×
☰ فهرست و مشخصات
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

الجزء الخامس و الأربعون

الجزء الخامس و الأربعون‏
تتمة كتاب تاريخ فاطمة و الحسن و الحسين ع‏
تتمة أبواب ما يختص بتاريخ الحسين بن علي صلوات الله عليهما
بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه‏
2- فلما كان الغداة أمر الحسين ع بفسطاطه فضرب و أمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ثم دخل ليطلي فروي أن برير بن خضير الهمداني و عبد الرحمن بن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير أ تضحك ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا و لا شابا و إنما أفعل ذلك استبشارا بما نصير إليه فو الله ما هو إلا أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعاجلهم ساعة ثم نعانق الحور العين «1».
رَجَعْنَا إِلَى رِوَايَةِ الْمُفِيدِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع إِنِّي جَالِسٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ أَبِي فِي صَبِيحَتِهَا وَ عِنْدِي عَمَّتِي زَيْنَبُ تُمَرِّضُنِي «2» إِذِ اعْتَزَلَ أَبِي فِي خِبَاءٍ لَهُ وَ عِنْدَهُ فُلَانٌ «3» مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَ هُوَ يُعَالِجُ سَيْفَهُ وَ يُصْلِحُهُ‏
__________________________________________________
 (1) كتاب الملهوف ص 84.
 (2) يقال: مرضه- من باب التفعيل- اذا أحسن القيام عليه في مرضه و تكفل بمداواته، قال في اللسان: جاعت فعلت هنا للسلب و ان كانت في أكثر الامر انما تكون للاثبات.
 (3) جون. خ ل. و في المصدر: جوين.

 

1
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ أَبِي يَقُولُ‏
          يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خَلِيلٍ-             كَمْ لَكَ بِالْإِشْرَاقِ وَ الْأَصِيلِ‏
             مِنْ صَاحِبٍ وَ طَالِبٍ قَتِيلٍ-             وَ الدَّهْرُ لَا يَقْنَعُ بِالْبَدِيلِ‏
             وَ إِنَّمَا الْأَمْرُ إِلَى الْجَلِيلِ-             وَ كُلُّ حَيٍّ سَالِكٌ سَبِيلِي‏
 فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثاً حَتَّى فَهِمْتُهَا وَ عَلِمْتُ مَا أَرَادَ فَخَنَقَتْنِيَ الْعَبْرَةُ فَرَدَدْتُهَا وَ لَزِمْتُ السُّكُوتَ وَ عَلِمْتُ أَنَّ الْبَلَاءَ قَدْ نَزَلَ وَ أَمَّا عَمَّتِي فَلَمَّا سَمِعَتْ مَا سَمِعْتُ وَ هِيَ امْرَأَةٌ وَ مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ الرِّقَّةُ وَ الْجَزَعُ فَلَمْ تَمْلِكْ نَفْسَهَا أَنْ وَثَبَتْ تَجُرُّ ثَوْبَهَا وَ هِيَ حَاسِرَةٌ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ وَ قَالَتْ وَا ثُكْلَاهْ لَيْتَ الْمَوْتَ أَعْدَمَنِيَ الْحَيَاةَ الْيَوْمَ مَاتَتْ أُمِّي فَاطِمَةُ وَ أَبِي عَلِيٌّ وَ أَخِيَ الْحَسَنُ يَا خَلِيفَةَ الْمَاضِي وَ ثِمَالَ الْبَاقِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا الْحُسَيْنُ ع وَ قَالَ لَهَا يَا أُخْتَهْ لَا يَذْهَبَنَّ حِلْمَكِ الشَّيْطَانُ وَ تَرَقْرَقَتْ عَيْنَاهُ بِالدُّمُوعِ وَ قَالَ لَوْ تُرِكَ الْقَطَا لَيْلًا لَنَامَ «1» فَقَالَتْ يَا وَيْلَتَاهْ أَ فَتُغْتَصَبُ نَفْسُكَ اغْتِصَاباً «2» فَذَلِكَ أَقْرَحُ لِقَلْبِي وَ أَشَدُّ عَلَى نَفْسِي ثُمَّ لَطَمَتْ وَجْهَهَا وَ هَوَتْ إِلَى جَيْبِهَا وَ شَقَّتْهُ وَ خَرَّتْ مَغْشِيَّةً عَلَيْهَا فَقَامَ إِلَيْهَا الْحُسَيْنُ ع فَصَبَّ عَلَى وَجْهِهَا الْمَاءَ وَ قَالَ لَهَا يَا أُخْتَاهْ اتَّقِي اللَّهَ وَ تَعَزَّيْ بِعَزَاءِ اللَّهِ وَ اعْلَمِي أَنَّ أَهْلَ الْأَرْضِ يَمُوتُونَ وَ أَهْلَ السَّمَاءِ لَا يَبْقَوْنَ وَ أَنَ‏
__________________________________________________
 (1) القطا: جمع قطاة و هي طائر في حجم الحمام صوته قطاقطا. و هذا مثل. قال الميداني: نزل عمرو بن مامة على قوم من مراد، فطرقوه ليلا فأثاروا القطا من أماكنها فرأتها امرأته طائرة، فنبهت المرأة زوجها فقال: انما هي القطا، فقالت: لو ترك القطا ليلا لنام. يضرب لمن حمل على مكروه من غير ارادته، و قيل غير ذلك. راجع مجمع الامثال ج 2 ص 174 تحت الرقم 3231.
 (2) لا أرى لذكر الاغتصاب وجها و الظاهر أنّه تصحيف و الصحيح: «أ فتحتسب نفسك احتسابا». يقال: احتسب ولدا له: إذا مات ولده كبيرا، و مثله احتسب نفسه: إذا عدها شهيدا في ذات اللّه، و قد مر في ص 138 من ج 44 كلام الحسن بن عليّ عليهما السلام «اللّهمّ إنّي احتسب نفسى عندك» فراجع.

2
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

كُلَّ شَيْ‏ءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ بِقُدْرَتِهِ وَ يَبْعَثُ الْخَلْقَ وَ يَعُودُونَ وَ هُوَ فَرْدٌ وَحْدَهُ وَ أَبِي خَيْرٌ مِنِّي وَ أُمِّي خَيْرٌ مِنِّي وَ أَخِي خَيْرٌ مِنِّي وَ لِي وَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ بِرَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ فَعَزَّاهَا بِهَذَا وَ نَحْوِهِ وَ قَالَ لَهَا يَا أُخْتَاهْ إِنِّي أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ فَأَبِرِّي قَسَمِي- لَا تَشُقِّي عَلَيَّ جَيْباً وَ لَا تَخْمِشِي عَلَيَّ وَجْهاً وَ لَا تَدْعَيْ عَلَيَّ بِالْوَيْلِ وَ الثُّبُورِ إِذَا أَنَا هَلَكْتُ ثُمَّ جَاءَ بِهَا حَتَّى أَجْلَسَهَا عِنْدِي ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْرِنَ بَعْضُهُمْ بُيُوتَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَ أَنْ يُدْخِلُوا الْأَطْنَابَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ وَ أَنْ يَكُونُوا بَيْنَ الْبُيُوتِ فَيُقْبِلُوا الْقَوْمَ فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وَ الْبُيُوتُ مِنْ وَرَائِهِمْ وَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَ عَنْ شَمَائِلِهِمْ قَدْ حَفَّتْ بِهِمْ إِلَّا الْوَجْهَ الَّذِي يَأْتِيهِمْ مِنْهُ عَدُوُّهُمْ وَ رَجَعَ ع إِلَى مَكَانِهِ فَقَامَ لَيْلَتَهُ كُلَّهَا يُصَلِّي وَ يَسْتَغْفِرُ وَ يَدْعُو وَ يَتَضَرَّعُ وَ قَامَ أَصْحَابُهُ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ وَ يَدْعُونَ وَ يَسْتَغْفِرُونَ «1» وَ قَالَ فِي الْمَنَاقِبِ فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ السَّحَرِ خَفَقَ الْحُسَيْنُ بِرَأْسِهِ خَفْقَةً ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ أَ تَعْلَمُونَ مَا رَأَيْتُ فِي مَنَامِي السَّاعَةَ فَقَالُوا وَ مَا الَّذِي رَأَيْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ رَأَيْتُ كَأَنَّ كِلَاباً قَدْ شَدَّتْ عَلَيَّ لِتَنْهَشَنِي وَ فِيهَا كَلْبٌ أَبْقَعُ رَأَيْتُهُ أَشَدَّهَا عَلَيَّ وَ أَظُنُّ أَنَّ الَّذِي يَتَوَلَّى قَتْلِي رَجُلٌ أَبْرَصُ مِنْ بَيْنِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ ثُمَّ إِنِّي رَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ ص وَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ هُوَ يَقُولُ لِي يَا بُنَيَّ أَنْتَ شَهِيدُ آلِ مُحَمَّدٍ وَ قَدِ اسْتَبْشَرَ بِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَ أَهْلُ الصَّفِيحِ الْأَعْلَى فَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ عِنْدِي اللَّيْلَةَ عَجِّلْ وَ لَا تُؤَخِّرْ فَهَذَا مَلَكٌ قَدْ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ لِيَأْخُذَ دَمَكَ فِي قَارُورَةٍ خَضْرَاءَ فَهَذَا مَا رَأَيْتُ وَ قَدْ أَزِفَ الْأَمْرُ «2» وَ اقْتَرَبَ الرَّحِيلُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ و قال المفيد قال الضحاك بن عبد الله: و مرت بنا خيل لابن سعد تحرسنا و إن حسينا ع ليقرأ وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ‏
__________________________________________________
 (1) كتاب الإرشاد ص 215 و 216.
 (2) في الأصل: و قد أنف الامر، و أظنه تصحيفا.

3
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ «1» فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له عبد الله ابن سمير و كان مضحاكا و كان شجاعا بطلا فارسا شريفا فاتكا فقال نحن و رب الطيبون ميزنا بكم فقال له برير بن الخضير يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين قال له من أنت ويلك قال أنا برير بن الخضير فتسابا.
و أصبح الحسين فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة و كان معه اثنان و ثلاثون فارسا و أربعون راجلا و قال محمد بن أبي طالب و في رواية أخرى اثنان و ثمانون راجلا و قال السيد رُوِيَ عَنِ الْبَاقِرِ ع أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَةً وَ أَرْبَعِينَ فَارِساً وَ مِائَةَ رَاجِلٍ و كذا قال ابن نما و قال المفيد فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه و حبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه و أعطى رايته العباس أخاه و جعلوا البيوت في ظهورهم و أمر بحطب و قصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك و أن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.
و أصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم و هو يوم الجمعة و قيل يوم السبت فعبأ أصحابه و خرج فيمن معه من الناس نحو الحسين و كان على ميمنته عمرو بن الحجاج و على ميسرته شمر بن ذي الجوشن و على الخيل عروة بن قيس و على الرجالة شبث بن ربعي و أعطى الراية دريدا مولاه و قال محمد بن أبي طالب و كانوا نيفا على اثنين و عشرين ألفا و في رواية عن الصادق ع ثلاثين ألفا.
قَالَ الْمُفِيدُ وَ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا أَصْبَحَتِ الْخَيْلُ تُقْبِلُ عَلَى الْحُسَيْنِ ع رَفَعَ يَدَيْهِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ وَ رَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ وَ أَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَ عُدَّةٌ كَمْ مِنْ كَرْبٍ يَضْعُفُ عَنْهُ الْفُؤَادُ وَ تَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ وَ يَخْذُلُ فِيهِ الصَّدِيقُ وَ يَشْمَتُ فِيهِ الْعَدُوُّ أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَ شَكَوْتُهُ إِلَيْكَ رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ فَفَرَّجْتَهُ وَ كَشَفْتَهُ فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ وَ صَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ وَ مُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ قَالَ فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ يَجُولُونَ حَوْلَ بَيْتِ الْحُسَيْنِ فَيَرَوْنَ الْخَنْدَقَ فِي ظُهُورِهِمْ‏
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 178 و 179.

4
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ النَّارُ تَضْطَرِمُ فِي الْحَطَبِ وَ الْقَصَبِ الَّذِي كَانَ أُلْقِيَ فِيهِ فَنَادَى شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا حُسَيْنُ أَ تَعَجَّلْتَ بِالنَّارِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع مَنْ هَذَا كَأَنَّهُ شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ رَاعِيَةِ الْمِعْزَى أَنْتَ أَوْلى‏ بِها صِلِيًّا وَ رَامَ مُسْلِمُ بْنُ عَوْسَجَةَ أَنْ يَرْمِيَهُ بِسَهْمٍ فَمَنَعَهُ الْحُسَيْنُ ع مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ دَعْنِي حَتَّى أَرْمِيَهُ فَإِنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ عُظَمَاءِ الْجَبَّارِينَ وَ قَدْ أَمْكَنَ اللَّهُ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع لَا تَرْمِهِ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَبْدَأَهُمْ بِقِتَالٍ «1». وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ رَكِبَ أَصْحَابُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فَقُرِّبَ إِلَى الْحُسَيْنِ فَرَسُهُ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ وَ تَقَدَّمَ نَحْوَ الْقَوْمِ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ بُرَيْرُ بْنُ خُضَيْرٍ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع كَلِّمِ الْقَوْمَ فَتَقَدَّمَ بُرَيْرٌ فَقَالَ يَا قَوْمِ اتَّقُوا اللَّهَ فَإِنَّ ثَقَلَ مُحَمَّدٍ قَدْ أَصْبَحَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُهُ وَ عِتْرَتُهُ وَ بَنَاتُهُ وَ حَرَمُهُ فَهَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ وَ مَا الَّذِي تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوهُ بِهِمْ فَقَالُوا نُرِيدُ أَنْ نُمَكِّنَ مِنْهُمُ الْأَمِيرَ ابْنَ زِيَادٍ فَيَرَى رَأْيَهُ فِيهِمْ فَقَالَ لَهُمْ بُرَيْرٌ أَ فَلَا تَقْبَلُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جَاءُوا مِنْهُ وَيْلَكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَ نَسِيتُمْ كُتُبَكُمْ وَ عُهُودَكُمُ الَّتِي أَعْطَيْتُمُوهَا وَ أَشْهَدْتُمُ اللَّهَ عَلَيْهَا يَا وَيْلَكُمْ أَ دَعَوْتُمْ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ وَ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ دُونَهُمْ حَتَّى إِذَا أَتَوْكُمْ أَسْلَمْتُمُوهُمْ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ وَ حَلَّأْتُمُوهُمْ عَنْ مَاءِ الْفُرَاتِ بِئْسَ مَا خَلَّفْتُمْ نَبِيَّكُمْ فِي ذُرِّيَّتِهِ مَا لَكُمْ لَا سَقَاكُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَبِئْسَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ.
فَقَالَ لَهُ نَفَرٌ مِنْهُمْ يَا هَذَا مَا نَدْرِي مَا تَقُولُ فَقَالَ بُرَيْرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَادَنِي فِيكُمْ بَصِيرَةً اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ فِعَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ اللَّهُمَّ أَلْقِ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ حَتَّى يَلْقَوْكَ وَ أَنْتَ عَلَيْهِمْ غَضْبَانُ فَجَعَلَ الْقَوْمُ يَرْمُونَهُ بِالسِّهَامِ فَرَجَعَ بُرَيْرٌ إِلَى وَرَائِهِ.
و تقدم الحسين ع حتى وقف بإزاء القوم فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل و نظر إلى ابن سعد واقفا في صناديد الكوفة فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ الدُّنْيَا فَجَعَلَهَا دَارَ فَنَاءٍ وَ زَوَالٍ مُتَصَرِّفَةً بِأَهْلِهَا حَالًا بَعْدَ حَالٍ فَالْمَغْرُورُ مَنْ غَرَّتْهُ‏
__________________________________________________
 (1) إرشاد المفيد ص 217.

5
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ الشَّقِيُّ مَنْ فَتَنَتْهُ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ هَذِهِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا تَقْطَعُ رَجَاءَ مَنْ رَكِنَ إِلَيْهَا وَ تُخَيِّبُ طَمَعَ مَنْ طَمِعَ فِيهَا وَ أَرَاكُمْ قَدِ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى أَمْرٍ قَدْ أَسْخَطْتُمُ اللَّهَ فِيهِ عَلَيْكُمْ وَ أَعْرَضَ بِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ عَنْكُمْ وَ أَحَلَّ بِكُمْ نَقِمَتَهُ وَ جَنَّبَكُمْ رَحْمَتَهُ فَنِعْمَ الرَّبُّ رَبُّنَا وَ بِئْسَ الْعَبِيدُ أَنْتُمْ أَقْرَرْتُمْ بِالطَّاعَةِ وَ آمَنْتُمْ بِالرَّسُولِ مُحَمَّدٍ ص ثُمَّ إِنَّكُمْ زَحَفْتُمْ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ وَ عِتْرَتِهِ تُرِيدُونَ قَتْلَهُمْ لَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْكُمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاكُمْ ذِكْرَ اللَّهِ الْعَظِيمِ فَتَبّاً لَكُمْ وَ لِمَا تُرِيدُونَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ فَقَالَ عُمَرُ وَيْلَكُمْ كَلِّمُوهُ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ وَ اللَّهِ لَوْ وَقَفَ فِيكُمْ هَكَذَا يَوْماً جَدِيداً لَمَا انْقَطَعَ وَ لَمَا حُصِرَ فَكَلَّمُوهُ فَتَقَدَّمَ شِمْرٌ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ يَا حُسَيْنُ مَا هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَفْهِمْنَا حَتَّى نَفْهَمَ فَقَالَ أَقُولُ اتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ وَ لَا تَقْتُلُونِي فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكُمْ قَتْلِي وَ لَا انْتِهَاكُ حُرْمَتِي فَإِنِّي ابْنُ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَ جَدَّتِي خَدِيجَةُ زَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ وَ لَعَلَّهُ قَدْ بَلَغَكُمْ قَوْلُ نَبِيِّكُمْ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي بِرِوَايَةِ الْمُفِيدِ.
وَ قَالَ الْمُفِيدُ وَ دَعَا الْحُسَيْنُ ع بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا وَ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ وَ جُلُّهُمْ يَسْمَعُونَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَ لَا تَعْجَلُوا حَتَّى أَعِظَكُمْ بِمَا يَحِقُّ لَكُمْ عَلَيَّ وَ حَتَّى أَعْذِرَ عَلَيْكُمْ فَإِنْ أَعْطَيْتُمُونِيَ النَّصَفَ كُنْتُمْ بِذَلِكَ أَسْعَدَ وَ إِنْ لَمْ تُعْطُونِيَ النَّصَفَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَأَجْمِعُوا رَأْيَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتابَ وَ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ ذَكَرَ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ وَ عَلَى مَلَائِكَتِهِ وَ عَلَى أَنْبِيَائِهِ فَلَمْ يُسْمَعْ مُتَكَلِّمٌ قَطُّ قَبْلَهُ وَ لَا بَعْدَهُ أَبْلَغُ مِنْهُ فِي مَنْطِقٍ.
ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَانْسُبُونِي فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا ثُمَّ رَاجِعُوا أَنْفُسَكُمْ وَ عَاتِبُوهُمْ فَانْظُرُوا هَلْ يَصْلُحُ لَكُمْ قَتْلِي وَ انْتِهَاكُ حُرْمَتِي أَ لَسْتُ ابْنَ نَبِيِّكُمْ وَ ابْنَ وَصِيِّهِ وَ ابْنِ عَمِّهِ وَ أَوَّلِ مُؤْمِنٍ مُصَدِّقٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ص بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ أَ وَ لَيْسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمِّي أَ وَ لَيْسَ جَعْفَرٌ الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ بِجَنَاحَيْنِ عَمِّي أَ وَ لَم‏

6
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

يَبْلُغْكُمْ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لِي وَ لِأَخِي هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِنْ صَدَّقْتُمُونِي بِمَا أَقُولُ وَ هُوَ الْحَقُّ وَ اللَّهِ مَا تَعَمَّدْتُ كَذِباً مُذْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَيْهِ أَهْلَهُ وَ إِنْ كَذَّبْتُمُونِي فَإِنَّ فِيكُمْ مَنْ إِنْ سَأَلْتُمُوهُ عَنْ ذَلِكَ أَخْبَرَكُمْ اسْأَلُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ وَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ وَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ وَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ «1» يُخْبِرُوكُمْ أَنَّهُمْ سَمِعُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص لِي وَ لِأَخِي أَ مَا فِي هَذَا حَاجِزٌ لَكُمْ عَنْ سَفْكِ دَمِي.
فقال له شمر بن ذي الجوشن هو يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى‏ حَرْفٍ إن كان يدري ما تقوّل فقال له حبيب بن مظاهر و الله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا و أنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك. ثم قال لهم الحسين ع فَإِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ هَذَا أَ فَتَشُكُّونَ أَنِّي ابْنُ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ ابْنُ بِنْتِ نَبِيٍّ غَيْرِي فِيكُمْ وَ لَا فِي غَيْرِكُمْ وَيْحَكُمْ أَ تَطْلُبُونِي بِقَتِيلٍ مِنْكُمْ قَتَلْتُهُ أَوْ مَالٍ لَكُمُ اسْتَهْلَكْتُهُ أَوْ بِقِصَاصٍ مِنْ جِرَاحَةٍ فَأَخَذُوا لَا يُكَلِّمُونَهُ فَنَادَى يَا شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ يَا حَجَّارَ بْنَ أَبْجَرَ يَا قَيْسَ بْنَ الْأَشْعَثِ يَا يَزِيدَ بْنَ الْحَارِثِ أَ لَمْ تَكْتُبُوا إِلَيَّ أَنْ قَدْ أَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَ اخْضَرَّ الْجَنَابُ وَ إِنَّمَا تَقْدَمُ عَلَى جُنْدٍ لَكَ مُجَنَّدٍ فَقَالَ لَهُ قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ مَا نَدْرِي مَا تَقُولُ وَ لَكِنِ انْزِلْ عَلَى حُكْمِ بَنِي عَمِّكَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يُرُوكَ إِلَّا مَا تُحِبُّ فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ ع لَا وَ اللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ الذَّلِيلِ وَ لَا أُقِرُّ لَكُمْ إِقْرَارَ الْعَبِيدِ.
ثُمَّ نَادَى يَا عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ وَ أَعُوذُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان بعقلها و أقبلوا يزحفون نحوه.
 «2»
__________________________________________________
 (1) مات جابر بن عبد اللّه سنة 74 و شهد جنازته الحجاج و الظاهر أنّه بالكوفة و أبو سعيد الخدريّ سنة 64- 74 و سهل بن سعد هو آخر من مات بالمدينة سنة احدى و تسعين و زيد بن أرقم سنة 66 بالكوفة، و أنس بن مالك آخر من مات بالبصرة سنة 71 و كان قاطنا بها.
 (2) الإرشاد ص 217 و 218.

7
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

- و في المناقب روى بإسناده عن عبد الله بن محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عن عبد الله قال لما عبّأ عمر بن سعد أصحابه للمحاربة الحسين بن علي ع و رتّبهم مراتبهم و أقام الرايات في مواضعها و عبأ أصحاب الميمنة و الميسرة فقال لأصحاب القلب اثبتوا.
و أحاطوا بالحسين من كل جانب حتى جعلوه في مثل الحلقة فخرج ع حتى أتى الناس فاستنصتهم فأبوا أن ينصتوا حتى قال لهم وَيْلَكُمْ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ تُنْصِتُوا إِلَيَّ فَتَسْمَعُوا قَوْلِي وَ إِنَّمَا أَدْعُوكُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ فَمَنْ أَطَاعَنِي كَانَ مِنَ الْمُرْشَدِينَ وَ مَنْ عَصَانِي كَانَ مِنَ الْمُهْلَكِينَ وَ كُلُّكُمْ عَاصٍ لِأَمْرِي غَيْرُ مُسْتَمِعٍ قَوْلِي فَقَدْ مُلِئَتْ بُطُونُكُمْ مِنَ الْحَرَامِ وَ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيْلَكُمْ أَ لَا تُنْصِتُونَ أَ لَا تَسْمَعُونَ فَتَلَاوَمَ أَصْحَابُ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ بَيْنَهُمْ وَ قَالُوا أَنْصِتُوا لَهُ.
فَقَامَ الْحُسَيْنُ ع ثُمَّ قَالَ تَبّاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَ تَرَحاً أَ فَحِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَلِهِينَ مُتَحَيِّرِينَ فَأَصْرَخْتُكُمْ مُؤَدِّينَ مُسْتَعِدِّينَ سَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً فِي رِقَابِنَا وَ حَشَشْتُمْ عَلَيْنَا نَارَ الْفِتَنِ خَبَأَهَا عَدُوُّكُمْ وَ عَدُوُّنَا فَأَصْبَحْتُمْ أَلْباً عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ وَ يَداً عَلَيْهِمْ لِأَعْدَائِكُمْ بِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ وَ لَا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ إِلَّا الْحَرَامُ مِنَ الدُّنْيَا أَنَالُوكُمْ وَ خَسِيسُ عَيْشٍ طَمِعْتُمْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ كَانَ مِنَّا لَا رَأْيَ تَفَيَّلَ لَنَا فَهَلَّا لَكُمُ الْوَيْلَاتُ إِذْ كَرِهْتُمُونَا وَ تَرَكْتُمُونَا تَجَهَّزْتُمُوهَا وَ السَّيْفُ لَمْ يُشْهَرْ وَ الْجَأْشُ طَامِنٌ وَ الرَّأْيُ لَمْ يُسْتَحْصَفْ وَ لَكِنْ أَسْرَعْتُمْ عَلَيْنَا كَطَيْرَةِ الذُّبَابِ وَ تَدَاعَيْتُمْ كَتَدَاعِي الْفَرَاشِ فَقُبْحاً لَكُمْ فَإِنَّمَا أَنْتُمْ مِنْ طَوَاغِيتِ الْأُمَّةِ وَ شُذَاذِ الْأَحْزَابِ وَ نَبَذَةِ الْكِتَابِ وَ نَفَثَةِ الشَّيْطَانِ وَ عُصْبَةِ الْآثَامِ وَ مُحَرِّفِي الْكِتَابِ وَ مُطْفِئِ السُّنَنِ وَ قَتَلَةِ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ و مُبِيرِي عِتْرَةِ الْأَوْصِيَاءِ وَ مُلْحِقِي الْعُهَّارِ بِالنَّسَبِ وَ مُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ و صُرَّاخِ أَئِمَّةِ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ وَ أَنْتُمْ- ابْنَ حَرْبٍ وَ أَشْيَاعَهُ تَعْتَمِدُونَ وَ إِيَّانَا تُخَاذِلُونَ أَجَلْ وَ اللَّهِ الْخَذْلُ فِيكُمْ مَعْرُوفٌ وَشَجَتْ عَلَيْهِ عُرُوقُكُمْ وَ تَوَارَثَتْهُ أُصُولُكُمْ وَ فُرُوعُكُمْ وَ ثَبَتَتْ عَلَيْه‏

8
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قُلُوبُكُمْ وَ غُشِيَتْ صُدُورُكُمْ فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ شَيْ‏ءٍ سِنْخاً لِلنَّاصِبِ وَ أُكْلَةً لِلْغَاصِبِ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى النَّاكِثِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا فَأَنْتُمْ وَ اللَّهِ هُمْ.
أَلَا إِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيَّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ بَيْنَ القلة «1» [السَّلَّةِ] وَ الذِّلَّةِ وَ هَيْهَاتَ مَا آخُذُ الدَّنِيَّةَ أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَ رَسُولُهُ وَ جُدُودٌ طَابَتْ وَ حُجُورٌ طَهُرَتْ وَ أُنُوفٌ حَمِيَّةٌ وَ نُفُوسٌ أَبِيَّةٌ لَا تُؤْثِرُ مَصَارِعَ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ أَلَا قَدْ أَعْذَرْتُ وَ أَنْذَرْتُ أَلَا إِنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الْأُسْرَةِ عَلَى قِلَّةِ الْعَتَادِ وَ خُذَلَةِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ‏
          فَإِنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً             وَ إِنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزَّمِينَا
             وَ مَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَ لَكِنْ             مَنَايَانَا وَ دَوْلَةُ آخَرِينَا «2»
 أَلَا ثُمَّ لَا تَلْبَثُونَ بَعْدَهَا إِلَّا كَرَيْثِ مَا يُرْكَبُ الْفَرَسُ حَتَّى تَدُورَ بِكُمُ الرَّحَى عَهْدٌ عَهِدَهُ إِلَيَّ أَبِي عَنْ جَدِّي فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ جَمِيعاً فَلا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَ رَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ
__________________________________________________
 (1) القلة: قلة العدد بالقتل. و في بعض النسخ: السلة منه رحمه اللّه.
 (2) قائلها فروة بن مسيك المرادى قالها في يوم الردم لهمدان من مراد. و زاد بعدهما في الملهوف:
         اذا ما الموت رفع عن أناس             كلاكله أناخ بآخرينا
          فأفنى ذلكم سروات قومي             كما أفنى القرون الاولينا
          فلو خلد الملوك إذا خلدنا             و لو بقى الكرام إذا بقينا
          فقل للشامتين بنا أفيقوا             سيلقى الشامتون كما لقينا
 و قد تروى على غير هذا اللفظ كما نقله ابن هشام في السيرة ج 2 ص 582:
         مررن على لفات و هن خوص             ينازعن الاعنة ينتحينا
          فان نغلب فغلابون قدما             و ان نغلب فغير مغلبينا
          و ما ان طبنا جبن و لكن             منايانا و طعمة آخرينا
          كذاك الدهر دولته سجال             تكر صروفه حينا فحينا إلخ.

 

9
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ اللَّهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءِ وَ ابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ وَ سَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلَامَ ثَقِيفٍ يَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً وَ لَا يَدَعُ فِيهِمْ أَحَداً إِلَّا قَتَلَهُ قَتْلَةً بِقَتْلَةٍ وَ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ يَنْتَقِمُ لِي وَ لِأَوْلِيَائِي وَ أَهْلِ بَيْتِي وَ أَشْيَاعِي مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ غَرُّونَا وَ كَذَبُونَا وَ خَذَلُونَا وَ أَنْتَ رَبُّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ ادْعُوا لِي عُمَرَ فَدُعِيَ لَهُ وَ كَانَ كَارِهاً لَا يُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَهُ فَقَالَ يَا عُمَرُ أَنْتَ تَقْتُلُنِي تَزْعُمُ أَنْ يُوَلِّيَكَ الدَّعِيُّ ابْنُ الدَّعِيِّ بِلَادَ الرَّيِّ وَ جُرْجَانَ وَ اللَّهِ لَا تَتَهَنَّأُ بِذَلِكَ أَبَداً عَهْداً مَعْهُوداً فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فَإِنَّكَ لَا تَفْرَحُ بَعْدِي بِدُنْيَا وَ لَا آخِرَةٍ وَ لَكَأَنِّي بِرَأْسِكَ عَلَى قَصَبَةٍ قَدْ نُصِبَ بِالْكُوفَةِ يَتَرَامَاهُ الصِّبْيَانُ وَ يَتَّخِذُونَهُ غَرَضاً بَيْنَهُم
فاغتاظ عمر من كلامه ثم صرف بوجهه عنه و نادى بأصحابه ما تنتظرون به احملوا بأجمعكم إنما هي أكلة واحدة ثم إن الحسين دعا بفرس رسول الله المرتجز فركبه و عبأ أصحابه.
أقول قد روي الخطبة في تحف العقول نحوا مما مر و رواه السيد بتغيير و اختصار «1» و ستأتي برواية الإحتجاج أيضا.
ثم قال المفيد رحمه الله فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين ع قال لعمر بن سعد أي عمر أ مقاتل أنت هذا الرجل قال إي و الله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس و تطيح الأيدي قال أ فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال عمر أما لو كان الأمر إلي لفعلت و لكن أميرك قد أبى فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا و معه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد أن تسقيه قال قرة فظننت و الله أنه يريد أن يتنحى و لا يشهد القتال فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم أسقه و أنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فو الله لو أنه‏
__________________________________________________
 (1) تحف العقول ص 240 الملهوف ص 85- 88.

10
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

اطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين «1». فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له مهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أ تريد أن تحمل فلم يجبه فأخذه مثل الأفكل و هي الرعدة فقال له المهاجر إن أمرك لمريب و الله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا و لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أرى منك فقال له الحر إني و الله أخير نفسي بين الجنة و النار فو الله لا أختار على الجنة شيئا و لو قطعت و أحرقت.
ثم ضرب فرسه فلحق الحسين ع فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع و سايرتك في الطريق و جعجعت بك في هذا المكان و ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم و لا يبلغون منك هذه المنزلة و الله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما ركبت مثل الذي ركبت و أنا تائب إلى الله مما صنعت فترى لي من ذلك توبة فقال له الحسين ع نعم يتوب الله عليك فانزل فقال أنا لك فارسا خير مني راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة و إلى النزول ما يصير آخر أمري فقال له الحسين ع فاصنع يرحمك الله ما بدا لك.
فاستقدم أمام الحسين ع فقال يا أهل الكوفة لأمكم الهبل و العبر «2» أ دعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه و زعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه و أخذتم بكلكله و أحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه إلى بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا و لا يدفع عنها ضرا و حلّأتموه و نساءه و صبيته و أهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود و النصارى و المجوس و تمرغ فيه خنازير السواد و كلابهم و ها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ.
__________________________________________________
 (1) كذب عدو اللّه، فانه قد رأى الحرّ بعد ذلك حين يقاتل ذبا عن آل رسول اللّه.
 (2) الهبل: الثكل، و العبر: الموت يقال عبر القوم: ماتوا.

11
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين ع و نادى عمر بن سعد يا دريد أدن رايتك فأدناها ثم وضع سهما في كبد قوسه ثم رمى و قال اشهدوا أني أول من رمى الناس «1». و قال محمد بن أبي طالب فرمى أصحابه كلهم فما بقي من أصحاب الحسين ع إلا أصابه من سهامهم قيل فلما رموهم هذه الرمية قل أصحاب الحسين ع و قتل في هذه الحملة خمسون رجلا و قال السيد فقال ع لأصحابه قُومُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى الْمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنَّ هَذِهِ السِّهَامَ رُسُلُ الْقَوْمِ إِلَيْكُمْ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ حَمْلَةً وَ حَمْلَةً حَتَّى قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ ع جَمَاعَةٌ قَالَ فَعِنْدَهَا ضَرَبَ الْحُسَيْنُ ع يَدَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَ جَعَلَ يَقُولُ اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ إِذْ جَعَلُوا لَهُ وَلَداً وَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَى النَّصَارَى إِذْ جَعَلُوهُ ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ وَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَى الْمَجُوسِ إِذْ عَبَدُوا الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دُونَهُ وَ اشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَى قَوْمٍ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى قَتْلِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِمْ أَمَا وَ اللَّهِ لَا أُجِيبُهُمْ إِلَى شَيْ‏ءٍ مَمَّا يُرِيدُونَ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَ أَنَا مُخَضَّبٌ بِدَمِي.
وَ رُوِيَ عَنْ مَوْلَانَا الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي ع يَقُولُ لَمَّا الْتَقَى الْحُسَيْنُ ع وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ قَامَتِ الْحَرْبُ أُنْزِلَ النَّصْرُ حَتَّى رَفْرَفَ عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ ع ثُمَّ خُيِّرَ بَيْنَ النَّصْرِ عَلَى أَعْدَائِهِ وَ بَيْنَ لِقَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَاخْتَارَ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الرَّاوِي ثُمَّ صَاحَ ع أَ مَا مِنْ مُغِيثٍ يُغِيثُنَا لِوَجْهِ اللَّهِ أَ مَا مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ «2» و قال المفيد رحمه الله و تبارزوا فبرز يسار مولى زياد بن أبي سفيان و برز إليه عبد الله بن عمير فقال له يسار من أنت فانتسب له فقال لست أعرفك حتى يخرج إلي زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر فقال عبد الله بن عمير يا ابن الفاعلة
__________________________________________________
 (1) كتاب الإرشاد ص 219.
 (2) الملهوف ص 89 و 90.

12
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و بك رغبة عن مبارزة أحد من الناس ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد و إنه لمشغول بضربه إذ شد عليه سالم مولى عبيد الله بن زياد فصاحوا به قد رهقك العبد فلم يشعر حتى غشيه فبدره بضربة اتقاها ابن عمير بيده اليسرى فأطارت أصابع كفه ثم شد عليه فضربه حتى قتله و أقبل و قد قتلهما جميعا و هو يرتجز و يقول‏
          إن تنكروني فأنا ابن كلب             أنا امرؤ ذو مرة و عصب‏
             و لست بالخوار عند النكب‏
 و حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة أصحاب الحسين ع فيمن كان معه من أهل الكوفة فلما دنا من الحسين ع جثوا له على الركب و أشرعوا الرماح نحوهم فلم تقدم خيلهم على الرماح فذهبت الخيل لترجع فرشقهم أصحاب الحسين ع بالنبل فصرعوا منهم رجالا و جرحوا منهم آخرين و جاء رجل من بني تميم يقال له عبد الله بن خوزة فأقدم على عسكر الحسين ع فناداه القوم إلى أين ثكلتك أمك فقال إني أقدم على رب رحيم و شفيع مطاع فقال الحسين ع لأصحابه من هذا فقيل له هذا ابن خوزة التميمي فقال اللهم جره إلى النار فاضطرب به فرسه في جدول فوقع و تعلقت رجله اليسرى في الركاب و ارتفعت اليمنى و شد عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فأطارت و عدا به فرسه فضرب برأسه كل حجر و كل شجر حتى مات و عجل الله بروحه إلى النار و نشب القتال فقتل من الجميع جماعة «1».
و قال محمد بن أبي طالب و صاحب المناقب و ابن الأثير في الكامل و رواياتهم متقاربة أن الحر أتى الحسين ع فقال يا ابن رسول الله كنت أول خارج عليك فائذن لي لأكون أول قتيل بين يديك و أول من يصافح جدك غدا و إنما قال الحر لأكون أول قتيل بين يديك و المعنى يكون أول قتيل من المبارزين و إلا فإن جماعة كانوا قد قتلوا في الحملة الأولى كما ذكر فكان أول من تقدم إلى‏
__________________________________________________
 (1) كتاب الإرشاد ص 220.

13
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

براز القوم و جعل ينشد و يقول‏
          إني أنا الحر و مأوى الضيف             أضرب في أعناقكم بالسيف‏
             عن خير من حل بأرض الخيف             أضربكم و لا أرى من حيف‏
 و روي أن الحر لما لحق بالحسين ع قال رجل من تميم يقال له يزيد بن سفيان أما و الله لو لحقته لأتبعته السنان فبينما هو يقاتل و إن فرسه لمضروب على أذنيه و حاجبيه و إن الدماء لتسيل إذ قال الحصين يا يزيد هذا الحر الذي كنت تتمناه قال نعم فخرج إليه فما لبث الحر أن قتله و قتل أربعين فارسا و راجلا فلم يزل يقاتل حتى عرقب فرسه و بقي راجلا و هو يقول‏
          إني أنا الحر و نجل الحر             أشجع من ذي لبد هزبر
             و لست بالجبان عند الكر             لكنني الوقاف عند الفر
 ثم لم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله فاحتمله أصحاب الحسين ع حتى وضعوه بين يدي الحسين ع و به رمق فجعل الحسين يمسح وجهه و يقول أنت الحر كما سمتك أمك و أنت الحر في الدنيا و أنت الحر في الآخرة و رثاه رجل من أصحاب الحسين ع و قيل بل رثاه علي بن الحسين ع‏
          لنعم الحر حر بني رياح             صبور عند مختلف الرماح‏
             و نعم الحر إذ نادى حسينا             فجاد بنفسه عند الصياح‏
             فيا ربي أضفه في جنان             و زوجه مع الحور الملاح‏
 و روي أن الحر كان يقول‏
          آليت لا أقتل حتى أقتلا             أضربهم بالسيف ضربا معضلا
             لا ناقل عنهم و لا معللا             لا عاجز عنهم و لا مبدلا
             أحمي الحسين الماجد المؤملا
 قال المفيد رحمه الله فاشترك في قتله أيوب بن مسرح و رجل آخر من‏

14
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فرسان أهل الكوفة انتهى كلامه «1».
و قال ابن شهرآشوب قتل نيفا و أربعين رجلا منهم و قال ابن نما و رويت بإسنادي أنه قال للحسين ع لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي أبشر يا حر بخير فالتفت فلم أر أحدا فقلت و الله ما هذه بشارة و أنا أسير إلى الحسين و ما أحدث نفسي باتباعك فقال ع لقد أصبت أجرا و خيرا.
ثم قالوا و كان كل من أراد الخروج ودع الحسين ع و قال السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه و عليك السلام و نحن خلفك و يقرأ ع فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ثم برز برير بن خضير الهمداني بعد الحر و كان من عباد الله الصالحين فبرز و هو يقول‏
          أنا برير و أبي خضير             ليث يروع الأسد عند الزئر
             يعرف فينا الخير أهل الخير             أضربكم و لا أرى من ضير
             كذاك فعل الخير من برير
 و جعل يحمل على القوم و هو يقول اقتربوا مني يا قتلة المؤمنين اقتربوا مني يا قتلة أولاد البدريين اقتربوا مني يا قتلة أولاد رسول رب العالمين و ذريته الباقين و كان برير أقرأ أهل زمانه فلم يزل يقاتل حتى قتل ثلاثين رجلا فبرز إليه رجل يقال له يزيد بن معقل فقال لبرير أشهد أنك من المضلين فقال له برير هلم فلندع الله أن يلعن الكاذب منا و أن يقتل المحق منا المبطل فتصاولا فضرب يزيد لبرير ضربة خفيفة لم يعمل شيئا و ضربه برير ضربة قدت المغفر و وصلت إلى دماغه فسقط قتيلا قال فحمل رجل من أصحاب ابن زياد فقتل بريرا رحمه الله و كان يقال لقاتله بحير بن أوس الضبي فجال في ميدان الحرب و جعل يقول‏
          سلي تخبري عني و أنت ذميمة             غداة حسين و الرماح شوارع‏
             أ لم آت أقصى ما كرهت و لم يحل             غداة الوغى و الروع ما أنا صانع‏
__________________________________________________
 (1) الإرشاد ص 222.

15
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

         معي مزني لم تخنه كعوبه             و أبيض مشحوذ الغرارين قاطع «1»
             فجردته في عصبة ليس دينهم             كديني و إني بعد ذاك لقانع‏
             و قد صبروا للطعن و الضرب حسرا «2»             و قد جالدوا لو أن ذلك نافع‏
             فأبلغ عبيد الله إذ ما لقيته             بأني مطيع للخليفة سامع‏
             قتلت بريرا ثم جلت لهمة             غداة الوغى لما دعا من يقارع‏
 قال ثم ذكر له بعد ذلك أن بريرا كان من عباد الله الصالحين و جاءه ابن عم له و قال ويحك يا بحير قتلت برير بن خضير فبأي وجه تلقى ربك غدا قال فندم الشقي و أنشأ يقول‏
          فلو شاء ربي ما شهدت قتالهم             و لا جعل النعماء عند ابن جائر
             لقد كان ذا عارا علي و سبة             يعير بها الأبناء عند المعاشر
             فيا ليت أني كنت في الرحم حيضة             و يوم حسين كنت ضمن المقابر
             فيا سوأتا ما ذا أقول لخالقي             و ما حجتي يوم الحساب القماطر «3»
 ثم برز من بعده وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي و قد كانت معه أمه يومئذ فقالت قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله فقال أفعل يا أماه و لا أقصر فبرز و هو يقول‏
          إن تنكروني فأنا ابن الكلب             سوف تروني و ترون ضربي‏
             و حملتي و صولتي في الحرب             أدرك ثأري بعد ثأر صحبي‏
             و أدفع الكرب أمام الكرب             ليس جهادي في الوغى باللعب‏
__________________________________________________
 (1) قوله «مزنى» أي رمح مزنى، و كعوب الرمح: النواشر في أطراف الانابيب و عدم خيانتها: كناية عن كثرة نفوذها و عدم كلالها، و الغراران: شفرتا السيف منه رحمه اللّه.
 (2) جمع حاسر: الذي لا مغفر عليه و لا درع.
 (3) يقال: يوم قماطر بالضم: شديد، و هنا يحتمل أن يكون و صفا للحساب، أو و صفا لليوم.

16
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة فرجع إلى أمه و امرأته فوقف عليهما فقال يا أماه أ رضيت فقالت ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين ع فقالت امرأته بالله لا تفجعني في نفسك فقالت أمه يا بني لا تقبل قولها و ارجع فقاتل بين يدي ابن رسول الله فيكون غدا في القيامة شفيعا لك بين يدي الله فرجع قائلا
          إني زعيم لك أم وهب             بالطعن فيهم تارة و الضرب‏
             ضرب غلام مؤمن بالرب             حتى يذيق القوم مر الحرب‏
             إني امرؤ ذو مرة و عصب             و لست بالخوار عند النكب‏
             حسبي إلهي من عليم حسبي‏
 فلم يزل يقاتل حتى قتل تسعة عشر فارسا و اثني عشر راجلا ثم قطعت يداه فأخذت امرأته عمودا و أقبلت نحوه و هي تقول فداك أبي و أمي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله فأقبل كي يردها إلى النساء فأخذت بجانب ثوبه و قالت لن أعود أو أموت معك فقال الحسين جزيتم من أهل بيتي خيرا ارجعي إلى النساء رحمك الله فانصرفت و جعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه قال فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاما له فضربها بعمود كان معه فشدخها و قتلها و هي أول امرأة قتلت في عسكر الحسين.
و رأيت حديثا أن وهب هذا كان نصرانيا فأسلم هو و أمه على يدي الحسين فقتل في المبارزة أربعة و عشرين راجلا و اثني عشر فارسا ثم أخذ أسيرا فأتي به عمر بن سعد فقال ما أشد صولتك ثم أمر فضربت عنقه و رمي برأسه إلى عسكر الحسين ع فأخذت أمه الرأس فقبلته ثم رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا فقتلته ثم شدت بعمود الفسطاط فقتلت رجلين فقال لها الحسين ارجعي يا أم وهب أنت و ابنك مع رسول الله فإن الجهاد مرفوع عن النساء فرجعت و هي تقول إلهي لا تقطع رجائي فقال لها الحسين ع لا يقطع الله رجاك يا أم وهب.

17
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

ثم برز من بعده عمرو بن خالد الأزدي و هو يقول‏
          إليك يا نفس إلى الرحمن             فأبشري بالروح و الريحان‏
             اليوم تجزين على الإحسان             قد كان منك غابر الزمان‏
             ما خط في اللوح لدى الديان             لا تجرعي فكل حي فان‏
             و الصبر أحظى لك بالأماني             يا معشر الأزد بني قحطان‏
 ثم قاتل حتى قتل رحمه الله و في المناقب ثم تقدم ابنه خالد بن عمرو و هو يرتجز و يقول‏
          صبرا على الموت بني قحطان             كي ما تكونوا في رضي الرحمن‏
             ذي المجد و العزة و البرهان             و ذي العلى و الطول و الإحسان‏
             يا أبتا قد صرت في الجنان             في قصر رب حسن البنيان «1»
 ثم تقدم فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمة الله عليه و قال محمد بن أبي طالب ثم برز من بعده سعد بن حنظلة التميمي و هو يقول‏
          صبرا على الأسياف و الأسنة             صبرا عليها لدخول الجنة
             و حور عين ناعمات هنه             لمن يريد الفوز لا بالظنة
             يا نفس للراحة فاجهدنه             و في طلاب الخير فارغبنه «2»
 ثم حمل و قاتل قتالا شديدا ثم قتل رضوان الله عليه.
و خرج من بعده عمير بن عبد الله المذحجي و هو يرتجز و يقول‏
          قد علمت سعد و حي مذحج             أني لدى الهيجاء ليث محرج‏
             أعلو بسيفي هامة المدجج             و أترك القرن لدى التعرج‏
             فريسة الضبع الأزل الأعرج‏
__________________________________________________
 (1) في مناقب آل أبي طالب: فى قصر در حسن البنيان.
 (2) قوله: «هنه» الهاء للسكت، و كذا قوله «فاجهدنه» و «فارغبنه» منه رحمه اللّه.

18
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و لم يزل يقاتل حتى قتله مسلم الضبابي و عبد الله البجلي.
ثم برز من بعده مسلم بن عوسجة رحمة الله و هو يرتجز
          إن تسألوا عني فإني ذو لبد             من فرع قوم من ذري بني أسد
            فمن بغانا حائد عن الرشد             و كافر بدين جبار صمد
 ثم قاتل قتالا شديدا.
و قال المفيد و صاحب المناقب بعد ذلك و كان نافع بن هلال البجلي يقاتل قتالا شديدا و يرتجز و يقول‏
          أنا ابن هلال البجلي «1»             أنا على دين علي‏
             و دينه دين النبي‏
 فبرز إليه رجل من بني قطيعة و قال المفيد هو مزاحم بن حريث فقال أنا على دين عثمان فقال له نافع أنت على دين الشيطان فحمل عليه نافع فقتله.
فصاح عمرو بن الحجاج بالناس يا حمقى أ تدرون من تقاتلون تقاتلون فرسان أهل المصر و أهل البصائر و قوما مستميتين لا يبرز منكم إليهم أحد إلا قتلوه على قتلتهم و الله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فقال له عمر بن سعد لعنه الله الرأي ما رأيت فأرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم و قال لو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم مبارزة.
و دنا عمرو بن الحجاج من أصحاب الحسين ع فقال يا أهل الكوفة الزموا طاعتكم و جماعتكم و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الإمام فقال الحسين ع يَا ابْنَ الْحَجَّاجِ أَ عَلَيَّ تُحَرِّضُ النَّاسَ أَ نَحْنُ مَرَقْنَا مِنَ الدِّينِ وَ أَنْتُمْ ثَبَتُّمْ عَلَيْهِ وَ اللَّهِ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا الْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ وَ مَنْ هُوَ أَوْلَى بِصَلْيِ النَّارِ.
ثم حمل عمرو بن الحجاج لعنه الله في ميمنته من نحو الفرات فاضطربوا
__________________________________________________
 (1) كذا في النسخ، و لكن لا يستقيم الرجز، و الظاهر أن القائل هلال بن حجاج فقال:
         أنا هلال البجليّ‏
          أنا على دين على‏
          و دينه دين النبيّ.

19
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

ساعة فصرع مسلم بن عوسجة و انصرف عمرو و أصحابه و انقطعت الغبرة فإذا مسلم صريع و قال محمد بن أبي طالب فسقط إلى الأرض و به رمق فمشى إليه الحسين و معه حبيب بن مظاهر فقال له الحسين ع رحمك الله يا مسلم فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ثم دنا منه حبيب فقال يعز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة فقال له قولا ضعيفا بشرك الله بخير فقال له حبيب لو لا أعلم أني في الأثر لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك فقال مسلم فإني أوصيك بهذا و أشار إلى الحسين ع فقاتل دونه حتى تموت فقال حبيب لأنعمتك عينا ثم مات رضوان الله عليه.
قال و صاحت جارية له يا سيداه يا ابن عوسجتاه فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين قتلنا مسلم بن عوسجة فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله ثكلتكم أمهاتكم أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم و تذلون عزكم أ تفرحون بقتل مسلم بن عوسجة أما و الذي أسلمت له لرب موقف له في المسلمين كريم لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين.
ثم حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة فثبتوا له «1» و قاتلهم أصحاب الحسين ع قتالا شديدا و إنما هم اثنان و ثلاثون فارسا فلا يحملون على جانب من أهل الكوفة إلا كشفوهم فدعا عمر بن سعد بالحصين بن نمير في خمسمائة من الرماة فاقتبلوا «2» حتى دنوا من الحسين و أصحابه فرشقوهم بالنبل فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم و قاتلوهم حتى انتصف النهار و اشتد القتال و لم يقدروا أن يأتوهم إلا من جانب واحد لاجتماع أبنيتهم و تقارب بعضها من بعض فأرسل عمر بن سعد الرجال ليقوضوها عن أيمانهم و شمائلهم ليحيطوا بهم و أخذ الثلاثة و الأربعة من أصحاب الحسين يتخللون فيشدون على الرجل يعرض و ينهب فيرمونه عن‏
__________________________________________________
 (1) في بعض النسخ و هكذا نسخة الإرشاد زيادة و هى: و طاعنوه و حمل على الحسين عليه السلام و أصحابه من كل جانب و قاتلهم إلخ.
 (2) في الأصل و هكذا سائر النسخ: فاقتتلوا. و هو سهو.

20
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قريب فيصرعونه فيقتلونه. فقال ابن سعد أحرقوها بالنار فأضرموا فيها فقال الحسين ع دعوهم يحرقوها فإنهم إذا فعلوا ذلك لم يجوزوا إليكم فكان كما قال ع و قيل أتاه شبث بن ربعي و قال أفزعنا النساء ثكلتك أمك فاستحيا و أخذوا لا يقاتلونهم إلا من وجه واحد و شد أصحاب زهير بن القين فقتلوا أبا عذرة الضبابي من أصحاب شمر فلم يزل يقتل من أصحاب الحسين الواحد و الاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم و يقتل من أصحاب عمر العشرة فلا يبين فيهم ذلك لكثرتهم.
فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين ع يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك و لا و الله لا تقتل حتى أقتل دونك و أحب أن ألقى الله ربي و قد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين رأسه إلى السماء و قال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين نعم هذا أول وقتها ثم قال سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي فقال الحصين بن نمير إنها لا تقبل فقال حبيب بن مظاهر لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله و تقبل منك يا ختار فحمل عليه حصين بن نمير و حمل عليه حبيب فضرب وجه فرسه بالسيف فشب «1» به الفرس و وقع عنه الحصين فاحتوشته أصحابه فاستنقذوه فقال الحسين ع لزهير بن القين و سعيد بن عبد الله تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف. و روي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين ع يمينا و شمالا قام بين يديه فما زال يرمى به حتى سقط إلى الأرض و هو يقول اللهم العنهم لعن عاد و ثمود اللهم أبلغ نبيك السلام عني و أبلغه ما لقيت من ألم الجراح فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك ثم مات رضوان الله عليه فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف و طعن الرماح.
__________________________________________________
 (1) شب الفرس شبابا- بالكسر- رفع يديه و قمص و حرن.

21
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و قال ابن نما و قيل صلى الحسين ع و أصحابه فرادى بالإيماء ثم قالوا ثم خرج عبد الرحمن بن عبد الله اليزني و هو يقول‏
          أنا ابن عبد الله من آل يزن             ديني على دين حسين و حسن‏
             أضربكم ضرب فتى من اليمن             أرجو بذاك الفوز عند المؤتمن‏
 ثم حمل فقاتل حتى قتل.
و قال السيد فخرج عمرو بن قرظة الأنصاري فاستأذن الحسين ع فأذن له فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء و بالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعا كثيرا من حزب ابن زياد و جمع بين سداد و جهاد و كان لا يأتي إلى الحسين سهم إلا اتقاه بيده و لا سيف إلا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل إلى الحسين سوء حتى أثخن بالجراح فالتفت إلى الحسين و قال يا ابن رسول الله أ وفيت قال نعم أنت أمامي في الجنة فأقرئ رسول الله مني السلام و أعلمه أني في الأثر فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه.
و في المناقب أنه كان يقول‏
          قد علمت كتيبة الأنصار             أن سوف أحمي حوزة الذمار
             ضرب غلام غير نكس شاري             دون حسين مهجتي و داري‏
 و قال السيد ثم تقدم جون مولى أبي ذر الغفاري و كان عبدا أسود فقال له الحسين أنت في إذن مني فإنما تبعتنا طلبا للعافية فلا تبتل بطريقنا فقال يا ابن رسول الله أنا في الرخاء ألحس قصاعكم و في الشدة أخذلكم و الله إن ريحي لمنتن و إن حسبي للئيم و لوني لأسود فتنفس علي بالجنة فتطيب ريحي و يشرف حسبي و يبيض وجهي لا و الله لا أفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم «1».
و قال محمد بن أبي طالب ثم برز للقتال و هو ينشد و يقول‏
          كيف يرى الكفار ضرب الأسود             بالسيف ضربا عن بني محمد
__________________________________________________
 (1) كتاب الملهوف ص 94- 96.

22
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

         أذب عنهم باللسان و اليد             أرجو به الجنة يوم المورد
 ثم قاتل حتى قتل فوقف عليه الحسين ع و قال اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهَهُ وَ طَيِّبْ رِيحَهُ وَ احْشُرْهُ مَعَ الْأَبْرَارِ وَ عَرِّفْ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.
وَ رُوِيَ عَنِ الْبَاقِرِ ع عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَحْضُرُونَ الْمَعْرَكَةَ وَ يَدْفِنُونَ الْقَتْلَى فَوَجَدُوا جَوْناً بَعْدَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَفُوحُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
و قال صاحب المناقب كان رجزه هكذا
          كيف يرى الفجار ضرب الأسود             بالمشرفي القاطع المهند
             بالسيف صلتا عن بني محمد             أذب عنهم باللسان و اليد
             أرجو بذلك الفوز عند المورد             من الإله الأحد الموحد
             إذ لا شفيع عنده كأحمد
 و قال السيد ثم برز عمرو بن خالد الصيداوي فقال للحسين ع يا أبا عبد الله قد هممت أن ألحق بأصحابي و كرهت أن أتخلف و أراك وحيدا من أهلك قتيلا فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ تَقَدَّمْ فَإِنَّا لَاحِقُونَ بِكَ عَنْ سَاعَةٍ فتقدم فقاتل حتى قتل.
قال و جاء حنظلة بن سعد الشبامي «1» فوقف بين يدي الحسين يقيه السهام و الرماح و السيوف بوجهه و نحره و أخذ ينادي يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ وَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ يا قوم لا تقتلوا حسينا فَيُسْحِتَكُمْ الله بِعَذابٍ وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى‏ «2».
و في المناقب فقال له الحسين يَا ابْنَ سَعْدٍ إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا الْعَذَابَ حِينَ رَدُّوا عَلَيْكَ مَا دَعَوْتَهُمْ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَ نَهَضُوا إِلَيْكَ يَشْتِمُونَكَ وَ أَصْحَابَكَ فَكَيْفَ‏
__________________________________________________
 (1) في الأصل الشاميّ و هو سهو و الصحيح ما في الصلب كما في الطبريّ ج 6 ص 254 و الشبام بطن من همدان.
 (2) الملهوف ص 96 و 97.

23
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

بِهِمُ الْآنَ وَ قَدْ قَتَلُوا إِخْوَانَكَ الصَّالِحِينَ قال صدقت جعلت فداك أ فلا نروح إلى ربنا فنلحق بإخواننا فقال له رُحْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَ مَا فِيهَا وَ إِلَى مُلْكٍ لا يَبْلى‏ فقال السلام عليك يا ابن رسول الله صلى الله عليك و على أهل بيتك و جمع بيننا و بينك في جنته قال آمين آمين ثم استقدم فقاتل قتالا شديدا فحملوا عليه فقتلوه رضوان الله عليه.
و قال السيد فتقدم سويد بن عمرو بن أبي المطاع و كان شريفا كثير الصلاة فقاتل قتال الأسد الباسل و بالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى و قد أثخن بالجراح فلم يزل كذلك و ليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين فتحامل و أخرج سكينا من خفه و جعل يقاتل حتى قتل «1».
و قال صاحب المناقب فخرج يحيى بن سليم المازني و هو يرتجز و يقول‏
          لأضربن القوم ضربا فيصلا             ضربا شديدا في العداة معجلا
             لا عاجزا فيها و لا مولولا             و لا أخاف اليوم موتا مقبلا
             لكنني كالليث أحمي أشبلا
 ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.
ثم خرج من بعده قرة بن أبي قرة الغفاري و هو يرتجز و يقول‏
          قد علمت حقا بنو غفار             و خندف بعد بني نزار
             بأني الليث لدى الغيار             لأضربن معشر الفجار
             بكل عضب ذكر بتار             ضربا وجيعا عن بني الأخيار
             رهط النبي السادة الأبرار
 قال ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.
و خرج من بعده مالك بن أنس المالكي و هو يرتجز و يقول‏
          قد علمت مالكها و الدودان             و الخندفيون و قيس عيلان‏
             بأن قومي آفة الأقران             لدى الوغى و سادة الفرسان‏
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 98.

24
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

         مباشرو الموت بطعن آن             لسنا نرى العجز عن الطعان‏
             آل علي شيعة الرحمن             آل زياد شيعة الشيطان‏
 ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله و قال ابن نما اسمه أنس بن حارث الكاهلي «1» و في المناقب ثم خرج من بعده عمرو بن مطاع الجعفي هو يقول‏
          أنا ابن جعف و أبي مطاع             و في يميني مرهف قطاع‏
             و أسمر في رأسه لماع             يرى له من ضوئه شعاع‏
             اليوم قد طاب لنا القراع             دون حسين الضرب و السطاع‏
             يرجى بذاك الفوز و الدفاع             عن حر نار حين لا انتفاع‏
 ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله و قالوا ثم خرج الحجاج بن مسروق و هو مؤذن الحسين ع و يقول‏
          أقدم حسين هاديا مهديا             اليوم تلقى جدك النبيا
             ثم أباك ذا الندا عليا             ذاك الذي نعرفه وصيا
             و الحسن الخير الرضي الوليا             و ذا الجناحين الفتى الكميا
             و أسد الله الشهيد الحيا
 ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله.
ثم خرج من بعده زهير بن القين رضي الله عنه و هو يرتجز و يقول‏
          أنا زهير و أنا ابن القين             أذودكم بالسيف عن حسين‏
             إن حسينا أحد السبطين             من عترة البر التقي الزين‏
             ذاك رسول الله غير المين             أضربكم و لا أرى من شين‏
             يا ليت نفسي قسمت قسمين‏
 و قال محمد بن أبي طالب فقاتل حتى قتل مائة و عشرين رجلا فشد عليه كثير بن‏
__________________________________________________
 (1) قد مر في ج 44 ص 320 نقلا عن أمالي الصدوق أنّه مالك بن أنس الكاهليّ و أنّه كان يقول: «قد علمت كاهلها و دودان» و ما ذكره ابن نما هو الصحيح كما عنونه في الإصابة و قال: له و لابيه صحبة.

25
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

عبد الله الشعبي و مهاجر بن أوس التميمي فقتلاه فقال الحسين ع حين صرع زهير لا يبعدك الله يا زهير و لعن قاتلك لعن الذين مسخوا قردة و خنازير.
ثم خرج سعيد بن عبد الله الحنفي و هو يرتجز
          أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا             و شيخك الحبر عليا ذا الندا
             و حسنا كالبدر وافى الأسعدا             و عمك القوم الهمام الأرشدا
             حمزة ليث الله يدعى أسدا             و ذا الجناحين تبوأ مقعدا
             في جنة الفردوس يعلو صعدا
 و قال في المناقب و قيل بل القائل لهذه الأبيات هو سويد بن عمرو بن أبي المطاع قال فلم يزل يقاتل حتى قتل.
ثم برز حبيب بن مظاهر الأسدي و هو يقول‏
          أنا حبيب و أبي مظهر             فارس هيجاء و حرب تسعر
             و أنتم عند العديد أكثر             و نحن أعلى حجة و أظهر
             و أنتم عند الوفاء أغدر             و نحن أوفى منكم و أصبر
             حقا و أنمى منكم و أعذر «1»
 و قاتل قتالا شديدا و قال أيضا
          أقسم لو كنا لكم أعدادا             أو شطركم وليتم الأكتادا «2»
             يا شر قوم حسبا و آدا             و شرهم قد علموا أندادا
 ثم حمل عليه رجل من بني تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن نمير لعنه الله على رأسه بالسيف فوقع و نزل التميمي فاجتز رأسه فهد مقتله الحسين‏
__________________________________________________
 (1) كذا في النسخ و الصحيح ما نقله الطبريّ عن أبي مخنف بتقديم و تاخير هكذا:
         أنتم أعد عدة و أكثر             و نحن أوفى منكم و أصبر
          و نحن اعلى حجة و أظهر             حقا و اتقى منكم و اعذر.
 (2) الكتد مثل الكتف: مجتمع الكتفين من الإنسان و الآد: القوّة كالايد. منه رحمه اللّه.

26
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

ع فقال عند الله أحتسب نفسي و حماة أصحابي و قيل بل قتله رجل يقال له بديل بن صريم و أخذ رأسه فعلقه في عنق فرسه فلما دخل مكة «1» رآه ابن حبيب و هو غلام غير مراهق فوثب إليه فقتله و أخذ رأسه.
و قال محمد بن أبي طالب فقتل اثنين و ستين رجلا فقتله الحصين بن نمير و علق رأسه في عنق فرسه.
ثم برز هلال بن نافع البجلي و هو يقول‏
          أرمي بها معلمة أفواقها             و النفس لا ينفعها إشفاقها
             مسمومة تجري بها أخفاقها             ليملأن أرضها رشاقها
 فلم يزل يرميهم حتى فنيت سهامه ثم ضرب يده إلى سيفه فاستله و جعل يقول‏
          أنا الغلام اليمني البجلي             ديني على دين حسين و علي‏
             إن أقتل اليوم فهذا أملي             فذاك رأيي و ألاقي عملي‏
 فقتل ثلاثة عشر رجلا فكسروا عضديه و أخذ أسيرا فقام إليه شمر فضرب عنقه.
قال ثم خرج شاب قتل أبوه في المعركة و كانت أمه معه فقالت له أمه اخرج يا بني و قاتل بين يدي ابن رسول الله فخرج فقال الحسين هذا شاب قتل أبوه و لعل أمه تكره خروجه فقال الشاب أمي أمرتني بذلك فبرز و هو يقول‏
          أميري حسين و نعم الأمير             سرور فؤاد البشير النذير
             علي و فاطمة والداه             فهل تعلمون له من نظير
             له طلعة مثل شمس الضحى             له غرة مثل بدر منير
__________________________________________________
 (1) كذا في النسخ و لا ريب انه مصحف «الكوفة» قال الطبريّ نقلا عن أبي مخنف ان بديل بن صريم أخذ رأس حبيب و أقبل به الى ابى زياد في القصر، فبصر به ابنه القاسم بن حبيب و هو يومئذ مراهق فلزمه كلما دخل دخل معه و إذا خرج خرج معه ليجد منه غرة فيقتله فلم يجد الى ذلك سبيلا حتّى إذا كان زمان مصعب فدخل عسكره فإذا قاتل أبيه في فسطاطه فدخل عليه يوما و هو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتّى برد. انتهى باختصار.

27
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و قاتل حتى قتل و جز رأسه و رمي به إلى عسكر الحسين ع فحملت أمه رأسه و قالت أحسنت يا بني يا سرور قلبي و يا قرة عيني ثم رمت برأس ابنها رجلا فقتلته و أخذت عمود خيمته و حملت عليهم و هي تقول‏
          أنا عجوز سيدي ضعيفة             خاوية بالية نحيفة
             أضربكم بضربة عنيفة             دون بني فاطمة الشريفة
 و ضربت رجلين فقتلتهما فأمر الحسين ع بصرفها و دعا لها.
و في المناقب ثم خرج جنادة بن الحارث الأنصاري و هو يقول‏
          أنا جناد و أنا ابن الحارث             لست بخوار و لا بناكث‏
             عن بيعتي حتى يرثني وارث             اليوم شلوي في الصعيد ماكث‏
 قال ثم حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله.
قال ثم خرج من بعده عمرو بن جنادة و هو يقول‏
          أضق الخناق من ابن هند و ارمه             من عامه بفوارس الأنصار
             و مهاجرين مخضبين رماحهم             تحت العجاجة من دم الكفار
             خضبت على عهد النبي محمد             فاليوم تخضب من دم الفجار
             و اليوم تخضب من دماء أراذل             رفضوا القرآن لنصرة الأشرار
             طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا             بالمرهفات و بالقنا الخطار
             و الله ربي لا أزال مضاربا             في الفاسقين بمرهف بتار
             هذا على الأزدي حق واجب             في كل يوم تعانق و كرار
 قال ثم خرج عبد الرحمن بن عروة فقال‏
          قد علمت حقا بنو غفار             و خندف بعد بني نزار
             لنضر بن معشر الفجار             بكل عضب ذكر بتار
             يا قوم ذودوا عن بني الأخيار             بالمشرفي و القنا الخطار
 ثم قاتل حتى قتل رحمه الله.
و قال محمد بن أبي طالب و جاء عابس بن أبي شبيب الشاكري معه شوذب مولى‏

28
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

شاكر و قال يا شوذب ما في نفسك أن تصنع قال ما أصنع أقاتل حتى أقتل قال ذاك الظن بك فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فإنه لا عمل بعد اليوم و إنما هو الحساب. فتقدم فسلم على الحسين ع و قال يا أبا عبد الله أما و الله ما أمسى على وجه الأرض قريب و لا بعيد أعز علي و لا أحب إلي منك و لو قدرت على أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشي‏ء أعز علي من نفسي و دمي لفعلت السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد أني على هداك و هدى أبيك ثم مضى بالسيف نحوهم.
قال ربيع بن تميم فلما رأيته مقبلا عرفته و قد كنت شاهدته في المغازي و كان أشجع الناس فقلت أيها الناس هذا أسد الأسود هذا ابن أبي شبيب لا يخرجن إليه أحد منكم فأخذ ينادي أ لا رجل أ لا رجل.
فقال عمر بن سعد ارضخوه بالحجارة من كل جانب فلما رأى ذلك ألقى درعه و مغفره ثم شد على الناس فو الله لقد رأيت يطرد أكثر من مائتين من الناس ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل فرأيت رأسه في أيدي رجال ذوي عدة هذا يقول أنا قتلته و الآخر يقول كذلك فقال عمر بن سعد لا تختصموا هذا لم يقتله إنسان واحد حتى فرق بينهم بهذا القول.
ثم جاءه عبد الله و عبد الرحمن الغفاريان فقالا يا أبا عبد الله السلام عليك إنه جئنا لنقتل بين يديك و ندفع عنك فقال مَرْحَباً بِكُمَا ادْنُوَا مِنِّي فَدَنَوَا مِنْهُ وَ هُمَا يَبْكِيَانِ فَقَالَ يَا ابْنَيْ أَخِي مَا يُبْكِيكُمَا فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَا بَعْدَ سَاعَةٍ قَرِيرَيِ الْعَيْنِ فَقَالا جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ وَ اللَّهِ مَا عَلَى أَنْفُسِنَا نَبْكِي وَ لَكِنْ نَبْكِي عَلَيْكَ نَرَاكَ قَدْ أُحِيطَ بِكَ وَ لَا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نَنْفَعَكَ فَقَالَ جَزَاكُمَا اللَّهُ يَا ابْنَيْ أَخِي بِوُجْدِكُمَا مِنْ ذَلِكَ وَ مُوَاسَاتِكُمَا إِيَّايَ بِأَنْفُسِكُمَا أَحْسَنَ جَزَاءِ الْمُتَّقِينَ ثُمَّ اسْتَقْدَمَا وَ قَالا السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ وَ عَلَيْكُمَا السَّلَامُ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ فقاتلا حتى قتلا.
                        ب

29
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قال ثم خرج غلام تركي كان للحسين ع و كان قارئا للقرآن فجعل يقاتل و يرتجز و يقول‏
          البحر من طعني و ضربي يصطلي             و الجو من سهمي و نبلي يمتلي‏
             إذا حسامي في يميني ينجلي             ينشق قلب الحاسد المبجل‏
 فقتل جماعة ثم سقط صريعا فجاءه الحسين ع فبكى و وضع خده على خده ففتح عينه فرأى الحسين ع فتبسم ثم صار إلى ربه رضي الله عنه.
قال ثم رماهم يزيد بن زياد بن الشعثاء بثمانية أسهم ما أخطأ منها بخمسة أسهم و كان كلما رمى قال الحسين ع اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَتَهُ وَ اجْعَلْ ثَوَابَهُ الْجَنَّةَ فحملوا عليه فقتلوه.
و قال ابن نما حدث مهران مولى بني كاهل قال شهدت كربلاء مع الحسين ع فرأيت رجلا يقاتل قتالا شديدا شديدا لا يحمل على قوم إلا كشفهم ثم يرجع إلى الحسين ع و يرتجز و يقول‏
          أبشر هديت الرشد تلقى أحمدا             في جنة الفردوس تعلو صعدا
 فقلت من هذا فقالوا أبو عمرو النهشلي و قيل الخثعمي فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني اللات من ثعلبة فقتله و اجتز رأسه و كان أبو عمرو هذا متهجدا كثير الصلاة.
و خرج يزيد بن مهاجر فقتل خمسة من أصحاب عمر بالنشاب و صار مع الحسين ع و هو يقول‏
          أنا يزيد و أبي المهاجر             كأنني ليث بغيل خادر «1»
__________________________________________________
 (1) ضبطه ابن شهرآشوب في المناقب ج 4 ص 103 «يزيد بن مهاصر» و الصدوق فيما مر عن الأمالي ج 44 ص 320 «زياد بن مهاصر».
و قال الطبريّ: هو يزيد بن زياد كان مع ابن سعد، فلما ردوا الشروط على الحسين صار معه ثمّ ذكر رميته و أنّه قال بعد ما قام: لقد تبين لي انى قتلت منهم خمسة.
و الغيل: الاجمة موضع الأسد، و الخادر: الكامن.

30
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

         يا رب إني للحسين ناصر             و لابن سعد تارك و هاجر
 و كان يكنى أبا الشعشاء من بني بهدلة من كندة.
قال و جاء رجل فقال أين الحسين فقال ها أنا ذا قال أبشر بالنار تردها الساعة قال بَلْ أَبْشِرْ بِرَبٍّ رَحِيمٍ وَ شَفِيعٍ مُطَاعٍ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ عَبْدُكَ كَاذِباً فَخُذْهُ إِلَى النَّارِ وَ اجْعَلْهُ الْيَوْمَ آيَةً لِأَصْحَابِهِ فما هو إلا أن ثنى عنان فرسه فرمى به و ثبتت رجله في الركاب فضربه حتى قطعه و وقعت مذاكيره في الأرض فو الله لقد عجبت من سرعة دعائه.
ثم جاء آخر فقال أين الحسين فقال ها أنا ذا قال أبشر بالنار قال أَبْشِرْ بِرَبٍّ رَحِيمٍ وَ شَفِيعٍ مُطَاعٍ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا شِمْرُ بْنُ ذِي الْجَوْشَنِ قَالَ الْحُسَيْنُ ع اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص رَأَيْتُ كَأَنَّ كَلْباً أَبْقَعَ يَلَغُ فِي دِمَاءِ أَهْلِ بَيْتِي وَ قَالَ الْحُسَيْنُ رَأَيْتُ كَأَنَّ كِلَاباً تَنْهَشُنِي وَ كَأَنَّ فِيهَا كَلْباً أَبْقَعَ كَانَ أَشَدَّهُمْ عَلَيَّ وَ هُوَ أَنْتَ وَ كَانَ أَبْرَصَ.
وَ نَقَلْتُ مِنَ التِّرْمِذِيِّ قِيلَ لِلصَّادِقِ ع كَمْ تَتَأَخَّرُ الرُّؤْيَا فَذَكَرَ مَنَامَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَكَانَ التَّأْوِيلُ بَعْدَ سِتِّينَ سَنَةً.
و تقدم سيف بن أبي الحارث بن سريع و مالك بن عبد الله بن سريع الجابريان بطن من همدان يقال لهم بنو جابر أمام الحسين ع ثم التقيا فقالا عليك السلام يا ابن رسول الله فقال عليكما السلام ثم قاتلا حتى قتلا.
ثم قال محمد بن أبي طالب و غيره و كان يأتي الحسين ع الرجل بعد الرجل فيقول السلام عليك يا ابن رسول الله فيجيبه الحسين و يقول و عليك السلام و نحن خلفك ثم يقرأ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ حتى قتلوا عن آخرهم رضوان الله عليهم و لم يبق مع الحسين إلا أهل بيته.
و هكذا يكون المؤمن يؤثر دينه على دنياه و موته على حياته في سبيل الله و ينصر الحق و إن قتل قال سبحانه وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ «1».
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 169.

31
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و لما وقف رسول الله ص على شهداء أحد و فيهم حمزة رضوان الله عليه و قال أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ أَوْدَاجُهُمْ تَشْخُبُ دَماً فَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَ الرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ.
و لما قتل أصحاب الحسين و لم يبق إلا أهل بيته و هم ولد علي و ولد جعفر و ولد عقيل و ولد الحسن و ولده ع اجتمعوا يودع بعضهم بعضا و عزموا على الحرب فأول من برز من أهل بيته عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب و هو يرتجز و يقول‏
          اليوم ألقى مسلما و هو أبي             و فتية بادوا على دين النبي‏
             ليسوا بقوم عرفوا بالكذب             لكن خيار و كرام النسب‏
             من هاشم السادات أهل الحسب‏
 و قال محمد بن أبي طالب فقاتل حتى قتل ثمانية و تسعين رجلا في ثلاث حملات ثم قتله عمرو بن صبيح الصيداوي و أسد بن مالك.
و قال أبو الفرج عبد الله بن مسلم أمه رقية بنت علي بن أبي طالب ع قتله عمرو بن صبيح فيما ذكرناه عن المدائني و عن حميد بن مسلم و ذكر أن السهم أصابه و هو واضع يده على جبينه فأثبته في راحته و جبهته و محمد بن مسلم بن عقيل أمه أم ولد قتله فيما رويناه عن أبي جعفر محمد بن علي ع أبو جرهم الأزدي و لقيط بن إياس الجهني «1».
و قال محمد بن أبي طالب و غيره ثم خرج من بعده جعفر بن عقيل و هو يرتجز و يقول‏
          أنا الغلام الأبطحي الطالبي             من معشر في هاشم و غالب‏
             و نحن حقا سادة الذوائب             هذا حسين أطيب الأطايب‏
             من عترة البر التقي العاقب
__________________________________________________
 (1) مقاتل الطالبيين ص 66 و 67.

32
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فقتل خمسة عشر فارسا و قال ابن شهرآشوب و قيل قتل رجلين ثم قتله بشر بن سوط الهمداني «1» و قال أبو الفرج أمه أم الثغر بنت عامر العامري قتله عروة بن عبد الله الخثعمي فيما رويناه عن أبي جعفر الباقر ع و عن حميد بن مسلم.
و قالوا ثم خرج من بعده أخوه عبد الرحمن بن عقيل و هو يقول‏
          أبي عقيل فاعرفوا مكاني             من هاشم و هاشم إخواني‏
             كهول صدق سادة الأقران             هذا حسين شامخ البنيان‏
             و سيد الشيب مع الشبان‏
 فقتل سبعة عشر فارسا ثم قتله عثمان بن خالد الجهني.
و قال أبو الفرج و عبد الله بن عقيل بن أبي طالب أمه أم ولد و قتله عثمان بن خالد بن أشيم الجهني و بشر بن حوط القابضي فيما ذكر سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم و عبد الله الأكبر بن عقيل أمه أم ولد قتله فيما ذكر المدائني عثمان بن خالد الجهني و رجل من همدان و لم يذكر عبد الرحمن أصلا.
ثم قال و محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب الأحول و أمه أم ولد قتله لقيط بن ياسر الجهني رماه بسهم- فيما رويناه عن المدائني عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم و ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل معه جعفر بن محمد بن عقيل و وصف أنه قد سمع أيضا من يذكر أنه قد قتل يوم الحرة.
و قال أبو الفرج ما رأيت في كتب الأنساب لمحمد بن عقيل ابنا يسمى جعفرا و ذكر أيضا محمد بن علي بن حمزة عن عقيل بن عبد الله بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب أن علي بن عقيل و أمه أم ولد قتل يومئذ «2».
__________________________________________________
 (1) راجع المناقب ج 4 ص 105، و فيه فقتل رجلين، و في قول خمسة عشر فارسا قتله بشر بن سوط الهمدانيّ، و سيجي‏ء أن الرجل بشر بن حوط القابضى، و قابض بن زيد:
بطن من همدان.
 (2) مقاتل الطالبيين ص 65- 67.

33
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

ثم قالوا و خرج من بعده محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب و هو يقول‏
          نشكو إلى الله من العدوان             قتال قوم في الردى عميان‏
             قد تركوا معالم القرآن             و محكم التنزيل و التبيان‏
             و أظهروا الكفر مع الطغيان‏
 ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس ثم قتله عامر بن نهشل التميمي.
ثم خرج من بعده عون بن عبد الله بن جعفر و هو يقول‏
          إن تنكروني فأنا ابن جعفر             شهيد صدق في الجنان أزهر
             يطير فيها بجناح أخضر             كفى بهذا شرفا في المحشر
 ثم قاتل حتى قتل من القوم ثلاثة فوارس و ثمانية عشر راجلا ثم قتله عبد الله بن بطة الطائي.
قال أبو الفرج بعد ذكر قتل محمد و عون و إن عونا قتله عبد الله بن قطنة التيهاني «1» و عبيد الله بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ذكر يحيى بن الحسن فيما أخبرني به أحمد بن سعيد عنه أنه قتل مع الحسين ع بالطف.
ثم قال أبو الفرج و محمد بن أبي طالب و غيرهما ثم خرج من بعده عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع و في أكثر الروايات أنه القاسم بن الحسن ع و هو غلام صغير لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين إليه قد برز اعتنقه و جعلا يبكيان حتى غشي عليهما ثم استأذن الحسين ع في المبارزة فأبى الحسين أن يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه و رجليه حتى أذن له فخرج و دموعه تسيل على خديه و هو يقول‏
          إن تنكروني فأنا ابن الحسن «2»             سبط النبي المصطفى و المؤتمن‏
             هذا حسين كالأسير المرتهن             بين أناس لا سقوا صوب المزن‏
__________________________________________________
 (1) و هكذا في المناقب لابن شهرآشوب ج 4 ص 106 عبد اللّه بن قطنة الطائى و قد يقال عبد اللّه بن قطبة البتهانى، و أظنه التينانى بطن من بجيلة من القحطانية أو هو النبهانى: أبو حى.
 (2) في المناقب: ان تنكرونى فأنا فرع الحسن و هو أوفق بالوزن.

34
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و كان وجهه كفلقة القمر فقاتل قتالا شديدا حتى قتل على صغره خمسة و ثلاثين رجلا قال حميد كنت في عسكر ابن سعد فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص و إزار و نعلان قد انقطع شسع أحدهما ما أنسى أنه كان اليسرى فقال عمرو بن سعد الأزدي و الله لأشدن عليه فقلت سبحان الله و ما تريد بذلك و الله لو ضربني ما بسطت إليه يدي يكفيه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه قال و الله لأفعلن فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف و وقع الغلام لوجهه و نادى يا عماه.
قال فجاء الحسين كالصقر المنقض فتخلل الصفوف و شد شدة الليث الحرب فضرب عمرا قاتله بالسيف فاتقاه بيده فأطنها من المرفق فصاح ثم تنحى عنه و حملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمرا من الحسين فاستقبلته بصدورها و جرحته بحوافرها و وطئته حتى مات الغلام «1» فانجلت الغبرة فإذا بالحسين قائم على رأس الغلام و هو يفحص برجله فقال الحسين يَعَزُّ وَ اللَّهِ عَلَى عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوَهُ فَلَا يُجِيبَكَ أَوْ يُجِيبَكَ فَلَا يُعِينَكَ أَوْ يُعِينَكَ فَلَا يُغْنِي عَنْكَ بُعْداً لِقَوْمٍ قَتَلُوكَ.
__________________________________________________
 (1) قد اقتحم هاهنا لفظ [الغلام‏] و هو سهو ظاهر، يخالف نسخة المقاتل و الإرشاد و مناقب ابن شهرآشوب، و يخالف لفظ الكتاب أيضا، حيث يقول بعده «و هو يفحص برجله» فانما يفحص برجله: اي يجود بنفسه، الذي لم يمت بعد، خصوصا مع مخاطبة الحسين عليه السلام له بقوله: «يعزّ و اللّه على عمك» الخ. فالمائت تحت حوافر الخيل و سنابكها عدو اللّه عمرو بن سعد بن نفيل الأزديّ لا رحمه اللّه، و لكن عبارة المصنّف رحمه اللّه يفيد أنه هو القاسم بن الحسن.
أما نسخة المقاتل ففيه: فضرب عمرا بالسيف فاتقاه بساعده فأطنها من لدن المرفق ثمّ تنحى عنه و حملت خيل عمر بن سعد لتستنقذه من الحسين فلما حملت الخيل استقبلته بصدورها و جالت فتوطأته فلم يرم حتّى مات لعنه اللّه و أخزاه، فلما تجلت الغبرة إذا بالحسين على رأس الغلام و هو يفحص برجله و حسين يقول الخبر. و قد يظهر أن لفظ [الغلام‏] كان في نسخة المصنّف مصحفا عن كلمة [لعنه اللّه‏] التي تكتب هكذا «لعل».
راجع مقاتل الطالبيين ص 62، الإرشاد ص 223 و 224، مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج 4 ص 106 و 107.

35
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

ثم احتمله فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض و قد وضع صدره على صدره فقلت في نفسي ما يصنع فجاء حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.
ثم قال اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً وَ اقْتُلْهُمْ بَدَداً وَ لَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً وَ لَا تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً صَبْراً يَا بَنِي عُمُومَتِي صَبْراً يَا أَهْلَ بَيْتِي لَا رَأَيْتُمْ هَوَاناً بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ أَبَداً ثم خرج عبد الله بن الحسن الذي ذكرناه أولا و هو الأصح أنه برز بعد القاسم و هو يقول‏
          إن تنكروني فأنا ابن حيدرة             ضرغام آجام و ليث قسورة
             على الأعادي مثل ريح صرصرة
 فقتل أربعة عشر رجلا ثم قتله هانئ بن ثبيت الحضرمي فاسود وجهه قَالَ أَبُو الْفَرَجِ كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ ع يَذْكُرُ أَنَّ حَرْمَلَةَ بْنَ كَاهِلٍ الْأَسَدِيَّ قَتَلَهُ و روي عن هانئ بن ثبيت القابضي أن رجلا منهم قتله.
ثم قال و أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب و أمه أم ولد- ذكر المدائني في إسنادنا عنه عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد أن عبد الله بن عقبة الغنوي قتله- و في حديث عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع أن عقبة الغنوي قتله «1».
قالوا ثم تقدمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه فأول من خرج منهم أبو بكر بن علي و اسمه عبيد الله و أمه ليلى بنت مسعود بن خالد بن ربعي التميمية فتقدم و هو يرتجز
          شيخي علي ذو الفخار الأطول             من هاشم الصدق الكريم المفضل‏
             هذا حسين بن النبي المرسل             عنه نحامي بالحسام المصقل‏
             تفديه نفسي من أخ مبجل‏
 فلم يزل يقاتل حتى قتله زحر بن بدر النخعي و قيل عبيد الله بن عقبة الغنوي قال‏
__________________________________________________
 (1) المصدر ص 61.

36
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

أبو الفرج لا يعرف اسمه و ذكر أبو جعفر الباقر ع في الإسناد الذي تقدم أن رجلا من همدان قتله و ذكر المدائني أنه وجد في ساقية مقتولا لا يدرى من قتله.
قالوا ثم برز من بعده أخوه عمر بن علي و هو يقول‏
          أضربكم و لا أرى فيكم زحر             ذاك الشقي بالنبي قد كفر
             يا زحر يا زحر تدان من عمر             لعلك اليوم تبوأ من سقر
             شر مكان في حريق و سعر             لأنك الجاحد يا شر البشر
 ثم حمل على زحر قاتل أخيه فقتله و استقبل القوم و جعل يضرب بسيفه ضربا منكرا و هو يقول‏
          خلوا عداه الله خلوا عن عمر             خلوا عن الليث العبوس المكفهر
             يضربكم بسيفه و لا يفر             و ليس فيها كالجبان المنجحر
 فلم يزل يقاتل حتى قتل.
ثم برز من بعده أخوه عثمان بن علي و أمه أم البنين بنت حزام بن خالد من بني كلاب و هو يقول‏
          إني أنا عثمان ذو المفاخر             شيخي علي ذو الفعال الظاهر
             و ابن عم للنبي الطاهر             أخي حسين خيرة الأخاير
             و سيد الكبار و الأصاغر             بعد الرسول و الوصي الناصر
 فرماه خولي بن يزيد الأصبحي على جبينه فسقط عن فرسه و جز رأسه رجل من بني أبان بن حازم- قال أبو الفرج قال يحيى بن الحسن عن علي بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن و عبد الله بن العباس قالا قتل عثمان بن علي و هو ابن إحدى و عشرين سنة و قال الضحاك بإسناده إن خولي بن يزيد رمى عثمان بن علي بسهم فأسقطه «1» و شد عليه رجل من بني أبان دارم و أخذ رأسه وَ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ع‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر: فأوهطه، و هو الأصحّ: يقال أوهطه: أضعفه و أوهنه و أثخنه ضربا و قيل: صرعه صرعة لا يقوم منها.

37
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا سَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَخِي عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ «1» أقول و لم يذكر أبو الفرج عمر بن علي في المقتولين يومئذ.
قالوا ثم برز من بعده أخوه جعفر بن علي و أمه أم البنين أيضا و هو يقول‏
          إني أنا جعفر ذو المعالي             ابن علي الخير ذو النوال‏
             حسبي بعمي شرفا و خالي             أحمي حسينا ذي الندى المفضال‏
 ثم قاتل فرماه خولي الأصبحي فأصاب شقيقته أو عينه.
ثم برز أخوه عبد الله بن علي و هو يقول‏
          أنا ابن ذي النجدة و الإفضال             ذاك علي الخير ذو الفعال‏
             سيف رسول الله ذو النكال             في كل قوم ظاهر الأهوال‏
 فقتله هانئ بن ثبيت الحضرمي.
- قال أبو الفرج حدثني أحمد بن سعيد عن يحيى بن الحسن عن علي بن إبراهيم عن عبيد الله بن الحسن و عبد الله بن العباس قالا قتل عبد الله بن علي بن أبي طالب ع و هو ابن خمس و عشرين سنة و لا عقب له و قتل جعفر بن علي و هو ابن تسع عشرة سنة- حدثني أحمد بن عيسى عن حسين بن نصر عن أبيه عن عمر بن سعد عن أبي مخنف عن عبد الله بن عاصم عن ضحاك المشرقي «2» قال قال العباس بن علي لأخيه من أبيه و أمه عبد الله بن علي تقدم بين يدي حتى أراك و أحتسبك فإنه لا ولد لك فتقدم بين يديه و شد عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فقتله و بهذا الإسناد أن العباس بن علي قدم أخاه جعفرا بين يديه «3» فشد عليه هانئ بن ثبيت الذي قتل أخاه فقتله- وَ قَالَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ‏
__________________________________________________
 (1) مقاتل الطالبيين ص 58.
 (2) قال الفيروزآبادي: و الضحّاك المشرقى تابعي أو صوابه كسر الميم و فتح الراء نسبة الى مشرق بطن من همدان، أقول: و مثله في المشتبه للذهبى ص 485.
 (3) زاد في المصدر: و هو لانه لم يكن له ولد ليحوز ولد العباس بن على ميراثه.

38
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع أَنَّ خَوْلِيَّ بْنَ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيَّ قَتَلَ جَعْفَرَ بْنَ عَلِيٍّ ع.
ثم قال و محمد الأصغر بن علي بن أبي طالب و أمه أم ولد- حدثني أحمد بن عيسى عن حسين بن نصر عن أبيه عن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر ع و- حدثني أحمد بن أبي شيبة عن أحمد بن الحارث عن المدائني أن رجلا من تميم من بني أبان بن دارم قتله رضوان الله عليه.
قال و قد ذكر محمد بن علي بن حمزة أنه قتل يومئذ إبراهيم بن علي بن أبي طالب ع و أمه أم ولد و ما سمعت بهذا عن غيره و لا رأيت لإبراهيم في شي‏ء من كتب الأنساب ذكرا- و ذكر يحيى بن الحسن أن أبا بكر بن عبيد الله الطلحي حدثه عن أبيه أن عبيد الله بن علي قتل مع الحسين و هذا خطأ و إنما قتل عبيد الله يوم المذار قتله أصحاب المختار و قد رأيته بالمذار «1».
و قال كان العباس بن علي يكنى أبا الفضل و أمه أم البنين أيضا و هو أكبر ولدها و هو آخر من قتل من إخوته لأبيه و أمه فحاز مواريثهم «2» ثم تقدم فقتل فورثهم و إياه عبيد الله و نازعه في ذلك عمه عمر بن علي فصولح على شي‏ء أرضي به.
و كان العباس رجلا وسيما جميلا يركب الفرس المطهم و رجلاه يخطان في الأرض و كان يقال له قمر بني هاشم و كان لواء الحسين ع معه- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنِ ابْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ: عَبَّأَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ أَصْحَابَهُ فَأَعْطَى رَايَتَهُ‏
__________________________________________________
 (1) المذار- كسحاب- بلد بين واسط و البصرة، و بها كانت يوم لمصعب بن الزبير على أحمر بن شميط البجليّ، راجع أيّام العرب في الإسلام للميدانى بذيل مجمع الامثال ج 2 ص 447.
 (2) في المصدر: لانه كان له عقب، و لم يكن لهم؛ فقدمهم بين يديه فقتلوا جميعا فحاز مواريثهم.

39
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

أَخَاهُ الْعَبَّاسَ- حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى عَنْ حُسَيْنِ بْنِ نَصْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع أَنَّ زَيْدَ بْنَ رُقَادٍ وَ حَكِيمَ بْنَ الطُّفَيْلِ الطَّائِيَّ قَتَلَا الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍّ ع وَ كَانَتْ أُمُّ الْبَنِينِ أُمَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْإِخْوَةِ الْقَتْلَى تَخْرُجُ إِلَى الْبَقِيعِ فَتَنْدُبُ بَنِيهَا أَشْجَى نُدْبَةٍ وَ أَحْرَقَهَا فَيَجْتَمِعُ النَّاسُ إِلَيْهَا يَسْمَعُونَ مِنْهَا فَكَانَ مَرْوَانُ يَجِي‏ءُ فِيمَنْ يَجِي‏ءُ لِذَلِكَ فَلَا يَزَالُ يَسْمَعُ نُدْبَتَهَا وَ يَبْكِي- ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَمْزَةَ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى الْجُهَنِيِّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع «1»
قالوا و كان العباس السقاء قمر بني هاشم صاحب لواء الحسين ع و هو أكبر الإخوان مضى يطلب الماء فحملوا عليه و حمل عليهم و جعل يقول‏
          لا أرهب الموت إذا الموت رقا «2»             حتى أواري في المصاليت لقى‏
             نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا             إني أنا العباس أغدو بالسقا
             و لا أخاف الشر يوم الملتقى‏
 ففرقهم فكمن له زيد بن ورقاء «3» من وراء نخلة و عاونه حكيم بن الطفيل السنبسي فضربه على يمينه فأخذ السيف بشماله و حمل و هو يرتجز
          و الله إن قطعتم يميني             إني أحامي أبدا عن ديني‏
             و عن إمام صادق اليقين             نجل النبي الطاهر الأمين‏
 فقاتل حتى ضعف فكمن له الحكم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال‏
          يا نفس لا تخشي من الكفار             و أبشري برحمة الجبار
__________________________________________________
 (1) مقاتل الطالبيين ص 59.         
 (2) في بعض النسخ «زقا» أي صاح، كانت العرب تزعم ان روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتزقو عند قبره تقول: اسقونى اسقونى، فإذا أدرك بثأره طارت.        
 (3) هكذا في نسخة الإرشاد ص 225 و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 108، و قد مر عن المقاتل أنّه زيد بن رقاد فتحرر.

40
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

         مع النبي السيد المختار             قد قطعوا ببغيهم يساري‏
             فأصلهم يا رب حر النار
 فضربه ملعون بعمود من حديد فقتله فلما رآه الحسين ع صريعا على شاطئ الفرات بكى و أنشأ يقول‏
          تعديتم يا شر قوم ببغيكم             و خالفتم دين النبي محمد
             أ ما كان خير الرسل أوصاكم بنا             أ ما نحن من نجل النبي المسدد
             أ ما كانت الزهراء أمي دونكم             أ ما كان من خير البرية أحمد
             لعنتم و أخزيتم بما قد جنيتم             فسوف تلاقوا حر نار توقد
 أقول و في بعض تأليفات أصحابنا أن العباس لما رأى وحدته ع أتى أخاه و قال يا أخي هل من رخصة فبكى الحسين ع بكاء شديدا ثم قال يا أَخِي أَنْتَ صَاحِبُ لِوَائِي وَ إِذَا مَضَيْتَ تَفَرَّقَ عَسْكَرِي «1» فَقَالَ الْعَبَّاسُ قَدْ ضَاقَ صَدْرِي وَ سَئِمْتُ مِنَ الْحَيَاةِ وَ أُرِيدُ أَنْ أَطْلُبَ ثَأْرِي مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ.
فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع فَاطْلُبْ لِهَؤُلَاءِ الْأَطْفَالِ قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ فذهب العباس و وعظهم و حذرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه فأخبره فسمع الأطفال ينادون العطش العطش فركب فرسه و أخذ رمحه و القربة و قصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات و رموه بالنبال فكشفهم و قتل منهم على ما روي ثمانين رجلا حتى دخل الماء.
فلما أراد أن يشرب غرفة من الماء ذكر عطش الحسين و أهل بيته فرمى الماء و ملأ القربة «2» و حملها على كتفه الأيمن و توجه نحو الخيمة فقطعوا عليه‏
__________________________________________________
 (1) هذه رواية مرسلة عن كتاب مجهول، يخالف كل المقاتل. فان أصحاب الحسين عليه السلام كلهم قد تفانوا دون أهل بيته، و كان العباس عليه السلام آخر المستشهدين مع أخيه الحسين فلم يكن هناك عسكر! حتى يقول الحسين: إذا مضيت تفرق عسكرى.
 (2) و قال على ما روى:
         يا نفس من بعد الحسين هونى             و بعده لا كنت ان تكونى‏
          هذا الحسين وارد المنون             و تشربين بارد المعين‏
          تاللّه ما هذا فعال دينى.

41
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

الطريق و أحاطوا به من كل جانب فحاربهم حتى ضربه نوفل الأزرق على يده اليمنى فقطعها فحمل القربة على كتفه الأيسر فضربه نوفل فقطع يده اليسرى من الزند فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة و أريق ماؤها ثم جاءه سهم آخر فأصاب صدره فانقلب عن فرسه و صاح إلى أخيه الحسين أدركني فلما أتاه رآه صريعا فبكى و حمله إلى الخيمة.
ثم قالوا و لما قتل العباس قال الحسين ع الْآنَ انْكَسَرَ ظَهْرِي وَ قَلَّتْ حِيلَتِي.
قال ابن شهرآشوب ثم برز القاسم بن الحسين «1» و هو يرتجز و يقول‏
          إن تنكروني فأنا ابن حيدرة             ضرغام آجام و ليث قسورة
             على الأعادي مثل ريح صرصرة             أكيلكم بالسيف كيل السندرة «2»
 و ذكر هذا بعد أن ذكر القاسم بن الحسن سابقا و فيه غرابة «3».
قالوا ثم تقدم علي بن الحسين ع و قال محمد بن أبي طالب و أبو الفرج و أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي و هو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة و قال ابن شهرآشوب و يقال ابن خمس و عشرين سنة «4».
قالوا و رفع الحسين سبابته نحو السماء «5» و قال اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَى هَؤُلَاءِ
__________________________________________________
 (1) القاسم بن الحسن خ ل.
 (2) قد مر في ما سبق أن هذا الرجز لعبد اللّه بن الحسن.
 (3) و الظاهر أنّه أراد القاسم بن الحسن عليه السلام و انما كرره لاختلاف الرواية في ترتيب الشهداء، و هكذا في رجزه، قال في ج 4 ص 106: ثم برز أخوه- يعنى عبد اللّه بن الحسن- القاسم و عليه ثوب و ازار و نعلان فقط و كأنّه فلقة قمر، و أنشأ يقول:
         انى أنا القاسم من نسل على             نحن و بيت اللّه أولى بالنبى‏
          من شمر ذى الجوشن أو ابن الدعى.
 (4) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 109، مقاتل الطالبيين ص 55 و 56.
 (5) شيبته خ ل.

42
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

الْقَوْمِ فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمْ غُلَامٌ أَشْبَهُ النَّاسِ خَلْقاً وَ خُلُقاً وَ مَنْطِقاً بِرَسُولِكَ كُنَّا إِذَا اشْتَقْنَا إِلَى نَبِيِّكَ نَظَرْنَا إِلَى وَجْهِهِ اللَّهُمَّ امْنَعْهُمْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَ فَرِّقْهُمْ تَفْرِيقاً وَ مَزِّقْهُمْ تَمْزِيقاً وَ اجْعَلْهُمْ طَرَائِقَ قِدَداً وَ لَا تُرْضِ الْوُلَاةَ عَنْهُمْ أَبَداً فَإِنَّهُمْ دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا ثُمَّ عَدَوْا عَلَيْنَا يُقَاتِلُونَنَا.
ثُمَّ صَاحَ الْحُسَيْنُ بِعُمَرَ بْنِ سَعْدٍ مَا لَكَ قَطَعَ اللَّهُ رَحِمَكَ وَ لَا بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَمْرِكَ وَ سَلَّطَ عَلَيْكَ مَنْ يَذْبَحُكَ بَعْدِي عَلَى فِرَاشِكَ كَمَا قَطَعْتَ رَحِمِي وَ لَمْ تَحْفَظْ قَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ رَفَعَ الْحُسَيْنُ ع صَوْتَهُ وَ تَلَا إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ- ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ثم حمل علي بن الحسين على القوم و هو يقول‏
          أنا علي بن الحسين بن علي             من عصبة جد أبيهم النبي‏
             و الله لا يحكم فينا ابن الدعي             أطعنكم بالرمح حتى ينثني‏
             أضربكم بالسيف أحمي عن أبي             ضرب غلام هاشمي علوي‏
 فلم يزل يقاتل حتى ضج الناس من كثرة من قتل منهم و روي أنه قتل على عطشه مائة و عشرين رجلا ثم رجع إلى أبيه و قد أصابته جراحات كثيرة فقال يا أبه العطش قد قتلني و ثقل الحديد أجهدني فهل إلى شربة من ماء سبيل أتقوى بها على الأعداء فبكى الحسين ع و قال يا بني يعز على محمد و على علي بن أبي طالب و علي أن تدعوهم فلا يجيبوك و تستغيث بهم فلا يغيثوك يا بني هات لسانك فأخذ بلسانه فمصه و دفع إليه خاتمه و قال امسكه في فيك و ارجع إلى قتال عدوك فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبدا فرجع إلى القتال و هو يقول‏
          الحرب قد بانت لها الحقائق             و ظهرت من بعدها مصادق‏
             و الله رب العرش لا نفارق             جموعكم أو تغمد البوارق‏

43
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فلم يزل قتل تمام المائتين ثم ضربه منقذ بن مرة العبدي «1» على مفرق رأسه ضربة صرعته و ضربه الناس بأسيافهم ثم اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء فقطعوه بسيوفهم إربا إربا.
فلما بلغت الروح التراقي قال رافعا صوته يا أبتاه هذا جدي رسول الله صلى الله عليه و آله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبدا و هو يقول العجل العجل فإن لك كأسا مذخورة حتى تشربها الساعة فصاح الحسين ع و قال قَتَلَ اللَّهُ قَوْماً قَتَلُوكَ مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمَنِ وَ عَلَى رَسُولِهِ وَ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرَّسُولِ عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفَا.
قال حميد بن مسلم فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة تنادي بالويل و الثبور و تقول يا حبيباه يا ثمرة فؤاداه يا نور عيناه فسألت عنها فقيل هي زينب بنت علي ع و جاءت و انكبت عليه فجاء الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط و أقبل ع بفتيانه و قال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
و قال المفيد و ابن نما بعد ذلك ثم رمى رجل من أصحاب عمر بن سعد يقال له عمرو بن صبيح عبد الله بن مسلم بن عقيل بسهم فوضع عبد الله يده على جبهته يتقيه فأصاب السهم كفه و نفذ إلى جبهته فسمّرها به فلم يستطع تحريكها ثم انحنى عليه آخر برمحه فطعنه في قلبه فقتله.
و حمل عبد الله بن قطبة الطائي على عون بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله و حمل عامر بن نهشل التميمي على محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فقتله و شد عثمان بن خالد الهمداني على عبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب فقتله «2».
__________________________________________________
 (1) كذا في الأصل و نقل عن مقتل العوالم ص 95 أيضا و لكن المشهور كما في الطبريّ ج 6 ص 625 مرة بن منقذ بن النعمان العبدى ثمّ الليثى و هكذا ابن الأثير ج 4 ص 30، الاخبار الطوال ص 254، مقاتل الطالبيين ص 84 و غير ذلك.
 (2) الإرشاد ص 223.

44
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

- وَ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ فِي الْمَقَاتِلِ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع أَنَّ أَوَّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ مَعَ الْحُسَيْنِ ابْنُهُ عَلِيٌّ- وَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ وَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: لَمَّا بَرَزَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنَ إِلَيْهِمْ أَرْخَى الْحُسَيْنُ ع عَيْنَيْهِ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ فَكُنْ أَنْتَ الشَّهِيدَ عَلَيْهِمْ فَقَدْ بَرَزَ إِلَيْهِمْ غُلَامٌ أَشْبَهُ الْخَلْقِ بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَجَعَلَ يَشُدُّ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى أَبِيهِ فَيَقُولُ يَا أَبَهْ الْعَطَشَ فَيَقُولُ لَهُ الْحُسَيْنُ اصْبِرْ حَبِيبِي فَإِنَّكَ لَا تُمْسِي حَتَّى يَسْقِيَكَ رَسُولُ اللَّهِ بِكَأْسِهِ وَ جَعَلَ يَكُرُّ كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةٍ حَتَّى رُمِيَ بِسَهْمٍ فَوَقَعَ فِي حَلْقِهِ فَخَرَقَهُ وَ أَقْبَلَ يَتَقَلَّبُ فِي دَمِهِ ثُمَّ نَادَى يَا أَبَتَاهْ عَلَيْكَ السَّلَامُ هَذَا جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَ يَقُولُ عَجِّلِ الْقَدُومَ عَلَيْنَا وَ شَهَقَ شَهْقَةً فَارَقَ الدُّنْيَا «1».
قال أبو الفرج علي بن الحسين هذا هو الأكبر و لا عقب له و يكنى أبا الحسن و أمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي و هو أول من قتل في الوقعة و إياه عنى معاوية في الخبر الذي- حدثني به محمد بن محمد بن سليمان عن يوسف بن موسى القطان عن جرير عن مغيرة قال قال معاوية من أحق الناس بهذا الأمر قالوا أنت قال لا أولى الناس بهذا الأمر علي بن الحسين بن علي جده رسول الله و فيه شجاعة بني هاشم و سخاء بني أمية و زهو ثقيف.
و قال يحيى بن الحسن العلوي و أصحابنا الطالبيون يذكرون أن المقتول لأم ولد و أن الذي أمه ليلى هو جدهم و ولد في خلافة عثمان «2».
ثم قالوا و خرج غلام و بيده عمود «3» من تلك الأبنية و في أذنيه درتان‏
__________________________________________________
 (1) مقاتل الطالبيين ص 85.
 (2) المصدر ص 55 و 56.
 (3) الزيادة من الطبريّ ج 6 ص 258 و البداية ج 8 ص 186.
قالا: قال هانئ بن ثبيت الحضرمى: «انى لواقف عاشر عشرة لما صرع الحسين.

45
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و هو مذعور فجعل يلتفت يمينا و شمالا و قرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله فصارت شهربانو تنظر إليه و لا تتكلم كالمدهوشة.
ثم التفت الحسين عن يمينه فلم ير أحدا من الرجال و التفت عن يساره فلم ير أحدا فخرج علي بن الحسين زين العابدين ع و كان مريضا لا يقدر أن يقل سيفه و أم كلثوم تنادي خلفه يا بني ارجع فقال يَا عَمَّتَاهْ ذَرِينِي أُقَاتِلْ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع يَا أُمَّ كُلْثُومٍ خُذِيهِ لِئَلَّا تَبْقَى الْأَرْضُ خَالِيَةً مِنْ نَسْلِ آلِ مُحَمَّدٍ ص.
و لما فجع الحسين بأهل بيته و ولده و لم يبق غيره و غير النساء و الذراري نادى هَلْ مِنْ ذَابٍّ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ مِنْ مُوَحِّدٍ يَخَافُ اللَّهَ فِينَا هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو اللَّهَ فِي إِغَاثَتِنَا وَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النِّسَاءِ بِالْعَوِيلِ فَتَقَدَّمَ ع إِلَى بَابِ الْخَيْمَةِ فَقَالَ نَاوِلُونِي عَلِيّاً ابْنِيَ الطِّفْلَ حَتَّى أُوَدِّعَهُ فَنَاوَلُوهُ الصَّبِيَّ.
و قال المفيد دعا ابنه عبد الله «1» قالوا فجعل يقبله و هو يقول وَيْلٌ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ إِذَا كَانَ جَدُّكَ مُحَمَّدٌ الْمُصْطَفَى خَصْمَهُمْ و الصبي في حجره إذ رماه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم فذبحه في حجر الحسين فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به إلى السماء.
و قال السيد ثم قال هَوَّنَ عَلَيَّ مَا نَزَلَ بِي أَنَّهُ بِعَيْنِ اللَّهِ قَالَ الْبَاقِرُ ع فَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ قَطْرَةٌ إِلَى الْأَرْضِ «2».
__________________________________________________
اذ نظرت الى غلام من آل الحسين عليه ازار و قميص و في اذنيه درتان و بيده عمود من تلك الابنية و هو مذعور يلتفت يمينا و شمالا فأقبل رجل يركض حتّى إذا دنا منه مال عن فرسه و علاه بالسيف و قطعه، فلما عيب عليه كنى عن نفسه».
فعدو اللّه هو الذي قتله، لكنه لم يذكر نفسه لما عيب عليه بل نسبه الى رجل لا يعرف و جعل نفسه راويا.
 (1) في الإرشاد المطبوع ص 224: ثم جلس الحسين أمام الفسطاط فأتى بابنه عبد اللّه و هو طفل إلخ.
 (2) الملهوف ص 103.

46
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قالوا ثُمَّ قَالَ لَا يَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْكَ مِنْ فَصِيلٍ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ حَبَسْتَ عَنَّا النَّصْرَ فَاْجَعْل ذَلِكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَنَا.
أقول و في بعض الكتب أن الحسين لما نظر إلى اثنين و سبعين رجلا من أهل بيته صرعى التفت إلى الخيمة و نَادَى يَا سُكَيْنَةُ يَا فَاطِمَةُ يَا زَيْنَبُ يَا أُمَّ كُلْثُومٍ عَلَيْكُنَّ مِنِّي السَّلَامُ فَنَادَتْهُ سُكَيْنَةُ يَا أَبَهْ اسْتَسْلَمْتَ لِلْمَوْتِ؟ فَقَالَ كَيْفَ لَا يَسْتَسْلِمُ مَنْ لَا نَاصِرَ لَهُ وَ لَا مُعِينَ فَقَالَتْ يَا أَبَهْ رُدَّنَا إِلَى حَرَمِ جَدِّنَا فَقَالَ هَيْهَاتَ لَوْ تُرِكَ الْقَطَا لَنَامَ فتصارخن النساء فسكتهن الحسين و حمل على القوم.
و قال أبو الفرج و عبد الله بن الحسين و أمه الرباب بنت إمرئ القيس و هي التي يقول فيها أبو عبد الله الحسين‏
          لعمرك إنني لأحب دارا             تكون بها سكينة و الرباب‏
             أحبهما و أبذل جل مالي             و ليس لعاتب عندي عتاب‏
 و سكينة التي ذكرها ابنته من الرباب و اسم سكينة أمينة و إنما غلب عليها سكينة و ليس باسمها و كان عبد الله يوم قتل صغيرا جاءه نشابة و هو في حجر أبيه فذبحته- حدثني أحمد بن شبيب عن أحمد بن الحارث عن المدائني عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال دعا الحسين بغلام فأقعده في حجره فرماه عقبة بن بشر فذبحه و حدثني محمد بن الحسين الأشناني بإسناده عمن شهد الحسين قال كان معه ابن له صغير فجاء سهم فوقع في نحره قال فجعل الحسين يمسح الدم من نحر لبته فيرمي به إلى السماء فما رجع منه شي‏ء و يَقُولُ اللَّهُمَّ لَا يَكُونُ أَهْوَنَ عَلَيْكَ مِنْ فَصِيلٍ «1».
ثُمَّ قَالُوا ثُمَّ قَامَ الْحُسَيْنُ ع وَ رَكِبَ فَرَسَهُ وَ تَقَدَّمَ إِلَى الْقِتَالِ وَ هُوَ يَقُولُ‏
          كَفَرَ الْقَوْمُ وَ قِدْماً رَغِبُوا             عَنْ ثَوَابِ اللَّهِ رَبِّ الثَّقَلَيْنِ‏
             قَتَلُوا الْقَوْمُ عَلِيّاً وَ ابْنَهُ             حَسَنَ الْخَيْرِ كَرِيمَ الْأَبَوَيْنِ‏
             حَنَقاً مِنْهُمْ وَ قَالُوا أَجْمِعُوا             احْشُرُوا النَّاسَ إِلَى حَرْبِ الْحُسَيْنِ‏
__________________________________________________
 (1) مقاتل الطالبيين ص 63 و 64.

47
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

         يَا لَقَوْمٍ مِنْ أُنَاسٍ رُذَّلٍ             جَمَعَ الْجَمْعَ لِأَهْلِ الْحَرَمَيْنِ‏
             ثُمَّ سَارُوا وَ تَوَاصَوْا كُلُّهُمْ             بِاجْتِيَاحِي لِرِضَاءِ الْمُلْحِدِينَ «1»
             لَمْ يَخَافُوا اللَّهَ فِي سَفْكِ دَمِي             لِعُبَيْدِ اللَّهِ نَسْلِ الْكَافِرِينَ‏
             وَ ابْنِ سَعْدٍ قَدْ رَمَانِي عَنْوَةً             بِجُنُودٍ كَوُكُوفِ الْهَاطِلِينَ‏
             لَا لِشَيْ‏ءٍ كَانَ مِنِّي قَبْلَ ذَا             غَيْرَ فَخْرِي بِضِيَاءِ النَّيِّرَيْنِ‏
             بِعَلِيِّ الْخَيْرِ مِنْ بَعْدِ النَّبِيِّ             وَ النَّبِيِّ الْقُرَشِيِّ الْوَالِدَيْنِ‏
             خِيرَةِ اللَّهِ مِنَ الْخَلْقِ أَبِي             ثُمَّ أُمِّي فَأَنَا ابْنُ الْخَيِّرَيْنِ‏
             فِضَّةٌ قَدْ خَلَصَتْ مِنْ ذَهَبٍ             فَأَنَا الْفِضَّةُ وَ ابْنُ الذَّهَبَيْنِ‏
             مَنْ لَهُ جَدٌّ كَجَدِّي فِي الْوَرَى             أَوْ كَشَيْخِي فَأَنَا ابْنُ الْعَلَمَيْنِ‏
             فَاطِمُ الزَّهْرَاءُ أُمِّي وَ أَبِي             قَاصِمُ الْكُفْرِ بِبَدْرٍ وَ حُنَيْنٍ‏
             عَبَدَ اللَّهَ غُلَاماً يَافِعاً             وَ قُرَيْشٌ يَعْبُدُونَ الْوَثَنَيْنِ‏
             يَعْبُدُونَ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى مَعاً             وَ عَلِيٌّ كَانَ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ‏
             فَأَبِي شَمْسٌ وَ أُمِّي قَمَرٌ             فَأَنَا الْكَوْكَبُ وَ ابْنُ الْقَمَرَيْنِ‏
             وَ لَهُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ وَقْعَةٌ             شَفَتِ الْغِلَّ بِفَضِّ الْعَسْكَرَيْنِ‏
             ثُمَّ فِي الْأَحْزَابِ وَ الْفَتْحِ مَعاً             كَانَ فِيهَا حَتْفُ أَهْلِ الْفَيْلَقَيْنِ‏
             فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا ذَا صَنَعَتْ             أُمَّةُ السَّوْءِ مَعاً بِالْعِتْرَتَيْنِ‏
             عِتْرَةِ الْبَرِّ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى             وَ عَلِيِّ الْوَرْدِ يَوْمَ الْجَحْفَلَيْنِ «2»
 ثُمَّ وَقَفَ ع قُبَالَةَ الْقَوْمِ وَ سَيْفُهُ مُصْلَتٌ فِي يَدِهِ آيِساً مِنَ الْحَيَاةِ عَازِماً عَلَى الْمَوْتِ‏
__________________________________________________
 (1) في كشف الغمّة «للرضا بالملحدين».
 (2) قال في كشف الغمّة ج 2 ص 200: من كلامه المنثور قطعة نقلها صاحب كتاب الفتوح، و أنّه عليه السلام لما أحاط به جموع ابن زياد، و قتلوا من قتلوا من أصحابه و منعوهم الماء كان له ولد صغير فجاءه سهم منهم فقتله، فرمله الحسين (ع) و حفر له بسيفه و صلى عليه و دفنه و قال: ثم ذكر الاشعار، و ذكرها ابن شهرآشوب ج 4 ص 79. و فيه زيادة سينقلها المصنّف.

48
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ هُوَ يَقُولُ‏
          أَنَا ابْنُ عَلِيِّ الطُّهْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ             كَفَانِي بِهَذَا مَفْخَراً حِينَ أَفْخَرُ
             وَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ أَكْرَمُ مَنْ مَضَى             وَ نَحْنُ سِرَاجُ اللَّهِ فِي الْخَلْقِ نَزْهَرُ
             وَ فَاطِمُ أُمِّي مِنْ سُلَالَةِ أَحْمَدَ             وَ عَمِّي يُدْعَى ذَا الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ
             وَ فِينَا كِتَابُ اللَّهِ أُنْزِلَ صَادِقاً             وَ فِينَا الْهُدَى وَ الْوَحْيُ بِالْخَيْرِ يُذْكَرُ
             وَ نَحْنُ أَمَانُ اللَّهِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ             نُسِرُّ بِهَذَا فِي الْأَنَامِ وَ نَجْهَرُ
             وَ نَحْنُ وُلَاةُ الْحَوْضِ نَسْقِي وُلَاتَنَا             بِكَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَيْسَ يُنْكَرُ
             وَ شِيعَتُنَا فِي النَّاسِ أَكْرَمُ شِيعَةٍ             وَ مُبْغِضُنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَخْسَرُ
 أقول روي في الإحتجاج أنه لما بقي فردا ليس معه إلا ابنه علي بن الحسين ع و ابن آخر في الرضاع اسمه عبد الله أخذ الطفل ليودعه فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبة الصبي فقتله فنزل عن فرسه و حفر للصبي بجفن سيفه و رمله بدمه و دفنه ثم وثب قائما و هو يقول إلى آخر الأبيات «1».
وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ ذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ السَّلَامِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِلْحُسَيْنِ ع مِنْ إِنْشَائِهِ وَ قَالَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِثْلُهَا
          فَإِنْ تَكُنِ الدُّنْيَا تُعَدُّ نَفِيسَةً             فَإِنَّ ثَوَابَ اللَّهِ أَعْلَى وَ أَنْبَلُ‏
             وَ إِنْ تَكُنِ الْأَبْدَانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ             فَقَتْلُ امْرِئٍ بِالسَّيْفِ فِي اللَّهِ أَفْضَلُ‏
             وَ إِنْ تَكُنِ الْأَرْزَاقُ قِسْماً مُقَدَّراً             فَقِلَّةُ سَعْيِ الْمَرْءِ فِي الْكَسْبِ أَجْمَلُ‏
             وَ إِنْ تَكُنِ الْأَمْوَالُ لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا             فَمَا بَالُ مَتْرُوكٍ بِهِ الْمَرْءُ يَبْخَلُ‏
 ثُمَّ إِنَّهُ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْبِرَازِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْتُلُ كُلَّ مَنْ دَنَا مِنْهُ مِنْ عُيُونِ الرِّجَالِ حَتَّى قَتَلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً ثُمَّ حَمَلَ ع عَلَى الْمَيْمَنَةِ وَ قَالَ‏
          الْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ
 ثُمَّ عَلَى الْمَيْسَرَةِ وَ هُوَ يَقُولُ‏
          أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ             آلَيْتُ أَنْ لَا أَنْثَنِي‏
             أَحْمِي عِيَالاتِ أَبِي             أَمْضِي عَلَى دِينِ النَّبِي‏
__________________________________________________
 (1) الاحتجاج ص 154 و 155.

49
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قال المفيد و السيد و ابن نما رحمهم الله و اشتد العطش بالحسين ع فركب المسناة يريد الفرات و العباس أخوه بين يديه فاعترضه خيل ابن سعد فرمى رجل من بني دارم الحسين ع بسهم فأثبته في حنكه الشريف فانتزع ع السهم و بسط يده تحت حنكه حتى امتلأت راحتاه من الدم ثم رمى به و قال اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ مَا يُفْعَلُ بِابْنِ بِنْتِ نَبِيِّكَ ثم اقتطعوا العباس عنه و أحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه و كان المتولي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي و حكيم بن الطفيل السنبسي فبكى الحسين لقتله بكاء شديدا «1».
قال السيد ثم إن الحسين ع دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة و هو في ذلك يقول‏
          الْقَتْلُ أَوْلَى مِنْ رُكُوبِ الْعَارِ             وَ الْعَارُ أَوْلَى مِنْ دُخُولِ النَّارِ
 قال بعض الرواة فو الله ما رأيت مكثورا قط «2» قد قتل ولده و أهل بيته و صحبه أربط جأشا منه و إن كانت الرجال لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب و لقد كان يحمل فيهم و قد تكملوا ألفا فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه و هو يقول لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ «3».
و قال ابن شهرآشوب و محمد بن أبي طالب و لم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل و تسعمائة رجل و خمسين رجلا سوى المجروحين فقال عمر بن سعد لقومه الويل لكم أ تدرون لمن تقاتلون هذا ابن الأنزع البطين هذا ابن قتال العرب فاحملوا عليه من كل جانب و كانت الرماة أربعة آلاف فرموه بالسهام فحالوا
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 103- الإرشاد ص 224.
 (2) المكثور: المغلوب و هو الذي تكاثر عليه الناس فقهروه، قال في التاج و في حديث مثل الحسين: «ما رأينا مكثورا أجرا مقدما منه».
 (3) كتاب الملهوف ص 105 و مثله في الطبريّ ج 6 ص 259 عن عبد اللّه بن عمار ابن [عبد] يغوث.

50
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

بينه و بين رحله «1».
وَ قَالَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ السَّيِّدُ فَصَاحَ بِهِمْ وَيْحَكُمْ يَا شِيعَةَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ دِينٌ وَ كُنْتُمْ لَا تَخَافُونَ الْمَعَادَ فَكُونُوا أَحْرَاراً فِي دُنْيَاكُمْ وَ ارْجِعُوا إِلَى أَحْسَابِكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْرَاباً فَنَادَاهُ شِمْرٌ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ قَالَ أَقُولُ أَنَا الَّذِي أُقَاتِلُكُمْ وَ تُقَاتِلُونِّي وَ النِّسَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ فَامْنَعُوا عُتُاتَكُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِحَرَمِي مَا دُمْتُ حَيّاً فقال شمر لك هذا ثم صاح شمر إليكم عن حرم الرجل فاقصدوه في نفسه فلعمري لهو كفو كريم قال فقصده القوم و هو في ذلك يطلب شربة من ماء فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحلوه عنه «2».
- و قال ابن شهرآشوب و روى أبو مخنف عن الجلودي أن الحسين ع حمل على الأعور السلمي و عمرو بن الحجاج الزبيدي و كانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة و أقحم الفرس على الفرات فلما أولغ الفرس برأسه ليشرب قال ع أَنْتَ عَطْشَانُ وَ أَنَا عَطْشَانُ وَ اللَّهِ لَا ذُقْتُ الْمَاءَ حَتَّى تَشْرَبَ فَلَمَّا سَمِعَ الْفَرَسُ كَلَامَ الْحُسَيْنِ ع شَالَ رَأْسَهُ وَ لَمْ يَشْرَبْ كَأَنَّهُ فَهِمَ الْكَلَامَ فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع فَأَنَا أَشْرَبُ فمد الحسين ع يده فغرف من الماء فقال فارس يا أبا عبد الله تتلذذ بشرب الماء و قد هتكت حرمك فنفض الماء من يده و حمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة «3».
قال أبو الفرج قال «4» و جعل الحسين ع يطلب الماء و شمر يقول له و الله لا ترده أو ترد النار فقال له رجل أ لا ترى إلى الفرات يا حسين كأنه بطون الحيتان و الله لا تذوقه أو تموت عطشا فقال الحسين ع اللَّهُمَّ أَمِتْهُ عَطَشاً قال‏
__________________________________________________
 (1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 110.
 (2) الملهوف ص 106.
 (3) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 58.
 (4) القائل حميد بن مسلم برواية أبى مخنف.

51
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و الله لقد كان هذا الرجل يقول اسقوني ماء فيؤتى بماء فيشرب حتى يخرج من فيه ثم يقول اسقوني قتلني العطش فلم يزل كذلك حتى مات «1».
فقالوا ثم رماه رجل من القوم يكنى أبا الحتوف الجعفي «2» بسهم فوقع السهم في جبهته فنزعه من جبهته فسالت الدماء على وجهه و لحيته فَقَالَ ع اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَرَى مَا أَنَا فِيهِ مِنْ عِبَادِكَ هَؤُلَاءِ الْعُصَاةِ اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَداً وَ اقْتُلْهُمْ بَدَداً وَ لَا تَذَرْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْهُمْ أَحَداً وَ لَا تَغْفِرْ لَهُمْ أَبَداً.
ثم حمل عليهم كالليث المغضب فجعل لا يلحق منهم أحدا إلا بعجه «3» بسيفه فقتله و السهام تأخذه من كل ناحية و هو يتقيها بنحره و صدره و يَقُولُ يَا أُمَّةَ السَّوْءِ بِئْسَمَا خَلَفْتُمْ مُحَمَّداً فِي عِتْرَتِهِ أَمَا إِنَّكُمْ لَنْ تَقْتُلُوا بَعْدِي عَبْداً مِنْ عِبَادِ اللَّهِ فَتَهَابُوا قَتْلَهُ بَلْ يَهُونُ عَلَيْكُمْ عِنْدَ قَتْلِكُمْ إِيَّايَ وَ ايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُكْرِمَنِي رَبِّي بِالشَّهَادَةِ بِهَوَانِكُمْ ثُمَّ يَنْتَقِمُ لِي مِنْكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَشْعُرُونَ.
قَالَ فَصَاحَ بِهِ الْحُصَيْنُ بْنُ مَالِكٍ السَّكُونِيُّ فَقَالَ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ وَ بِمَا ذَا يَنْتَقِمُ لَكَ مِنَّا قَالَ يُلْقِي بَأْسَكُمْ بَيْنَكُمْ وَ يَسْفِكُ دِمَاءَكُمْ ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ثم لم يزل يقاتل حتى أصابته جراحات عظيمة.
و قال صاحب المناقب و السيد حتى أصابته اثنتان و سبعون جراحة و قال ابن شهرآشوب قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ وَجَدْنَا بِالْحُسَيْنِ ثَلَاثاً وَ ثَلَاثِينَ طَعْنَةً وَ أَرْبَعاً وَ ثَلَاثِينَ ضَرْبَةً وَ قَالَ الْبَاقِرُ ع أُصِيبَ الْحُسَيْنُ ع وَ وُجِدَ بِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ بِضْعٌ وَ عِشْرُونَ طَعْنَةً بِرُمْحٍ وَ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَ رُوِيَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ سِتُّونَ جِرَاحَةً و قيل ثلاث و ثلاثون ضربة سوى السهام و قيل ألف و تسعمائة جراحة و كانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ و روي أنها كانت كلها في مقدمه «4».
__________________________________________________
 (1) مقاتل الطالبيين ص 86.
 (2) و اسمه زياد بن عبد الرحمن. قيل و الصحيح: أبا الجنوب كنى باسم ولده جنوب.
 (3) نفحه خ ل.
 (4) راجع مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 110 و 111، كتاب الملهوف ص 106 و 114.

52
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قالوا فوقف ع يستريح ساعة و قد ضعف عن القتال فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره و في بعض الروايات على قلبه فقال الحسين ع بِسْمِ اللَّهِ وَ بِاللَّهِ وَ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ إِلَهِي إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ رَجُلًا لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ابْنُ نَبِيٍّ غَيْرُهُ ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث الدم كالميزاب فوضع يده على الجرح فلما امتلأت رمى به إلى السماء فما رجع من ذلك الدم قطرة و ما عرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين ع بدمه إلى السماء ثم وضع يده ثانيا فلما امتلأت لطخ بها رأسه و لحيته و قال هَكَذَا أَكُونُ حَتَّى أَلْقَى جَدِّي رَسُولَ اللَّهِ وَ أَنَا مَخْضُوبٌ بِدَمِي وَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَتَلَنِي فُلَانٌ وَ فُلَانٌ. ثم ضعف عن القتال فوقف فكلما أتاه رجل و انتهى إليه انصرف عنه حتى جاءه رجل من كندة يقال له مالك بن اليسر فشتم الحسين ع و ضربه بالسيف على رأسه و عليه برنس فامتلأ دما فقال له الحسين ع لَا أَكَلْتَ بِهَا وَ لَا شَرِبْتَ وَ حَشَرَكَ اللَّهُ مَعَ الظَّالِمِينَ ثم ألقى البرنس و لبس قلنسوة و اعتم عليها و قد أعيا و جاء الكندي و أخذ البرنس و كان من خز فلما قدم بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه فقالت له امرأته أ تدخل بيتي بسلب ابن رسول الله اخرج عني حشى الله قبرك نارا فلم يزل بعد ذلك فقيرا بأسوإ حال و يبست يداه و كانتا في الشتاء ينضحان دما و في الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان.
و قال المفيد و السيد فلبثوا هنيئة ثم عادوا إليه و أحاطوا به فخرج عبد الله بن الحسن بن علي ع و هو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين ع فلحقته زينب بنت علي ع لتحبسه فقال الحسين ع احبسيه يا أختي فأبى و امتنع امتناعا شديدا و قال لا و الله لا أفارق عمي و أهوى أبجر بن كعب و قيل حرملة بن كاهل إلى الحسين ع بالسيف فقال له الغلام ويلك يا ابن الخبيثة أ تقتل عمي فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها إلى الجلد

53
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فإذا هي معلقة فنادى الغلام يا أماه فأخذه الحسين ع فضمه إليه و قال يَا ابْنَ أَخِي اصْبِرْ عَلَى مَا نَزَلَ بِكَ وَ احْتَسِبْ فِي ذَلِكَ الْخَيْرَ فَإِنَّ اللَّهَ يُلْحِقُكَ بِآبَائِكَ الصَّالِحِينَ «1» قال السيد فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه و هو في حجر عمه الحسين ع.
ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين ع فطعنه بالرمح ثم قال علي بالنار أحرقه على من فيه فقال له الحسين ع يَا ابْنَ ذِي الْجَوْشَنِ أَنْتَ الدَّاعِي بِالنَّارِ لِتُحْرِقَ عَلَى أَهْلِي أَحْرَقَكَ اللَّهُ بِالنَّارِ وَ جَاءَ شَبَثٌ فَوَبَّخَهُ فَاسْتَحْيَا وَ انْصَرَفَ.
قَالَ وَ قَالَ الْحُسَيْنُ ع ابْعَثُوا إِلَيَّ ثَوْباً لَا يُرْغَبُ فِيهِ أَجْعَلْهُ تَحْتَ ثِيَابِي لِئَلَّا أُجَرَّدَ فَأُتِيَ بِتُبَّانٍ فَقَالَ لَا ذَاكَ لِبَاسُ مَنْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ بِالذِّلَّةِ فأخذ ثوبا خلقا فخرقه و جعله تحت ثيابه فلما قتل جردوه منه ثم استدعى الحسين ع بسراويل من حبرة ففزرها و لبسها و إنما فزرها لئلا يسلبها فلما قتل سلبها أبجر بن كعب و تركه ع مجردا فكانت يد أبجر بعد ذلك ييبسان في الصيف كأنهما عودان و يترطبان في الشتاء فينضحان دما و قيحا إلى أن أهلكه الله تعالى.
قال و لما أثخن بالجراح و بقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط ع عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن ثم قام صلوات الله عليه.
قال و خرجت زينب من الفسطاط و هي تنادي وا أخاه وا سيداه وا أهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض و ليت الجبال تدكدكت على السهل و قال و صاح الشمر ما تنتظرون بالرجل فحملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة بن شريك على كتفه و ضرب الحسين زرعة فصرعه و ضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا ع بها لوجهه و كان قد أعيا و جعل ع ينوء و يكبو فطعنه سنان‏
__________________________________________________
 (1) الإرشاد ص 225. الملهوف ص 107 و 108.

54
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

بن أنس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره ثم رماه سنان أيضا بسهم فوقع السهم في نحره فسقط ع و جلس قاعدا فنزع السهم من نحره و قرن كفيه جميعا و كلما امتلأتا من دمائه خضب بهما رأسه و لحيته و هو يقول هكذا حتى ألقى الله مخضبا بدمي مغصوبا على حقي.
فقال عمر بن سعد لرجل عن يمينه انزل ويحك إلى الحسين فأرحه فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي ليجتز رأسه فأرعد فنزل إليه سنان بن أنس النخعي فضربه بالسيف في حلقه الشريف و هو يقول و الله إني لأجتز رأسك و أعلم أنك ابن رسول الله و خير الناس أبا و أما ثم اجتز رأسه المقدس المعظم صلى الله عليه و سلم و كرم.
و روي أن سنانا هذا أخذه المختار فقطع أنامله أنملة أنملة ثم قطع يديه و رجليه و أغلى له قدرا فيها زيت و رماه فيها و هو يضطرب «1».
و قال صاحب المناقب و محمد بن أبي طالب و لما ضعف ع نادى شمر ما وقوفكم و ما تنتظرون بالرجل قد أثخنته الجراح و السهام احملوا عليه ثكلتكم أمهاتكم فحملوا عليه من كل جانب فرماه الحصين بن تميم في فيه و أبو أيوب الغنوي بسهم في حلقه و ضربه زرعة بن شريك التميمي على كتفه و كان قد طعنه سنان بن أنس النخعي في صدره و طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته فوقع ع إلى الأرض على خده الأيمن ثم استوى جالسا و نزع السهم من حلقه ثم دنا عمر بن سعد من الحسين ع.
قال حميد و خرجت زينب بنت علي ع و قرطاها يجولان بين أذنيها و هي تقول ليت السماء انطبقت على الأرض يا عمر بن سعد أ يقتل أبو عبد الله و أنت تنظر إليه و دموع عمر تسيل على خديه و لحيته و هو يصرف وجهه عنها و الحسين ع جالس و عليه جبة خز و قد تحاماه الناس فنادى شمر ويلكم ما تنتظرون به اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فضربه زرعة بن شريك فأبان كفه اليسرى ثم ضربه على عاتقه ثم انصرفوا عنه و هو يكبو مرة و يقوم أخرى.
__________________________________________________
 (1) كتاب الملهوف ص 108- 112.

55
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فحمل عليه سنان في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه و قال لخولي بن يزيد اجتز رأسه فضعف و ارتعدت يده فقال له سنان فت الله عضدك و أبان يدك فنزل إليه شمر لعنه الله و كان اللعين أبرص فضربه برجله فألقاه على قفاه ثم أخذ بلحيته فقال الحسين ع أنت الأبقع الذي رأيتك في منامي فقال أ تشبهني بالكلاب ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين ع و هو يقول‏
          أقتلك اليوم و نفسي تعلم             علما يقينا ليس فيه مزعم‏
             و لا مجال لا و لا تكتم             إن أباك خير من تكلم‏
 و- روى في المناقب بإسناده عن عبد الله بن ميمون عن محمد بن عمرو بن الحسن قال كنا مع الحسين بنهر كربلاء و نظر إلى شمر بن ذي الجوشن و كان أبرص فقال اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى كَلْبٍ أَبْقَعَ يَلَغُ فِي دَمِ أَهْلِ بَيْتِي.
ثم قال فغضب عمر بن سعد لعنه الله ثم قال لرجل عن يمينه انزل ويحك إلى الحسين فأرحه فنزل إليه خولي بن يزيد الأصبحي لعنه الله فاجتز رأسه و قيل بل جاء إليه شمر و سنان بن أنس و الحسين ع بآخر رمق يلوك لسانه من العطش و يطلب الماء فرفسه شمر لعنه الله برجله و قال يا ابن أبي تراب أ لست تزعم أن أباك على حوض النبي يسقي من أحبه فاصبر حتى تأخذ الماء من يده ثم قال لسنان اجتز رأسه قفاء فقال سنان و الله لا أفعل فيكون جده محمد صلى الله عليه و آله خصمي.
فغضب شمر لعنه الله و جلس على صدر الحسين و قبض على لحيته و هم بقتله فضحك الحسين ع فقال له أ تقتلني و لا تعلم من أنا فقال أعرفك حق المعرفة أمك فاطمة الزهراء و أبوك علي المرتضى و جدك محمد المصطفى و خصمك العلي الأعلى أقتلك و لا أبالي فضربه بسيفه اثنتي عشرة ضربة ثم جز رأسه صلوات الله و سلامه عليه و لعن الله قاتله و مقاتله و السائرين إليه بجموعهم.
- و قال ابن شهرآشوب روى أبو مخنف عن الجلودي أنه كان صرع الحسين‏

56
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

ع فجعل فرسه يحامي عنه و يثب على الفارس فيخبطه عن سرجه و يدوسه حتى قتل الفرس أربعين رجلا ثم تمرغ في دم الحسين ع و قصد نحو الخيمة و له صهيل عال و يضرب بيديه الأرض «1».
و قال السيد رضي الله عنه فلما قتل صلوات الله عليه ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة فيها ريح حمراء لا ترى فيها عين و لا أثر حتى ظن القوم أن العذاب قد جاءهم فلبثوا كذلك ساعة ثم انجلت عنهم.
و روى هلال بن نافع قال إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد إذ صرخ صارخ أبشر أيها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين قال فخرجت بين الصفين فوقفت عليه و إنه ليجود بنفسه فو الله ما رأيت قط قتيلا مضمخا بدمه أحسن منه و لا أنور وجها و لقد شغلني نور وجهه و جمال هيبته عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحالة ماء فسمعت رجلا يقول لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فسمعته يقول أَنَا أَرِدُ الْحَامِيَةَ فَأَشْرَبُ مِنْ حَمِيمِهَا بَلْ أَرِدُ عَلَى جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَسْكُنُ مَعَهُ فِي دَارِهِ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ وَ أَشْرَبُ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَشْكُو إِلَيْهِ مَا رَكِبْتُمْ مِنِّي وَ فَعَلْتُمْ بِي قال فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئا فاجتزوا رأسه و إنه ليكلمهم فتعجبت من قلة رحمتهم و قلت و الله لا أجامعكم على أمر أبدا.
قال ثم أقبلوا على سلب الحسين ع فأخذ قميصه إسحاق بن حوية الحضرمي فلبسه فصار أبرص و امتعط شعره و روي أنه وجد في قميصه مائة و بضع عشرة ما بين رمية و طعنة و ضربة وَ قَالَ الصَّادِقُ ع وُجِدَ بِالْحُسَيْنِ ع ثَلَاثٌ وَ ثَلَاثُونَ طَعْنَةً وَ أَرْبَعٌ وَ ثَلَاثُونَ ضَرْبَةً و أخذ سراويله أبجر بن كعب التيمي و روي أنه صار زمنا مقعدا من رجليه و أخذ عمامته أخنس بن مرسد بن علقمة الحضرمي و قيل جابر بن يزيد الأودي فاعتم بها فصار معتوها و في غير رواية السيد فصار مجذوما و أخذ درعه مالك بن بشير الكندي فصار معتوها.
__________________________________________________
 (1) مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 58.

57
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فقال السيد و أخذ نعليه الأسود بن خالد و أخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي فقطع إصبعه ع مع الخاتم و هذا أخذه المختار فقطع يديه و رجليه و تركه يتشحط في دمه حتى هلك و أخذ قطيفة له ع كانت من خز قيس بن الأشعث و أخذ درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل عمر بن سعد وهبها المختار لأبي عمرة قاتله و أخذ سيفه جميع بن الخلق الأزدي و يقال رجل من بني تميم يقال له الأسود بن حنظلة و في رواية ابن سعد أنه أخذ سيفه القلافس «1» النهشلي و زاد محمد بن زكريا أنه وقع بعد ذلك إلى بنت حبيب بن بديل و هذا السيف المنهوب ليس بذي الفقار و إن ذلك كان مذخورا و مصونا مع أمثاله من ذخائر النبوة و الإمامة و قد نقل الرواة تصديق ما قلناه و صورة ما حكيناه.
قال و جاءت جارية من ناحية خيم الحسين ع فقال لها رجل يا أمة الله إن سيدك قتل قالت الجارية فأسرعت إلى سيدتي و أنا أصيح فقمن في وجهي و صحن قال و تسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول و قرة عين الزهراء البتول حتى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها و خرجن بنات الرسول و حرمه يتساعدن على البكاء و يندبن لفراق الحماة و الأحباء.
و روى حميد بن مسلم قال رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين ع فسطاطهن و هم يسلبونهن أخذت سيفا و أقبلت نحو الفسطاط فقالت يا آل بكر بن وائل أ تسلب بنات رسول الله لا حكم إلا لله يا ثارات رسول الله فأخذها زوجها و ردها إلى رحله.
قال ثم أخرجوا النساء من الخيمة و أشعلوا فيها النار فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة و قلن بحق الله إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين فلما نظرت النسوة إلى القتلى صحن و ضربن وجوههن.
قال فو الله لا أنسى زينب بنت علي ع و هي تندب الحسين و تنادي بصوت حزين و قلب كئيب وا محمداه صلى عليك مليك السماء هذا حسين مرمل بالدماء مقطع‏
__________________________________________________
 (1) كذا في المصدر ص 115، و هكذا تذكرة الخواص ص 144، و المصنّف اختار كلمة «الفلان» و هي نسخة.

58
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

الأعضاء و بناتك سبايا إلى الله المشتكى و إلى محمد المصطفى و إلى علي المرتضى و إلى حمزة سيد الشهداء وا محمداه هذا حسين بالعراء يسفي عليه الصبا قتيل أولاد البغايا يا حزناه يا كرباه اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمداه هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا. و في بعض الروايات يا محمداه بناتك سبايا و ذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا و هذا حسين مجزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة و الرداء بأبي من عسكره في يوم الإثنين نهبا بأبي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا هو غائب فيرتجى و لا جريح فيداوى بأبي من نفسي له الفداء بأبي المهموم حتى قضى بأبي العطشان حتى مضى بأبي من شيبته تقطر بالدماء بأبي من جده رسول إله السماء بأبي من هو سبط نبي الهدى بأبي محمد المصطفى بأبي خديجة الكبرى بأبي علي المرتضى بأبي فاطمة الزهراء سيدة النساء بأبي من ردت عليه الشمس حتى صلى.
قال فأبكت و الله كل عدو و صديق ثم إن سكينة اعتنقت جسد الحسين ع فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه قال ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره فانتدب منهم عشرة و هم إسحاق بن حوية الذي سلب الحسين ع قميصه و أخنس بن مرثد و حكيم بن الطفيل السنبسي و عمرو بن صبيح الصيداوي و رجاء بن منقذ العبدي و سالم بن خيثمة الجعفي و واحظ بن ناعم و صالح بن وهب الجعفي و هانئ بن ثبيت الحضرمي و أسيد بن مالك فداسوا الحسين ع بحوافر خيلهم حتى رضوا ظهره و صدره.
قال و جاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أسيد بن مالك أحد العشرة شعر
          نحن رضضنا الصدر بعد الظهر             بكل يعبوب شديد الأسر
 فقال ابن زياد من أنتم فقالوا نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى‏

59
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

طحنا جناجن صدره فأمر لهم بجائزة يسيرة.
قال أبو عمرو الزاهد فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدناهم جميعا أولاد زنا و هؤلاء أخذهم المختار فشد أيديهم و أرجلهم بسكك الحديد و أوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا «1».
أقول المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنه لم يتيسر لهم ذلك.
و قال صاحب المناقب و محمد بن أبي طالب قتل الحسين ع باتفاق الروايات يوم عاشوراء عاشر المحرم سنة إحدى و ستين و هو ابن أربع و خمسين سنة و ستة أشهر و نصف قالا و أقبل فرس الحسين ع و قد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ فوضع ناصيته في دم الحسين ع ثم أقبل يركض نحو خيمة النساء و هو يصهل و يضرب برأسه الأرض عند الخيمة حتى مات فلما نظر أخوات الحسين و بناته و أهله إلى الفرس ليس عليه أحد رفعن أصواتهن بالبكاء و العويل و وضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها و نادت وا محمداه وا جداه وا نبياه وا أبا القاسماه وا علياه وا جعفراه وا حمزتاه وا حسناه هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء مجزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة و الرداء ثم غشي عليها.
فأقبل أعداء الله لعنهم الله حتى أحدقوا بالخيمة و معهم شمر فقال ادخلوا فاسلبوا بزتهن فدخل القوم لعنهم الله فأخذوا ما كان في الخيمة حتى أفضوا إلى قرط كان في أذن أم كلثوم أخت الحسين ع فأخذوه و خرموا أذنها حتى كانت المرأة لتنازع ثوبها على ظهرها حتى تغلب عليه و أخذ قيس بن الأشعث لعنه الله قطيفة الحسين ع فكان يسمى قيس القطيفة و أخذ نعليه رجل من بني أود يقال له الأسود ثم مال الناس على الورس و الحلي و الحلل و الإبل فانتهبوها.
أقول رأيت في بعض الكتب أن فاطمة الصغرى قالت كنت واقفة بباب الخيمة و أنا أنظر إلى أبي و أصحابي مجززين كالأضاحي على الرمال و الخيول على أجسادهم تجول و أنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أ يقتلوننا أو
__________________________________________________
 (1) كتاب الملهوف ص 112- 121.

60
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

يأسروننا فإذا برجل على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه و هن يلذن بعضهن ببعض و قد أخذ ما عليهن من أخمرة و أسورة و هن يصحن وا جداه وا أبتاه وا علياه وا قلة ناصراه وا حسناه أ ما من مجير يجيرنا أ ما من ذائد يذود عنا قالت فطار فؤادي و ارتعدت فرائصي فجعلت أجيل بطرفي يمينا و شمالا على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني.
فبينا أنا على هذه الحالة و إذا به قد قصدني ففررت منهزمة و أنا أظن أني أسلم منه و إذا به قد تبعني فذهلت خشية منه و إذا بكعب الرمح بين كتفي فسقطت على وجهي فخرم أذني و أخذ قرطي و مقنعتي و ترك الدماء تسيل على خدي و رأسي تصهره الشمس و ولى راجعا إلى الخيم و أنا مغشي علي و إذا أنا بعمتي عندي تبكي و هي تقول قومي نمضي ما أعلم ما جرى على البنات و أخيك العليل فقمت و قلت يا عمتاه هل من خرقة أستر بها رأسي عن أعين النظار فقالت يا بنتاه و عمتك مثلك فرأيت رأسها مكشوفة و متنها قد أسود من الضرب فما رجعنا إلى الخيمة إلا و هي قد نهبت و ما فيها و أخي علي بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع و العطش و الأسقام فجعلنا نبكي عليه و يبكي علينا.
و قال المفيد رحمه الله قال حميد بن مسلم فانتهينا إلى علي بن الحسين و هو منبسط على فراش و هو شديد المرض و مع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له أ لا نقتل هذا العليل فقلت سبحان الله أ تقتل الصبيان إنما هذا صبي و إنه لما به فلم أزل حتى دفعتهم عنه و جاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه و بكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء و لا تعرضوا لهذا الغلام المريض فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به فقال من أخذ من متاعهم شيئا فليرده فو الله ما رد أحد منهم شيئا فوكل بالفسطاط و بيوت النساء و علي بن الحسين جماعة ممن كان معه و قال احفظوهم لئلا يخرج منهم أحد و لا يساء إليهم.
 «1»
__________________________________________________
 (1) كتاب الإرشاد ص 226 و 227.

61
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و قال محمد بن أبي طالب ثم إن عمر بن سعد سرح برأس الحسين ع يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي و حميد بن مسلم إلى ابن زياد ثم أمر برءوس الباقين من أهل بيته و أصحابه فقطعت و سرح بها مع شمر بن ذي الجوشن إلى الكوفة و أقام ابن سعد يومه ذلك و غده إلى الزوال فجمع قتلاه فصلى عليهم و دفنهم و ترك الحسين و أصحابه منبوذين بالعراء فلما ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد فصلوا عليهم و دفنوهم و قال ابن شهرآشوب و كانوا يجدون لأكثرهم قبورا و يرون طيورا بيضا «1».
و قال محمد بن أبي طالب و روي أن رءوس أصحاب الحسين و أهل بيته كانت ثمانية و سبعين رأسا و اقتسمتها القبائل ليتقربوا بذلك إلى عبيد الله و إلى يزيد فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا و صاحبهم قيس بن الأشعث و جاءت هوازن باثني عشر رأسا و في رواية ابن شهرآشوب بعشرين و صاحبهم شمر لعنه الله و جاءت تميم بسبعة عشر رأسا و في رواية ابن شهرآشوب بتسعة عشر و جاءت بنو أسد بستة عشر رأسا و في رواية ابن شهرآشوب بتسعة رءوس و جاءت مذحج بسبعة رءوس و جاءت سائر الناس بثلاثة عشر رأسا و قال ابن شهرآشوب و جاء سائر الجيش بتسعة رءوس و لم يذكر مذحج قال فذلك سبعون رأسا ثم قال و جاءوا بالحرم أسارى إلا شهربانويه فإنها أتلفت نفسها في الفرات.
و قال ابن شهرآشوب و صاحب المناقب و محمد بن أبي طالب اختلفوا في عدد المقتولين من أهل البيت ع فالأكثرون على أنهم كانوا سبعة و عشرين سبعة من بني عقيل مسلم المقتول بالكوفة و جعفر و عبد الرحمن ابنا عقيل و محمد بن مسلم و عبد الله بن مسلم و جعفر بن محمد بن عقيل و محمد بن أبي سعيد بن عقيل و زاد ابن شهرآشوب عونا و محمدا ابني عقيل و ثلاثة من ولد جعفر بن أبي طالب محمد بن عبد الله بن جعفر و عون الأكبر بن عبد الله و عبيد الله بن عبد الله و من ولد علي ع تسعة الحسين ع و العباس و يقال و ابنه محمد بن العباس و عمر بن‏
__________________________________________________
 (1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 112.

62
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

علي و عثمان بن علي و جعفر بن علي و إبراهيم بن علي و عبد الله بن علي الأصغر و محمد بن علي الأصغر و أبو بكر شك في قتله و أربعة من بني الحسن أبو بكر و عبد الله و القاسم و قيل بشر و قيل عمر و كان صغيرا و ستة من بني الحسين مع اختلاف فيه علي الأكبر و إبراهيم و عبد الله و محمد و حمزة و علي و جعفر و عمر و زيد و ذبح عبد الله في حجره و لم يذكر صاحب المناقب إلا عليا و عبد الله و أسقط ابن أبي طالب حمزة و إبراهيم و زيدا و عمر.
و قال ابن شهرآشوب و يقال لم يقتل محمد الأصغر بن علي ع لمرضه و يقال رماه رجل من بني دارم فقتله «1» و قال أبو الفرج جميع من قتل يوم الطف من ولد أبي طالب سوى من يختلف في أمره اثنان و عشرون رجلا «2» وَ قَالَ ابْنُ نَمَا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَتِ الرُّوَاةُ كُنَّا إِذَا ذَكَرْنَا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ ع قَتْلَ الْحُسَيْنِ ع قَالَ قَتَلُوا سَبْعَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً كُلُّهُمْ ارْتَكَضَ فِي بَطْنِ فَاطِمَةَ يَعْنِي بِنْتَ أَسَدٍ أُمَّ عَلِيٍّ ع.
3- أَقُولُ رَوَى الشَّيْخُ فِي الْمِصْبَاحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَأَلْفَيْتُهُ كَاسِفَ اللَّوْنِ ظَاهِرَ الْحُزْنِ وَ دُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ مِنْ عَيْنَيْهِ كَاللُّؤْلُؤِ الْمُتَسَاقِطِ فَقُلْتُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ مِمَّ بُكَاؤُكَ لَا أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ فَقَالَ لِي أَ وَ فِي غَفْلَةٍ أَنْتَ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع أُصِيبَ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ قُلْتُ يَا سَيِّدِي فَمَا قَوْلُكَ فِي صَوْمِهِ فَقَالَ لِي صُمْهُ مِنْ غَيْرِ تَبْيِيتٍ وَ أَفْطِرْهُ مِنْ غَيْرِ تَشْمِيتٍ وَ لَا تَجْعَلْهُ يَوْمَ صَوْمٍ كَمَلًا وَ لْيَكُنْ إِفْطَارُكَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِسَاعَةٍ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ فَإِنَّهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَجَلَّتِ الْهَيْجَاءُ عَنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ انْكَشَفَتِ الْمَلْحَمَةُ عَنْهُمْ وَ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمْ ثَلَاثُونَ صَرِيعاً فِي مَوَالِيهِمْ يَعَزُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهُ مَصْرَعُهُمْ وَ لَوْ كَانَ فِي الدُّنْيَا يَوْمَئِذٍ حَيّاً لَكَانَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ هُوَ الْمُعَزَّى بِهِمْ‏
__________________________________________________
 (1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 112 و 113.
 (2) مقاتل الطالبيين ص 67.

63
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قَالَ وَ بَكَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِدُمُوعِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا خَلَقَ النُّورَ خَلَقَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي تَقْدِيرِهِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ خَلَقَ الظُّلْمَةَ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ يَعْنِي الْعَاشِرَ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ فِي تَقْدِيرِهِ وَ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ «1».
وَ رَوَى صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ مِنْ كِتَابِ بُسْتَانِ الطُّرَفِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مَا كَانَ لَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شَبِيهٌ وَ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
و قال ابن شهرآشوب المقتولون من أصحاب الحسين ع في الحملة الأولى- نعيم بن عجلان و عمران بن كعب بن حارث الأشجعي و حنظلة بن عمرو الشيباني «2» و قاسط بن زهير و كنانة بن عتيق و عمرو بن مشيعة و ضرغامة بن مالك و عامر بن مسلم و سيف بن مالك النميري و عبد الرحمن الأرحبي و مجمع العائذي و حباب بن الحارث و عمرو الجندي و الجلاس بن عمرو الراسبي و سوار بن أبي حمير الفهمي و عمار بن أبي سلامة الدالاني و النعمان بن عمرو الراسبي و زاهر بن عمرو مولى ابن الحمق و جبلة بن علي و مسعود بن الحجاج و عبد الله بن عروة الغفاري و زهير بن بشير الخثعمي و عمار بن حسان و عبد الله بن عمير و مسلم بن كثير و زهير بن سليم و عبد الله و عبيد الله ابنا زيد البصري و عشرة من موالي الحسين ع و اثنان من موالي أمير المؤمنين ع «3».
- و لنذكر هنا زيارة أوردها السيد في كتاب الإقبال يشتمل على أسماء الشهداء و بعض أحوالهم رضوان الله عليهم و أسماء قاتليهم لعنهم الله.
قَالَ رَوَيْنَا بِإِسْنَادِنَا إِلَى جَدِّي أَبِي جَعْفَرٍ الطُّوسِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ‏
__________________________________________________
 (1) راجع مصباح المتهجد ص 547.
 (2) كذا في النسخ. و قد عرفت في ص 23 أنّه الشبامى و شبام بطن من همدان و قد نسب فيما سبق بأنّه حنظلة بن سعد.
 (3) مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 113، و فيه: سوار ابن أبي عمير.

64
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

عَيَّاشٍ عَنِ الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَبِي مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْعِمِ بْنِ النُّعْمَانِ الْبَغْدَادِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ قَالَ: خَرَجَ مِنَ النَّاحِيَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَ خَمْسِينَ وَ مِائَتَيْنِ عَلَى يَدِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْأَصْفَهَانِيِّ حِينَ وَفَاةِ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَ كُنْتُ حَدِيثَ السِّنِّ وَ كَتَبْتُ أَسْتَأْذِنُ فِي زِيَارَةِ مَوْلَايَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ زِيَارَةِ الشُّهَدَاءِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ إِلَيَّ مِنْهُ- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا أَرَدْتَ زِيَارَةَ الشُّهَدَاءِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقِفْ عِنْدَ رِجْلَيِ الْحُسَيْنِ ع وَ هُوَ قَبْرُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فَاسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِكَ فَإِنَّ هُنَاكَ حَوْمَةَ الشُّهَدَاءِ وَ أَوْمِئْ وَ أَشِرْ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَوَّلَ قَتِيلٍ مِنْ نَسْلِ خَيْرِ سَلِيلٍ مِنْ سُلَالَةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَ عَلَى أَبِيكَ إِذْ قَالَ فِيكَ قَتَلَ اللَّهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يَا بُنَيَّ مَا أَجْرَأَهُمْ عَلَى الرَّحْمَنِ وَ عَلَى انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الرَّسُولِ عَلَى الدُّنْيَا بَعْدَكَ الْعَفا كَأَنِّي بِكَ بَيْنَ يَدَيْكَ مَاثِلًا وَ لِلْكَافِرِينَ قَاتِلًا قَائِلًا-
          أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ-             نَحْنُ وَ بَيْتِ اللَّهِ أَوْلَى بِالنَّبِيِّ-
             أَطْعَنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَنِي-             أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي-
             ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٍّ عَرَبِيٍّ-             وَ اللَّهِ لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِيِّ-
 حَتَّى قَضَيْتَ نَحْبَكَ وَ لَقِيتَ رَبَّكَ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَوْلَى بِاللَّهِ وَ بِرَسُولِهِ وَ أَنَّكَ ابْنُ رَسُولِهِ وَ حُجَّتُهُ وَ أَمِينُهُ وَ ابْنُ حُجَّتِهِ وَ أَمِينِهِ حَكَمَ اللَّهُ عَلَى قَاتِلِكَ مُرَّةَ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ النُّعْمَانِ الْعَبْدِيِّ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ أَخْزَاهُ وَ مَنْ شَرِكَهُ فِي قَتْلِكَ وَ كَانُوا عَلَيْكَ ظَهِيراً أَصْلَاهُمُ اللَّهُ جَهَنَّم‏

65
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ ساءَتْ مَصِيراً وَ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ مُلَاقِيكَ وَ مُرَافِقِي جَدِّكَ وَ أَبِيكَ وَ عَمِّكَ وَ أَخِيكَ وَ أُمِّكَ الْمَظْلُومَةِ وَ أَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَعْدَائِكِ أُولِي الْجُحُودِ وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ الطِّفْلِ الرَّضِيعِ الْمَرْمِيِّ الصَّرِيعِ الْمُتَشَحِّطِ دَماً الْمُصَعَّدِ دَمُهُ فِي السَّمَاءِ الْمَذْبُوحِ بِالسَّهْمِ فِي حَجْرِ أَبِيهِ لَعَنَ اللَّهُ رَامِيَهُ حَرْمَلَةَ بْنَ كَاهِلٍ الْأَسَدِيَّ وَ ذَوِيهِ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُبْلَى الْبَلَاءِ وَ الْمُنَادِي بِالْوَلَاءِ فِي عَرْصَةِ كَرْبَلَاءَ الْمَضْرُوبِ مُقْبِلًا وَ مُدْبِراً لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ هَانِئَ بْنَ ثُبَيْتٍ الْحَضْرَمِيَّ السَّلَامُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَاسِي أَخَاهُ بِنَفْسِهِ الْآخِذِ لِغَدِهِ مِنْ أَمْسِهِ الْفَادِي لَهُ الْوَاقِي السَّاعِي إِلَيْهِ بِمَائِهِ الْمَقْطُوعَةِ يَدَاهُ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ يَزِيدَ بْنَ الرُّقَادِ الْجُهَنِيَّ وَ حَكِيمَ بْنَ الطُّفَيْلِ الطَّائِيَّ السَّلَامُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّابِرِ بِنَفْسِهِ مُحْتَسِباً وَ النَّائِي عَنِ الْأَوْطَانِ مُغْتَرِباً الْمُسْتَسْلِمِ لِلْقِتَالِ الْمُسْتَقْدِمِ لِلنِّزَالِ الْمَكْثُورِ بِالرِّجَالِ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ هَانِئَ بْنَ ثُبَيْتٍ الْحَضْرَمِيَّ-

66
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

السَّلَامُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ سَمِيِّ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ لَعَنَ اللَّهُ رَامِيَهُ بِالسَّهْمِ خَوْلِيَّ بْنَ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيَّ الْإِيَادِيَّ وَ الْأَبَانِيَّ الدَّارِيَّ «1» السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَتِيلِ الْأَبَانِيِّ الدَّارِيِّ «2» لَعَنَهُ اللَّهُ وَ ضَاعَفَ عَلَيْهِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ وَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِكِ الصَّابِرِينَ السَّلَامُ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الزَّكِيِّ الْوَلِيِّ الْمَرْمِيِّ بِالسَّهْمِ الرَّدِيِّ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُقْبَةَ الْغَنَوِيَّ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الزَّكِيِّ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ وَ رَامِيَهُ حَرْمَلَةَ بْنَ كَاهِلٍ الْأَسَدِيَّ السَّلَامُ عَلَى الْقَاسِمِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَضْرُوبِ عَلَى هَامَتِهِ الْمَسْلُوبِ لَامَتُهُ حِينَ نَادَى الْحُسَيْنَ عَمَّهُ فَجَلَّى عَلَيْهِ عَمُّهُ كَالصَّقْرِ وَ هُوَ يَفْحَصُ بِرِجْلَيْهِ التُّرَابَ وَ الْحُسَيْنُ يَقُولُ بُعْداً لِقَوْمٍ قَتَلُوكَ وَ مَنْ خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَدُّكَ وَ أَبُوكَ ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَ اللَّهِ عَلَى عَمِّكَ أَنْ تَدْعُوَهُ فَلَا يُجِيبَكَ أَوْ أَنْ يُجِيبَكَ وَ أَنْتَ قَتِيلٌ جَدِيلٌ فَلَا يَنْفَعُكَ هَذَا وَ اللَّهِ يَوْمٌ كَثُرَ وَاتِرُهُ‏
__________________________________________________
 (1) يريد رجلا من بنى أبان بن دارم.
 (2) يريد رجلا من بنى أبان بن دارم.

67
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ قَلَّ نَاصِرُهُ جَعَلَنِيَ اللَّهُ مَعَكُمَا يَوْمَ جَمْعِكُمَا وَ بَوَّأَنِي مُبَوَّأَكُمَا وَ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَكَ عُمَرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ نُفَيْلٍ الْأَزْدِيَّ وَ أَصْلَاهُ جَحِيماً وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَاباً أَلِيماً السَّلَامُ عَلَى عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ فِي الْجِنَانِ حَلِيفِ الْإِيمَانِ وَ مُنَازِلِ الْأَقْرَانِ النَّاصِحِ لِلرَّحْمَنِ التَّالِي لِلْمَثَانِي وَ الْقُرْآنِ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قُطْبَةَ النَّبْهَانِيَّ السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الشَّاهِدِ مَكَانَ أَبِيهِ وَ التَّالِي لِأَخِيهِ وَ وَاقِيهِ بِبَدَنِهِ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ عَامِرَ بْنَ نَهْشَلٍ التَّمِيمِيَّ السَّلَامُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ عَقِيلٍ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ وَ رَامِيَهُ بِشْرَ بْنَ حَوْطٍ الْهَمْدَانِيَّ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَقِيلٍ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ وَ رَامِيَهُ عُثْمَانَ بْنَ خَالِدِ بْنِ أَشْيَمَ الْجُهَنِيَّ «1» السَّلَامُ عَلَى الْقَتِيلِ ابْنِ الْقَتِيلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ وَ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ عَامِرَ بْنَ صَعْصَعَةَ وَ قِيلَ أَسَدَ بْنَ مَالِكٍ السَّلَامُ عَلَى أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ وَ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ وَ رَامِيَهُ عَمْرَو بْنَ صَبِيحٍ الصَّيْدَاوِيَ‏
__________________________________________________
 (1) في بعض النسخ: عمر بن خالد بن أسد، و هو تصحيف.

68
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ عَقِيلٍ وَ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ لَقِيطَ بْنَ نَاشِرٍ «1» الْجُهَنِيَّ السَّلَامُ عَلَى سُلَيْمَانَ مَوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَعَنَ اللَّهُ قَاتِلَهُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَوْفٍ الْحَضْرَمِيَّ السَّلَامُ عَلَى قَارِبٍ مَوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ السَّلَامُ عَلَى مُنْجِحٍ مَوْلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ السَّلَامُ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ عَوْسَجَةَ الْأَسَدِيِّ الْقَائِلِ لِلْحُسَيْنِ وَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْصِرَافِ أَ نَحْنُ نُخَلِّي عَنْكَ وَ بِمَ نَعْتَذِرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَدَاءِ حَقِّكَ- لَا وَ اللَّهِ حَتَّى أَكْسِرَ فِي صُدُورِهِمْ رُمْحِي هَذَا وَ أَضْرِبَهُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي وَ لَا أُفَارِقُكَ وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي سِلَاحٌ أُقَاتِلُهُمْ بِهِ لَقَذَفْتُهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَ لَمْ أُفَارِقْكَ حَتَّى أَمُوتَ مَعَكَ وَ كُنْتَ أَوَّلَ مَنْ شَرَى نَفْسَهُ وَ أَوَّلَ شَهِيدٍ شَهِدَ لِلَّهِ وَ قَضَى نَحْبَهُ فَفُزْتَ وَ رَبِّ الْكَعْبَةِ شَكَرَ اللَّهُ اسْتِقْدَامَكَ وَ مُوَاسَاتَكَ إِمَامَكَ إِذْ مَشَى إِلَيْكَ وَ أَنْتَ صَرِيعٌ فَقَالَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا مُسْلِمَ بْنَ عَوْسَجَةَ وَ قَرَأَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا لَعَنَ اللَّهُ الْمُشْتَرِكِينَ فِي قَتْلِكَ- عَبْدَ اللَّهِ الضَّبَابِيَّ وَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَشْكَارَةَ
__________________________________________________
 (1) لقيط بن ياسر خ ل.

69
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

الْبَجَلِيَّ وَ مُسْلِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبَابِيَّ السَّلَامُ عَلَى سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيِّ الْقَائِلِ لِلْحُسَيْنِ وَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْصِرَافِ- لَا وَ اللَّهِ لَا نُخَلِّيكَ حَتَّى يَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّا قَدْ حَفِظْنَا غَيْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِيكَ وَ اللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أُقْتَلُ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُحْرَقُ ثُمَّ أُذْرَى وَ يُفْعَلُ بِي ذَلِكَ سَبْعِينَ مَرَّةً مَا فَارَقْتُكَ حَتَّى أَلْقَى حِمَامِي دُونَكَ وَ كَيْفَ أَفْعَلُ ذَلِكَ وَ إِنَّمَا هِيَ مَوْتَةٌ أَوْ قَتْلَةٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ هِيَ بَعْدَهَا الْكَرَامَةُ الَّتِي لَا انْقِضَاءَ لَهَا أَبَداً فَقَدْ لَقِيتَ حِمَامَكَ وَ وَاسَيْتَ إِمَامَكَ وَ لَقِيتَ مِنَ اللَّهِ الْكَرَامَةَ فِي دَارِ الْمُقَامَةِ حَشَرَنَا اللَّهُ مَعَكُمْ فِي الْمُسْتَشْهَدِينَ وَ رَزَقَنَا مُرَافَقَتَكُمْ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ السَّلَامُ عَلَى بِشْرِ بْنِ عُمَرَ الْحَضْرَمِيِّ شَكَرَ اللَّهُ لَكَ قَوْلَكَ لِلْحُسَيْنِ وَ قَدْ أَذِنَ لَكَ فِي الِانْصِرَافِ أَكَلَتْنِي إِذَنْ السِّبَاعُ حَيّاً إِنْ فَارَقْتُكَ وَ أَسْأَلُ عَنْكَ الرُّكْبَانَ وَ أَخْذُلُكَ مَعَ قِلَّةِ الْأَعْوَانِ لَا يَكُونُ هَذَا أَبَداً السَّلَامُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيِّ الْمَشْرِقِيِّ الْقَارِي الْمُجَدَّلِ بِالْمَشْرَفِيِّ السَّلَامُ عَلَى عُمَرَ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ السَّلَامُ عَلَى نُعَيْمِ بْنِ عَجْلَانَ الْأَنْصَارِيِّ-

70
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

السَّلَامُ عَلَى زُهَيْرِ بْنِ الْقَيْنِ الْبَجَلِيِّ الْقَائِلِ لِلْحُسَيْنِ وَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي الِانْصِرَافِ- لَا وَ اللَّهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَداً أَتْرُكُ ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَسِيراً فِي يَدِ الْأَعْدَاءِ وَ أَنْجُو لَا أَرَانِيَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ السَّلَامُ عَلَى عَمْرِو بْنِ قَرَظَةَ الْأَنْصَارِيِّ السَّلَامُ عَلَى حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيِّ السَّلَامُ عَلَى الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ الرِّيَاحِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الْكَلْبِيِّ السَّلَامُ عَلَى نَافِعِ بْنِ هِلَالِ بْنِ نَافِعٍ الْبَجَلِيِّ «1» الْمُرَادِيِّ السَّلَامُ عَلَى أَنَسِ بْنِ كَاهِلٍ الْأَسَدِيِّ السَّلَامُ عَلَى قَيْسِ بْنِ مُسْهِرٍ الصَّيْدَاوِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ عُرْوَةَ بْنِ حَرَاقٍ الْغِفَارِيَّيْنِ السَّلَامُ عَلَى جَوْنِ بْنِ حُوَيٍّ مَوْلَى أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ السَّلَامُ عَلَى شَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّهْشَلِيِّ السَّلَامُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ زَيْدٍ السَّعْدِيِّ السَّلَامُ عَلَى قَاسِطٍ وَ كَرِشٍ «2» ابْنَيْ ظَهِيرٍ التَّغْلِبِيَّيْنِ السَّلَامُ عَلَى كِنَانَةَ بْنِ عَتِيقٍ السَّلَامُ عَلَى ضِرْغَامَةَ بْنِ مَالِكٍ‏
__________________________________________________
 (1) هو في الطبريّ ج 6 ص 253 و كامل ابن الأثير ج 4 ص 29 و البداية ج 8 ص 184 «الجملى» نسبة الى جمل بن كنانة.
 (2) كردوس خ ل.

71
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

السَّلَامُ عَلَى حُوَيِّ بْنِ مَالِكٍ الضُّبَعِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَمْرِو بْنِ ضُبَيْعَةَ الضُّبَعِيِّ السَّلَامُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثُبَيْتٍ الْقَيْسِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ ثُبَيْتٍ الْقَيْسِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَامِرِ بْنِ مُسْلِمٍ السَّلَامُ عَلَى قَعْنَبِ بْنِ عَمْرٍو التَّمْرِيِّ السَّلَامُ عَلَى سَالِمٍ مَوْلَى عَامِرِ بْنِ مُسْلِمٍ السَّلَامُ عَلَى سَيْفِ بْنِ مَالِكٍ السَّلَامُ عَلَى زُهَيْرِ بْنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيِّ السَّلَامُ عَلَى زَيْدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْجُعْفِيِّ السَّلَامُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ مَسْرُوقٍ الْجُعْفِيِّ السَّلَامُ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ الْحَجَّاجِ وَ ابْنِهِ السَّلَامُ عَلَى مُجَمِّعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَائِذِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَمَّارِ بْنِ حَسَّانَ بْنِ شُرَيْحٍ الطَّائِيِّ السَّلَامُ عَلَى حُبَابِ بْنِ الْحَارِثِ السَّلْمَانِيِّ الْأَزْدِيِّ السَّلَامُ عَلَى جُنْدَبِ بْنِ حُجْرٍ الْخَوْلَانِيِّ السَّلَامُ عَلَى عُمَرَ بْنِ خَالِدٍ الصَّيْدَاوِيِّ السَّلَامُ عَلَى سَعِيدٍ مَوْلَاهُ السَّلَامُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ مُهَاصِرٍ الْكِنْدِيِّ السَّلَامُ عَلَى زَاهِدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ السَّلَامُ عَلَى جَبَلَةَ بْنِ عَلِيٍّ الشَّيْبَانِيِّ السَّلَامُ عَلَى سَالِمٍ مَوْلَى بَنِي الْمَدَنِيَّةِ الْكَلْبِيِّ السَّلَامُ عَلَى أَسْلَمَ بْنِ كُثَيْرٍ الْأَزْدِيِّ الْأَعْرَجِ السَّلَامُ عَلَى زُهَيْرِ بْنِ سُلَيْمٍ الْأَزْدِيِّ-

72
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

السَّلَامُ عَلَى قَاسِمِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَزْدِيِّ السَّلَامُ عَلَى عُمَرَ بْنِ جُنْدَبٍ الْحَضْرَمِيِّ السَّلَامُ عَلَى أَبِي ثُمَامَةَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّائِدِيِّ السَّلَامُ عَلَى حَنْظَلَةَ بْنِ سَعْدٍ الشِّبَامِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْكَدِرِ الْأَرْحَبِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَمَّارِ بْنِ أَبِي سَلَامَةَ الْهَمْدَانِيِّ السَّلَامُ عَلَى عَابِسِ «1» بْنِ أَبِي شَبِيبٍ الشَّاكِرِيِّ السَّلَامُ عَلَى شَوْذَبٍ مَوْلَى شَاكِرٍ السَّلَامُ عَلَى شَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَرِيعٍ السَّلَامُ عَلَى مَالِكِ بْنِ عَبْدِ بْنِ سَرِيعٍ السَّلَامُ عَلَى الْجَرِيحِ الْمَأْسُورِ- سَوَّارِ بْنِ أَبِي حِمْيَرٍ الْفَهْمِيِّ الْهَمْدَانِيِّ السَّلَامُ عَلَى الْمُرَتَّبِ مَعَهُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُنْدُعِيِّ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا خَيْرَ أَنْصَارٍ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ بَوَّأَكُمُ اللَّهُ مُبَوَّأَ الْأَبْرَارِ أَشْهَدُ لَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ لَكُمُ الْغِطَاءَ وَ مَهَّدَ لَكُمُ الْوِطَاءَ وَ أَجْزَلَ لَكُمُ الْعَطَاءَ وَ كُنْتُمْ عَنِ الْحَقِّ غَيْرَ بِطَاءٍ وَ أَنْتُمْ لَنَا فُرَطَاءُ وَ نَحْنُ لَكُمْ خُلَطَاءُ فِي دَارِ الْبَقَاءِ وَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
__________________________________________________
 (1) في الأصل: عائش.

73
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

أقول: قوله و قيل لعله من السيد أو من بعض الرواة.
4- وَ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ فِي كِتَابِ مُرُوجِ الذَّهَبِ فَعَدَلَ الْحُسَيْنُ إِلَى كَرْبَلَاءَ وَ هُوَ فِي مِقْدَارِ أَلْفِ فَارِسٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ أَصْحَابِهِ وَ نَحْوِ مِائَةِ رَاجِلٍ فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلُ حَتَّى قُتِلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ كَانَ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهُ رَجُلًا مِنْ مَذْحِجٍ وَ قُتِلَ وَ هُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً وَ قِيلَ ابْنُ تِسْعٍ وَ خَمْسِينَ سَنَةً وَ قِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَ وُجِدَ بِهِ ع يَوْمَ قُتِلَ ثَلَاثٌ وَ ثَلَاثُونَ طَعْنَةً وَ أَرْبَعٌ وَ ثَلَاثُونَ ضَرْبَةً وَ ضَرَبَ زُرْعَةُ بْنُ شَرِيكٍ التَّمِيمِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ كَفَّهُ الْيُسْرَى وَ طَعَنَهُ سِنَانُ بْنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ ثُمَّ نَزَلَ وَ اجْتَزَّ رَأْسَهُ وَ تَوَلَّى قَتْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ خَاصَّةً لَمْ يَحْضُرْهُمْ شَامِيٌّ وَ كَانَ جَمِيعُ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ سَبْعاً وَ ثَمَانِينَ وَ كَانَ عِدَّةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ فِي حَرْبِ الْحُسَيْنِ ع ثَمَانِيَةً وَ ثَمَانِينَ رَجُلًا.
أقول و لنوضح بعض مشكلات ما تقدم في هذا الباب.
قوله ع لو لا تقارب الأشياء أي قرب الآجال أو إناطة الأشياء بالأسباب بحسب المصالح أو أنه يصير سببا لتقارب الفرج و غلبة أهل الحق و لما يأت أوانه و في بعض النسخ لو لا تفاوت الأشياء أي في الفضل و الثواب. قوله ع فلم يبعد أي من الخير و النجاح و الفلاح و قد شاع قولهم بعدا له و أبعده الله و الإغذاذ في السير الإسراع و قال الجزري في حديث أبي قتادة فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد أي لا يلتفت و لا يعطف عليه و ألوى برأسه و لواه إذا أماله من جانب إلى جانب انتهى.
و الوله الحيرة و ذهاب العقل حزنا و المراد هنا شدة الشوق و قال الفيروزآبادي عسل الذئب أو الفرس يعسل عسلانا اضطرب في عدوه و هز رأسه و العسل الناقة السريعة و أبو عسلة بالكسر الذئب انتهى أي يتقطعها الذئاب الكثيرة العدو السريعة أو الأعم منه و من سائر السباع و الكرش من الحيوانات كالمعدة من الإنسان و الأجربة جمع الجراب و هو الهميان أطلق على بطونها على الاستعارة و لعل المعنى أني أصير بحيث يزعم الناس أني أصير كذلك بقرينة

74
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قوله ع و هو مجموعة له في حظيرة القدس فيكون استعارة تمثيلية أو يقال نسب إلى نفسه المقدسة ما يعرض لأصحابه أو يقال إنها تصير ابتداء إلى أجوافها لشدة الابتلاء ثم تنتزع منها و تجتمع في حظيرة القدس و يقال انكمش أي أسرع.
قوله كأنما على رءوسنا الطير أي بقينا متحيرين لا نتحرك قال الجزري في صفة الصحابة كأنما على رءوسهم الطير وصفهم بالسكون و الوقار و أنهم لم يكن فيهم طيش و لا خفة لأن الطير لا تكاد تقع إلا على شي‏ء ساكن انتهى.
و التقويض نقض من غير هدم أو هو نزع الأعواد و الأطناب و الإرقال ضرب من الخبب و هو ضرب من العدو و هوادي الخيل أعناقها.
قوله كان أسنتهم اليعاسيب هو جمع يعسوب أمير النحل شبهها في كثرتها بأن كلا منها كأنه أمير النحل اجتمع عليه عسكره‏
قال الجزري في حديث الدجال فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل.
جمع يعسوب أي تظهر له و تجتمع عنده كما تجتمع النحل على يعاسيبها انتهى و كذا تشبيه الرايات بأجنحة الطير إنما هو في الكثرة و اتصال بعضها ببعض.
و قال الجوهري و قولهم هم زهاء مائة أي قدر مائة قوله ع و رشفوا الخيل أي اسقوهم قليلا قال الجوهري الرشف المص و في المثل الرشف أنقع أي إذا ترشفت الماء قليلا قليلا كان أسكن للعطش و الطساس بالكسر جمع الطس و هو لغة في الطست و لا تغفل عن كرمه عليه الصلاة و السلام حيث أمر بسقي رجال المخالفين و دوابهم.
قوله و الراوية عندي السقاية أي كنت أظن أن مراده ع بالراوية المزادة التي يسقى به و لم أعرف أنها تطلق على البعير فصرح ع بذكر الجمل قال الفيروزآبادي الراوية المزادة فيها الماء و البعير و البغل و الحمار يستقي عليه و قال الجزري فيه نهي عن اختناث الأسقية خنثت السقاء إذا ثنيت فمه إلى خارج و شربت منه و قبعته إذا ثنيته إلى داخل و الخميس الجيش و الوغى الحرب و العرمرم الجيش الكثير و الباتر السيف القاطع و قال الجوهري الجعجعة

75
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

الحبس و كتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد أن جعجع بحسين ع قال الأصمعي يعني احبسه و قال ابن الأعرابي يعني ضيق عليه و قال العراء بالمد الفضاء لا ستر به قال الله تعالى لَنُبِذَ بِالْعَراءِ و يقال ما لي به قبل بكسر القاف أي طاقة و الصبابة بالضم البقية من الماء في الإناء.
و قال الجوهري الوبلة بالتحريك الثقل و الوخامة و قد وبل المرتع وبلا و وبالا فهو وبيل أي وخيم و البرم بالتحريك ما يوجب السأمة و الضجر و الوثير الفراش الوطي‏ء اللين و الخمير الخبز البائت و الفتك أن يأتي الرجل صاحبه و هو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله.
و قال البيضاوي في قوله وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ أي ليس الحين حين مناص و لا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب و ثم و خصت بلزوم الأحيان و حذف أحد المعمولين و قيل هي النافية للجنس أي و لا حين مناص لهم و قيل للفعل و النصب بإضماره أي و لا أرى حين مناص و المناص المنجى.
قوله قد خشيت أي ظننت أو علمت و كبد السماء وسطها و البغر بالتحريك داء و عطش قال الأصمعي هو عطش يأخذ الإبل فتشرب فلا تروى و تمرض عنه فتموت تقول منه بغر بالكسر و الزحف المشي و المناجزة المبارزة و المقاتلة و الثمال بالكسر الغياث يقال فلان ثمال قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم و يقال حلأت الإبل عن الماء تحلئة إذا طردتها عنه و منعتها أن ترده قاله الجوهري و قال تقول تبا لفلان تنصبه على المصدر بإضمار فعل أي ألزمه الله هلاكا و خسرانا و الترح بالتحريك ضد الفرح و المستصرخ المستغيث و حششت النار أحشها حشا أوقدتها.
قوله جناها أي أخذها و جمع حطبها
و في رواية السيد فأصرخناكم موجفين سللتم علينا سيفا لنا في أيمانكم و حششتم علينا نارا اقتدحناها على عدوكم و عدونا.

76
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و قال الجوهري ألبت الجيش إذا جمعته و تألبوا تجمعوا و هم ألب و إلب إذا كانوا مجتمعين و تفيل رأيه أخطأ و ضعف و الجأش رواغ القلب إذا اضطرب عند الفزع و نفس الإنسان و قد لا يهمز.
قوله ع طامن أي ساكن مطمئن و استحصف الشي‏ء استحكم و شذاذ الناس الذين يكونون في القوم و ليسوا من قبائلهم.
قوله ع و نفثة الشيطان أي ينفث فيهم الشيطان بالوساوس أو أنهم شرك شيطان قال الفيروزآبادي نفث ينفث و ينفث و هو كالنفخ و نفث الشيطان الشعر و النفاثة ككناسة ما ينفثه المصدور من فيه و الشطيبة من السواك تبقى في الفم فتنفث و في تحف العقول بقية الشيطان.
قوله ع جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ قال الجوهري هو من عضوته أي فرقته لأن المشركين فرقوا أقاويلهم فيه فجعلوه كذبا و سحرا و كهانة و شعرا و قيل أصله عضهة لأن العضة و العضين في لغة قريش السحر.
قوله ع قد ركز أي أقامنا بين الأمرين من قولهم ركز الرمح أي غرزه في الأرض و في رواية السيد و التحف ركن بالنون أي مال و سكن إلينا بهذين و الأظهر تركني كما في الإحتجاج و القلة قلة العدد بالقتل و في رواية السيد و الإحتجاج السلة و هي بالفتح و الكسر اعتلال السيوف و هو أظهر.
قوله فغير مهزمينا على صيغة المفعول أي إن أرادوا أن يهزمونا فلا نهزم أو إن هزمونا و أبعدونا فليس على وجه الهزيمة بل على جهة المصلحة و الأول أظهر و الطب بالكسر العادة و الحاصل أنا لم نقتل بسبب الجبن فإنه ليس من عادتنا و لكن بسبب أن حضر وقت منايانا و دولة الآخرين.
قوله ع إلا ريثما يركب أي إلا قدر ما يركب و طاح يطوح و يطيح هلك و سقط و الهبل بالتحريك مصدر قولك هبلته أمه أي ثكلته و الكلكل الصدر و في بعض النسخ بكظمه و هو بالتحريك مخرج النفس و هو أظهر و الزئير صوت الأسد في صدره.

77
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قوله لعنه الله مزني أي رمح مزني و كعوب الرمح النواشز في أطراف الأنابيب و عدم خيانتها كناية عن كثرة نفوذها و عدم كلالها و الغراران شفرتا السيف و الحاسر الذي لا مغفر عليه و لا درع و يوم قماطر بالضم شديد قوله هنه الهاء للسكت و كذا في قوله فاجهدنه و فارغبنه و رجل مدجج أي شاك في السلاح و يقال عرج فلان على المنزل إذا حبس مطيته عليه و أقام و كذلك التعرج ذكره الجوهري و قال قال أبو عمرو الأزل الخفيف الوركين و السمع الأزل الذئب الأرسح يتولد بين الذئب و الضبع و هذه الصفة لازمة له كما يقال الضبع العرجاء و في المثل هو أسمع من الذئب الأزل «1» و اللبد بكسر اللام و فتح الباء جمع اللبدة و هي الشعر المتراكب بين كتفي الأسد و يقال للأسد ذو لبد.
قوله لأنعمتك عينا أي نعم أفعل ذلك إكراما لك و إنعاما لعينك و شب الفرس يشب و يشب شبابا و شبيبا إذا قمص و لعب و أشببته أنا إذا هيجته و احتوش القوم على فلان أي جعلوه وسطهم.
و قال الجوهري قولهم فلان حامي الذمار أي إذا ذمر و غضب حمي و فلان أمنع ذمارا من فلان و يقال الذمار ما وراء الرجل مما يحق عليه أن يحميه قوله شاري أي شرى نفسه و باعها بالجنة و المهند السيف المطبوع من حديد الهند و أصلت سيفه أي جرده من غمده فهو مصلت و ضربه بالسيف صلتا و صلتا إذا ضربه به و هو مصلت و الباسل البطل الشجاع و الفيصل الحاكم‏
__________________________________________________
 (1) قال في مجمع الامثال تحت الرقم 1885 «أسمع من سمع» و يقال: «أسمع من السمع الازل» لان هذه الصفة لازمة له و السمع سبع مركب لانه ولد الذئب من الضبع و السمع كالحية لا يعرف الاسقام و العلل، و لا يموت حتف أنفه، بل يموت بعرض من الاعراض يعرض له، و ليس في الحيوان شي‏ء عدوه كعدو السمع لانه أسرع من الطير، و يقال: و ثبات السمع تزيد على عشرين أو ثلاثين ذراعا.
أقول: و هو شديد السمع يضرب به المثل في ذلك.

78
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و القضاء بين الحق و الباطل و الولولة الإعوال و الأشبل جمع الشبل ولد الأسد و الغيار بالكسر من الغيرة أو الغارة و قد يكون بمعنى الدخول في الشي‏ء و العضب بالفتح السيف القاطع.
و قال الجوهري سيف ذكر و مذكر أي ذو ماء قال أبو عبيد هي سيوف شفراتها حديد ذكر و متونها أنيث قال و يقول الناس إنها من عمل الجن و دودان بن أسد أبو قبيلة قوله بطعن آن أي حار شديد الحرارة و يقال أرهفت سيفي أي رققته فهو مرهف و الأسمر الرمح و السطاع لعله من سطوع الغبار و الكمي الشجاع المتكمي في سلاحه لأنه كمي نفسه أي سترها بالدرع و البيضة.
و القرم السيد و الأكتاد جمع الكتد و هو ما بين الكاهل إلى الظهر و الآد القوة و الأخفاق لعله جمع الخفق بمعنى الاضطراب أو الخفق بمعنى ضربك الشي‏ء بدرة أو عريض أو صوت النعل أو من أخفق الطائر ضرب بجناحيه و الرشق الرمي بالنبل و غيره و بالكسر الاسم و الخور الضعف و الجبن و الشلو بالكسر العضو من أعضاء اللحم و أشلاء الإنسان أعضاؤه بعد البلى و التفرق.
قوله من عامه أي متحير ضال و لعله بيان لابن هند و العجاجة الغبار و الذوائب جمع الذؤابة و هي من العز و الشرف و كل شي‏ء أعلاه و الصوب نزول المطر و المزن جمع المزنة و هي السحابة البيضاء و الفلقة بالكسر القطعة و أسد حرب بكسر الراء أي شديد الغضب.
قوله فأطنها أي قطعها و الضرغام بالكسر الأسد و قال الجزري فيه و اقتلهم بددا يروى بكسر الباء جمع بدة و هي الحصة و النصيب أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحد حصته و نصيبه و يروى بالفتح أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد من التبديد انتهى و القسورة العزيز و الأسد و الرماة من الصيادين و يقال أجحرته أي ألجأته إلى أن دخل جحره فانجحر.
قوله ع إذا الموت رقا أي صعد كناية عن الكثرة أو القرب و الإشراف‏

79
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

و في بعض النسخ زقا بالزاء المعجمة أي صالح و المصاليت جمع المصلات و هو الرجل الماضي في الأمور و اللقا بالفتح الشي‏ء الملقى لهوانه و قال الجوهري القدة الطريقة و الفرقة من الناس إذا كان هوى كل واحد على حدة يقال كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً و قال الجوهري العفاء بالفتح و المد التراب و قال صفوان بن محرز إذا دخلت بيتي فأكلت رغيفا و شربت عليه ماء فعلى الدنيا العفاء و قال أبو عبيدة العفاء الدروس و الهلاك قال و هذا كقولهم عليه الدبار إذا دعا عليه أن يدبر فلا يرجع و التذبذب التحرك و الوكوف القطرات و الهطل تتابع المطر و الفيلق بفتح الفاء و اللام الجيش و الورد بالفتح الأسد و الجحفل الجيش و نفحه بالسيف تناوله من بعيد و في بعض النسخ بعجه من قولهم بعج بطنه بالسكين إذا شقه.
و قال الجوهري البقع في الطير و الكلاب بمنزلة البلق في الدواب و الرفس الضرب بالرجل و سفت الريح التراب تسفيه سفيا أذرته و اليعبوب الفرس الكثير الجري و شددنا أسره أي خلقه و الجناجن عظام الصدر.
5- ني، الغيبة للنعماني ابْنُ عُقْدَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَمَّدِيِّ عَنِ التَّفْلِيسِيِّ عَنِ السَّمَنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع أَنَّهُ قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ يُبْتَلَوْنَ ثُمَّ يُمَيِّزُهُمُ اللَّهُ عِنْدَهُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُؤْمِنِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا وَ مَرَائِرِهَا وَ لَكِنْ آمَنَهُمْ مِنَ الْعَمَى وَ الشَّقَاءِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع يَضَعُ قَتَلَاهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ يَقُولُ قَتْلَانَا قَتْلَى النَّبِيِّينَ وَ آلِ النَّبِيِّينَ «1».
6- يج، الخرائج و الجرائح سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ فَضْلٍ عَنْ سَعْدٍ الْجَلَّابِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قَالَ الْحُسَيْنُ ع لِأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ لِي يَا بُنَيَّ إِنَّكَ سَتُسَاقُ إِلَى الْعِرَاقِ وَ هِيَ أَرْضٌ قَدِ الْتَقَى بِهَا النَّبِيُّونَ وَ أَوْصِيَاءُ النَّبِيِّينَ وَ هِيَ أَرْضٌ تُدْعَى عَمُورَا وَ إِنَّكَ تُسْتَشْهَدُ بِهَا وَ يُسْتَشْهَدُ مَعَكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ لَا يَجِدُونَ أَلَمَ مَسِّ الْحَدِيدِ وَ تَلَا قُلْنا يا نارُ
__________________________________________________
 (1) غيبة النعمانيّ ص 112 و 113.

80
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى‏ إِبْراهِيمَ «1» يَكُونُ الْحَرْبُ بَرْداً وَ سَلَاماً عَلَيْكَ وَ عَلَيْهِمْ فَأَبْشِرُوا فَوَ اللَّهِ لَئِنْ قَتَلُونَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى نَبِيِّنَا قَالَ ثُمَّ أَمْكُثُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ فَأَخْرُجُ خَرْجَةً يُوَافِقُ ذَلِكَ خَرْجَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ قِيَامَ قَائِمِنَا وَ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ لَيَنْزِلَنَّ عَلَيَّ وَفْدٌ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ قَطُّ وَ لَيَنْزِلَنَّ إِلَيَّ جَبْرَئِيلُ وَ مِيكَائِيلُ وَ إِسْرَافِيلُ وَ جُنُودٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ لَيَنْزِلَنَّ مُحَمَّدٌ وَ عَلِيٌّ وَ أَنَا وَ أَخِي وَ جَمِيعُ مَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي حَمُولَاتٍ مِنْ حَمُولَاتِ الرَّبِّ جِمَالٍ مِنْ نُورٍ لَمْ يَرْكَبْهَا مَخْلُوقٌ ثُمَّ لَيَهُزَّنَّ مُحَمَّدٌ ص لِوَاءَهُ وَ لَيَدْفَعُهُ إِلَى قَائِمِنَا مَعَ سَيْفِهِ ثُمَّ إِنَّا نَمْكُثُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنْ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ عَيْناً مِنْ دُهْنٍ وَ عَيْناً مِنْ مَاءٍ وَ عَيْناً مِنْ لَبَنٍ ثُمَّ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَدْفَعُ إِلَيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ يَبْعَثُنِي إِلَى الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ فَلَا آتِي عَلَى عَدُوٍّ لِلَّهِ إِلَّا أَهْرَقْتُ دَمَهُ وَ لَا أَدَعُ صَنَماً إِلَّا أَحْرَقْتُهُ حَتَّى أَقَعَ إِلَى الْهِنْدِ فَأَفْتَحَهَا وَ إِنَّ دَانِيَالَ وَ يُوشَعَ يَخْرُجَانِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولَانِ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ يَبْعَثُ مَعَهُمَا إِلَى الْبَصْرَةِ سَبْعِينَ رَجُلًا فَيَقْتُلُونَ مُقَاتِلِيهِمْ وَ يَبْعَثُ بَعْثاً إِلَى الرُّومِ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ ثُمَّ لَأَقْتُلَنَّ كُلَّ دَابَّةٍ حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهَا حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا الطَّيِّبُ وَ أَعْرِضُ عَلَى الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ سَائِرِ الْمِلَلِ وَ لَأُخَيِّرَنَّهُمْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَ السَّيْفِ فَمَنْ أَسْلَمَ مَنَنْتُ عَلَيْهِ وَ مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ أَهْرَقَ اللَّهُ دَمَهُ وَ لَا يَبْقَى رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِنَا إِلَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكاً يَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَ يُعَرِّفُهُ أَزْوَاجَهُ وَ مَنْزِلَتَهُ فِي الْجَنَّةِ وَ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَعْمَى وَ لَا مُقْعَدٌ وَ لَا مُبْتَلًى إِلَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ بَلَاءَهُ بِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ لَيُنْزِلَنَّ الْبَرَكَةَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتُقْصَفُ بِمَا يَزِيدُ اللَّهُ فِيهَا مِنَ الثَّمَرَةِ وَ لَتَأْكُلُنَّ ثَمَرَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ وَ ثَمَرَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ‏
__________________________________________________
 (1) الأنبياء ص 69.

81
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ «1» ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ لَيَهَبُ لِشِيعَتِنَا كَرَامَةً- لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ شَيْ‏ءٌ فِي الْأَرْضِ وَ مَا كَانَ فِيهَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَعْلَمَ عِلْمَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيُخْبِرَهُمْ بِعِلْمِ مَا يَعْمَلُونَ.
بيان لتقصف أي تنكسر أغصانها لكثرة ما حملت من الثمرة.
7- لي، الأمالي للصدوق أَبِي عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ وَ ابْنِ بُكَيْرٍ وَ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ع قَالَ: أُصِيبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع وَ وُجِدَ بِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَ بِضْعٌ وَ عِشْرُونَ طَعْنَةً بِرُمْحٍ أَوْ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ فَرُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ كُلُّهَا فِي مُقَدَّمِهِ لِأَنَّهُ ع كَانَ لَا يُوَلِّي «2».
8- ما، الأمالي للشيخ الطوسي أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي عُمَارَةَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ وُجِدَ بِالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع نَيِّفٌ وَ سَبْعُونَ طَعْنَةً وَ نَيِّفٌ وَ سَبْعُونَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
9- لي، الأمالي للصدوق ابْنُ الْمُتَوَكِّلِ عَنِ السَّعْدَآبَادِيِّ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ «3» عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ: دَخَلَتِ الْعَامَّةُ «4» عَلَيْنَا الْفُسْطَاطَ وَ أَنَا جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ وَ فِي رِجْلَيَّ خَلْخَالانِ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَفُضُّ الْخَلْخَالَيْنِ مِنْ رِجْلَيَّ وَ هُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ مَا يُبْكِيكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ فَقَالَ كَيْفَ لَا أَبْكِي وَ أَنَا أَسْلُبُ ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَا تَسْلُبْنِي قَالَ أَخَافُ أَنْ يَجِي‏ءَ غَيْرِي فَيَأْخُذَهُ قَالَتْ وَ انْتَهَبُوا مَا فِي الْأَبْنِيَةِ حَتَّى كَانُوا يَنْزِعُونَ الْمَلَاحِفَ عَنْ ظُهُورِنَا.
__________________________________________________
 (1) الأعراف: 96.
 (2) أمالي الصدوق المجلس 31 تحت الرقم: 1.
 (3) هو عبد اللّه بن الحسن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام و في نسخة الأصل و نسخة الكمبانيّ و هكذا المصدر «عبد اللّه بن الحسين» و هو تصحيف.
 (4) في المصدر المجلس 31 تحت الرقم 2: «الغانمة».

82
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

10- ج، الإحتجاج عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا اسْتَكَفَّ النَّاسُ بِالْحُسَيْنِ ع رَكِبَ فَرَسَهُ وَ اسْتَنْصَتَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ تَبّاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَ تَرَحاً وَ بُؤْساً لَكُمْ وَ تَعْساً حِينَ اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَلِهِينَ فَأَصْرَخْنَاكُمْ مُوجِفِينَ فَشَحَذْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً كَانَ فِي أَيْدِينَا وَ حَشَشْتُمْ عَلَيْنَا نَاراً أَضْرَمْنَاهَا عَلَى عَدُوِّكُمْ وَ عَدُوِّنَا فَأَصْبَحْتُمْ أَلْباً عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ وَ يَداً لِأَعْدَائِكُمْ مِنْ غَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ وَ لَا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ وَ لَا ذَنْبٍ كَانَ مِنَّا إِلَيْكُمْ فَهَلَّا لَكُمُ الْوَيْلَاتُ إِذْ كَرِهْتُمُونَا وَ السَّيْفُ مَشِيمٌ وَ الْجَأْشُ طَامِنٌ وَ الرَّأْيُ لَمْ يُسْتَحْصَفْ وَ لَكِنَّكُمُ اسْتَسْرَعْتُمْ إِلَى بَيْعَتِنَا كَطَيْرَةِ الدَّبَى «1» وَ تَهَافَتُّمْ إِلَيْهَا كَتَهَافُتِ الْفَرَاشِ ثُمَّ نَقَضْتُمُوهَا سَفَهاً وَ ضِلَّةً بُعْداً وَ سُحْقاً لِطَوَاغِيتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ بَقِيَّةِ الْأَحْزَابِ وَ نَبَذَةِ الْكِتَابِ وَ مُطْفِئِ السُّنَنِ وَ مُوَاخِي الْمُسْتَهْزِءِينَ- الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ وَ عُصَاةِ الْأُمَمِ وَ مُلْحِقِ الْعَهْرَةِ بِالنَّسَبِ- لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ أَ فَهَؤُلَاءِ تَعْضُدُونَ وَ عَنَّا تَتَخَاذَلُونَ أَجَلْ وَ اللَّهِ الْخَذْلُ فِيكُمْ مَعْرُوفٌ نَبَتَتْ عَلَيْهِ أُصُولُكُمْ وَ تَأَزَّرَتْ عَلَيْهِ عُرُوقُكُمْ فَكُنْتُمْ أَخْبَثَ شَجَرٍ لِلنَّاظِرِ وَ أُكْلَةً لِلْغَاصِبِ- أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ النَّاكِثِينَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا أَلَا وَ إِنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيَّ قَدْ تَرَكَنِي بَيْنَ السِّلَّةِ وَ الذِّلَّةِ وَ هَيْهَاتَ لَهُ ذَلِكَ هَيْهَاتَ مِنِّي الذِّلَّةُ أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ جُدُودٌ طَهُرَتْ وَ حُجُورٌ طَابَتْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الْكِرَامِ أَلَا وَ إِنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الْأُسْرَةِ عَلَى قِلَّةِ الْعَدَدِ وَ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَ خِذْلَةِ النَّاصِرِ ثُمَّ تَمَثَّلَ فَقَالَ-
          فَإِنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قِدْماً-             وَ إِنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزَّمِينَا
بيان يقال شمت السيف أغمدته و شمته سللته و هو من الأضداد «2».
__________________________________________________
 (1) الدبى: أصغر الجراد، يقال: جاء الخيل كالدبى فبلغ السيل الربى.
 (2) الاحتجاج ص 154، و قد مر مثله في ص 8 فراجع.

83
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

11- فس، تفسير القمي أَبِي عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَقِيَ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ وَيْحَكَ أَ مَا آنَ لَكَ أَنْ تَعْلَمَ كَيْفَ أَصْبَحْتُ أَصْبَحْنَا فِي قَوْمِنَا مِثْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَنَا وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَنَا وَ أَصْبَحَ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ يُلْعَنُ عَلَى الْمَنَابِرِ وَ أَصْبَحَ عَدُوُّنَا يُعْطَى الْمَالَ وَ الشَّرَفَ وَ أَصْبَحَ مَنْ يُحِبُّنَا مَحْقُوراً مَنْقُوصاً حَقُّهُ وَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلِ الْمُؤْمِنُونَ وَ أَصْبَحَتِ الْعَجَمُ تَعْرِفُ لِلْعَرَبِ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ لِقُرَيْشٍ حَقَّهَا بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَرَبِ بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحَتِ الْعَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَجَمِ بِأَنَّ مُحَمَّداً كَانَ مِنْهَا وَ أَصْبَحْنَا- أَهْلَ بَيْتِ مُحَمَّدٍ- لَا يُعْرَفُ لَنَا حَقٌّ فَهَكَذَا أَصْبَحْنَا.
12- ثو، ثواب الأعمال ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ الْمَشْرِقِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَا وَ ابْنُ عَمٍّ لِي وَ هُوَ فِي قَصْرِ بَنِي مُقَاتِلٍ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَمِّي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَذَا الَّذِي أَرَى خِضَابٌ أَوْ شَعْرُكَ فَقَالَ خِضَابٌ وَ الشَّيْبُ إِلَيْنَا بَنِي هَاشِمٍ يُعَجِّلُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ جِئْتُمَا لِنُصْرَتِي فَقُلْتُ إِنِّي رَجُلٌ كَبِيرُ السِّنِّ كَثِيرُ الدَّيْنِ كَثِيرُ الْعِيَالِ وَ فِي يَدِي بَضَائِعُ لِلنَّاسِ وَ لَا أَدْرِي مَا يَكُونُ وَ أَكْرَهُ أَنْ أُضَيِّعَ أَمَانَتِي وَ قَالَ لَهُ ابْنُ عَمِّي مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ لَنَا فَانْطَلِقَا فَلَا تَسْمَعَا لِي وَاعِيَةً وَ لَا تَرَيَا لِي سَوَاداً فَإِنَّهُ مَنْ سَمِعَ وَاعِيَتَنَا أَوْ رَأَى سَوَادَنَا فَلَمْ يُجِبْنَا وَ لَمْ يُغِثْنَا كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُكِبَّهُ عَلَى مَنْخِرَيْهِ فِي النَّارِ.
كش، رجال الكشي وجدت بخط محمد بن عمر السمرقندي و حدثني بعض الثقات عن الأشعري مثله «1».
13- ير، بصائر الدرجات أَيُّوبُ بْنُ نُوحٍ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: ذَكَرْنَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ وَ تَخَلُّفَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ
__________________________________________________
 (1) رجال الكشّيّ ص 105.

84
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

عَنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَا حَمْزَةُ إِنِّي سَأُحَدِّثُكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَ لَا تَسْأَلْ عَنْهُ بَعْدَ مَجْلِسِنَا هَذَا إِنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا فَصَلَ مُتَوَجِّهاً دَعَا بِقِرْطَاسٍ وَ كَتَبَ- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ مَنْ لَحِقَ بِي مِنْكُمْ اسْتُشْهِدَ مَعِي وَ مَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغِ الْفَتْحَ وَ السَّلَامُ «1».
14- كا، الكافي عَلِيٌّ عَنْ أَبِيهِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع خَرَجَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ إِلَى الْعِرَاقِ وَ قَدْ كَانَ دَخَلَ مُعْتَمِراً.
15- كا، الكافي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مَرَّارٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْمُتَمَتِّعَ مُرْتَبِطٌ بِالْحَجِّ وَ الْمُعْتَمِرَ إِذَا فَرَغَ مِنْهَا ذَهَبَ حَيْثُ شَاءَ وَ قَدِ اعْتَمَرَ الْحُسَيْنُ فِي ذِي الْحِجَّةِ ثُمَّ رَاحَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ إِلَى الْعِرَاقِ وَ النَّاسُ يَرُوحُونَ إِلَى مِنًى وَ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ الْحَجَّ «2».
16- مل، كامل الزيارات أَبِي وَ ابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الصُّهْبَانِ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ فُضَيْلٍ الرَّسَّانِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَقِيصَا قَالَ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع وَ خَلَا بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَنَاجَاهُ طَوِيلًا قَالَ ثُمَّ أَقْبَلَ الْحُسَيْنُ ع بِوَجْهِهِ إِلَيْهِمْ وَ قَالَ إِنَّ هَذَا يَقُولُ لِي كُنْ حَمَاماً مِنْ حَمَامِ الْحَرَمِ وَ لَأَنْ أُقْتَلَ وَ بَيْنِي وَ بَيْنَ الْحَرَمِ بَاعٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْتَلَ وَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ شِبْرٌ وَ لَأَنْ أُقْتَلَ بِالطَّفِّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْتَلَ بِالْحَرَمِ «3».
17- مل، كامل الزيارات أَبِي وَ ابْنُ الْوَلِيدِ مَعاً عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع لَوْ جِئْتَ إِلَى مَكَّةَ فَكُنْتَ بِالْحَرَمِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع- لَا
__________________________________________________
 (1) بصائر الدرجات ص 482 من الطبعة الحديثة.
 (2) الكافي ج 4 ص 535 تحت الرقم 3 و 4.
 (3) راجع كامل الزيارات الباب 23 و هكذا ما بعده.

85
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

نَسْتَحِلُّهَا وَ لَا تُسْتَحَلُّ بِنَا وَ لَأَنْ أُقْتَلَ عَلَى تَلِّ أَعْفَرَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقْتَلَ بِهَا.
بيان قال الجوهري الأعفر الرمل الأحمر و الأعفر الأبيض و ليس بالشديد البياض انتهى و قال المسعودي تل أعفر موضع من بلاد ديار ربيعة.
18- مل، كامل الزيارات أَبِي وَ ابْنُ الْوَلِيدِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ ع خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ فَشَيَّعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَدْ حَضَرَ الْحَجُّ وَ تَدَعُهُ وَ تَأْتِي الْعِرَاقَ فَقَالَ يَا ابْنَ الزُّبَيْرِ لَأَنْ أُدْفَنَ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدْفَنَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ.
19- مل، كامل الزيارات أَبِي عَنْ سَعْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ أُصِيبُوا أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ فِي قَتْلِكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ اصْبِرُوا.
مل، كامل الزيارات محمد بن جعفر عن خاله ابن أبي الخطاب عن علي بن النعمان عن الحسين بن أبي العلا مثله.
20- مل، كامل الزيارات الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ الْحُسَيْنَ ع صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْغَدَاةَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ فِي قَتْلِكُمْ فَعَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ.
بيان: أي قدر قتلكم في علمه تعالى «1».
21- مل، كامل الزيارات الْحَسَنُ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى «2» عَنْ
__________________________________________________
 (1) و يحتمل أن يكون «آذن» أي أخبر بأنكم مقتولون.
 (2) في الأصل و هكذا في المصدر في هذا السند و الذي قبله تصحيفات و الصحيح ما في الصلب، و الحسن هو الحسن بن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى يروى عن أبيه عن جده محمّد ابن عيسى.

86
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

صَفْوَانَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ قَالَ قَالَ: وَ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ الْعَرْشُ لَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُوكَ بِأَصْحَابِ الْحُسَيْنِ- لَا يَنْقُصُونَ رَجُلًا وَ لَا يَزِيدُونَ رَجُلًا تَعْتَدِي بِهِمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ كَمَا اعْتَدَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَ قُتِلَ يَوْمَ السَّبْتِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ.
أقول هكذا وجدنا الخبر و لعله سقط منه شي‏ء.
22- مل، كامل الزيارات أَبِي وَ جَمَاعَةُ مَشَايِخِي عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ الْأَهْوَازِيِّ عَنِ النَّضْرِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْحُسَيْنَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ يَوْمَ أُصِيبُوا ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ فِي قَتْلِكُمْ يَا قَوْمِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ اصْبِرُوا.
23- مل، كامل الزيارات أَبِي وَ جَمَاعَةُ مَشَايِخِي عَنْ سَعْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ مَعاً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: كَتَبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع مِنْ مَكَّةَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَنْ لَحِقَ بِي اسْتُشْهِدَ وَ مَنْ لَمْ يَلْحَقْ بِي لَمْ يُدْرِكِ الْفَتْحَ وَ السَّلَامُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو وَ حَدَّثَنِي كَرَّامٌ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ مُيَسِّرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: كَتَبَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ كَرْبَلَاءَ- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَ مَنْ قِبَلَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَمَّا بَعْدُ فَكَأَنَّ الدُّنْيَا لَمْ تَكُنْ وَ كَأَنَّ الْآخِرَةَ لَمْ تَزَلْ وَ السَّلَامُ «1».
24- مل، كامل الزيارات جَمَاعَةُ مَشَايِخِي مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ جَمِيعاً عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا صَعِدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع عَقَبَةَ الْبَطْنِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ مَا أَرَانِي إِلَّا مَقْتُولًا قَالُوا وَ مَا ذَاكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رُؤْيَا رَأَيْتُهَا فِي الْمَنَامِ قَالُوا وَ مَا هِيَ قَالَ رَأَيْتُ كِلَاباً تَنْهَشُنِي‏
__________________________________________________
 (1) المصدر ص 75 و هكذا ما بعده.

87
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

أَشَدُّهَا عَلَيَّ كَلْبٌ أَبْقَعُ.
25- مل، كامل الزيارات مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّزَّازُ عَنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ قَالَ: وَ الَّذِي نَفْسُ حُسَيْنٍ بِيَدِهِ- لَا يَهْنِئُ بَنِي أُمَيَّةَ مُلْكُهُمْ حَتَّى يَقْتُلُونِّي وَ هُمْ قَاتِلِيَّ فَلَوْ قَدْ قَتَلُونِي لَمْ يُصَلُّوا جَمِيعاً أَبَداً وَ لَمْ يَأْخُذُوا عَطَاءً فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَمِيعاً أَبَداً إِنَّ أَوَّلَ قَتِيلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَنَا وَ أَهْلُ بَيْتِي وَ الَّذِي نَفْسُ حُسَيْنٍ بِيَدِهِ- لَا تَقُومُ السَّاعَةُ وَ عَلَى الْأَرْضِ هَاشِمِيٌّ يَطْرِفُ.
مل، كامل الزيارات أبي عن سعد عن ابن عيسى عن محمد بن يحيى الخزاز عن طلحة عن جعفر ع مثله بيان لعل المعنى لم يوفق الناس للصلاة جماعة «1» مع إمام الحق و لا أخذ الزكاة و حقوق الله على ما يحب الله إلى قيام القائم ع و آخر الخبر إشارة إلى ما يصيب بني هاشم من الفتن في آخر الزمان.
26- مل، كامل الزيارات أَبِي وَ جَمَاعَةُ مَشَايِخِي عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْمُعَاذِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْأَصَمِّ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع قَالَ: لَمَّا هَمَّ الْحُسَيْنُ بِالشُّخُوصِ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقْبَلَتْ نِسَاءُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَاجْتَمَعْنَ لِلنِّيَاحَةِ حَتَّى مَشَى فِيهِنَّ الْحُسَيْنُ ع فَقَالَ أَنْشُدُكُنَّ اللَّهَ أَنْ تُبْدِينَ هَذَا الْأَمْرَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ قَالَتْ لَهُ نِسَاءُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلِمَنْ نَسْتَبْقِي النِّيَاحَةَ وَ الْبُكَاءَ فَهُوَ عِنْدَنَا كَيَوْمَ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ رُقَيَّةُ وَ زَيْنَبُ وَ أُمُّ كُلْثُومٍ فَنَنْشُدُكَ اللَّهَ جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاكَ مِنَ الْمَوْتِ فَيَا حَبِيبَ الْأَبْرَارِ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ وَ أَقْبَلَتْ بَعْضُ عَمَّاتِهِ تَبْكِي وَ تَقُولُ أَشْهَدُ يَا حُسَيْنُ لَقَدْ سَمِعْتُ الْجِنَّ نَاحَتْ بِنَوْحِكَ وَ هُمْ يَقُولُونَ-
          وَ إِنَّ قَتِيلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ-             أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ‏
             حَبِيبُ رَسُولِ اللَّهِ لَمْ يَكُ فَاحِشاً-             أَبَانَتْ مُصِيبَتُكَ الْأُنُوفَ وَ جَلَّتِ‏
__________________________________________________
 (1) و الظاهر أنّه بالتخفيف من وصل يصل، أي لا يجمع اللّه بينهم حتّى يصل بعضهم بعضا.

88
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ قُلْنَ أَيْضاً-
          بَكُّوا حُسَيْناً سَيِّداً وَ لِقَتْلِهِ شَابَ الشَّعَرُ             وَ لِقَتْلِهِ زُلْزِلْتُمُ وَ لِقَتْلِهِ انْكَسَفَ الْقَمَرُ
             وَ احْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ مِنَ الْعَشِيَّةِ وَ السَّحَرِ             وَ تَغَيَّرَتْ شَمْسُ الْبِلَادِ بِهِمْ وَ أَظْلَمَتِ الْكُوَرُ
             ذَاكَ ابْنُ فَاطِمَةَ الْمُصَابُ بِهِ الْخَلَائِقُ وَ الْبَشَرُ             أَوْرَثْتَنَا ذُلًّا بِهِ جَدَعَ الْأُنُوفَ مَعَ الْغُرَرِ «1»
27- يج، الخرائج و الجرائح مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ الْعِرَاقَ قَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ- لَا تَخْرُجْ إِلَى الْعِرَاقِ فَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ يُقْتَلُ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ وَ عِنْدِي تُرْبَةٌ دَفَعَهَا إِلَيَّ فِي قَارُورَةٍ فَقَالَ إِنِّي وَ اللَّهِ مَقْتُولٌ كَذَلِكَ وَ إِنْ لَمْ أَخْرُجْ إِلَى الْعِرَاقِ يَقْتُلُونِي أَيْضاً وَ إِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أراك [أُرِيَكِ‏] مَضْجَعِي وَ مَصْرَعَ أَصْحَابِي ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى وَجْهِهَا فَفَسَحَ اللَّهُ عَنْ بَصَرِهَا حَتَّى رَأَيَا ذَلِكَ كُلَّهُ وَ أَخَذَ تُرْبَةً فَأَعْطَاهَا مِنْ تِلْكَ التُّرْبَةِ أَيْضاً فِي قَارُورَةٍ أُخْرَى وَ قَالَ ع إِذَا فَاضَتْ دَماً فَاعْلَمِي أَنِّي قُتِلْتُ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ نَظَرْتُ إِلَى الْقَارُورَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَإِذَا هُمَا قَدْ فَاضَتَا دَماً فَصَاحَتْ «2» وَ لَمْ يُقَلَّبْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حَجَرٌ وَ لَا مَدَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ.
وَ مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ع أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُتِلَ الْحُسَيْنُ فِي صَبِيحَتِهَا قَامَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ ع إِنَّ هَؤُلَاءِ يُرِيدُونِّي دُونَكُمْ وَ لَوْ قَتَلُونِي لَمْ يَصِلُوا إِلَيْكُمْ فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ وَ أَنْتُمْ فِي حِلٍّ فَإِنَّكُمْ إِنْ أَصْبَحْتُمْ مَعِي قُتِلْتُمْ كُلُّكُمْ فَقَالُوا لَا نَخْذُلُكَ وَ لَا نَخْتَارُ الْعَيْشَ بَعْدَكَ فَقَالَ ع إِنَّكُمْ تُقْتَلُونَ كُلُّكُمْ حَتَّى لَا يُفْلِتَ مِنْكُمْ أَحَدٌ فَكَانَ كَمَا قَالَ ع.
28- شا، الإرشاد رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع‏
__________________________________________________
 (1) كامل الزيارات ص 97 و 98.
 (2) فصحت ظ.

89
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ الْحُسَيْنِ فَمَا نَزَلَ مَنْزِلًا وَ مَا ارْتَحَلَ مِنْهُ إِلَّا ذَكَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا وَ قَتْلَهُ وَ قَالَ يَوْماً وَ مِنْ هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَّ رَأْسَ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا أُهْدِيَ إِلَى بَغِيٍّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَ مَضَى الْحُسَيْنُ ع فِي يَوْمِ السَّبْتِ الْعَاشِرِ مِنَ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مِنْهُ قَتِيلًا مَظْلُوماً ظَمْآنَ صَابِراً مُحْتَسِباً وَ سِنُّهُ يَوْمَئِذٍ ثَمَانٌ وَ خَمْسُونَ سَنَةً أَقَامَ بِهَا مَعَ جَدِّهِ سَبْعَ سِنِينَ وَ مَعَ أَبِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ثَلَاثِينَ سَنَةً «1» وَ مَعَ أَخِيهِ الْحَسَنِ عَشْرَ سِنِينَ وَ كَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ بَعْدَ أَخِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَ كَانَ ع يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَ الْكَتَمِ وَ قُتِلَ ع وَ قَدْ نَصَلَ «2» الْخِضَابُ مِنْ عَارِضَيْهِ «3».
29- م، تفسير الإمام عليه السلام قَالَ الْإِمَامُ ع وَ لَمَّا امْتُحِنَ الْحُسَيْنُ ع وَ مَنْ مَعَهُ بِالْعَسْكَرِ الَّذِينَ قَتَلُوهُ وَ حَمَلُوا رَأْسَهُ قَالَ لِعَسْكَرِهِ أَنْتُمْ فِي حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي فَالْحَقُوا بِعَشَائِرِكُمْ وَ مَوَالِيكُمْ وَ قَالَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ قَدْ جَعَلْتُكُمْ فِي حِلٍّ مِنْ مُفَارَقَتِي فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَهُمْ لِتَضَاعُفِ أَعْدَادِهِمْ وَ قُوَاهُمْ وَ مَا الْمَقْصُودُ غَيْرِي فَدَعُونِي وَ الْقَوْمَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يُعِينُنِي وَ لَا يُخَلِّينِي مِنْ حُسْنِ نَظَرِهِ كَعَادَاتِهِ فِي أَسْلَافِنَا الطَّيِّبِينَ فَأَمَّا عَسْكَرُهُ فَفَارَقُوهُ وَ أَمَّا أَهْلُهُ الْأَدْنَوْنَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ فَأَبَوْا وَ قَالُوا- لَا نُفَارِقُكَ وَ يَحْزُنُنَا مَا يَحْزُنُكَ وَ يُصِيبُنَا مَا يُصِيبُكَ وَ إِنَّا أَقْرَبُ مَا نَكُونُ إِلَى اللَّهِ إِذَا كُنَّا مَعَكَ فَقَالَ لَهُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ وَطَّنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ عَلَى مَا وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَيْهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا يَهَبُ الْمَنَازِلَ الشَّرِيفَةَ لِعِبَادِهِ بِاحْتِمَالِ الْمَكَارِهِ وَ أَنَّ اللَّهَ وَ إِنْ كَانَ خَصَّنِي مَعَ مَنْ مَضَى مِنْ أَهْلِيَ الَّذِينَ أَنَا آخِرُهُمْ بَقَاءً فِي الدُّنْيَا مِنَ الْكَرَامَاتِ بِمَا يَسْهُلُ عَلَيَّ مَعَهَا احْتِمَالُ الْمَكْرُوهَاتِ فَإِنَّ لَكُمْ شَطْرَ ذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِ اللَّهِ تَعَالَى‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر: سبعا و ثلاثين سنة و مع أخيه الحسن سبع و أربعين سنة.
 (2) نصل الخضاب أي خرج.
 (3) كتاب الإرشاد ص 236.

90
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

وَ اعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا حُلْوَهَا وَ مُرَّهَا حُلُمٌ وَ الِانْتِبَاهَ فِي الْآخِرَةِ وَ الْفَائِزُ مَنْ فَازَ فِيهَا وَ الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِيهَا.
أقول تمامه في أبواب أحوال آدم ع.
30- كِتَابُ النَّوَادِرِ لِعَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رَوَاهُ قَالَ إِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ ع قَالَ: كَانَ أَبِي مَبْطُوناً يَوْمَ قُتِلَ أَبُوهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَ كَانَ فِي الْخَيْمَةِ وَ كُنْتُ أَرَى مَوَالِيَنَا كَيْفَ يَخْتَلِفُونَ مَعَهُ يُتْبِعُونَهُ بِالْمَاءِ يَشُدُّ عَلَى الْمَيْمَنَةِ مَرَّةً وَ عَلَى الْمَيْسَرَةِ مَرَّةً وَ عَلَى الْقَلْبِ مَرَّةً وَ لَقَدْ قَتَلُوهُ قَتْلَةً نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ص أَنْ يُقْتَلَ بِهَا الْكِلَابُ لَقَدْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ وَ السِّنَانِ وَ بِالْحِجَارَةِ وَ بِالْخَشَبِ وَ بِالْعَصَا وَ لَقَدْ أَوْطَئُوهُ الْخَيْلَ بَعْدَ ذَلِكَ.
31- قب، المناقب لابن شهرآشوب الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص وَ بَيْنَ يَدَيْهِ جَبْرَئِيلُ فَجَعَلَا يَدُورَانِ حَوْلَهُ يُشَبِّهَانِهِ بِدِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ فَجَعَلَ جَبْرَئِيلُ يُومِئُ بِيَدِهِ كَالْمُتَنَاوِلِ شَيْئاً فَإِذَا فِي يَدِهِ تُفَّاحَةٌ وَ سَفَرْجَلَةٌ وَ رُمَّانَةٌ فَنَاوَلَهُمَا وَ تَهَلَّلَتْ وُجُوهُهُمَا وَ سَعَيَا إِلَى جَدِّهِمَا فَأَخَذَ مِنْهُمَا فَشَمَّهَا ثُمَّ قَالَ صِيرَا إِلَى أُمِّكُمَا بِمَا مَعَكُمَا وَ بُدُوُّكُمَا بِأَبِيكُمَا أَعْجَبُ فَصَارَا كَمَا أَمَرَهُمَا فَلَمْ يَأْكُلُوا حَتَّى صَارَ النَّبِيُّ إِلَيْهِمْ فَأَكَلُوا جَمِيعاً فَلَمْ يَزَلْ كُلَّمَا أَكَلَ مِنْهُ عَادَ إِلَى مَا كَانَ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ الْحُسَيْنُ ع فَلَمْ يَلْحَقْهُ التَّغْيِيرُ وَ النُّقْصَانُ أَيَّامَ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى تُوُفِّيَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ فَقَدْنَا الرُّمَّانَ وَ بَقِيَ التُّفَّاحُ وَ السَّفَرْجَلُ أَيَّامَ أَبِي فَلَمَّا اسْتُشْهِدَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فُقِدَ السَّفَرْجَلُ وَ بَقِيَ التُّفَّاحُ عَلَى هَيْئَتِهِ عِنْدَ الْحَسَنِ حَتَّى مَاتَ فِي سَمِّهِ وَ بَقِيَتِ التُّفَّاحَةُ إِلَى الْوَقْتِ الَّذِي حُوصِرْتُ عَنِ الْمَاءِ فَكُنْتُ أَشَمُّهَا إِذَا عَطِشْتُ فَيَسْكُنُ لَهَبُ عَطَشِي فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيَّ الْعَطَشُ عَضَضْتُهَا وَ أَيْقَنْتُ بِالْفَنَاءِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ قَبْلَ مَقْتَلِهِ بِسَاعَةٍ فَلَمَّا قَضَى نَحْبَهُ وُجِدَ رِيحُهَا فِي مَصْرَعِهِ فَالْتَمَسْتُ فَلَمْ يُرَ لَهَا أَثَرٌ فَبَقِيَ رِيحُهَا بَعْدَ الْحُسَيْنِ ع وَ لَقَدْ زُرْتُ قَبْرَهُ فَوَجَدْتُ رِيحَهَا يَفُوحُ مِنْ قَبْرِهِ فَمَنْ أَرَادَ ذَلِكَ مِنْ شِيعَتِنَا الزَّائِرِينَ لِلْقَبْرِ-

91
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فَلْيَلْتَمِسْ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتِ السَّحَرِ فَإِنَّهُ يَجِدُهُ إِذَا كَانَ مُخْلِصاً «1».
32- قب، المناقب لابن شهرآشوب أَنْشَأَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَوْمَ الطَّفِّ-
          كَفَرَ الْقَوْمُ وَ قِدْماً رَغِبُوا
 إِلَى آخِرِ مَا مَرَّ مِنَ الْأَبْيَاتِ وَ زَادَ فِيمَا بَيْنَهَا-
          فَاطِمُ الزَّهْرَاءُ أُمِّي وَ أَبِي-             وَارِثُ الرُّسْلِ مَوْلَى الثَّقَلَيْنِ‏
             طَحَنَ الْأَبْطَالَ لَمَّا بَرَزُوا-             يَوْمَ بَدْرٍ وَ بِأُحُدٍ وَ حُنَيْنٍ‏
             وَ أَخُو خَيْبَرَ إِذْ بَارَزَهُمْ             بِحُسَامٍ صَارِمٍ ذِي شَفْرَتَيْنِ‏
             وَ الَّذِي أَرْدَى جُيُوشاً أَقْبَلُوا             يَطْلُبُونَ الْوِتْرَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ‏
             مَنْ لَهُ عَمٌّ كَعَمِّي جَعْفَرٍ             وَهَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْنِحَتَيْنِ‏
             جَدِّيَ الْمُرْسَلُ مِصْبَاحُ الْهُدَى             وَ أَبِي الْمُوفِي لَهُ بِالْبَيْعَتَيْنِ‏
             بَطَلٌ قَرْمٌ هِزَبْرٌ ضَيْغَمٌ             مَاجِدٌ سَمِحٌ قَوِيُّ السَّاعِدَيْنِ‏
             عُرْوَةُ الدِّينِ عَلِيٌّ ذَا كُمُ             صَاحِبُ الْحَوْضِ مُصَلِّي الْقِبْلَتَيْنِ‏
             مَعَ رَسُولِ اللَّهِ سَبْعاً كَامِلًا             مَا عَلَى الْأَرْضِ مُصَلٍّ غَيْرَ ذَيْنِ‏
             تَرَكَ الْأَوْثَانَ لَمْ يَسْجُدْ لَهَا             مَعَ قُرَيْشٍ مُذْ نَشَا طَرْفَةَ عَيْنٍ‏
             وَ أَبِي كَانَ هِزَبْراً ضَيْغَماً             يَأْخُذُ الرُّمْحَ فَيَطْعَنُ طَعْنَتَيْنِ‏
             كَتَمَشِّي الْأُسْدِ بَغْياً فَسُقُوا             كَأْسَ حَتْفٍ مِنْ نَجِيعِ الْحَنْظَلَيْنِ «2».
33- كش، رجال الكشي جَبْرَئِيلُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَسَدِيِّ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: مَرَّ مِيثَمٌ التَّمَّارُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَاسْتَقْبَلَ حَبِيبَ بْنَ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيَّ عِنْدَ مَجْلِسِ بَنِي أَسَدٍ فَتَحَدَّثَا حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَعْنَاقُ فَرَسَيْهِمَا ثُمَّ قَالَ حَبِيبٌ لَكَأَنِّي بِشَيْخٍ أَصْلَعَ ضَخْمِ الْبَطْنِ يَبِيعُ الْبِطِّيخَ عِنْدَ دَارِ الرِّزْقِ قَدْ صُلِبَ فِي حُبِّ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ ع وَ يُبْقَرُ بَطْنُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ
__________________________________________________
 (1) مناقب آل أبي طالب ج 3 ص 391.
 (2) المصدر ج 4 ص 79.

92
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فَقَالَ مِيثَمٌ وَ إِنِّي لَأَعْرِفُ رَجُلًا أَحْمَرَ لَهُ ضَفِيرَتَانِ يَخْرُجُ لِنُصْرَةِ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهِ وَ يُقْتَلُ وَ يُجَالُ بِرَأْسِهِ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ افْتَرَقَا فَقَالَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ مَا رَأَيْنَا أَحَداً أَكْذَبَ مِنْ هَذَيْنِ قَالَ فَلَمْ يَفْتَرِقْ أَهْلُ الْمَجْلِسِ حَتَّى أَقْبَلَ رُشَيْدٌ الْهَجَرِيُّ فَطَلَبَهُمَا فَسَأَلَ أَهْلَ الْمَجْلِسِ عَنْهُمَا فَقَالُوا افْتَرَقَا وَ سَمِعْنَاهُمَا يَقُولَانِ كَذَا وَ كَذَا فَقَالَ رُشَيْدٌ رَحِمَ اللَّهُ مِيثَماً نَسِيَ وَ يُزَادُ فِي عَطَاءِ الَّذِي يَجِي‏ءُ بِالرَّأْسِ مِائَةُ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ الْقَوْمُ هَذَا وَ اللَّهِ أَكْذَبُهُمْ فَقَالَ الْقَوْمُ وَ اللَّهِ مَا ذَهَبَتِ الْأَيَّامُ وَ اللَّيَالِي حَتَّى رَأَيْنَاهُ مَصْلُوباً عَلَى بَابِ دَارِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَ جِي‏ءَ بِرَأْسِ حَبِيبِ بْنِ مُظَاهِرٍ وَ قَدْ قُتِلَ مَعَ الْحُسَيْنِ وَ رَأَيْنَا كُلَّ مَا قَالُوا وَ كَانَ حَبِيبٌ مِنَ السَّبْعِينَ الرِّجَالِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْحُسَيْنَ ع وَ لَقُوا جِبَالَ الْحَدِيدِ وَ اسْتَقْبَلُوا الرِّمَاحَ بِصُدُورِهِمْ وَ السُّيُوفَ بِوُجُوهِهِمْ وَ هُمْ يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْأَمَانُ وَ الْأَمْوَالُ فَيَأْبَوْنَ فَيَقُولُونَ لَا عُذْرَ لَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ مِنَّا عَيْنٌ تَطْرِفُ حَتَّى قُتِلُوا حَوْلَهُ وَ لَقَدْ مَزَحَ حَبِيبُ بْنُ مُظَاهِرٍ الْأَسَدِيُّ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حُصَيْنٍ الْهَمْدَانِيُّ وَ كَانَ يُقَالُ لَهُ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ يَا أَخِي لَيْسَ هَذِهِ بِسَاعَةِ ضَحِكٍ قَالَ فَأَيُّ مَوْضِعٍ أَحَقُّ مِنْ هَذَا بِالسُّرُورِ وَ اللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ تَمِيلَ عَلَيْنَا هَذِهِ الطَّغَامُ بِسُيُوفِهِمْ فَنُعَانِقَ الْحُورَ الْعِينَ.
قال الكشي هذه الكلمة مستخرجة من كتاب مفاخرة الكوفة و البصرة «1».
توضيح قوله اختلفت أعناق فرسيهما أي كانت تجي‏ء و تذهب و تتقدم و تتأخر كما هو شأن الفرس الذي يريد صاحبه أن يقف و هو يمتنع أو المعنى حاذى عنقاهما على الخلاف و البقر الشق و الضفيرة العقيصة يقال ضفرت المرأة شعرها «2».
34- كا، الكافي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الْأَحْمَرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ صَبَّاحٍ الْمُزَنِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: لَقِيَ رَجُلٌ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ ع بِالثَّعْلَبِيَّةِ وَ هُوَ يُرِيدُ كَرْبَلَاءَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ‏
__________________________________________________
 (1) رجال الكشّيّ ص 73 و 74.
 (2) أي نسجها و فتلها.

93
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع مِنْ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ أَمَا وَ اللَّهِ يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ لَوْ لَقِيتُكَ بِالْمَدِينَةِ لَأَرَيْتُكَ أَثَرَ جَبْرَئِيلَ ع مِنْ دَارِنَا وَ نُزُولِهِ بِالْوَحْيِ عَلَى جَدِّي يَا أَخَا أَهْلِ الْكُوفَةِ أَ فَمُسْتَقَى النَّاسِ الْعِلْمَ مِنْ عِنْدِنَا فَعَلِمُوا وَ جَهِلْنَا هَذَا مَا لَا يَكُونُ «1».
35- كا، الكافي الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: أُصِيبَ الْحُسَيْنُ وَ عَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ.
36- كا، الكافي أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ النَّضْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع وَ عَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ فَوَجَدُوا فِيهَا ثَلَاثَةً وَ سِتِّينَ مِنْ بَيْنِ ضَرْبَةٍ بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةٍ بِسَهْمٍ «2».
37- كا، الكافي الْعِدَّةُ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ عَمِّهِ يَعْقُوبَ بْنِ سَالِمٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع وَ هُوَ مُخْتَضِبٌ بِالْوَسِمَةِ «3».
38- كا، الكافي الْعِدَّةُ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْخِضَابِ بِالْوَسِمَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ قَدْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع وَ هُوَ مُخْتَضِبٌ بِالْوَسِمَةِ.
39- كا، الكافي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عِيسَى أَخُوهُ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا ع عَنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ وَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِ فَقَالَ عَنْ صَوْمِ ابْنِ مَرْجَانَةَ تَسْأَلُنِي ذَلِكَ يَوْمٌ صَامَهُ الْأَدْعِيَاءُ مِنْ آلِ زِيَادٍ لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ع وَ هُوَ يَوْمٌ يَتَشَاءَمُ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ ص وَ يَتَشَاءَمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَ الْيَوْمُ الَّذِي يَتَشَاءَمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ لَا يُصَامُ وَ لَا يُتَبَرَّكُ بِهِ وَ يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ يَوْمُ نَحْسٍ قَبَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 1 ص 398 و 399.
 (2) الكافي باب لبس الخز من كتاب الزى و التجمل الرقم 3.
 (3) المصدر باب السواد و الوسمة الرقم 5 و 6.

94
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

فِيهِ نَبِيَّهُ وَ مَا أُصِيبَ آلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا فِي يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ فَتَشَاءَمْنَا بِهِ وَ تَتَبَرَّكُ بِهِ عَدُوُّنَا وَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع وَ تَبَرَّكَ بِهِ ابْنُ مَرْجَانَةَ وَ تَشَاءَمَ بِهِ آلُ مُحَمَّدٍ فَمَنْ صَامَهُمَا أَوْ تَبَرَّكَ بِهِمَا لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى مَمْسُوخَ الْقَلْبِ وَ كَانَ مَحْشَرُهُ مَعَ الَّذِينَ سَنُّوا صَوْمَهُمَا وَ التَّبَرُّكَ بِهِمَا.
40- كا، الكافي عَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبَانٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ صَوْمِ تَاسُوعَا وَ عَاشُورَاءَ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ فَقَالَ تَاسُوعَا يَوْمٌ حُوصِرَ فِيهِ الْحُسَيْنُ وَ أَصْحَابُهُ بِكَرْبَلَاءَ وَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَيْلُ أَهْلِ الشَّامِ وَ أَنَاخُوا عَلَيْهِ وَ فَرِحَ ابْنُ مَرْجَانَةَ وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِتَوَافُرِ الْخَيْلِ وَ كَثْرَتِهَا وَ اسْتَضْعَفُوا فِيهِ الْحُسَيْنَ ع وَ أَصْحَابَهُ وَ أَيْقَنُوا أَنَّهُ لَا يَأْتِي الْحُسَيْنَ نَاصِرٌ وَ لَا يُمِدُّهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِأَبِي الْمُسْتَضْعَفَ الْغَرِيبَ ثُمَّ قَالَ وَ أَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَيَوْمٌ أُصِيبَ فِيهِ الْحُسَيْنُ ع صَرِيعاً بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ صَرْعَى عُرَاةً أَ فَصَوْمٌ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَلَّا وَ رَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَا هُوَ يَوْمَ صَوْمٍ وَ مَا هُوَ إِلَّا يَوْمُ حُزْنٍ وَ مُصِيبَةٍ دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ يَوْمُ فَرَحٍ وَ سُرُورٍ لِابْنِ مَرْجَانَةَ وَ آلِ زِيَادٍ وَ أَهْلِ الشَّامِ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ عَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ ذَلِكَ يَوْمٌ بَكَتْ جَمِيعُ بِقَاعِ الْأَرْضِ خَلَا بُقْعَةِ الشَّامِ فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّكَ بِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَ آلِ زِيَادٍ مَمْسُوخَ الْقَلْبِ مَسْخُوطاً عَلَيْهِ وَ مَنِ اذَّخَرَ إِلَى مَنْزِلِهِ ذَخِيرَةً أَعْقَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى نِفَاقاً فِي قَلْبِهِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَ انْتَزَعَ الْبَرَكَةَ عَنْهُ وَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ وُلْدِهِ وَ شَارَكَهُ الشَّيْطَانُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ «1».
41- ما، الأمالي للشيخ الطوسي الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَزْوِينِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبَانَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَفْوَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي غُنْدَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ ذَاكَ يَوْمُ قَتْلِ الْحُسَيْنِ ع فَإِنْ كُنْتَ شَامِتاً فَصُمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ آلَ أُمَيَّةَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ‏
__________________________________________________
 (1) الكافي باب صوم عرفة و عاشوراء تحت الرقم 5 و 7.

95
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

بقية الباب 37 سائر ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ص 1

نَذَرُوا نَذْراً إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع وَ سَلِمَ مَنْ خَرَجَ إِلَى الْحُسَيْنِ وَ صَارَتِ الْخِلَافَةُ فِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يَتَّخِذُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً لَهُمْ يَصُومُونَ فِيهِ شُكْراً فَصَارَتْ فِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ سُنَّةً إِلَى الْيَوْمِ فِي النَّاسِ وَ اقْتَدَى بِهِمُ النَّاسُ جَمِيعاً لِذَلِكَ فَلِذَلِكَ يَصُومُونَهُ وَ يُدْخِلُونَ عَلَى عِيَالاتِهِمْ وَ أَهَالِيهِمُ الْفَرَحَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْخَبَرَ «1».
42- كا، الكافي الْعِدَّةُ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ يَزِيدَ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ سُلَيْمَانَ كَاتِبِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ شَرِكَ فِي دَمِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ ابْنَتُهُ جَعْدَةُ سَمَّتِ الْحَسَنَ ع وَ مُحَمَّدٌ ابْنُهُ شَرِكَ فِي دَمِ الْحُسَيْنِ ع «2».
تذنيب‏
قال السيد رحمه الله في كتاب تنزيه الأنبياء فإن قيل ما العذر في خروجه صلوات الله عليه من مكة بأهله و عياله إلى الكوفة و المستولي عليها أعداؤه و المتأمر فيها من قبل يزيد اللعين يتسلط الأمر و النهي «3» و قد رأى صنع أهل الكوفة بأبيه و أخيه صلوات الله عليهما و أنهم غادرون خوانون و كيف خالف ظنه ظن جميع نصحائه في الخروج و ابن عباس رحمه الله يشير بالعدول عن الخروج و يقطع على العطب فيه و ابن عمر لما ودعه ع يقول له أستودعك الله من قتيل إلى غير ذلك ممن تكلم في هذا الباب.
ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل و قد أنفذه رائدا له كيف لم يرجع و يعلم الغرور من القوم و يفطن بالحيلة و المكيدة ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها مواد لها كثيرة ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان و أن يبايع يزيد كيف لم يستجب حقنا لدمه و دماء من معه من أهله و شيعته و مواليه و لم ألقى بيده إلى التهلكة و بدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن ع الأمر إلى معاوية فكيف يجمع بين فعليهما في الصحة.
__________________________________________________
 (1) أمالي الشيخ ص 61.
 (2) الكافي ج 8 (كتاب الروضة) ص 167.
 (3) منبسط الامر و النهى. خ.

96
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

تذنيب ص 96

الجواب قلنا قد علمنا أن الإمام متى غلب على ظنه أنه يصل إلى حقه و القيام بما فوض إليه بضرب من الفعل وجب عليه ذلك و إن كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها و سيدنا أبو عبد الله ع لم يسر طالبا الكوفة إلا بعد توثق من القوم و عهود و عقود و بعد أن كاتبوه ع طائعين غير مكرهين و مبتدئين غير مجيبين و قد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة و أشرافها و قرائها تقدمت إليه في أيام معاوية و بعد الصلح الواقع بينه و بين الحسن ع فدفعهم و قال في الجواب ما وجب ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن ع و معاوية باق فوعدهم و مناهم و كانت أيام معاوية صعبة لا يطمع في مثلها.
فلما مضى معاوية و أعادوا المكاتبة و بذلوا الطاعة و كرروا الطلب و الرغبة و رأى ع من قوتهم على ما كان يليهم في الحال من قبل يزيد و تسلطهم عليه و ضعفه عنهم ما قوي في ظنه أن المسير هو الواجب تعين عليه ما فعله من الاجتهاد و التسبب و لم يكن في حسبانه ع أن القوم يغدر بعضهم و يضعف أهل الحق عن نصرته و يتفق ما اتفق من الأمور الغريبة فإن مسلم بن عقيل لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها.
و لما وردها عبيد الله بن زياد و قد سمع بخبر مسلم و دخوله الكوفة و حصوله في دار هانئ بن عروة المرادي على ما شرح في السيرة و حصل شريك بن الأعور بها جاء ابن زياد عائدا و قد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك و أمكنه ذلك و تيسر له فما فعل و اعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأن ذلك فتك و
أن النبي ص قال إن الإيمان قيد الفتك «1».
و لو كان فعل مسلم من قتل ابن زياد ما تمكن منه و وافقه شريك عليه لبطل الأمر و دخل الحسين ع الكوفة غير مدافع عنها و حسر كل أحد قناعه في نصرته و اجتمع له من كان في قلبه نصرته و ظاهره مع أعدائه.
و قد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانئا سار إليه في جماعة من‏
__________________________________________________
 (1) مر ذكر الحديث في ج 44 ص 344 فراجع.

97
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

تذنيب ص 96

أهل الكوفة حتى حضره في قصره و أخذ بكظمه و أغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفا و جبنا حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس و يرهبونهم و يخذلونهم عن نصرة ابن عقيل فتقاعدوا و تفرق أكثرهم حتى أمسى في شرذمة و انصرف و كان من أمره ما كان.
و إنما أردنا بذكر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لائحة متوجهة و أن الاتفاق السيئ عكس الأمر إلى ما يروون من صبره و استسلامه و قلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه ع شهداء و مثل هذا يطمع فيه و يتوقع في أحوال الشدة. فأما الجمع بين فعله و فعل أخيه الحسن ع فواضح صحيح لأن أخاه سلم كفا للفتنة و خوفا على نفسه و أهله و شيعته و إحساسا بالغدر من أصحابه و هذا ع لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه و وثق له و رأى من أسباب قوة نصار الحق و ضعف نصار الباطل ما وجب معه عليه الطلب و الخروج فلما انعكس ذلك و ظهرت أمارات الغدر فيه و سوء الاتفاق رام الرجوع و المكافة و التسليم كما فعل أخوه ع فمنع من ذلك و حيل بينه و بينه فالحالان متفقان إلا أن التسليم و المكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ع و لم يجب إلى الموادعة و طلبت نفسه ع فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله تعالى و رضوانه و هذا واضح لمتأمله انتهى.
أقول قد مضى في كتاب الإمامة و كتاب الفتن أخبار كثيرة دالة على أن كلا منهم ع كان مأمورا بأمور خاصة مكتوبة في الصحف السماوية النازلة على الرسول ص فهم كانوا يعملون بها و لا ينبغي قياس الأحكام المتعلقة بهم على أحكامنا و بعد الاطلاع على أحوال الأنبياء ع و إن كثيرا منهم كانوا يبعثون فرادى على ألوف من الكفرة و يسبون آلهتهم و يدعونهم إلى دينهم و لا يبالون بما ينالهم من المكاره و الضرب و الحبس و القتل و الإلقاء في النار و غير ذلك لا ينبغي الاعتراض على أئمة الدين في أمثال ذلك مع أنه بعد ثبوت عصمتهم بالبراهين‏

98
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

تذنيب ص 96

و النصوص المتواترة لا مجال للاعتراض عليهم بل يجب التسليم لهم في كل ما يصدر عنهم.
على أنك لو تأملت حق التأمل علمت أنه ع فدى نفسه المقدسة دين جده و لم يتزلزل أركان دول بني أمية إلا بعد شهادته و لم يظهر للناس كفرهم و ضلالتهم إلا عند فوزه بسعادته و لو كان ع يسالمهم و يوادعهم كان يقوى سلطانهم و يشتبه على الناس أمرهم فيعود بعد حين أعلام الدين طامسة و آثار الهداية مندرسة مع أنه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنه ع هرب من المدينة خوفا من القتل إلى مكة و كذا خرج من مكة بعد ما غلب على ظنه أنهم يريدون غيلته و قتله حتى لم يتيسر له فداه نفسي و أبي و أمي و ولدي أن يتم حجة فتحلل و خرج مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ و قد كانوا لعنهم الله ضيقوا عليه جميع الأقطار و لم يتركوا له موضعا للفرار.
و لقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة «1» أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم و ولاه أمر الموسم و أمره على الحاج كلهم و كان قد أوصاه بقبض الحسين ع سرا و إن لم يتمكن منه بقتله غيلة ثم إنه دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية و أمرهم بقتل الحسين ع على أي حال اتفق فلما علم الحسين ع بذلك حل من إحرام الحج و جعلها عمرة مفردة.
وَ قَدْ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ: أَنَّهُ لَمَّا مَنَعَهُ ع مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْكُوفَةِ قَالَ وَ اللَّهِ يَا أَخِي لَوْ كُنْتُ فِي جُحْرِ هَامَّةٍ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ- لَاسْتَخْرَجُونِي مِنْهُ حَتَّى يَقْتُلُونِّي.
بل الظاهر أنه صلوات الله عليه لو كان يسالمهم و يبايعهم لا يتركونه لشدة عداوتهم و كثرة وقاحتهم بل كانوا يغتالونه بكل حيلة و يدفعونه بكل وسيلة و إنما كانوا يعرضون البيعة عليه أولا لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك أ لا ترى‏
__________________________________________________
 (1) كما في المنتخب ص 304.

99
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

تذنيب ص 96

إلى مروان لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه و كان عبيد الله بن زياد عليه لعائن الله إلى يوم التناد يقول اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا ثم نرى فيه رأينا أ لا ترى كيف أمنوا مسلما ثم قتلوه.
فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته و بغضه لأهل البيت ع كان ذا دهاء و نكراء حزم و كان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه و ذهاب ملكه و خروج الناس عليه فكان يداريهم ظاهرا على أي حال و لذا صالحه الحسن ع و لم يتعرض له الحسين و لذلك كان يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسين ع لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته.
اللهم العن كل من ظلم أهل بيت نبيك و قتلهم و أعان عليهم و رضي بما جرى عليهم من الظلم و الجور لعنا وبيلا و عذبهم عذابا أليما و اجعلنا من خيار شيعة آل محمد و أنصارهم و الطالبين بثأرهم مع قائمهم صلوات الله عليهم أجمعين.
باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما
1- لي، الأمالي للصدوق أَبِي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَجَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَابِرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ شَيْخٍ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع أُسِرَ مِنْ مُعَسْكَرِهِ غُلَامَانِ صَغِيرَانِ فَأُتِيَ بِهِمَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَدَعَا سَجَّاناً لَهُ فَقَالَ خُذْ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ إِلَيْكَ فَمِنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ فَلَا تُطْعِمْهُمَا وَ مِنَ الْبَارِدِ فَلَا تَسْقِهِمَا وَ ضَيِّقْ عَلَيْهِمَا سِجْنَهُمَا وَ كَانَ الْغُلَامَانِ يَصُومَانِ النَّهَارَ فَإِذَا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ أُتِيَا بِقُرْصَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَ كُوزٍ مِنْ مَاءِ الْقَرَاحِ-

100
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما ص 100

فَلَمَّا طَالَ بِالْغُلَامَيْنِ الْمَكْثُ حَتَّى صَارَا فِي السَّنَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ يَا أَخِي قَدْ طَالَ بِنَا مَكْثُنَا وَ يُوشِكُ أَنْ تَفْنَى أَعْمَارُنَا وَ تَبْلَى أَبْدَانُنَا فَإِذَا جَاءَ الشَّيْخُ فَأَعْلِمْهُ مَكَانَنَا وَ تَقَرَّبْ إِلَيْهِ بِمُحَمَّدٍ ص لَعَلَّهُ يُوَسِّعُ عَلَيْنَا فِي طَعَامِنَا وَ يَزِيدُنَا فِي شَرَابِنَا فَلَمَّا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ أَقْبَلَ الشَّيْخُ إِلَيْهِمَا بِقُرْصَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَ كُوزٍ مِنْ مَاءِ الْقَرَاحِ فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ يَا شَيْخُ أَ تَعْرِفُ مُحَمَّداً قَالَ فَكَيْفَ لَا أَعْرَفُ مُحَمَّداً وَ هُوَ نَبِيِّي قَالَ أَ فَتَعْرِفُ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ وَ كَيْفَ لَا أَعْرِفُ جَعْفَراً وَ قَدْ أَنْبَتَ اللَّهُ لَهُ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا مَعَ الْمَلَائِكَةِ كَيْفَ يَشَاءُ قَالَ أَ فَتَعْرِفُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ وَ كَيْفَ لَا أَعْرِفُ عَلِيّاً وَ هُوَ ابْنُ عَمِّ نَبِيِّي وَ أَخُو نَبِيِّي قَالَ لَهُ يَا شَيْخُ فَنَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ وَ نَحْنُ مِنْ وُلْدِ مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِكَ أُسَارَى نَسْأَلُكَ مِنْ طَيِّبِ الطَّعَامِ فَلَا تُطْعِمُنَا وَ مِنْ بَارِدِ الشَّرَابِ فَلَا تَسْقِينَا وَ قَدْ ضَيَّقْتَ عَلَيْنَا سِجْنَنَا فَانْكَبَّ الشَّيْخُ عَلَى أَقْدَامِهِمَا يُقَبِّلُهُمَا وَ يَقُولُ نَفْسِي لِنَفْسِكُمَا الْفِدَاءُ وَ وَجْهِي لِوَجْهِكُمَا الْوِقَاءُ يَا عِتْرَةَ نَبِيِّ اللَّهِ الْمُصْطَفَى هَذَا بَابُ السِّجْنِ بَيْنَ يَدَيْكُمَا مَفْتُوحٌ فَخُذَا أَيَّ طَرِيقٍ شِئْتُمَا فَلَمَّا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ أَتَاهُمَا بِقُرْصَيْنِ مِنْ شَعِيرٍ وَ كُوزٍ مِنْ مَاءِ الْقَرَاحِ وَ وَقَفَهُمَا عَلَى الطَّرِيقِ وَ قَالَ لَهُمَا سِيرَا يَا حَبِيبَيَّ اللَّيْلَ وَ اكْمُنَا النَّهَارَ حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَكُمَا مِنْ أَمْرِكُمَا فَرَجاً وَ مَخْرَجاً فَفَعَلَ الْغُلَامَانِ ذَلِكَ فَلَمَّا جَنَّهُمَا اللَّيْلُ انْتَهَيَا إِلَى عَجُوزٍ عَلَى بَابٍ فَقَالا لَهَا يَا عَجُوزُ إِنَّا غُلَامَانِ صَغِيرَانِ غَرِيبَانِ حَدَثَانِ غَيْرُ خَبِيرَيْنِ بِالطَّرِيقِ وَ هَذَا اللَّيْلُ قَدْ جَنَّنَا أَضِيفِينَا سَوَادَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ فَإِذَا أَصْبَحْنَا لَزِمْنَا الطَّرِيقَ فَقَالَتْ لَهُمَا فَمَنْ أَنْتُمَا يَا حَبِيبَيَّ فَقَدْ شَمِمْتُ الرَّوَائِحَ كُلَّهَا فَمَا شَمِمْتُ رَائِحَةً هِيَ أَطْيَبُ مِنْ رَائِحَتِكُمَا فَقَالا لَهَا يَا عَجُوزُ نَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكِ مُحَمَّدٍ ص هَرَبْنَا مِنْ سِجْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مِنَ الْقَتْلِ قَالَتِ الْعَجُوزُ يَا حَبِيبَيَّ إِنَّ لِي خَتَناً فَاسِقاً قَدْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مَعَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَتَخَوَّفُ أَنْ يُصِيبَكُمَا هَاهُنَا فَيَقْتُلَكُمَا قَالا سَوَادَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ فَإِذَا أَصْبَحْنَا لَزِمْنَا الطَّرِيقَ فَقَالَتْ سَآتِيكُمَا

101
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما ص 100

بِطَعَامٍ ثُمَّ أَتَتْهُمَا بِطَعَامٍ فَأَكَلَا وَ شَرِبَا فَلَمَّا وَلَجَا الْفِرَاشَ قَالَ الصَّغِيرُ لِلْكَبِيرِ يَا أَخِي إِنَّا نَرْجُو أَنْ نَكُونَ قَدْ أَمِنَّا لَيْلَتَنَا هَذِهِ فَتَعَالَ حَتَّى أُعَانِقَكَ وَ تُعَانِقَنِي وَ أَشَمَّ رَائِحَتَكَ وَ تَشَمَّ رَائِحَتِي قَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَ الْمَوْتُ بَيْنَنَا فَفَعَلَ الْغُلَامَانِ ذَلِكَ وَ اعْتَنَقَا وَ نَامَا فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ أَقْبَلَ خَتَنُ الْعَجُوزِ الْفَاسِقُ حَتَّى قَرَعَ الْبَابَ قَرْعاً خَفِيفاً فَقَالَتِ الْعَجُوزُ مَنْ هَذَا قَالَ أَنَا فُلَانٌ قَالَتْ مَا الَّذِي أَطْرَقَكَ هَذِهِ السَّاعَةَ وَ لَيْسَ هَذَا لَكَ بِوَقْتٍ قَالَ وَيْحَكِ افْتَحِي الْبَابَ قَبْلَ أَنْ يَطِيرَ عَقْلِي وَ تَنْشَقَّ مَرَارَتِي فِي جَوْفِي جَهْدُ الْبَلَاءِ قَدْ نَزَلَ بِي قَالَتْ وَيْحَكَ مَا الَّذِي نَزَلَ بِكَ قَالَ هَرَبَ غُلَامَانِ صَغِيرَانِ مِنْ عَسْكَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَنَادَى الْأَمِيرُ فِي مُعَسْكَرِهِ مَنْ جَاءَ بِرَأْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَ مَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِمَا فَلَهُ أَلْفَا دِرْهَمٍ فَقَدْ أُتْعِبْتُ وَ تَعِبْتُ وَ لَمْ يَصِلْ فِي يَدِي شَيْ‏ءٌ فَقَالَتِ الْعَجُوزُ يَا خَتَنِي احْذَرْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ خَصْمَكَ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ لَهَا وَيْحَكِ إِنَّ الدُّنْيَا مُحَرَّصٌ عَلَيْهَا فَقَالَتْ وَ مَا تَصْنَعُ بِالدُّنْيَا وَ لَيْسَ مَعَهَا آخِرَةٌ قَالَ إِنِّي لَأَرَاكِ تُحَامِينَ عَنْهُمَا كَأَنَّ عِنْدَكِ مِنْ طَلَبِ الْأَمِيرِ شي‏ء- [شَيْئاً] فَقُومِي فَإِنَّ الْأَمِيرَ يَدْعُوكِ قَالَتْ وَ مَا يَصْنَعُ الْأَمِيرُ بِي وَ إِنَّمَا أَنَا عَجُوزٌ فِي هَذِهِ الْبَرِّيَّةِ قَالَ إِنَّمَا لِيَ الطَّلَبُ افْتَحِي لِيَ الْبَابَ حَتَّى أُرِيحَ وَ أَسْتَرِيحَ فَإِذَا أَصْبَحْتُ بَكَّرْتُ فِي أَيِّ الطَّرِيقِ آخُذُ فِي طَلَبِهِمَا فَفَتَحَتْ لَهُ الْبَابَ وَ أَتَتْهُ بِطَعَامٍ وَ شَرَابٍ فَأَكَلَ وَ شَرِبَ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ سَمِعَ غَطِيطَ الْغُلَامَيْنِ فِي جَوْفِ الْبَيْتِ فَأَقْبَلَ يَهِيجُ كَمَا يَهِيجُ الْبَعِيرُ الْهَائِجُ وَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ وَ يَلْمِسُ بِكَفِّهِ جِدَارَ الْبَيْتِ حَتَّى وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى جَنْبِ الْغُلَامِ الصَّغِيرِ فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا قَالَ أَمَّا أَنَا فَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَمَنْ أَنْتُمَا فَأَقْبَلَ الصَّغِيرُ يُحَرِّكُ الْكَبِيرَ وَ يَقُولُ قُمْ يَا حَبِيبِي فَقَدْ وَ اللَّهِ وَقَعْنَا فِيمَا كُنَّا نُحَاذِرُهُ قَالَ لَهُمَا مَنْ أَنْتُمَا قَالا لَهُ يَا شَيْخُ إِنْ نَحْنُ صَدَّقْنَاكَ فَلَنَا الْأَمَانُ قَالَ نَعَمْ قَالا أَمَانُ اللَّهِ وَ أَمَانُ رَسُولِهِ وَ ذِمَّةُ اللَّهِ وَ ذِمَّةُ رَسُولِهِ ص قَالَ نَعَمْ قَالا وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ نَعَمْ قَالا وَ اللَّهُ عَلى‏ ما نَقُولُ وَكِيل‏

102
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما ص 100

وَ شَهِيدٌ قَالَ نَعَمْ قَالا لَهُ يَا شَيْخُ فَنَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ص هَرَبْنَا مِنْ سِجْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مِنَ الْقَتْلِ فَقَالَ لَهُمَا مِنَ الْمَوْتِ هَرَبْتُمَا وَ إِلَى الْمَوْتِ وَقَعْتُمَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْفَرَنِي بِكُمَا فَقَامَ إِلَى الْغُلَامَيْنِ فَشَدَّ أَكْتَافَهُمَا فَبَاتَ الْغُلَامَانِ لَيْلَتَهُمَا مُكَتَّفَيْنِ فَلَمَّا انْفَجَرَ عَمُودُ الصُّبْحِ دَعَا غُلَاماً لَهُ أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ فُلَيْحٌ فَقَالَ لَهُ خُذْ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ فَانْطَلِقْ بِهِمَا إِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ وَ اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا وَ ائْتِنِي بِرُءُوسِهِمَا لِأَنْطَلِقَ بِهِمَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ آخُذَ جَائِزَةَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَحَمَلَ الْغُلَامُ السَّيْفَ وَ مَشَى أَمَامَ الْغُلَامَيْنِ فَمَا مَضَى إِلَّا غَيْرَ بَعِيدٍ حَتَّى قَالَ أَحَدُ الْغُلَامَيْنِ يَا أَسْوَدُ مَا أَشْبَهَ سَوَادَكَ بِسَوَادِ بِلَالٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ إِنَّ مَوْلَايَ قَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِكُمَا فَمَنْ أَنْتُمَا قَالا لَهُ يَا أَسْوَدُ نَحْنُ مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ص هَرَبْنَا مِنْ سِجْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ مِنَ الْقَتْلِ أَضَافَتْنَا عَجُوزُكُمْ هَذِهِ وَ يُرِيدُ مَوْلَاكَ قَتْلَنَا فَانْكَبَّ الْأَسْوَدُ عَلَى أَقْدَامِهِمَا يُقَبِّلُهُمَا وَ يَقُولُ نَفْسِي لِنَفْسِكُمَا الْفِدَاءُ وَ وَجْهِي لِوَجْهِكُمَا الْوِقَاءُ يَا عِتْرَةَ نَبِيِّ اللَّهِ الْمُصْطَفَى وَ اللَّهِ لَا يَكُونُ مُحَمَّدٌ خَصْمِي فِي الْقِيَامَةِ ثُمَّ عَدَا فَرَمَى بِالسَّيْفِ مِنْ يَدِهِ نَاحِيَةً وَ طَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْفُرَاتِ وَ عَبَرَ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَصَاحَ بِهِ مَوْلَاهُ يَا غُلَامُ عَصَيْتَنِي فَقَالَ يَا مَوْلَايَ إِنَّمَا أَطَعْتُكَ مَا دُمْتَ لَا تَعْصِي اللَّهَ فَإِذَا عَصَيْتَ اللَّهَ فَأَنَا مِنْكَ بَرِي‏ءٌ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ فَدَعَا ابْنَهُ فَقَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّمَا أَجْمَعُ الدُّنْيَا حَلَالَهَا وَ حَرَامَهَا لَكَ وَ الدُّنْيَا مُحَرَّصٌ عَلَيْهَا فَخُذْ هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ إِلَيْكَ فَانْطَلِقْ بِهِمَا إِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمَا وَ ائْتِنِي بِرُءُوسِهِمَا لِأَنْطَلِقَ بِهِمَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ آخُذَ جَائِزَةَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ الْغُلَامُ السَّيْفَ وَ مَشَى أَمَامَ الْغُلَامَيْنِ فَمَا مَضَيَا إِلَّا غَيْرَ بَعِيدٍ حَتَّى قَالَ أَحَدُ الْغُلَامَيْنِ يَا شَابُّ مَا أَخْوَفَنِي عَلَى شَبَابِكَ هَذَا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ فَقَالَ يَا حَبِيبَيَّ فَمَنْ أَنْتُمَا قَالا مِنْ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ص يُرِيدُ وَالِدُكَ قَتْلَنَا فَانْكَبَّ الْغُلَامُ عَلَى أَقْدَامِهِمَا يُقَبِّلُهُمَا وَ يَقُولُ لَهُمَا مَقَالَةَ الْأَسْوَدِ وَ رَمَى بِالسَّيْفِ نَاحِيَةً وَ طَرَحَ نَفْسَهُ فِي الْفُرَاتِ وَ عَبَرَ فَصَاحَ بِهِ أَبُوهُ يَا بُنَيَّ عَصَيْتَنِي قَالَ لَأَنْ أُطِيعَ اللَّهَ وَ أَعْصِيَكَ-

103
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما ص 100

أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْصِيَ اللَّهَ وَ أُطِيعَكَ- قَالَ الشَّيْخُ لَا يَلِي قَتْلَكُمَا أَحَدٌ غَيْرِي وَ أَخَذَ السَّيْفَ وَ مَشَى أَمَامَهُمَا فَلَمَّا صَارَ إِلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ سَلَّ السَّيْفَ عَنْ جَفْنِهِ فَلَمَّا نَظَرَ الْغُلَامَانِ إِلَى السَّيْفِ مَسْلُولًا اغْرَوْرَقَتْ أَعْيُنُهُمَا وَ قَالا لَهُ يَا شَيْخُ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى السُّوقِ وَ اسْتَمْتِعْ بِأَثْمَانِنَا وَ لَا تُرِدْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ خَصْمَكَ فِي الْقِيَامَةِ غَداً فَقَالَ لَا وَ لَكِنْ أَقْتُلُكُمَا وَ أَذْهَبُ بِرُءُوسِكُمَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ آخُذُ جَائِزَةَ أَلْفَيْنِ فَقَالا لَهُ يَا شَيْخُ أَ مَا تَحْفَظُ قَرَابَتَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ مَا لَكُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَرَابَةٌ قَالا لَهُ يَا شَيْخُ فَأْتِ بِنَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ حَتَّى يَحْكُمَ فِينَا بِأَمْرِهِ قَالَ مَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ إِلَّا التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِدَمِكُمَا قَالا لَهُ يَا شَيْخُ أَ مَا تَرْحَمُ صِغَرَ سِنِّنَا قَالَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمَا فِي قَلْبِي مِنَ الرَّحْمَةِ شَيْئاً قَالا يَا شَيْخُ إِنْ كَانَ وَ لَا بُدَّ فَدَعْنَا نُصَلِّي رَكَعَاتٍ قَالَ فَصَلِّيَا مَا شِئْتُمَا إِنْ نَفَعَتْكُمَا الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغُلَامَانِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ رَفَعَا طَرْفَيْهِمَا إِلَى السَّمَاءِ فَنَادَيَا يَا حَيُّ يَا حَلِيمُ «1» يَا أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ احْكُمْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ بِالْحَقِّ فَقَامَ إِلَى الْأَكْبَرِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ أَخَذَ بِرَأْسِهِ وَ وَضَعَهُ فِي الْمِخْلَاةِ وَ أَقْبَلَ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ يَتَمَرَّغُ فِي دَمِ أَخِيهِ وَ هُوَ يَقُولُ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ وَ أَنَا مُخْتَضِبٌ بِدَمِ أَخِي فَقَالَ لَا عَلَيْكَ سَوْفَ أُلْحِقُكَ بِأَخِيكَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الْغُلَامِ الصَّغِيرِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ أَخَذَ رَأْسَهُ وَ وَضَعَهُ فِي الْمِخْلَاةِ وَ رَمَى بِبَدَنِهِمَا فِي الْمَاءِ وَ هُمَا يَقْطُرَانِ دَماً وَ مَرَّ حَتَّى أَتَى بِهِمَا عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَ هُوَ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيٍّ لَهُ وَ بِيَدِهِ قَضِيبُ خَيْزُرَانٍ فَوَضَعَ الرَّأْسَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمَا قَامَ ثُمَّ قَعَدَ ثُمَّ قَامَ ثُمَّ قَعَدَ ثَلَاثاً ثُمَّ قَالَ الْوَيْلُ لَكَ أَيْنَ ظَفِرْتَ بِهِمَا قَالَ أَضَافَتْهُمَا عَجُوزٌ لَنَا قَالَ فَمَا عَرَفْتَ لَهُمَا حَقَّ الضِّيَافَةِ قَالَ لَا قَالَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قَالا لَكَ قَالَ قَالا يَا شَيْخُ اذْهَبْ بِنَا إِلَى السُّوقِ فَبِعْنَا فَانْتَفِعْ بِأَثْمَانِنَا وَ لَا تُرِدْ أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ خَصْمَكَ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قُلْتَ لَهُمَا قَالَ‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر المطبوع «يا حكيم» و هكذا فيما يأتي.

104
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما ص 100

قُلْتُ لَا وَ لَكِنْ أَقْتُلُكُمَا وَ أَنْطَلِقُ بِرُءُوسِكُمَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ آخُذُ جَائِزَةَ أَلْفَيْ دِرْهَمٍ قَالَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قَالا لَكَ قَالَ قَالا ائْتِ بِنَا إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ حَتَّى يَحْكُمَ فِينَا بِأَمْرِهِ قَالَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قُلْتَ قَالَ قُلْتُ لَيْسَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ إِلَّا التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِدَمِكُمَا قَالَ أَ فَلَا جِئْتَنِي بِهِمَا حَيَّيْنِ فَكُنْتُ أُضَعِّفُ لَكَ الْجَائِزَةَ وَ أَجْعَلُهَا أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا إِلَّا التَّقَرُّبَ إِلَيْكَ بِدَمِهِمَا قَالَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قَالا لَكَ أَيْضاً قَالَ قَالا لِي يَا شَيْخُ احْفَظْ قَرَابَتَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قُلْتَ لَهُمَا قَالَ قُلْتُ لَهُمَا مَا لَكُمَا مِنْ رَسُولِ اللَّهُ قَرَابَةٌ قَالَ وَيْلَكَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قَالا لَكَ أَيْضاً قَالَ قَالا يَا شَيْخُ ارْحَمْ صِغَرَ سِنِّنَا قَالَ فَمَا رَحِمْتَهُمَا قَالَ قُلْتُ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمَا مِنَ الرَّحْمَةِ فِي قَلْبِي شَيْئاً قَالَ وَيْلَكَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قَالا لَكَ أَيْضاً قَالَ قَالا دَعْنَا نُصَلِّي رَكَعَاتٍ فَقُلْتُ فَصَلِّيَا مَا شِئْتُمَا إِنْ نَفَعَتْكُمَا الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغُلَامَانِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَ فَأَيَّ شَيْ‏ءٍ قَالا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمَا قَالَ رَفَعَا طَرْفَيْهِمَا إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالا يَا حَيُّ يَا حَلِيمُ يَا أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ احْكُمْ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُ بِالْحَقِّ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ فَإِنَّ أَحْكَمَ الْحَاكِمِينَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَكُمْ مَنْ لِلْفَاسِقِ قَالَ فَانْتَدَبَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ أَنَا لَهُ قَالَ فَانْطَلِقْ بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَتَلَ فِيهِ الْغُلَامَيْنِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ لَا تَتْرُكْ أَنْ يَخْتَلِطَ دَمُهُ بِدَمِهِمَا وَ عَجِّلْ بِرَأْسِهِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ وَ جَاءَ بِرَأْسِهِ فَنَصَبَهُ عَلَى قَنَاةٍ فَجَعَلَ الصِّبْيَانُ يَرْمُونَهُ بِالنَّبْلِ وَ الْحِجَارَةِ وَ هُمْ يَقُولُونَ هَذَا قَاتِلُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ص «1».
بيان غطيط النائم و المخنوق نخيرهما.
أَقُولُ رَوَى فِي الْمَنَاقِبِ الْقَدِيمِ هَذِهِ الْقِصَّةَ مَعَ تَغْيِيرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سَعْدُ الْأَئِمَّةِ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ الْفُقَيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السرختكي [السُّرْخَكَتِيِ‏] عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ طَاهِرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَدَّادِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُعَيْمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍ‏
__________________________________________________
 (1) راجع أمالي الصدوق المجلس 19 تحت الرقم: 2.

105
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما ص 100

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع بِكَرْبَلَاءَ هَرَبَ غُلَامَانِ مِنْ عَسْكَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ وَ الْآخَرُ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ وَ كَانَا مِنْ وُلْدِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ «1» فَإِذَا هُمَا بِامْرَأَةٍ تَسْتَقِي فَنَظَرَتْ إِلَى الْغُلَامَيْنِ وَ إِلَى حُسْنِهِمَا وَ جَمَالِهِمَا فَقَالَتْ لَهُمَا مَنْ أَنْتُمَا فَقَالا نَحْنُ مِنْ وُلْدِ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ فِي الْجَنَّةِ هَرَبْنَا مِنْ عَسْكَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ إِنَّ زَوْجِي فِي عَسْكَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ لَوْ لَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ يَجِي‏ءَ اللَّيْلَةَ وَ إِلَّا ضَيَّفْتُكُمَا وَ أَحْسَنْتُ ضِيَافَتَكُمَا فَقَالا لَهَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ انْطَلِقِي بِنَا فَنَرْجُو أَنْ لَا يَأْتِيَنَا زَوْجُكِ اللَّيْلَةَ فَانْطَلَقَتِ الْمَرْأَةُ وَ الْغُلَامَانِ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى مَنْزِلِهَا فَأَتَتْهُمَا بِطَعَامٍ فَقَالا مَا لَنَا فِي الطَّعَامِ مِنْ حَاجَةٍ ائْتِنَا بِمُصَلًّى نَقْضِي فَوَائِتَنَا فَصَلَّيَا فَانْطَلَقَا إِلَى مَضْجَعِهِمَا فَقَالَ الْأَصْغَرُ لِلْأَكْبَرِ يَا أَخِي وَ يَا ابْنَ أُمِّي الْتَزِمْنِي وَ اسْتَنْشِقْ مِنْ رَائِحَتِي فَإِنِّي أَظُنُّ أَنَّهَا آخِرُ لَيْلَتِي لَا نُصْبِحُ بَعْدَهَا وَ سَاقَ الْحَدِيثَ نَحْواً مِمَّا مَرَّ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ هَزَّ السَّيْفَ وَ ضَرَبَ عُنُقَ الْأَكْبَرِ وَ رَمَى بِبَدَنِهِ الْفُرَاتَ فَقَالَ الْأَصْغَرُ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ أَنْ تَتْرُكَنِي حَتَّى أَتَمَرَّغَ بِدَمِ أَخِي سَاعَةً قَالَ وَ مَا يَنْفَعُكَ ذَلِكَ قَالَ هَكَذَا أُحِبُّ فَتَمَرَّغَ بِدَمِ أَخِيهِ إِبْرَاهِيمَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ قُمْ فَلَمْ يَقُمْ فَوَضَعَ السَّيْفَ عَلَى قَفَاهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ مِنْ قِبَلِ الْقَفَا وَ رَمَى بِبَدَنِهِ إِلَى الْفُرَاتِ فَكَانَ بَدَنُ الْأَوَّلِ عَلَى وَجْهِ الْفُرَاتِ سَاعَةً حَتَّى قَذَفَ الثَّانِيَ فَأَقْبَلَ بَدَنُ الْأَوَّلِ رَاجِعاً يَشَقُّ الْمَاءَ شَقّاً حَتَّى الْتَزَمَ بَدَنَ أَخِيهِ وَ مَضَيَا فِي الْمَاءِ وَ سَمِعَ هَذَا الْمَلْعُونُ صَوْتاً مِنْ بَيْنِهِمَا وَ هُمَا فِي الْمَاءِ رَبِّ تَعْلَمُ وَ تَرَى مَا فَعَلَ بِنَا هَذَا الْمَلْعُونُ فَاسْتَوْفِ لَنَا حَقَّنَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ قَالَ فَدَعَا عُبَيْدُ اللَّهِ بِغُلَامٍ لَهُ أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ نَادِرٌ فَقَالَ لَهُ يَا نَادِرُ دُونَكَ هَذَا الشَّيْخَ شُدَّ كَتِفَيْهِ فَانْطَلِقْ بِهِ الْمَوْضِعَ الَّذِي قَتَلَ الْغُلَامَيْنِ فِيهِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَ سَلَبُهُ لَكَ وَ لَكَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَ أَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَانْطَلَقَ الْغُلَامُ بِهِ إِلَى الْمَوْضِعِ‏
__________________________________________________
 (1) لو صح هذه القصة لكانا من أحفاد جعفر الطيار، و الا فجعفر الطيار قد استشهد في سنة ثمان يوم مؤتة و بينه و بين مقتل الحسين عليه السلام اثنتان و خمسون سنة.

106
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 38 شهادة ولدي مسلم الصغيرين رضي الله عنهما ص 100

الَّذِي ضَرَبَ أَعْنَاقَهُمَا فِيهِ فَقَالَ لَهُ يَا نَادِرُ لَا بُدَّ لَكَ مِنْ قَتْلِي قَالَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ فَرَمَى بِجِيفَتِهِ إِلَى الْمَاءِ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمَاءُ وَ رَمَى بِهِ إِلَى الشَّطِّ وَ أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَنْ يُحْرَقَ بِالنَّارِ فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ وَ صَارَ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ.
باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال‏
1- قَالَ السَّيِّدُ ابْنُ طَاوُسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْمَلْهُوفِ عَلَى أَهْلِ الطُّفُوفِ وَ الشَّيْخُ ابْنُ نَمَا رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُثِيرِ الْأَحْزَانِ وَ اللَّفْظُ لِلسَّيِّدِ إِنَّ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بَعَثَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ هُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ مَعَ خَوْلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الْأَصْبَحِيِّ وَ حُمَيْدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْأَزْدِيِّ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ أَمَرَ بِرُءُوسِ الْبَاقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَنُظِّفَتْ وَ سُرِّحَ بِهَا مَعَ شِمْرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ وَ قَيْسِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَ عَمْرِو بْنِ الْحَجَّاجِ فَأَقْبَلُوا بِهَا حَتَّى قَدِمُوا الْكُوفَةَ وَ أَقَامَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ إِلَى زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ رَحَلَ بِمَنْ تَخَلَّفَ مِنْ عِيَالِ الْحُسَيْنِ ع وَ حَمَلَ نِسَاءَهُ عَلَى أَحْلَاسِ أَقْتَابٍ بِغَيْرِ وِطَاءٍ مُكَشَّفَاتِ الْوُجُوهِ بَيْنَ الْأَعْدَاءِ وَ هُنَّ وَدَائِعُ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ وَ سَاقُوهُنَّ كَمَا يُسَاقُ سَبْيُ التُّرْكِ وَ الرُّومِ فِي أَسْرِ الْمَصَائِبِ وَ الْهُمُومِ وَ لِلَّهِ دَرُّ الْقَائِلِ-
          يُصَلَّى عَلَى الْمَبْعُوثِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ-             وَ يُغْزَى بَنُوهُ إِنَّ ذَا لَعَجِيبٌ-
 قَالَ وَ لَمَّا انْفَصَلَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ كَرْبَلَاءَ خَرَجَ قَوْمٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ فَصَلَّوْا عَلَى تِلْكَ الْجُثَثِ الطَّوَاهِرِ الْمُرَمَّلَةِ بِالدِّمَاءِ وَ دَفَنُوهَا عَلَى مَا هِيَ الْآنَ عَلَيْهِ «1».
__________________________________________________
 (1) كتاب الملهوف ص 125- 127.

107
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ قَالَ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ دَفَنُوا الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ حَيْثُ قَبْرُهُ الْآنَ وَ دَفَنُوا ابْنَهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ الْأَصْغَرَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَ حَفَرُوا لِلشُّهَدَاءِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ صُرِعُوا حَوْلَهُ مِمَّا يَلِي رِجْلَيِ الْحُسَيْنِ ع وَ جَمَعُوهُمْ وَ دَفَنُوهُمْ جَمِيعاً مَعاً وَ دَفَنُوا الْعَبَّاسَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ عَلَى طَرِيقِ الْغَاضِرِيَّةِ حَيْثُ قَبْرُهُ الْآنَ «1».
وَ قَالَ السَّيِّدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ سَارَ ابْنُ سَعْدٍ بِالسَّبْيِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فَلَمَّا قَارَبُوا الْكُوفَةَ اجْتَمَعَ أَهْلُهَا لِلنَّظَرِ إِلَيْهِنَّ قَالَ فَأَشْرَفَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْكُوفِيَّاتِ فَقَالَتْ مِنْ أَيِّ الْأُسَارَى أَنْتُنَّ فَقُلْنَ نَحْنُ أُسَارَى آلِ مُحَمَّدٍ فَنَزَلَتْ مِنْ سَطْحِهَا وَ جَمَعَتْ مُلَاءً وَ أُزُراً وَ مَقَانِعَ «2» فَأَعْطَتْهُنَّ فَتَغَطَّيْنَ قَالَ وَ كَانَ مَعَ النِّسَاءِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع قَدْ نَهَكَتْهُ الْعِلَّةُ وَ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمُثَنَّى وَ كَانَ قَدْ وَاسَى عَمَّهُ وَ إِمَامَهُ فِي الصَّبْرِ عَلَى الرِّمَاحِ «3» وَ إِنَّمَا ارْتُثَّ وَ قَدْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ وَ كَانَ مَعَهُمْ أَيْضاً زَيْدٌ وَ عَمْرٌو وَلَدَا الْحَسَنِ السِّبْطِ ع فَجَعَلَ أَهْلُ الْكُوفَةِ يَنُوحُونَ وَ يَبْكُونَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع أَ تَنُوحُونَ وَ تَبْكُونَ مِنْ أَجْلِنَا فَمَنْ قَتَلَنَا قَالَ بَشِيرُ بْنُ خُزَيْمٍ الْأَسَدِيُّ وَ نَظَرْتُ إِلَى زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ ع يَوْمَئِذٍ وَ لَمْ أَرَ وَ اللَّهِ خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا كَأَنَّمَا تُفَرِّعُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَ قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ وَ سَكَنَتِ اْلْأَجْرَاسُ ثُمَّ قَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ الصَّلَاةُ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ الْأَخْيَارِ
__________________________________________________
 (1) الإرشاد ص 227.
 (2) ملاء جمع ملاءة و هي الريطة ذات لفقين، و أزر جمع ازار و هو ثوب يلبس على الفخذين و مقانع جمع مقنع- بالكسر- ما تقنع به المرأة رأسها و تغطيه به.
 (3) في المصدر المطبوع: «فى الصبر على ضرب السيوف و طعن الرماح» ثم قال: و روى مصنف كتاب المصابيح أن الحسن بن الحسن المثنى قتل بين يدي عمه الحسين عليه السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفسا و أصابه ثمانية عشر جراحة، فوقع فأخذ خاله أسماء بن خارجة فحمله الى الكوفة و داواه حتّى برء.

108
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْلِ وَ الْغَدْرِ أَ تَبْكُونَ فَلَا رَقَأَتِ الدَّمْعَةُ وَ لَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَلَا وَ هَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ وَ النَّطَفُ وَ مَلَقُ الْإِمَاءِ وَ غَمْزُ الْأَعْدَاءِ أَوْ كَمَرْعًى عَلَى دِمْنَةٍ أَوْ كَفِضَّةٍ عَلَى مَلْحُودَةٍ «1» أَلَا سَاءَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَ فِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ أَ تَبْكُونَ وَ تَنْتَحِبُونَ إِي وَ اللَّهِ فَابْكُوا كَثِيراً وَ اضْحَكُوا قَلِيلًا فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَ شَنَآنِهَا «2» وَ لَنْ تَرْحَضُوهَا بِغَسْلٍ بَعْدَهَا أَبَداً وَ أَنَّى تَرْحَضُونَ قَتْلَ سَلِيلِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَلَاذِ خِيَرَتِكُمْ وَ مَفْزَعِ نَازِلَتِكُمْ وَ مَنَارِ حُجَّتِكُمْ وَ مَدَرَةِ سُنَّتِكُمْ أَلَا سَاءَ مَا تَزِرُونَ وَ بُعْداً لَكُمْ وَ سُحْقاً فَلَقَدْ خَابَ السَّعْيُ وَ تَبَّتِ الْأَيْدِي وَ خَسِرَتِ الصَّفْقَةُ وَ بُؤْتُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ* وَ ضُرِبَتْ عَلَيْكُمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَيْلَكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَيَّ كَبِدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فَرَيْتُمْ وَ أَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ وَ أَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ وَ أَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ انْتَهَكْتُمْ لَقَدْ جِئْتُمْ بِهِمْ صَلْعَاءَ عَنْقَاءَ سَوْءَاءَ فَقْمَاءَ وَ فِي بَعْضِهَا خَرْقَاءَ شَوْهَاءَ كَطِلَاعِ الْأَرْضِ وَ ملاء [مِلْ‏ءِ] السَّمَاءِ أَ فَعَجِبْتُمْ أَنْ قَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‏ وَ أَنْتُمْ لَا تُنْصَرُونَ فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ الْمَهَلُ فَإِنَّهُ لَا تَحْفِزُهُ الْبِدَارُ وَ لَا يُخَافُ فَوْتُ الثَّأْرِ وَ إِنَّ رَبَّكُمْ لَبِالْمِرْصَادِ «3» قَالَ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّاسَ يَوْمَئِذٍ حَيَارَى يَبْكُونَ وَ قَدْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي‏
__________________________________________________
 (1) كذا في المصدر ص 130، و نقله المصنّف- رحمه اللّه- بلفظه ثمّ شرحه فيما يأتي من بيان الغرائب بالتزيين، و لكن الصحيح: «كقصة على ملحودة» و القصة هي الجصة بلغة أهل الحجاز، كما في أكثر معاجم اللغة- القاموس- الصحاح- تاج العروس- النهاية و قال في الفائق ج 2 ص 173 روى أن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهى عن تطيين القبور و تقصيصها أى تجصيصها، فان القصة هي الجصة أقول: و سائر غرائب الحديث يأتي بيانه عن المصنّف- رحمه اللّه- فلا نكررها.
 (2) و شنارها خ ل.
 (3) و مثله في كتاب الاحتجاج ص 256، و زاد بعده أبياتا و سيأتي.

109
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أَفْوَاهِهِمْ وَ رَأَيْتُ شَيْخاً وَاقِفاً إِلَى جَنْبِي يَبْكِي حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَ هُوَ يَقُولُ بِأَبِي أَنْتُمْ وَ أُمِّي كُهُولُكُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَ شَبَابُكُمْ خَيْرُ الشَّبَابِ وَ نِسَاؤُكُمْ خَيْرُ النِّسَاءِ وَ نَسْلُكُمْ خَيْرُ نَسْلٍ لَا يُخْزَى وَ لَا يُبْزَى.
وَ رَوَى زَيْدُ بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي ع قَالَ: خَطَبَتْ فَاطِمَةُ الصُّغْرَى بَعْدَ أَنْ رُدَّتْ مِنْ كَرْبَلَاءَ فَقَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ الرَّمْلِ وَ الْحَصَى وَ زِنَةَ الْعَرْشِ إِلَى الثَّرَى أَحْمَدُهُ وَ أُؤْمِنُ بِهِ وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص وَ أَنَّ وُلْدَهُ ذُبِحُوا بِشَطِّ الْفُرَاتِ بِغَيْرِ ذَحْلٍ وَ لَا تِرَاتٍ- اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَرِيَ عَلَيْكَ الْكَذِبَ وَ أَنْ أَقُولَ عَلَيْكَ خِلَافَ مَا أَنْزَلْتَ مِنْ أَخْذِ الْعُهُودِ لِوَصِيِّهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَسْلُوبِ حَقُّهُ الْمَقْتُولِ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ كَمَا قُتِلَ وُلْدُهُ بِالْأَمْسِ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ مَعْشَرٌ مُسْلِمَةٌ بِأَلْسِنَتِهِمْ تَعْساً لِرُءُوسِهِمْ مَا دَفَعَتْ عَنْهُ ضَيْماً فِي حَيَاتِهِ وَ لَا عِنْدَ مَمَاتِهِ حَتَّى قَبَضْتَهُ إِلَيْكَ مَحْمُودَ النَّقِيبَةِ طَيِّبَ الْعَرِيكَةِ مَعْرُوفَ الْمَنَاقِبِ مَشْهُورَ الْمَذَاهِبِ لَمْ يَأْخُذْهُ اللَّهُمَّ فِيكَ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَ لَا عَذْلُ عَاذِلٍ هَدَيْتَهُ يَا رَبِّ لِلْإِسْلَامِ صَغِيراً وَ حَمِدْتَ مَنَاقِبَهُ كَبِيراً وَ لَمْ يَزَلْ نَاصِحاً لَكَ وَ لِرَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَ آلِهِ حَتَّى قَبَضْتَهُ إِلَيْكَ زَاهِداً فِي الدُّنْيَا غَيْرَ حَرِيصٍ عَلَيْهَا رَاغِباً فِي الْآخِرَةِ مُجَاهِداً لَكَ فِي سَبِيلِكَ رَضَيْتَهُ فَاخْتَرْتَهُ وَ هَدَيْتَهُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْمَكْرِ وَ الْغَدْرِ وَ الْخُيَلَاءِ فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ ابْتَلَانَا اللَّهُ بِكُمْ وَ ابْتَلَاكُمْ بِنَا فَجَعَلَ بَلَاءَنَا حَسَناً وَ جَعَلَ عِلْمَهُ عِنْدَنَا وَ فَهْمَهُ لَدَيْنَا فَنَحْنُ عَيْبَةُ عِلْمِهِ وَ وِعَاءُ فَهْمِهِ وَ حِكْمَتِهِ وَ حُجَّتُهُ فِي الْأَرْضِ لِبِلَادِهِ وَ لِعِبَادِهِ أَكْرَمَنَا اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ وَ فَضَّلَنَا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا بَيِّناً فَكَذَّبْتُمُونَا وَ كَفَّرْتُمُونَا وَ رَأَيْتُمْ قِتَالَنَا حَلَالًا وَ أَمْوَالَنَا نَهْباً كَأَنَّا أَوْلَادُ تُرْكٍ أَوْ كَابُلَ كَمَا قَتَلْتُمْ جَدَّنَا بِالْأَمْسِ وَ سُيُوفُكُمْ تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لِحِقْدٍ مُتَقَدِّمٍ قَرَّتْ بِذَلِكَ عُيُونُكُمْ وَ فَرِحَتْ قُلُوبُكُمْ افْتِرَاءً مِنْكُمْ عَلَى اللَّهِ وَ مَكْراً مَكَرْتُمْ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فَلا

110
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

تَدْعُوَنَّكُمْ أَنْفُسُكُمْ إِلَى الْجَذَلِ بِمَا أَصَبْتُمْ مِنْ دِمَائِنَا وَ نَالَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ أَمْوَالِنَا فَإِنَّ مَا أَصَابَنَا مِنَ الْمَصَائِبِ الْجَلِيلَةِ وَ الرَّزَايَا الْعَظِيمَةِ- فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ تَبّاً لَكُمْ فَانْتَظِرُوا اللَّعْنَةَ وَ الْعَذَابَ وَ كَأَنْ قَدْ حَلَّ بِكُمْ وَ تَوَاتَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ نَقِمَاتٌ فَيُسْحِتَكُمْ بِمَا كَسَبْتُمْ- وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ثُمَّ تَخْلُدُونَ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا ظَلَمْتُمُونَا- أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَيْلَكُمْ أَ تَدْرُونَ أَيَّةُ يَدٍ طَاعَنَتْنَا مِنْكُمْ وَ أَيَّةُ نَفْسٍ نَزَعَتْ إِلَى قِتَالِنَا أَمْ بِأَيَّةِ رِجْلٍ مَشَيْتُمْ إِلَيْنَا تَبْغُونَ مُحَارَبَتَنَا قَسَتْ قُلُوبُكُمْ وَ غَلُظَتْ أَكْبَادُكُمْ وَ طُبِعَ عَلَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ خُتِمَ عَلَى سَمْعِكُمْ وَ بَصَرِكُمْ وَ سَوَّلَ لَكُمُ الشَّيْطَانُ وَ أَمْلَى لَكُمْ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِكُمْ غِشَاوَةً فَأَنْتُمْ لَا تَهْتَدُونَ تَبّاً لَكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَيُّ تِرَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ قِبَلَكُمْ وَ ذُحُولٍ لَهُ لَدَيْكُمْ بِمَا عَنِدْتُمْ بِأَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع جَدِّي وَ بَنِيهِ عِتْرَةِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِينَ الْأَخْيَارِ وَ افْتَخَرَ بِذَلِكَ مُفْتَخِرُ [كُمْ‏] فَقَالَ-
          نَحْنُ قَتَلْنَا عَلِيّاً وَ بَنِي عَلِيٍّ «1»-             بِسُيُوفٍ هِنْدِيَّةٍ وَ رِمَاحٍ‏
             وَ سَبَيْنَا نِسَاءَهُمْ سَبْيَ تُرْكٍ-             وَ نَطَحْنَاهُمْ فَأَيَّ نِطَاحٍ-
 بِفِيكَ أَيُّهَا الْقَائِلُ الْكَثْكَثُ وَ لَكَ الْأَثْلَبُ افْتَخَرْتَ بِقَتْلِ قَوْمٍ زَكَّاهُمُ اللَّهُ وَ طَهَّرَهُمْ وَ أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ فَاكْظِمْ وَ أَقْعِ كَمَا أَقْعَى أَبُوكَ وَ إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ حَسَدْتُمُونَا وَيْلًا لَكُمْ عَلَى مَا فَضَّلَنَا اللَّهُ عَلَيْكُمْ-
          فَمَا ذَنْبُنَا أَنْ جَاشَ دَهْراً بُحُورُنَا-             وَ بَحْرُكَ سَاجٍ لَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا
 ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ- وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ
__________________________________________________
 (1) كذا في النسخ، و لا يستقيم الشعر وزنا.

111
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَالَ فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ بِالْبُكَاءِ وَ قَالُوا حَسْبُكِ يَا ابْنَةَ الطَّيِّبِينَ فَقَدْ أَحْرَقْتِ قُلُوبَنَا وَ أَنْضَجْتِ نُحُورَنَا وَ أَضْرَمْتِ أَجْوَافَنَا فَسَكَتَتْ عَلَيْهَا وَ عَلَى أَبِيهَا وَ جَدَّتِهَا السَّلَامُ.
أقول ذكر في الإحتجاج هذه الخطبة بهذا الإسناد «1» و لنرجع إلى كلام السيد رحمه الله.
قَالَ: وَ خَطَبَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عَلِيٍّ ع فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ وَرَاءِ كِلَّتِهَا رَافِعَةً صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ فَقَالَتْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ سَوْأَةً لَكُمْ مَا لَكُمْ خَذَلْتُمْ حُسَيْناً وَ قَتَلْتُمُوهُ وَ انْتَهَبْتُمْ أَمْوَالَهُ وَ وَرِثْتُمُوهُ وَ سَبَيْتُمْ نِسَاءَهُ وَ نَكَبْتُمُوهُ فَتَبّاً لَكُمْ وَ سُحْقاً وَيْلَكُمْ أَ تَدْرُونَ أَيَّ دَوَاهٍ دَهَتْكُمْ وَ أَيَّ وِزْرٍ عَلَى ظُهُورِكُمْ حَمَلْتُمْ وَ أَيَّ دِمَاءٍ سَفَكْتُمُوهَا وَ أَيَّ كَرِيمَةٍ أَصَبْتُمُوهَا وَ أَيَّ صِبْيَةٍ سَلَبْتُمُوهَا وَ أَيَّ أَمْوَالٍ انْتَهَبْتُمُوهَا قَتَلْتُمْ خَيْرَ رِجَالاتٍ بَعْدَ النَّبِيِّ وَ نُزِعَتِ الرَّحْمَةُ مِنْ قُلُوبِكُمْ أَلَا حِزْبُ اللَّهِ هُمُ الْفَائِزُونَ وَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخاسِرُونَ* ثُمَّ قَالَتْ-
          قَتَلْتُمْ أَخِي صَبْراً فَوَيْلٌ لِأُمِّكُمْ-             سَتُجْزَوْنَ نَاراً حَرُّهَا يَتَوَقَّدُ
             سَفَكْتُمْ دِمَاءً حَرَّمَ اللَّهُ سَفْكَهَا-             وَ حَرَّمَهَا الْقُرْآنُ ثُمَّ مُحَمَّدٌ-
             أَلَا فَابْشِرُوا بِالنَّارِ إِنَّكُمُ غَداً-             لَفِي سَقَرٍ حَقّاً يَقِيناً تُخَلَّدُوا-
             وَ إِنِّي لَأَبْكِي فِي حَيَاتِي عَلَى أَخِي-             عَلَى خَيْرِ مَنْ بَعْدَ النَّبِيِّ سَيُولَدُ-
             بِدَمْعٍ غَزِيرٍ مُسْتَهَلٍّ مُكَفْكَفٍ-             عَلَى الْخَدِّ مِنِّي ذَائِباً لَيْسَ يَجْمُدُ-
 قَالَ فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَ الْحَنِينِ وَ النَّوْحِ وَ نَشَرَ النِّسَاءُ شُعُورَهُنَّ وَ وَضَعْنَ التُّرَابَ عَلَى رُءُوسِهِنَّ وَ خَمَشْنَ وُجُوهَهُنَّ وَ ضَرَبْنَ خُدُودَهُنَّ وَ دَعَوْنَ بِالْوَيْلِ وَ الثُّبُورِ وَ بَكَى الرِّجَالُ فَلَمْ يُرَ بَاكِيَةٌ وَ بَاكٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ إِنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ ع أَوْمَأَ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا فَسَكَتُوا فَقَامَ قَائِماً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ ذَكَرَ النَّبِيَّ وَ صَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ‏
__________________________________________________
 (1) كتاب الملهوف ص 127- 137، الاحتجاج ص 155 و 156.

112
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أَنَا ابْنُ الْمَذْبُوحِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ مِنْ غَيْرِ ذَحْلٍ وَ لَا تِرَاتٍ أَنَا ابْنُ مَنِ انْتُهِكَ حَرِيمُهُ وَ سُلِبَ نَعِيمُهُ وَ انْتُهِبَ مَالُهُ وَ سُبِيَ عِيَالُهُ أَنَا ابْنُ مَنْ قُتِلَ صَبْراً وَ كَفَى بِذَلِكَ فَخْراً أَيُّهَا النَّاسُ نَاشَدْتُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كَتَبْتُمْ إِلَى أَبِي وَ خَدَعْتُمُوهُ وَ أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ أَنْفُسِكُمْ الْعَهْدَ وَ الْمِيثَاقَ وَ الْبَيْعَةَ وَ قَاتَلْتُمُوهُ وَ خَذَلْتُمُوهُ فَتَبّاً لِمَا قَدَّمْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ سَوْأَةً لِرَأْيِكُمْ بِأَيَّةِ عَيْنٍ تَنْظُرُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ص إِذْ يَقُولُ لَكُمْ قَتَلْتُمْ عِتْرَتِي وَ انْتَهَكْتُمْ حُرْمَتِي فَلَسْتُمْ مِنْ أُمَّتِي قَالَ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هَلَكْتُمْ وَ مَا تَعْلَمُونَ فَقَالَ ع رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً قَبِلَ نَصِيحَتِي وَ حَفِظَ وَصِيَّتِي فِي اللَّهِ وَ فِي رَسُولِهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ فَإِنَّ لَنَا فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةً حَسَنَةً فَقَالُوا بِأَجْمَعِهِمْ نَحْنُ كُلُّنَا يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهُ سَامِعُونَ مُطِيعُونَ حَافِظُونَ لِذِمَامِكَ غَيْرَ زَاهِدِينَ فِيكَ وَ لَا رَاغِبِينَ عَنْكَ فَمُرْنَا بِأَمْرِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِنَّا حَرْبٌ لِحَرْبِكَ وَ سِلْمٌ لِسِلْمِكَ لَنَأْخُذَنَّ يَزِيدَ وَ نَبْرَأُ مِمَّنْ ظَلَمَكَ وَ ظَلَمَنَا فَقَالَ ع هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ أَيُّهَا الْغَدَرَةُ الْمَكَرَةُ حِيلَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ شَهَوَاتِ أَنْفُسِكُمْ أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيَّ كَمَا أَتَيْتُمْ إِلَى آبَائِي مِنْ قَبْلُ كَلَّا وَ رَبِّ الرَّاقِصَاتِ فَإِنَّ الْجُرْحَ لَمَّا يَنْدَمِلْ قُتِلَ أَبِي صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِالْأَمْسِ وَ أَهْلُ بَيْتِهِ مَعَهُ وَ لَمْ يَنْسَنِي ثُكْلُ رَسُولِ اللَّهِ وَ ثُكْلُ أَبِي وَ بَنِي أَبِي وَ وَجْدُهُ بَيْنَ لَهَاتِي وَ مَرَارَتُهُ بَيْنَ حَنَاجِرِي وَ حَلْقِي وَ غُصَصُهُ يَجْرِي فِي فِرَاشِ صَدْرِي وَ مَسْأَلَتِي أَنْ لَا تَكُونُوا لَنَا وَ لَا عَلَيْنَا ثُمَّ قَالَ-
          لَا غَرْوَ إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ شَيْخُهُ-             قَدْ كَانَ خَيْراً مِنْ حُسَيْنٍ وَ أَكْرَمَا-
             فَلَا تَفْرَحُوا يَا أَهْلَ كُوفَانَ بِالَّذِي-             أُصِيبَ حُسَيْنٌ كَانَ ذَلِكَ أَعْظَمَا-
             قَتِيلٌ بِشَطِّ النَّهْرِ رُوحِي فِدَاؤُهُ-             جَزَاءُ الَّذِي أَرْدَاهُ نَارُ جَهَنَّمَا
أَقُولُ رُوِيَ فِي الْإِحْتِجَاجِ هَكَذَا قَالَ حِذْيَمُ بْنُ بَشِيرٍ خَرَجَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ع إِلَى النَّاسِ وَ أَوْمَأَ إِلَيْهِمْ أَنِ اسْكُتُوا فَسَكَتُوا إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ «1».
__________________________________________________
 (1) الاحتجاج ص 157 و فيه: عن حذام بن ستير.

113
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَالَ السَّيِّدُ ثُمَّ قَالَ ع رَضِينَا مِنْكُمْ رَأْساً بِرَأْسٍ فَلَا يَوْمَ لَنَا وَ لَا عَلَيْنَا.
أَقُولُ رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ مُسْلِمٍ الْجَصَّاصِ قَالَ: دَعَانِي ابْنُ زِيَادٍ لِإِصْلَاحِ دَارِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ فَبَيْنَمَا أَنَا أُجَصِّصُ الْأَبْوَابَ وَ إِذَا أَنَا بِالزَّعَقَاتِ قَدِ ارْتَفَعَتْ مِنْ جَنَبَاتِ الْكُوفَةِ فَأَقْبَلْتُ عَلَى خَادِمٍ كَانَ مَعَنَا فَقُلْتُ مَا لِي أَرَى الْكُوفَةَ تَضِجُّ قَالَ السَّاعَةَ أَتَوْا بِرَأْسِ خَارِجِيٍّ خَرَجَ عَلَى يَزِيدَ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا الْخَارِجِيُّ فَقَالَ- الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع قَالَ فَتَرَكْتُ الْخَادِمَ حَتَّى خَرَجَ وَ لَطَمْتُ وَجْهِي حَتَّى خَشِيتُ عَلَى عَيْنِي أَنْ يَذْهَبَ وَ غَسَلْتُ يَدَيَّ مِنَ الْجِصِّ وَ خَرَجْتُ مِنْ ظَهْرِ الْقَصْرِ وَ أَتَيْتُ إِلَى الْكِنَاسِ فَبَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ وَ النَّاسُ يَتَوَقَّعُونَ وَصُولَ السَّبَايَا وَ الرُّءُوسِ إِذْ قَدْ أَقْبَلَتْ نَحْوَ أَرْبَعِينَ شُقَّةً تُحْمَلُ عَلَى أَرْبَعِينَ جَمَلًا فِيهَا الْحُرَمُ وَ النِّسَاءُ وَ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ ع وَ إِذَا بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع عَلَى بَعِيرٍ بِغَيْرِ وِطَاءٍ وَ أَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَماً وَ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَبْكِي وَ يَقُولُ-
          يَا أُمَّةَ السَّوْءِ لَا سُقْيَا لِرَبْعِكُمْ-             يَا أُمَّةً لَمْ تُرَاعِ جَدَّنَا فِينَا
             لَوْ أَنَّنَا وَ رَسُولُ اللَّهِ يَجْمَعُنَا             يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَا
             تُسَيِّرُونَا عَلَى الْأَقْتَابِ عَارِيَةً             كَأَنَّنَا لَمْ نُشَيِّدْ فِيكُمْ دِيناً
             بَنِي أُمَيَّةَ مَا هَذَا الْوُقُوفُ عَلَى             تِلْكَ الْمَصَائِبِ لَا تُلَبُّونَ دَاعِيَنَا
             تُصَفِّقُونَ عَلَيْنَا كَفَّكُمْ فَرَحاً             وَ أَنْتُمُ فِي فِجَاجِ الْأَرْضِ تَسْبُونَا
             أَ لَيْسَ جَدِّي رَسُولُ اللَّهِ وَيْلَكُمْ             أَهْدَى الْبَرِيَّةِ مِنْ سُبُلِ الْمُضِلِّينَا
             يَا وَقْعَةَ الطَّفِّ قَدْ أَوْرَثْتِنِي حَزَناً             وَ اللَّهُ يَهْتِكُ أَسْتَارَ الْمُسِيئِينَا
 قَالَ صَارَ أَهْلُ الْكُوفَةِ يُنَاوِلُونَ الْأَطْفَالَ الَّذِينَ عَلَى الْمَحَامِلِ بَعْضَ التَّمْرِ وَ الْخُبْزِ وَ الْجَوْزِ فَصَاحَتْ بِهِمْ أُمُّ كُلْثُومٍ وَ قَالَتْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ إِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْنَا حَرَامٌ وَ صَارَتْ تَأْخُذُ ذَلِكَ مِنَ أَيْدِي الْأَطْفَالِ وَ أَفْوَاهِهِمْ وَ تَرْمِي بِهِ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ وَ النَّاسُ يَبْكُونَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ-

114
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

ثُمَّ إِنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ أَطْلَعَتْ رَأْسَهَا مِنَ الْمَحْمِلِ وَ قَالَتْ لَهُمْ صَهْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ تَقْتُلُنَا رِجَالُكُمْ وَ تَبْكِينَا نِسَاؤُكُمْ فَالْحَاكِمُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ يَوْمَ فَصْلِ الْقَضَاءِ فَبَيْنَمَا هِيَ تُخَاطِبُهُنَّ إِذَا بِضَجَّةٍ قَدِ ارْتَفَعَتْ فَإِذَا هُمْ أَتَوْا بِالرُّءُوسِ يَقْدُمُهُمْ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع وَ هُوَ رَأْسٌ زُهْرِيٌّ قَمَرِيٌّ أَشْبَهُ الْخَلْقِ بِرَسُولِ اللَّهِ ص وَ لِحْيَتُهُ كَسَوَادِ السَّبَجِ قَدِ انْتَصَلَ مِنْهَا «1» الْخِضَابُ وَ وَجْهُهُ دَارَةُ قَمَرٍ طَالِعٍ وَ الرُّمْحُ تَلْعَبُ بِهَا يَمِيناً وَ شِمَالًا فَالْتَفَتَتْ زَيْنَبُ فَرَأَتْ رَأْسَ أَخِيهَا فَنَطَحَتْ جَبِينَهَا بِمُقَدَّمِ الْمَحْمِلِ حَتَّى رَأَيْنَا الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ قِنَاعِهَا وَ أَوْمَأَتْ إِلَيْهِ بخرقة [بِحُرْقَةٍ] وَ جَعَلْتْ تَقُولُ-
          يَا هِلَالًا لَمَّا اسْتَتَمَّ كَمَالًا             غَالَهُ خَسْفُهُ فَأَبْدَا غُرُوبَا
             مَا تَوَهَّمْتُ يَا شَقِيقَ فُؤَادِي             كَانَ هَذَا مُقَدَّراً مَكْتُوبَا
             يَا أَخِي فَاطِمَ الصَّغِيرَةَ كَلِّمْهَا             فَقَدْ كَادَ قَلَبُهَا أَنْ يَذُوبَا
             يَا أَخِي قَلْبُكَ الشَّفِيقُ عَلَيْنَا             مَا لَهُ قَدْ قَسَى وَ صَارَ صَلِيبَا
             يَا أَخِي لَوْ تَرَى عَلِيّاً لَدَى الْأَسْرِ             مَعَ الْيُتْمِ لَا يُطِيقُ وُجُوبَا
             كُلَّمَا أَوْجَعُوهُ بِالضَّرْبِ نَادَاكَ             بِذُلٍّ يَغِيضُ دَمْعاً سَكُوبَا
             يَا أَخِي ضُمَّهُ إِلَيْكَ وَ قَرِّبْهُ             وَ سَكِّنْ فُؤَادَهُ الْمَرْعُوبَا
             مَا أَذَلَّ الْيَتِيمَ حِينَ يُنَادِي             بِأَبِيهِ وَ لَا يَرَاهُ مُجِيبَا
 ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ زِيَادٍ جَلَسَ فِي الْقَصْرِ لِلنَّاسِ وَ أَذِنَ إِذْناً عَامّاً وَ جِي‏ءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ وَ صِبْيَانُهُ إِلَيْهِ فَجَلَسَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ ع مُتَنَكِّرَةً فَسَأَلَ عَنْهَا فَقِيلَ هَذِهِ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ فَقَالَتْ إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَ يَكْذِبُ الْفَاجِرُ وَ هُوَ غَيْرُنَا فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ اللَّهِ بِأَخِيكِ وَ أَهْلِ بَيْتِكِ‏
__________________________________________________
 (1) السبج معرب شبه و هو حجر أسود شديد السواد براق و له فوائد طبية، و كثيرا ما يشبه به الأشياء سوادا كقول الحكيم الطوسيّ «شبى چون شبه روى شسته بقير» و به سموا السبيج و السبيجة و السبجة للثوب الأسود و قد صحفت الكلمة تارة بالشيخ كما في الأصل و تارة بالشبح كما في الكمبانيّ. و اما النصل و الانتصال: فهو خروج اللحية من الخضاب و منه لحية ناصل.

115
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَ تُخَاصَمُ فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلْجُ يَوْمَئِذٍ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ قَالَ فَغَضِبَ وَ كَأَنَّهُ هَمَّ بِهَا فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ إِنَّهَا امْرَأَةٌ وَ الْمَرْأَةُ لَا تُؤَاخَذُ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ مَنْطِقِهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ لَقَدْ شَفَى اللَّهُ قَلْبِي مِنْ طَاغِيَتِكِ الْحُسَيْنِ وَ الْعُصَاةِ الْمَرَدَةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكِ فَقَالَتْ لَعَمْرِي لَقَدْ قَتَلْتَ كَهْلِي وَ قَطَعْتَ فَرْعِي وَ اجْتَثَثْتَ أَصْلِي فَإِنْ كَانَ هَذَا شِفَاءَكَ فَقَدِ اشْتَفَيْتَ فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ هَذِهِ سَجَّاعَةٌ وَ لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَ أَبُوكِ سَجَّاعاً شَاعِراً فَقَالَتْ يَا ابْنَ زِيَادٍ مَا لِلْمَرْأَةِ وَ السَّجَّاعَةَ «1» و قال ابن نما و إن لي عن السجاعة لشغلا و إني لأعجب ممن يشتفي بقتل أئمته و يعلم أنهم منتقمون منه في آخرته وَ قَالَ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَوُضِعَ الرَّأْسُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَ يَتَبَسَّمُ وَ بِيَدِهِ قَضِيبٌ يَضْرِبُ بِهِ ثَنَايَاهُ وَ كَانَ إِلَى جَانِبِهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ هُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَلَمَّا رَآهُ يَضْرِبُ بِالْقَضِيبِ ثَنَايَاهُ قَالَ ارْفَعْ قَضِيبَكَ عَنْ هَاتَيْنِ الشَّفَتَيْنِ فَوَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَقَدْ رَأَيْتُ شَفَتَيْ رَسُولِ اللَّهِ ص عَلَيْهِمَا مَا لَا أُحْصِيهِ يُقَبِّلُهُمَا ثُمَّ انْتَحَبَ بَاكِياً فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ أَ تَبْكِي لِفَتْحِ اللَّهِ وَ اللَّهِ لَوْ لَا أَنَّكَ شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ خرقت [خَرِفْتَ‏] وَ ذَهَبَ عَقْلُكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ فَنَهَضَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ صَارَ إِلَى مَنْزِلِهِ «2»
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 142 و 143.
 (2) الإرشاد ص 228، و لكن قد يقال ان زيد بن أرقم كان حينذاك أعمى: قد كف بصره بدعاء على أمير المؤمنين عليه السلام حين استشهده عن كلام رسول اللّه «من كنت مولاه فهذا على مولاه» فكتمه، كما في شرح النهج ج 1 ص 362 لابن أبي الحديد، الا انه لم يثبت، و لا نقله أرباب التراجم في ترجمته.
و لو صح لم يناف انكاره على ابن زياد بضرب القضيب على ثناياه عليه السلام، لجواز أن يكون قد أنكر على ما سمعه ممن رأى ذلك نعم قال ابن عساكر في تاريخه ج 4 ص 340 أنه كان حاضر المجلس و يؤيد ابن زياد.

116
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ رَفَعَ زَيْدٌ صَوْتَهُ يَبْكِي وَ خَرَجَ وَ هُوَ يَقُولُ مَلَكَ عَبْدٌ حُرّاً أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ الْعَبِيدُ بَعْدَ الْيَوْمِ قَتَلْتُمُ ابْنَ فَاطِمَةَ وَ أَمَّرْتُمُ ابْنَ مَرْجَانَةَ حَتَّى يَقْتُلَ خِيَارَكُمْ وَ يَسْتَعْبِدَ أَشْرَارَكُمْ رَضِيتُمْ بِالذُّلِّ فَبُعْداً لِمَنْ رَضِيَ «1» وَ قَالَ الْمُفِيدُ فَأُدْخِلَ عِيَالُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَدَخَلَتْ زَيْنَبُ أُخْتُ الْحُسَيْنِ ع فِي جُمْلَتِهِمْ مُتَنَكِّرَةً وَ عَلَيْهَا أَرْذَلُ ثِيَابِهَا وَ مَضَتْ حَتَّى جَلَسَتْ نَاحِيَةً وَ حَفَّتْ بِهَا إِمَاؤُهَا فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ مَنْ هَذِهِ الَّتِي انْحَازَتْ فَجَلَسَتْ نَاحِيَةً وَ مَعَهَا نِسَاؤُهَا فَلَمْ تُجِبْهُ زَيْنَبُ فَأَعَادَ الْقَوْلَ ثَانِيَةً وَ ثَالِثَةً يَسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَتْ لَهُ بَعْضُ إِمَائِهَا هَذِهِ- زَيْنَبُ بِنْتُ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا ابْنُ زِيَادٍ وَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ قَتَلَكُمْ وَ أَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ فَقَالَتْ زَيْنَبُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ص وَ طَهَّرَنَا مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيراً إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ إِلَى آخِرِ مَا مَرَّ «2» وَ قَالَ السَّيِّدُ وَ ابْنُ نَمَا ثُمَّ الْتَفَتَ ابْنُ زِيَادٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقِيلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقَالَ أَ لَيْسَ قَدْ قَتَلَ اللَّهُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ فَقَالَ عَلِيٌّ قَدْ كَانَ لِي أَخٌ يُسَمَّى عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ قَتَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ بَلِ اللَّهُ قَتَلَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ- اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها «3» فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ وَ لَكَ جُرْأَةٌ عَلَى جَوَابِي اذْهَبُوا بِهِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ فَسَمِعَتْ عَمَّتُهُ زَيْنَبُ فَقَالَتْ يَا ابْنَ زِيَادٍ إِنَّكَ لَمْ تُبْقِ مِنَّا أَحَداً فَإِنْ عَزَمْتَ عَلَى قَتْلِهِ فَاقْتُلْنِي مَعَهُ وَ قَالَ الْمُفِيدُ وَ ابْنُ نَمَا فَتَعَلَّقَتْ بِهِ زَيْنَبُ عَمَّتُهُ وَ قَالَتْ يَا ابْنَ زِيَادٍ حَسْبُكَ مِنْ دِمَائِنَا وَ اعْتَنَقَتْهُ وَ قَالَتْ وَ اللَّهِ لَا أُفَارِقُهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَاقْتُلْنِي مَعَهُ «4» فَنَظَرَ ابْنُ زِيَادٍ إِلَيْهَا وَ إِلَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ عَجَباً لِلرَّحِمِ وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّهَا وَدَّتْ أَنِّي قَتَلْتُهَا مَعَهُ‏
__________________________________________________
 (1) و مثله في الطبريّ ج 6 ص 262.
 (2) الإرشاد ص 228.
 (3) الزمر: 42.
 (4) الملهوف ص 144.

117
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

دَعُوهُ فَإِنِّي أَرَاهُ لِمَا بِهِ وَ قَالَ السَّيِّدُ فَقَالَ عَلِيٌّ لِعَمَّتِهِ اسْكُتِي يَا عَمَّةِ حَتَّى أُكَلِّمَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ ع فَقَالَ أَ بِالْقَتْلِ تُهَدِّدُنِي يَا ابْنَ زِيَادٍ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ الْقَتْلَ لَنَا عَادَةٌ وَ كَرَامَتَنَا الشَّهَادَةُ ثُمَّ أَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ أَهْلِهِ فَحُمِلُوا إِلَى دَارٍ إِلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ- لَا يَدْخُلَنَّ عَلَيْنَا عَرَبِيَّةٌ إِلَّا أُمُّ وَلَدٍ أَوْ مَمْلُوكَةٌ فَإِنَّهُنَّ سُبِينَ وَ قَدْ سُبِينَا وَ قَالَ ابْنُ نَمَا رُوِّيتُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ شَهِدْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَ هُوَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ عَلَى أَسْنَانِ الْحُسَيْنِ وَ يَقُولُ إِنَّهُ كَانَ حَسَنَ الثَّغْرِ فَقُلْتُ أَمَ وَ اللَّهِ لَأَسُوأَنَّكَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يُقَبِّلُ مَوْضِعَ قَضِيبِكَ مِنْ فِيهِ وَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُعَاذٍ وَ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُمَا حَضَرَا عُبَيْدَ اللَّهِ يَضْرِبُ بِقَضِيبِهِ أَنْفَ الْحُسَيْنِ وَ عَيْنَيْهِ وَ يَطْعَنُ فِي فَمِهِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ارْفَعْ قَضِيبَكَ إِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهُ وَاضِعاً شَفَتَيْهِ عَلَى مَوْضِعِ قَضِيبِكَ ثُمَّ انْتَحَبَ بَاكِياً فَقَالَ لَهُ أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ عَدُوَّ اللَّهِ لَوْ لَا أَنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ وَ ذَهَبَ عَقْلُكَ لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ فَقَالَ زَيْدٌ لَأُحَدِّثَنَّكَ حَدِيثاً هُوَ أَغْلَظُ عَلَيْكَ مِنْ هَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص أَقْعَدَ حَسَناً عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَ حُسَيْناً عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى يَافُوخِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهُمَا وَ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ كَانَ وَدِيعَتُكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص و قال و لما اجتمع عبيد الله بن زياد و عمر بن سعد- بعد قتل الحسين ع قال عبيد الله لعمر ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في معنى قتل الحسين ع و مناجزته فقال ضاع فقال لتجيئنني به أ تراك معتذرا في عجائز قريش قال عمر و الله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو استشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه فقال عثمان بن زياد أخو عبيد الله صدق و الله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا و في أنفه خزامة إلى يوم القيامة و أن حسينا لم يقتل قال عمر بن سعد و الله ما رجع أحد بشر مما رجعت أطعت عبيد الله و عصيت الله و قطعت الرحم‏

118
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ قَالَ السَّيِّدُ ثُمَّ أَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع فَطِيفَ بِهِ فِي سِكَكِ الْكُوفَةِ وَ يَحِقُّ لِي أَنْ أَتَمَثَّلَ هَاهُنَا بِأَبْيَاتٍ لِبَعْضِ ذَوِي الْعُقُولِ يَرْثِي بِهَا قَتِيلًا مِنْ آلِ الرَّسُولِ ص فَقَالَ-
          رَأْسُ ابْنِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ وَ وَصِيِّهِ-             لِلنَّاظِرِينَ عَلَى قَنَاةٍ يُرْفَعُ-
             وَ الْمُسْلِمُونَ بِمَنْظَرٍ وَ بِمَسْمَعٍ-             لَا مُنْكِرٌ مِنْهُمْ وَ لَا مُتَفَجِّعُ-
             كُحِلَتْ بِمَنْظَرِكَ الْعُيُونُ عَمَايَةً-             وَ أَصَمَّ رُزْؤُكَ كُلَّ أُذُنٍ تَسْمَعُ-
             مَا رَوْضَةٌ إِلَّا تَمَنَّتْ أَنَّهَا-             لَكَ حُفْرَةٌ وَ لِخَطِّ قَبْرِكَ مَضْجَعُ-
             أَيْقَظْتَ أَجْفَاناً وَ كُنْتَ لَهَا كَرًى-             وَ أَنَمْتَ عَيْناً لَمْ يَكُنْ بِكَ تَهْجَعُ «1»
 قَالَ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ زِيَادٍ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْهَرَ الْحَقَّ وَ أَهْلَهُ وَ نَصْرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَشْيَاعَهُ وَ قَتَلَ الْكَذَّابَ ابْنَ الْكَذَّابِ فَمَا زَادَ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ شَيْئاً حَتَّى قَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَفِيفٍ الْأَزْدِيُّ وَ كَانَ مِنْ خِيَارِ الشِّيعَةِ وَ زُهَّادِهَا وَ كَانَتْ عَيْنُهُ الْيُسْرَى ذَهَبَتْ فِي يَوْمِ الْجَمَلِ وَ الْأُخْرَى فِي يَوْمِ صِفِّينَ وَ كَانَ يُلَازِمُ الْمَسْجِدَ الْأَعْظَمَ فَيُصَلِّي فِيهِ إِلَى اللَّيْلِ فَقَالَ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ إِنَّ الْكَذَّابَ ابْنَ الْكَذَّابِ أَنْتَ وَ أَبُوكَ وَ مَنِ اسْتَعْمَلَكَ وَ أَبُوهُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَ تَقْتُلُونَ أَبْنَاءَ النَّبِيِّينَ وَ تَتَكَلَّمُونَ بِهَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَنَابِرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَغَضِبَ ابْنُ زِيَادٍ ثُمَّ قَالَ مَنْ هَذَا الْمُتَكَلِّمُ فَقَالَ أَنَا الْمُتَكَلِّمُ يَا عَدُوَّ اللَّهِ تَقْتُلُ الذُّرِّيَّةَ الطَّاهِرَةَ الَّتِي قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَا غَوْثَاهْ أَيْنَ أَوْلَادُ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ- لَا يَنْتَقِمُونَ مِنْ طَاغِيَتِكَ اللَّعِينِ ابْنِ اللَّعِينِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ فَازْدَادَ غَضَبُ ابْنِ زِيَادٍ حَتَّى انْتَفَخَتْ أَوْدَاجُهُ وَ قَالَ عَلَيَّ بِهِ فَبَادَرَ إِلَيْهِ الْجَلَاوِزَةُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِيَأْخُذُوهُ فَقَامَتِ الْأَشْرَافُ مِنَ الْأَزْدِ مِنْ بَنِي عَمِّهِ فَخَلَّصُوهُ مِنْ أَيْدِي الْجَلَاوِزَةِ وَ أَخْرَجُوهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ وَ انْطَلَقُوا بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْأَزْدِ أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ كَمَا أَعْمَى عَيْنَهُ فَأْتُونِي بِهِ‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر ص 145 بين البيتين الأخيرين تقديم و تأخير.

119
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَانْطَلَقُوا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْأَزْدَ اجْتَمَعُوا وَ اجْتَمَعَتْ مَعَهُمْ قَبَائِلُ الْيَمَنِ لِيَمْنَعُوا صَاحِبَهُمْ قَالَ وَ بَلَغَ ذَلِكَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ فَجَمَعَ قَبَائِلَ مُضَرَ وَ ضَمَّهُمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْأَشْعَثِ وَ أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ الْقَوْمِ قَالَ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيداً حَتَّى قُتِلَ بَيْنَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ وَ وَصَلَ أَصْحَابُ ابْنُ زِيَادٍ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَفِيفٍ فَكَسَرُوا الْبَابَ وَ اقْتَحَمُوا عَلَيْهِ فَصَاحَتْ ابْنَتُهُ أَتَاكَ الْقَوْمُ مِنْ حَيْثُ تَحْذَرُ فَقَالَ لَا عَلَيْكِ نَاوِلِينِي سَيْفِي فَنَاوَلَتْهُ إِيَّاهُ فَجَعَلَ يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ وَ يَقُولُ-
          أَنَا ابْنُ ذِي الْفَضْلِ عَفِيفِ الطَّاهِرِ-             عَفِيفٌ شَيْخِي وَ ابْنُ أُمِّ عَامِرِ-
             كَمْ دَارِعٍ مِنْ جَمْعِكُمْ وَ حَاسِرِ-             وَ بَطَلٍ جَدَّلْتُهُ مُغَادِرِ-
 قَالَ وَ جَعَلَتْ ابْنَتُهُ تَقُولُ يَا أَبَتِ لَيْتَنِي كُنْتُ رَجُلًا أُخَاصِمُ بَيْنَ يَدَيْكَ الْيَوْمَ هَؤُلَاءِ الْفَجَرَةَ قَاتِلِي الْعِتْرَةِ الْبَرَرَةِ قَالَ وَ جَعَلَ الْقَوْمُ يَدُورُونَ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَ هُوَ يَذُبُّ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَ كُلَّمَا جَاءُوا مِنْ جِهَةٍ قَالَتْ يَا أَبَهْ قَدْ جَاءُوكَ مِنْ جِهَةِ كَذَا حَتَّى تَكَاثَرُوا عَلَيْهِ وَ أَحَاطُوا بِهِ فَقَالَتْ بِنْتُهُ وَا ذُلَّاهْ يُحَاطُ بِأَبِي وَ لَيْسَ لَهُ نَاصِرٌ يَسْتَعِينُ بِهِ فَجَعَلَ يُدِيرُ سَيْفَهُ وَ يَقُولُ-
          أُقْسِمُ لَوْ يُفْسَحُ لِي عَنْ بَصَرِي-             ضَاقَ عَلَيْكُمْ مَوْرِدِي وَ مَصْدَرِي-
 قَالَ فَمَا زَالُوا بِهِ حَتَّى أَخَذُوهُ ثُمَّ حُمِلَ فَأُدْخِلَ عَلَى ابْنِ زِيَادٍ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْزَاكَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَفِيفٍ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَ بِمَا ذَا أَخْزَانِيَ اللَّهُ-
          وَ اللَّهِ لَوْ فُرِّجَ لِي عَنْ بَصَرِي-             ضَاقَ عَلَيْكَ مَوْرِدِي وَ مَصْدَرِي-
 فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ يَا عَدُوَّ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ يَا عَبْدَ بَنِي عِلَاجٍ يَا ابْنَ مَرْجَانَةَ وَ شَتَمَهُ مَا أَنْتَ وَ عُثْمَانَ إِنْ أَسَاءَ أَمْ أَحْسَنَ وَ أَصْلَحَ أَمْ أَفْسَدَ وَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِيُّ خَلْقِهِ يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ عُثْمَانَ بِالْعَدْلِ وَ الْحَقِّ وَ لَكِنْ سَلْنِي عَنْ أَبِيكَ وَ عَنْكَ وَ عَنْ يَزِيدَ وَ أَبِيهِ فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ وَ اللَّهِ لَا سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْ‏ءٍ أَوْ تَذُوقَ الْمَوْتَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَفِيفٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ أَمَا إِنِّي قَدْ كُنْتُ أَسْأَلُ اللَّهَ رَبِّي أَنْ يَرْزُقَنِيَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَكَ أُمُّكَ وَ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْ أَلْعَن‏

120
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

خَلْقِهِ وَ أَبْغَضِهِمْ إِلَيْهِ فَلَمَّا كُفَّ بَصَرِي يَئِسْتُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَ الْآنَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِيهَا بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهَا وَ عَرَّفَنِيَ الْإِجَابَةَ مِنْهُ فِي قَدِيمِ دُعَائِي فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ اضْرِبُوا عُنُقَهُ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَ صُلِبَ فِي السَّبَخَةِ «1» وَ قَالَ الْمُفِيدُ فَلَمَّا أَخَذَتْهُ الْجَلَاوِزَةُ نَادَى شِعَارَ الْأَزْدِ فَاجْتَمَعَ مِنْهُمْ سَبْعُمِائَةٍ فَانْتَزَعُوهُ مِنَ الْجَلَاوِزَةِ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ أَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ مَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ بَيْتِهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَ صَلَبَهُ فِي السَّبَخَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ «2» وَ قَالَ ابْنُ نَمَا ثُمَّ دَعَا جُنْدَبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيَّ وَ كَانَ شَيْخاً فَقَالَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَ لَسْتَ صَاحِبَ أَبِي تُرَابٍ قَالَ بَلَى لَا أَعْتَذِرُ مِنْهُ قَالَ مَا أَرَانِي إِلَّا مُتَقَرِّباً إِلَى اللَّهِ بِدَمِكَ قَالَ إِذَنْ لَا يُقَرِّبُكَ اللَّهُ مِنْهُ بَلْ يُبَاعِدُكَ قَالَ شَيْخٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُهُ وَ خَلَّى سَبِيلَهُ ثُمَّ قَالَ الْمُفِيدُ وَ لَمَّا أَصْبَحَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بَعَثَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع فَدِيرَ بِهِ فِي سِكَكِ الْكُوفَةِ وَ قَبَائِلِهَا فَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ مُرَّ بِهِ عَلَيَّ وَ هُوَ عَلَى رُمْحٍ وَ أَنَا فِي غُرْفَةٍ لِي فَلَمَّا حَاذَانِي سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فَقَفَّ وَ اللَّهِ شِعْرِي عَلَيَّ وَ نَادَيْتُ رَأْسُكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَعْجَبُ وَ أَعْجَبُ وَ قَالَ السَّيِّدُ وَ كَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَ خَبَرِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ كَتَبَ أَيْضاً إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَمِيرِ الْمَدِينَةِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَ قَالَ الْمُفِيدُ وَ لَمَّا أَنْفَذَ إلى ابْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع إِلَى يَزِيدَ تَقَدَّمَ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الْحَارِثِ السُّلَمِيِّ فَقَالَ انْطَلِقْ حَتَّى تَأْتِيَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِالْمَدِينَةِ فَبَشِّرْهُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي وَ سِرْتُ نَحْوَ الْمَدِينَةِ فَلَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ مَا الْخَبَرُ فَقُلْتُ الْخَبَرُ عِنْدَ الْأَمِيرِ تَسْمَعُهُ‏
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 146- 150، و المراد بالسبخة: الكناسة.
 (2) الإرشاد ص 229، و هكذا ما بعده.

121
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ قُتِلَ وَ اللَّهِ الْحُسَيْنُ فَلَمَّا دَخَلْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ مَا وَرَاكَ فَقُلْتُ مَا سَرَّ الْأَمِيرَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ اخْرُجْ فَنَادِ بِقَتْلِهِ فَنَادَيْتُ فَلَمْ أَسْمَعْ وَ اللَّهِ وَاعِيَةً قَطُّ مِثْلَ وَاعِيَةِ بَنِي هَاشِمٍ فِي دُورِهِمْ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ سَمِعُوا النِّدَاءَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ إِلَيَّ ضَاحِكاً ثُمَّ أَنْشَأَ مُتَمَثِّلًا بِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعْدِيكَرِبَ-
          عَجَّتْ نِسَاءُ بَنِي زِيَادٍ عَجَّةً-             كَعَجِيجِ نِسْوَتِنَا غَدَاةَ الْأَرْنَبِ-
 ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو هَذِهِ وَاعِيَةٌ بِوَاعِيَةِ عُثْمَانَ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَأَعْلَمَ النَّاسَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ع وَ دَعَا لِيَزِيدَ وَ نَزَلَ «1» و قال صاحب المناقب قال في خطبته إنها لدمة بلدمة و صدمة بصدمة كم خطبة بعد خطبة و موعظة بعد موعظة- حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ و الله لوددت أن رأسه في بدنه و روحه في جسده أحيانا كان يسبنا و نمدحه و يقطعنا و نصله كعادتنا و عادته و لم يكن من أمره ما كان و لكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا إلا أن ندفعه عن أنفسنا «2» فقام عبد الله بن السائب فقال لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين لبكت عليه فجبهه عمرو بن سعيد و قال نحن أحق بفاطمة منك أبوها عمنا و زوجها أخونا و ابنها ابننا لو كانت فاطمة حية لبكت عينها و حرت كبدها و ما لامت من قتله و دفعه عن نفسه ثُمَّ قَالَ الْمُفِيدُ فَدَخَلَ بَعْضُ مَوَالِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَنَعَى إِلَيْهِ ابْنَيْهِ فَاسْتَرْجَعَ فَقَالَ أَبُو السَّلَاسِلِ «3» مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ هَذَا مَا لَقِينَا مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَحَذَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِنَعْلِهِ ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ أَ لِلْحُسَيْنِ تَقُولُ هَذَا
__________________________________________________
 (1) الإرشاد ص 231 و 332، و ذكره الطبريّ في تاريخه ج 6 ص 268.
 (2) ذكره ابن أبي الحديد في شرح النهج ج 9 ص 361.
 (3) ذكر القصة الطبريّ في ج 6 ص 268 و سماه أبا اللسلاس.

122
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ اللَّهِ لَوْ شَهِدْتُهُ لَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أُفَارِقَهُ حَتَّى أُقْتَلَ مَعَهُ وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَمِمَّا يَسْخَى بِنَفْسِي عَنْهُمَا وَ يُعَزِّي عَنِ الْمُصَابِ بِهِمَا أَنَّهُمَا أُصِيبَا مَعَ أَخِي وَ ابْنِ عَمِّي مُوَاسِيَيْنِ لَهُ صَابِرَيْنِ مَعَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَزَّ عَلَيَّ مَصْرَعُ الْحُسَيْنِ إِنْ لَا أَكُنْ آسَيْتُ حُسَيْناً بِيَدِي فَقَدْ آسَاهُ وَلَدَايَ فَخَرَجَتْ أُمُّ لُقْمَانَ بِنْتُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ سَمِعَتْ نَعْيَ الْحُسَيْنِ ع حَاسِرَةً وَ مَعَهَا أَخَوَاتُهَا أُمُّ هَانِئٍ وَ أَسْمَاءُ وَ رَمْلَةُ وَ زَيْنَبُ بَنَاتُ عَقِيلٍ تَبْكِي قَتْلَاهَا بِالطَّفِّ وَ هِيَ تَقُولُ-
          مَا ذَا تَقُولُونَ إِذْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ-             مَا ذَا فَعَلْتُمْ وَ أَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ-
             بِعِتْرَتِي وَ بِأَهْلِي بَعْدَ مُفْتَقَدِي-             مِنْهُمْ أُسَارَى وَ قَتْلَى ضُرِّجُوا بِدَمِ-
             مَا كَانَ هَذَا جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ-             أَنْ تُخْلِفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي-
 فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي خَطَبَ فِيهِ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ع بِالْمَدِينَةِ سَمِعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مُنَادِياً يُنَادِي يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَ لَا يَرَوْنَ شَخْصَهُ-
          أَيُّهَا الْقَاتِلُونَ جَهْلًا حُسَيْناً-             أَبْشِرُوا بِالْعَذَابِ وَ التَّنْكِيلِ-
             كُلُّ أَهْلِ السَّمَاءِ يَدْعُو عَلَيْكُمْ-             مِنْ نَبِيٍّ وَ مُرْسَلٍ وَ قَبِيلِ «1»-
             قَدْ لُعِنْتُمْ عَلَى لِسَانِ ابْنِ دَاوُدَ-             وَ مُوسَى وَ صَاحِبِ الْإِنْجِيلِ «2»
 و قال ابن نما و روي أن يزيد بن معاوية لعنهما الله بعث بمقتل الحسين ع إلى المدينة محرز بن حريث بن مسعود الكلبي من بني عدي بن حباب و رجلا من يهرا «3» و كانا من أفاضل أهل الشام فلما قدما خرجت امرأة من بنات عبد المطلب قيل هي زينب بنت عقيل ناشرة شعرها واضعة كمها على رأسها تتلقاهم و هي تبكي-
          ما ذا تقولون إذ قال النبي لكم‏
 إلى آخر الأبيات‏
__________________________________________________
 (1) كذا، و الصحيح «و قتيل» يعنى الشهيد.
 (2) الإرشاد ص 232 و 233.
 (3) كذا في الأصل، و لعله مصحف بهراء بطن من قضاعة، و هم بنو بهراء بن عمرو ابن الحافى بن قضاعة، كانت منازلهم شمالى منازل بلى من الينبع الى عقبة أيلة.

123
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ إِذْ دَخَلَتْ صَارِخَةٌ تَصْرُخُ وَ قَالَتْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَعَلُوهَا مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ نَاراً وَ نَقَلْتُ مِنْ تَارِيخِ الْبَلاذُرِيِّ أَنَّهُ لَمَّا وَافَى رَأْسُ الْحُسَيْنِ الْمَدِينَةَ سُمِعَتِ الْوَاعِيَةُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فَقَالَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ-
          ضَرَبَتْ دَوْسَرُ فِيهِمْ ضَرْبَةً «1»-             أَثْبَتَتْ أَوْتَادَ مُلْكٍ فَاسْتَقَرَّ-
 ثُمَّ أَخَذَ يَنْكُتُ وَجْهَهُ بِقَضِيبٍ وَ يَقُولُ-
          يَا حَبَّذَا بَرْدُكَ فِي الْيَدَيْنِ-             وَ لَوْنُكَ الْأَحْمَرُ فِي الْخَدَّيْنِ-
             كَأَنَّهُ بَاتَ بِمِجْسَدَيْنِ «2»-             شَفَيْتُ مِنْكَ النَّفْسَ يَا حُسَيْنُ‏
- وَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ النَّطَنْزِيُّ فِي الْخَصَائِصِ عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ قِيلَ سُمِعَ فِي الْهَوَاءِ بِالْمَدِينَةِ قَائِلٌ-
          يَا مَنْ يَقُولُ بِفَضْلِ آلِ مُحَمَّدٍ-             بَلِّغْ رِسَالَتَنَا بِغَيْرِ تَوَانِي-
             قَتَلَتْ شِرَارُ بَنِي أُمَيَّةَ سَيِّداً-             خَيْرَ الْبَرِيَّةِ مَاجِداً ذَا شَأْنِ-
             ابْنَ الْمُفَضَّلِ فِي السَّمَاءِ وَ أَرْضِهَا-             سِبْطَ النَّبِيِّ وَ هَادِمَ الْأَوْثَانِ-
             بَكَتِ الْمَشَارِقُ وَ الْمَغَارِبُ بَعْدَ مَا-             بَكَتِ الْأَنَامُ لَهُ بِكُلِّ لِسَانِ‏
 ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَ أَمَّا يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ لَمَّا وَصَلَ كِتَابُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَ وَقَفَ عَلَيْهِ أَعَادَ الْجَوَابَ إِلَيْهِ يَأْمُرُهُ فِيهِ بِحَمْلِ رَأْسِ الْحُسَيْنِ ع وَ رُءُوسِ مَنْ قُتِلَ مَعَهُ وَ حَمْلِ أَثْقَالِهِ وَ نِسَائِهِ وَ عِيَالِهِ فَاسْتَدْعَى ابْنُ زِيَادٍ بِمُخْفِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْعَائِذِيِّ فَسَلَّمَ إِلَيْهِ الرُّءُوسَ وَ النِّسَاءَ فَسَارَ بِهِمْ إِلَى الشَّامِ كَمَا يُسَارُ سَبَايَا الْكُفَّارِ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ أَهْلُ الْأَقْطَارِ «3» وَ قَالَ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ دَفَعَ ابْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ رَأْسَ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى‏
__________________________________________________
 (1) دوسر: اسم كتيبة كانت للنعمان بن المنذر.
 (2) المجسد- كمكرم و معظم- الأحمر من الثياب أو هو المصبوغ بالزعفران، و كمبرد:
ما يلي الجسد من الثياب.
 (3) الملهوف ص 152.

124
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

زَحْرِ بْنِ قَيْسٍ وَ دَفَعَ إِلَيْهِ رُءُوسَ أَصْحَابِهِ وَ سَرَّحَهُ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَ أَنْفَذَ مَعَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ عَوْفٍ الْأَزْدِيَّ وَ طَارِقَ بْنَ أَبِي ظَبْيَانَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ حَتَّى وَرَدُوا بِهَا عَلَى يَزِيدَ بِدِمَشْقَ «1» وَ- قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي قُبَيْلٍ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع بُعِثَ بِرَأْسِهِ إِلَى يَزِيدَ فَنَزَلُوا فِي أَوَّلِ مَرْحَلَةٍ فَجَعَلُوا يَشْرَبُونَ وَ يَتَبَجَّحُونَ بِالرَّأْسِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ كَفٌّ مِنَ الْحَائِطِ مَعَهَا قَلَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَكَتَبَتْ أَسْطُراً بِدَمٍ-
          أَ تَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْناً-             شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الْحِسَابِ‏
- و قال صاحب الكامل و صاحب المناقب و ابن نما ذكر أبو مخنف أن عمر بن سعد لما دفع الرأس إلى خولي الأصبحي لعنهما الله ليحمله إلى ابن زياد عليه اللعنة أقبل به خولي ليلا فوجد باب القصر مغلقا فأتى به منزله و له امرأتان امرأة من بني أسد و أخرى حضرمية يقال لها النوار فأوى إلى فراشها فقالت له ما الخبر فقال جئتك بالذهب هذا رأس الحسين معك في الدار فقالت ويلك جاء الناس بالذهب و الفضة و جئت برأس ابن رسول الله ص و الله لا يجمع رأسي و رأسك وسادة أبدا قالت فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار و دعا الأسدية فأدخلها عليه فما زالت و الله أنظر إلى نور مثل العمود يسطع من الإجانة التي فيها رأس الحسين ع إلى السماء و رأيت طيورا بيضا ترفرف حولها و حول الرأس «2» وَ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ السَّيِّدُ وَ اللَّفْظُ لِصَاحِبِ الْمَنَاقِبِ رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ وَ غَيْرُهُ حَدِيثاً أَخَذْنَا مِنْهُ مَوْضِعَ الْحَاجَةِ قَالَ كُنْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَ مَا أَرَاكَ فَاعِلًا فَقُلْتُ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَ لَا تَقُلْ مِثْلَ هَذَا فَإِنَّ ذُنُوبَكَ لَوْ كَانَتْ مِثْلَ قَطْرِ الْأَمْطَارِ وَ وَرَقِ الْأَشْجَارِ فَاسْتَغْفَرْتَ اللَّهَ غَفَرَهَا لَكَ فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَالَ فَقَالَ لِي تَعَالَ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِقِصَّتِي فَأَتَيْتُهُ‏
__________________________________________________
 (1) الإرشاد ص 229.
 (2) ذكر مثله البلاذري في أنساب الأشراف ج 5 ص 238 و سما زوجته بالعيوف.

125
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَقَالَ اعْلَمْ أَنَّنَا كُنَّا خَمْسِينَ نَفَراً مِمَّنْ سَارَ مَعَ رَأْسِ الْحُسَيْنِ إِلَى الشَّامِ وَ كُنَّا إِذَا أَمْسَيْنَا وَضَعْنَا الرَّأْسَ فِي التَّابُوتِ وَ شَرِبْنَا الْخَمْرَ حَوْلَ التَّابُوتِ فَشَرِبَ أَصْحَابِي لَيْلَةً حَتَّى سَكِرُوا وَ لَمْ أَشْرَبْ مَعَهُمْ فَلَمَّا جَنَّ اللَّيْلُ سَمِعْتُ رَعْداً وَ رَأَيْتُ بَرْقاً فَإِذَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَدْ فُتِحَتْ وَ نَزَلَ آدَمُ وَ نُوحٌ وَ إِبْرَاهِيمُ وَ إِسْمَاعِيلُ وَ إِسْحَاقُ وَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ص وَ مَعَهُمْ جَبْرَئِيلُ وَ خَلْقٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَدَنَا جَبْرَئِيلُ مِنَ التَّابُوتِ فَأَخْرَجَ الرَّأْسَ وَ ضَمَّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَ قَبَّلَهُ ثُمَّ كَذَلِكَ فَعَلَ الْأَنْبِيَاءُ كُلُّهُمْ وَ بَكَى النَّبِيُّ ص عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ فَعَزَّاهُ الْأَنْبِيَاءُ فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنِي أَنْ أُطِيعَكَ فِي أُمَّتِكَ فَإِنْ أَمَرْتَنِي زَلْزَلْتُ بِهِمُ الْأَرْضَ وَ جَعَلْتُ عالِيَها سافِلَها* كَمَا فَعَلْتُ بِقَوْمِ لُوطٍ فَقَالَ النَّبِيُّ ص لَا يَا جَبْرَئِيلُ فَإِنَّ لَهُمْ مَعِي مَوْقِفاً بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى قَوْمٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِقَتْلِ الْخَمْسِينَ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ شَأْنَكُمْ بِهِمْ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِالْحَرَبَاتِ ثُمَّ قَصَدَنِي وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِحَرْبَتِهِ لِيَضْرِبَنِي فَقُلْتُ الْأَمَانَ الْأَمَانَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ اذْهَبْ فَلَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ أَصْحَابِي كُلَّهُمْ جَاثِمِينَ رَمَاداً «1»- ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ بِإِسْنَادِي إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَدَادِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْهُنْدُوَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ زِيَادَةٌ عِنْدَ قَوْلِهِ لِيَحْمِلَهُ إِلَى يَزِيدَ قَالَ كُلُّ مَنْ قَتَلَهُ جَفَّتْ يَدُهُ وَ فِيهِ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ بَرْقٍ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَهُ فَقِيلَ قَدْ أَقْبَلَ مُحَمَّدٌ ص فَسَمِعْتُ صَهِيلَ الْخَيْلِ وَ قَعْقَعَةَ السِّلَاحِ مَعَ جَبْرَئِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ إِسْرَافِيلَ وَ الْكَرُوبِيِّينَ وَ الرُّوحَانِيِّينَ وَ الْمُقَرَّبِينَ ع وَ فِيهِ فَشَكَا النَّبِيُّ ص إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَ النَّبِيِّينَ وَ قَالَ قَتَلُوا وَلَدِي وَ قُرَّةَ عَيْنِي وَ كُلُّهُمْ قَبَّلَ الرَّأْسَ وَ ضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَ الْبَاقِي يَقْرُبُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ أَقُولُ وَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُمْ لَمَّا قَرُبُوا مِنْ بَعْلَبَكَّ كَتَبُوا إِلَى صَاحِبِهَا فَأَمَرَ بِالرَّايَاتِ فَنُشِرَتْ وَ خَرَجَ الصِّبْيَانُ يَتَلَقَّوْنَهُمْ عَلَى نَحْوٍ مِنْ سِتَّةِ أَمْيَالٍ فَقَالَتْ‏
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 152- 154.

126
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أُمُّ كُلْثُومٍ أَبَادَ اللَّهُ كَثْرَتَكُمْ وَ سَلَّطَ عَلَيْكُمْ مَنْ يَقْتُلُكُمْ ثُمَّ بَكَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع وَ قَالَ-
          وَ هُوَ الزَّمَانُ فَلَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ-             مِنَ الْكِرَامِ وَ مَا تُهْدَى مَصَائِبُهُ-
             فَلَيْتَ شَعْرِي إِلَى كَمْ ذَا تُجَاذِبُنَا-             فُنُونُهُ وَ تَرَانَا لَمْ نُجَاذِبْهُ-
             يُسْرَى بِنَا فَوْقَ أَقْتَابٍ بِلَا وِطَاءٍ-             وَ سَابِقُ الْعِيسِ يَحْمِي عَنْهُ غَارِبُهُ-
             كَأَنَّنَا مِنْ أُسَارَى الرُّومِ بَيْنَهُمْ-             كَأَنَّ مَا قَالَهُ الْمُخْتَارُ كَاذِبُهُ-
             كَفَرْتُمُ بِرَسُولِ اللَّهِ وَيْحَكُمْ-             فَكُنْتُمْ مِثْلَ مَنْ ضَلَّتْ مَذَاهِبُهُ‏
 ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ ره وَ سَارَ الْقَوْمُ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع وَ نِسَائِهِ وَ الْأَسْرَى مِنْ رِجَالِهِ فَلَمَّا قَرُبُوا مِنْ دِمَشْقَ دَنَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ مِنْ شِمْرٍ وَ كَانَ فِي جُمْلَتِهِمْ فَقَالَتْ لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَقَالَ مَا حَاجَتُكِ فَقَالَتْ إِذَا دَخَلْتَ بِنَا الْبَلَدَ فَاحْمِلْنَا فِي دَرْبٍ قَلِيلِ النَّظَّارَةِ وَ تَقَدَّمْ إِلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا هَذِهِ الرُّءُوسَ مِنْ بَيْنِ الْمَحَامِلِ وَ يُنَحُّونَا عَنْهَا فَقَدْ خُزِينَا مِنْ كَثْرَةِ النَّظَرِ إِلَيْنَا وَ نَحْنُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَأَمَرَ فِي جَوَابِ سُؤَالِهَا أَنْ يُجْعَلَ الرُّءُوسُ عَلَى الرِّمَاحِ فِي أَوْسَاطِ الْمَحَامِلِ بَغْياً مِنْهُ وَ كُفْراً وَ سَلَكَ بِهِمْ بَيْنَ النَّظَّارَةِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ حَتَّى أَتَى بِهِمْ بَابَ دِمَشْقَ فَوَقَفُوا عَلَى دَرَجِ بَابِ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ حَيْثُ يُقَامُ السَّبْيُ «1»- وَ رَوَى صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدٍ عَنْ آبَائِهِ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَتَّى تَوَسَّطْتُ الشَّامَ فَإِذَا أَنَا بِمَدِينَةٍ مُطَّرَدَةِ الْأَنْهَارِ كَثِيرَةِ الْأَشْجَارِ قَدْ عَلَّقُوا السُّتُورَ وَ الْحُجُبَ وَ الدِّيبَاجَ وَ هُمْ فَرِحُونَ مُسْتَبْشِرُونَ وَ عِنْدَهُمْ نِسَاءٌ يَلْعَبْنَ بِالدُّفُوفِ وَ الطُّبُولِ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي لَا نَرَى لِأَهْلِ الشَّامِ عِيداً لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ فَرَأَيْتُ قَوْماً يَتَحَدَّثُونَ فَقُلْتُ يَا قَوْمُ لَكُمْ بِالشَّامِ عِيدٌ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ قَالُوا يَا شَيْخُ نَرَاكَ أَعْرَابِيّاً فَقُلْتُ أَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ قَدْ رَأَيْتُ مُحَمَّداً ص قَالُوا يَا سَهْلُ مَا أَعْجَبَكَ السَّمَاءُ- لَا تَمْطُرُ دَماً وَ الْأَرْضُ لَا تَنْخَسِفُ بِأَهْلِهَا قُلْتُ وَ لِمَ ذَاكَ قَالُوا هَذَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع عِتْرَةِ مُحَمَّدٍ ص يُهْدَى مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ فَقُلْتُ وَا عَجَبَاهْ يُهْدَى رَأْسُ‏
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 155 و 156.

127
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الْحُسَيْنِ وَ النَّاسُ يَفْرَحُونَ قُلْتُ مِنْ أَيِّ بَابٍ يُدْخَلُ فَأَشَارُوا إِلَى بَابٍ يُقَالُ لَهُ بَابُ سَاعَاتٍ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ حَتَّى رَأَيْتُ الرَّايَاتِ يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضاً فَإِذَا نَحْنُ بِفَارِسٍ بِيَدِهِ لِوَاءٌ مَنْزُوعُ السِّنَانِ عَلَيْهِ رَأْسٌ مِنْ أَشْبَهِ النَّاسِ وَجْهاً بِرَسُولِ اللَّهِ ص فَإِذَا أَنَا مِنْ وَرَائِهِ رَأَيْتُ نِسْوَةً عَلَى جِمَالٍ بِغَيْرِ وِطَاءٍ فَدَنَوْتُ مِنْ أُولَاهُمْ فَقُلْتُ يَا جَارِيَةُ مَنْ أَنْتِ فَقَالَتْ أَنَا سُكَيْنَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ فَقُلْتُ لَهَا أَ لَكِ حَاجَةٌ إِلَيَّ فَأَنَا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ مِمَّنْ رَأَى جَدَّكِ وَ سَمِعْتُ حَدِيثَهُ قَالَتْ يَا سَعْدُ قُلْ لِصَاحِبِ هَذَا الرَّأْسِ أَنْ يُقَدِّمَ الرَّأْسَ أَمَامَنَا حَتَّى يَشْتَغِلَ النَّاسُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَ لَا يَنْظُرُوا إِلَى حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ ص قَالَ سَهْلٌ فَدَنَوْتُ مِنْ صَاحِبِ الرَّأْسِ فَقُلْتُ لَهُ هَلْ لَكَ أَنْ تَقْضِيَ حَاجَتِي وَ تَأْخُذَ مِنِّي أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ مَا هِيَ قُلْتُ تُقَدِّمُ الرَّأْسَ أَمَامَ الْحَرَمِ فَفَعَلَ ذَلِكَ فَدَفَعْتُ إِلَيْهِ مَا وَعَدْتُهُ وَ وَضَعَ الرَّأْسَ فِي حُقَّةٍ وَ دَخَلُوا عَلَى يَزِيدَ فَدَخَلْتُ مَعَهُمْ وَ كَانَ يَزِيدُ جَالِساً عَلَى السَّرِيرِ وَ عَلَى رَأْسِهِ تَاجٌ مُكَلَّلٌ بِالدُّرِّ وَ الْيَاقُوتِ وَ حَوْلَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ قُرَيْشٍ فَلَمَّا دَخَلَ صَاحِبُ الرَّأْسِ وَ هُوَ يَقُولُ-
          أَوْقِرْ رِكَابِي فِضَّةً وَ ذَهَباً-             أَنَا قَتَلْتُ السَّيِّدَ الْمُحَجَّبَا-
             قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمّاً وَ أَباً-             وَ خَيْرَهُمْ إِذْ يَنْسُبُونَ النَّسَبَا-
 قَالَ لَوْ عَلِمْتَ أَنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ لِمَ قَتَلْتَهُ قَالَ رَجَوْتُ الْجَائِزَةَ مِنْكَ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَجَزَّ رَأْسَهُ وَ وَضَعَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ ع عَلَى طَبَقٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ هُوَ يَقُولُ كَيْفَ رَأَيْتَ يَا حُسَيْنُ ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ فَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ فُضَلَاءِ التَّابِعِينَ لَمَّا شَهِدَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ بِالشَّامِ أَخْفَى نَفْسَهُ شَهْراً مِنْ جَمِيعِ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا وَجَدُوهُ بَعْدَ إِذْ فَقَدُوهُ سَأَلُوهُ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَقَالَ أَ لَا تَرَوْنَ مَا نَزَلَ بِنَا ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ-

128
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

         جَاءُوا بِرَأْسِكَ يَا ابْنَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ-             قَتَلُوا جِهَاراً عَامِدِينَ رَسُولًا-
             قَتَلُوكَ عَطْشَاناً وَ لَمَّا يَرْقُبُوا-             فِي قَتْلِكَ التَّأْوِيلَ وَ التَّنْزِيلَا-
             وَ يُكَبِّرُونَ بِأَنْ قُتِلْتَ وَ إِنَّمَا-             قَتَلُوا بِكَ التَّكْبِيرَ وَ التَّهْلِيلَا
 قَالَ وَ جَاءَ شَيْخٌ فَدَنَا مِنْ نِسَاءِ الْحُسَيْنِ وَ عِيَالِهِ وَ هُمْ أُقِيمُوا عَلَى دَرَجِ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَكُمْ وَ أَهْلَكَكُمْ وَ أَرَاحَ الْبِلَادَ مِنْ رِجَالِكُمْ وَ أَمْكَنَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْكُمْ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَا شَيْخُ هَلْ قَرَأْتَ الْقُرْآنَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ عَرَفْتَ هَذِهِ الْآيَةَ- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ «1» قَالَ الشَّيْخُ قَدْ قَرَأْتُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ فَنَحْنُ الْقُرْبَى يَا شَيْخُ فَهَلْ قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‏ «2» قَالَ نَعَمْ قَالَ عَلِيٌّ فَنَحْنُ الْقُرْبَى يَا شَيْخُ وَ هَلْ قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «3» قَالَ الشَّيْخُ قَدْ قَرَأْتُ ذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ فَنَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ الَّذِينَ خُصِّصْنَا بِآيَةِ الطَّهَارَةِ يَا شَيْخُ قَالَ فَبَقِيَ الشَّيْخُ سَاكِتاً نَادِماً عَلَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ وَ قَالَ بِاللَّهِ إِنَّكُمْ هُمْ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ تَاللَّهِ إِنَّا لَنَحْنُ هُمْ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَ حَقِّ جَدِّنَا رَسُولِ اللَّهِ إِنَّا لَنَحْنُ هُمْ فَبَكَى الشَّيْخُ وَ رَمَى عِمَامَتَهُ وَ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ عَدُوِّ آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ جِنٍّ وَ إِنْسٍ ثُمَّ قَالَ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ إِنْ تُبْتَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَ أَنْتَ مَعَنَا فَقَالَ أَنَا تَائِبٌ فَبَلَغَ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حَدِيثُ الشَّيْخِ فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ «4»- وَ قَالَ الْمُفِيدُ وَ ابْنُ نَمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعَةَ الْحِمْيَرِيُّ قَالَ: إِنِّي لَعِنْدَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِدِمَشْقَ إِذْ أَقْبَلَ زَحْرُ بْنُ قَيْسٍ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ وَيْلَكَ مَا وَرَاكَ وَ مَا عِنْدَكَ قَالَ أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِفَتْحِ اللَّهِ وَ نَصْرِهِ وَرَدَ عَلَيْنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ سِتِّينَ مِنْ شِيعَتِهِ فَسِرْنَا إِلَيْهِمْ فَسَأَلْنَاهُمْ أَنْ‏
__________________________________________________
 (1) الشورى: 33.
 (2) الأنفال: 41.
 (3) الأحزاب: 33.
 (4) الملهوف ص 156- 158.

129
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

يَسْتَسْلِمُوا أَوْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ الْأَمِيرِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَوِ الْقِتَالِ فَاخْتَارُوا الْقِتَالَ عَلَى الِاسْتِسْلَامِ فَعَدَوْنَا عَلَيْهِمْ مَعَ شُرُوقِ الشَّمْسِ فَأَحَطْنَا بِهِمْ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ السُّيُوفُ مَأْخَذَهَا مِنْ هَامِ الْقَوْمِ جَعَلُوا يَهْرُبُونَ إِلَى غَيْرِ وَزَرٍ وَ يَلُوذُونَ مِنَّا بِالَآكَامِ وَ الْحُفَرِ لِوَاذاً كَمَا لَاذَ الْحَمَامُ مِنَ الصَّقْرِ فَوَ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ إِلَّا جَزْرَ جَزُورٍ أَوْ نَوْمَةَ قَائِلٍ حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى آخِرِهِمْ فَهَاتِيكَ أَجْسَادُهُمْ مُجَرَّدَةً وَ ثِيَابُهُمْ مُرَمَّلَةً وَ خُدُودُهُمْ مُعَفَّرَةً تَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ وَ تَسْفِي عَلَيْهِمُ الرِّيحُ زُوَّارُهُمُ الرَّخَمُ وَ الْعِقْبَانُ «1» فَأَطْرَقَ يَزِيدُ هُنَيْئَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ قَالَ قَدْ كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَتِكُمْ بِدُونِ قَتْلِ الْحُسَيْنِ أَمَا لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ لَعَفَوْتُ عَنْهُ ثُمَّ إِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ بَعْدَ إِنْفَاذِهِ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع أَمَرَ فِتْيَانَهُ وَ صِبْيَانَهُ وَ نِسَاءَهُ فَجُهِّزُوا وَ أَمَرَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَغُلَّ بِغُلٍّ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ سَرَّحَ بِهِمْ فِي أَثَرِ الرُّءُوسِ مَعَ مُخْفِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْعَائِذِيِّ وَ شِمْرِ بْنِ ذِي الْجَوْشَنِ فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى لَحِقُوا بِالْقَوْمِ الَّذِينَ مَعَهُمُ الرَّأْسُ وَ لَمْ يَكُنْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يُكَلِّمُ أَحَداً مِنَ الْقَوْمِ فِي الطَّرِيقِ كَلِمَةً وَاحِدَةً حَتَّى بَلَغُوا فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَابِ يَزِيدَ رَفَعَ مُخْفِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ صَوْتَهُ فَقَالَ هَذَا مُخْفِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْفَجَرَةِ اللِّئَامِ فَأَجَابَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَا وَلَدَتْ أُمُّ مُخْفِرٍ أَشَرُّ وَ أَلْأَمُ «2» وَ زَادَ فِي الْمَنَاقِبِ وَ لَكِنْ قَبَّحَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ قَالَ فِي الْمَنَاقِبِ وَ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَكَمِ قَاعِداً فِي مَجْلِسِ يَزِيدَ فَقَالَ-
          لَهَامٌ بِجَنْبِ الطَّفِّ أَدْنَى قَرَابَةً-             مِنِ ابْنِ زِيَادِ الْعَبْدِ ذِي النَّسَبِ الْوَغْلِ-
             سُمَيَّةُ أَمْسَى نَسْلُهَا عَدَدَ الْحَصَا-             وَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَتْ بِذِي نَسْلِ-
__________________________________________________
 (1) الرخم: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة، و العقبان جمع عقاب- بالضم- طائر من الجوارح تسميها العرب بالكاسر.
 (2) الإرشاد ص 229 و 230.

130
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَالَ يَزِيدُ نَعَمْ فَلَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ إِذْ أَقْدَمَ عَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ فَاطِمَةَ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ لَمَا سَأَلَنِي خَصْلَةً إِلَّا أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا وَ لَدَفَعْتُ عَنْهُ الْحَتْفَ بِكُلِّ مَا اسْتَطَعْتُ وَ لَوْ بِهَلَاكِ بَعْضِ وُلْدِي وَ لَكِنْ قَضَى اللَّهُ أَمْراً فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَرَدٌّ وَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ يَزِيدَ أَسَرَّ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَ مَا يَسَعُكَ السُّكُوتُ وَ قَالَ الْمُفِيدُ وَ لَمَّا وُضِعَتِ الرُّءُوسُ بَيْنَ يَدِي يَزِيدَ وَ فِيهَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع قَالَ يَزِيدُ-
          نُفَلِّقُ هَاماً مِنْ أُنَاسٍ أَعِزَّةٍ-             عَلَيْنَا وَ هُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَ أَظْلَمَا- «1»
 فَقَالَ يَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ مَا مَرَّ ذِكْرُهُ فَضَرَبَ يَزِيدُ عَلَى صَدْرِ يَحْيَى يَدَهُ وَ قَالَ اسْكُتْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ مَجْلِسِهِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا كَانَ يَفْخَرُ عَلَيَّ وَ يَقُولُ- أَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِ يَزِيدَ وَ أُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّهِ وَ جَدِّي خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ وَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فَهَذَا الَّذِي قَتَلَهُ فَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّ أَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِ يَزِيدَ فَلَقَدْ حَاجَّ أَبِي أَبَاهُ فَقَضَى اللَّهُ لِأَبِي عَلَى أَبِيهِ وَ أَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّ أُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّ يَزِيدَ فَلَعَمْرِي لَقَدْ صَدَقَ إِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أُمِّي وَ أَمَّا قَوْلُهُ جَدِّي خَيْرٌ مِنْ جَدِّهِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يَقُولُ بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ مُحَمَّدٍ وَ أَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنِّي فَلَعَلَّهُ لَمْ يَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ وَ- قَالَ ابْنُ نَمَا نَقَلْتُ مِنْ تَارِيخِ دِمَشْقَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُرَشِيِّ قَالَ أَنَا عِنْدَ يَزِيدَ إِذْ سَمِعْتُ صَوْتَ مُخْفِرٍ يَقُولُ هَذَا مُخْفِرُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللِّئَامِ الْفَجَرَةِ فَأَجَابَهُ يَزِيدُ مَا وَلَدَتْ أُمُّ مُخْفِرٍ أَشَرُّ وَ أَلْأَمُ وَ قَالَ السَّيِّدُ ثُمَّ أُدْخِلَ ثَقَلُ الْحُسَيْنِ ع وَ نِسَاؤُهُ وَ مَنْ تَخَلَّفَ مِنْ أَهْلِهِ عَلَى يَزِيدَ وَ هُمْ مُقَرَّنُونَ فِي الْحِبَالِ فَلَمَّا وَقَفُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ قَالَ لَهُ عَلِيُ‏
__________________________________________________
 (1) نسبه في الطبريّ ج 6 ص 267 الى الحصين بن الحمام المرى و قبله:
         صبرنا و كان الصبر منا عزيمة             و أسيافنا يقطعن هاما و معصما
          أبى قومنا أن ينصفونا فأنصفت             قواضب في أيماننا تقطر الدما.

 

131
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

بْنُ الْحُسَيْنِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا يَزِيدُ مَا ظَنُّكَ بِرَسُولِ اللَّهِ لَوْ رَآنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَأَمَرَ يَزِيدُ بِالْحِبَالِ فَقُطِّعَتْ ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ ع بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَجْلَسَ النِّسَاءَ خَلْفَهُ لِئَلَّا يَنْظُرْنَ إِلَيْهِ فَرَآهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَلَمْ يَأْكُلِ الرُّءُوسَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَداً «1»- وَ قَالَ ابْنُ نَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع أُدْخِلْنَا عَلَى يَزِيدَ وَ نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مُغَلَّلُونَ فَلَمَّا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا يَزِيدُ مَا ظَنُّكَ بِرَسُولِ اللَّهِ لَوْ رَآنَا عَلَى هَذِهِ الْحَالِ وَ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ يَا يَزِيدُ بَنَاتُ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا فَبَكَى النَّاسُ وَ بَكَى أَهْلُ دَارِهِ حَتَّى عَلَتِ الْأَصْوَاتُ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَقُلْتُ وَ أَنَا مَغْلُولٌ أَ تَأْذَنُ لِي فِي الْكَلَامِ فَقَالَ قُلْ وَ لَا تَقُلْ هُجْراً فَقَالَ لَقَدْ وَقَفْتُ مَوْقِفاً لَا يَنْبَغِي لِمِثْلِي أَنْ يَقُولَ الْهُجْرَ مَا ظَنُّكَ بِرَسُولِ اللَّهِ لَوْ رَآنِي فِي الْغُلِّ فَقَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ حُلُّوهُ حَدَّثَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ لَمَّا أُتِيَ يَزِيدُ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ لَوْ كَانَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ ابْنِ مَرْجَانَةَ قَرَابَةٌ لَأَعْطَاكَ مَا سَأَلْتَ ثُمَّ أَنْشَدَ يَزِيدُ-
          نُفَلِّقُ هَاماً مِنْ رِجَالٍ أَعِزَّةٍ-             عَلَيْنَا وَ هُمْ كَانُوا أَعَقَّ وَ أَظْلَمَا-
 قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «2» ثُمَّ قَالُوا وَ أَمَّا زَيْنَبُ فَإِنَّهَا لَمَّا رَأَتْهُ أَهْوَتْ إِلَى جَيْبِهَا فَشَقَّتْهُ ثُمَّ نَادَتْ بِصَوْتٍ حَزِينٍ تُفْزِعُ الْقُلُوبَ يَا حُسَيْنَاهْ يَا حَبِيبَ رَسُولِ اللَّهِ يَا ابْنَ مَكَّةَ وَ مِنَى يَا ابْنَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ سَيِّدَةَ النِّسَاءِ يَا ابْنَ بِنْتِ الْمُصْطَفَى قَالَ فَأَبْكَتْ وَ اللَّهِ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ وَ يَزِيدُ سَاكِتٌ ثُمَّ جَعَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فِي دَارِ يَزِيدَ تَنْدُبُ عَلَى الْحُسَيْنِ ع وَ تُنَادِي وَا حَبِيبَاهْ يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتَاهْ يَا ابْنَ مُحَمَّدَاهْ يَا رَبِيعَ الْأَرَامِلِ وَ الْيَتَامَى يَا قَتِيلَ أَوْلَادِ الْأَدْعِيَاءِ قَالَ فَأَبْكَتْ كُلَّ مَنْ سَمِعَهَا ثُمَّ دَعَا يَزِيدُ بِقَضِيبِ خَيْزُرَانٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِهِ ثَنَايَا الْحُسَيْنِ ع فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ‏
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 158 و 159.
 (2) الحديد: 22.

132
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَ قَالَ وَيْحَكَ يَا يَزِيدُ أَ تَنْكُتُ بِقَضِيبِكَ ثَغْرَ الْحُسَيْنِ بْنِ فَاطِمَةَ أَشْهَدُ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَرْشُفُ ثَنَايَاهُ وَ ثَنَايَا أَخِيهِ الْحَسَنِ وَ يَقُولُ أَنْتُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَتَلَ اللَّهُ قَاتِلَكُمَا وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً قَالَ فَغَضِبَ يَزِيدُ وَ أَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ فَأُخْرِجَ سَحْباً قَالَ فَجَعَلَ يَزِيدُ يَتَمَثَّلُ بِأَبْيَاتِ ابْنِ الزِّبَعْرَي شِعْرٌ-
          لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا-             جَزِعَ الْخَزْرَجُ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ «1»-
             فَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً-             ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلَ‏
 أَقُولُ وَ زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ‏
          لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ             مِنْ بَنِي أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلَ‏
 وَ فِي الْمَنَاقِبِ‏
          لَسْتُ مِنْ عُتْبَةَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ‏
 قَالَ السَّيِّدُ وَ غَيْرُهُ فَقَامَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع فَقَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَ آلِهِ أَجْمَعِينَ صَدَقَ اللَّهُ كَذَلِكَ يَقُولُ- ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ أَ ظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَ آفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَارَى أَنَّ بِنَا عَلَى اللَّهِ هَوَاناً وَ بِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً وَ أَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عِنْدَهُ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَ نَظَرْتَ فِي عِطْفِكَ جَذْلَانَ مَسْرُوراً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَ الْأُمُورَ مُتَّسِقَةً وَ حِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَ سُلْطَانُنَا مَهْلًا مَهْلًا أَ نَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ «2»
__________________________________________________
 (1) هذا البيت لعبد اللّه بن الزبعرى في يوم احد، و انما استشهد به يزيد هناك أوله:
         يا غراب البين أسمعت فقل             انما تنطق شيئا قد فعل‏
 و بعده‏
          حين حكت بقباء بركها             و استحر القتل في عبد الاشل‏
 و ما ذكره بعد ذلك فهو ليزيد أنشدها مضمنا لابيات ابن الزبعرى و سيجي‏ء لذلك توفية بحث.
 (2) آل عمران: 178.

133
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أَ مِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَ إِمَاءَكَ وَ سَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَ أَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ تَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَ يَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاهِلِ وَ الْمَنَاقِلِ وَ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ وَ الدَّنِيُّ وَ الشَّرِيفُ لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَ لَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيٌّ وَ كَيْفَ يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الْأَزْكِيَاءِ وَ نَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ الشُّهَدَاءِ وَ كَيْفَ يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْنَا بِالشَّنَفِ وَ الشَّنَآنِ وَ الْإِحَنِ وَ الْأَضْغَانِ ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَ لَا مُسْتَعْظِمٍ-
          وَ أَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً-             ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلُ‏
 مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ وَ كَيْفَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَ قَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ وَ اسْتَأْصَلْتَ الشَّافَةَ بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ نُجُومِ الْأَرْضِ مِنْ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ تَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ زَعَمْتَ أَنَّكَ تُنَادِيهِمْ فَلَتَرِدَنَّ وَشِيكاً مَوْرِدَهُمْ وَ لَتَوَدَّنَّ أَنَّكَ شَلَلْتَ وَ بَكِمْتَ وَ لَمْ يَكُنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا وَ انْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا وَ أَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَ قَتَلَ حُمَاتَنَا فَوَ اللَّهِ مَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ وَ لَا جَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ وَ لَتَرِدَنَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ سَفْكِ دِمَاءِ ذُرِّيَّتِهِ وَ انْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ فِي عِتْرَتِهِ وَ لُحْمَتِهِ حَيْثُ يَجْمَعُ اللَّهُ شَمْلَهُمْ وَ يَلُمُّ شَعَثَهُمْ وَ يَأْخُذُ بِحَقِّهِمْ- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ حَسْبُكَ بِاللَّهِ حَاكِماً وَ بِمُحَمَّدٍ خَصِيماً وَ بِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً وَ سَيَعْلَمُ مَنْ سَوَّى لَكَ وَ مَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَ أَيُّكُمْ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً- وَ لَئِنْ جَرَّتْ عَلَيَّ الدَّوَاهِي مُخَاطَبَتَكَ إِنِّي لَأَسْتَصْغِرُ قَدْرَكَ وَ أَسْتَعْظِمُ تَقْرِيعَكَ وَ أَسْتَكْبِرُ تَوْبِيخَكَ لَكِنَّ الْعُيُونَ عَبْرَى وَ الصُّدُورَ حَرَّى أَلَا فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ حِزْبِ اللَّهِ النُّجَبَاءِ بِحِزْبِ الشَّيْطَانِ الطُّلَقَاءِ فَهَذِهِ الْأَيْدِي تَنْطِفُ مِن‏

134
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

دِمَائِنَا وَ الْأَفْوَاهُ تَتَحَلَّبُ مِنْ لُحُومِنَا وَ تِلْكَ الْجُثَثُ الطَّوَاهِرُ الزَّوَاكِي تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ وَ تَعْفُوهَا أُمَّهَاتُ الْفَرَاعِلِ وَ لَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً لَتَجِدُنَا وَشِيكاً مَغْرَماً حِينَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمْتَ وَ ما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى وَ عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ فَكِدْ كَيْدَكَ وَ اسْعَ سَعْيَكَ وَ نَاصِبْ جُهْدَكَ فَوَ اللَّهِ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَ لَا تُمِيتُ وَحْيَنَا وَ لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَ لَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارَهَا وَ هَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَ أَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَ جَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ- أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَتَمَ لِأَوَّلِنَا بِالسَّعَادَةِ وَ لِآخِرِنَا بِالشَّهَادَةِ وَ الرَّحْمَةِ وَ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَ يُوجِبَ لَهُمُ الْمَزِيدَ وَ يُحْسِنَ عَلَيْنَا الْخِلَافَةَ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَ يَزِيدُ-
          يَا صَيْحَةً تُحْمَدُ مِنْ صَوَائِحِ-             مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَى النَّوَائِحِ‏
 قَالَ ثُمَّ اسْتَشَارَ أَهْلَ الشَّامِ فِيمَا يَصْنَعُ بِهِمْ فَقَالُوا لَا تَتَّخِذْ مِنْ كَلْبِ سَوْءٍ جَرْواً فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ انْظُرْ مَا كَانَ الرَّسُولُ يَصْنَعُهُ بِهِمْ فَاصْنَعْهُ بِهِمْ «1» وَ قَالَ الْمُفِيدُ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ يَا ابْنَ حُسَيْنٍ أَبُوكَ قَطَعَ رَحِمِي وَ جَهِلَ حَقِّي وَ نَازَعَنِي سُلْطَانِي فَصَنَعَ اللَّهُ بِهِ مَا قَدْ رَأَيْتَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ «2» فَقَالَ يَزِيدُ لِابْنِهِ خَالِدٍ ارْدُدْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَدْرِ خَالِدٌ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ قُلْ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ «3» وَ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَا ابْنَ مُعَاوِيَةَ وَ هِنْدٍ وَ صَخْرٍ لَمْ تَزَلِ النُّبُوَّةُ وَ الْإِمْرَةُ لِآبَائِي وَ أَجْدَادِي مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ وَ لَقَدْ كَانَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَ أُحُدٍ وَ الْأَحْزَابِ فِي يَدِهِ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ أَبُوكَ‏
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 161- 166.
 (2) الحديد: 22.
 (3) الشورى: 30. راجع الإرشاد ص 230.

135
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ جَدُّكَ فِي أَيْدِيهِمَا رَايَاتُ الْكُفَّارِ ثُمَّ جَعَلَ عَلَيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يَقُولُ-
          مَا ذَا تَقُولُونَ إِذْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ-             مَا ذَا فَعَلْتُمْ وَ أَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ-
             بِعِتْرَتِي وَ بِأَهْلِي عِنْدَ مُفْتَقَدِي-             مِنْهُمْ أُسَارَى وَ مِنْهُمْ ضُرِّجُوا بِدَمٍ-
 ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَيْلَكَ يَا يَزِيدُ إِنَّكَ لَوْ تَدْرِي مَا ذَا صَنَعْتَ وَ مَا الَّذِي ارْتَكَبْتَ مِنْ أَبِي وَ أَهْلِ بَيْتِي وَ أَخِي وَ عُمُومَتِي إِذاً لَهَرَبْتَ فِي الْجِبَالِ وَ افْتَرَشْتَ الرَّمَادَ وَ دَعَوْتَ بِالْوَيْلِ وَ الثُّبُورِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ أَبِي الْحُسَيْنِ ابْنِ فَاطِمَةَ وَ عَلِيٍّ مَنْصُوباً عَلَى بَابِ مَدِينَتِكُمْ وَ هُوَ وَدِيعَةُ رَسُولِ اللَّهِ فِيكُمْ فَأَبْشِرْ بِالْخِزْيِ وَ النَّدَامَةِ غَداً إِذَا جُمِعَ النَّاسُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ قَالَ الْمُفِيدُ ثُمَّ دَعَا بِالنِّسَاءِ وَ الصِّبْيَانِ فَأُجْلِسُوا بَيْنَ يَدَيْهِ فَرَأَى هَيْئَةً قَبِيحَةً فَقَالَ قَبَّحَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ لَوْ كَانَتْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ قَرَابَةٌ وَ رَحِمٌ مَا فَعَلَ هَذَا بِكُمْ وَ لَا بَعَثَ بِكُمْ عَلَى هَذَا فَقَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ وَ لَمَّا جَلَسْنَا بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ رَقَّ لَنَا فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَحْمَرُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَبْ لِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ يَعْنِينِي وَ كُنْتُ جَارِيَةً وَضِيئَةً فَأُرْعِدْتُ وَ ظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ فَأَخَذْتُ بِثِيَابِ عَمَّتِي زَيْنَبَ وَ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ وَ فِي رِوَايَةِ السَّيِّدِ قُلْتُ أُوتِمْتُ وَ أُسْتَخْدَمُ فَقَالَتْ عَمَّتِي لِلشَّامِيِّ كَذَبْتَ وَ اللَّهِ وَ لَوْ مِتُّ وَ اللَّهِ مَا ذَلِكَ لَكَ وَ لَا لَهُ فَغَضِبَ يَزِيدُ وَ قَالَ كَذَبْتِ وَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لِي وَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَفْعَلَ لَفَعَلْتُ قَالَتْ كَلَّا وَ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا وَ تَدِينَ بِغَيْرِهَا فَاسْتَطَارَ يَزِيدُ غَضَباً وَ قَالَ إِيَّايَ تَسْتَقْبِلِينَ بِهَذَا إِنَّمَا خَرَجَ مِنَ الدِّينِ أَبُوكِ وَ أَخُوكِ قَالَتْ زَيْنَبُ بِدِينِ اللَّهِ وَ دِيْنِ أَبِي وَ دِيْنِ أَخِي اهْتَدَيْتَ أَنْتَ وَ أَبُوكَ وَ جَدُّكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِماً قَالَ كَذَبْتِ يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ قَالَتْ لَهُ أَنْتَ أَمِيرٌ تَشْتِمُ ظَالِماً وَ تَقْهَرُ لِسُلْطَانِكَ فَكَأَنَّهُ اسْتَحْيَا وَ سَكَتَ وَ عَادَ الشَّامِيُّ فَقَالَ هَبْ لِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ اعْزُبْ وَهَبَ اللَّهُ لَكَ حَتْفاً قَاضِياً «1»
__________________________________________________
 (1) كتاب الإرشاد ص 231.

136
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ قَالَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ لِلشَّامِيِّ اسْكُتْ يَا لُكَعَ الرِّجَالِ قَطَعَ اللَّهُ لِسَانَكَ وَ أَعْمَى عَيْنَيْكَ وَ أَيْبَسَ يَدَيْكَ وَ جَعَلَ النَّارَ مَثْوَاكَ إِنَّ أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَكُونُونَ خَدَمَةً لِأَوْلَادِ الْأَدْعِيَاءِ قَالَ فَوَ اللَّهِ مَا اسْتَتَمَّ كَلَامُهَا حَتَّى أَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهَا فِي ذَلِكَ الرَّجُلِ فَقَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَجَّلَ لَكَ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ فَهَذَا جَزَاءُ مَنْ يَتَعَرَّضُ لِحَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ فِي رِوَايَةِ السَّيِّدِ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ الشَّامِيُّ مَنْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ فَقَالَ يَزِيدُ هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ وَ تِلْكَ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ الشَّامِيُّ الْحُسَيْنُ ابْنُ فَاطِمَةَ وَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ الشَّامِيُّ لَعَنَكَ اللَّهُ يَا يَزِيدُ تَقْتُلُ عِتْرَةَ نَبِيِّكَ وَ تَسْبِي ذُرِّيَّتَهُ وَ اللَّهِ مَا تَوَهَّمْتُ إِلَّا أَنَّهُمْ سَبْيُ الرُّومِ فَقَالَ يَزِيدُ وَ اللَّهِ لَأُلْحِقَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ قَالَ السَّيِّدُ وَ دَعَا يَزِيدُ الْخَاطِبَ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ فَيَذُمَّ الْحُسَيْنَ وَ أَبَاهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَصَعِدَ وَ بَالَغَ فِي ذَمِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحُسَيْنِ الشَّهِيدِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَ الْمَدْحِ لِمُعَاوِيَةَ وَ يَزِيدَ فَصَاحَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَتَبَوَّأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ وَ لَقَدْ أَحْسَنَ ابْنُ سِنَانٍ الْخَفَاجِيُّ فِي وَصْفِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع بِقَوْلِهِ-
          أَ عَلَى الْمَنَابِرِ تُعْلِنُونَ بِسَبِّهِ-             وَ بِسَيْفِهِ نُصِبَتْ لَكُمْ أَعْوَادُهَا «1»
 وَ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ غَيْرُهُ رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَمَرَ بِمِنْبَرٍ وَ خَطِيبٍ لِيُخْبِرَ النَّاسَ بِمَسَاوِي الْحُسَيْنِ وَ عَلِيٍّ ع وَ مَا فَعَلَا فَصَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَكْثَرَ الْوَقِيعَةَ فِي عَلِيٍّ وَ الْحُسَيْنِ وَ أَطْنَبَ فِي تَقْرِيظِ مُعَاوِيَةَ وَ يَزِيدَ لَعَنَهُمَا اللَّهُ فَذَكَرَهُمَا بِكُلِّ جَمِيلٍ قَالَ فَصَاحَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَيْلَكَ أَيُّهَا الْخَاطِبُ اشْتَرَيْتَ مَرْضَاةَ الْمَخْلُوقِ بِسَخَطِ الْخَالِقِ فَتَبَّوأْ مَقْعَدَكَ مِنَ النَّارِ ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع يَا يَزِيدُ ائْذَنْ لِي حَتَّى أَصْعَدَ هَذِهِ الْأَعْوَادَ فَأَتَكَلَّمَ بِكَلِمَاتٍ لِلَّهِ فِيهِنَّ رِضاً وَ لِهَؤُلَاءِ الْجُلَسَاءِ فِيهِنَّ أَجْرٌ وَ ثَوَابٌ قَالَ فَأَبَى يَزِيدُ
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 167 و 168.

137
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ النَّاسُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ائْذَنْ لَهُ فَلْيَصْعَدِ الْمِنْبَرَ فَلَعَلَّنَا نَسْمَعُ مِنْهُ شَيْئاً فَقَالَ إِنَّهُ إِنْ صَعِدَ لَمْ يَنْزِلْ إِلَّا بِفَضِيحَتِي وَ بِفَضِيحَةِ آلِ أَبِي سُفْيَانَ فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَا قَدْرُ مَا يُحْسِنُ هَذَا فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ قَدْ زُقُّوا الْعِلْمَ زَقّاً قَالَ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَذِنَ لَهُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً أَبْكَى مِنْهَا الْعُيُونَ وَ أَوْجَلَ مِنْهَا الْقُلُوبَ ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أُعْطِينَا سِتّاً وَ فُضِّلْنَا بِسَبْعٍ أُعْطِينَا الْعِلْمَ وَ الْحِلْمَ وَ السَّمَاحَةَ وَ الْفَصَاحَةَ وَ الشَّجَاعَةَ وَ الْمَحَبَّةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَ فُضِّلْنَا بِأَنَّ مِنَّا النَّبِيَّ الْمُخْتَارَ مُحَمَّداً وَ مِنَّا الصِّدِّيقُ وَ مِنَّا الطَّيَّارُ وَ مِنَّا أَسَدُ اللَّهِ وَ أَسَدُ رَسُولِهِ وَ مِنَّا سِبْطَا هَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي أَنْبَأْتُهُ بِحَسَبِي وَ نَسَبِي أَيُّهَا النَّاسُ أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنَى أَنَا ابْنُ زَمْزَمَ وَ الصَّفَا أَنَا ابْنُ مَنْ حَمَلَ الرُّكْنَ بِأَطْرَافِ الرِّدَا أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ ائْتَزَرَ وَ ارْتَدَى أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنِ انْتَعَلَ وَ احْتَفَى أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ طَافَ وَ سَعَى أَنَا ابْنُ خَيْرِ مَنْ حَجَّ وَ لَبَّى أَنَا ابْنُ مَنْ حُمِلَ عَلَى الْبُرَاقِ فِي الْهَوَاءِ أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَنَا ابْنُ مَنْ بَلَغَ بِهِ جَبْرَئِيلُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى أَنَا ابْنُ مَنْ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ أَنَا ابْنُ مَنْ أَوْحَى إِلَيْهِ الْجَلِيلُ مَا أَوْحَى أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ خَرَاطِيمَ الْخَلْقِ حَتَّى قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنَا ابْنُ مَنْ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَيْفَيْنِ وَ طَعَنَ بِرُمْحَيْنِ وَ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَ بَايَعَ الْبَيْعَتَيْنِ وَ قَاتَلَ بِبَدْرٍ وَ حُنَيْنٍ وَ لَمْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَنَا ابْنُ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَارِثِ النَّبِيِّينَ وَ قَامِعِ الْمُلْحِدِينَ وَ يَعْسُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَ نُورِ الْمُجَاهِدِينَ وَ زَيْنِ الْعَابِدِينَ وَ تَاجِ الْبَكَّائِينَ وَ أَصْبَرِ الصَّابِرِينَ وَ أَفْضَلِ الْقَائِمِينَ مِنْ آلِ يَاسِينَ رَسُولِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنَا ابْنُ الْمُؤَيَّدِ بِجَبْرَئِيلَ الْمَنْصُورِ بِمِيكَائِيلَ أَنَا ابْنُ الْمُحَامِي عَنْ حَرَمِ الْمُسْلِمِينَ وَ قَاتِلِ الْمَارِقِينَ وَ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمُجَاهِدِ أَعْدَاءَهُ النَّاصِبِينَ وَ أَفْخَرِ مَنْ مَشَى مِنْ قُرَيْشٍ أَجْمَعِينَ وَ أَوَّلِ مَنْ أَجَابَ وَ اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ مِن‏

138
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الْمُؤْمِنِينَ وَ أَوَّلِ السَّابِقِينَ وَ قَاصِمِ الْمُعْتَدِينَ وَ مُبِيدِ الْمُشْرِكِينَ وَ سَهْمٍ مِنْ مَرَامِي اللَّهِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَ لِسَانِ حِكْمَةِ الْعَابِدِينَ وَ نَاصِرِ دِينِ اللَّهِ وَ وَلِيِّ أَمْرِ اللَّهِ وَ بُسْتَانِ حِكْمَةِ اللَّهِ وَ عَيْبَةِ عِلْمِهِ سَمِحٌ سَخِيٌّ بَهِيٌّ بُهْلُولٌ زَكِيٌّ أَبْطَحِيٌّ رَضِيٌّ مِقْدَامٌ هُمَامٌ صَابِرٌ صَوَّامٌ مُهَذَّبٌ قَوَّامٌ قَاطِعُ الْأَصْلَابِ وَ مُفَرِّقُ الْأَحْزَابِ أَرْبَطُهُمْ عِنَاناً وَ أَثْبَتُهُمْ جَنَاناً وَ أَمْضَاهُمْ عَزِيمَةً وَ أَشَدُّهُمْ شَكِيمَةً أَسَدٌ بَاسِلٌ يَطْحَنُهُمْ فِي الْحُرُوبِ إِذَا ازْدَلَفَتِ الْأَسِنَّةُ وَ قَرُبَتِ الْأَعِنَّةُ طَحْنَ الرَّحَى وَ يَذْرُوهُمْ فِيهَا ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ لَيْثُ الْحِجَازِ وَ كَبْشُ الْعِرَاقِ مَكِّيٌّ مَدَنِيٌّ خَيْفِيٌّ عَقَبِيٌّ بَدْرِيٌّ أُحُدِيٌّ شَجَرِيٌّ مُهَاجِرِيٌّ مِنَ الْعَرَبِ سَيِّدُهَا وَ مِنَ الْوَغَى لَيْثُهَا وَارِثُ الْمَشْعَرَيْنِ وَ أَبُو السِّبْطَيْنِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ذَاكَ جَدِّي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ قَالَ أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ أَنَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ أَنَا أَنَا حَتَّى ضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَ النَّحِيبِ وَ خَشِيَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فِتْنَةٌ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلَامَ فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ عَلِيٌّ لَا شَيْ‏ءَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ فَلَمَّا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ شَهِدَ بِهَا شَعْرِي وَ بَشَرِي وَ لَحْمِي وَ دَمِي فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ الْتَفَتَ مِنْ فَوْقِ الْمِنْبَرِ إِلَى يَزِيدَ فَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا جَدِّي أَمْ جَدُّكَ يَا يَزِيدُ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَ كَفَرْتَ وَ إِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ عِتْرَتَهُ قَالَ وَ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ وَ الْإِقَامَةِ وَ تَقَدَّمَ يَزِيدُ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ قَالَ وَ رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسِ يَزِيدَ هَذَا حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ مَنْ هَذَا الْغُلَامُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ فَمَنِ الْحُسَيْنُ قَالَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فَمَنْ أُمُّهُ قَالَ أُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ فَقَالَ الْحَبْرُ يَا سُبْحَانَ اللَّهِ فَهَذَا ابْنُ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ قَتَلْتُمُوهُ فِي هَذِهِ السُّرْعَةِ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُوهُ فِي ذُرِّيَّتِهِ وَ اللَّهِ لَوْ تَرَكَ فِينَا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ سِبْطاً مِنْ صُلْبِهِ لَظَنَنَّا أَنَّا كُنَّا نَعْبُدُهُ مِنْ دُونِ رَبِّنَا وَ أَنْتُمْ إِنَّمَا فَارَقَكُمْ نَبِيُّكُمْ بِالْأَمْسِ فَوَثَبْتُمْ عَلَى ابْنِهِ فَقَتَلْتُمُوهُ سَوْءَةً لَكُمْ مِنْ أُمَّةٍ-

139
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَالَ فَأَمَرَ بِهِ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ فَوُجِئَ فِي حَلْقِهِ ثَلَاثاً فَقَامَ الْحَبْرُ وَ هُوَ يَقُولُ إِنْ شِئْتُمْ فَاضْرِبُونِي وَ إِنْ شِئْتُمْ فَاقْتُلُونِي أَوْ فَذَرُونِي فَإِنِّي أَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ مَنْ قَتَلَ ذُرِّيَّةَ نَبِيٍّ- لَا يَزَالُ مَلْعُوناً أَبَداً مَا بَقِيَ فَإِذَا مَاتَ يُصْلِيهِ اللَّهُ نَارَ جَهَنَّمَ- وَ رَوَى الصَّدُوقُ فِي الْأَمَالِي عَنْ مَاجِيلَوَيْهِ عَنْ عَمِّهِ عَنِ الْكُوفِيِّ عَنْ نَصْرِ بْنِ مُزَاحِمٍ عَنْ لُوطِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ ص قَالَتْ ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَمَرَ بِنِسَاءِ الْحُسَيْنِ فحبس [فَحُبِسْنَ‏] مَعَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فِي مَحْبِسٍ لَا يَكُنُّهُمْ مِنْ حَرٍّ وَ لَا قَرٍّ حَتَّى تَقَشَّرَتْ وُجُوهُهُمْ وَ لَمْ يُرْفَعْ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ حَجَرٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ وَ أَبْصَرَ النَّاسُ الشَّمْسَ عَلَى الْحِيطَانِ حَمْرَاءَ كَأَنَّهَا الْمَلَاحِفُ الْمُعَصْفَرَةُ إِلَى أَنْ خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بِالنِّسْوَةِ وَ رَدَّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ ع إِلَى كَرْبَلَاءَ «1» وَ قَالَ ابْنُ نَمَا وَ رَأَتْ سُكَيْنَةُ فِي مَنَامِهَا وَ هِيَ بِدِمَشْقَ كَأَنَّ خَمْسَةَ نُجُبٍ مِنْ نُورٍ قَدْ أَقْبَلَتْ وَ عَلَى كُلِّ نَجِيبٍ شَيْخٌ وَ الْمَلَائِكَةُ مُحْدِقَةٌ بِهِمْ وَ مَعَهُمْ وَصِيفٌ يَمْشِي فَمَضَى النُّجُبُ وَ أَقْبَلَ الْوَصِيفُ إِلَيَّ وَ قَرُبَ مِنِّي وَ قَالَ يَا سُكَينَةُ إِنَّ جَدَّكِ يُسَلِّمُ عَلَيْكِ فَقُلْتُ وَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ السَّلَامُ يَا رَسُولُ مَنْ أَنْتَ قَالَ وَصِيفٌ مِنْ وَصَائِفِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ الْمَشِيخَةُ الَّذِينَ جَاءُوا عَلَى النُّجُبِ قَالَ الْأَوَّلُ آدَمُ صَفْوَةُ اللَّهِ وَ الثَّانِي إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ وَ الثَّالِثُ مُوسَى كَلِيمُ اللَّهِ وَ الرَّابِعُ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا الْقَابِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ يَسْقُطُ مَرَّةً وَ يَقُومُ أُخْرَى فَقَالَ جَدُّكِ رَسُولُ اللَّهِ ص فَقُلْتُ وَ أَيْنَ هُمْ قَاصِدُونَ قَالَ إِلَى أَبِيكِ الْحُسَيْنِ فَأَقْبَلْتُ أَسْعَى فِي طَلَبِهِ لِأُعَرِّفَهُ مَا صَنَعَ بِنَا الظَّالِمُونَ بَعْدَهُ فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَتْ خَمْسَةُ هَوَادِجَ مِنْ نُورٍ فِي كُلِّ هَوْدَجٍ امْرَأَةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذِهِ النِّسْوَةُ الْمُقْبِلَاتُ قَالَ الْأُولَى حَوَّاءُ أُمُّ الْبَشَرِ الثَّانِيَةُ آسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ وَ الثَّالِثَةُ مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَ الرَّابِعَةُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ فَقُلْتُ مَنِ الْخَامِسَةُ الْوَاضِعَةُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا تَسْقُطُ مَرَّةً وَ تَقُومُ أُخْرَى فَقَالَ جَدَّتُكِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ
__________________________________________________
 (1) تراه في الأمالي المجلس 31 تحت الرقم 4.

140
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أُمُّ أَبِيكِ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ لَأُخْبِرَنَّهَا مَا صُنِعَ بِنَا فَلَحِقْتُهَا وَ وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهَا أَبْكِي وَ أَقُولُ يَا أُمَّتَاهْ جَحَدُوا وَ اللَّهِ حَقَّنَا يَا أُمَّتَاهْ «1» بَدَّدُوا وَ اللَّهِ شَمْلَنَا يَا أُمَّتَاهْ اسْتَبَاحُوا وَ اللَّهِ حَرِيمَنَا يَا أُمَّتَاهْ قَتَلُوا وَ اللَّهِ الْحُسَيْنَ أَبَانَا فَقَالَتْ كُفِّي صَوْتَكِ يَا سُكَيْنَةُ فَقَدْ أَحْرَقْتِ كَبِدِي وَ قَطَعْتِ نِيَاطَ قَلْبِي هَذَا قَمِيصُ أَبِيكِ الْحُسَيْنِ مَعِي لَا يُفَارِقُنِي حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ بِهِ ثُمَّ انْتَبَهْتُ وَ أَرَدْتُ كِتْمَانَ ذَلِكَ الْمَنَامِ وَ حَدَّثْتُ بِهِ أَهْلِي فَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ وَ قَالَ السَّيِّدُ وَ قَالَتْ سُكَيْنَةُ فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ مُقَامِنَا رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ وَ ذَكَرْتُ مَنَاماً طَوِيلًا تَقُولُ فِي آخِرِهِ وَ رَأَيْتُ امْرَأَةً رَاكِبَةً فِي هَوْدَجٍ وَ يَدُهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى رَأْسِهَا فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقِيلَ لِي هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ أُمُّ أَبِيكِ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ لَأَنْطَلِقَنَّ إِلَيْهَا وَ لَأُخْبِرَنَّهَا بِمَا صُنِعَ بِنَا فَسَعَيْتُ مُبَادِرَةً نَحْوَهَا حَتَّى لَحِقْتُ بِهَا فَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهَا أَبْكِي وَ أَقُولُ يَا أُمَّتَاهْ جَحَدُوا وَ اللَّهِ حَقَّنَا يَا أُمَّتَاهْ بَدَّدُوا وَ اللَّهِ شَمْلَنَا يَا أُمَّتَاهْ اسْتَبَاحُوا وَ اللَّهِ حَرِيمَنَا يَا أُمَّتَاهْ قَتَلُوا وَ اللَّهِ الْحُسَيْنَ أَبَانَا فَقَالَتْ لِي كُفِّي صَوْتَكِ يَا سُكَيْنَةُ فَقَدْ قَطَعْتِ نِيَاطَ قَلْبِي هَذَا قَمِيصُ أَبِيكِ الْحُسَيْنِ ع- لَا يُفَارِقُنِي حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ «2»- وَ قَالَ السَّيِّدُ وَ ابْنُ نَمَا وَ رَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَقِيَنِي رَأْسُ الْجَالُوتِ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنِي وَ بَيْنَ دَاوُدَ لَسَبْعِينَ أَباً وَ إِنَّ الْيَهُودَ تَلْقَانِي فَتُعَظِّمُنِي وَ أَنْتُمْ لَيْسَ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ ابْنِ نَبِيِّكُمْ إِلَّا أَبٌ وَاحِدٌ قَتَلْتُمُوهُ وَ رُوِيَ عَنْ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ع أَنَّهُ لَمَّا أُتِيَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ إِلَى يَزِيدَ كَانَ يَتَّخِذُ مَجَالِسَ الشَّرَابِ وَ يَأْتِي بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ وَ يَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ يَشْرَبُ عَلَيْهِ فَحَضَرَ فِي مَجْلِسِهِ ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ مَلِكِ الرُّومِ وَ كَانَ مِنْ أَشْرَافِ الرُّومِ وَ عُظَمَائِهِمْ فَقَالَ يَا مَلِكَ الْعَرَبِ هَذَا رَأْسُ مَنْ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ مَا لَكَ وَ لِهَذَا الرَّأْسِ فَقَالَ إِنِّي إِذَا رَجَعْتُ إِلَى مَلِكِنَا يَسْأَلُنِي عَنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ رَأَيْتُهُ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُخْبِرَهُ بِقِصَّةِ هَذَا الرَّأْسِ وَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُشَارِكَكَ فِي الْفَرَحِ وَ السُّرُورِ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ هَذَا رَأْسُ‏
__________________________________________________
 (1) لغية، الحق التاء بالام كما في أبتاه.
 (2) الملهوف ص 168 و 169.

141
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ الرُّومِيُّ وَ مَنْ أُمُّهُ فَقَالَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ أُفٍّ لَكَ وَ لِدِينِكَ لِي دِينٌ أَحْسَنُ مِنْ دِينِكَ إِنَّ أَبِي مِنْ حَوَافِدِ دَاوُدَ ع وَ بَيْنِي وَ بَيْنَهُ آبَاءٌ كَثِيرَةٌ وَ النَّصَارَى يُعَظِّمُونِّي وَ يَأْخُذُونَ مِنْ تُرَابِ قَدَمِي تَبَرُّكاً بِأَبِي مِنْ حَوَافِدِ دَاوُدَ وَ أَنْتُمْ تَقْتُلُونَ ابْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ نَبِيِّكُمْ إِلَّا أُمٌّ وَاحِدَةٌ فَأَيُّ دِينٍ دِينُكُمْ ثُمَّ قَالَ لِيَزِيدَ هَلْ سَمِعْتَ حَدِيثَ كَنِيسَةِ الْحَافِرِ فَقَالَ لَهُ قُلْ حَتَّى أَسْمَعَ فَقَالَ بَيْنَ عُمَانَ وَ الصِّينِ بَحْرٌ مَسِيرَةُ سَنَةٍ لَيْسَ فِيهَا عُمْرَانٌ إِلَّا بَلْدَةٌ وَاحِدَةٌ فِي وَسْطِ الْمَاءِ طُولُهَا ثَمَانُونَ فَرْسَخاً فِي ثَمَانِينَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَلْدَةٌ أَكْبَرُ مِنْهَا وَ مِنْهَا يُحْمَلُ الْكَافُورُ وَ الْيَاقُوتُ أَشْجَارُهُمُ الْعُودُ وَ الْعَنْبَرُ وَ هِيَ فِي أَيْدِي النَّصَارَى لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُلُوكِ فِيهَا سِوَاهُمْ وَ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ كَنَائِسُ كَثِيرَةٌ أَعْظَمُهَا كَنِيسَةُ الْحَافِرِ فِي مِحْرَابِهَا حُقَّةُ ذَهَبٍ مُعَلَّقَةٌ فِيهَا حَافِرٌ يَقُولُونَ إِنَّ هَذَا حَافِرُ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ عِيسَى وَ قَدْ زَيَّنُوا حَوْلَ الْحُقَّةِ بِالذَّهَبِ وَ الدِّيبَاجِ يَقْصِدُهَا فِي كُلِّ عَامٍ عَالَمٌ مِنَ النَّصَارَى وَ يَطُوفُونَ حَوْلَهَا وَ يُقَبِّلُونَهَا وَ يَرْفَعُونَ حَوَائِجَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى هَذَا شَأْنُهُمْ وَ دَأْبُهُمْ بِحَافِرِ حِمَارٍ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ حَافِرُ حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ عِيسَى نَبِيُّهُمْ وَ أَنْتُمْ تَقْتُلُونَ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ فَلَا بَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى فِيكُمْ وَ لَا فِي دِينِكُمْ فَقَالَ يَزِيدُ اقْتُلُوا هَذَا النَّصْرَانِيَّ لِئَلَّا يَفْضَحَنِي فِي بِلَادِهِ فَلَمَّا أَحَسَّ النَّصْرَانِيُّ بِذَلِكَ قَالَ لَهُ تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي قَالَ نَعَمْ قَالَ اعْلَمْ أَنِّي رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ نَبِيَّكُمْ فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لِي يَا نَصْرَانِيُّ أَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَتَعَجَّبْتُ مِنْ كَلَامِهِ وَ أَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص ثُمَّ وَثَبَ إِلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ فَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَ يَبْكِي حَتَّى قُتِلَ «1» وَ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ ذَكَرَ أَبُو مِخْنَفٍ وَ غَيْرُهُ أَنَّ يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَمَرَ بِأَنْ يُصْلَبَ الرَّأْسُ عَلَى بَابِ دَارِهِ وَ أَمَرَ بِأَهْلِ بَيْتِ الْحُسَيْنِ ع أَنْ يَدْخُلُوا دَارَهُ فَلَمَّا دَخَلَتِ النِّسْوَةُ دَارَ يَزِيدَ لَمْ يَبْقَ مِنْ آلِ مُعَاوِيَةَ وَ لَا أَبِي سُفْيَانَ أَحَدٌ إِلَّا اسْتَقْبَلَهُنَّ بِالْبُكَاءِ
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 169- 173.

142
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ الصُّرَاخِ وَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْحُسَيْنِ ع وَ أَلْقَيْنَ مَا عَلَيْهِنَّ مِنَ الثِّيَابِ وَ الْحُلِيِّ وَ أَقَمْنَ الْمَأْتَمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ خَرَجَتْ هِنْدٌ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ امْرَأَةُ يَزِيدَ وَ كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ تَحْتَ الْحُسَيْنِ ع حَتَّى شَقَّتِ السِّتْرَ وَ هِيَ حَاسِرَةٌ فَوَثَبَتْ إِلَى يَزِيدَ وَ هُوَ فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ فَقَالَتْ يَا يَزِيدُ أَ رَأْسُ ابْنِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ مَصْلُوبٌ عَلَى فِنَاءِ بَابِي فَوَثَبَ إِلَيْهَا يَزِيدُ فَغَطَّاهَا وَ قَالَ نَعَمْ فَأَعْوِلِي عَلَيْهِ يَا هِنْدُ وَ ابْكِي عَلَى ابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ وَ صَرِيخَةِ قُرَيْشٍ عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَتَلَهُ قَتَلَهُ اللَّهُ ثُمَّ إِنَّ يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ أَنْزَلَهُمْ فِي دَارِهِ الْخَاصَّةِ فَمَا كَانَ يَتَغَدَّى وَ لَا يَتَعَشَّى حَتَّى يَحْضُرَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ قَالَ السَّيِّدُ وَ غَيْرُهُ وَ خَرَجَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ع يَوْماً يَمْشِي فِي أَسْوَاقِ دِمَشْقَ فَاسْتَقْبَلَهُ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَمْسَيْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَمْسَيْنَا كَمَثَلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَهُمْ يَا مِنْهَالُ أَمْسَتِ الْعَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَجَمِ بِأَنَّ مُحَمَّداً عَرَبِيٌّ وَ أَمْسَتْ قُرَيْشٌ تَفْتَخِرُ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ بِأَنَّ مُحَمَّداً مِنْهَا وَ أَمْسَيْنَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ نَحْنُ مَغْصُوبُونَ مَقْتُولُونَ مُشَرَّدُونَ فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مِمَّا أَمْسَيْنَا فِيهِ يَا مِنْهَالُ وَ لِلَّهِ دَرُّ مَهْيَارَ حَيْثُ قَالَ-
          يُعَظِّمُونَ لَهُ أَعْوَادَ مِنْبَرِهِ-             وَ تَحْتَ أَرْجُلِهِمْ أَوْلَادَهُ وَضَعُوا-
             بِأَيِّ حُكْمٍ بَنُوهُ يَتْبَعُونَكُمْ-             وَ فَخْرُكُمْ أَنَّكُمْ صَحْبٌ لَهُ تَبَعٌ-
 قَالَ وَ دَعَا يَزِيدُ يَوْماً بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ ع وَ كَانَ عَمْرٌو صَغِيراً يُقَالُ إِنَّ عُمُرَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً فَقَالَ لَهُ أَ تُصَارِعُ هَذَا يَعْنِي ابْنَهُ خَالِداً فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو لَا وَ لَكِنْ أَعْطِنِي سِكِّيناً وَ أَعْطِهِ سِكِّيناً ثُمَّ أُقَاتِلُهُ قَالَ يَزِيدُ
          شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمٍ «1»
          هَلْ تَلِدُ الْحَيَّةُ إِلَّا الْحَيَّةَ-
__________________________________________________
 (1) شطر بيت لابى أخزم الطائى و هو جد حاتم أو جد جده مات ابنه أخزم و ترك بنين فوثبوا يوما على جدهم فأدموه فقال:
         ان بنى رملونى بالدم             من يلق آساد الرجال يكلم‏
          و من يكن درء به يقوم             شنشنة أعرفها من أخزم‏
 يعنى أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العقوق، و الشنشنة: الطبيعة.

143
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ اذْكُرْ حَاجَاتِكَ الثَّلَاثَ اللَّاتِي وَعَدْتُكَ بِقَضَائِهِنَّ فَقَالَ الْأُولَى أَنْ تُرِيَنِي وَجْهَ سَيِّدِي وَ أَبِي وَ مَوْلَايَ الْحُسَيْنِ فَأَتَزَوَّدَ مِنْهُ وَ أَنْظُرَ إِلَيْهِ وَ أُوَدِّعَهُ وَ الثَّانِيَةُ أَنْ تَرُدَّ عَلَيْنَا مَا أُخِذَ مِنَّا وَ الثَّالِثَةُ إِنْ كُنْتَ عَزَمْتَ عَلَى قَتْلِي أَنْ تُوَجِّهَ مَعَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ مَنْ يَرُدُّهُنَّ إِلَى حَرَمِ جَدِّهِنَّ ص فَقَالَ أَمَّا وَجْهُ أَبِيكَ فَلَنْ تَرَاهُ أَبَداً وَ أَمَّا قَتْلُكَ فَقَدْ عَفَوْتُ عَنْكَ وَ أَمَّا النِّسَاءُ فَمَا يُؤَدِّيهِنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ غَيْرُكَ وَ أَمَّا مَا أُخِذَ مِنْكُمْ فَأَنَا أُعَوِّضُكُمْ عَنْهُ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ فَقَالَ ع أَمَّا مَالُكَ فَمَا نُرِيدُهُ وَ هُوَ مُوَفَّرٌ عَلَيْكَ وَ إِنَّمَا طَلَبْتُ مَا أُخِذَ مِنَّا لِأَنَّ فِيهِ مِغْزَلَ فَاطِمَةَ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ص وَ مِقْنَعَتَهَا وَ قِلَادَتَهَا وَ قَمِيصَهَا فَأَمَرَ بِرَدِّ ذَلِكَ وَ زَادَ عَلَيْهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ فَأَخَذَهَا زَيْنُ الْعَابِدِينَ ع وَ فَرَّقَهَا فِي الْفُقَرَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ ثُمَّ أَمَرَ بِرَدِّ الْأُسَارَى وَ سَبَايَا الْبَتُولِ إِلَى أَوْطَانِهِمْ بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ قَالَ ابْنُ نَمَا وَ أَمَّا الرَّأْسُ الشَّرِيفُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَقَالَ قَوْمٌ إِنَّ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ دَفَنَهُ بِالْمَدِينَةِ وَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ جُمْهُورٍ أَنَّهُ دَخَلَ خِزَانَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا فُتِحَتْ وَجَدَ بِهِ جُؤْنَةً حَمْرَاءَ فَقَالَ لِغُلَامِهِ سُلَيْمٍ احْتَفِظْ بِهَذِهِ الْجُؤْنَةِ فَإِنَّهَا كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ بَنِي أُمَيَّةَ فَلَمَّا فَتَحَهَا إِذَا فِيهَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع وَ هُوَ مَخْضُوبٌ بِالسَّوَادِ فَقَالَ لِغُلَامِهِ ائْتِنِي بِثَوْبٍ فَأَتَاهُ بِهِ فَلَفَّهُ ثُمَّ دَفَنَهُ بِدِمَشْقَ عِنْدَ بَابِ الْفَرَادِيسِ عِنْدَ الْبُرْجِ الثَّالِثِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَ حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَنَّ مَشْهَدَ الرَّأْسِ عِنْدَهُمْ يُسَمُّونَهُ مَشْهَدَ الْكَرِيمِ عَلَيْهِ مِنَ الذَّهَبِ شَيْ‏ءٌ كَثِيرٌ يَقْصِدُونَهُ فِي الْمَوَاسِمِ وَ يَزُورُونَهُ وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَدْفُونٌ هُنَاكَ وَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ مِنَ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ أُعِيدَ إِلَى الْجَسَدِ بَعْدَ أَنْ طِيفَ بِهِ فِي الْبِلَادِ وَ دُفِنَ مَعَهُ وَ قَالَ السَّيِّدُ فَأَمَّا رَأْسُ الْحُسَيْنِ فَرُوِيَ أَنَّهُ أُعِيدَ فَدُفِنَ بِكَرْبَلَاءَ مَعَ جَسَدِهِ الشَّرِيفِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ كَانَ عَمَلُ الطَّائِفَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى الْمُشَارِ إِلَيْهِ و رويت آثار مختلفة كثيرة غير ما ذكرناه تركنا وضعها لئلا ينفسخ ما شرطناه من اختصار الكتاب «1»
__________________________________________________
 (1) الملهوف: 175.

144
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

- وَ قَالَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو العَلَاءِ الْحَافِظُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَشَايِخِهِ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع بَعَثَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ عِدَّةً مِنْ مَوَالِي بَنِي هَاشِمٍ وَ ضَمَّ إِلَيْهِمْ عِدَّةً مِنْ مَوَالِي أَبِي سُفْيَانَ ثُمَّ بَعَثَ بِثَقَلِ الْحُسَيْنِ وَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِهِ مَعَهُمْ وَ جَهَّزَهُمْ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ لَمْ يَدَعْ لَهُمْ حَاجَةً بِالْمَدِينَةِ إِلَّا أَمَرَ لَهُمْ بِهَا وَ بَعَثَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع إِلَى عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ عَامِلُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ عَمْرٌو وَدِدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَبْعَثْ بِهِ إِلَيَّ ثُمَّ أَمَرَ عَمْرٌو بِهِ فَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ عِنْدَ قَبْرِ أُمِّهِ فَاطِمَةَ ع وَ ذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ رَأَى النَّبِيَّ ص فِي الْمَنَامِ كَأَنَّهُ يَبَرُّهُ وَ يُلْطِفُهُ فَدَعَا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَعَلَّكَ اصْطَنَعْتَ إِلَى أَهْلِهِ مَعْرُوفاً فَقَالَ سُلَيْمَانُ إِنِّي وَجَدْتُ رَأْسَ الْحُسَيْنِ ع فِي خِزَانَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَكَسَوْتُهُ خَمْسَةً مِنَ الدِّيبَاجِ وَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِي وَ قَبَرْتُهُ فَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ النَّبِيَّ ص رَضِيَ مِنْكَ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَ أَحْسَنَ إِلَى الْحَسَنِ وَ أَمْرَهُ بِالْجَوَائِزِ وَ ذِكْرَ غَيْرُهُمَا أَنَّ رَأْسَهُ ع صُلِبَ بِدِمَشْقَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ مَكَثَ فِي خَزَائِنِ بَنِي أُمَيَّةَ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ فَطَلَبَ فَجِي‏ءَ بِهِ وَ هُوَ عَظِيمٌ أَبْيَضُ فَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ وَ طَيَّبَهُ وَ جَعَلَ عَلَيْهِ ثَوْباً وَ دَفَنَهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَا صَلَّى عَلَيْهِ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعَثَ إِلَى الْمَكَانِ يَطْلُبُ مِنْهُ الرَّأْسَ فَأُخْبِرَ بِخَبَرِهِ فَسَأَلَ عَنِ الْمَوْضِعِ الَّذِي دُفِنَ فِيهِ فَنَبَشَهُ وَ أَخَذَهُ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ مَا صَنَعَ بِهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ دِينِهِ أَنَّهُ بُعِثَ إِلَى كَرْبَلَاءَ فَدُفِنَ مَعَ جَسَدِهِ ع أقول هذه أقوال المخالفين في ذلك و المشهور بين علمائنا الإمامية أنه دفن رأسه مع جسده رده علي بن الحسين ع و قد وردت أخبار كثيرة في أنه مدفون عند قبر أمير المؤمنين ع و سيأتي بعضها و الله يعلم ثُمَّ قَالَ الْمُفِيدُ وَ صَاحِبُ الْمَنَاقِبِ وَ اللَّفْظُ لِصَاحِبِ الْمَنَاقِبِ وَ رُوِيَ أَنَّ يَزِيدَ عَرَضَ عَلَيْهِمُ الْمُقَامَ بِدِمَشْقَ فَأَبَوْا ذَلِكَ وَ قَالُوا بَلْ رُدَّنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِنَّهُ مُهَاجَر

145
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

جَدِّنَا ص فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ص جَهِّزْ هَؤُلَاءِ بِمَا يُصْلِحُهُمْ وَ ابْعَثْ مَعَهُمْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَمِيناً صَالِحاً وَ ابْعَثْ مَعَهُمْ خَيْلًا وَ أَعْوَاناً ثُمَّ كَسَاهُمْ وَ حَبَاهُمْ وَ فَرَضَ لَهُمُ الْأَرْزَاقَ وَ الْأَنْزَالَ «1» ثُمَّ دَعَا بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ لَهُ لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ أَمَا وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ مَا سَأَلَنِي خَلَّةً إِلَّا أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ وَ لَدَفَعْتُ عَنْهُ الْحَتْفَ بِكُلِّ مَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ وَ لَوْ بِهَلَاكِ بَعْضِ وُلْدِي وَ لَكِنْ قَضَى اللَّهُ مَا رَأَيْتَ فَكَاتِبْنِي وَ أَنْهِ «2» إِلَيَّ كُلَّ حَاجَةٍ تَكُونُ لَكَ ثُمَّ أَوْصَى بِهِمُ الرَّسُولَ فَخَرَجَ بِهِمُ الرَّسُولُ يُسَايِرُهُمْ فَيَكُونُ أَمَامَهُمْ فَإِذَا نَزَلُوا تَنَحَّى عَنْهُمْ وَ تَفَرَّقَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ كَهَيْئَةِ الْحَرَسِ ثُمَّ يَنْزِلُ بِهِمْ حَيْثُ أَرَادَ أَحَدُهُمُ الْوَضُوءَ وَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ حَوَائِجَهُمْ وَ يُلْطِفُهُمْ حَتَّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ كَعْبٍ قَالَتْ لِي فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ ع قُلْتُ لِأُخْتِي زَيْنَبَ قَدْ وَجَبَ عَلَيْنَا حَقُّ هَذَا لِحُسْنِ صُحْبَتِهِ لَنَا فَهَلْ لَكَ أَنْ تَصِلَهُ قَالَتْ فَقَالَتْ وَ اللَّهِ مَا لَنَا مَا نَصِلُهُ بِهِ إِلَّا أَنْ نُعْطِيَهُ حُلِيَّنَا فَأَخَذْتُ سِوَارِي وَ دُمْلُجِي أَوْ سِوَارَ أُخْتِي وَ دُمْلُجَهَا فَبَعَثْنَا بِهَا إِلَيْهِ وَ اعْتَذَرْنَا مِنْ قِلَّتِهَا وَ قُلْنَا هَذَا بَعْضُ جَزَائِكَ لِحُسْنِ صُحْبَتِكَ إِيَّانَا فَقَالَ لَوْ كَانَ الَّذِي صَنَعْتُهُ لِلدُّنْيَا كَانَ فِي دُونِ هَذَا رِضَايَ وَ لَكِنْ وَ اللَّهِ مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا لِلَّهِ وَ قَرَابَتِكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ وَ لَمَّا رَجَعَتْ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ ع وَ عِيَالُهُ مِنَ الشَّامِ وَ بَلَغُوا إِلَى الْعِرَاقِ قَالُوا لِلدَّلِيلِ مُرَّ بِنَا عَلَى طَرِيقِ كَرْبَلَاءَ فَوَصَلُوا إِلَى مَوْضِعِ الْمَصْرَعِ فَوَجَدُوا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ وَ جَمَاعَةً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَ رَجُلًا مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ قَدْ وَرَدُوا لِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ فَوَافَوْا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَ تَلَاقَوْا بِالْبُكَاءِ وَ الْحُزْنِ وَ اللَّطْمِ وَ أَقَامُوا الْمَآتِمَ الْمُقْرِحَةَ لِلْأَكْبَادِ وَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِمْ نِسَاءُ ذَلِكَ السَّوَادِ وَ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ أَيَّاماً فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حُبَابٍ الْكَلْبِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا الْجَصَّاصُونَ قَالُوا كُنَّا نَخْرُجُ‏
__________________________________________________
 (1) جمع نزل- كقفل- ما هيئ للضيف أن ينزل عليه، أي رزقه و قراه.
 (2) من الانهاء بمعنى الابلاغ و الاعلام.

146
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

إِلَى الْجَبَّانَةِ «1» فِي اللَّيْلِ- عِنْدَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ ع فَنَسْمَعُ الْجِنَّ يَنُوحُونَ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ-
          مَسَحَ الرَّسُولُ جَبِينَهُ فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الْخُدُودِ-             أَبَوَاهُ مِنْ عَلْيَا قُرَيْشٍ وَ جَدُّهُ خَيْرُ الْجُدُودِ-
 قَالَ ثُمَّ انْفَصَلُوا مِنْ كَرْبَلَاءَ طَالِبِينَ الْمَدِينَةَ قَالَ بَشِيرُ بْنُ حَذْلَمٍ فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْهَا نَزَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَحَطَّ رَحْلَهُ وَ ضَرَبَ فُسْطَاطَهُ وَ أَنْزَلَ نِسَاءَهُ وَ قَالَ يَا بَشِيرُ رَحِمَ اللَّهُ أَبَاكَ لَقَدْ كَانَ شَاعِراً فَهَلْ تَقْدِرُ عَلَى شَيْ‏ءٍ مِنْهُ قُلْتُ بَلَى يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي لَشَاعِرٌ قَالَ فَادْخُلِ الْمَدِينَةَ وَ انْعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَشِيرٌ فَرَكِبْتُ فَرَسِي وَ رَكَضْتُ حَتَّى دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا بَلَغْتُ مَسْجِدَ النَّبِيِّ ص رَفَعْتُ صَوْتِي بِالْبُكَاءِ وَ أَنْشَأْتُ أَقُولُ-
          يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ بِهَا-             قُتِلَ الْحُسَيْنُ فَأَدْمُعِي مِدْرَارُ-
             الْجِسْمُ مِنْهُ بِكَرْبَلَاءَ مُضَرَّجٌ-             وَ الرَّأْسُ مِنْهُ عَلَى الْقَنَاةِ يُدَارُ-
 قَالَ ثُمَّ قُلْتُ هَذَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَعَ عَمَّاتِهِ وَ أَخَوَاتِهِ قَدْ حَلُّوا بِسَاحَتِكُمْ وَ نَزَلُوا بِفِنَائِكُمْ وَ أَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ أُعَرِّفُكُمْ مَكَانَهُ فَمَا بَقِيَتْ فِي الْمَدِينَةِ مُخَدَّرَةٌ وَ لَا مُحَجَّبَةٌ إِلَّا بَرَزْنَ مِنْ خُدُورِهِنَّ مَكْشُوفَةً شُعُورُهُنَّ مُخَمَّشَةً وُجُوهُهُنَّ ضَارِبَاتٍ خُدُودَهُنَّ يَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَ الثُّبُورِ فَلَمْ أَرَ بَاكِياً أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ لَا يَوْماً أَمَرَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ وَ سَمِعْتُ جَارِيَةً تَنُوحُ عَلَى الْحُسَيْنِ فَتَقُولُ-
          نَعَى سَيِّدِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَوْجَعَا-             وَ أَمْرَضَنِي نَاعٍ نَعَاهُ فَأَفْجَعَا-
             فَعَيْنَيَّ جُودَا بِالدُّمُوعِ وَ أَسْكِبَا-             وَ جُودَا بِدَمْعٍ بَعْدَ دَمْعِكُمَا مَعاً-
             عَلَى مَنْ دَهَى عَرْشَ الْجَلِيلِ فَزَعْزَعَا-             فَأَصْبَحَ هَذَا الْمَجْدُ وَ الدِّينُ أَجْدَعَا-
             عَلَى ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ وَ ابْنِ وَصِيِّهِ-             وَ إِنْ كَانَ عَنَّا شَاحِطَ الدَّارِ أَشْسَعَا
 ثُمَّ قَالَتْ أَيُّهَا النَّاعِي جَدَّدْتَ حُزْنَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ خَدَشْتَ مِنَّا قُرُوحاً لَمَّا تَنْدَمِلْ فَمَنْ أَنْتَ رَحِمَكَ اللَّهُ فَقُلْتُ أَنَا بَشِيرُ بْنُ حَذْلَمٍ وَجَّهَنِي مَوْلَايَ عَلِيُّ بْنُ‏
__________________________________________________
 (1) الجبانة: الصحراء، و المقبرة، و عن المغرب: المصلى العام في الصحراء.

147
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ وَ هُوَ نَازِلٌ فِي مَوْضِعِ كَذَا وَ كَذَا مَعَ عِيَالِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ نِسَائِهِ قَالَ فَتَرَكُونِي مَكَانِي وَ بَادَرُوا فَضَرَبْتُ فَرَسِي حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِمْ فَوَجَدْتُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الطُّرُقَ وَ الْمَوَاضِعَ فَنَزَلْتُ عَنْ فَرَسِي وَ تَخَطَّيْتُ رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى قَرُبْتُ مِنْ بَابِ الْفُسْطَاطِ وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع دَاخِلًا وَ مَعَهُ خِرْقَةٌ يَمْسَحُ بِهَا دُمُوعَهُ وَ خَلْفَهُ خَادِمٌ مَعَهُ كُرْسِيٌّ فَوَضَعَهُ لَهُ وَ جَلَسَ عَلَيْهِ وَ هُوَ لَا يَتَمَالَكُ مِنَ الْعَبْرَةِ وَ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ بِالْبُكَاءِ وَ حَنِينِ الْجَوَارِي وَ النِّسَاءِ وَ النَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ يُعَزُّونَهُ فَضَجَّتْ تِلْكَ الْبُقْعَةُ ضَجَّةً شَدِيدَةً فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنِ اسْكُتُوا فَسَكَنَتْ فَوْرَتُهُمْ فَقَالَ ع- الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ- مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ بَارِئِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ الَّذِي بَعُدَ فَارْتَفَعَ فِي السَّمَاوَاتِ الْعُلَى وَ قَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوَى نَحْمَدُهُ عَلَى عَظَائِمِ الْأُمُورِ وَ فَجَائِعِ الدُّهُورِ وَ أَلَمِ الْفَجَائِعِ وَ مَضَاضَةِ اللَّوَاذِعِ وَ جَلِيلِ الرُّزْءِ وَ عَظِيمِ الْمَصَائِبِ الْفَاضِعَةِ الْكَاظَّةِ الْفَادِحَةِ الْجَائِحَةِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ وَ لَهُ الْحَمْدُ ابْتَلَانَا بِمَصَائِبَ جَلِيلَةٍ وَ ثُلْمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ عَظِيمَةٍ قُتِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَ عِتْرَتُهُ وَ سُبِيَ نِسَاؤُهُ وَ صِبْيَتُهُ وَ دَارُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبُلْدَانِ مِنْ فَوْقِ عَامِلِ السِّنَانِ وَ هَذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتِي لَا مِثْلَهَا رَزِيَّةٌ أَيُّهَا النَّاسُ فَأَيُّ رِجَالاتٍ مِنْكُمْ يُسَرُّونَ بَعْدَ قَتْلِهِ أَمْ أَيَّةُ عَيْنٍ مِنْكُمْ تَحْبِسُ دَمْعَهَا وَ تَضَنُّ عَنِ انْهِمَالِهَا فَلَقَدْ بَكَتِ السَّبْعُ الشِّدَادُ لِقَتْلِهِ وَ بَكَتِ الْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا وَ السَّمَاوَاتُ بِأَرْكَانِهَا وَ الْأَرْضُ بِأَرْجَائِهَا وَ الْأَشْجَارُ بِأَغْصَانِهَا وَ الْحِيتَانُ وَ لُجَجُ الْبِحَارِ وَ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ أَجْمَعُونَ أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ قَلْبٍ لَا يَنْصَدِعُ لِقَتْلِهِ أَمْ أَيُّ فُؤَادٍ لَا يَحِنُّ إِلَيْهِ أَمْ أَيُّ سَمْعٍ يَسْمَعُ هَذِهِ الثُّلْمَةَ الَّتِي ثُلِمَتْ فِي الْإِسْلَامِ أَيُّهَا النَّاسُ أَصْبَحْنَا مَطْرُودِينَ مُشَرَّدِينَ مَذُودِينَ شَاسِعِينَ عَنِ الْأَمْصَارِ كَأَنَّا أَوْلَادُ تُرْكٍ وَ كَابُلَ مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ اجْتَرَمْنَاهُ وَ لَا مَكْرُوهٍ ارْتَكَبْنَاهُ وَ لَا ثُلْمَةٍ فِي الْإِسْلَامِ ثَلَمْنَاهَا- ما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ- إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ-

148
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ النَّبِيَّ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي قِتَالِنَا كَمَا تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ فِي الْوِصَايَةِ بِنَا لَمَا ازْدَادُوا عَلَى مَا فَعَلُوا بِنَا فَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ مِنْ مُصِيبَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَ أَوْجَعَهَا وَ أَفْجَعَهَا وَ أَكَظَّهَا وَ أَفَظَّهَا وَ أَمَرَّهَا وَ أَفْدَحَهَا فَعِنْدَ اللَّهِ نَحْتَسِبُ فِيمَا أَصَابَنَا وَ مَا بَلَغَ بِنَا إِنَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ قَالَ فَقَامَ صُوحَانُ بْنُ صَعْصَعَةَ بْنِ صُوحَانَ وَ كَانَ زَمِناً فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ زَمَانَةِ رِجْلَيْهِ فَأَجَابَهُ بِقَبُولِ مَعْذِرَتِهِ وَ حُسْنِ الظَّنِّ فِيهِ وَ شَكَرَ لَهُ وَ تَرَحَّمَ عَلَى أَبِيهِ «1» ثُمَّ قَالَ السَّيِّدُ رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ إِنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ ع بَكَى عَلَى أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً صَائِماً نَهَارَهُ قَائِماً لَيْلَهُ فَإِذَا حَضَرَ الْإِفْطَارُ جَاءَهُ غُلَامُهُ بِطَعَامِهِ وَ شَرَابِهِ فَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ كُلْ يَا مَوْلَايَ فَيَقُولُ قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ جَائِعاً قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ عَطْشَاناً فَلَا يَزَالُ يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَ يَبْكِي حَتَّى يُبَلَّ طَعَامُهُ مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ يُمْزَجُ شَرَابُهُ بِدُمُوعِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ حَدَّثَ مَوْلًى لَهُ ع أَنَّهُ بَرَزَ يَوْماً إِلَى الصَّحْرَاءِ قَالَ فَتَبِعْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى حِجَارَةٍ خَشِنَةٍ فَوَقَفْتُ وَ أَنَا أَسْمَعُ شَهِيقَهُ وَ بُكَاءَهُ وَ أَحْصَيْتُ عَلَيْهِ أَلْفَ مَرَّةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَقّاً حَقّاً- لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعَبُّداً وَ رِقّاً لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِيمَاناً وَ صِدْقاً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَ إِنَّ لِحْيَتَهُ وَ وَجْهَهُ قَدْ غَمَرَ بِالْمَاءِ مِنْ دُمُوعِ عَيْنَيْهِ فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي أَ مَا آنَ لِحُزْنِكَ أَنْ يَنْقَضِيَ وَ لِبُكَائِكَ أَنْ تَقِلَّ فَقَالَ لِي وَيْحَكَ إِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ ع كَانَ نَبِيّاً ابْنَ نَبِيٍّ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ ابْناً فَغَيَّبَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَاحِداً مِنْهُمْ فَشَابَ رَأْسُهُ مِنَ الْحُزْنِ وَ احْدَوْدَبَ ظَهْرُهُ مِنَ الْغَمِّ وَ ذَهَبَ بَصَرُهُ مِنَ الْبُكَاءِ وَ ابْنُهُ حَيٌّ فِي دَارِ الدُّنْيَا وَ أَنَا فَقَدْتُ أَبِي وَ أَخِي وَ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي صَرْعَى مَقْتُولِينَ فَكَيْفَ يَنْقَضِي حُزْنِي وَ يَقِلُّ بُكَائِي «2».
إيضاح قال الجوهري ارتث فلان هو افتعل على ما لم يسم فاعله أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا و به رمق و قال الخفر بالتحريك شدة الحياء
__________________________________________________
 (1) الملهوف ص 177- 182.
 (2) المصدر ص 188- 190.

149
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

و جارية خفرة و متخفرة و قال فرعت في الجبل صعدته و فرعت في الجبل صعدت و يقال بئسما أفرعت به أي ابتدأت.
أقول و في بعض النسخ تفرغ بالغين المعجمة من الإفراغ بمعنى السكب و هو أظهر و الختل الخدعة و في الإحتجاج الختر و هو أيضا بالتحريك الغدر.
قولها ع كمثل التي إشارة إلى قوله تعالى وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ «1» قال الطبرسي ره أي لا تكونوا كالمرأة التي غزلت ثم نقضت غزلها من بعد إمرار و فتل للمغزل و هي امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن و لا تزال ذلك دأبها و قيل إنه مثل ضربه الله شبه فيه حال ناقض العهد بمن كان كذلك أَنْكاثاً جمع نكث و هو الغزل من الصوف و الشعر يبرم ثم ينكث و ينقض ليغزل ثانية تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أي دغلا و خيانة و مكرا.
و قال الخليل الصلف مجاوزة قدر الظرف و الادعاء فوق ذلك تكبرا و النطف بالتحريك التلطخ بالعيب و في الإحتجاج بعد الصلف و العجب و الشنف و الكذب و الشنف بالتحريك البغض و التنكر و الدمنة بالكسر ما تدمنه الإبل و الغنم بأبوالها و أبعارها أي تلبده في مرابضها فربما نبت فيها النبات شبهتهم تارة بذلك النبات في دناءة أصلهم و عدم الانتفاع بهم مع حسن ظاهرهم و خبث باطنهم و أخرى بفضة «2» تزين بها القبور في أنهم كالأموات زينوا أنفسهم بلباس الأحياء و لا ينتفع بهم الأحباء و لا يرجى منهم الكرم و الوفاء.
قولها بعارها الضمير راجع إلى الأمة أو الأزمنة
و في الإحتجاج أجل و الله فابكوا فإنكم و الله أحق بالبكاء فابكوا كثيرا و اضحكوا قليلا فقد بليتم بعارها و منيتم بشنارها.
و الشنار العيب و رحضه كمنعه غسله كأرحضه و المدرة بالكسر زعيم القوم و خطيبهم و المتكلم عنهم و الذي يرجعون إلى رأيه و تبت الأيدي أي خسرت أو هلكت و الأيدي إما مجاز للأنفس أو بمعناها.
__________________________________________________
 (1) النحل: 92.
 (2) الصحيح بقصة: اي بجصة، كما مر.

150
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

و الفري القطع‏
و في بعض النسخ و الروايات فرثتم.
بالثاء المثلثة
قال في النهاية في حديث أم كلثوم بنت علي ع لأهل الكوفة أ تدرون أي كبد فرثتم لرسول الله ص.
الفرث تفتيت الكبد بالغم و الأذى و الصلعاء الداهية القبيحة قال الجزري في حديث عائشة أنها قالت لمعاوية حين ادعى زيادا ركبت الصليعاء أي الداهية و الأمر الشديد أو السوءة الشنيعة البارزة المكشوفة انتهى.
و العنقاء بالقاف الداهية و في بعض النسخ بالفاء من العنف و الفقماء من قولهم تفاقم الأمر أي عظم و الخرق ضد الرفق و الشوهاء القبيحة و الضمير في قولها جئتم بها راجع إلى الفعلة القبيحة و القضية الشنيعة التي أتوا بها و الكلام مبني على التجريد و طلاع الأرض بالكسر ملؤها و الحفز الحث و الإعجال.
قولها لا يبزى أي لا يغلب و لا يقهر و الذحل الحقد و العداوة يقال طلب بذحله أي بثأره و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا و ترة.
قولها ع في بيت متعلق بالمقتول لأن أمير المؤمنين ع قتل في المسجد و سائر الأوصاف بعد ذلك نعوت له و التعس الهلاك و الضيم الظلم و النقيبة النفس و العريكة الطبيعة و العذل الملامة و الجدل بالتحريك الفرح و سحته و أسحته أي استأصله و نزع إليه اشتاق و في بعض النسخ فزعت أي لجأت.
و قال الجوهري الكثكث و الكثكث فتات الحجارة و التراب مثل الأثلب و الإثلب و يقال بفيه الكثكث و قال كظم غيظه كظما اجترعه و الكظوم السكوت و كظم البعير يكظم كظوما إذا أمسك عن الجرة و قال أقعى الكلب إذا جلس على استه مفترشا رجليه و ناصبا يديه و قد جاء النهي عن الإقعاء في الصلاة و قال الشاعر
          فأقع كما أقعى أبوك على استه             رأى أن ريما فوقه لا يعادله‏
 و قال جاش الوادي زخر و امتد جدا و قال سجا يسجو سجوا سكن و دام و قوله تعالى وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏ أي إذ دام و سكن و منه البحر الساجي‏

151
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قال الأعشى‏
          فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم             و بحرك ساج لا يواري الدعامصا
 و قال الدعموص دويبة تغوص في الماء و الجمع الدعاميص و الدعامص أيضا ثم ذكر بيت الأعشى و الكلة بالكسر الستر الرقيق و الصبية جمع الصبي.
و قال الجزري فيه أنه نهى عن قتل شي‏ء من الدواب صبرا هو أن يمسك شي‏ء من ذوات الروح حيا ثم يرمى بشي‏ء حتى يموت و كل من قتل في غير معركة و لا حرب و لا خطاء فإنه مقتول صبرا قوله و لم ينسني كأنه على سبيل القلب و فيه لطف أو المعنى لم يتركني و اللهاة اللحمة في أقصى الفم و الفراش بالفتح ما يبس بعد الماء من الطين على الأرض و بالكسر ما يفرش و موقع اللسان في قعر الفم.
قولها لا يطيق وجوبا أي لزوما بالأرض و سكونا أو عملا بواجب على هيئة الاختيار و يقال طعنه فجدله أي رماه بالأرض و رجل مغاور بضم الميم أي مقاتل و هو صفة لقوله بطل أو حال عنه بالإضافة إلى ياء المتكلم و ضرجه بدم أي لطخه و يقال قف شعري أي قام من الفزع و قال الجوهري اللدم صوت الحجر أو الشي‏ء يقع بالأرض و ليس بالصوت الشديد
و في الحديث و الله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد.
ثم يسمى الضرب لدما و لدمت المرأة وجهها ضربته و التدام النساء ضربهن صدورهن في النياحة و اللدم بالتحريك الحرم في القرابات و القبيل الكفيل و العريف و الجماعة تكون من الثلاثة فصاعدا من قوم شتى أي كل قبيل من قبائل الملائكة و الوزر بالتحريك الملجأ.
قوله لعنه الله تصهرهم الشمس أي تذيبهم و المخصرة بكسر الميم كالسوط و كلما اختصر الإنسان بيده فأمسكه من عصا و نحوها و الأسل الرمح و شمخ الرجل بأنفه تكبر و عطفا الرجل بالكسر جانباه و النظر في العطف كناية عن الخيلاء و الجذل بالتحريك الفرح و قد جذل بالكسر يجذل فهو جذلان.
و قولها ع يحدو بهن أي يسوقهن سوقا شديدا و استشرف الشي‏ء

152
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

رفع بصره ينظر إليه و المنقل الطريق في الجبل و المنقلة المرحلة من مراحل السفر قولها و كيف يستبطئ في بغضنا أي لا يطلب منه الإبطاء و التأخير في البغض و الشنف بالتحريك البغض و التنكر و الإحن بكسر الهمزة و فتح الحاء جمع الإحنة بالكسر و هي الحقد و الانتحاء الاعتماد و الميل و انتحيت لفلان أي عرضت له و أنحيت على حلقه السكين أي عرضت و نكأت القرحة قشرتها.
و قال الفيروزآبادي الشافة قرحة تخرج في أسفل القدم فتكوى فتذهب و إذا قطعت مات صاحبها و الأصل و استأصل الله شافته أذهبه كما تذهب تلك القرحة أو معناه أزاله من أصله انتهى و يقال خرج وشيكا أي سريعا و الفري القطع.
قولها و لئن جرت علي الدواهي مخاطبتك يحتمل أن يكون مخاطبتك مرفوعا بالفاعلية أي إن أوقعت علي مخاطبتك البلايا فلا أبالي و لا أعظم قدرك أو يكون منصوبا بالمفعولية أي إن أوقعتني دواهي الزمان إلى حال احتجت إلى مخاطبتك فلست معظمة لقدرك.
قولها تنطف بكسر الطاء و ضمها أي تقطر و قال الفيروزآبادي تحلب عينه و فوه أي سالا و العواسل الذئاب السريعة العدو قولها و تعفوها أمهات الفراعل من قولهم عفت الريح المنزل أي درسته أو من قولهم فلان تعفوه الأضياف أي تأتيه كثيرا و في بعض النسخ تعفرها أي تلطخها بالتراب عند الأكل و في بعضها بالقاف من العقر بمعنى الجرح و منه كلب عقور و الفرعل بالضم ولد الضبع‏
و في رواية السيد أمهات الفراعل.
و هو أظهر و الفند بالتحريك الكذب و ضعف الرأي و البهلول من الرجال الضحاك و ربط العنان كناية عن ترك المحارم و ملازمة الشريعة في جميع الأمور و فلان شديد الشكيمة إذا كان شديد النفس أنفا أبيا و وجأته بالسكين ضربته.
و النياط بالكسر عرق علق به القلب من الوتين فإذا قطع مات صاحبه و الشنشنة الخلق و الطبيعة و الشحط البعد و الشاسع البعيد و اللواذع المصائب المحرقة الموجعة و يقال كظني هذا الأمر أي جهدني من الكرب و الجائحة الشدة التي تستأصل المال و غيره و قال الجوهري عامل الرمح ما يلي السنان.

153
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

2- قل، إقبال الأعمال رَأَيْتُ فِي كِتَابِ الْمَصَابِيحِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع قَالَ قَالَ لِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ سَأَلْتُ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عَنْ حَمْلِ يَزِيدَ لَهُ فَقَالَ حَمَلَنِي عَلَى بَعِيرٍ يَطْلُعُ بِغَيْرِ وِطَاءٍ وَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع عَلَى عَلَمٍ وَ نِسْوَتُنَا خَلْفِي عَلَى بِغَالٍ فأكف- [وَاكِفَةً] وَ الْفَارِطَةُ خَلْفَنَا وَ حَوْلَنَا بِالرِّمَاحِ إِنْ دَمَعَتْ مِنْ أَحَدِنَا عَيْنٌ قُرِعَ رَأْسُهُ بِالرُّمْحِ حَتَّى إِذَا دَخَلْنَا دِمَشْقَ صَاحَ صَائِحٌ يَا أَهْلَ الشَّامِ هَؤُلَاءِ سَبَايَا أَهْلِ الْبَيْتِ الْمَلْعُونِ.
بيان قوله فأكف أي أميل و أشرف على السقوط و الأظهر واكفة أي كانت البغال بإكاف أي برذعة من غير سرج و فرط سبق و في الأمر قصر به و ضيعه و عليه في القول أسرف و فرط القوم تقدمهم إلى الورد لإصلاح الحوض و الفرط بضمتين الظلم و الاعتداء و الأمر المجاوز فيه الحد و لعل فيه أيضا تصحيفا.
3- لي، الأمالي للصدوق الطَّالَقَانِيُّ عَنِ الْجَلُودِيِّ عَنِ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنِي حَاجِبُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ لَمَّا جِي‏ءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع أَمَرَ فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ وَ جَعَلَ يَضْرِبُ بِقَضِيبٍ فِي يَدِهِ عَلَى ثَنَايَاهُ وَ يَقُولُ لَقَدْ أَسْرَعَ الشَّيْبُ إِلَيْكَ يَا بَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ مَهْ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَلْثِمُ حَيْثُ تَضَعُ قَضِيبَكَ فَقَالَ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ ثُمَّ أَمَرَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع فَغُلَّ وَ حُمِلَ مَعَ النِّسْوَةِ وَ السَّبَايَا إِلَى السِّجْنِ وَ كُنْتُ مَعَهُمْ فَمَا مَرَرْنَا بِزُقَاقٍ إِلَّا وَجَدْنَاهُ مِلْ‏ءَ رِجَالٍ وَ نِسَاءٍ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ يَبْكُونَ فَحُبِسُوا فِي سِجْنٍ وَ طُبِّقَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ إِنَّ ابْنَ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ دَعَا بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ النِّسْوَةِ وَ أَحْضَرَ رَأْسَ الْحُسَيْنِ ع وَ كَانَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ عَلِيٍّ ع فِيهِمْ فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَحَكُمْ وَ قَتَلَكُمْ وَ أَكْذَبَ أَحَادِيثَكُمْ فَقَالَتْ زَيْنَبُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِمُحَمَّدٍ وَ طَهَّرَنَا تَطْهِيراً إِنَّمَا يَفْضَحُ اللَّهُ الْفَاسِقَ وَ يُكَذِّبُ الْفَاجِرَ قَالَ كَيْفَ رَأَيْتِ صَنِيعَ اللَّهِ بِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ قَالَ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَ سَيَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ فَتَتَحَاكَمُونَ عِنْدَهُ فَغَضِبَ ابْنُ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَ هَمَّ بِهَا فَسَكَّنَ مِنْهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ-

154
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَقَالَتْ زَيْنَبُ يَا ابْنَ زِيَادٍ حَسْبُكَ مَا ارْتَكَبْتَ مِنَّا فَلَقَدْ قَتَلْتَ رِجَالَنَا وَ قَطَعْتَ أَصْلَنَا وَ أَبَحْتَ حَرِيمَنَا وَ سَبَيْتَ نِسَاءَنَا وَ ذَرَارِيَّنَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلِاشْتِفَاءِ فَقَدِ اشْتَفَيْتَ فَأَمَرَ ابْنُ زِيَادٍ بِرَدِّهِمْ إِلَى السِّجْنِ وَ بَعَثَ الْبَشَائِرَ إِلَى النَّوَاحِي بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ع ثُمَّ أَمَرَ بِالسَّبَايَا وَ رَأْسِ الْحُسَيْنِ فَحُمِلُوا إِلَى الشَّامِ فَلَقَدْ حَدَّثَنِي جَمَاعَةٌ كَانُوا خَرَجُوا فِي تِلْكَ الصُّحْبَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ بِاللَّيَالِي نَوْحَ الْجِنِّ عَلَى الْحُسَيْنِ إِلَى الصَّبَاحِ وَ قَالُوا فَلَمَّا دَخَلْنَا دِمَشْقَ أُدْخِلَ بِالنِّسَاءِ وَ السَّبَايَا بِالنَّهَارِ مُكَشَّفَاتِ الْوُجُوهِ فَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ الْجُفَاةُ مَا رَأَيْنَا سَبَايَا أَحْسَنَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَمَنْ أَنْتُمْ فَقَالَتْ سُكَيْنَةُ ابْنَةُ الْحُسَيْنِ نَحْنُ سَبَايَا آلِ مُحَمَّدٍ ص فَأُقِيمُوا عَلَى دَرَجِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ يُقَامُ السَّبَايَا وَ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ فَتًى شَابٌّ فَأَتَاهُمْ شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ لَهُمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَكُمْ وَ أَهْلَكَكُمْ وَ قَطَعَ قَرْنَ الْفِتْنَةِ فَلَمْ يَأْلُ عَنْ شَتْمِهِمْ فَلَمَّا انْقَضَى كَلَامُهُ قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع أَ مَا قَرَأْتَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَ مَا قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى«1» قَالَ بَلَى قَالَ فَنَحْنُ أُولَئِكَ ثُمَّ قَالَ أَ مَا قَرَأْتَ وَ آتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ «2» قَالَ بَلَى قَالَ فَنَحْنُ هُمْ فَهَلْ قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «3» قَالَ بَلَى قَالَ فَنَحْنُ هُمْ فَرَفَعَ الشَّامِيُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ عَدُوِّ آلِ مُحَمَّدٍ وَ مِنْ قَتَلَةِ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ لَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَمَا شَعَرْتُ بِهَذَا قَبْلَ الْيَوْمِ ثُمَّ أُدْخِلَ نِسَاءُ الْحُسَيْنِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَصِحْنَ نِسَاءُ آلِ يَزِيدَ وَ بَنَاتُ مُعَاوِيَةَ وَ أَهْلُهُ وَ وَلْوَلْنَ وَ أَقَمْنَ الْمَأْتَمَ وَ وُضِعَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَتْ سُكَيْنَةُ مَا رَأَيْتُ أَقْسَى قَلْباً مِنْ يَزِيدَ وَ لَا رَأَيْتُ كَافِراً وَ لَا مُشْرِكاً شَرّاً مِنْهُ وَ لَا
__________________________________________________
 (1) الشورى: 23.
 (2) أسرى: 26.
 (3) الأحزاب: 33.

155
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أَجْفَى مِنْهُ وَ أَقْبَلَ يَقُولُ وَ يَنْظُرُ إِلَى الرَّأْسِ-
          لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا-             جَزِعَ الْخَزْرَجُ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ‏
 ثُمَّ أَمَرَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ فَنُصِبَ عَلَى بَابِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَرُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ عَلِيٍّ ع أَنَّهَا قَالَتْ لَمَّا أُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ رَقَّ لَنَا أَوَّلَ شَيْ‏ءٍ وَ أَلْطَفَنَا ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَحْمَرَ قَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَبْ لِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ يَعْنِينِي وَ كُنْتُ جَارِيَةً وَضِيئَةً فَأُرْعِبْتُ وَ فَرِقْتُ وَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَأَخَذْتُ بِثِيَابِ أُخْتِي وَ هِيَ أَكْبَرُ مِنِّي وَ أَعْقَلُ فَقَالَتْ كَذَبْتَ وَ اللَّهِ وَ لُعِنْتَ مَا ذَاكَ لَكَ وَ لَا لَهُ فَغَضِبَ يَزِيدُ وَ قَالَ بَلْ كَذَبْتِ وَ اللَّهِ لَوْ شِئْتُ لَفَعَلْتُهُ قَالَتْ لَا وَ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ لَكَ إِلَّا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا وَ تَدِينَ بِغَيْرِ دِينِنَا فَغَضِبَ يَزِيدُ ثُمَّ قَالَ إِيَّايَ تَسْتَقْبِلِينَ بِهَذَا إِنَّمَا خَرَجَ مِنَ الدِّينِ أَبُوكِ وَ أَخُوكِ فَقَالَتْ بِدِينِ اللَّهِ وَ دِيْنِ أَبِي وَ أَخِي وَ جَدِّي اهْتَدَيْتَ أَنْتَ وَ جَدُّكَ وَ أَبُوكَ قَالَ كَذَبْتِ يَا عَدُوَّةَ اللَّهِ قَالَتْ أَمِيرٌ يَشْتِمُ ظَالِماً وَ يَقْهَرُ بِسُلْطَانِهِ قَالَتْ فَكَأَنَّهُ لَعَنَهُ اللَّهُ اسْتَحْيَا فَسَكَتَ فَأَعَادَ الشَّامِيُّ لَعَنَهُ اللَّهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَبْ لِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ فَقَالَ لَهُ اعْزُبْ وَهَبَ اللَّهُ لَكَ حَتْفاً قَاضِياً «1».
4- أقول قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة في جملة أبيات ذكرها عن ابن الزبعري أنه قالها لوصف يوم أحد-
          ليت أشياخي ببدر شهدوا-             جزع الخزرج من وقع الأسل-
             حين حطت بقباء بركها «2»-             و استحر القتل في عبد الأشل‏
 ثم قال كثير من الناس يعتقدون أن هذا البيت ليزيد بن معاوية و قال من أكره التصريح باسمه هذا البيت ليزيد فقلت له إنما قاله يزيد متمثلا لما حمل إليه رأس الحسين ع و هو لابن الزبعري فلم تسكن نفسه إلى ذلك حتى أوضحته له فقلت أ لا تراه قال‏
          جزع الخزرج من وقع الأسل-
 و الحسين- ع لم‏
__________________________________________________
 (1) أمالي الصدوق المجلس 31 تحت الرقم 3.
 (2) البرك: الصدر، و قباء موضع بالمدينة و عبد الاشل: أى عبد الاشهل حذف الهاء للضرورة.

156
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

تحارب عنه الخزرج و كان يليق أن يقول جزع بني هاشم من وقع الأسل فقال بعض من كان حاضرا لعله قاله يوم الحرة فقلت المنقول أنه أنشده لما حمل إليه رأس الحسين ع و المنقول أنه شعر ابن الزبعري و لا يجوز أن يترك المنقول إلى ما ليس بمنقول «1».
4، 3- 5- ج، الإحتجاج رَوَى شَيْخٌ صَدُوقٌ مِنْ مَشَايِخِ بَنِي هَاشِمٍ وَ غَيْرُهُ مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ حَرَمُهُ عَلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ جِي‏ءَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع وَ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي طَسْتٍ فَجَعَلَ يَضْرِبُ ثَنَايَاهُ بِمِخْصَرَةٍ كَانَتْ فِي يَدِهِ وَ هُوَ يَقُولُ-
          لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا-             جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ-
             لَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً-             وَ لَقَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلَّ-
             فَجَزَيْنَاهُمْ بِبَدْرٍ مِثْلَهَا-             وَ أَقَمْنَا مِثْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلَ-
             لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ-             مِنْ بَنِي أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلَ‏
 فَقَامَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ أُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَ قَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى جَدِّي سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَدَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ يَقُولُ- ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَ كانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ «2» أَ ظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حِينَ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَ ضَيَّقْتَ عَلَيْنَا آفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا لَكَ فِي إِسَارٍ نُسَاقُ إِلَيْكَ سَوْقاً فِي قِطَارٍ وَ أَنْتَ عَلَيْنَا
__________________________________________________
 (1) لا ريب أن الشعر لعبد اللّه بن الزبعرى كما مرّ الإشارة إليه في ص 133 ترى الأبيات في سيرة ابن هشام عند ذكر ما قيل من الشعر يوم أحد و هي ستة عشر بيتا و قد أجابه حسان ابن ثابت الأنصاريّ فقال:
         ذهبت يا بن الزبعرى وقعة             كان منا الفضل فيها لو عدل‏
          و لقد نلتم و نلنا منكم             و كذلك الحرب أحيانا دول‏
 الى آخر الأبيات راجع ج 2 ص 136- 138.
 (2) الروم: 10.

157
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

ذُو اقْتِدَارٍ أَنَّ بِنَا مِنَ اللَّهِ هَوَاناً وَ عَلَيْكَ مِنْهُ كَرَامَةً وَ امْتِنَاناً وَ أَنَّ ذَلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ وَ جَلَالَةِ قَدْرِكَ فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَ نَظَرْتَ فِي عِطْفٍ تَضْرِبُ أَصْدَرَيْكَ فَرِحاً وَ تَنْفُضُ مِدْرَوَيْكَ مَرِحاً حِينَ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْسِقَةً وَ الْأُمُورَ لَدَيْكَ مُتَّسِقَةً وَ حِينَ صَفِيَ لَكَ مُلْكُنَا وَ خَلَصَ لَكَ سُلْطَانُنَا فَمَهْلًا مَهْلًا لَا تَطِشْ جَهْلًا أَ نَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ «1» أَ مِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَ سَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ سَبَايَا قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَ أَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ يَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَ يَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاقِلِ وَ يَبْرُزْنَ لِأَهْلِ الْمَنَاهِلِ وَ يَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ وَ الْغَائِبُ وَ الشَّهِيدُ وَ الشَّرِيفُ وَ الْوَضِيعُ وَ الدَّنِيُّ وَ الرَّفِيعُ لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَ لَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيمٌ عُتُوّاً مِنْكَ عَلَى اللَّهِ وَ جُحُوداً لِرَسُولِ اللَّهِ وَ دَفْعاً لِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ لَا غَرْوَ مِنْكَ وَ لَا عَجَبَ مِنْ فِعْلِكَ وَ أَنَّى يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الشُّهَدَاءِ وَ نَبَتَ لَحْمُهُ بِدِمَاءِ السُّعَدَاءِ وَ نَصَبَ الْحَرْبَ لِسَيِّدِ الْأَنْبِيَاءِ وَ جَمَعَ الْأَحْزَابَ وَ شَهَرَ الْحِرَابَ وَ هَزَّ السُّيُوفَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَشَدُّ الْعَرَبِ لِلَّهِ جُحُوداً وَ أَنْكَرُهُمْ لَهُ رَسُولًا وَ أَظْهَرُهُمْ لَهُ عُدْوَاناً وَ أَعْتَاهُمْ عَلَى الرَّبِّ كُفْراً وَ طُغْيَاناً أَلَا إِنَّهَا نَتِيجَةُ خِلَالِ الْكُفْرِ وَ ضَبٌّ يُجَرْجِرُ فِي الصَّدْرِ لِقَتْلَى يَوْمِ بَدْرٍ فَلَا يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ كَانَ نَظَرُهُ إِلَيْنَا شَنَفاً وَ شَنْآناً وَ أَحَناً وَ ضَغَناً يُظْهِرُ كُفْرَهُ بِرَسُولِهِ وَ يُفْصِحُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ وَ هُوَ يَقُولُ فَرِحاً بِقَتْلِ وُلْدِهِ وَ سَبْيِ ذُرِّيَّتِهِ غَيْرَ مُتَحَوِّبٍ وَ لَا مُسْتَعْظِمٍ-
          لَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً-             وَ لَقَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلَّ-
 مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَ كَانَ مُقَبَّلَ رَسُولِ اللَّهِ ص يَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِهِ‏
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 178.

158
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَدِ الْتَمَعَ السُّرُورُ بِوَجْهِهِ لَعَمْرِي لَقَدْ نَكَأْتَ الْقُرْحَةَ وَ اسْتَأْصَلْتَ الشَّافَةَ بِإِرَاقَتِكَ دَمَ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ ابْنِ يَعْسُوبِ الْعَرَبِ وَ شَمْسِ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَ هَتَفْتَ بِأَشْيَاخِكَ وَ تَقَرَّبْتَ بِدَمِهِ إِلَى الْكَفَرَةِ مِنْ أَسْلَافِكِ ثُمَّ صَرَخْتَ بِنِدَائِكَ وَ لَعَمْرِي قَدْ نَادَيْتَهُمْ لَوْ شَهِدُوكَ وَ وَشِيكاً تَشْهَدُهُمْ وَ يَشْهَدُوكَ «1» وَ لَتَوَدُّ يَمِينُكَ كَمَا زَعَمْتَ شُلَّتْ بِكَ عَنْ مِرْفَقِهَا وَ أَحْبَبْتَ أُمَّكَ لَمْ تَحْمِلْكَ وَ أَبَاكَ لَمْ يَلِدْكَ حِينَ تَصِيرُ إِلَى سَخَطِ اللَّهِ وَ مُخَاصِمُكَ وَ مُخَاصِمُ أَبِيكَ رَسُولُ اللَّهِ ص اللَّهُمَّ خُذْ بِحَقِّنَا وَ انْتَقِمْ مِنْ ظَالِمِنَا وَ أَحْلِلْ غَضَبَكَ بِمَنْ سَفَكَ دِمَاءَنَا وَ نَقَصَ ذِمَامَنَا وَ قَتَلَ حُمَاتَنَا وَ هَتَكَ عَنَّا سُدُولَنَا- وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ مَا فَرَيْتَ إِلَّا جِلْدَكَ وَ مَا جَزَزْتَ إِلَّا لَحْمَكَ وَ سَتَرِدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِمَا تَحَمَّلْتَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَ انْتَهَكْتَ مِنْ حُرْمَتِهِ وَ سَفَكْتَ مِنْ دِمَاءِ عِتْرَتِهِ وَ لُحْمَتِهِ حَيْثُ يَجْمَعُ بِهِ شَمْلَهُمْ وَ يَلُمُّ بِهِ شَعَثَهُمْ وَ يَنْتَقِمُ مِنْ ظَالِمِهِمْ وَ يَأْخُذُ لَهُمْ بِحَقِّهِمْ مِنْ أَعْدَائِهِمْ وَ لَا يَسْتَفِزَّنَّكَ الْفَرَحُ بِقَتْلِهِ- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ- فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ «2» وَ حَسْبُكَ بِاللَّهِ وَلِيّاً وَ حَاكِماً وَ بِرَسُولِ اللَّهِ خَصِيماً وَ بِجَبْرَئِيلَ ظَهِيراً وَ سَيَعْلَمُ مَنْ بَوَّأَكَ وَ مَكَّنَكَ مِنْ رِقَابِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا وَ أَنَّكُمْ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ سَبِيلًا وَ مَا اسْتِصْغَارِي قَدْرَكَ وَ لَا اسْتِعْظَامِي تَقْرِيعَكَ تَوَهُّماً لِانْتِجَاعِ الْخِطَابِ فِيكَ بَعْدَ أَنْ تَرَكْتَ عُيُونَ الْمُسْلِمِينَ بِهِ عَبْرَى وَ صُدُورَهُمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ حَرَّى فَتِلْكَ قُلُوبٌ قَاسِيَةٌ وَ نُفُوسٌ طَاغِيَةٌ وَ أَجْسَامٌ مَحْشُوَّةٌ بِسَخَطِ اللَّهِ وَ لَعْنَةِ الرَّسُولِ قَدْ عَشَّشَ فِيهِ الشَّيْطَانُ وَ فَرَّخَ وَ مَنْ هُنَاكَ مِثْلُكَ مَا دَرَجَ وَ نَهَضَ فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ لِقَتْلِ الْأَتْقِيَاءِ وَ أَسْبَاطِ الْأَنْبِيَاءِ وَ سَلِيلِ الْأَوْصِيَاءِ بِأَيْدِي الطُّلَقَاءِ الْخَبِيثَةِ وَ نَسْلِ الْعَهَرَةِ
__________________________________________________
 (1) في الأصل و هكذا المصدر «و ان يشهدوك» و هو تصحيف.
 (2) آل عمران: 169.

159
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الْفَجَرَةِ تَنْطِفُ أَكُفُّهُمْ مِنْ دِمَائِنَا وَ تَتَحَلَّبُ أَفْوَاهُهُمْ مِنْ لُحُومِنَا وَ لِلْجُثَثِ الزَّاكِيَةِ عَلَى الْجُبُوبِ الضَّاحِيَةِ تَنْتَابُهَا الْعَوَاسِلُ وَ تُعَفِّرُهَا الْفَرَاعِلُ فَلَئِنِ اتَّخَذْتَنَا مَغْنَماً لَتَتَّخِذُنَا وَشِيكاً مَغْرَماً حِينَ لَا تَجِدُ إِلَّا مَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ مَا اللَّهُ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَ إِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى وَ الْمُعَوَّلُ وَ إِلَيْهِ الْمَلْجَأُ وَ الْمُؤَمَّلُ ثُمَّ كِدْ كَيْدَكَ وَ اجْهَدْ جُهْدَكَ فَوَ الَّذِي شَرَّفَنَا بِالْوَحْيِ وَ الْكِتَابِ وَ النُّبُوَّةِ وَ الِانْتِجَابِ- لَا تُدْرِكُ أَمَدَنَا وَ لَا تَبْلُغُ غَايَتَنَا وَ لَا تَمْحُو ذِكْرَنَا وَ لَا تَرْحَضُ عَنْكَ عَارُنَا وَ هَلْ رَأْيُكَ إِلَّا فَنَدٌ وَ أَيَّامُكَ إِلَّا عَدَدٌ وَ جَمْعُكَ إِلَّا بَدَدٌ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي أَلَا لُعِنَ الظَّالِمُ الْعَادِي وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَكَمَ لِأَوْلِيَائِهِ بِالسَّعَادَةِ وَ خَتَمَ لِأَوْصِيَائِهِ بِبُلُوغِ الْإِرَادَةِ نَقَلَهُمْ إِلَى الرَّحْمَةِ وَ الرَّأْفَةِ وَ الرِّضْوَانِ وَ الْمَغْفِرَةِ وَ لَمْ يَشْقَ بِهِمْ غَيْرُكَ وَ لَا ابْتَلَى بِهِمْ سِوَاكَ وَ نَسْأَلُهُ أَنْ يُكْمِلَ لَهُمُ الْأَجْرَ وَ يُجْزِلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَ الذُّخْرَ وَ نَسْأَلُهُ حُسْنَ الْخِلَافَةِ وَ جَمِيلَ الْإِنَابَةِ إِنَّهُ رَحِيمٌ وَدُودٌ فَقَالَ يَزِيدُ مُجِيباً لَهَا شِعْراً-
          يَا صَيْحَةً تُحْمَدُ مِنْ صَوَائِحِ-             مَا أَهْوَنَ الْمَوْتَ عَلَى النَّوَائِحِ‏
 ثُمَّ أَمَرَ بِرَدِّهِمْ «1».
بيان قال الجزري في حديث الحسن يضرب أسدريه أي عطفيه و منكبيه يضرب بيده عليهما و روي بالزاء و الصاد بدل السين بمعنى واحد و هذه الأحرف الثلاثة تتعاقب مع الدال و قال في باب الصاد في حديث الحسن يضرب أصدريه أي منكبيه و قال في باب الميم و الذال في حديث الحسن ما تشاء أن ترى أحدهم ينفض مذرويه المذروان جانبا الأليتين و لا واحد لهما و قيل هما طرفا كل شي‏ء و أراد بهما الحسن فرعا المنكبين يقال جاء فلان ينفض مذرويه إذا جاء باغيا يتهدد و كذلك إذا جاء فارغا في غير شغل و الميم زائدة.
و قال الفيروزآبادي الأصدران عرقان تحت الصدغين و جاء يضرب‏
__________________________________________________
 (1) الاحتجاج ص 157- 159.

160
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أصدريه أي فارغا و قال في المذروين بكسر الميم نحوا مما مر.
و يقال لا غرو أي ليس بعجب و الضب الحقد الكامن في الصدر و في بعض النسخ مكان شنفا و شنآنا سيفا و سنانا و فلان يتحوب من كذا أي يتأثم و التحوب أيضا التوجع و التحزن و السديل ما أسبل على الهودج و الجمع السدول.
قولها رضي الله عنها فتلك إشارة إلى أعوانه و أنصاره و في بعض النسخ قبلك بكسر القاف و فتح الباء عندك أو بفتح القاف و سكون الباء إشارة إلى آبائه لعنهم الله.
قولها ما درج كلمة ما زائدة كما في قوله تعالى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي بإعانة هؤلاء درجت و مشيت و قمت أو في حجور هؤلاء الأشقياء ربيت و منهم تفرعت و الجبوب بضم الجيم و الباء الأرض الغليظة و يقال وجه الأرض و في بعض النسخ بالنون فعلى الأول الضاحية من قولهم مكان ضاح أي بارز و على الثاني من قولهم ضحيت للشمس أي برزت و إنما أوردت بعض الروايات مكررا لكثرة اختلافها.
6- ج، الإحتجاج رَوَى ثِقَاتُ الرُّوَاةِ وَ عُدُولُهُمْ لَمَّا أُدْخِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ع فِي جُمْلَةِ مَنْ حُمِلَ إِلَى الشَّامِ سَبَايَا مِنْ أَوْلَادِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع وَ أَهَالِيهِ عَلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ قَالَ لَهُ يَا عَلِيُّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَ أَبَاكَ قَالَ ع قَتَلَ أَبِيَ النَّاسُ قَالَ يَزِيدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَهُ فَكَفَانِيهِ قَالَ ع عَلَى مَنْ قَتَلَ أَبِي لَعْنَةُ اللَّهِ أَ فَتَرَانِي لَعَنْتُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَالَ يَزِيدُ يَا عَلِيُّ اصْعَدِ الْمِنْبَرَ فَأَعْلِمِ النَّاسَ حَالَ الْفِتْنَةِ وَ مَا رَزَقَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الظَّفَرِ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مَا أَعْرَفَنِي بِمَا تُرِيدُ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ص ثُمَّ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا أُعَرِّفُهُ بِنَفْسِي أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنَى أَنَا ابْنُ الْمَرْوَةِ وَ الصَّفَا أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى أَنَا ابْنُ مَنْ لَا يَخْفَى أَنَا ابْنُ مَنْ عَلَا فَاسْتَعْلَى فَجَازَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَ كَانَ مِنْ رَبِّهِ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏-

161
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَضَجَّ أَهْلُ الشَّامِ بِالْبُكَاءِ حَتَّى خَشِيَ يَزِيدُ أَنْ يَرْحَلَ مِنْ مَقْعَدِهِ فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ أَذِّنْ فَلَمَّا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ جَلَسَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ بَكَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى يَزِيدَ فَقَالَ يَا يَزِيدُ هَذَا أَبُوكَ أَمْ أَبِي قَالَ بَلْ أَبُوكَ فَانْزِلْ فَنَزَلَ فَأَخَذَ نَاحِيَةَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَقِيَهُ مَكْحُولٌ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَمْسَيْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ أَمْسَيْنَا بَيْنَكُمْ مِثْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَهُمْ- وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ فَلَمَّا انْصَرَفَ يَزِيدُ إِلَى مَنْزِلِهِ دَعَا بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ قَالَ يَا عَلِيُّ أَ تُصَارِعُ ابْنِي خَالِداً قَالَ ع مَا تَصْنَعُ بِمُصَارَعَتِي إِيَّاهُ أَعْطِنِي سِكِّيناً وَ أَعْطِهِ سِكِّيناً فَلْيَقْتُلْ أَقْوَانَا أَضْعَفَنَا فَضَمَّهُ يَزِيدُ إِلَى صَدْرِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تَلِدُ الْحَيَّةُ إِلَّا الْحَيَّةَ أَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَا يَزِيدُ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُرِيدُ قَتْلِي فَإِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ قَاتِلِي فَوَجِّهْ مَعَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ مَنْ يَرُدُّهُنَّ إِلَى حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ لَا يَرُدُّهُنَّ غَيْرُكَ لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ فَوَ اللَّهِ مَا أَمَرْتُهُ بِقَتْلِ أَبِيكَ وَ لَوْ كُنْتُ مُتَوَلِّياً لِقِتَالِهِ مَا قَتَلْتُهُ ثُمَّ أَحْسَنَ جَائِزَتَهُ وَ حَمَلَهُ وَ النِّسَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ «1».
7- ج، الإحتجاج عَنْ حِذْيَمِ بْنِ شَرِيكٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: لَمَّا أَتَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ع بِالنِّسْوَةِ مِنْ كَرْبَلَاءَ وَ كَانَ مَرِيضاً وَ إِذَا نِسَاءُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَنْتَدِبْنَ مُشَقَّقَاتِ الْجُيُوبِ وَ الرِّجَالُ مَعَهُنَّ يَبْكُونَ فَقَالَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ بِصَوْتٍ ضَئِيلٍ وَ قَدْ نَهَكَتْهُ الْعِلَّةُ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَبْكُونَ فَمَنْ قَتَلَنَا غَيْرَهُمْ فَأَوْمَأَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع إِلَى النَّاسِ بِالسُّكُوتِ قَالَ حِذْيَمٌ الْأَسَدِيُّ فَلَمْ أَرَ وَ اللَّهِ خَفِرَةً أَنْطَقَ مِنْهَا كَأَنَّمَا تَنْطِقُ وَ تُفْرِغُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ قَدْ أَشَارَتْ إِلَى النَّاسِ بِأَنْ أَنْصِتُوا فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ وَ سَكَنَتِ اْلْأَجْرَاسُ ثُمَّ قَالَتْ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ‏
__________________________________________________
 (1) الاحتجاج ص 159 و 160.

162
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْرِ وَ الْغَدْرِ وَ الْحَدْلِ «1» أَلَا فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ وَ لَا هَدَأَتِ الزَّفْرَةُ إِنَّمَا مَثَلُكُمْ مَثَلُ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ هَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ وَ الْعُجْبُ وَ الشَّنَفُ وَ الْكَذِبُ وَ مَلَقُ الْإِمَاءِ وَ غَمْزُ الْأَعْدَاءِ كَمَرْعًى عَلَى دِمْنَةٍ أَوْ كَقَصَّةٍ عَلَى مَلْحُودَةٍ أَلَا بِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَ فِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ أَ تَبْكُونَ عَلَى أَخِي أَجَلْ وَ اللَّهِ فَابْكُوا فَإِنَّكُمْ وَ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ فَابْكُوا كَثِيراً وَ اضْحَكُوا قَلِيلًا فَقَدْ بُلِيتُمْ بِعَارِهَا وَ مُنِيتُمْ بِشَنَارِهَا وَ لَنْ تَرْحَضُوهَا أَبَداً وَ أَنَّى تَرْحَضُونَ قَتْلَ سَلِيلِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَلَاذِ حَرْبِكُمْ وَ مَعَاذِ حِزْبِكُمْ وَ مَقَرِّ سِلْمِكُمْ وَ آسِي كَلْمِكُمْ وَ مَفْزَعِ نَازِلَتِكُمْ وَ الْمَرْجَعِ إِلَيْهِ عِنْدَ مَقَالَتِكُمْ وَ مَدَرَةِ حُجَجِكُمْ وَ مَنَارِ مَحَجَّتِكُمْ أَلَا سَاءَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ وَ سَاءَ مَا تَزِرُونَ لِيَوْمِ بَعْثِكُمْ فَتَعْساً تَعْساً وَ نُكْساً نُكْساً لَقَدْ خَابَ السَّعْيُ وَ تَبَّتِ الْأَيْدِي وَ خَسِرَتِ الصَّفْقَةُ وَ بُؤْتُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ* وَ ضُرِبَتْ عَلَيْكُمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ أَ تَدْرُونَ وَيْلَكُمْ أَيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ ص فَرَيْتُمْ وَ أَيَّ عَهْدٍ نَكَثْتُمْ وَ أَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَبْرَزْتُمْ وَ أَيَّ حُرْمَةٍ لَهُ هَتَكْتُمْ وَ أَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ- لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا شَوْهَاءَ صَلْعَاءَ عَنْقَاءَ سَوْءَاءَ فَقْمَاءَ خَرْقَاءَ طِلَاعَ الْأَرْضِ وَ مِلْ‏ءَ «2» السَّمَاءِ أَ فَعَجِبْتُمْ أَنْ لَمْ تُمْطَرِ السَّمَاءُ دَماً- وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‏ وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ الْمَهَلُ فَإِنَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَنْ لَا يَحْفِزُهُ الْبِدَارُ وَ لَا يُخْشَى عَلَيْهِ فَوْتُ الثَّأْرِ كَلَّا إِنَّ رَبَّكَ لَنَا وَ لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ-
          مَا ذَا تَقُولُونَ إِذْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ-             مَا ذَا صَنَعْتُمْ وَ أَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ-
             بِأَهْلِ بَيْتِي وَ أَوْلَادِي وَ مَكْرُمَتِي-             مِنْهُمْ أُسَارَى وَ مِنْهُمْ ضُرِّجُوا بِدَمٍ‏
__________________________________________________
 (1) يقال: حدل عليه حدلا و حدولا: مال عليه بالظلم، و في بعض النسخ «الجدل» و في بعضها «الخذل».       
 (2) ما بين العلامتين زيادة من المصدر ص 156.

163
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

         مَا كَانَ ذَاكَ جَزَائِي إِذْ نَصَحْتُ لَكُمْ-             أَنْ تَخْلُفُونِي بِسُوءٍ فِي ذَوِي رَحِمِي-
             إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ يَحُلَّ بِكُمْ-             مِثْلُ الْعَذَابِ الَّذِي أَوْدَى عَلَى إِرَمَ-
 ثُمَّ وَلَّتْ عَنْهُمْ قَالَ حِذْيَمٌ فَرَأَيْتُ النَّاسَ حَيَارَى قَدْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ فَالْتَفَتُّ إِلَى شَيْخٍ إِلَى جَانِبِي يَبْكِي وَ قَدِ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِالْبُكَاءِ وَ يَدُهُ مَرْفُوعَةٌ إِلَى السَّمَاءِ وَ هُوَ يَقُولُ بِأَبِي وَ أُمِّي كُهُولُهُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَ شَبَابُهُمْ خَيْرُ شَبَابٍ وَ نَسْلُهُمْ نَسْلٌ كَرِيمٌ وَ فَضْلُهُمْ فَضْلٌ عَظِيمٌ ثُمَّ أَنْشَدَ شِعْراً-
          كُهُولُهُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَ نَسْلُهُمْ-             إِذَا عُدَّ نَسْلٌ لَا يَبُورُ وَ لَا يَخْزَى‏
 فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَا عَمَّةِ اسْكُتِي فَفِي الْبَاقِي مِنَ الْمَاضِي اعْتِبَارٌ وَ أَنْتِ بِحَمْدِ اللَّهِ عَالِمَةٌ غَيْرُ مُعَلَّمَةٍ فَهِمَةٌ غَيْرُ مُفَهَّمَةٍ إِنَّ الْبُكَاءَ وَ الْحَنِينَ لَا يَرُدَّانِ مَنْ قَدْ أَبَادَهُ الدَّهْرُ فَسَكَتَتْ ثُمَّ نَزَلَ ع وَ ضَرَبَ فُسْطَاطَهُ وَ أَنْزَلَ نِسَاءَهُ وَ دَخَلَ الْفُسْطَاطَ.
بيان قولها و آسى كلمكم الآسي الطبيب و الكلم الجراحة و قال الجوهري النكس بالضم عود المرض بعد النقه و قد نكس الرجل نكسا يقال تعسا له و نكسا و قد يفتح هاهنا للازدواج أو لأنه لغة و في أكثر النسخ هنا من لا يحفزه بالحاء المهملة و الزاء المعجمة يقال حفزه أي دفعه من خلفه يحفزه بالكسر حفزا و الليل يحفز النهار أي يسوقه قولها أودى في أكثر النسخ بالدال المهملة يقال أودى أي هلك و أودى به الموت أي ذهب فكأن على هنا بمعنى الباء و في بعضها بالراء من أورى الزند إذا أخرج منه النار.
8- جا، المجالس للمفيد ما، الأمالي للشيخ الطوسي الْمُفِيدُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجَوْهَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ حِذْلَمِ بْنِ سُتَيْرٍ «1» قَالَ: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ إِحْدَى وَ سِتِّينَ عِنْدَ مُنْصَرَفِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِالنِّسْوَةِ مِنْ كَرْبَلَاءَ وَ مَعَهُمُ الْأَجْنَادُ يُحِيطُونَ بِهِمْ وَ قَدْ
__________________________________________________
 (1) و قد يقال حذلم بن ستير، أو حذام بن ستير، و الصحيح: حذيم بن بشير كما مر.

164
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

خَرَجَ النَّاسُ لِلنَّظَرِ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا أُقْبِلَ بِهِمْ عَلَى الْجِمَالِ بِغَيْرِ وِطَاءٍ جَعَلَ نِسَاءُ الْكُوفَةِ يَبْكِينَ وَ يَنْدُبْنَ فَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ع وَ هُوَ يَقُولُ بِصَوْتٍ ضَئِيلٍ وَ قَدْ نَهَكَتْهُ الْعِلَّةُ وَ فِي عُنُقِهِ الْجَامِعَةُ وَ يَدُهُ مَغْلُولَةٌ إِلَى عُنُقِهِ إِنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ يَبْكِينَ فَمَنْ قَتَلَنَا قَالَ وَ رَأَيْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ ع وَ لَمْ أَرَ خَفِرَةً قَطُّ أَنْطَقَ مِنْهَا كَأَنَّهَا تُفْرِغُ عَنْ لِسَانِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ وَ قَدْ أَوْمَأَتْ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا فَارْتَدَّتِ الْأَنْفَاسُ وَ سَكَنَتِ الْأَصْوَاتُ فَقَالَتْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ الصَّلَاةُ عَلَى أَبِي رَسُولِ اللَّهِ أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْلِ وَ الْخَذْلِ فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ وَ لَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ فَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَلَا وَ هَلْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ وَ السَّرَفُ خَوَّارُونَ فِي اللِّقَاءِ عَاجِزُونَ عَنِ الْأَعْدَاءِ نَاكِثُونَ لِلْبَيْعَةِ مُضَيِّعُونَ لِلذِّمَّةِ فَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَ فِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ أَ تَبْكُونَ إِي وَ اللَّهِ فَابْكُوا كَثِيراً وَ اضْحَكُوا قَلِيلًا فَلَقَدْ فُزْتُمْ بِعَارِهَا وَ شَنَارِهَا وَ لَنْ تَغْسِلُوا دَنَسَهَا عَنْكُمْ أَبَداً فَسَلِيلَ خَاتَمِ الرِّسَالَةِ وَ سَيِّدَ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَلَاذَ خِيَرَتِكُمْ وَ مَفْزَعَ نَازِلَتِكُمْ وَ أَمَارَةَ مَحَجَّتِكُمْ وَ مَدْرَجَةَ حُجَّتِكُمْ «1» خَذَلْتُمْ وَ لَهُ قَتَلْتُمْ أَلَا سَاءَ مَا تَزِرُونَ فَتَعْساً وَ نُكْساً وَ لَقَدْ خَابَ السَّعْيُ وَ تَبَّتِ الْأَيْدِي وَ خَسِرَتِ الصَّفْقَةُ وَ بُؤْتُمْ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ* وَ ضُرِبَتْ عَلَيْكُمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَيْلَكُمْ أَ تَدْرُونَ أَيَّ كَبِدٍ لِمُحَمَّدٍ فَرَيْتُمْ وَ أَيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكْتُمْ وَ أَيَّ كَرِيمَةٍ لَهُ أَصَبْتُمْ- لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا- تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا وَ لَقَدْ أَتَيْتُمْ بِهَا خَرْمَاءَ شَوْهَاءَ طِلَاعُ الْأَرْضِ وَ السَّمَاءِ أَ فَعَجِبْتُمْ أَنْ قَطَرَتِ السَّمَاءُ دَماً وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‏ فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ الْمَهَلُ فَإِنَّهُ لَا يُعْجِزُهُ الْبِدَارُ وَ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ فَوْتُ الثَّأْرِ كَلَّا إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ
__________________________________________________
 (1) المدرجة: الطريق- و معظمه و سننه و- الورقة التي تكتب فيها الرسالة و يدرج فيها الكتاب. و لكن الصحيح «مدره حجتكم» كما مر.

165
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَالَ ثُمَّ سَكَتَتْ فَرَأَيْتُ النَّاسَ حَيَارَى قَدْ رَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَ رَأَيْتُ شَيْخاً وَ قَدْ بَكَى حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ وَ هُوَ يَقُولُ‏
          كُهُولُهُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَ نَسْلُهُمْ-             إِذَا عُدَّ نَسْلٌ لَا يَخِيبُ وَ لَا يَخْزَى‏
9- ج، الإحتجاج وَ عَنْ دَيْلَمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ حَتَّى أُتِيَ بِسَبَايَا آلِ مُحَمَّدٍ فَأُقِيمُوا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ تُقَامُ السَّبَايَا وَ فِيهِمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع فَأَتَاهُمْ شَيْخٌ مِنْ أَشْيَاخِ أَهْلِ الشَّامِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَكُمْ وَ أَهْلَكَكُمْ وَ قَطَعَ قَرْنَ الْفِتْنَةِ وَ لَمْ يَأْلُ عَنْ شَتْمِهِمْ فَلَمَّا انْقَضَى كَلَامُهُ قَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِنِّي قَدْ أَنْصَتُّ لَكَ حَتَّى فَرَغْتَ مِنْ مَنْطِقِكَ وَ أَظْهَرْتَ مَا فِي نَفْسِكَ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَ الْبَغْضَاءِ فَأَنْصِتْ لِي كَمَا أَنْصَتُّ لَكَ فَقَالَ لَهُ هَاتِ قَالَ عَلِيٌّ ع أَ مَا قَرَأْتَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ أَ مَا قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ- قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ «1» قَالَ بَلَى فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ع فَنَحْنُ أُولَئِكَ فَهَلْ تَجِدُ لَنَا فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَقّاً خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَ مَا قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ وَ آتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ «2» قَالَ نَعَمْ قَالَ عَلِيٌّ ع فَنَحْنُ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّهُ ص أَنْ يُؤْتِيَهُمْ حَقَّهُمْ فَقَالَ الشَّامِيُّ إِنَّكُمْ لَأَنْتُمْ هُمْ فَقَالَ عَلِيٌّ ع نَعَمْ فَهَلْ قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى‏ «3» فَقَالَ لَهُ الشَّامِيُّ بَلَى فَقَالَ عَلِيٌّ فَنَحْنُ ذَوُو الْقُرْبَى فَهَلْ تَجِدُ لَنَا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ حَقّاً خَاصَّةً دُونَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَا قَالَ عَلِيٌّ أَ مَا قَرَأْتَ هَذِهِ الْآيَةَ- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «4» قَالَ فَرَفَعَ الشَّامِيُّ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْ عَدَاوَةِ آلِ مُحَمَّدٍ وَ مِنْ قَتْلِ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَ لَقَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ مُنْذُ دَهْرٍ فَمَا شَعَرْتُ بِهَا قَبْلَ الْيَوْمِ «5».
__________________________________________________
 (1) الشورى: 23.
 (2) أسرى: 26.
 (3) الأنفال: 41.
 (4) الأحزاب: 33.
 (5) الاحتجاج ص 157.

166
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

10- ما، الأمالي للشيخ الطوسي أَبُو عُمَرَ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ حَضَرَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ حِينَ أُتِيَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ ع فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ ثَنَايَاهُ وَ يَقُولُ إِنْ كَانَ لَحَسَنَ الثَّغْرِ فَقَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ ارْفَعْ قَضِيبَكَ فَطَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَلْثِمُ مَوْضِعَهُ قَالَ إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ خَرِفْتَ فَقَالَ زَيْدٌ يَجُرُّ ثِيَابَهُ ثُمَّ عُرِضُوا عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ إِنْ كَانَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ رَحِمٌ فَأَرْسِلْ مَعَهُنَّ مَنْ يُؤَدِّيهِنَّ فَقَالَ تُؤَدِّيهِنَّ أَنْتَ وَ كَأَنَّهُ اسْتَحْيَا وَ صَرَفَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الْقَتْلَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مُحَمَّدٍ «1» مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً قَطُّ أَفْظَعَ مِنْ إِلْقَاءِ رَأْسِ الْحُسَيْنِ ع بَيْنَ يَدَيْهِ وَ هُوَ يَنْكُتُهُ.
11- ما، الأمالي للشيخ الطوسي بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ يَوْمَئِذٍ وَ هُوَ يَقُولُ أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهُ وَ صَالِحَ الْمُؤْمِنِينَ فَكَيْفَ حِفْظُكُمْ لِوَدِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ.
12- فس، تفسير القمي ذلِكَ وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ «2» فَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَمَّا أَخْرَجَتْهُ قُرَيْشٌ مِنْ مَكَّةَ وَ هَرَبَ مِنْهُمْ إِلَى الْغَارِ وَ طَلَبُوهُ لِيَقْتُلُوهُ فَعَاقَبَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَ قُتِلَ عُتْبَةُ وَ شَيْبَةُ وَ الْوَلِيدُ وَ أَبُو جَهْلٍ وَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَ غَيْرُهُمْ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ طُلِبَ بِدِمَائِهِمْ فَقُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ آلُ مُحَمَّدٍ بَغْياً وَ عُدْوَاناً وَ هُوَ قَوْلُ يَزِيدَ حِينَ تَمَثَّلَ بِهَذَا الشِّعْرِ-
          لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا-             وَقْعَةَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ «3»-
             لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ-             مِنْ بَنِي أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلَ-
             وَ كَذَاكَ الشَّيْخُ أَوْصَانِي بِهِ-             فَاتَّبَعْتُ الشَّيْخَ فِيمَا قَدْ سَأَلَ-
             قَدْ قَتَلْنَا الْقَرْمَ مِنْ سَادَاتِهِمْ             وَ عَدَلْنَاهُ بِبَدْرٍ فَاعْتَدَلَ‏
__________________________________________________
 (1) يعني الحكم بن محمّد بن القاسم، عن أبيه، عن جده فانه كان حاضر المجلس.
 (2) الحجّ: 6.
 (3) الصحيح: جزع الخزرج.

167
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ قَالَ الشَّاعِرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ شِعْرٌ-
          يَقُولُ وَ الرَّأْسُ مَطْرُوحٌ يُقَلِّبُهُ-             يَا لَيْتَ أَشْيَاخَنَا الْمَاضِينَ بِالْحَضَرِ
             حَتَّى يَقِيسُوا قِيَاساً لَا يُقَاسُ بِهِ-             أَيَّامَ بَدْرٍ وَ كَانَ الْوَزْنُ بِالْقَدَرِ
 فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ مَنْ عاقَبَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ- بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ يَعْنِي حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ- ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ يَعْنِي بِالْقَائِمِ ع مِنْ وُلْدِهِ.
13- فس، تفسير القمي قَالَ الصَّادِقُ ع لَمَّا أُدْخِلَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع عَلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ نَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ- وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ كَلَّا مَا هَذِهِ فِينَا نَزَلَتْ وَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ- لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ «1» فَنَحْنُ الَّذِينَ لَا نَأْسَى عَلَى مَا فَاتَنَا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَ لَا نَفْرَحُ بِمَا أُوتِينَا.
14- فس، تفسير القمي قَالَ الصَّادِقُ ع لَمَّا أُدْخِلَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع عَلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ أُدْخِلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع وَ بَنَاتُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِنَّ السَّلَامُ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع مُقَيَّداً مَغْلُولًا فَقَالَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَتَلَ أَبَاكَ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَ أَبِي قَالَ فَغَضِبَ يَزِيدُ وَ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَإِذَا قَتَلْتَنِي فَبَنَاتُ رَسُولِ اللَّهِ مَنْ يَرُدُّهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَ لَيْسَ لَهُمْ مَحْرَمٌ غَيْرِي فَقَالَ أَنْتَ تَرُدُّهُمْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ ثُمَّ دَعَا بِمِبْرَدٍ فَأَقْبَلَ يَبْرُدُ الْجَامِعَةَ مِنْ عُنُقِهِ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ يَا عَلَيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَ تَدْرِي مَا الَّذِي أُرِيدُ بِذَلِكَ قَالَ بَلَى تُرِيدُ أَنْ لَا يَكُونَ لِأَحَدٍ عَلَيَّ مِنَّةٌّ غَيْرُكَ فَقَالَ يَزِيدُ هَذَا وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتُ ثُمَّ قَالَ يَزِيدُ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ كَلَّا مَا هَذِهِ فِينَا نَزَلَتْ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِينَا- ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها فَنَحْنُ الَّذِينَ لَا نَأْسَى عَلَى مَا فَاتَنَا وَ لَا
__________________________________________________
 (1) الآية الأولى في الشورى: 30، و الثانية في الحديد: 22.

168
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

نَفْرَحُ بِمَا آتَانَا مِنْهَا.
15- ب، قرب الإسناد الْيَقْطِينِيُّ عَنِ الْقَدَّاحِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَى يَزِيدَ بِذَرَارِيِّ الْحُسَيْنِ ع أُدْخِلَ بِهِنَّ نَهَاراً مُكَشَّفَاتٍ وُجُوهُهُنَّ فَقَالَ أَهْلُ الشَّامِ الْجُفَاةُ مَا رَأَيْنَا سَبْياً أَحْسَنَ مِنْ هَؤُلَاءِ فَمَنْ أَنْتُمْ فَقَالَتْ سُكَيْنَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ نَحْنُ سَبَايَا آلِ مُحَمَّدٍ «1».
16- كش، رجال الكشي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ حَمْدَانَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ الرِّضَا ع فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ وَ ابْنُ السَّرَّاجِ وَ ابْنُ الْمُكَارِي فَقَالَ عَلِيٌّ بَعْدَ كَلَامٍ جَرَى بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَهُ ع فِي إِمَامَتِهِ إِنَّا رُوِّينَا عَنْ آبَائِكَ ع أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَلِي أَمْرَهُ إِلَّا إِمَامٌ مِثْلُهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ ع فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ كَانَ إِمَاماً أَوْ غَيْرَ إِمَامٍ قَالَ كَانَ إِمَاماً قَالَ فَمَنْ وَلِيَ أَمْرَهُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ وَ أَيْنَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ كَانَ مَحْبُوساً فِي يَدِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ خَرَجَ وَ هُمْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ حَتَّى وَلِيَ أَمْرَ أَبِيهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ إِنَّ هَذَا الَّذِي أَمْكَنَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ أَنْ يَأْتِيَ كَرْبَلَاءَ فَيَلِيَ أَمْرَ أَبِيهِ فَهُوَ يُمَكِّنُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ أَنَّ يَأْتِيَ بَغْدَادَ وَ يَلِيَ أَمْرَ أَبِيهِ «2».
أقول تمامه في باب الرد على الواقفية.
17- كا، الكافي الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو كُرَيْبٍ وَ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يُوطِئُوهُ الْخَيْلَ فَقَالَتْ فِضَّةُ لِزَيْنَبَ يَا سَيِّدَتِي إِنَّ سَفِينَةَ كُسِرَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فَخَرَجَ بِهِ إِلَى جَزِيرَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَسَدٍ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَارِثِ أَنَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ص فَهَمْهَمَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى وَقَفَهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَ الْأَسَدُ رَابِضٌ فِي نَاحِيَةٍ فَدَعِينِي أَمْضِي إِلَيْهِ فَأُعْلِمَهُ مَا هُمْ صَانِعُونَ غَداً قَالَ فَمَضَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ‏
__________________________________________________
 (1) قرب الإسناد ص 20.
 (2) رجال الكشّيّ ص 394.

169
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

يَا أَبَا الْحَارِثِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَتْ أَ تَدْرِي مَا يُرِيدُونَ أَنْ يَعْمَلُوا غَداً بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يُرِيدُونَ أَنْ يُوطِئُوا الْخَيْلَ ظَهْرَهُ قَالَ فَمَشَى حَتَّى وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى جَسَدِ الْحُسَيْنِ ع فَأَقْبَلَتِ الْخَيْلُ فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ قَالَ لَهُمْ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ فِتْنَةٌ لَا تُثِيرُوهَا انْصَرِفُوا فَانْصَرَفُوا «1».
بيان قولها إن سفينة كسر به إشارة إلى قصة سفينة مولى رسول الله ص و إن الأسد رده إلى الطريق و قد مر بأسانيد في أبواب معجزات الرسول «2» و أبو الحارث من كنى الأسد.
18- كا، الكافي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ يُونُسَ عَنْ مَصْقَلَةَ الطَّحَّانِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَقَامَتِ امْرَأَتُهُ الْكَلْبِيَّةُ عَلَيْهِ مَأْتَماً وَ بَكَتْ وَ بَكَيْنَ النِّسَاءُ وَ الْخَدَمُ حَتَّى جَفَّتْ دُمُوعُهُنَّ وَ ذَهَبَتْ فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا رَأَتْ جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهَا تَبْكِي وَ دُمُوعُهَا تَسِيلُ فَدَعَتْهَا فَقَالَتْ لَهَا مَا لَكِ أَنْتِ مِنْ بَيْنِنَا تَسِيلُ دُمُوعُكِ قَالَتْ إِنِّي لَمَّا أَصَابَنِي الْجَهْدُ شَرِبْتُ شَرْبَةَ سَوِيقٍ قَالَ فَأَمَرَتْ بِالطَّعَامِ وَ الْأَسْوِقَةِ فَأَكَلَتْ وَ شَرِبَتْ وَ أَطْعَمَتْ وَ سَقَتْ وَ قَالَتْ إِنَّمَا نُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ نَتَقَوَّى عَلَى الْبُكَاءِ عَلَى الْحُسَيْنِ ع وَ قَالَ وَ أُهْدِيَ إِلَى الْكَلْبِيَّةِ جُوَناً لِتَسْتَعِينَ بِهَا عَلَى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ ع فَلَمَّا رَأَتِ الْجُوَنَ قَالَتْ مَا هَذِهِ قَالُوا هَدِيَّةٌ أَهْدَاهَا فُلَانٌ لِتَسْتَعِينِي بِهَا عَلَى مَأْتَمِ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَتْ لَسْنَا فِي عُرْسٍ فَمَا نَصْنَعُ بِهَا ثُمَّ أَمَرَتْ بِهِنَّ فَأُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ فَلَمَّا أُخْرِجْنَ مِنَ الدَّارِ لَمْ يُحَسَّ لَهَا حِسٌّ كَأَنَّمَا طِرْنَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ لَمْ يُرَ لَهُنَّ بَعْدَ خُرُوجِهِنَّ مِنَ الدَّارِ أَثَرٌ «3».
بيان الجوني ضرب من القطا سود البطون و الأجنحة ذكره الجوهري‏
__________________________________________________
 (1) أصول الكافي ج 1 ص 465، و لكن الحديث ضعيف جدا مخالف لضرورة التاريخ من جهات شتّى.
 (2) راجع ج 17 ص 409 من الطبعة الحديثة.
 (3) أصول الكافي ج 1 ص 466.

170
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

و كأن الجون بالضم أو كصرد جمعه و إن لم يذكره اللغويون «1».
قوله و أهدى أي رجل و الظاهر أهدي على بناء المجهول و رفع جون و لعل فقدهن على سبيل الإعجاز ذهب بهن إلى الجنة و يحتمل أن يكون الآتي بهن من الملائكة أيضا.
19- أَقُولُ رَوَى فِي كِتَابِ الْمَنَاقِبِ الْقَدِيمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْعَاصِمِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَحْمَدَ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيِّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّرَسُوسِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَعْمُرَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبَّادٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ جَاءَ غُرَابٌ فَوَقَعَ فِي دَمِهِ ثُمَّ تَمَرَّغَ ثُمَّ طَارَ فَوَقَعَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى جِدَارِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع وَ هِيَ الصُّغْرَى فَرَفَعَتْ رَأْسَهَا فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً وَ أَنْشَأَتْ تَقُولُ-
          نَعَبَ الْغُرَابُ فَقُلْتُ مَنْ-             تَنْعَاهُ وَيْلَكَ يَا غُرَابُ-
             قَالَ الْإِمَامَ فَقُلْتُ مَنْ-             قَالَ الْمُوَفَّقُ لِلصَّوَابِ-
             إِنَّ الْحُسَيْنَ بِكَرْبَلَاءَ-             بَيْنَ الْأَسِنَّةِ وَ الضِّرَابِ-
             فَابْكِي الْحُسَيْنَ بِعَبْرَةٍ-             تُرْجِي الْإِلَهَ مَعَ الثَّوَابِ‏
__________________________________________________
 (1) بل ذكروه على ما في أقرب الموارد قال: و الجمع جون قال عبد اللّه بن الدمينة:
         و أنت التي كلفتنى دلج السرى             و جون القطا بالجلهتين جثوم‏
 و لكن الظاهر كما أثبتناه «الجؤن» بالهمز، و قد لا يهمز- على وزن صرد: جمع جونة و هي جونة العطار: سليلة مغشاة بالادم يجعلون فيها الغالية، و لذلك قالت: «لسنا في عرس فما نصنع بها» أي ما نصنع بالطيب و الغالية؟ و قوله «ثم أمرت بهن» أي امرت بالنسوة التي أهدت الجؤن فأخرجن من الدار.
و أمّا اهداء الطيب و الغالية ليتسعن بها على المأتم، فهو أمر صحيح حيث ان الإنسان إذا بكى كثيرا غشى عليه، و إذا تغلى بالغالية أفاق و قوى و نشط على البكاء ثانيا.

171
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

         قُلْتُ الْحُسَيْنَ فَقَالَ لِي-             حَقّاً لَقَدْ سَكَنَ التُّرَابَ-
             ثُمَّ اسْتَقَلَّ بِهِ الْجَنَاحُ-             فَلَمْ يُطِقْ رَدَّ الْجَوَابِ-
             فَبَكَيْتُ مِمَّا حَلَّ بِي-             بَعْدَ الدُّعَاءِ الْمُسْتَجَابِ‏
 قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فَنَعَتُّهُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا قَدْ جَاءَتْنَا بِسِحْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ أَنْ جَاءَهُمُ الْخَبَرُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع.
بيان نعب الغراب أي صاح.
20- وَ قَالَ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا حُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى الشَّامِ جَنَّ عَلَيْهِمُ اللَّيْلُ فَنَزَلُوا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ فَلَمَّا شَرِبُوا وَ سَكِرُوا قَالُوا عِنْدَنَا رَأْسُ الْحُسَيْنِ ع فَقَالَ أَرُوهُ لِي فَأَرَوْهُ وَ هُوَ فِي الصُّنْدُوقِ يَسْطَعُ مِنْهُ النُّورُ نَحْوَ السَّمَاءِ فَتَعَجَّبَ مِنْهُ الْيَهُودِيُّ فَاسْتَوْدَعَهُ مِنْهُمْ وَ قَالَ لِلرَّأْسِ اشْفَعْ لِي عِنْدَ جَدِّكَ فَأَنْطَقَ اللَّهُ الرَّأْسَ فَقَالَ إِنَّمَا شَفَاعَتِي لِلْمُحَمَّدِيِّينَ وَ لَسْتَ بِمُحَمَّدِيٍّ فَجَمَعَ الْيَهُودِيُّ أَقْرِبَاءَهُ ثُمَّ أَخَذَ الرَّأْسَ وَ وَضَعَهُ فِي طَسْتٍ وَ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءَ الْوَرْدِ وَ طَرَحَ فِيهِ الْكَافُورَ وَ الْمِسْكَ وَ الْعَنْبَرَ ثُمَّ قَالَ لِأَوْلَادِهِ وَ أَقْرِبَائِهِ هَذَا رَأْسُ ابْنِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ ع ثُمَّ قَالَ يَا لَهْفَاهْ حَيْثُ لَمْ أَجِدْ جَدَّكَ مُحَمَّداً ص فَأُسْلِمَ عَلَى يَدَيْهِ يَا لَهْفَاهْ حَيْثُ لَمْ أَجِدْكَ حَيّاً فَأُسْلِمَ عَلَى يَدَيْكَ وَ أُقَاتِلَ بَيْنَ يَدَيْكَ فَلَوْ أَسْلَمْتُ الْآنَ أَ تَشْفَعُ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَنْطَقَ اللَّهُ الرَّأْسَ فَقَالَ بِلِسَانٍ فَصِيحٍ إِنْ أَسْلَمْتَ فَأَنَا لَكَ شَفِيعٌ قَالَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَ سَكَتَ فَأَسْلَمَ الرَّجُلُ وَ أَقْرِبَاؤُهُ.
- وَ لَعَلَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ كَانَ رَاهِبَ قِنَّسْرِينَ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بِسَبَبِ رَأْسِ الْحُسَيْنِ ع وَ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي الْأَشْعَارِ وَ أَوْرَدَهُ الْجَوْهَرِيُّ الْجُرْجَانِيُّ فِي مَرْثِيَةِ الْحُسَيْنِ ع «1».
21- مل، كامل الزيارات ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصَمِّ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع سَمِعَ أَهْلُنَا قَائِلًا بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ الْيَوْمَ نَزَلَ الْبَلَاءُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ فَلَا يَرَوْنَ فَرَحاً حَتَّى يَقُومَ قَائِمُكُمْ فَيَشْفِيَ صُدُورَكُمْ وَ يَقْتُلَ عَدُوَّكُمْ وَ يَنَالَ بِالْوَتْرِ أَوْتَاراً فَفَزِعُوا مِنْهُ وَ قَالُوا إِنَّ لِهَذَا الْقَوْلِ لَحَادِثاً قَدْ حَدَثَ مَا نَعْرِفُهُ فَأَتَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ خَبَرُ الْحُسَيْنِ‏
__________________________________________________
 (1) لكن اليهودى لا يكون راهبا تاركا للدنيا، بل يكون حبرا من الاحبار.

172
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ قَتْلِهِ فَحَسَبُوا ذَلِكَ فَإِذَا هِيَ تِلْكَ اللَّيْلَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ فِيهَا الْمُتَكَلِّمُ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِلَى مَتَى أَنْتُمْ وَ نَحْنُ فِي هَذَا الْقَتْلِ وَ الْخَوْفِ وَ الشِّدَّةِ فَقَالَ حَتَّى مَاتَ سَبْعُونَ فَرْخاً أَخُو أَبٍ «1» وَ يَدْخُلَ وَقْتُ السَّبْعِينَ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ السَّبْعِينَ أَقْبَلَتِ الْآيَاتُ تَتْرَى كَأَنَّهَا نِظَامٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ قَرَّتْ عَيْنُهُ إِنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا قُتِلَ أَتَاهُمْ آتٍ وَ هُمْ فِي الْمُعَسْكَرِ فَصَرَخَ فَزُبِرَ فَقَالَ لَهُمْ وَ كَيْفَ لَا أَصْرُخُ وَ رَسُولُ اللَّهُ قَائِمٌ يَنْظُرُ إِلَى الْأَرْضِ مَرَّةً وَ يَنْظُرُ إِلَى حَرْبِكُمْ مَرَّةً وَ أَنَا أَخَافُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَهْلِكَ فِيهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ هَذَا إِنْسَانٌ مَجْنُونٌ فَقَالَ التَّوَّابُونَ تَاللَّهِ مَا صَنَعْنَا بِأَنْفُسِنَا قَتَلْنَا لِابْنِ سُمَيَّةَ سَيِّدَ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَخَرَجُوا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ الَّذِي كَانَ قَالَ قُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَنْ هَذَا الصَّارِخُ قَالَ مَا نَرَاهُ إِلَّا جَبْرَئِيلَ أَمَا إِنَّهُ لَوْ أُذِنَ لَهُ فِيهِمْ لَصَاحَ بِهِمْ صَيْحَةً يَخْطَفُ مِنْهَا أَرْوَاحَهُمْ مِنْ أَبْدَانِهِمْ إِلَى النَّارِ وَ لَكِنْ أُمْهِلَ لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا تَقُولُ فِيمَنْ تَرَكَ زِيَارَتَهُ وَ هُوَ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ إِنَّهُ قَدْ عَقَّ رَسُولَ اللَّهِ وَ عَقَّنَا وَ اسْتَخَفَّ بِأَمْرٍ هُوَ لَهُ وَ مَنْ زَارَهُ كَانَ اللَّهُ لَهُ مِنْ وَرَاءِ حَوَائِجِهِ وَ كَفَى مَا أَهَمَّهُ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهُ وَ إِنَّهُ لَيَجْلِبُ الرِّزْقَ عَلَى الْعَبْدِ وَ يُخْلِفُ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ وَ يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَ خَمْسِينَ سَنَةً وَ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ وَ مَا عَلَيْهِ وِزْرٌ وَ لَا خَطِيئَةٌ إِلَّا وَ قَدْ مُحِيَتْ مِنْ صَحِيفَتِهِ فَإِنْ هَلَكَ فِي سَفَرِهِ نَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ فَغَسَّلَتْهُ وَ فُتِحَ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ يَدْخُلُ عَلَيْهِ رَوْحُهَا حَتَّى يُنْشَرَ وَ إِنْ سَلِمَ فُتِحَ الْبَابُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ فَجُعِلَ لَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ أَنْفَقَهُ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَ ذُخِرَ ذَلِكَ لَهُ فَإِذَا حُشِرَ قِيلَ لَهُ لَكَ بِكُلِّ دِرْهَمٍ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى نَظَرَ لَكَ‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر ص 107 «حتى يأتي سبعون فرجا أجواب» و قال المحشى: «الاجواب جمع جوب و هو القطع و لعلّ المراد ان بين كل فرج و فرج آخر انقطاع و تباعد» لكنه تصحيف و الصحيح ما في الصلب.

173
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ ذَخَرَهَا لَكَ عِنْدَهُ «1».
22- قب، المناقب لابن شهرآشوب فِي كِتَابِ الْأَحْمَرِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَمَّا أُتِيَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع وَ رَأْسِ أَبِيهِ إِلَى يَزِيدَ بِالشَّامِ قَالَ لِخَطِيبٍ بَلِيغٍ خُذْ بِيَدِ هَذَا الْغُلَامِ فَأْتِ بِهِ الْمِنْبَرَ وَ أَخْبِرِ النَّاسَ بِسُوءِ رَأْيِ أَبِيهِ وَ جَدِّهِ وَ فِرَاقِهِمُ الْحَقَّ وَ بَغْيِهِمْ عَلَيْنَا قَالَ فَلَمْ يَدَعْ شَيْئاً مِنَ الْمَسَاوِي إِلَّا ذَكَرُهُ فِيهِمْ فَلَمَّا نَزَلَ قَامَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ فَحَمِدَ اللَّهَ بِمَحَامِدَ شَرِيفَةٍ وَ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَاةً بَلِيغَةً مُوجَزَةً ثُمَّ قَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا أُعَرِّفُهُ نَفْسِي أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَ مِنًى أَنَا ابْنُ الْمَرْوَةِ وَ الصَّفَا أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى أَنَا ابْنُ مَنْ لَا يَخْفَى أَنَا ابْنُ مَنْ عَلَا فَاسْتَعْلَى فَجَازَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى وَ كَانَ مِنْ رَبِّهِ كَقَابِ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ أَنَا ابْنُ مَنْ صَلَّى بِمَلَائِكَةِ السَّمَاءِ مَثْنَى مَثْنَى أَنَا ابْنُ مَنْ أُسْرِيَ بِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَنَا ابْنُ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى أَنَا ابْنُ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ أَنَا ابْنُ خَدِيجَةَ الْكُبْرَى أَنَا ابْنُ الْمَقْتُولِ ظُلْماً أَنَا ابْنُ الْمَجْزُوزِ الرَّأْسِ مِنَ الْقَفَا أَنَا ابْنُ الْعَطْشَانِ حَتَّى قَضَى أَنَا ابْنُ طَرِيحِ كَرْبَلَاءَ أَنَا ابْنُ مَسْلُوبِ الْعِمَامَةِ وَ الرِّدَاءِ أَنَا ابْنُ مَنْ بَكَتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ أَنَا ابْنُ مَنْ نَاحَتْ عَلَيْهِ الْجِنُّ فِي الْأَرْضِ وَ الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ أَنَا ابْنُ مَنْ رَأْسُهُ عَلَى السِّنَانِ يُهْدَى أَنَا ابْنُ مَنْ حَرَمُهُ مِنَ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ تُسْبَى- أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَ لَهُ الْحَمْدُ ابْتَلَانَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِبَلَاءٍ حَسَنٍ حَيْثُ جَعَلَ رَايَةَ الْهُدَى وَ الْعَدْلِ وَ التُّقَى فِينَا وَ جَعَلَ رَايَةَ الضَّلَالَةِ وَ الرَّدَى فِي غَيْرِنَا فَضَّلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِسِتِّ خِصَالٍ فَضَّلَنَا بِالْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ وَ الشَّجَاعَةِ وَ السَّمَاحَةِ وَ الْمَحَبَّةِ وَ الْمَحَلَّةِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَ آتَانَا ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ مِنْ قَبْلِنَا فِينَا مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ تَنْزِيلُ الْكُتُبِ قَالَ فَلَمْ يَفْرُغْ حَتَّى قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ عَلِيٌّ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً فَقَالَ الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ عَلِيٌّ أَشْهَدُ بِمَا تَشْهَدُ بِهِ فَلَمَّا قَالَ‏
__________________________________________________
 (1) راجع كامل الزيارات باب نوادر الزيارات آخر حديث في الخاتمة و ما جعلناه بين العلامتين ساقط من الأصل.

174
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الْمُؤَذِّنُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ قَالَ عَلِيٌّ يَا يَزِيدُ هَذَا جَدِّي أَوْ جَدُّكَ فَإِنْ قُلْتَ جَدُّكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَ إِنْ قُلْتَ جَدِّي فَلِمَ قَتَلْتَ أَبِي وَ سَبَيْتَ حَرَمَهُ وَ سَبَيْتَنِي ثُمَّ قَالَ مَعَاشِرَ النَّاسِ هَلْ فِيكُمْ مَنْ أَبُوهُ وَ جَدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَعَلَتِ الْأَصْوَاتُ بِالْبُكَاءِ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِهِ يُقَالُ لَهُ الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو الطَّائِيُّ وَ فِي رِوَايَةٍ مَكْحُولٌ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَمْسَيْتَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ وَيْحَكَ كَيْفَ أَمْسَيْتُ أَمْسَيْنَا فِيكُمْ كَهَيْئَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي آلِ فِرْعَوْنَ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِسَاءَهُمْ الْآيَةَ وَ أَمْسَتِ الْعَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَجَمِ بِأَنَّ مُحَمَّداً مِنْهَا وَ أَمْسَتْ قُرَيْشٌ تَفْتَخِرُ عَلَى الْعَرَبِ بِأَنَّ مُحَمَّداً مِنْهَا وَ أَمْسَى آلُ مُحَمَّدٍ مَقْهُورِينَ مَخْذُولِينَ فَإِلَى اللَّهِ نَشْكُو كَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَ تَفَرُّقَ ذَاتِ بَيْنِنَا وَ تَظَاهُرَ الْأَعْدَاءِ عَلَيْنَا «1».
كِتَابُ النَّسَبِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَسَنِ قَالَ يَزِيدُ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَا عَجَبَا لِأَبِيكَ سَمَّى عَلِيّاً وَ عَلِيّاً فَقَالَ ع إِنَّ أَبِي أَحَبَّ أَبَاهُ فَسَمَّى بِاسْمِهِ مِرَاراً.
تَارِيخُ الطَّبَرِيِّ وَ الْبَلاذُرِيِّ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَ تُصَارِعُ هَذَا يَعْنِي خَالِداً ابْنَهُ قَالَ وَ مَا تَصْنَعُ بِمُصَارَعَتِي إِيَّاهُ أَعْطِنِي سِكِّيناً وَ أَعْطِهِ سِكِّيناً ثُمَّ أُقَاتِلُهُ فَقَالَ يَزِيدُ
          شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُهَا مِنْ أَخْزَمَ‏
          هَذَا الْعَصَا جَاءَتْ مِنَ الْعُصَيَّةِ «2»-             هَلْ تَلِدُ الْحَيَّةُ إِلَّا الْحَيَّةَ
 وَ فِي كِتَابِ الْأَحْمَرِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ ابْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ.
وَ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لِزَيْنَبَ تَكَلَّمِي فَقَالَتْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ فَأَنْشَدَ السَّجَّادُ-
          لَا تَطْمَعُوا أَنْ تُهِينُونَا فَنُكْرِمَكُمْ-             وَ أَنْ نَكُفَّ الْأَذَى عَنْكُمْ وَ تُؤْذُونَا-
             وَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّا لَا نُحِبُّكُمْ-             وَ لَا نَلُومُكُمُ أَنْ لَا تُحِبُّونَا
 فَقَالَ صَدَقْتَ يَا غُلَامُ وَ لَكِنْ أَرَادَ أَبُوكَ وَ جَدُّكَ أَنْ يَكُونَا أَمِيرَيْنِ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ‏
__________________________________________________
 (1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 168- 169.
 (2) مثل أصله «العصا من العصية» و العصا اسم فرس لجذيمة الابرش سرى عليها حتّى لم يبق فيها قوة، و العصية أمها، و المعنى ان الفرس المسماة بالعصا هي بنت الفرس المسماة بالعصية، و المراد ان بعض الامر من بعض. و في الأصل و المصدر «هذا من العصا عصية» و هو سهو.

175
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الَّذِي قَتَلَهُمَا وَ سَفَكَ دِمَاءَهُمَا فَقَالَ ع لَمْ تَزَلِ النُّبُوَّةُ وَ الْإِمْرَةُ لآِبَائِي وَ أَجْدَادِي مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ.
قَالَ الْمَدَائِنِيُّ لَمَّا انْتَسَبَ السَّجَّادُ إِلَى النَّبِيِّ ص قَالَ يَزِيدُ لِجِلْوَازِهِ أَدْخِلْهُ فِي هَذَا الْبُسْتَانِ وَ اقْتُلْهُ وَ ادْفِنْهُ فِيهِ فَدَخَلَ بِهِ إِلَى الْبُسْتَانِ وَ جَعَلَ يَحْفِرُ وَ السَّجَّادُ يُصَلِّي فَلَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ ضَرَبَتْهُ يَدٌ مِنَ الْهَوَاءِ فَخَرَّ لِوَجْهِهِ وَ شَهَقَ وَ دُهِشَ فَرَآهُ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ وَ لَيْسَ لِوَجْهِهِ بَقِيَّةٌ فَانْقَلَبَ إِلَى أَبِيهِ وَ قَصَّ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِدَفْنِ الْجِلْوَازِ فِي الْحُفْرَةِ وَ إِطْلَاقِهِ وَ مَوْضِعُ حَبْسِ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ع هُوَ الْيَوْمَ مَسْجِدٌ «1».
23- ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام ابْنُ عُبْدُوسٍ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ عَنِ الْفَضْلِ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ع يَقُولُ لَمَّا حُمِلَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ إِلَى الشَّامِ أَمَرَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ فَوُضِعَ وَ نَصَبَ عَلَيْهِ مَائِدَةً فَأَقْبَلَ هُوَ وَ أَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ وَ يَشْرَبُونَ الْفُقَّاعَ فَلَمَّا فَرَغُوا أَمَرَ بِالرَّأْسِ فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ وَ بُسِطَ عَلَيْهِ رُقْعَةُ الشِّطْرَنْجِ وَ جَلَسَ يَزِيدُ لَعَنَهُ اللَّهُ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَ يَذْكُرُ الْحُسَيْنَ وَ أَبَاهُ وَ جَدَّهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَ يَسْتَهْزِئُ بِذِكْرِهِمْ فَمَتَى قَمَرَ صَاحِبَهُ تَنَاوَلَ الْفُقَّاعَ فَشَرِبَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ صَبَّ فَضْلَتَهُ مِمَّا يَلِي الطَّسْتَ مِنَ الْأَرْضِ فَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَلْيَتَوَرَّعْ عَنْ شُرْبِ الْفُقَّاعِ وَ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ وَ مَنْ نَظَرَ إِلَى الْفُقَّاعِ أَوْ إِلَى الشِّطْرَنْجِ فَلْيَذْكُرِ الْحُسَيْنَ ع وَ لْيَلْعَنْ يَزِيدَ وَ آلَ زِيَادٍ يَمْحُو اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِذَلِكَ ذُنُوبَهُ وَ لَوْ كَانَتْ كَعَدَدِ النُّجُومِ «2».
24- ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام تَمِيمٌ الْقُرَيْشِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَحْمَدَ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ الْهَرَوِيِّ قَالَ سَمِعْتُ الرِّضَا ع يَقُولُ أَوَّلُ مَنِ اتُّخِذَ لَهُ الْفُقَّاعُ فِي الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ- يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَأُحْضِرَ وَ هُوَ عَلَى الْمَائِدَةِ وَ قَدْ نَصَبَهَا عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع فَجَعَلَ يَشْرَبُهُ وَ يَسْقِي أَصْحَابَهُ وَ يَقُولُ اشْرَبُوا فَهَذَا شَرَابٌ مُبَارَكٌ مِنْ بَرَكَتِهِ أَنَّا أَوَّلَ تَنَاوَلْنَاهُ وَ رَأْسُ عَدُوِّنَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَ مَائِدَتُنَا مَنْصُوبَةٌ عَلَيْهِ وَ نَحْنُ نَأْكُلُ وَ نُفُوسُنَا سَاكِنَةٌ وَ قُلُوبُنَا مُطْمَئِنَّةٌ
__________________________________________________
 (1) المصدر ج 4 ص 173.
 (2) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 22.

176
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَمَنْ كَانَ مِنْ شِيعَتِنَا فَلْيَتَوَرَّعْ عَنْ شُرْبِ الْفُقَّاعِ فَإِنَّهُ شَرَابُ أَعْدَائِنَا الْخَبَرَ «1».
25- ير، بصائر الدرجات أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْأَهْوَازِيِّ وَ الْبَرْقِيِّ عَنِ النَّضْرِ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عِمْرَانَ الْحَلَبِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ الْحَلَبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَمَّا أُتِيَ بِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمَا لَعَائِنُ اللَّهِ وَ مَنْ مَعَهُ جَعَلُوهُ فِي بَيْتٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا جُعِلْنَا فِي هَذَا الْبَيْتِ لِيَقَعَ عَلَيْنَا فَيَقْتُلَنَا فَرَاطَنَ الْحَرَسَ فَقَالُوا انْظُرُوا إِلَى هَؤُلَاءِ يَخَافُونَ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِمُ الْبَيْتُ وَ إِنَّمَا يَخْرُجُونَ غَداً فَيُقْتَلُونَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِينَا أَحَدٌ يُحْسِنُ الرِّطَانَةَ غَيْرِي وَ الرِّطَانَةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الرُّومِيَّةُ «2».
26- ير، بصائر الدرجات مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ ذَكَرَ قَتْلَ الْحُسَيْنِ وَ أَمْرَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ لَمَّا أَنْ حُمِلَ إِلَى الشَّامِ فَدُفِعْنَا إِلَى السِّجْنِ فَقَالَ أَصْحَابِي مَا أَحْسَنَ بُنْيَانَ هَذَا الْجِدَارِ فَتَرَاطَنَ أَهْلُ الرُّومِ بَيْنَهُمْ فَقَالُوا مَا فِي هَؤُلَاءِ صَاحِبُ دَمٍ إِنْ كَانَ إِلَّا ذَلِكَ يَعْنُونِي فَمَكَثْنَا يَوْمَيْنِ ثُمَّ دَعَانَا وَ أَطْلَقَ عَنَّا «3».
بيان قوله فدفعنا من كلام علي بن الحسين ع و قد حذف صدر الخبر قوله صاحب دم أي طالب دم المقتول أو من يريد يزيد قتله.
27- ما، الأمالي للشيخ الطوسي أَحْمَدُ بْنُ عُبْدُونٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي عُمَارَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَيَابَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ قَدْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اسْتَقْبَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَ قَالَ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ مَنْ غَلَبَ وَ هُوَ يُغَطِّي رَأْسَهُ وَ هُوَ فِي الْمَحْمِلِ قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مَنْ غَلَبَ وَ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَأَذِّنْ ثُمَّ أَقِمْ.
__________________________________________________
 (1) المصدر الباب 30 تحت الرقم 51.
 (2) بصائر الدرجات (الطبعة الحديثة) ص 337. باب ان الأئمّة عليهم السلام يعرفون الألسن كلها.
 (3) المصدر ص 339.

177
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

28- مل، كامل الزيارات أَبِي وَ الْكُلَيْنِيُّ مَعاً عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرِو بْنِ طَلْحَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ هُوَ بِالْحِيرَةِ أَ مَا تُرِيدُ مَا وَعَدْتُكَ قَالَ قُلْتُ بَلَى يَعْنِي الذَّهَابَ إِلَى قَبْرِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ فَرَكِبَ وَ رَكِبَ إِسْمَاعِيلُ مَعَهُ وَ رَكِبْتُ مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا جَازَ الثُّوَيَّةَ وَ كَانَ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَ النَّجَفِ عِنْدَ ذَكَوَاتٍ بِيضٍ نَزَلَ وَ نَزَلَ إِسْمَاعِيلُ وَ نَزَلْتُ مَعَهُمْ فَصَلَّى وَ صَلَّى إِسْمَاعِيلُ وَ صَلَّيْتُ فَقَالَ لِإِسْمَاعِيلَ قُمْ فَسَلِّمْ عَلَى جَدِّكَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَيْسَ الْحُسَيْنُ بِكَرْبَلَاءَ فَقَالَ نَعَمْ وَ لَكِنْ لَمَّا حُمِلَ رَأْسُهُ إِلَى الشَّامِ سَرَقَهُ مَوْلًى لَنَا فَدَفَنَهُ بِجَنْبِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا «1».
29- مل، كامل الزيارات مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ مَعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَشْيَمَ عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ أَوْ عَنْ رَجُلٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْمَلْعُونَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ لَعَنَهُ اللَّهُ لَمَّا بَعَثَ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ع إِلَى الشَّامِ رُدَّ إِلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ أَخْرِجُوهُ عَنْهَا لَا يَفْتَتِنْ بِهِ أَهْلُهَا فَصَيَّرَهُ اللَّهُ عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَالرَّأْسُ مَعَ الْجَسَدِ وَ الْجَسَدُ مَعَ الرَّأْسِ «2».
بيان قوله فقال أي قال عبيد الله قوله فالرأس مع الجسد أي بعد ما دفن هناك ظاهرا ألحق بالجسد بكربلاء أو صعد به مع الجسد إلى السماء كما في بعض الأخبار أو أن بدن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كالجسد لذلك الرأس و هما من نور واحد.
أقول قد روي غير ذلك من الأخبار في الكافي و التهذيب تدل على كون رأسه ع مدفونا عند قبر والده صلى الله عليهما و الله يعلم «3».
__________________________________________________
 (1) كامل الزيارات ص 34، الكافي ج 4 ص 571.
 (2) المصدر ص 36.
 (3) راجع الكافي أبواب الزيارات من كتاب الحجّ باب موضع رأس الحسين عليه السلام.

178
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

30- مل، كامل الزيارات «1» عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الْكُوفِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْقَاضِي عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ع بَلَغَنِي يَا زَائِدَةُ أَنَّكَ تَزُورُ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْيَاناً فَقُلْتُ إِنَّ ذَلِكَ لَكَمَا بَلَغَكَ فَقَالَ لِي فَلِمَا ذَا تَفْعَلُ ذَلِكَ وَ لَكَ مَكَانٌ عِنْدَ سُلْطَانِكَ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ أَحَداً عَلَى مَحَبَّتِنَا وَ تَفْضِيلِنَا وَ ذِكْرِ فَضَائِلِنَا وَ الْوَاجِبِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ حَقِّنَا فَقُلْتُ وَ اللَّهِ مَا أُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَا أَحْفِلُ بِسَخَطِ مَنْ سَخِطَ وَ لَا يَكْبُرُ فِي صَدْرِي مَكْرُوهٌ يَنَالُنِي بِسَبَبِهِ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ فَقُلْتُ وَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَكَذَلِكَ يَقُولُهَا ثَلَاثاً وَ أَقُولُهَا ثَلَاثاً فَقَالَ أَبْشِرْ ثُمَّ أَبْشِرْ ثُمَّ أَبْشِرْ فَلَأُخْبِرَنَّكَ بِخَبَرٍ كَانَ عِنْدِي فِي النُّخَبِ الْمَخْزُونِ إِنَّهُ لَمَّا أَصَابَنَا بِالطَّفِّ مَا أَصَابَنَا وَ قُتِلَ أَبِي ع وَ قُتِلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ وُلْدِهِ وَ إِخْوَتِهِ وَ سَائِرِ أَهْلِهِ وَ حُمِلَتْ حَرَمُهُ وَ نِسَاؤُهُ عَلَى الْأَقْتَابِ يُرَادُ بِنَا الْكُوفَةُ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ صَرْعَى وَ لَمْ يُوَارَوْا فَيَعْظُمُ ذَلِكَ فِي صَدْرِي وَ يَشْتَدُّ لِمَا أَرَى مِنْهُمْ قَلَقِي فَكَادَتْ نَفْسِي تَخْرُجُ وَ تَبَيَّنَتْ ذَلِكَ مِنِّي عَمَّتِي زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيٍّ الْكُبْرَى فَقَالَتْ مَا لِي أَرَاكَ تَجُودُ بِنَفْسِكَ يَا بَقِيَّةَ جَدِّي وَ أَبِي وَ إِخْوَتِي فَقُلْتُ وَ كَيْفَ لَا أَجْزَعُ وَ أَهْلَعُ وَ قَدْ أَرَى سَيِّدِي وَ إِخْوَتِي وَ عُمُومَتِي وَ وُلْدَ عَمِّي وَ أَهْلِي مُضَرَّجِينَ بِدِمَائِهِمْ مُرَمَّلِينَ بِالْعَرَاءِ مُسَلَّبِينَ- لَا يُكَفَّنُونَ وَ لَا يُوَارَوْنَ وَ لَا يُعَرِّجُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ وَ لَا يَقْرَبُهُمْ بَشَرٌ كَأَنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَ الدَّيْلَمِ وَ الْخَزَرِ فَقَالَتْ لَا يَجْزَعَنَّكَ مَا تَرَى فَوَ اللَّهِ إِنَّ ذَلِكَ لَعَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى جَدِّكَ وَ أَبِيكَ وَ عَمِّكَ وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ‏
__________________________________________________
 (1) هذا الحديث و ان كان منقولا من رواية الشيخ أبى القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه مؤلف كتاب كامل الزيارات، الا أنّه ليس من أصل كتابه، بل أدرجه فيه بعض تلامذته الذي روى الكتاب و نسخه، و قد صرّح بذلك تلميذه في صدر الخبر، و لكن ذهل عنه المؤلّف قدّس سرّه فأورده بحيث يظهر أنّه من كتاب كامل الزيارات راجع المصدر ص 259 الباب 88 فضل كربلا و زيارة الحسين عليه السلام، و هكذا نبه على ذلك مفصلا العلامة النوريّ في المستدرك ج 3 ص 522 فراجع.

179
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

مِيثَاقَ أُنَاسٍ مِنْ هَذِه الْأُمَّةِ- لَا تَعْرِفُهُمْ فَرَاعِنَةُ هَذِهِ الْأَرْضِ «1» وَ هُمْ مَعْرُوفُونَ فِي أَهْلِ السَّمَاوَاتِ أَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ الْمُتَفَرِّقَةَ فَيُوَارُونَهَا وَ هَذِهِ الْجُسُومَ الْمُضَرَّجَةَ وَ يَنْصِبُونَ لِهَذَا الطَّفِّ عَلَماً لِقَبْرِ أَبِيكَ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ لَا يَدْرُسُ أَثَرُهُ وَ لَا يَعْفُو رَسْمُهُ عَلَى كُرُورِ اللَّيَالِي وَ الْأَيَّامِ وَ لَيَجْتَهِدَنَّ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَ أَشْيَاعُ الضَّلَالَةِ فِي مَحْوِهِ وَ تَطْمِيسِهِ فَلَا يَزْدَادُ أَثَرُهُ إِلَّا ظُهُوراً وَ أَمْرُهُ إِلَّا عُلُوّاً فَقُلْتُ وَ مَا هَذَا الْعَهْدُ وَ مَا هَذَا الْخَبَرُ فَقَالَتْ حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص زَارَ مَنْزِلَ فَاطِمَةَ ع فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ فَعَمِلَتْ لَهُ حَرِيرَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهَا وَ أَتَاهُ عَلِيٌّ ع بِطَبَقٍ فِيهِ تَمْرٌ ثُمَّ قَالَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَأَتَيْتُهُمْ بِعُسٍّ فِيهِ لَبَنٌ وَ زُبْدٌ فَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ وَ عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع مِنْ تِلْكَ الْحَرِيرَةِ وَ شَرِبَ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ شَرِبُوا مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ ثُمَّ أَكَلَ وَ أَكَلُوا مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ بِالزُّبْدِ ثُمَّ غَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ وَ عَلِيٌّ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غَسْلِ يَدِهِ مَسَحَ وَجْهَهُ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ نَظَراً عَرَفْنَا فِيهِ السُّرُورَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ رَمَقَ بِطَرْفِهِ نَحْوَ السَّمَاءِ مَلِيّاً ثُمَّ وَجَّهَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَ بَسَطَ يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ خَرَّ سَاجِداً وَ هُوَ يَنْشِجُ فَأَطَالَ النُّشُوجَ وَ عَلَا نَحِيبُهُ وَ جَرَتْ دُمُوعُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَ أَطْرَقَ إِلَى الْأَرْضِ وَ دُمُوعُهُ تَقْطُرُ كَأَنَّهَا صَوْبُ الْمَطَرِ فَحَزِنَتْ فَاطِمَةُ وَ عَلِيٌّ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ حَزِنْتُ مَعَهُمْ لِمَا رَأَيْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ هِبْنَاهُ أَنْ نَسْأَلَهُ حَتَّى إِذَا طَالَ ذَلِكَ قَالَ لَهُ عَلِيٌّ وَ قَالَتْ لَهُ فَاطِمَةُ مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَبْكَى اللَّهُ عَيْنَيْكَ وَ قَدْ أَقْرَحَ قُلُوبَنَا مَا نَرَى مِنْ حَالِكَ فَقَالَ يَا أَخِي سُرِرْتُ بِكُمْ وَ قَالَ مُزَاحِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ فِي حَدِيثِهِ هَاهُنَا «2» فَقَالَ‏
__________________________________________________
 (1) في المصدر: هذه الأمة.
 (2) روى تلميذ ابن قولويه الحسين بن أحمد بن المغيرة هذا الحديث بسندين أحدهما ما ذكره المصنّف في المتن و الآخر: قال: و قد كنت استفدت هذا الحديث بمصر عن شيخي أبى القاسم عليّ بن محمّد بن عبدوس الكوفيّ رحمه اللّه ممّا نقله عن مزاحم بن عبد الوارث البصرى بإسناده، عن قدامة بن زائدة، عن أبيه زائدة، عن عليّ بن الحسين عليه السلام.

180
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

يَا حَبِيبَيَّ إِنِّي سُرِرْتُ بِكُمْ سُرُوراً مَا سُرِرْتُ مِثْلَهُ قَطُّ وَ إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَيْكُمْ وَ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى نِعْمَتِهِ عَلَيَّ فِيكُمْ إِذْ هَبَطَ عَلَيَّ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اطَّلَعَ عَلَى مَا فِي نَفْسِكَ وَ عَرَفَ سُرُورَكَ بِأَخِيكَ وَ ابْنَتِكَ وَ سِبْطَيْكَ فَأَكْمَلَ لَكَ النِّعْمَةَ وَ هَنَّأَكَ الْعَطِيَّةَ بِأَنْ جَعَلَهُمْ وَ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ مُحِبِّيهِمْ وَ شِيعَتَهُمْ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ- لَا يُفَرِّقُ بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُمْ يَحْيَوْنَ كَمَا تَحْيَا «1» وَ يُعْطَوْنَ كَمَا تُعْطَى حَتَّى تَرْضَى وَ فَوْقَ الرِّضَا عَلَى بَلْوَى كَثِيرَةٍ تَنَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَ مَكَارِهَ تُصِيبُهُمْ بِأَيْدِي أُنَاسٍ يَنْتَحِلُونَ مِلَّتَكَ وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِكَ بِرَاءٌ مِنَ اللَّهِ وَ مِنْكَ خَبْطاً خَبْطاً وَ قَتْلًا قَتْلًا شَتَّى مَصَارِعِهِمْ نَائِيَةٌ قُبُورُهُمْ خِيَرَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ وَ لَكَ فِيهِمْ فَاحْمَدِ اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ عَلَى خِيَرَتِهِ وَ ارْضَ بِقَضَائِهِ فَحَمِدْتُ اللَّهَ وَ رَضِيتُ بِقَضَائِهِ بِمَا اخْتَارَهُ لَكُمْ ثُمَّ قَالَ جَبْرَئِيلُ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ أَخَاكَ مُضْطَهَدٌ بَعْدَكَ مَغْلُوبٌ عَلَى أُمَّتِكَ مَتْعُوبٌ مِنْ أَعْدَائِكَ ثُمَّ مَقْتُولٌ بَعْدَكَ يَقْتُلُهُ أَشَرُّ الْخَلْقِ وَ الْخَلِيقَةِ وَ أَشْقَى الْبَرِيَّةِ نَظِيرُ عَاقِرِ النَّاقَةِ بِبَلَدٍ تَكُونُ إِلَيْهِ هِجْرَتُهُ وَ هُوَ مَغْرِسُ شِيعَتِهِ وَ شِيعَةِ وُلْدِهِ وَ فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ يَكْثُرُ بَلْوَاهُمْ وَ يَعْظُمُ مُصَابُهُمْ وَ إِنَّ سِبْطَكَ هَذَا وَ أَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ ع مَقْتُولٌ فِي عِصَابَةٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ وَ أَهْلِ بَيْتِكَ وَ أَخْيَارٍ مِنْ أُمَّتِكَ بِضَفَّةِ الْفُرَاتِ بِأَرْضٍ تُدْعَى كَرْبَلَاءَ مِنْ أَجْلِهَا يَكْثُرُ الْكَرْبُ وَ الْبَلَاءُ عَلَى أَعْدَائِكَ وَ أَعْدَاءِ ذُرِّيَّتِكَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي لَا يَنْقَضِي كَرْبُهُ وَ لَا تَفْنَى حَسْرَتُهُ وَ هِيَ أَطْهَرُ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَ أَعْظَمُهَا
__________________________________________________
و قد ذاكرت شيخنا ابن قولويه بهذا الحديث بعد فراغه من تصنيف هذا الكتاب ليدخله فيه فما قضى ذلك و عاجلته منيته رضي اللّه عنه و هذا الحديث داخل فيما أجاز لي شيخي- ره و قد جمعت بين الروايتين بالألفاظ الزائدة و النقصان و التقديم و التأخير فيها حتّى صح بجميعه عمن حدّثني به أولا ثمّ الآن، و ذلك انى ما قرأته على شيخي و لا أقرأه على، غير أني ارويه عمن حدّثني به عنه إلخ.
فقوله: «و قال مزاحم بن عبد الوارث» هو البصرى الذي وقع في السند الآخر فلا تغفل.
 (1) تحبون كما تحبى، خ ل و الحباء هو العطاء بلا من.

181
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

حُرْمَةً وَ إِنَّهَا لَمِنْ بَطْحَاءِ الْجَنَّةِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ سِبْطُكَ وَ أَهْلُهُ وَ أَحَاطَتْ بِهِمْ كَتَائِبُ أَهْلِ الْكُفْرِ وَ اللَّعْنَةِ تَزَعْزَعَتِ الْأَرْضُ مِنْ أَقْطَارِهَا وَ مَادَتِ الْجِبَالُ وَ كَثُرَ اضْطِرَابُهَا وَ اصْطَفَقَتِ الْبِحَارُ بِأَمْوَاجِهَا وَ مَاجَتِ السَّمَاوَاتُ بِأَهْلِهَا غَضَباً لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَ لِذُرِّيَّتِكَ وَ اسْتِعْظَاماً لِمَا يُنْتَهَكُ مِنْ حُرْمَتِكَ وَ لِشَرِّ مَا يُتَكَافَى بِهِ فِي ذُرِّيَّتِكَ وَ عِتْرَتِكَ وَ لَا يَبْقَى شَيْ‏ءٌ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا اسْتَأْذَنَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فِي نُصْرَةِ أَهْلِكَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْمَظْلُومِينَ الَّذِينَ هُمْ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ بَعْدَكَ فَيُوحِي اللَّهُ إِلَى السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ وَ الْبِحَارِ وَ مَنْ فِيهِنَّ إِنِّي أَنَا اللَّهُ اللَّهُ الْمَلِكُ الْقَادِرُ وَ الَّذِي لَا يَفُوتُهُ هَارِبٌ وَ لَا يُعْجِزُهُ مُمْتَنِعٌ وَ أَنَا أَقْدَرُ عَلَى الِانْتِصَارِ وَ الِانْتِقَامِ وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي لَأُعَذِّبَنَّ مَنْ وَتَرَ رَسُولِي وَ صَفِيِّي وَ انْتَهَكَ حُرْمَتَهُ وَ قَتَلَ عِتْرَتَهُ وَ نَبَذَ عَهْدَهُ وَ ظَلَمَ أَهْلَهُ- عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَضِجُّ كُلُّ شَيْ‏ءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ بِلَعْنِ مَنْ ظَلَمَ عِتْرَتَكَ وَ اسْتَحَلَّ حُرْمَتَكَ فَإِذَا بَرَزَتْ تِلْكَ الْعِصَابَةُ إِلَى مَضَاجِعِهَا تَوَلَّى اللَّهُ جَلَّ وَ عِزَّ قَبْضَ أَرْوَاحِهَا بِيَدِهِ وَ هَبَطَ إِلَى الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مَعَهُمْ آنِيَةٌ مِنَ الْيَاقُوتِ وَ الزُّمُرُّدِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ مَاءِ الْحَيَاةِ وَ حُلَلٌ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ وَ طِيبٌ مِنْ طِيبِ الْجَنَّةِ فَغَسَّلُوا جُثَثَهُمْ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَ أَلْبَسُوهَا الْحُلَلَ وَ حَنَّطُوهَا بِذَلِكَ الطِّيبِ وَ صَلَّى الْمَلَائِكَةُ صَفّاً صَفّاً عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ قَوْماً مِنْ أُمَّتِكَ لَا يَعْرِفُهُمُ الْكُفَّارُ لَمْ يَشْرَكُوا فِي تِلْكَ الدِّمَاءِ بِقَوْلٍ وَ لَا فِعْلٍ وَ لَا نِيَّةٍ فَيُوَارُونَ أَجْسَامَهُمْ وَ يُقِيمُونَ رَسْماً لِقَبْرِ سَيِّدِ الشُّهَدَاءِ بِتِلْكَ الْبَطْحَاءِ يَكُونُ عَلَماً لِأَهْلِ الْحَقِّ وَ سَبَباً لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْفَوْزِ وَ تَحُفُّهُ مَلَائِكَةٌ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مِائَةُ أَلْفِ مَلَكٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَ لَيْلَةٍ وَ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ وَ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ عِنْدَهُ وَ يَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لِزُوَّارِهِ وَ يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَ مَنْ يَأْتِيهِ زَائِراً مِنْ أُمَّتِكَ مُتَقَرِّباً إِلَى اللَّهِ وَ إِلَيْكَ بِذَلِكَ وَ أَسْمَاءَ آبَائِهِمْ وَ عَشَائِرِهِمْ وَ بُلْدَانِهِمْ وَ يُوسِمُونَ فِي وُجُوهِهِمْ بِمِيسَمِ نُورِ عَرْشِ اللَّهِ هَذَا زَائِرُ قَبْرِ خَيْرِ الشُّهَدَاءِ وَ ابْنِ خَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ سَطَعَ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ ذَلِكَ الْمِيسَمِ نُورٌ تَغْشَى مِنْهُ الْأَبْصَارُ يُدَلُّ عَلَيْهِمْ وَ يُعْرَفُونَ بِهِ-

182
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

وَ كَأَنِّي بِكَ يَا مُحَمَّدُ بَيْنِي وَ بَيْنَ مِيكَائِيلَ وَ عَلِيٌّ أَمَامَنَا وَ مَعَنَا مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مَا لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَ نَحْنُ نَلْتَقِطُ مِنْ ذَلِكَ الْمِيسَمَ فِي وَجْهِهِ مِنْ بَيْنِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُنْجِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَ شَدَائِدِهِ وَ ذَلِكَ حُكْمُ اللَّهِ وَ عَطَاؤُهُ لِمَنْ زَارَ قَبْرَكَ يَا مُحَمَّدُ أَوْ قَبْرَ أَخِيكَ أَوْ قَبْرَ سِبْطَيْكَ- لَا يُرِيدُ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ وَ سَيَجِدُ «1» أُنَاسٌ مِمَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ اللَّعْنَةُ وَ السَّخَطُ أَنْ يَعْفُوا رَسْمَ ذَلِكَ الْقَبْرِ وَ يَمْحُوا أَثَرَهُ فَلَا يَجْعَلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَهُمْ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص فَهَذَا أَبْكَانِي وَ أَحْزَنَنِي قَالَتْ زَيْنَبُ فَلَمَّا ضَرَبَ ابْنُ مُلْجَمٍ لَعَنَهُ اللَّهُ أَبِي ع وَ رَأَيْتُ أَثَرَ الْمَوْتِ مِنْهُ قُلْتُ لَهُ يَا أَبَهْ حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَيْمَنَ بِكَذَا وَ كَذَا وَ قَدْ أَحْبَبْتُ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ فَقَالَ يَا بُنَيَّةِ الْحَدِيثُ كَمَا حَدَّثَتْكِ أُمُّ أَيْمَنَ وَ كَأَنِّي بِكِ وَ بِبَنَاتِ أَهْلِكِ سَبَايَا بِهَذَا الْبَلَدِ أَذِلَّاءَ خَاشِعِينَ- تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَصَبْراً صَبْراً فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ مَا لِلَّهِ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ وَلِيٌّ غَيْرُكُمْ وَ غَيْرُ مُحِبِّيكُمْ وَ شِيعَتِكُمْ وَ لَقَدْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ حِينَ أَخْبَرَنَا بِهَذَا الْخَبَرِ إِنَّ إِبْلِيسَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَطِيرُ فَرَحاً فَيَجُولُ الْأَرْضَ كُلَّهَا فِي شَيَاطِينِهِ وَ عَفَارِيتِهِ فَيَقُولُ يَا مَعْشَرَ الشَّيَاطِينِ قَدْ أَدْرَكْنَا مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ الطَّلِبَةَ وَ بَلَغْنَا فِي هَلَاكِهِمُ الْغَايَةَ وَ أَوْرَثْنَاهُمُ النَّارَ إِلَّا مَنِ اعْتَصَمَ بِهَذِهِ الْعِصَابَةِ فَاجْعَلُوا شُغُلَكُمْ بِتَشْكِيكِ النَّاسِ فِيهِمْ وَ حَمْلِهِمْ عَلَى عَدَاوَتِهِمْ وَ إِغْرَائِهِمْ بِهِمْ وَ أَوْلِيَائِهِمْ حَتَّى تَسْتَحْكِمَ ضَلَالَةُ الْخَلْقِ وَ كُفْرُهُمْ وَ لَا يَنْجُوَ مِنْهُمْ نَاجٍ وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ وَ هُوَ كَذُوبٌ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ مَعَ عَدَاوَتِكُمْ عَمَلٌ صَالِحٌ وَ لَا يَضُرُّ مَعَ مَحَبَّتِكُمْ وَ مُوَالاتِكُمْ ذَنْبٌ غَيْرَ الْكَبَائِرِ قَالَ زَائِدَةُ ثُمَّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ خُذْهُ إِلَيْكَ أَمَا لَوْ ضَرَبْتَ فِي طَلَبِهِ آبَاطَ الْإِبِلِ حَوْلًا لَكَانَ قَلِيلًا «2».
__________________________________________________
 (1) في المصدر: «و سيجتهد».
 (2) راجع كامل الزيارات ص 257- 266 و أنت خبير بأن ألفاظ الحديث تشهد بأنها قصة مسرودة و كيف يصحّ جهل عليّ بن الحسين صلوات اللّه عليه و هو امام الخلق بهذا الحديث.

183
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

بيان العس القدح العظيم قولها رمق بطرفه أي نظر و نشج الباكي ينشج بالكسر نشيجا إذا غص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب و خبطه يخبطه ضربه شديدا و البعير بيده الأرض وطئه شديدا و القوم بسيفه جلدهم و ضفة النهر بالكسر جانبه و التزعزع التحرك و كذلك الميد و الاصطفاق الاضطراب يقال الريح تصفق الأشجار فتصطفق و الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه تقول منه وتره يتره وترا و ترة و ضرب آباط الإبل كناية عن الركض و الاستعجال فإن المستعجل يضرب رجليه بإبطي الإبل ليعدو أي لو سافرت سفرا سريعا في طلبه حولا.
31- يج، الخرائج و الجرائح أَبُو الْفَرَجِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الرَّجَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْخَانِيِّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بَكْرَادَ بْنِ الطَّيِّبِ بْنِ شَمْعُونَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا فِي الطَّوَافِ بِالْمَوْسِمِ إِذَا رَأَيْتُ رَجُلًا يَدْعُو وَ هُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَ أَنَا أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تَغْفِرُ قَالَ فَارْتَعَدْتُ لِذَلِكَ وَ دَنَوْتُ مِنْهُ وَ قُلْتُ يَا هَذَا أَنْتَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَ حَرَمِ رَسُولِهِ وَ هَذَا أَيَّامٌ حُرُمٌ فِي شَهْرٍ عَظِيمٍ فَلِمَ تَيْأَسُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ قَالَ يَا هَذَا ذَنْبِي عَظِيمٌ قُلْتُ أَعْظَمُ مِنْ جَبَلِ تِهَامَةَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ يُوَازِنُ الْجِبَالَ الرَّوَاسِيَ قَالَ نَعَمْ فَإِنْ شِئْتَ أَخْبَرْتُكَ قُلْتُ أَخْبِرْنِي قَالَ اخْرُجْ بِنَا عَنِ الْحَرَمِ فَخَرَجْنَا مِنْهُ فَقَالَ لِي أَنَا أَحَدُ مَنْ كَانَ فِي الْعَسْكَرِ الْمَيْشُومِ «1» عَسْكَرِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ حِينَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ وَ كُنْتُ أَحَدَ الْأَرْبَعِينَ الَّذِينَ حَمَلُوا الرَّأْسَ إِلَى يَزِيدَ مِنَ الْكُوفَةِ فَلَمَّا حَمَلْنَاهُ عَلَى طَرِيقِ الشَّامِ نَزَلْنَا عَلَى دَيْرٍ لِلنَّصَارَى وَ كَانَ الرَّأْسُ مَعَنَا مَرْكُوزاً عَلَى‏
__________________________________________________
و مفاده حتّى ينبهه زينب بنت عليّ عليه السلام بإسناده عن أم ايمن، فتكون هي التي تسليه و تعزيه و تبشره بدرجات الشهداء و ظنى أن ابن قولويه رضي اللّه عنه و أرضاه انما أعرض عن هذا الحديث لما كان يرى فيه من العلل.
 (1) كذا، و القياس: المشئوم.

184
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

رُمْحٍ وَ مَعَهُ الْأَحْرَاسُ فَوَضَعْنَا الطَّعَامَ وَ جَلَسْنَا لِنَأْكُلَ فَإِذَا بِكَفٍّ فِي حَائِطِ الدَّيْرِ تَكْتُبُ-
          أَ تَرْجُو أُمَّةٌ قَتَلَتْ حُسَيْناً-             شَفَاعَةَ جَدِّهِ يَوْمَ الْحِسَابِ‏
 قَالَ فَجَزِعْنَا مِنْ ذَلِكَ جَزَعاً شَدِيداً وَ أَهْوَى بَعْضُنَا إِلَى الْكَفِّ لِيَأْخُذَهَا فَغَابَتْ ثُمَّ عَادَ أَصْحَابِي إِلَى الطَّعَامِ فَإِذَا الْكَفُّ قَدْ عَادَتْ تَكْتُبُ-
          فَلَا وَ اللَّهِ لَيْسَ لَهُمْ شَفِيعٌ-             وَ هُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الْعَذَابِ‏
 فَقَامَ أَصْحَابُنَا إِلَيْهَا فَغَابَتْ ثُمَّ عَادُوا إِلَى الطَّعَامِ فَعَادَتْ تَكْتُبُ-
          وَ قَدْ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ بِحُكْمِ جَوْرٍ-             وَ خَالَفَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْكِتَابِ‏
 فَامْتَنَعْتُ وَ مَا هَنَّأَنِي أَكْلُهُ ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَاهِبٌ مِنَ الدَّيْرِ فَرَأَى نُوراً سَاطِعاً مِنْ فَوْقِ الرَّأْسِ فَأَشْرَفَ فَرَأَى عَسْكَراً فَقَالَ الرَّاهِبُ لِلْحُرَّاسِ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ قَالُوا مِنَ الْعِرَاقِ حَارَبْنَا الْحُسَيْنَ فَقَالَ الرَّاهِبُ ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ وَ ابْنُ ابْنِ عَمِّ نَبِيِّكُمْ قَالُوا نَعَمْ قَالَ تَبّاً لَكُمْ وَ اللَّهِ لَوْ كَانَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ابْنٌ لَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَحْدَاقِنَا وَ لَكِنْ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ قَالُوا وَ مَا هِيَ قَالَ قُولُوا لِرَئِيسِكُمْ عِنْدِي عَشَرَةُ آلَافِ دَرَاهِمَ وَرِثْتُهَا مِنْ آبَائِي يَأْخُذُهَا مِنِّي وَ يُعْطِينِي الرَّأْسَ يَكُونُ عِنْدِي إِلَى وَقْتِ الرَّحِيلَ فَإِذَا رَحَلَ رَدَدْتُهُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرُوا عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ بِذَلِكَ «1» فَقَالَ خُذُوا مِنْهُ الدَّنَانِيرَ وَ أَعْطُوهُ إِلَى وَقْتِ الرَّحِيلِ فَجَاءُوا إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالُوا هَاتِ الْمَالَ حَتَّى نُعْطِيَكَ الرَّأْسَ فَأَدْلَى إِلَيْهِمْ جِرَابَيْنِ فِي كُلِّ جِرَابٍ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَدَعَا عُمَرُ بِالنَّاقِدِ وَ الْوَزَّانِ فَانْتَقَدَهَا وَ وَزَنَهَا وَ دَفَعَهَا إِلَى خَازِنٍ لَهُ وَ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى الرَّأْسَ فَأَخَذَ الرَّاهِبُ الرَّأْسَ فَغَسَلَهُ وَ نَظَّفَهُ وَ حَشَاهُ بِمِسْكٍ وَ كَافُورٍ كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ جَعَلَهُ فِي حَرِيرَةٍ وَ وَضَعَهُ فِي حَجْرِهِ وَ لَمْ يَزَلْ يَنُوحُ وَ يَبْكِي حَتَّى نَادَوْهُ وَ طَلَبُوا مِنْهُ الرَّأْسَ فَقَالَ يَا رَأْسُ وَ اللَّهِ لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي فَإِذَا كَانَ غَداً فَاشْهَدْ لِي عِنْدَ جَدِّكَ‏
__________________________________________________
 (1) فيه وهم حيث ان ابن زياد بعث الرءوس مع زحر بن قيس كما مرّ في ص 125، و لم يكن عمر بن سعد هناك.

185
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

مُحَمَّدٍ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَسْلَمْتُ عَلَى يَدَيْكَ وَ أَنَا مَوْلَاكَ وَ قَالَ لَهُمْ إِنِّي أَحْتَاجُ أَنَّ أُكَلِّمَ رَئِيسَكُمْ بِكَلِمَةٍ وَ أُعْطِيَهُ الرَّأْسَ فَدَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا تَعُودَ إِلَى مَا كُنْتَ تَفْعَلُهُ بِهَذَا الرَّأْسِ وَ لَا تَخْرُجَ بِهَذَا الرَّأْسِ مِنْ هَذَا الصُّنْدُوقِ فَقَالَ لَهُ أَفْعَلُ فَأَعْطَاهُ الرَّأْسَ وَ نَزَلَ مِنَ الدَّيْرِ يَلْحَقُ بِبَعْضِ الْجِبَالِ يَعْبُدُ اللَّهَ وَ مَضَى عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ فَفَعَلَ بِالرَّأْسِ مِثْلَ مَا كَانَ يَفْعَلُ فِي الْأَوَّلِ فَلَمَّا دَنَا مِنْ دِمَشْقَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ انْزِلُوا وَ طَلَبَ مِنَ الْجَارِيَةِ الْجِرَابَيْنِ فَأَحْضَرَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَظَرَ إِلَى خَاتَمِهِ ثُمَّ أَمَرَ أَنْ يُفْتَحَ فَإِذَا الدَّنَانِيرُ قَدْ تَحَوَّلَتْ خَزَفِيَّةً فَنَظَرُوا فِي سِكَّتِهَا فَإِذَا عَلَى جَانِبِهَا مَكْتُوبٌ- لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ وَ عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ مَكْتُوبٌ- سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ خَسِرْتُ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةَ ثُمَّ قَالَ لِغِلْمَانِهِ اطْرَحُوهَا فِي النَّهَرِ فَطُرِحَتْ وَ رَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ مِنَ الْغَدِ وَ أَدْخَلَ الرَّأْسَ إِلَى يَزِيدَ وَ ابْتَدَرَ قَاتِلُ الْحُسَيْنِ إِلَى يَزِيدَ فَقَالَ-
          امْلَأْ رِكَابِي فِضَّةً أَوْ ذَهَباً             إِنِّي قَتَلْتُ الْمَلِكَ الْمُحَجَّبَا
             قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمّاً وَ أَباً
- فَأَمَرَ يَزِيدُ بِقَتْلِهِ وَ قَالَ إِنْ عَلِمْتَ أَنَّ حُسَيْناً خَيْرُ النَّاسِ أُمّاً وَ أَباً فَلِمَ قَتَلْتَهُ فَجَعَلَ الرَّأْسَ فِي طَسْتٍ وَ هُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَسْنَانِهِ وَ يَقُولُ-
          لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا-             جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلِ‏
             فَأَهَلُّوا وَ اسْتَهَلُّوا فَرَحاً-             ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَلَّ-
             وَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَدْرٍ مِثْلَهَا-             وَ بِأُحُدٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَاعْتَدَلَ-
             لَسْتُ مِنْ خِنْدِفَ إِنْ لَمْ أَنْتَقِمْ-             مِنْ بَنِي أَحْمَدَ مَا كَانَ فَعَلَ-
 فَدَخَلَ عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَ رَأَى الرَّأْسَ فِي الطَّسْتِ وَ هُوَ يَضْرِبُ بِالْقَضِيبِ عَلَى أَسْنَانِهِ فَقَالَ كُفَّ عَنْ ثَنَايَاهُ فَطَالَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ يُقَبِّلُهَا فَقَالَ يَزِيدُ لَوْ لَا أَنَّك‏

186
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

شَيْخٌ كَبِيرٌ خَرِفْتَ لَقَتَلْتُكَ وَ دَخَلَ عَلَيْهِ رَأْسُ الْيَهُودِ فَقَالَ مَا هَذَا الرَّأْسُ فَقَالَ رَأْسُ خَارِجِيٍّ قَالَ وَ مَنْ هُوَ قَالَ الْحُسَيْنُ قَالَ ابْنُ مَنْ قَالَ ابْنُ عَلِيٍّ قَالَ وَ مَنْ أُمُّهُ قَالَ فَاطِمَةُ قَالَ وَ مَنْ فَاطِمَةُ قَالَ بِنْتُ مُحَمَّدٍ قَالَ نَبِيُّكُمْ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْراً بِالْأَمْسِ كَانَ نَبِيَّكُمْ وَ الْيَوْمَ قَتَلْتُمْ ابْنَ بِنْتِهِ وَيْحَكَ إِنَّ بَيْنِي وَ بَيْنَ دَاوُدَ النَّبِيِّ نَيِّفاً وَ ثَلَاثِينَ أَباً فَإِذَا رَأَتْنِي الْيَهُودُ كَفَّرَتْ إِلَيَّ ثُمَّ مَالَ إِلَى الطَّسْتِ وَ قَبَّلَ الرَّأْسَ وَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ جَدَّكَ محمد [مُحَمَّداً] رَسُولُ اللَّهِ وَ خَرَجَ فَأَمَرَ يَزِيدُ بِقَتْلِهِ وَ أَمَرَ فَأُدْخِلَ الرَّأْسُ الْقُبَّةَ الَّتِي بِإِزَاءِ الْقُبَّةِ الَّتِي يَشْرَبُ فِيهَا وَ وَكَّلَنَا بِالرَّأْسِ وَ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ فِي قَلْبِي فَلَمْ يَحْمِلْنِي النَّوْمُ فِي تِلْكَ الْقُبَّةِ فَلَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ وَكَّلَنَا أَيْضاً بِالرَّأْسِ فَلَمَّا مَضَى وَهْنٌ مِنَ اللَّيْلِ سَمِعْتُ دَوِيّاً مِنَ السَّمَاءِ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي يَا آدَمُ اهْبِطْ فَهَبَطَ أَبُو الْبَشَرِ وَ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ سَمِعْتُ مُنَادِياً يُنَادِي يَا إِبْرَاهِيمُ اهْبِطْ فَهَبَطَ وَ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ سَمِعْتُ مُنَادِياً يُنَادِي يَا مُوسَى اهْبِطْ فَهَبَطَ وَ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ سَمِعْتُ مُنَادِياً يُنَادِي يَا عِيسَى اهْبِطْ فَهَبَطَ وَ مَعَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ سَمِعْتُ دَوِيّاً عَظِيماً وَ مُنَادٍ يُنَادِي يَا مُحَمَّدُ اهْبِطْ فَهَبَطَ وَ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَأَحْدَقَ الْمَلَائِكَةُ بِالْقُبَّةِ ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ دَخَلَ الْقُبَّةَ وَ أَخَذَ الرَّأْسَ مِنْهَا وَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ مُحَمَّداً قَعَدَ تَحْتَ الرَّأْسِ فَانْحَنَى الرُّمْحُ وَ وَقَعَ الرَّأْسُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ فَأَخَذَهُ وَ جَاءَ بِهِ إِلَى آدَمَ فَقَالَ يَا أَبِي آدَمُ مَا تَرَى مَا فَعَلَتْ أُمَّتِي بِوَلَدِي مِنْ بَعْدِي فَاقْشَعَرَّ لِذَلِكَ جِلْدِي ثُمَّ قَامَ جَبْرَئِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَنَا صَاحِبُ الزَّلَازِلِ فَأْمُرْنِي لِأُزَلْزِلَ بِهِمُ الْأَرْضَ وَ أَصِيحَ بِهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً يَهْلِكُونَ فِيهَا فَقَالَ لَا قَالَ يَا مُحَمَّدُ دَعْنِي وَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعِينَ الْمُوَكَّلِينَ بِالرَّأْسِ قَالَ فَدُونَكَ فَجَعَلَ يَنْفُخُ بِوَاحِدٍ وَاحِدٍ فَدَنَا مِنِّي فَقَالَ تَسْمَعُ وَ تَرَى فَقَالَ النَّبِيُّ دَعُوهُ دَعُوهُ- لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ فَتَرَكَنِي وَ أَخَذُوا الرَّأْسَ وَ وَلَّوْا فَافْتُقِدَ الرَّأْسُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَمَا عُرِفَ لَهُ خَبَرٌ وَ لَحِقَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ الرَّيَّ فَمَا لَحِقَ بِسُلْطَانِهِ وَ مَحَقَ اللَّهُ عُمُرَهُ فَأُهْلِكَ فِي‏

187
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

الطَّرِيقِ فَقَالَ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ قُلْتُ لِلرَّجُلِ تَنَحَّ عَنِّي لَا تُحْرِقْنِي بِنَارِكَ وَ وَلَّيْتُ وَ لَا أَدْرِي بَعْدَ ذَلِكَ مَا خَبَرُهُ.
بيان: التكفير أن يخضع الإنسان لغيره كما يكفر العلج للدهاقين يضع يده على صدره و يتطأمن له و الوهن نحو من نصف الليل قوله تسمع و ترى كأنه كلام على سبيل التهديد أي وقفت هاهنا و تنظر و تسمع أو المعنى أنك كنت في العسكر و إن لم تفعل شيئا فكنت تسمع واعيتهم و ترى ما يفعل بهم.
32- يج، الخرائج و الجرائح عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَنَا وَ اللَّهِ رَأَيْتُ رَأْسَ الْحُسَيْنِ حِينَ حُمِلَ وَ أَنَا بِدِمَشْقَ وَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ يَقْرَأُ الْكَهْفَ حَتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً «1» فَأَنْطَقَ اللَّهُ الرَّأْسَ بِلِسَانٍ ذَرِبٍ ذَلِقٍ فَقَالَ أَعْجَبُ مِنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ قَتْلِي وَ حَمْلِي.
33- سن، المحاسن الْحَسَنُ بْنُ ظَرِيفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَبِسَ نِسَاءُ بَنِي هَاشِمٍ السَّوَادَ وَ الْمُسُوحَ وَ كُنَّ لَا يَشْتَكِينَ مِنْ حَرٍّ وَ لَا بَرْدٍ وَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ يَعْمَلُ لَهُنَّ الطَّعَامَ لِلْمَأْتَمِ «2».
34- جا، المجالس للمفيد الْمَرْزُبَانِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيلٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فَخَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: لَمَّا أَتَى نَعْيُ الْحُسَيْنِ ع إِلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ نِسَائِهَا حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ ص فَلَاذَتْ بِهِ وَ شَهَقَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ التفت [الْتَفَتَتْ‏] إِلَى الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ وَ هِيَ تَقُولُ‏
          مَا ذَا تَقُولُونَ إِنْ قَالَ النَّبِيُّ لَكُمْ-             يَوْمَ الْحِسَابِ وَ صِدْقُ الْقَوْلِ مَسْمُوعٌ-
             خَذَلْتُمْ عِتْرَتِي أَوْ كُنْتُمْ غُيَّباً-             وَ الْحَقُّ عِنْدَ وَلِيِّ الْأَمْرِ مَجْمُوعٌ-
             أَسْلَمْتُمُوهُمْ بِأَيْدِي الظَّالِمِينَ فَمَا-             مِنْكُمْ لَهُ الْيَوْمَ عِنْدَ اللَّهِ مَشْفُوعٌ-
             مَا كَانَ عِنْدَ غَدَاةِ الطَّفِّ إِذْ حَضَرُوا-             تِلْكَ الْمَنَايَا وَ لَا عَنْهُنَّ مَدْفُوعٌ‏
__________________________________________________
 (1) الكهف: 9.
 (2) كتاب المحاسن ص 420.

188
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

قَالَ فَمَا رَأَيْنَا بَاكِياً وَ لَا بَاكِيَةً أَكْثَرَ مِمَّا رَأَيْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ.
35- يب، تهذيب الأحكام مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَيْسِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: جُدِّدَتْ أَرْبَعَةُ مَسَاجِدَ بِالْكُوفَةِ فَرَحاً لِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ع- مَسْجِدُ الْأَشْعَثِ وَ مَسْجِدُ جَرِيرٍ وَ مَسْجِدُ سِمَاكٍ وَ مَسْجِدُ شَبَثِ بْنِ رِبْعِيٍّ «1».
36- أَقُولُ رُوِيَ فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِ أَصْحَابِنَا مُرْسَلًا أَنَّ نَصْرَانِيّاً أَتَى رَسُولًا مِنْ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَ قَدْ حَضَرَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي أُتِيَ إِلَيْهِ فِيهِ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ فَلَمَّا رَأَى النَّصْرَانِيُّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ ع بَكَى وَ صَاحَ وَ نَاحَ حَتَّى ابْتَلَّتْ لِحْيَتُهُ بِالدُّمُوعِ ثُمَّ قَالَ اعْلَمْ يَا يَزِيدُ أَنِّي دَخَلْتُ الْمَدِينَةَ تَاجِراً فِي أَيَّامِ حَيَاةِ النَّبِيِّ وَ قَدْ أَرَدْتُ أَنْ آتِيَهُ بِهَدِيَّةٍ فَسَأَلْتُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْهَدَايَا فَقَالُوا الطِّيبُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ إِنَّ لَهُ رَغْبَةً فِيهِ قَالَ فَحَمَلْتُ مِنَ الْمِسْكِ فَأْرَتَيْنِ وَ قَدْراً مِنَ الْعَنْبَرِ الْأَشْهَبِ وَ جِئْتُ بِهَا إِلَيْهِ وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ فِي بَيْتِ زَوْجَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلَمَّا شَاهَدْتُ جَمَالَهُ ازْدَادَ لِعَيْنِي مِنْ لِقَائِهِ نُوراً سَاطِعاً وَ زَادَنِي مِنْهُ سُرُورٌ وَ قَدْ تَعَلَّقَ قَلْبِي بِمَحَبَّتِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَ وَضَعْتُ الْعِطْرَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قُلْتُ هَدِيَّةٌ مُحَقَّرَةٌ أَتَيْتُ بِهَا إِلَى حَضْرَتِكَ فَقَالَ لِي مَا اسْمُكَ فَقُلْتُ اسْمِي عَبْدُ الشَّمْسِ فَقَالَ لِي بَدِّلِ اسْمَكَ فَإِنِّي أُسَمِّيكَ عَبْدَ الْوَهَّابِ إِنْ قَبِلْتَ مِنِّي الْإِسْلَامَ قَبِلْتُ مِنْكَ الْهَدِيَّةَ قَالَ فَنَظَرْتُهُ وَ تَأَمَّلْتُهُ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَ هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي أَخْبَرَنَا عَنْهُ عِيسَى ع حَيْثُ قَالَ إِنِّي مُبَشِّرٌ لَكُمْ بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَاعْتَقَدْتُ ذَلِكَ وَ أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِهِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ وَ رَجَعْتُ إِلَى الرُّومِ وَ أَنَا أُخْفِي الْإِسْلَامَ وَ لِي مُدَّةٌ مِنَ السِّنِينَ وَ أَنَا مُسْلِمٌ مَعَ خَمْسٍ مِنَ الْبَنِينَ وَ أَرْبَعٍ مِنَ الْبَنَاتِ وَ أَنَا الْيَوْمَ وَزِيرُ مَلِكِ الرُّومِ وَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ النَّصَارَى اطِّلَاعٌ عَلَى حَالِنَا وَ اعْلَمْ يَا يَزِيدُ أَنِّي يَوْمَ كُنْتُ فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ ص وَ هُوَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ
__________________________________________________
 (1) التهذيب:

189
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

رَأَيْتُ هَذَا الْعَزِيزَ الَّذِي رَأْسُهُ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْكَ مَهِيناً حَقِيراً قَدْ دَخَلَ عَلَى جَدِّهِ مِنْ بَابِ الْحُجْرَةِ وَ النَّبِيُّ فَاتِحٌ بَاعَهُ لِيَتَنَاوَلَهُ وَ هُوَ يَقُولُ مَرْحَباً بِكَ يَا حَبِيبِي حَتَّى إِنَّهُ تَنَاوَلَهُ وَ أَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُ شَفَتَيْهِ وَ يَرْشِفُ ثَنَايَاهُ وَ هُوَ يَقُولُ بَعُدَ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ مَنْ قَتَلَكَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ قَتَلَكَ يَا حُسَيْنُ وَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِكَ وَ النَّبِيُّ ص مَعَ ذَلِكَ يَبْكِي فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ فِي مَسْجِدِهِ إِذْ أَتَاهُ الْحُسَيْنُ مَعَ أَخِيهِ الْحَسَنِ ع وَ قَالَ يَا جَدَّاهْ قَدْ تَصَارَعْتُ مَعَ أَخِيَ الْحَسَنِ وَ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُنَا الْآخَرَ وَ إِنَّمَا نُرِيدُ أَنْ نَعْلَمَ أَيُّنَا أَشَدُّ قُوَّةً مِنَ الْآخَرِ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ حَبِيبَيَّ يَا مُهْجَتَيَّ إِنَّ التَّصَارُعَ لَا يَلِيقُ بِكُمَا وَ لَكِنِ اذْهَبَا فَتَكَاتِبَا فَمَنْ كَانَ خَطُّهُ أَحْسَنَ كَذَلِكَ تَكُونُ قُوَّتُهُ أَكْثَرَ قَالَ فَمَضَيَا وَ كَتَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَطْراً وَ أَتَيَا إِلَى جَدِّهِمَا النَّبِيِّ فَأَعْطَيَاهُ اللَّوْحَ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فَنَظَرَ النَّبِيُّ إِلَيْهِمَا سَاعَةً وَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكْسِرَ قَلْبَ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَهُمَا يَا حَبِيبَيَّ إِنِّي نَبِيٌّ أُمِّيٌّ- لَا أَعْرِفُ الْخَطَّ اذْهَبَا إِلَى أَبِيكُمَا لِيَحْكُمَ بَيْنَكُمَا وَ يَنْظُرَ أَيُّكُمَا أَحْسَنُ خَطّاً قَالَ فَمَضَيَا إِلَيْهِ وَ قَامَ النَّبِيُّ أَيْضاً مَعَهُمَا وَ دَخَلُوا جَمِيعاً إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ ع فَمَا كَانَ إِلَّا سَاعَةً وَ إِذَا النَّبِيُّ مُقْبِلٌ وَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ مَعَهُ وَ كَانَ بَيْنِي وَ بَيْنَ سَلْمَانَ صَدَاقَةٌ وَ مَوَدَّةٌ فَسَأَلْتُهُ كَيْفَ حَكَمَ أَبُوهُمَا وَ خَطُّ أَيِّهِمَا أَحْسَنُ قَالَ سَلْمَانُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنَّ النَّبِيَّ لَمْ يُجِبْهُمَا بِشَيْ‏ءٍ لِأَنَّهُ تَأَمَّلَ أَمْرَهُمَا وَ قَالَ لَوْ قُلْتُ خَطُّ الْحَسَنِ أَحْسَنُ كَانَ يَغْتَمُّ الْحُسَيْنُ وَ لَوْ قُلْتُ خَطُّ الْحُسَيْنِ أَحْسَنُ كَانَ يَغْتَمُّ الْحَسَنُ فَوَجَّهَهُمَا إِلَى أَبِيهِمَا فَقُلْتُ يَا سَلْمَانُ بِحَقِّ الصَّدَاقَةِ وَ الْأُخُوَّةِ الَّتِي بَيْنِي وَ بَيْنَكَ وَ بِحَقِّ دِينِ الْإِسْلَامِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي كَيْفَ حَكَمَ أَبُوهُمَا بَيْنَهُمَا فَقَالَ لَمَّا أَتَيَا إِلَى أَبِيهِمَا وَ تَأَمَّلَ حَالَهُمَا رَقَّ لَهُمَا وَ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَكْسِرَ قَلْبَ أَحَدِهِمَا قَالَ لَهُمَا امْضِيَا إِلَى أُمِّكُمَا فَهِيَ تَحْكُمُ بَيْنَكُمَا فَأَتَيَا إِلَى أُمِّهِمَا وَ عَرَضَا عَلَيْهَا مَا كَتَبَا فِي اللَّوْحِ وَ قَالا يَا أُمَّاهْ إِنَّ جَدَّنَا أَمَرَنَا أَنْ نَتَكَاتَبَ فَكُلُّ مَنْ كَانَ خَطُّهُ أَحْسَنَ تَكُونُ قُوَّتُهُ أَكْثَرَ فَتَكَاتَبْنَا وَ جِئْنَا

190
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

إِلَيْهِ فَوَجَّهَنَا إِلَى أَبِينَا فَلَمْ يَحْكُمْ بَيْنَنَا وَ وَجَّهَنَا إِلَيْكِ فَتَفَكَّرَتْ فَاطِمَةُ بِأَنَّ جَدَّهُمَا وَ أَبَاهُمَا مَا أَرَادَا كَسْرَ خَاطِرِهِمَا أَنَا مَا ذَا أَصْنَعُ وَ كَيْفَ أَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فَقَالَتْ لَهُمَا يَا قُرَّتَيْ عَيْنِي إِنِّي أَقْطَعُ قِلَادَتِي عَلَى رَأْسِكُمَا فَأَيُّكُمَا يَلْتَقِطُ مِنْ لُؤْلُؤِهَا أَكْثَرَ كَانَ خَطُّهُ أَحْسَنَ وَ تَكُونُ قُوَّتُهُ أَكْثَرَ قَالَ وَ كَانَ فِي قِلَادَتِهَا سَبْعُ لُؤْلُؤَاتٍ ثُمَّ إِنَّهَا قَامَتْ فَقَطَعَتْ قِلَادَتَهَا عَلَى رَأْسِهِمَا فَالْتَقَطَ الْحَسَنُ ثَلَاثَ لُؤْلُؤَاتٍ وَ الْتَقَطَ الْحُسَيْنُ ثَلَاثَ لُؤْلُؤَاتٍ وَ بَقِيَتِ الْأُخْرَى فَأَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَنَاوُلَهَا فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى جَبْرَئِيلَ بِنُزُولِهِ إِلَى الْأَرْضِ وَ أَنْ يَضْرِبَ بِجَنَاحِهِ تِلْكَ اللُّؤْلُؤَةَ وَ يَقُدَّهَا نِصْفَيْنِ فَأَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفاً فَانْظُرْ يَا يَزِيدُ كَيْفَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَمْ يُدْخِلْ عَلَى أَحَدِهِمَا أَلَمَ تَرْجِيحِ الْكِتَابَةِ وَ لَمْ يُرِدْ كَسْرَ قَلْبِهِمَا وَ كَذَلِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ ع وَ كَذَلِكَ رَبُّ الْعِزَّةِ لَمْ يُرِدْ كَسْرَ قَلْبِ أَحَدِهِمَا بَلْ أَمَرَ مَنْ قَسَمَ اللُّؤْلُؤَةَ بَيْنَهُمَا لِجَبْرِ قَلْبِهِمَا وَ أَنْتَ هَكَذَا تَفْعَلُ بِابْنِ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ أُفٍّ لَكَ وَ لِدِينِكَ يَا يَزِيدُ ثُمَّ إِنَّ النَّصْرَانِيَّ نَهَضَ إِلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ ع وَ احْتَضَنَهُ وَ جَعَلَ يُقَبِّلُهُ وَ هُوَ يَبْكِي وَ يَقُولُ يَا حُسَيْنُ اشْهَدْ لِي عِنْدَ جَدِّكَ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى وَ عِنْدَ أَبِيكَ عَلِيٍّ الْمُرْتَضَى وَ عِنْدَ أُمِّكَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
قَالَ وَ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ الْبَيْتِ ع أَنَّهُ لَمَّا اسْتُشْهِدَ الْحُسَيْنُ ع بَقِيَ فِي كَرْبَلَاءَ صَرِيعاً وَ دَمُهُ عَلَى الْأَرْضِ مَسْفُوحاً وَ إِذَا بِطَائِرٍ أَبْيَضَ قَدْ أَتَى وَ تَمَسَّحَ بِدَمِهِ وَ جَاءَ وَ الدَّمُ يَقْطُرُ مِنْهُ فَرَأَى طُيُوراً تَحْتَ الظِّلَالِ عَلَى الْغُصُونِ وَ الْأَشْجَارِ وَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَذْكُرُ الْحَبَّ وَ الْعَلَفَ وَ الْمَاءَ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ الطَّيْرُ الْمُتَلَطِّخُ بِالدَّمِ يَا وَيْلَكُمْ أَ تَشْتَغِلُونَ بِالْمَلَاهِي وَ ذِكْرِ الدُّنْيَا وَ الْمَنَاهِي وَ الْحُسَيْنُ فِي أَرْضِ كَرْبَلَاءَ فِي هَذَا الْحَرِّ مُلْقًى عَلَى الرَّمْضَاءِ ظَامِئٌ مَذْبُوحٌ وَ دَمُهُ مَسْفُوحٌ فَعَادَتِ الطُّيُورُ كُلٌّ مِنْهُمْ قَاصِداً كَرْبَلَاءَ فَرَأَوْا سَيِّدَنَا الْحُسَيْنَ ع مُلْقًى فِي الْأَرْضِ جُثَّةً بِلَا رَأْسٍ وَ لَا غُسْلٍ وَ لَا كَفَنٍ قَدْ سَفَتْ عَلَيْهِ السَّوَافِي وَ بَدَنُهُ مَرْضُوضٌ قَدْ هَشَّمَتْهُ الْخَيْلُ بِحَوَافِرِهَا زُوَّارُهُ وُحُوشُ الْقِفَارِ وَ نَدَبَتُهُ جِنُّ السُّهُولِ وَ الْأَوْعَارِ قَدْ أَضَاءَ التُّرَابُ مِنْ أَنْوَارِهِ وَ أَزْهَرَ الْجَوُّ مِنْ أَزْهَارِهِ-

191
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَلَمَّا رَأَتْهُ الطُّيُورُ تَصَايَحْنَ وَ أَعْلَنَّ بِالْبُكَاءِ وَ الثُّبُورِ وَ تَوَاقَعْنَ عَلَى دَمِهِ يَتَمَرَّغْنَ فِيهِ وَ طَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى نَاحِيَةٍ يُعْلِمُ أَهْلَهَا عَنْ قَتْلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ ع فَمِنَ الْقَضَاءِ وَ الْقَدَرِ أَنَّ طَيْراً مِنْ هَذِهِ الطُّيُورِ قَصَدَ مَدِينَةَ الرَّسُولِ وَ جَاءَ يُرَفْرِفُ وَ الدَّمُ يَتَقَاطَرُ مِنْ أَجْنِحَتِهِ وَ دَارَ حَوْلَ قَبْرِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ يُعْلِنُ بِالنِّدَاءِ أَلَا قُتِلَ الْحُسَيْنُ بِكَرْبَلَاءَ أَلَا ذُبِحَ الْحُسَيْنُ بِكَرْبَلَاءَ فَاجْتَمَعَتِ الطُّيُورُ عَلَيْهِ وَ هُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَ يَنُوحُونَ- فَلَمَّا نَظَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنَ الطُّيُورِ ذَلِكَ النَّوْحَ وَ شَاهَدُوا الدَّمَ يَتَقَاطَرُ مِنَ الطَّيْرِ لَمْ يَعْلَمُوا مَا الْخَبَرُ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةٌ مِنَ الزَّمَانِ وَ جَاءَ خَبَرُ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ الطَّيْرَ كَانَ يُخْبِرُ رَسُولَ اللَّهِ بِقَتْلِ ابْنِ فَاطِمَةَ الْبَتُولِ وَ قُرَّةِ عَيْنِ الرَّسُولِ وَ قَدْ نُقِلَ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي جَاءَ فِيهِ الطَّيْرُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَهُودِيٌّ وَ لَهُ بِنْتٌ عَمْيَاءُ زَمْنَاءُ طَرْشَاءُ «1» مَشْلُولَةٌ وَ الْجُذَامُ قَدْ أَحَاطَ بِبَدَنِهَا فَجَاءَ ذَلِكَ الطَّائِرُ وَ الدَّمُ يَتَقَاطَرُ مِنْهُ وَ وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ يَبْكِي طُولَ لَيْلَتِهِ وَ كَانَ الْيَهُودِيُّ قَدْ أَخْرَجَ ابْنَتَهُ تِلْكَ الْمَرِيضَةَ إِلَى خَارِجِ الْمَدِينَةِ إِلَى بُسْتَانٍ وَ تَرَكَهَا فِي الْبُسْتَانِ الَّذِي جَاءَ الطَّيْرُ وَ وَقَعَ فِيهِ فَمِنَ الْقَضَاءِ وَ الْقَدَرِ أَنَّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَرَضَ لِلْيَهُودِيِّ عَارِضٌ فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَخْرُجَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ إِلَى الْبُسْتَانِ الَّتِي فِيهَا ابْنَتُهُ الْمَعْلُولَةُ وَ الْبِنْتُ لَمَّا نَظَرَتْ أَبَاهَا لَمْ يَأْتِهَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَمْ يَأْتِهَا نَوْمٌ لِوَحْدَتِهَا لِأَنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحَدِّثُهَا وَ يُسَلِّيهَا حَتَّى تَنَامَ فَسَمِعَتْ عِنْدَ السَّحَرِ بُكَاءَ الطَّيْرِ وَ حَنِينَهُ فَبَقِيَتْ تَتَقَلَّبُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ إِلَى أَنْ صَارَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الطَّيْرُ فَصَارَتْ كُلَّمَا حَنَّ ذَلِكَ الطَّيْرُ تُجَاوِبُهُ مِنْ قَلْبٍ مَحْزُونٍ فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إِذْ وَقَعَ قَطْرَةٌ مِنَ الدَّمِ فَوَقَعَتْ عَلَى عَيْنِهَا فَفُتِحَتْ ثُمَّ قَطْرَةٌ أُخْرَى عَلَى عَيْنِهَا الْأُخْرَى فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَطْرَةٌ عَلَى يَدَيْهَا فَعُوفِيَتْ ثُمَّ عَلَى رِجْلَيْهَا فَبَرَأَتْ وَ عَادَتْ كُلَّمَا قَطَرَتْ قَطْرَةٌ مِنَ الدَّمِ تُلَطِّخُ بِهِ جَسَدَهَا فَعُوفِيَتْ مِنْ جَمِيعِ مَرَضِهَا مِنْ بَرَكَاتِ دَمِ الْحُسَيْنِ ع‏
__________________________________________________
 (1) مؤنث أطرش، و هو الأصمّ الذي تعطلت آلات سمعه.

192
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار45 (ط - بيروت)

باب 39 الوقائع المتأخرة عن قتله صلوات الله عليه إلى رجوع أهل البيت ع إلى المدينة و ما ظهر من إعجازه صلوات الله عليه في تلك الأحوال ص 107

فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَقْبَلَ أَبُوهَا إِلَى الْبُسْتَانِ فَرَأَى بِنْتاً تَدُورُ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا ابْنَتُهُ فَسَأَلَهَا أَنَّهُ كَانَ لِي فِي الْبُسْتَانِ ابْنَةٌ عَلِيلَةٌ لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تَتَحَرَّكَ فَقَالَتِ ابْنَتُهُ وَ اللَّهِ أَنَا ابْنَتُكَ فَلَمَّا سَمِعَ كَلَامَهَا وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَامَ عَلَى قَدَمَيْهِ فَأَتَتْ بِهِ إِلَى ذَلِكَ الطَّيْرِ فَرَآهَا وَاكِراً عَلَى الشَّجَرَةِ يَئِنُّ مِنْ قَلْبٍ حَزِينٍ مُحْتَرِقٍ مِمَّا رَأَى مِمَّا فُعِلَ بِالْحُسَيْنِ ع فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِالَّذِي خَلَقَكَ أَيُّهَا الطَّيْرُ أَنْ تُكَلِّمَنِي بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَطَقَ الطَّيْرُ مُسْتَعْبِراً ثُمَّ قَالَ إِنِّي كُنْتُ وَاكِراً عَلَى بَعْضِ الْأَشْجَارِ مَعَ جُمْلَةِ الطُّيُورِ عِنْدَ الظَّهِيرَةِ وَ إِذَا بِطَيْرٍ سَاقِطٍ عَلَيْنَا وَ هُوَ يَقُولُ أَيُّهَا الطُّيُورُ تَأْكُلُونَ وَ تَتَنَعَّمُونَ وَ الْحُسَيْنُ فِي أَرْضِ كَرْبَلَاءَ فِي هَذَا الْحَرِّ عَلَى الرَّمْضَاءِ طَرِيحاً ظَامِئاً وَ النَّحْرُ دَامٍ وَ رَأْسُهُ مَقْطُوعٌ عَلَى الرُّمْحِ مَرْفُوعٌ وَ نِسَاؤُهُ سَبَايَا حُفَاةٌ عَرَايَا فَلَمَّا سَمِعْنَ بِذَلِكَ تَطَايَرْنَ إِلَى كَرْبَلَاءَ فَرَأَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ الْوَادِي طَرِيحاً الْغُسْلُ مِنْ دَمِهِ وَ الْكَفَنُ الرَّمْلُ السَّافِي عَلَيْهِ فَوَقَعْنَا كُلُّنَا عَلَيْهِ نَنُوحُ وَ نَتَمَرَّغُ بِدَمِهِ الشَّرِيفِ وَ كَانَ كُلٌّ مِنَّا طَارَ إِلَى نَاحِيَةٍ فَوَقَعْتُ أَنَا فِي هَذَا الْمَكَانِ فَلَمَّا سَمِعَ الْيَهُودِيُّ ذَلِكَ تَعَجَّبَ وَ قَالَ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُسَيْنُ ذَا قَدْرٍ رَفِيعٍ عِنْدَ اللَّهِ مَا كَانَ دَمُهُ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ ثُمَّ أَسْلَمَ الْيَهُودِيُّ وَ أَسْلَمَتِ الْبِنْتُ وَ أَسْلَمَ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ.
وَ قَالَ: حُكِيَ عَنْ رَجُلٍ أَسَدِيٍّ قَالَ: كُنْتُ زَارِعاً عَلَى نَهَرِ الْعَلْقَمِيِّ بَعْدَ ارْتِحَالِ الْعَسْكَرِ عَسْكَرِ بَنِي أُمَيَّةَ فَرَأَيْتُ عَجَائِبَ لَا أَقْدِرُ أَحْكِي إِلَّا بَعْضَهَا مِنْهَا أَنَّهُ إِذَا هَبَّتِ الرِّيَاحُ تَمُرُّ عَلَيَّ نَفَحَاتٌ كَنَفَحَاتِ الْمِسْكِ وَ الْعَنْبَرِ إِذَا سَكَنَتْ أَرَى نُجُوماً تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَ يَرْقَى مِنَ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ مِثْلُهَا وَ أَنَا مُنْفَرِدٌ مَعَ عِيَالِي وَ لَا أَرَى أَحَداً أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ وَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يُقْبِلُ أَسَدٌ مِنَ الْقِبْلَةِ فَأُوَلِّي عَنْهُ إِلَى مَنْزِلِي فَإِذَا أَصْبَحَ وَ طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَ ذَهَبْتُ مِنْ مَنْزِلِي أَرَاهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ذَاهِباً فَقُلْتُ فِي نَفْسِي إِنَّ هَؤُلَاءِ خَوَارِجُ قَدْ خَرَجُوا عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَ أَرَى مِنْهُمْ مَا لَمْ أَرَهُ مِنْ سَائِرِ الْقَتْلَى فَوَ اللَّهِ هَذِهِ الل