنّه من الأنبياء الصدّيقين. و أمّا أن كلمة إدريس هل هي معرّبة من السريانيّة أو العبرانيّة أو اليونانيّة! و هل هي كانت وصفا أو لقبا أو اسما آخر له! فلا مأخذ لنا في تحقيقها.

و هنا أقوال اخر: من أنّ كلمة إِدْرِيسَ‏ عربيّة من مادّة الدرس، و أنّه من أنبياء بنى إسرائيل، و أنّه هو إلياس أو غيره، و أنّه بعد زمان نوح النبيّ: كلّها ضعيفة ساقطة.

إذ

يدلّ على الزمان الماضي.

الكافية- و إِذْ لما مضى و يقع بعدها الجملتان.

صحا- إِذْ: كلمة تدلّ على ما مضى من الزمان، و هو اسم مبنىّ على السكون، و حقّه أن يكون مضافا الى جملة، تقول جئتك إذ قام زيد، و إذ زيد قائم، و إذ زيد يقوم، فإذا لم تضف نوّنت‏

58
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 59

 

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة موضوعة للدلالة على وقوع فعل أو نسبة في الزمان الماضي، فهي من الظروف.

و هذا المعنى تختلف خصوصيّاته و قيوداته باختلاف الموارد:

فقد تقع مفعولا فيها: فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ‏ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا.

أو مفعولا بها: وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا.

أو مضافا إليها: بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، ... يَوْمَئِذٍ+.

أو في مقام التعليل: وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ‏.

أو مضافة الى المضارع: إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ‏.

أى فقد كان ابراهيم في الماضي مشتغلا برفع القواعد مستمرّا، فصيغة الاستقبال إنّما هي بالنسبة الى الماضي المفهوم أوّلا من كلمة إذ.

أو مضافة الى الجملة الاسميّة:

وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ‏.

و قد تدخل على الماضي ذكرا و اعتبارا:

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أى في ذلك اليوم الّذى ذكرنا و وصفناه، تحدّث الأرض أخبارها.

يومئذ: هذه الكلمة قد ذكرت في القرآن المجيد في 68 موردا، و قد حذفت الجملة المضافة اليها فيها، و تنوينها للتعويض عن تلك الجملة المحذوفة، أى يوم إذ كان كذلك، و ليست للتمكّن لتخالف بناءها.

إذا

اسم ظرف للمستقبل في مقابل إذ.

 

59
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إذن ص : 60

فالأصل الواحد في هذه الكلمة هو الظرفيّة في الاستقبال، و تختلف خصوصيّاتها باختلاف الموارد و القرائن.

فتدخل على الفعل المضارع: إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا+.

و على الجملة الاسميّة: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ‏.

و على الماضي إذا كان مستقبلا في المعنى:

ثُمَ‏ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً ... إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ... فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ.

و على الماضي إذا كان مستقبلا بالنسبة الى ما سبق و باعتبار ما ذكر:

إِذا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ‏ ... إِذا ساوى‏ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ‏ ... حَتَّى‏ إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ‏.

فانّ الاستقبال فيها باعتبار ما سبق من قوله: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً+ ... آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ.

فذكر كلمة إذا باعتبار هذه الجملات السابقة الجارية. و ذكر صيغة الماضي- بلغ- ساوى: باعتبار زمان التكلّم، فقد لوحظ في تلك الآيات الاعتباران.

و تقع في مقام الشرط: فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏.

فيستفاد من صدر الجملة معنى الشرطيّة.

و في مقام الجزاء أو مثله في ترتّب أمر على ما تقدّم و يسمّى بالمفاجأة:

إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ+ و إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا و فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ.

فهذه المعاني المختلفة إنّما تستفاد من القرائن و اقتضاء الموارد و من لحن الكلام و كيفيّة التعبير، و الأصل فيها ما قلنا.

إذن‏

هذه الكلمة أصلها إذا، و النون فيها هي صورة التنوين في إذا، و هي تنوين التعويض، كما في- أيّا و كلٌ.

إذا قمت‏ فَإِذَنْ‏ أكرمك، و يجوز أن تكتب بالألف أيضا:

60
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إذن ص : 61

أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ ... كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ+.

فالتنوين عوض عن المحذوف، أى أىّ اسم، و كلّ منها.

ثمّ إنّ هذه الكلمة تعمل النصب في المضارع إذا لم يعتمد ما بعدها على ما قبلها.

و نصبوا بِإِذَنْ‏ المستقبلا

 

 ان صدّرت و الفعل بعد موصلا

 

 صحا- و إِذَنْ‏: حرف مكافاة و جواب إن قدّمتها على الفعل المستقبل نصبت بها لا غير، إذا قال لك قائل: الليلة أزورك، قلت: إِذَنْ‏ أكرمك. و ان أخّرتها ألغيت و قلت: أكرمك‏ إِذَنْ‏.

إذن‏

مقا- إِذْنٌ‏: أصلان متقاربان في المعنى و متباعدان في اللفظ: أحدهما أُذُنُ‏ كلّ ذى‏ أُذُنٍ‏. و الآخر العلم. و عنهما يتفرّع الباب كلّه. فأمّا التقارب: فبالأُذُنِ‏ يقع علم كلّ مسموع. و أمّا تفرّع الباب: فالأُذُن معروفة مؤنّثة، و يقال لذي الأُذُن آذِنٌ، و للرجل السامع من كلّ أحد أُذُنٌ- وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ‏. و الأَذْنُ‏ الاستماع. و الأصل الآخر: العلم و الإعلام. يقال قد أذنت بهذا الأمر:

علمت. و آذنني فلان: أعلمنى. و المصدر الأَذْنُ‏ و الإِيذَانُ‏. و فعله بإذني: بعلمي، و يجوز بأمرى. و هو قريب من ذلك. و من ذلك أذن لي في كذا. و من الباب‏ الْأَذَانُ‏، و هو اسم‏ التَّأْذِينُ‏، كما أَنَّ العذاب اسم التعذيب. وَ إِذْ تَأَذَّنَ‏ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ‏، أى أعلم ربّكم و ربّما قالت العرب: في معنى أفعلت تفعّلت، و مثله أوعدني و توعّدنى، هو كثير.

مصبا- أَذِنْتُ‏ له في كذا: أطلقت له فعله، و الاسم الإذن، و هو الأمر و الإرادة، نحو بإذن اللّه. و أذنت للعبد فهو مأذون له، و الفقهاء يحذفون الصلة تخفيفا

61
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 62

فيقولون للعبد: المأذون، كما قالوا محجور و الأصل محجور عليه. و أَذِنْتُ‏ لِلشَّيْ‏ءِ أَذَناً من باب تعب: استمعت. و أذنت بالشي‏ء: علمت به. و يعدّى بالهمزة- آذَنْتُهُ‏ إِيذَاناً، و تأذّنت: أعلمت. و أذّنت بالصلاة: أعلمت بها، و الأذان اسم منه، و الفعال يأتى اسما من فعّل مثل الوداع و السلام و الزواج و الكلام و الجهاز. و الأذن جمعها الْآذَانُ‏. و استأذنته في كذا: طلبت إذنه، فأذن لي فيه: أطلق لي فعله.

كليا- وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ‏ بِإِذْنِ‏ اللَّهِ‏، أى بإرادته و أمره أو بعلمه، لكنّ الإذن أخصّ من العلم و لا يكاد يستعمل إلّا فيه مشيّته، ضامّه الأمر أو لم يضمّه، وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ‏ اللَّهِ‏- فيه مشيئة من وجه.

مفر- و أذن: استمع، نحو- وَ أَذِنَتْ‏ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ+. و يستعمل ذلك في العلم الّذى يتوصّل اليه بالسماع- فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏. و الإذن و الأذان لما يسمع، و يعبّر بذلك عن العلم، إذ هو مبدأ كثير من العلم فينا- ائْذَنْ‏ لِي وَ لا تَفْتِنِّي‏، ... وَ إِذْ تَأَذَّنَ‏ رَبُّكَ‏. و أذنته و آذنته: بمعنى. و المؤذّن كلّ من يعلم بشي‏ء نداء.

ثُمَ‏ أَذَّنَ‏ مُؤَذِّنٌ‏ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ‏.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها هو الإطّلاع بقيد الرضا و الموافقة سواء صدر منه أمر أم لا، فهذا المعنى مأخوذ في جميع موارد استعمالها.

فالأذن- كالجنب صفة مشبّهة، و معناها- المطّلع الراضي الموافق.

قُلْ‏ أُذُنُ‏ خَيْرٍ لَكُمْ‏ ... وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ‏- 9/ 61.

ثمّ غلب استعمالها في الجارحة المخصوصة الّتى هي حاسّة السمع و الاطّلاع.

وَ الْأُذُنَ‏ بِالْأُذُنِ‏- 5/ 45.

أُذُنٌ‏ واعِيَةٌ 69/ 12.

و جمعها الْآذَانُ‏.

62
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 62

يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي‏ آذانِهِمْ‏- 2/ 19.

و فِي‏ آذانِهِمْ‏ وَقْرٌ- 6/ 25.

و الْإِذْنُ‏- اسم من أذنت، و هو الاطّلاع مع الرضا و الوفاق.

أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ‏ اللَّهِ‏ ... وَ أُحْيِ الْمَوْتى‏ بِإِذْنِ‏ اللَّهِ‏ ... خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ‏ رَبِّهِمْ‏ ...

فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي‏ ... وَ إِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى‏ بِإِذْنِي‏ ... لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ‏ ... تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ‏ رَبِّهِمْ‏.

أى باطّلاع من الربّ و رضائه و وفاقه، و كلّ هذه الأمور جارية تحت نظره و تدبيره.

و الاستيذان- طلب الاذن و الرضا و الوفاق في المطلوب.

إِنَّ الَّذِينَ‏ يَسْتَأْذِنُونَكَ‏ ... وَ يَسْتَأْذِنُ‏ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ‏ ... فَاسْتَأْذَنُوكَ‏ لِلْخُرُوجِ‏- 9/ 83.

أى يطلبون منك التوافق و الرضا فيما يريدون.

و التأذين- جعل الناس مطّلعين راضين موافقين، و الأذان اسم منه كما مرّ.

وَ أَذِّنْ‏ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ‏ ... فَأَذَّنَ‏ مُؤَذِّنٌ‏ بَيْنَهُمْ‏ ... وَ أَذانٌ‏ مِنَ اللَّهِ‏.

و التأذّن- إظهار الإذن و الرضا بملاحظات ثانوية و مصالح خارجيّة، و هذا معنى التكلّف في باب التفعّل، كالتحلّم و التعجّل و التستّر.

وَ إِذْ تَأَذَّنَ‏ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ‏- 7/ 167.

ضمير الجمع راجعة الى الّذين عتوا [فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا] و التكلّف في الإذن باعتبار بعث العذاب: إشارة الى أنّ التعذيب منه تعالى بملاحظات ثانويّة، و قد سبقت رحمته غضبه، فالغضب منه تعالى خلاف رحمته الذاتّيّة و يحتاج الى التكلّف.

وَ إِذْ تَأَذَّنَ‏ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ-

63
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 62

14/ 7.

فالآية في مقام الإشارة الى عواقب الكفران، بدليل ما بعدها- إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ‏. فلا نحتاج الى إرادة معنى مجازىّ من التأذّن.

و الإيذان- مثل التأذين إلّا أنّ النسبة في الإفعال في المرتبة الاولى و في قصد المتكلّم الى الفاعل، بخلاف التفعيل فانّ التوجّه و القصد فيه في المرتبة الاولى الى المفعول به، أى محلّ الوقوع، فباب الإفعال ناظر الى الصدور و باب التفعيل الى الوقوع. فالنظر الابتدائى في الإيذان الى إظهار الإعلام و في التأذين الى الإبلاغ و الاعلام الى النّاس.

وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ‏- 41/ 47.

أى أظهرنا اطّلاعنا و أعلنّا.

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ‏ آذَنْتُكُمْ‏ عَلى‏ سَواءٍ- 21/ 109.

أى فقد عملتُ بوظائف النبوّة و أبلغتُ رسالاتي و آذنت الجميع قاطبة.

و هذا بخلاف التأذين في- أَذَّنَ‏ مُؤَذِّنٌ‏ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ‏.

فانّ المقصود فيها الإبلاغ الى العير و الإسماع لهم.

و يدلّ على هذا الفرق بين الهيئتين: وجود حرف الألف في أفعل و حرف الياء و التشديد في فعلّ و التفعيل.

و بما قلناه من الفرق بين البابين: ينكشف لك حقيقة التعبير و سرّه في موارد استعمالهما في كلمات أخر. و كذلك يظهر سرّ التعبير بهذه المادّة و اختيارها في مواردها على موادّ- العلم، الإعلان، الاطلاع، الاخبار، و نظائرها- في القرآن الكريم، فانّ النظر فيها الى تحقّق الاطّلاع مع الموافقة.

64
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أذى ص : 65

 

أذى‏

مصبا- أَذِيَ‏ الشيْ‏ءُ أَذىً‏، من باب تعب: قذر- قُلْ هُوَ أَذىً‏ أى مستقذر. و أذى الرجل أذى: وصل اليه المكروه، فهو أذ مثل عم. و يعدّى بالهمزة فيقال آذيته إيذاء، و الأذيّة اسم منه، فتأذّى.

مفر- الْأَذَى‏: ما يصل الى الحيوان من الضرر إمّا في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيويّا كان أو اخرويّا- لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى‏، ... وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً‏- فسمى ذلك أذى باعتبار الشرع و باعتبار الطبّ. يقال آذيته أؤذيه إيذاء و أذّية و أذى.

لسا- الْأَذَى‏: كلّ ما تأذّيت به. و أذّى أذى، و تأذّى. و رجل أذىّ:

إذا كان شديد التأذّى.

مقا- أَذىً‏: أصل واحد و هو الشي‏ء تتكرّهه و لا تقرّ عليه، يقال آذيت فلانا أؤذيه، بعير أَذٍ و ناقة أَذِيَةٌ: إذا كان لا يقرّ في مكان من غير وجع و كأنّه يأذى بمكانه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما يتكرّه و ما لا يلائم، فالإيذاء إيصال ما يكرهه. و التَّأَذِّي‏ الحالة الحاصلة من وصول المكروه و اختياره، و كذلك الأذى مصدرا كالتعب. ثمّ استعملت هذه الكلمة فيما يتأذّى به.

وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ دَعْ‏ أَذاهُمْ‏- 33/ 48.

مصدرا- أي أن يتأذّوا. و اسما- أي دع ما يتكرّهوه.

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً‏- 2/ 222 أى إنّه أمر يتكرّه و لا يلائم فاعتزلوهنّ فيه.

لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى‏ 2/ 264.

بما يؤذيهم و يتكرّهون به.

 

65
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أرب ص : 66

 

أَدْنى‏ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ‏- 33/ 59.

حتّى لا يصل اليهنّ ما يكرهنه.

إِنَّ الَّذِينَ‏ يُؤْذُونَ‏ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏- 33/ 57.

يوجبون التأذّى و التكرّه.

أرب‏

مصبا- الْأَرَبُ‏ و الإربة و المأربة: الحاجة، و الجمع المآرب. و الأرب في الأصل مصدر من باب تعب. أرب اليه: احتاج. فهو آرب. و الإرب يستعمل في الحاجة و في العضو، و الجمع آراب.

مقا- أَرَبٌ‏: أربعة اصول- الحاجة، العقل، النصيب، العقد. ما أرَبك الى هذا: ما حاجتك- غَيْرِ أُولِي‏ الْإِرْبَةِ. و الإِرْبُ‏ أى العقل، فهو أريب. أَرَبَ يأرُب إِرَبا. و من هذا الباب الفوز و المهارة. و أمّا النصيب: فهو و العضو من باب واحد لأنّها جزء الشي‏ء.

مفر- أَرَبٌ‏: فرط الحاجة المقتضى للاحتيال في دفعه، فكلّ أرب حاجة و ليس كلّ حاجة أرب، ثمّ يستعمل تارة في الحاجة و تارة في الاحتيال و إن لم يكن حاجة. فلان ذو أَرَب، و أَرِيب، أى ذو احتيال. و قد أَرِبَ الى كذا: احتاج اليه حاجة شديدة- وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ‏ أُخْرى‏. و لا أَرَب لي في كذا: ليس بى شدّة حاجة اليه. أُولِي‏ الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ‏- كناية عن الحاجة الى النكاح. و تسمّى الأعضاء الّتى تشتدّ الحاجة اليها آرَاباً كاليد و الرجل و العين، دون ما لا تشتدّ الحاجة اليها.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه المادّة: هو الحاجة الشديدة بحيث يكون تقوّم الشي‏ء بها.

 

66
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أرض ص : 67

و أغلب ما تكون تلك الحاجة في الاحتياجات الداخليّة و الذاتيّة و الأصيلة، دون العرضيّة. و هذا هو الفارق بين المادّتين الإربة و الحاجة.

و بلحاظ هذه الخصوصيّة: تطلق على مصاديق، كالعقل و الأعضاء البدنيّة و ما يضاهيها كالنصيب المخصوص به و العقد الّذى يلتزم عليه و أمثالهما.

أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي‏ الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ‏- 24/ 31.

أى الّذين يعدّون من التابعين لكم كالخادمين و العبيد و الشيخ و المجنون و غيرهم إذا لم تكن فيهم حاجة الى النساء بالطبيعة، و لا يحتاجون في تقوّم حياتهم اليها.

أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَ أَهُشُّ بِها عَلى‏ غَنَمِي وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ‏ أُخْرى‏- 20/ 18.

التعبير بهذه المادّة إشارة الى شدّة الحاجة اليها فكأنّها عضو من الأعضاء البدنيّة يتوسّل اليها في رفع الحوائج المخصوصة.

و أمّا التعبير في الآية الاولى بكلمة- ذوى الإربة- إشارة الى الحاجة الى النكاح، و أنّها من الحاجات الأصيلة الذاتيّة البدنيّة و ليست بعرضيّة.

أرض‏

مقا- أَرْضٌ‏: الأصل الأوّل- فكلّ شي‏ء يسفل و يقابل السماء، يقال لأعلى الفرس سماء و لقوائمه‏ الْأَرْضُ‏، سماؤه أعاليه و أرضه قوائمه. و الْأَرْضُ‏: الّتى نحن عليها، و تجمع على أرضين و لم تجي‏ء في كتاب اللّه مجموعة. و يتفرّع منه قولهم أَرْضٌ أَرِيضَةٌ: إذا كانت ليّنة طيّبة. و رجل أَرِيض للخير: خليق له، شبّه بالأرض الأريضة. و الْإِرَاضُ‏: بساط ضخم من وبر أو صوف. و تأرّض فلان: إذ لزم الأرض. و أصلان آخران: الزكمة و الرعدة. رجل مأروض: مزكوم. و به أرض:

رعدة.

67
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 68

صحا- الْأَرْضُ‏ مؤنّثة و هي اسم جنس، و كان حقّ الواحدة أن يقال أرضة، و لكنّهم لم يقولوا، و الجمع أرضات، لأنّهم قد يجمعون المؤنّث الّتى ليست فيه هاء التأنيث بالتاء كقولهم: عرسات، ثمّ قالوا أرضين و أراضى على غير قياس، كأنّهم جمعوا أرضا و كلّ ما سفل. و رجل أريض: متواضع.

مفر- الأرض: الجرم المقابل للسماء، و جمعه أرضون و لا تجي‏ء مجموعة في القرآن، و يعبّر بها عن أسفل الشي‏ء كما يعبّر بالسماء عن أعلاه- و اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ‏ الْأَرْضَ‏ بَعْدَ مَوْتِها- عبارة عن كلّ تكوين بعد إفساد و عود بعد بدء، و لذلك قال بعض المفسّرين: يعنى به تليين القلوب بعد قساوتها.

و التحقيق‏

أنّ المعنى الحقيقىّ‏ لِلْأَرْضِ‏: ما سفل و ما يقابل السماء و هو اسم جنس يصحّ إطلاقه على كلّ ما يقابل السماء، فإذا أطلقت في مقابل السماء: تشمل جميع ما سفل من الجماد و النبات و الحيوان.

لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏+ ... رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏+ ... لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏+- 39/ 63.

و إذا أطلقت مطلقة و من حيث هي: تدلّ على الكرة الأرضيّة.

وَ الْأَرْضَ‏ مَدَدْناها وَ أَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ+ ... وَ الْأَرْضِ‏ ذاتِ الصَّدْعِ‏ ... أَ لَمْ نَجْعَلِ‏ الْأَرْضَ‏ كِفاتاً- 77/ 25.

و قد تطلق و يراد منها العالم الجسمانىّ في قبال العالم الروحاني:

اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ... يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ ... أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏ ... يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى‏ الْأَرْضِ‏ ... وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏.

و قد يراد منها قطعة محدودة معيّنة من الأرض من بلد أو محلّ:

68
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 68

يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ‏ الْمُقَدَّسَةَ، ... وَ نَجَّيْناهُ وَ لُوطاً إِلَى‏ الْأَرْضِ‏ الَّتِي بارَكْنا، و نَسُوقُ الْماءَ إِلَى‏ الْأَرْضِ‏ الْجُرُزِ، ... وَ ما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِ‏ أَرْضٍ‏ تَمُوتُ‏، ... أَوِ اطْرَحُوهُ‏ أَرْضاً، ... وَ أَوْرَثَكُمْ‏ أَرْضَهُمْ‏، ... يُخْرِجَكُمْ مِنْ‏ أَرْضِكُمْ‏+.

فانكشف أنّ لكلمة الأرض إطلاقات، بعضها أوسع من بعض من جهة المفهوم: المسكن، المحلّ، القرية، البلدة، المملكة، القارّة، الكرة الْأَرْضِيَّةُ، كلّ ما سفل و وقع تحت السماء، كلّ ما في عالم الجسم و دون عالم الروح و في كلّ من هذه المفاهيم قد أخذ قيدان: السفل، و النسبة الى العلوّ.

و بهذا اللحاظ لا يصحّ إطلاقها على الإنسان أو الحيوان أو سائر ما فيه الروح و الحياة، فانّ مفهوم (النسبة الى العلوّ) فيها غير منظورة، و كأنّها بواسطة حياتها موجودات مستقلّة.

و أمّا جمعها على‏ أَرَضُونَ‏ و أَرَاضِي‏: فغير فصيحة، و لم ترد في القرآن المجيد، و على تقدير ورودها في كلمات الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام: فلعلّ المراد القطعات و المصاديق و الجزئيّات من مطلق مفهوم الأرض.

و أمّا الآية الكريمة- اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ‏ الْأَرْضِ‏ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ‏- 65/ 12.

فتدلّ على أنّ اللّه سبحانه خلق سبع سماوات عاليات: منظومات، أو طبقات، أو محدودات بحدود معلومة عند اللّه تعالى. و لا بدّ أن تكون لكلّ سماء بالنسبة اليها أرض سافلة.

و يمكن أن يراد من السماوات: السماوات العلويّة الروحانيّة، و من الأرض في- وَ مِنَ‏ الْأَرْضِ‏ مِثْلَهُنَ‏: السماوات السبع الجسمانيّة الماديّة. فكلّ منظومة بالنسبة الى عالمها الروحاني أرض، و كلّ عالم روحانىّ يتعلّق بمنظومة محدودة مشهودة سماء. و اللّه العالم بحقائق الأمور، و لا يخفى أنّ هذه المعاني كلّها من مصاديق السماء و الأرض و روى هذا المضمون عن الإمام ثامن الأئمّة الرضا عليه السّلام.

69
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أرك ص : 70

أرك‏

مقا- أَرَكَ‏: أصلان عنهما يتفرّع المسائل، أحدهما شجر، و الآخر الإقامة.

أرك يأرك اروكا، و منه تسميتهم السرير في الحجلة: أَرِيكَةٌ، و الجمع أرائك.

صحا- أَرَكَ‏ الرجل بالمكان: أقام به، و أَرَكَ الجرحُ أُرُوكاً: سكن ورمه و تماثل. و الأريكة سرير منجّد مزيّن في بيت أو قبّة، فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجلة.

لسا- أَرَكَ‏ و أرك: أقام. و أرك الرجل: لجّ. و أرك الأمر في عنقه:

ألزمه ايّاه. و أرك الجرح: برء و صلح و سكن و رمه. و الأريكة سرير في حجلة، و الجمع أريك و أرائك. و قال الزجّاج: الْأَرَائِكُ‏ الفرش في الحجال. و قيل هي الأسرة و هي في الحقيقة الفرش كانت في الحجال أو في غير الحجال. و قيل هو كلّ ما اتكئ عليه من سرير أو فراش أو منصّة.

الاشتقاق- و الأريكة: الطنفسة أو الوسادة. و قال أبو عبيدة: الأرائك الفرش في الحجال أو في الكلل.

مفر- الْأَرِيكَةُ: حجلة على سرير جمعها أرائك، و تسميتها بذلك إمّا لكونها في الأرض متّخذة من أراك و هو الشجرة، أو لكونها مكانا للاقامة، من قولهم أرك بالمكان اروكا، و أصل الاروك: الاقامة على رعى الأراك، ثمّ تجوّز به في غيره من الأوقات.

أقول الحجلة: ستر في جوف البيت أو بيت يزيّن للعروس.

اللجّ: الملازمة و الإلحاح.

المنصّة: الكرسىّ أو ما يشبهه ترفع عليه العروس، أو الثياب، أو الفرش الموطّأة.

الطنفسة: البساط.

الكلّة: الستر يخاط كالبيت.

70
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 71

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها السكون و الطمأنينة و رفع الاضطراب، و الأريكة فعليه: ما يتّصف بكونه ذا سكون و طمأنينة ليس فيه اضطراب كالفريضة لما يفرض من الحكم و الصدقة، و السكينة لما يسكن من الوقار و الطمأنينة، و الحديقة لما يطاف و يحاط.

و من هذا المعنى ما يقام و يهيّأ و يزيّن للعروس حتّى تقوم فيها ما كانت عروسا. فهذا المعنى يشمل مجموع ما يهيّأ بهذا المنظور من السرير و الفرش و الكرسىّ و البساط و الستر، و يعبّر عنها بالحجلة. فتخصيص‏ الْأَرِيكَةِ بالسرير أو بالبساط أو الفراش أو غيرها غير وجيه.

و لا يبعد أن يكون‏ الْأَرَاكُ‏ و هو الشجر الّذى يستاك بفروعه و أطيب ما رعته الماشية: أيضا مأخوذا من هذا المعنى، فاللفظ في الأصل كان صفة على وزان جبان، أو مصدرا، و معناه المتّصف بالسكون و الطمأنينة باعتبار كون الشجرة خضراء ناعمة كثيرة الورق و الأغصان، أو باعتبار إقامة الناس عندها لاتّخاذ المساويك، و الماشية للرعي.

مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى‏ الْأَرائِكِ‏+- 76/ 13.

عَلَى‏ الْأَرائِكِ‏ مُتَّكِؤُنَ‏- 36/ 56.

و الاتّكاء اعتماد الظهر أو الجنب الى شي‏ء، أو التمكّن في الجلوس، و إذا عرفت حقيقة الأريكة: فيصحّ كلّ من المعنيين و التعبيرين.

عَلَى‏ الْأَرائِكِ‏ يَنْظُرُونَ+- 83/ 23.

أى متمكنّين و مستقرّين على السرر و الفرش أو معتمدين على البساط و الكرسىّ.

و أمّا التعبير بصيغة الجمع: فباعتبار الأفراد المتمكنّين و المتّكئين عليها. و

71
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الأرم ص : 72

 

يمكن أن يكون إشارة الى تعدّد الأريكة لكلّ فرد منهم.

الأَرَم‏

التكوين- 10/ 22- بنو سام: عيلام و أشّور و أرفكشاد و لود و أرام. و بنو أرام: عوص و حول و جاثر و ماش.

المعارف- و من ولد إرَم‏ بن سام بن نوح: عاد بن عوص بن إرم، و ثمود بن جاثر بن‏ إرم‏، و هو ابن عمّ عاد، و من ولده أيضا: طسم و جديس ابنا لاوذ بن‏ إرم‏ و نزلوا اليمامة، و أخوهما عمليق بن لاوذ، نزل بعضهم الحرم و بعضهم الشام، فمنهم العماليق امم تفرّقوا في البلاد، و منهم فراعنة مصر، و أخوهم أميم بن لاوذ نزل أرض فارس، فأجناس الفرس كلّهم من ولده.

الإنباه- 18- و قال الزبير: طسم و أميم و عمليق: بنو لوذ بن سام بن نوح. و جديس و ثمود ابنا جاثر بن‏ إِرَم‏ بن سام. و أمّا هشام بن الكلبي فقال: إنّ العرب العاربة هم عاد و عبيل ابنا عوص بن‏ إِرَم‏، و طسم اخوه عمليق و أميم و يقطعون بن عابر بن شالخ بن أرفحشد بن سام، فهؤلاء هم العرب العاربة.

التكوين- 10/ 24- و أرفكشاد ولد شالح، و شالح ولد عابر، و لعابر ولد ابنان فالج و يقطان، و يقطان ولد الموداد و شالف و حضرموت و يارح و هدورام ... الخ.

و التحقيق‏

أنّ هذا نسب يقطان و فالج، و نسب إبراهيم الخليل ينتهى الى فالج بن عابر، و منه الى نوح، و منه الى آدم عليه السلام، مضبوطا في التكوين. و أمّا أنساب صالح و هود و ثمود و طسم و أميم و جديس و عمليق: فليست بمضبوطة فيه، و لذا

 

72
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أز ص : 73

وقع الخلاف فيها.

و المسلّم أنّ إرم هو ابن سام بن نوح و أنّ عادا و ثمود من ذرّيته، و أمّا كيفيّة انتسابهما اليه فمختلف فيها.

ثمّ إنّ أسماء إخوان ارم [عيلام، أشّور، أرفكشاد، لود] ليست بعربيّة، فتدلّ على أن كلمة إرام ايضا عجميّة، سريانيّة أو غيرها و أمّا كلمة إرم فلا شكّ أنّها معرّبة.

و في التكوين العبرى- في الآية- [و أرام و بنى أرام‏]. فيعلم أنّ أصل هذه الكلمة في اللغة العبريّة: أرام. ثمّ عرّب بتغيير مختصر فصار ارم.

أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ‏ ذاتِ الْعِمادِ- 89/ 7.

كلمة عاد اسم لقبيلة من ذريّة عاد قد سمّوا باسم أبيهم. كما أنّ كلمة إرم أيضا كذلك، فيطلق اسم إرم على قبيلة عاد باعتبار أنّهم من نسله.

فكلمة إرم بدل أو عطف بيان من عاد. و لا معنى للقول بأنّ الكلمتين علمان شخصيّان، أو أنّ ارم اسم بلدة، أو غيرهما. و يجي‏ء في- عاد، ثمود، هود:

مزيد توضيح.

و في الكشّاف- الفجر- قيل لعقب عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح: عاد، كما يقال لبنى هاشم: هاشم. ثمّ قيل للأوّلين منهم عاد الاولى و إرم، تسمية لهم باسم جدّهم. و لمن بعدهم عاد الاخيرة. فإرم في قوله- بِعادٍ إِرَمَ‏: عطف بيان لعاد، و إيذان بأنّهم عاد الاولى القديمة. و قيل إرم بلدتهم و أرضهم.

أزّ

مقا- أَزٌّ: يدلّ على التحرّك و التحريك و الإزعاج. قال الخليل: الْأَزُّ حمل‏

73
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 74

 

الإنسان الإنسان على الأمر برفق و احتيال. الشيطان يؤزّ الإنسان على المعصية أزا.

صحا- ائتزّت القدر ائتزازا: اشتدّ غليانها. و الأزّ: الإغراء و التهييج- تَؤُزُّهُمْ‏ أَزًّا- أى تعريهم على المعاصي. و الأزّ: الاختلاط.

الفائق- أزّ:

كَانَ النَّبِيُّ (ص) يُصَلِّي وَ لِجَوْفِهِ‏ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ

- هو غليان المرجل.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التحريك بقصد الاحتيال، و من هذا المعنى: التهييج و الإغراء، فانّهما تحريك مخصوص معنوىّ، و فيهما نوع احتيال.

أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ‏ تَؤُزُّهُمْ‏ أَزًّا- 19/ 83.

فلمّا كان الكافرون محجوبين عن الحقّ متورّطين في الحيرة و الغواية، فلا حاجة الى إغوائهم و إضلالهم، و للشياطين أن يهيّجوهم و يحرّكوهم الى العصيان و الإفساد.

و ذكر المصدر [المفعول المطلق‏] للدلالة على التأكيد و شدّة التهييج.

أزر

مقا- أَزَرَ: أصل واحد و هو القوّة و الشدّة، تأزّر النبت: قوى و اشتدّ. و الأَزْرُ: القوّة.

مصبا- الإِزَارُ معروف و الجمع أءزره و أزر- يذكّر و يؤنّث، و ربّما انّث بالهاء فقيل إزارة. و المئزر نظيره كلحاف و ملحف، و ائتزرت: لبست الإزار. و أزّرت الحائط تأزيرا: جعلت له من أسفله كالإزار. و آزرته: أعنته و قوّيته. و الاسم: اْلَأْزُر كفلس.

 

74
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 75

 

الفائق- الْأَزْرُ: هو القوّة و الشدّة. و منه الإزار، لأنّ‏ الْمُؤْتَزِرُ يشدّ به وسطه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو بلوغ القوّة.

اشْدُدْ بِهِ‏ أَزْرِي‏ وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي‏- 20/ 31.

أى بلوغ قوّتى و قدرتي.

وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ‏ فَآزَرَهُ‏ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى‏- 49/ 29.

أى كزرع أخرج فرخه و ورقه ثمّ قوّاه فاشتدّ و استغلظ.

آزر

التكوين- 11/ 25- و عاش ناحور بعدها ولد تارح مائة و تسع عشرة سنة، و ولد بنين و بنات، و عاش تارح سبعين سنة و ولد أبرام و ناحور و هاوان.

لسا- و ليس بين النسّابين اختلاف أنّ اسم أبيه كان تارخ، و الّذى في القرآن يدلّ أنّ اسمه‏ آزر، و قيل آزر عندهم ذمّ في لغتهم، كأنّه قال: و إذ قال ابراهيم لأبيه الخاطي.

العرائس- و كان اسم أبى ابراهيم الّذى سمّاه به أبوه تارخ، فلمّا صار مع النمرود قيّما على خزائن آلهته سمّاه آزر. و قيل هو لقب عيب به و هو بمعنى معوجّ. و قيل هو بالنبطيّة الشيخ الهرم.

فر- [آزر] شدّ الوسط، التقوية.

 [آزور] من يشدّ وسطه.

البحار- 5- باب قصص ولادة ابراهيم-

قال أبو عبد اللّه عليه السّلام‏:

 

75
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 76

إنّ‏ آزَرَ أبا ابراهيم كان منجّما لنمرود بن كنعان، فقال له انّى أرى في حساب النجوم أنّ هذا الزمان يحدث رجلا فينسخ هذا الدين ...

الخ.

و

يروى ايضا عنه (ع): و كان آزر صاحب أمر نمرود و وزيره و كان يتّخذ الأصنام له و للناس و يدفعها الى ولده.

و التحقيق‏

أنّ الّذى يقوى في النظر: أنّ كلمة آزَرَ معرّبة من آزور، و هو الّذى يشدّ وسطه للخدمة و يتقوّى، و كلمة الوزير قريبة منها لفظا و معنى. و لمّا كان تارخ وزيرا لنمرود و صاحب أمره و معتمدا عنده في النظر و الرأى: فلقّب بهذا الاسم.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ‏ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏- 6/ 74.

إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ أَ إِفْكاً آلِهَةً- 37/ 86.

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏- 43/ 26.

إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ‏ ... يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ‏ ... يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ‏- 19/ 45.

فيظهر من هذه الآيات الكريمة: أنّ آزر كان أبا ابراهيم، و كان من الضالّين المخالفين له قطعا، سواء قلنا بأنّ اسمه آزر أو غيره، فانّ موضوع الحكم في أكثر الآيات هو عنوان الأب.

و قد يقال فرارا عن الإشكال: إنّ المراد من الأب هو العمّ، و كان آزر عمّا له لا أبا.

و لكنّ هذا التأويل لا يجدى إذا نسب الشرك الى الآباء المتقدّمين و أجدادهم فيما يأتى. مضافا الى أنّ هذا خلاف ظواهر الآيات، و خلاف ما قال المورّخون، بل الروايات أيضا كما رأيت.

76
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 76

إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ‏ ... قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ قالَ أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ‏- 26/ 76.

إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏- 21/ 54.

فانّ آباء العمّ هم آباء الأب أيضا، و القائلون بتنزيه الأب عن الشرك لا يفرّقونه عن الأجداد، و الآيات مصرّحة بانّ آباء أبيه و آباء قومه كانوا في ضلال مبين.

و كان ابراهيم عليه السلام يحبّ أن يستغفر لأبيه من اللّه تعالى، و قد استغفر له و قال:

وَ اغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ‏- 26/ 86.

و قد كان وعد الاستغفار لأبيه من قبل- وَ ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها- التوبة/ 114.

إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ‏- الممتحنة/ 4.

سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي‏- مريم/ 47.

و ظاهر آية الاستغفار [وَ اغْفِرْ لِأَبِي‏] أنّه قد تحقّق بعد موته، بقرينة جملة- إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ‏.

فلا تنافى هذه الآية الكريمة آية- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ‏: فانّ ظاهر هذه الآية هو التبرّى في حياته.

ثمّ إنّ هذه الآيات الكريمة لا تخالف ما قد ورد من الروايات في أنّ آباء النّبي (ص) كلّهم طاهرون طيّبون.

البحار- 6- باب بدّو نوره و ظهوره- عن رسول اللّه (ص): لا يصيبنا نجس الشرك و لا سفاح الكفر.

و

عن أبى عبد اللّه (ع): فلم يزل ينقلنا من صلب طاهر الى رحم مطهّر، فلم‏

77
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 76

يزالا يجريان طاهرين مطهّرين في الأصلاب الطاهرة.

فالقدر المسلّم من تلك الروايات: طهارة الآباء عن الانحرافات و التمايلات الجنسيّة غير المشروعة، و عدم تلوثهم برجس الشرك و سفاح الكفر عملا بحفظ اللّه المتعال و صيانته.

و من الواجب في الطبيعة و الشريعة: نزاهة آباء النّبي (ص) عن أمراض خلقيّة أو خلقيّة الّتى تتوارث الأبناء عن الآباء، إذا كانت تلك الأمراض تنافى مقام النبوّة و مقام الإرشاد و التبليغ و الخلافة.

و أمّا ما لا تنافى فيه: كبعض المعاصي و السيّئات الأخلاقيّة و التكليفيّة العمليّة أو الاعتقادات الضعيفة الّتى تخالف الإخلاص و التوجّه التامّ و التوحيد الكامل و مقام الولاية، فلا طريق لنا الى إثباته.

كيف و آباء رسول اللّه (ص) كانوا من متولّى الكعبة و من خدمة بيت اللّه الحرام، و كانت مملّوة من الأصنام، و الناس يعبدونها و يتّخذونها آلهة لهم، و الآباء لا ينهونهم عن ذلك و لا يجاهدون في تطهيرها منها.

و يؤيّد ما قلنا التعبير في الروايات الشريفة بقولهم- الأصلاب الطاهرة و الأرحام المطهّرة، و نظائرها. و لم يعبّر فيها بكلمة- النفوس الطاهرين و الطاهرة.

و في تفسير التبيان: توبة- و ما كان استغفار- لما ذكر اللّه تعالى إنّه ليس للنبىّ و الّذين آمنوا أن يطلبوا المغفرة للمشركين: بيّن الوجه في استغفار ابراهيم لأبيه مع أنّه كان كافرا، سواء كان أباه الّذى ولد أو جدّه لأمّه أو عمّه على ما يقوله أصحابنا.

و في تنزيه الأنبياء: الجواب- قلنا معنى هذه الآية أنّ أباه كان وعده بأن يؤمن، و أظهر له الايمان على سبيل النفاق حتّى ظنّ به الخير فاستغفر له اللّه تعالى على هذا الظنّ، فلمّا تبيّن له أنّه مقيم على كفره رجع عن الاستغفار له و تبرّء منه.

و لعلّ منشأ هذا القول انّما هو كلام الصدوق (ره) في اعتقاداته- اعتقادنا

78
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أزف ص : 79

فيهم أنّهم مسلمون من آدم الى أبيه عبد اللّه، و أنّ أبا طالب كان مسلما، و أمه آمنة بنت وهب كانت مسلمة، و

قال النبىّ (ص): أخرجت من نكاح و لم اخرج من سفاح من لدن آدم‏

، و

قد روى‏ أنّ عبد المطلّب كان حجّة و أبا طالب كان وصيّه‏

. و قد عرفت أنّ القول بإسلام آبائه و إيمانهم كلّهم لم يثبت، و لا محذور فيه عقلًا و لا شرعا، بل المحذورات في ذلك القول، مضافا الى نصوص الكتاب الكريم و الروايات السابقة.

و لكنّ مقتضى التقوى و الأدب و حفظ الحرمة: هو السكوت عن البحث و القول في أمثال هذه الموارد، و الاعتقاد الإجمالى بطهارتهم و نزاهتهم و قداستهم.

أزف‏

مقا- يدلّ على الدنوّ و المقاربة. أَزِفَ‏.

الرحيلُ: اقترب و دنا. رجل‏ مُتَآزِفٌ‏: قصير متقارب الخلق.

مصبا- أَزِفَ‏ الرجل أزفا و أزوفا من باب تعب: دنا و قرب.

لسا- أَزِفَ‏ أَزَفاً: دنا و أفد (عجل). و أزف الرجل: عجل، فهو آزف، و هو المستعجل. و مكان متآزف: ضيّق.

مفر- أَزِفَتِ‏ الْآزِفَةُ: دنت القيامة. و أزف و أفد يتقاربان، لكن أزف يقال اعتبارا بضيق وقتها، و يقال أزف الشخوص. و الازف: ضيق الوقت. و سمّيت به لقرب كونها.

أسا- أَزِفَ‏ الرَّحِيلُ: دنا و عجل. و كأنّه من الوزيف و الهمزة عن واو. و من المجاز: في عيشه أزف، أى ضيّق.

79
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 80

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو القرب و الدنّو مع العجل. و أمّا ضيق الوقت: فهو لازم هذا المعنى، فيكون معنى مجازيّا.

وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ‏ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ‏- 40/ 18.

إشارة إلى الانتقال الى عالم الآخرة بالموت و الاحتضار، بقرينة- إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ ...

أَزِفَتِ‏ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ كاشِفَةٌ 53/ 57.

اقتربت حادثة الموت و صيحة الرحلة الى عالم الآخرة، و تلك حادثة لا يردّها و لا يكشفها أحد.

فقد عبّر إقبال عالم الآخرة بالآزفة: فانّه قريب مستعجل.

و توضيح ذلك: أنّ كلّ حادثة من حوادث الدنيا و ابتلاءاتها من المرض و الفقر و الفراق و الشدائد و الآلام و المصيبات، يمكن ردّها و علاجها و تأخيرها، و لا يحكم بنزولها و إصابتها قطعا، إلّا الموت فانّه يدرك الإنسان أينما كان.

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ+ ... نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ‏ ... أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ.

فباعتبار كونه قطعيّا لا رادّ له و لا يقبل العلاج و التغيير و لا ينفع الفرار- قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏.

يعبّر عنه و عن العالم الّذى ورائه بالآزفة، فانّ كلّ آت باتّ فهو قريب مستعجل، و لا سيّما إذا كانت مصيبة عظيمة.

و التعبير بصيغة الماضي‏ [أَزِفَتِ‏] للإشارة الى القطعيّة و بتّيّة الموضوع.

و حرف [التاء] في الآزفة للمبالغة، و كأنّها تعقّب حوادث و مصيبات و حالات شديدة مولمة، فبالنظر اليها عبّرت بصيغة التأنيث، و من جهة اتّصافها بها تدلّ‏

80
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أس ص : 81

 

على المبالغة و الشدّة. و من الحوادث المتعقّبه وصول القلوب و توقّفها لَدَى الْحَناجِرِ فيما قبل ظاهرا و فيما بعد.

أسّ‏

مقا- يدلّ على الأصل و الشي‏ء الوطيد الثابت. فَالأُسُ‏ أصل البناء و جمعه‏ آسَاسٌ‏. و يقال للواحد أَسَاسٌ‏ و الجمع أُسُسٌ. قالوا: الاس أصل الرجل.

مصبا- أس الحائط أصله، و جمعه آساس مثل قفل و أقفال. و الأساس مثله، و جمعه أسس. و أسّسته تأسيسا: جعلت له أساسا.

أسا- بنى بيته على أساسه الأوّل، و قلعه من اسّه. و فلان أساس أمره الكذب.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ما يبتنى و يثبت، حتّى يجعل عليه شي‏ء آخر، مادّيّا أو معنويّا.

أَ فَمَنْ‏ أَسَّسَ‏ بُنْيانَهُ عَلى‏ تَقْوى‏ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ‏ أَسَّسَ‏ بُنْيانَهُ عَلى‏ شَفا جُرُفٍ‏- 9/ 109.

لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ‏ عَلَى التَّقْوى‏- 9/ 108.

أى جعل أساس بنيان وجوده، و أساس بنيان المسجد على برنامج التقوى.

و ليس المراد البنيان المادّىّ المحسوس في المسجد و الإنسان، بل برمامج العمل و الفعّاليّة للإنسان و في المسجد.

و معلوم أنّ بنيان العمل على النيّة الأوّليّة، فكما أنّ البناء المادّى يبتنى على ما رسمه و قدرّه المهندس: فكذلك العمل مبتنى على النيّة صالحة أو طالحة إلهيّة أو

 

81
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إسحاق ص : 82

 

مادّية، فالعمل هو ظهور النيّة. ثمّ إنّ العمل في المسجد يبتدأ من أوّل عمارته و بنائه الى أن ينتهى الى العبادة فيه.

إسحاق‏

قم- إِسْحَاقُ‏: الضاحك.

فع- [ايصحق‏] الضحك.

التكوين 25- ولد ابراهيم اسحق و كان اسحق ابن أربعين سنة لمّا اتّخذ لنفسه زوجة، رفقة بتوئيل الأرامىّ اخت لابان الأرامىّ من فدّان أرام، و صلّى اسحق الى الربّ لأجل امرأته لأنّها كانت عاقرا، فاستجاب له الربّ، فحبلت رفقة امرأته ...

فلمّا كملت أيّامها لتلد إذا في بطنها توأمان.

المروج 1/ 27- و كان عمر إسحاق الى أن قبضه اللّه مائة و خمسا و ثمانين سنة، و دفن مع أبيه الخليل و مواضع قبورهم مشهورة و ذلك على ثمانية عشر ميلا من بيت المقدس.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مأخوذة من العبريّة. و أمّا ما يستفاد من الآيات الكريمة في شأنه:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ‏- 14/ 39.

تدلّ على أنّ ولادة إسحاق كانت على كبر أبيه ابراهيم، و على تأخّره عن إسماعيل، بلحاظ تأخّر ذكره عنه.

وَ بَشَّرْناهُ‏ بِإِسْحاقَ‏ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ‏- 37/ 112.

تدلّ على نبوّته و صلوحه.

 

82
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أسر ص : 83

 

وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ‏- 11/ 71.

هذا يناسب تسميته.

وَ ما أُنْزِلَ إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ‏ 2/ 136.

تدلّ على نزول صحف اليه كما أنزلت على أبيه و أخيه إسمعيل.

أسر

مقا- أصل واحد و هو الحبس، و هو الإمساك. من ذلك‏ الْأَسِيرُ، و كانوا يشدّونه بالقدّ و هو الإِسَارُ، فسمّى كلّ أخيذ و إن لم يؤسر أسيرا.

مصبا- أسرته أسرا من باب ضرب فهو أسير، و امرأة أسير أيضا، و الجمع أسرى و أسارى. و أسره اللّه أسرا: خلقه خلقا حسنا، و شددنا أسرهم، أى قويّنا خلقهم. و اسرة الرجل: رهطه. و حللت إساره: فككته. و خذه بأسره: بجميعه.

مفر- الأسر الشدّ بالقيد من قولهم أسرت القتب، و سمّى الأسير بذلك ثمّ قيل لكلّ مأخوذ و مقيّد و إن لم يكن مشدودا، و يتجوّز به فيقال أنا أسير نعمتك. و أسرة الرجل من يتقوّى به.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الحبس و الضبط، بأن يكون تحت نظره و حكمه و سلطانه. و هذا المعنى منظور في جميع موارد استعمالها.

مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً- 76/ 8 أى من هو محبوس و واقع تحت سيطرة، أو مشدود بقيود ظاهريّة أو بتعهّدات عرفيّة و التزامات قانونيّة، فهذه الكلمة تشمل العبد و المسجون و المحبوس نظرا.

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ‏ الْأَسْرى‏- 8/ 70.

 

83
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إسرائيل ص : 84

 

جمع أسير، و هم الذّين أسروا و أخذوا و كانوا تحت سلطان المسلمين.

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ‏ أَسْرى‏ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ‏- 8/ 67.

أى ليس من شأن نبىّ أن يأسر أفرادا و يجعلهم ذخيرة دنيويّة.

نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ‏- 76/ 28.

أى شددنا ضبطهم و قدرّنا امور معاشهم في الحيوة الدنيويّة فهم تحت سلطاننا و جبروتنا لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إلّا ما شاء اللّه عزّ و جلّ.

فالأسر ليس بمعنى الخلق، بل بمعنى التقدير و الضبط و الجعل تحت الأمر و الحكم، فهو يتحقّق بعد الخلق أو ملازم له.

فالاسرة فعلة بمعنى ما يؤسر و يضبط. و بمناسبة الضبط يطلق الأسر على جميع موارد الضبط و الحكم الدقيق.

إسرائيل‏

قم- إِسْرَائِيلُ‏: المظفّر على اللّه.

فع- [آسير] الأسير.

 [أسر] التوقيف.

 [ال‏] اللّه.

و التحقيق‏

أنّ معنى هذه الكلمة في اللغة العبريّة يطابق ما قلنا في مادّة أسر من العربيّة، فمعنى إسرائيل: من يكون تحت النظر و التوقيف و التدبير و الأسر من اللّه تعالى، و هذا المعنى قريب من كلمة عبد اللّه. و ما قال- قم- في ترجمته: فهو تحريف عن معناه الحقيقىّ، و لعله أراد المقهوريّة.

 

84
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أسف ص : 85

و في مع- ففيه لغات، قالوا إسرال كما قالوا ميكال، و قالوا إسرائيل، و قالوا أيضا إسرائين، و كذا نجد العرب إذا وقع اليهم ما لم يكن من كلامهم تكلّموا فيه بألفاظ مختلفة، كما قالوا بغداذ و بغداد و بغدان.

التكوين- 35/ 9- و ظهر اللّه ليعقوب أيضا حين جاء من فدّان أرام و باركه، و قال له اللّه اسمك يعقوب لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل اسمك‏ إِسْرَائِيلُ‏ فدعا اسمه إسرائيل.

المروج- 1/ 27- و تزّوج إسحاق بعد إبراهيم يومحاء ابنة بتوئيل فولدت له العيص و يعقوب في بطن واحد، و كان البادي منهما الى الفصل عيص ثمّ يعقوب، و كان لإسحاق في وقت مولدهما ستّون سنة، و ذهب بصر إسحاق، فدعا ليعقوب بالرئاسة على اخوته و النبوّة في ولده، و دعا لعيص بالملك في ولده.

التكوين- 25- ما يقرب من هذه المضامين فراجع.

و يقال إنّ وجه تسميته بيعقوب: تعقبّه في الولادة. و فيه يقول- و بعد ذلك خرج أخوه و يده قابضة بعقب عيسو، فدعى اسمه يعقوب.

ثمّ إنّ كلمة إسرائيل قد ذكرت مجرّدة في موردين من القرآن.

وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ‏- 19/ 58.

كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي‏ إِسْرائِيلَ‏ إِلَّا ما حَرَّمَ‏ إِسْرائِيلُ‏ عَلى‏ نَفْسِهِ‏- 3/ 93.

أسف‏

مقا- أَسَفٌ‏: أصل واحد يدلّ على الفوت و التلهّف و ما أشبه ذلك. و الْأُسَافَةُ: الأرض الّتى لا تنبت شيئا، و هذا هو القياس لأنّ النبات قد فاتها.

مصبا- أَسِفَ‏ أَسَفاً من باب تعب: حزن و تلّهف. فهو أسف. و أسف مثل غضب وزنا و معنى. و يعدّى بالهمزة- آسفته.

85
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 86

مفر- الْأَسَفُ‏: الحزن و الغضب معا، و قد يقال لكلّ واحد منهما على الانفراد، و حقيقته ثوران القلب دمه شهوة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا، و متى كان على من فوقه انقبض و صار حزنا. فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏- أى أغضبونا.

صحا- الأسف: أشدّ الحزن، و قد أسف على ما فاته و تأسّف، أى تلهّف. و أسف عليه أسفا أى غضب. و آسفه: أغضبه. و الأسيف و الأسوف:

السريع الحزن الرقيق.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في الكلمة هو التلهّف و الحزن عند فوت شي‏ء. و أمّا الغضب و غيره: فمّما يفهم بالقرائن، و من المعاني المجازيّة لها.

فَرَجَعَ مُوسى‏ إِلى‏ قَوْمِهِ غَضْبانَ‏ أَسِفاً- 20/ 86.

أى متأسّفا و حزينا على ما فعلوا من اتّخاذهم العجل. و ذكر هذه الكلمة بعد كلمة غضبان يدلّ على التقابل بينهما و عدم دلالة مادّة الأسف على معنى الغضب. فالأسف: على ترك التوحيد و فوته منهم بسبب اتّخاذ العجل و الشرك الباعث للغضب.

وَ تَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا أَسَفى‏ عَلى‏ يُوسُفَ‏- 12/ 84.

أى على فقدانه.

فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى‏ آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ‏ أَسَفاً- 18/ 6.

يتأسّف رسول اللّه (ص) على عدم إيمانهم بما جاء به.

فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ‏ 43/ 55.

أى فلمّا أوجب طغيان فرعون و أتباعه التأسّف منّا على كفرهم و خلافهم‏

86
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إسماعيل ص : 87

 

النصيحة و الصلاح و السعادة: فانتقمنا منهم و عذّبناهم. فلا حاجة لنا الى حمل الأسف على الغضب، مع أنّ المناسب هو التأسّف.

و أمّا أنّ الأسف كيف ينسب الى مقام الربّ: فهو كالغضب، فيطلق عليه تعالى باعتبار آثاره و نتائجه المترتّبة- راجع الغضب.

ثمّ إنّ بين‏ الْأَسَفُ‏ و الأسى: اشتقاق اكبر، و معناهما متقاربان.

إسماعيل‏

قم- إِسْمَاعِيلُ‏: مسموع من اللّه.

فع- [ايشمع‏] السماع. و كذلك: شمع، شامع.

و [ال‏] اللّه. و كذلك: الوهيم.

المعرّب- فيه لغتان: إِسْمَاعِيلُ‏ و إسماعين. و يقول في الباب الأوّل: و أبدلوا السين من الشين، فقالوا: سراويل و إسماعيل، و أصلهما شراويل و اشماويل.

و قالوا للصحراء: دست (في دشت).

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه الكلمة: هو اللغة العبريّة، مأخوذة منها.

و أمّا ما يستفاد من الآيات في حالاته.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ‏ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ 14/ 39.

هذه الآية تناسب وجه التسمية، فانّه ولد وهب له أوّلا، فهو مولود في أثر الدعاء المسموع.

وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَ إِسْماعِيلُ‏ 2/ 127.

 

87
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 87

وَ عَهِدْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ‏ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ‏- 2/ 125.

الآيتان تدلّان على أنّه كان شريك أبيه في بناء البيت (الكعبة) و كذا في تطهيرها.

وَ ما أُنْزِلَ عَلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ‏ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ‏- 3/ 84.

وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ‏ وَ إِسْحاقَ‏- 4/ 163.

تدلّان على نزول الصحف و الوحى اليه، في رديف أبيه و أخيه و يعقوب.

وَ إِسْماعِيلَ‏ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ‏- 6/ 86.

وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ‏ وَ الْيَسَعَ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ- 38/ 48.

وَ إِسْماعِيلَ‏ وَ إِدْرِيسَ وَ ذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ‏ 21/ 85.

قد عدّ في هذه الآيات في عداد الصابرين، و من الأخيار، و ممّن فضّلهم على العالمين.

وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ‏ إِسْماعِيلَ‏ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا- 19/ 54.

مضافا الى صدقه، عرّفه بمقام الرسالة و النبوّة معا.

التكوين 17/ 20- و أمّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا اباركه و أكثره كثيرا جدّا اثنى عشر رئيسا يلد و أجعله أمّة كبيرة.

و 25/ 12- و هذه مواليد إسماعيل بن إبراهيم الّذى ولدته هاجر المصريّة جارية سارة لإبراهيم، و هذه أسماء بنى إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم نبايوث ... هؤلاء هم بنو إسماعيل و هذه أسمائهم بديارهم و حصونهم اثنى عشر رئيسا حسب قبائلهم.

الإنباه ص 17- قال رسول اللّه (ص): إنّ اللّه اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، و اصطفى من ولد إسماعيل بنى كنانة، و اصطفى من بني كنانة قريشا، و اصطفى من قريش بني هاشم، و اصطفاني من بنى هاشم. ص 18- و قال العدوىّ‏

88
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أسن ص : 89

 

في كتابه في نسب قريش: جماع قريش كلّها فهر و الحرث ابنا مالك بن النضر بن كنانة.

تاريخ ابن الوردي 1/ 91- العرب المستعربة من ولد إِسْمَاعِيلَ‏ و كان عمره لما أنزله إبراهيم مع امّه هاجر بمكّة موضع الحجر نحو أربع عشرة سنة، و ذلك لمضىّ مائة سنة من عمر إبراهيم عليهما السلام، فمن سكنى إسماعيل مكّة الى الهجرة 2793 سنة، و تزوّج إسماعيل من جرهم امرأة ولدت له اثنى عشر ذكرا منهم قيدار، و دفنت هاجر بالحجر و ابنها معها أيضا ... ثمّ ولد لقيدار حمل، و له نبث و يقال نابث، و له سلامان، و له الهميسع، و له اليسع، و له أدد، و له أدّ، و له عدنان، و له معدّ، و له نزار، و له مضر على عمود النسب النبوىّ.

أقول: و مضر هذا هو ولد الياس، و هو ولد مدركة، و هو ولد خزيمة، و هو ولد كنانة، و هو ولد النضر، و هو ولد مالك، و هو ولد فهر.

إستبرق: يأتى في مادّة (برق).

اسم: يأتى في مادّة (سما).

أسن‏

مقا- أَسَنَ‏: أصلان، أحدهما تغيّر الشي‏ء، أسن الماء ياسن: إذا تغيّر. و أسن الرجل: إذ أغشى عليه من ريح البئر. تأسّن: اعتلّ.

مصبا- أَسَنَ‏ الماء من باب قعد، أُسُوناً، و يَأْسَنُ‏: تغيّر فلم يشرب، فهو آسِنٌ‏ و أَسِنَ‏ مثل تعب.

و التحقيق‏

أنّه يظهر من موارد استعمال هذه المادّة: أنّها بمعنى التغيّر الى حالة مكروهة،

 

89
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أسو ص : 90

و بينها و بين كلمات- أفن- أجن- عفن، اشتقاق اكبر.

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ‏- 47/ 15.

باق على حالته الطبيعيّة من الصفاء و الخلوص و الطيب و العذوبة، و لا يتغيّر طعمه و لا ريحه و لا صفاؤه و لا لونه و لا خلوصه، و هذا كمال الطيب في الماء.

أسو

مصبا- الْأُسْوَةُ بالكسر و الضمّ: القدوة. و تأسّيت به و ائتسيت به:

اقتديت. و أسى: حزن. و آسيته: سوّيته.

مقا- أَسْوٌ: أصل واحد يدلّ على المداواة و الإصلاح. أَسَوْتُ الجرح: داويته و لذلك يسمّى الطبيب الآسى. أسوت بين القوم: أصلحت بينهم. و من هذا الباب لي في فلان أسوة أى قدوة (بالحركات الثلاث) أى انّى أقتدى به. و أسّيتُ فلانا:

عزّيته.

مفر- الْأُسْوَةُ كالقدوة و هي الحالة الّتى يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره إن حسنا و إن قبيحا و إن سارّا و إن ضارّا، و لهذا قال تعالى- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ‏ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. و يقال تأسّيت به. و الأسى: الحزن، و حقيقته اتّباع الفائت بالغمّ، يقال أسيت عليه أسى و أسيت له. فَلا تَأْسَ‏ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‏. و أصله من الواو، لقولهم رجل أسوان أى حزين. و الأسو: إصلاح الجرح، و أصله إصلاح الأسى و إزالته.

و في مقا- أَسَى‏: كلمة واحدة و هو الحزن، يقال أَسَيْتُ على الشي‏ء آسى أسا: حزنت عليه.

90
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 91

و التحقيق‏

أنّ الظاهر من مراجعة موارد استعمال هذه المادّة: أنّها واويّة و يائيّة، أمّا اليائيّة: فهي من باب علم، و قلنا في (أسف) إنّ بينهما اشتقاقا أكبر، فمعنى الأسى قريب من الأسف، و هو التلهّف على ما فات مقرونا بالحزن.

و أمّا الواويّة: فهي من باب نصر، و تدلّ على جبر ضعف و إصلاحه، و وجود الضعف و الضرر يلازم الحزن.

فمفاهيم- المعالجة و التعزية و الاقتداء من مصاديق الأصل.

و أمّا الفرق بين الأسى و الأسف: فالظاهر أنّ الأسف كان عبارة عن التلهّف المستتبع للحزن، و الأسى عبارة عن الحزن المستتبع للتلهّف.

لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ‏- 57/ 23.

من الأسى اليائىّ أى لا تحزنوا و لا تلهّفوا على الفائت. و الأصل- لا تأسيوا.

فَلا تَأْسَ‏ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ‏- 5/ 26.

و الأصل- لا تأسي.

فَكَيْفَ‏ آسى‏ عَلى‏ قَوْمٍ كافِرِينَ‏- 7/ 93.

أى أحزن و أتلّهف على من فسق و كفر.

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ‏ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ- 33/ 21.

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ‏ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ‏- 60/ 6.

من الأسو الواوىّ، و فعلة لما يفعل به، كما في اللقمة و الاكلة. فالاسوة ما يؤتسى و يصلح به من العمل و الحالة و السلوك و الطريقة، فيلزم لكم اتّخاذ هذه الطريقة المأخوذة من رسول اللّه من قوله و عمله و سلوكه و أدبه و أخلاقه، إن كنتم راجين السعادة و السير الى اللّه تعالى، فهي طريقة حسنة مطلوبة مرضيّة، موجبة لإصلاح ما فات عنكم.

91
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أشر ص : 92

 

و قد اشتبهت هذه المادّة على بعض اللغويّين فخلطوا بين اليائيّة و الواويّة، و مفاهيمهما.

أشر

مصبا- أَشُورٌ فهو أَشِرٌ من باب تعب: بطر و كفر النعمة فلم يشكرها. و أشر الخشبة أشرا من باب قتل: شقّها. لغة في النون، و المئشار بالهمزة و الجمع مآشير. فهو آشر و الخشبة ماشورة. و أشرت المرأة أسنانها: رقّقت أطرافها.

مقا- أشر: أصل واحد يدلّ على الحدّة. من ذلك قولهم: هو أشر، أى بطر متسرّع ذو حدّة، و أشر يأشر، و ناقة مئشير من الأشر. و رجل أشر و اشر. و الأشر:

رقّة في أطراف الأسنان. و أشرت الخشبة بالمئشار من هذا.

مفر- الْأَشِرُ: شدّة البطر. فالأشر أبلغ من البطر، و البطر ابلغ من الفرح، فإنّ الفرح و إن كان في أغلب أحواله مذموما- إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ‏: فقد يحمد إذا كان على قدر ما يجب- فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، و ذلك إذا كان باقتضاء العقل. و الأشر لا يكون إلّا بحسب قضيّة الهوى.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الحدّة و الشدّة في البطر، و البطر: هو تجاوز عن الاعتدال في الطرب.

سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ‏ الْأَشِرُ- 54/ 26.

بَلْ هُوَ كَذَّابٌ‏ أَشِرٌ 54/ 25.

أى من يكذب بطرا و باقتضاء الهوى و بالحدّة- راجع البطر.

 

92
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 93

أصر

صحا- أَصَرَهُ‏ يَأْصِرُهُ‏ أَصْراً: حبسه. و الموضع مأصرة. و الآصرة: ما يعطفك على رجل من رحم أو قرابة أو صهر أو معروف. و الإصر: العهد و الذنب و الثقل.

مقا- أَصْر: أصل واحد يتفرّع منه أشياء متقاربة: فالأصر: الحبس و العطف و ما في معناهما. و تفسير ذلك أنّ العهد يقال له إصر، و القرابة تسمّى آصرة، و كلّ عقد و قرابة و عهد إصر. و الباب كلّه واحد. فأمّا قولهم إنّ الثقيل إصر: فهو من هذا لأنّ العهد و القرابة لهما إصر ينبغي أن يتحمّل. و أصرته: حبسته.

مفر- الْأَصْرُ: عقد الشي‏ء و حبسه بقهره، و يضع عنهم إصرهم- أى الأمور الّتى تثّبطهم و تقيّدهم عن الخيرات و عن الوصول الى الثوابات، و على ذلك- وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً، و قيل ثقلا. و تحقيقه ما ذكرت. و الإصر: العهد المؤكّد الّذى يثبّط ناقضه عن الثواب و الخيرات- أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ‏ إِصْرِي‏.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الحبس الأكيد و التقيّد الموجب للتثقّل من امور معنوية. و من مصاديقه: مفاهيم- العقد، الثقل، الذنب، العهد، القرابة، و أمثال ذلك ممّا يستفاد منه القيد المؤكّد و الضبط و الحبس الشديد و التعهّد الملزم، و في كلّ من هذه المفاهيم يلاحظ معنى القيد الملازم للثقل.

رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا- 2/ 286.

أى ما يوجب التثبّط و التقيّد و الشدّة و الضيق و التحبّس و الابتلاء كما وقع في الأمم السابقة.

وَ يَضَعُ عَنْهُمْ‏ إِصْرَهُمْ‏ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ‏- 7/ 157.

93
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أصل ص : 94

 

أى و يرفع عنهم الشدّة و الضيق و الكلفة و الابتلاء المعنويّة، و التقيّدات بالأغلال الّتى كانت عليهم ظاهرا، بالتكاليف الشاقّة و العادات السخيفة و الأعمال الباطلة.

قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ‏ إِصْرِي‏- 3/ 81.

أى ما أخذت منكم من التعهّد و الإقرار و القبول بتكليف الايمان بالرسل و نصرتهم- و هي التقيّد الشديد المأخوذ من جانب اللّه تعالى و المحدوديّة الثقيلة.

أصل‏

مقا- ثلاثة أُصُول‏ متباعد بعضها من بعض، أحدها- أساس الشي‏ء. و الثاني- الحيّة العظيمة. و الثالث- ما كان من النهار بعد العشىّ. فالأصيل:

الزمان بعد العشىّ و جمعه آصال.

مصبا- أَصْلُ‏ الشي‏ء: أسفله. و أساس الحائط أصله. و استأصل الشي‏ء:

ثبت أصله و قوى. ثمّ كثر حتّى قيل أصل كلّ شي‏ء: ما يستند وجود ذلك الشي‏ء اليه. فالأب أصل للولد. و النهر أصل للجدْول. و الجمع اصول. و أصل النسب أصالة: شرف. فهو أصيل. و أصّلته تأصيلا: جعلت له أصلا ثابتا يبنى عليه. و قولهم لا أصل له و لا فصل- أى الحسب و النسب. و الأصل العقل. و الأصيل:

العشىّ. و الجمع اصل و آصال. و الأصلة من دواهي الحيّات قصيرة عريضة. و استأصلته: قلعته بأصوله. و منه قيل استأصل اللّه الكفّار: أهلكم جميعا. ما فعلته أصلا: قطّ و أبدا.

و التحقيق‏

أنّ المعنى الحقيقىّ في هذه المادّة: هو ما يبنى عليه شي‏ء، سواء كان في‏

 

94
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 94

الجمادات أو في النباتات أو في الحيوان أو في المعقولات أو في العلوم، يقال أصل الحائط، أصل الشجر، أصل الإنسان، أصل المعرفة، الأصل في الألفاظ، الأصل في المعاني، و غير ذلك.

و لا يبعد أن تكون الأصلة مأخوذة من هذا المعنى، فكأنّ تلك الحيّة لها أصالة في الحيّات فانّها حيّة عظيمة و من دواهيها. و كذلك الزمان بعد العشىّ و هي آخر الساعات من النهار في مقابل البكرة و هي اوّل اليوم، فلمّا كان اليوم زمان العمل خيرا أو شرا، يبتدء به من البكرة و ينتهى الى الأصيل، فنتيجة العمل في كلّ يوم ماديّا أو روحانيّا تعلم في آخر ساعة منه و هو المسمّى بالأصيل، فالجزاء أيّاما كان إنّما يبنى على ما حصل في تلك الساعة، فتكون لها الأصالة في ساعات النهار، فراغا و نتيجة و محصولا و عيشا.

كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ‏- 14/ 24.

ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى‏ أُصُولِها- 59/ 5.

إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي‏ أَصْلِ‏ الْجَحِيمِ‏- 37/ 64.

أى تنشأ من متن أرضها الأصليّة و من موادّها الأصيلة.

وَ اذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا- 76/ 25.

وَ سَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا- 33/ 42.

أى ليكون الذكر و التسبيح في أوّل النهار و آخرها- يراد دوامهما في جميع اليوم.

وَ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا- 25/ 5.

يريدون الإملاء عليه على الدوام، و هذا التعبير شايع في العرف.

يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ‏- 24/ 36.

و الفرق بين‏ الْأَصْلِ‏ و الأساس: أنّ الأصل ما يبنى عليه شي‏ء و هذا المعنى إنّما يتحقّق بعد تحقّق الفرع، فهو أمر نسبىّ و ليس بمفهوم مستقل. و هذا بخلاف‏

95
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

اف ص : 96

الأساس فهو مفهوم مستقلّ لا يحتاج الى وجود غيره، فيقال انّه أسّس أساس الظلم و أسّس أساس البيت، و لا يقال أصّله.

افّ‏

مقا- فمعنيان أحدهما تكرّه الشي‏ء و الآخر الوقت الحاضر. أَفَ‏ يَؤُفُ‏ أَفّاً: إذا تَأَفَّفَ من كرب او ضجر. أفّ و أفّ خفضا بلا نون أو معها، و ذلك أنّه صوت، كما تخفض الأصوات، فيقال طاق طاق. و من العرب من يقول أفّ له. و قد قال بعض العرب: لا تقولنَّ له أفّا و لا تفّا، يجعله كالاسم.

صحا- يقال‏ أُفّاً له و أفّة له: قذرا له، و التنوين للتنكير. و افّة و تفّة. و قد أفّف تأفيفا إذا قال أفّ- فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ‏- و فيه ستّ لغات حكاها الأخفش:

أفّ، أفّ، أفّ، أفّا، أفّ. و يقال أفّا و تفّا له، و هو اتباع له. و كان ذلك على أفّ ذلك أى حينه.

لسا- الْأُفُ‏: الوسخ الّذى حول الظفر. و التفّ الّذى فيه، و قيل الأفّ وسخ الاذن و التفّ وسخ الأظفار. يقال ذلك عند استقذار الشي‏ء، ثمّ استعمل ذلك عند كلّ شي‏ء يضجر منه و يتأذّى به. و الْأَفَفُ‏ الضجر، و قيل الافّ و الأفف القلّة.

قال الرضى في شرحه ص 178- و أمّا أخّ و كخّ و أفّ و بخّ و أوّه: إذا لم تستعمل استعمال المصادر و هو أن تنصب نحو أفّا، أو تبيّن بحرف كافّ لك: فالأولى أن يقال ببقائها على ما كانت عليه أعنى أسماء أصوات و أنّها لم تصر مصادر و لا أسماء أفعال، لعدم الدليل عليه.

96
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 97

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة تستعمل في مقام الانضجار و إظهاره، و هي صوت و من اسماء الأصوات، مبنيّة على هيئتها، و ليست من أسماء الأفعال، و بمناسبة هذا المعنى تستعمل في المعاني المذكورة.

و قد نهى اللّه تعالى عن إظهار الانزجار بهذه الكلمة المظهرة له، و أمّا نفس الانزجار في قبال المكروهات فأمر قهرىّ غير اختيارىّ لا يقبل النهى.

فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ‏ وَ لا تَنْهَرْهُما- 17/ 23.

أُفٍ‏ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏- 21/ 67.

وَ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ‏ أُفٍ‏ لَكُما أَ تَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ‏- 46/ 17

أفق‏

مقا- أصل واحد يدلّ على تباعد ما بين أطراف الشي‏ء و اتّساعه و على بلوغ النهاية. و من ذلك‏ الْآفَاقُ‏: النواحي و الأطراف. و الرجل‏ الْآفِقُ‏: الّذى بلغ النهاية في الكرم. أفق يأفق أفقا: غلب. قال الخليل: واحد الآفاق الأفق و هي الناحية من نواحي الأرض. رجل أفقىّ من أهل الآفاق، جاء على غير قياس. و قيل افقىّ.

مصبا- الْأُفُقُ‏ بضمّتين الناحية من الأرض و من السماء و الجمع آفاق، و النسبة اليه افقىّ ردّا الى الواحد، و ربّما قيل أفقىّ بفتحتين تخفيفا على غير قياس، و لا ينسب الى الآفاق على لفظها فلا يقال آفاقىّ. و الأفيق الجلد بعد دبغه، و الجمع الأفق.

لسا- الْأُفُقُ‏ و الْأُفْقُ‏ مثل عُسُر و عُسْر: ما ظهر من نواحي الفلك و أطراف الأرض، و كذلك آفاق السماء نواحيها.

97
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 98

 

و التحقيق‏

أنّ المعنى الحقيقىّ لهذه المادّة: هو الناحية الواسعة من أطراف الأرض أو السماء، مادّيّة أو معنويّة.

سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي‏ الْآفاقِ‏ وَ فِي أَنْفُسِهِمْ‏- 41/ 53.

تدلّ على جميع الآيات الظاهرة في قاطبة النواحي و أطراف الأرض و السماء، فانّ الآفاق جمع محلّى بالّلام.

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‏ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏ وَ هُوَ بِالْأُفُقِ‏ الْأَعْلى‏- 53/ 7.

أى علمّه اللّه عزّ و جلّ الّذى هو الحقّ المستوى على خلقه. و كان الرسول (ص) مقيما بالمرتبة العليا و مقام رفيع أعلى، و هو أفق عالم العقول و ما فوق الناسوت. و هذا تعليم إشراقىّ و إنارة ربانيّة يتكوّن منه علم حضورىّ و نور إلهىّ في القلب، فلا بد لصاحبه أن يكون في مقام مجرّد نورانىّ حتّى يستعدّ لقبول تلك الأنوار.

وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ وَ لَقَدْ رَآهُ‏ بِالْأُفُقِ‏ الْمُبِينِ‏ 81/ 23.

أى ليس بمحجوب عن شهود الأنوار و رؤية الحقائق و الإلهامات الغيبيّة، و لقد رأى هذا القول و هو القرآن المفهوم من‏ [إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ‏]+ بالأفق الّذى يبين الحقائق و لما يشبه فيه أمر على شاهده، و هو عالم الشهود و الحضور و النور.

فظهر أنّ الأفق له مفهوم كلّى يشمل الآفاق الأرضيّة و السماويّة و العلويّة.

افك‏

مقا- أَفَكَ‏: أصل واحد، يدلّ على قلب الشي‏ء و صرفه عن جهته. أفك‏

 

98
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 99

الشي‏ء و أفك الرجل: كذب، و الإفك الكذب. و أفكت الرجل عن الشي‏ء:

صرفته عنه- أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا. و الْمُؤْتَفِكَاتُ‏: الرياح الّتى تختلف مهابّها.

مصبا- أَفَكَ‏ يَأْفِكُ‏ من باب ضرب إِفْكاً: كذب، فهو أفوك و أفّاك، و امرأة أفوك و أفّاكة. و أفكته: صرفته، و كلّ امر صرف عن وجهه فقد افك.

صحا- الْإِفْكُ‏: الكذب و كذلك الأفيكة و الجمع الأفائك، و رجل أفّاك: كذّاب. و الأفك بالفتح مصدر أفكه يأفكه: قلبه و صرفه عن الشي‏ء. و ائتفكت البلدة بأهلها: انقلبت. و المؤتفكات: المدن الّتى قلبها اللّه تعالى على قوم لوط (ع). و المؤتفكات: الرياح تختلف مهابّها. و المأفوك: المأفون، و هو الضعيف العقل و الرأى.

مفر- الْإِفْكُ‏: كلّ مصروف عن وجهه الّذى يحقّ أن يكون عليه، و منه قيل للرياح العادلة عن المهاب: مؤتفكة.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو القلب و الصرف عن وجهه. و بهذا الاعتبار يطلق على الكذب، لانصرافه عن الحقّ و الواقع. و كذلك إطلاقه على الرياح المنصرفة عن مهابّها، و المدن الّتى انقلبت عن جريانها الطبيعيّة، و العقل الّذى ينحرف عن كماله و صفائه.

وَيْلٌ لِكُلِ‏ أَفَّاكٍ‏ أَثِيمٍ‏- 45/ 7.

من يصرف الحقائق عن وجهها.

بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَ ذلِكَ‏ إِفْكُهُمْ‏ وَ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏- 46/ 28.

وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ‏ افْتَراهُ‏- 25/ 4.

وَ قالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ‏ مُفْتَرىً‏ 34/ 43.

في هذه الآيات قد وصف الإفك بالافتراء، و هو قريب من معنى الإفك-

99
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 99

راجع الفرى.

كَذلِكَ‏ يُؤْفَكُ‏ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ‏- 40/ 63.

لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى‏ يُؤْفَكُونَ‏+، ... لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى‏ تُؤْفَكُونَ‏+ 35/ 3.

اى يصرفون و يقلبون.

يُؤْفَكُ‏ عَنْهُ مَنْ‏ أُفِكَ‏- 51/ 9.

أي يُصرف عنه- و هو الحقّ و الدين و الوعد.

ففي جميع موارد استعمال هذه المادّة: يلاحظ مفهوم القلب و الصرف عن وجهه الحقّ.

و المؤتفكات: هذه الكلمة مفردة قد ذكرت في آية واحدة، و جمعا قد ذكرت في آيتين:

وَ قَوْمِ إِبْراهِيمَ وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ وَ الْمُؤْتَفِكاتِ‏ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ‏- التوبة/ 70.

وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ‏ بِالْخاطِئَةِ فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ‏- الحاقّة/ 9.

وَ قَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى‏ وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى‏ فَغَشَّاها ما غَشَّى‏- النجم/ 53.

في لسا- و الِائْتِفَاكُ‏ عند اهل العربيّة: الانقلاب، كقريات قوم لوط الّتى ائتفكت بأهلها أى انقلبت. و قيل المؤتفكات المدن الّتى قلبها اللّه تعالى على قوم لوط عليه السّلام.

أقول: فالمؤتفك: من أخذ الافك طريقة له و الآخذ به، و نتيجة هذا هي الانصراف عن الحقّ و قلب الحقّ الى الباطل. و تأنيث الكلمة باعتبار النفس أو البلدة أو الملّة.

فهذه الكلمة أمّا صفة للنفوس- أى النفوس المنصرفة أو الملل العادلة عن‏

100
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 99

الحقّ و المنقلبة عن مجارى الفطرة الاصليّة الّتى خلقها اللّه تعالى عليها. أو صفة للمدن و البلاد المنقلبة بالبلاء و الهلاك و الخسف و الغرق و غيرها، أو البلاد المنقلبة الى الفساد و الباطل و الكفر و الطغيان باعتبار أهلها.

ثمّ إنّ مدن لوط من المصاديق الواضحة لهذه الكلمة، سواء أريد بها النفوس أو أريد بها البلاد، لانحرافهم الكامل عن الفطرة السليمة.

فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها.

هذه الآية باعتبار مدينتهم.

إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ‏- 29/ 28 أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ- 29/ 29 و هذه باعتبار النفوس و أصحاب لوط المنحرفين عن الحقيقة.

و في المراصد- المؤتفكة: قيل كان بقرب سلميّة بالشام مدينة تدعى المؤتفكة، انقلبت بأهلها فلم يسلم منها إلّا مائة نفس خرجوا منها فبنوا لهم مائة بيت، فسميّت حوزتهم الّتى بنوافيها منازلهم سلم مائية، فقال الناس سلميّة، و قد جاء

عن علىّ (ع) إنّه قال في ذمّ البصرة يا أَهْلَ‏ المُؤْتَفِكَةِ ائْتَفَكَتْ‏ بأهلها ثلاثا و على اللّه الرابعة

، و هذا يدلّ على أنّ الائتفاك الانقلاب، و قيل إنّ المراد بالمؤتفكة مدائن قوم لوط.

و هذا الكلام يدلّ على أنّ هذه الكلمة صفة لا اسم علم، فانّ اسم مدينة قوم لوط هو سدوم- كما في التوراة و كتب التاريخ.

التكوين 19- و إذ أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر، فأمطر الربّ على سدوم و عمورة كبريتا و نارا من عند الربّ من السماء، و قلب تلك المدن و كلّ الدائرة.

101
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أفل ص : 102

 

و لا يبعد أن يكون المراد من المؤتفكات في الآيات السابقة: هي المدن و القرى المنقلبة خاصّه، فانّها ذكرت في مقابل النفوس المتحولّة و الأقوام المرتدّة- الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ‏ ... وَ الْمُؤْتَفِكاتِ‏+ ... أَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى‏ ... وَ الْمُؤْتَفِكَةَ ... وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قَبْلَهُ وَ الْمُؤْتَفِكاتُ‏.

أفل‏

مقا- أَفَلَ‏: أصلان أحدهما الغيبة، و الثاني الصغار من الإبل. يقال أفلت الشمس غابت، و نجوم‏ أُفَّلٌ‏، و كلّ شي‏ء غاب فهو آفل. و الأفيل: الفصيل و الجمع الإفال.

مصبا- أَفَلَ‏ الشي‏ء أفلا و أفولا من باب ضرب و قعد: غاب، و منه قيل أفل فلان عن البلد: إذا غاب عنها. و الْأَفِيلُ‏: الفصيل.

صحا- مفر- و فيهما ما يقرب منها.

لسا- أَفَلَ‏: غاب. أفلت الشمس: غربت.

فر- [افل‏] الظلمة و الغروب.

و التحقيق‏

أنّ الغيبة معناها مطلق الغياب في قبال الشهود من دون توجّه فيها الى حدوثها أو دوامها أو بقائها، بخلاف الأفول فانه يدلّ على حدوث الغيبة بعد الحضور، و يوجه الانفصال، و هذا المعنى أشدّ تأثيرا في سلب الحبّ حيث قال- لا أُحِبُ‏ الْآفِلِينَ‏- فانه مضافا الى الغيبة يدلّ على التغيّر. و كذا في البرائة من الشرك في قوله:

فَلَمَّا أَفَلَتْ‏ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ‏- 6/ 78.

 

102
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أكل ص : 103

فان التغيّر و التقلّب ممّا لا يليق بحال الخالق الحىّ القيّوم.

و اطلاق المادّة على الفصيل: باعتبار غيابه عن امّه في بعض الأوقات.

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى‏ كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ‏ قالَ لا أُحِبُ‏ الْآفِلِينَ‏- انعام/ 76.

فلمّا أظهر بأنّ الكوكب ربّه أى مربيّه و مدبّر أموره: فأثبت له شعورا و عقلا و علما و قدرة، فاللازم أن يقال في وصفه بصيغة الجمع للعقلاء، فقال‏ لا أُحِبُ‏ الْآفِلِينَ‏.

أكل‏

صحا- أَكَلْتُ‏ الطعام أكلا و مأكلا. و الأَكْلَةُ: المرّة الواحدة حتّى يشبع. و الاكلة: اللقمة. و هذا الشي‏ء اكلة لك. طعمة لك. و الأكل: ما أكل.

فلان ذو أكل: إذا كان ذا حظّ من الدنيا و رزق واسع، و الأكل ثمر النخل و الشجر، و كلّ ما يؤكل فهو أكل. آكلته: أطعمته. و الْأَكِيلَةُ: المأكولة.

مقا- أكل: باب تكثر فروعه، و الأصل كلمة واحدة و معناها التنقّص.

رجل أكول: كثير الأكل. و الأكلة جمع آكل. و الأكيل: الّذى يؤاكلك. و المأكل: ما يوكل. و فلان ذو اكلة في الناس: إذا كان يغتابهم. و الأكل: حظّ الرجل و ما يعطاه من الدنيا. و أكل الشجرة: ثمرها- تُؤْتِي‏ أُكُلَها كُلَّ حِينٍ‏.

مصبا- الْأَكْلُ‏ مصدر أكل من باب قتل، و يتعدّى الى ثان بالهمزة. و الاكل بضمّتين و إسكان الثاني تخفيف: المأكول.

مفر- الْأَكْلُ‏ تناول المطعم، و على طريق التشبيه به قيل أكلت النار الحطب. وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ‏- و هو صرفه الى ما ينافيه الحقّ، و قد يعبّر عن الفساد بالأكل- كَعَصْفٍ‏ مَأْكُولٍ‏.

103
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 104

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التناول الملازم إزالة الصورة و التشخّص من الطرف المأكول، ففي أكل الطعام: يتناول الآكل من الطعام بحيث يزيل صورته. و كذلك في أكل النار الحطب، و في أكل الأموال بالباطل، و في أكل المغتاب لحم أخيه حيث انّه يزيل تشخّصه و وجهته.

حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ‏ تَأْكُلُهُ‏ النَّارُ- 3/ 183.

تتناول النار منه و تزيل صورته.

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ‏ ... لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ‏- 2/ 188.

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى‏ أَمْوالِكُمْ‏- 4/ 2.

أى التناول و التصرّف فيها حتّى تزول صورة المملوكيّة لصاحبها و تجعلونها متعلّقة لأنفسكم.

و كذلك- لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا- 3/ 130.

وَ تَأْكُلُونَ‏ التُّراثَ أَكْلًا- 89/ 19.

الَّذِينَ‏ يَأْكُلُونَ‏ الرِّبا- 2/ 275.

إِنَّ الَّذِينَ‏ يَأْكُلُونَ‏ أَمْوالَ الْيَتامى‏- 4/ 10.

أى يتناولون لأنفسهم.

أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ‏ يَأْكُلَ‏ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً- 49/ 12.

و قد عبّر باللحم و الميّت فانّ صورة البدن و نظمه باللحم، فالمغتاب يزيل بالتعييب و ذكر السوء عنوانّه و حيثيته، و الحال أنّه غائب لا يستطيع دفع السوء عنه كالميّت، فكأنّ المغتاب يزيل اللحم عن أخيه الميّت، و لا يحفظه و لا يستر سوّأته.

أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ‏ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ 2/ 174.

104
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ألت ص : 105

 

فكأنّ المأكول للّذين‏ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ‏ ... وَ يَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا: هو النار، و معلوم أنّ معدة الإنسان و بدنه لا يتحمّلها و لا يتثبّت في مقابل إحراقها و لهبها.

فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ‏ مَأْكُولٍ‏- 105/ 5.

كزرع قد تنوول و أزيل نظمه و انمحت صورته، فهم ايضا كأنهم قد أكلوا فانمحت صورهم بالخضم و المضغ.

تُؤْتِي‏ أُكُلَها كُلَّ حِينٍ‏ ...، وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى‏ بَعْضٍ فِي‏ الْأُكُلِ‏ 13/ 4.

أى الثمر و المأكول، و الظاهر أنّ هذه الصيغة صفة مشبهة على وزن جنب، و هو ما يكون متّصفا بالماكوليّة، فكأنّها قد أخذت من أكل بضمّ العين لازما.

ألت‏

مصبا- أَلَتَ‏ الشي‏ءُ من باب ضرب: نقص. و يستعمل متعديّا ايضا، فيقال ألته.

مقا- أَلَتَ‏: كلمة واحدة تدلّ على النقصان، ألته يألته: نقصه.

صحا- أَلَتَهُ‏ حقّه يَأْلِتُهُ أَلْتاً: نقصه. و ألته: حبسه عن وجهه و صرفه، مثل لاته يليته. و هما لغتان. و قال في ليت: لاته عن وجهه يلوته و يليته: حبسه عن وجهه و صرفه. و ألاته عن وجهه، فعل و أفعل بمعنى، و ما ألاته من عمله شيئا: ما نقصه، و مثله ألته.

و التحقيق‏

أنّ هذه المادّة تدلّ على النقص المخصوص و هو ما كان عن طريق الحبس و المنع و الصرف، مثل أن يحبس و يمنع عن الوصول الى تمام ماله من المال و الأجر، أو يصرف المال و الأجر عنه بإيجاد الموانع و الصوارف، و هذا المعنى أبلغ في المقام من‏

 

105
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الر ص : 106

النقص و أدقّ و ألطف.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ ما أَلَتْناهُمْ‏ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ‏- 52/ 21.

هذه الكلمة يجوز فيها أن تكون من ألت ماضيا مجرّدا، أو من ألات، و هو من مادّة لات أجوفا، فهي إمّا متكلّم من المجرّد أو من الإفعال، و المعنى واحد، و الظاهر أن يكون بين المادّتين اشتقاق اكبر. و في لات بوجود حرف اللين دلالة على الجريان الطبيعي.

الر

من الحروف المقطّعة في فواتح السور، و أنّها من المتشابهات و الرموز الّتى لا طريق لنا الى معرفتها، و البحث عنها غير مفيد للعلم، و اكثر ما قيل فيها خارج عن مقام القرآن المجيد و عن شأن كلام اللّه العزيز الحكيم.

نعم لا يبعد أن تكون هذه الحروف إشارة إجماليّة الى موضوعات و مطالب وقعت في تلك السور. فهذه الحروف [ا- ل- ر] إنّما وقعت في فواتح خمس سور (يونس، هود، يوسف، ابراهيم، الحجر) و الموضوعات المهمّة المبحوث عنها في تلك السور: السوق الى اللّه و توحيده و عبادته، و السوق الى لقائه و ترك اللهو في الحيوة الدنيا، و السوق الى الرسل و الاهتداء بسلوكهم و كلماتهم و أعمالهم.

و هذا المعنى محفوظ في سائر السور الّتى وقعت في فواتحها حروف من الحروف المقطّعة، و سنشير اليها في مواردها بالترتيب. راجع‏ الم+، ... المر.

ألف‏

مقا- أَلِفٌ‏: يدلّ على انضمام الشي‏ء الى الشي‏ء، و الأشياء الكثيرة

106
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 107

أيضا. و قد آلَفَتِ‏ الإبلُ: صارت ألفا، و آلَفْتُ القومَ: صيرّتهم ألفا، و آلفوا: صاروا ألفا. و مثله أخمسوا و أماءوا. و هذا قياس صحيح لأنّ الألف اجتماع المئين. قال الخليل: ألفت الشّي‏ء و آلفه، و الالفة مصدر: الائتلاف. و الفك و أليفك: الّذى تألفه، و كلّ شي‏ء ضممت بعضه الى بعض فقد ألّفته تأليفا. قال الأصمعى: ألفت الشي‏ء آلفه إلفا و أنا آلف و آلفته و أنا مؤلف، و آلفت هذه الطير موضع كذا، و هنّ مؤلفات.

مصبا- ألفته ألفا من باب علم: أنست به و أحببته و الاسم الالفة، و الالفة أيضا اسم من الائتلاف و هو الالتئام و الاجتماع، و اسم الفاعل أليف و آلف و الجمع‏ أُلَّاف‏. و آلفت الموضع إيلافا و آلفته أو الفه مؤالفة و إلافا و ألفته من باب علم كذلك. و تألّف القوم: اجتمعوا و تحابّوا. و ألّفت بينهم تأليفا. وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ‏: المستمالة قلوبهم بالإحسان و المودّة. و الألف اسم لعقد من العدد و جمعه ألوف و آلاف.

مفر- الْإِلْفُ‏: الاجتماع مع الالتئام. و الألف العدد المخصوص و سمّى بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الائتلاف أى الاجتماع ملتئما، و لعلّ باعتبار هذا المفهوم أطلقت كلمة الألف على العدد المعيّن الجامع بين العشرات و الماءات، أى فوقها.

مضافا الى كون الكلمة مأخوذة من العبريّة (إلف) و الأراميّة (ألف)، كما في فرهنگ تطبيقى.

فَلَبِثَ فِيهِمْ‏ أَلْفَ‏ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً- 29/ 14.

هذه الآية صريحة في طول عمر نوح قريبا من ألف سنة، بل و ظاهر الآية أنّ‏

107
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أل ص : 108

هذه المدّة كانت الى الطوفان، بقرينة- فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ‏- إذا كانت الفاء للترتيب لا للنتيجة.

يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ‏ مِنَ الْمَلائِكَةِ 3/ 125.

خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ‏ أُلُوفٌ‏- 2/ 243.

الآلاف جمع قلّة، و الألوف جمع كثرة.

وَ لكِنَّ اللَّهَ‏ أَلَّفَ‏ بَيْنَهُمْ‏- 8/ 63.

يُزْجِي سَحاباً ثُمَ‏ يُؤَلِّفُ‏ بَيْنَهُ‏- 24/ 43.

وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ‏ ... لِإِيلافِ‏ قُرَيْشٍ‏ إِيلافِهِمْ‏ رِحْلَةَ الشِّتاءِ- 106/ 2.

قد سبق في كلمة [اذن‏] أنّ النظر في باب الإفعال الى نسبة الفعل الى الفاعل أوّلا ثمّ الى المفعول، بخلاف صيغة التفعيل فان النسبة فيها أوّلا الى المفعول.

فالنظر في الإيلاف الى إيجاد الالفة و إظهاره، و في التأليف الى تحقيق الائتلاف و إيقاعه بينهم في الخارج، و بعبارة و ضحى: إنّ النظر في الإفعال الى جهة الصدور و في التفعيل الى الوقوع.

ألّ‏

صحا- أَلَّهُ‏ يَؤُلُّهُ‏ أَلًّا من باب نصر: طعنه بالحربة. و ألّ يؤلّ ألّا: صفا و برق. و ألّ أيضا: أسرع. و الأليل: الأنين و الإلّ: العهد و القرابة. و الألّ جمع ألّة و هي الحربة.

مقا- أَلٌ‏: ثلاثة اصول- اللمعان في اهتزاز، و الصوت، و السبب يحافظ عليه. ألّ الشي‏ء: إذا لمع، و سمّيت الحربة ألّة للمعانها، و ألّ الرجل في مشيته:

اهتزّ. و أذن مؤلّلة: محدّدة. و يوم أليل، أى شديد. و أمّا الصوت: فالأليل أنين. و الألّ: رفع الصوت بالدعاء و البكاء. و المعنى الثالث: الإلّ هو اللّه. و قربى الرحم،

108
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 109

 

و العهد. و كلّ سبب بين اثنين.

مفر- الْإِلُ‏: كلّ حالة ظاهرة من عهد حلف و قرابة و هي تئلّ و تلمع فلا يمكن إنكارها. و ألّ الفرس: أسرع و حقيقته لمع. و ذلك استعارة في باب الإسراع. و الألّة الحربة اللامعة. و قيل إل و ايل اسم اللّه، و ليس ذلك بصحيح.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو العلاقة و الربط الظاهر الثابت طبيعيّا أو نحوه، في مقابل العلاقة الحاصلة بالتعهّد أو المعاهدة الصوريّة التعبديّة المعبّر عنها بالذّمة- كما في الآيتين الكريمتين الآتيتين.

فباعتبار هذا الأصل تستعمل في القرابة و العهد الثابت و السبب بين الاثنين، و بالنظر الى الظهور و الثبوت الطبيعىّ تستعمل في اللمعان و الحربة و ما يشابهها. و أمّا البكاء و الأنين و رفع الصوت المخصوص: فهي باعتبار ظهور العلاقة و تجلّى الربط الثابت و الكاشف عمّا بينهما.

كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ‏ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً 9/ 8.

لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ‏ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ‏- 9/ 10.

فهذه الكلمة لا تدلّ على العهد المطلق كما أنّها لا تدلّ على اللمعان و الحربة و البكاء و الصوت و السرعة على الإطلاق.

و أمّا مفهوم اسم اللّه: فكلمة- إل- في اللغة العبريّة، بمعنى اللّه، و القوّة، كما في- قع.

إلّا

مصبا- إلّا حرف استثناء نحو قام القوم‏ إلّا زيدا، فزيد غير داخل في حكم‏

 

109
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 110

القوم، و قد تكون للاستيناف بمعنى لكن عند تعذّر الحمل على الاستثناء، نحو ما رأيت القوم إلّا حمارا، و منه قوله تعالى- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏، إذ لو كانت للاستثناء لكانت المودّة مسئولة أجرا و ليس كذلك. و قد تأتى بمعنى الواو، كقوله: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا- فمعناه و الّذين ظلموا أيضا لا يكون لهم عليكم حجّة.

الكافية- المستثنى متّصل و منقطع، فالمتّصل هو المخرج عن متعدّد لفظا أو تقديرا بالّا و أخواتها. و المنقطع هو المذكور بعدها غير مخرج. و هو منصوب إذا كان بعد إلّا غير الصفة في كلام موجب أو مقدّما على المستثنى منه أو منقطعا، في الأكثر.

كليا- و إلّا الاستثنائيّة قد تكون عاطفة بمنزلة الواو في التشريك- لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا. أى و لا الّذين ظلموا. و تكون بمعنى بلّ- إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى‏. و بمعنى لكن- لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ، و نحو- إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ‏. و تكون صفة بمعنى غير فيوصف بها و بتاليها جمع منكّر أو شبهه- لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا، و المراد بشبه الجمع المنكّر: الجمع المعرّف بلام الجنس، و المفرد غير المختصّ بواحد. و كون إلّا- في هذه الآية للاستثناء غير صحيح من جهة اللفظ و المعنى، إذ المعنى حينئذ: لو كان فيهما آلهة ليس فيهم اللّه لفسدتا، و هو باطل باعتبار مفهومه. و أمّا اللفظ: فلانّ آلهة جمع منكّر في الإثبات فلا عموم له فلا يصحّ الاستثناء منه.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة تدلّ على الاستثناء في جميع الموارد، و التفاسير المختلفة لها إنّما نشأت من الغفلة عن درك اللطائف المقصودة في الآيات المذكورة.

و ليعلم أنّ الاستثناء ليس معناه الإخراج عن عموم لفظ سابق و هو المسمّى بالمستثنى منه كالقوم في ما جاءني القوم إلّا زيد.

110
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 110

بل حقيقته استثناء شي‏ء عن حكم سابق متعلّق بموضوع، فزيد مستثنى عن مجي‏ء القوم لا عن القوم، فالاستثناء يرجع في المرتبة الاولى الى الحكم لا الى الموضوع، و لا سيّما في موارد ينصب المستثنى فيها، كما مرّ من الأقسام الثلاثة- الموجب، المقدّم، المنقطع.

فعلى هذا: إنّ التعبير بالمنقطع بمعنى انقطاع المستثنى عن المستثنى منه، و هكذا تخصيص المستثنى منه بالموضوع العامّ: غير صحيح. فالحمار في- ما رأيت القوم إلّا حمارا- مخرج عن عدم الرؤية لا عن القوم.

و أمّا آية- أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ‏ ... لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا- 21/ 22. فالمعنى لو كان فيهما آلهة اتخذوها من أنفسهم لفسدتا، و يستثنى من ذلك الحكم: اللّه القادر المتعال المدبّر الحكيم الحىّ القيّوم، فإذا استثنى اللّه في مقام الخلق و التدبير و بقي الآلهة لفسدت السموات و الأرض.

فيدلّ هذا التعبير على أنّ الخلق و التدبير و النظم من اللّه المتعال.

و أمّا إذا فسّرت كلمة إِلَّا: بالغير [آلهة غير اللّه‏]: فتكون في مقام توصيف الآلهة و تعريفها، و لا تكون فيها إشارة الى قدرة اللّه و تدبيره و مقامه و شأنه الرفيع.

و ثانيا- يلزم أن يكون اللّه تعالى بمقتضى هذا التعبير و التفسير في مرتبة الآلهة و في عرضها، فانّ التغاير يقتضى ما قلناه من التقابل.

و ثالثا- أنّ هذا التعبير و هو فرض أن يكون من دون اللّه آلهة موجودون فيهما غير صحيح، فانّ العالم يوجد باللّه تعالى، و لا يمكن أن نفرض عالما لا يرتبط باللّه. و هذا بخلاف التعبير بالاستثناء الملازم لوجود المستثنى و الخارج في مقام الحكم.

و على هذا: ترى هذا التعبير أى التعبير بكلمة غير، واقعا في القرآن الكريم في مقام النفي دائما- ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ+، ... مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ+.

و أمّا آية- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏- 42/ 23:

فالاستثناء يتعلّق بسؤال الأجر و لا محذور فيه بوجه، فانّ محبّة القربى (قربى الرسول أو

111
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 110

مطلق ذوى القربى و منهم قربى الرسول) أمر يعود نفعه الى أنفسهم، و بذلك يتمّ نظم أمورهم و يقوى أساس حياتهم العلميّة و العمليّة و الاجتماعية.

و أمّا آية- فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ‏ 2/ 150: فالاستثناء يتعلّق بكون الحجّة للناس عليهم، و الحجّة البرهان و ما يحتّج به. و المعنى: لئلّا يحتجّ الناس عليكم و لا يقول المخالفون فيكم و لا يبقى مورد لتمسّكهم، و يستثنى من ذلك الحكم: الَّذِينَ ظَلَمُوا، فانّ من شأنهم التعدّى و التجاوز الى حقوق آخرين، و لسانهم لا يملك، فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي‏.

فلا حاجة لنا بوجه الى التجوّز البعيد الركيك، و لا سيّما في كلام ربّ العالمين، مضافا الى ضعف المعنى، فانّ ذكر الظالمين بعد عموم الناس من المخالفين لا وجه له، و أيضا فإنّ ما بعد الآية- فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي‏- لا يلائم هذا الوجه، فانّ الخشية في صورة فقدان الحجّة من الناس و من الظالمين عليهم غير صحيحة.

و امّا آية- ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏. إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى‏- 20/ 3.

فالاستثناء يرجع الى الحكم و هو إنزال القرآن، أى ما أنزلناه إلّا للتذكرة لمن يخشى و لهدايتهم الى سبيل الرشد و الصلاح و لتعلّم وظائف العبوديّة و العمل بها، لا لتكلّفهم و تحمّلهم المشقّة، و جملة- لمن يخشى- تعمّ الرسول و امّته.

أو المعنى: ما أنزلناه إلّا لتذكّر الناس من الّذين يخشون، و لا يجب لك أن تتحمّل المشقّة في الإبلاغ- كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ‏ ... فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ، ... فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ- 88/ 22.

و أمّا آية- لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ: فالاستثناء يتعلّق بتذكر الناس. أى ذكّر الناس فانّ وظيفة الرسالة إنّما هي التذكير، و لست بمسلّط و حاكم عليهم حتّى يجب لك إلزامهم و إجبارهم، و يستثنى من الناس الّذين تولّوا و أعرضوا عنك و كفروا فليس لك أن تذكّرهم، فذرهم و ما يعملون.

فقد ظهر أنّ كلمة- إلّا- للاستثناء في جميع موارد استعمالها في‏

112
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الذى - اللذان، اللذين، الذين، اللذون التي - اللتان، اللتين، اللات، اللاء، اللواتي ص : 113

كلمات اللّه تعالى و بل في كلمات الفصحاء أيضا، و قلنا إنّ الاستثناء يتعلّق دائما الى الحكم المتعلّق بموضوع، و لمّا كان الاستثناء لا بدّ أن يتعلّق بعامّ حتّى يصحّ الإخراج منه: فيلزم أن يكون الموضوع عامّا في الجملة حتّى يعمّ الحكم المتعلّق به فلا يصحّ أن يقال جاءني زيد إلّا عمرا.

الّذى‏- اللَّذانِ، اللَّذَيْنِ، الَّذِينَ، اللَّذُونَ. الّتِي‏- اللَّتانِ، اللَّتَيْنِ، الّلاتِ، الّلاءِ، اللَّوَاتِي.

موصول الأسماء الَّذي‏، الأنثى الّتى‏

 

 و الياء إذا ما ثنّيا لا تثبت‏

جمع‏ الَّذي‏: أُولَى، الَّذِين، مطلقا

 

 و بعضهم بالواو رفعا نطقا

بالّلات و الّلاء، الَّتي قد جمعا

 

 و الّلاء كالّذين نذرا وقعا

 

 الكافية- الموصول: ما لا يتمّ جزءا إلّا بصلة و عايد، و صلته جملة خبريّة، و العائد ضمير له. (اى جزءا من الكلام).

كليا- كلّ اسم كان أوّله لا ما ثمّ أدخلت عليه لام التعريف فانّه يكتب بلامين، إلّا الّذي و الّتي، لكثرة الاستعمال، و إذا ثنيّت الّذى تكتبه بلامين- اللّذان، و إذا جمعته فبلام واحدة.

أدب الكاتب ص 200- ما يقرب منها، و فيها: لتفرق بين التثنية و الجمع. فامّا اللَّتَانِ‏ و اللاتي و اللائي فكلّها يكتب بلامين.

 [لا يبعد أن تكون هذه الكلمات مشتقّة من أسماء الاشارة [ذا، ذان، تا، تان، أولاء] باضافة اللّام و تغيير مختصر، للدلالة على معهود ذهنىّ تفسّره الصلة الواقعة بعدها.

كَمَثَلِ‏ الَّذِي‏ اسْتَوْقَدَ ناراً ...، الَّذِينَ‏ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ+ ...، اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ‏ الَّتِي‏ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ+ ...، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي‏ وَلَدْنَهُمْ‏ ...، وَ اللَّاتِي‏ يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ ...، وَ الَّذانِ‏ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ‏ ...، أَرِنَا الَّذَيْنِ‏ أَضَلَّانا.

113
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الم * ص : 114

الم+

من فواتح السور [البقرة- آل عمران- العنكبوت- الروم- لقمان- السجدة] و إنّها من رموز الكتاب لا يعلمها إلّا اللّه و من علّمه.

و قلنا في- الر+- إنّ السور المفتتح بها يبحث فيها عن موضوعات- اللّه- اللقاء- الرسل- أى أهمّ البحث في تلك السور هو ذكر اللّه المتعال و ذكر لقائه و ذكر رسله.

و نرى في هذه السور المفتتحة بحروف- الم‏+- أيضا أنّ أهمّ البحث في تلك السور: هو ذكر اللّه المتعال و آياته في آدم و الإنسان و الأمم، و ذكر لقائه بالتقوى عن اللعب و اللهو و لقاء أعدائه و عن اللعن، و ذكر رسوله محمّد (ص) و ملائكته المرسلين و الاشارة الى الأمتعة الزائلة الدنيويّة و الموت و الفناء- و اللّه اعلم. راجع- المص‏.

كليا- كلّ سورة استفتحت ب الم+: فهي مشتملة على مبدأ الخلق و نهايته و التوسّط بينهما من التشريع بالأوامر و النواهي.

ألم‏

مصبا- أَلِمَ‏ الرجلُ أَلَماً من باب تعب، و يعدّى بالهمزة يقال آلَمْته إيلاما فَتَأَلَّم، و عَذابٌ أَلِيمٌ+: مؤلم.

صحا- الْأَلَمُ‏: الوجع. و قد ألِم يألَم أَلَما. و قولهم ألِمت بطنك. كقولهم رشدت أمرك- أى الم بطنك و رشد أمرك. و التَّأَلُّم: التوجّع. و الإيلام:

الايجاع. و الأَلِيمُ: الموجع مثل السميع بمعنى المسمع.

مفر- الأَلَم‏: الوجع الشديد. أَلِمَ يَأْلَمُ ألما فهو آلِمٌ.

114
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 115

 

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الوجع الشديد. و الأليم: ما ثبت له الوجع كما أنّ الألم ما ظهر و صدر منه الوجع. و إذ أردنا تعديته قلنا آلمته إيلاما، أى أوجدت الألم. و أمّا تفسير الأَلِيم‏ بالمُولِم و السميع بالمسمع: غير وجيه ناشئ من عدم التوجّه الى حقيقة معنى هذه الصيغة، و المنظور في توصيف العذاب و الرجز و اليوم بكلمة الْأَلِيمُ‏: الإشارة الى شدّتها في أنفسها، و هذا أبلغ من التفسير بالمُؤلِم.

و أمّا ألمت بطنك: فنصب البطن من باب التفسير أى التمييز، و الأصل فيه أن يكون نكرة، و قد يجي‏ء بلفظ المعرفة كما في- طبت النفس.

وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ‏ فَإِنَّهُمْ‏ يَأْلَمُونَ‏ كَما تَأْلَمُونَ‏- 4/ 104.

و لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ+، ... أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ‏ أَلِيمٍ‏، ... لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ‏+، ... أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً+.

المر

من الحروف المقطّعة في فاتحة سورة الرعد.

و يبحث في هذه السورة أيضا: عن السوق الى اللّه المتعال و آياته الكريمة و عن الأمم و الأمور و الآجال، ثمّ عن لقاء يوم الآخرة و اللعن لمن خالف المرسلين المنذرين، و لم يشكر نعم اللّه من المرسلين و المعقبّات و المغفرة و الملائكة المتوكّلين، ثمّ عن الربّ تعالى و تربيته و رسله.

و قلنا في‏ المص‏: إنّ هذه الحروف [ا ل م ر] يشاربها الى انتهاء دورة الخلافة النبويّة الاثني عشريّة الظاهريّة، و من هذه السنة 258- ه 271، يبتدء قوس‏

 

115
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

المر ص : 115

النزول في غيبتهم، و في سنة 260 يتوفّى الامام الحادي عشر و يتحقّق زمان الغيبة للإمام الحجّة الثاني عشر عجلّ اللّه تعالى فرجه.

و يمكن أن نضيف في الدورات الاسلاميّة دورة اخرى، و نقول إنّ الدورة الاولى هي المخصوصة بالرسول الأكرم، و نسمّى الدورات الاخر باسلاميّة، و هي خمس دورات:

1- افتتاح الخلافة الحقيقيّة، و يشار اليه بحروف‏ حم+.

2- زمان حياة اهل بيت الطهارة- و يشار اليه بحروف‏ الم+.

3- انتهاء أيّام البيان و اظهار الحقائق و يشار اليه بحروف‏ المص‏.

4- انتهاء أيّام العظمة و الجلالة و الاحترام للخلفاء و الائمّة عليهم السلام، و يشار اليه بحروف‏ الر+، فانّ عدد حروفها الأبجديّة 231 و هذا العدد إذا حوسب من أوّل التاريخ الإسلامي و هو البعثة، يطابق 218- ه.

و من هذه السنة يبتدء بالقوس النزوليّ الى أن يتوّفى الامام التاسع جواد الأئمّة، ثمّ يبتدء بالشدّة و المحدوديّة و الحبس للعسكريّين عليهما السلام و ذلك في سنة 220- ه.

5- ابتداء دورة الغيبة في القوس النزولي و يشار اليه بحروف‏ المر.

ثمّ إنّ فواتح السور [الم+، المص‏، الر+، المر] ذكرت مرتبّة في القرآن المجيد، على ما ذكرناها في الدورات الأربعة.

1- الم+- في البقرة و تكرّرت في آل عمران. 2- المص‏- في الأعراف.

3- الر+- ذكرت في يونس و تكررّت في هود و يوسف. 4- المر- ذكرت في الرعد. و هذا الترتيب يؤيّد ترتيب معانيها إجمالا.

و من العجب تطبيق عدد حروف الرعد على السنة الاولى من خلافة الامام الثاني عشر و من غيبته، و هو 274 فيطابق 261- ه.

فخذ و اغتم و لا تعدّها من تفسير القرآن الكريم.

116
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

المص ص : 117

المص‏

من الحروف المقطّعة، في فاتحة سورة الأعراف.

و قد أضيفت فيها حرف [ص‏] فانّ في هذه السورة الكريمة نرى مضافا الى البحوث السابقة: البحث عن إصلاح الصدور بالصلاح و الصدق و إقامة الصلوة، و نزع ما في الصدور من الحرج، ليكون من الصادقين المصطفين الصالحين، و الاجتناب عن الأصنام و صدّ السبيل لئلا يكون من أصحاب النار و من الصاغرين.

و قد يبحث في هذه السورة المباركة عن أحوال الأمم المطيعين للّه تعالى و المتوجّهين الى أسمائه، و الّذين يطيعون إبليس و يتّبعونه و أصحابه، و يتّخذون‏ دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً و ينكرون لقاء الآخرة، و هم ملأ من الأمم الماضية خالفوا الرسل و غزّتهم الأموال و الامتعة الدنيويّة. و البحث عنها بتناسب‏ الم+.

ثمّ إنّ هذه الحروف إذا حوسبت، بالأبجد، كما هو مضبوط في العبريّة، يكون عددها مطابقا- 161- و هذا العدد ينطبق على سنة- 148- ه. فانّ مبدأ التاريخ الإسلامي من البعثة، و أمّا الهجرة فهي اعتبارىّ مجعول في حكومة عمر بن الخطّاب، فيزاد على التاريخ المتداول الهجري- 13 سنة، و هي مدّة اقامة رسول اللّه (ص) بمكّة المشرّفة.

و هذه السنة 148- منطبقة على خاتمة حياة الامام الصادق (ع) و هو الناشر لأحكام جدّه و المبيّن لحقائق الإسلام و علومه.

و لا يخفى أنّ لرسول اللّه (ص) و أهل بيته الأطهار المعصومين في حياتهم العمليّة و الاسلاميّة دورات في الانجلاء و الاختفاء:

1- دورة الشدّة: و هي رسالته (ص) أيّام إقامته بمكّة، و هي 13 سنة، و سنة 14 مبتدأ الفتح و الوسع و الحريّة، و يشار الى هذه السنة بحروف- طه‏- فانّها 14- طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏. فهذه السورة بشارة له (ع) بالفتح و الظفر، و

117
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أله ص : 118

آياتها متناسبة.

2- دورة افتتاح الخلافة الحقيقيّة و الحكومة الاسلاميّة الحقّه الصرفة: و تلك في سنة 48 تطابق سنة 35- ه. و يشار اليها بحروف- حم+، فانّها 48- و يناسبها آيات السور: حم‏- وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ...، حم- تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ+.

3- دورة خاتمة حياة أهل بيت النبوّة و الطهارة من أهل الكساء: و هذه الدورة تبتدء في قوس نزولها من سنة 71 تطابق سنة 58- ه. و يشار اليها بحروف- الم+- فانّها 71، و ينتهى هذا النزول الى سنة 61 الهجريّة، الّتى وقعت فيها حادثة الطفّ، و لم يبق من أهل الكساء أحد. و تناسبها الآيات- الم‏- غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ‏ ... الآية. الم‏- أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا ... الآية.

4- دورة انتهاء أيّام البيان و التبليغ الإسلامي علنا- المص‏.

5- دورة ابتداء قوس النزول في اختتام الخلافة من خلفاء رسول اللّه الاثني عشر ظاهرا: و يبتدء من سنة 271- تطابق سنة 258- ه الى أن توفّى الامام العسكريّ (ع) سنة 260- ه، و يشار اليها بحروف- المر.

و لا يخفى أنّ حرف- م- في هذه الفواتح لها جهة اختصاص بهذه الدورات المنتسبة الى رسول اللّه محمّد (ص) و ملّته الاسلاميّة.

و قد مرّ أنّ هذه الفواتح من المتشابهات، و لا يعلم تفسيرها و لا تأويلها إلّا اللّه المتعال و رسوله الكريم، و ما قلناه ليس من التفسير و لا التأويل. بل استحسانات ذوقيّة و تطبيقات احتماليّة.

أله‏

فر- [إلوه‏] [الوهيم‏] اللّه.

118
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 119

مصبا- أَلِهَ‏ يَأْلَهُ‏ إِلَاهَةً من باب تعب: عبد عبادة. تَأَلَّهَ: تعبّد. و الْإِلَاهُ‏:

المعبود و هو اللّه سبحانه و تعالى، ثمّ استعاره المشركون لما عبدوه من دون اللّه تعالى، و الجمع‏ آلِهَةٌ. فالاله فعال بمعنى مفعول مثل كتاب بمعنى مكتوب و بساط بمعنى مبسوط.

و أمّا اللَّهُ‏: فقيل غير مشتقّ من شي‏ء بل هو علم لزمته الألف و اللام. و قال سيبويه: مشتقّ و أصله إلاه فدخلت عليه الألف و اللّام فبقى الإلاه و سقطت الهمزة و أدغمت اللام و فخّم تعظيما، و يرقّق مع كسر ما قبله.

صحا- أَلِهَ‏ بالفتح إلاهة: عبد عبادة. و منه قولنا اللّه و أصله إلاه على فعال بمعنى مألوه أى معبود كالإمام بمعنى مفعول لأنّه مؤتمّ به، فلمّا أدخلت عليه الألف و اللام حذفت الهمزة تخفيفا لكثرته في الكلام، و قطعت الهمزة في النداء للزومها تفخيما لهذا الاسم. و الآلهة الأصنام سمّوا بذلك لاعتقادهم أنّ العبادة يحقّ لها.

مفر- اللّه: قيل أصله إله، فخصّ بالباري تعالى و لتخصيصه به قال تعالى‏ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا. و إله جعلوه اسما لكلّ معبود لهم، و أله فلان يأله: عبد. و قيل هو من أله أى تحيّر، لأنّ العبد إذا تفكّر في صفاته تحيّر فيها. و قيل أصله ولاه فأبدل من الواو همزة، لكون كلّ مخلوق والها نحوه، إمّا بالتسخير فقط كالجمادات و النباتات، و إمّا بالتسخير و الإرادة معا كبعض الناس. و قيل أصله من لاه يلوه لياها أى احتجب.

و التحقيق‏

أنّ‏ الْإِلَهَة بمعنى العبادة. و الفرق بين المادّتين أنّ العبادة قد أخذ فيها قيد الخضوع، و إله أخذ فيه قيد التحيّر.

و ظهر أيضا أنّ كلمة اللّه أصلها من أله يأله، بقرينة اللغة العبريّة، و لعدم الحاجة فيها الى التكلّف، و لكون كلمة إله شايعة استعمالها في هذا المعنى، ثمّ دخلت عليها الألف و اللام، ثمّ صارت علما بالغلبة، و بكثرة الاستعمال فيه تعالى، فقيل لا

119
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 119

إِلَهَ‏ إِلَّا اللَّهُ‏.

و أمّا كون المصدر بمعنى الفاعل أو المفعول حقيقة: فهو بعيد عن الحقّ و الصواب، فانّ هيئة المصدر تخالف هيئة الفاعل أو المفعول، فكيف يمكن اتحادّ مفاهيمها، نعم انّ المصدر إذا انتسب الى الفاعل يكون للفاعل و إذا انتسب الى المفعول يكون للمفعول، كما في الفعل المبنىّ للفاعل المسمّى بالمعلوم، و المبنىّ للمفعول المسمّى بالمجهول، كقولنا في ضرب زيد عمرا. ضرب زيد، أو ضرب عمرو.

و قد يكون إطلاق المصدر للفاعل للمبالغة كما في زيد عدل، و أمّا الخلق و البساط و الكتاب و الصنع و كونها بمعنى المخلوق و المبسوط و المكتوب و المصنوع: فانّه من التصادق و التوافق في المصداق، فانّ المعنى المصدرىّ إذا اعتبر فيها من حيث هو و من دون نسبة الى الفاعل: فهو بمعنى اسم المصدر أو بمعنى المفعول، فيتصادق المفهومان في هذه الموارد، و هذا التصادق لا يستقيم في جميع المصادر.

فالإِلَهُ بمعنى العبادة و التحيّر: غلب استعماله في ما يعبد و يتوجّه اليه و يخضع لديه.

لا إِلهَ‏ إِلَّا هُوَ+ ... إِنَّمَا اللَّهُ‏ إِلهٌ‏ واحِدٌ ... مَنْ‏ إِلهٌ‏ غَيْرُ اللَّهِ‏+ ... لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ‏ اثْنَيْنِ‏ ... إِذاً لَذَهَبَ كُلُ‏ إِلهٍ‏ بِما خَلَقَ‏ ... فَأَطَّلِعَ إِلى‏ إِلهِ‏ مُوسى‏ ... نَعْبُدُ إِلهَكَ‏ وَ إِلهَ‏ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ‏ ...

أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ‏ هَواهُ‏ ... وَ ما نَحْنُ بِتارِكِي‏ آلِهَتِنا ... أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا.

فَالْإِلَهُ‏: قد اطلق في هذه الآيات على كلّ من يعبد و يخضع لديه حقّا أو باطلا، من ذوى العقول أو من غيرها.

و أمّا اللَّهُ‏: فهذه الكلمة لا تطلق إلّا على اللّه العزيز المتعال، فانّه المعبود الّذى قد تحيّر العقول في مقامه و عظمته حقّا، فهو الإسلام الأخصّ الأعلى من بين أسمائه الحسنى، فإذا اطلق يدلّ على ذاته المستجمع لجميع صفاته الجلاليّة و الجماليّة المتعالية.

هُوَ اللَّهُ‏ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ ...، اللَّهُ‏ الصَّمَدُ ...، اللَّهُ‏ لا إِلهَ‏ إِلَّا

120
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ألو ص : 121

هُوَ+ ...، وَ اللَّهُ‏ غَفُورٌ رَحِيمٌ+ ...، لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَ‏ اللَّهَ‏ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ+ ...، وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى‏ حَرْفٍ‏.

فقد ذكرت هذه الكلمة الشريفة في القرآن المجيد في 2697 موردا كما في المعجم.

و أمّا أَللَّهُمَ‏: فقد ذكرت في خمسة موارد:

اللَّهُمَ‏ مالِكَ الْمُلْكِ‏ ...، اللَّهُمَ‏ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا ...، اللَّهُمَ‏ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَ‏ ...، اللَّهُمَ‏ وَ تَحِيَّتُهُمْ فِيها ...، اللَّهُمَ‏ فاطِرَ السَّماواتِ‏.

فحذفت حرف النداء في هذه الكلمة و أبدلت عنها الميم المشدّدة في آخرها مفتوحة، و هذه الكلمة تستعمل في مقام إظهار الخصوصيّة و جلب التوجّه الخاصّ و العطوفة، و لا يبعد أن تكون هذه الميم المشدّدة مأخوذة من مادّة أمّ يؤمّ كمدّ يمدّ، و أن تكون أمرا في الأصل [أمّ‏] أى اقصد و توجّه، ثم حذفت حرف النداء و ركّبت كلمة اللّه مع كلمة أمّ، و سقطت الهمزة للتخفيف و حصول الاتصال بينهما.

و على أىّ حال: فهذه الكلمة تستعمل في مقام الخطاب الخاصّ.

و قد يقال في اشتقاق هذه الكلمات [إِلَهٌ‏، اللَّهُ‏، أَللَّهُمَ‏] مطالب اخر غير مستدلّة، لا فائدة في التعرّض بها و نقلها.

ألو

صحا- أَلَا يَأْلُو: قصّر. و فلان لا يَأْلُوكَ‏ نصحا، فهو آلٍ و المرأة آلِيَةٌ، و جمعها أَوَالٍ.

مفر- أَلَوْتُ في الأمر: قصّرت فيه، و أَلَوْتُ فلانا أى أوليته تقصيرا نحو كسبته أى أوليته كسبا، و ما أَلَوْتُهُ جهدا أى ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد، فالجهد تمييز، و كذلك ما أَلَوْتُهُ نصحا.

121
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 122

لسا- أَلَا يَأْلُو أَلْواً و ألوّا و أليّا و إليّا، و ألّى يؤلّى تألية و أتلى: قصّر و أبطأ. هو مؤلّ، أى مقصّر. و يقال للكلب إذ قصّر عن صيده: ألّى، و كذلك البازي. و ما ألوت ذلك أى ما استطعته. و ما ألوت أن أفعله ألوا و ألوّا: ما تركت.

و

قال النّبيُّ (ص) لفاطمةَ (ع): ما يُبْكِيكُ فَمَا أَلَوْتُكِ‏ وَ نَفْسِي وَ قَدْ أَصَبْتُ لَكَ خَيْرَ أَهْلِى‏

- أى ما قصّرت في أمرك و أمرى حيث اخترت لك عليّا زوجا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه المادّة: هو التواني و التسامح الموجب للتقصير و التأخير في العمل و قضاء الأمر. و من لوازم هذا المعنى: ترك العمل و عدم صرف الاستطاعة في طلبه و تحصيله، و الإبطاء و التأخير.

و ما يقال من معاني أخر: فهي لليائىّ من هذه المادّة، فخلطوا بينهما.

لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ‏ خَبالًا- 3/ 118.

لا يقصّرون في إفساد أموركم و الإفساد عليكم، بل يجتهدون عليكم كلّ الجهد.

وَ لا يَأْتَلِ‏ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى‏- 24/ 22.

أى لا يأخذون التقصير و لا يطاوعون فيه أن يؤتوا اولى القربى.

لِلَّذِينَ‏ يُؤْلُونَ‏ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ- 2/ 226.

أى الّذين يظهرون التواني و يؤخّرون أنفسهم عن أزواجهم: فلهم تربّص اربعة أشهر.

و خصوصيّات الإيلاء و أحكامه مضبوطة في الكتب الفقهيّة.

ثمّ إنّ الايتلاء و الإيلاء يمكن أخذهما من الألى و سيجي‏ء في عنوانه.

122
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ألى ص : 123

 

ألى‏

مقا- أَلْوٌ- أَلْيٌ‏: أصلان متباعدان: أحدهما الاجتهاد و المبالغة، و الآخر التقصير. و الثاني خلاف الأوّل. آلَى‏ يُولِي‏: إذا حلف أليّة و ألوة و إلوة. و الأليّة محمولة على فعولة، و ألوة على فعلة. و يقال يؤلى و يأتلى، و يتألّى في المبالغة.

قال الفرّاء: ائْتَلَى الرجل إذا حلف- وَ لا يَأْتَلِ‏ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ‏. و ما ألوتك نصحا: لم ندع جهدا. قال الشيباني: آليت: توانيت و أبطأت.

مصبا- الْأَلَى‏ مقصور: النعمة، و الجمع الآلَاء. و الأَلْيَة: أَلْيَةُ الشاة، و الجمع أليات، مثل سجدة و سجدات. و ألى الكبش ألى من باب تعب: عظمت أليته، فهو أليان، و سمع آلى على وزن أعمى. و الأليّة: الحلف. و الجمع ألايا مثل عطيّة و عطايا. و آلى إيلاء مثل آتى إيتاء إذا حلف. فهو مول. و تألّى و ائتلى كذلك.

صحا- و الْآلَاءُ: النعم واحدها ألا بالفتح و قد يكسر، و يكتب بالياء، مثاله معى و أمعاء، و آلى يؤلى إيلاء: حلف، و تألّى و ايتلى مثله. و الألية بالفتح ألية الشّاة، و لا تقل إلية و لا لية.

و التحقيق‏

أنّ‏ الأَلْوَ بمعنى التواني و التقصير. و الألى بمعنى البلوغ و ظهور القدرة. و هذان المعنيان متقابلان، و لا يبعد أن يكون بين المادّتين اشتقاق اكبر و يؤخذ أحد المفهومين من الآخر بنسبة التقابل، ثمّ تفرّعت من المعنيين معاني اخر.

فمن مفهوم التقصير و التواني: التأخير، الإبطاء، و الترك، البعد.

و من مفهوم البلوغ: التصميم، و العهد، و الحلف، و الاستطاعة، و إظهار القدرة و العطوفة و النعمة، و الانتهاء، و الاجتهاد، و الألية، و النعمة.

 

123
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 123

فظهر أنّ الحلف من متفرّعات البلوغ و التصميم، فهو عهد جدّى و تصميم نهائى في العمل و الإقدام على أمر، و هكذا النعمة: فهي ترجع الى إظهار الرحمة و الانتهاء في العطوفة. و كذلك النعمة الخاصّة الّتى هي الألية في الشاة. و كلّ هذه المعاني في قبال التواني و التقصير.

و تبيّن أنّ مفهوم الأَلَى: ليس مرادفا للنعمة، بل كلّ ما يعدّ من مصاديق الإكمال في الرحمة و البلوغ في العطوفة، سواء كان بالأمر أو بالتقدير أو بالخلق أو بتهيّة الأسباب أو بالنظم أو بالنعم العموميّة، ظاهرة أو باطنة، دنيويّة أو اخرويّة. و هذا المعنى يظهر عند التدبّر في مصاديق الآلاء في سورة الرحمن:

رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ فَبِأَيِ‏ آلاءِ ... كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ‏ ... فَبِأَيِ‏ آلاءِ رَبِّكُما ... سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ فَبِأَيِ‏ آلاءِ ... هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ فَبِأَيِ‏ آلاءِ ... حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ فَبِأَيِ‏ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏.

فمصاديق الآلاء في تلك الآيات الكريمة مختلفة جدّا، و الجامع بينهما مفهوم الانتهاء في الإحسان و البلوغ في إظهار الرحمة و عدم التقصير فيه.

فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ‏ 7/ 74.

كلّ نعمة و رحمة و فضل و إحسان منه تعالى، ماديّا أو معنويّا، ظاهريّا أو باطنيّا.

و قد يستشكل بأنّ العذاب كيف يكون من النعم على العباد؟

فيقال: البلوغ في إحقاق الحقّ و الانتهاء في بسط العدل و إجراء الحكم و القانون و حفظ النظم: كلّها من الرحمة و النعمة و من الألى، كما في- وَ وَضَعَ الْمِيزانَ‏ ...، وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ‏ ...، سَنَفْرُغُ لَكُمْ‏ ...، يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ ...، فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ‏ ...، هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ‏ ...، فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي‏ ...، فَبِأَيِ‏ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏.

124
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إلى ص : 125

إلى‏

من الحروف الجارّة و تدلّ على انتهاء الغاية زمانا أو مكانا، ظاهرا أو معنى، موضوعا أو حكما. و لعلّ هذا اللفظ قد أخذ من مادّة الألى و وضع للربط المخصوص و هو الانتهاء.

فَلَمَّا نَجَّاهُمْ‏ إِلَى‏ الْبَرِّ+ ...، ثُمَ‏ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ‏ ...، فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ‏ ...، إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏ ...، إِلى‏ قَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ ...، اذْهَبْ‏ إِلى‏ فِرْعَوْنَ+.

و نظير هذه الكلمة في أخذها عن مادّة مشتقّة: عدا، حاشا، خلا.

فالأصل الواحد فيها هو هذا المعنى:

و أمّا- وَ أَيْدِيَكُمْ‏ إِلَى‏ الْمَرافِقِ‏ ...، وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ‏ إِلى‏ أَمْوالِكُمْ‏: فالانتهاء قيد للموضوع لا للحكم، أى الأيدى الى انتهاء المرافق فاغسلوها، و لا تأكلوا أموالهم مرتبطة الى أموالكم.

و أمّا قولهم- وَ قَضَيْنا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ‏، بمعنى على بنى إسرائيل: فليس بصحيح، فانّ (قضى عليه) تستعمل في العذاب و الأخذ و الشدّة:

فَوَكَزَهُ مُوسى‏ فَقَضى‏ عَلَيْهِ‏ ...، فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ‏ ...، لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ‏.

و أمّا جملة (قضى اليه) فتستعمل في مقام بيان الحكم:

وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ‏ ذلِكَ الْأَمْرَ ...، وَ قَضَيْنا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ‏ ...، إِذْ قَضَيْنا إِلى‏ مُوسَى الْأَمْرَ.

ألا

بالتخفيف من حروف التنبيه، مثل- أما و ها. و بالتشديد من حروف التخصيص، مثل هلّا و لو لا و لوما.

125
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إلياس ص : 126

أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ ...، أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ‏.

و حروف التنبيه تدلّ على تنبيه المخاطب على مضمون الجملة الواقعة بعدها لئلا يفوته و لا يغفل عنه، و تدلّ على تحقّق هذا المضمون.

و لا يخفى ما بين هذه الكلمة و بين مادّة [إلى‏] من التناسب في المفهوم: فانّ التنبيه يناسب العهد و البلوغ.

إِلْيَاسُ‏

قم- إيليا: اللّه ربّى. من أنبياء بنى إسرائيل أرسل الى آحاب ملك إسرائيل.

المعارف- إِلْيَاسُ‏: هو من سبط يوشع بن نون بعثه اللّه الى بعلبك و كانوا يعبدون صنما يقال له بعل، و ملكهم أحب و امرأته أزبيل، و كان يستخلفها على ملكه إذا غاب.

بحار 5 باب قصّه‏ إِلْيَاسُ‏ و إليا- يروى روايات مربوطة بإلياس و إليا، ثم يقول: بيان- لا يبعد اتّحاد إلياس و إليا لتشابه الاسمين و القصص المشتملة عليهما.

الملوك الأوّل 17- و قال إيليّا التشبّى من مستوطنى جلعاد لأخآب:

حىّ هو الربّ إله إسرائيل الذّى وقفت أمامه، إنّه لا يكون طل و لا مطر في هذه السنين إلّا عند قولي.

و في 16/ 29- و ملك أخاب بن عمرى على إسرائيل في السامرة اثنتين و عشرين سنة ... حتّى اتّخذ إيزابل ابنة أثبعل ملك الصيدونيّين امرأة، و سار و عبد البعل و سجد له.

و في 19/ 19- فذهب [ايليّا] من هناك و وجد أليشع بن شافاط يحرث و اثنى عشر فدّان بقر قدّامه و هو مع الثاني عشر فمرّ إيليّا به و طرح ردائه عليه، فترك‏

126
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 127

البقر و ركض وراء إيليّا.

البدء 3/ 99- يقال هو الياس بن العادر من ولد يوشع بن نون. و كان ابن إسحاق يقول: هو الياس بن يسى من ولد هرون بن عمران، يقال له‏ إِلْيَاسُ‏ و إِلْيَاسِينُ‏ و اذر ياسين، و يقال هو ذو الكفل بعينه، بعثه اللّه بعد حزقيل الى ملك ببعلبك يقال له آحب و له امرأة يقال لها ازبيل كان يستخلفها ... الخ.

تاريخ الطبري- 1/ 239- إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران. عن محمد بن إسحاق قال: ثمّ إنّ اللّه عزّ و جلّ قبض حزقيل و عظمت في بنى إسرائيل الأحداث، و نسوا ما كان من عهد اللّه اليهم حتّى نصبوا الأوثان و عبدوها من دون اللّه: فبعث اللّه اليهم إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران نبيّا ... الخ.

الملوك الثاني 2/ 9- و لمّا عبرا قال إيليّا لأليشع اطلب ما ذا أفعل لك ...

و فيما هما يسيران و يتكلّمان إذا مركبة من نار و خبل من نار ففصلت بينهما فصعد ايليّا في العاصفة الى السماء، و كان أليشع يرى و هو يصرخ يا أبى يا أبى مركبة إسرائيل و فرسانها و لم يره بعد ... الخ.

يوحنا 1/ 19- هذه هي شهادة يوحنّا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة و لاويّين ليسألوه من أنت؟ ... فسألوه إذا ما ذا، إيليّا أنت؟ فقال لست أنا. النبىّ أنت؟ فأجاب لا.

و التحقيق‏

أنّه يظهر من هذه الكلمات أنّ كهنة أورشليم كانوا ينتظرون ظهور المسيح، و ظهور إيليّا و رجعته بعد ما رفع الى السماء، و ظهور النبىّ المطلق و هو نبىّ الإسلام.

ثمّ إنّ كلمة إيليّا قد ضبطت في التوراة العبريّة هكذا-، أى إليّاهو. و في الفارسيّة بخطّ العبرىّ مثلها. و في الفارسيّة ترجمة فاضل خان، هكذا-

127
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 127

إيلياه. و في العبريّة طبع 1811 م، هكذا- إيليا، و في يوحنّا- إيلياء. و في اغلب النسخ المتأخّرة المترجمة هكذا- إيليّا.

و أمّا كلمة إِلْيَاسُ‏: فالظاهر أنّها معربّة من إليّاهو، أو إيلياه أو إيلياء. و حرف السين تلحق أو اخر الأسماء في اليونانيّة كثيرا كما في هرمس، ديوجانس، ديوغانس، هيردوطس، يولياس، طيطوس.

و توجد في الكلمات المعرّبة و غيرها كثيرا، كما في إبليس، برجيس، بلقيس، جرجيس، سندوس، عبدوس، طمروس، طرابلس، طرطوس، طغموس، جرنفس.

راجع باب ما آخره السين من قاموس اللغة تجد فيها لغات كثيرة من هذا القبيل، و إلحاق السين في غالب موارده: إمّا للوقف و السكت كالهاء، و إمّا للدلالة على العظمة و المبالغة و الكثرة و الزيادة.

وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى‏ وَ عِيسى‏ وَ إِلْياسَ‏ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ‏- أنعام/ 85.

فقد عدّ الياس في رديف زكريّا و يحيى و عيسى: إشارة الى أنّ هدايته و اجتبائه و تفضيله كان من نوع هدايتهم عليهم السلام. ثمّ قال:

وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ‏.

فذكرهم في رديف واحد.

و هذا المعنى منظور في كلّ مورد ذكرت أسماء الأنبياء عليهم السّلام في مقام ذكر فضلهم و اجتبائهم و هدايتهم و كيفيّة سلوكهم و العمل برسالتهم، و ليس في الآيات دلالة على تقدّم زمانهم أو تأخّره، فإنّه أمر مادّى تاريخىّ لا ربط فيه الى النبوّة و الرسالة و الهداية و التبليغ.

فيستفاد من الآية الكريمة أنّ إلياس عليه السلام كان في حال التجرّد و الانقطاع و التوجّه التامّ و التبتّل الخالص و العبوديّة الكاملة.

وَ إِنَ‏ إِلْياسَ‏ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ‏

128
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إل‏ياسين ص : 129

أَحْسَنَ الْخالِقِينَ‏- 37/ 123.

هذه الآيات الكريمة في مقام ذكر جمع من المرسلين الّذين أرسلوا الى الناس، فيذكرون واحدا واحدا و يذكر ما هو الجالب من جريان رسالتهم، ثم يختم بجملة- وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى‏+ ... الآية.

ففي هذه الآيات أيضا يقول تعالى:

وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى‏ إِلْ‏ياسِينَ‏- 37/ 130.

فيستفاد من نظم الآيات الكريمة: أنّ المراد من كلمة- إِلْ‏ياسِينَ‏- هو إلياس المذكور قطعا، و الأقوال الاخر في هذا المورد خلاف نظم الآيات و ظاهرها.

إِلْ‏ياسِينَ‏

و أمّا البحث عن هذه الكلمة لغة، فنقول:

البيضاوي- سَلامٌ عَلى‏ إِلْ‏ياسِينَ‏: لغة في إِلْيَاسَ، كَسِينَا و سِينِينَ ... و قرء نافع و ابن عامر و يعقوب: على اضافة آل الى ياسين، لأنّهما في المصحف مفصولان، فيكون ياسين أبا إلياس.

المعرّب- إسماعيل: فيه لغتان إسماعيل و إسماعين. و يقول في إسرائيل:

ففيه لغات إسرال، إسرائيل، إسرائين.

الكشّاف- و قرئ على‏ إِلْ‏ياسِينَ‏ و إدريسين و إدراسين و إدرَسين، على أنّها لغات في إلياس و إدريس، و لعلّ لزيادة الياء و النون في السريانيّة معنى.

قم- آحاب: أى العمّ. و هو السابع من سلاطين بنى إسرائيل ملك بعد أن توّفى أبوه عمرى سنة 874 قبل الميلاد، و كان مدّة سلطنته 22 سنة، و كانت زوجته ايزابل بنت اتباعل الملك الصيدونىّ.

129
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 130

 

و التحقيق‏

أنّ كلمة إِلْ‏ياسِينَ‏ كإسرائين كلمة واحدة، و هي لغة في إلياس، زيدت فيها الياء و النون لحفظ النظم في أواخر الآيات في المورد، و لقصد التجليل و التعظيم بزيادة المبنى.

و لا يخفى أنّ حرف س: تزاد عليها ياء و نون في التلفّظ، فيقال: سين. و هذا المعنى شبيه بحدّ الحرف و تفخيمها و إظهارها، كما أنّ كلمة- يس‏، تتلفّظ بهذه الصورة- ياسين.

و الظاهر أنّ قرائة بعضهم هذه الكلمة بفتح الهمزة و مدّها و كسر اللام- آلُ يَاسِينَ‏- هي الموجبة لكتابتها منفصلة، و لعلّ من هذا المعنى نشأت القول بأن اسم أبيه ياسين. كما أنّ منشأ هذه القراءة هو كلمة- يس‏، المفسّرة برسول اللّه (ص). و كلّ هذه موهونة ضعيفة.

اليسع‏

هو خليفة إلياس و من أنبياء بنى إسرائيل:

الملوك الأوّل 19/ 19- فذهب من هناك و وجد أليشع بن شافاط يحرث و اثنا عشر فدّان بقر قدّامه و هو مع الثاني عشر فمرّ ايليّا به و طرح رداءه عليه فترك البقر و ركض وراء ايليّا و قال دعني أقبّل أبى و أمي و أسير وراءك ... الخ.

قم- أليشع: أى اللّه يرى او ينجّى.

كان خليفة إيليّا النبىّ و ابن شافاط و الساكن في آبل محولة.

و يقول: في آبل محولة: أى مزرعة الرقص. موضع في صحراء أردن واقع بين بحر الطبريّة و بحر لوط.

 

130
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 131

و في الملوك العبريّة- إليشاع.

فر- إل. أى اللّه و القوّة.

ياشع. أى الفلاح و النجاة.

نثر المرجان 2/ 197- و اليسع: بإثبات همزة الوصل، قرأه حمزة و الكسائي و خلف بتشديد الّلام و سكون الياء، فهو بلامين لام التعريف زيدت للمدح بتفخيم الاسم، و أمّا رسمه فليس إلّا بلام واحدة، و قرء الباقون بإسكان اللام مخفّفة و فتح الياء بعدها.

و التحقيق‏

أنّ الألف و اللام فيها ليست للتعريف، بل هي من جوهرة الكلمة، و أصلها- إل بمعنى اللّه، و أصل الكلمة في العبريّة- إليشاع و قد عرّبت بلفظ- اليسع. و القراءة الصحيحة في القرآن الكريم أيضا كذلك. نعم يجوز حذف الهمزة وصلا للتخفيف و لكونها شبيهة بهمزة الوصل في لام التعريف، كما تحذف الهمزة في بعض الأسماء كابن و ابنم و اثنين و ايمن و ابنة و امرئ و امرأة و غيرها في الوصل.

فإن قيل: سقوط الهمزة في الأسماء سماعىّ و لا يقاس عليها! قلنا: أىّ سماع أقوى من كلام اللّه تعالى و قد ذكرت موصولة في موردين من القرآن المجيد.

وَ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ‏ وَ يُونُسَ وَ لُوطاً وَ كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ‏- 6/ 86.

وَ اذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَ الْيَسَعَ‏ وَ ذَا الْكِفْلِ وَ كُلٌّ مِنَ الْأَخْيارِ- 38/ 48.

فقد استعملت هذه الكلمة في الآيتين و همزتها موصولة ساقطة، و يستفاد من الآيتين الكريمتين: أنّ‏ أَلْيَسَعَ‏ النبىّ (ص) كان في رديف اسمعيل و يونس و لوط و ذى الكفل من الأنبياء الأخيار و الّذين فضّلوا على قومهم و أهل زمانهم أجمعين.

131
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أم ص : 132

أَم‏

من الحروف العاطفة.

الكافية- و أو، و إمّا، و أَمْ‏: لأحد الأمرين مبهما. و أم المتّصلة: لازمة لهمزة الاستفهام، يليها أحد المستويين، و الآخر الهمزة، (أى يقع بعد أم أحدهما، و آخرهما بعد الهمزة، من دون فصل)، بعد ثبوت أحدهما، لطلب التعيين، و من ثمّ لم يجز تركيب أ رأيت زيدا أم عمرا. و كان جوابها بالتعيين دون نعم أو لا. و أم- المنقطعة: كبل- أى في الإعراض عن الأوّل.

و يقول ابن مالك:

و أم‏ بها اعطف بعد همز التسوية

 

 أو همزة عن لفظ أىّ مغنية

و ربّما أسقطت الهمزة إن‏

 

 كان خفا المعنى بحذفها أمن‏

و بانقطاع و بمعنى بل وفت‏

 

 إن تك ممّا قيّدت به خلت‏

 

 مصبا- أَمْ‏ تكون متّصلة و منفصلة، فالمنفصلة بمعنى بل و الهمزة جميعا، و يكون ما بعدها خبرا و استفهاما، انّها لإبل أم شاة، هل زيد قائم‏ أَمْ‏ عمرو، و تسمّى منقطعة لانقطاع ما قبلها و ما بعدها و استقلال كلّ واحد كلاما تامّا. و المتّصلة يلزمها همزة الاستفهام و هي بمعنى أيّهما، و لهذا كان ما بعدها و ما قبلها كلاما واحدا.

لسا- أَمْ‏: حرف عطف و معناه الاستفهام، و يكون بمعنى بل. التهذيب:

الفرّاء أم في المعنى تكون ردّا على الاستفهام.

أقول: و همزة التسوية: هي الداخلة على جملة واقعة في محلّ المصدر.

سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ‏ أَمْ‏ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ+.

أى سواء عليهم الإنذار.

و الهمزة بمعنى أىّ: هي المستفهم بها تعيين أحد الشيئين مع ثبوت الحكم‏

132
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 133

لأحدهما اجمالا- أَ أَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ‏ أَمْ‏ نَحْنُ الْخالِقُونَ‏.

و أَمْ‏ المنقطعة: و هي المنفصلة عما قبلها غير مرتبطة به- مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أَمْ‏ يَقُولُونَ افْتَراهُ+ ...، أَمْ‏ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ ...، أَمْ‏ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ الْبَنُونَ‏ ...، وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ‏ ... أَمْ‏ يَقُولُونَ افْتَراهُ+.

هذا توضيح ما قيل في الكتب النحويّة.

و التحقيق‏

أنّ كلمة أَمْ‏ تدلّ على الاستفهام، و لا تقع إلّا بعد سبق استفهام آخر، أو جملة أخرى توجب استفهاما، أى تقتضي أن يستفهم عن موضوع سبق مبهما أو سبق مقدّرا.

فالأوّل- أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ‏ جَنَّةُ الْخُلْدِ ...، أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ‏ اللَّهُ‏ ...، أَ جِئْتَنا بِالْحَقِ‏ أَمْ‏ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ‏ ...، أَ أَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ‏ هُمْ ضَلُّوا.

ففي تلك الموارد تدلّ على الاستفهام المكرّر، و إن شئت قل على الاستفهام و العطف، أى الإلحاق على سابقه و جعله عدلا له.

و الثاني أن يسبقه كلام يقتضى تعجبّا أو إبهاما أو إجمالا فيستفهم حتّى يرتفع ذلك التعجّب و ينكشف الإبهام و يتبيّن الإجمال:

لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ أَمْ‏ يَقُولُونَ افْتَراهُ+ ...، وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا+ ... أَمْ‏ يَقُولُونَ افْتَراهُ+ ...، مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ‏ ...

أَمْ‏ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ‏ ... وَ إِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً أَمْ‏ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ‏ ... أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ‏ ... أَمْ‏ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ‏.

فالاستفهام في الأوّل و الثاني و الرابع و الخامس للإنكار التوبيخي، و في الثالث للإنكار الإبطالى. و في هذه الموارد كأمثالها قد سبقت مطالب و جملات: من الآيات البيّنات، و زيادة الحرث، و جعل ما عليها صعيدا، و اتّخاذ الهوى إلها، و

133
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أم ص : 134

غيرها: أوجبت إثباتها انكار مطالب اخرى تنافيها.

فكلمة أَمْ‏ في هذا القسم تدلّ على استفهام ما، و هو واقع بعد جملة فيها نوع إبهام أو إشكال أو اعتراض أو توهّم باطل يراد دفعها.

فالعاطفيّة في هذا القسم بمعناه الاصطلاحي غير صحيح.

فاتّضح ممّا قلنا أنّ تفسيره بمعنى بل، أو بل مع الهمزة: ضعيف.

أُمّ‏

مصبا أَمَّهُ‏ أَمّاً من باب قتل: قصده. و أمّمه و تأمّمه أيضا: قصده. و أمّه و أمّ به إمامة: صلّى به إماما. و أمّه: شجّه. و الاسم آمّه بالمدّ اسم فاعل، و بعض العرب يقول‏ مَأْمُومَة، لأنّ فيها معنى المفعوليّة في الأصل. و أمّ الشي‏ء: أصله. و الأمّ:

الوالدة. و قيل أصلها أمّهة و لهذا تجمع على امّهات. و أجيب بزيادة الهاء و أنّ الأصل أمّات. قال ابن جنّى: دعوى الزيادة أسهل من دعوى الحذف. و الأمّىّ في كلام العرب الّذى لا يحسن الكتابة فقيل نسبة الى الأمّ لأنّ الكتابة مكتسبة، فهو على ما ولدته أمّه من الجهل بالكتابة. و الإمام الخليفة، و الإمام العالم المقتدى به، و الإمام من يؤتمّ به في الصلوة، و يطلق على الذكر و الأنثى. و جمع الامام أئمّة و الأصل أءممة و زان أمثلة. و أمام الشي‏ء: مستقبله و هو ظرف، و لذا قد يؤنّث على معنى الجهة.

مقا- أَمَ‏: أصل واحد يتفرّع منه أربعة أبواب، و هي: الأصل، المرجع، الجماعة، الدين. و هذه الأربعة متقاربة. و بعد ذلك اصول ثلاثة، و هي القامة، الحين، القصد. قال الخليل: كلّ شي‏ء يضمّ اليه ما سواه ممّا يليه فانّ العرب تسمّى ذلك الشي‏ء أمّا، و من ذلك امّ الرأس و هو الدماغ، و أمّ القرى مكّة، و كلّ مدينة هي أمّ ما حولها من القرى، و أمّ القرآن فاتحة الكتاب، و أمّ الكتاب ما في اللوح‏

134
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 135

مبدئه. وَ إِنَّهُ فِي‏ أُمِ‏ الْكِتابِ‏- أى اللوح المحفوظ، و ذلك لكون العلوم كلّها منسوبة اليه و متولّدة منه. و قيل لفاتحة الكتاب أمّ الكتاب، لكونها مبدأ الكتاب. و قوله تعالى- فَأُمُّهُ‏ هاوِيَةٌ- أى مثواه النار، فجعلها أمّا له- نحو مَأْواكُمُ النَّارُ+. و الأمّة:

كلّ جماعة يجمعهم أمر ما، إمّا دين واحد أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا. وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ- أى حين، و حقيقة ذلك بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين. و الأمّ القصد المستقيم و هو التوجّه نحو مقصود- آمِّينَ‏ الْبَيْتَ الْحَرامَ‏. و قولهم- أمّه: شجّه. فحقيقته إنّما هو ان يصيب أمّ دماغه، و ذلك على حدّ ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فعلت منه، و ذلك نحو رأسته و رجلته و كبدته و بطنته إذا أصيب هذه الجوارح.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو القصد المخصوص، أى القصد مع التوجّه الخاصّ اليه. و هذا المعنى محفوظ في جميع مشتقّاتها: أَمَ‏- أَمَّةً- إمام- أمام- إمّا- أمّا- أم.

أمّ- لا يبعد أن تكون هذه الكلمة في الأصل على وزان صلب من أوزان الصفة المشبهة بمعنى ما يكون موردا للقصد و التوجّه. فانّ هذه الصفة إنّما تؤخذ من اللازم، أصلا أو اعتبارا، فالامّ مأخوذ من أمم.

ثمّ اطلق على الوالدة و على الأصل و المبدإ و ما يرجع اليه.

الْأُمَّةُ

- على وزان فعلة كاللقمة، بمعنى ما يلقم، و العدّة و العمدة و الحفرة و الجحفة- أى المقدار المعيّن و المحدود من الفعل. فالامّة تدلّ على ما يقصد محدودا و يتوجّه اليه مشخّصا، سواء كان متشكّلا من الأفراد أو من قطعات الزمان أو من العقيدة و الفكر أو يكون فردا مشخّصا يتوجّه اليه في مقابل سائر الناس.

إِمَامٌ-

على وزان كتاب، هو في الأصل مصدر ثمّ اطلق على ما يتوجّه اليه و

135
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إمام - ص : 135

المحفوظ. قال الخليل: الامّة: الدين- إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ+. و كذلك كلّ من كان على دين حقّ مخالف لسائر الأديان فهو أمّة. و كلّ قوم نسبوا الى شي‏ء و أضيفوا اليه فهم امّة، و كلّ جيل من الناس أمّة على حدة. و قال الخليل: الامّة القامة تقول العرب إنّ فلانا لطويل الامّة، و هم طوال الأمم. و الامّة في- وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ- أى بعد حين. و الإِمَامُ‏: كلّ من اقتدى به و قدّم في الأمور، و النبىّ (ص) إمام الأئمّة، و الخليفة إمام الرعيّة، و القرآن إمام المسلمين، و الأمام: القدّام، صدرك أمامك و أخوك أمامك: الأوّل بالرفع على الاسميّة و الثاني بالنصب على الوصفيّة و الظرفيّة. و الأمم: القصد، وَ لَا آمِّينَ‏ الْبَيْتَ الْحَرامَ‏- جمع آمّ، يؤمّون بيت اللّه أى يقصدونه، قال الخليل: التَّيَمُّمُ‏ يجرى مجرى التوخّى.

صحا- يروى المعاني الّتى رواها مقا، فلا نعيدها.

لسا- الْأُمُ‏: القصد. أمّه يؤمّه أمّا: إذا قصده. و أمّمه، و أتمّه، و تأمّمه، و يمّه، و تيمّمه، و الأخيرتان على البدل. و يمّمته و تيمّمته: قصدته. و تَيَمَّمْتُ‏ الصعيدَ للصلاة، و أصله التعمّد و التوخّى، و الأصل في التيمّم القصد و التوخّى ...

و أصل هذا الباب كلّه من القصد، يقال أممت اليه إذا قصدته، فمعنى الأمّة في الدين: أنّ مقصدهم مقصد واحد، و معنى الإمّة في النعمة إنّما هو الشي‏ء الّذى يقصده الخلق و يطلبونه، و معنى الامّة في الرجل المنفرد الّذى لا نظير له أنّ قصده منفرد من قصد سائر الناس.

كليا- الْأُمَّةُ بالضمّ: في الأصل، المقصود كالعمدة و العدة في كونهما معمودا و معدا، و تسمّى بها الجماعة من حيث تؤمّها الفرق- أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ‏، و أتباع الأنبياء أمّتهم، و تطلق على الرجل الجامع لخصال محمودة- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ‏ أُمَّةً قانِتاً. و على الرجل المنفرد بدين لا يشركه فيه غيره، و على الدين و الملّة و الطريقة التي تؤمّ، و على الحين و الزمان، و على القامة.

مفر- أَمَ‏: و يقال لكلّ ما كان أصلا لوجود شي‏ء أو تربيته أو إصلاحه أو

136
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أمام - ص : 137

يقصد و يكون مصداقا لهذا المعنى و مظهرا تامّا له. و يختلف الامام باختلاف الموارد و القاصدين و المتوجّهين و الجهات و الاعتبارات، فيقال: إمام الجمعة، إمام الجماعة، إمام الهداية، إمام الضلالة.

أَمَامَ-

بالفتح ظرف بمعنى الجانب الّذى يقابل الخلف. فهذه الجهة ما بين يدي الإنسان و في قبال الوجه، فتكون موردا للتوجّه دائما.

الأُمِّىُّ-

من ليس له من الفضل و العلم و التربية و النظر إلّا بمقدار ما يؤخذ بالطبيعة من الامّ، فبرنامج حياته طبيعىّ، ليس في قوله و عمله و فكره تصنّع و لا حيلة و لا تكلّف و لا نظر خاصّ.

مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَ‏ أُمُ‏ الْكِتابِ‏- 3/ 7.

اصول يرجع اليها و هي مقصودة بذاتها و مطلوبة بنفسها.

وَ لِتُنْذِرَ أُمَ‏ الْقُرى‏ وَ مَنْ حَوْلَها- 6/ 92.

يريد بلدة مكّة و ما حولها من البلاد و القرى الّتى ناظرة اليها، و المراد أهاليها بقرينة التصريح بهم في المعطوف- وَ مَنْ حَوْلَها. و أمّا الاختصاص بها و بمن حولها:

لأنّ ذلك هو الميسور الممكن المقدور في مقام الانذار عملا، و هذا المعنى لا يوجب المحدوديّة في الرسالة، اشارة الى عموميّة في متعلّق الانذار، حتّى أيضا كأنّ البلد هو المنحرف المتعلّق للانذار. فانّها أعمّ من الانذار، و أعمّ من المباشرة. و أمّا التعبير بكلمة امّ القرى: و للاشارة الى أهميّتها و عظمتها و كونها مرجعا و مقصودا و متوجّها اليها. و الى سهولة تكليف الانذار، لأنّ من حولها يراجعون اليها. و هذا التكليف بعد ما نزلت- وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ‏ ...

قالَ ابْنَ‏ أُمَ‏ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي‏- 7/ 150.

التعبير بها إشارة الى وحدة مقصدهما و فكرهما و توجّههما، و لتحريك العطوفة و المحبّة.

يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ‏ أُمُ‏ الْكِتابِ‏- 13/ 39.

137
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الأمى - ص : 137

أى أصل ما يكتب و منشأ ما يثبت و يمحى، و في علمه ما يقدّر، و بإرادته ما يكون.

وَ إِنَّهُ فِي‏ أُمِ‏ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ‏- 43/ 4.

أى إن القرآن في مقام المصدر الأوّل المعبّر عنه بامّ الكتاب و علمه تعالى، له شأن عال و إنّه مظهر الحكمة.

وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ‏ فَأُمُّهُ‏ هاوِيَةٌ- 101/ 9.

من خفّت قواه الروحيّة و ضعفت صفاته النفسانيّة الّتى هي الموازين و بها يوزن الإنسان و يكون قويّا مقتدرا أو ضعيفا محدودا: فمأواه و مرجعه و ملاذه مقام سافل و مرتبة دانية و منزلة هاوية، فلا تكون له عيشة واسعة راضية.

الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَ‏ الْأُمِّيَ‏- 7/ 157.

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِ‏ الْأُمِّيِ‏ 7/ 158.

أى ليس له فضل خارجىّ و لون آخر و علوم مكتسبة غير مقام النبوّة و الرسالة الإلهيّة، فجميع الحيثيّات المادّيّة ملغاة عنده.

هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي‏ الْأُمِّيِّينَ‏ رَسُولًا مِنْهُمْ‏- 62/ 2.

لتكون للّه الحجّة البالغة عليهم، و لا يبقى لهم مورد للاعتذار و التعلّل.

إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ‏ إِماماً- 2/ 124.

فيكون مقصودا لهم يتوجّهون اليه.

وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى‏ إِماماً+- 46/ 12.

كان موردَ قصد و توجّه في سلوكهم.

وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ‏ مُبِينٍ‏- 15/ 75.

أى جريان امور أصحاب الأيكة و قوم لوط، فانّ أصحاب الأيكة كانوا بعد قوم لوط و سكنوا قريبا من بلادهم.

وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ- هود/ 92.

138
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

الأمى - ص : 137

و جملة- وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ‏- 15/ 79.

مربوطة بما قبلها من تتمّة جريان قوم لوط.

وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَ إِنْ كانَ‏ ...

أى أخذ قوم لوط و جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها+، سنّة قائمة و طريق ثابت عند طغيان اىّ قوم، و إنّ أصحاب الأيكة كانوا مع قرب زمانهم و مكانهم منهم غير معتبرين، فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏ أيضا.

فجريان امور هاتين الطائفين يكون عبرة للناظرين و مورد توجّه لمن كان بعدهما من المؤمنين و الكافرين، و ليعلم الكفّار أنّ مرجع أمرهم و عاقبة مسيرهم و نتيجة خلافهم تنتهي الى هذا السبيل المقيم. و هذا معنى الآية- وَ إِنَّهُما لَبِإِمامٍ‏ مُبِينٍ‏- أى يبين عاقبة أمرهم لهم.

وَ قالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ- 12/ 45.

أى بعد انقضاء مدّة معيّنة من الزمان، أو بعد مرور دورة من طبقات الحكومة.

إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ‏ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً- 16/ 120.

أى أهلا لأن يؤتّم به و يقصد و يتوجّه اليه بانفراده في قبال سائر الخلق.

وَجَدَ عَلَيْهِ‏ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ‏ 28/ 23.

أى جمعا يجمعهم هذا العنوان.

إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ+ 43/ 23.

على برنامج و مقصد محدود.

وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ‏- 6/ 38.

أى كلّ منها متشعبّة و متشكلّة و منقسمة الى طوائف و امم معيّنة.

بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ‏- 75/ 5.

أى يريد الفجور فيما بين يديه.

139
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أما: ص : 140

فالمعنى الحقيقىّ لهذه المادّة محفوظ في جميع مشتقّاتها.

و

أَمّا:

حرف ترد في مقام التفصيل و التفسير لما قد ذكر إجمالا و لو تضّمنا أو فحوى، و تقع بعدها كلمة (أَمَّا) اخرى معادلة لها غالبا، و فيها معنى الشرط و الجواب، و جوابها تقع بعد الفاء.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا- 2/ 26.

فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ‏- 93/ 9.

و قد يحذف معادلها استغناء بذكر أحد القسمين عن الآخر:

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ‏- 3/ 7.

و لا يخفى أنّ مفهوم هذه الكلمة قريب من مفهوم مادة أمّ، إذ فيه ايضا معنى التوجّه و القصد و التعيين و التحديد، و المتكلّم بها يريد تعيين معنى و تفسيره و يقصد توجّه المخاطب و انصراف ذهنه اليه.

و كذلك كلمة إِمَّا بالكسر و كلمة أم العاطفة: ففيهما ايضا معنى التعيين و القصد المخصوص و التحديد و التوجّه.

و ليعلم أنّ هذا الارتباط و التناسب بين الكلمتين و أمثالهما: تناسب و اشتقاق لغوىّ و في مرحلة الوضع، لا اصطلاحىّ صرفىّ، حتّى يقال: إنّ الاشتقاق و التصريف لا يكون في الحروف.

و إِمّا:

لسا- قال الكسائي: في باب أمّا و إمّا، إذا كنت آمرا أو ناهيا أو مخبرا: فهو أمّا مفتوحة. و إذا كنت مشترطا أو شاكّا أو مخيّرا أو مختارا: فهو إمّا بكسر الألف. و تقول في الأوّل: أمّا اللّه فاعبده و أمّا الخمر فلا تشربها، و أمّا زيد فقد خرج. و في النوع الثاني: إذا كنت مشترطا- إمّا تشتمنّ فانّه يحلم عنك، و في الشكّ- لا أدرى من قام‏ إمّا زيد و إمّا عمرو، و في التخيير- تعلّم إمّا الفقه و إمّا

140
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و أما: ص : 141

 

النحو، و في المختار- لي دار إمّا أن أسكنها و إمّا أن أبيعها.

المفصّل- و بين أو و إمّا من الفصل، أنّك مع أو: يمضى اوّل كلامك على اليقين ثمّ يعترضه الشكّ. و مع إمّا: كلامك من أوّله مبنىّ على الشكّ.

فهذه الكلمة بالكسر حرف عطف ترد في مقام التفصيل و التخيير و الشكّ و الإبهام و الاباحة، و هذا المعنى في امّا الثانية المعادلة، و أمّا الاولى الواقعة ابتداء:

فهي ترد في مقام يراد تفصيل أمر.

إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً.

إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً- 18/ 86.

فيراد من ذكر إمّا تعيين القصد و تفصيل المنظور.

و أَما:

الكافيّة- حروف التنبيه ألا، أَمَا، ها. فالكلمة بالفتح و التخفيف تدلّ على التحقيق في مدخولها، و تقع في افتتاح الكلام، و على هذا تكون- إنّ- الواقعة بعدها مكسورة الهمزة.

و القول بأنّها مركّبة من همزة الاستفهام و ما الزائدة: ضعيف جدّا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل فيها: هو التنبيه و توجيه المخاطب الى الكلام و الى زيادة قصده و توجّهه اليه، كما أنّ المتكلّم بها ايضا يقصد ذلك. و يتفرّع من هذا الأصل: العرض و التخصيص و الاستفهام و غيرها، كلّ منها بمناسبة المورد و اقتضاء الكلام و المقام.

قال أمير المؤمنين (ع):

أَمَا و اللّه لقد تَقَمَّصَهَا فلانٌ و إنَّه لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلَّ القُطْبِ‏

.

 

141
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أمت ص : 142

 أمت‏

مقا- أَمْتٌ‏: أصل واحد لا يقاس عليه. قال الخليل: العوج و الأمت بمعنى واحد. و قال آخرون- و هو ذلك المعنى إنّ الأمت أن يغلظ مكان و يرّق مكان.

لسا- و الأمت: النباك و هي التلال الصغار. و في التنزيل- عِوَجاً وَ لا أَمْتاً- أى لا انخفاض فيها و لا ارتفاع. قال الفرّاء: الأمت: النبك من الأرض و ما ارتفع.

صحا- الْأَمْتُ‏: المكان المرتفع. أبو عمرو: الْأَمْتُ‏- النباك و هي التلال الصغار. عِوَجاً وَ لا أَمْتاً- أى لا انخفاض و لا ارتفاع.

و التحقيق‏

أنّ الاعوجاج في السطح هو الانخفاض و هذا معنى الرقّة فيها، كما أنّ الغلظة في السطح هي الارتفاع في نقاطها. و لا يبعد أن يكون العوج في مقابل القاع، و الأمت في مقابل الصفصف.

فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً- 20/ 107.

القاع: الأرض المستوى السهل المنفرج.

الصفصف: المستوى المطمئنّ.

أمد

مصبا- الْأَمَدُ: الغاية. و بلغ أمده: أى غايته. و أَمِدَ أَمَداً من باب تعب: غضب.

مقا- الْأَمَدُ: الغاية كالمدى. يقال ما أمدك: أى كما منتهى عمرك. و

142
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 143

 

الأَمَدُ أيضا الغضب. و قد أَمِدَ عليه و أَبِدَ عليه: غضب.

مفر- الأبد و الْأَمَدُ يتقاربان لكنّ الأبد عبارة عن مدّة الزمان الّتى ليس لها حدّ محدود و لا يتقيّد، لا يقال أبد كذا. و الأمد مدّة لها حدّ مجهول إذا أطلق، و قد ينحصر نحو أن يقال: أمد كذا كما يقال زمان كذا. و الفرق بين الزمان و الأمد أنّ الأَمَدَ يقال باعتبار الغاية، و الزمان عامّ في المبدإ و الغاية.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في هذه المادّة: هو الغاية و المنتهى من الزمان، و أمّا الغضب:

فهو باعتبار انتهاء الصبر و الحلم عليه.

فَطالَ عَلَيْهِمُ‏ الْأَمَدُ 57/ 16.

أى طال الأمد بامهالنا لهم ليزيدوا في العصيان.

تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ‏ أَمَداً بَعِيداً- 3/ 30.

أى بين النفس الّتى عملت من سوء و بين عمله منتها و غاية بعيدة.

أَ قَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي‏ أَمَداً- 72/ 25.

أى غاية غير قريبة.

أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى‏ لِما لَبِثُوا أَمَداً- 18/ 12.

أى أحاطَ و اطّلعَ من جهة الأمَد و الغاية لما لبثوا من الزمان، و أيّهما وصلوا الى منتهى الحياة.

الأمر

مقا- أَمْرٌ: اصول خمسة- الأمر من‏ الْأُمُورِ، الأمر ضدّ النهى، الأمر النماء و البركة، المعلم، العجب.

 

143
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 144

يقال هذا أمر رضيته و أمر لا أرضاه. و الثاني- أمرة مطاعة، و إنّه‏ لَأَمُورُ بالمعروف، و من هذا الباب الإِمْرَةُ و الإِمَارَةُ و صاحبها أَمِير و مُؤَمَّرٌ. و النماء- امرأة أمرة: مباركة على زوجها، أمر الشي‏ء، أى كثر، و يقال أمر اللّه ماله و آمره. و المعلم- الْأَمَارَةُ: العلامة. و الأَمَارُ أَمَار الطريق و معالمه، و الواحدة الأمارة، جعلت بيني و بينه أمارا: وقتا و موعدا و أجلا، و الأمر و اليأمور: العلم. و العجب- يقول اللّه تعالى- لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً.

مصبا- الْأَمْرُ: بمعنى الحال جمعه امور، و عليه- وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. و الْأَمْرُ بمعنى الطلب جمعه أوامر فرقا بينهما. و الإمرة و الإمارة: الولاية، يقال أمر على القوم يأمر من باب قتل، فهو أمير و الجمع أمراء، و يعدّى بالتضعيف- أمّرته تأميرا فتأمّر. و الأَمَارَةُ العلامة وزنا و معنى. و أمر الشي‏ء يأمر من باب تعب: كثر. و الأَمْرُ: الحالة، يقال: أمره مستقيم، و الجمع امور مثل فلس و فلوس.

صحا- أمر: ما يقرب من- مقا و مصبا.

مفر- الْأَمْرُ: الشأن و جمعه امور، و المصدر من أمرته: إذا كلّفته أن يفعل شيئا، و هو لفظ عامّ للأفعال و الأقوال كلّها- وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ‏ الْأَمْرُ كُلُّهُ‏. و يقال للإبداع أمر- أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ- و يختصّ ذلك باللّه دون الخلائق. و قوله- بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ‏ أَمْراً+- أى ما تأمر النفس الأمّارة بالسوء. و قيل أمر القوم:

كثروا، و ذلك لأنّ القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير يسوسهم، و قوله- لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً- أى منكرا، من قولهم أمر الأمر اى كبر و كثر. و قوله- وَ أُولِي‏ الْأَمْرِ- قيل عنى‏ الْأُمَرَاءَ في زمن النبىّ (ص) و قيل الأَئِمَّةَ من أهل البيت.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الطلب و التكليف مع الاستعلاء. ثمّ يطلق على كلّ ما يكون مطلوبا و موردا لتوجّه تكليف من جانب مولى أو من جانب‏

144
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 144

نفسه، صريحا أو مقدّرا. و أَمِرَ بكسر العين: مأخوذ من هذا المعنى أيضا: فانّ أمر متعدّيا إذا أريد لزومه تكسر عينه و يكون الطلب مع الاستعلاء بمعنى العلوّ و الكبر لازما في نفسه. و منه يؤخذ معنى المنكر و العجب و النماء و البركة. و كذلك العلامة من جهة كونها علامة للطلب و المطلوب.

فمعنى الطلب و الاستعلاء في جميع هذه الموارد محفوظ، فهذه المادّة تطلق على تلك المعاني بهذه الحيثيّة لا مطلقا، و باعتبار هذا القيد يحصل الفرق بين الأمارة و العلامة، و بين الأمر و الشأن، و بين أمر و كثر، و هكذا بينها و بين العجب و النماء و البركة.

وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها- 17/ 16.

أى بالأمر الواقعىّ التكوينىّ في قبال النهى العملىّ التكوينىّ، بمعنى رفع المانع و سلب التوفيق، فلا يكون حائل بينهم و بين شهواتهم النفسانيّة، فعصوا و اتّبعوا أمر الشيطان، و بذلك تتمّ الحجّة عليهم للّه المتعال، و معلوم أنّ إهلاك قرية لا يكون إلّا بعد الطغيان و العصيان.

يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَما ذا تَأْمُرُونَ‏ 7/ 110.

لمّا طلب فرعون من أتباعه من الامّة النظر و الرأى و أراد جلب خاطرهم و تحريك عواطفهم و تجليل شخصيّاتهم: فعبّر بهذه العبارة- فَما ذا تَأْمُرُونَ‏.

إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ‏ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ‏ 28/ 20.

الافتعال بمعنى أخذ الفعل و الايتمار بمعنى أخذ الأمر، و هذا المعنى قريب من المطاوعة في بعض الموارد، و قد يفسّر هذا اللفظ بالمشاورة، و مرجعها الى أخذ الأمر و الرأى.

وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ‏- 65/ 6.

ليكن أخذ الحكم و التكليف بينكم بالمعروف.

أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ- 7/ 54.

145
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 144

أى الحكم و التدبير بين الخلق و اطلاق الأمر يشمل على عالم الأمر المتكوّن فيه الأشياء بمجرّد الإرادة و الأمر من دون حاجة الى المادّة و التقدير، كما في عالم الجبروت و الاقتدار.

أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‏ الْأَمْرِ- 4/ 59.

عطف على الرسول فيكون إطاعة اولى الأمر في مرتبة إطاعة الرسول و من سنخه. و لازم أن يكون أمرهم موافق أمر الرسول، كما أنّ إطاعة الرسول لازم أن لا تخالف إطاعة اللّه بوجه، و إلّا يلزم التنافي و التخالف و لا تتحقّ الاطاعة.

فتفسير أولى الأمر بالامراء و الحكّام في غاية الوهن.

ثُمَّ اسْتَوى‏ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ- 10/ 3.

ينظّم عواقب امور الخلق و شئون مراتب الموجودات و حالاتها. و الأمر عبارة عن الشأن و الحالة و العارضة و الجريان الحادث بعد تحقّق الموضوع على ما يقتضيه الطلب من الخالق الآمر. و اطلاق الأمر على متعلّق الأمر: اشارة الى أنّ ذلك المتعلّق فانٍ في الأمر، و الأمر متجلّى فيه.

وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ‏ الْأَمْرُ كُلُّهُ‏- 11/ 123.

أى لِلّه ما يتعلّق بما وراء المحسوس منهما، و اليه يرجع ما يجرى فيهما من الحالات.

وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ 11/ 97.

أى حاله و جريان عمله و قوله، ممّا يكون متعلّقا بالتكليف و الأمر الإلهىّ أو العقلىّ.

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ‏ أَمْرِ رَبِّي‏ 17/ 85.

أى ممّا يتعلّق عليه أمره و يتوجّه اليه خطابه و هو قوله تعالى- كُنْ فَيَكُونُ+.

فالروح متكوّنة من أمره، و أمّا مادّتها فهي خارجة عن المادّة، و لا يمكن لنا فهم حقيقتها بحواسّنا. فالأمر هنا مصدر.

146
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أمس ص : 147

 

لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً 18/ 71.

الظاهر أنّه صفة على وزان ملح من قولهم أمر يأمر أى كبر و كثر. أى لقد جئت شيئا كبيرا.

أمس‏

مصبا- أَمْسِ‏: اسم علم على اليوم الّذى قبل يومك، و يستعمل فيما قبله مجازا، و هو مبنىّ على الكسر، و بنو تميم يعربه إعراب ما لا يتصرف.

صحا- أَمْسِ‏: اسم حرّك آخره لإلتقاء الساكنين، و اختلفت العرب فأكثرهم يبنيه على الكسر معرفة، و منهم من يعربه معرفة، و كلّهم يعربه إذا أدخل عليه الألف و اللام أو صيّره نكرة أو أضافه، يقول مضى الأَمْسُ المبارك و مضى أَمْسُنا و كلّ غد صائر أَمْساً.

لسا- أَمْسِ‏: من ظروف الزمان مبني على الكسر إلّا أن ينكّر أو يعرّف، و ربّما بنى على الفتح. ابن الأنبارى: أدخل اللام و الألف على أمس و تركه على كسره، لأنّ أصل أَمْسِ عندنا من الإمساء، فسمّى الوقت بالأمر و لم يغيّر لفظه.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة قد وردت في القرآن المجيد في أربعة موارد، و كلّها معرّفا و مجرورا بالجارّة (بالأَمْسِ)، و ظاهره الاعراب، و أمّا وروده مبنيّا في بعض الحالات في كلماتهم، هل هو في حال المعرفة أو في حالة و شرائط اخرى: فهي خارجة عن وظيفتنا و لا نبحث عنها.

و الظاهر أنّ معناه الحقيقىّ هو اليوم الماضي قبل يومك. و إطلاقه على مطلق الزمان الماضي: إذا فرض ذلك الزمان قريبا كأنّه اليوم المتّصل بيومك، فالمعنى هو

 

147
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أمل ص : 148

اليوم المتّصل الماضي ادّعاء.

فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ‏ بِالْأَمْسِ‏ يَسْتَصْرِخُهُ‏- 28/ 18.

امّا اليوم الماضي تحقيقا، أو ادّعاء، و التعبير به للاشارة الى تغيير حاله في زمان قريب.

و كذلك آية- وَ أَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ‏ بِالْأَمْسِ‏ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ- 28/ 82.

و هكذا- حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ‏ بِالْأَمْسِ‏- 10/ 24.

أى جعلنا زرعهم كالحصيد فكأنّه لم يكن فيه الغنى في اليوم الماضي.

أمل‏

مصبا- أَمَلَ‏: أَمَلْتُهُ أَمَلًا من باب طلب: ترقّبته. و أكثر ما يستعمل الأمل فيما يستبعد حصوله. و من عزم السفر الى بلد بعيد يقول أملت الوصول و لا يقول طمعت إلّا إذا قرب حصوله، و الرجاء بين الأمل و الطمع، فانّ الراجي قد يخاف أن لا يحصل مأموله، و لهذا يستعمل بمعنى الخوف. أنا آمل و هو مأمول و أمّلته تأميلا مبالغة و تكثيرا. و تأمّلت الشي‏ء: تدبّرته.

مقا- أَمَلٌ‏: أصلان: الأوّل- التثبّت و الانتظار. و الثاني- الحبل من الرمل. قال الخليل: الأمل الرجاء، فتقول أمّلته أو مّله تأميلا، و أملته أمله أملا و إملة على بناء جلسة، و هذا فيه بعض الانتظار. و التأمّل التثبّت في النظر. و الأميل حبل من الرمل معتزل معظم الرمل.

صحا- أمل‏: الرجاء، يقال أمل خيره يأمله أملا، و كذلك التأميل. و قولهم ما أطول‏ إِمْلَتَهُ‏ أى أَمَلَهُ، و تأمّلت الشي‏ء: نظرت اليه مستبينا له. و الأميل حبل من الرمل يكون عرضه نحوا من ميل.

148
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 149

 

و التحقيق‏

أنّ التثبّت في الامر أو الرأى: أى التأنّى فيه و الفحص عنه.

و الحبل: الرسن، و الرمل المستطيل شبّه بالحبل.

ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَ يَتَمَتَّعُوا وَ يُلْهِهِمُ‏ الْأَمَلُ‏- 15/ 3.

أى الترقّب و الرجاء البعيد بما يستبعد حصوله و لا يوافق النظر الصحيح.

وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلًا- 18/ 46.

أى إنّها خير ما تؤمّلون و حريٌّ بأن تترقَّبون و ترجون حصولها.

فظهر أنّ المعنى الحقيقىّ لهذه المادّة: الرجاء البعيد و الترقّب لأمر بعيد حصوله و يقال له بالفارسيّة- آرزو. و الرجاء يقال له- اميد.

و أمّا التَّأَمُّلُ‏: فهو التظاهر بالأمل و ليس بآمل حقيقة بل يتكلّف و يتظاهر به حتّى يحصل له الرجاء و الأمل و الطلب، فالتأمّل غير التدبّر و التفكّر و التحقيق، و كلّ منها له خصوصيّة.

و أمّا الْأَمِيلُ‏: فكأنّه بمناسبة انتظاره و أمله أن يكون معظم الرمل.

أمن‏

مصبا- أَمِنَ‏: أمن زيد الأسد أمنا، و أمن منه: مثل سلم منه وزنا و معنى.

و الأصل أن يستعمل في سكون القلب يتعدّى بنفسه و بالحرف، و يعدّى الى ثان بالهمزة، فيقال: آمنته منه و أمنته عليه و ائتمنته عليه، فهو أمين، و أمن البلد اطمأنّ به أهله فهو آمن و أمين. و آمنت الأسير: أعطيته الأمان فأمن، و آمَنْتُ‏ باللّهِ‏ إِيمَاناً:

أسلمت له. و أَمِنَ‏ أَمَانَةً فهو أمين، ثمّ استعمل المصدر في الأعيان مجازا، فقيل الوديعة أمانة و الجمع أمانات.

 

149
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 150

مقا- أمن: أصلان متقاربان: أحدهما الأَمَانَةُ الّتى هي ضدّ الخيانة، و معناها سكون القلب. و الآخر التصديق.

صحا- الْأَمَانُ‏ بمعنى، و قد أمنت، و آمنت غيرى، من الأمن و الأمان. و الإيمان التصديق. و اللّه المؤمن، لأنّه آمن عباده من أن يظلمهم. و الأمن ضدّ الخوف.

و الْأَمَنَةُ: الأَمْنُ، و الأَمَنَة أيضا الّذى يثق بكلّ أحد، و كذلك الامنة مثال الهمزة. و أمنته على كذا و ائتمنته بمعنى.

مفر- أَمِنَ‏: أصله طمأنينة النفس و زوال الخوف. و الأمن و الأمانة و الأمان في الأصل مصادر، و يجعل الأمان تارة اسما للحالة الّتى يكون عليها الإنسان في الأمن، و تارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان نحو- وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ‏. و يقال آمنته:

جعلت له الأمن.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الأمن و السكون و رفع الخوف و الوحشة و الاضطراب.

يقال: أمن يأمن أمنا، أى اطمأنّ و زال عنه الخوف، فهو آمن، و ذاك مأمون، و مأمون منه، و الأَمَانَةُ مصدر و يطلق على العين الخارجىّ الّذى يتعلّق به الأمن كالوديعة فهي مورد الأمن و المأمون عليها. و الآمن هو المطمئنّ و بلدة آمنة إذا لم تكن فيها خوف و لا وحشة. و الايتمان هو أخذه أمينا. و الايمان جعل نفسه أو غيره في الأمن و السكون. و الايمان به حصول السكون و الطمأنينة به.

هَلْ‏ آمَنُكُمْ‏ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ‏ عَلى‏ أَخِيهِ‏.

من أمن يأمن.

الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ‏ مِنْ خَوْفٍ‏. جعلهم في الأمن.

بَلَداً آمِناً ...، كانَ‏ آمِناً ...، قَرْيَةً كانَتْ‏ آمِنَةً ...، بِسَلامٍ‏ آمِنِينَ‏.

150
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 150

أى الساكن المطمئنّ من دون خوف و اضطراب و وحشة.

فَإِنْ‏ أَمِنَ‏ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي‏ اؤْتُمِنَ‏ أَمانَتَهُ‏.

أي فليؤدّ المأمون الأمانة الّتى يريد الآمن ردّها و هي الدين الّذى أخذ بدون كتابة و رهانة، أو برهان مقبوضة فقط.

وَ الَّذِينَ‏ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ+.

أى اطمأنّوا و حصل لهم الأمن.

و آمَنَ‏ بِاللَّهِ+: حصل له الاطمينان و السكون باللّه المتعال، وَ هُوَ مُؤْمِنٌ‏+ أى مطمئنّ، و في هذا المورد يذكر المتعلّق بحرف الباء.

و قد يحذف المتعلّق إذا كان معلوما:

وَ أَمَّا مَنْ‏ آمَنَ‏ وَ عَمِلَ صالِحاً ...، وَ ما آمَنَ‏ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏ ...، إِنَّ الَّذِينَ‏ آمَنُوا وَ عَمِلُوا+ ...، لَآياتٍ لِقَوْمٍ‏ يُؤْمِنُونَ‏+ ...، وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ‏ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ‏.

و مثلها إذا ذكر بحرف اللام فانّ المتعلّق فيه محذوف.

فَما آمَنَ‏ لِمُوسى‏ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ ... فَآمَنَ‏ لَهُ لُوطٌ- 29/ 26.

أى آمن باللّه لدعوة موسى عليه السلام.

وَ الَّذِينَ هُمْ‏ لِأَماناتِهِمْ‏ وَ عَهْدِهِمْ راعُونَ+ 23/ 8.

الظاهر أنّ‏ الْأَمَانَةَ و العهد بمعناهما الاسمّى، و يمكن أن يراد منها معناهما المصدرىّ.

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ 33/ 72.

بالمعنى المصدرىّ، و هو الطمأنينة و السكون و عدم الوحشة و الاضطراب في قبال الحوادث و التكاليف التكوينيّة و التشريعيّة و الاطاعة و التسليم، و من الطمأنينة و الاستقرار في قبال التكاليف التكوينيّة: حمل النبوّة و قبول الخلافة و الاستعداد للولاية و الأهليّة لتوارد الفيوضات و التجليّات الإلهيّة.

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِ‏ أَمَنَةً نُعاساً 3/ 154.

151
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أمو ص : 152

مصدر كالغلبة، و هي بزيادة مبناها على الأمن، تدلّ على كثرة الأمن.

و أمّا آمِينُ‏: قال مقا- تفسيره قالوا- ألّلهم افعل.

و قال مصبا: و أمين بالقصر في لغة الحجاز، و بالمدّ في لغة بنى عامر، و المدّ إشباع، بدليل أنّه لا يوجد في العربيّة كلمة على فاعيل. و معناه- أللّهم استجب. و قال ابو حاتم: معناه كذلك يكون. و التشديد خطأ.

و قال مفر: يقال بالمدّ و القصر، و هو اسم للفعل نحو صه و مه.

فر- [آمن‏] آمِين، يكون كذا.

قع- [آمن‏] آمين، حقّا.

أقول: فالكلمة مأخوذة من العبريّة، و لا يبعد أن تكون مأخوذة من آمن- بصيغة الأمر من باب الافعال، و معناه: صدّق و أمّن، و اجعل في الأمن. و لا يخفى أنّ هذه المادّة في العبريّة أيضا قريبة منها لفظا و معنى.

أمو

صحا- أمّا: الْأَمَةُ خلاف الحرّة، و الجمع إماء و آم و إموان. و أصل أمة أموة بالتحريك لأنّه جمع على آم و هو أفعل مثل أنيق، و لا يجمع فعلة على ذلك، و ما كنت أمة و لقد أموت أموّة، و النسبة اليها أموىّ، و تصغيرها أميّة، و أميّة قبيلة من قريش و النسبة اليهم أموىّ، و ربّما فتحوا.

مقا- أَمْوٌ: أصل واحد و هو عبوديّة المملوكة. قال الخليل: الْأَمَةُ: المرأة ذات عبوديّة، تقول أقرّت بالاموّة، و تأمّيت فلانة: جعلتها أمة، و كذلك استأميت. و لو قيل تأمّت، أى صارت أمة لكان صوابا.

مصبا- أَمَةٌ: محذوفة اللام و هي واو، و الأصل أموة، و لهذا تردّ في التصغير فيقال أميّة و الأصل أميوة، و بالمصغّر سمّي الرجل، و التثنية أمتان على لغة المفرد،

152
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 153

 

و الجمع آمٍ و إموان و قد تجمع على أموات وزان سنوات، و النسبة الى أميّة أموىّ على القياس و بفتحها على غير القياس و هو الأشهر عندهم.

اشتقاق- أميّة تصغير أمة، و النسب اليه أموىّ بضمّ الهمزة فامّا من قال أموىّ فقد أخطأ.

و التحقيق‏

أنّه لا يخفى ما بين كلمتي الأمّ و الأمة من التناسب في اللفظ و المعنى، فانّ كلمة الْأُمِ‏ صحيحة مضمومة اوّلها و مشدّدة آخرها، بخلاف الأموة فانّها مفتوحة اوّلها و معتلة آخرها، و قد أخفيت علّتها في الأُمَّةِ، فالضمّ و التشديد و الصّحة تدلّ على القوّة و الطمأنينة و الثبوت و الثقل. و هذا بخلاف الفتحة و العلّة و الحذف و التاء، فإنها تدلّ على الخفّة و الضعف و التزلزل و التبدّل و عدم الثبوت و الاستقلال، و هذه الخصوصيّات هي الفارقة بين مفهومى الامّ و الأمة، مع اشتراكهما في الحرفين لفظا و في عمدة الصفات النوعيّة الذاتيّة معنى.

وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ- 2/ 221.

أى أمة مطمئنّة ساكنة مقيّدة خير.

وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ‏ 24/ 32.

إنّ- أنّ‏

من الحروف المشبهة بالفعل، و تدلّان على التحقّق كما أنّ‏ أخواتهما [لكنّ، لعلّ، كأنّ، ليت‏] أيضا تدلّ على الاستدراك و الترجّى و التشبيه و التمنّى.

و قد علم في موضعه: أنّ‏ الحرف يدلّ على خصوصيّة في غيره، و

قال الإمام (ع): الحرف ما أنبأ عن معنى ليس باسم و لا فعل، أو أوجد معنى في غيره.

 

153
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إن - أن ص : 153

فالحرف لا يدلّ على المسمّى بل على خصوصيّة فيه.

فإذا كان الموضوع محقّقا و متّصفا بصفة التحقّق جي‏ء بحرف إنّ و أنّ، كما أنّه إذا كان مرجوّا أو مشبّها أو مستدركا أو متمنّيا: جي‏ء بأخواتهما.

و هذا علّة النصب في أسماء هذه الحروف: فانّها في الحقيقة باعتبار هذه الخصوصيّات و المعاني تصير مفاعيل في المعنى. قال ابن مالك:

و همز إِنَّ افتح لسدّ مصدر

 

 مسدّها و في سوى ذاك اكسر

 

 و لا يبعد أن تكون‏ إِنَ‏ كلمة مكسورة موضوعة للتحقيق و التأكيد بمناسبة مادّة- وأى يأى- الدالّة على الوعد و القوّة، فيكون الأمر منها مؤكّدا بالنون الثقيلة- إنّ‏، و بهذه المناسبة: الأصل منهما هو إنّ بكسر الهمزة ثمّ تتفرّع منها المفتوحة، و هذا المعنى محفوظ و منظور في إنّ مخفّفة، فانّها تدلّ على الشرط و الجزاء- أى الوعد و القوّة، الوعد بالنسبة الى الشرط، و القوّة بالنسبة الى ترتّب الجزاء:

و أنّ مفتوحة الهمزة: لمّا غيّرت عن هيئتها الأصليّة صار التأكيد و التحقيق فيها أخفّ، و لا تقع في ابتداء الكلام و يؤوّل معمولها الى المصدر، و كذلك أن مخفّفة، فما بعدها أيضا في تأويل المصدر.

إِنَ‏ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ ...، إِنَ‏ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ+ ...، إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...، أَنَّكُمْ‏ تُكَذِّبُونَ‏ ...، أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا ...، أَنْ‏ تَمِيدَ بِهِمْ‏.

و قريب من هذه المادّة: كلمة- أن للتفسير و الوصل، و إنّما، و أنّى، و إنّ النافية، و ألّا، و إلّا. فليراجع في تحقيق معانيها و خصوصيّات موارد استعمالاتها الى عناوينها و الكتب النحويّة و الأدبيّة.

و في كليّات- إنّ‏: في لغة العرب تفيد التأكيد و القوّة في الوجود، و لهذا أطلقت الفلاسفة لفظ الإنيّة على واجب الوجود لذاته، لكونه أكمل الموجودات في تأكيد الوجود و قوّته، و هذا لفظ محدث ليس من كلام العرب. و إنّ من الحروف الّتى شابهت الفعل.

154
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أنا ص : 155

 

أنا

صحا- أَنَا فهو اسم مكنّى و هو ضمير للمتكلّم وحده، و إنّما بنى على الفتح فرقا بينه و بين أن الّتى هي حرف ناصب للفعل، و الألف الأخيرة إنّما هي لبيان الحركة في الوقف، فان وسطت سقطت. و اعلم أنّه قد توصل بها تاء الخطاب فتصيران كالشى‏ء الواحد من غير أن تكون مضافة اليها، تقول أنت، و تكسّر للمؤنّث، و أنتم و أنتنّ. و قد تدخل عليه كاف التشبيه- أنت كأنا.

لسا- و أنت ضمير المخاطب، الاسم أن، و التاء علامة المخاطب، و الأنثى أنت و تقول في التثنية أنتما.

شرح الرضى- و امّا أنت الى أنتنّ: فالضمير عند البصريّين- أنّ، و أصله أنا، و كان أنا عندهم ضمير صالح لجميع المخاطبين و المتكلّم، فابتدءوا بالمتكلّم، و كان القياس أن يبيّنوه بالتاء المضمومة نحو أنت إلّا أنّ المتكلّم لمّا كان أصلا جعلوا ترك العلامة له علامة، و بيّنوا المخاطبين بتاء حرفيّة بعد أن، كالاسميّة في اللفظ و في التصرّف. و مذهب الفرّاء: أنّ أنت بكماله اسم و التاء من نفس الكلمة.

و التحقيق‏

أنّ كلّا من هذه الضمائر كلمة واحدة غير مركّبة، قد وضعت في المرتبة الاولى مستقلّة و منظورة في حال الإفراد، و لا ينافي ذلك ما فيها من علائم التكلّم و الخطاب و الافراد و التثنية و الجمع.

فالتركّب يكون قبل الوضع، فقد أخذت هذه الكلمات من- أن، الدّالّة على التأكيد و القوّة، و من علائم التكلّم و الخطاب، ثمّ وضعت.

و لا يخفى ما في صيغة التكلّم و الخطاب من التحقّق و القوّة، و لا سيّما مع كونها ضمائر للفاعل منفصلة.

 

155
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أنث ص : 156

 

أنث‏

مصبا- الْأُنْثَى‏ فعلى و جمعها إِنَاثٌ، و ربّما قيل الأناثى. و التأنيث خلاف التذكير، يقال انّث الاسم تأنيثا إذا ألحقت به أو بمتعلّقه علامة التأنيث.

مقا- أنث: قال الخليل و غيره: الأنثى خلاف الذكر. و الأنثيان:

الخصيتان. و أرض أنيثة: حسنة النبات.

صحا- الْأُنْثَى‏ خلاف الذكر، و يجمع على إناث. و آنَثَتِ‏ المرأةُ: ولدت أنثى، فهي مؤنّث، و إذا كان ذلك عادتها فهي‏ مِئْنَاثٌ‏، و تأنيث الاسم خلاف التذكير.

و قد أنّثته فتأنّث.

و التحقيق‏

أنّ ما يقابل الذكر هو الأنثى، و أمّا المؤنّث: فهو الاسم الّذى ألحقت به علامة التأنيث أو من ولدته أنثى، فإطلاق المؤنّث على الأنثى غير صحيح، و هكذا المذكّر، و الصحيح هو الذكر.

وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏- 3/ 36.

وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ‏ بِالْأُنْثى‏- 16/ 58.

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏+ 16/ 97.

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏+- 4/ 11.

قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ‏ الْأُنْثَيَيْنِ‏+- 6/ 143.

يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً- 42/ 49.

و قد يقال إنّ الأصل في هذه المادّة: هو اللين، ثمّ أطلقت على المرأة مجازا للينها. و على أىّ حال: فصيغة الأنثى مؤنّثة من أفعل التفضيل كأفضل و فضلى، كما أنّ الذكر لا يبعد أن يكون في الأصل صفة على وزان حسن. و صيغ الجمع باعتبار

 

156
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إنجيل ص : 157

المعنى الاسمّى.

و في لسا- و زعم ابن الأعرابى: إنّ المرأة إنّما سمّيت أنثى، من البلد الأنيث، قال: لأنّ المرأة ألين من الرجل، و سمّيت أنثى للينها. قال ابن سيده: فأصل هذا الباب على قوله إنّما هو الأنيث الّذى هو اللين.

و يؤيّد هذا القول: ما في بين هذه المادّة و مادّة الانس من المناسبة اللفظيّة و المعنويّة، فانّ الانس نوع من اللين.

إنجيل‏

قم- إِنْجِيلُ‏: لفظ يونانىّ بمعنى البشارة.

تاريخ الكليسا لميلرص 70- و قد سمّيت هذه الأناجيل الأربعة من أوّل الأمر بالإِنْجِيلِ‏، و هذه الكلمة مشتقّة من لفظ يونانىّ بمعنى البشارة [خبر خوش‏] و لمّا كان المسيح واحدا فلازم أن يكون الإنجيل أيضا منه واحدا، و الجامع بينها هو البشارة.

قاموس تركى لسامى- إنجيل: عربىّ و جمعه أناجيل. و اليونانىّ- [اوانگليون‏].

إنجيل لوقا- 1/ 1- إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقّنة عندنا، كما سلمها إلينا الّذين كانوا منذ البدء معاينين و خدّاما للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ قد تتّبعت كلّ شي‏ء من الأوّل بتدقيق أن اكتب على التوالي اليك.

إنجيل يوحنّا- 21/ 24- هذا هو التلميذ الّذى يشهد بهذا و كتب هذا و نعلم أنّ شهادته حقّ، و أشياء كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظنّ أنّ العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة.

و في 20/ 30- و آيات اخر كثيرة صنع يسوع قدّام تلاميذه لم تكتب في‏

157
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 158

 

هذا الكتاب، و أمّا هذه فقد كتبت لتؤمنوا أنّ يسوع هو ابن اللّه.

إنجيل مرقس- 16/ 14- أخيرا ظهر للأحد عشر و هم متكئون، و ويخّ عدم ايمانهم و قساوة قلوبهم لأنهم لم يصدّقوا الّذين نظروه قد قام.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مأخوذة من مادّة يونانيّة، و هي بمعنى البشارة، باعتبار أنّ هذه الكتب مبشّرة بالنعيم و السعادة و الجنّة و الخير و الحيوة الطيّبة في الدنيا و الآخرة.

و لا يخفى أنّ هذه‏ الْأَنَاجِيلَ‏ الأربعة قد الّفت في أواخر القرن الأوّل أو أوائل الثاني من رحلة المسيح روح اللّه، و ليست بإنجيل نزل الى عيسى عليه السّلام من اللّه المتعال، فهي أقدم كتب كتبت في جريان أمر المسيح و كيفيّة دعوته و حياته و رحلته.

و على هذا فليست منزلة من السماء، و ليست حجّة علينا حتّى يجب علينا اتّباعه و الأخذ به، مضافا الى الاختلافات بينهما و تعدّدها.

فليراجع الى الكتب المبسوطة في هذا الموضوع.

أنس‏

مصبا- أَنِسْتُ‏ به‏ إِنْساً من باب علم، و في لغة من باب ضرب. و الأنس اسم منه. و الأنس جماعة من الناس، و سمّى به و بمصغّره. و الأنيس: الّذى يستأنس به. و استأنست به و تأنّست به: إذا سكن اليه القلب و لم ينفر. و آنست الشي‏ء:

علمته و أبصرته. و الإنس خلاف الجنّ. و الإنسان من الناس اسم جنس يقع على الذكر و الأنثى و الواحد و الجمع. و اختلف في اشتقاقه مع اتفاقهم على زيادة النون‏

 

158
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أنس ص : 158

الأخيرة، فقال البصريّون من الإنس و وزنه فعلان، و الكوفيّون: مشتقّ من النيسان و وزنه إفعان و الأصل إنسيان. و الأناس مشتقّ من الانس لكن يجوز حذف الهمزة على غير قياس تخفيفا، فيبقى الناس. و عن الكسائي: إنّ الأناس و الناس لغتان بمعنى واحد و ليس أحدهما مشتقّا من الآخر، و هو الوجد، لأنّهما مادّتان مختلفتان في الاشتقاق كما سيأتى في نوس.

مقا- أُنْسٌ‏: أصل واحد، و هو ظهور الشي‏ء و كلّ شي‏ء خالف طريقة التوحّش. قالوا: الْإِنْسُ‏ خلاف الجنّ، و سموّا لظهورهم.

لعلّه باعتبار كثرة عددهم و شدّة طغيانهم و مزيد انحرافهم و كفرهم بالنسبة إلى الإنس.

وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ‏- أى لا يعطفه و لا يؤثّر فيه انحناء و ثقلا و انعطافا حتّى يوجب ضعفه في قبال الحفظ.

أنّه يناسب تكون هذه الكلمة أيضا مشتقّة من مادّة أوّل، بمناسبة إرجاع المخاطب الى ما يشار اليه و توجيهه اليه، فهي تدلّ على الاشارة و الإرجاع.

وضعها كان متوجّها إلى مادّة أوى- أيى، لوجود المناسبة بين تلك الموادّ و هذه الكلمات لفظا و معنى كما لا يخفى.

يقال: آنَسْتُ‏ الشي‏ء: إذا رأيته- فَإِنْ‏ آنَسْتُمْ‏ مِنْهُمْ رُشْداً. و يقال: آنست الشي‏ء إذا سمعته، و هذا مستعار من الأوّل. و الأنس أنس الإنسان بالشي‏ء إذا لم يستوحش منه.

صحا- الْأُنْسُ‏: البشر، الواحد إِنْسِيٌ‏ و أنسىّ أيضا، و الجمع أناسىّ، و إن شئت جعلته إنسانا ثمّ جمعته أناسىّ، فتكون الياء عوضا من النون- وَ أَناسِيَ‏ كَثِيراً. و إنسان العين: المثال الّذى يرى في السواد، و يجمع أيضا على أناسىّ. و تقدير إنسان فعلان، و إنّما زيد في تصغيره ياء كما زيد في تصغير رجل فقيل رويجل. و

159
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 160

أناس لغة في الناس و هو الأصل فخفّف. و الأنيس: المؤانس و كلّ ما يؤنس به. و الْإِينَاسُ‏ خلاف الايحاش، و كذلك التأنيس.

مفر- الْإِنْسُ‏: خلاف الجنّ. و الأنس خلاف النفور. و الإنسىّ منسوب الى الإنس، يقال ذلك لمن كثر أنسه و لكلّ ما يؤنس به. و الإنسىّ من كلّ شي‏ء ما يلي‏ الْإِنْسَانُ‏، و الوحشىّ ما يلي الجانب الآخر له. و الإنسان قيل سمّى بذلك لانّه خلق خلقة لا قوام له إلّا بانس بعضهم ببعض.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو القرب مع الظهور بعنوان الاستيناس، في مقابل النفور و الوحشة و البعد. و هذا المعنى محفوظ في جميع صيغ مشتقّاتها. و امّا ما ينفر فكالوحوش و الحيوان، و ما لا يظهر و لا يستأنس فكالجنّ.

و أمّا الرؤية و السماع: فليس مفهومها مطلقّ الرؤية و السماع بل بقيد الاستيناس و الاختلاط. و كذلك الإنس و الإنسان: فبملاحظة أنسه و اختلاطه، و هذا هو الفارق بين لفظ الإنسان و البشر و آدم.

فباعتبار معنى الظهور في مفهومها: تستعمل في مقابل الجنّ:

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏+ ...، إِنْسٌ‏ وَ لا جَانٌ‏ ...، ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ ...، لَئِنِ اجْتَمَعَتِ‏ الْإِنْسُ‏ وَ الْجِنُ‏ ...، جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ ...، وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ‏.

و لم تستعمل كلمة البشر و لا آدم في مقابل الجنّ أو الجانّ.

و أمّا تقدّم الإنس على الجنّ أو تأخّره عنه: ففي كلّ مورد بحسبه من خصوصيّة في المورد أو في العمل أو خصوصيّة لكلّ واحد منهما، تقتضي تقدّم واحد أو تأخّره.

وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ‏ الْإِنْسِ‏ وَ الْجِنِ‏- 6/ 112.

160
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 160

- تقدّم الإنس باعتبار كون النبىّ (ص) إنسانا و كثرة تماسّه و اختلاطه بالإنس.

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا 55/ 33.

- تقدّم الجنّ باعتبار قوّة الجنّ و شدة قدرته في النفوذ و الحركة و العمل.

يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ‏ 6/ 130.

لعلّه باعتبار كثرة عددهم و شدّة طغيانهم و مزيد انحرافهم و كفرهم بالنسبة إلى الإنس.

و كذلك- وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏- 7/ 179.

وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏- 27/ 17.

هذا- و لمزيد عملهم.

و الإنسان‏: أصله الإنس و هو اسم جنس زيدت فيه الالف و النون، فيدلّ على التشخّص و خصوصيّة زائدة:

إِنَّ الشَّيْطانَ‏ لِلْإِنْسانِ‏ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏- 12/ 5.

كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ‏ لِلْإِنْسانِ‏ اكْفُرْ- 59/ 16.

وَ كانَ الشَّيْطانُ‏ لِلْإِنْسانِ‏ خَذُولًا- 25/ 29.

و الإنسىّ: منسوب الى الإنس يستعمل في المفرد- فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ‏ إِنْسِيًّا.

و الأناسىّ: أصله الأناسين جمع انسان- أَنْعاماً وَ أَناسِيَ‏ كَثِيراً.

و الأناس: هو الإنس و قد يخفّف بحذف الهمزة- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِ‏ النَّاسِ‏ مَلِكِ النَّاسِ‏ ...، قَدْ عَلِمَ كُلُ‏ أُناسٍ‏ مَشْرَبَهُمْ+ ...، يَوْمَ نَدْعُوا كُلَ‏ أُناسٍ‏ بِإِمامِهِمْ‏- 17/ 71، إِنَّهُمْ‏ أُناسٌ‏ يَتَطَهَّرُونَ+.

و الإِينَاسُ‏: هو الإظهار و التقريب مع الانس:

آنَسْتُ‏ ناراً+- 20/ 10.

161
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أنف ص : 162

يدلّ على درك ظهور النار و قرب منها و الانس بها.

لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى‏ تَسْتَأْنِسُوا- 24/ 27.

أى تطلبوا منهم القرب و الظهور و رفع الحجاب و الغيبة و الستر بينهما، و هذا كناية حسنة عن الإذن.

و أمّا القول بأنّ الإنسان مشتقّ من النسيان، أو أنّ الناس من النوس، أو أنّ الاستيناس بمعنى الاستيذان: فغير صحيح.

أنف‏

مصبا- أَنِفَ‏ من الشي‏ء أنفا من باب تعب: استنكف و هو الاستكبار. و أنف منه: تنزّه عنه. و الأنف: المعطس، و الجمع آناف و انوف و آنف. و أنف الجبل ما خرج منه. و استأنفت الشي‏ء: أخذت فيه و ابتدأت.

صحا- الْأَنْفُ‏ للإنسان و غيره. و أنف كلّ شي‏ء: أوّله، و الاستيناف:

الابتداء، و كذلك الايتناف. و قلت كذا آنفا و سالفا.

مفر- أصل‏ الْأَنْفُ‏ الجارحة، ثمّ يسمّى به طرف الشي‏ء و أشرفه، فيقال أنف الجبل و أنف اللحية، و نسب الحميّة و الغضب و العزّة و الذلّة الى الأنف. و استأنفت الشي‏ء: أخذت أنفه أى مبدأه، و منه قوله عزّ و جلّ- ما ذا قالَ‏ آنِفاً، أى مبتدأ.

مقا- أَنْفٌ‏: أصلان منهما يتفرّع مسائل الباب كلّها: أحدهما- أخذ الشي‏ء من أوّله. و الثاني أنف كلّ ذى أنف. و قياسه التحديد. قال الخليل:

استأنفت كذا أى رجعت الى أوّله، و مؤتنف الأمر: ما يبتدء فيه. و من هذا الباب قولهم: فعل كذا آنفا، كأنّه ابتداؤه. و الأنف: معروف. و أنفت الرجل: ضربت أنفه، و أنف من كذا: فهو من الأنف، كقولهم للمتكبّر: ورم أنفه. ذكر الأنف‏

162
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 163

دون سائر الجسد لأنّه يقال شمخ بأنفه يريد رفع رأسه كبرا، و هذا يكون من الغضب. و أنف الجبل: أوّله و ما بدا لك. و سنان مونّف: أى محدّد، و أنّفت السراج: أحددت طرفه و سوّيته.

لسا- و في حديث أبى بكر لعمر: فكلّكم ورم‏ أَنْفُهُ‏، أى اغتاظ من ذلك، لأنّ المغتاظ يرم أنفه و يحمّرّ. و منه حديث الآخر: أما أنك لو فعلت ذلك لجعلت أنفك في قفاك، يريد أعرضت عن الحقّ و أقبلت على الباطل.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما يقابل في النظر اوّلا، يقال: جاءوا آنِفاً و من ذى‏ أَنْفٍ‏: اى قبيلا، و من ذى قبل. و من مصاديقه: الأنف من كلّ حيوان. و لمّا كان الأنف اوّل ما يبدو من وجه الإنسان و الحيوان، و أنّه واقع في مقدّم الوجه: تستعمل في معنى الابتداء و الأوّل و المقدّم و ما يظهر أوّلا و المقابل.

و باعتبار ظهور اثر الغضب و الحميّة و الذلّة و الاعراض فيه ابتداء لأنّه اوّل ما يرى و يطلع: تستعمل في قريب من هذه المعاني. و كلّ هذه المعاني لازم أن يراعى فيها قيد التقدّم و الطلوع و خصوصيّة ما في الأنف، لا مطلق الابتداء و التقدّم و الاعراض و الغضب.

وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ‏ بِالْأَنْفِ‏- 5/ 45.

يريد العضو المخصوص.

ما ذا قالَ‏ آنِفاً- 47/ 16.

أى من أوّل وقت يقرب منّا، و قبيل هذا.

163
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أنام ص : 164

 

أنام‏

مصبا- الْأَنَامُ‏: الجنّ و الانس، و قيل‏ الْأَنَامُ‏: ما على وجه الأرض من جميع الخلق.

لسا- الْأَنَامُ‏: ما ظهر على الأرض من جميع الخلق، و يجوز في الشعر:

الأنيم. و قال المفسّرون في قوله عزّ و جلّ- وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ‏: هم الجنّ و الانس- بدليل- فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ‏، و لم يَجرِ للجنّ ذكرٌ قبل ذلك، و الجنّ و الانس هما الثقلان. قيل جاز مخاطبة الثقلين قبل ذكرهما معا لأنّهما ذكرا بعقب الخطاب.

البيضاوي- الآية- لِلْأَنامِ‏: للخلق، و قيل الأنام كلّ ذى روح.

الكشّاف- وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ‏: للخلق و هو كلّ ما على ظهر الأرض من دابّة. و عن الحسن: الإنس و الجنّ، فهي كالمهاد لهم يتصرّفون فوقها.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة تطلق على ذوى العقول من الإنس و الجنّ الساكنين على وجه الأرض، و لا تطلق على الجماد و النبات و الحيوان، فانّ الجمادات من أجزاء الأرض، و النبات و الحيوان قد خلقا للإنسان، و قد عدّت النباتات من لوازم الأرض و زينتها، حيث قال تعالى- فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ‏. ثمّ إنّه قد صرّح بعد بالنوعين- خَلَقَ الْإِنْسانَ‏ ... وَ خَلَقَ الْجَانَ‏ ... سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ‏ ... يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏- الرحمن/ 14- 33.

قال تعالى- وَ الْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ‏- 16/ 5.

و لا يخفى أن انتخاب كلمة الأنعام في مورد الحيوان: للإشارة الى أنّها من‏

 

164
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أنى ص : 165

النعم الإلهيّة المهيّأة للإنسان.

أنى‏

مصبا- الْآنَاءُ على أفعال هي الأوقات، و في واحدها لغتان: إنى بالكسر و القصر و أنى بفتحين. و تأنّى في الأمر: تمكّث و لم يعجل، و الاسم منه الأناة وزان حصاة. و الْإِنَاءُ و الآنِيَةُ: الوعاء و الأوعية وزنا و معنى، و الأَوَانِي‏ جمع الجمع. و الإنى بالكسر: الإدراك و النضج. و أنى الشي‏ء أنيا من باب رمى: دنا و قرب و حضر، و أنى لك أن تفعل كذا: و المعنى هذا وقته فبادر اليه- قال تعالى: أَ لَمْ‏ يَأْنِ‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ‏. و قد قالوا آن لك أن تفعل كذا أينا من باب باع:

بمعناه و هو مقلوب منه. و آنيته بالمدّ: أخرّته، و الاسم الأناء كسلام.

صحا- أَنَى‏ يَأْنِي‏ إِنًى‏: حان. و أنى أيضا: أدرك. قال تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ‏ إِناهُ‏. و يقال أنى الحميم: انتهى حرّه، و منه قوله تعالى- وَ بَيْنَ حَمِيمٍ‏ آنٍ‏. و آناه يُؤنيه إيناء: أخّره و حبسه و أبطأه، و الاسم منه الأناء. و آناءَ اللَّيْلِ+: ساعاته، واحدها إنى أو إنى أو إنو، يقال: إنيان من الليل و إنوان. و تأنّى في الأمر: ترفّق و تنظّر. و استأنى به: انتظر، و الاسم الأناة، قال سيبويه: أصله الوناة مثل أحد و وحد، من الونى، و رجل آن: كثير الحلم. و الإناء معروف.

مقا- أنى‏: له أربعة اصول- البطؤ و ما أشبهه من الحلم و غيره، و ساعة من الزمان، و إدراك الشي‏ء، و ظرف من الظروف. فقال الخليل: الأناة الحلم، و الفعل منه تأنّى و تأيّى، و يقال للتمكّث في الأمور: التأنّى. و الانى و الأنى ساعة من ساعات الليل، و الجمع آناء، و كلّ إنى ساعة. و الإنى: الإدراك، و ما أنى لك و لم يان لك أى لم يحن. و استأنيت الطعام أى انتظرت إدراكه، و أنى الماء المسخّن يأنى و حميم آن: قد انتهى حرّه. و الإناء من الآنية.

165
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 166

مفر- أنى الشي‏ء: قرب إناه. و حَمِيمٍ‏ آنٍ‏: بلغ إناه في شدّة الحرّ، و منه قوله تعالى- مِنْ عَيْنٍ‏ آنِيَةٍ، و قوله تعالى- أَ لَمْ‏ يَأْنِ‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ‏- أى ألم يقرب إناه. و يقال آنيت الشي‏ء ايناءا: أخّرته عن أوانه. و تأنّيت: تأخّرت. و تأنّى تأنّيا و أنى يأنى فهو آن: أى وقور. و استأنيته: انتظرت أوانه، و يجوز بمعنى استبطأته. و استأنيت الطعام: كذلك. و الإناء: ما يوضع فيه شي‏ء.

لسا- أَنَى‏ الشي‏ءُ يأنى أنيا و إنّى و أنى و هو أنىّ: حان و أدرك. الفراء:

ألم يأن و ألم يئن و ألم ينل لك و ألم ينل لك، كلّ بمعنى واحد، أى حان لك. هل أنى الرحيل، أى حان وقته. و الأنى: بلوغ الشي‏ء منتهاه، و قد أنى يأنى: أدرك و بلغ. و إنى الشي‏ء: إدراكه و بلوغه. و الإناء: الّذى يرتفق به (اى ينتفع به) و هو مشتقّ من ذلك لأنّه قد بلغ أن يعتمل بما يعانى به من طبخ أو خرز أو تجارة. و أنى الماء: قد سخن و بلغ في الحرارة. و بلغ الشي‏ء إنا، أى غايته، غير ناظرين إناه: أى نضجه و إدراكه و بلوغه. و الأناة: الحلم و الوقار.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو البلوغ و النضج من جهة الوقت. و هذا المعنى يختلف بحسب اختلاف الموارد و المفاهيم. كما في بلوغ وقت اشتداد الحرارة، و البلوغ في أوقات الليل و ساعاته، و بلوغ مرتبة الحلم و الطمأنينة. و بلوغ وقت الاستفادة من الظروف، و بلوغ وقت إدراك الطعام و الأكل منه.

و يؤيّد هذا المعنى: ما يفهم من مادّة أين، أون، أنو.

أَ لَمْ‏ يَأْنِ‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ‏- 57/ 16.

أى أ لم يبلغ وقت خشوع قلوبهم في مقابل العظمة للّه تعالى.

يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ‏ آنٍ‏- 55/ 44.

بين جهنّم و بين ماء حارّ في الغاية أو مطلق الحميم الّذى بلغ الى حدّ نهايته في‏

166
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أنى ص : 167

الحرارة.

تُسْقى‏ مِنْ عَيْنٍ‏ آنِيَةٍ 88/ 5.

عين بلغت و كملت وقت حرارتها.

إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى‏ طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ‏ إِناهُ‏- 33/ 53.

غير منتظرين بلوغ الطعام و نضجه في وقت مخصوص.

يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ‏ آناءَ اللَّيْلِ‏- 3/ 113.

وَ مِنْ‏ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ‏- 20/ 130.

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ‏ آناءَ اللَّيْلِ‏- 39/ 9.

أى الليل إذا كملت ساعاته و بلغت اجزاؤه الى حدّ الكمال و نهاية الظلمة و السكوت و تحقّقت حقيقة الليليّة.

يُطافُ عَلَيْهِمْ‏ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ- 76/ 15.

بظروف بلغت حدّ الكمال و انتهت الاستفادة منها الى وقت الغاية.

ففي كلّ من هذه الموارد قد أخذ قيد البلوغ بحسب الموضوع و قيد الوقت و هذا هو الفارق بينها و بين- الأوقات، الظروف.

فقد اتّضحت اللطائف في انتخاب هذه المادّة في هذه الموارد.

و لا يخفى ما فيما بين هذه المادّة و كلمة- أنّى و إنّ، من التناسب.

أنّى‏

مصبا- أَنَّى‏: استفهام عن الجهة، تقول أنّى يكون هذا، أى من أىّ وجه و طريق.

كليا- أَنَّى‏: استفهاميّة بمعنى كيف نحو أَنَّى‏ يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها. أو بمعنى أين نحو أنّى لك هذا، و ترد أيضا بمعنى متى و حيث. و يحتمل الكلّ قوله تعالى‏

167
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 168

 

- فَأْتُوا حَرْثَكُمْ‏ أَنَّى‏ شِئْتُمْ‏، لكن لمّا كانت كلمة أنّى مشتركة في معنى كيف و أين، و أشكل الإتيان في الآية: تأمّلنا فيه فظهر أنّه كيف، بقرينة الحرث.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة تدلّ على الاستفهام في مقام التحقيق في مورد يناسب الزمان و الوقت، و قد وردت في القرآن المجيد في 28 موردا و هذا المعنى هو الأنسب في جميعها.

نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ‏ أَنَّى‏ شِئْتُمْ‏- 2/ 223.

كيف و في أىّ زمان شئتم؟

أَنَّى‏ يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها- 2/ 259.

كيف و في أىّ وقت يحييها اللّه؟

أَنَّى‏ يَكُونُ لِي غُلامٌ+- 3/ 40.

كيف و متى يكون لي غلام؟

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى‏ تُؤْفَكُونَ+- 35/ 3.

ثُمَّ يُعِيدُهُ‏ فَأَنَّى‏ تُؤْفَكُونَ‏- 10/ 34.

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ‏ فَأَنَّى‏ تُسْحَرُونَ‏- 23/ 89.

فكيف و متى تؤفكون و تسحرون و تصرفون.

قالَ يا مَرْيَمُ‏ أَنَّى‏ لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏- 3/ 37.

كيف و متى تهيّأ هذا الرزق و حضر عندك.

أهل‏

صحا- أَهْلٌ‏: أَهْلُ الرجل و أَهْلُ الدارِ، و كذلك الأَهْلَةُ، و الجمع أَهْلَاتٌ‏

 

168
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 169

و أَهَالٍ‏، و زادوا فيه على غير قياس كما في الليالي، و منزل‏ آهِلٌ‏: أى به أهله، و فلان أهل لكذا و لا تقل‏ مُسْتَأْهِلٌ‏. و العامّة تقول: أَهَلَ‏ يَأْهِلُ‏ أُهُولًا: تزوّج، و كذلك تأهّل، و مرحبا و أهلا: أى أتيت سعة و أتيت أهلا فاستأنس و لا تستوحش.

مقا- أَهْلُ‏ الرجل: زوجه. و التأهّل التزوّج. و أهل الرجل: أخصّ الناس به، و أهل البيت سكّانه، و أهل الإسلام من يدين به، و جمع الأهل أهلون و الأهالى جماعة الجماعة، و كلّ شي‏ء من الدوابّ و غيرها إذا ألف مكانا فهو آهل و أهلىّ. و أهلك: زوّجك.

مصبا- أَهَلَ‏ المكانُ أُهُولًا من باب قعد: عُمِرَ بِأَهْلِهِ، و قَرْيَةٌ آهِلَةٌ:

عَامِرَةٌ. و أهلت بالشي‏ء: آنست به. و أهل الرجل يأهل أهولا: إذا تزوّج، و تأهّل كذلك، و يطلق الأهل على الزوجة، و الأهل: أهل البيت، و الأصل فيه القرابة، و قد اطلق على الأتباع، و أهل البلد من استوطنه، و أهل العلم: من اتّصف به.

و التحقيق‏

أنّ المعنى الحقيقىّ لهذه المادّة: هو تحقّق الانس مع الاختصاص و التعلّق.

ثمّ إنّ لهذا المعنى مراتب سعة و ضيقا، فالزوجة و الأبناء و البنات و الأحفاد و الأصهار كلّهم من الأهل، و كلمّا يشتدّ التعلّق و يزداد الاختصاص: يقوى عنوان الأهليّة، فقد يكون واحد من المرتبة المتأخّرة أقرب و أولى من الآخر المتقدّم، و قد ينفى عنوان الأهليّة عمّن ينتفي فيه التعلّق و التوافق و الاختصاص- إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ‏ أَهْلِكَ‏ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ‏.

و قد تتّسع دائرة الأهل باختلاف الموارد و الأغراض و المقامات.

قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ‏ أَهْلَ‏ الْبَيْتِ‏- 11/ 73.

يراد من أهل البيت: ابراهيم (ع) و زوجته.

169
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 169

فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ أَهْلِ‏ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ‏ 28/ 12.

يراد من في بيت عمران، من الأب و امّ موسى و غيرهما.

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ‏ أَهْلَ‏ الْبَيْتِ‏ 33/ 33.

يراد من كانوا مخاطبين حين نزول الآية، كما في الآيتين، و هم الخمسة النجباء المعصومون الّذين استقرّوا تحت الكساء بأمر من رسول اللّه (ص).

و لا يخفى أنّ كلمة [أهل البيت‏] مركّبة: يراد بها البيت المصطلح في علم الرجال، و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة- خانواده، و ليست بتقدير كلمة اخرى مضافة اليها، كما توهّمها بعض المفسّرين، ففسّروها بقولهم- أهل بيت رسول اللّه.

و الحذف و التقدير خلاف الأصل في الكلام الفصيح، مع أنّ ظاهر إطلاق [أهل بيت الرسول‏] عدم شمولها لنفس الرسول، و كذا في الآيتين- بالنسبة الى عمران و إبراهيم (ع).

و سيجي‏ء أنّ حقيقة معنى البيت هي المأوى و المآب و مجمع الشمل ليلا.

و أمّا التناسب بين آية التطهير و ما قبلها و بعدها، من نزولها في نساء النبىّ (ص): فانّ الجامع بينها كونها مربوطة الى أهل البيت (خانواده) بمعناها العرفىّ الظاهرىّ العمومىّ، و هذه الآية بقرينة نزولها في الخمسة أهل الكساء: تثبت أنّ مصداق أهل البيت الخاصّة بحكم التطهير منحصر في الخمسة. و هذا الترتيب و ذكر هذه الآية الشريفة فيما بين تلك الآيات للاشارة الى أنّ اهل البيت الّذين يجب اتباعهم و ينبغي أن يكونوا قدوة للناس هم الخمسة، و النساء خارجات عنها- راجع البيت.

يا أَهْلَ‏ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ- 5/ 68.

فانّ التعلّق بالكتاب و الاختصاص به و الانس يقتضى العمل به و إقامته.

وَ لْيَحْكُمْ‏ أَهْلُ‏ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ‏- 5/ 47.

بمقتضى مفهوم الأهليّة.

170
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أوب ص : 171

و هذا المعنى محفوظ في جميع موارد استعمال هذه الكلمة.

أَهْلَ‏ الْقُرى‏+ ...، أَهْلِ‏ الْمَدِينَةِ+ ...، أَهْلَ‏ الذِّكْرِ+، أهل هذه المدينة، أَهْلِ‏ مَدْيَنَ+ ...، أَهْلِ‏ هذِهِ الْقَرْيَةِ+ ...، أَهْلَ‏ يَثْرِبَ‏ ...، أَهْلِ‏ النَّارِ ...، أَهْلُ‏ التَّقْوى‏ ...، أَهْلُ‏ الْمَغْفِرَةِ ...، أَهْلِكَ‏+ ...، بِأَهْلِكُمْ‏ ...، أَهْلَنا+ ...، أَهْلَهُ‏+ ...، أَهْلِي‏+ ...، أَهْلِها+.

فخصوصيّات الأهل صفة و عملا و عقيدة و سلوكا و أدبا و معرفة و مقاما و شأنا: تختلف باختلاف المضاف اليه من هذه الجهات.

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ‏ أَهْلِهِ‏ وَ حَكَماً مِنْ‏ أَهْلِها- 4/ 35.

حتى يكون الحَكَمانِ في أثر كمال التعلّق و الاختصاص، مطّلعين عن مبدأ اختلافهما و عالمين بصلاح أمرهما و متوجّهين الى حكمهما فيهما قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ‏ ناراً- 66/ 6.

بمناسبة شدّة الاختصاص كلّفوا بها.

شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا- 48/ 11 صيغة الجمع- أَهْلُونَ و أَهْلِينَ، باعتبار الضمير.

أوب‏

مصبا- آبَ‏ من سفره‏ يَؤُوبُ‏ أَوْباً و مَآباً: رجع، و الإِيَابُ اسم منه، فهو آئِبٌ‏. و آبَ الى اللّه تعالى: رجع عن ذنبه. و تاب فهو أَوَّابٌ‏ مبالغة. و آبَتِ الشمس: رجعت من مشرقها فغريت. و التَّأْوِيبُ‏ مسير الليل. و جاءوا من كلّ أوب: من كلّ مرجع أى فجّ.

مقا- أَوْبٌ‏: أصل واحد و هو الرجوع. ثمّ يشتقّ منه ما يبعد في السمع قليلا، و الأصل واحد. قال الخليل: آبَ فلان الى سيفه: ردّ يده ليستلّه. و الْأَوْبُ‏:

ترجيع الأيدى و القوائم في السير. و التَّأْوِيبُ‏: التسبيح- يا جِبالُ‏ أَوِّبِي‏ مَعَهُ‏. و

171
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 172

الْإِيَابُ‏: الرجوع أَيَّ وقتٍ رجع و لكنّ اكثر ما يجي‏ء بالليل. و الْمَآبُ‏: المرجع و يسمّى مخرج الدقيق من الرحى المآب لأنّه يؤوب اليه ما كان تحت الرحى. و آبت الشمس: إذا غابت.

الفائق- هم التوّابون: الراجعون عن المعاصي. و الأوب و التوب و الثوب أخوات.

مفر- الْأَوْبُ: ضرب من الرجوع، و ذلك أنّ الأوب لا يقال إلّا في الحيوان الّذى له إرادة، و الرجوع يقال فيه و في غيره، يقال: آب أوبا و إيابا و مآبا. و المآب مصدر منه و اسم الزمان و المكان- وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ‏ الْمَآبِ‏. و الْأَوَّابُ‏ كالتوّاب، و هو الراجع الى اللّه تعالى بترك المعاصي و فعل الطاعات.

لسا- أوب: و أوّب و تأوّب و أيّب كلّه رجع. و آب الغائب يؤب مآبا:

إذا رجع. و قوله عزّ و جلّ- يا جِبالُ‏ أَوِّبِي‏ مَعَهُ‏، و يقرأ أوبى معه. أَوِّبِي‏ أى سبّحى معه و رجّعي التسبيح، لأنّه قال: سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ‏. و أوبى أى عودي معه في التسبيح كلّما عاد فيه، و المآب: المرجع. و اتَّابَ‏ افتعل: مثل آب. و أَوَّابٌ‏: كثير الرجوع الى اللّه عزّ و جلّ من ذنبه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الرجوع، و النظر فيه الى التوجّه الى جهة المرجع، أى الملحوظ فيه جهة السير الى المرجع، كما أنّ الملحوظ في التوبة: جهة الرجوع عن شي‏ء.

وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ‏ الْمَآبِ‏- 3/ 14.

اى الرجوع الحسن.

إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً لِلطَّاغِينَ‏ مَآباً- 78/ 22.

مكان الرجوع لهم.

172
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أود ص : 173

 

نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ‏ أَوَّابٌ‏+ 38/ 30.

شديد الرجوع و التوجّه الى اللّه تعالى.

إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ‏ 88/ 25.

أى رجوعهم و توجّهم و سيرهم.

يا جِبالُ‏ أَوِّبِي‏ مَعَهُ‏- 34/ 10.

أى رجعي التسبيح و الذكر معه.

ثمّ إنّ الرجوع اليه باعتبار الانصراف عن عالم المادّة و الظلمة و الطبيعة و العلائق، و التوجّه الى عالم النور و الروحانيّة و التجرّد.

أود

مصبا- آدَهُ‏ يَؤُودُهُ‏ أَوْداً: أثقله، فَانْآدَ وزان انفعل: ثقل به. و آدَهُ أَوْداً:

أعطفه و حناه.

مقا- أَوْدٌ: أصل واحد، و هو العطف و الانثناء. أُدْتُ‏ الشي‏ء: عطفته. و تأوّد النبت مثل تعطّف و تعوّج. و الى هذا يرجع آدَنِى الشي‏ء يَؤُودُنِي: كأنّه ثقل عليك حتّى ثنّاك و عطفك.

صحا- أَوِدَ الشي‏ءُ بالكسر يَأْوَدُ أَوْداً: اعوجّ. و تأوّد: تعوّج. و آدنى يؤودنى أودا: أثقلنى، فهو مَؤُودٌ مثل مقول، يقال: ما آدك فهو لي آيد. و آده أيضا: حناه و عطفه، و أصلهما واحد.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة. هو الخروج عن الاعتدال و الحالة الطبيعيّة المستقيمة.

 

173
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أول ص : 174

و من مصاديقه: الاعوجاج، و الانحناء، و العطف، و التثقّل، و الانثناء.

وَ لا يَؤُدُهُ‏ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ‏- أى لا يَعطفه و لا يؤثّر فيه انحناء و ثقلا و انعطافا حتّى يوجب ضعفه في قبال الحفظ.

أول‏

مصبا- آلَ‏ الشي‏ء يَؤُولُ‏ أَوْلًا و مَآلًا: رجع. و الموئل: المرجع وزنا و معنى.

و الأَوَّلُ‏: مفتتح العدد و هو الّذى له ثان، و يكون بمعنى الواحد، و المؤنّثة الْأُولَى‏، و تجمع الاولى على‏ الأُولَيَاتِ‏ و الْأُوَلُ‏. و وزن أوّل من آلَ يَؤُولُ و الأصل أءول قلبت الهمزة الثانية واوا.

مقا- أَوْلٌ‏: أصلان ابتداء الأمر و انتهاؤه. أمّا الأوّل.: فهو مبتدأ الشي‏ء، و المؤنّثة الاولى مثل أفعل و فعلى، و جمع‏ الأُولَى‏ أُولَيَاتٌ مثل الاخرى. و آل الشي‏ء يئول: رجع، أوّل الحكم الى أهله: أرجعه و ردّه اليهم. و الإِيَالَةُ: السياسة، من هذا الباب، لأنّ مرجع الرعيّة الى راعيها. آل الرجل رعيّته يؤولها: إذا أحسن سياستها. و من هذا الباب: تأويل الكلام، و هو عاقبته و ما يؤول اليه.

صحا- أَوَّلَ‏: التَّأْوِيلُ‏ تفسير ما يؤول اليه الشي‏ء، و قد أوّلته تأويلا و تأوّلته تأوّلا: بمعنى. و قال: في وأل: و الأوّل: نقيض الآخر، و أصله أوءل قلبت الهمزة واوا و أدغمت. و قال قوم أصله و وأل على فوعل فقلبت الواو الاولى همزة.

مفر- التَّأْوِيلُ‏ من الأوّل أى الرجوع الى الأصل. و الأول: السياسة الّتى تراعى مالها. و الأوّل هو الّذي يترتّب عليه غيره، و يستعمل في المتقدّم بالزمان أو بالرئاسة أو بالوضع و النسبة أو بالنظام الصناعى، و هو الأوّل أى لم يسبقه في الوجود شي‏ء. و أَوَّلُ‏ الْمُؤْمِنِينَ+، و أَوَّلَ‏ كافِرٍ: أى من يقتدى به.

174
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 175

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التقدّم بحيث يترتّب عليه آخر، و التَّأْوِيلُ‏: جعل شي‏ء متقدّما حتّى يترتّب عليه آخر، و هو أعمّ من المادّىّ و المعنوىّ.

و يؤيّد هذا المعنى استعماله في قبال الآخر- هُوَ الْأَوَّلُ‏ وَ الْآخِرُ. و هذا المعنى منظور في جميع مشتّقاتها الأوّل، الاولى، الأوّلين، التأويل- في القرآن الكريم، راجع موارد استعمالاتها.

و يؤيّد هذا المعنى قربها من مادّة- أوب، أوى.

أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى‏ مِنْ‏ أَوَّلِ‏ يَوْمٍ‏- 9/ 108.

حتّى يكون أساسا يبنى عليه.

هُوَ الْأَوَّلُ‏ وَ الْآخِرُ- 57/ 3.

أى البدء المقدّم مبتنى عليه غيره.

إِنَ‏ أَوَّلَ‏ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ‏- 3/ 96.

ثمّ تلحقه بيوت آخر.

وَ السَّابِقُونَ‏ الْأَوَّلُونَ‏- 9/ 100.

الذين ابتدأوا في قبول الإسلام‏ أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ‏+- 37/ 17.

الّذين هم المتقدّمون المقتدون.

إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏+- 6/ 25.

ثمّ أخذ من أساطيرهم المتأخّرون.

مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ‏ الْأُولى‏- 28/ 43.

فتكون عبرة للّاحقين.

وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ‏ تَأْوِيلِ‏ الْأَحادِيثِ‏- 12/ 6.

175
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

آل ص : 176

حقايق معانيها المقصودة.

تَأْوِيلُ‏ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ‏ 12/ 100.

المنظور الّذى يقصد و يتوجّه اليه.

تَأْوِيلُ‏ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً- 18/ 82.

مرجعها الّذى ينتهى اليه العمل.

وَ ما يَعْلَمُ‏ تَأْوِيلَهُ‏ إِلَّا اللَّهُ‏- 3/ 7.

حقيقته المقصودة المنظورة المتقدّمة رتبة و معنى، يترتّب عليها الآثار.

فظهر أنّ اطلاق كلمة الأوّل على مفتتح العدد أو المبتدإ أو المتقدّم: بلحاظ وجود القيدين و من جهة كونها مصداق الأصل و كذلك اطلاق كلمة التأويل على المعنى الغائىّ و منتهى المقصود.

و الفرق بين التفسير و التأويل، أنّ التفسير هو البحث عن مدلول اللفظ و ما يقتضيه ظاهر التعبير أدبا و التزاما و عقلا. و أمّا التأويل: فهو تعيين مرجع اللفظ و المراد و المقصود منه، و قد يخفى المراد على الناس و لا يدلّ عليه ظاهر اللفظ، فهذا يحتاج الى الاطّلاع بالمقصود و المراد من اللفظ- وَ ما يَعْلَمُ‏ تَأْوِيلَهُ‏ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏.

ثمّ إنّ الأوّل من الأسماء الحسنى، و يراد منه التقدّم على الإطلاق ذاتا في قبال قاطبة الموجودات و العوالم، بحيث يترتّب عليه جميع مراتب الوجود، و ليست هذه العوالم المتأخّره غيره تعالى، بل هو الآخر أيضا في الحقيقة.

آل‏

صحا- آلُ‏ الرجل: أهله و عياله، و آلُهُ‏ ايضا: أتباعه. و الآلَةُ: الأداة و الجمع‏ الْآلَاتُ‏. و الآلة أيضا واحدة الآل. و الآلة: الحالة و الجمع آل.

176
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 177

مقا- و آل‏ الرجل: أهل بيته من هذا أيضا [أى من الأوّل و الرجوع‏] لأنّه اليه مآلهم و اليهم مآله. و آل الرجل: شخصه من هذا أيضا. و كذلك آل كلّ شي‏ء، و ذلك أنّهم يعبّرون عنه بآله، و هم عشيرته، يقولون آل أبى بكر و هم يريدون أبا بكر.

مصبا- و الآلُ‏: أهل الشخص و هم ذو و قرابته، و قد اطلق على أهل بيته و على الأتباع، و أصله عند بعض أول: تحرّكت الواو و انفتح ما قبلها فقبلت ألفا مثل قال، و قال بعض: أصله أهل لكن دخله الإبدال، و استدلّ عليه بعود الهاء في التصغير فيقال أهيل.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مشتقّة من الأول بمعنى التقدّم و ترتّب الغير عليه. و بلحاظ هذا المعنى تطلق على عدّة يرجع نسبهم أو عنوانهم أو طريقتهم أو دينهم الى شخص، فتضاف اليه، فيقال: آلُ‏ يعقوب، آلُ‏ النبىّ، آل فرعون، آل موسى.

و يختلف مفهومه سعة و ضيقا باختلاف هذه النسبة، و قد يتعيّن مفهومه بالقرائن كلاما أو مقاما أو خارجا.

فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ‏ فِرْعَوْنَ‏- 2/ 50.

أى من يتّبعه و يعينه.

وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ‏ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ‏- 7/ 130.

أى رعيّته التابعين له.

و كذلك من جهة سعة المفهوم:

كَدَأْبِ‏ آلِ‏ فِرْعَوْنَ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ+- 8/ 52.

فَقَدْ آتَيْنا آلَ‏ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ- 4/ 54.

و قوله تعالى: فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ‏ آلُ‏ مُوسى‏ وَ آلُ‏ هارُونَ‏ ...، إِنَ‏

177
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أو ص : 178

اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ‏ إِبْراهِيمَ وَ آلَ‏ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ‏ ...، وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى‏ آلِ‏ يَعْقُوبَ‏ ...، اعْمَلُوا آلَ‏ داوُدَ شُكْراً- 34/ 13.

و لا يبعد أن نقول: إنّ القدر المسلّم من مفهوم الآل، هو أهل بيت الرجل، ثمّ يوسّع بالقرائن فيطلق على ذوى قرابته ادعاء بانّهم من أهل بيته، ثمّ يوسّع فيطلق على مطلق الأتباع له، فالتوسعة محتاجة الى القرينة.

فإذا لم تكن قرينة في المورد: فيحمل على القدر المتيقّن.

أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ‏.

فالتصلية و التسليم و التحيّة و ذكرهم عقب ذكر الرسول (ص) قرائن لإختصاص الآل، و إن قلنا بفقدان القرائن و عدم دلالتها: فهم القدر المسلّم و المصداق المتيقّن، فَالْآلُ‏ المخصوص هم أهل الكساء الّذين عرّفهم رسول اللّه (ص).

فالقيد في مفهوم الأهل: هو الانس. و في الآل: هو الرجوع و الاتّكاء. و أمّا اشتقاق أحدهما عن الآخر: فغير معلوم.

نعم بين هذه الكلمات اشتقاق أكبر.

أو

الكافية- العاطفة: و أَوْ، و إمّا، و أم، لأحد الأمرين مبهما.

مصبا- أَوْ: لها معان- الشكّ و الإبهام نحو رأيت زيدا أو عمروا، و الفرق أنّ المتكلّم في الشكّ لا يعرف التعيين و في الإبهام يعرفه لكنّه أبهمه على السامع لغرض الإيجاز أو غيره. و الاباحة: نحو قُمْ‏ أَوْ اقْعُدْ، و له أن يجمع بينهما. و التخيير:

نحو خذ هذا أو هذا، و ليس له أن يجمع بينهما. و التفصيل: نحو كنت آكل اللحم أو العسل- و المعنى كنت آكل هذا مرّة و هذا مرّة.

المفصّل- و أو، و إمّا، و أم، لتعليق الحكم بأحد المذكورين، إلّا أنّ أو و إمّا

178
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 179

يقعان في الخير و الأمر و الاستفهام، نحو جاء زيد أو عمرو- إمّا زيد و إمّا عمرو، و اضرب رأسه أو ظهره- إمّا رأسه و إمّا ظهره، ألقيت عبد اللّه أو أخاه- إمّا عبد اللّه و إمّا أخاه. و أَمْ: لا تقع إلّا في الاستفهام إذا كانت متّصلة- أزيد عندك أم عمرو.

راجع مادّة- أم، إمّا.

كليا- و كونها بمعنى إلّا في الاستثناء راجع الى معنى التقسيم، لأنّها حينئذ ينصب المضارع بعدها بإضمار أن، كقوله لأقتلنّه أو يسلم- أى حاله منقسم الى القتل و الإسلام، و لمّا كان القتل في غير زمان الإسلام تولّد منه معنى الّا. و كذا كونها بمعنى إلى راجع الى معنى التقسيم أيضا، إذ هي كالّتى قبلها في انتصاب المضارع بعدها بأن مضمرة نحو لألزمنّك أو تقضيني حقّى، أى حالى معك منقسم الى الالتزام و قضاء الحقّ، و لمّا انتهى الالتزام عند قضاء الحقّ تولّد منه معنى الى.

و التحقيق‏

أنّه لا يخفى ما من التناسب بين هذه الكلمة و مادّة- أوب، أول، لفظا و معنى. فانّها تدلّ على تعليق الحكم بأحد الأمرين، و هذا عبارة اخرى عن إرجاع الحكم الى الثاني و جعله في مقام الأوّل، فكما أنّ الأمر الأوّل مبهم و مردّد فيه فكذلك يكون الثاني. فيؤول الإبهام و الشكّ اليه.

كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى‏ ...، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ ...، أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ‏ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ‏ ...، أَرْسَلْناهُ إِلى‏ مِائَةِ أَلْفٍ‏ أَوْ يَزِيدُونَ‏ ...، وَ إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى‏ هُدىً‏ أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏.

فالأصل الواحد في هذه الكلمة: هو التعليق بأحد المذكورين، و أمّا معنى الشكّ أو التشكيك أو الإبهام أو التفصيل أو التخيير أو الاباحة أو التسوية أو الإضراب أو غيرها: فإنّما يستفاد من القرائن الداخليّة و الخارجيّة.

و إذا وردت في كلام اللّه المتعال: فلا بدّ أن تحمل على معاني غير الشكّ و

179
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أولو ص : 180

 

التشكيك الممتنعان في حقّه تعالى، إلّا أن تكون على سبيل الحكاية أو ناظرة الى رأى المخاطب أو للتنزيل بمنزلة الشاكّ لحكمة.

أولو

كليا- أل: أُولُو بمعنى أصحاب، واحده ذو، و أولات واحدها ذات.

لسا- قال ابن سيده: و من خفيف هذا الباب [أَلْلٌ‏] أولو بمعنى ذوو، لا يفرد له واحد، و لا يتكلّم به إلّا مضافا، كقولك‏ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ و أُولُو كَرَمٍ، كأنّ واحده أل، و الواو للجمع، ألا ترى أنّها تكون في الرفع واوا و في النصب و الجرّ ياء، و قوله عزّ و جلّ: وَ أُولِي‏ الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏، قال أبو اسحق: هم أصحاب النبىّ (ص) و من اتّبعهم من أهل العلم، و قد قيل: إنّهم الامراء إذا كانوا أولى علم و دين و آخذين بما يقوله أهل العلم.

و التحقيق‏

أنّ يقال: إنّ هذه الكلمة مشتقّة من الاول بمعنى الرجوع، فهي كالآل إلّا أنّ الآل يستعمل في العقلاء، و أولو تستعمل منسوبة الى المعاني محسوسة أو معقولة- أُولِي‏ أَجْنِحَةٍ ...، أُولِي‏ الْأَيْدِي‏ ...، أُولاتُ‏ الْأَحْمالِ‏ ...، أُولاتِ‏ حَمْلٍ‏- أى ذوات أجنحة أو أيد أو أحمال أو حمل، و مصاحبات لها و متعلّقات بها و راجعات اليها.

أُولُوا الْأَلْبابِ+ ...، أُولُوا الْعِلْمِ‏ ...، أُولُوا الْقُرْبى‏ ...، أُولُوا الطَّوْلِ‏ ...، أُولُوا بَقِيَّةٍ ...، أُولُوا بَأْسٍ‏ ...، أُولُوا الْفَضْلِ‏ ...، أُولُوا الْعَزْمِ‏ ...، أُولُوا قُوَّةٍ ...، أُولِي‏ الْأَمْرِ+ ...، أُولِي‏ الضَّرَرِ ...، لِأُولِي‏ النُّهى‏+ ...، أُولِي‏ الْإِرْبَةِ.

أى مصاحبين لها.

و الفرق بين هذه الكلمة و كلمة ذوو: أنّ أولو تدلّ على شدّة المصاحبة، و لا تستعمل إلّا فيما كان متعلّقها متّصلا جزءا أو عضوا أو صفة أو حالة أو عملا لازما أو

 

180
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 180

شأنا من شئون الشخص أو مثلها. بخلاف كلمة ذوو فانّها أعمّ استعمالا، فقد يقال: ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ‏ ...، ذُو الْعَرْشِ+ ...، ذا مالٍ وَ بَنِينَ‏ ...، ذِي زَرْعٍ‏. و لا يقال أولو العرش، أولو المال.

أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي‏ الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏- 4/ 59.

أى من كان من شأنه الأمر و هو حقيق به حقيقة من جانب اللّه و من جانب رسوله، فلا يخالف أمره أمر اللّه و أمر رسوله حتى لا يتحقّق التنافي و التغاير في حكم الآية الكريمة.

فالآية لا تدلّ على إطاعة أمر من كان أمره بالقهر و الجور و التعدّى، و ليس صاحبه أهلا و حقيقا للأمر حقيقة، بل هو متكلّف متظاهر.

و ليعلم أنّ هذا القيد مأخوذ في جميع موارد استعمال هذه الكلمة، فتدّلّ على الاتّصاف الحقيقىّ و المصاحبة بلا تكلّف و لا تظاهر.

وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى‏- 4/ 8.

أى الّذين هم في المرتبة الكاملة الثابّتة من القرابة، و لا تعمّ مطلق الأقارب.

و هذا بخلاف قوله تعالى:

وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ ...، وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ ذِي الْقُرْبى‏ ...، فَآتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ‏ ...، قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏.

فتدلّ على عموم مصاديق الأقربين.

و لا يبعد أن تكون هذه الخصوصيّة و الشدّة في المصاحبة (في أولو دون ذوو) من جهة أنّه مشتقّ من مادّة أول الدالّ على الرجوع، فلا بدّ من تحقّق الرجوع من كلّ واحد من المضاف و المضاف اليه حقيقة الى الآخر.

181
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أولاء ص : 182

أولاء

كافيه- أسماء الاشارة ما وضع لمشار اليه، و هي خمسة: ذا للمذكّر و لمثنّاه ذان، و للمؤنّث تا و لمثنّاه تان، و لجمعهما أُوَلاءِ مدّا، و أُولِي‏ قصرا. و يلحقها حرف التنبيه. و يتّصل بها حرف الخطاب، و هي خمسة.

و التحقيق‏

أنّه يناسب تكون هذه الكلمة أيضا مشتقّة من مادّة أول، بمناسبة إرجاع المخاطب الى ما يشار اليه و توجيهه اليه، فهي تدلّ على الاشارة و الإرجاع.

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى‏ هؤُلاءِ وَ لا إِلى‏ هؤُلاءِ ...، رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا ...، ها أَنْتُمْ‏ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ‏ ...، أُولئِكَ‏ عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ+ ...، أَ كُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ‏ أُولئِكُمْ‏.

أوه‏

مصبا- آهِ‏ من كذا بالمدّ و كسر الهاء لإلتقاء الساكنين: كلمة تقال عند التّوجع، و قد تقال عند الإشفاق، و أَوَّهْ‏ بسكون الواو و بالكسر كذلك، و قد تشدّد الواو و تفتح و تسكن الهاء، و قد تحذف الهاء فتكسر الواو. و تَأَوَّهَ‏: توجّع، وزنا و معنى.

صحا- أَوْهِ‏: قولهم عن الشكاية: أوه من كذا، ساكنة الواو، و إنّما هو توجّع، و ربّما قلّبوا الواو ألفا فقالوا آه من كذا، و ربّما شدّدوا الواو و كسروها و سكّنوا الهاء و قالوا أوّه من كذا. و قد أَوَّهَ‏ الرجل تَأْوِيهاً و تَأوَّهَ تَأَوُّهاً: إذا قال أوّه. و الاسم منه‏ الْآهَةُ بالمدّ.

مفر- الْأَوَّاهُ‏: الّذى يكثر التَّأَوُّهُ، و هو أن يقول أوّه، و كلّ كلام يدلّ على‏

182
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 183

حزن يقال له التأوّه، و يعبّر بالأوّاه عمّن يظهر خشية اللّه تعالى. و قيل في قوله تعالى:

أَوَّاهٌ‏ مُنِيبٌ‏- أى المؤمن الداعي. و أصله راجع الى ما تقدّم.

لسا- ابن المظفّر: أوّاه‏ و أهّه إذا توجّع الحزين الكئيب فقال آهَ أو هَاهِ عند التوجّع، و أخرج نفسه بهذا الصوت ليتفرّج عنه بعض مآبه. و رجل‏ أَوَّاهٌ‏: كثير الحزن، و قيل هو الدعّاء الى الخير، و قيل الفقيه، و قيل المؤمن، و قبل الرحيم الرقيق.

و التحقيق‏

أنّ‏ آهِ‏ و نظائرها من أسماء الأصوات: و هي ألفاظ تخرج عن فم الشخص المتوجّع الحزين، و اختلاف الصيغ و الألفاظ إنّما يحصل باختلاف الحالات في الحزن و التوجّع، فبمقتضى كلّ حالة يظهر لفظ مخصوص من جهة الحركات و الحروف و المدّ و القصر.

ثمّ اشتقّ منها الفعل بالاشتقاق الانتزاعى كما في الجوامد.

فهذه المادّة إنّما تدلّ على التوجّع و الحزن ليست إلّا إِنَّ إِبْراهِيمَ‏ لَأَوَّاهٌ‏ حَلِيمٌ‏- 9/ 114.

إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ‏ أَوَّاهٌ‏ مُنِيبٌ‏- 11/ 75.

فانّ المؤمن العارف باللّه لا يزال متوجّعا في قبال قصوره و عجزه و فتوره، و حزينا لما يفوت عنه من وظائف العبوديّة للّه المتعال، و متألّما عمّا لا يقدّر أن يعبد كما ينبغي و يليق بعزّ جلاله و عظمته. فيدوم خضوعه و خشوعه، و لا يزال يدرك فقره و قصوره و ذلّه في نفسه.

و هذا المعنى من لوازم الحلم و الإنابة، فانّ الحلم هو طمأنينة النفس و سكونها بحيث لا يحركّها الغضب حتّى يحجّب العقل، و يضعف الإدراك و العمل الصالح. و الإنابة هو الرجوع الى اللّه المتعالي و التوجّه اليه و الانقطاع عن العلائق الماديّة، فإذا حصل الحلم و الانابة يتمكّن صاحبه من الحزن في نفسه، فهو أوّاه‏.

183
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أوى ص : 184

فَالْأَوَّاهُ‏ هو الّذى يظهر الحزن و التوجّع إمّا من جهة قصوره و إمّا بلحاظ الحبّ و الشوق أو بسبب وجود عوايق و علائق مادّيّة تمنع عن الوصول الى ما يحبّ و يريد و عن ادراك ما يتوجّه اليه.

و أمّا تقدّم الحليم في الآية الثانية: فبمناسبة مجادلته في تأخير العذاب عن قوم لوط. و تأخّره في الاولى: بمناسبة التبرّى عن أبيه بعد الاستغفار له.

أوى‏

مصبا- أَوَى‏ الى منزله يَأْوِي أَوْياً من باب ضرب: أقام، و ربّما عدّى بنفسه فقيل أوى منزله. و المأوى بفتح الواو: لكلّ حيوان سكنه. و آويت زيدا. و الْآيَةُ: العلامة، و الجمع آي و آيات. و الآية من القرآن: ما يحسن السكوت عليه. و الآية العبرة. قال سيبويه: العين واو و اللام ياء من باب شوى. و قال الفرّاء: الأصل آيية فحذفت الّلام تخفيفا.

صحا- أَوَىَ‏: الْمَأْوَى‏ كلّ مكان يأوي اليه شي‏ء ليلا أو نهارا. و قد أوى فلان الى منزله يَأْوِي أُوِيّاً على فعول و إِوَاءً. و قوله تعالى: سَآوِي‏ إِلى‏ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ. و آويته إيواءً.

مقر- أَوَى‏: المأوى مصدر أوى يأوى أويّا و مأوى، تقول- أوى الى كذا: انضمّ اليه. و آواه غيره يؤويه إيواء.

لسا- أَوَا: أويت منزلي و الى منزلي أُوِيّا و إِوِيّا، و أَوَّيْتُ و تَأَوَّيْتُ و اتّويت: كلّه عدت.

مقا- أَوَى‏: أصلان، أحدهما التجمّع، و الثاني الإشفاق. قال الخليل:

يقال أوى الرجل الى منزله و آوَى‏ غيره أويّا و إيواء، و يقال أوى إواء أيضا، و الاوىّ أحسن. و المأوى مكان كلّ شي‏ء يأوى اليه ليلا أو نهارا، و أوت الإبل الى‏

184
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 185

أهلها تأوى أويّا فهي آوية. قال الخليل: التأوّى التجمّع. يقال تأوّت الطير، إذا انضمّ بعضها الى بعض، و هنّ أوىّ و متأويّات. و الأصل الآخر: قولهم أويت لفلان آوى له مأوية: و هو أن يرقّ له و يرحمه.

و التحقيق‏

أنّ أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو القصد ابتداء أو عودا الى مقام ماديّا أو معنويّا بقصد السكنى و الاستقرار أو الاستراحة.

إِذْ أَوَى‏ الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ‏- 18/ 10.

أى قصدوا الكهف و ساروا اليه، ليستريحوا فيه و ليتخلّصوا من شرور الأعداء.

إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ- 18/ 63.

أى حين أن قصدناها للاستراحة.

سَآوِي‏ إِلى‏ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي‏- 11/ 43.

أى أسير اليه للتخلّص من الماء و للعصمة.

آوى‏ إِلَيْهِ أَخاهُ‏- 12/ 69.

أى دعاه ليجلسه عنده و يضمّه اليه و يجعله في كنفه.

هذا هو المعنى الحقيقي، و أمّا التجمّع و الإشفاق و الانضمام و الرقّة و الرحمة و العود و غيرها: فهي من لوازم هذا المعنى و تستفاد منها بالقرائن.

فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ‏ الْمَأْوى‏ ...، وَ مَأْواكُمُ‏ النَّارُ+ ...، وَ مَأْواهُ‏ جَهَنَّمُ+ ...، وَ مَأْواهُمُ‏ النَّارُ+.

فانّ‏ مَنْ طَغى‏ عن سبيل الحقّ‏ وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا على الحيوة العليا و اتّخذ من دون اللّه أربابا و نسى لقاء اللّه: فانّ مقصده و مأواه ليس إلّا الجحيم و لا يرى مأوى له إلّا النار و لا يجد مقاما للاستراحة إلّا جهنّم‏ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ+.

و هذا الْمَأْوَى‏ اختياره بسوء نظره، كما أنّ الحيوة الدنيا في هذه النشأة المادّيّة

185
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

آية ص : 186

 

إنّما تحقّقت و اختيرت بسوء انتخابه و اختياره، فهو لا يحبّ سواه و لا يريد غيره و لا يختار إلّا النار و لا يسير إلّا اليه.

أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ‏- 9/ 109.

آية

مقا- أَيِيَ: و أصل آخر و هو التعمّد، يقال: تَآيَيْتُ‏ على تفاعلت، و أصله تعمّدت آيته و شخصّه. قالوا و أصل آية: أءية بوزن أعية، مهموز همزتين فخفّفت الأخيرة. قال سيبويه: موضع العين من الآية واو، لأنّ ما كان موضع العين منه واوا و الّلام ياء اكثر ممّا موضع العين و الّلام منه ياءان. قال الأصمعىّ: آية الرجل شخصه. قال الخليل: خرج القوم بآيتهم أى بجماعتهم، و منه آية القرآن لأنّها جماعة حروف، و الجمع آي و إِيَاةُ الشمس ضوءها، و هو من ذاك لأنّه كالعلامة.

لسا- قال ابن برى: لم يذكر سيبويه أنّ عين آية واو، و انّما قال أصلها ياء و هو أيّة، فأبدلت الياء الساكنة ألفا.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مأخوذة من مادّة أوى يأوى بمعنى التوجّه و القصد الى مقام ليستريح فيه، فهي على وزان فعلة، و هذه المادّة كثير استعمالها من اليأى [أيى‏] و إن كان معناه قريبا منها و هو التعمّد.

فالآية ما يكون موردا للتوجّه و القصد الى المقصود و وسيلة للوصول بها اليه، و هذا المعنى منظور في جميع موارد استعمالها.

وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ‏ اللَّهِ هُزُواً- 2/ 231.

فهي كلّ ما يكون موردا للقصد و التوجّه للوصول الى اللّه تعالى و معرفته.

 

186
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 186

تِلْكَ‏ آياتُ‏ الْكِتابِ+ 10/ 1.

أى آيات من الكتاب الّذى عند اللّه تعالى من الحقائق و المعارف و العلوم الثابتة، و هو الكتاب المبين و الكتاب الحكيم، و القرآن المبين- تِلْكَ‏ آياتُ‏ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ‏ فانّ ذلك الكتاب باعتبار الضبط كتاب و باعتبار قرائته قرآن. راجع الكتاب و القرآن.

و اطلاق كتاب و القرآن على هذه المجموعة باعتبار أنّها مظهر تامّ و مصداق كامل و مرتبة نازلة جامعة منه، و هي في الحقيقة آيات منه.

ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ‏ الْآياتِ‏ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ‏ ...، تِلْكَ‏ آياتُ‏ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ+ ...، قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ‏ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ‏ ...، وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ‏ آياتٍ‏ بَيِّناتٍ‏ ...، تِلْكَ‏ آياتُ‏ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ‏ ...، يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ‏ آياتِ‏ رَبِّكُمْ‏ ...، رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ‏ آياتِ‏ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ‏ ...، كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ‏.

فأطلقت الآيات على مجموع أجزاء القرآن.

بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ...، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ‏ ...، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ‏ ...، الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ‏.

فتدلّ على أنّ القرآن مرتبة نازلة من اللوح و الكتاب المكنون.

لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ‏ ...، ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ...، كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ‏ ...، وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ‏ ...، كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ‏ ...، إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ+ ...، كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً+.

فتدلّ على أنّ الكتاب المبين و أمّ الكتاب هو الّذى عند اللّه تعالى.

وَ إِنْ يَرَوْا كُلَ‏ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها+- 6/ 25.

كلّ آية تكوينيّة أو تشريعيّة.

هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ‏ آيَةً+- 7/ 73.

يتوجّه اليها و يسلك بها الى اللّه تعالى.

187
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أى ص : 188

أىّ‏

مقا- أيي‏: أصل واحد و هو النظر، يقال تَأَيَّى يَتَأَيَّى تَأَيِّياً: تمكّث.

تَأَيَّيْتُ‏ الأمر: انتظرت إمكانه. و أصل آخر و هو التعمّد، تَآيَيْتُ: تعمّدت.

صحا- أيا: و أَيٌ‏ اسم معرب يستفهم بها، و يجازى، فيمن يعقل و فيما لا يعقل، تقول‏ أَيُّهُمْ‏ أخوك، و أيّهم يكر منى أكرمه و هو معرفة للإضافة، و قد تترك الاضافة و فيه معناها. و قد يكون بمنزلة الّذى فيحتاج الى صلة تقول أيّهم في الدار أخوك. و قد يكون نعتا- مررت برجل أىّ رجل، و قد يتعجّب بها. قال الفرّاء: أىّ يعمل فيه ما بعده و لا يعمل فيه ما قبله. و إذا ناديت اسما فيه الألف و اللام أدخلت بينه و بين حرف النداء: أَيُّهَا فتقول يا أيّها الرجل، فأىّ اسم مبهم مفرد معرّفة بالنداء مبنىّ على الضمّ، و ها حرف تنبيه و هي عوض ممّا كانت أىّ تضاف إليه، و ترفع الرجل لأنّه صفة أىّ. و قد تدخل على أىّ الكاف فينقل الى تكثير العدد بمعنى كم في الخبر، و تكتب تنوينه نونا، نحو كأيّن رجلا لقيت، تنصب ما بعده على التمييز. و أى و أيا من حروف النداء في القريب، و الثاني في البعيد أيضا. و أى كلمة تتقدّم التفسير. و إي كلمة تتقدّم القسم و معناها بلى.

مصبا- أَيٌ‏: تكون شرطا و استفهاما و موصولة، و هي بعض ما تضاف اليه، و ذلك البعض مبهم مجهول، و تزاد ما، عليها نحو أَيُّمَا إهاب دبغ فقد طهر. و الاضافة لازمة لها لفظا أو معنى، و هي مفعول إن أضيفت اليه، و ظرف زمان أو مكان إن أضيفت اليهما. و الأفصح استعمالها في الشرط و الاستفهام بلفظ واحد للمذكّر و المؤنّث- فَأَيَ‏ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏. و الأحسن في الموصولة كذلك.

لسا- أَيَّا: و تَأَيَّا أى توقّف و تمكّث، تقديره تعيّا، و يقال قد تأيّيت على تفعّلت أى تلبّثت و تحبّست. و يقال ليس منزلكم بدار تئيّة أى بمنزلة تلبّث و تحبّس.

188
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 189

و التحقيق‏

أنّ كلمة أىّ مأخوذة من هذه المادّة، و الإبهام يناسب التلبّث و التمكّث و التحبّس، فانّ المتكلّم يتلبّث و يتمكّث في إظهار مراده و لا يحبّ التصريح به لأىّ غرض كان.

ثمّ إنّ المعنى الحقيقىّ لهذه الكلمة: هو الأمر المطلق و الشي‏ء المبهم، و هذا المعنى يتقيّد بقيود مختلفة باختلاف الموارد و القرائن الحاليّة و المقاميّة و الكلاميّة، من الشرط و الاستخبار و الصلة و غيرها، فهي قابلة لأن تكون وسيلة للاستفهام أو للشرط أو للموصول أو للتّعجّب، بأن تقع في كلّ من هذه الموارد و المقامات، و ليست هذه المعاني جزءا من مفهومها:

فَبِأَيِ‏ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ+ ...، فَبِأَيِ‏ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى‏ ...، فَأَيَ‏ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏.

تدلّ على الاستفهام بلحن الكلام.

أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏.

أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ‏- 28/ 28.

تدلّ على الشرط و الجزاء باللحن و القرينة المقاليّة.

ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ‏ أَشَدُّ ...، لا تَدْرُونَ‏ أَيُّهُمْ‏ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً.

فقد وقعت في مقام يقتضى أن تكون موصولة بمعنى الّذى هم أشدّ.

أَيُّهَا النَّاسُ+ ...، أَيُّهَا الَّذِينَ+ ...، يا أَيُّهَا النَّبِيُّ+ ...، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ+ ...، يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ...، يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ‏.

فقد وقعت‏ أيٌ‏ موصولة مع ها للتنبيه بين يا حرف النداء و المنادى المعرّف بالّلام: للدلالة على التعظيم و التفخيم للمنادى أو لتفخيم الموضوع أو للتنبيه على أهميّة الحكم، أو لجلب التوجّه أو غيرها.

وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ‏- 24/ 31.

189
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

إيا ص : 190

 

في نثر المرجان، قال الداني: و كلّ شي‏ء في القرآن من ذكر أيّها فهو بالألف إلّا ثلثة مواضع، أوّلها في النور، و إنّما حذف الألف لالتقاء الساكنين و هما الألف و اللام بعدها.

يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ...، أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ‏.

قد ذكرت مؤنثّة في الموردين- إشارة الى التعيين و التثبيت الكامل، و توجيه المخاطب و تنبيهه على الحكم.

إيّا

شرح الرضى- الضمائر: و اختلف النحاة فقال سيبويه و الخليل و الأخفش و المازني و أبو على: إنّ الاسم المضمر هو إيّا، إلّا أنّ سيبويه قال: ما يتّصل به بعده حرف يدلّ على أحوال المرجوع اليه من التكلّم و الغيبة و الخطاب، لما كان‏ إيّا مشتركا كما هو مذهب البصريّين في التاء الّتى بعد أن في أنت، و قال الآخرون: ما يتّصل به أسماء أضيفت‏ إيّاه‏ اليها، و هو ضعيف لأنّ الضمائر لا تضاف و قال بعض الكوفيّين و ابن كيسان من البصريّين: إنّ الضمائر هي اللاحقة بإيّا و إيّا دعامة لها ليصير بسببها منفصلة، و ليس هذا القول ببعيد من الصواب.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مأخوذة من مادّة أىّ بمعنى التعمّد و التلبّث و التمكّث، و لمّا كان المفعول بالنسبة الى الفعل و الفاعل متأخّرا في الرتبة و الذكر و التفهيم و التفاهم: فناسب أن يتّصل ضميره الراجع اليه، لفظ يدلّ على التأخّر و التلبّث حتى يتوجّه المخاطب بالكلام الى المقصود، و هذا بخلاف الفاعل المتّصل بالفعل الملازم له على أىّ حال لازما أو متعديّا.

 

190
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أى، إي ص : 191

 

إِيَّاكَ‏ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ‏ نَسْتَعِينُ‏ ...، فَإِيَّايَ‏ فَاعْبُدُونِ‏ ...، إِنْ كُنْتُمْ‏ إِيَّاهُ‏ تَعْبُدُونَ+ ...، نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ‏.

أى، إي‏

صحا- أَيَا: و أيا من حروف النداء ينادى بها القريب و البعيد، تقول أيا زيد أقبل. و أي‏ مثال كى، حرف ينادى بها القريب دون البعيد، تقول‏ أَي‏ زيد أقبل، و هي أيضا كلمة تتقدّم التفسير، تقول أى كذا بمعنى يريد كذا. كما انّ إي بالكسر كلمة تتقدّم القسم معناها بلى، تقول‏ إِي وَ رَبِّي‏، إي و اللّه.

كافيه- حروف النداء، الإيجاب: أَيَا و هيا للبعيد، و أى و الهمزة للقريب. نعم و بلى و إِي‏ و أجل، فنعم مقرّرة لما سبقها. و بلى مختصّة بإيجاب النفي.

و إي إثبات بعد الاستفهام و يلزمها القسم.

المغني- إِي‏: حرف جواب بمعنى نعم. فيكون لتصديق المخبر و لإعلام المستخبر و لوعد الطالب، فتقع بعد قام زيد، و هل قام زيد، و اضرب زيدا، كما تقع نعم بعد هنّ. و زعم ابن الحاجب: إنّها إنّما تقع بعد الاستفهام نحو- وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ‏ إِي‏ وَ رَبِّي‏، و لا تقع عند الجميع إلّا قبل القسم.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمات حروف تدلّ على معاني في متعلّقاتها، من احداث معاني النداء و الإيجاب و التفسير في مدخولاتها، و ليس ببعيد أن نقول: إنّ الواضع حين وضعها كان متوجّها الى مادّة أوى- أيى، لوجود المناسبة بين تلك الموادّ و هذه الكلمات لفظا و معنى كما لا يخفى.

فانّ التعمّد و القصد في النداء، و كذا في التفسير، ظاهر. و أمّا الإيجاب:

 

191
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أيد ص : 192

 

فهو ايضا تعيين أحد طرفى القضيّة و قصده بعينه.

أيد

صحا- أَيْدٌ: آدَ الرجلُ‏ يَئِيدُ أَيْداً: قوى و اشتدّ. و الأيد و الأءد: القوّة.

و أَءْيَدْتُهُ فهو مُؤْيَد، و أَيَّدْتُهُ تأييدا: قوّيّته، و الفاعل مؤيّد. و تأيّد الشي‏ء: تقوّى و رجل أَيِّدٌ: قوىّ.

مقا- أَيْدٌ: أصل واحد يدلّ على القوّة و الحفظ، يقال: أيدّه‏ اللّه أى قوّاه اللّه. قال اللّه تعالى: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ، فهذا معنى القوّة. و أمّا الحفظ فالإياد:

كلّ حاجز الشّي‏ء يحفظه.

و التحقيق‏

في موارد استعمال المادّة أنّ الأصل الواحد فيها: هو القوّة الواصلة من الخارج و من آثاره الحفظ و المصونيّة، و قد يكون الحفظ نوع تأييد و تقوية.

أَيَّدْتُكَ‏ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏ ...، وَ أَيَّدْناهُ‏ بِرُوحِ الْقُدُسِ+ ...، أَيَّدَهُمْ‏ بِرُوحٍ مِنْهُ‏.

و هو التوجّه المخصوص و نفخ روح قدسىّ منه، يتقوّى به الإنسان و تتنّور النفس و تطمأنّ و تستقيم فيما امر.

فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ‏ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها- 9/ 40.

أيّدهم اللّه تعالى بالملائكة أو بقوى روحانيّة توجب الطمأنينة و الثبات و يدركوا حقيقة- لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلىّ العظيم.

وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ 38/ 17.

ذا قوّة روحانيّة شديدة.

راجع- داود، الروح، القدس.

 

192
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أيك ص : 193

 

و ليعلم أنّ القوّة الروحانيّة من أعظم القوى و بها ينال الإنسان أىّ مقصد يريد، كيف و هي من جانب اللّه القادر المتعال.

وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ، و لا ولىّ له.

أيك‏

مقا- أَيْكٌ‏: أصل واحد، و هو اجتماع شجر. قال الخليل: الْأَيْكَةُ غيضة تنبت السدرّ و الأراك، و يقال أيّكة و تكون من ناعم الشجر. و قال أصحاب التفسير: كانوا اصحاب شجر ملتفّ- كذّب أصحاب الأيكة. قال أبو زياد:

الأيكة جماعة الأراك. قال الأخطل: من النخيل.

مصبا- الأيك شجر، و الواحدة أيكة، و يقال من الأراك.

مسالك الممالك: و تبوك بين الحجر و بين أوّل الشام على أربع مراحل نحو نصف طريق الشام، و هو حصن به عين و نخيل و حائط ينسب الى رسول اللّه (ص)، و يقال إنّ أصحاب‏ الأَيْكَةِ الّذى بعث اليهم شعيب كانوا بها و لم يكن شعيب منهم، و انّما كان من مدين. و مدين على بحر القلزم (اى البحر الأحمر) محاذية لتبوك على نحو من ستّ مراحل و هي اكبر من تبوك، و بها بئر استقى منها موسى (ع) لسائمة شعيب، و رأيت هذه البئر مغطّاة قد بنى عليها بيت.

و التحقيق‏

أنّ الأيكَة: هي الأشجار المتكاثرة الملتفّة و الغيضة: الّتى فيها تلك الأشجار.

و هذا المعنى ينطبق على مدينة مدين و ما حولها من جانب الشمال الغربىّ من أرض الحجاز من سواحل البحر الأحمر قريبة من جبال تهامه و غيرها، و هي واقعة في محاذاة تبوك غربا.

 

193
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 193

و لا يخفى أنّ هذه الأراضى في مجاورة صحراء سيناء، و الفاصل بينهما منتهى البحر الأحمر ثمّ خليج العقبة و طول الخليج كما قال في تاريخ سيناء لنعوم بك: خليج العقبة الّذى يحدّ سيناء الجنوبيّة من الشرق، فطوله من رأس محمّد الى قلعة العقبة نحو مائة ميل و عرضه من سبعة أميال الى اربعة عشر ميلا.

و يقول ص 202: و معلوم أنّ العقبة مركز وسطىّ هامّ تتفرّع منها الطرق برّا و بحرا الى بلاد العرب و سوريا و سيناء و مصر و غيرها، و أهمّ طرقها البرّيّة الى بلاد العرب: درب الحجّ المصرىّ.

و لا يبعد أن يكون مسير موسى عليه السّلام من مصر الى مدين، ثمّ من مدين مع زوجته الى سيناء من هذه الطريق- فَلَمَّا قَضى‏ مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ... الآية.

وَ إِنْ كانَ أَصْحابُ‏ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ‏- 15/ 78.

كَذَّبَ أَصْحابُ‏ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ‏- 26/ 176.

وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ‏ الْأَيْكَةِ- 38/ 13.

وَ أَصْحابُ‏ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ‏- 50/ 14.

فهذه الآيات تدلّ على امور: الأوّل أنّ الأيكة قد أرسل اليها شعيب و غيره من المرسلين- كَذَّبَ أَصْحابُ‏ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَ لا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ‏.

الثاني- أنّ‏ الأَيْكَةَ يراد منها أراضى فيها أشجار كثيرة و هي معيّنة، و تنطبق على مدين بقرينة قوله تعالى:

وَ إِلى‏ مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً+ ...، وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ‏ ...، وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ‏.

راجع مدين و شعيب و بحر.

194
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أيم ص : 195

 

أيم‏

مصبا- الأَيِّمُ‏: العزب رجلا كان أو امرأة، قال الصغانىّ: و سواء تزوّج من قبل أو لم يتزّوج، فيقال رجل‏ أَيِّمٌ‏ و امرأة أيّم، و يقال أيضا أيّمة للأنثى. و آم يئيم و الأيمّة اسم منه، و تأيّم: مكث زمانا لا يتزوّج. و الحرب مأيمة لأنّ الرجال تقتل فيها و تبقى النساء بلا أزواج. و رجل أيمان ماتت امرأته، و امرأة أيمى مات زوجها، و الجمع فيهما أيامى مثل سكران و سكرى و سكارى.

صحا- أيم: الأَيَامَى‏ الّذين لا أزواج لهم من الرجال و النساء، و أصلها أيايم فقلبت، لأنّ الواحد رجل آيم سواء كان تزوّج من قبل أو لم يتزوّج، و امرأة آيم أيضا بكرا كان أو ثيّبا، و قد آمت المرأة من زوجها تئيم أيما. و الأيم: الحيّة، و أصله أيّم فخفّف مثل ليّن و لين، و الجمع أيوم. و الإيام: الدخان، و الجمع أيم.

مقا- أَيِّمٌ‏: ثلاثة اصول متباينة: الدخان، و الحيّة، و المرأة الّتى لا زوج لها.

قال الخليل: الإِيَامُ‏ الدخان. قال الأصمعىّ: آم الرجل يؤوم إياما: دخن على الخليّة ليخرج نحلها فيشتار (فيستخرج) عسلها. فهو آيم. و أمّا الثاني- فالأيم من الحيّات الأبيض. و الثالث- الأيّم: المرأة لا بعل لها و الرجل لا زوجة له.

لسا- أوم: الأِوَامُ‏ بالضمّ العطش و قيل حرّه، و قيل شدّة العطش و أن يضجّ العطشان. و قد آم يئوم أوما، و الإيام: الدخان، و الجمع ايم، ألزمت عينه البدل لغير علّة. و هذه الكلمة واويّة و يائيّة، و هي من الياء بقرينة قولهم آم يئيم، و من الواو بقرينة قولهم يؤوم أوما.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها هو الاضطراب و التقلّب بلا سكن له، و باعتبار هذا المعنى يطلق على الحيّة لتململها، و على الدخان لتطويه، و على العزب إذا كان مضطربا

 

195
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أين ص : 196

و متقلّبا لا سكن له، من‏ التَّأَيُّمُ‏. فالأَيِّمُ‏ هو الرجل أو المرأة بلا زوج لا مطلقا بل بقيد الاضطراب و التشوّش.

و باعتبار هذا القيد قد أمر اللّه تعالى بالإنكاح لرفع اضطرابهم و إصلاح حالهم و تمكينهم ليصيروا مطمئنّين.

وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ‏- 24/ 32.

و من هذا الأصل: اطلاق الواوىّ على العطشان إذا ضجّ.

أين‏

مقا- أَيْنَ‏: يدلّ على الإعياء و قرب الشي‏ء. أمّا الأوّل‏ فالأَيْنُ‏ الإعياء، و يقال لا يبنى منه شي‏ء (فعل)، و قد قالوا آن يئين أينا. و أمّا القرب: فقالوا آن يئين أينا. و أمّا الحيّة الّتى تدعى الأين: فذلك إبدال و الأصل الميم.

مصبا- آن يئين أينا مثل حان وزنا و معنى، فهو آئن، و قد يستعمل على القلب فيقال أنى يانى مثل سرى يسرى، و في التنزيل: أَ لَمْ‏ يَأْنِ‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا. و آنَ‏ يَئِينُ‏ أَيْناً: تعب فهو آئن. و اين: ظرف مكان يكون استفهاما، فإذا قيل أين زيد لزم الجواب بتعيين مكانه. و يكون شرطا أيضا و يزاد ما فيقال أينما تقم أقم. و أَيَّانَ في تقدير فعّال، و جاز أن يكون في تقدير فعلان، و هو سؤال عن الزمان، و هو بمعنى متى و أىّ حين، و في أين و أيّان عموم البدل، و هو نسبة الى جميع مدلولاته لا عموم الجمع إلّا بقرينة.

صحا- أَيْنَ‏: لا يبنى منه فعل، و قد خولف فيه، و الأَيِّنُ‏: الحيّة مثل الأيم.

و آن أينك. و آن آنك: حان حينك، و آن لك أن تفعل كذا يئين أينا: حان، مثل‏ أَنَّى لَكِ+ و هو مقلوب منه. و أين سؤال عن مكان، و أيّان معناه أىّ حين و هو سؤال عن زمان مثل متى- أَيَّانَ‏ مُرْساها+. و الآنَ اسم للوقت الّذى أنت فيه، و هو اسم غير

196
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 197

متمكّن وقع معرفة، و لم تدخل عليه الألف و الّلام للتعريف.

لسا- آن الشي‏ء أينا: حان، لغة في أنى، و ليس بمقلوب عنه لوجود المصدر. و قالوا الآن فجعلوه اسما لزمان الحال.

كليا- أَيَّانَ‏: يسأل به عن الزمان المستقبل، و لا يستعمل إلّا فيما يراد تفخيم أمره و تعظيم شأنه، نحو أَيَّانَ‏ يَوْمُ الْقِيامَةِ.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو القرب بعد التعب و الكلّ و العجز، فمعنى الإعياء محفوظ في ضمن القرب، يقال آن له الأمر أى قرب الأمر و اختتم زمان التعب و انتهى الكلّ و العجز، و إطلاقها على معنى الإعياء باعتبار انقضائه و قرب النجاة.

و هذه الخصوصيّة منظورة في جميع مشتقّات هذه المادّة، مع اعتبار خصوصيّات اخر في كلّ صيغة بحسب هيئتها. و بلحاظ هذه الخصوصيّة تمتاز هذه المادّة عن مادّة- أون، أنى، قرب، تعب.

أين: أَيْنَ‏ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ+ ...، يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ‏ الْمَفَرُّ ...، فَأَيْنَ‏ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ ...، أَيْنَ‏ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ‏.

ففي هذه الآيات الكريمة يسأل عن الشركاء و الطريقة المنجية بعد ابتلائهم و ضلالتهم و انحرافهم و تعبهم.

أيّان: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ‏ مُرْساها+ ...، وَ ما يَشْعُرُونَ‏ أَيَّانَ‏ يُبْعَثُونَ+ ...، يَسْئَلُونَ‏ أَيَّانَ‏ يَوْمُ الدِّينِ‏ ...، يَسْئَلُ‏ أَيَّانَ‏ يَوْمُ الْقِيامَةِ.

و في هذه الآيات الشريفة يسأل عن الساعة و يوم البعث و القيامة بعد أن طال انتظارهم و امتدّ تحيّرهم و ضلالهم و اشتدّ جهلهم و انكارهم، فالسؤال واقع عنها في هذه الموارد.

197
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أيوب ص : 198

و لمّا كانت كلمة أيّان مشددة و زائدة فيها الألف: فتكون فيها زيادة معنى، فيسأل بها عمّا يكبر و يبعد في أنظارهم، فانّ القيامة ليست تحت اختيارهم حتّى يختاروها لأنفسهم كالشركاء و المفرّ.

ثمّ إنّ الإعياء و التعب محفوظ في جمع هذه الموارد أيضا.

أينما: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ‏ ...، أَيْنَ‏ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ‏ ...، ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ‏ ما ثُقِفُوا ...، أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ‏ ...، وَ هُوَ مَعَكُمْ‏ أَيْنَ‏ ما كُنْتُمْ‏ ...، وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ‏ ما كُنْتُ‏.

أى فعلى أىّ حال و بأىّ تعب و مشقّة تكلّفتم و تحمّلتم، فلا مناص من هذه الأمور، و لا يبقى لكم إلّا الإعياء.

و قد زيدت حرف ما في هذه الموارد للدلالة على المبالغة و التأكيد.

الآن: الْآنَ‏ جِئْتَ بِالْحَقِ‏ ...، فَالْآنَ‏ بَاشِرُوهُنَ‏ ...، إِنِّي تُبْتُ‏ الْآنَ‏ ...، الْآنَ‏ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ‏ ...، آلْآنَ‏ وَ قَدْ عَصَيْتَ‏ ...، الْآنَ‏ حَصْحَصَ الْحَقُ‏ ...، فَمَنْ يَسْتَمِعِ‏ الْآنَ‏ يَجِدْ لَهُ شِهاباً ...

أى بعد التكلّف و التعب و أعمال اخر.

ثمّ إنّ كلمة آن تدلّ على القريب من الزمان و هو زمان الحال، و هذا المعنى عامّ يشمل جميع الحالات باختلاف الأشخاص، فالألف و اللّام للتعريف و لتقييدها بزمان التكلّم لمن يتكلّم أى زمان حاله، و جمعها آنات، فيقال ما فعلت في آن من الآنات.

و أمّا ورود أين و أيّان للشرط و الجزاء: فإنما يستفاد بقرائن حاليّة أو مقاليّة، كما قلنا في كلمة أىّ، و ليس جزءا من مفهومهما.

أيّوب‏

قم- أَيُّوبُ‏: التائب و الراجع الى اللّه.

سفر أَيُّوبُ‏- الإصحاح الأوّل- كان رجل في أرض عوص، اسمه ايّوب،

198
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

أيوب ص : 198

و كان هذا الرجل كاملا و مستقيما يتّقى اللّه و يحيد عن الشرّ، و ولد له سبعة بنين و ثلاث بنات، و كانت مواشيه سبعة آلاف من الغنم و ثلثة آلاف جمل و خمس مائة فدّان بقر و خمس مائة أتان و خدمه كثيرين جدّا، فكان هذا الرجل أعظم كلّ نبى المشرق ... و

قال‏ عريانا خرجت من بطن أمّي و عريانا أعود.

المعارف- أيّوب عليه السّلام- قال وهب: هو أيّوب بن موص بن رغويل. و كان أبوه ممّن آمن بإبراهيم يوم أحرق. و كان أيّوب في زمن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم، و كان صهره، و كانت تحته بنت ليعقوب يقال لها إليا، و هي الّتى ضربها بالضغث، و كانت أمّ أيّوب ابنة لوط النبىّ (ص)، و كانت له البثنيّة بالشام.

مسالك الممالك ص 65- و حوران و البثنيّة هما رستاقان عظيمان من جند دمشق مزارعهما مباخس و هناك بصرى.

المروج- هو أيّوب بن موص بن رزاح بن رعوايل بن عيص بن اسحق، و ذلك ببلاد الشام من أرض حوران و البثنيّة من بلاد دمشق و الجابية، و كان كثير المال و الولد، فابتلاه اللّه في نفسه و ماله و ولده فصبر و ردّ اللّه عليه ذلك، و مسجده و العين الّتى اغتسل منها في وقتنا هذا و هو سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة مشهوران ببلاد نوى الجولان فيما بين دمشق و طبريّة من بلاد الأردن، و هذا المسجد و العين على ثلاثة أميال من مدينة نوى.

أقول: حوران قطعة من سوريّة بجنوب دمشق و الجهة الشمالىّ الشرقىّ من فلسطين، و في هذه القطعة جبال جولان و قنيطره و جبال دروز و الجابية.

مسالك الأبصار ص 216- قبر أيّوب (ع) بقرية تعرف بدير أيّوب من أعمال نوى، كان بها أيّوب (ع) و بها ابتلاه اللّه عزّ و جلّ و بها العين الّتى ركضها برجله، و الصخرة الّتى كان عليها.

المشتبه للذهبى: نوى- من حوران و النسبة اليها نواوى.

قم- عوص: و أمّا أرض عوص و هي وطن أيّوب الصابر، و قد سمّيت‏

199
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 200

باسم عوص بن أرام، و ذكرت قرينة مع مصر و فلسطين و غزّه و غيرها في إرميا في 25/ 20، و اختلف العلماء في محلّها.

المعرّب- ص 14- قال ابو على: و قياس همزة أيّوب أن تكون أصلا غير زائدة لأنّه لا يخلو أن يكون فيعولا أو فعوّلا، فان جعلته فيعولا كان قياسه- لو كان عربيّا- أن يكون من الأوب، مثل قيّوم و يمكن أن يكون فعّولا متل سفّود و كلوب.

و التحقيق‏

أنّى لم أجد مادة هذه الكلمة في اللغات العبريّة، و بعيد أن تكون عربيّة لعدم جريان اللغة العربية بذلك العهد في تلك المدن، و قد ضبطت هذه الكلمة في السفر العبرى بهذه الصورة- أيّوب.

و لا يبعد ان تكون مأخوذة من مادّة ياءب، بمعنى حنّ و رغب و اشتاق.

أو من مادّة أيّبوب، بمعنى البكا و العويل. و ايبب، بمعنى ناح و ندب، كما في قع.

و لا يخفى أنّ المعنى الأخير أشدّ مناسبة بحاله (ع). و لعلّ [قسم‏] قد أخذها من مادّة أوب العربيّة، و هو باطل.

فقد اتّضح أصل هذه المادّة لفظا و معنى، و أمّا مسكنه (ع) فالمقطوع المتيقّن أنّه كان ساكنا في بلاد حوران من جنوب سوريّة و كان رسولا اليهم و نافذا فيهم.

وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ عِيسى‏ وَ أَيُّوبَ‏ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ‏- 4/ 163.

قد عدّ و ذكر أيّوب في رديف هؤلاء المرسلين من أعاظم الأنبياء، من جهة الوحى اليهم.

وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ‏ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى‏ وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي‏

200
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 200

الْمُحْسِنِينَ‏- 6/ 84.

أى من ذرّية نوح، فقد ذكر (ع) في رديف هؤلاء الأنبياء فيشمله عموم- كُلًّا هَدَيْنا ...، نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ‏ ...، كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ ...، كلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ‏- 84- 85- 86.

وَ أَيُّوبَ‏ إِذْ نادى‏ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ- 21/ 83.

هذه الآية الكريمة تؤيّد معنى البكاء و العويل و الندبة المفهومة من كلمة أيّوب.

وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ‏ إِذْ نادى‏ رَبَّهُ‏ ... إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ‏ أَوَّابٌ‏- 38/ 41.

فقد أثبت له في هذه الآيات الكريمة أكرم المقامات و أعزّ الصفات و أعلى المراتب، و هي مقام العبوديّة الخالصة، و مقام الصبر و الاستقامة، و مقام التوجه الى اللّه المتعال.

هذا آخر باب الهمزة. و الحمد للّه الّذى أنعمنا، و وفّقنا لهذه الخدمة، و ما التوفيق إلّا من عنده، و نسأل حضرته أن يؤيّدنى و يوفّقنى في إتمام هذا الكتاب، و أن يلهمني ما هو الحقّ، و منه أستمدّ و استعين، و لا حول و لا قوّة الّا باللّه العلىّ العظيم، نِعْمَ الْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ.

و قد انتهت الكتابة و التأليف الى هنا بيد مؤلّفها الفقير الى اللّه المتعال في الخامس من شهر الصيام من سنة 1394 الهجريّة 31/ 6/ 53 هجرى شمسي- بطهران حسن المصطفوى.

201
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

باب حرف الباء ص : 203

 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ+

باب حرف الباء

الباء:

من الحروف الجارّة، و تدلّ على الربط، اى ربط حكم ما قبلها بمدخولها، و يختلف هذا الربط باختلاف الموارد، فقد يتحقّق هذا الربط بالإلصاق، نحو بزيد داء و مررت‏ بزيد. أو بالسببيّة و المساعدة نحو كتبت‏ بِالْقَلَمِ‏، أو بالمصاحبة، أو بالظرفيّة، أو بالمقابلة، أو بالتعدية، أو بالأخذ، أو بالتأكيد، أو غيرها.

فالأصل الواحد فيها هو الربط، و اختلاف المعاني إنّما يحصل من جهة اختلاف الموارد و الأفعال و الموضوعات. و الحاصل أنّ معنى الربط يختلف باختلاف الأحكام و الموضوعات، ففي كلّ مورد بحسبه.

جادِلْهُمْ‏ بِالَّتِي‏ هِيَ أَحْسَنُ‏.

فكيفيّة الربط هنا إنّما يتحصّل بالسببيّة.

يَدْعُونَ رَبَّهُمْ‏ بِالْغَداةِ+.

فربط الدعوة و الغداة إنّما يتحقّق بالظرفيّة.

رَبِّ انْصُرْنِي‏ بِما كَذَّبُونِ+.

 

203
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بابل ص : 204

 

فربط نصرته و التكذيب ليس إلّا بالمقابلة.

فهذه المعاني المختلفة إنّما هي خصوصيّات و كيفيّات لمعنى الارتباط، لا أنّها معاني مستقلّة ممتازه.

بابل‏

المراصد- بَابِلُ‏: بكسر الباء اسم ناحية منها الكوفة و الحلّة، و المشهور بهذا الاسم المدينة الخراب بقرب الحلّة و الى جانبها قرية تسمّى بابل عامرة.

قم- بَابِلُ‏: باب اللّه، واقعة بين دجلة و فرات.

مسالك الممالك- ص 86- و بَابِلُ‏ قرية صغيرة إلّا أنّها أقدم أبنية العراق، و ينسب ذلك الإقليم اليها لقدمها، و كانت ملوك الكنعانيّين و غيرهم يقيمون بها، و بها آثار أبنية تشبه أن تكون في قديم الأيّام مصرا عظيما، و يقال إنّ الضحّاك أوّل من بنى بابل.

سفر إرمياء- 51/ 24- و أكافى بابل و كلّ سكّان أرض الكلدانيّين على كلّ شرّهم الّذى فعلوه في صهيون امام عيونكم ... يقول الربّ المهلك كلّ الأرض فأمدّ يدي عليك و ادحرجك عن الصخور و أجعلك جبلا محرقا فلا يأخذون منك حجرا لزاوية و لا حجرا لاسس بل تكون خرابا.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مركبّة من باب، بمعنى الخشب و اللوح الممتدّ بين السفين و البرّ أو الممّر المضيق. إل، بمعنى اللّه.

أو من كلمة بابا، بمعنى الباب.

ثمّ إنّ هذه البلدة كانت متّسعة غاية الاتّساع و بالغة في العظمة و المدنيّة

 

204
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بئر ص : 205

 

غايتها، ثمّ خربت بتطاول الدول و الحكومات، و موضعها قريبة من ثلاثة و تسعين كيلومترا من الجنوب الشرقىّ من بغداد، قريبة من الحلّة.

وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ‏ بِبابِلَ‏ هارُوتَ وَ مارُوتَ وَ ما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ- 2/ 102.

و تفسير هذه الآية الشريفة يتوقّف على بيان حقيقة الشيطان و السحر و الملك و هاروت و ماروت، فراجعها.

بئر

صحا- الْبِئْرُ جمعها في القلّة أَبْؤُرٌ و أَبْآرٌ، و من العرب من يقلّب الهمزة فيقول‏ آبَارٌ، و إذا كثرت فهي‏ البِئَارُ. و قد بأرت بئرا، و البورة: الحفرة. أبو زيد- بأرت أبأر بأرا: حفرت بؤرة يطبخ فيها. و البئيرة: الذخيرة، و قد بأرت الشي‏ء و ابتأرتها: ادّخرته.

مصبا- الْبِئْرُ أنثى، و يجوز تخفيف الهمزة، و تصغيرها بؤيرة بالهاء، و تضاف بئر الى ما يخصّصها، فمنه بئر معونة.

و التحقيق‏

أنّ البئر حفرة تحفر للاستسقاء، و بمناسبة هذه المعنى تستعمل المادّة بمعنى الذخيرة، لأنّ الماء يدّخر في البئر. ثمّ إنّ البئر كانت من أهمّ ما يعمل في حياة الإنسان و لا سيّما في البوادي و الأراضى البعيدة عن الماء الجاري و البلاد الخالية عن الأنهار، كأكثر بلاد العرب. و كانت حفرا لبئر في تلك الأراضى و الأمكنة تعدّ من الباقيات الصالحات- راجع المراصد.

فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ

 

205
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بأس ص : 206

وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ- 22/ 45.

فالبئر عطفت على القرية، أى و من بئر قد عطّلت و لا تستفاد منها و لا تستسقى، و من قصر جالب قد أخلى و ليس له أهل، لهلاك تلك القرية.

و ذكر البئر و القصر: فانّ المسكن و الماء من ضروريّات الحياة الأوّليّة للإنسان و الاجتماع البشرىّ- من الماء كلّ شي‏ء حيّ، فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ‏.

بأس‏

مقا- بَأْسٌ‏: أصل واحد، الشدّة و ما ضارعها. فَالْبَأْسُ‏ الشدّة في الحرب، و رجل ذو بأس و بئيس: شجاع. و البُؤْسُ‏: الشدّة في العيش، و المبتئس المفتعل من الكراهة و الحزن.

مصبا- الْبُؤْسُ‏: الضرّ، و يجوز التخفيف. و يقال بئس إذا نزل به الضرّ، فهو بائس. و بؤس بأسا: إذا شجع، فهو بئيس، و جمع البأس أبؤس مثل أفلس.

صحا- الْبَأْسُ‏: العذاب و الشدّة في الحرب، بَؤُسَ يَبْؤُسُ بَأْساً: إذا كان شديد البأس. و عذاب بئيس: شديد. بئس يبأس بؤسا و بئيسا: اشتدّت حاجته، فهو بائس. و بئس: كلمة ذمّ، و نعم كلمة مدح، بئس الرجل زيد و بئست المرأة هند و هما فعلان ماضيان لا يتصرّفان، لأنّهما أزيلا عن موضعهما، فنعم منقول من قولك نعم فلان إذا أصاب نعمة، و بئس منقول من بئس فلان إذا أصاب بؤسا، فنقلا الى المدح و الذمّ، فشابها الحروف فلم يتصرّفا، و فيها لغات. و يوم بؤس و يوم نعم، و الجمع أبؤس. و فَلا تَبْتَئِسْ‏+: لا تحزن و لا تشتك، و المبتئس: الكاره و الحزين. و الْبَأْسَاءُ: الشدّة، و ليس له أفعل.

لسا- الْبَأْسُ‏: الحرب، ثمّ كثر حتّى قيل لا بأس عليك، و لا بأس، أى لا خوف. بؤس يبؤس بأسا: إذا كان شديد البأس شجاعا فهو بئيس أى شجاع. و

206
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 207

البؤس: الشدّة و الفقر، بئس يبأس بؤسا و بأسا و بئيسا إذا افتقر و اشتدّت حاجته.

الكافية- أفعال المدح و الذمّ ما وضع لإنشاء مدح أو ذمّ فمنها نعم و بئس، و شرطهما أن يكون الفاعل معرّفا باللام أو يكون مضافا الى المعرّف بها، أو مضمرا مميّزا بنكرة منصوبة، أو مميّزا بما، مثل‏ فَنِعِمَّا هِيَ‏، و بعد ذلك المخصوص- نعم الرجل زيد، و قد يحذف المخصوص- نِعْمَ الْعَبْدُ+، فَنِعْمَ الْماهِدُونَ‏.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الشدّة فيما لا يلائم، و هذا المعنى يختلف باختلاف الصيغ و الموارد. فالبأس باعتبار حركة الفتحة يدلّ على تحقّق الانتساب المحض، و هذا المعنى يناسب الظهور و الاختيار كالحرب و العذاب. و البؤس باعتبار حركة الضمّة الظاهرة بالانتقاض: يدلّ على الثبوت في الذات و اللزوم، كما في الحاجة الشديدة و الفقر الشديد و الابتلاء. و من هذا يعلم أنّ اللزوم و الثبوت في‏ بُؤْسٌ‏ أَشَدُّ من صيغة بِئْسَ‏، فان ضمّ العين أنسب و أقرب الى أفعال الطبائع و الأوصاف النفسانيّة، كما في شرف و حسن و شجع و كبر و قبح. كما أنّ الثبوت في صيغة البئيس و البأساء بمقتضى وزنهما [فعيل، فعلاء] أشدّ من البأس.

إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ‏ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏- 12/ 69.

الابتئاس أخذ البؤس و كسبه، من الافتعال، أى التحزّن و التكرّه و تكدّر العيش.

وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً ...، بَأْسَ‏ الَّذِينَ كَفَرُوا ...، عِباداً لَنا أُولِي‏ بَأْسٍ‏ شَدِيدٍ ...، بَأْسُهُمْ‏ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ.

أى شدّة العمل و الأخذ.

وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ‏ الْفَقِيرَ- 22/ 28.

من عرض له البؤس و نزل به الضرّ.

207
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بتر ص : 208

بِعَذابٍ‏ بَئِيسٍ‏.

عذاب من شأنه البؤس الثابت له.

مَسَّتْهُمُ‏ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ- 2/ 214.

البؤس الثابت من داخله، من الشدايد في العيش و الابتلاءات النفسانيّة. و الضرّاء الحادثة من الخارج.

بِئْسَ‏ الِاسْمُ الْفُسُوقُ‏ ...، بِئْسَ‏ الْمَصِيرُ+ ...، فَلَبِئْسَ‏ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ ...، وَ لَبِئْسَ‏ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ‏.

بتر

مصبا- بَتَرَهُ‏ بترا من باب قتل: قطعه على غير تمام. و يقال في لازمه بتر يبتر من باب تعب فهو أبتر و الأنثى بترى.

صحا- بترت الشي‏ء بترا: قطعته قبل الإتمام. و الأبتر المقطوع الذنب، تقول منه بتر بالكسر يبتر بترا. و الأبتر الّذى لا عقب له و كلّ امرئ انقطع من الخير أثره.

مقا- بَتَرَ: أصل واحد و هو القطع قبل أن تتمّه.

مفر- البتر يقارب ما تقدّم [بتك‏] لكن يستعمل في قطع الذنب ثمّ أجرى قطع العقب مجراه، فقيل فلان أبتر إذا لم يكن له عقب يخلفه. إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ- أى المقطوع الذكر، و ذلك أنّهم زعموا أنّ محمّدا (ص) ينقطع ذكره عن الخير إذا انقطع عمره لفقدان نسله، فنبّه تعالى أنّ الّذى ينقطع ذكره هو الّذى يشنؤه، فأمّا هو فكما وصفه اللّه تعالى بقوله- وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ‏.

208
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 209

 

و التحقيق‏

أنّ المادّة يستفاد منها القطع في قبال الإتمام، لا مطلقا، مادّيّا أو معنويّا.

إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ.

أى لا يبقى منه حسن ذكر و لا نسل جميل.

بتك‏

مقا- بَتْكٌ‏: أصل واحد و هو القطع، قالوا بتكت الشي‏ء: قطعته، أبتكه بتكا. قال الخليل: البتك قطع الاذن، و الباتك السيف القاطع. و البتك ان تقبض على شعر أو ريش أو نحو ذلك ثمّ تجذبه اليك فينبتك من أصله أى ينقطع و ينتتف، و كلّ طائفة من ذلك بتكة و الجمع بتك.

مفر- الْبَتْكُ‏ يقارب البتّ، لكنّ البتك يستعمل في قطع الأعضاء و الشعر.

و أمّا البتّ فيقال في قطع الحبل و الوصل.

لسا- الْبَتْكُ‏: الليث: البتك قطع الأذن من أصلها. و بَتَّكَ‏ الآذان:

قطعها، شدّد للكثرة. و قيل البتك أن تقبض على شي‏ء بيدك. و بتّكه فانبتك و تبتّك.

و التحقيق‏

أنّ المستفاد من المادّة: هو النقص في الأنعام.

وَ لَآمُرَنَّهُمْ‏ فَلَيُبَتِّكُنَ‏ آذانَ الْأَنْعامِ‏- 4/ 119.

تصرف عدوان في ذوي الحيوة، و علامة لتغيير حكم اللّه، من تحليل حرام و تحريم حلال.

 

209
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

البتل ص : 210

 

و التعبير بالأنعام و بالآذان: فانّ الأنعام من النعمة، و الأذن: الراضي الموافق.

البتل‏

مقا- بَتْلٌ‏: يدلّ على إبانة الشي‏ء من غيره، بقال بتلت الشي‏ء إذا أبنته من غيره، و يقال طلّقها بَتَّةً بَتْلَةً، و منه يقال لمريم العذراء البتول، لأنّها انفردت فلم يكن لها زوج، و التَّبَتُّلُ‏ إخلاص النيّة للّه تعالى و الانقطاع اليه.

مصبا- بتلة بتلا من باب قتل: قطعه و أبانه، و طلّقها طلقة بتّة بتلة. و تبتّل الى العبادة: تفرّغ لها و انقطع.

و التحقيق‏

أنّ البتر هو قطع العضو الآخر من جهة التماميّة.

فالأبتر ما لا يكون تامّا.

و البتك قطع أحد الأعضاء و لا سيّما الاذن إذا كان بطريق القبض و الأخذ من أصله.

و البَتْلُ‏ الإبانة و الفصل بين الشيئين.

و البتّ هو القطع المطلق في مقابل الوصل، ماديّا أو معنويّا.

وَ تَبَتَّلْ‏ إِلَيْهِ‏ تَبْتِيلًا- 73/ 8.

جاء بالمصدر من التفعيل: فانّ التبتّل اليه في المعنى تفعيل، أى الانقطاع عن غير اللّه تعالى و التوجّه خالصا اليه، و هذا معنى إبانة النفس عن الغير الى اللّه تعالى.

فالتعبير في مرحلة الابتداء بالتبتّل و هو الانقطاع الصرف و حصوله من جانب السالك و تحقّق هذا المعنى فيه في الواقع أوكد و ألطف من كلمة التبتيل‏

 

210
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بث ص : 211

 

الدالّة على تحصيل معنى الانقطاع، كما أنّ التعبير بالتبتيل في المرحلة الثانويّة و بعد تحقّق الانقطاع ألطف و أنسب، من جهة دلالته على السير و التوجّه اليه تعالى.

فالتبتّل منسوب الى الشخص السالك، و التبتيل بالنسبة الى منتهى السلوك و هو اللّه تعالى- أى تبتيلا اليه.

بثّ‏

مصبا- بَثَ‏ اللّه الخلق‏ بَثّاً من باب قتل: خلقهم. و بثّ الرجل الحديث:

أذاعه و نشره، و بثّ السلطان الجند في البلاد: نشرهم.

صحا- بَثَ‏ الخبر و أَبَثَّهُ‏ بمعنى، أى نشره، يقال أبثثتك سرّى: أى أظهرته لك، و بثّثت الخبر شدّد للمبالغة فانبثّ أى انتشر.

مقا- بثّ: أصل واحد و هو تفريق الشي‏ء و إظهاره، يقال بثّوا الخيل في الغارة، و بثّ الصّياد كلابه على الصيد، و اللّه خلق الخلق و بثّهم في الأرض لمعاشهم، و إذا بسط المتاع بنواحي البيت و الدار فهو مبثوث- وَ زَرابِيُ‏ مَبْثُوثَةٌ- أى كثيرة متفرّقة. و بثثت التّمر و الطعام: إذا قلّبته و ألقيت بعضه على بعض، و بثثت الحديث: نشرته. و أمّا البثّ من الحزن: فمن ذلك أيضا، لأنّه شي‏ء يشتكى و يبثّ و يظهر- إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي‏ وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو النشر و التفريق، و خصوصيّات هذا المعنى تختلف باختلاف الموارد و المصاديق، فبثّ الجند: تفريق مجتمعهم في الأمكنة المختلفة. و بَثَ‏ الحديث: نشره بين الناس كتابة و رواية. و بثّ الحزن: إفشاؤه و

 

211
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بجس ص : 212

إظهاره عن صدره. و بثّ العلم: نشر ما في صدره من العلم بالبيان و التبليغ و التأليف. و بثّ الفكر و الخيال: في مقابل الطمأنينة و السكون، و هو عبارة عن الاضطراب و تفرّق الحواسّ و عروض الأفكار المختلفة.

وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَ‏ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ- 29/ 42.

أى نشرها و فرّقها فيهما، و تأنيث الدابّة باعتبار النفس، فتشمل جميع ما يدبّ من ذى نفس حيّة متحرّكة في الأرض أو في السماء.

إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي‏ وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏- 12- 86.

أى تفرّق خيالي و اضطراب فكرى و سلب الطمأنينة و السكون عن نفسي، فكأن نفسي مبثوثة.

يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ‏ الْمَبْثُوثِ‏- 101/ 4.

في الاضطراب و التحيّر و فقدان النظم و الطمأنينة.

وَ نَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ وَ زَرابِيُ‏ مَبْثُوثَةٌ- 88/ 16.

أى بسط متفرّقة و منشورة كثيرة في مجالسها للجلوس و الاستراحة.

فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا 56/ 6.

فتصير الجبال مبدّلة الى الهباء المنشور.

و الفرق بين المنبثّ و المبثوث: أنّ المنبث اسم فاعل لازم بمعنى المتفرّق و المنتشر، و المبثوث مفعول من المتعدّى بمعنى المنشور. و امّا الفرق بين النشر و البث:

أنّ النشر هو البسط بعد القبض، و الظهور بعد أن لم يكن متجليّا. و البثّ هو التفريق. فيقال نشرت الرحمة و الصحف و الموتى، و لا يقال بثّت هؤلاء.

بجس‏

مصبا- بَجَسَتِ‏ الماءُ بَجْساً من باب قتل‏ فَانْبَجَسَ‏: بمعنى فتحته فانفتح.

مقا- بَجَسَ‏: تفتّح الشي‏ء بالماء خاصّة. قال الخليل: البجس انشقاق في‏

212
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 213

 

قربة أو حجر أو أرض ينبع منها ماء، فان لم ينبع فليس بانبجاس، و الانبجاس عامّ و النبوع للعين خاصّة.

صحا- بَجَسْتُ‏ الماءَ فَانْبَجَسَ‏ أى فجرّته فانفجر، و بجس الماء بنفسه يبجس يتعدّى و لا يتعدى، و سحائب بجسّ، و انبجس الماء و تبجّس أى انفجر.

و التحقيق‏

أنّ المادّة يستفاد منها نبوع مايع من نقطة مطلقا.

أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ‏ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً- 7/ 160.

هذه من المعجزات المصرّحة بها في القرآن الكريم.

بحث‏

مقا- بَحْثٌ‏: أصل واحد، يدلّ على إثارة الشي‏ء. قال الخليل: البحث طلبك شيئا في التراب. و البحث أن تسأل عن شي‏ء و تستخبر، تقول استبحث عن هذا الأمر، و بحثت عن فلان بحثا. و البحث لا يكون إلّا باليد، و هو بالرجل الفحص. و يقال بحث عن الخبر: طلب علمه.

مصبا- بحثت عن الأمر بحثا من باب نفع: استقصى. و بحث في الأرض:

حفرها.- فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ‏ فِي الْأَرْضِ‏- 5/ 31.

كليا- الْبَحْثُ‏: هو طلب الشي‏ء تحت التراب و غيره، و الفحص طلب في بحث، و كذا التفتيش. و المحاولة: طلب الشي‏ء بالحيل. و المزاولة: طلب الشي‏ء بالمعالجة. و بَحَثَ‏ عن الشي‏ء: استقصى طلبه.

 

213
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 214

 

و التحقيق‏

أنّ المادّة تدلّ على استمرار في طلب شي‏ء مجهول بالقول أو بالعمل مطلقا.

فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ‏ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي‏- 5/ 34.

أى يعمل عمل الفحص في الأرض برجله و منقاره ليّهيأ مدفنا و حفرة، فَالْبَحْثُ‏ أعمّ.

بحر

مصبا- الْبَحْرُ معروف و الجمع بحور و أبحر و بحار، سمّىّ بذلك لاتّساعه، و منه قيل فرس بحر إذا كان واسع الجري، و بحرت أذن الناقة بحرا: من باب نفع، شققتها، و الْبَحِيرَةُ اسم مفعول و هي مشقوقة الاذن بنت السائبة الّتى تخلّى مع امّها إذا نتجت خمسة أبطن، و بعضهم يجعل البحيرة هي السائبة.

مقا- بَحْرٌ: قال الخليل سمىّ البحر بحرا لاستيجاره [لاستبحاره‏] و هو سعته و انبساطه، و استبحر فلان في العلم، و تبحّر الراعي في رعي كثير. و تبحّر فلان في المال، و رجل بحر إذا كان سخيّا، سمّوه لفيض كفّه بالعطاء كما يفيض البحر. و البحر داء في الغنم، و هو محمول على البحر، لأنّ ماء البحر لا يشرب، و من هذا الباب: بحرت الناقة بحرا، و هو شقّ الاذن، و هي البحيرة، و كانت العرب تفعل ذلك إذا نتجت عشرة أبطن، فلا تركب و لا ينتفع بظهرها.

صحا- البحر خلاف البرّ، سمّى لعمقه و اتّساعه، و كلّ نهر عظيم بحر، و ماء بحر أى ملح، و البحر عمق الرحم، و منه قيل للدم الخالص الحمرة باحر، و تبحّر في العلم و غيره أىّ تعمّق فيه و توسّع، و البحر داء في الإبل، و الأطبّاء يسمّون التغيّر الّذى يحدث للعليل دفعة في الأمراض الحادّة بحرانا. و جميع ذلك مولّد.

 

214
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 215

و التحقيق‏

أنّ حقيقة معنى البحر: هو المحلّ المتّسع المنبسط يتموّج بما فيه مادّيّا أو معنويّا.

و من مصاديقه: بحر الماء. و بحر العلم. و بحر السخاء، و بحر الثروة، و غيرها.

فيطلق على بلدة تتلاطم بالإنسان و الدوّاب و حركاتها، و على رحم متموجّة بالنتاج حتّى أنّها نتجت عشرة أبطن فكأنها بالنسبة الى أقرانها بحر فهي بحيرة، و على فرس يتموّج في سيره الوسيع، و على راع و هو في التموّج و الحركة و التلاطم دائما حتّى يحفظ الأنعام و الأغنام و يضبطها، و على داء يتموّج و يدهش صاحبه كالبحر، و كذلك كلمة البحران: و هو عروض التلاطم دفعة.

و قد يقال للرجل الأحمق الجاهل إنّه باحر و لعلّ هذا الإطلاق باعتبار ظلمة البحر و اضطرابه.

أَوْ كَظُلُماتٍ فِي‏ بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ‏- 24/ 40.

وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ‏ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ‏- 2/ 50.

هذا من المعجزات المصرّحة في كتاب اللّه العزيز، و هو تفريق البحر لهم و إنجائهم ثمّ إغراق آل فرعون و إهلاكهم.

فَأَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ‏ الْبَحْرَ ...

وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ‏ الْبَحْرَ+- 7/ 138.

هو منتهى خليج السويس من البحر الأحمر الفاصل بين مصر و صحراء سينا، انظر الخريطة.

تاريخ سينا و العرب ص 266- و أمّا طريق البتراء فهي طريق التجّار و المسافرين من مصر الى العقبة و الحجاز و البتراء و شرقى الأردن، و هي تنشأ من‏

215
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 215

السويس و تتّجه جنوبا بشرق مرتفعة قليلا عن شاطئ البحر فتمرّ بعيون موسى، و تقطع بوادي الإحثاء، فوادى سدر، فوادى وردان، فوادى عمارة، فوادى غرندل، فوادى وسيط، فوادى آثال، حتّى تأتى رأس وادى الشبيكة، فتنحدر فيه الى وادى الحمر، و تذهب بطريق فيران الى قرب الوطية، فتترك وادى الشيخ صاعدا شرقا الى طور سينا على عشرة أميال من الوطية. و هذه هي الّتى اتّخذها موسى.

216
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 215

سفر الخروج 12/ 37- فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس الى سكّوت نحو ستّمائة الف ماش من الرجال.

و في 14/ 1- كلّم بنى إسرائيل أن يرجعوا و ينزلوا أمام فم الحيروث بين مجدل و البحر أمام بعل صفون، مقابله تنزلون عند البحر- (و في 21)- و مدّ موسى يده على البحر فأجرى الربّ البحر بريح شرقيّة شديدة ... و اشتقّ الماء، فدخل بنو إسرائيل في وسط البحر على اليابسة و الماء سور لهم عن يمينهم و عن يسارهم، و تبعهم المصريّون.

رعمسيس: لم أجد هذه الكلمة في كتاب و لا قاموس، و قد ذكرت في التوراة في عدّة مواضع منها في الخروج 1/ 11- فبنوا- لفرعون مدينتي مخازن فيثوم و رعمسيس ... فاستعبد المصريّون بني إسرائيل بعنف و مرّروا حياتهم بعبوديّة.

و في- قم- في خريطة 2 من آخر الكتاب، هكذا:

و يظهر من تعبيرات الأسفار المقدّسة: أنّ موسى (ع) قد أمر في خروجه من مصر أن ينزل بشاطئ‏ الْبَحْرِ و يختار طريقا بحريّا، و لا يسلك عن طريق برّىّ في جانبي بحيرة المرّة أو التمساح، حتى ينجيه اللّه تعالى و يهلك أعداءه و يظهر سلطان اللّه في رسوله.

217
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 215

و في الآيات الشريفة:

وَ لَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي‏ الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً ... وَ اتْرُكِ‏ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ‏ ... قالَ أَصْحابُ مُوسى‏ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي‏ ... فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ‏ ... فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً.

ما يدلّ على أنّه تعالى أراد إهلاك آل فرعون و استخلاف بنى إسرائيل في الأرض، فاختار لهم طريق البحر.

و أمّا كونها معجزة و خارجة عن الجريان الطبيعي: فيدلّ عليه قوله تعالى:

أَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ أَنْ أَسْرِ+ ...

فَأَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ‏ الْبَحْرَ- 26/ 63.

وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ‏ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْناكُمْ وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ‏- 2/ 50.

فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي‏ الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً- 20/ 77.

فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ وَ أَنْجَيْنا مُوسى‏ وَ مَنْ مَعَهُ‏- 26/ 64.

فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَ اتْرُكِ‏ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ‏- 44/ 24.

فالوحى بالإسراء في هذا الموضوع العظيم المدهش و إجلائهم عن أوطانهم كان امرا مهمّا و لا بدّ أن يتحقّق بصورة غير عاديّة، و لا سيّما إذا توجّهوا بأنّ فرعون و جنده يتبّعونهم و يعقّبونهم، فخرجوا من مدينة رعمسيس ليلا، و نزلوا في الليلة الثّانية في سكّوت، ثمّ ارتحلوا و نزلوا في الثالثة بمنزل إيثام، ثمّ ارتحلوا و نزلوا في الليلة الرابعة في فم الحيروث [البرزخ بين الخليج و بحيرة المرّة]، و حينئذ أمروا أن يرجعوا الى شاطئ‏ الْبَحْر [الخليج‏] و هناك‏ تَراءَا الْجَمْعانِ‏ و قالوا إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، قالَ‏ موسى‏ إِنَ‏

218
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 215

مَعِي رَبِّي‏ و هو يهديني، فأوحى اللّه تعالى اليه‏ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ‏ الْبَحْرَ.

و لا يخفى أنّ عبورهم في البحر مع يبس الطريق، و انفلاق البحر حتّى يكون الماء من الجانبين‏ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏، و سكون الماء و رهوه حتّى يسيروا تمام الطريق و يخرجوا عن البحر مطمئنّين سالمين: كلّها من الخوارق.

و أمّا ما يقول بعض المتكلّفين من المؤلّفين، من أنّ يبس طريق البحر بلحاظ الجزر و المدّ: مضافا الى ما مرّ من النصوص الصريحة من الآيات الكريمة، أنّ انتهاء الجزر و غاية انخفاض الماء يبقى واقفا و يمتدّ الى ربع ساعة او نصفها، ثمّ يبتدئ البحر في الارتفاع و الصعود، فكيف يمكن في هذه المدّة القصيرة أن يكون الطريق يبسا و أن يمرّ بنو إسرائيل مع ما معهم من العائلة و الأنعام مسيرة عشرة أميال و هي أقلّ عرض هذا الخليج ثمّ إنّ المدّ في هذا البحر لا ينتهى الى حدّ يغشى الراجل و الراكب، فانّ المدّ و ارتفاع الماء يمكن أن ينتهى الى متر، و هذا لا يوجب الغرق.

اصول الهيئة لفان ديك ص 156- معدّل ارتفاع المدّ للكرة كلّها 2/ 1 2 قدم تقريبا، غير أنّه لأسباب مكانيّة يرتفع في بعض الأماكن و في بعض آخر لا يشعر به أصلا، كما في الأبحر و البُحَيْرَاتِ‏ المحاطة بالبرّ كبحر قزيين و بحر أرال و البحر المتوسّط.

فهذا المتكلّف المحجوب حفظ شيئا ما و غابت عنه شياء.

وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ‏ الْبَحْرَيْنِ‏- 18/ 60.

و قد اختلفت الأقوال و التفاسير في المعنى المراد من كلمة مجمع البحرين، فقيل انّه بحر الروم و الفارس أى مجمعهما، و مرادهم مضيق جبل طارق الواقع في الجنوب الغربىّ من اسبانيا، يوصل البحر الأبيض المتوسّط (بحر الروم) بالمحيط الأطلسىّ (الأطلانطيقي) و القدماء قد يسمّونه ببحر الفارس لاتّصاله ببحر عمّان المتّصل بسواحل ايران (بلوچستان، مكران).

و لا يخفى أنّ المسافر من مصر الى جبل طارق لا بدّ له من أن يعبر مملكة ليبيا،

219
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 215

ثمّ الجزائر، ثم المغرب المراكش، حتّى يصل الى جبل طارق. و المسافة من قاهرة مصر الى الجبل ما يقرب من/ 3800 كيلومتر.

و قيل إنّ المراد: بحر فارس و الروم ممّا يلي المشرق، و لعلّ مرادهم من بحر الروم هنا البحر الأحمر باعتبار امتداده الى جانب الروم و بحر الروم فيكون المراد باب المندب في منتهى البحر الأحمر قريبا من عدن اليمن، و المسافة بينه و بين السويس قريبة من/ 2300 كيلومتر، فلا بدّ أن يعبر أراضى مصر طولا ثمّ أراضى السودان، ثمّ أراضى الحبشة، حتّى يصل الى مضيق عدن.

و يمكن أن يكون مرادهم مضيق هرمز الواقع بين خليج فارس و بحر عمّان قريبا من مسقط عمّان و بندر عبّاس لإيران، فتكون المسافة بين السويس و بين باب هرمز قريبا من/ 3700 كيلومتر، فلا بدّ أن يعبر من شمال صحراء سينا، ثمّ أراضى أردن، ثمّ الحجاز شرقا جنوبيّا، ثم أراضى عمّان، حتّى يصل الى مضيق هرمز.

و الّذى يقوى في النظر: أنّ المراد من كلمة (مجمع البحرين) هو مجمع خليج العقبة و خليج السويس، و هو محلّ انشعابهما و مرجعهما، أى منتهى البحر الأحمر، و هناك رأس محمد و بلدة شرم، و هو آخر نقطة جنوبيّة من صحراء سينا، و المسافة من بلدة السويس الى رأس محمّد/ 150 ميلا و هو يساوى/ 50 فرسخا، و لكنّ المسافر يسلك هذا الطريق في عشرة أيّام أو أكثر لصعوبة المسير بالجبال و الأودية الكثيرة و حرارة الهواء و قلّة الماء و الغذاء و خوف التيه. و يؤيّد هذا النظر ما يقول موسى عليه السلام: آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً.

و هذا المعنى أقرب المحامل و أنسبها ظاهرا و باطنا:

أمّا الظاهر: فإنّ المسافة بينهما قريبة، و إنّه كان بمَسمع و مَرأى من أهل مصر و سينا، و إنّه كان بمعهود لموسى (ع) حيث مرّ بمدين شعيب، و مدين في جهة شرقيّة جنوبيّة من هذا المجمع، و إن ذكره و إرادته لا يحتاج الى بيان و توضيح و قرينة خارجيّة، و إنّ الأقرب يمنع الأبعد، و إن المطلق ينصرف الى المعهود، و إنّ المسير اليه‏

220
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بخس ص : 221

لا يحتاج الى زمان قريب من ثلثة أشهر ذهابا و ثلثة أشهر إيابا كما في القول الاوّل و الثالث، و هذا ينافي مقام الدعوة و التبليغ، و قد عبد قومه صنما في أيّام مناجاته.

و أمّا باطنا و معنى: فانّ التعبير بكلمة مَجْمَعَ‏ الْبَحْرَيْنِ‏ دون ملتقى البحرين أو المصبّ أو المضيق أو الموصل أو غيرها، يعطى الاختصاص بهذا المورد، فان فيه مجتمع الخليجان، و يردان في طولهما في هذا الموضع معا، بخلاف باب هرمز و باب المندب و جبل طارق فانّ فيها يلتقى البحران، و ليست بمجمع البحرين لغة و عرفا.

و يؤيّد هذا المعنى تفسير القرية في الآية الكريمة ببلدة أيلة و هي في منتهى خليج العقبة- راجع الخريطة.

و سنزيد التوضيح إن شاء اللّه في سائر كلمات الآية الشريفة.

بخس‏

مقا- بَخْسٌ‏: أصل واحد و هو النقص، قال تعالى- بِثَمَنٍ‏ بَخْسٍ‏، أى نقص.

مصبا- بخسه بخسا من باب نفع: نقصه أو عابه، و يتعدّى الى مفعولين- وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ+. و بخست الكيل بخسا: نقصته، و ثمن بخس:

ناقص.

مفر- الْبَخْسُ‏ نقص الشي‏ء على سبيل الظلم- وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ‏ ...- وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ+. و البخس و الباخس: الشي‏ء الطفيف الناقص- وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ‏ بَخْسٍ‏.

لسا- البخس: النقص. بخسه حقّه يبخسه بخسا: إذا نقصه. أبو العباس:

باخس بمعنى ظالم، وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ+: لا تظلموهم، و البخس من الظلم أن تبخس أخاك حقّه فتنقصه كما يبخس الكيّال مكياله فينقصه، فَلا يَخافُ‏ بَخْساً وَ لا رَهَقاً: لا

221
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 223

 

ينقص من ثواب عمله، وَ لا رَهَقاً أى ظلما. قال ابن السكّيت: يقال بخصت عينه بالصاد، و لا تقل بخستها، إنّما البخس نقصان الحقّ.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو نقصان الحقّ لا مطلق النقص، و أمّا الظلم و العيب: فمن لوازم الأصل و آثاره.

وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ‏ بَخْسٍ‏- 12/ 20.

أى ثمن ناقص لا يعادله و لا يوافى حقّه.

فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ‏ بَخْساً- 72/ 13.

اي القصور و التفريط في حقّه و فيه.

نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ‏- 11/ 15.

لا يفرّط في جزاء أعمالهم.

وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَ لْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَ لا يَبْخَسْ‏ مِنْهُ شَيْئاً- 2/ 282.

أى لا يفرّط في تأدية حقّه و إيفاء ما يجب عليه له.

وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ+- 7/ 85.

أى وافوهم فيما يتعلّق بهم و يشاءونه.

بخع‏

مقا- بَخْعٌ‏: أصل واحد و هو القتل و ما داناه من إذلال و قهر. قال الخليل: بخع الرجل نفسه إذا قتلها غيظا و من شدّة الوجد- فَلَعَلَّكَ‏ باخِعٌ‏ نَفْسَكَ عَلى‏ آثارِهِمْ‏.

مصبا- بَخَعَ‏ نفسه بخعا من باب نفع: قتلها من وجد او غيظ و بخع لي بالحق بخوعا: انقاد و بذله.

 

223
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 224

 

لسا- بَخَعَ‏ نفسه: قتلها غيظا أو غمّا، بخع الأرض: قهر أهلها و أذلّهم. و بخع الوجد نفسه: نهكها. و بخع له بحقّه: أقرّ به و خضع له. و بخع لي بالطاعة كذلك. و بخعت له: تذلّلت.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها هو القهر التامّ المطلق و أمّا القتل فتجوّز باعتبار كون المقهوريّة كإفناء النفس و القتل.

فَلَعَلَّكَ‏ باخِعٌ‏ نَفْسَكَ‏- 18/ 6.

أى مهلكها و مذلّها بحيث تكون مقهورة فانية يسلب عنها الاختيار و العمل.

فالأصل محفوظ في جميع هذه الموارد.

بخل‏

مقا- بُخْلٌ‏: كلمة واحدة، و هي البخل و البخل، و رجل بخيل و باخل.

و إذا كان ذلك شأنه فهو بخّال.

مصبا- بَخِلَ‏ بُخْلا و بَخْلا من باب تعب و قرب، و الاسم البخل وزان فلس، فهو بخيل و الجمع بخلاء، و رجل باخل أى ذو بخل، و البخل في الشرع منع الواجب، و عند العرب منع السائل ممّا يفضل عنده، و أبخلته: وجدته بخيلا.

مفر- البخل إمساك المقتنيات عمّا لا يحقّ حبسها عنه، و يقابله الجود.

يقال بخل فهو باخل، و أمّا البخيل فالّذى يكثر منه البخل كالرحيم من الراحم. و البخل ضربان: بخل بقنيّات نفسه و بخل بقنيّات غيره، و هو أكثرهما ذمّا، دليلنا على ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ‏ يَبْخَلُونَ‏ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ‏ بِالْبُخْلِ‏ ...+ كليا- البُخْلُ‏: هو نفس المنع، و الشحّ: الحالة النفسانيّة الّتى تقتضي‏

 

224
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 225

ذلك المنع. و بخل يعدّى بعن و بعلى أيضا لتضمنّه معنى الإمساك و التعرّى، فانّه إمساك عن مستحقّ. و البخل و الحسد مشتركان في أنّ صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثمّ يتميّز البخيل: بعدم دفع ذى النعمة شيئا، و الحاسد: يتميّز بأنّه يتمنّى أن لا يعطى لأحد سواه شيئا. و البخل شعبة من الجبن: لأنّ الجبن تألّم القلب بتوقّع مؤلم عاجلا على وجه يمنعه من اقامة الواجب عقلا، و هو البخل في القلب و النفس. و الْبَخِيلُ‏ يأكل و لا يعطى، و اللئيم لا يأكل و لا يعطى.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو التمنّى بأن لا يعطى أحد شيئا سواه.

وَ أَمَّا مَنْ‏ بَخِلَ‏ وَ اسْتَغْنى‏- 92/ 8.

يريد مِن إمساكه عن الغير الاستغناء و اليسرى لنفسه.

فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ‏ بَخِلُوا بِهِ‏- 9/ 76.

يُمسكون فيما يوجد عندهم من فضل اللّه.

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ‏- 3/ 180.

فيكون ما ينعمون به نقمة و عذابا لتقصيرهم فيه.

الَّذِينَ‏ يَبْخَلُونَ‏ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ‏ بِالْبُخْلِ‏+ 4/ 37.

فإذا اشتدّ البخل في صاحبه لا يرضى بالجود و الإعطاء في غيره أيضا، و يأمر الناس بالبخل قولا و عملا.

وَ مَنْ‏ يَبْخَلْ‏ فَإِنَّما يَبْخَلُ‏ عَنْ نَفْسِهِ‏- 47/ 38.

و من يمسك عن البذل و الإعطاء فانّما يمسك عنه نفسه و يمنع عن إدامة فضل اللّه تعالى اليه.

فالبخل هو المنع عن بسط فضل اللّه و رحمته، و الإمساك عن نشر آثار نعمه و آلائه في عباده، مع الغفلة عن أنّ كلّ نعمة من اللّه المتعال.

225
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بدء ص : 226

 

فالبخل يدلّ على اغترار العبد و محجوبيّته التامّة، و محدوديّة فكره فيما يتعلّق بالحياة الدنيا، و السدّ عن بسط فضل اللّه و رحمته.

بدء

مقا- بَدْأٌ: من افتتاح الشي‏ء، يقال بَدَأْتُ بالأمر و ابتدأت، من الابتداء.

و يقال للأمر العجب بدأ: كأنّه من عجبه يبدء به. و يقال للسيّد البدء: لانّه يبدء بذكره. و تقول أبدأت من أرض الى اخرى أبدء إبداء: إذا خرجت منها الى غيرها.

و البدأة النصيب، و هو من هذا أيضا لأنّ كلّ ذى نصيب فهو يبدأ بذكره دون غيره.

مصبا- و بَدَأْتُ‏ الشي‏ء و بالشي‏ء أبدأ بدءا و ابتدأت به: قدّمته، و أبدأت لغة. و الْبَدَاءَةُ: اسم منه. و البداية عامّىّ. و البدءة: الابتداء، يقال فلان بدء قومه: إذا كان سيّدهم و مقدّمهم، و بدء اللّه الخلق و أبدأهم بالألف: خلقهم. و بدء البئر: احتفرها. و البدي‏ء: الأمر العجيب. و بدء الشي‏ء: حدث، و أبدأته:

أحدثته.

كليا- بَدَأَ الشي‏ء و أبدءه: أنشأه و اخترعه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الابتداء و الافتتاح، و بهذا اللحاظ يطلق على كلّ مبدأ و مفتتح، فالبدى‏ء: الأمل العجيب الّذى لا سابقة له فهو مبتدأ في موضوعه، و مثله إذا كانت بمعنى الحدوث إذا لم يكن مسبوقا بغيره، و كذلك الإنشاء و الاختراع من دون سابقة، و منه حفر البئر أى إيجادها و إنشاؤها. و الإبداء هو البدء بتفاوت الصيغة، فانّ صيغة الإفعال كما سبق للدلالة على ظهور الفعل منتسبا الى الفاعل في قبال صيغة التفعيل.

 

226
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بدر ص : 227

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ‏ ...- وَ هُمْ‏ بَدَؤُكُمْ‏ أَوَّلَ مَرَّةٍ- أى الشروع و الابتداء.

كَيْفَ‏ بَدَأَ الْخَلْقَ‏ ...- كَما بَدَأَكُمْ‏ تَعُودُونَ‏ ...- اللَّهُ‏ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ+- 30/ 11 أى الإنشاء و الاختراع و الابتداء بإيجادهم.

و أمّا معنى الظهور: فهو من البدوّ، و الظاهر أنّ النصيب و الجدر و البثث مأخوذة من هذه المادّة، فراجعها.

إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ‏ وَ يُعِيدُ- 85/ 13.

أى من يكون قيام الإنشاء و الإعادة به، فهو ينشئ الخلق، ثمّ يعيده في المرتبة الثانية.

و في لسا- بَدْءٌ: في أسماء اللّه عزّ و جلّ: الْمُبْدِئُ‏، هو الّذى أنشأ الأشياء و اخترعها ابتداء من غير سابق مثال.

بدر

مقا- بَدْرٌ: أصلان، أحدهما كمال الشي‏ء و امتلاؤه، و الآخر الإسراع الى الشي‏ء. أمّا الأوّل- فهو قولهم لكلّ شي‏ء تَمَ‏ بَدْرٌ، و سمّى البدر بدرا لتمامه و امتلائه. و عين بدرة، أى ممتلئة، و غلام بدر، إذا امتلأ شبابا. و أمّا بدر المكان: فهو ماء معروف نسب الى رجل اسمه بدر. و الأصل الآخر- قولهم بدرت الى الشي‏ء و بادرت، و إنّما سمّى الخطاء بَادِرَةً لأنّها تبدر من الإنسان عند حدّة و غضب، يقال كانت منه‏ بَوَادِرَ، أى سقطات.

مصبا- بدر الى الشي‏ء بدورا و بادر اليه مبادرة و بدارا من باب قعد:

أسرع. و في التنزيل- وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً.

صحا- بدرت الى الشي‏ء أبدر بدورا: أسرعت، و كذلك بادرت اليه و تَبَادَرَ القوم الى أخذه. و ليلة البدر ليلة أربع عشرة، و سمّى‏ بَدْراً لِمُبَادَرَتِهِ‏ الشمسَ‏

227
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 228

بالطلوع كانّه يعجلها المغيب، و يقال سمّى لتمامه و امتلائه. و بدر: موضع يذكّر و يؤنّث و هو اسم ماء.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو السرعة، إلّا أنّ‏ البَدْرَ اعمّ من السرعة ظاهرا و معنى، و اكثر استعمال السرعة في الحركات و الأعمال الظاهرة المحسوسة. و لمّا كانت صيغة فاعل و هيئته تدلّ على امتداد النسبة زائدا على النسبة الموجودة في المجرّد (فعل) كما في سافر و طالب، أى امتدّ السفر و امتدّ الطلب: فتدلّ صيغة البدار و الْمُبَادَرَةُ على امتداد البدر و السرعة. و أمّا إطلاق البدر على القمر التمام: لمبادرته الى الظهور و تجليّه التامّ و إنارته و طلوعه الكامل و وصوله في سيره الى الغاية، فكأنّه من جهة ظهوره التامّ يسارع في التجلّى و الانارة و القرب.

وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً- 4/ 6.

أى لا تمتدّ منكم البدر الى أكل اموال اليتامى و لا تجاوزوا عن العدالة في صرفها.

و أمّا الْبَدْرُ مكانا: فهي محلى فيها قلب في الجهة الجنوب الغربىّ من المدينة، قريبة من ميناء جار بالبحر الأحمر، و عرضها 3/ 24 و طولها 36/ 38 درجة، و المدينة عرضها 57/ 24 و طولها 59/ 39 درجة فتكون المسافة بينهما/ 50 كيلومتر جنوبا و/ 130 كيلومتر غربا.

و لمّا كان المسير من مكّة الى الشام من جهة ساحل البحر الأحمر، فتكون بدر واقعة في الطريق ذهابا و إيابا، و بها وقعت غزوة بدر.

وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ‏ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ- 3/ 123.

كانت عدّة من خرج الى هذه الغزوة خمسة و ثلاثمائة رجل و كانت إبلهم سبعين بعيرا.

228
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بدع ص : 229

بدع‏

مصبا- أَبْدَعَ‏ اللّه تعالى الخلق‏ إِبْدَاعاً: خلقهم لا على مثال، و أبدعت الشي‏ء و ابتدعتها: استخرجته و أحدثته، و منه قيل للحالة المخالفة بدعة، و هي اسم للابتداع كالرفعة من الارتفاع ثمّ غلب استعمالها فيما هو نقص في الدين أو زيادة، لكن قد يكون بعضها غير مكروه فيسمّى بدعة مباحة، و فلان بدع في هذا الأمر، أى هو أوّل من فعله فيكون اسم فاعل بمعنى مبتدع، و البديع فعيل من هذا فكأنّ معناه: هو منفرد من بين نظائره، و فيه معنى التعجّب، و منه قوله تعالى‏ قُلْ ما كُنْتُ‏ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ‏- أى ما أنا أوّل من جاء بالوحي من عند اللّه تعالى.

مقا- بِدْعٌ‏: أصلان، أحدهما ابتداء الشي‏ء و صنعه لا عن مثال، و الآخر الانقطاع و الكلال. فالأوّل قولهم‏ أَبْدَعْتُ‏ الشي‏ء قولا أو فعلا: إذا ابتدأته لا عن سابق مثال، ابتدع فلان الرَّكِىَّ: إذا استنبطه. و فلان بدع في هذا الأمر. و الأصل الآخر: قولهم أبدعت الراحلة إذا كلّت و عطبت.

مفر- بدع: الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء و اقتداء، و منه قيل ركيّة بديع أى جديدة الحفر، و إذا استعمل في اللّه تعالى فهو إيجاد الشي‏ء بغير آلة و لا مادّة و لا زمان و لا مكان، و ليس ذلك إلّا للّه.

لسا- بِدْعٌ‏: و في حديث الهدى- إن هي أبدعت أى انقطعت عن السير بكلال أو ظلع، كأنّه جعل انقطاعها عمّا كانت مستمرّة عليه من عادة السير إبداعا أى إنشاء أمر خارج عمّا اعتيد منها.

أسا- أَبْدَعَ‏ الشي‏ءَ و ابْتَدَعَهُ‏: اخترعه. و أبدعت الركاب إذا كلّت، و حقيقته أنّها جاءت بأمر حادث بديع. و من المجاز: أبدعت حجّتك: إذا ضعفت، و أبدع بى فلان: إذا لم يكن عند ظنّك به في أمر وثقت به في كفايته و إصلاحه.

229
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 230

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو إيجاد الشي‏ء و انشاؤه على خصوصيّة لم يسبقه فيها غيره. و البِدْعَةُ كلّ احدوثة ليست لها سابقة فهي على كيفيّة مستحدثة. و البَدِيعُ‏ على فعيل و صيغته تدلّ على ثبوت المبدإ للذات، كما أنّ صيغة فاعل تدلّ على الحدوث و قيام المبدإ به، فالبديع هو ذات ثبت لها البدعة و البديعيّة، و البصير ذات ثبت لها البصارة، و العليم ذات ثبت لها العلم، و تفسيره بالمبدع أو المبدع تحريف مخالف. و يقرب منه لفظ البدع، و هو صفة كالملح و الابتداع: أخذ البدعة و كسبها.

و الفرق بين الخلق و الإبداء و الْإِبْدَاعِ‏: أنّ الخلق هو إيجاد شي‏ء بالكيفيّة المخصوصة من دون توجّه الى خصوصيّة اخرى. و الإبداء كما سبق هو الإنشاء و الإيجاد ابتداء و في أوّل مرّة. و الإبداع هو الإيجاد بكيفيّة مخصوصة لم يسبقها شي‏ء آخر.

و الفرق بين بدعه و أبدعه: ما قلنا مرارا من الفرق بين صيغة فعل و أفعل- كما مرّ في البدء و غيره.

وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها 57/ 27.

أى أخذوها بدعة حادثة لا سابقة لها.

قُلْ ما كُنْتُ‏ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ‏- 46/ 9.

أى رسولا له خصوصيّة جديدة و صفات و خصائص مخصوصة لا سابقة لها في الرسل الماضين.

بَدِيعُ‏ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ+- 2/ 117.

أى بديع في جميع مراتب الوجود عاليا و سافلا، فهو كقوله تعالى- لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ، فلا شبيه له من السموات و الأرض و لا مثيل له في الوجود و لا عديل‏

230
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بدل ص : 231

له في الخلق، سُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏.

و الاضافة لاميّة، كما في- اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ.

بدل‏

مقا- بَدَلٌ‏: أصل واحد و هو قيام الشي‏ء مقام الشي‏ء الذاهب، يقال هذا بدل الشي‏ء و بَدِيلُهُ‏. و يقولون بدّلت الشي‏ء، إذا غيّرته و إن لم تأت له ببدل.

صحا- الْبَدِيلُ‏ البدل، يقال بدل و بدل لغتان مثل شبه و شبه و مثل و مثل و نكل و نكل. قال أبو عبيد: لم يسمع في فعل و فعل غير هذه الأربعة الأحرف.

و قد بدل يبدل بدلا، و أبدلت الشي‏ء بغيره. و بدّله اللّه من بعد الخوف أمنا. و تبديل الشي‏ء أيضا تغييره و ان لم تأت ببدل، و استبدل الشي‏ء بغيره و تبدّله به: إذا أخذه مكانه.

مصبا- الْبَدَلُ‏ و الْبِدْلُ‏ و الْبَدِيلُ‏ كلّها بمعنى، و الجمع أبدال، و أبدلته بكذا إبدالا: نحيّت الأوّل و جعلت الثاني مكانه. و بدّلته تبديلا بمعنى غيّرت صورته تغييرا، و بَدَّلَ‏ اللّه السيّئات حسنات، يتعدّى الى مفعولين بنفسه لأنّه بمعنى جعل و صيّر، و قد استعمل أبدل بالألف مكان بدّل بالتشديد فعدّى بنفسه الى مفعولين لتقارب معناهما، و في السبعة- عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ‏ يُبْدِلَهُ‏ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَ‏- من أفعل و فعّل. و بدلت الثوب بغيره أبدله، من باب قتل و استبدلته بغيره، بمعناه.

الفروق للعسكري- الفرق بين العوض و الْبَدَلِ‏: أنّ العوض ما تعقّب به الشي‏ء على جهة المثامنة، تقول هذا الدرهم عوض من خاتمك، و البدل ما يقام مقامه و يوقع موقعه على جهة التعاقب دون المثامنة، يقال: إنّه بدّل نعمته كفرا، لأنّه أقام الكفر مقام الشكر.

231
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 232

و التحقيق‏

أنّ الأصل في المادّة هو وقوع شي‏ء مقام غيره.

و أمّا كلمات البدل و البدل و البديل: فصفات مشبّهة على وزن حسن و ملح و شريف. و الفرق بين‏ الْإِبْدَال‏ و التَّبْدِيلِ‏: أنّ الأوّل يستعمل في مقام التنبيه الى جهة الصدور و الثاني في الدلالة على جهة الوقوع.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ‏ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً ...، بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ ...، يَوْمَ‏ تُبَدَّلُ‏ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ‏- 14/ 48.

فقد تعدّى الى مفعولين مذكورين.

ثُمَ‏ بَدَّلَ‏ حُسْناً ...، عَلى‏ أَنْ‏ نُبَدِّلَ‏ خَيْراً مِنْهُمْ‏- 70/ 41.

فحذف المعقول الأوّل.

بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ‏ ...، فَمَنْ‏ بَدَّلَهُ‏ بَعْدَ ما سَمِعَهُ‏- 2/ 181.

حذف المفعول الثاني، فانّ النظر الى مطلق تبديل شي‏ء، كما انّ النظر في حذف الأوّل الى الثاني و هو العوض.

و التبدّل على تفعّل لمطاوعة التفعيل، فيقال صرّفته فتصرّف، و بدلّته فتبدّل، أى قبل التصريف و التبديل و طاوع و أخذه.

وَ لا أَنْ‏ تَبَدَّلَ‏ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ‏- 33/ 52.

أى بأن تأخذ أزواجا في مقابلهنّ.

وَ مَنْ‏ يَتَبَدَّلِ‏ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ‏- 2/ 108.

أى يقبل الكفر بدلا في قبال الايمان.

و قريب من هذا المعنى الاستبدال و هو طلب البدليّة، إلّا انّ التبدّل قريب في مقام العمل من الاستبدال فهو للطلب لا للأخذ فعلا.

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ‏ اسْتِبْدالَ‏ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ‏- 4/ 20.

232
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بدن ص : 233

أى إن طلبتم البدليّة.

بدن‏

مصبا- الْبَدَنُ‏ من الجسد ما سوى الرأس و الشوى. و الْبَدَنَةُ: قالوا هي ناقة أو بقرة، و زاد الأزهرى: أو بعير ذكر، و لا تقع البدنة على الشاة. و قيل البدنة هي الإبل خاصّة، و يدلّ عليه قوله تعالى‏ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها، سمّيت بذلك لعظم بدنها.

و الجمع بَدَنَاتٌ و بُدْنٌ، و بَدَنَ بُدُوناً مثل قعد: عظم بدنه بكثرة لحمه فهو بادن يشترك فيه المذكر و المؤنّث. و بَدَنَ بَدَانَةً مثل ضخم ضخامة كذلك فهو بدين، و الجمع بدن، و بَدَّنَ تَبْدِيناً: كبر و أسنّ.

مقا- أصل واحد، و هو شخص الشي‏ء دون شواه و شواه: أطرافه. يقال هذا بَدَنُ‏ الإنسان، و الجمع‏ الْأَبْدَانُ‏. و سمّى الوعل المسنّ بدنا من هذا، لأنّهم إذا بالغوا في نعت الشي‏ء سمّوه باسم الجنس كما يقولون للرجل المبالغ في نعته: هو رجل، فكذلك الوعل (الشريف) الشخيص سمّى بدنا، و كذلك البدنة الّتى تهدى للبيت، لأنّهم كانوا يستسمنونها، و رجل بدن أى مسنّ، و رجل بادن و بدين: عظيم الشخص و الجسم يقال منه بدن، و

في الحديث‏: إنّى قد بَدُنْتُ‏.

مفر- البدن: الجسد، لكنّ البدن يقال باعتبار عظم الجثّة، و الجسد يقال باعتبار اللون، و منه قيل ثوب مجسّد. و امرأة بادِنٌ و بَدِينٌ: عظيمة البَدَن، و سمّيت البَدَنَةُ بذلك لسِمَنِها، يقال بدن إذا سمن، و بدّن كذلك. و قيل بل بدّن إذا أسنّ. و

روى عن النبىّ (ص): لا تُبَادِرُونِى بِالرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ فَإِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ‏

أى كبرت و أسننت، و قوله- فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ‏ بِبَدَنِكَ‏، أى بجسدك، و قيل بدرعك، فقد يسمّى الدرع بدنة لكونها على البدن، كما يسمّى موضع اليد من القميص يدا، و موضع الظهر و البطن ظهرا و بطنا.

233
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 234

 

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الضخامة و السمن، ثمّ استعملت في بدن الإنسان غير اليدين و الرجلين و الرأس لضخامته، و هكذا أطلقت على الإبل باعتبار ما يتراءى من ضخامة بدنه، فصارت حقيقة ثانويّة فيهما، البدن في بدن الإنسان و البدنة في الإبل المهداة للبيت الحرام، و التبدين جعله ضخما و بدينا، و قراءة- فإنّى قد بدّنت- بالتشديد، غير صحيح، و الصحيح كما في- مقا: بدنت- اى كبرت و أسننت أو سمنت، و استعمالها في الكبير و المسنّ و الوعل و الدرع:

مجاز بمناسبة السمن.

وَ الْبُدْنَ‏ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ- 22/ 36.

جمع بَدَنَةٍ، و لا يبعد شمولها على البقر أيضا، و البدنة في أصل اللغة مفرد البدن كالخشبة و الخشب، إلّا أنّ كلمة البدنة بخصوصها قد استعملت في الجمل و البقر المهداة في الحجّ، و لا يجوز التجاوز عنها فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ‏ بِبَدَنِكَ‏ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً- 10/ 92.

هذه الجملة في مقام العقوبة و الأخذ بعد الخطاب بقوله- آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَ كُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ‏. فلا ينفع التوجّه و التوبة في حال الاضطرار و بعد مشمول العذاب، ففي هذا اليوم نخلّص و نخرجك ببدنك من ورطة العذاب، و نجعله في مرأى الناس آية من اللّه تعالى و عبرة للناظرين، فكلمة- بِبَدَنِكَ‏- بدل عن الضمير بدل الجزء عن الكلّ، و حرف الباء للتأكيد.

إشارة الى إلقاء البحر بدنه الى الساحل ليروا عاقبة دعواه الباطل.

بدا

مصبا- بَدَا يَبْدُو بُدُوّاً: ظهر، فهو باد، و يتعدّى بالهمزة فيقال أبديته، و بدا

 

234
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 235

الى البادية بَدَاوَةً بالفتح و الكسر: خرج اليها فهو بادر أيضا، و البدو خلاف الحضر، و النسبة الى البادية بَدَوِيٌّ على غير قياس، و البَوَادِي‏ جمع البادية، و بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أوّلا، و الاسم البداء مثل سلام.

مقا- بُدُوٌّ: أصل واحد، و هو ظهور الشي‏ء. بدا الشي‏ء يبدو: إذا ظهر، فهو باد، و سمّى خلاف الحضر بدوا من هذا، لأنّهم في براز من الأرض و ليسوا في قرى تسترهم أبنيتها. و البادية خلاف الحاضرة، و بدا لي في هذا الأمر بداء: تغيّر رأيى عمّا كان عليه.

صحا- بدا الأمر بدوّا مثل قعد قعودا: ظهر. و أبديته: أظهرته، و قرئ قوله تعالى- هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ‏ الرَّأْيِ‏- أى في ظاهر الرأى، و من همزّه جعله من بدأت معناه- أوّل الرأى. و بدا القوم بدوا أى خرجوا الى باديتهم مثال قتل قتلا، و بدا له في هذا الأمر بداء- ممدود، أى نشأ له فيه رأى، و هو ذو بدوات، و البدو: البادية. و

في الحديث‏: مَنْ‏ بَدَا جَفَا

، أى من نزل الى البادية، و البداوة خلاف الحضارة.

الفروق للعسكري- ص 227- الفرق بين البدو و الظهور: أنّ الظهور يكون بقصد و بغير قصد، و البدو ما يكون بغير قصد، تقول: بَدَا البرقُ و بَدَا الصبحُ و بَدَتِ الشمسُ و بَدَا لي في الشي‏ء، لأنّك لم تقصد للبدو.

مفر- بدا الشي‏ء بدوا و بداء: ظهر ظهورا بيّنا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها هو الظهور البيّن قهرا و من دون اختيار و قصد، و أمّا اطلاق البَدْوِ على الحضور في البادِيَةِ: فهو في قبال الحضور بين الناس و التستّر بالعمارات و السكون تحت الأبنية و في محيط التمدّن، فكأنّه يتبرّز و يبدو في واسع الأرض و في فسحة لا ظلّ فيها لشي‏ء و يتخلّص من قيود المدنيّة، و لا بدّ أن يكون‏ البُدُوُّ في البادية من حيث الظهور من حيث هو من دون توجّه الى القصد و اختيار

235
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 235

البادي- إذا كان الفرق المذكور صحيحا.

و أمّا الْإِبْدَاءُ: فهو باعتبار معناه الأصلىّ أى نسبة أصل المادّة الى الفاعل في صيغة المجرّد لازما، فتكون متعديّة بمعنى جعل شي‏ء ظاهرا.

بَلْ‏ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ‏- 6/ 28.

أى ظهر ظهورا بيّنا قهريّا.

وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا- 39/ 48.

يذكّر الفعل من جهة الفصل بينه و بين فاعله- السيّئات- أى تظهر سيّئات ما عملوا ظهورا بيّنا لهم.

إِنْ‏ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ‏ ...، إِنْ‏ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ‏ ...، وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ‏ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ‏- 2/ 33.

فيظهر من هذه التعبيرات أنّ الإبداء في مقابل الإخفاء و الكتمان، بخلاف الإظهار فانّه في مقابل البطون، كما قال تعالى:

الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ‏ ... ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ+.

و هذا المعنى هو الفارق الحقيقىّ بين مادّة الظهور و البدوّ.

وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ‏ زِينَتَهُنَ‏- 24/ 31.

أى يخفين و يكتمن.

وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ‏ مُبْدِيهِ‏ 33/ 37.

فقد ذكر في مقابل الإخفاء.

وَ ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ‏ الرَّأْيِ‏- 11/ 27.

أى ظاهره.

وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ‏ الْبَدْوِ- 12/ 100.

إشارة الى حريّة معاشهم و عدم تعلّقهم بمكان و اشتغالهم في البادية بالفلاحة و الرعي، فمجيئهم و تركهم الحريّة و فسحة العيش و اختيارهم ظلّ القيود و التعلّقات‏

236
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بذر ص : 237

في جوار يوسف: لطف من اللّه المتعال و منّ منه في حقّ يوسف عليه السّلام، أو أنّ البدو في مقابل الاعتكاف.

وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ- 22/ 25.

أى من يلازم المسجد و يتلبّث حوله و من يخرج منه و يطلع و يبدو من الحرم.

و ذكر الباد في مقابل المعتكف: يدلّ على انّ البادي مطلق من لم يكن ملازما مدينة و مقيما فيها، فإذا خرج منها و لم يقم فيها: فهو البادي، فانّه طلع و بدا من ظلّ الإقامة.

فالبادى من لم يعتكف و لم يلازم بيتا أو بلدة، و ليس مخصوصا بمن يسكن البادية، و هذا هو الحقّ عندنا.

فظهر لطف التعبير بالبدو في قوله تعالى:

وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ‏ الْبَدْوِ ...

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ‏ بادُونَ‏ فِي الْأَعْرابِ‏- 33/ 20.

أى و ان يأت الأحزاب مرّة ثانية و كرّوا عليهم يودّ المنافقون أن يخرجوا من المدينة و أن لا يكونوا مقيمين فيها بل يعيشوا مع الضعفاء و الأعراب و يلحقوا بهم.

بذر

مقا- بَذْرٌ: أصل واحد و هو نثر الشي‏ء و تفريقه، يقال: بَذَرْتُ‏ البَذْرَ أَبْذُرُهُ بَذْرا، و بَذَّرْتُ‏ المالَ‏ أُبَذِّرُهُ‏ تَبْذِيراً، و الْبُذُرُ: القوم لا يكتمون حديثا و لا يحفظون ألسنتهم.

مصبا- بَذَرْتُ‏ الحبّ من باب قتل: إذا ألقيته في الأرض للزراعة، و البَذْرُ:

المَبْذُور، إمّا تسمية بالمصدر و إمّا فعل بمعنى مفعول، مثل ضرب الأمير و نسج اليمن.

237
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 238

قال بعضهم: الْبَذْرُ في الحبوب كالشعير و الحنطة، و البزر في الرياحين و البقول. و بذرت الكلام: فرقته، و بذّرت بالتثقيل مبالغة و تكثير فتبذّر، و منه اشتقّ التبذير في المال لأنّه تفريق من غير القصد.

أسا- بَذْرُ الحبّ في الأرض، و بذر اللّه الخلق في الأرض: فرّقهم. و تبذّر من يدي كذا: تفرّق. و رجل بذر: يبذّر ماله.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو نثر مع التفريق، و استعملت كثيرا في نثر الحبّ و تفريق المال خارجا عن الميزان. و النثر: هو رمى في نشر.

وَ آتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَ‏ الْمُبَذِّرِينَ‏ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ‏- 17/ 26.

أى و لا تفرّق مالك و لا تصرفه خارجا عن البرنامج، سواء كان الصرف و التفريق في هؤلاء الطوائف أو في غيرهم، فانّ في التبذير تضييع لمال اللّه و لحقوق الناس و إخلال في النظم.

و الفرق بين‏ التَّبْذِيرِ و الإسراف: أنّ التبذير كما قلنا هو نثر مع التفريق و الإسراف هو التجاوز عن الحدّ و العدل.

و قد عبّر تعالى في هذا المورد بكلمة التَّبْذِيرِ: إشارة الى أنّ صرف المال فيهم في الأكثر لا يكون إسرافا و لا يخرج عن حدّ العدل، نعم تفريق المال فيهم بلا نظم و بلا برنامج خارج عن التدبير و العدل.

و لا يخفى أنّ تفريق المال ينشأ في الغالب عن داعية نفسانيّة و استكبار و غرور، و الاستكبار أعظم صفة للشيطان، فَالْمُبَذِّرُ يكون شبيها و أخا للشيطان.

238
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برأ ص : 239

برأ

مصبا- بَرْيٌ‏: بَرَءَ زيد من دينه يبرء مهموز من تعب براءة: سقط عنه طلبه، فهو بري‏ء و بارئ و براء، و أبرأته منه و برّأته من العيب: جعلته بريئا منه، و برأ منه مثل سلم وزنا و معنى، فهو بري‏ء أيضا. و برأ اللّه تعالى الخليقة يبرؤها: خلقها، فهو البارئ، و البريّة فعيلة بمعنى مفعولة، و بري‏ء من المرض يبرء من باب نفع و تعب، و اسْتَبْرَأْتُ‏ المرأة: طلبت براءتها من الحبل، و استبرأ من البول: و الأصل استبرأ ذكره من بقيّة بوله.

مقا- بَرَأَ: فأصلان اليهما ترجع فروع الباب، أحدهما الخلق يقال برأ اللّه الخلق يبرؤهم برءا، و الْبَارِئُ‏ اللّه جلّ ثناؤه. و الأصل الآخر: التباعد من الشي‏ء و مزايلته، من ذلك: البرء و هو السلامة من السقم، يقال برأت و برأت. و من ذلك قولهم برأت اليك من حقك و أنا براء منك و بري‏ء، فمن قال أنا براء لم يثنّ و لم يؤنّث، و من قال أنا بري‏ء قال بريئان و بريئون. و برآء على وزن برعاء. و من ذلك البراءة من العيب و المكروه، و لا يقال منه إلّا برء يبرّأ. و بارأت الرجل أى برأت اليه، و بَارَأَتِ‏ الْمَرْأَةُ صاحبها على المفارقة، و كذلك بارأت شريكي و أبرأت من الدين و الضمان.

و يقول في (برى): أصلان، أحدهما تسوية الشي‏ء نحتا، برى العود يبريه بريا، و كذلك القلم.

قع- (بر) نظيف، نقىّ، نزيه.

 (باراء) خلق، كوّن، شكلّ، صنع.

 (بارئ) معافى، صحىّ.

239
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 240

و التحقيق‏

أنّ مادّة برأ- و- برى- متقارب أحدهما من الآخر، و الأصل الجامع الواحد فيها: هو التباعد من النقص و العيب، سواء كان في مرحلة التكوين أو بعده.

و من هذا المعنى يتفرّع مفهوم التسوية و النحت لشي‏ء، فانّه باعتبار رفع النقص و تكميله بالنسبة الى ما يقصد منه، فانّ النقص و الكمال في كلّ شي‏ء بحسبه.

و هكذا مفهوم الخلق أى التكوين و الإيجاد على كيفيّة: فانّ التكوين بعد التقدير، و الفعل بعد القوّة تكميل للشي‏ء و رفع لجهات النقص و الضعف منه.

فحقيقة البرء و التبرئة: ترجع الى التكميل و رفع ثوائب الضعف.

إِنِّي‏ بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ+.

أى نزيه و متباعد من هذه العقيدة.

بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ‏- 9/ 1.

أى تباعد من معاهدتهم.

وَ أُبْرِئُ‏ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ‏- 3/ 49.

أى أزيل هذا العيب و المرض.

وَ ما أُبَرِّئُ‏ نَفْسِي‏- 12/ 53.

أى لا أدّعى‏ براءة نفسي من العيوب و النواقص، و الإبراء لقيام الحدث بالفاعل، و التبرأة للوقوع و النسبة الى المفعول.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا 2/ 166.

أى أخذوا البراءة منهم.

ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ‏ نَبْرَأَها- 57/ 22.

أى قبل أن نوجد و نكوّن المصيبة، فقد كتبت و ثبتت عند اللّه المتعال و في‏

240
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 240

علمه و قدّرت قبل تحقّقها.

هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ‏ الْبارِئُ‏ الْمُصَوِّرُ- 59/ 24.

فيعلم من هذه الجملة أنّ مرتبة البرء بعد الخلق و قبل التصوير، فالخلق مقام التقدير، و البرء مقام التكوين و الإيجاد على وفق ما قدّر، و التصوير تعيين الخصوصيّات.

فحقيقة الخلق هو إيجاد مع التقدير، و التقدير الكلّى العلمىّ اوّل مرحلة التكوين، و إذا انتهى التقدير الى مقام العمل و الفعليّة و الإيجاد الخارجي فهو البُرْءُ، ثمّ مقام التصوير.

و يطلق الخلق عرفا على مجموع هذه المراتب من التقدير و التكوين و التصوير، إذ هو أعمّ من الجهة النظرىّ العلمىّ و العمليّ الخارجىّ.

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ.

و قد عبّر هنا بالبريّة دون الخليقة، و كذا قبلها: أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ- 98/ 6.

فانّ العمل الصالح و الشرك بعد التكوين و التحقّق خارجا، و لا يناسب هذا المقام التعبير بالخليقة فانّها تشمل مرتبة التقدير.

و ظاهر هذه الكلمة أن تكون من مادّة برى، و قلنا إنّ هذه المادّة و مادّة برأ مرجعهما واحد لفظا و معنى- راجع- برى.

فَتُوبُوا إِلى‏ بارِئِكُمْ‏ ...، خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ‏- 2/ 54.

ذكر هذا الاسم في هذا المقام أنسب من اسم الخالق، فانّ التوبة تناسب الرجوع و التوجّه الى من أوجد و كوّن دون من قدّر الخلق.

و في هذا التعبير لطف آخر، و هو الإشارة الى أنّ اللّه المتعال أوجدهم مبرّؤون من النواقص و العيوب و أكمل وجودهم و أنهى ما قدّر الى الفعليّة، فلازم لهم أن يتوبوا اليه شكرا و حمدا له تعالى.

241
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برج ص : 242

 

و لا يخفى أنّ هذا اللطف منظور في كلمة البريّة أيضا: فانّ العمل الصالح يوافق التكوين فيحصل التنزيه و البرء تكوينا و تشريعا، و يكون المؤمن الصالح خير البريّة، و أمّا إذا خالف التشريع و العمل التكوين: فيكون العامل شرّ البريّة، فانه قد سلك خلاف ما يقتضى وجوده.

برج‏

مصبا- بُرْجُ‏ الحمام: مأواه. و البرج في السماء: قيل منزلة القمر، و قيل الكوكب العظيم، و قيل باب السماء، و الجمع فيهما بُرُوجٌ‏ و أَبْرَاجٌ‏. و تَبَرَّجَتِ‏ المرأةُ:

أظهرت زينتها و محاسنها للأجانب.

مقا- بُرْجٌ‏: أصلان، أحدهما البروز و الظهور، و الآخر الوزر (الملجأ) و الملجأ. فمن الأوّل البُرْجُ و هو سعة العين في شدّة سواد سوادها و شدّة بياضها. و منه‏ التَّبَرُّج‏ و هو إظهار المرأة محاسنها. و الأصل الثاني- البرج واحد بروج السماء. و أصل البُرُوج الحصون و القصور، و يقال ثوب مبرّج إذا كان عليه صور البروج.

لسا- البرج: تباعد ما بين الحاجبين، و كلّ ظاهر مرتفع فقد برج، و إنّما قيل للبروج بروج لظهورها و بيانها و ارتفاعها، و البرج: نجل العين و هو سعتها.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الظهور و الجالبيّة، فكلّ شي‏ء ظاهر جالب متفّوّق فهو برج. و بهذا الاعتبار يطلق على القصر المرتفع، و البناء العالي، و الحصن، و البناء على الحصن، و العين المتّسعة الجالبة إذا حسنت و جلبت و كانت نافذة، و المرأة المتزيّنة الحسناء الّتى أظهرت محاسنها للأجانب و نفذت فيهم، و الكوكب الفائق إذا توقّد و ظهر في السماء.

 

242
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 242

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي‏ بُرُوجٍ‏ مُشَيَّدَةٍ- 4/ 78.

أى أبنية عالية جالبة قد شيّدت أركانها.

وَ السَّماءِ ذاتِ‏ الْبُرُوجِ‏- 85/ 1.

أى ذات أبنية عالية متجلّية مشرقة جالبة، و هي الكواكب، و معلوم أنّ الأبنية و البروج في كلّ محلّ بحسبه، و بروج السماء بهذه العظمة و السعة الّتى لم تدرك الى الآن منتهاها: لا بدّ أن تكون ملايين من الكواكب العظيمة البناء. التي توصف في الكتب المربوطة.

وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ‏- 15/ 16.

فيعلم أنّ المراد بها البروج الّتى تتراءى للناظرين، و لا شكّ في انحصارها في الكواكب.

و أمّا البُرُوجُ‏ المصطلحة في كتب النجوم فهي منازل اعتباريّة لمسير الشمس في السنة الواحدة، و كذلك فلك البُرُوجُ المصطلح عندهم.

و أمّا التعبير في الموارد المذكورة بالبروج دون الكواكب و النجوم: فانّ مقام التنبيه على الجلال و العظمة يقتضى ذلك، فانّ البروج كما قلنا تدلّ على البنيان الرفيع العالي المتجلّى المتظاهر.

وَ لا تَبَرَّجْنَ‏ تَبَرُّجَ‏ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‏- 33/ 33.

أى لا يتظاهرن و لا يردن الاستعلاء و التجلّى و جلب النفوس، و معلوم أنّ التظاهر و الاستعلاء في كلّ نوع بحسبه، ففي المرأة بالتزيّن في مقابل الأجانب قولا و عملا و سلوكا و مشيا و لمزا و نظرا.

فكلّ حركة أو سكون من المرأة يجلب نظر الأجنبىّ و يقتضى نفوذها فيه و يوجب التظاهر و التجلّى و الاستعلاء في قباله: فهو تبرّج منهىّ في القرآن الكريم، و صاحبه مخالف أمر اللّه المتعال و من أهل الجاهليّة.

243
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برح ص : 244

برح‏

مصبا- بَرِحَ‏ الشي‏ء يَبْرَحُ‏ من باب تعب‏ بُرَاحاً: زال من مكانه. و منه قيل للّيلة الماضية: الْبَارِحَةُ. و العرب تقول قبل الزوال: فعلنا الليلة كذا لقربها من وقت الكلام، و تقول بعد الزوال: فعلنا الْبَارِحَةَ. و برحت الريح بالتراب: حملته و سفت به فهي بارح، و ما برح مكانه: لم يفارقه، و بَرِحَ الخفاءُ: إذا وضح الأمر. و بَرَّحَ‏ بِهِ الضربُ‏ تَبْرِيحاً: اشتدّ و عظم، و هذا أبرح من ذاك أى أشدّ. و البُراح: المكان الّذى لا سترة فيه.

مقا- بَرِحَ‏: أصلان يتفرّع عنهما فروع كثيرة. فالأوّل- الزوال و البروز و الانكشاف. و الثاني الشدّة و العظم و ما أشبههما. أمّا الأوّل- برح يبرح براحا: إذا رام (طلب) من موضعه. و يقول ما برحت أفعل ذلك، في معنى ما زلت، و برح الخفاء: انكشف الأمر. و برح: مضى، و منه سمّيت البارحة، قالوا البارحة الليلة الّتى قبل ليلتك، صفة غالبة لها حتّى صار كالاسم، و أصلها من برح أى زال عن موضعه. و الأصل الآخر- يقال: ما أبرح هذا الأمر- أى أعجبه. و أبرحت ربّا أى أعظمت، و المعنى واحد. و أبرحت بفلان أى حملته على ما لا يطيق فتبرّح به. و البريح: التعب.

صحا- بَرِحَ: لقيت منه برحا بارحا أى شدّة و أذى. و الْبَارِحُ. الريح الحارّة. و البَارِحَةُ: أقرب ليلة مضت، و هو من برح أى زال، و برّح به الأمر تبريحا أى جهده و ضَرَبَهُ ضَرْباً مِبَرِّحاً، و أبرحت جارا، أى أعجبت و بالغت، و أبرحه أيضا: أكرمه و عظمّه، و جاءنا بالأمر براحا أى بيّنا، و البراح مصدر قولك برح مكانه: زال عنه و صار في البراح. و برح الخفاء: وضع الأمر كأنّه ذهب السرّ و زال.

244
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 245

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الزوال في مورد الابتلاء و المضيقة و في ما لا يلائم، و بهذا اللحاظ تختلف خصوصيّات معناه باختلاف الموارد، فإذا كان الابتلاء من جهة الظلمة: يقال برحت الليلة و البارحة. و إذا كان من جهة خفاء الأمر و إبهامه: يقال بَرِحَ الخفاء أى اتّضح الأمر و رفع الإبهام. و إذا كان من التسترّ بالظلّ و ذى الظلّ: يقال إنّه برح مكانه و البراح. و إذا كان من جهة اجتماع التراب: يقال بَرِحَتِ الريحُ التراب فهي بارح. فالأصل في جميع هذه الموارد محفوظ، و هو زوال ما انكدر و كره من ابتلاء و ظلمة و إبهام و خفاء و تستّر و تقيّد و غيرها.

و ظهر أنّ معنى الظهور و البروز و الانكشاف و التبيّن و الوضوح و المضىّ كلّها من لوازم ذلك الأصل الواحد.

و أمّا الشدّة و العظم و التعب و الأذى و الجهد و أمثالها: فلا يخفى أنّ هذه المعاني من متعلّقات الزوال و من قيوده، أى من مصاديق (ما كره و انكدر)، و إطلاق المادّة عليها باعتبار كونها في معرض الزوال، فيكون الزوال من قيود هذه المعاني، فترجع الى الأصل الواحد.

لا أَبْرَحُ‏ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ‏- 18/ 60.

أى لا أزول عن تحملّ المشقّة و التعب و الجهد فيما لا يلائم الى أن أبلغ المحلّ.

لَنْ‏ نَبْرَحَ‏ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى‏- 20/ 91.

أى لا نزول عن هذا العكوف المبهم المكروه في الواقع الى أن يرجع إلينا موسى.

فَلَنْ‏ أَبْرَحَ‏ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ‏- 12/ 80.

أى لن أزول عن التلبّث في أرض مصر و لا أخرج منها، أو عن التعيّش في مطلق وجه الأرض بحال الغربة و الانقطاع عن العلائق و الوسائل الى أن يأذن أبى.

245
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برد ص : 246

برد

مصبا- الْبَرْدُ: خلاف الحرّ، و أَبْرَدْنَا: دخلنا في البرد مثل أصبحنا دخلنا في الصباح، و امّا أبردوا بالظهر فالباء للتعدية، و المعنى أدخلوا الظهر في البرد أى صلاة الظهر في البرد و هو سكون شدّة الحرّ، و برد الشي‏ء برودة مثل سهل سهولة، إذا سكنت حرارته، و أمّا برد بردا من باب قتل: فيستعمل لازما و متعدّيا، يقال برد الماء، و بردته، فهو بارد مبرود، و برّدته مبالغة. و بردت الحديدة بالمبرد و الجمع المبارد. و البردىّ نبات يعمل منه الحصر على لفظ المنسوب الى البرد، و البرد: شي‏ء ينزل من السحاب يشبه الحصى و يسمّى حبّ الغمام. و البريد: الرسول، ثمّ استعمل في المسافة الّتى يقطعها و هي اثنى عشر ميلا. و البرد: معروف و جمعه أبراد و برود.

مقا- بَرْدٌ: اصول أربعة- خلاف الحرّ، السكون و الثبوت، الملبوس، الاضطراب و الحركة. و اليها ترجع الفروع. فالأوّل- البرد خلاف الحرّ، و برد فهو بارد، برد الماء حرارة جوفي يبردها، و بردت عينه بالبرود. و سحاب برد إذا كان ذا برد. و الْأَبْرَدَانِ‏ طرفا النهار. و يقال للسيوف البَوَارِد. و أمّا الأصل الآخر- فالبرد:

النوم- لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً. بَرَدَ الشي‏ء: دام، فهو بارد، و برد لي على فلان من المال كذا: ثبت، و برد في يدي كذا: حصل. و برد الرجل: مات. فيحتمل أن يكون من هذا أو من الّذى قبله. و الثالث- فالبرد معروف، و بردا الجرادة:

جناحاها. و الرابع- بريد العساكر، لأنّه يجي‏ء، و يذهب.

مفر- برد: أصل البرد خلاف الحرّ، فتارة يعتبر ذاته فيقال: برد كذا أى اكتسب بردا و برد الماء كذا اى كسبه بردا. و يقال برّده أيضا، و قيل قد جاء أبرد، و ليس بصحيح. و منه‏ البَرَّادَةُ لما يبرّد الماء و يقال برد كذا: ثبت ثبوت البرد، و اختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحركة بالحرّ، برد عليه دين: ثبت. و برد

246
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 247

الإنسان: مات. و برده، أى قتله، و منه السيوف البوارد، و ذلك لما يعرض للميّت من عدم الحرارة بفقدان الروح أو لما يعرض له من السكون.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو البرودة خلاف الحرارة، و هذا المعنى يختلف باختلاف الموضوعات، فالبرودة في الماء أن يبرد الى أن يصل حدّ الانجماد فيقال له‏ البَرَدُ. و البرودة في الحيوان أن تضعف حرارته البدنيّة الى أن تصل حدّ السكون و توقّف النبض و حصل الموت. و البُرُودَةُ في النسب أن تصل الى حدّ تخرج عن الترديد و الاضطراب و تثبت النسبة الى الموضوع كقولهم برد عليه دين. و في الموضوعات أن تصل الى حدّ اللزوم و. الثبوت كقولهم برد الشي‏ء أى دام و تثبت. و البَرْدِيُّ: نبات كالقصب ينبت في الأراضى المرطوبة و طبيعتها باردة. و البريد: هو الرسول الّذى يبلّغ عن الغير و لا يظهر حرارة و ليست له مسؤوليّة في قوله و لا يعاقب فهو في كمال الثبوت و البرودة. و أمّا البرد: فلعلّه ينسج من البردىّ أو من نظائره.

فالبرودة في جميع هذه الموارد محفوظة، و ليس مطلق هذه المعاني مقصودا بل من هذه الحيثيّة.

لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَ غَسَّاقاً- 78/ 24.

لا يذوقون في جهنّم برودة يروّحهم و ينفّس عنهم حرارتها، فهو في قبال الحميم، كما أنّ هذه الكلمة قد ذكرت في قبال النار في 21/ 69- يا نارُ كُونِي‏ بَرْداً ...

وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ‏ بَرَدٍ- 24/ 43.

أى ينزّل البرد من جبال السماء و هو السحاب المتراكم إذا برد و اشتدّ و انجمد، فيوصله الى من يشاء، و الجبل كلّ ما ارتفع و تجمّع، و الإصابة: الإيصال.

و البارد كفاعل، و البَرَد كحسن صفة مشبهة تدلّ على الثبوت.

247
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بر ص : 248

و الفرق بين‏ الْبَرِيدُ و الرسول. أنّ الرسول له جهة نيابة و عنوان نازلة من طرف مرسله، و يترتّب عليه ما للمرسل. و هذا بخلاف البَرِيد فانّ له جهة إيصال الخبر قولا أو كتابة فقط و ليس له عنوان آخر أصلا.

برّ

مقا- بَرّ: أربعة اصول، الصدق، و حكاية صوت، و خلاف البحر، و نبت. فأمّا الصدق فقولهم: صدق فلان و برّ، و بَرَّتْ يمينه: صدقت، و أَبَرَّها: أمضاها على الصدق، و تقول: بَرَّ اللّهُ حَجَّكَ و أَبَرَّهُ، و حِجَّةٌ مَبْرُورَةٌ، أى قبلت قبول العمل الصادق، و من ذلك قولهم: يبرّ ربّه، أى يطيعه و هو من الصدق، و من هذا الباب:

هو يبرّذا قرابته، و أصله الصدق في المحبّة، يقال رجل‏ بَرٌّ و بَارٌّ، و بَرَرْتُ‏ وَالِدِي، و بررت في يمينى. و الأصل الآخر: إنّه لا يعرف هرّا من برّ- فالهرّ دعاء الغنم و البرّ الصوت بها إذا سيقت، و يقال لا يعرف من يكرهه ممّن يبرّه. و الثالث- خلاف البحر، و أبرّ الرجل صار في البرّ، و الْبَرِّيَّةُ: الصحراء. و أمّا النبت- فمنه البرّ و هي الحنطة، و الواحدة البرّة. أَبَرَّتِ الأرضُ: كثر برّها.

مصبا- البرّ خلاف البحر، و الْبَرِّيَّةُ نسبة اليه هي الصحراء. و البرّ:

القمح، و الواحد البرّة. و البرّ: الخير و الفضل، و برّ الرجل يبرّ برّا وزان علم، فهو برّ و بارّ أيضا أى صادق أو تقىّ و هو خلاف الفاجر، و جمع الأوّل أبرار و جمع الثاني بررة مثل كافر و كفرة، و منه قوله للمؤذّن: صدقت و بررت، أى صدقت في دعواك الى الطاعات و صرت بارّا- دعاء له بذلك و دعاء له بالقبول.

مفر- الْبَرُّ خلاف البحر، و تصور منه التوسّع فاشتقّ منه البرّ اى التوسّع في فعل الخير.

248
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 249

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه الكلمة: هو حسن العمل في مقابل الغير، و هذا المعنى يختلف باختلاف الأشخاص و الموضوعات و الموارد. فالبرّ من اللّه المتعال بالنسبة الى عبيده: هو الإحسان اليهم و اللطف و التجاوز عن خطيئاتهم. و من العبد في مقابل الخالق المتعال: هو الطاعة و امتثال الأمر و العمل بوظائف العبوديّة. و من الوالد بالنسبة الى أولاده: هو التربية و التأمين و القيام بأمورهم و حوائجهم. و من الولد الى الوالد: هو الخدمة و الخضوع و الرحمة. و البرّ في الكلام: هو الصدق و قول الحقّ. و في العبادة: أن يأتى بها مقرونة بالشرائط و على ما يريده اللّه تعالى و يطلبه.

و من هذا الباب: البرّ في قطعات الأرض، فكلّ قطعة فيها اقتضاء للزراعة و السكنى و المعاش و تأمين الحياة: فهو برّ، فانّه يبرّ على ساكنه و يسهّل معاشه و يقضى وطره، في مقابل البحر العميق الممتلأ ماء المضطرب بالأمواج الهائلة- فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى‏ الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ‏ ... أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ‏.

فالبرّ في الأصل صفة مشبهة على وزان صعب، ثمّ جعل بكثرة الاستعمال اسما.

و من هذا الباب ايضا البرّ بمعنى الحنطة: فانّها من بين الحبوبات ما يصلح للاغتداء بأحسن ما يمكن، و يتغذّى منها السالم و المريض و الصغير و الكبير و الأبيض و الأسود و الشريف و الوضيع، فهي مطبوعة في كلّ ذائقة دائما، فهي تبرّ على المتغذّى الآكل الجائع بأحسن كيفيّة مطلوبة. و لا يبعد أن يكون أصل هذه الكلمة أيضا صفة مشبهة كصلب ثمّ جعل اسما.

و أمّا جملة- لا يعرف البرّ من الهرّ: فالهرّ بمعنى الكراهة، و هو في مقابل حسن العمل و الإحسان، و الجملة كناية عن فقدان قوّة التمييز.

إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ‏- 52/ 28.

249
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برز ص : 250

أنّه يحسن العمل بالنسبة الى عبيده و يرحمهم.

وَ بَرًّا بِوالِدَيْهِ وَ لَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا- 19/ 14.

فالبرّ في مقابل الجبّار العصيِّ، و الجبّار: هو المكره على ما لا يلائم. و العصيِّ: من يخالف و يعصى.

إِنَّ (الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ‏- 82/ 13.

فالأَبْرَارُ في مقابل الفجّار و الفاجر من فسق و تمايل عن الصلاح و الخير.

فالأَبْرَارُ هم الّذين يعملون عملا صالحا و يأتون بوظائفهم في مقابل اللّه المتعال و والديه و سائر الناس.

لَيْسَ‏ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ‏- 2/ 177.

وَ لَيْسَ‏ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها- 2/ 189.

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏- 3/ 92.

يريد التنبيه على أنّ البرّ حقّا هو العمل الصالح واقعا، و أمّا التظاهر بحسن العمل و رعاية ظواهر الأفعال و التقدّس و التورّع و التطوّع فليست من البرّ.

بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ‏ بَرَرَةٍ- 80/ 16.

أى سَفَرة مطمئنّين من جهة العمل.

لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ‏ تَبَرُّوا- 2/ 224.

أى لا تحلفوا إذا أردتم عمل خير، فانّ الصلاح و الخير في العمل لا يحتاج الى الحلف، و لا ينبغي أن يجعل اللّه عرضة للحلف إلّا في موارد مخصوصة مقرّرة- أى لا تحلفوا في أعمالكم و في المبرّات و الخيرات و في الإقدام و العمل عليها.

برز

مقا- بَرَزَ: أصل واحد، و هو ظهور الشي‏ء و بدوّه، قياس لا يخلف. بَرَزَ

250
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 251

الشي‏ء فهو بَارِزٌ. و كذلك انفراد الشي‏ء من أمثاله، نحو تَبَارَزَ الفارسين، و ذلك أنّ كل واحد منهما ينفرد عن جماعته الى صاحبه. و البِرَازُ: المتّسع من الأرض، لأنّه باد ليس بغائط و لا دحل و لا هوّة و امرأة برزة: جليلة تبرز و تجلس بفناء بيتها. و أَبْرَزْتُ‏ الشي‏ءَ أُبْرِزُهُ‏ إِبْرَازاً.

مصبا- بَرَزَ الشي‏ء بُرُوزاً من باب قعد: ظهر. و يتعدّى بالهمزة فيقال أبرزته فهو مبروز و هذا من النوادر الّتى جاء على مفعول من أفعل. و البراز: الفضاء الواسع الخالي من الشجر، و قيل الصحراء البارزة، ثمّ كنّى به عن النجو كما كنّى بالغائط، فقيل تبرّز كتغوّط. و بارز في الحرب مبارزة و برازا فهو مبارز، و برز الشخص برازة فهو برز و الأنثى برزة مثل ضخم ضخامة فهو ضخم و ضخمة: عفيف جليل. و برّز الرجل في العلم تبريزا: برع وفاق نظراءه، مأخوذ من برّز الفرس تبريزا إذا سبق الخيل.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها هو الظهور بحالة مخصوصة و كيفيّة غير مسبوقة، و هذا القيد هو الفارق بينها و بين مادّة الظهور و مادّة البدوّ.

فانّ الظهور مطلق في مقابل البطون و اكثر استعماله في مورد مطلق الظهور سواء كان بقيد القصد أم لا، و سواء كان في حالة مخصوصة أو لم يكن.

و أمّا البدوّ: فقد سبق أنّه يستعمل غالبا فيما كان بيّنا و بغير قصد.

فالبروز ليس في مقابل مطلق البطون، و لا بمعنى الظهور البيّن و بغير قصد، بل بمعنى الظهور على كيفيّة خاصّة غير مسبوقة بها.

يَوْمَ هُمْ‏ بارِزُونَ‏ لا يَخْفى‏ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ- 40/ 16.

أى ظاهرون على حالة مخصوصة و على كيفيّة و شرائط غير مسبوقة بها.

وَ تَرَى الْأَرْضَ‏ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ‏- 18/ 47.

251
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برزخ ص : 252

 

أى ظاهرة على خصوصيّة جديدة من دون أن يتصرّف فيها متصرّف أو يعلو عليها حكم أو يسترها ساتر.

وَ بُرِّزَتِ‏ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ‏- 26/ 91.

أى أظهرت بيّنة من دون ستر و حجاب، و رأوا حقيقتها على ما هي عليها.

وَ بَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً- 14/ 21.

أى ظهروا على حالة خالصة للّه منقطعين عمّا سواه، متوجّهين اليه و الى حكمه و لا حكم فيهم إلّا حكمه.

فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ- 4/ 81.

أى ظهروا في الخارج من حضورك، و ظهر ما في باطنهم، فهم على حالة مخصوصة.

برزخ‏

مقا- بَرْزَخٌ‏: هو الحائل بين الشيئين، كأنّ بينهما بِرَازاً أى متّسعا من الأرض، ثمّ صار كلّ حائل‏ بَرْزَخاً، فالخاء زائدة لما ذكرنا. (يزيدون حرفا لمعنى يريدونه من المبالغة و التأكيد و غيره).

صحا- الْبَرْزَخُ‏: الحاجز بين الشيئين، و البرزخ ما بين الدنيا و الآخرة من وقت الموت الى البعث.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة من مادّة برز و حرف الخاء في آخرها زائدة تدلّ على المبالغة، كما يقال برزق، من البرز، و بذرق، من البذر. فَالْبَرْزَخُ‏ معناه الأصلىّ: هو الحالة الجديدة الثانويّة العارضة المخالفة للسابقة و المربوطة بها.

 

252
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 252

وَ مِنْ وَرائِهِمْ‏ بَرْزَخٌ‏ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏- 23/ 100.

أى حالة جديدة و عالم يظهر على كيفيّة مخصوصة متكوّنة من السابق، و يمتدّ هذا العالم الى البعث.

و لا حاجة لنا الى تفسيره بالحاجز و الحائل بين الشيئين.

بَيْنَهُما بَرْزَخٌ‏ لا يَبْغِيانِ‏- 55/ 20.

وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً- 25/ 53.

في التعبير بكلمة بينهما: إشارة الى أنّ هذه الحالة الجديدة و الصورة الظاهرة إنّما هي واقعة بالنسبة الى الطرفين، فتصّح نسبة الى كلّ من البحرين الواقعين في حدّيه.

و كلتما لا يَبْغِيانِ‏، و حِجْراً مَحْجُوراً+: تدلّان على قيد جديد، و هو يلائم المعنى المذكور، و أمّا إذا كان بمعنى الحاجز. فيكون القيدان زائدين للتوضيح، و هكذا القول في الآية الاولى- وَ مِنْ وَرائِهِمْ‏- 23/ 100-: فانّ تفسيره بالحاجز بين الأمرين فيها ركيك من جهات.

فَالْبَرْزَخُ‏ في الآية الشريفة: قريب من قوله تعالى: يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى‏ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ، فالناس بعد موتهم يبرزون على حالة خاصّة منقطعين عن الدنيا و عن علائقها، متوجّهين الى عالم الحقيقة، منخلعين عن لباس الجسد. متلبّسين بلباس لطيف، يتراءى في سيماهم ما عملوا من خير أو شرّ، و يرون ما عملوا محضرا عندهم.

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏- 99/ 7.

فهذا البرزخ شبيه جدّا بالبراز: فانّ من تبرّز و خرج الى براز قرنه في الحرب، فقد انقطع عن جميع متعلّقاته، و لا يرى إلّا قدرة نفسه في مقابل طرفه و قرنه، و لا ينفعه ما كان له من عنوان أو مال أو قريب حميم.

253
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برص ص : 254

برص‏

مقا- بَرَصٌ‏: أصل واحد، و هو أن يكون في الشي‏ء لمعة تخالف سائر لونه، من ذلك البرص. و ربّما سمّوا القمر، أَبْرَصَ. و الْبَرِيصُ مثل البصيص، و هو ذلك القياس.

مصبا- بَرِصَ‏ الجسمُ‏ بَرَصاً من باب تعب، فالذكر أَبْرَصُ و الأنثى برصاء، و الجمع برص مثل أحمر و حمراء و حمر. و سامّ أبرص كبار الوزغ.

الطبّ الأكبرى ص 148 ج 2- و هو بياض شديد يظهر في ظاهر الجلد، و قد يحيط بتمام البدن فيقال برص منتشر، و أنّه متعسّر العلاج، و لا سيّما إذا كان مزمنا و في التزايد، و إذا كان مزمنا فيسرى في اللحم و العظم، حتّى يكون الشعر و الدم في المحلّ بياضين.

و التحقيق‏

أنّ البرص مرض جلدي تظهّر نقاط بيض وسيعة في ظاهر الجلد بعلل خارجيّة أو داخليّة، و لفظه مأخوذ من اللغة السريانيّة- بارصا.

وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ‏ وَ أُحْيِ الْمَوْتى‏ بِإِذْنِ اللَّهِ‏- 3/ 49.

وَ تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ‏ بِإِذْنِي‏- 5/ 110.

و الأكمه مطموس العين.

برق‏

مصبا- البَرْقُ‏ معروف، و برقت السماء برقا من باب قتل و برقانا ايضا:

ظهر منها البرق، و برق الرجل و أبرق: أوعد بالشرّ، و البُرَاقُ دابّة نحو البغل تركبه‏

254
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برق ص : 254

الرسل عند العروج الى السماء. و الْإِبْرِيقُ فارسىّ معرّب و الجمع الْأَبَارِيقُ.

مقا- بَرْقٌ‏: أصلان تتفرّع الفروع منهما: أحدهما لمعان الشي‏ء. و الآخر اجتماع السواد و البياض في الشي‏ء، و ما بعد ذلك فكلّه مجاز و محمول على هذين الأصلين. قال الخليل: البرق وميض السحاب، برق السحاب برقا و بريقا، و أبرق ايضا لغة، و يقال برقة للمرّة الواحدة إذا برق، و برقة إذا أردت المقدار و الْبَارِقَةُ:

السحابة ذات البرق، و كلّ شي‏ء يتلألئونه فهو بارق يبرق بريقا، و يقال للسيوف بوارق. و يقال للسيف و لكلّ ماله بريق: إبريق، حتّى إنّهم يقولون للمرأة الحسناء الْبَرَّاقَةُ: إِبْرِيقٌ. و إذا شدّد موعد بالوعيد قيل أبرق و أرعد، و يقال برق و رعد أيضا، و الإنسان إذا بقي كالمتحيّر قيل برق بصره برقا فو برق اى فزع مبهوت، و كذلك تفسير من قرأها- فإذا برق البصر. فأمّا من قرأ: برق البصر- فإنّه يقول تراه يلمع من شدّة شخوصه تراه لا يطيق. و أمّا الأصل الآخر: تسمّى العين برقاء لسوادها و بياضها، و الأبرق من الجبال ما أبرم بقوّة سوداء و قوّة بيضاء، و من الجبال ما كان منه جدد بيض و جدد سود.

صحا- بَرِقَ‏ السيفُ و غيره يَبْرَقُ بُرُوقاً: تلألأ، و الاسم البريق، و البرق واحد بروق السماء، و رعدت المرأة، و برقت: تزيّنت. و الإبريق: فارسىّ معرّب، واحد الأباريق. و الإِبْرِيقُ‏ أيضا السيف الشديد البريق، و الأبرق الحبل الّذى فيه لونان، و كلّ شي‏ء اجتمع فيه لونان سواد و بياض فهو أبرق. و البرق: الحمل فارسي معرّب و جمعه برقان. و الْإِسْتَبْرَقُ‏: هو الديباج الغليظ فارسىّ معرّب و تصغيره أبيرق.

المعرّب ص 23: الإبريق- فارسىّ معرّب و ترجمته من الفارسيّة أحد شيئين: إمّا أن يكون طريق الماء، أو صبّ الماء.

و في ص 15: و الإستبرق: غليظ الديباج فارسىّ معرّب، و أصله إستفره. و قال ابن دريد: استروه. و نقل من العجمة الى العربيّة.

255
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 256

و في ص 45- و البرق: هو الحمل، أصلها بالفارسيّة بره.

و قريب ممّا ذكر ما في لسان العرب و الاشتقاق و غيرهما.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو اللمعان المخصوص، أى بقيد أن يكون بشدّة و يتحصّل بالضغط. كالبرق الخارج من ضغط السحاب، أو من شدّة تظاهر السيوف، أو من حدّة الجمال، أو من حدّة الوعيد، أو من حدّة النظر الخاصّ و شدّة الشخوص، أو من شدّة لمعان البياض من بين السواد في العين، أو في الجبل، أو غيرهما، فالقيد محفوظ و ملحوظ في جميع مصاديقها.

أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ‏- 2/ 19.

أى يخرج البرق من شدّة ضغطة الرعد و من بين الظلمات.

فَإِذا بَرِقَ‏ الْبَصَرُ وَ خَسَفَ الْقَمَرُ- 75/ 7.

أى اشتدّ لمعانه من حدّة النظر و شخوصه.

يَكادُ الْبَرْقُ‏ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ‏- 2/ 20.

أى البرق المتحصّل من الصيّب.

وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ ... يَكادُ سَنا بَرْقِهِ‏ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ- 24/ 43.

من شدّة ضياء البرق و من حدّة البرد.

و قد ظهر أنّ لغات- برق، إبريق- إستبرق، أصلها فارسيّة، و قد عرّبت، و ليست مأخوذة من هذه المادّة، فهي: برق برق- معرّبة من كلمة (برّه).

إبريق- معرّبة من كلمة (آب ريز).

إستبرق- معرّبة من كلمة (استبره).

256
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برك ص : 257

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ‏- 56/ 18.

أى بآنية مصوغة لصبّ الماء و الغسل منها عند الغذاء و الطعام.

يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ‏- 44/ 53.

مُتَّكِئِينَ عَلى‏ فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ‏ إِسْتَبْرَقٍ‏- 55/ 54.

يقال: السندس اللطيف من الديباج و الإستبرق الضخيم منه. و لم أجد مأخذا له في كتب اللغة.

و لا يبعد أن نقول: إنّ البرق يطلق على الحمل و هو الصغير من الضأن، لظرافته و حسن خلقه و لطف صورته كما يطلق الإبريق على المرأة الحسناء. و أمّا الإبريق فيطلق على إناء يصبّ منه الماء: لكونه مصنوعا من فلّز أبيض برّاق. و أمّا الإستبرق فيطلق على لباس مأخوذ من ديباج يبرق و يلمع، و هو منقول من فعل و أصله إستبرق أى طلب بتلبّسه هذا اللباس البرق و اللمعان، ثمّ جعل اسما بهذا المنسوج.

فعلى هذا تكون هذه اللغات أيضا من تلك المادّة.

برك‏

مقا- أصل واحد، و هو ثبات الشي‏ء، ثمّ يتفرّع فروعا كثيرة يقارب بعضها بعضا. يقال‏ بَرَكَ‏ البعير يَبْرُكُ‏ بُرُوكاً. قال الخليل: البرك يقع على ما برك من الجمال و النوق على الماء أو بالفلاة من حرّ الشمس أو الشبع، الواحد بارك، و الأنثى باركة. و البرك أيضا كلكل البعير و صدره الّذى يدكّ به الشي‏ء تحته، تقول حكّه و دكّه ببركة، و البركة: ما ولى الأرض من جلد البطن و ما يليه من الصدر من كلّ دابّة، و اشتقاقه من مبرك الإبل و هو الموضع الّذى تبرك فيه، و الجمع مبارك. قال الخليل: الْبَرَكَةُ من الزيادة و النماء، و التَّبْرِيكُ‏ أن تدعو بالبركة، و تَبارَكَ‏ اللَّهُ+:

257
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برك ص : 257

تمجيد و تجليل.

مصبا- بَرَكَ البعيرُ بُرُوكاً من باب قعد: وقع على بركه و هو صدره، و المَبْرَكُ وزان جعفر موضع البروك، و الجمع‏ مَبَارِكُ‏. و بركة الماء معروفة و الجمع برك مثل سدرة و سدر. و البركة: الزيادة و النماء. و بارك اللّه تعالى فيه فهو مبارك و الأصل مبارك فيه.

صحا- بَرَكَ‏ البعير يبرك بروكا: استناخ. و أبركته أنا فبرك، و هو قليل و الأكثر أنخته فاستناخ. و كلّ شي‏ء ثبت و أقام فقد برك، و البرك: المصدر. و البركة: كالحوض و الجمع البرك، قيل سمّيت بذلك لاقامة الماء فيها. و البركة:

النماء و الزيادة، و طعام بريك كانّه مبارك، و يقال بارك اللّه لك و فيك و عليك و باركك، قال تعالى- بُورِكَ‏ مَنْ فِي النَّارِ، و تَبارَكَ‏ اللَّهُ+ أى بارك مثل قاتل و تقاتل، إلّا أنّ فاعل يتعدّى و تفاعل لا يتعدّى، و تبرّكت به: تيّمنت به.

مفر- أصل البرك صدر البعير و ان استعمل في غيره، و يقال له بركة، و برك البعير: ألقى ركبه و اعتبر منه معنى اللزوم فقيل ابتركوا في الحرب أى ثبتوا، و لازموا موضع الحرب، و بَرَاكاءُ الحرب و بُرُوكَاؤُهَا للمكان الّذى يلزمه الأبطال، و ابتركت الدابّة وقفت وقوفا كالبروك، و سمّى محبس الماء بركة، و البركة: ثبوت الخير الإلهىّ في الشي‏ء- لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ‏ بَرَكاتٍ‏ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏، و سمىّ بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة، و المبارك ما فيه ذلك الخير على ذلك- هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ‏ أَنْزَلْناهُ‏- تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهيّة.

قع- [بارك‏] ركع، سجد، برك، أحنى الركبة.

 [برك‏] بارك، مجّد، رحّب، حنّأ، هنّأ.

 (براكاه) مباركة، تهنئة، تحيّة، تسبيح.

258
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 259

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الفضل و الفيض و الخير و الزيادة مادّيّا كان أو معنويّا، فالمبارك ما فيه الخير و يكون متعلّقا للفيض و الفضل. و البركة: الخير و الفضل و الزيادة. و البركة: زيادة و خير مخصوص، و اختصّ بنوع معيّن من مجمع الماء. و البرك: من أخصّ مصاديق الزيادة و الخير، و هو صدر البعير فانّ الصدر مقدّم البدن و لا سيّما في مقام إظهار التشخّص و الوجود و الشجاعة، و في البعير في مقام القيام و القعود أيضا، و كان البعير اكبر وسيلة للحياة و التعيّش في الأراضى العربيّة. و البروك: ثبوت البعير و نزوله و قعوده، و هو في الحقيقة استناخه مصداق جلىّ من الخير و الفضل في مقام.

و لمّا كان (فاعل) تدلّ على طول النسبة و امتدادها: فكلمة بَارَكَ‏ تدلّ على امتداد البركة و استمرارها. كما أنّ صيغة تفاعل تدلّ على قبول نسبة فاعل أى الوفاق و انطباق النسبة و تحقّقها: فكلمة تبارك تدلّ على تحقّق امتداد البركة، كقولنا- باعد- اى أطال البعد و امتد بعده، و تباعد- طال و امتدّ البعد. و القبول يلازم اللزوم. و مقتضى اللزوم الاكتفاء بالفاعل و عدم الحاجة الى المفعول، و لذا يقال- تباعد زيد و عمرو.

إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي‏ بارَكْنا حَوْلَهُ‏- 17/ 1.

إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي‏ بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ‏- 21/ 71.

أى أطلنا الخير و الفضل و البركة فيها.

وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى‏ إِسْحاقَ‏- 37/ 113.

نُودِيَ أَنْ‏ بُورِكَ‏ مَنْ فِي النَّارِ- 27/ 8.

فهو مورد للفضل و التوجّه و الفيوضات الربّانيّة.

لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ‏ بَرَكاتٍ‏ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏- 7/ 96.

259
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برم ص : 260

رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ‏ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ‏- 11/ 73.

أى فيوضات مادّية و معنويّة.

تَبارَكَ‏ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ+- 7/ 54.

تَبارَكَ‏ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ‏- 25/ 1.

أى استمرّ دوام مقام فضله و إحسانه و فيضه فهو مبدأ الفضل و فيه الفضل.

مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ- 24/ 35.

فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ- 28/ 30.

فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ- 44/ 3.

ماءً مُبارَكاً- 50/ 9.

أى محلّ نزول‏ البَرَكَةِ و مورده.

برم‏

مقا- بَرَمَ‏: أربعة اصول: إحكام الشي‏ء، و الغرض (الضجر) به، و اختلاف اللونين، و جنس من النبات. فأمّا الأوّل- أَبْرَمْتُ‏ الأمر: أحكمته. و المبارم: مغازل ضخام تبرم عليها المرأة غزلها و هي من السمر، و أبرمت الحبل: إذا فتلته متينا. و أمّا الغرض: فيقولون برمت بالأمر: عييت به، و أبرمنى: أعيانى. قال الخليل: برمت بكذا: ضجرت به برما. و أمّا اختلاف اللونين: فيقال إنّ‏ البَرِيمَيْنِ‏ النوعان من كلّ ذى خلطين، مثل سواد الليل مختلطا ببياض النهار، و هؤلاء بريم قوم أى لفيفهم من كلّ لون. و الأصل الرابع: البرم، برم السلم و برمة العرفط و هي بيضاء كبرمة الآس (من الأشجار).

مصبا- الْبُرْمَةُ: القِدْر من الحجر و الجمع‏ بُرَمٌ‏ مثل غرفه و غرف، و بِرَامٌ أيضا. و بَرِمَ بالشي‏ء بَرَماً فهو بَرِم مثل ضجر ضجرا فهو ضجر وزنا و معنى، و يتعدّى‏

260
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 261

 

بالهمزة فيقال أبرمته به و تبرّم مثل برم. و أبرمت العقد إِبْرَاماً: أحكمته، فَانْبَرَمَ هو، و أبرمت الشي‏ء: دبّرته.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الإحكام بالفتل و خلط الجنسين و نظيرهما، و ليس مطلق الإحكام و لا مطلق الفتل: مفهوما لها. و أمّا الضجر و العىّ:

فهي من آثار الفتل و التحويل و الانطواء بشي‏ء. و هذا المفهوم أعمّ من أن يكون فتل أمرين محسوسين أو معقولين، فيشمل انفتال الحبل و التواء النور و الظلمة و انطواء العملين أو الحادثتين توجبان الضجر و السأم. و أمّا زهرة العضاه: فلعلّ الإطلاق بمناسبة التوائها أو إحكامها.

أَمْ‏ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ‏- 43/ 79.

أى يحكمون أمرهم و يتمسّكون بأىّ وسيلة ممكنة في تحكيم أعمالهم و أفكارهم الباطلة، بفتل و التواء و انطواء و خلط و مغالطة، و لكنّ اللّه هو المُبْرِمُ‏ القوىّ الشديد.- لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ‏ ... أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ بَلى‏ وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‏- 43/ 80.

برهن‏

أسا- بَرَهَ: أَبْرَهَ فلانٌ: جاء بِالْبُرْهَانِ‏، و بَرْهَنَ مولّد. و البُرْهَانُ: بيان الحجّة و إيضاحها.

مصبا- و الْبُرْهَانُ‏: الحجّة و إيضاحها. قيل: النون زائدة، و قيل: أصليّة، و قولهم بَرْهَنَ فلان: مولّد، و الصواب أن يقال أبره، إذا جاء بالبرهان.

لسا- البُرْهَانُ: الحجّة الفاصلة البيّنة. يقال برهن يبرهن‏ بَرْهَنَةً: إذا جاء

 

261
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 262

بحجّة قاطعة للدد الخصم، فهو مبرهن.

مفر- البرهان: بيان للحجّة، و هو فعلان مثل الرجحان و الثنيان، و قال بعضهم: هو مصدر بره يبره إذا ابيضّ، و رجل‏ أَبْرَهُ‏، و امرأة بَرْهَاءُ، و قوم بُرْهٌ.

و بَرَهْرَهَةٌ شابّة بيضاء. و الْبُرْهَةُ مدّة من الزمان. فالبرهان أوكد الأدلّة.

فع- (باراه)- اختار، اصطفى، انتقى.

و التحقيق‏

أنّه لا يبعد أن نقول: إنّ كلمة البرهان مأخوذة من بره يبره إذا ابيضّ، و هو في الأصل مصدر كغفران و عدوان و نقصان، و معناه الابيضاض، ثمّ اطلق على الكلام الجلّي الّذى لا إبهام فيه أو امر بيّن لا خفاء فيه، ثم اشتقّ من هذه الكلمة أفعال، فيقال برهن يبرهن برهنة فهو مبرهن، و هذا النحو يسمّى بالاشتقاق الانتزاعىّ، كما في سلطن يسلطن من السلطان و هو من السلط، فالنون زائدة من جهة المادّة الأصليّة، و أصلية بالنسبة الى الاشتقاق الثانوىّ الانتزاعىّ، و لعلّ هذا معنى قولهم- برهن مولّد.

قَدْ جاءَكُمْ‏ بُرْهانٌ‏ مِنْ رَبِّكُمْ‏- 4/ 174.

أى أمر بيّن محكم لا ريب فيه و لا ظلمة.

وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى‏ بُرْهانَ‏ رَبِّهِ‏.

أى ما تبيّن به الحقّ و الهدى، و يتّضح به سبيل الرشد من الغوى، و هو النور، يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ...

وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ‏ لَهُ بِهِ‏- 23/ 117.

أى ليس لهم أمر بيّن محكم يبيّن دعواهم و يثبت قولهم، فهم في ظلمة و ريب يتردّدون.

فَذانِكَ‏ بُرْهانانِ‏ مِنْ رَبِّكَ‏- 28/ 32.

262
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

برى ص : 263

أى أمران نيّران و آيتان بيّنتان من جانب الربّ لإثبات دعوتك.

و أمّا البرهان بمعنى الدليل: فهو اصطلاح منطقىّ خارج عن اللغة.

برى‏

مصبا- بَرْيٌ‏: بَرَيْتُ القلم بريا من باب رمى فهو مَبْرِيٌّ، و بروته لغة، و اسم الفعل البراية، و هذه العبارة فيه تسامح لأنّهم قالوا لا يسمّى قلما الّا بعد البراية، و قبلها يسمّى قصبة، فكيف يقال للمبريِّ بريته، لكنّه سمّى باسم ما يؤل اليه مجازا، و البرا مثل العصا: التراب، و باريته: عارضته فأتيت بمثل فعله. و الْبَارِيَةُ:

الحصير الخشن و هو المشهور في الاستعمال و هي في تقدير فاعولة.

مقا- برى: أصلان، أحدهما تسوية الشي‏ء نحتا. و الثاني- التعرّض و المحاكاة. فالأوّل- برى العود يبريه بريا، و كذلك القلم. و ناس يقولون يبرو، و هو بالياء أصوب. قال الخليل: البريُّ السهم الّذى قد أتمّ بريه و لم يرش و لم ينضّل.

قال أبو زيد: يقول العرب- أعط القوس باريها- أى كل الأمر الى صاحبه. و قولهم للبعير: إنّه لذو براية فمن هذا أيضا، أى إنّه برى بريا محكما. و من الباب البرى الخلق، و البرى التراب، يقال بفيه البرى، لأنّ الخلق منه. و الأصل الآخر: المحاكاة في الصنيع و التعرّض، باريت فلانا: حاكيته.

صحا- برا: البرى التراب. و الْبَرِيَّةُ الخلق، و أصله الهمزة، و الجمع البَرَايَا و البَرِيَّاتُ. قال الفّراء: إن أخذت البريّة من البرى و هو التراب، فأصله غير الهمزة، تقول منه براه اللّه يبروه بروا: خلقه، و فلان يبارى الريح سخاء و انبرى له:

اعترض، و فلان يبارى فلانا: يعارضه و يفعل مثل فعله، و هما يتباريان، و البراية:

النحاتة من العود. و المبراة الّتى يبرى بها. و بريت القلم بريا.

263
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 264

 

و التحقيق‏

أنّه قد سبق في مادّة برء: أنّ مادّة برء و برى يرجع أحدهما الى الآخر و مرجع معناهما الى التنزيه- فراجعها.

ثمّ إنّ اطلاق البرى على الخلق: باعتبار كون الخلق مبريّا و مسوّى بالنحت، و إطلاقه على التراب باعتبار كونه مادّة للتسوية و النحت- خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ+، كما أنّ البريّة فعيلة من البرى. و أمّا الْمُبَارَاةُ: فهي بمعنى الطول و الامتداد في التسوية بالنحت، و الامتداد: بمقتضى باب المفاعلة و دلالة الألف الزائدة، و هذا المعنى يناسب المحاكاة و التعرّض في ذلك المفهوم، لا مطلق المحاكاة، فقولهم فلان يبارى الريح سخاء: معناه الإدامة و الطول في البرى في موضوع السخاء، فالمحاكاة تستفاد منها التزاما بقرينة ذكر الريح.

أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ...، أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ- 97/ 6.

أى الخليقة الّتى تكوّنت و تحقّقت في الخارج بعد التقدير- كما قلنا في البرء.

بزغ‏

مقا- بَزَغَ‏: أصل واحد و هو طلوع الشي‏ء و ظهوره، يقال بَزَغَتِ الشمسُ و بَزَغَ. تاب البعير: إذا طلع. و يقولون للبيطار إذا أودج (قطع عرقها) الدابّة: قد بزغه، و هو قياس الباب.

مصبا- بَزَغَ‏ البيطار و الحاجم‏ بَزْغاً من باب قتل: شرط و أسال الدم، و بزغ ناب البعير بُزُوغاً، و بزغت الشمس: طلعت، فهي‏ بَازِغَةٌ.

أسا- بزغ البيطار الدابّة بزغا، و بزّغها تبزيغا: إذا شقّ أشعرها بمبزغه. و بزغ الناب إذا شقّ اللحم فخرج. ألا ترى الى قولهم شقّ الناب و فطر، و منه بزغت‏

 

264
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 265

 

الشمس، و بزغ القمر، و نجوم بوازغ.

لسا- بزغت الشمس تبزغ بزغا و بزوغا: بدا منها طلوع أو طلعت و شرقت، و قال الزّجاج: ابتدأت في الطلوع، مأخوذ من البزغ و هو الشقّ كأنّها تشقّ بنوره الظلمة شقّا، و من هذا يقال: بزغ البيطار أشاعر الدابّة و بضعها (قطعها و شقّها) إذا شقّ ذلك المكان منها بمبضعه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الشقّ و الطلوع، و هذان القيدان مأخوذان في مفهومها، و بهذين القيدين يظهر الفرق بينها و بين مادّة الشقّ و البضع و الطلوع، فبزوغ الشمس عبارة عن ابتداء طلوعها حين شقّت الشمس ظلمة الليل.

فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ‏ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي‏- 6/ 78.

أي إذا شقّت الظلمة و طلعت.

فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً- 6/ 77.

أى إذا انشقّت الظلمة و طلع القمر.

بسر

مقا- بَسْرٌ: أصلان، أحدهما الطراءة و أن يكون الشي‏ء قبل إناه، و الأصل الآخر وقوف الشي‏ء و قلّة حركته. فالأوّل قولهم لكلّ شي‏ء غضّ بسر، و نبات بسر إذا كان طريّا، و ماء بَسر إذا كان قريب العهد بالسحاب، و يقال للشمس في أوّل طلوعها بسرة، و من هذا قولهم بسر الرجل الحاجة إذا طلبها من غير موضع الطلب، و قياسه صحيح لأنّه كأنّه طلبها قبل إناها.

أسا- هو بُسْراً أطيبُ منه رُطَباً، و قد أَبْسَرَتِ النخلةُ. و من المجاز ابْتَسَر

 

265
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 266

الحاجة: طلبها قبل وقتها، و غلام بسر و جارية بسرة: غضّا الشباب.

صحا- الْبُسْرُ أوّله طلع ثمّ بلح ثمّ خلال ثمّ بسر ثمّ رطب ثمّ تمر، الواحدة بُسْرَةٌ و بُسُرَةٌ و الجمع بُسُرَاتٌ و بُسَرٌ، و أَبْسَرَ النخل: صار ما عليه بُسْرا، و بَسَرَ الرجُلُ وجهَهُ بُسُوراً: كلح، يقال‏ عَبَسَ وَ بَسَرَ. و الباسور واحد البَوَاسِيرِ و هي علّة تحدث في المقعد و في داخل الأنف.

لسا- الْبَسْرُ: الإعجال. و بَسَرَ الفحلُ الناقة يَبْسُرُهَا بَسْرا و ابْتَسَرَهَا: ضربها قبل الضبعة (ارادة الفحل من جانب الناقة)، فهي‏ مَبْسُورَةٌ. و بسرت الدمّل: إذا عصرته قبل أن يتقيّح. و البسر: القهر. و بسر: نظر بكراهة شديدة، و البشر:

الطلاقة. و البسر: القطوب.

مفر- الْبَسْرُ: الاستعجال بالشي‏ء قبل أوانه. و قوله عزّ و جلّ: عَبَسَ وَ بَسَرَ، أى أظهر العبوس قبل أوانه و في غير وقته. وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ- إنّ ذلك إشارة الى حالهم قبل الانتهاء بهم الى النار، فخصّ لفظ البسر تنبيها أنّ ذلك مع ما ينالهم من بعد يجرى مجرى التكلّف و مجرى ما يفعل قبل وقته، و يدلّ على ذلك- تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو حصول أمر أو وقوع عمل قبل أوانه، و يختلف هذا المفهوم باختلاف الموارد و الموضوعات، كمقام الطراوة في النبات، و الغضاضة في الإنسان و غيره، و السرعة في القهر و الكراهة، و العجلة في عصر الدمّل قبل بلوغ أوانه، و القطوب و الكلوح و العبوس من دون رويّة، فهذا القيد (الحصول قبل الأوان) مأخوذ في جميع الموارد.

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ- 75/ 24.

266
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بس ص : 267

فقد ذكر البَسْرُ في مقابل النضرة و هي التنعّم و حسن الحال.

البيضاوي- ناضِرَةٌ: بهيّة متهلّلة. ناظِرَةٌ: تراه مستغرقة في مطالعة جماله.

باسِرَةٌ: شديدة العبوس، و الباسل أبلغ من الباسر، لكنّه غلب في الشجاع إذا اشتدّ كلوحه. فاقِرَةٌ: داهية تكسر الفقار.

ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ- 74/ 23.

فَالْبَسْرُ حالة حاصلة بعد العبوس، فانّ العبوس يتعقبّه شدّة الكلوح و يتعجّل في كشف الضرّ و العبوس عنه.

فالبَسْرُ في الآيتين في مقابل البشر و النضر، و عبارة عن حالة عبوس تلازم التفصّى و التخلّص بالاستعجال، كعصر الدمّل قبل بلوغ أو انه، و هذا في مقابل حالة الاطمينان الحاصلة من البشر و النضر.

ففي البَسْرِ كمون ضعف و نقص يراد الرفع و التكميل، أو كمون ابتلاء و علّة يراد التفصّى و النجاة عنها بالاستعجال.

فالبَاسِرُ يدرك اوّلا نقصا و ابتلاء في نفسه، ثمّ يحصل له حالة القطوب و العبوس، ففي الثالثة يريد التفصّى و يستعجل في النجاة.

فيعلم أنّ الطرىّ و الغضّ بَسْرٌ من جهة كمون النقص فيه لا مطلقا.

بسّ‏

مصبا- بَسَسْتُ‏ الحنطة و غيرها بَسّاً من باب قتل: و هو الفتّ. فهي بَسِيسَةٌ فعيلة بمعنى مفعولة. و بَسَسْتُ السويقَ و الدقيق أَبُسُّهُ بَسّاً: إذا بللته بشي‏ء من الماء، و هو أشدّ من اللت. و قال الأصمعىّ: الْبَسِيسَةُ كلّ شي‏ء خلطته بغيره مثل السويق بالأقط ثم تبلّه، أو بالربّ، أو مثل الشعير بالنوى للإبل.

مقا- بَسٌ‏: أصلان، أحدهما السوق و الآخر فتّ الشي‏ء و خلطه. فالأوّل‏

267
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 268

قوله تعالى- وَ بُسَّتِ‏ الْجِبالُ‏ بَسًّا- يقال سيقت سوقا، و في الحديث- يجي‏ء قوم من المدينة يُبَسُّونَ‏ و المدينة خير لهم. و الأصل الآخر قولهم: بُسَّتِ الحنطة و غيرها أى فتتّت، و فسّر قوله تعالى- وَ بُسَّتِ‏ الْجِبالُ‏- على هذا الوجه أيضا، و يقال لتلك‏ البَسِيسَةِ.

صحا- بَسٌ‏: أبو زيد- البسّ: السوق الليّن، و قد بسست الإبل أبسّها بسّا. و بسّست المال في البلاد فانبسّ: إذا أرسلته فتفرّق فيها، مثل بثثته فانبّث.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الكسر و الفّتّ، و هذا المعنى يختلف بالموضوعات، فَبَسُ‏ الحنطة: بالدقّ و السحق. و بَسُّ السويق و الدقيق: بالتفريق بالخلط، فانّ الخلط يوجب الكسر و الفتّ بين المجموع من إنّه مجموع. و بسّ الإبل:

يحصل بسوق الأفراد و الآحاد و تفريقها عن حالة الجماعة، سوقا ليّنا حتّى يصدق الفتّ. و بَسُ‏ المال: إنّما يحصل بالتفريق.

إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَ بُسَّتِ‏ الْجِبالُ‏ بَسًّا فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا- 56/ 5.

أى كسرت و فتّتت، حتّى تكون الأجزاء المفتوتة المكسورة كالهباء المنثور.

فيتحقّق التناسب و النظم المعنوىّ بين هذه الآيات.

و أمّا التفسير بالسير و السوق: مضافا الى كونه معنى مجازيّا، أنّ السوق لا يناسب ما قبلها و ما بعدها، فانّ صيرورتها هباء إنّما هو نتيجة الفتّ و الكسر، لا السوق و السير، و المناسب بتحريك الأرض و عظمة الجبال إنّما هو الفتّ لا السوق ثانيا.

و لا يخفى أنّ البَسَّ قريب المفهوم من البثّ، و الفرق بينهما: أنّ البثّ كما سبق معناه التفريق. و قلنا إنّ البَسَّ هو الكسر و الفتّ. و قد يجتمعان في بعض الموارد، و الفرق بينهما اختلاف الجهة و اللحاظ.

268
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بسط ص : 269

 

بسط

صحا- بَسْطُ الشي‏ء: نشره، و بالصاد أيضا. و البَسْطَةُ: السعة. و انبسط الشي‏ء على وجه الأرض. و الِانْبِسَاطُ: ترك الاحتشام، يقال‏ بَسَطْتُ‏ من فلان فانبسط. و تَبَسَّطَ في البلاد: سار فيها طولا و عرضا. و البِسَاطُ: ما يُبْسَط. و البساط:

الأرض الواسعة.

أسا- بَسْطُ الثوب، و الفراش إذا نشره. و من المجاز: بسط رجله و قبضها، و إنّه ليبسطنى ما بسطك، و بسط عليهم العذاب، و زاده اللّه‏ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ‏:

أى فضلا، و فلان بسيط الباع و اللسان، و مكان بسيط: واسع، و بسط إلينا يده و لسانه.

مقا- بَسْطٌ: أصل واحد، و هو امتداد الشي‏ء في عرض أو غير عرض.

فَالْبِسَاطُ: ما يبسط. و البساط: الأرض، و هي البّسطة. يقال مكان بسيط و بساط.

و يد فلان بسط إذا كان منفاقا. و الْبَسْطَةُ في كلّ شي‏ء: السعة. و هو بسيط الجسم و الباع و العلم.

مصبا- بسط الرجل الثوب بسطا. و بسط يده: مدّها منشورة، و بسطها في الإنفاق: جاوز القصد. و بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ‏: كثّرة و وسّعه. و الْبِسَاطُ معروف، و هو فعال بمعنى مفعول، و مثله كتاب و فراش.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الامتداد في توسّع، و يقابله القبض، و مفهوم الامتداد يختلف باختلاف الممتدّ و ما يتعلّق الممتدّ اليه، من الفاعل و المفعول و المتعلّق، فَبَسْطُ المكان: اتّساعه. و بسط اليد قد يكون للعطاء و البذل، و قد يكون للأخذ- بسط يده اليه، و بسط الفراش: نشره. و البسط في الجسم: طوله و كماله و

 

269
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بسق ص : 270

عظمه. و البسط في العلم: التوسّع و الاحاطة فيه. و في الوجه: بشره و فرحه. و في اللسان: انطلاقه. و الْبَسِيطُ ما قلّ حدّه و لم يتقيّد بحدود التركّب.

وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا- 42/ 27.

اللَّهُ‏ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ+- 13/ 26.

أى يوسّعه على ميزان العدل و التدبير.

لَئِنْ‏ بَسَطْتَ‏ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ‏- 5/ 28.

إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ‏ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ‏- 5/ 11.

أى مدّ اليد اليه بالظلم و التجاوز.

وَ زادَهُ‏ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ‏- 2/ 247.

أى مطلق الامتداد الشامل بالتوسّع في المعنويّات و الماديّات، العلم و الجسم.

وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ- 2/ 245.

فيستفاد من هذه الآيات الشريفة: أنّ مفهوم البسط في مقابل القدر و القبض.

بسق‏

مصبا- بَسَقَتِ‏ النخلةُ بُسُوقاً من باب قعد: طالت فهي بَاسِقَةٌ، و الجمع‏ بَاسِقَاتٌ‏ و بَوَاسِقُ‏. و بَسَقَ الرجل في علمه: مهر، و بسق بساقا بمعنى بصق، و هو إبدال منه.

مقا- بَسَقَ‏: و هو ارتفاع الشي‏ء و علوّه. قال الخليل: يقال: بسقت النخلة بسوقا: إذا طالت و كملت. و يقال بسق الرجل: طال، و بسق في علمه: علا.

لسا- بسق الشي‏ء يبسق بسوقا: تمّ طوله. التهذيب: بصق و بسق و بزق‏

270
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 271

 

واحد، أَبْسَقَتِ‏ الناقة و أبزقت: إذا أنزلت اللبن.

و التحقيق‏

أنّ‏ البُسُوقَ‏ بمعنى العلوّ في الطول ماديّا أو معنويّا، و أمّا اللبن: فهو من البصق أو البزق، تشبيها ببزاق الإنسان.

وَ النَّخْلَ‏ باسِقاتٍ‏ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ- 50/ 10.

أى مرتفعات.

و أمّا التعبير بصيغة الجمع المؤنّث في وصف النخل: فهو باعتبار الجماعة، فانّ النخل جنس و واحده النخلة كتمر و تمرة، كما في- أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ. و يجوز فيه التذكير باعتبار الجنس و لفظه كما في- نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ.

بسل‏

مقا- بَسْلٌ‏: أصل واحد تتقارب فروعه، و هو المنع و الحبس. و ذلك قول العرب للحرام‏ بَسْلٌ‏، و كلّ شي‏ء امتنع فهو بسل. و الْبَسَالَةُ: الشجاعة، من هذا لأنّها الامتناع على القرن و من هذا الباب قولهم: أَبْسَلْتُ‏ الشي‏ءَ: أسلمته للهلكة. و منه أبسلت ولدى: رهنته- أُولئِكَ الَّذِينَ‏ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا.

مصبا- بَسَلَ بَسَالَةً مثل ضخم ضخامة: شجع، فهو بسيل و باسل، و أبسلته: رهنته- أُولئِكَ الَّذِينَ‏ أُبْسِلُوا.

صحا- الْبَسْلُ‏: الحرام. و الْإِبْسَالُ‏ التحريم. و الْبَسْلَةُ: أجرة الراقي (من يصنع الرقيّة) و البَسَالَةُ: الشجاعة، و قد بسل فهو باسل اى بطل، و قوم بسل مثل بازل و بزل، و المُبَاسَلَةُ: المصاولة في الحرب. و البَسِيلُ: الكريه الوجه. و أَبْسَلْتُ‏ فلانا: إذا أسلمته للهلكة، فهو مبسل.

 

271
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 272

مفر- البَسْل‏- ضمّ الشي‏ء و منعه. و لتضمنّه لمعنى الضمّ استعير لتقطيب الوجه، فقيل هو باسل و مُبْتَسَلُ‏ الوجه. و لتضمنّه لمعنى المنع قيل للمحرّم و المرتهن:

بسل. و قوله- أَنْ‏ تُبْسَلَ‏ نَفْسٌ‏- أى تحرم الثواب، و الفرق بين الحرام و البسل: أنّ الحرام عامّ فيما كان ممنوعا منه بالحكم أو القهر، و البسل هو الممنوع منه بالقهر- أُولئِكَ الَّذِينَ‏ أُبْسِلُوا- أى حرّموا الثواب، و فسّر بالارتهان- كما في و إِبْسَالِي‏ بنىّ بغير جرم.

لسا- بسل الرجل يبسل بسولا فهو باسل و تبسّل: عبس من الغضب أو الشجاعة. و بَسَّلَ‏ فلان وجهه‏ تَبْسِيلا إذا كرّهه، و تَبَسَّلَ‏ وَجْهُهُ: كرهت مرآته و فظعت. و البَاسِلُ: الأسد، لكراهة منظره و قبحه. و المُبَاسَلَةُ: المصاولة في الحرب. و لبن باسل: كريه الطعم حامض، و كذلك النبيذ إذا اشتدّ و حمض. و أبسل نفسه للموت و اسْتَبْسَلَ‏: وَطَّنَ نفسه عليه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الوقوع في مورد الضرر و الخطر و الهلاكة. و يدلّ عليه اتّفاقهم بأنّ معنى أبسلت من أفعل متعدّيا: هو التسليم للهلاكة و التوطين لها. و أنّ معنى المباسلة من فاعل لامتداد في فعل: و هو المصاولة في الحرب. و يقرب من هذا المعنى: الكراهة في الوجه، فانّها في أثر الوقوع في مقابل الخطر و الضرر، و كذلك كراهة الطعم و الحموضة و الاشتداد، فانّها من موارد الضرر بالنسبة اليها، أى الى موضوعاتها من اللبن و النبيذ و أمثالهما. و كذلك الارتهان.

و أمّا الشجاعة: فهي مقيّدة بالقيد المذكور لا مطلقا، كما في المتهوّر.

و أمّا الحرمة و المنع: فلا يخفى التناسب بينها و بين مورد الضرر.

فهذه الحيثيّة مأخوذة في جميع مشتقّات المادّة.

أُولئِكَ الَّذِينَ‏ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏- 6/ 70.

272
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بسم ص : 273

وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ‏ تُبْسَلَ‏ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ‏- 6/ 70.

أى اسلموا الى الهلاكة و العذاب بسبب ما كسبوا من الأعمال القبيحة المحرّمة.

بسم‏

مصبا- بَسَمَ‏ بَسْماً من باب ضرب: ضحك قليلا من غير صوت، و ابْتَسَمَ‏ و تَبَسَّمَ كذلك. و يقال هو دون الضحك.

مقا- بسم: أصل واحد، و هو إبداء مقدّم الفم لمسرّة، و هو دون الضحك. يقال: بسم يبسم و تبسّم و ابتسم.

لسا- بسم: و هو أقلّ الضحك و أحسنه- فَتَبَسَّمَ‏ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها. قال الزجّاج: التبسّم اكثر ضحك الأنبياء. و

في صفته (ص) إنّه كان أكثر ضحكه‏ التَّبَسُّمَ‏.

و ابْتَسَمَ‏ السحاب عن البرق: انكلّ عنه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو المرتبة الضعيفة من الضحك، و لا يبدو فيه صوت.

فَتَبَسَّمَ‏ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها- 27/ 19.

فَتَبَسَّمَ تعجّبا من قولها، و قد بلغ تبسّمه حال الضحك، فكلمة ضاحكا حال.

بشر:

صحا- الْبَشَرَةُ و الْبَشَرُ ظاهر جلد الإنسان. و بشرة الأرض ما ظهر من نباتها،

273
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بشر: ص : 273

و قد أبشرت الأرض. و البَشَرُ: الخلق. و مُبَاشَرَةُ المرأة: ملامستها. و مباشرة الأمور أن تليها بنفسك. و بَشَرْتُ‏ الأديم‏ أَبْشُرُهُ‏ بَشْراً: إذا أخذت بشرته. و بشرت الرجل أَبْشُرُهُ بَشْراً و بُشُوراً: مِنَ‏ الْبُشْرَى‏، و كذلك الإِبْشَارُ و التَّبْشِيرُ، و الاسم البِشَارَةُ بالكسر و الضمّ. و هو حسن البشر أي طلق الوجه. و تباشر القوم: بشّر بعضهم بعضا. و التَّبَاشِيرُ: البُشْرَى.

و تباشير الصبح: أوائله. و كذلك أوائل كلّ شي‏ء. و الْمُبَشِّرَاتُ‏: الرَّياح الّتي تبشّر بالغيث.

مصبا- بَشِرَ بكذا يَبْشَرُ مثل فرح يفرح وزنا و معنى: و هو الِاسْتِبْشَارُ، و المصدر البُشُورُ، و يتعدّى بالحركة فيقال بشرته أبشره بشرا من باب قتل، و الاسم منه البشر. و التعدية بالتثقيل لغة عامّة العرب، و قرأ السبعة باللغتين، و اسم الفاعل من المخفّف بشير، و يكون البشير في الخير اكثر من الشرّ، و البشرى من ذلك. و البشر:

طلاقة الوجه. و البشرة ظاهر الجلد، و الجمع البشر مثل قصب و قصبه، ثمّ اطلق على الإنسان واحده و جمعه، و باشر الرجل زوجته: تمتّع ببشرتها. و باشر الأمر: تولّاه ببشرته.

مقا- بشر: أصل واحد: ظهور الشي‏ء مع حسن و جمال. فالبشرة ظاهر جلد الإنسان. و منه باشر الرجل المرأة، و ذلك إفضاؤه ببشرته الى بشرتها، و سمّى البشر بَشَراً لظهورهم. و البشير. الحسن الوجه. و البشارة: الجمال. و يقال بشّرت فلانا أُبَشِّرُهُ تَبْشِيراً.

لسا- البشر: الخلق يقع على الأنثى و الذكر و الواحد و الاثنين و الجمع، لا يثنّى و لا يجمع، يقال هي بشر، و هو بشر، و هما بشر. و هم بشر. و قد يثنّى- و في التنزيل- أَ نُؤْمِنُ‏ لِبَشَرَيْنِ‏ مِثْلِنا.

الفروق للعسكري- ص 228- الفرق بين الناس و البشر: أنّ قولنا البشر يقتضى حسن الهيئة، و ذلك أنّه مشتقّ من البشارة و هي حسن الهيئة، يقال رجل بشير و امرأة بشيرة إذا كان حسن الهيئة، فسمّى الناس بشرا لأنّهم أحسن الحيوان‏

274
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 275

هيئة، و يجوز أن يقال إنّ قولنا بشر يقتضى الظهور، و سمّوا بشرا لظهور شأنهم، و منه قيل لظاهر الجلد بشرة، و قولنا الناس يقتضى النوس و هو الحركة، و الناس جمع و البشر واحد و جمع، و في القرآن- ما هذا إِلَّا بَشَرٌ+- و تقول- محمّد خير البشر- يعنون الناس كلّهم، و يثنّى البشر فيقال بشران- لِبَشَرَيْنِ‏ مِثْلِنا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الانبساط المخصوص الطبيعىّ و الطلاقة في السيماء لوجوههم تكوينا، و يكمن أن يقال أنّ‏ الْبَشَرَ حالة طبيعيّة للإنسان من الانبساط، و هي قبل التبسّم. و بهذه الحالة يمتاز الإنسان في الظاهر عن سائر الحيوانات. فالبشر كحسن صفة مشبهة و هو من كان منبسطا طلقا تكوينا، ثمّ صار اسما لنوع الإنسان.

و يدلّ على ما ذكرنا من الأصل: قولهم- بشرة الأرض ما ظهر من نباتها، و هو حسن البشر أى طلق الوجه، و بشر بكذا كفرح لفظا و معنى، و البشر ظهور الشي‏ء مع حسن و جمال، و البشير الحسن الوجه، و البشارة الجمال.

و أمّا الْبَشَرَةُ بمعنى الجلد: فمعنى مجازىّ باعتبار كون البشر و ظهوره في الجلد و ظاهر البدن. و أمّا المُبَاشَرَةُ: فانّ المفاعلة للامتداد و الطول، و امتداد الطلاقة و الانبساط بالنسبة الى الزوجة يدلّ على الملامة، أو أنّ هذا المعنى مستفاد من الاشتقاق الانتزاعى من البشرة بمعنى الجلد. و كذلك مباشرة الأمور على الوجهين. و أمّا التَّبْشِيرُ: فهو إيصال الانبساط و الطلاقة الى الغير و الإيجاد فيه، كما هو مقتضى التعدية.

و سبق في انس انّ الإنسان باعتبار معنى الظهور في مفهومه يذكر في مقابل الجنّ، و لم يذكر البشر في مقابله.

و البشر باعتبار معنى الطلاقة و الانبساط: قد ذكر في كلّ مورد يكون فيه‏

275
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 275

النظر الى مطلق الطلاقة و الانبساط.

أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي‏ بَشَرٌ- 3/ 47.

أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي‏ بَشَرٌ- 19/ 20.

وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً- 12/ 31.

فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا- 19/ 17.

وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً- 25/ 54.

و بهذا الاعتبار أيضا يستعمل في مقابل سائر الموجودات الحيّة و الملائكة:

إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا- 14/ 10.

لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ‏- 15/ 33.

ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ+- 23/ 33.

إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ‏ الْبَشَرِ- 74/ 25.

قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ‏ بَشَراً+- 15/ 28.

فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا- 19/ 17.

و قد يذكر في مقام عظمة خلقته، من جهة مادّته الترابيّة و المائيّة، و بالنسبة اليها:

إِنِّي خالِقٌ‏ بَشَراً مِنْ طِينٍ‏- 38/ 71.

خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً- 25/ 54.

إِنِّي خالِقٌ‏ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ- 15/ 28.

أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ‏ بَشَرٌ- 30/ 20.

فهذا بشر حسن الهيئة و طلق الوجه و منبسط الصورة و قد خلق من التراب.

و قد يذكر في مقام نسبته الى المراتب الروحانيّة المعنويّة:

ما كانَ‏ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ- 3/ 79.

وَ ما كانَ‏ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً- 42/ 51.

276
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 275

وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ‏ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ‏- 23/ 34.

فطلاقة الوجه و حسن الصورة و انبساطها لا تقتضي تحقّق النبوّة و الروحانيّة، و لا تلازم بينهما، فالبشر امر مادّىّ، و النبوّة أمر معنوىّ.

و أمّا البشر: اسم مصدر من البشر:

وَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ‏ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ‏- 25/ 48.

فهو حال من الرياح يدلّ على الماهيّة من حيث هي هي. و يطلق على المفرد و الجمع. و يمكن أن يكون جمع بشير.

و أمّا البُشْرَى: فهي اسم لما بشّرت به من خير، كالبهمى اسم نبت، أو أنّها مصدر كالرجعى، بمعنى البشر لازما أو متعديّا.

مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُدىً وَ بُشْرى‏ لِلْمُؤْمِنِينَ‏- 2/ 97.

وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى‏ وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ‏- 8/ 10.

لَهُمُ‏ الْبُشْرى‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا- 10/ 64.

وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ‏ بِالْبُشْرى‏- 11/ 69.

فيصحّ المعنى على التقديرين.

قالَ يا بُشْرى‏ هذا غُلامٌ‏- 12/ 19.

المنادى محذوف، و هو من حضر عنده من قومه أو من غيرهم، و بشرى خبر مبتداء محذوف، و التقدير. يا قوم هذا بشرى، أو بشرى هذا.

إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَ بَشِيرٌ- 7/ 188.

فَقَدْ جاءَكُمْ‏ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ- 5/ 19.

وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ‏ بَشِيراً وَ نَذِيراً- 34/ 28.

و قد ذكر البشير في هذه الآيات و في غيرها في مقابل النذير، و البشير من البشر متعديّا بمعنى المبشّر، كما أنّ النذير بمعنى المنذر.

و الفرق بين‏ البَشِير و المُبْشَر و المُبَشِّر: اختلاف صيغها، فانّ فعيلا يدلّ‏

277
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بصر ص : 278

على ثبوت النسبة، فالبشر من ثبت له البشر و من شأنه البشر. و المنظور في الإبشار نسبة الفعل الى الفاعل و قيامه به أوّلا ثمّ تعلّقه بالمفعول قهرا، كما هو مقتضى صيغة إفعال. و مقتضى هيئة تفعيل تعلّق الفعل بالمفعول و وقوعه فيه أوّلا، و القيام بالفاعل تبعىّ قهرىّ.

ففي كلّ مورد استعمل لفظ البشير: فالنظر فيها الى جهة الثبوت أى من ثبت له هذه الصفة و من شأنه أن يكون مبشّرا، كما في الآيات المذكورة.

و في كلّ مورد يستعمل لفظ الإبشار: فالنظر فيها الى جهة قيام الفعل، و لا نظر فيها الى جهة الوقوع.

أَلَّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ- 41/ 30.

فالمقصود هنا قيام التبشير و جهة تحقّقه و صدوره.

و في كلّ مورد يستعمل لفظ التَّبْشِيرِ: فالنظر فيها الى جهة الوقوع و إيصال النسبة الى المفعول:

فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ‏ مُبَشِّرِينَ‏ وَ مُنْذِرِينَ‏- 2/ 213 وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ‏ ...، وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ+ ...، فَبَشِّرْهُمْ‏ بِعَذابٍ أَلِيمٍ+ ...، فَبَشِّرْهُ‏ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ ...، وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا+ ...، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ‏ ...، إِنَّا (نُبَشِّرُكَ‏ بِغُلامٍ+ ...، بَشَّرْناكَ‏ بِالْحَقِ‏ ...، يُبَشِّرُكَ‏ بِيَحْيى‏ ...، فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ‏.

فالنظر في هذه الآيات و نظائرها الى جهة التبليغ و الوقوع.

و لمّا كان البشر فعلا مطلوبا يوجب الانبساط و الفرح و الطلاقة: فقد عبّر عنه بصيغة التبشير، و هذا بخلاف الانذار و هو تخويف العباد، فعبّر عنه بصيغة الانذار- رُسُلًا مُبَشِّرِينَ‏ وَ مُنْذِرِينَ‏. و في هذا كمال لطف منه تعالى.

بصر

مصبا- البَصَرُ: النور الّذى تدرك به الجارحة الْمُبْصَرَاتِ‏، و الجمع‏ أَبْصَارٌ

278
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بصر ص : 278

مثل سبب و أسباب، يقال أَبْصَرْتُهُ برؤية العين إِبْصَاراً، و بَصُرْتُ به بالضمّ بَصَراً و الكسر لغة: علمت، فانا بصير به، يتعدّى بالباء في اللغة الفصحى، و قد يتعدّى بنفسه، و هو ذو بصر و بصيرة أى علم و خبرة، و يتعدّى بالتضعيف الى ثان فيقال بصرته به تبصيرا، و الِاسْتِبْصَارُ: بمعنى البَصِيرَةِ. و البنصر: الإصبع.

مقا- بَصَرٌ: أصلان: أحدهما العلم بالشي‏ء، يقال هو بَصِيرٌ به، و من هذه البَصِيرَةِ، و القطعة من الدم إذا وقعت بالأرض استدارت، و الْبَصِيرَةُ الترس فيما يقال، و البصيرة البرهان، و أصل ذلك كلّه وضوح الشي‏ء، و بصرت بالشي‏ء: إذا صرت به عالما بصيرا، و أَبْصَرْتُهُ‏: إذا رأيته. و الأصل الآخر: فَبُصْرُ الشي‏ء: غلظه. و منه‏ البَصْرُ و هو أن يضم أديم الى أديم يخاطان كما تخاط حاشية الثوب، و البصيرة ما بين شقّتي البيت، و هو الى الأصل الأوّل أقرب. و البَصْرَةُ و البِصْرُ: الحجارة الرخوة.

صحا- البَصَرُ: حاسّة الرؤية. و أبصرت الشي‏ء: رأيته. و باصرية: إذا أشرفت تنظر اليه من بعيد. و البصر: العلم. و بصرت بالشي‏ء: علمته- بصرت بما لم يبصروا به. و البصير: العالم. و قد بصر بَصَارَةً، و التَّبَصُّرُ: التأمّل و التعرّف. و التبصير: التعريف و الإيضاح. و المُبْصِرَةٌ: المُضِيئة- فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً. و المبصرة: الحجّة. و البصرة: حجارة رخوة، و بها سمّيت البصرة. قال الأصمعى- البصيرة شي‏ء من الدم يستدلّ به على الرميّة. و البصر: الجانب.

أسا- أَبْصَرَ الشي‏ء و بصر به و قد بصر بعمله: إذا صار عالما به، و هو بصير به و ذو بصر و بصارة، و هو من‏ الُبَصَرَاءِ بالتجارة، و بَصَّرْتُهُ‏ كذا و بَصَّرْتُهُ بِهِ إذا علّمته ايّاه، و تبصّر لي فلانا و هو مستبصر في دينه و عمله، و عَمَى‏ الأَبْصَارِ أهون من عَمَى‏ البَصَائِرِ، و ما أثخن بصر هذا الثوب، و بصر كلّ سماء و هو الثّخن و الغلظ.

279
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 280

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو العلم بنظر العين أو بنظر القلب. كما أنّ الرؤية و النظر مطلق غير مقيّد بقيد العلم. و العلم مطلق غير مقيّد بقيد النظر:

وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ‏- 7/ 198.

فَالبَصِيرُ من له‏ البَصَارَةُ أى النظر و العلم. و تستعمل‏ البَصِيرَةُ في التأنيث، فيقال نفس بصيرة و قوّة بصيرة و جمعها بَصَائِرُ كصحيفة و صحائف و ظريفة و ظرائف، و الْبَصَرُ يستعمل مصدرا، و اسما باعتبار كونه بمعنى الفاعل أى الباصرة، و اطلاق المصدر على الفاعل للإشارة الى أنّ النظر الى جهة الحدث و الفعل لا الذات، و جمعه‏ أَبْصَارٌ. و الفرق بين‏ الإِبَصارُ و التَّبْصِيرِ هو ما ذكرنا في فرق صيغتي إفعال و تفعيل من جهة الصدور و الوقوع.

و أمّا معنى الثّخن و الغلظ: فاعتبار كونه أوّل ما يتراءى من الجسم فبصر الثوب ما يبصر منه، و قريب منه معنى الجانب.

و أمّا معنى الدم المستدار على الأرض: فباعتبار ثبوته و بقائه حتّى يبصر و يستدلّ به على الرّميّة، و فهو ما يُبْصَرُ من أثر الرميّة. فكذلك معنى الترس: فان الجنّة اوّل ما يبصر من السلاح بل ممّن يحارب و يبارز.

و أمّا البرهان: فهو ما يقدّم و يرى في مقام الاحتجاج.

و أمّا الحجارة الرخوة: فباعتبار ما فيها من البياض.

إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ- 17/ 36.

فَارْجِعِ‏ الْبَصَرَ ... ثُمَّ ارْجِعِ‏ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ، يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ‏ الْبَصَرُ- 67/ 4.

أى العين بلحاظ النظر و باعتباره.

فَإِذا بَرِقَ‏ الْبَصَرُ وَ خَسَفَ الْقَمَرُ- 75/ 7.

أى اشتدّ لمعان النظر و كان بحدّة. أو اشتدّت حدّة لمعان العين في نظره، و

280
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 280

مثله:

فَبَصَرُكَ‏ الْيَوْمَ حَدِيدٌ- 50/ 22.

لا تُدْرِكُهُ‏ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ‏ الْأَبْصارَ- 6/ 103.

جمع بصر، و البَصَرُ هنا أعمّ من‏ البَاصِرَةِ الظاهرة و هي العين و الباصرة الباطنة و هي القلب، كما في:

إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي‏ الْأَبْصارِ+- 3/ 13.

و لا يبعد أن نقول إنّ البصر في الأصل كان صفة كحسن فهو بمعنى ماله البصارة، فيطلق على العين و القلب.

وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً- 46/ 26.

أى العيون الباصرة بقرينة مقابلتها بالأفئدة.

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ‏ بَصِيرٌ+- 57/ 4.

وَ اللَّهُ‏ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ+- 3/ 15.

هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ+- 6/ 50.

إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ بَصِيرٌ- 67/ 19.

أى ناظر و عالم لا يخفى عليه شي‏ء.

بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ‏ بَصِيرَةٌ- 75/ 14.

التأنيث باعتبار النفس.

أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ- 12/ 108.

على حجّة قاطعة أو نفس مطمئنّة عالمة أو بصارة بصيرة. و مثلها- هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ 7/ 203.

أى هذا القرآن أو ما يوحى اليك أو ما انزل اليك بصائر لكم من اللّه- أى آيات بيّنات و حجج لامعات قاطعات فيها بصارة.

فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً- 27/ 13.

281
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 280

وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً- 17/ 59.

وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً- 17/ 12.

الإبصار هو النظر الدقيق و الإشراف، و نتيجته حصول المعرفة و العلم. و هذا النظر قد يكون بقصد الإفادة و الإحسان، أو بقصد الأخذ و العقاب، أو بقصد التفقّد و قضاء الحوائج و نظم الأمور و تدبير المعيشة، أو بقصد الاستفادة بأىّ صورة من الصور.

و القسم الآخر يتحقّق من الداني، و الأقسام الباقية إنّما تكون من العالي الى الداني.

وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ‏ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ- 40/ 44.

أى فيدبّر امور عباده بأحسن ما يمكن.

فالغرض من الإبصار و نتيجته يختلف باختلاف المبصر مرتبة و مقاما، فَالْإِبْصَارُ من اللّه غير إبصار العبد، و إبصار العبد غير إبصار الآيات، و إبصارها غير مُبْصِرِيَّةِ النهار أو الناقة. و الجامع بينها: هو النظر الدقيق لغرض ما من احسان أو قضاء حاجة أو تدبير معيشة أو غيرها.

فَمُبْصِرِيَّةُ الآيات و النهار: عبارة عن نظرها التكويني و مقابلتها الناس للافاضة و الافادة و التدبير بأنوارها معنويّة أو مادّيّة.

و مُبْصِرِيَّةُ الناقة: باعتبار أنّها كانت آية بيّنة من آيات اللّه تعالى، و كان لها نظر تكوينىّ في هداية الناس و إفاضتهم.

وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لكِنْ لا تُبْصِرُونَ‏- 56/ 85.

وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ‏ بِها- 7/ 179.

فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ‏ وَ ما لا تُبْصِرُونَ‏ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ‏- 69/ 39.

فالإبصار يدلّ على النظر الدقيق، و هو من أفعل متعدّيا، و البصارة غير متعدّ و تدلّ على اللزوم، كما أنّ البصير هو فعيل يدلّ على ثبوت الصفة، و بهذا اللحاظ

282
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بصل ص : 283

يطلق على اللّه المتعال، دون كلمة المبصر فانّها تدل على قيام الحدث بالفاعل و حدوثه و صدوره.

كما أنّ انتخاب صيغة المجرّد في مورد:

بَصُرْتُ‏ بِما لَمْ‏ يَبْصُرُوا بِهِ‏- 20/ 96.

فَبَصُرَتْ‏ بِهِ عَنْ جُنُبٍ‏- 28/ 11.

للدلالة على التأكيد و ثبوت البصارة و التحقيق الزائد و حصول العلم و اليقين.

أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ‏- 18/ 26.

صيغة تعجّب للدلالة على المبالغة و التعظيم.

تَبْصِرَةً وَ ذِكْرى‏ لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ‏- 50/ 8.

من بصّره الأمر أى فهمه و أوضحه، يتعدّى الى المفعول الثاني بنفسه و بالباء.

وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ‏- 70/ 11.

أى يعرّفون و يبيّنون لهم، فيبصرون أحوالهم و مقاماتهم و كيفيّات أمورهم و حدود اختيارهم و أعمالهم، فيشاهدونهم و يعلمون أنّ المسألة عنهم غير مفيدة.

فالضميران يرجعان الى الحميم باعتبار معناه الجمعىّ.

بصل‏

صحا- الْبَصَلُ‏ معروف، الواحدة البَصَلَةُ.

إحياء التذكرة- بصل، الزنبقيّة: و له جملة أنواع، بحيرى يزرع في الوجه البحري و هو أصغر حجما. و صعيدى و هو ما يزرع في الوجه القبلي، و بصلته كبيرة و اكثر عصارة. و رومىّ و هو البصل الأحمر و هو أحلى طعما و اكثر عصارة. و شامىّ و

283
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بضع ص : 284

بصلته أطول. و يحوى البصل زيتا طيّارا و كبريتا و مقدارا من مادّة سكريّة و حمض فسفورىّ و فيتامين و كلسيوم، و كان يستعمل عصيره قديما في الرمد بقطرة، و قد ذكر المورّخ هيرودوت: انّ الفراعنة عرفوا البصل منذ أقدم الأزمنة، و كان يعطى مع العدس لبناة الأهرام. و قد أثبت العلم الحديث انّ رائحة البصل أو عصارته أو أوراقه تقتل الميكروبات السبحيّة و ميكروب الدفتريا و الدوسنتاريا.

قع- [باصال‏] بصل، بصلة.

وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها- 2/ 61.

بَضع‏

مصبا- الْبَضْعَةُ: القطعة من اللحم، و الجمع‏ بُضَعٌ‏ و بَضَعَاتٌ‏. و بضع في العدد، و بعض العرب يفتح، و استعماله من الثلاثة الى التسعة، و عن ثعلب: من الأربعة الى التسعة، يستوي فيه المذكّر و المؤنّث- بضع رجال و بضع نسوة، و يستعمل أيضا من ثلاثة عشر الى تسعة عشر لكن تثبت الهاء في المذكّر و تحذف مع المؤنّث كالنيف، و لا يستعمل فيما زاد على العشرين، و أجازه بعض فيقول: بضعة و عشرون رجلا و بضع و عشرون امرأة. و قالوا: على هذا معنى البضع و البضعة في العدد: قطعة مبهمة غير محدودة. و البُضْعُ‏ جمعه‏ أَبْضَاعٌ‏ مثل قفل و أقفال: الفرج و الجماع، و يطلق على التزويج، و البضاع: الجماع وزنا و معنى، و هو اسم من باضعها مباضعة. و البضاعة قطعة من المال تعدّ للتجارة، و استبضعت الشي‏ء: جعلته بضاعة لنفسي، و أبضعته غيرى: جعلته له بضاعة، و جمعها بضائع، و بضعت اللحم بضعا من باب نفع: شققته، و منه الباضعة: الشجّة الّتى تشقّ اللحم و لا تبلغ العظم و لا يسيل منها دم، فان سال فهي الدامية. و بضعه بضعا: قطعه، و بضّعه للتكثير و المبالغة.

284
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 285

مقا- بِضْعٌ‏: اصول ثلاثة، الأوّل الطائفة من الشي‏ء عضوا أو غيره، و الثاني بقعة، و الثالث ان يشفى شي‏ء بكلام أو غيره. فأمّا الأوّل- بضع الإنسان اللحم يبضعه بضعا و بَضَّعَهُ‏ يُبَضِّعُهُ‏ تَبْضِيعاً: إذا جعله قطعا، و البضعة: القطعة و هي الهبرة (قطعة من اللحم)، و البضيع من اللحم جمع بضع مثل عبيد و عبد. فأمّا الْمُبَاضَعَةُ الّتى هي المباشرة فإنها من ذلك لأنّها مفاعلة من البضع و هو من أحسن الكنايات. و ممّا هو محمول على القياس الأوّل بضاعة التاجر من ماله: طائفة منه. و من باب الأعضاء الّتى هي طوائف من البدن: قولهم الشجّة البَاضِعَةُ، و هي الّتى تشقّ اللحم و لا توضح عن العظم. و من هذا الباب البضع من العدد، و هو ما بين الثلاثة الى العشرة، و يقال هو السبعة. و أمّا البقعة: فالبضيع بلد، و بضيع جبل. و أمّا الأصل الثالث: بضعت من الماء: رويت منه، و البضع: الرىّ، بضع بضوعا:

كنقع.

أسا- بَضَعَ‏ من الشاةِ بَضْعَةً إذا قطع قطعة، و فلان جيّد البضعة إذا كان لحيما. و عندي‏ بِضْعَةَ عَشَرَ من الرجال على سنن حكم العدد. و أبضعت له إذا جعلت له‏ بِضَاعَةً. و من المجاز: فهو منك بضعة أى هو بعضك. و من الكناية: بضع المراة بضعا و باضعها بضاعا و ملك بضعها إذا عقد عليها. و بضعت من الماء رويت لأنّك تقطع الشرب عند الرىّ.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو القطع و الابانة مبهما، فيقال بضعة أى قطعة. و البضع من العدد قطعة منه، و يطلق على الحدّ القليل منه و هو ما دون العشرة، مضافا الى أنّ اصول العدد عشرة. و البضع يطلق على قطعة مخصوصة من البدن، و يكنّى عن الفرج، و هو يناسب مفهوم الإبهام. و يشتق منه الفعل بالاشتقاق الانتزاعىّ، فيقال‏ بَاضَعْتُهَا. و البضع: الرىّ، و هو قطع مقدار من الماء و

285
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بطء ص : 286

تناوله بالشرب.

فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ‏ بِضْعَ‏ سِنِينَ‏- 12/ 42.

روى انّه لبث سبع سنين.

سَيَغْلِبُونَ فِي‏ بِضْعِ‏ سِنِينَ‏- 30/ 4.

المنظور في الآيتين بيان الحكم و تحقّقه في امتداد زمان لا يبلغ عشر سنين، و لمّا لم تتعيّن المدّة في كتاب اللّه: فالبحث عنها بذكر الاحتمالات و الأقوال خارج عن التحقيق. و يمكن القول بانّ اللبث و الغلبة كانتا بالتدريج و كانت المدّة المشخّصة مختلفة بالاعتبار و غير معلومة.

هذا غُلامٌ وَ أَسَرُّوهُ‏ بِضاعَةً- 12/ 19.

أى أسرّت و أخفت السيّارة هذا الأمر عن غيرهم، و قالوا إنّ هذا أوّل ذخيرة لنا في سفرنا للتجارة.

وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ- 12/ 88.

أى مقدار من المال قليلة.

بطء

مقا- بَطَأَ: أصل واحد و هو البُطْءُ في الأمر. أَبْطَأَ إِبْطَاءً و بُطْأً، و رجل‏ بَطِي‏ءٌ، و قوم‏ بِطَاءٌ.

مصبا- أَبْطَأَ الرجل: تأخّر مجيئه، و بطؤ مجيئه بطأ من باب قرب و بطاءة، فهو بطي‏ء على فعيل.

مفر- بُطؤ: البُطْؤُ تأخّر الانبعاث في السير، يقال‏ بَطُؤَ إذا تخصّص بالبطؤ، و تَبَاطَأَ: تحرّى و تكلّف ذلك. و اسْتَبْطَأَ: طلبه. و أبطأ: صار ذا بطء. و يقال بطّأه و أبطأه- وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ‏ لَيُبَطِّئَنَ‏- أى يثبّط غيره، و قيل يكثر هو التثبّط في نفسه،

286
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 287

 

و المقصد- إنّ منكم من يتأخّر و يؤخّر غيره.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ما يقابل الإسراع، و هو قريب من مفهوم التثبيط أى التعويق في الأمر. و سبق أنّ التأخّر يقابله التقدّم.

وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ‏ لَيُبَطِّئَنَ‏ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ- 4/ 72.

أى ليؤخرنَّ و يعوّقنّ أخذ الحذر و النفر الى الجهاد المأمور بها في السابقة- خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا.

بطر

مقا- بَطَرٌ: أصل واحد و هو الشقّ. و سمّى‏ الْبَيْطَارُ لذلك، و يقال له أيضا الْمُبَيْطِرُ. و يحمل عليها البطر، و هو تجاوز الحدّ في المرح. و أمّا قولهم ذهب دمه بَطَراً: فقد يجوز أن يكون شاذّا عن الأصل، و يمكن أن يكون من- شقّ مجراه شقّا فذهب، و ذلك إذا أهدر.

مصبا- بَطِرَ بَطَراً فهو بطر من باب تعب: بمعنى أشر أشرا. و الْبَطَرُ: الشقّ وزنا و معنى، و سمّى البَيْطَارُ من ذلك، و فعله‏ بَيْطَرَ يُبَيْطِرُ.

صحا- البطر: الأشر و هو شدّة المرح. و قد بطر يبطر، و أبطره المال يقال بطرت عيشك كما يقال رشدت أمرك. و البطر أيضا: الحيرة و الدهش، و أبطره:

أدهشه. و بطرت الشي‏ء أبطره بطرا: شققته.

مفر- البطر دهش يعترى الإنسان من سوء احتمال النعمة و قلّة القيام بحقّها و صرفها الى غير وجها- بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ‏- و قال- بَطِرَتْ‏ مَعِيشَتَها، أصله بطرت معيشته، فصرف عنه الفعل و نصب، و يقارب البطر: الطرب، و هو خفّة اكثر

 

287
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 288

 

ما يعترى من الفرح، و قد يقال ذلك في الترح.

و التحقيق‏

أنّه قد سبق في أشر، أنّه حقيقة في الحدّة و الشدّة في البطر، فهو أبلغ من البطر، و البطر عبارة عن تجاوز الحدّ و الاعتدال في الطرب، فهو أبلغ من الطرب، و بينهما اشتقاق اكبر.

و الدهشة باعتبار الخروج عن الاعتدال و التجاوز عن الحدّ الممدوح، و بهذا اللحاظ ايضا يستعمل بمعنى الشقّ، فكأنّ الإنسان بسبب الطرب و الترح الشديد و التجاوز عن حالة الاعتدال يطغى عن الحقّ و يشقّه.

و أمّا الْبَيْطَارُ: فهو في مقابل الطبيب و الحكيم و العالم، و كان شغل البيطرة في السابق مخصوصا لأفراد خارجين عن محيط العلم و الحكمة، و البيطار هو المعالج للدوّاب بتجربيّاته العمليّة، و لا مناسبة بينه و بين الشقّ، نعم قد يحتاج العلاج الى العمل و الشقّ كالجرّاح.

و في فرهنگ تطبيقى- سرياني- بيطرا: دامپزشگ.

وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ‏ مَعِيشَتَها- 28/ 58.

أى تجاوزت القرية في برنامج معيشتها، فالمعيشة منصوبة بنزع حرف (في) الخافض.

خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ‏- 8/ 47.

أى بحالة الطرب و الهوى خارجين عن الحقّ و صراط العدل و مرائين.

بطش‏

صحا- البطشة: السطوة و الأخذ بالعنف و قد بطش به يبطش بطشا، و

 

288
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 289

 

باطشة مباطشة.

مصبا- بطش به بطشا من باب ضرب، و بها قرأ السبعة، و في لغة من باب قتل. و البطش هو الأخذ بعنف. و بطشت اليد: عملت.

مقا- بطش: أصل واحد و هو أخذ الشي‏ء بقهر و غلبة و قوّة- إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ‏- و يد باطشة.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو عمل بسطوة و قهر، بأخذ أو بغيره.

يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى‏ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ‏- 44/ 16.

فالبطش هو العمل بالقهر و الصولة و الشدّة، و مفهومه أعمّ من الأخذ.

وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ‏- 26/ 130.

أى إذا عملتم بالقهر و الشدّة عملتم حتى ينتهى الى حدّ الجبر و النفوذ التّام.

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ- 85/ 12.

أى بطشه في مورده المقتضى له.

بطل‏

مصبا- بَطَلَ‏ الشي‏ءُ يَبْطُلُ‏ بُطْلًا و بُطُولًا و بُطْلَاناً: فسد أو سقط حكمه، فهو باطل، و جمعه بواطل، و قيل يجمع‏ أَبَاطِيلَ‏، على غير قياس. و قال أبو حاتم: هو جمع أُبْطُولَةٍ، و قيل جمع ابطالة. و يتعدّى بالهمزة فيقال‏ أَبْطَلْتُهُ‏. و ذهب دمه بُطْلًا أى هدرا. و أبطل: جاء بالباطل. و رجل بَطَلٌ أى شجاع، و الجمع أَبْطَالٌ مثل سبب و أسباب، و الفعل منه بطل وزان حسن فهو حسن، و في لغة: من باب قتل، فهو بطل بيّن البَطَالَةِ، سمّى بذلك لبطلان الحياة عند ملاقاته، أو لبطلان العظائم به.

 

289
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 290

مقا- بطل: أصل واحد و هو ذهاب الشي‏ء و قلّة مكثه و لبثه. يقال بطل الشي‏ء يبطل بطلا و بطولا. و سمّى الشيطان الباطل، لأنّه لا حقيقة لأفعاله، و كلّ شي‏ء منه فلا مرجوع له و لا معوّل عليه و البطل: الشجاع، فانّه يعرّض نفسه للمتالف، و هو صحيح يقال بطل بين البُطُولَةِ و البَطَالَةِ. و قد قالوا امرأة بَطِلَةٌ.

و التحقيق‏

أنّ الباطل يقابل الحقّ، أى ما لا ثبات له و لا واقعيّة، و لا محالة إنّه يزول و يمحو و لا يلبث وجوده. و البُطْلَانُ‏ إمّا في الوجود أو في العمل أو في القول أو في الرأى و النظر. و التعريف الصحيح للباطل هو ما يقال: إنّ‏ البَاطِلَ‏ ما يقابل الحقّ، فما ليس بحقّ فهو باطل. و الإِبْطَالُ في مقابل الإحقاق أى إزالة ما يزول و محوه.

و اطلاق البطل على الشجاع: باعتبار أنّ عنوانه و قدرته و قوّته و جميع تظاهراته غير ثابتة لا يعتمد عليها، و ليس لها ثبات و بقاء و حقيقة.

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ‏ الْباطِلُ‏- 31/ 30.

و المراد أنّ الوجود الحقّ الثابت هو اللّه المتعال، و أنّ غيره من المخلوقات باطل زائل، فكيف يصحّ أن يدعى غيره بعنوان الالوهيّة.

وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ‏ الْباطِلُ‏ إِنَ‏ الْباطِلَ‏ كانَ زَهُوقاً- 17/ 81.

الجملة الأخيرة كبرى كليّة و قاعدة عموميّة، فانّ الباطل لاثبات فيه، و هو كالظلّ الزائل يمحو بظهور النور- بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى‏ الْباطِلِ‏ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ‏- 21/ 18.

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ‏ بِالْباطِلِ‏+- 2/ 188.

أى بعنوان غير حقّ كالعقد الفاسد و بيع غير صحيح و عمل غير مشروع.

إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ‏- 9/ 34.

أى بدعاوى فاسدة و آراء سخيفة ضعيفة، و هذه الدعاوى الكاذبة غير

290
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بطن ص : 291

مخصوصة بهم، بل شاعت فيما بين المسلمين أيضا.

وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَ‏ بِالْباطِلِ‏ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَ‏- 2/ 42.

أى لا تغطّوا الحقّ به و لا تستروه به حتّى يكون الحقّ مكتوما و مغطّى بالباطل، كما نرى هذا المعنى في كثير من الآداب و العرفيّات المتداولة و الرسومات الشائعة بين الناس.

وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلًا- 38/ 27.

هذا هو الأصل الأصيل في خلق الموجودات، فانّ التكوين على ما هو عليه حقّ جار على النظم و الحكمة و التدبير من اللّه العزيز الحكيم، و تشريعه يوافق التكوين، فيكون هذا أصلا آخر حقّا، فالتشريع تشريح و توضيح و تبيين لما قد أجمل و أبهم في التكوين- إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ‏- 13/ 11- وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ‏- 4/ 119.

أىّ يعملون خلاف التكوين و التشريع.

لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ‏ الْباطِلَ‏- 8/ 8.

وَ يَمْحُ اللَّهُ‏ الْباطِلَ‏ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ‏- 42/ 24.

فيثبت اللّه الحقّ و هو تكوينه و خلقه و ما شاء و دبّره، و يزيل ما صنعوا باهويتهم و غيّروا بتمائلهم و أحدثوا و أبدعوا فيما بينهم.

أَ فَبِالْباطِلِ‏ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ‏- 29/ 67.

أى يكفرون بنعم اللّه تعالى و بما أعطاه و خلقه و أنعمه تكوينا أو تشريعا، ثمّ يتبّعون الباطل و يؤمنون به في مقابل تلك الحقائق الثابتة.

بطن‏

مصبا- البَطْنُ‏: خلاف الظهر، و هو مذكّر، و الجمع‏ بُطُونٌ‏ و أَبْطُنٌ، و

291
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 292

البَطْنُ‏ دون القبيلة، و مؤنّثة، و إن أريد الحىّ فمذكّر، و الجمع كما تقدّم، و بَطَنَ الشي‏ءُ يَبْطُنُ من باب قتل: خلاف ظهر، فهو باطن، و بَطَنْتُهُ أَبْطُنُهُ: عرفته و خبرت باطنه. و البِطَانَةُ: خلاف الظهارة. و بطن فهو مبطون: عليل البطن.

مقا- بطن: أصل واحد لا يكاد يخلف، و هو إنسىّ الشي‏ء و المقبل منه.

فالبطن خلاف الظهر، تقول بطنت الرجل إذا ضربت بطنه و باطن الأمر: دخلته خلاف ظاهره. و اللّه تعالى هو الباطن لأنّه بَطَنَ الأشياءَ خُبْراً، تقول بطنت هذا الأمر إذا عرفت باطنه. و البَطِينُ‏: العظيم البطن. و المَبْطُونُ‏: العليل البطن. و المِبْطَانُ:

الكثير الأكل. و البطان: بطان الرّحل و هو حزامه، و ذلك انّه يلي البطن. و من هذا الباب قولهم لدخلاء الرجل الّذين يبطنون أمره: هم بطانته، لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ‏.

و التحقيق‏

أنّ الّذى يظهر من تحقيق موارد استعمال مشتقّات هذه المادّة: أنّ الأصل الواحد فيها هو مقابل الظهور و خلافه. و لمّا كان باطن بدن الحيوان عبارة عن المعدة لوقوعها في وسط البدن و لخلاء داخلها و لكونها ذات مدخل مخرج: فأطلق لها البطن، و باعتبارها صحّ اطلاق الظهر على ما ورائها، و بهذه المناسبة أيضا اطلق البطن على ما دون القبيلة، لكونه في باطن القبيلة أو في بطنها و داخلها، ثم اشتقّت منه الفعل بالاشتقاق الانتزاعى، فقيل بَطَنْتُ الرجُلَ إذا ضربت بطنه، و كذلك‏ البَطِينُ‏ و المَبْطُونُ‏ و المِبْطَانُ‏.

وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ‏- 6/ 151.

أى ما ظهر من الأعمال القبيحة و ما خفى منها في أعين الناس. و الفواحش ما كان باطلا صريحا و مخالفا للحقّ، و الحقّ هو اللّه المتعال و تكوينه و تدبيره و النظام في العالم و لوازمها، فما كان خلاف هذه الحقائق فهو باطل و من الفحشاء،

292
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 292

كالشرك و الكفر و النفاق و العصيان و الظلم لعباده و الإفساد و الطغيان و ما يخالف حقوق العبوديّة و حقوق العباد انفراديّا أو اجتماعيّا و ما يظهر أو يبطن.

قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ‏- 7/ 33.

وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ‏- 6/ 120.

و قلنا إنّ التشريع هو توضيح ما أبهم في التكوين و تبيينه، و لا اختلاف بين التكوين و التشريع، و التشريع هو تكميل النعمة و إتّمامها- وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً- 31/ 20- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏ راجع مادّة بطل، فحش، نعم.

لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ‏- 3/ 118.

لا يبعد أن يكون البطانة مصدرا في الأصل من البطون كالخياطة و السفارة، ثمّ جعل بمعنى المفعول و اسما للمبالغة، فهو بمعنى السريرة و باطن اللباس و من يتّخذ للأسرار و خاصّة الرجل، فالبطانة من الأصحاب من يكون مخصوصا و مقام صحبته مخفيّا و من يلقى اليه الأسرار.

مُتَّكِئِينَ عَلى‏ فُرُشٍ‏ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ‏- 55/ 54.

البطائن جمع البطانة و المراد أنّ بواطن الفرش و أصل نسجها من الديباج، فكيف بظواهرها المشاهدة.

بِبَطْنِ‏ مَكَّةَ ...، يَمْشِي عَلى‏ بَطْنِهِ‏ ...، نَذَرْتُ لَكَ ما فِي‏ بَطْنِي‏ ...، مِنْ‏ بُطُونِ‏ أُمَّهاتِكُمْ‏ ...، مِمَّا فِي‏ بُطُونِهِ‏ ...، فِي‏ بُطُونِ‏ هذِهِ الْأَنْعامِ‏ ...، ما يَأْكُلُونَ فِي‏ بُطُونِهِمْ‏+.

فيظهر أنّ البطن مطلق ما يقابل الظهر من بلد، أو حيوان، أو انسان، معدة أو رحما أو مطلق ما يبطن و يكون في مقابل الظهر. و في هذا دلالة أيضا على أنّ الأصل فيها هو البطون.

هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ‏- 57/ 3.

أى الظاهر عن العوالم و الباطن عنها- ف لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏- و

من عرف نفسه‏

293
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بعث ص : 294

فقد عرف ربّه‏

: فنقول: إذا أردنا أن نعرّف النفس من زيد و روحه، و قلنا إنّها هي الظاهرة من وجوده و الْبَاطِنَةُ منه: بمعنى أنّ كلّ عضو من أعضائه يصحّ أن يقال إنّه زيد و من زيد و ليس بزيد. و كذلك روحه الحاكم الآمر المدرك المحيط بتمام أعضائه و السلطان في مملكة بدنه و الباطن فيه: فهو زيد.

فاللّه العليم المحيط الحيّ القادر سلطان مملكة الوجود و الحاكم في جميع العوالم و خالق الموجودات كلّها و المتجلّى فيها بعظمته و قدرته و الظاهر فيها بجلاله و جماله و هو نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ و هو الحقّ المطلق الأزلىّ الأبدىّ الحىّ القيّوم-

 ألا كلّ شي‏ء ما سوى اللّه باطل‏

 

 

 

.

فهو الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ‏ في عالم الوجود. و حقيقة هذا المعنى لا يعرفها إلّا من نوّر اللّه قلبه بنور المعرفة، و لا يمكن معرفته حقّا بالعلوم الرسميّة و من شقّ الشعر بمتشابهات العلم و الفلسفة.

فاللّه المتعال باطن عالم الوجود: إذ ما من إدراك و قدرة و قوّة و حياة و نور و وجود الّا و هو من نوره و من فيضه، فهو تعالى و تبارك روح العالم و نوره و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العلىّ العظيم. فهو ظاهر بالتجلّيّات و التّموجات النوريّة. و باطنّ القوى و الصفات و مبادي التّجلّيات. راجع مادّه ظهر.

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

بعث‏

مصبا- بَعَثْتُ‏ رسولًا بَعْثاً: أوصلته، و ابْتَعَثْتُهُ‏: كذلك. و في المطاوع فانبعث، مثل كسرته فانكسر. و كلّ شي‏ء يَنْبَعِثُ بنفسه فانّ الفعل يتعدّى اليه بنفسه، فيقال بعثته، و كلّ شي‏ء لا ينبعث بنفسه كالكتاب و الهدية فانّ الفعل يتعدّى اليه‏

294
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 295

بالباء، فيقال بعثت به. و أوجز الفارابي فقال: بَعَثَهُ أى أَهَبَّهُ و بعث به وجّهه. و البعث الجيش، تسمية بالمصدر، و الجمع البُعُوثُ. و البُعْثَاتُ‏ موضع بالمدينة.

مقا- بَعْثٌ‏: أصل واحد و هو الإثارة. و يقال بعثت الناقة، إذا أثرتها.

صحا- بَعَثَهُ‏ و ابتعثه بمعنى أى أرسله، فانبعث، و قولهم كنت في جيش فلان و بعثه: أى في جيشه الّذى بعث معه، و البعوث الجيوش. و بعثت النافة: أثرتها. و بَعَثَهُ اللّه من منامه: أهبّه. و بعث الموتى نشرهم ليوم البعث. و انبعث في السير:

أسرع.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو المفهوم المركّب من الاختيار، و الرفع، للعمل بوظيفة معيّنة، و يعبّر عنه بالفارسيّة [برانگيختن‏] و أمّا التوجيه و الإرسال و الإثارة و الإهباب و الإيصال و أمثالها: كلّها معاني مجازيّة.

ثمّ إنّ هذا المعنى يختلف باختلاف موارده: كَبَعْثِ‏ النبىّ للتبليغ، و بعث الموتى للحساب و الجزاء، و بعث الجيش للحرب و الجهاد، و بعث النائم لأداء الوظائف، و بعث الناقة للسير، و هكذا.

فَبَعَثَ‏ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ‏- 2/ 213.

فَبَعَثَ‏ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ‏- 5/ 31.

مَنْ‏ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا- 36/ 52.

عَسى‏ أَنْ‏ يَبْعَثَكَ‏ رَبُّكَ مَقاماً- 17/ 79.

إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ‏ ابْعَثْ‏ لَنا مَلِكاً- 2/ 246.

وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ‏ انْبِعاثَهُمْ‏- 9/ 46.

إِذِ انْبَعَثَ‏ أَشْقاها- 91/ 12.

و لا يخفى أنّ انتخاب هذه الكلمة في هذه الموارد في غاية اللطافة و المناسبة:

295
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بعثر ص : 296

 

إذ الإرسال يستلزم السير و الحركة، و كذا التوجيه، و الإيصال يطلق بالنسبة الى الانتهاء الى المقصود، و الإثارة بمعنى التهييج، و قريب منه الإهباب.

و لمّا كان النظر في هذه الآيات الشريفة الى بدوّ الأمر و نشوئه و حدوثه و إيجاده: عبّر بكلمة البعث، فانّها ناظرة الى هذه الجهة. و الإرسال أو التوجيه ناظر الى مرحلة بعد البدوّ و النشوء، و الإيصال ناظر الى جهة آخر السير.

فالبعث قريب من معنى الإنهاض و الإقامة.

بعثر

صحا- بَعْثَرَ: الفرّاء- بَعْثَرَ الرجلُ متاعه و بحثره: إذا فرّقه و بدّده و قلب بعضه على بعض، و يقال‏ بَعْثَرْتُ‏ الشي‏ءَ و بحثرته، إذا استخرجته و كشفته. و قال أبو عبيدة في قوله تعالى- بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ: أثير و أخرج، قال، و تقول‏ بَعْثَرْتُ‏ حوضي أى هدمته و جعلت أسفله أعلاه.

البيضاوي: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ‏- قلب ترابها و أخرج موتاها، و قيل إنّه مركّب من بعث و راء الإثارة كبسمل، و نظيره بحثر لفظا و معنى.

لسا- و بعثرت و بحثرت لغتان. و قال الزجّاج: بعثرت أى قلبت و بعث الموتى الّذين فيها. و قال بعثروا متاعهم و بحثروه إذا قلبوه و فرقوه و بدّدوه و قلبوا بعضه فوق بعض.

و التحقيق‏

أنّه ليس ببعيد أن يأخذ الواضع حين وضعه أمثال هذه اللغات من كلمتين، و أن يكونا منظورين لفظا و معنى، كالبعثرة من البعث و كلمة آخر كالعثر أو البثر أو الثرى. و البحثرة من البحث و لفظ آخر. و دعثر و دعكر و دعسر من الدعر و لفظ

 

296
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بعد ص : 297

آخر. و هكذا.

و لكن أن تكون الزيادة بحرف تناسب ما قبلها تلفّظا، و بالنسبة الى هذه الزيادة و هيئة الكلمة: يتحصل التغيير في المعنى أيضا.

وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ‏- 82/ 4.

إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ- 100/ 9.

أى قلب و بعث قلبا شديدا، فزيادة حرف الراء في آخر الكلمة تدلّ على الشدّة و المبالغة و امتداد حالة البعث و شدّتها. و انتخاب الراء من بين الحروف لكونها من حروف الرخوة و الذلاقة.

في الشافية [مخارج الحروف‏] و الشديدة و ما ينحصر جرى صوته عند إسكانه في مخرجه فلا يجرى- و يجمعها- أجدك قطبت. و الرخوة بخلافها ... و حروف الزلاقة: ما لا ينفكّ رباعىّ أو خماسىّ عن شي‏ء منها لسهولتها، و جميعها- مر بنفل.

و في الجاربردى- و حروف الزلاقة و هي ستّة أحرف، تجمعها قولك- مر بنفل- و إنّما سمّيت بذلك لأنّ الزلاقة أى السرعة في المنطق ... و هذه الحروف ثلاثة منها ذو لقيّة و هي اللام و الراء و النون، و ثلاثة شفهيّة و هي الباء و الفاء و الميم، و هي أحسن الحروف امتراجا بغيرها، و لا تجد كلمة رباعيّة أو خماسيّة إلّا و فيها شي‏ء منها، و متى رأيتها خالية عنها فهو دخيل في العربيّة كالعسجد، إلّا أن يشذّ.

بعد

مصبا- بَعُدَ الشي‏ءُ بُعْداً فهو بَعِيدٌ، و يعدّى بالباء و بالهمزة فيقال بَعُدْتُ بِهِ و أَبْعَدْتُهُ‏، و تباعد مثل بعد، و بعدّت بينهم تبعيدا، و باعدت مباعدة و استبعدته:

عدّدته بعيدا. و بَعِدَ بَعَداً من باب تعب: هلك. و بَعْدٌ: ظرف مبهم لا يفهم معناه إلّا بالاضافة لغيره، و هو زمان متراخ عن السابق، فان قرب منه قيل‏ بَعِيدٌ.

297
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 298

مقا- بُعْدٌ: أصلان- خلاف القرب، و مقابل قبل. قالوا الْبُعْدُ خلاف القرب، و البُعْدُ و البَعَدُ: الهلاك- كَما بَعِدَتْ‏ ثَمُودُ أى هلكت، و قياس ذلك واحد. و الأَبَاعِدُ خلاف الأقارب. و أمّا الآخر: فقولك جاء من بعد كما تقول في خلافه: من قبل.

صحا- البُعْدُ ضدّ القرب، و قد بعد فهو بعيد أى تباعد. و البُعْدُ و البَعَدُ أيضا: الهلاك، بعد فهو باعد، و تنحّ غير باعد و غير بعد أى غير صاغر. و بعد نقيض قبل، و هما اسمان يكونان ظرفين إذا اضيفا و أصلهما الإضافة، فمتى حذفت المضاف اليه لعلم المخاطب، بنيتهما على الضمّ، ليعلم أنّه مبنىّ، إذ كان الضمّ لا يدخلهما إعرابا لأنّهما لا يصلح وقوعهما موقع الفاعل و لا موقع المبتدإ و الخبر.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ما يقابل القرب، و من هذا المعنى أخذ مفهوم الظرفيّة للزمان أو المكان المتأخّر: لبعده بالنسبة الى الظرف الماضي أو الحال. و كذلك مفهوم الهلاكة و الحقارة: للبعد عن جريان العرف و النظر و الاعتدال المتوقّع.

و ليعلم أنّ كسر العين في الماضي يدلّ على الانحطاط و التنزّل و التسفّل، و هذا المعنى يناسب الاستقرار و اللصوق و العلل و الأحزان، فمفهوم الهلاكة و الصغارة المستفاد من بعد إنما هو بمقتضى الكسر في العين.

أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ‏ ثَمُودُ- 11/ 95.

أى بعدت حتّى تسفّلت.

لَفِي ضَلالٍ‏ بَعِيدٍ ...، لَفِي شِقاقٍ‏ بَعِيدٍ.+ يراد البعد المعنوي.

رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا- 34/ 19.

298
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بعر ص : 299

باعده أى أبعده بقيد الإطالة و الإدامة كما هو مقتضى باب المفاعلة- أى طلّبوا إيجاد الفاصلة و البعد بين أسفارهم لملالهم عن كثرة السفر.

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى‏ أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ‏- 21/ 101.

التعبير بالإِبْعَادِ دون البُعْدِ: إشارة الى قيام البعد بالفاعل و توجيه الى جهة الصدور، و الى أنّ هذا لطف و فضل من اللّه المتعال.

لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ‏ بَعْدُ- 30/ 4.

ظرف مبنّى على الضمّ.

بعر

مصبا- الْبَعِيرُ مثل الإنسان يقع على الذكر و الأنثى، يقال حَلَبْتُ‏ بَعِيرِي‏، و الجمل بمنزلة الرجل، و الناقة بمنزلة المرأة تختصّ بالأنثى، و البكر و البكرة مثل الفتى و و الفتاة، هكذا حكاه جماعة منهم ابن السكّيت و الأزهرى و ابن جنّى، ثمّ قال الأزهرى: هذا كلام العرب و لكن لا يعرفه إلّا خواصّ أهل العلم باللغة. و جمع البَعِيرِ أَبْعِرَةٌ و أَبَاعِرُ و بُعْرَانٌ‏. و البَعَرُ معروف، و الجمع أبعار.

مقا- بَعَرٌ: أصلان- الجِمَال، و البَعَرُ. يقال بَعِيرٌ و أبعِرة و أَبَاعِر و بُعْرَان.

و الْبَعَرُ معروف.

صحا- البَعِيرُ من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس. و البَعْرَةُ واحدة البَعْر و الأَبْعَارِ، و قد بَعَرَ البَعِيرُ و الشاةُ يَبْعَرُ بَعْراً.

فرهنگ تطبيقى- عبرى- بعير: شتر و هر چارپاى باربردار.

لسا- الْبَعَرُ: و لمن جاء به حمل بعير، اى حمل حمار، و كذلك ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره. و في زبور داود: إنّ‏ البَعِيرَ كلّ ما يحمل. و يقال لكلّ ما يحمل بالعبرانيّة: بَعِيرٌ.

299
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 300

 

و التحقيق‏

لا يبعد أن يكون البعير في أصل اللغة موضوعا لكلّ ما يحمل من الحمار و الجمل و الفرس، ثمّ غلب استعماله في الجمل. فلا ينافي في القول بأنّ المراد من كيل بعير هو ما يحمله الحمار، لتداوله بينهم. و اللّه العالم.

وَ نَحْفَظُ أَخانا وَ نَزْدادُ كَيْلَ‏ بَعِيرٍ- 12/ 65.

نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ‏ بَعِيرٍ- 12/ 72.

أى ما يكال و يحمل للبعير.

قع- (بعير) ماشية.

بعض‏

مقا- بَعْضٌ‏: أصل واحد و هو تجزئة الشي‏ء. و كلّ طائفة منه بعض. قال الخليل: بعضُ كلّ شي‏ء طائفة منه. و بَعْضٌ مذكّر، تقول هذه الدار متّصل بعضها ببعض. و بَعَّضْتُ‏ الشي‏ءَ تَبْعِيضاً: إذا فرّقته أجزاءا. و يقال إنّ العرب تصل ببعض كما تصل بما: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏، و مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ‏. قال، و كذلك بعض في قوله تعالى- وَ إِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ‏ بَعْضُ‏ الَّذِي يَعِدُكُمْ‏. و ممّا شذّ عن هذا الأصل البعوضة و هي معروفة، و الجمع بعوض، و هذه ليلة بعضة و مبعوضة، أى كثيرة البعوض.

كقولهم مكان سبع و مسبوع و ذئب و مذءوب.

صحا- بَعْضُ‏ الشي‏ءِ واحدُ أَبْعَاضِهِ‏، و قد بَعَّضْتُهُ‏ تَبْعِيضاً، أى جزّأته، فَتَبَعَّضَ‏. و البَعُوضُ‏: البقّ، و الواحدة بعوضة.

مفر- بعض الشي‏ء: جزء منه، و يقال ذلك بمراعاة كلّ، و لذلك يقابل به كلّ، فيقال بعضه و كلّه، و جمعه أبعاض- بَعْضُكُمْ‏ لِبَعْضٍ‏ عَدُوٌّ+، و قد بعّضت كذا:

 

300
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 301

جعلته أبعاضا، نحو جزّأته. و البعوض بنى لفظه من بعض، و ذلك لصغر جسمها بالاضافة إلى سائر الحيوانات.

مصبا- بَعْضُ‏ من الشي‏ء: طائفة منه، و بعضهم يقول جزء منه، فيجوز أن يكون‏ البَعْضُ‏ جزءا أعظم من الباقي، كالثمانية تكون جزءا من العشرة. قال ثعلب.

أجمع أهل النحو على أنّ البعض شي‏ء من شي‏ء أو من أشياء، و هذا يتناول ما فوق النصف كالثمانية من العشرة. قال الأزهرىّ: و أجاز النّحويّون إدخال الألف و الّلام على بعض و كلّ، إلّا الأصمعى فانّه امتنع من ذلك.

و التحقيق‏

أنّ البعض ينسب و يضاف الى الكلّ، سواء كان هذا الكل كلّيّا في نفسه- إِنَ‏ بَعْضَ‏ الظَّنِّ إِثْمٌ‏، أو في ضمن المجموع- أَوْ يَأْتِيَ‏ بَعْضُ‏ آياتِ رَبِّكَ‏، أو في ضمن التمام و المركّب- يَوْماً أَوْ بَعْضَ‏ يَوْمٍ+. و سواء كان مادّيا- بَعْضُكُمْ‏ لِبَعْضٍ‏ عَدُوٌّ+، أو معنويّا- بَعْضَ‏ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ‏.

و الحاصل أنّ البعض يستعمل في الكّميّات لا فِي الكيفيّات.

و الفرق بينه و بين الجزء و الفرد: أنّ البعض ينسب و يضاف دائما الى الكلّ، و لا يصحّ إطلاقه إلّا بعد تحقّق الكلّ. و هذا بخلاف الجزء فيصحّ إطلاقه على جزء لوحظ أن يكون جزءا و له صلاحية الجزئيّة مطلقا، أى قبل التركّب أو بعده. و الفرد ما كان ملحوظا مستقلّا في مقابل المجموع.

و أمّا دخول الألف و اللام على البعض: فلا اشكال فيه إذا أريد منه الجنس و المفهوم من حيث هو، أو تكون الّلام عوضا عن المضاف اليه.

وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً- 3/ 64.

التنوين للتعويض عن المضاف اليه.

أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها- 2/ 26.

301
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بعل ص : 302

صفة كذلول و يسمّى الذباب به لصغره في الحيوانات، و الحال انّه بعض منها، و أنموذج في بعض الجهات عن الحيوانات الموذية المضرّة الكبيرة.

بعل‏

مصبا- البَعْلُ‏: الزّوج، يقال بعل يبعل من باب قتل بعولة: إذا تزوّج، و المرأة بعل أيضا، و قد يقال‏ بَعْلَةٌ كما يقال زوجة تحقيقا للتأنيث، و الجمع‏ البُعُولَةُ- وَ بُعُولَتُهُنَ‏ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ‏، و البعل: النخل يشرب بعروقه فيستغنى عن السقي. و البعل:

السيّد. و البعل: المالك، و بَاعَلَ‏ الرجلُ امرأتَهُ‏ مُبَاعَلَةً و بِعَالًا: لاعبها.

مقا- بعل: اصول ثلاثة: فالأوّل- الصاحب، يقال للزوج بعل، و كانوا يسمّون بعض الأصنام بعلا، و من ذلك البِعَالُ و هو ملاعبة الرجل أهله. و الثاني- جنس من الحيرة و الدهش، يقال بَعَلَ الرجُلُ إذا دهش، و لعلّ من هذا قولهم امرأة بعلة، إذا كانت لا تحسن لبس الثياب. و الثالث- البعل من الأرض: المرتفعة الّتى لا يصيبها المطر في السنة إلّا مرّة واحدة. و ممّا يحمل على هذا الباب الثالث:

البعل و هو ما شرب بعروقه من غير سقى سماء.

صحا- البَعْلُ‏: الزوج، و بَعَلَ الرجُلُ: صار بَعْلًا. مَنْ بَعْلُ هَذَا؟ أى من ربّها و صاحبها. و البعل النخل الّذى يشرب بعروقه فيستغنى عن السقي، يقال قد استبعل. و البعل و العذي واحد و هو ما سقته السماء، و قال الأصمى: العذي ما سقته السماء، و البَعْلُ‏ ما شرب بعروقه من غير سقى و لا سماء. و البعل اسم صنم كان لقوم إلياس (ع) و بعلبك‏: اسم بلد. و بعل الرجل: دهش، و امرأة بعلة.

مفر- البعل هو الذكر من الزوجين- و هذا بعلى شيخا، و جمعه بعولة مثل فحل و فحولة. و لمّا تصوّر من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها و القائم عليها، و سمّى باسمه كلّ مستعل على غيره، فسمّى العرب معبودهم الّذى يتقرّبون‏

302
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 303

به الى اللّه بعلا، و يقال أتانا بعل هذه الدابّة، أى المستعلى عليها، و قيل للأرض المستعلية على غيرها بعل، و لفحل النحل بعل، تشبيها بالبعل من الرجال، و لما عظم حتّى يشرب بعروقه بعل لاستعلائه، و تصوّر من البعل الّذى هو النخل قيامه في مكانه فقيل‏ بَعَلَ‏ فلان بأمره إذا ادهش و ثبت مكانه ثبوت النخل في مقرّه.

لسا- البَعْلُ‏: الأرض المرتفعة الّتى لا يصيبها مطر إلّا مرّة واحدة في السّنة.

و قيل كلّ شجر أو زرع لا يسقى. قال الأزهرى: و قد رأيت بناحية البيضاء نخلا كثيرا عروقها راسخة في الماء و هي مستغنية عن السقي و عن ماء السماء يسمّى‏ بَعْلًا، و اسْتَبْعَلَ‏ الموضع و النخل: صار بعلا راسخ العروق في الماء مستغنيا عن السقي و عن إجراء الماء. و البعل: الزوج، بعل يبعل بعولة فهو باعل. قال الأزهرى: و إنّما سمّى زوج المرأة بَعْلًا لأنّه سيّدها و مالكها. و البعل: صنم، سمّى بذلك لعبادتهم إيّاه كأنّه ربّهم. و يقال أنا بعل هذا الشي‏ء، أى ربّه و مالكه. و بعل بأمره بعلا: برم فلم يدر كيف يصنع فيه، و البعل: الدهش عند الروع.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما كان قائما بنفسه و له جهة علوّ و استغناء و سيادة الى أقرانه. و هذا المعنى تختلف مصاديقه باختلاف الموارد، فبعل المرأة زوجها، و بعل النخل ما كان مستغنيا عن السقي، و البعل لبعض الطوائف هو صنمهم، و بعل الشي‏ء مالكه و صاحبه، و بعل الأمكنة ما كان مرتفعا مستغنيا عن المطر.

فالقيود المنظورة في مفهوم المادّة ملحوظة في جميع تلك الموارد.

و أمّا الضجر و الدهش: فلعلّه من آثار المفهوم، فانّ السيّد كثيرا ما تكون له مسئوليّة و تتوجّه اليه وظائف مخصوصة ليست لغيره، فقد يبرم و ينضجر و يدهش في قبال هذه الوظائف و مسئوليّته.

303
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بغت ص : 304

وَ إِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ لا تَتَّقُونَ أَ تَدْعُونَ‏ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ‏- 37/ 125.

و المراد مطلق مفهوم البعل لهم، من المالك و الصنم و الصاحب و المتموّل و السلطان و غيرهم. و يمكن أن تكون جملة- وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ‏- قرينة على إرادة مطلق المفهوم، فانّ المحجوبين من النّاس يتوجّهون الى كلّ ما كان مؤثّرا في الظاهر في تدبير أمورهم و إصلاح معاشهم و تأمين حياتهم و جلب المنافع اليهم.

وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ‏ بَعْلِها نُشُوزاً- 4/ 128.

وَ هذا بَعْلِي‏- 11/ 72.

وَ بُعُولَتُهُنَ‏ أَحَقُ‏- 2/ 228.

يراد الزوج لإضافتها الى المرأة و النساء.

و في قع- [بعل‏] زوج، مالك، سيّد، صاحب.

بغت‏

صحا- البَغْتُ‏ أن يفجأك الشي‏ء، و أعظم شي‏ء حين يَفْجَؤُكَ الْبَغْتَ.

بَغَتَهَ: فاجأه، و لقيته بَغْتَةً: فجأة. و المُبَاغَتَةُ: المفاجأة. لست آمن‏ بَغْتَاةَ العدوِّ:

فَجَآتِهِ.

مقا- بَغْتٌ‏): أصل واحد لا يقاس عليه، منه البغت، و هو أن يفجأ الشي‏ء- و أعظم شي‏ء حين يفجؤك البغت.

مصبا- بَغَتَهُ‏ بَغْتاً من باب نفع: فاجأه، و جاء بغتة، أى فجأة على غرّة، و باغته كذلك.

لسا- البغت و البغتة: الفجأة، و هو أن يفجأك الشي‏ء. و قد بغتة الأمر يبغته بغتا: فجأه. و الْمُبَاغَتَةُ: المفاجأة.

304
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 305

 

و التحقيق‏

أنّ الأصل في المادّة: هو مواجهة شي‏ء دفعة و بدون مقدّمة ظاهرة.

جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً- 6/ 31.

أَخَذْناهُمْ‏ بَغْتَةً+- 6/ 44.

أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ‏ بَغْتَةً- 39/ 55.

إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ‏ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً- 6/ 47.

فمقابلة البغتة بالجهرة تدلّ على أنّ حقيقة البغتة: عبارة عن إتيان شي‏ء بدون إعلام و إظهار. فانّ الجهرة هو العيان و الظهور.

و بهذا يظهر الفرق بين البغتة و الفجأة: فانّ الفجأة هو الإتيان بدون مقدّمة و الهجوم دفعة. و امّا البغتة فهو الإتيان من غير عيان و إظهار.

فمجي‏ء الساعة و العذاب و الأخذ من هذا النوع. و هذا التعبير ألطف من الفجأة، فإنّ مجيئها ليس بلا مقدّمة، بل بلا مقدّمة ظاهرة.

فعلى هذا لا يصحّ التعبير في الآية- أتاكم عذاب اللّه فجأة أو جهرة.

و يدلّ على هذا المعنى ايضا: جملة- وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ+- بعد آية 39/ 55 و 7/ 95 و 26/ 202 و 29/ 53 و غيرها، فانّ‏ الْبَغْتَةَ هو المجي‏ء بدون إعلام و إظهار، و أمّا المقدّمات فموجودة. فيكون ذكر هذا القيد بعد كلمة الفجأة زائدا، لفقدان مقدّمة ظاهرة أو باطنة فيها حتّى يمكن الشعور بها.

بغض‏

مقا- بُغْضٌ‏: أصل واحد و هو يدلّ على خلاف الحبّ، يقال‏ أَبْغَضْتُهُ‏ أُبْغِضُهُ‏.

 

305
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 306

 

مصبا- بَغُضَ‏ الشيْ‏ءُ بَغَاضَةً فهو بَغِيضٌ‏، و أَبْغَضْتُهُ‏ إِبْغَاضاً فهو مُبْغِضٌ‏. و الاسم البغض. قالوا- و لا يقال بغضته. و بَغَضَهُ‏ اللّه تعالى للناس فأبغضوه، و البغضة و البغضاء: شدّة البغض.

أسا- هو من أهل‏ الْبُغْضِ‏ و الْبِغْضَةِ و الْمَبْغَضَةِ و الْبَغْضَاءِ. و قد بغض بغاضة، و قد أبغضته و باغضته، و بينهما مباغضة، و ما رأيت أشدّ تباغضا منهما، و لم يزالا مُتَبَاغِضِينَ‏.

و التحقيق‏

أنّ البغض ضدّ الحبّ، و البغضاء مصدر كالدعوى، و البغض صفة نفسانيّة في قبال الحبّ، فإذا اشتدّ و ظهر في مقام العمل فهو العداوة، فانّه مأخوذ من التعدّى، و بينهما عموم و خصوص من وجه.

وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ- 5/ 64.

إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ- 5/ 91.

وَ بَدا بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً- 60/ 4.

بغل‏

مصبا- الْبَغْلُ‏: معروف، و جمع القلّة أَبْغَالٌ‏، و جمع الكثرة بِغَالٌ، و الأنثى بغلة، و الجمع بغلات مثل سجدة و سجدات.

مقا- بَغْلٌ‏: يدلّ على قوّة في الجسم، من ذلك البغل. قال قوم: سمّى بذلك لقوّة خلقه. و قد قالوا سمّى بغلا من التبغيل و هو ضرب من السير. و الّذى نذهب اليه أنّ‏ التَّبْغِيلَ‏ مشتقّ من سير البغل.

لسا- الْبَغْلُ: هذا الحيوان السّحاج الّذى يركب، و الأنثى بَغْلَةٌ، و الجمع‏

 

306
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 307

 

بِغَالٌ‏، و مَبْغُولَاءُ. اسم للجمع. و نكح فيهم و بغلهم و بَغَّلَهُمْ: هَجَّنَ أولادهم، و هو من البغل لأنّ البغل يعجز عن شأو الفرس. و التبغيل من مشى الإبل: مشى فيه سعة.

مفر- بغل: قال اللّه تعالى- وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ‏ وَ الْحَمِيرَ. البغل هو المتولّد من بين الحمار و الفرس. و تَبَّغَلَ البعير: تشبّه به في سعة مشيه و تُصُوِّر منه عرامته و خبثه، فقيل في صفة النذل هو بغل.

حياة الحيوان- البغل- هو مركّب من الفرس و الحمار، و هو عقيم لا يولد له، و شرّ الطباع ما تجاذبته الأعراق المتضادّة، و إذا كان الذكر حمارا يكون شديد الشبه بالفرس، و إذا كان الذكر فرسا يكون شديد الشبه بالحمار، و من العجب أنّ كلّ عضو فرضته منه يكون بين الفرس و الحمار، و كذلك أخلاقه ليس له ذكاء الفرس و لا بلادة الحمار.

و التحقيق‏

أنّ البغل اسم على وزان فلس، متوسّط بين الفرس و الحمار كما في الآية الشريفة، و مأخوذ من كلمتي البلوغ و الغلبة بالاشتقاق الكبير، و لعلّ الدلالة على قوّة الجسم مستفادة من هذا المعنى. و أمّا اشتقاق صيغ بغل و بغّل و تبغّل و أمثالها:

فانتزاعىّ.

و الشَّأْوُ: علوّ الهمّة. و التهجين: التقبيح. و السّحاج: شديد الجري.

وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ‏ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً- 16/ 8.

بغى‏

مصبا- بَغَيْتُهُ‏ أَبْغِيهِ‏ بَغْياً: طلبته. و ابْتَغَيْتُهُ و تبغّيته: مثله. و الاسم البُغَاءُ وزان غُراب. و ينبغي أن يكون كذا: معناه يندب ندبا مؤكّدا لا يحسن تركه، و

 

307
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بغى ص : 307

استعمال ماضيه مهجور، و قد عدّوا يَنْبَغِي‏ من الأفعال الّتى لا تتصرّف، فلا يقال انبغى، و قيل في توجيه إنّ‏ انبغى‏ مطاوع بغى و لا يستعمل انفعل في المطاوعة إلّا إذا كان فيه علاج و انفعال مثل كسرته فانكسر، و كما لا يقال طلبته فانطلب و قصدته فانقصد لا يقال‏ بَغَيْتُهُ‏ فَانْبَغَى‏، و أجازه بعضهم، و حكى عن الكسائي: إنّه سمعه من العرب و ما ينبغي أن يكون كذا أى ما يستقيم أو ما يحسن. و بغى على الناس بَغْياً: ظلم و اعتدى، فهو باغ، و الجمع‏ بُغَاةٌ. و بُغًى: سعى في الفساد، و منه الفرقة الباغية، لأنّها عدلت عن القصد، و أصله من بغى الجرح إذا ترامى الى الفساد. و بغت المرأة تبغى بغاء: فجرت، فهي بغىّ، و الجمع بغايا، و هو وصف مختصّ بالمرأة، و لا يقال للرجل‏ بَغِيٌ‏، و الْبَغِيُ‏ القينة و إن كانت عفيفة لثبوت الفجور لها في الأصل، و لا يراد به الشتم لأنّه اسم جعل كاللقب. و لى عنده‏ بُغْيَةٌ و هي الحاجة الّتى تبغيها، و ضمّها لغة، و قيل بالكسر الهيئة و بالضمّ الحاجة.

مقا- بغى: أصلان أحدهما طلب الشي‏ء، و الثاني جنس من الفساد. فمن الأوّل‏ بَغَيْتُ‏ الشي‏ءَ أَبْغِيهِ‏ إذا طلبته. و يقال بغيتك الشي‏ء إذا طلبته لك، و أبغيتك الشي‏ء إذا أعنتك على طلبه. و الْبُغْيَةُ: الحاجة. و ما ينبغي لك أن تفعل كذا، و هذا من أفعال المطاوعة، تقول: بَغَيْتُ‏ فَانْبَغَى‏ كما تقول كسرته فانكسر. و الثاني- بغى الجرح إذا ترامى الى الفساد، ثمّ يشتقّ منه ما بعده. فَالْبَغِيُ‏: الفاجرة- بَغَتْ‏ تَبْغِي‏ بِغَاءً و هي‏ بَغِيٌ‏ و منه أن يبغى الإنسان على آخر، و منه بغى المطر، و هو شدّته و معظمه. و إذا كان ذا بغى فلا بدّ أن يقع منه فساد. و البغي: الظلم.

صحا- الْبَغْيُ‏: التعدّي، و بَغَى الرجلُ على الرجُلِ: استطال. و بَغَى الوادِي: ظلم. و كلّ مجاوزة و إفراط على المقدار الّذى هو حدّ الشي‏ء فهو بغى. و البِغْيَةُ مثل الجِلسة الّتى‏ يَبْتَغِيهَا. و البُغْيَةُ: الحاجة نفسها. و بغت المرأة: زنت، فهي بغىّ، و ما كانت امّك بغيّا- مثل- ملحفة جديد. و بغيت الشي‏ء: طلبته. و بغيتك الشي‏ء: طلبته لك. و ينبغي لك: فهو من أفعال المطاوعة- بغيته فانبغى. و

308
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 309

أَبْغَيْتُكَ‏ الشي‏ء: جعلتك طالبا له. و ابتغيت الشي‏ء و تبغّيته إذا طلبته و بغيته.

مفر- البَغْيُ‏: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أو لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الّذى هو الكميّة و تارة يعتبر في الوصف الّذى هو الكيفيّة، يقال بغيت الشي‏ء إذا طلبت اكثر ما يجب، و ابتغيت: كذلك- لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ. و بغى الجرح: تجاوز الحدّ في فساده. و بغت المرأة بغاء: إذا فجرت، و ذلك لتجاوزها الى ما ليس لها- وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى‏ الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً. و بَغَتِ‏ السماء:

تجاوزت في المطر حدّ المحتاج اليه. و بغى: تكبّر، و ذلك لتجاوزه منزلته الى ما ليس له. و متى كان الطلب لشي‏ء محمود فالابتغاء فيه محمود- ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ‏. و ينبغي مطاوع بغى، فإذا قيل ينبغي أن يكون كذا، فيقال على وجهين: أحدهما أن يكون مسخّرا للفعل- النارُ ينبغِي أن تُحْرِقَ الثَوْبَ. و الثاني على معنى الاستئهال- ينبغي أن يعطى لكرمه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الطلب الشديد و الإرادة الأكيدة. و هذا المعنى يختلف باختلاف الموارد و الاستعمالات.

فإذا استعملت بحرف على، تدلّ على التعدّى و التجاوز إرادة أو عملا- بَغَتْ‏ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ ...، خَصْمانِ‏ بَغى‏ بَعْضُنا عَلى‏ بَعْضٍ‏ ...، فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ...، لَيَبْغِي‏ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ ...، ثُمَ‏ بُغِيَ‏ عَلَيْهِ.

إِنَّما بَغْيُكُمْ‏ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ‏- 10/ 23.

و إذا استعملت في موارد المنع و التحريم: فكذلك أيضا.

وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى‏ الْبِغاءِ.

إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ الْإِثْمَ وَ الْبَغْيَ‏ 7/ 33.

وَ يَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ‏- 16/ 90.

309
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 309

وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ‏ بَغِيًّا- 19/ 20.

و كذلك إذا كانت قرينة اخرى لفظيّة أو مقاميّة- فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ‏ وَ لا عادٍ+ ...، ذلِكَ جَزَيْناهُمْ‏ بِبَغْيِهِمْ‏ ...، فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ‏ بَغْياً بَيْنَهُمْ‏ ...، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ‏ بَغْياً وَ عَدْواً ...

وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ‏ الْبَغْيُ‏ هُمْ يَنْتَصِرُونَ‏- 42/ 39.

فالتعدّى و التجاوز الزائد على الطلب الشديد إنّما يستفاد بالقرائن، و الأصل الواحد محفوظ في جميع هذه الموارد.

و إذا خلت عن القرينة: فالمراد هو الطلب الشديد.

ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ‏ ...، قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي‏ ...، أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ‏ ...، وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ+ ...، تَبْتَغُونَ‏ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ...، وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ.

ثمّ إنّ شدّة الطلب قد يكون مقدّرا، بمعنى أنّ استعمال هذه المادّة يكون في مورد يقتضى تحقّق الطلب الشديد، إمّا لعظمة المطلوب و علوّه- أَنْ‏ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ‏ ...، وَ ابْتَغِ‏ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ...

وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ- 5/ 35.

ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ‏ ...، إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏- 92/ 20.

و إمّا لحقارة المطلوب و كونه بعيدا عن التعقّل و مخالفا للنظر الصحيح، فيحتاج طلبه الى مؤنة زائدة.

أَ غَيْرَ اللَّهِ‏ أَبْغِي‏ ...، أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ‏ يَبْغُونَ‏ ...، أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ‏ ...، وَ مَنِ‏ ابْتَغَيْتَ‏ مِمَّنْ عَزَلْتَ‏.

باعتبار سبق العزل.

فظهر أنّ هذه المادّة ليست بمعنى الفساد و لا الزنا و لا الظلم و الاعتداء و لا الحاجة و لا غيرها، بل الحقيقة فيها هي الطلب الشديد، و هذا المعنى ينطبق بالقرائن على مفاهيم مختلفة، باقتضاء المقام و بتناسب من ينسب اليه.

310
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بقر ص : 311

فإذا نسب الى المرأة بطور مطلق من غير ذكر متعلّق له: فيستفاد منه الفجور.

و إذا ذكر متعلّقه بحرف على: يستفاد منه الإضرار و التعدّى قولا أو عملا أو فكرا.

و أمّا الفرق بين صيغة الابتغاء و الِانْبِغَاءُ: فالانْبِغَاء انفعال و يدلّ على القبول، فيقال‏ بَغَيْتُهُ‏ وَلَداً فَانْبَغَى‏ و بغيته أن يتّخذ ولدا أو وليّا أو يتعلّم شعرا أو يتخذ ملكا فانبغى، أى قبل ذلك الطلب و الاتّخاذ، أو لم ينبغ، و بغيت الولد و الشعر و الوليّ و الملك فانبغى كلّ واحد منها- لا يَنْبَغِي‏ لِأَحَدٍ ...، ما يَنْبَغِي‏ لِلرَّحْمنِ‏.

و أمّا الِابْتِغَاءُ: فهو افتعال و يدلّ على المطاوعة و الموافقة، في مقابل المنع و الاباء و المخالفة، فيقال اكتسب أى كسب طوعا و رغبة، و ابْتَغَى أى طلب بالطلوع.

و قد يكون الطوع في جانب المفعول كما في جمع الشي‏ء و وصله فاجتمع و اتّصل.

وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ‏- 2/ 187.

يَبْتَغُونَ‏ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً+- 59/ 8.

أَ فَغَيْرَ اللَّهِ‏ أَبْتَغِي‏ حَكَماً- 6/ 114.

لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ- 9/ 48.

بقر

مصبا الْبَقَرُ: معروف، و هو اسم جنس، و تطلق البقرة على الذكر و الأنثى و انّما دخلت الهاء لأنّه واحد من الجنس، و جمعها بقرات، و بقرت الشي‏ء بقرا من باب قتل: شققته، و بقرته: فتحته. و هو باقر علم، و تَبَقَّرَ في العلم و المال: توسّع، وزنا و معنى.

مقا- بَقْرٌ: أصلان، و ربّما جمع ناس بينهما و زعموا انّه أصل واحد، و ذلك البقر، و الثاني التوسّع في الشي‏ء و فتح الشي‏ء.

311
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 312

صحا- البَقَر اسم جنس، و الجمع بَقَرَاتٌ، و البَيْقُورُ: البَقَرُ، و أهل اليمن يسمّون‏ الْبَقَرَةُ: بَاقُورَةً. و بَقَرْتُ الشي‏ء بَقْرا: فتحته و وسّعته،

و كان يقال لمحمّد بن علىّ بن الحسين عليهم السلام‏ الْبَاقِرُ: لِتَبَقُّرِهِ‏ فِي الْعِلْمِ‏

، و ناقة بقير إذا شقّ بطنها عن ولدها، و البقير: جماعة البقر.

الاشتقاق ص 288- كلّ شي‏ء وسّعته فقد بقرته، و البقر و الباقور و الباقر و البيقور، واحد.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الشقّ مع توسعة، و من هذا المعنى يؤخذ مفهوم الفتح و التوسّع. و أمّا البقر: فالظاهر أنّ أصل هذه الكلمة هو الوصفيّة، فهو صفة مشبهة كحسن، بمعنى الباقر، ثمّ جعل اسما بمناسبة امتيازه من بين سائر الحيوانات بهذه الصفة، فانّ آلة الدفاع و الحرب له هو قرنه و به يشقّ طرفه شقّا، و ليس له ناب و لا منقار و لا مخلب.

وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ‏ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ‏- 6/ 144.

فيشمل البَقَرُ على الذكر و الأنثى، و الاثنينيّة بهذا الاعتبار.

قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ+- 6/ 144.

وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً- 2/ 67.

التاء للوحدة لا للتأنيث، كما في تمر و تمرة، و تأنيث الضمائر و الصفات باعتبار ظاهر اللفظ. أو أنّ المراد هنا هو التأنيث و هو بعيد.

يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ‏.

تذكير الفارض باعتبار غلبة الاسميّة عليه، فانّه بمعنى الضخم المسنّ، كالبكر و العوان.

سَبْعَ‏ بَقَراتٍ‏ سِمانٍ+- 12/ 43.

312
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بقع ص : 313

جمع بقرة أو بقر، و فعيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر و المؤنث كقتيل و سمين، أو أنّه جمع سمينة.

بقع‏

صحا- الْبُقْعَةُ من الأرض واحدة البِقَاعِ‏. و الْبَاقِعَةُ الداهيَةُ- بقع الرجل:

رمى بكلام قبيح أو ببهتان. و الْبَقِيعُ‏ موضع فيه أَرُومُ الشجر من ضروب شتّى، و به سمّى بَقِيعَ الغرقد و هي مقبرة. و الغراب‏ الأَبْقَعُ‏ الّذى فيه سواد و بياض. و البقع في الطير و الكلاب بمنزلة البلق في الدوابّ. و بُقْعَانُ‏ الشام: خدمهم و عبيدهم، لبياضهم و حمرتهم أو سوادهم لأنّهم من الروم و بلاد السودان.

مقا- بقع: أصل واحد، و هو مخالفة الألوان بعضها ببعض، و ذلك مثل الغراب الأَبْقَعُ و هو الأسود في صدره بياض. قال الخليل: البُقْعَةُ قطعة من الأرض على غير هيئة الّتى الى جنبها، و جمعها بِقَاع‏ و بُقَعٌ‏. أبو زيد: هي البقعة أيضا، أبو عبيدة: الأبقع من الخيل: الّذى يكون في جسده بقع متفرّقة مخالفة للونه- أبو حنيفة:

البَقْعَاءُ من الأرضين: الّتى يصيب بعضها المطر و لم يصب البعض، و كذلك مبقّعة، و أرض بقعة إذا كان فيها بقع من نبت. أبو زيد: كلّ جوّ من الأرض و ناحية بقيع. و البَاقِعَةُ: الداهية.

مصبا- الْبُقْعَةُ من الأرض: القطعة منها، و تضمّ الباء في الأكثر، فتجمع على بقع مثل غرفة و غرف. و تفتح فتجمع على بقاع مثل كلبه و كلاب، و الْبَقِيعُ‏:

المكان المتّسع، و يقال الموضع الذي فيه شجر. و بَقِيعُ‏ الْغَرْقَدِ: بمدينة النبىّ (ص [و فيها قبور أئمتنا المعصومين الحسن بن علي و علي بن الحسين ومحمد بن علي جعفر بن علي عليهم السلام‏] كان ذا شجر و زال و بقي الاسم، و هو الآن مقبرة، و بالمدينة أيضا موضع يقال له‏ بَقِيعُ‏ الزُّبَير. و بَقِعَ‏ الغُرَابُ‏ بَقْعاً من باب تعب: اختلف لونه، فهو أَبْقَعُ، و جمعه بِقْعَانُ.

313
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 314

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التخالف في اللون أو في الكيفيّة الظاهرة، كالحيوان الأبقع، و الأرض البقعاء. و أمّا البقعة: فهي فعلة بمعنى ما يبقع به كاللقمة بمعنى ما يقلم، فهي موضع يختلف به عدّة قطعات من الأرض، و البقيع مثلها.

نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي‏ الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ- 28/ 30.

أى من قطعة مشخّصة بوركت بالتوجّه من اللّه تعالى.

و أمّا جهة هذه البقعة: فهي واقعة في جنوب صحراء سيناء، و قد مرّت خريطتها في البحر فراجعها.

314
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بقل ص : 315

و أمّا طريق موسى (ع) من أرض مدين الى هذه البقعة: فالظاهر أنّه من مدين [و هي واقعة في الجهة الجنوب الشرقىّ من شمال البحر الأحمر- راجع مدين‏] الى أن يؤتى مدينة الشيخ حميد، و هي ميناء في الجهة الشرقيّة من بوغازتيران [موصل خليج العقبة و البحر الأحمر] ثمّ يعبر بها خليج العقبة في مراكب بحريّة في ساعة و نصف الى ميناء النبك و هي درب التجّار من الحجاز الى مصر، ثمّ يؤتى قريبا من طور سيناء في ثلاثة أيّام.

و بين ميناء الشيخ حميد و ميناء النبك قريب من سبعة أميال.

بقل‏

مصبا- البَقْلُ‏: كلّ نبات اخضرّت به الأرض، و أَبْقَلَتِ‏ الأَرْضُ: أنبتت البقل فهي مبقلة على القياس، و جاء أيضا بقلة و بقيلة. و أَبْقَلَ‏ القوم: وجدوا بقلا.

و البَاقِلَّا و الْبَاقِلَاءُ.

صحا- البقل معروف، و الواحدة بقلة. و البقلة أيضا: الرِّجْلَةُ و هي‏ البَقْلَةُ الحمقاء. و المَبْقَلَةُ: موضع البقل. و يقال كلّ نبات اخضرّت له الأرض فهو بقل. و بقل وجه الغلام يبقل بقولا: خرجت لحيته، و لا تقل بقّل. و بقل ناب البعير: طلع.

و ابتقل الحمار: رعى البقل.

مقا- بَقْلٌ‏: أصل واحد، و هو من النبات، و اليه ترجع فروع الباب كلّه.

قال الخليل: الْبَقْلُ‏ من النبات ما ليس شجر دقّ و لا جلّ، و فرّق ما بين البقل و دقّ الشجر بغلظ العود و جلّته، فإنّ الأمطار و الرياح لا تكسر عيدانها تراها قائمة أكل ما أكل و بقي ما بقي. و قال ابتقل القوم: إذا رعوا البقل. و الإبل تبتقل و تَتَبَقَّلُ‏:

تأكل البقل. و أَبْقَلَتِ‏ الأرضُ و بَقَلَتْ: أَنْبَتَتِ الْبَقْلُ، فهي‏ مُبْقِلَةٌ. و المُبْقَلَةُ و الْبَقَّالِيَّةُ: ذاتُ البَقْلِ. أرض بَقِلة و بَقِيلَة: كثيرة البَقْل. قال أبو زياد: البقل اسم‏

315
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 316

 

لكلّ ما ينبت أوّلا.

الاشتقاق ص 506- بقل النبت: ظهر. و بَقَلَ شارب الغلام: بدا.

لسا- بقل الشي‏ء: ظهر. و البقل: معروف. و بقل النبت يبقل بقولا و أبقل: طلع، و أبقله اللّه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الظهور بالنبت و النموّ، لا مطلق الظهور، و خروج الشعر و الناب نوع من النبت، فانّه خروج شي‏ء من شي‏ء و نشؤه، من النباتات أو غيرها.

فالبَقْلُ‏ قوامه و حقيقته: الظهور و النبت، فما كان المنظور منه و المقصود هو جهة ظهوره و نباته فقط: فهو البقل، كالخضراوات.

فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ‏ بَقْلِها- 2/ 61.

أى ممّا كان المأكول منه و هو نفس ما نبت و طلع من الأرض لا ثمرة.

و في البيضاوي- البَقْلُ‏ ما أنبتته الأرض من الخضر، و المراد أطايبه الّتى تؤكل.

بقاء

صحا- بَقِيَ‏ الشيْ‏ءُ يَبْقَى‏ بَقَاءً، و أَبْقَاهُ‏ اللّهُ، و بقي من الشي‏ء بَقِيَّةُّ، و الباقية توضع موضع المصدر- فَهَلْ تَرى‏ لَهُمْ مِنْ‏ باقِيَةٍ أى بقاء، و أبقيت على فلان إذا أرعيت عليه و رحمته، و يقال لا أَبْقَاكَ اللّه، و لا أبقى اللّه عليك إن أبقيت علىّ، و الاسم منه‏ البُقْيَا، و كذلك‏ البَقْوَى‏. و بَقَّيْتَهُ‏: نظرت اليه و ترقبته. و اسْتَبْقَيْتَ‏ من الشي‏ء: تركت بعضه، و استبقاه: استحياه.

 

316
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 317

مص- بقي الشي‏ء يبقى من باب تعب بقاء و بَاقِيَةً: دام و ثبت، و يتعدّى بالألف فيقال‏ أَبْقَيْتُهُ‏، و الاسم البَقْوَى و البُقْيَا، و مثله الفتوى و الفتيا و الثنوى و الثنيا و هي الاسم من الاستثناء. و طيئ تبدّل الكسرة (في الماضي) فتحة و تنقلب الياء ألفا فيصير بقا، و كذلك كلّ فعل ثلاثىّ سواء كانت الكسرة و الياء أصليّتين- بقا و نسا و فنا، أو كان ذلك عارضا كما لو بني للمفعول فيقولون في هدى و بنى: هدا و بنا.

مقا- بَقِيَ‏: أصل واحد و هو الدوام. قال الخليل: بقي الشي‏ء يبقى بقاء و هو ضدّ الفناء. و لغة طىّ: يبقى، و كذلك لغتهم في كلّ مكسور ما قبلها يجعلونها ألفا- بقي و رضى، لأنّهم يكرهون اجتماع الكسرة و الياء. و يقولون في جارية و بانية و ناصية: جاراة و باناة و ناصاة. و هو يبقى الشي‏ء ببصره إذا كان ينظره و يرصده، و بَقَيْتُ فلاناً أَبْقِيهِ إذا رعيته و انتظرته، و بَقَيْنَا رَسُولَ اللّهِ: انتظرناه، و هذا يرجع الى الأصل، فانّ الانتظار بعض الثبات و الدوام.

الفائق- بَقَينَا رسولَ اللّهِ ذاتَ لَيْلَةٍ: انتظرنا، و الاسم منه البقوى قلبت الياء فيها واوا، و كذلك كلّ فعلى إذا كانت اسما كالتقوى و الرعوى و الشروى، و إذا كانت صفة لم تقلب ياؤها- صديا و خزيا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما يقابل الفناء، و يدلّ عليه تقابله به في- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ‏ ... وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ‏. و قريب من الفناء معنى النّفاد، كما في- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ‏ باقٍ‏.

وَ ما عِنْدَ اللَّهِ‏ باقٍ‏- 16/ 96.

وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏+- 28/ 60.

كلّ ما كان محدوديّته أشدّ و حدوده أكثر: فالبقاء و الثبات فيه أضعف، و

317
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 317

الفناء و النفاد و الزوال اليه أسرع.

فعالم المادة في جميع مراتبها و طبقاتها و أنواعها، أصلا و فرعا جوهرا و عرضا، قولا و فعلا و فكرا، و ما يتعلّق بها: كلّها في معرض الفناء- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ ...- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ‏.

فكلّ ما كان بحدّ فيه أقلّ: فالقوّة و الشدّة و الدوام فيه أقوى، الى أن ينتهى الى من ليس له نهاية و لا حدّ و لا ضعف و لا حاجة بوجه من الوجوه، و هو الأزلىّ الأبدىّ الحىّ القيّوم القادر العالم.

فكما أنّ اللّه المتعال أبدىّ حقّ: فكذلك كلّ ما يتعلّق به و يرجع اليه من ذات أو عمل أو قول أو علم.

وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏- 55/ 27.

وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏- 87/ 17.

وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏ لِلَّذِينَ آمَنُوا- 42/ 36.

و عالم الآخرة يقابل عالم الدنيا: فاللطف و الرقّة فيه اكثر، و الحدود و الكثافة فيه أقلّ، فهو أقوى و أبقى. فكذلك كلّ ما يتعلّق بهذا العالم:

وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى‏- 20/ 127.

ثمّ إنّ مفهوم البقاء إن اعتبر بنفسه فيعبّر عنه بكلمة- الباقي و البقيّة.

بَقِيَّتُ‏ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ‏- 11/ 86.

أى الباقي عند اللّه و للّه، و ما يدّخر عنده من الثواب و الجزاء و الفضل.

ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ‏ باقٍ‏.

وَ الْباقِياتُ‏ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ+- 18/ 56.

أى ما يبقى من الأعمال الصالحة.

و ان اعتبر بالنسبة الى الغير: فيعبّر بكلمة أبقى- وَ اللَّهُ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏.

فانّ هذا الكلام من السحرة في جواب قول فرعون- وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ

318
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بكر ص : 319

عَذاباً وَ أَبْقى‏. و هكذا- وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏- 20/ 131.

فانّه في مقابل- وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً.

و هكذا في سائر الموارد.

و أمّا التعبير بكلمة- يبقى- وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ‏: للاشارة الى تجدّد البقاء و استدامته في جميع مراحل فناء الموجودات- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَ يَبْقى‏ ....

و أمّا الفرق بين البقاء و الدوام و الثبات.

فإنّ البقاء: هو الثبات على حالة سابقة و كونها مستصحبة.

و يعتبر في مفهوم الثبات: التّحقيق في نفس الأمر و يقابله الزوال.

و يعتبر في الدوام الامتداد من حيث هو من دون نظر الى الحالة السابقة و ثباتها. أو الى تحقّق الموضوع.

بكر

الاشتقاق ص 49- و اشتقاق‏ بِكْرٍ من‏ البَكْرِ و هو الفتيُّ من الإبل، و الجمع بكارة و أبكر في أدنى العدد. و يقال‏ بَكَرْتُ‏ أَبْكُرُ بُكُوراً و بَكَّرْتُ‏ تَبْكِيراً، و كلّ شي‏ء تعجّل فهو باكر، و به سمّيت‏ البَاكُورَةُ من النخل، و يقال رجل بَاكِرٌ و مُبْكِرٌ، من بكر و أبكر. و البَكَرَةُ: الْمَحَالَةُ الّتى يُستقى عليها. و الْبِكْرُ: خلاف الثيّب. و البكر من الناس و السباع و الدوابّ: الّتى ولدت أوّل بطن. و اسْتَبْكَرَتْ فلانَةُ بفلان: إذا كان أوّل ولدها. و البُكْرَةُ: الغداة.

صحا- البِكْرُ: العذراء، و الجمع أَبْكَارٌ، و المصدر البَكَارَةُ. و البِكر: المرأة الّتى ولدت بطنا واحدا، و بكرها ولدها، و الذكر و الأنثى فيه سواء. و كذلك البكر من الإبل، و البكر: الفتىّ من الإبل، و الأنثى بكرة، و الجمع بكار و بكارة أيضا مثل فحل و فحالة. و سير على فرسه بكرة و بكرا: كما تقول سحرا، و قد بكرت و

319
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 320

ابكر بُكُوراً و بكّرت تبكيرا و أبكرت و ابتكرت و باكرت: كلّه بمعنى، و كلّ من بادر الى الشي‏ء فقد أبكر اليه و بكّر، أىّ وقت كان- بَكِّرُوا بصلاة المغرب.

مصبا- بكر الى الشي‏ء بكورا من باب قعد: أسرع أىّ وقت كان. و البُكْرَةُ من الغداة جمعها بُكَرٌ مثل غرفة و غرف، و أَبْكَارٌ جمع الجمع مثل رطب و أرطاب، و إذا أريد بكرة يوم بعينه: منعت الصرف للتأنيث و العلميّة. و قال ابن جنّى: الأبنية الثلاثة بمعنى الإسراع أىّ وقت كان. و البِكْرُ: خلاف الثيّب رجلا كان أو امرأة، و هو الّذى لم يتزوّج. و البِكْر الفتى من الإبل، و به كنّى. و منه ابو بكر.

مقا- بَكْرٌ: أصل واحد، يرجع اليه فرعان هما منه. فالأوّل- أوّل الشي‏ء و بدؤه، و الثاني مشتقّ منه، و الثالث تشبيه. فالأوّل- البُكْرَةُ و هي الغداة، و الجمع البكر. و التبكير و البكور و الابتكار: المضىّ في ذلك الوقت. و الإبكار: البكرة، كما أنّ الإصباح اسم الصبح. و باكرت الشي‏ء إذا بكرت عليه. و بكرت الشجرة و أبكرت و بكّرت تبكّر تبكيرا و بكرت بكورا: إذا عجّلت بالإثمار و الينع. فهذا الأصل الأوّل، و ما بعده مشتقّ منه. فمنه البكر من الإبل. و البكر من النساء الّتى لم تمسس قطّ. و البكر من كلّ أمر أوّله. و أمّا الثالث فَالْبَكَرَةُ الّتى يستقى عليها.

و التحقيق‏

أنّ الّذى يظهر من كلمات القوم و استعمالاتهم، أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الكون في المرحلة الأولى من برنامج أو جريان أمر، سواء كان هذا الجريان منتسبا الى انسان أو حيوان أو نبات أو جماد أو زمان، أو غيرها. فالبكر كالملح صفة مشبهة و هو من ثبت له هذا المفهوم، يقال امرأة بكر، ابل بكر و شجرة بكر و زمان بكر. و الباكر فاعل و هو من قام به هذا المفهوم. و البَكْرُ بالفتح كصعب صفة أيضا و غلب استعماله في الحيوان كما أنّ بكرا غالب استعماله في الإنسان. و البُكْرَةُ

320
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 320

بالضمّ فعلة كاللقمة بمعنى ما يفعل به، و من هذا المعنى أوّل الوقت من اليوم و هو الغداة. و البكور و الإبكار مصدران مجرّدا و مزيدا فيه، و النظر في البكور الى جهة نفس الفعل و في الإبكار الى جهة صدوره من الفاعل. و لعلّ اطلاق البكرة على الّتى يستقى عليها: باعتبار وقوعها في اوّل مرحلة من الاستسقاء، أو لكونها واقعة في رأس الحفيرة و البئر.

و يدلّ على هذا الأصل ورود هذه المادّة في مقابل الفارض و الثيّب و العشىّ و الأصيل: فانّ الفارض قريب من مفهوم المسنّ و القديم. و الثيّب من تفارق زوجها و ترجع الى بيتها السابقة. و العشىّ أواخر النهار الى أن تنقضي ساعات من الليل. و الأصيل قريب من معنى العشىّ.

و هذه المعاني كما ترى تقابل مفهوم المرحلة الاولى من أمر.

إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ‏- 2/ 68.

أى متوسّط بينهما.

عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً- 66/ 5.

أى اللّاء لم يتزوجنّ و كنّ في ابتداء مراحل العيشة و الحياة.

فَجَعَلْناهُنَ‏ أَبْكاراً- 56/ 36.

أي في صورة من كنّ في حداثة السنّ و الشباب، و في صفة من لم يتزوّج و هي على المرحلة الاولى من العيشة.

أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا- 19/ 11.

أى في ابتداء النهار و انتهائها.

وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ- 40/ 55.

أى بسبب الورود في ابتداء النهار للشروع في العيشة. و قدّم العشىّ على خلاف الجريان الطبيعىّ: فانّ ورود ظلمة الليل يوجب ترك الاشتغالات الدنيويّة، و في هذه الساعات فراغة كاملة للحمد و التسبيح و التوجّه الى اللّه المتعال، و لا يخفى‏

321
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بك ص : 322

أنّ ورود الليل أيضا من أعظم النعم الالهيّة حتّى تحصل الاستراحة و يرتفع التعب و الضعف.

و مثلها في الاشارة الى مورد الاقتضاء للتسبيح و الحمد.

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِبْكارِ- 3/ 41.

فانّ تقديم العشىّ من جهة وجود الاقتضاء فيها للتسبيح و الحمد كثيرا بسبب حصول الفراغة.

فظهر أنّ تفسير البكرة بأوّل الصبح، و الإبكار بالبكرة، و البكر بالمرأة الّتى كانت باكرة عرفا في مقابل الثيّب: غير وجيه.

بكّ‏

مقا- بَكٌ‏: أصل يجمع التزاحم و المغالبة. قال الخليل: الْبَكُ‏ دقّ العنق. و يقال سمّيت‏ بَكَّةَ لأنّها كانت‏ تَبُكُ‏ أعناق الجبابرة إذا ألحدوا فيها بظلم لم ينظروا، و يقال: لأنّ الناس بعضهم يبكّ بعضا في الطواف أى يدفع. و قال الحسن: أى يتباكون فيها من كلّ وجه.

مفر- بَكَّةُ هي مكّة عن مجاهد و جعله نحو سبد و سمد، و لازب و لازم، و قيل بطن مكّة، و قيل اسم المسجد، و قيل هي البيت، و قيل هي حيث الطواف، و سمّى بذلك من‏ التَّبَاكُ‏ أى الازدحام.

البيضاوي- لَلَّذِي‏ بِبَكَّةَ: هي لغة في مكّة، كالنبيط و النميط، و راتب و راتم، و لازب و لازم. و قيل هي موضع المسجد. و مكّة البلد، من‏ بَكَّهُ‏ إذا زحمه، أو من بَكَّهُ إذا دقّه.

لسا- بَكَ‏ الشي‏ء يبكّه بكّا: خرقه أو فرقّه. و بَكَّ فلانٌ يَبُكُ‏ بَكَّةً: زحم.

و بَكَ‏ الرجلُ صاحبَهُ: زاحمه.

322
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 323

 

و التحقيق‏

أنّ نقول إنّ‏ بَكَّةَ اسم للبلد الحرام بمناسبة وقوعها فيما بين الجبال و الصخور، و في أراضى صلبه الّتى‏ تَبُكُ‏ من يمرّ عليها.

و بين بكّة و مكّة اشتقاق اكبر، و تعيين الأصيل منهما غير وجيه، و هكذا القول بأنّ بَكَّةَ عبارة عن البيت أو عن المسجد أو محلّ الطواف: و يدلّ عليه قوله تعالى- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي‏ بِبَكَّةَ مُبارَكاً- 3/ 96.

فانّ كون البيت في البيت أو في محلّ الطواف أو في مسجد ذلك اليوم لا معنى له.

و لعلّ اختيار كلمة بكّة دون مكّة في ذلك المورد: بمناسبة مفهومه، فانّ وضع بيت لاستفادة الناس و استفاضتهم، في مكان غير سهلة تبكّ من يسكن فيها و يمرّ عليها: من أعظم النعم الالهيّة.

و أمّا اختيار حرف الباء دون في- ببكّة: فانّ بكّة ليست ظرفا للبيت بحيث يستقرّ البيت في داخلها، كقولنا زيد في البيت. بل بينهما ربط مخصوص، و الباء تدلّ على ذلك الربط.

راجع- البيت، مكّة. في تعريف خصوصيّاتهما.

بكم‏

مصبا- بَكِمَ‏ يَبْكَمُ‏ من باب تعب فهو أبكم أى أخرس، و قيل الأخرس الّذى يولد و خلق و لا نطق له، و الْأَبْكَمُ‏ الّذى له نطق و لا يعقل الجواب، و الجمع بكم.

مقا- بكم: أصل واحد قليل، و هو الأخرس. قال الخليل: الأخرس الّذى‏

 

323
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 324

لا يتكلّم هو الأَبْكَمُ‏، و إذا امتنع من الكلام جهلا أو تعمّدا يقال بكم عن الكلام. و قد يقال للّذى لا يفصح انّه الأبكم. و الأبكم في التفسير الّذى ولد أخرس. و يقال بكيم في معنى أبكم و جمعوه على أبكام.

مفر- صمّ‏ بُكْمٌ‏: جمع أبكم و هو الّذى يولد أخرس، فكلّ ابكم أخرس و ليس كلّ أخرس أبكم. و يقال بكم عن الكلام: إذا ضعف عنه لضعف عقله فصار كالأبكم.

لسا- الْبَكَمُ‏: الخرس مع عىّ و بله. قال الأزهرىّ: بين الأخرس و الأَبْكَمِ‏ فرق في كلام العرب، فالأخرس الّذى خلق و لا نطق له كالبهيمة العجماء. و الأبكم الّذى للسانه نطق و هو لا يعقل الجواب و لا يحسن الكلام. و قال ثعلب:

البكم ان يولد الإنسان لا ينطق و لا يسمع و لا يبصر.

و التحقيق‏

أنّ المادّة تدل على خرس و هو عدم القدرة على التكلّم، و هو أعمّ من المادّىّ و المعنوىّ. و هذا هو السبب في انتخاب المادّة، دون الخرس.

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُ‏ الْبُكْمُ‏ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ‏- 8/ 22.

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَ بُكْمٌ‏ فِي الظُّلُماتِ‏- 6/ 39.

صُمٌ‏ بُكْمٌ‏ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ‏- 2/ 171.

أَحَدُهُما أَبْكَمُ‏ لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ- 16/ 76.

وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا- 17/ 97.

السمع أوّل وسيلة لدرك الخير و تحصيل الصلاح و الوصول الى العلم، ثمّ بعده النطق و به يستكشف ما يجهل و يستخبر ما يحتاج الى البيان و يتبيّن ما في الضمير، ثمّ بعده البصر حتّى تشاهد الآيات و الحقايق بعين البصيرة و البصر.

فتحصيل اليقين و المعرفة يحتاج اوّلا الى سمع العلوم، ثمّ الى التبيين و

324
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بكى ص : 325

التوضيح و التشريح، ثمّ الى المشاهدة و المعاينة.

و لذا ترى ذكر الصمّ أوّلا، ثمّ البكم، ثمّ العمى- في الآيات.

و أمّا انعكاس الترتيب في الآية الأخيرة: فانّها راجعة الى الحشر و القيامة و يوم الثواب و العقاب و رؤية نتيجة الأعمال، فينعكس الترتيب و يكون المحروميّة من البصيرة و الشهود أوّلا فانّه آخر مرتبة العلم و أفضلها، فإذا انتفت هذه النتيجة الشهوديّة بالعمى فيتوجّه الى المرتبة الّتى تليها و هي البكم و النطق، ثمّ الى المرتبة الّتى بعدها و هي السمع و الصّمم.

ثمّ إنّ‏ الْبَكَمَ‏ هو العجز عن مطلق النطق، و هذا المعنى مفهوم كلّ أعمّ من أن يولد و يخلق عاجزا أو يعجز بعوارض ثانويّة، كما في العمى و الصمم أيضا.

و أيضا إنّ هذه المعاني تشمل الصمم و البكم و العمى الظاهريّة و القلبيّة، و المراد هنا ما يرجع الى قلوبهم و باطنهم أو الأعمّ منها.

و أمّا ترك الواو في قوله تعالى- صُمٌ‏ بُكْمٌ‏ عُمْيٌ+- الصمّ البُكْمُ: للتنبيه على حصول حالة واحدة، فكأنّ مجموع الصَمَم و البَكَم و العَمَى أمر واحد شديد لا افتراق بينها. و هذا بخلاف الآيتين- عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا ...، صُمٌّ وَ بُكْمٌ‏: فالواو تدلّ على استقلالها و كون كلّ واحد منها مورد توجّه منفردا. فلكلّ مورد بحسب معناه و خصوصيّاته مقتض للذكر أو الترك.

بكى‏

مصبا- بَكَى‏ يَبْكِي‏ بُكًى‏ و بُكَاءً، و قيل القصر مع خروج الدمع، و المدّ على ارادة الصوت. و يتعدّى بالهمزة فيقال‏ أَبْكَيْتُهُ‏. و يقال بَكَيْتُهُ و بَكَيْتُ عَلَيْهِ و بَكَيْتُ لَهُ و بَكَّيْتُهُ: بمعنى. و بَكَتِ السحابةُ: أمطرت.

مقا- بُكُوء- أصلان، أحدهما البُكَاءُ، و الآخر نقصان الشي‏ء و قلّته.

325
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 326

فالأوّل- بكى يبكى بكاء. قال الخليل: هو مقصور و ممدود، و تقول‏ بَاكَيْتُ‏ فلانا فبكيته، أى كنت أبكى منه. قال الأصمعىّ: بكيت الرجل و بكيّته: كلاهما إذا بكيت عليه. و أبكيته: صنعت به ما يبكيه. و الأصل الآخر- قولهم للناقة القليل اللبن هي بكيئة. و بكى: نقص، و أصله الهمزة، من بكأت الناقة تبكأ: إذا قلّ لبنها، و بكؤت تبكؤ أيضا.

لسا- و اسْتَبْكَيْتُهُ‏ و أَبْكَيْتُهُ‏ بمعنى. و التَّبْكَاءُ: كثرة البكاء. و تَبَاكَى:

تكلّف البكاء. و البَكِيُ‏: الكثير البكاء، على فعيل. و رجل باك، و الجمع بُكَاة و بكىّ على فعول مثل جالس و جلوس، إلّا أنّهم قلبوا الواو ياءً.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ما يقابل الضحك. و اختلاف معاني الصيغ على مقتضى هيآتها المجرّدة و المزيد فيها.

و أمّا معنى النقصان و القلّة: فهو غير مربوط بهذه المادّة، بل هو مدلول مادّة البكؤ بهمز اللام- كما في كتب اللغة.

ثمّ إنّ البكاء و الضحك يختلف مفهومهما باختلاف الموارد: ففي الإنسان لا يحتاج الى البيان، و في سائر الموجودات على ما هو مقتضى سرورها و حزنها، و انبساطها و تأثّرها، أى الحالة الّتى توجد بعد هذه البسطة و القبضة.

فَما بَكَتْ‏ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ‏- 44/ 29.

أى ما تغيّرت حالهما، و لم يوجد تغيير و لا اختلاف في نظم العالم و في حركات السماء و الأرض.

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏- 9/ 82.

فإنّ الإنسان مقيّد و محدود في عالم المادّة، و لازم له أن يعمل بوظائفه الإنسانيّة و الإلهيّة، و يسلك الى اللّه المتعال، و لا يتلّون و لا يتلوّث و لا يغترّ بالحياة

326
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بلد ص : 327

الدنيا و زينتها و مشتهياتها، و هذا المعنى لا يبقى بسطا، فكيف إذا كان متوجها الى أعماله السيّئة.

وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ‏ يَبْكُونَ‏ وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً- 17/ 109.

فإنّهم متوجّهون الى أنوار الحقيقة و الآيات الإلهيّة و تجلّى الجلال و العظمة، ثمّ يشاهدون فقر أنفسهم و ضعفهم و قصورهم و الحجب الّتى فيهم.

بلد

مصبا- الْبَلَدُ: يذكّر و يؤنّث، و الجمع بُلْدانٌ، و الْبَلْدَةُ: البلد، و جمعها بلاد مثل كلبة و كلاب. و بلد الرجل يبلد مثل ضرب: أقام بالبلد، فهو بالد. و يطلق البلد و البلدة على كلّ موضع من الأرض عامرا كان أو خلاء، و في التنزيل- إِلى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ‏- أى إلى الأرض الّتى ليس بها نبات و لا مرعى فيخرج ذلك بالمطر فترعاه أنعامهم فأطلق الموت على عدم النبات و المرعى، و اطلق الحياة على وجودهما، و بَلُدَ الرجُلُ‏ بَلَادَةً فهو بَلِيدٌ: أى غير ذكىّ و لا فطن.

مقا- بلد: أصل واحد يتقارب فروعه عند النظر في قياسه، و الأصل الصدر. و يقال وضعت الناقة بلدتها الأرض: إذا بركت، و يقال‏ تَبَلَّدَ الرجل: إذا وضع يده على صدره عند تحيّره في الأمر. و الأَبْلَدُ: الّذى ليس بمقرون الحاجبين، يقال لما بين حاجبيه بلدة، لأنّ ذلك يشبه الأرض البلدة. و البلدة النجم، يقولون هو بلدة الأسد أى صدره. و البَلَدُ صدر القرى. و قالوا: بل البَلَدُ الأثر، و جمعه أبلاد. و القول الأوّل أقيس. و بَلَدَ الرجُلُ بالأرض: إذا لَزِقَ بها و أَبْلَدَ الرجُلُ إِبْلَاداً مثل تَبَلَّدَ سواء.

صحا- بَلَدَ بالمكان: أقام به، فهو بَالِدٌ، و البلدة و البلد واحد البلاد و البلدان. و البلادة ضدّ الذكاء. و تبلّد: تردّد متحيّرا. و بلّد تبليدا: ضرب بنفسه الأرض. و أبلد: لصق بالأرض. و البلد: الأثر. و الْبَلْدَةُ: الأرض. و البلدة: الصدر،

327
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 328

يقال واسع البَلْدَةِ أى واسع الصدر و الْبَلْدَةُ: نقاوة ما بين الحاجبين.

مفر- البلد: المكان المختطّ المحدود المتأنّس باجتماع قطّانه و إقامتهم فيه، و سمّيت المفازة بلدا لكونها موطن الوحشيّات، و المقبرة بلدا لكونها موطنا للأموات، و البَلْدَةُ: البلجة ما بين الحاجبين تشبيها بالبلد لتحدّده، و سمّيت الكركرة بلدة لذلك، و ربّما استعير ذلك لصدر الإنسان، و لإعتبار الأثر قيل بجلده بلد أى أثر، و جمعه أبلاد.

و بَلَدَ: لزم البلد و لمّا كان اللازم لموطنه كثيرا ما يتحيّر إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحيّر بلد في أمره و أبلد و تبلّد، و لكثرة وجود البلادة فيمن كان جلف البدن قيل رجل أبلد عبارة عن العظيم الخلق.

لسا- البَلْدَةُ و البَلَدُ: كلّ موضع أو قطعة مستحيزة عامرة كانت أو غير عامرة. الأزهرى: البَلَدُ: كلّ موضع مستحيز من الأرض عامر أو غير عامر، خال أو مسكون، فهو بلد، و الطائفة منها بلدة.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو قطعة محدودة من الأرض مطلقا عامرة أو غيرها. و إطلاقه على المدينة باعتبار أنّها قطعة محدودة عامرة مسكونة، و الصيغ المشتقّة منها انتزاعىّ.

فقولهم‏ بَلِدَ بالكسر: بمعنى لصق بالأرض و لزمها، و هذا باعتبار الكسرة.

و قولهم بَلُدَ بالضمّ فهو بَلِيدٌ: ينتزع من مفهوم البلد، فيطلق على من انحطّ فكره و تنزّل مقامه في مقابل الفطنة و الذكاء، فكأنّه صار كالأرض المدحوّة الساقطة الدانية.

و أمّا التبلّد بمعنى التحيّر: فانّ المتحيّر ينخفض و يضع رأسه فكأنّه يقرب من اللصوق بالأرض، و هذا قريب من قولهم بلد أى لزق بالأرض.

و أمّا وسط الحاجبين: فهو موضع محدود بالحاجبين، فكأنه بلدهما.

328
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 328

و أمّا الصدر: فهو بلد للحيوان و الإنسان في بدنه، و فيه يستقرّ الأفكار، و يجتمع ما به يتنوّر و يعمر القلب الّذى في الصدر.

و يدلّ على هذا الأصل، الإطلاق في الآيات الكريمة هذه.

سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ‏ لِبَلَدٍ) مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ- 7/ 57.

وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ‏- 7/ 58.

إِلى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ‏- 35/ 9.

لِنُحْيِيَ بِهِ‏ بَلْدَةً مَيْتاً وَ نُسْقِيَهُ‏- 25/ 49.

فانّ توصيف البلد بالموات و الحياة و إحيائه و إماتته و إسقائه و إخراج النبات عنه: يدلّ على أنّ المراد به الأراضى المزروعة و الحدائق ذوات الأشجار، لا المدائن المسكونة.

و أمّا إطلاق‏ الْبَلَدِ على المدينة: فباعتبار كونه مصداقاً من مصاديقه الخاصّة، و هذه الخصوصيّة لا بدّ في تعيينها من قرينة:

لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ- 90/ 2.

وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏- 95/ 3.

رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً- 14/ 35.

أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ‏ الْبَلْدَةِ- 27/ 91.

فأسماء الإشارة في هذه الموارد تعيّن المفهوم.

فإذا لم تكن قرينة مقاليّة أو مقاميّة فيحمل على الإطلاق.

الَّذِينَ طَغَوْا فِي‏ الْبِلادِ- 89/ 11.

الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي‏ الْبِلادِ- 89/ 8.

وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى‏ بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ‏- 16/ 7.

فلا معنى للتخصيص في هذه الموارد.

329
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بلس ص : 330

 

بلس‏

صحا- أَبْلَسَ‏ من رحمة اللّه: يئس، و منه سمّى إبليس، و كان اسمه عزازيل.

و الْإِبْلَاسُ‏ أيضا: الانكسار و الحزن، يقال أَبْلَسَ فلان إذا سكت غمّا.

مصبا- البَلَاسُ‏ مثل سلام: هو المسح و هو فارسىّ معرّب، و الجمع بُلُس، و أَبْلَسَ‏ الرجلُ إِبْلَاساً: سكت. و أبلس: أيس. و إبليس أعجمىّ، و لهذا لا ينصرف للعجمة و العلميّة، و قيل عربىّ مشتقّ من الإبلاس و هو اليأس، و ردّ بأنّه لو كان عربيّا لانصرف كما ينصرف نظائره نحو إجفيل و إخريط.

مقا- بلس: أصل واحد، و ما بعده فلا معوّل عليه. فالأصل اليأس، يقال أَبْلَسَ إذا يئس، و من ذلك اشتقّ اسم إبليس، كأنّه يئس من رحمة اللّه. و من هذا الباب: أَبْلَسَ‏ الرجُلُ سكت.

مفر- بلس: الإبلاس الحزن المعترض من شدّة اليأس.

و التحقيق‏

أنّ‏ الْإِبْلَاسَ‏ إفعال بمعنى اليأس الشديد إذا كان من سوء عمله و أوجب حزنا و ابتلاء شديدا مع الخفض و الفقر الشديد. و اليأس: أعمّ من أن يكون بسوء العمل من قبل نفسه. و الإفلاس أعمّ من أن يلازم اليأس، و الإبسال كما مرّ هو التسليم للهلاكة و الابتلاء و ليس فيه قيد اليأس.

ثمّ إنّ الإبلاس لم يستعمل له فعل مجرّد بمعناه، و لمّا كان أفعل يدلّ على نسبة المادّة الى الفاعل على وجه الصدور بمعنى أن النظر فيه الى جهة القيام و الصدور. فيستفاد من هذه الهيئة الاختيار و إرادة العمل سواء كان لازما أو متعدّيا، فمعنى‏ أَبْلَسَ‏: من قام به اليأس و صدر منه، و هذا بخلاف بئس: فانّه بمعنى من ثبت و تحقّق له القنوط: يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ‏ ...، وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ‏ ...، لا يَيْأَسُ‏

 

330
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 330

مِنْ رَوْحِ اللَّهِ‏ ...، أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي‏ ...

وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ‏ الْمُجْرِمُونَ‏- 30/ 12.

أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ‏- 6/ 44.

أى يتقوّم بهم اليأس الشديد التوأم بالخفض و الفقر بما قدّمت أيديهم و بما أجرموا.

فظهر أنّ الإبلاس مرتبة شديدة و كاملة من اليأس. و لا يخفى أنّ اليأس من أشدّ العذاب يوم القيامة، و لا عذاب أشدّ منه، و من كان في حالة اليأس الشديد: لا يدرك عذاب النار و أهوالها، و يتعقّبه الأسف و الحسرة- قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى‏ ما فَرَّطْنا فِيها.

و أمّا كلمة إِبْلِيسُ‏: فذكر الاختلاف فيه.

المعرّب- ص 23- و إبليس: ليس بعربىّ و إن وافق أبلس الرجل، إذا انقطعت حجّته، إذ لو كان منه لصرف، ألا ترى أنك لو سمّيت رجلا بإخريط و إجفيل لصرفته في المعرفة. و منهم من يجعل اشتقاقه من أبلس يبلس اى بئس، فكأنّه‏ أَبْلَسَ‏ من رحمة اللّه، أى يئس منها، و القول هو الأوّل.

أقول: و لم نجد أحدا يتعرّض بمأخذ هذه الكلمة، و يحتمل أن يكون مأخذه:

مادّة [بالوس‏] المخلوط و غير المغربل، [بالس‏] خلط و مزج.

أو مادّة [بالش‏] بحث و فتّش و تحرّى. [بلاش‏] الشرطىّ السرّى، و بوليس سرّى كما في- قع.

هذا بمناسبة أنّ إبليس متحرّى و بوليس سرّىّ داخلىّ، أو أنّه لم يكن خالصا صافيا بل ممزوجا ثمّ امتحن و غربل- راجع شطن.

331
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بلع ص : 332

بلع‏

مقا- أصل واحد و هو ازدراد الشي‏ء- بَلَعْتُ‏ الشَّيْ‏ءَ أَبْلَعُهُ‏. و البَالُوعُ من هذا لأنّه يبلع الماء.

مصبا بَلَعْتُ الشيْ‏ءَ و ابْتَلَعْتُهُ: بمعنى. و البَالُوعَةُ ثقب في وسط الدار، و كذلك البَلُّوعَةُ، و الجمع البَلَالِيعُ.

لسا- بلع الشي‏ء بلعا و ابتلعه و تبلّعه و سرطه سرطا: جرعه، و البُلْعَةُ من الشراب كالجرعة، و البَلُوعُ: الشراب. و بلع الطعام: و ابتلعه: لم يمضغه، و أبلعه غيره.

و التحقيق‏

أنّ المادّة تدلّ على جذب دفعة.

وَ قِيلَ يا أَرْضُ‏ ابْلَعِي‏ ماءَكِ‏- 11/ 44- أى اجذبى اليك.

و الفرق بين الجذب و البلع و الجرع و السرط و الزرد:

أنّ الجذب مدّك الشي‏ء اليك، و هو أعمّ من أن يكون الجذب الى جانبك أو الى الداخل، يقال انّه جذب الرطوبة اليه و جذب الحبل اليه.

و الجرع: شربك على قلّة قلّة.

و السرط و الزرد بينهما اشتقاق أكبر، أى البلع بالتدريج كما في الأكل.

و البلع: هو ازدراد في مرتبة واحدة و دفعة.

و بهذا يظهر السّر في انتخاب كلمة ابْلَعِي‏ في هذا المورد.

بلغ‏

مقا- بلغ: أصل واحد و هو الوصول الى الشي‏ء، تقول بلغت المكان إذا

332
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 333

وصلت اليه. و قد تسمّى المشارفة بلوغا بحقّ المقاربة- فَإِذا بَلَغْنَ‏ أَجَلَهُنَّ+. و البُلْغَةُ:

ما يتبلّغ به من عيش، كأنّه يراد إنّه يبلغ رتبة المكثر إذا رضى و قنع. و كذلك‏ الْبَلَاغَةُ الّتى يمدح بها الفصيح اللسان لأنّه يبلغ بها ما يريده. ولى في هذا بلاغ أى كفاية. تبلّغت القلّة بفلان إذا اشتدّت.

مفر- البُلُوغُ‏ و البَلَاغُ‏: الانتهاء الى أقصى المقصد و المنتهى، مكانا كان أو زمانا أو أمرا من الأمور مقدّرا، و ربّما يعبّر به عن المشارفة عليه و ان لم ينته اليه.

مصبا- بلغ الصبىّ بلوغا من باب قعد: فقد احتلم و أدرك، و الأصل بلغ الحلم. فهو بالغ و الجارية بالغ أيضا، قال ابن الأنبارى: قالوا جارية بالغ، فاستغنوا بذكر الموصوف و بتأنيثه عن تأنيث صفته، كما يقال امرأة حائض و امرأة عاشق، و ربّما انّث مع ذكر الموصوف لأنّه الأصل. و بلغ الكتاب بلاغا و بلوغا: وصل. و بلغت الثمار: أدركت و نضجت. و قولهم لزمه ذلك بالغا ما بلغ: منصوب على الحال، أى مترقّيا الى أعلى نهاياته. و بالغت في كذا: بذلت الجهد في تتّبعه. و في هذا بَلَاغٌ و بُلْغَةٌ و تَبَلُّغٌ أى كفايةٌ. و أَبْلِغْهُ السلامَ و بَلِّغْهُ بالألف و التشديد: أوصله. و بَلُغَ‏ بالضمّ بَلَاغَةً فهو بَلِيغٌ‏: إذا كان فصيحا طلق اللسان.

و التحقيق‏

أنّ حقيقة معنى هذه المادّة: هو الوصول الى الحدّ الأعلى و المرتبة المنتهى. و هذا هو الفرق بينها و بين مادّة الوصول. فلا يقال- و صلت الثمار، و لا وصل الصبىّ، و لا وصل أشدّه.

و بهذا يظهر اللطف في اختيار هذه المادّة في جميع موارد استعمالاتها، فانّ هذا القيد منظور و محفوظ في كلّ واحد منها.

وَ لَمَّا بَلَغَ‏ أَشُدَّهُ+ ...، وَ إِذا بَلَغَ‏ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ‏ ...، فَلَمَّا بَلَغَ‏ مَعَهُ السَّعْيَ‏ ...، وَ بَلَغَ‏ أَرْبَعِينَ سَنَةً ...، وَ بَلَغَتِ‏ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ...، فَبَلَغْنَ‏ أَجَلَهُنَّ+ ...، إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ‏ ...، لَنْ‏ تَبْلُغَ‏

333
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 333

الْجِبالَ‏ ...، هَدْياً بالِغَ‏ الْكَعْبَةِ ...، فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ...

هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ‏ بَلَغَ‏- 6/ 19.

أى من بلغ الى حدّ التوجّه الى التكليف و أقبل الى اللّه تعالى و بلغ الرشد في العبوديّة.

فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ‏ الْمُبِينُ‏- 16/ 35.

أى نفس بلوغ الأحكام الّتى توحى اليه، فهم موظّفون في قبال البلاغ و تحقّقه من حيث هو في الخارج، من دون نظر الى نسبة الى الفاعل أو المفعول، أى الى جهة الصدور كما في أفعل أو الى جهة الوقوع كما في صيغة فعّل، فليس للرسول موضوعيّة و لا لمن يبلغ اليه، بل المنظور بيان البلاغ و وضوحه في نفسه- هذا بَلاغٌ‏ لِلنَّاسِ‏.

فبلوغ كلّ شي‏ء بحسبه: فيقال في السير و الوصول الى منتهى المقصد:

بَلَغَ‏ مَطْلِعَ الشَّمْسِ‏ ...، بَلَغَ‏ بَيْنَ السَّدَّيْنِ‏ ...، بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما ...، بَلَغَ‏ مَغْرِبَ الشَّمْسِ‏.

و في الوصول الى منتهى المقصد زمانا:

فَبَلَغْنَ‏ أَجَلَهُنَّ+ ...، وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا ...، وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ ...، إِلى‏ أَجَلٍ هُمْ‏ بالِغُوهُ‏.

فالمراد بلوغهم الى منتهى المقدار من الزمان المعيّن، فانّ الأجل غاية الوقت من الزمان، و الغاية آخر مقدار من الزمان الممتدّ قبل انتهائه، و أمّا بعد الانتهاء فليس من الأجل.

و قولهم- و قد تسمّى المشارفة بلوغا بحقّ المقاربة- فَإِذا بَلَغْنَ‏ أَجَلَهُنَّ+: غير وجيه، فانّ‏ البُلُوغَ‏ هنا بمعناه الحقيقي كما قلنا.

و في الوصول الى منتهى أمر:

قَدْ بَلَغْتَ‏ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً ...، وَ بَلَغَتِ‏ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ...، إِذا بَلَغَتِ‏ الْحُلْقُومَ‏ ...، أَبْلُغُ‏ الْأَسْبابَ‏ ...، لَنْ‏ تَبْلُغَ‏ الْجِبالَ‏ ...، لِيَبْلُغَ‏ فاهُ‏ ...، ثُمَ‏ أَبْلِغْهُ‏ مَأْمَنَهُ‏.

و في الإيصال الى منتهى مقصد: أَبْلَغْتُكُمْ‏ رِسالَةَ رَبِّي‏.

334
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بلو ص : 335

 

و في مقام الاشارة الى وقوع البلاغ فيهم: أُبَلِّغُكُمْ‏ رِسالاتِ رَبِّي+.

بلو

مصبا- بلاه اللّه بخير أو شرّ يبلوه بلوا، و أبلاه و ابتلاه ابتلاء: امتحنه، و الاسم بلاء مثل سلام، و البلوى و البليّة: مثله، و لا اباليه و لا أبالي به: لا اهتمّ به و لا اكترث له.

مقا- بَلْوٌ: الأصل فيه نوع من الاختبار و يحمل عليه الإخبار أيضا. بُلِيَ‏ الإنسان و ابْتُلِيَ‏: من الامتحان و هو الاختبار، و يكون‏ البَلَاءُ في الخير و الشرّ، و اللّه يبلى العبد بلاء حسنا و بَلَاءً سيّئا، و هو يرجع الى هذا، لأنّ بذلك يختبر في صبره و شكره. و ممّا يحمل على هذا الباب قولهم: أبليت فلانا عذرا، أى أعلمته و بيّنته فيما بيني و بينه فلا لوم علىّ بعد. و يبليك: يخبرك.

صحا- بلوته بلوا: جرّبته و اختبرته، و بلاه اللّه بلاء، و أبلاه إبلاء حسنا، و ابتلاه: اختبره. و التبالى: الاختبار.

لسا- بلوت الرجل بلوا و بلاء و ابتليته: اختبرته، و بلاه يبلوه بلوا: جرّبه و اختبره. و قد ابتليته فأبلانى: استخبرته فأخبرنى. و ابتلاه اللّه: امتحنه، و الاسم البلوى و البلوة و البلاء.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها هو إيجاد التحوّل، أى التقلب و التحويل لتحصيل نتيجة منظورة، و هذا المعنى ينطبق على جميع مواردها و مصاديقها، من دون أن يتجوّز أو يتكلّف فيها. و أمّا الامتحان و الاختبار و الابتلاء و التجربه و التبيين و الأعلام و التعريف: فكلّ هذه معان مجازيّة و من لوازم الأصل و آثاره بحسب الموارد، إلّا أن‏

 

335
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 335

يلاحظ فيها قيود الأصل، من التحويل و تحصيل النتيجة.

و بهذا يندفع التأويل و التكلّف في تفسير مشتقّات هذه المادّة.

يَوْمَ‏ تُبْلَى‏ السَّرائِرُ- 76/ 9.

تتقلّب و تتحوّل و تظهر خصوصيّاتها و ما فيها.

خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ، نَبْتَلِيهِ‏- 76/ 2.

أى نحوّله و نقلّبه الى حالات و مراتب مختلفة الى أن نجعله سميعا و بصيرا.

تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ‏- 10/ 30.

أى تتحوّل و تريد أن تحوّله الى صور حسنة.

وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ‏- 2/ 124.

أى أوجد تحوّلا في حاله و قلّب برنامج أمره بسبب توجيه كلمات، فأخذ بها و امتثل فيها.

وَ لكِنْ‏ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ‏- 47/ 4.

أى ليحول بعضكم الى أحسن حال أو يقلّب الى أدنى مرتبة بسبب التماسّ و المقابلة مع بعض آخر.

بَلَوْناهُمْ‏ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ- 68/ 17.

أى حوّلنا نظم أمورهم و قلبّنا برنامج امور معاشهم، كما حوّلنا نظم معاش أصحاب الجنّة.

وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ‏ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ‏- 2/ 155.

أى نوجد تحوّلًا في حالاتهم و اختلالا في امور معاشهم بعوارض الخوف أو الجوع أو غيرهما.

لِنَبْلُوَهُمْ‏ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا- 18/ 7.

أى نوجد تحوّلات في امور معاشهم، و في نظم امور حياتهم، حتّى يظهر الّذى هو أحسن عملا- و ذلك كما في- يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏.

336
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 335

أى لينظروا، أو ليعلموا، أيّهم يكفل مريم كما في الكشّاف. و هذا البلو و التحوّلات في اثر اختلافات السماء و الأرض و ما فيهما.

لَيَبْلُوَنَّكُمُ‏ اللَّهُ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ‏- 5/ 94.

أى يحوّل نيّاتكم و ثبات أقدامكم و حالاتكم بتوجّه الصيد اليهم و كثرتهم عام الحديبيّة.

وَ فِي ذلِكُمْ‏ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ+- 7/ 141.

أى تحوّل و تقليب عظيم فيكم.

و الفرق بين البلو و الإبلاء و المبالاة و الابتلاء: هو اختلاف مقتضيات صيغها، فانّ في الإبلاء توجّه مخصوص الى جهة صدور التحويل من الفاعل و نظر خاصّ الى قيامه به- وَ لِيُبْلِيَ‏ الْمُؤْمِنِينَ‏. و في المُبَالاةِ توجّه مخصوص الى استمرار الفعل و إدامته- و هو لا يبالى بهذا الأمر. و في الابتلاء توجّه مخصوص الى صدور الفعل بالطّوع و الرغبة و الارادة الخاصة. وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ‏ ...، فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ‏ رَبُّهُ‏ ...، مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ‏ نَبْتَلِيهِ‏ ...، هُنالِكَ‏ ابْتُلِيَ‏ الْمُؤْمِنُونَ‏ ...، وَ ابْتَلُوا الْيَتامى‏.

ففي التحويل في هذه الموارد نظر خاصّ و توجّه مخصوص الى صدور الفعل، و قد صدر التحويل على جهة رغبة و اختيار و ميل خاصّ.

و الفرق بين البلو و التحويل: انّ البلو إيجاد تحوّل يلازم المضيقة و المحدوديّة و لو بتوجّه تكليف أو حكم. بخلاف التحويل فانّه أعمّ من أن توجد حالة منبسطة أو منقبضة.

ثمّ إنّ التحقيق في مفاهيم كلمات- بَلِيَ‏ يَبْلَى‏- بَلْ- بَلَى: يقتضى أن تكون هذه الكلمات مأخوذة من البلو، فإنّ إيجاد التحول منظور في هذه الألفاظ بزيادة خصوصيّة في كلّ واحد منها، و كذلك البال.

أمّا كلمة بَلِيَ‏: فهي بمناسبة الكسرة في العين تدلّ على التحوّل الى جهة السفل، فيقال بلى الثوب إذا خلق.

337
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 335

و في مصبا- بَلِيَ الثوب يبلى من باب تعب بلى بالقصر و الكسر و بلاء بالفتح و المدّ: خلق، فهو بال، و بلى الميّت: أفنته الأرض.

هَلْ أَدُلُّكَ عَلى‏ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى‏- 20/ 120.

أى لا يزول و لا يضعف.

و أمّا كلمة بلى: فهي تدلّ على التصديق و تحويل النفي الى الإثبات و ذلك بمناسبة الفتحة و الألف.

و في مصبا- و بَلَى‏: حرف إيجاب، و معناه التقرير و الإثبات، و لا تكون إلّا بعد نفى، فهو دائما يرفع حكم النفي و يوجب نقيضه.

أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى‏+- 6/ 30.

أى نعم هو حقّ.

أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏- 7/ 172.

أى نعم هو ربّنا.

و أمّا كلمة بَلْ‏: فلمّا كانت مجرّدة عن حركة اللام و الألف في الآخر، فتدلّ على الاعراض فقط، و هو مطلق التحوّل عن الحكم السابق.

اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ‏ بَلْ‏ عِبادٌ- 21/ 26.

إبطال للسابق و إضراب عنه.

أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ‏ جاءَهُمْ بِالْحَقِ‏- 23/ 70.

إضراب و إعراض.

قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى‏ ... بَلْ‏ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا- 87/ 16.

انتقال عن السابق و إثبات أنّهم ليسوا من المفلحين.

هذا ما حقّقنا بتأييد اللّه المتعال في معنى مادّة البلو فخذه و اغتنم.

338
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بنن ص : 339

 

بنن‏

مصبا- البَنَانُ‏: الأصابع، و قيل أطرافها، الواحدة بَنَانَةٌ، قيل سميت بَنَاناً لأنّ بها صلاح الأحوال الّتى يستقرّ بها الإنسان، لأنّه يقال أبنّ بالمكان إذا استقرّ به.

مقا- بَنَ‏: أصل واحد و هو اللزوم و الإقامة. قال الخليل: الإِبْنَانُ‏ اللزوم، أَبَنَّتِ‏ السَّحَابَةُ إذا لزمت، و أبنّ القوم بمحلّة: أقاموا. و البنان: أطراف الأصابع في اليدين. و البنان في- وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَ‏ بَنانٍ‏: الشوى و هي الأيدى و الأرجل.

قال الزجّاج: واحد البنان بَنَانَةٌ، و معناه في قوله تعالى- كُلَ‏ بَنانٍ‏- الأصابع و غيرها من جميع الأعضاء، و إنّما اشتقاق البنان من قولهم أبنّ بالمكان إذا أقام، فالبنان ما به يعتمد كلّ ما يكون للإقامة و الحياة.

مفر- بَنَ‏: البنان الأصابع، قيل سمّيت بذلك لأنّ بها صلاح الأحوال الّتى يمكن للإنسان أن يَبِنَّ بها يريد أن يقيم به، و يقال أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ، و لذلك خصّ في قوله تعالى- بَلى‏ قادِرِينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ‏ بَنانَهُ‏. و قوله تعالى- وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَ‏ بَنانٍ‏: خصَّه لأجل أنّهم بها تقاتلَ و تدافع. و البَنّة: الرائحة الّتى تبّن بما تَعْلَق به.

لسا- و الابنان: اللزوم، و أبننت بالمكان إبنانا إذا أقمت به. ابن سيدة: و بَنَ‏ بالمكان‏ يَبِنُ‏ بَنّاً و أَبَنَ‏: أقام به.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو لزوم مع استقرار، و من مصاديقه: أطراف البدن من الأعضاء اللازمة المستقرة فيه.

فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَ‏ بَنانٍ‏- 8/ 12.

أى الأيدى و الأرجل منهم. فانّ ما يقوم البدن في حياته و عيشه به هو ما

 

339
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بنو ص : 340

فوق العنق، و اليد من المنكب الى الأصابع، و الرجل من الفخذ الى أصابع الرجل. و أمّا ما بين العنق و الفخذ فهو متن البدن عرفا.

و لمّا كان الرأس و الوجه أصلا في الحياة: فقد صرّح به مستقلّا، و بقي ما بقي من اليد و الرجل، فأشار اليه بالبنان.

و لمّا كانت الأصابع ينتهى اليها اليد و الرجل، و بها يعتمل كلّ ما يكون للحياة و الاقامة و المعيشة، و المقدار المسلّم منهما: فيصحّ إطلاق البنان عليها.

ففي الآية الشريفة إشارة الى قطع ما يلزمهم في حياتهم و ما يقوم به قوامهم و يتمّ به عيشهم، و هو الأيدى و الأرجل.

و لا يبعد أن نقول- إنّ كلمة البنان كانت مصدرا ثمّ جعلت اسما للأصابع و الأيدى و الأرجل، أى كلّ ما يقوم به البدن، أو انّه صفة كالجبان، بمعنى ما يستقرّ و يلزم للبدن و يتصف باللزوم.

أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى‏ قادِرِينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ‏ بَنانَهُ‏- 75/ 4.

فانّ صغار العظام في الأيدى و الأرجل، و تسويتها و تنظيمها في غاية الصعوبة و الإشكال، و لا سيّما في الأصابع.

فاتّضح أنّ البنان هو الأطراف، و هي الأعضاء المتحرّكة من جسم الإنسان و عددها أربعة: اثنان علويّان و اثنان سفليّان. فكلّ واحد منها يطلق عليه البنان، للزومه البدن و لكونه وسيلة قوامه و استقراره.

بنو

مقا- بَنَوٌ: كلمة واحدة، و هو الشي‏ء يتولّد عن الشي‏ء، كابن الإنسان و غيره، و أصله بنو، و النسبة اليه بنوىّ و كذلك بنت، فأصل الكلمة ما ذكرناه،

340
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بنو ص : 340

ثمّ تفرّع العرب فتسمّى أشياء كثيرة بابن كذا، فيقال للمسافر: ابن السبيل، و ابن ليل لصاحب السرى، و ابن عمل لصاحب العمل الجادّ فيه، و ابن مدينة إذا كان عالما بها.

مصبا- الابن أصله بنو بفتحتين لأنّه يجمع على بنين و هو جمع سلامة، و جمع السلامة لا تغيير فيه، و جمع القلّة أبناء. و قيل أصله بنو بالكسر بدليل قولهم بنت، و هذا القول يقلّ فيه التغيير و قلّة التغيير تشهد بالأصالة، و يطلق الابن على ابن الابن و إن سفل مجازا، و أمّا غير الأناسىّ مما لا يعقل، نحو ابن مخاض و ابن لبون فيقال في الجمع بنات مخاض و ما أشبهه. قال ابن الأنبارى: جمع غير الناس بمنزلة جمع المرأة من الناس، تقول منزل و منزلات و مصلّى و مصلّيات و ابن عرس و بنات عرس و ابن نعش و بنات نعش. و ربّما قيل في ضرورة الشعر بنو نعش، و فيه لغة محكيّة عن الأخفش، فقول الفقهاء بنو اللبون مخرج إمّا على هذه اللغة، و إمّا للتمييز بين الذكور و الإناث. و يضاف ابن الى ما يخصّصه لملابسة بينهما نحو ابن السبيل و ابن الحرب و ابن الدنيا و ابن الماء لطير الماء. و مؤنّثة الابن ابنة على لفظه و في لغة بنت، و الجمع بنات و هو جمع مؤنّث سالم. قال ابن الأعرابى: و سألت الكسائي كيف تقف على بنت؟ فقال بالتاء اتباعا للكتاب و الأصل بالهاء لأنّ فيها معنى التأنيث. و إذا اختلط ذكور الأناسىّ بإناثهم غلب التذكير و قيل بنو فلان، حتّى قالوا امرأة من بنى تميم و لم يقولوا من بنات تميم، بخلاف غير الأناسىّ حيث قالوا بنات لبون. و إذا نسبت الى ابن و بنت: حذفت الف الوصل و التاء و رددت المحذوف فقلت بنوىّ، و يجوز مراعاة اللفظ فيقال‏ ابْنِيّ‏ و بنتىّ، و يصغّر بردّ المحذوف فيقال بنىّ و الأصل بنيو.

و بنيت البيت- راجع بنى.

لسا- بنى: قال الزجّاج- ابن كان في الأصل بنو أو بنو، و الألف الف وصل في الابن، يقال ابن بيّن البنوّة، و يحتمل أن يكون أصله بنيا، قال، و الّذين قالوا بَنُونَ‏: كأنّهم جمعوا بنيا بنون، و أبناء جمع فعل أو فعل. و بنت تدلّ على أنّه‏

341
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 342

يستقيم أن يكون فعلا، و يجوز أن يكون فعلا نقلت الى فعل كما نقلت اخت من فعل الى فعل.

مفر- بَنَي‏: و ابن أصله بنو لقولهم في الجمع أبناء و في التصغير بنىّ، و سمّي بذلك لكونه بناء للأب، فانّ الأب هو الّذى بناه و جعله اللّه بنّاء في إيجاده، و يقال لكلّ ما يحصل من جهة شي‏ء أو من تربيته أو بتفقّده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره: هو ابنه.

و التحقيق‏

أنّ مادّة بَنَوٌ لم يشتق منها فعل أو صفة، و قد رأيت أنّ مق- صرّح بأن بنو كلمة واحدة. هذا إذا قلنا بأنّ ابنا أصله بنو، و أمّا إذا قلنا بأنّ أصله بنى: فتنتفى تلك الكلمة الواحدة أيضا.

و الّذى يظهر لنا: هو رجوع هذه الكلمة الى مادّة بنى يائيّا، و أنّ الكسرة في ابن و بنت تدلّ على الياء المحذوفة، و لا دليل لنا على أصالة الواو إلّا في كلمة بنوىّ منسوبا، مع إمكان النقل من الياء- كما هو المضبوط في باب النسب فيقال علوىّ، و ظواهر سائر صيغة توافق الياء.

و أيضا ليس ببعيد أن يكون هذا الإطلاق بمناسبة مفهوم البناء، و أنّ الابن مصنوع لأبيه في الظاهر- كما مرّ عن- مف، أيضا.

و يؤيّد هذا المعنى كون الأب بمعنى التربية و الغذو- كما مرّ، و هذا يناسب بأن يكون الابن بمعنى المصنوع و المبنىّ و من البناء.

فعلم من هذا أنّ اطلاق- ابن العلم، ابن الدنيا، ابن الحرب، و أمثالها، على الحقيقة، و المعنى: من ربّاه و صنعه العلم، و من صنعته و بنته الدنيا، و من هو مصنوع تحت تربية الحرب و بنائها، و هكذا أمثالها.

وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينَ وَ ابْنَ‏ السَّبِيلِ+- 2/ 177.

342
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 342

أى من كان تحت جريان السبيل.

وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ‏ اللَّهِ‏- 9/ 30.

أى تحت حكومته و صنعه و تربيته الخاصّة.

وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى‏ نَحْنُ‏ أَبْناءُ اللَّهِ‏- 5/ 18.

أى ممّن صنعه و ربّاه خصوصا.

وَ قالَتِ النَّصارى‏ الْمَسِيحُ‏ ابْنُ‏ اللَّهِ‏- 9/ 30.

أى من مصنوع اللّه الخاصّ.

و بهذا يظهر معنى ما في كتب العهدين: من أنّ المسيح ابن اللّه. و قد اشتبه على بعضهم- ظاهر هذا اللفظ، و ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً.

قع- [بن‏] ابن، نجل، ولد، طفل، مواطن، ساكن، عضو.

 [باناه‏] بنى، شيّد، أنشأ، أسّس، كوّن.

فهذا المعنى حقيقة مفهوم لفظ الابن. و ان كان معناه الخاصّ هو الولد، و هو مراد اكثر اليهود و النصارى من قولهم- عُزَيْرٌ ابْنُ‏ اللَّهِ‏، و الْمَسِيحُ‏ ابْنُ‏ اللَّهِ‏- فحملوا هذه الكلمة و كذلك كلمة الأب في العهدين على مفهومهما الخاصّ و ضلّوا عن الحقيقة و أضلّوا كثيرا.

ثمّ إنّ همزة ابن للوصل، و تسقط إذا سهل التلفّظ بدون الهمزة- كما في بنون و بنين و بنىّ و بنت و بنات.

الْمالُ وَ الْبَنُونَ‏ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا- 18/ 46.

وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ‏ آدَمَ‏- 5/ 27.

أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَ لَكُمُ‏ الْبَنُونَ‏- 52/ 39.

يا بَنِي‏ إِسْرائِيلَ+ ...، يا بَنِي‏ آدَمَ+ ...، يا بُنَيَ‏ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ‏.

343
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بنى ص : 344

 

بنى‏

مقا- بنى: أصل واحد و هو بناء الشي‏ء بضمّ بعضه الى بعض. تقول بنيت البناء أبنيه. و تسمّى مكّة البنيّة.

مصبا- بَنَيْتُ‏ البيت و غيره أَبْنِيهِ و ابْتَنَيْتُهُ فَانْبَنَى. و البُنْيَانُ ما يُبْنَى.

و البنية الهيئة الّتى بنى عليها. و بنى على أهله: دخل بها. و أصله أنّ الرجل إذا تزوّج بنى للعرس خباء جديدا و عمّره بما يحتاج اليه أو بنى له تكريما ثمّ كثر حتّى كنّى به عن الجماع.

أسا- بَنَى‏ بَيْتاً أحسنَ‏ بِنَاءٍ و بُنْيَانٍ‏، و هذا بناء حسن- كَأَنَّهُمْ‏ بُنْيانٌ‏ مَرْصُوصٌ‏- سمّى المبنىّ بالمصدر، و بناؤك من أحسن الأبنية و بنيت بنية عجيبة، و رأيت‏ البِنَى‏ فما رأيت أعجب منها. و بَنَّى‏ القصور. و ابْتَنَى‏ لسكناه دارا و أَبْنَيْتُهُ بيتا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو ضمّ أجزاء و موادّ بعضها الى بعض ليتحصّل بناء على هيئة مخصوصة، مادّية أو معنويّة.

أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها- 79/ 27.

وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً- 78/ 12.

يا هامانُ‏ ابْنِ‏ لِي صَرْحاً- 40/ 36.

وَ السَّماءَ بِناءً+ ...، غُرَفٌ‏ مَبْنِيَّةٌ ...، ابْنُوا عَلَيْهِمْ‏ بُنْياناً.

و أمّا البناء المعنوىّ (في مقابل المادّىّ):

أَ فَمَنْ أَسَّسَ‏ بُنْيانَهُ‏ عَلى‏ تَقْوى‏ مِنَ اللَّهِ‏- 9/ 109.

لا يَزالُ‏ بُنْيانُهُمُ‏ الَّذِي‏ بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏- 9/ 110.

أى بنيان برنامج جريان أمره و بناء دينه على القواعد المحكمة الثابتة من‏

 

344
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بهت ص : 345

 

التقوى و الورع و الرضوان، و هذا خير من البنيان الّذى اسّس على أساس ضعيف و عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ متزلزل، و لا يزيد هذا البنيان المتزلزل لصاحبه إلّا ارتيابا و تزلزلا.

و الفرق بين البناء و الخلق: أنّ الخلق هو إيجاد الشي‏ء، و كذلك التكوين. و أمّا البناء فهو إيجاد الهيئة و ضمّ شي‏ء الى شي‏ء، و هذا بعد وجود الموادّ.

و قلنا في بنو: إنّ الابن مشتقّ من البنى.

بهت‏

مقا- بَهَتَ‏: أصل واحد، و هو كالدهش و الحيرة. يقال بهت الرجل يبهت بهتا. و البَهْتَةُ: الحيرة. فأمّا الْبُهْتَانُ‏ فالكذب. يقول العرب: يا لَلْبَهِيتَة أى يا للكذب.

مصبا- بَهُتَ‏ من بابى قرب و تعب: دهش و تحيّر، و يعدّى بالحركة فيقال بَهَتَه يَبْهَتُه بفتحتين فبهت و بهتا بهتا من باب نفع: قذفها بالباطل و افترى عليها بالكذب، و الاسم‏ البُهْتَانُ‏. و اسم الفاعل‏ بَهُوتٌ‏ و الجمع‏ بُهُتٌ‏ مثل رسول و رسل. و الْبَهِيتَةُ مثل البهتان.

صحا- بَهَتَهُ‏ بُهْتاً: أخذه بغتة. و بهته بَهْتا و بَهَتا و بُهْتَاناً فهو بَهَّاتٌ أى قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت. و بهت الرجل بالكسر إذا دهش و تحيّر، و بهت بالضمّ مثله، و أفصح منهما بهت- كما قال تعالى- فَبُهِتَ‏ الَّذِي كَفَرَ- لأنّه يقال رجل مبهوت و لا يقال باهت و لا بهيت.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الدهشة مع التحيّر، و هذا المعنى ملحوظ

 

345
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بهج ص : 346

في جميع موارد استعمالها. فالكذب باعتبار كونه بلا أساس و غير مستند الى واقعيّة و حقيقة يوجب الحيرة و يسمّى بهتا.

و أمّا القذف بالباطل: فباعتبار أنّ ذلك القذف عبارة اخرى عن إيجاد الدهشة، فانّه قول بلا أساس و لا واقعيّة فيه.

و لمّا كان التحيّر يوجد بسبب من الأسباب و لا بدّ من وجود محرّك و باعث فيه: فلذا كان التعبير بصيغة المجهول أفصح- فَبُهِتَ‏ الَّذِي كَفَرَ- 2/ 258.

بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ‏- 21/ 40.

أى تجعلهم مبهوتين متحيّرين، أى في حالة دهشة و حيرة.

وَ قَوْلِهِمْ عَلى‏ مَرْيَمَ‏ بُهْتاناً عَظِيماً- 4/ 156.

سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ‏ عَظِيمٌ‏- 24/ 16.

أى قول بلا أساس يبهت العقول و يدهشها.

و قد يكون البهت في العمل فيوجب دهشة و تحيّرا، إذا صدر بلا علّة صحيحة.

أَ تَأْخُذُونَهُ‏ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً- 4/ 20.

وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً- 33/ 58.

فانّ أخذ المال من الزوجة و إيذاء الناس بغير ما اكتسبوا بهتان عظيم، أى يبهت العقل و يجعله مبهوتا.

بهج‏

مقا- أصل واحد و هو السرور و النضرة. يقال نبات بهيج: ناضر حسن- وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ‏ بَهِيجٍ‏. و الابتهاج: السرور.

346
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بهل ص : 347

مصبا- الْبَهْجَةُ: الحسن. و بَهُجَ‏ بالضمّ فهو بَهِيجٌ‏. و ابْتَهَجَ‏ بالشي‏ء، إذا فرح به.

صحا- البَهْجَةُ: الحسن، يقال رجل ذو بهجة، و قد بهج بالضم بهاجة.

فهو بهيج. و بهج بالكسر: فرح به و سرّ فهو بَهِجٌ‏ و بَهِيجٌ‏. و بَهَجَنِي هذا الأمر بالفتح و أَبْهَجَنِي إذا سرّك. و الِابْتِهَاجُ‏: السرور.

الفروق للعسكرىّ ص 216- الفرق بين الحسن و البهجة: أنّ البهجة حسن يفرح به القلب. و البهجة عند الخليل حسن لون الشي‏ء و نضارته.

فظهر أنّ البهجة عبارة عن نضرة و حسن مخصوص يوجب السرور و الفرح، و بهذه القيود يظهر الفرق بين البهجة و بين هذه الكلمات.

فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ‏ بَهْجَةٍ- 27/ 60.

أى نضرة و حسن يوجب الفرح.

وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ‏ بَهِيجٍ‏- 22/ 5.

أى من كلّ صنف ناضر و حسن يوجب سرورا.

بهل‏

مصبا- بَهَلَهُ‏ بَهْلًا من باب نفع: لعنه، و اسم الفاعل بَاهِلٌ، و الأنثى بَاهِلَةٌ، و بَاهَلَهُ‏ مُبَاهَلَةً: لعن كلّ منهما الآخر، و ابْتَهَلَ‏ الى اللّه تعالى: ضرع اليه.

مقا- بهل: اصول ثلاثة: أحدها التخلية، و الثاني جنس من الدعاء، و الثالث قلّة في الماء. فأمّا الأوّل فيقولون‏ بَهَلْتُهُ‏ إذا خلّيته و إرادته، و من ذلك الناقة الْبَاهِلُ‏. و أمّا الآخر: فَالابْتِهَالُ‏ و التضرّع في الدعاء، و المباهلة يرجع الى هذا، فإنّ المتباهلين يدعو كلّ واحد منهما على صاحبه. و الثالث: الماء القليل.

أسا- أبهل الناقة: تركها عن الحلب، و ناقة باهل: غير مصرورة يحلبها من‏

347
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 348

شاء، و أبهل الوالي الرعيّة و استبلهم: تركهم. يركبون ما شاء و الا يأخذ على أيديهم.

و أبهل عبده: خلّاه و إرادته، و منه بهله: لعنه، و عليه بهلة اللّه، و باهلت فلانا مباهلة إذا دعوتما باللعن على الظالم منكما، و يتاهلا و ابتهلا: التعنا. و هو بهلول و هم بهاليل و هو الحيّ الكريم. و رجل باهل: متردّد بغير عمل. و راع باهل: يمشى بلا عصا. و ابتهل الى اللّه: تضرّع و اجتهد في الدعاء.

صحا- البَهْلُ‏: اليسير، و القليل من المال، و اللعن. و يقال بَهَلْتُهُ و أَبْهَلْتُهُ إذا خليته و إرادته. و المباهلة: الملاعنة. و الابتهال: التضرّع و يقال في- ثُمَ‏ نَبْتَهِلْ‏:

أى نخلّص في الدعاء. و البُهْلُولُ‏: الضحّاك.

مفر- أصل‏ البَهْلُ‏ كون الشي‏ء غير مراعى. و الباهِلُ‏: البعير المخلّى عن قيده أو عن سمة أو المخلّى ضرعها عن صرار. و الابتهال في الدعاء التضرّع و الاسترسال فيه، و من فسّر الابتهال باللعن: فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن.

و التحقيق‏

أنّ الذي يظهر من تحقيق موارد استعمال هذه المادّة: أنّ الأصل الواحد فيها هو التخلية و الترك. و كذلك الابتهال بمعنى التضرّع: فانّه في صورة طرد النفس و تركها و التوجّه الى اللّه المتعال. و هذا هو الفارق بين الابتهال و التضرّع، و تستعمل بحرف الى إذا كانت بمعنى التضرّع. و أمّا الماء القليل: فكأنّه بمناسبة كونه مخلّى و متروكا.

فالتخلية و الترك محفوظة في جميع موارد استعمال هذه المادّة.

و الفرق بين البهل و اللعن: أنّ اللعن مفهومه الطرد، و البهل كما ذكرنا عبارة عن التخلية و الاسترسال. و اللعن فيه مفهوم المبغوضيّة، بخلاف البهل فهو أعمّ.

ثُمَ‏ نَبْتَهِلْ‏ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ‏- 3/ 61.

أى نختار ترك التمايلات الشخصيّة و التوجّهات النفسانيّة و نتوجّه الى اللّه‏

348
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بهم ص : 349

المتعال متضرّعا و نطلب في تلك الحالة الخالصة الصافية، اللعنة من اللّه على الكاذبين.

فحقيقة هذه الجملة: الدعاء على الكاذب ببعده عن رحمة اللّه و عن قربه، في حال التضرّع و الابتهال و التوجّه التامّ.

فظهر أنّ‏ الِابْتِهَالَ‏ في الآية الشريفة: بمعنى تخلية النفس و تركها ليحصل الخلوص و التوجّه التامّ حتّى يطلب اللعن للكاذب، و ليس بمعنى اللعن أو غيره كما في بعض التفاسير.

بهم‏

مقا- بَهْمٌ‏: أن يبقى الشي‏ء لا يعرف المَأْتَى اليه، يقال هذا أمر مُبْهَمٌ‏. و منه‏ البُهْمَة: الصخرة الّتى لا خرق فيها، و بها شبّه الرجل الشجاع الّذى لا يقدر عليه من أىّ ناحية طلب. و منه البهيم اللون الّذى لا يخالطه غيره سوادا كان أو غيره. و أَبْهَمْتُ‏ البابَ أغلقته. و ممّا شذّ: الإِبْهَامُ‏ من الأصابع. و البُهْمُ‏ صغار الغنم.

مصبا- اسْتَبْهَمَ‏ الخبر و استغلق و استعجم: بمعنى. و أَبْهَمْتُهُ إِبْهَاماً إذا لم تبيّنه. و البَهِيمَةُ كلّ ذات أربع من دوابّ البحر و البرّ و كلّ حيوان لا يميّز فهو بهيمة، و الجمع‏ البَهَائِمُ‏.

مفر- البُهْمَةُ: الحجر الصلب، و قيل للشجاع بهمة تشبيها به، و قيل لكلّ ما يصعب على الحاسّة إدراكه إن كان محسوسا و على الفهم إن كان معقولا مبهم. و أبهمت الباب: أغلقته إغلاقا لا يهتدى لفتحه و البهيمة ما لا نطق له و ذلك لما في صوته من الإبهام، لكن خصّ في التعارف بماعدا السباع و الطير.

البيضاوي- و البهيمة كلّ حىّ لا يميّز، و قيل كلّ ذات أربع قوائم، و اضافتها الى الأنعام للبيان، كقولك ثوب خزّ، و معناه البهيمة من الأنعام و هي‏

349
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 350

 

الأزواج الثمانية، و الحق بها الظباء و بقر الوحش، و قيل هما المراد بالبهيمة و نحوهما ممّا يماثل الأنعام في الاجترار و عدم الأنياب.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الكيفيّة الّتى لا يعرف لها وجه و لا يستبين أمرها و لا مأتى لها. و هذه الحيثيّة توجد في موارد مختلفة: كالحجر الصلب الّذى لا يستكشف ما فيه و لا يتصرّف فيه. و الرجل الشجاع الصعب الّذى لا يمكن النفوذ فيه و لا يقدر عليه. و اللون الكدر الّذى لا يخالطه شي‏ء و لا شية فيه. و الباب المغلق الّذى لا يفتح و لا اليه سبيل. و الخبر أو الأمر الّذى لم يتبيّن. و من الأنعام ما يكون عمله و جريان أمره و صوته غير متبيّن لا مأتى اليه و لا يعرف باطنه و لا يهتدى اليه كالغنم و البقر و الإبل و ما يشابهها من الأنعام. فانّها ليست من السباع حتّى تعرف منها خصوصيّات السبعيّة. و لا من الطيور حتّى تجدّ و تجتهد في تحصيل معاشها و تنظيم أمورها، فكأنّها صمّ بكم عمى.

أُحِلَّتْ لَكُمْ‏ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ‏- 5/ 1.

وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ‏ ... عَلى‏ ما رَزَقَهُمْ مِنْ‏ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ‏- 22/ 28.

راجع النعم.

بوء

مصبا- بَاءَ يَبُوءُ: رجع. و بَاءَ بحقّه: اعترف به. و بَاءَ بذنبه: ثقل به. و البَاءُ بالمدّ: النكاح و التزوّج. و يقال فلان حريص على البَاءِ و البَاءَةِ و البَاهُ‏ أى على النكاح. و بَوَّأْتُهُ داراً: أسكنته إيّاها، و بَوَّأْتُ له كذلك، و تَبَوَّأَ بيتا: اتّخذه مسكنا.

مقا- بوأ: أصلان، أحدهما الرجوع الى الشي‏ء، و الآخر تساوى الشيئين.

 

350
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 351

فالأوّل البَاءَةُ و المَبَاءَةُ، و هي منزلة القوم حيث يتبوّءون في قبل واد و سند جبل، و يقال قد تبوّءوا، و بوّأهم اللّه منزل صدق. و المباءة أيضا منزل الإبل حيث تناخ في الموارد. و أباءه عليه: إذا ردّه عليه، و أبي‏ء عليه حقّه، مثل أرح عليه حقّه، و باء بذنبه: كأنّه عاد الى مباءته محتملا لذنبه، و باءت اليهود بغضب اللّه تعالى. و الأصل الآخر: إنّه لبواء بفلان أى كفو، و باء فلان بفلان، إذا قتل به.

صحا- الْمَبَاءَةُ منزل القوم في كلّ موضع. و تَبَوَّأَتْ منزلا: نزلته، و بوّأت للرجل منزلا و بوّأته منزلا: بمعنى، أى هيّأته و مكنّت له فيه. و بوّأت الرمح نحوه:

سدّدته نحوه. و أبأت الإبل: رددتها الى المباءة. و سمّى النكاح باء و باءة لأنّ الرجل يتبوّء من أهله أى ليتمكّن منها كما يتبوّء من داره. و البواء: السواء، دم فلان‏ بَوَاءٌ لِدَمِ فُلَانٍ. وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ+: راجعوا به أى صار عليهم، و بَاءَ بإثمه‏ يَبُوءُ بَوْءاً.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الرجوع الى السفل أى الانحطاط و التنزّل، و أمّا الرجوع المطلق، و الحمل، و التزويج، و الإسكان، و الردّ و التساوي، و التهيئة، و التمكين، و التسديد، و غيرها.: كلّها معاني مجازيّة، إلّا أن يلاحظ فيها مفهوم الرجوع في تسفّل، حتّى تكون من مصاديق الأصل، و هذا المعنى في موارد التسكين و التمكين و التزويج و الردّ: قريب الصدق.

كَمَنْ‏ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ‏- 3/ 162.

فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ‏- 8/ 16.

أى فقد انحطّ مقامه انحطاطا معنويا بسبب غضب من اللّه المتعال.

وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ- 2/ 61.

أي انحطوا عن مقامهم و تسفّلوا في شئونهم.

351
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 351

إِنِّي أُرِيدُ أَنْ‏ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ‏- 5/ 29.

أى تنحطّ بسبب ذلك الطغيان و التأخير في الخيرات.

وَ بَوَّأَكُمْ‏ فِي الْأَرْضِ‏ ...، يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ ...، لَنُبَوِّئَنَّهُمْ‏ مِنَ الْجَنَّةِ.

بمعنى الحطّ و التنزيل الظاهري، و يلازم هذا المعنى مفهوم التسكين و التمكين. فانّ الأصل في التبوئة هو التنزيل من حيث هو و من دون نظر الى ما يبوّء منه أو اليه، و سواء كان ظاهريّا ماديّا أو معنويّا روحانيّا. فالتبوّء هو النزول من حيث هو هو.

فالفرق بين‏ التَّبْوِئَةِ و الإسكان و التنزيل: أنّ التبوئة هو التنزيل من حيث هو. و الإسكان من حيث انّه نازل الى مسكن. و التنزيل من جهة النزول من مرتبة.

و أيضا إنّ الإسكان يستعمل غالبا في الماديّات، و التبوئة و التنزيل أعمّان.

و أمّا استعمال هذه المادّة في مفهوم التساوي: فباعتبار تنزيل كلّ من المتساويين منزلة الآخر. و أمّا التزويج: فباعتبار كونه قريبا من الإسكان- كما في قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها.

فالتزويج نوع إسكان.

يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ- 12/ 56.

أى ينزل من الأرض حيث يشاء، فانّ التفعّل لمطاوعة التفعيل، فيقال صرّفته فتصرّف.

وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ‏- 22/ 26.

أى جعلنا محلّ البيت له منخفضا و منحطّا ليسهل بنائها و الطواف عليها و سائر مناسكها، فان تلك المكان واقعة بين الجبال. هذا هو المفهوم من الجملة، و قريب منه مفهوم التهيئة. و بهذا يظهر ما في التفاسير من التكلّف و التجوّز في تفسير هذه الآيات. و اللّه هو الهادي الى الصواب.

352
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

باب ص : 353

 

باب‏

مقا- بَوْب‏: أصل واحد، و هو قولك‏ تَبَوَّبْتُ‏ بَوَّاباً أى اتّخذت بوّابا. و البَابُ‏ أصله‏ بَوَبٌ‏ فانقلبت الواو ألفا.

صحا- الباب يجمع‏ أَبْوَاباً، و أبوابٌ‏ مُبَوَّبَةٌ كما يقال أصناف مصنّفة، و يقال هذا شي‏ء من بابتك أى يصلح لك.

مصبا- الباب في تقدير فعل بفتحتين و لهذا قلبت الواو ألفا، و يجمع على أبواب مثل سبب و أسباب، و يضاف للتخصيص فيقال باب الدار، و باب البيت.

و البواب حافظ الباب و هو الحاجب. و بوّبت الأشياء تبويبا: جعلتها أبوابا متميّزة.

مفر- البَابُ‏ يقال لمدخل الشي‏ء، و أصل ذلك مداخل الأمكنة، كباب المدينة و باب الدار و البيت، و منه يقال في العلم باب كذا، و هذا العلم باب الى علم كذا أى به يتوصّل اليه، و

قال (ص) أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌ‏ بَابُهَا

، أى به يتوصّل، و قد يقال أبواب الجنّة و أبواب جهنّم للأشياء الّتى بها يتوصّل اليهما. و هذا من باب كذا أى ممّا يصلح له، و الجمع بابات.

و التحقيق‏

أنّ الأصل فيها: هو ما يجعل في محوطّة محفوظة بجدران أو غيرها للدخول أو الخروج منها و يغلق للحفظ، و مفهوم الدخول و الخروج ليس قيدا في الأصل، بل من اللوازم. و لا يصدق الباب على مطلق مدخل أو مخرج في جدار.

وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً+- 2/ 58.

أى باب القرية أو باب المسجد.

حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ‏ باباً ذا عَذابٍ‏- 23/ 77.

و الباب فيه جهتان و لكن الملحوظ فيه غالبا هو جهة الورود و الدخول-

 

353
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بور ص : 354

أى يدخل العذاب عليهم من ذلك الباب.

وَ اسْتَبَقَا الْبابَ‏ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ- 12/ 25.

الملحوظ هنا جهة الخروج، و كذلك في قوله تعالى:

وَ غَلَّقَتِ‏ الْأَبْوابَ‏ وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ‏.

لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ‏ لِكُلِ‏ بابٍ‏ مِنْهُمْ جُزْءٌ- 15/ 44.

مظاهر هذه الأبواب في عالم الدنيا الحواسّ الخمس الظاهرة و حاسّتا الخيال و الوهم، فإنّ بسوء العمل و الاستفادة بها يكتسب نار الجحيم. و يمكن القول بكونها الحواسّ الخمس و بطش اليد و حركة الرجل.

و كما أنّ هذه المذكورات مظاهر أبواب الجحيم: كذلك تكون مظاهر أبواب الجنّة إن اعتملت تحت حكم العاقلة، و يتوصّل بها الى رضا الرحمن.

و ليعلم أنّ الباب كما يطلق على الباب المادّىّ: كذلك يطلق على الباب الروحانىّ المعنوىّ.

لا تُفَتَّحُ لَهُمْ‏ أَبْوابُ‏ السَّماءِ- 7/ 40.

وَ فُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ‏ أَبْواباً- 78/ 19.

أى أبواب الرحمة الالهيّة و الفيوضات الربّانيّة.

بور

مصبا- بَارَ الشي‏ء يَبُورُ بَوْراً: هلك. و بَارَ الشي‏ءُ بَوَاراً: كسد، على الاستعارة، لأنّه إذا ترك صار غير منتفع به فأشبه الهالك من هذا الوجه. و البويرة موضع كان به نخل بنى النضير.

صحا- الْبُورُ: الرجلُ الفاسد الهالك الّذى لا خير فيه. و امرأةٌ بُورٌ أيضا و قوم‏ بُورٌ: هَلْكَى، و هو جمع‏ بَائِرٍ، و حكى انّه لغة و ليس بجمع كما يقال أنت بشر و

354
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 355

أنتم بشر. و قد بار فلان: هلك، و أَبَارَهُ‏ اللّهُ: أهلكه. و باره يبوره: جرّبه و اختبره، و الِابْتِيَارُ مثله. و بار المتاع: كسد. و بار عمله: بطل. و الْبُورِيَاءُ: الّتى من القصب.

مقا- بور: أصلان، أحدهما هلاك الشي‏ء و ما يشبهه من تعطيله و خلوّه، و الآخر ابتلاء الشي‏ء و امتحانه. أمّا الأوّل: قال الخليل: البوار: الهلاك، باروا و هم بور: ضالّون هلكى: بوار الْأَيِّمِ‏. أن تكسد فلا تجد زوجا. و أرض بَوَارٌ: ليس فيها زرع. و الثاني- التجربة و الاختبار: بُرْتُ‏ فلانا و بُرْتُ‏ ما عنده: جرّبته.

مفر- الْبَوَارُ: فرط الكساد، و لمّا كان فرط الكساد يؤدّى الى الفساد كما قيل كسد حتّى فسد عبّر عن الهلاك بالبوار، يقال بَارَ الشي‏ءُ يَبُورُ بَوْراً و بُؤُراً و قوم‏ بُوْرٌ: هَلْكَى، و قيل هو مصدر يوصف به الواحد و الجمع.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الخسران الشديد المشرف الى الانعدام و الهلاكة. و هذا المعنى ينطبق على جميع موارد استعمالها، من الفساد و الهلاكة و البطلان و الكساد و التعطيل و الضلالة. و بهذا المعنى يظهر الفرق بينها و بين الخسران و الهلاكة و غيرها.

و لا يخفى ما بين البور و البوء من التناسب لفظا و معنى.

و أمّا مفهوم الاختبار و الامتحان: فكأنّ المختبر ليس له غرض استفادة و لا انتفاع في عمله بل مجرّد الاختيار. و على هذا فهو خاسر في صرف الوقت أو صرف المال بهذا المنظور، و لا يبعد أن تكون التعدية بتقدير حرف في، أى بار فيه و بُرْتُ‏ في فلان، ثمّ حذفت الحرف لرفع الاشتباه بساير المفاهيم.

يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ‏ تَبُورَ- 35/ 29.

لن تسخر بالكلّيّة، فالمنفىّ المقطوع هو البوار الشديد.

وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ- 35/ 10.

355
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بال ص : 356

أى مكرهم يخسر و ينعدم.

وَ كانُوا قَوْماً بُوراً- 25/ 18.

أى خاسرين و مشرفين الى الانعدام.

وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ- 14/ 28.

أى منزل فيه الخسارة الشديدة.

و لا يخفى انّ معنى الهلاكة لا يناسب الآية الاولى و الثانية، و معنى الكساد لا يناسب الآيات الاخر، و كذلك سائر المعاني، فانّ المفسّرين يفسّرون الكلمات بمقتضى تناسب المقام، في كلّ مورد بحسبه، من دون توجّه الى تحقيق الحقّ.

بال‏

مصبا- الْبَالُ‏: القلب، و خَطَرَ بِبَالِي‏: بقلبي. و هو رضيُ‏ البَالِ‏: واسع الحال. و بَالَ‏ الإنسانُ و الدابّةُ يَبُولُ بَوْلًا و مَبَالًا، فهو بَائِلٌ‏ ثمّ استعمل البول في العين و جمع الى‏ أَبْوَالٍ‏.

صحا- البول واحد الأبوال، و قد بال يبول، و الاسم البِيلَةُ كالجِلسة و الركبة، و يقال أخذه‏ بُوَالٌ‏، إذا يعتريه البول كثيرا، و كثرة الشراب‏ مِبْوَلَةٌ، و المِبْوَلَةٌ كوز يبال فيه. و البالُ: القلب. و البالُ: رخاء النفس، يقال: فلان رخىُ‏ البالِ‏. و البال: الحال، يقال ما بالك؟

مقا- بَوْلٌ‏: أصلان، ماء يتحلّب، و الرّوع. فالأوّل- البول، و هو معروف. و فلان حسن‏ البِيلَةِ. و يقال لنُطَفِ البِغَالُ‏ أَبْوَالُ‏ البِغَال. و زقّ بوّال إذا كان يتفجّر بالشراب. و الثاني- فالبال بال النفس، و يقال ما خطر ببالي أى ما أُلْقِي في رُوعِي. قال الخليل: إنّ بال النفس هو الاكتراث، و هو أن يكرثه ما وقع في نفسه، و منه اشتقّ ما باليت، و لم يحظر ببالي. و المصدر البالة و المبالاة. و ممّا

356
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 357

حمل على هذا: البال، و هو رخاء العيش، يقال، إنّه لراخى البال و ناعم البال.

أقول: كَرَثَهُ الأمرُ: حرّكه. و اكْتَرَثَ لذلك: تحرّك. و الروع: القلب.

و التحقيق‏

أنّه لا يخفى ما في بين البَال و البَلو من الاشتقاق الأكبر، و قد تقدّم أنّ البَلْو هو إيجاد التحوّل و التقلّب، و بهذه المناسبة يكون الأصل في كلمة البال هو الحالة الباطنيّة القلبيّة، و استعمالها في القلب و النفس و تحرّك القلب و رخاء العيش:

بمناسبة هذا الأصل، فانّ القلب من التقلّب، و التحركّ فيها إحدى الحالات.

و أمّا البول: فبمناسبة ظهور الرخاء الكامل و الحالة الحسنة الطيّبة بعد نهاية الشدّة و الحصر و الضيق، و هذا المعنى أظهر أثر يتراءى عند البول، و العرب يسمّى كلّ ما يستهجن بأثره أو بما يلازمه- كالغائط.

ما بالُ‏ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ‏- 12/ 50.

ما تلك الحالة الّتى كانت فيهنّ و عرضت لهنّ و أوجبت قطع الأيدى، و ما ذلك التحوّل الّذى هو سبب لمسجونيّته، و هل التقطيع تحقّق من جانبهنّ أو من جانبه؟ و ما ذا كان مبدؤه؟

قالَ فَما بالُ‏ الْقُرُونِ الْأُولى‏- 20/ 51.

فما الحالة الباطنيّة و كيف تكون حقيقة الأمور للأمم المتقدّمة. و هذا الإطلاق ينفى كون البال بمعنى القلب. و أمّا الحالة الباطنيّة فلا يختصّ بالحيوان بل و في كلّ شي‏ء بحسبه.

كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ‏ بالَهُمْ‏- 47/ 2.

أى حالتهم الباطنيّة، و وفّقهم في تحوّلات أمورهم و في جريان حياتهم.

و الفرق بين الحالة و البال: أنّ الحالة أعمّ من التحوّل في الظاهر أو الباطن، و البَالُ يطلق على الحالة الباطنيّة، و أيضا إنّ اكثر استعمال البَالِ في الحالة الّتى‏

357
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بيت ص : 358

 

يلازمها الضيق و المحدودية- كما قلنا في البلو.

بيت‏

مصبا- بَاتَ‏ يَبِيتُ‏ بَيْتُوتَةً و مَبِيتاً و مَبَاتاً فهو بَائِتٌ و تأتى نادرا بمعنى نام ليلا، و في الأعمّ الأغلب بمعنى فعل ذلك الفعل بالليل، كما اختصّ الفعل في ظلّ بالنهار، فإذا قلت بات يفعل كذا فمعناه يفعل بالليل و لا يكون إلّا مع سهر الليل، قال الأزهرى قال الفرّاء: بَاتَ الرجلُ إذا سَهِر الليلَ كلّه في طاعة أو معصية. و قال الليث: من قال بات بمعنى نام فقد أخطأ. و قد تأتى بمعنى صار يقال بات بموضع كذا:

أى صار به سواء كان في ليل او نهار. و البَيْتُ‏: المسكن. و بيت الشعر ما يشتمل على أجزاء معلومة بنوع خاصّ كما تضمّ أجزاء البيت في عمارته، و الجمع بيوت و أبيات.

مقا- بَيْتٌ‏: أصل واحد، و هو المأوى و المآب و مجمع الشمل. يقال بَيْتٌ و بُيُوتٌ‏ و أَبْيَاتٌ‏، و منه يقال لبيت الشعر بيت، على التشبيه لأنّه مجمع الألفاظ و الحروف و المعاني على شرط مخصوص و هو الوزن. و البيت عيال الرجل و الّذين يبيت عندهم. و بَيَّتَ‏ الأمر إذا دبّره ليلا.

لسا- بيّت الأمر: عمله ليلا أو دبّره ليلا. و كلّ ما فكرّ فيه أو خيض فيه بليل فقد بيّت، و هذا أمر دبّر بلبل و بيّت بليل: بمعنى واحد. و بيّت القوم و العدوّ:

أوقع بهم ليلا. و الاسم‏ الْبَيَاتُ‏.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو عمل أو سكنى ليلا، و منه البيات و الْبَيْتُوتَةُ، و بهذه المناسبة اطلق لفظ البيت على محلّ يسكن ليلا. و يشمل كلّ مسكن من شأنه أن يسكن فيه حيوان. و التبييت: متعدّ و هو جعل أمر في الليل قولا أو عملا:

 

358
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 358

يقال:

بَيَّتَ‏ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَ اللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ‏- 4/ 81.

قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ‏ لَنُبَيِّتَنَّهُ‏ وَ أَهْلَهُ‏- 27/ 49.

أن يفكرّ طائفة و يدبّرون فيما بينهم ليلا خلاف ما تقول و تريد و اللّه يكتب ما يقولون و يدبّرون. و أقسموا باللّه فيما بينهم: لنعمل أعمالا ليلا على صالح النبىّ و أهله من الإهلاك و القتل.

فعلم أنّ البيت مسكن مخصوص معدّ للبيتوته و السكنى و الاستراحة ليلا، كما أنّ الدار موضع مخصوص محدود بالجدران و معدّ لسكنى العائلة و فيه البيوت.

وَ الَّذِينَ‏ يَبِيتُونَ‏ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً- 25/ 64.

أى يداومون العمل و العبادة ليلا في حال السجود و القيام لربّهم.

وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ‏ مَثابَةً لِلنَّاسِ‏- 2/ 125.

فَمَنْ حَجَ‏ الْبَيْتَ‏ أَوِ اعْتَمَرَ- 2/ 158.

أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ‏ لِلطَّائِفِينَ‏- 2/ 125.

وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ‏ الْعَتِيقِ‏- 22/ 29.

إِنَّ أَوَّلَ‏ بَيْتٍ‏ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ- 3/ 96.

فالبيت المطلق في لسان اللّه و لسان الشرع هو الكعبة، و هي اوّل بيت وضع للناس ليبيتوا فيه‏ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً، و هو منسوب الى اللّه المتعال.

رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ‏ الْبَيْتِ‏- 11/ 73.

هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ أَهْلِ‏ بَيْتٍ‏ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ‏- 28/ 12.

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ‏ الْبَيْتِ‏- 33/ 33.

و قلنا في (أهل) انّ جملة اهل البيت كلمة واحدة مركّبة من لفظين، و معناها بالفارسيّة: خانواده. و هذا المعنى يختلف سعة و ضيقا و من جهة تعيين المصداق باختلاف الموارد و بالقرائن [لكن المراد هنا محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة من ولده عليهم السلام‏].

359
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بيد ص : 360

فقد علمنا بالقرائن الخارجيّة: أنّ المراد من أهل البيت في الآية الاولى هو إبراهيم و زوجته. و في الثانية هو من في بيت عمران. و في الثالثة هو أهل الكساء الّذين كانوا تحت الكساء بأمر من رسول اللّه (ص).

و القرائن في تعيين هذا المعنى: ما ضبطه معتمد كتب التواريخ و الأحاديث من أهل السنّة و الشيعة- راجع كتابنا- الحقائق في تاريخ الإسلام.

إِنَّ أَوْهَنَ‏ الْبُيُوتِ‏ لَبَيْتُ‏ الْعَنْكَبُوتِ‏- 29/ 41.

وَ أَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ‏ بُيُوتاً- 16/ 68.

فأطلق الى مساكنها و مآويها باعتبار تحقّق الاستراحة و السكنى لمطلق الحيوان ليلا فيها.

وَ قَرْنَ فِي‏ بُيُوتِكُنَ‏- 33/ 33.

اختيار هذه الكلمة على المنازل و المساكن و الدور و غيرها: إشارة الى شدّة الاهتمام بتحفّظهن و تستّرهنّ.

بيد

مصبا- بَادَ يَبِيدُ بَيْداً و بُيُوداً: هلك، و يتعدّى بالهمزة فيقال‏ أَبَادَهُ‏ اللّه تعالى. و الْبَيْدَاءُ: المفازة، و الجمع‏ بِيدٌ بالكسر. و بَيْدَ مثل غير وزنا و معنى، يقال هو كثير المال‏ بَيْدَ أنّه بخيل.

لسا- باد الشي‏ء يبيد بيدا و بيادا و بُيُوداً و بَيْدُودَةً: انقطع و ذهب، و هلك. و بادت الشمس بيودا: غربت. و أَبَادَهُ‏ اللّهُ أى أهلكه. و البَيْدَاءُ: الفلاة، المفازة.

مفر- بيد: باد الشي‏ء يبيد بَيَاداً: إذا تفرّق و توزّع في البيداء أى المفازة، و جمع‏ البَيْدَاءِ بِيدٌ.

360
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 361

 

مقا- بيد: أصل واحد، و هو أن يودى الشي‏ء. يقال باد الشي‏ء بَيْداً و بُيُوداً إذا أودى. و البَيْدَاءُ المفازة من هذا أيضا، و الجمع بينهما في المعنى ظاهر.

و التحقيق‏

أنّ المعنى الحقيقىّ لهذه المادّة: هو التبدّد و التفرّق بين الأجزاء و اختلال في جريان و نظم. و لا يبعد ان يكون بين البدّ و البيد اشتقاق اكبر، و أن يكون البدّ اوّل مرتبة من التفرّق، و البيد ما تحصّل منه و المرتبة الثانية، بمناسبة فكّ الإدغام و قلب الدال المشدّد ياء. و بهذا الاعتبار يسمّى الأراضى المتّسّعة الّتى ليست فيها آثار العمارة بيداء، فكأنّها متبدّدة قد باد ما كان فيها من صور العمارات. و أمّا البَيْدُ بمعنى الغير: فباعتبار تبدّد الحالة السابقة في ذلك المورد و تبدّلها الى هذه الحالة المستثناة المستخرجة.

وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ‏ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً- 18/ 35.

أى ما أظنّ أن تنمحى هذه العمارة و تتبدّد هذه الصورة من نظم الإنهار و الأشجار و العمارة بحصول اختلاف في جريانها.

بيض‏

مصبا- بَاضَ‏ الطائرُ و نحوُهُ‏ يَبِيضُ‏ بَيْضاً فهو بَائِضٌ‏، و البَيْضُ‏ له بمنزلة الولد للدوّاب، و جمع البَيْضِ‏ بُيُوضٌ‏، الواحدة بَيْضَةٌ، و الجمع‏ بَيْضَاتٌ‏- كلّ أذون ولود و كل صموخ‏ بَيُوضٌ‏. و البَيَاضُ‏ من الألوان، و شي‏ء أبيض ذو بياض، و الأنثى بيضاء، و الجمع بيض، و الأصل بضمّ الباء لكن كسرت لمجانسة الياء. و صام ايّام البيض، و التقدير أيّام الليالي البيض، و سمّيت لاستنارة جميعها بالقمر. و ابْيَضَ‏ الشي‏ءُ ابْيِضَاضاً: صار ذا بياض.

 

361
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 362

مفر- البَيَاضُ‏ ضدّ السواد، يقال ابيضّ ابيضاضا و بياضا، فهو مبيضّ و أبيض، و عبّر عن الفضل و الكرم بالبياض، حتّى قيل لمن لم يتدّنس بمعاب هو ابيض الوجه، و ابْيِضَاضُ‏ الوجهِ فِي- يَوْمَ‏ تَبْيَضُ‏ وُجُوهٌ‏- عبارة عن المسرّة و اسودادها عن الغمّ. و سمّى البيض لبياضه، الواحدة البيضة. و بيضتا الرجل سمّيتا بذلك تشبيها بها في الهيئة و البياض.

مقا- بيض: أصل، و مشتقّ منه، و مشبّه بالمشتقّ. فالأصل البياض من الألوان، و أمّا المشتقّ منه: فالبيضة للدجاجة و غيرها، و الجمع البيض. و المشبّه بذلك بيضة الحديد. و من الاستعارة قولهم للعزيز في مكانه: هو بيضة البلد أى يحفظ و يحصّن كما تحفظ البيضة. يقال حمي‏ بَيْضَةَ الإسلام و الدين.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو لون البياض.

و باعتبار كون البياض أحسن لون من جهة الضياء و النور: يستعار به عن الفضل و الكرم و المسرّة و أمثالها في مقابل ما يرادف الظلمة و الوحشة و الضلال. و لمّا كان البياض اوّل ما يتراءى من البيضة حين خروجها من الدّجاجة: سميّت بها.

و أمّا بَيْضَتَا الرجل تشبيها لهما بالبَيْضَةِ في الشكل و في كونهما فيما بين الرجلين و أنّهما مبدءا تكوّن حيوان. و أمّا بيضة البلد: فلكونها متكوّنة من تمدّن مملكة أو دين، ثمّ تستنتج منها نتائج مدنيّة و روحانيّة، كالبيضة المتكونّة من الحيوان الّتى يخرج منها حيوان آخر.

الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ‏ ...، هِيَ‏ بَيْضاءُ+ ...، جُدَدٌ بِيضٌ‏.

صفات مشبهة كأسوإ و سوداء و سود.

ابْيَضَّتْ‏ وُجُوهُهُمْ‏ ...، وَ ابْيَضَّتْ‏ عَيْناهُ‏ ...، تَبْيَضُ‏ وُجُوهٌ‏.

من باب الافعلال، و هذا الباب يدلّ على عروض المعنى للذات و ثبوته فيها.

362
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بيع ص : 363

و لم يستعمل من هذه المادّة و أمثالها صيغ مجرّدة، إذ البياض و السواد و الظلمة و ما يشابهها غير قابلة للانتساب فهي بمعناها الحقيقي ثابتة في موضوعاتها لا تقبل الحدوث و التجدّد، إلّا إذا كانت على صيغة افعلّ أو إفعالّ- إذا أريد عروض المعنى الى ذات في المرتبة الثانية لا ذاتا.

و أمّا الصيغ المجرّدة من الصفات [لا من الأفعال‏] فلا مانع في اشتقاقها- كما في الأبيض و البيضاء و البيض. فالفرق بين الأبيض و ابيضّ: أنّ الأوّل يدلّ على ذات ثبت فيها البياض، و الثاني على حدوث البياض لذات و ثبوته فيها.

بيع‏

مصبا- بَاعَهُ‏ يَبِيعُهُ‏ بَيْعاً و مَبِيعاً فهو بَايِعٌ و بَيِّعٌ، و أَبَاعَهُ لغة. و البيع من الأضداد، و إذا اطلق البائع فالمتبادر الى الذهن باذل السلعة. و يطلق البيع على المبيع فيقال بيع جيّد، و يجمع على بيوع، و بعت زيدا الدار، يتعدّى الى مفعولين، و كثر الاقتصار على الثاني لأنّه المقصود بالإسناد، و يجوز الاقتصار على الأوّل عند عدم اللبس نحو بعت الأمير، و قد تدخل من على المفعول الأوّل على وجه التوكيد فيقال بعت من زيد الدار كما يقال كتمت من زيد الحديث، و ربّما دخلت اللام مكان من، فيقال بعته لك، فالّلام زائدة كما في‏ وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ‏. و ابْتَاعَ‏ زيدٌ الدَّارَ:

اشتراها، و ابتاعها لغيره: اشتراها له. و باع عليه القاضي: أى من غير رضى منه. و الأصل في البيع: مبادلة مال بمال، كقولهم بيع رابح و بيع خاسر. و تطلق أيضا على‏ الْمُبَايَعَةِ و الطاعة، و منه أيمان البيعة. و البِيعَةُ بالكسر: للنصارى و الجمع‏ بِيَعٌ‏ مثل سدرة و سدّر.

مقا- بيع أصل واحد و هو بيع الشي‏ء. و ربّما سمّى الشرى بيعا، و المعنى واحد- لا يبوع أحدكم على بيع أخيه- أى لا يشتر على شرى أخيه. و إن عرضته‏

363
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 364

للبيع قلت أبعته.

لسا- و البَيْعَةُ: المُبَايَعَةُ و الطاعة. و قد تَبَايَعُوا على الأمر: كقولك أصفقوا عليه. و بايعه عليه مبايعة: عاهده. و بَايَعْتُهُ‏ من البيع و البيعة جميعا، و التَّبَايُعُ مِثْلُهُ. و في الحديث: أَلَا تُبَايِعُونِي‏ عَلى الْإِسْلَامِ؟ هو عبارة عن المعاقدة و المعاهدة، كأنّ كلّ واحد منهما باع ما عنده من صاحبه و أعطاه خالصة نفسه و طاعته و دخيلة أمره.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد فيها: هو المعاقدة و مبادلة مال بمال أى المعاملة الواقعة بين البائع و المشترى. إلّا انّ البائع لمّا كان المبتدأ بالمعاملة، و قد تحقّقت المبادلة أوّلا من جانبه: فهو أولى بأن يطلق عليه البائع أى المعاقد و المعامل أوّلا، و أمّا إطلاقه على المشترى فباعتبار أنّه طرف آخر للمعاملة و هو معاقد أيضا بالنظر الثانوى.

و أمّا البيعة و المبايعة: فباعتبار كونها نوع معاملة و معاقدة و مبادلة.

و أمّا البِيعَةُ: قال في المعرّب- و البِيعَةُ و الكنية جعلهما بعض العلماء فارسيّين معرّبين- انتهى.

و لا يبعد أن تكون هذه الكلمة مشتقّة و مأخوذة من [بى‏] أو كلمة [بيت‏] بمعنى الدار و المنزل.

أو [بيت كنست‏] بمعنى الكنيسة. كما أنّ البيت، و البيت الحرام تطلقان على الكعبة.

لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ‏- 22/ 40.

جمع بيعه و هي معبد النصارى و اليهود.

إِنَّمَا الْبَيْعُ‏ مِثْلُ الرِّبا- 2/ 275.

وَ أَحَلَّ اللَّهُ‏ الْبَيْعَ‏ وَ حَرَّمَ الرِّبا- 2/ 275.

يَوْمٌ لا بَيْعٌ‏ فِيهِ وَ لا خِلالٌ‏- 14/ 31.

364
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 364

لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ‏- 24/ 37.

إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ‏- 62/ 9.

فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ‏ الَّذِي‏ بايَعْتُمْ‏ بِهِ‏- 9/ 111.

فالمراد في هذه الآيات الشريفة: هو المعاملة و المعاقدة كما هو ظاهر، فيشمل معاملة الجانبين من طرف البائع أو المشترى.

الَّذِي‏ بايَعْتُمْ‏ بِهِ‏ ...، وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ‏ وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ- 2/ 282.

صيغة فاعل على الاستمرار، أي المعاملة الّتي تستمرّ و لا تنقطع. و صيغة تفاعل تدلّ على مطاوعة فاعل، أي إذا تحقّقت و استمرّت المعاقدة طوعا و رغبة: فأشهدوا كاتبا أو شهيدا عليها.

إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ‏ يُبايِعْنَكَ‏- 60/ 12.

إِنَّ الَّذِينَ‏ يُبايِعُونَكَ‏ إِنَّما يُبايِعُونَ‏ اللَّهَ‏- 48/ 10.

إِذْ يُبايِعُونَكَ‏ تَحْتَ الشَّجَرَةِ- 48/ 18.

فَبايِعْهُنَ‏ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُنَ‏- 60/ 12.

مأخوذة من البيعة و هي المعاهدة و المعاقدة المخصوصة، و لمّا كانت هذه المعاهدة تلازم الاستمرار و الدوام، يعبّر عنها بصيغة المفاعلة.

فظهر الفرق بين باع مجرّدا و بايع و تبايع.

و أمّا الفرق بين المعاقدة و الْمُبَايَعَةُ و المعاملة و المعاهدة: أنّ المعاقدة إنشاء أمر و إيجاده، و المعاهدة التزام و تعهّد على العمل، و العاملة نفس العمل و وقوعه، و المبايعة عمل خاصّ و هو البيع و الشرى.

365
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

بين ص : 366

 

بين‏

صحا- البَيْنُ‏: الفراق، بَانَ‏ يَبِينُ‏ بَيْنا و بَيْنُونَةً، و البين: الوصل، و هو من الأضداد. و الْبَوْنُ‏: الفصل و المزيّة- بَانَهُ يَبُونُهُ و يَبِينُهُ، و بينهما بَوْنٌ بعيد و بَيْنٌ بعيد، و الواو أفصح. و البَيَانُ‏: الفصاحة و اللسن، و فلان أبين من فلان: أفصح منه و أوضح كلاما، و البيان: ما تبيّن به الشي‏ء من الدلالة و غيرها، و بَانَ الشي‏ءُ بَيَاناً:

اتّضح، فهو بيّن، و الجمع أبيناء. و أَبَانَ الشي‏ء فهو مُبِين و أبنته أنا أى أوضحته، و اسْتَبَانَ‏ الشي‏ء: ظهر، و استبنته أنا: عرّفته. و تبيّن الشي‏ء و تبيّنته.

يتعدّى هذه الثلاثة و لا يتعدّى. و التبيان مصدر و هو شاذّ، و لم يجئ بالكسر إلّا حرفان و هما التبيان و التلقاء، و الباقي على تفعال.

مقا- بين: أصل واحد، و هو بعد الشي‏ء و انكشافه. فالبين الفراق، بان يبين بينا. و البَيُونُ‏: البئر البعيدة القعر. و البَيْنُ‏ قطعة من الأرض قدر مدّ البصر. و بان الشي‏ء و أبان: اتّضح و انكشف.

مصبا- بَانَ‏ الأمر يَبِينُ فهو بين، و جاء بائن على الأصل. و أبانَ إبانة و بيّن و تبيّن و استبان، كلّها بمعنى الوضوح و الانكشاف، و الاسم البيان، و جميعها يستعمل لازما و متعدّيا إلّا الثلاثىّ، و بان الشي‏ء: انفصل فهو بائن. و تباينوا تباينا:

إذا كانوا جميعا فافترقوا.

و التحقيق‏

أنّ المعنى الحقيقىّ فيها هو الانكشاف و الوضوح بعد الإبهام و الإجمال، بواسطة التفريق و الفصل. يقال: استخرجته فتبيّن، و فرّقت الأجزاء فبانت و انكشفت، و بيّنت ذلك الموضوع بعد ما كان مبهما. ففيه جهتان: التفريق، و الانكشاف.

 

366
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 366

فليس معناها البعد المطلق و لا الظهور المطلق، بل بالقيد المذكور.

و أمّا معنى الوصل: ففي مورد يتوقّف‏ التَبَيُّنُ‏ على الفصل ثمّ الوصل، كما في البيان بمعنى الفصاحة، فلا بدّ فيه من استخراج كلمات ثم وصلها و نظمها بالنسق البديع.

و أمّا قولهم يتعدّى و لا يتعدّى: فانّ الانكشاف و الظهور له حيثيّتان كالنور، فانّه ظاهر في نفسه و مظهر لغيره، فمن حيث ظهوره في نفسه فهو لازم، و من حيث مظهريّته لغيره و كشفه عنه فهو متعدّ، فكلّ باعتبار.

لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ‏ بَيِّنٍ‏- 18/ 15.

أى ظاهر منكشف مستخرج قاهر.

آيَةٍ بَيِّنَةٍ+ ...، بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ+ ...، مَنْ حَيَّ عَنْ‏ بَيِّنَةٍ.

أى آية منكشفة و مستخرجة من بين امور اخرى متداولة معمولة جارية.

آياتٍ‏ بَيِّناتٍ‏+ ...، جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ‏ بِالْبَيِّناتِ‏+.

أى امور منكشفة واضحة مستخرجة.

هذا بَيانٌ‏ لِلنَّاسِ‏ ...، عَلَّمَهُ‏ الْبَيانَ‏ ...، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ‏.

الانكشاف و الوضوح و الفصل عمّا أبهم و خفى أو أضمر.

وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ‏ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ- 16/ 89.

التبيان مصدر يدلّ على المبالغة و الشدّة، أى فيه كمال انكشاف عن المجهولات.

ثمّ إنّ الإبانة و التبيين هو الكشف متعدّيا إلّا أنّ النظر في الأوّل الى نسبة الفعل الى الفاعل و في الثاني الى نسبته الى المفعول به- كما هو مقتضى هيئتهما.

أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ‏ 43/ 52.

أى لا يقدر أن يوضح مراده و يكشف عمّا في ضميره.

إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏+ ...، إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌ‏ مُبِينٌ‏.

367
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 366

أى مضافا الى عداوته و إضلاله: إنّه يظهر و يوضح عداوته و إضلاله و يعلن بها. و كذلك قوله تعالى: لَفِي ضَلالٍ‏ مُبِينٍ‏+ ...، نُورٌ وَ كِتابٌ‏ مُبِينٌ‏ ...، إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ‏+ ...، عَلى‏ رَسُولِنَا الْبَلاغُ‏ الْمُبِينُ‏+ ...، نَذِيرٌ مُبِينٌ‏+ ...، ثُعْبانٌ‏ مُبِينٌ‏+ ...، وَ سُلْطانٍ‏ مُبِينٍ‏+ ...، بِالْأُفُقِ‏ الْمُبِينِ‏ ...، وَ إِثْماً مُبِيناً+ ...، فَتْحاً مُبِيناً.

فالتعبير بهذه الكلمة دون كلمة بيّن: للإشارة الى شدّة البيان و المبالغة في الانكشاف، بحيث إنّها كالنور ظاهرة و منكشفة في نفسها و مظهرة لأنفسها و لغيرها.

فلا وجه في تفسير هذه الكلمة بالبيّن اللازم- كما فىّ التفاسير و غيرها.

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ بَيَّنُوا- 2/ 160.

و كشفوا طريق سعادتهم.

يُبَيِّنْ‏ لَنا ما هِيَ+ ...، نُبَيِّنُ‏ لَهُمُ الْآياتِ‏ ...، لَتُبَيِّنُنَّهُ‏ لِلنَّاسِ‏ ...، يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ‏ ...، يُبَيِّنُ‏ لَكُمْ كَثِيراً.

أى الكشف و التفصيل و التوضيح.

و التبيّن التفعّل و هو لمطاوعة التفعيل، يقال علمته فتعلّم و بيّنته فتبيّن.

إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا- 6/ 49.

إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ فَتَبَيَّنُوا- 4/ 94.

كونوا على حال الانكشاف و تكون الوقائع و الأمور منكشفة عندكم.

فلا وجه في تفسير هذه الكلمة بالتبيين متعدّيا، مع أنّ التبيّن لازما أبلغ، فإنّ التبيّن نتيجة التبيين و محصوله، و المبالغة فيه أشدّ. و هذا التعبير كما في: بَعْدِ ما تَبَيَّنَ‏ لَهُمُ الْهُدَى+ ...، حَتَّى‏ يَتَبَيَّنَ‏ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ‏ ...، حَتَّى‏ يَتَبَيَّنَ‏ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ‏ ...، حَتَّى‏ يَتَبَيَّنَ‏ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا.

إشارة إلى لزوم ظهور هذه الأمور و انكشافها، بمعنى حصول اليقين بها.

و أمّا الاستبانة: فهو استفعال، و هذه الصيغة لطلب أصل الفعل، يقال‏

368
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 366

خرج زيد و استخرجته. و الطلب إمّا إرادىّ- استخرجت الوتد. و قد يكون الطلب من النفس- استكبر. أو بالطبع- استحجر الطين.

وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ‏ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ‏- 6/ 55.

الطلب هنا طبيعىّ، أى نفصّل الآيات و نوضح الدلائل و نبيّن الحقائق الى أن يكون سبيل الضلال منحطّا مبهما، حتّى يطلب الانكشاف و الهداية بالطبع.

و هذا غاية الضلال و الانحراف و الاعوجاج في الطريق.

و أمّا البَيْنُ‏: فقلنا إنّ هذه المادّة تدلّ على الانكشاف بواسطة الفرق و الفصل. فالبين مصدر يدلّ على الانفصال و البعد ثمّ الانكشاف و الوضوح، ثمّ جعل اسما يدلّ على ما تحصّل من الانفصال، من البعد المتحقّق للشي‏ء.

و لمّا كان البعد للشي‏ء غير محدود و أمرا مبهما، و من شأن هذه المادّة أن تدلّ على الانكشاف و رفع الإبهام: فيذكر منسوبا الى شيئين فيدلّ على البعد الواقع بينهما، فيفهم منه مفهوم التوسّط.

لِما بَيْنَ‏ يَدَيْها ...، عَوانٌ‏ بَيْنَ‏ ذلِكَ‏ ...، بَيْنَ‏ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏ ...، أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ‏ الْأُخْتَيْنِ‏ ...، بَيْنَ‏ قُلُوبِهِمْ+ ...، يا لَيْتَ‏ بَيْنِي‏ وَ بَيْنَكَ‏ ...، فَاللَّهُ يَحْكُمُ‏ بَيْنَكُمْ‏+ ...، سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ‏ ...، شِقاقَ‏ بَيْنِهِما ...، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ‏.

و في كليا- بَيْنَ‏: كلمة تنصيف و تشريك، حقّها أن تضاف الى أكثر من واحد، و إذا أضيف الى الواحد وجب أن يعطف عليه بالواو، لأن الواو للجمع، تقول المال بين زيد و عمرو، و بين عمرو قبيح، و أمّا بيني و بينك: فبين فيه مضاف الى مضمر مجرور، و ذلك لا يعطف عليه إلّا بإعادة الجارّ و قد جاء التكرير مع المظهر. و إذا أضيف الى الزمان كان ظرف زمان- بين الظهر و بين العصر، و إذا أضيف الى المكان كان ظرف مكان- بين الدار.

و في مفر- بين: موضوع للخلالة بين الشيئين و وسطهما، قال تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً، يقال بان كذا أى انفصل و ظهر ما كان مستترا منه، و لما اعتبر فيه معنى‏

369
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 366

الانفصال و الظهور: استعمل في كلّ واحد منفردا.

هذا آخر باب حرف الباء، ثمّ نشرع في باب التاء، و نحمد اللّه على ما وفقّنا في كتابة هذا الجزء و تأليفه، و ألهمنا تلك المعاني و الحقايق بجوده و فضله، إنّه ذو الفضل العظيم، و نستعين به في إتمام سائر اجزاء الكتاب، و كان إتمام تحرير ذلك في الرابع من شهر صفر من سنة 1395- ه.

و صلّى اللّه على خير خلقه محمّد و آله المعصومين صلاة أبديّا و سلاما إنّه خير موفّق و معين‏

370
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

باب حرف التاء ص : 371

 

 (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ+)

باب حرف التاء

التَّاءُ

هي من حروف الجرّ، و تدلّ على القسم، و تنوب عن فعل القسم [اقسم‏] كالواو، و تختصّ بلفظ الجلالة (اللّه) فيقال‏ تَاللَّهِ‏+.

كليا- التاء: و هي تجي‏ء لمعان، كلّها راجع الى التأنيث، و تكون للنقل من الوصفيّة الى الاسميّة، كما في الحقيقة. و لتمييز الواحد من الجنس، نحو التمرة. و للمبالغة، نحو علّامة. و لتأكيد الجمع، نحو ملائكة. و تكون في أوّل الكلمة للقسم. و للتأنيث في آخر الكلمة، و المتحرّكة منها تختصّ بالاسم، و الساكنة تلحق الفعل الماضي. و يكون ما قبل التاء، كالميم مفتوحا في فاطمة و عالمة. و التاء تكتب طويلا في الجموع و قصيرا في المفردات. و في الأفعال فلا تكتب إلّا طويلا.

مغني اللبيب- التاء: فالمتحرّكة في أوائل الأسماء حرف جرّ معناه القسم، و يختصّ بالتعجّب و باسم اللّه تعالى، و ربّما قالوا تربّى‏ و تربّ‏ الكعبة و تالرحمن. و المتحرّكة في أواخرها حرف خطاب نحو أنت. و في أواخر الأفعال نحو و قمت. و الساكنة في أواخر الأفعال للتأنيث.

و التحقيق‏

أنّ التاء تنوب عن فعل القسم و تدلّ عليه، و أمّا الملحقة بأواخر الكلمات:

 

371
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تابوت ص : 372

فانّها من حروف الزيادة و تدلّ على الفرعيّة، و من أنواع التفرّع: التأنيث، و الدلالة على شي‏ء زائد كالخطاب و المبالغة و التأكيد و الوحدة من الجنس و النقل من صيغة أصليّة الى غيرها.

ثمّ إنّ الاسم لمّا كان الأصل فيه الأعراف و الحركة: فتتحرّك التاء الملحقة به قهرا، و هذا بخلاف الفعل فانّ الأصل فيه البناء، فتسكن فيه، فيقال ضربت. و لمّا كانت الكسرة و الياء فيهما الانخفاض: فتناسبتا التأنيث، فكسرت التاء في ضربت لئلا يلتبس بالغائبة. و لحقت الياء في مخاطبة المضارع و الأمر- فيقال‏ تضربين‏ و اضربى.

و أمّا الدلالة على معاني اخر: فانّ التفرّع في كلّ شي‏ء بحسبه، ففي المذكّر هو التأنيث، و في الجمع التكثير، و في الوصف المبالغة، و في الاسم المنقول هو تثبيت النقل، و فرع الجنس هو الواحد منه.

وَ تَاللَّهِ‏ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا- 21/ 57.

قال البيضاوي: و التاء بدل من الواو المبدلة من الباء، و فيها تعجّب، أى لأجتهدنّ في كسرها، و لفظ الكيد و ما في التاء من التعجّب لصعوبة الأمر و توقّفه على نوع من الحيل، و لعلّه قال ذلك سرّا.

تابوت‏

صحا- تَوْب‏: و التَّابُوتُ‏ أصله تابوه، مثل ترقوة و هو فعلوة، فلمّا سكنت الواو انقلبت هاء التأنيث تاء. قال القاسم بن معن: لم يختلف لغة قريش و الأنصار في شي‏ء من القرآن إلّا في التابوت، فلغة قريش بالتاء، و لغة الأنصار بالهاء.

أسا- تبت: ما أودعت تابوتي شيئا ففقدته، أى ما أودعت صدري علما فعدمته.

372
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 373

لسا- قال ابن برّي: إنّ الجوهرىّ أساء تصريفه حتّى ردّه الى تابوت، و كان الصواب أن يذكره في فصل تبت، لأنّ تاءه أصليّة و وزنه فاعول و ذكره ابن سيده أيضا في ترجمة تبه، و قال التابوه لغة في تابوت أنصاريّة.

قع- [تباه‏] صندوق، فلك نوح، تابوت العهد.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مأخوذة من كلمة تباه العبريّة، و معناه قريب من الصندوق، و هي اسم لا اشتقاق لها.

و الهاء في آخر تباه إذا أضيفت الى كلمة اخرى قلبت تاء، فيقال: تبت مكتابيت صندوق الرسائل.

أَنِ اقْذِفِيهِ فِي‏ التَّابُوتِ‏ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ‏- 20/ 39.

في صندوق.

إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ‏ التَّابُوتُ‏ فِيهِ سَكِينَةٌ- 2/ 248.

تعريف التابوت في الموضعين يدلّ على كونه مشخّصا معيّنا.

و يظهر من سفر الخروج 25/ 10- أنّ موسى (ع) صنعه بأمر من اللّه تعالى على كيفيّة مخصوصة و غشيه بذهب من داخل و خارج.

و يظهر من الرسالة الى العبرانيّين الإصحاح التاسع- أنّ موسى وضع المنّ و عصا هارون و لوحا العهد فيه. و أيضا أمر اللاويّين أن يضعوا كتاب التوراة بجانب عهد الرّب في التابوت كما في سفر التثيته- 31/ 25.

و يظهر من بعض الروايات: أنّ التابوت هذا أصله هو التابوت الّذى وضع موسى فيه و قذف في اليّم.

373
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تب ص : 374

 

تبّ‏

مصبا- التَّبَابُ‏: الخسران، و هو اسم من‏ تَبَّبَهُ‏، و تَبَّتْ‏ يده‏ تَتِبُ‏: خسرت، كناية عن الهلاك. و تَبّاً له: هلاكا. و اسْتَتَبَ‏ الأمر: تهيّأ.

مقا- تَبَ‏: كلمة واحدة و هي‏ التَّبَابُ‏، و هو الخسران. و تَبّاً للكافر:

هلاكا له. و قال تعالى: وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ‏: تخسير. و قد جاءت في مقابلتهما كلمة، يقولون‏ اسْتَتَبَ‏ الأمرُ: تهيّأ. فان كانت صحيحة فالباب إذا وجهان:

الخسران، و الاستقامة.

صحا- التَّبَابُ: الخسران و الهلاك، تبّ تبابا و تبّت يداه، و تبّا لفلان، تنصبه على المصدر بإضمار فعل، أو ألزمه اللّه هلاكا و خسرانا و تَبَّبُوهُمْ‏ تَتْبِيباً:

أهلكوهم. و اسْتَتَبَ‏ الأمر: تهيّأ و استقام.

و في أسا- تبب: و استتبّ الطريق: ذلّ و انقاد. و استَتَبَّ له الأمر. و يجوز أن يقال للاستقامة و التمام: الِاسْتِتْبَابُ‏، أى طلب التباب لأنّ التباب يتبع التمام.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الخسران الممتدّ المنتهى الى الهلاك. و بهذه المناسبة قد تطلق على الخسار، و قد تطلق على الهلاك. و أمّا الِاسْتِتْبَابُ‏: فهو طلب التباب طبيعيّا أو إراديّا. و من هذا المعنى الانقياد و الذلّة. و أمّا التهيّؤ و الاستقامة: فانّ الطلب الطبيعىّ نوع تهيّؤ و استقامة في مقابل الحادثة و ما يطلبه، فليس مفهوم الاستتباب مطلق التهيّؤ أو مطلق الاستقامة، بل على قبال الخسار و الهلاك.

تَبَّتْ‏ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَ‏.

 

374
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تبر ص : 375

أى خسرت يداه خسرانا يسوقه الى الهلاكة و خسر و هلك بما فعلت يداه و ما عمل من سوء، و هذا سبب تقدّم خسران اليد.

وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي‏ تَبابٍ‏- 40/ 37.

أى يسوقه الى الخسران و الهلاك.

وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ‏- 11/ 101.

أى ما زاد آلهتهم لهم إلّا تخسيرا شديدا.

و بهذا يظهر الفرق بينها و بين الخسران و الهلاكة و البوار: فانّ التب فيه خسران منته الى الهلاك. و البوار هو المشرف الى الهلاكة. و يدلّ عليه التشديد في الباء الّتي هي من حروف الشديدة، بخلاف الراء و هي من الرخوة.

تبر

مقا- تَبْرٌ: أصلان متباعد ما بينهما، أحدهما الهلاك، و الآخر جوهر من جواهر الأرض. فالأوّل قولهم تَبَّرَ اللّهُ عمل الكافر أى أهلكه و أبطله- إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ. و الأصل الاخر التبر و هو ما كان من الذهب و الفضّة غير مصوغ.

مصبا- تَبَرَ يَتْبُرُ من باب قتل و تعب: هلك، و يتعدّى بالتضعيف فيقال تبرّه. و الاسم‏ التَّبَارُ، و الفعال كثيرا يأتى من فعّل، نحو كلّم كلاما و سلّم سلاما و ودّع وداعا.

صحا- و التبار: الهلاك، و تبّره تتبيرا: كسّره و أهلكه، و هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ‏: مكسّر مهلك.

البيضاوي- إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ‏: أى مكسّر و مدمّر.

لسا- تِبْرٌ: الذهب كلّه، و قيل الذهب المكسور. قال ابن جنّى: لا يقال له تبر حتّى يكون في تراب معدنه أو مكسورا، و منه قيل لكِسَر الزجاج تِبْرٌ. و تَبَّرَهُ‏

375
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 376

تَتْبِيراً: كسّره و أهلكه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل فيها: هو الكسر و حطّ المقام الى أن يوصل الى الفناء و الهلاك، فلا تستعمل إلّا في الهلاك بهذه الحيثيّة.

و هذا هو الفارق بينها و بين الهلاك فانّه مطلق، و كذلك البوار و البوء.

وَ كُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَ كُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً- 25/ 39.

أى أوضعناهم و كسرنا حدّتهم و صولتهم و أهلكناهم- من عاد و ثمود و أصحاب الرسّ.

وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً- 17/ 7.

أى ليتبرّوا عظمة بنى إسرائيل و علوّهم، و في هذه الآية الشريفة قد تعلّقت كلمة التتبير بما علوا- و فيها دلالة على أنّ التتبير يتعلّق بما يعلون به، فيتكسّر مقامهم و يزول اعتلاؤهم و سعة عيشهم.

إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏- 7/ 139.

أى إنّ ما فيه عَبَدة الأصنام من العقيدة و القول يتكسّر و يزول و ليس بحقّ.

وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً- 71/ 28.

أى تكسّرا و زوالا و هلاكا.

فالتبار ما لفتح هو ما يحصل من التتبير كالكلام من التكليم، و التتبير هو تفعيل، و لمّا كانت صيغة تفعيل تدلّ على جهة وقوع الفعل و نسبته الى المفعول به:

انتخبت في هذه الموارد المقتضية لهذا المعنى.

376
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تبع ص : 377

 

تبع‏

مقا- اصل واحد لا يشذّ عنه من الباب شي‏ء، و هو التلوّ و القفو- تبعت فلانا إذا تلوته و اتبعته. و أتبعته إذا لحقته. و الأصل واحد غير انّهم فرّقوا بين القفو و اللحوق، فغيّروا البناء أدنى تغيير- فَأَتْبَعَ‏ سَبَباً ...، ثُمَ‏ أَتْبَعَ‏ سَبَباً+، فهذا معناه على هذه القراءة اللحوق. و من اهل العربيّة من يجعل المعنى واحدا فيهما.

مصبا- تبع زيد عمروا من باب تعب: مشى خلفه، أو مرّ به فمضى معه. و المصلّى تبع لإمامه، و يكون مفردا و جمعا، و يجوز جمعه على أتباع، مثل سبب و أسباب. و تَتَابَعَتِ‏ الأخبار: جاء بعضها إثر بعض بلا فصل، و تتبّعت أحواله:

تطلّبتها شيئا بعد شي‏ء في مهلة. و التبعة وزان كلمة: ما تطلبه من ظلامة و نحوها. و تَبِعَ‏ الإمامَ: إذا تلاه. و تبعه: لحقه. و تابعه على الأمر: وافقه. و اتبعت زيدا عمرا:

جعلته تابعا له.

مفر- تبعه و اتّبعه: قفا أثره، و ذلك تارة بالارتسام و الائتمار، و على ذلك قوله تعالى- فَمَنْ‏ تَبِعَ‏ هُدايَ‏ ...، اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ‏ ...، وَ لا تَتَّبِعِ‏ الْهَوى‏. و يقال‏ اتَّبَعَهُ‏: إذا لحقه- فَأَتْبَعُوهُمْ‏ مُشْرِقِينَ‏ ...، فَأَتْبَعَهُ‏ الشَّيْطانُ‏. و تُبَّعٌ‏ كانوا رؤساء سمّوا بذلك لاتباع بعضهم بعضا في الرياسة و السياسة و قيل تبّع ملك يتبعه قومه.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو القفو و الحركة خلف شي‏ء مادّىّ أو معنوىّ، و سواء كان الاتّباع عملا أو فكرا.

و الإِتَّبَاع‏ هو افتعال و يدلّ على القفو بالاختيار و الإرادة، كما هو مقتضى المطاوعة. و المتابعة مفاعلة و يدلّ على إدامة الاتّباع، فيفهم منه الموافقة.

و التتابع- تفاعل و يدلّ على قبول فاعل و هو استدامة المتابعة، و يناسب‏

 

377
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 377

هذا المعنى دوام التبعيّة من جهة التعدّد في التابعين. و الإتباع أفعال و يدلّ على التعديّة ناظرا الى جهة الصدور، فحقيقة الإتباع: جعل الغير تابعا أو جعل نفسه تابعا للغير و هذا معنى اللحوق، إذا لم يكن تابعا ثمّ جعله تابعا.

و أمّا التَتَبُّعُ‏- فهو تفعّل و يدلّ على قبول التفعيل، فيقال تبّعته فتتبّع أى قبل الاتباع و التتبيع و تثبّت في تابعيّته، و هذا المعنى هو التطّلّب شيئا فشيئا.

و أمّا التَبِعَةُ:- فالظاهر أنّه وزان خشن، و التاء لزيادة الاتّصاف في التبعيّة فهو ما يتعقّب لشي‏ء و ثبت له التبعيّة.

و ظاهر صيغة التبّع أنّها كطلّب في جمع طالب من صيغ جمع التكسير.

و اما التَّبَعُ‏ و التَّبِيعُ‏:- فالظاهر كونهما صفتين كالحسن و الشريف- إِنَّا كُنَّا لَكُمْ‏ تَبَعاً+- 14/ 21.

ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ‏ تَبِيعاً- 17/ 69.

أى الثابت في التبعيّة، و هذا هو الفرق بينهما و بين صيغة التابع، و من هذا يعلم جهة انتخاب التبع و التّبيع في الموردين، و استعمال التابع في موارد اخر.

فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً ...، ثُمَ‏ نُتْبِعُهُمُ‏ الْآخِرِينَ‏ ...، ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ‏ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً‏.

بمعنى جعلنا تابعين لبعضهم بعضا، و جعلنا الآخرين تابعين لهم، و لا يجعلون المنّ تابعا لما أنفقوا.

فَأَتْبَعَهُ‏ الشَّيْطانُ‏- 7/ 175.

أى جعله الشيطان تابعا لنفسه.

و مثلها آية- فَأَتْبَعَهُ‏ شِهابٌ مُبِينٌ‏.

أى جعله الشهابُ تابعا له، بحيث يسير الى جانب الشهاب.

و هكذا قوله تعالى- فَأَتْبَعَهُمْ‏ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ‏.

أى أتبع فرعون و جنوده أنفسهم، لمسير بنى إسرائيل فساروا في أثرهم. او فأتبع فرعون‏

378
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 377

قومه من بني إسرائيل.

و التعبير بالإفعال في هذه الموارد و أمثالها دون المجرّد: إشارة الى وقوع العمل و تحققه بتحريك محرّك آخر و لو كان التغاير بالاعتبار.

وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ‏ سَبَباً- 18/ 58.

أى آتيناه من كلّ وسيلة في الأمور، و جعل نفسه و أعوانه تابعين للسبب. و يمكن أن يكون السبب مفعولا أوّلا- أى فجعل السبب تابعا لإرادته و تحت حكمه.

وَ أَتْبَعْناهُمْ‏ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً- 28/ 42.

يصحّ فيها الاحتمالان أيضا.

و الأصل أن يكون التابع هو المفعول الأوّل، فانه كالآخذ في أعطيت زيدا درهما، و قد يقدّم الثاني إذا وجدت قرينة.

فظهر أنّ تفسير الإتباع في الآيات المذكورة بالتبع غير وجيه.

وَ لَئِنِ‏ اتَّبَعْتَ‏ أَهْواءَهُمْ+ ...، فَإِنِ‏ اتَّبَعْتَنِي‏ فَلا تَسْئَلْنِي‏ ...، وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ‏ ...، اتَّبِعْ‏ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ‏.

قلنا إنّ الاتّباع هو القفو بالاختيار و الارادة.

و أمّا التُّبَّعُ‏: ففي لسا- و التبابعة ملوك اليمن، واحدهم تبّع، سمّوا بذلك لأنّه يتبع بعضهم بعضا كلّما هلك واحد قام مقامه آخر تابعا له على مثل سيرته، و زادوا الهاء في التبابعة لإرادة النسب.

و تاريخ ابن الوردي- ص 87- العرب ثلاثة أقسام: بائدة و عاربة و مستعربّة، فالبائدة كعاد و ثمود و جرهم. و العاربة عرب اليمن من ولد قحطان. و المستعربة من ولد إسماعيل. و من العاربة بنو سبأ عبد شمس بن يشحب بن يعرب بن قحطان. و لسبأ أولاد منهم حمير و كهلان و عمران و أشعر و عاملة و قبائل عرب اليمن، و ملكوها التبابعة من ولد سبأ، و جميع تبابعة اليمن من ولد حمير بن سبأ، عدا عمران و أخيه.

379
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تجر ص : 380

 

و العرب قبل الإسلام- ص 105- و لو راجعت أخبار دولة حمير في سائر ما كتبه المؤرّخون لما وجدت اثنين متّفقين في عددهم و أسمائهم و تعاقبهم. و يقولون إنّها كانت قبل الحارث الرائش شطرين يحكم أحدهما في سبا و الاخر في حضرموت، فلمّا ظهر الحارث المذكور فتح البلدين جميعا و تبعوه، و لذلك سمّى تبّعا، و هو أوّل التبابعة. و التبابعة عند العرب أوّلهم الحارث الرائش، و آخرهم ذو جدن، و بينهما تبابعة اختلفوا في أسمائهم و تعاقبهم، فعدد التابعة 26 تبعا حكموا نحو 1700 سنة. و يلي التبابعة. في اليمن الأحباش. و أقام الحبشة في اليمن و قائدهم أبرهة الأشرم، و أراد أبرهة هدم الكعبة فسار اليها في عام الفيل، فهلك جيشه بالطير الأبابيل.

أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ‏ تُبَّعٍ‏- 44/ 37.

وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَ قَوْمُ‏ تُبَّعٍ‏ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ- 50/ 14.

إشارة الى قبائل عرب اليمن.

تجر.

مصبا- تَجَرَ تَجْراً من باب قتل و اتَّجَرَ، و الاسم‏ التِّجَارَةُ، و هو تاجر، و الجمع تجر مثل صاحب و صحب، تجّار و تجار، و لا يكاد يوجد تاء بعدها جيم إلّا نتج و تجر و الرتج.

لسا- تجر يتجر تجرا و تجارة: باع و شرى، و كذلك اتّجر و هو افتعل، و قد غلب على الخمّار، و رجل تاجر، و الجمع تجار و تجّار و تجر.

قع- [تيجر] ساوم، تاجر، قايض، تعامل، استأجر.

و التحقيق‏

أنّ‏ التِّجَارَةَ عبارة عن كلّ معاملة يراد منها الربح، سواء كانت بيعا أو شرى‏

 

380
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تحت ص : 381

أو غيرهما من المعاملات الرابحة. و لذا ترى ذكرها في مقابل البيع- في قوله تعالى:

لا تُلْهِيهِمْ‏ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ‏- 24/ 37.

و ذكرت في مقابل اللهو، في قوله تعالى: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها- 62/ 11.

فانّ التجارة تجلبهم من جهة ربحها و اللهو تجلبهم من جهة ميل النفس و شهوتها.

و أمّا البيع فهو مطلق المبادلة و المعاملة سواء كانت رابحة ام لا، فالبيع يلهى عن الذكر و ليس بجاذب، و على هذا ذكر في الآية الاولى دون الثانية.

و قد تطلق على المعاملة المعنويّة:

هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ‏- 61/ 10.

يَرْجُونَ‏ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ- 35/ 29.

الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ فَما رَبِحَتْ‏ تِجارَتُهُمْ‏- 2/ 16.

فيراد فيها الربح المعنوىّ.

تحت‏

مقا- تَحْتَ‏: كلمة واحدة، تحت الشي‏ء. و التُّحُوتُ‏ الدون من الناس. و

في الحديث‏: تهلك الوعول و تظهر التُّحُوتُ‏.

مصبا- تحت: نقيض فوق، و هو ظرف مبهم لا يتبيّن معناه إلّا بالاضافة، يقال هذا تحت هذا.

مفر- تحت مقابل الفوق- لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ‏ تَحْتِ‏ أَرْجُلِهِمْ‏، و تحت يستعمل في المنفصل، و أسفل في المتّصل- أسفله أغلظ.

قع- [تَحْتَ‏] تحت، القسم السفلىّ.

381
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 382

 

و التحقيق‏

أنّ التحت من الظروف المكانيّة، و هو مقابل الفوق، بخلاف السفل فانّه مفهوم نسبىّ في مقابل العلو.

تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ+ ...، وَ ما تَحْتَ‏ الثَّرى‏ ...، تَحْتَ‏ أَقْدامِنا ...، تَحْتَ‏ الشَّجَرَةِ ...، تَحْتَ‏ عَبْدَيْنِ‏ ...، مِنْ‏ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ+ ...، مِنْ‏ تَحْتِهِمْ‏+ ...، مِنْ‏ تَحْتِي‏.

يراد المكان بجانب سفل منها.

ترب‏

مصبا- التُّرْبُ‏ وزان قفل لغة في‏ التُّراب‏. و تَرِبَ‏ الرجلُ من باب تعب:

افتقر كأنّه لصق بالتراب، فهو ترب، و أَتْرَبَ‏: استغنى، و تربت الكتاب بالتراب أتربه من باب ضرب، ترّبته مبالغة. و التُّرْبَةُ: المقبرة، و الجمع ترب مثل غرفة و غرف.

مقا- ترب: أصلان، أحدهما التُّرَابُ‏ و ما يشتقّ منه، و الآخر تساوى الشيئين. فالأوّل التراب و هو التيرب و التوراب. ترب الرجل: افتقر، و أترب:

استغنى، كأنّه صار له من المال بقدر التراب. و التَّرْبَاء: الأرض نفسها. و ريح تربة:

إذا جاءت بالتراب. و أمّا الآخر فَالتِّرْبُ‏ الخدن و الجمع‏ أَتْرَابٌ‏. و منه‏ التَّرِيبُ‏ و هو الصدر عند تساوى رؤس العظام. و منه التربات: و هي الأنامل.

صحا- التراب فيه لغاتى تراب. توراب و تيرب و ترب و تربة و ترباء و يترب و تريب. و جمع التراب أتربه و تربان. و الترباء: الأرض نفسها. و ترب الشي‏ء: أصابه التراب، و منه ترب أى افتقر و إنّه لصق بالتراب. يقال تربت يداك، و هو على الدعاء، أى لا أصبت خيرا. و ترّبت الشي‏ء تَتْرِيباً فَتَتَرَّبَ‏: تلطّخ‏

 

382
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 383

بالتراب. و أَتْرَبْتُ‏ الشي‏ءَ: جعلت عليه التراب. و المَتْرَبَةُ المسكنة و الفاقة. و مسكين ذو مَتْرَبَةٍ: لاصق بالتراب. و التَّرِيبَةُ واحدة التَّرَائِبِ و هي عظام الصدر.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو المسكنة و الخضوع الكامل. و لمّا كان التراب مصداقا كاملا لهذا المعنى، لغاية انخفاضه و استكانته بحيث إنّه واقع تحت الأقدام: فأطلق عليه التراب و سائر مشتقّاته. و من هذا المعنى المتربة بمعنى المسكنة و الفاقة، و هكذا قولهم ترب الرجل إذا افتقر.

و أمّا الْأَتْرَابُ‏ فهو جمع ترب كخشن، و هو من ثبت له الخضوع و اتّصف بالانخفاض و الانقياد و التسليم، و بهذا المعنى يطلق على الحور العين من جهة اطاعتهن و خضوعهنّ غاية الخضوع و نهاية الطاعة.

وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ‏ أَتْرابٌ‏- 38/ 52.

فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً عُرُباً أَتْراباً- 56/ 37.

وَ كَواعِبَ‏ أَتْراباً- 78/ 33.

و هذه من الصفات الممنازة و من أحسن الأخلاق للنساء في مقابل أزواجهنّ، و قد يعبّر عن هذه الصفة بالفرش.

وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً- 56/ 34.

و قريب منها كلمة الترائب: فانّها جمع تريبة و هي فعيلة، و هي ما كان منخفضا و خاضعا، أو لينا في مقابل الصلب.

خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ‏- 86/ 7.

يراد ماء الرجل فانّ الدافق صفة له و منه يتكوّن المولود، و أمّا ماء المرأة فهي قابلة منفعلة، و ليست فيها جهة فاعليّة.

و أمّا خروجه من بين الصلب و التَّرَائِبُ‏: فلعلّ المراد خروجه من بين العمود

383
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ترف ص : 384

الفقرى و هو الصلب المنتهي الى العجز و بين الفخذين المعبّر عنهما بالترائب لكونهما من أسافل الأعضاء، أو خروجه من بين عظام الورك كالحرقفة و هي صلبة و من بين عضلات الورك و الفخذ و هي ليّنة منقادة.

و أمّا تفسير الآية الكريمة بالخروج من بين ظهر الرجل و صدر المرأة: فغير صحيح، فانّ حقيقة اللفظين غير ما فسّروهما، و لأنّ الماء لا يخرج من بين ظهر الرجل و صدر المرأة أى من وسطهما.

و أمّا قولهم‏ أَتْرَبَ‏ بمعنى استغنى: فانّ جعل شخص خاضعا مسكينا فرع القدرة و القوة و هذا عبارة اخرى عن الاستغناء.

و أمّا معنى التساوي: فباعتبار نفى التفوّق و التكبّر عن كلّ واحد منهما، و هذا المعنى يلازم الخضوع و الاستكانة و نفى التشخّص.

خَلَقَكَ مِنْ‏ تُرابٍ‏ ...، خَلَقْناكُمْ مِنْ‏ تُرابٍ‏ ...، أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ‏ تُرابٍ‏ ...

خَلَقَكُمْ مِنْ‏ تُرابٍ‏ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ+- 35/ 11.

و فيها دلالة على أنّ مبدأ تكوّن الإنسان كالنباتات هو التراب، بواسطة أو بوسائط، مضافا الى كونه في غاية الفقر و الاستكانة، بحيث إنّ النطفة و العلقة من المراحل المتأخّرة.

أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ- 90/ 16.

يدلّ على أنّ المتربة أشدّ من المسكنة.

ترف‏

مقا- ترف: كلمة واحدة و هي الترفة، يقال رجل مترف: منعّم. و تَرَّفَهَ‏ أهله: نعّموه بالطعام الطيّب و الشي‏ء يخصّ به، و في كتاب الخليل: الترفة الهنة في الشفة العليا. و هذا غلط، انّما هي التفرة و قد ذكرت.

384
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 385

صحا- التُّرْفَةُ: هنة ثابتة في وسط الشفة العليا خلقة. و أَتْرَفَتْهُ‏ النعمةُ، أطغته.

أسا- أَتْرَفَتْهُ‏ النعمةُ: أبطرته، و أَتْرَفَ فلان و هو مُتْرَفٌ‏، و أعوذ باللّه من الإتراف و الإسراف.

لسا- التَّرَفُ‏: التنعّم. و التُّرْفَةُ: النعمة. و التَّتْرِيفُ‏: حسن الغذاء و صبىّ مترف إذا كان منعّم البدن مدلّلا. و المترف: الّذى قد أبطرته النعمة و سعة العيش. و أترفته النعمة: أطغته.

و التحقيق‏

أنّ‏ التَّرَفُ‏ هو التنعّم بالنعم الدنيويّة و سعة العيش في الحياة الدنيا و التّمتع فيها من أىّ جهة. و الإتراف هو التوسيع في العيش و التنعيم في أىّ جهة من التمتّعات الدنيويّة. و أمّا الإتراف بمعنى الإبطار و الإطغاء: فمعان مجازيّة و من لوازم السعة في العيش.

وَ أَتْرَفْناهُمْ‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا- 23/ 33.

وَ ارْجِعُوا إِلى‏ ما أُتْرِفْتُمْ‏ فِيهِ‏- 21/ 13.

و في البيضاوي: أى من التنعّم و التلذّذ، أو الإبطار في النعمة.

إِلَّا قالَ‏ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا- 43/ 23 إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ‏ مُتْرَفِينَ‏- 56/ 45.

أى متوغلين في التمتّعات الدنيويّة، و معرضين عن الحالات الروحانيّة و غافلين عن الوظائف الإلهيّة.

و الفرق بين المترف و المنعم: أنّ المنعم من أنعم عليه ماديّة أو معنويّة كاملة أو ناقصة، غافل عن غيرها أو متوجّه اليه. و هذا بخلاف المترف فانّه من توغّل في النعم الماديّة غافلا عن المعنويّات.

385
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

ترك ص : 386

 

ترك‏

صحا- تَرَكْتُ‏ الشيْ‏ءَ تَرْكاً: خلّيته. و تاركته البيع متاركة. و تَرَاكِ‏ بمعنى اترك و هو اسم لفعل الأمر.

مقا- التَّرْكُ‏: التخلية عن الشي‏ء، و هو قياس الباب، و لذلك تسمّى البيضة بالعراء تَرِيكَةً. و تركة الميّت: ما يتركه من تراثه.

مصبا- تركت المنزل: رحلت عنه، و تركت الرجل: فارقته، ثمّ استعير للإسقاط في المعاني فقيل ترك حقّه إذا أسقطه، و ترك ركعة من الصلاة: لم يأت بها، و تَرَكْتُ‏ البحر ساكنا: لم أغيّره عن حاله.

و التحقيق‏

أنّ هذه المادّة تدلّ على رفع اليد و التخلية سواء كان قهرا أو بالاختيار، في امور مادّيّة أو معنويّة، يطلق في ترك ما كان مقدورا.

وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ‏ آلُ مُوسى‏ ...، مِمَّا تَرَكَ‏ الْوالِدانِ+ ...، فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ‏ ...، الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏ ...، الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ‏ ...، لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ...، وابِلٌ‏ فَتَرَكَهُ‏ صَلْداً.

فالتَّرْكُ‏ في هذه الموارد يدلّ على التخلية القهرىّ في الأمور المادّيّة.

ما تَرَكَ‏ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ...، إِنِّي‏ تَرَكْتُ‏ مِلَّةَ قَوْمٍ‏ ...، صالِحاً فِيما تَرَكْتُ‏ ...، وَ تَرَكْنا يُوسُفَ‏ ...، وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ+ ...، وَ تَرَكُوكَ‏ قائِماً ...، أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ‏ يُتْرَكُوا ...، فَلَعَلَّكَ‏ تارِكٌ‏ بَعْضَ ما يُوحى‏.

فَالتَّرْكُ‏ في هذه الموارد قد استعمل في الأمور الاختياريّة، مادّية أو معنويّة.

ثمّ إنّ الترك لمّا كان عبارة عن رفع اليد و التسلّط و قطع النفوذ: فهو أمر وجودىّ لا محالة، كسائر الأمور و الأفعال الوجوديّة.

 

386
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تسع ص : 387

تسع‏

مقا- تِسْعٌ‏: كلمة واحدة و هي‏ التِّسْعَةُ في العدد، تقول‏ تَسَعَتِ‏ القومُ:

صرت تاسعهم. و أتسعت الشي‏ء: إذا كان ثمانية فأتممته تسعة.

مصبا- التُّسُعُ‏: جزء من‏ تِسعَةِ أجزاء، و الجمع‏ أَتْسَاعٌ‏ مثل قفل و أقفال، و ضمّ السين للاتباع لغة. و تسعت القوم أتسعهم من باب نفع: إذا صرت تاسعهم، أو أخذت تسع أموالهم.

لسا- التِّسْعُ‏ و التِّسْعَةُ من العدد معروف تجرى وجوهه على التأنيث و التذكير، تسعة رجال و تسع نسوة، يقال‏ تِسْعُونَ‏ في موضع الرفع و تسعين في موضع النصب و الجرّ. و اليوم التاسع و الليلة التاسعة، و تسع عشرة مفتوحان على كلّ حال، لأنّهما اسمان جعلا اسما واحدا فاعطيا إعرابا واحدا، غير أنّك تقول تسع عشرة امرأة و تسعة عشر رجلا.

قع- (تسع) تسع.

وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‏ تِسْعَ‏ آياتٍ بَيِّناتٍ‏- 17/ 101.

إِنَّ هذا أَخِي لَهُ‏ تِسْعٌ‏ وَ تِسْعُونَ‏ نَعْجَةً- 38/ 23.

وَ كانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ- 27/ 48.

لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ- 74/ 30.

راجع في تفصيل ذلك الى كتب النحو- باب أسماء العدد.

تعس‏

مصبا- تَعَسَ‏ تَعْساً من باب نفع: أكبّ على وجهه، فهو تَاعِسٌ‏. و تَعِسَ‏ تَعَساً من باب تعب، لغة، فهو تَعِسٌ‏ و يتعدّى هذه بالحركة و بالهمزة، فيقال‏ تَعَسَهُ‏ اللَّهُ‏

387
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 388

 

بالفتح و أتعسه، و في الدعاء: تَعْساً له. و تعس و انتكس: فالتعس أن يخرّ لوجهه، و النكس أن لا يستقلّ بعد سقطته حتّى يسقط ثانية.

مقا- تعس: كلمة واحدة و هو الكبّ، يقال‏ تَعَسَهُ‏ اللّهُ و أَتْعَسَهُ‏.

صحا- التعس: الهلاك، و أصله الكبّ و هو ضدّ الانتعاش.

لسا- التَّعْسُ‏: العثر و ان لا ينتعش العاثر من عثرته و ان ينكّس في سفال.

و قيل الانحطاط و العثور.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في المادّة: هو العثور الشديد حتّى يخرّ على وجهه و يقرب من الهلاك. و يؤيّد هذا المعنى استعماله في القرآن الكريم في هذا المورد- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ‏- 47/ 8.

حيث انّه وقع في قبال تثبيت الأقدام فيدلّ على العثور و الانحطاط و الهلاك.

و في البيضاوي- في الآية- أى فعثارا و انحطاطا. و نقيضه لعا. قال الأعشى:

 فَالتَّعْسُ‏ أولى لها من ان أقول لعا

 

 

 

. و انتصابه بفعل واجب إضماره سماعا، و الجملة خبر الَّذِينَ كَفَرُوا.

تفث‏

مقا- تفث: كلمة واحدة في قول اللّه تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ‏. قال أبو عبيدة: هو قصّ الأظافر و أخذ الشارب و شمّ الطيب و كلّ ما يحرم على المحرم إلّا النكاح.

 

388
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 389

مصبا- تَفِثَ‏ تَفَثاً فهو تَفِثٌ‏ مثل تعب فهو تعب: إذا ترك الإدهان و الاستحداد فعلاه الوسخ.

مفر- تفث: ثمّ لْيَقْضُوا تَفَثَهم‏- أى أزالوا وسخهم، يقال قضى الشي‏ء يقضى: إذا قطعه و أزاله، و أصل التَّفَثِ وسخ الظفر و غير ذلك ممّا شأنه أن يزال عن البدن.

لسا- التَّفَثُ‏: نتف الشعر و قصّ الأظفار و تنكّب كلّ ما يحرم على المحرم، و كأنّه الخروج من الإحرام الى الإحلال. قال الزّجاج: لا يعرف اهل اللغة التَّفَثَ‏ إلّا من التفسير. و روى عن ابن عبّاس قال: التَّفَثُ الحلق و التقصير و الأخذ من اللحية و الشارب و الإبط و الذبح و الرمي. قال ابو عبيدة: و لم يجئ فيه شعر يحتّج به. و قيل هو إذهاب الشعث و الدرن و الوسخ مطلقا. و رجل تَفِثٌ اى متغيّر شعث، لم يدّهن و لم يستحدّ. قال ابو منصور: لم يفسّر أحد من اللغوييّن التفث كما فسّره ابن شميل، جعل التفث التشعّث، و جعل إذهاب الشعث بالحلق قضاء و ما أشبهه.

قع- [تافس‏] أمسك، قبض.

 [تافش‏] أمسك، قبض.

أقول: لا يخفى ما في كلمات اللغويّين من الوهن و الخلط، فالظاهر أنّهم استندوا في تفسير اللفظ على الآية الكريمة و ما في كتب التفسير، ثم جعلوا معنى الجملة و مضمونها المستفاد منها بالقرائن: معنى لكلمة التفث، حيث فسّروا الكلمة كما رأيت بالحلق و التقصير و إذهاب الوسخ و أمثالها.

و التحقيق‏

أنّ هذه اللغة مأخوذة من مادّة عبريّة، و هي بمعنى القبض و الإمساك، و معلوم أنّ مناسك الحجّ يبتدء بالإمساك و هو الإحرام و ينتهى الى التقصير و هو

389
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تقن ص : 390

الإحلال و الإطلاق.

و أمّا القضاء في‏ [ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ‏] فهو بمعنى الإتمام و الختم كما في قوله تعالى:

فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ ...، فَلَمَّا قَضى‏ مُوسَى الْأَجَلَ‏ ...، فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ‏ ...، قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ‏.

فيكون معنى التفث هو القبض و التعلّق و الإمساك، و يصدق هذا المفهوم على كلّ ما يلزم الاجتناب عنه بالإجرام من القصّ و النتف و النكاح و أمثالها، فيكون مفهوم الآية- ثمّ ليتّموا حدود الحجّ و يحلّوا الإمساك و الإحرام.

وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ‏ ... لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ‏ ... ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ‏ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ‏- 22/ 29.

و انتخاب هذه الكلمة في هذا المورد أحسن انتخاب بلاغة و جامعيّة.

تقن‏

مقا- تقن: أصلان أحدهما إحكام الشي‏ء، و الثاني الطين و الحمأة.

فالقول الأوّل- أَتْقَنْتُ‏ الشي‏ءَ: أحكمته، و رجلٌ‏ تِقْنٌ‏: حاذق. و ابنُ تِقْنٌ: رجل كان جيّد الرأى. و الثاني فيقال‏ تَقَّنُوا أرضَهُم إذا أصلحوها بذلك، و ذلك هو التِّقْنُ‏.

صحا- إِتْقَانُ‏ الأمر: إحكامه. و رجل‏ تِقْنٌ‏ بكسر التاء: حاذق.

أسا- إذا عملت عملا فأتقنه، و رجل متقن و تقن، و فلان تقن من الإتقان: موصوف بالإتقان أى حاذف في عمله.

لسا- تقن: الطين الرقيق يخالطه حمأة يخرج من البئر، و التقنة: رسابة الماء. و الإِتْقَانُ‏: الإِحْكَام. و رجل‏ تِقْنٌ‏ و تَقِنٌ‏ مُتْقِنٌ‏ للأشياء حاذق.

390
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 391

 

و التحقيق‏

لا يبعد أن نقول إنّ بين هذه المادّة و مادّة يقن اشتقاق أكبر، إلّا أنّ أكثر استعمال المادّة في الموضوعات الخارجيّة، و اليقين في الرأي و النظر. و يجمع بينهما مفهوم الإحكام و التثبيت. و أمّا الطين و الحمأة: فلعلّها من جهة الوصول الى آخر العمل، و هو نوع من الإِتْقَانِ و التدقيق، و فيها تثبّت و رسوخ.

صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي‏ أَتْقَنَ‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ‏- 27/ 88.

و

في كلمات رسول اللّه (ص): طُوبَى لِمَنْ صَنَعَ شَيْئاً وَ أَتْقَنَهُ‏.

تلك‏

من أسماء الاشارة للمفرد المؤنّث، و اللام تلحقها إذا أشير بها الى بعيد، و الكاف للخطاب.

و الظاهر أنّ اصل هذه الكلمة هو تى دون تا و ته، و الياء حذفت لالتقاء الساكنين.

و لا يبعد أن نقول إنّ الأصل في صيغ أسماء الاشارة المؤنّثة هو هذه الكلمة، لمناسبة التاء و الياء التأنيث.

ثمّ إنّ البعد قد يكون معنويّا، و قد يكون اعتباريّا للتعظيم و التجليل، كما أنّ حرف الخطاب المفردة قد تكون في مورد التثنية و الجمع، نظرا الى جنس المخاطب أو الى واحد لا بعينه أو للدلالة على صرف الخطاب.

تِلْكَ‏ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ...، تِلْكَ‏ آياتُ الْكِتابِ+ ...، وَ ما تِلْكَ‏ بِيَمِينِكَ‏ ...، تِلْكَ‏ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها.

و ليراجع الى الكتب المطوّلة في النحو.

 

391
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تل ص : 392

 

تلّ‏

مصبا- التَّلُ‏ معروف و الجمع تِلَالٌ مثل سهم و سهام. و تَلَّهُ‏ تَلًّا من باب قتل: صرعه، و منه قيل للرمح‏ مِتَلٌ‏.

مقا- تَلَ‏: أصل صحيح و هو دليل الانتصاب و ضدّ الانتصاب. فأمّا الانتصاب: فالتَّلُ‏ معروف. و التَّلِيلُ‏ العنق، و تللت الشي‏ء في يده. و التَّلْتَلَةُ الإقلاق، و هو ذلك القياس. و أمّا ضدّه: فتلّه أى صرعه. و هذا جنس من المقابلة.

و المتلّ: الرمح الّذى يصرع به- وَ تَلَّهُ‏ لِلْجَبِينِ‏.

مفر- أصل التلّ المكان المرتفع، و التليل العتيق، وَ تَلَّهُ‏ لِلْجَبِينِ‏: أسقطه على‏ التَّلُ‏، كقولك ترّبه: أسقطه على التراب، و قيل أسقطه على تليله.

لسا- تَلَّهُ‏ يَتُلُّه تَلًّا فهو مَتْلُول و تَلِيل: صرعه، و قيل ألقاه على عنقه و خدّه، و الأوّل أعلى، و به فسّر قوله تعالى- فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ‏ لِلْجَبِينِ‏، معنى تلّه صرعه كما تقول كبّه لوجهه. و التليل و المتلول الصريع. و كلّ شي‏ء ألقيته الى الأرض ممّا له جثّة فقد تللته. و تَلَ‏ يَتُلُ‏ و يَتُلُ‏ إذا صبّ و تَلَّ يَتُلُّ إذا سقط.

و التحقيق‏

أنّ الإسقاط و الإلقاء و الصرع و الكبّ و الصبّ و التلّ: كلّ منها قريب مفهوما من الآخر:

و يعتبر في الإسقاط: الإلقاء من العلوّ و التخلية.

و الإلقاء أعمّ من أن يكون من محلّ عال أو مساو في المادّيّات أو في المعنويّات.

و يعتبر في الصبّ: الانحدار بالتدريج في المائع و ما يشبهه.

و يعتبر في الكبّ: الصرع على الوجه، فكبّ الإناء القلب على الرأس.

 

392
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تلو ص : 393

و أمّا الصرع: فهو أعمّ من أن يكون على الوجه أو على القفا- راجع الموارد.

و أمّا التَّلُ‏: فهو الصرع الضعيف الناقص، و لا يلزم أن يكون المتلول مصروعا بتمام بدنه و أعضائه، ففي مفهومه شي‏ء من الارتفاع و الانتصاب، و هذا المعنى هو الموجب لانتخاب هذه الكلمة.

و أمّا مفهوم‏ التَّلِ‏: فكأنّه شي‏ء زائد اسقط في تلك الموضع المسطّحة.

و بهذا يظهر ما في تعبير- [وَ تَلَّهُ‏ لِلْجَبِينِ‏] من اللطف و الدقّة.

و أمّا- عدم التعبير بحرف على: فللإشارة الى أنّ التلّ بمنظور تلّ الجبين، لحصول امتثال الأمر بهذه المقدّمة و بهذا المقدار، و ليس الصرع الكلّى مطلوبا حتّى يعبّر بجملة- و تلّه على الجبين‏ فَلَمَّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ‏ لِلْجَبِينِ وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ‏- 37/ 103.

تلو

مقا- تِلْوٌ: أصل واحد و هو الإتّباع. تَلَوْتُهُ‏ إذا تبعته، و منه‏ تِلَاوَةُ القرآنِ لأنّه يتبع آية بعد آية. فأمّا قوله‏ تَلَوْتُ‏ الرَّجُلَ‏ أَتْلُوهُ‏ تُلُوّاً: إذا خذلته و تركته، فان كان صحيحا فهو القياس، لأنّه مصاحبه و معه، فإذا انقطع عنه و تركه فقد صار خلفه بمنزلة التَّالِي. و من الباب‏ التَّلِيَّةُ و التُّلَاوَةُ و هي البقيّة لأنّها تتلو ما تقدّم منها. و التلاء الذمّة لأنّها تتّبع و تطلب.

مصبا- تَلَوْتُ‏ الرجلَ أَتْلُوهُ تُلُوّاً على فعول: تبعته، فأنا له تال و تلو أيضا وزان حمل. و تَلَوْتُ القرآنَ‏ تِلَاوَةً.

صحا- تِلْوُ الشيْ‏ءِ: الّذى‏ يَتْلُوهُ‏، و تِلْوُ الناقة: ولدها الّذى يتلوها، و تلوت القرآن تلاوة، و تلوت الرجل: إذا تبعته.

الفروق للعسكري ص 255- الفرق بين التابع و التالي: أنّ التالي ثان و إن‏

393
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 394

لم يكن يتدبّر بتدبّر الأوّل. و التابع إنّما هو التدبّر بتدبّر الاوّل، و قد يكون التابع قبل الأوّل المتبوع في المكان، كتقدّم المدلول و تأخّر الدليل.

مفر- تلى: تبعه متابعة ليس بينهم ما ليس منها، و ذلك يكون تارة بالجسم، و تارة بالاقتداء في الحكم و مصدره تلوّ و تلو، و تارة بالقراءة أو تدبّر المعنى و مصدره تلاوة. يَتْلُونَ‏ آياتِ اللَّهِ‏- و التلاوة تختص باتّباع كتب اللّه المنزلة تارة بالقرائة و تارة بالارتسام لما فيها من أمر و نهى و ترغيب و ترهيب أو ما يتوهّم فيه ذلك، و هو أخصّ من القراءة، فكلّ تلاوة قراءة و ليس كلّ قراءة تلاوة، فلا يقال تلوت رقعتك، و إنّما يقال في القرآن في شي‏ء إذا قرأته وجب عليك اتّباعه، هُنَالِكَ‏ تَتْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الوقوع بعد الشي‏ء بأن يجعله أمامه و يكون هو خلفه. و هذا المعنى ناظر الى جهة الظاهر، و هو غير مفهوم الاتّباع المعتبر فيه جهة المعنى و الحكم.

و بهذا يظهر حقيقة معنى التلاوة: فان التالي يجعل القرآن أو الآيات أو كلمات اللّه المتعال أو ما اوحى منه، أمامه في مقام الإظهار و الإعلان أو في مقام الإبلاغ، أو في مقام التكريم و التشريف و التعظيم، أو في مقام الاتّباع و الإطاعة، أو غيرها.

فالنظر في هذه المادّة الى هذه الجهة، سواء كانت بطريق القراءة أو بطريق الاتّباع أو بطرق أخر.

و على هذا لا يطلق التلوّ في قراءة الكتب المتداولة و أمثالها، إلّا إذا أريد تشريفا خاصّا و تعظيما له.

و أمّا التلاوة نظرا الى اتّباع آية بعد آية: فليس بوجيه، فانّه بمعنى الإتلاء

394
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تم ص : 395

 

متعدّيا لا التلاوة، و التلاوة من صفة التالي القاري.

و أمّا معنى الترك و الإعراض: فمن لوازم ذلك المفهوم، فانّ التبعيّة لشي‏ء يلازم الإعراض عن الآخر.

وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها- 91/ 2.

وَ يَتْلُوهُ‏ شاهِدٌ مِنْهُ‏- 11/ 17.

أى يقع القمر خلف الشمس، و يقع الشاهد خلف من كان على بيّنة.

ما تَلَوْتُهُ‏ عَلَيْكُمْ‏ ...، وَ أَنْ‏ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ‏ ...، وَ أَنْتُمْ‏ تَتْلُونَ‏ الْكِتابَ‏ ...، إِنَّ الَّذِينَ‏ يَتْلُونَ‏ كِتابَ اللَّهِ‏ ...، الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ‏ يَتْلُونَهُ‏.

في هذه الآيات الكريمة إشارة الى جعل الكتاب إماما و مقتدى و فيما بين أيديهم، و هم واقعون خلفه مستضيئون بنوره مستفيدون من أحكامه، يراقبونه و يجعلونه نصب أعينهم، و يرفعونه بالقراءة و الاعلان و الإفشاء.

و هذه المعاني إنّما تفهم من انتخاب هذه الكلمة. و أمّا القراءة الصرفة فليست تدلّ على أزيد من النطق و التلفّظ و التوجّه الى المعنى- كما في آيات:

اقْرَؤُا كِتابِيَهْ‏ ...، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ‏ ...، وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ‏ ...، اقْرَأْ كِتابَكَ‏ ...، فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ‏.

فظهر الخصوصيّات المنظورة في التعبير بالقراءة أو بالتلاوة في مواردهما.

قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ‏ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ‏- 6/ 151.

رَسُولًا مِنْكُمْ‏ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ...، حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا ...، أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏ يَتْلُونَ‏ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ‏- 39/ 71.

يظهر من هذه الآيات الكريمة أنّ برنامج وظائف الأنبياء هو اراءة الآيات و إعلامها و جعلها أمام امور حياتهم، و الآيات ما يدلّ عليه و على صفاته و ما يعرّف عظمته و جلاله و جماله، من التكوين و التشريع.

فَالتَّالِياتِ‏ ذِكْراً- 37/ 3- أى وجهة أمورهم و برنامج حياتهم التذكّر للّه المتعال في السرّ و العلن.

تمّ‏

مصبا- تَمَ‏ الشيْ‏ءُ يَتِمُ‏ بالكسر: تَكَمَّلت أجزاؤه، و تَمَّ الشهر: كملت عدّة أيّامه ثلاثين، فهو تَامٌّ، و يعدّى بالهمزة و التضعيف فيقال أَتْمَمْتُهُ و تَمَّمْتُهُ، و الاسم‏ التَّمَامُ‏. و تَتِمَّةُ كُلِّ شي‏ء تَمَامُ غَايَتِهِ، و اسْتَتَمَّهُ مثل أَتَمَّهُ.

مقا- تمّ: أصل واحد منقاس، و هو دليل الكمال. يقال تمّ الشي‏ء إذا كمل، و أَتْمَمْتُهُ‏ أنا. و من هذا الباب‏ التَّمِيمَةُ، كأنّهم يريدون أنّها تمام الدواء و الشفاء المطلوب.

و التحقيق‏

أنّ التمام ما كملت أجزاؤه و لا يحتاج الى شي‏ء خارج في اكتماله، و يقابله الناقص و هو ما لم يتمّ. و أغلب استعمال التمام في الكمّيّات، كما أنّ أغلب استعمال الكمال في الكيفيّات. و أيضا- إنّ التمام يصدق حيث كملت الأجزاء، و الكمال إذا أضيفت اليها خصوصيّات اخر يزيدها حسنا و بهاء و تماما على تمام.

 

395
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تنور ص : 396

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ‏ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏- 5/ 3.

فالّدين كان تماما قبل الولاية، و بها كمل و زيد له نور على نور، و لم يكن مستحسنا أن يبقى الدين غير كامل. و أمّا النعم الإلهيّة الموجبة للتنعّم و الدخيلة في السعة في الحياة: فالقدر اللازم منها في عيشهم و حياتهم كان موجودا، و بالولاية قد تمّ العيش و السعادة ظاهرا و معنى- كما قال تعالى:

وَ يُتِمُ‏ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى‏ آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى‏ أَبَوَيْكَ‏- 12/ 6.

وَ لِأُتِمَ‏ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ‏- 2/ 150.

وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَ‏ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ‏- 5/ 6.

يريد إِتْمَامَ‏ النعمة المتعلّقة عليهم، أىّ بالنسبة الى اقتضاء استعداداتهم و ظرفيّة وجودهم.

تنّور

مصاب- التَّنُّورُ: الّذى يخبر فيه، وافقت فيه لغةُ العرب لغةَ العجم. و قال أبو حاتم: ليس بعربىّ صحيح.

المعرب- التَّنُّورُ: فارسىّ معرّب. لا تعرف له العرب اسما غير هذا فلذلك جاء في التنزيل لأنّهم خوطبوا بما عرفوا.

باعتبار التلاوة من القرآن. و هكذا في آية: قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً- 18/ 13.

وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى‏ مُلْكِ سُلَيْمانَ‏- 2/ 102.

أى و اتّبع هؤلاء الّذين‏ (نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ) ... ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ‏ أى ما جعله الشياطين مقتدى في حياتهم، و ذلك على حكومة سليمان.

396
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تنور ص : 396

الفائق- و قال أبو الفتح الهمداني: كان الأصل فيه نووّر، فاجتمع واوان و ضمّة و تشديد فاستثقل ذلك فقلبوا عين الفعل الى فائه، فصار و نوّر، فأبدلوا من الواو تاء، كقولهم تولج في وولج.

برهان قاطع- تنور: وزان ضرور، لفظ مشترك بين اللغة العربيّة و الفارسيّة و التركيّة، بمعنى محلّ طبخ الخبز.

قع- [تنّور] فرن، تنّور، موقد، أتون.

لسا- و التَّنُّورُ الّذى يخبز فيه، يقال في جميع اللغات هو كذلك،

قال علىّ‏

397
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 398

كرّم اللّه وجهه‏: هو وجه الأرض‏

، و كلّ مفجر ماء تنّور.

قاموس تركى للسامى: تندور، و أصله تاندير: فرن.

و التحقيق‏

أنّ هذه الكلمة مستعملة في اللغة العبريّة و العربيّة و الفارسيّة و التركيّة باختلاف يسير. فإذا قلنا إنّ الأصل هو الفارسيّة: فلا بدّ أن يكون مأخوذا من تن و نور، اى جسم النور و بدنه، فعبّر بها عن محلّ توقد فيها النار للطبخ، ثمّ خفّف فقيل تنور، و قيل باللهجة التركيّة تندور، و باللهجة العربيّة تنّور، و كذلك في العبريّة.

و إذا قلنا إنّ الأصل فيها العبريّة: فلا يبعد أن يكون هذا اللفظ مأخوذا من كلمة- تاء- و- نور، ثم انقلبت الهمزة نونا و أدغمت.

قع- [تاء] حجيرة، غرفة.

 [نور] (آراميّة) نار.

فيكون معنى التنّور: حجيرة النار، ثمّ استعمل في لغة العرب أيضا.

حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ- 11/ 40.

ظاهر الكلام ابتداء الفوران من التنّور، و بقرينة التكليف الخاصّ فيما بعده المتوجّه الى نوح (ع)- احمل من كلّ زوجين: يفهم أنّ المراد هو التنّور المخصوص في بيت نوح (ع)، أو في محلّ كان تحت نظره.

و أمّا خصوصيّة التنّور: فأنّه حجرة للنار و مركز للحرارة، فلا مناسبة بينه و بين فوران الماء منه الّا أمر خارق للطبيعة، مضافا الى أنّ التنّور محلّ لخروج الخبز و هو أعلى طعام للإنسان في إدامة حياته، فيكون ابتداء الفوران من ذلك المحلّ، إشارة الى انقضاء ايّام حياتهم.

و لا يبعد أن يكون إشارة ظاهرا أو باطنا الى فوران القوّة القّهاريّة و ظهورها و بدوّ حرارة السخط و العذاب الأليم، فيكون التنّور عبارة عن صفة و حالة قهاريّة

398
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

توب ص : 399

 

جبّاريّة للّه المتعال- فأنّ أخذه لشديد.

توب‏

مصبا- تَابَ‏ من ذنبه‏ يَتُوبُ‏ تَوْباً و تَوْبَةً و مَتَاباً: أقلع، و قيل‏ التَّوْبَةُ هِيَ التَّوْبُ، و لكن الهاء لتأنيث المصدر، و قيل التوبة واحدة كالضربة، فهو تائب. و تَابَ‏ اللّهُ عليه غفر له و أنقذه من المعاصي، فهو تَوَّابٌ‏. و اسْتَتَابَهُ‏: سأله أن يتوب.

مقا- تَوْبٌ‏: كلمة واحدة تدلّ على الرجوع. يقال تاب من ذنبه أى رجع عنه، يَتُوبُ الى اللّه تَوْبَةً و مَتَاباً، فهو تَائِبٌ، و التَّوْبُ التَّوْبَةُ، قال اللّه تعالى- وَ قابِلِ‏ التَّوْبِ‏.

صحا- التَّوْبَةُ الرجوع من الذنب. و في الحديث الندم‏ تَوْبَةٌ، و كذلك التوب مثله. و قال الأخفش: التوب جمع توبة. و تاب الى اللّه توبة و متابا. و قد تاب اللّه عليه: وفّقه لها.

كليا- التَّوْبَةُ: الندم على الذنب تقرّ بأنّ لا عذر لك في إتيانه. و الاعتذار:

إظهار ندم على ذنب تقرّ بأنّ لك في إتيانه- عذرا. فكلّ توبة ندم و لا عكس. و التوبة الرجوع عن المعصية الى اللّه. و الإنابة الرجوع عن كلّ شي‏ء الى اللّه. و الأوب الرجوع بالطاعات الى اللّه. و التوبة الندم: كالحجّ عرفة. و التوبة إذا استعملت بعلى دلّت على معنى القبول، و اسم الفاعل منه توّاب، يستعمل في اللّه لكثرة قبول التوبة من العباد، و إذا استعملت بعن كان اسم الفاعل منه تائبا.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الرجوع من الذنب و الندم عليه. و هذا المعنى إذا انتسب الى العبد. و أمّا إذا انتسب الى اللّه المتعال: فتستعمل بحرف على،

 

399
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 399

فتدلّ على الرجوع بطريق الاستعلاء و الاستيلاء، و يلازم هذا المعنى الرحمة و العطوفة و المغفرة.

و ظهر الفرق بينها و بين الإنابة و الأوب و الرجوع و الاعتذار و الندم.

فَمَنْ‏ تابَ‏ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَ أَصْلَحَ‏- 5/ 39.

مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَ‏ تابَ‏- 6/ 54.

وَ مَنْ لَمْ‏ يَتُبْ‏ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏- 49/ 11.

وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَ‏ تُوبُوا إِلَيْهِ‏- 11/ 3.

غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ‏ التَّوْبِ‏- 40/ 3.

وَ لَيْسَتِ‏ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ‏- 4/ 18.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُ‏ التَّوَّابِينَ‏ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏- 2/ 222.

فَإِنَّهُ‏ يَتُوبُ‏ إِلَى اللَّهِ‏ مَتاباً- 25/ 71.

فالتوب في هذه الموارد بمعنى الرجوع الى اللّه و الندم من الذنوب.

ثُمَ‏ تابَ‏ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏ ...، فَإِنَّ اللَّهَ‏ يَتُوبُ‏ عَلَيْهِ‏ ...، لَقَدْ تابَ‏ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِ‏ ...، وَ تُبْ‏ عَلَيْنا ...، وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ‏ يَتُوبَ‏ عَلَيْكُمْ‏- 4/ 27.

يراد التوجّه و إفاضة الرحمة و اللطف عليهم من اللّه المتعال، بقرينة الاستعمال بحرف على الدالّة على الاستيلاء و الاستعلاء.

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَ‏ يَتُوبُونَ‏ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ‏ يَتُوبُ‏ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏- 4/ 17.

المراد من التوبة الاولى توبة اللّه على عباده، و ظرف (على اللّه) مستقرّ متعلّق بمقدّر، أى إنّ توبته تعالى مستقرّة و ثابتة على ذمّته في خصوص من يعمل سوءا.

400
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تارة ص : 401

 

تارة

مصبا- التَّارَةُ: المرّة، و أصلها الهمزة لكنّه خفّف لكثرة الاستعمال، و ربّما همّزت على الأصل و جمعت بالهمز فقيل تَأْرَةً و تئار و تئر، و أمّا المخفّف فالجمع‏ تَارَاتٌ‏. و التَّيَّارُ الموج و قيل شدّة الجريان و هو فيعال أصله تَيْوَارٌ، و بعضهم يجعله من تير.

صحا- التَّوْرُ: إناء يشرب فيه، و الرسول بين القوم. و فلان يُتَارُ على أن يؤخذ أى يدار على أن يؤخذ.

و قال في تير: التَّيَّارُ: الموج، و سريع الجرية. و تارَةً بعدَ تَارَةٍ: أى مرّة بعد مرّة، و الجمع تارات.

أسا- فعل ذلك تارات و تارة بعد أخرى، و هذه شرُّ تَارَاتِكَ‏، و منها قولهم‏ تَاوَرْتُهُ‏ بمعنى عاودته.

و كان رسول اللّه (ص) يتوضّأ بِالتَّوْرِ

و هو إناء صغير، و سمّى بذلك لأنّه يتعاور و يردّد، أو سمّى بالتور و هو الرسول الّذى يتردّد و يدور بين العشّاق، و مأخذه من التارة لأنّه تارة عند هذا و تارة عند هذا.

كليا- التَّارَةُ: الحين و المرّة. و أَتَارَهُ‏: أعاده مرّة بعد مرّة، و يجمع على تير و تَارَاتٍ‏، و ألفها تحتمل أن تكون عن واو أو ياء قيل هو من تار الجرح إذا التأم. و تارة منصوب إمّا ظرف أو مصدر على قياس ما قيل في مرّة في ضربته مرّة.

و التحقيق‏

أنّ الأصل في المادّة حصول تحوّل حتّى يرجع الى حالة سابقه. و لا يخفى أنّ موادّ التور و التئر و التير و هكذا الوتر، بينها اشتقاق، و هي قريبة المفاهيم، و يقرب منها ايضا الطور و الكور، و يجمعها الحركة و التحوّل.

يقال- تارة بعد تارة- أى كذلك جرى و تحوّل. و التيّار- جريان‏

 

401
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

توراة ص : 402

الأمواج و تحوّلها الى حالات. و الإناء المخصوص إذا يتعاور و يردّد، و هكذا من يتردّد و يدور بين جمع، و هكذا المعاودة، و هكذا الأطوار و الأكوار المختلفة، و التواتر تتابع الشي‏ء مرّات بعد اخرى، و الالتيام حصول حالة بعد حالة، و الحين في تعاقب الأزمنة.

و لا يبعد أن نقول: إنّ الأصل في هذه المادّة هو المهموز، ثمّ قلبت الهمزة واوا أو ياء للتخفيف. و يدلّ عليه اللغة العبريّة القريبة منها.

قع- [تاءر] طوّق، أحاط، وضع حدودا.

 [تئر] وصف، صوّر، رسم، خطّ، قصّ، حدّد.

 [توءر] شكل، صورة، وصف، درجة، مظهر.

فهذه المعاني كما ترى تناسب مفهوم التحوّل. و قد ضبط للتور واويّا و للتير يائيّا معاني متناسبة أيضا، إلّا أنّ معاني المهموز أنسب، مضافا الى أنّ قلب الواو أو الياء همزة غير وجيه و ليس فيه تخفيف.

أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ‏ تارَةً أُخْرى‏- 17/ 69.

وَ فِيها نُعِيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ‏ تارَةً أُخْرى‏- 20/ 55.

فيستفاد من موارد استعمال هذه المادّة: أن التحوّل فيها لازم أن يكون الى حاله مثل سابقها، كما في الأمواج و المعاودة و الالتيام، لحصول وصف أو شكل أو صورة أو حالة كسابقها.

و هذا هو الفرق بينها و بين التحوّل و التنوّع و التطوّر.

توراة

سمّيت بها الأسفار الخمسة: التكوين، و الخروج، و الأعداد، و اللاويان، و التثنية، من العهد العتيق، المنسوبة الى موسى (ع). و في الحقيقة إنّها اسم لكتاب‏

402
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

توراة ص : 402

منزل و قوانين و أحكام نازلة من اللّه المتعال الى حضرته (ع).

و هذه كلمة عبرانيّة بمعنى القانون و التعليم.

قع [توراة] قانون، مبدأ، عقيدة، تعليم، شريعة موسى، أسفار موسى الخمسة، نواميس، تقاليد، تعاليم، نظام.

 [توراتي‏] واسع المعرفة، متضلع في التوراة، دينىّ توراتيّ.

 [توراتى‏] نظرىّ.

وَ أَنْزَلَ‏ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ‏- 3/ 3.

قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها- 3/ 93.

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ- 5/ 44.

ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي‏ التَّوْراةِ- 48/ 29.

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ- 62/ 5.

وَ عِنْدَهُمُ‏ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ‏- 5/ 43.

الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي‏ التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ‏- 7/ 157.

وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي‏ التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ وَ الْقُرْآنِ‏- 9/ 111.

هذه الآيات الكريمة تدلّ على أنّ التوراة كالإنجيل و القرآن اسم لكتاب انزل على موسى (ع)، لاحتوائه على أحكام و قوانين و علوم سماويّة.

و أمّا أنّ هذا الكتاب كيف انمحى و لم يبق منه اثر و لا خبر: فبحث و أمّا الموجود بين أيدينا من الأسفار الخمسة المسمّاة بالتوراة: فلا شكّ في كونها من الكتب المؤلّفة في القرون بعد رحلة موسى (ع)، بعنوان ضبط قضايا تاريخيّة و جريانات مربوطة بالتكوين و حياة الأنبياء و كلماتهم و حالاتهم الى زمان منتهى حياة موسى (ع) و فوته.

سفر العدد- 36/ 13- هذه هي الوصايا و الأحكام الّتى أوصى بها الربّ الى بنى إسرائيل عن يد موسى في عربات موآبات على ارض أردن أريحا.

403
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تين ص : 404

سفر لاويّين- 37/ 34- هذه في الوصايا الّتى أوصى الربّ بها موسى الى بنى إسرائيل في جبل سينا.

سفر التثنية- 34/ 5- فمات موسى هناك عبد الربّ في أرض موآب حسب قول الربّ و دفنه في الجواء في ارض موآب مقابل بيت فغور و لم يعرف انسان قبره الى هذا اليوم. و كان موسى ابن مائة و عشرين سنة حين مات و لم تكلّ عينه و لا ذهبت نضارته. فبكى بنو إسرائيل موسى في عربات موآب ثلاثين يوما، فكملت أيّام بكاء مناحة موسى. و يشوع بن نون كان قد امتلأ روح حكمة إذ وضع موسى يده عليه، فسمع له بنو إسرائيل و عملوا كما أوصى الربّ موسى. و لم يقم بعد نبىّ في بنى إسرائيل مثل موسى الّذى عرّفه الربّ وجها لوجه.

فيظهر من الكلمات المنقولة: أنّ كتابة هذا السفر (التثنية) قد كان بعد نبوّة يوشع وصىّ موسى (ع)، بل و بعد نبوّة جمع من الأنبياء، حيث قال- و لم يقم بعد نبىّ في بنى إسرائيل مثل موسى (ع).

ثمّ إنّ التوراة النازل سفر واحد و نازل من السماء، و فِيها حُكْمُ اللَّهِ‏ و فِيها هُدىً وَ نُورٌ، و يظهر من بعض الآيات أنّها كانت موجودة عندهم في زمان رسول اللّه (ص) و كانوا يخفونها.

مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ...، الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي‏ التَّوْراةِ ...، لَسْتُمْ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ ...، قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها ...، وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ‏ التَّوْراةُ.

و للتحقيق في أصل التوراة و في الأسفار المؤلّفة باسم التوراة و تطوّرها و تحوّلها و خصوصيّات كلّ منها: موضع أخر.

تين‏

مصبا- التِّينُ‏: المأكول، معروف، و هو عربىّ، و جمهور المفسّرين على انّه‏

404
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تين ص : 404

المراد بقوله تعالى- وَ التِّينِ‏ وَ الزَّيْتُونِ‏.

مقا- تين: ليس أصلا إلّا التين، و هو معروف.

إحياء التذكرة- تين: و التين من الثمار ذات القيمة الكبرى فهو قلوى يزيل من حموضة الجسم الّتى هي منشأ الأمراض و هبوط القوّة و الشعور بالوهن، و هو كغيره من الفواكه القلويّة يغسل الكلى و المسالك البوليّة، و مطبوخه في الماء أو اللبن شراب ملطّف لمرضى الحصبة و الجدري و الحمى القرمزيّة، و هو مفيد جدّا للنزلات الصدريّة و نزلات المسالك الهوائيّة، و يستعمل غرغرة و مضمضة في تقرّحات الفم و اللثّة.

وَ التِّينِ‏ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ‏- 95/ 1.

أقول: هذه الآية الكريمة تناسب ما بعدها- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏- فإنّ تقويم البدن من جهة المادّة يؤثّر فيها التين و الزيتون و يفيدان فيها و في اعتدالها كثير فائدة. و التين من الفواكه النافعة جدّا في تقوية جهاز التنفّس و تلطيف مجارى الدم و المحلّل و جالي القوى و المقوّى و مليّن الطبع، و مع هذا فهو سهل التناول و لا فضول لها.

و قد اختصّت الثمرتان بالذكر باختصّاصهما في تلطيف المزاج المادّى و تنقيته حتّى يستعدّ للروحانيّة.

و في البيضاوي- خصّهما من بين الثمار بالقسم: لأنّ التين فاكهة طيّبة لا فضل لها و غذاء لطيف سريع الهضم و دواء كثير النفع فانّه يليّن بالطبع و يحلّل البلغم و يطهّر الكليتين و يزيل رمل المثانة و يفتح سدّة الكبد و الطحال و يسمّن البدن، و في الحديث انّه يقطع البواسير و ينفع من النقرس.

405
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

تيه ص : 406

 

تيه‏

مصبا- التِّيهُ‏ بكسر التاء: المفازة، و التَّيْهَاءُ بالفتح و المدّ: مثله، و هي الّتى لا علامة فيها يهتدى بها، و تاه الإنسان في المفازة يتيه تيها: ضلّ عن الطريق. و تَاهَ‏ يَتُوهُ‏ تَوْهاً: لغة، و قد تَيَّهْتُهُ‏ و تَوَّهْتُهُ‏، و منه يستعاد لمن رام امرا فلم يصادف، فيقال انّه‏ تَائِهٌ‏.

مقا- تِيه‏: كلمة صحيحة، و هي جنس من الحيرة. و التيه و التيهاء:

المفازة يَتِيهِ‏ فيها الإنسان. و التَّوْهُ‏: ليس أصلا قالوا تَاهَ‏ يَتُوهُ‏، و هو من الإبدال.

صحا- تَاهَ: تكبّر، يَتِيهُ‏ تَيْهاً، و هو أَتْيَهُ‏ الناس. و تَاهَ في الأرض أى ذهب متحيّرا، يَتِيهِ‏ و تَيْهَاناً، و تَيَّهَ‏ نَفْسَهُ و تَوَّهَ‏: بمعنى، أخى حيّرها و طوّحها، و ما أتيههه و أتوهه. و تاه أى تكبّر، و ما أتيه فلانا و ما أطيخه. و التيه: المفازة يتاه فيها، و الجمع‏ أَتْيَاهٌ‏ و أَتَاوِيهُ‏، و فلاة تَيْهَاءُ و أرض‏ مَتْيَهَةٌ مثال معيشة، و أصله مفعلة.

أسا- تَاهَ‏ في أمره: تحيّر. و تَيَّهْتُهُ‏، و أرض‏ مَتْيَهَةٌ: يُتَاهُ‏ فيها، و وقعوا في تيه و تيهاء. و تَاهَ علينا فلان: تكبّر، و هو يَتِيهِ‏ على قومه. و رجل‏ تَيْهَا و تَيْهَانُ‏: جسور.

و التحقيق‏

أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو التحيّر في طريق الاهتداء، و التكبّر نوع من التحيّر، فانّ المتكبّر يظهر من نفسه ما لا يدرى حقيقته، و لا يدرى حقيقة نفسه، و لا يتوجه الى مبدأ تكوّنه و الى مرجعه، و هو غافل عن وظيفته.

فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ‏ فِي الْأَرْضِ‏- 5/ 26.

يقول في الفروق للعسكرىّ: الفرق بين الكبر و التيه: أنّ الكبر هو اظهار عظم الشأن و هو في صفات اللّه تعالى مدح لأنّ شأنه عظيم، و في صفاتنا ذمّ لأنّ شأننا صغير، و هو أهل للعظمة و لسنا لها بأهل، و التيه أصله الحيرة و الضلال، و إنّما سمّى‏

 

406
التحقيق في كلمات القرآن الكريم1

و التحقيق ص : 406

المتكبّر تائها على وجه التشبيه بالضلال و التحيّر، و لا يوصف اللّه به. و التيه من الأرض ما يتحيّر فيه و يَتِيهُونَ‏ أى يتحيّرون. أي يمشون متحيّرين، لا يدرون أين يقيمون و الى أين يتوجّهون.

اللّهمّ اهدنا من عندك، و احفظنا من الحيرة و الضّلالة من فضلك، إنّك‏ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ+.

نحمده عزّ و جلّ على ما وفّقنا لإتمام هذا الحرف (التاء) و بإتمامها قد تمّ الجزء الأوّل من الكتاب، بتوفيقه و تأييده و فضله، و يتلوه الجزء الثاني و أوّله حرف الثاء، و نسأله التوفيق في إتمام سائر الأجزاء، و تمّت كتابته بيدي في أوائل شهر ربيع الأوّل من سنة 1395 من هجرة نبيّنا عليه و على آله ألف التحيّة و السّلام.

407