×
☰ فهرست و مشخصات
مستمسک العروة الوثقى9

كتاب الزكاة ؛ ج‌9، ص : 3

 

الجزء التاسع

[كتاب الزكاة]

كتاب الزكاة التي وجوبها من ضروريات الدين، و منكره مع العلم به كافر، بل في جملة من الأخبار: أن مانع الزكاة كافر.

[و يشترط في وجوبها أمور]

و يشترط في وجوبها أمور:

[الأول: البلوغ]

الأول: البلوغ (1)، فلا تجب على غير البالغ في تمام بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين المعصومين كتاب الزكاة أما في النقدين فلا خلاف فيه، و حكي عن جماعة كثيرة:

دعوى الإجماع عليه، منهم الحلي، و العلامة، و الشهيدان، و صاحب المدارك و يشهد له النصوص الكثيرة المتضمنة: «أنه‌

ليس على مال اليتيم زكاة» «1»

بضميمة ما دل من النصوص على بقاء اليتم إلى البلوغ «2»، و‌

صحيح يونس ابن يعقوب: «أرسلت إلى أبي عبد اللّٰه (ع): إن لي إخوة صغاراً، فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ قال (ع): إذا وجب عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة» «3».

و نحوه غيره. أما حديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم «4»، فإنما يقتضي عدم وجوب إيتاء الزكاة عليه تكليفاً، لا نفي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات.

 

3
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: البلوغ ؛ ج‌9، ص : 3

.....

ثبوتها في ماله وضعاً، فما دل على ثبوتها محكم. و هو يقتضي وجوب إيتائها على الولي، كسائر حقوق الناس الثابتة في مال الصبي أو في ذمته.

و أما في الغلات و المواشي فهو المشهور- كما عن جماعة- بل عن الرياض: أنه خيرة المتأخرين كافة، و جماعة من أعاظم القدماء. لإطلاق نفي الزكاة على مال اليتيم، المقدم على إطلاق كل ما دل على ثبوتها في الغلات و في المواشي، و إن كان بينهما العموم من وجه.

أولا: من جهة ظهوره- بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع- في أن عنوان اليتم من العناوين الاقتضائية للمنع. و ثانياً: من جهة أن النسبة المذكورة هي بعينها النسبة بينه و بين ما دل على ثبوتها في النقدين، فيدور الأمر بين تخصيص الجميع به و طرحه، و تخصيص أحدها بعينه دون غيره، و الأول هو الذي يقتضيه الجمع العرفي بينها. و بعبارة أخرى: مرجع أدلة وجوب الزكاة في الأنواع الثلاثة إلى دليل واحد فيها، و نسبة دليل نفي الزكاة في مال اليتيم إلى ذلك كنسبة الخاص إلى العام، فكما أنه لو قيل:

«تجب الزكاة في النقدين و المواشي و الغلات» ثمَّ قيل: «لا تجب الزكاة في مال اليتيم» يجب تقييد الأول بالأخير بحمله على غير اليتيم، كذلك لو كانت الأدلة منفصلة. و مجرد قيام دليل خاص على انتفاء الزكاة عن اليتيم في النقدين لا يوجب انقلاب الجمع العرفي المذكور الى الجمع، بحمله على خصوص النقدين، و العمل بإطلاق دليلي ثبوتها في الغلات و المواشي، فإن ذلك لا يخرج عن كونه تقييداً من غير قرينة عليه، لكونهما معاً نافيين بخلاف الجمع بتقييد الأدلة الثلاثة به و العمل بإطلاقه، كما لا يخفى على المتأمل.

مع أنه لو سلم عدم كون الجمع المذكور عرفياً، فلا أقل من التساوي الموجب للتساقط و الرجوع إلى أصالة عدم وجوب الزكاة. اللهم إلا أن يكون المرجع عموم مثل قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ..) «1».

______________________________
(1) التوبة: 103.

4
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: البلوغ ؛ ج‌9، ص : 3

الحول- فيما يعتبر فيه الحول- و لا على من كان غير بالغ في هذا مضافاً إلى ما‌

رواه الشيخ عن أبي بصير- بطريق موثق بابن فضال- عن أبي عبد اللّٰه (ع) أنه سمعه يقول: «ليس في مال اليتيم زكاة و ليس عليه صلاة، و ليس على جميع غلاته- من نخل، أو زرع، أو غلة- زكاة. و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة، و كان عليه مثل ما على غيره من الناس» «1»

و‌

رواه الكليني بطريق صحيح عن أبي بصير عنه (ع) هكذا: «ليس على مال اليتيم زكاة، و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة ..» «2»

إلى آخر ما ذكر بتفاوت يسير.

و عن المقنعة و النهاية و الخلاف و المبسوط و الوسيلة و غيرها: وجوب الزكاة فيهما، و عن الناصريات: أنه مذهب أكثر أصحابنا، و عن الخلاف:

الإجماع عليه. و العمدة فيه:

صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّٰه (ع) أنهما قالا: «ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت شي‌ء، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة» «3».

و فيه: أنه يمكن حمله على الاستحباب، بقرينة موثق أبي بصير السابق حملا للظاهر على الأظهر، مع أنه لا تعرض فيه للمواشي، فالخروج فيها عن إطلاق:

«ليس على مال اليتيم زكاة»

ليس له وجه ظاهر. و عدم القول بالفصل غير ثابت، و إن ادعى. و دعوى: أن ظاهر الصحيح المذكور بيان حكم الأنواع الثلاثة من مال اليتيم، فاقتصاره في النفي على الدين و المال الصامت- الذي هو الذهب و الفضة- قرينة على ثبوتها في المواشي كالغلات.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

5
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: البلوغ ؛ ج‌9، ص : 3

بعضه، فيعتبر ابتداء الحول من حين البلوغ (1).

غير ظاهرة، و لم لا يجوز العكس؟ و بالجملة: بعد صراحة موثق أبي بصير بنفيها في الغلات، لا مجال للتوقف في نفيها فيها. و نفيها في المواشي أخف مئونة. و إجماع الخلاف لا يهم بعد وضوح الخلاف. فلاحظ.

كما عن جمع التصريح به، و نسب الى ظاهر الأصحاب، بل ادعى نفي الخلاف الظاهر فيه. و استدل له: بأن ما دل على أنه لا زكاة في مال اليتيم، ظاهر في أن مال اليتيم ليس موضوعاً للزكاة، بل موضوعه مال البالغ، فيكون البلوغ شرطاً في الموضوع. و ظاهر ما دل على اعتبار الحول، اعتبار حول الحول على ما هو موضوع لها، فلو بلغ الصبي في أثناء الحول لم تجب، لعدم مضي الحول على ما هو موضوعها. نعم لو كان مفاد أدلة النفي مجرد شرطية البلوغ للوجوب كسائر الشرائط، أشكل الحكم المذكور، إذ مع تحقق البلوغ في الأثناء يحصل الشرط للوجوب، فاذا تمَّ الحول فقد حصل الشرط الآخر و ثبتت الزكاة. لكن الظاهر منها الأول.

و لعدم تماميته في نظر المحقق السبزواري، استشكل في الحكم المشهور فقال في الذخيرة: «المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة على الصبي ما لم يبلغ، و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه عليه، إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف ..»‌

لكن عليه يشكل الحكم بالنسبة إلى الأحوال الماضية التي بلغ بعدها، إذ المراد من حول الحول إن كان يعم ما قبل البلوغ، وجبت الزكاة بالبلوغ لما مضى من الأحوال، و التفكيك بين بعض المدة و تمامها كما ترى.

و قد يستدل له‌

بقوله (ع) في رواية أبي بصير المتقدمة: «فليس عليه لما مضى زكاة ..»

لشموله للحول التام و الناقص يوماً أو أياماً. و فيه: أن الظاهر من (ما) خصوص الغلات التي لا يعتبر فيها الحول، بقرينة ما بعده‌

6
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: العقل ؛ ج‌9، ص : 7

و أما ما لا يعتبر فيه الحول من الغلات الأربع، فالمناط البلوغ قبل وقت التعلق (1)، و هو انعقاد الحب و صدق الاسم على ما سيأتي.

[الثاني: العقل]

الثاني: العقل (2)، فلا زكاة في مال المجنون في تمام من‌

قوله (ع): «حتى يدرك»

، فان الظاهر من الإدراك بلوغ الحد الذي تجب عنده الزكاة. بل المتن المتقدم الذي رواه الشيخ كالصريح في ذلك، فلا يكون مما نحن فيه. و لو سلم فالظاهر من (ما) خصوص الحول التام، إذ الناقص لا تجب فيه الزكاة حتى مع البلوغ، و لا خصوصية لليتم فيه، و ظاهر الحديث بيان خصوص أحكامه لا غير.

بل الظاهر كفاية البلوغ في وقت التعلق، عملا بالعمومات. إذ لا مجال حينئذ لمعارضتها بما دل على أنه ليس على مال اليتيم زكاة.

المنسوب إلى الأكثر- بل المشهور- أن حكم المجنون حكم الطفل لظهور عدم الفرق بينهما بالاعتبار و الاستقراء، لاشتراكهما في الأحكام غالباً.

و في الجواهر: «عدم الدليل المعتد به على هذه التسوية إلا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها ..».

و من ذلك يظهر وجوب الرجوع الى مقتضى الأدلة فيه بالخصوص، فنقول:

روى عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح قال: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): امرأة من أهلنا مختلطة، أ عليها زكاة؟ فقال (ع): إن كان عمل به فعليها زكاة، و ان لم يعمل به فلا» «1».

و‌

روى موسى ابن بكير أنه سأل أبا الحسن (ع): «عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها، هل عليه زكاة؟ قال (ع): إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة» «2»

، و إطلاقهما يقتضي عدم الفرق بين الصامت و الغلات و المواشي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

7
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الحرية ؛ ج‌9، ص : 8

الحول، أو بعضه و لو أدواراً (1). بل قيل: إن عروض الجنون آناً ما يقطع الحول. لكنه مشكل، بل لا بد من صدق اسم المجنون و أنه لم يكن في تمام الحول عاقلا، و الجنون آناً ما- بل ساعة و أزيد- لا يضر، لصدق كونه عاقلا (2).

[الثالث: الحرية]

الثالث: الحرية، فلا زكاة على العبد و إن قلنا بملكه (3).

لأن عدم العمل به- المصرح به في الصحيح، و المفهوم في الخبر- أعم من عدم القابلية، فيشمل الجميع.

لما تقدم في الصبي بعينه.

إذا فرض صدق كونه مجنوناً في آن، امتنع صدق كونه عاقلا في تمام الحول، إلا بالمساهلات العرفية التي لا يعتنى بها. و دعوى انصراف النص المتقدم عن الفرض ممنوعة.

أما على القول بعدم ملكيته فلا إشكال و لا خلاف في عدم وجوبها عليه، ضرورة شرطية الملك للوجوب. و أما على القول بالملكية فالمشهور العدم أيضاً،

لمصحح ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «ليس في مال المملوك شي‌ء و لو كان له ألف ألف. و لو احتاج لم يعط من الزكاة شي‌ء» «1»

و‌

صحيحه عنه (ع): «سأله رجل- و أنا حاضر- عن مال المملوك أ عليه زكاة؟ فقال (ع): لا، و لو كان له ألف ألف درهم.

و لو احتاج لم يكن له من الزكاة شي‌ء» «2»

، و‌

صحيحة الآخر عنه (ع): «قلت له: مملوك في يده مال، أ عليه زكاة؟ قال (ع): لا. قلت:

فعلى سيده؟ فقال (ع): لا، لأنه لم يصل إلى السيد، و ليس هو

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

8
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الحرية ؛ ج‌9، ص : 8

.....

للمملوك» «1»

، و‌

مصحح إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر، فيقول:

أحللني من ضربي إياك و من كل ما كان مني إليك، أو مما أخفتك و أرهبتك فيحلله و يجعله في حل رغبة فيما أعطاه. ثمَّ إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاها في موضع قد وضعها فيه فأخذها، فحلال هي؟ قال (ع):

لا. فقلت: أ ليس العبد و ماله لمولاه؟ فقال (ع): ليس هذا ذاك.

ثمَّ قال: فهو له فليردها له فإنها لا تحل له، فإنه افتدى نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة. فقلت: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال الحول؟ قال (ع): لا. إلا أن يعمل بها، و لا يعطى العبد من الزكاة شيئاً» «2».

و دلالتها- كسندها- لا قصور فيها، مع تأييدها‌

برواية وهب بن وهب القرشي، عن الصادق (ع)، عن آبائه، عن علي (ع): «ليس في مال المكاتب زكاة» «3».

فان غير المكاتب أولى بالنفي منه. و باتفاق النص و الفتوى على أنه محجور عن التصرف «4» فإنه- كما سيأتي- مانع من وجوبها.

و لا مجال للنقض بالسفيه و الصبي، فإن الحجر فيهما لقصور في صاحب السلطنة لا في السلطنة، كما في العين المرهونة و نحوها مما هو متعلق حق الغير.

فما عن المعتبر و المنتهى و إيضاح النافع و غيرها- بل عن الشيخ: نسبته إلى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.

(2) جاء بعضه في الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6. و ذكر مقداراً من صدر الرواية في الباب: 9 من أبواب بيع الحيوان حديث: 3. و ما شساء الوقوف على الحديث بتمامه فليراجع التهذيب ج 8 صفحة 225 طبع النجف الأشرف. و الفقيه ج 3 صفحة 146 طبع النجف الأشرف.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب بيع الحيوان، و باب: 4 من أبواب الحجر.

9
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الحرية ؛ ج‌9، ص : 8

من غير فرق بين القن، و المدبر، و أم الولد، و المكاتب المشروط، و المطلق الذي لم يؤد شيئاً من مال الكتابة (1). و أما المبعض فيجب عليه إذا بلغ (2) ما يتوزع على بعضه الحر النصاب.

بعض أصحابنا-: من القول بوجوب الزكاة عليه، بناء على مالكيته ضعيف.

و مثله: ما عن القطيفي و الأردبيلي: من القول بالوجوب إذا ملكه مولاه و صرفه فيه. و‌

خبر قرب الاسناد: «ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه» «1»

- مع هجره، و ضعف سنده- قاصر الدلالة على مدعاهما و لا يبعد أن يكون المراد منه نفي وجوب دفع الزكاة على مال السيد الذي بيده، إلا إذا أذن له في الدفع. أو يحمل على الاستحباب.

بلا خلاف ظاهر. لإطلاق الأدلة. و المكاتب قد عرفت أنه مورد خبر وهب. لكنه ضعيف السند.

كما هو المشهور، بل نسب إلى قطع الأصحاب، و حكي الاتفاق عليه. و في الجواهر: نفى وجدان الخلاف فيه. و استدل له فيها: بوجود المقتضي، و عدم المانع. و كأن المراد بالمقتضي: عموم وجوبها، و بالمانع ما دل على نفي الزكاة على المملوك المختص بغير المبعض. لكن يشكل:

بأنه إذا اختص المانع بغير المبعض كان مقتضى العموم وجوب الزكاة في جميع ما يملكه، و لا يختص بحصة نصيب الجزء الحر.

نعم قد يقال: بأن دليل النفي إنما ينطبق على جزئه المملوك، فيكون الجزء الحر بلا مانع. لكن تطبيق الدليل على أجزاء المكلف لا يخلو من تعسف و تكلف. و كأنه لذلك توقف الكاشاني فيما يظهر من محكي كلامه في المفاتيح.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

10
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: أن يكون مالكا ؛ ج‌9، ص : 11

[الرابع: أن يكون مالكاً]

الرابع: أن يكون مالكاً (1)، فلا تجب قبل تحقق الملكية، كالموهوب قبل القبض (2)، بلا خلاف فيه و لا إشكال ظاهر، كما عن غير واحد، و عن المعتبر و المنتهى: دعوى اتفاق العلماء عليه، و عن نهاية الأحكام و غيرها:

الإجماع عليه. و ظاهر عبارة المتن- و لا سيما بملاحظة التفريع- أنه شرط في وجوب إيتاء الزكاة، فلا يجب إيتاؤها على غير المالك. و يشهد له غير واحد من النصوص،

كصحيح الكناني عن أبي عبد اللّٰه (ع) في حديث: «إنما الزكاة على صاحب المال» «1»

، و‌

مكاتبة ابن مهزيار: «لا تجب عليه الزكاة إلا في ماله» «2».

و نحوهما غيرهما.

و لو أريد أنه شرط في أصل التعلق- بمعنى: أن ما لا يكون ملكاً كالمباحات لا تتعلق به الزكاة- كان صحيحاً أيضاً. بل في الجواهر: لا ينبغي التأمل فيه إذا أريد عدمها في المباح و نحوه من غير المملوك، إذ لا دليل على ثبوت الزكاة فيه. و الإطلاقات غير ظاهرة الشمول له. و الأصل يقتضي العدم، بل هو من الواضحات التي لا ينبغي التعرض لها و لا يشك فيها كي يرجع فيها إلى أصل. بل الظاهر- كما في الجواهر- ذلك فيما كان الملك فيه للجهة العامة- كالفقراء و العلماء- كما ذكر.

بناء على أنه شرط في الملك ناقل. أما بناء على أنه شرط له على نحو الكشف الحقيقي- بمعنى أنه بتحقق القبض يعلم بتحقق الملكية من حين العقد واقعاً- فلا يكون المثال من باب فقد الملك. و كذا بناء على أنه شرط في اللزوم، على ما يتراءى من ظاهر العبارة: من أن العقد تمام العلة في الملكية. غاية الأمر أنه يجوز الرجوع قبل القبض. و إن كان المحكي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

11
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: تمام التمكن من التصرف ؛ ج‌9، ص : 12

و الموصي به قبل القبول (1)، أو قبل القبض (2). و كذا في القرض لا تجب إلا بعد القبض (3).

[الخامس: تمام التمكن من التصرف]

الخامس: تمام التمكن من التصرف (4)، فلا تجب في عن المحققين التصريح بأن المراد من كون القبض شرطاً في اللزوم أنه شرط في الملكية على نحو الكشف الحقيقي المتقدم، فهما واحد. ثمَّ إنك عرفت أن المراد أنه لا يجب على المتهب دفع الزكاة إذا لم يحل الحول بعد القبض و لو حال بعد العقد و قبل القبض وجبت الزكاة على الواهب.

فإنه أيضاً شرط في ملكية الموصى به. و يختلف الحكم باختلاف كونه شرطاً ناقلا و كاشفاً، على نحو ما سبق.

الظاهر أنه لم يتحقق قائل باعتبار القبض في الملك هنا، و لذلك احتمل أن يكون أثبت سهواً بدل (قبل الوفاة)، حيث لا يملك الموصي به قبلها قطعاً، نعم عن بعض: أنه احتمل في كلام المبسوط اعتباره في ملك الموصي به، لكنه- مع أنه غير متحقق- يبعد أن يكون ما في العبارة إشارة اليه.

بناء على أنه متمم السبب المملك، و لو قيل باعتبار التصرف زائداً فلا تجب إلا بعد التصرف. و الكلام فيه موكول الى محله.

الذي نسب إلى قطع الأصحاب تارة، و إلى فتوى علمائنا أخرى، و إلى الإجماع ثالثة، و عن الحدائق: نفي الخلاف فيه. اعتبار التمكن من التصرف في ثبوت الزكاة، فضلا عن اعتباره في وجوب أدائها. و إن اختلفوا في كيفية اعتباره، فبعضهم- كالشرائع- جعله شرطاً ثالثاً زائداً على اشتراط الملك و تماميته، و بعضهم- كالقواعد- اعتبر شرطاً رابعاً- زائداً على البلوغ و العقل و الحرية- كمال الملك، و جعل التمكن من التصرف أحد شؤون الكمال المذكور. و المصنف جعله شرطاً زائداً على اشتراط‌

12
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: تمام التمكن من التصرف ؛ ج‌9، ص : 12

المال الذي لا يتمكن المالك من التصرف فيه- بأن كان غائباً و لم يكن في يده، و لا في يد وكيله- و لا في المسروق، المالكية. و المراد: أنه شرط لأصل تعلق الزكاة، نظير الشرائط الثلاثة الأول، و ليس كاشتراط المالكية، فإنها شرط لوجوب الأداء، كما عرفت.

و كيف كان قد استدل له‌

بمصحح إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا إبراهيم (ع): عن الرجل يكون له الولد، فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو، و مات الرجل، كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟

قال (ع): يعزل حتى يجي‌ء، قلت: فعلى ماله زكاة؟ قال (ع):

لا، حتى يجي‌ء. قلت: فاذا هو جاء أ يزكيه؟ فقال: لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «1»

، و قريب منه خبره الآخر «2» و‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» «3»

، و‌

حسن سدير: «قلت لأبي جعفر (ع):

ما تقول في رجل كان له مال، فانطلق به فدفنه في موضع، فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه، فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين. ثمَّ إنه احتفر الموضع من جوانبه كلها فوقع على المال بعينه، كيف يزكيه؟ قال (ع): «يزكيه لسنة واحدة، لأنه كان غائباً عنه و إن كان احتبسه» «4»

، و‌

صحيح إبراهيم بن أبي محمود «قلت لأبي الحسن الرضا (ع): الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما، ثمَّ يأخذهما، متى يجب عليه الزكاة؟

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

13
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: تمام التمكن من التصرف ؛ ج‌9، ص : 12

.....

قال (ع): إذا أخذهما، ثمَّ يحول عليه الحول يزكي» «1»

، و‌

خبر زرارة: «في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه. قال (ع): فلا زكاة عليه حتى يخرج، فاذا خرج زكاه لعام واحد. فان كان يدعه متعمداً و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين» «2».

و نحوها- أو قريب منها- غيرها، جملة منها واردة فيمن ترك نفقة لأهله و سافر «3».

و مع ذلك فقد استشكل على اعتبار اشتراط التمكن من التصرف تارة: بأنه إن أريد جميع التصرفات لزم انتفاء الزكاة مع عدم التمكن من بعض التصرفات لمانع- من بيع العين أو هبتها أو غيرهما- و لا يمكن الالتزام به. و إن أريد بعض التصرفات لم يكن وجه للحكم بعدم الزكاة في المغصوب و المجحود و الغائب، لا مكان نقل العين إلى الغاصب و الجاحد بالهبة و نقل الغائب إلى شخص حاضر. و أخرى: بأنه لا دليل على اعتبار الشرط المذكور، إذ النصوص المتقدمة إنما تدل على انتفاء الزكاة في موارد خاصة و لا يمكن استفادة حكم كلي منها. و الإجماع بنحو يصح الاعتماد عليه غير ثابت، إلا في تلك الموارد أيضاً.

و كأن المصنف اختار الشق الأول من الشقين المذكورين في تقريب الإشكال الأول، لأن الظاهر من قوله: «تمام التمكن من التصرف» التمكن من تمام التصرفات. لكن لم يتضح منه وجه اندفاع الاشكال المترتب عليه.

و قد أجيب عن أصل الإشكال الأول: بأن المراد التمكن شرعاً و عقلا من التصرف بالعين، بالدفع، و التسليم، و الإقباض للغير، لأن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

14
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: تمام التمكن من التصرف ؛ ج‌9، ص : 12

.....

التمكن على النحو المذكور في آخر الحول- الذي هو وقت الوجوب- شرط قطعاً، فلو أريد من التمكن من التصرف- الذي أخذ شرطاً في تمام الحول- غير هذا المعنى لزم اشتراط الوجوب بأمرين، لا أمر واحد، و ظاهر النص أن التمكن في تمام الحول تمام السبب في الوجوب، فلا بد أن يكمل على ما هو الشرط في آخر الحول، كي لا يكون الشرط للوجوب إلا أمراً واحداً.

و فيه: أن هنا أمرين، ثبوت الزكاة في المال، و وجوب دفعها إلى مصرفها. و التمكن من الدفع في آخر الحول إنما يكون شرطاً في وجوب الدفع، لا في ثبوت الزكاة في المال. و التمكن من التصرف طول الحول إنما هو شرط في ثبوتها في المال. فلو بني على أن التمكن من التصرف في تمام الحول- الذي هو السبب التام في ثبوت الزكاة- بمعنى آخر، لم يلزم أن يكون الشرط أمرين. إذ كل واحد منهما شرط في غير ما يكون الآخر شرطاً له، كما هو ظاهر بالتأمل.

فالأولى أن يقال:

قوله (ع) في حسن سدير: «لأنه كان غائباً عنه» «1»

تعليلا لعدم وجوب الزكاة، لا يراد منه مجرد الغيبة المقابل للحضور قطعاً، إذ لا يمكن الالتزام بأن من كانت له نقود أو زروع أو مواش متفرقة في القرى و الضياع لا تجب عليه زكاتها، حيث لم يحضر عند كل واحد منها طول سنته. مع أن المال في مورد الرواية لم يكن غائباً و إنما كان مجهولا موضعه لا غير. فالمراد من الغيبة كونه ممنوعاً عنه على نحو لا يقدر على أخذه، كما يشير إليه قوله (ع) بعد ذلك:

«و إن كان احتبسه ..»

يعني: و إن كان هو الذي جعله محبوساً عنه، فذلك كله قرينة على أن المراد أن المانع من ثبوت الزكاة كون المال محبوساً عن المالك و الشرط أن يكون مطلقاً مقدوراً عليه.

______________________________
(1) لاحظ ذلك في صدر التعليقة.

15
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: تمام التمكن من التصرف ؛ ج‌9، ص : 12

و المحجور، و المدفون في مكان منسي، و لا في المرهون، و لا في الموقوف، و لا في المنذور التصدق به (1).

و على هذا يتعين حمل قوله (ع):

«حتى يحول عليه الحول في يده ..»

أو:

«و هو عنده ..»

على ذلك، لا على ظاهره من كونه مقبوضاً له و تحت استيلائه، و لا على ما تحت العبارة من كونه في اليد بمعنى العضو الخاص. أو أن يكون في موضع حوله و قريب منه.

و يوضح ذلك خبر زرارة، حيث تضمن أن المناط- في نفي الزكاة على المال الغائب- كونه لا يقدر على أخذه، و أنه لو كان يقدر على أخذه وجبت فيه الزكاة «1». و حينئذ نقول: إذا كان ظاهر النصوص اعتبار القدرة على المال، فالظاهر من القدرة على الشي‌ء التمكن من التصرف الخارجي القائم به، من إتلاف و نحوه، بحيث لا يكون قصور في المال مانعاً عن ذلك. لا أقل من كونه القدر المتيقن في الخروج عن إطلاقات الوجوب، فلا يكفي في ثبوتها القدرة على بعض التصرفات الاعتبارية، كالعتق و الهبة و الصلح، و لا يمنع عنه العجز عن ذلك.

نعم مورد النصوص العجز الخارجي الناشئ من كون المال مدفوناً أو غائباً، أو كون صاحبه غائباً عنه، فالتعدي إلى العجز الشرعي من التصرف- لتعلق حق الغير مثلا- لا بد أن يكون من جهة فهم عدم الخصوصية، و لو بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع. أو يتمسك بإطلاق:

(لا يقدر)

في خبر زرارة، و‌

(لا يضل)

في صحيح ابن أبي محمود «2» و نحوهما. و بما ذكرنا يندفع الإشكال الثاني، كما لا يخفى. فتأمل جيداً.

هذه الثلاثة من قبيل عدم التمكن شرعاً، بخلاف الأربعة التي‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في هذه التعليقة.

(2) لاحظ الروايتين في صدر التعليقة.

16
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: تمام التمكن من التصرف ؛ ج‌9، ص : 12

و المدار في التمكن على العرف (1). و مع الشك يعمل بالحالة السابقة (2).

قبلها فإنها من قبيل عدم التمكن العقلي.

قال في الجواهر: «إن المدار في التمكن من التصرف على العرف و إن لم يكن هذا اللفظ بخصوصه موجوداً في النصوص، لكن قد عرفت أن الموجود فيها ما يرادفه. و حينئذ لا عبرة بالعجز عن بعض التصرفات مع صدقه. كما لا عبرة بالتمكن من البعض مع صدق سلبه، و مع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الأفراد قد يقوى سقوط الزكاة للأصل، بعد قاعدة أن الشك في الشرط شك في المشروط. و ربما احتمل الوجوب، للإطلاق و رجوع الشك في الفرض إلى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط، و الأول أظهر».

أقول: قوله: «و مع فرض عدم تنقيح ..» ظاهر في كون الشبهة مفهومية. و عليه فاللازم الرجوع إلى عموم الوجوب، لوجوب الرجوع الى العام أو المطلق عند إجمال الخاص أو المقيد، لاقتضاء الاجمال الشك في في زيادة التخصيص، المحكم فيه أصالة العموم أو الإطلاق، و لا مجال للرجوع إلى أصالة البراءة أو الاستصحاب. و إن كان المراد الشبهة الموضوعية الخارجية فالمرجع استصحاب الحالة السابقة، و مع الجهل بها فالمرجع استصحاب العدم أو أصالة البراءة، بناء على أن ظاهر الأدلة التقييد. و لو بني على التخصيص فكذلك، بناء على عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و لو بني على الجواز كان المرجع عموم الوجوب. و الظاهر من النصوص المتقدمة كونها مقيدة لإطلاقات الوجوب، فعدم وجوب الزكاة متعين.

يعني: الشك في الشبهة الخارجية الموضوعية. أما مع الشك في المفهوم العرفي فالمرجع أصالة الإطلاق، كما عرفت.

17
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: النصاب ؛ ج‌9، ص : 18

و مع عدم العلم بها فالأحوط الإخراج (1).

[السادس: النصاب]

السادس: النصاب، كما سيأتي تفصيله.

[ (مسألة 1): يستحب للولي الشرعي إخراج الزكاة في غلات غير البالغ]

(مسألة 1): يستحب للولي الشرعي (2) إخراج الزكاة في غلات غير البالغ يتيماً كان أو لا، ذكراً كان أو أنثى- دون النقدين (3). و في استحباب إخراجها من مواشيه إشكال (4)، قد عرفت ما يكون وجهاً للتوقف. كما عرفت: أن الأقرب العدم.

الظاهر أن الاستحباب ملاكاً بالنسبة إلى الطفل، و الولي نائب عنه في الامتثال، كما في سائر موارد النيابة، فمصلحة الخطاب راجعة إلى الطفل لا إلى وليه. و كأن الوجه في تخصيص الولي بالاستحباب: أن موضوعه- و هو الإخراج- من التصرفات المالية التي لا تصح من الطفل و لو بإذن الولي على المشهور، فلو قيل بصحة تصرفه بإذن الولي، أمكن توجه الخطاب إليه إذا كان مميزاً، و إن جاز للولي القيام عنه في امتثاله إذا كان أصلح في نظره.

و كيف كان فما ذكره هو المعروف بين القائلين بعدم وجوب الزكاة في غلات الطفل. و مستندهم:

صحيح زرارة و محمد عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّٰه (ع) أنهما قالا: «ليس على مال اليتيم في الدين و المال الصامت.

شي‌ء. فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة» «1»

بناء منهم على حمله على الاستحباب، كما تقدم. و قيل بنفي الاستحباب- كما عن العلامة الطباطبائي- حملا للصحيح على التقية. و قد عرفت: أن الحمل على التقية فرع امتناع الجمع العرفي، لا مع إمكانه. ثمَّ إن مورد الرواية خصوص اليتيم، فالتعدي إلى غيره يتوقف على عدم الفضل. أو على ثبوت الأولوية.

إجماعاً ظاهراً. لعدم الدليل على الاستحباب.

ينشأ: من دعوى عدم القول بالفصل بين المواشي و الغلات،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

18
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يستحب للولي الشرعي إخراج الزكاة في غلات غير البالغ ؛ ج‌9، ص : 18

و الأحوط الترك. نعم إذا اتجر الولي بماله يستحب إخراج زكاته أيضاً (1).

المقتضية لاستحباب الزكاة فيها كما في الغلات. و من أن الاعتماد على مثل ذلك في التصرف في مال الطفل مخالفة لما دل على عدم جواز التصرف فيه كما تقدم.

كما نسب إلى الأكثر تارة، و الأشهر أخرى، و المشهور ثالثة.

و عن المعتبر و المنتهى و غيرهما: الإجماع عليه، كما يقتضيه‌

مصحح ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): هل على مال اليتيم زكاة؟ قال (ع): لا إلا أن تتجر به، أو تعمل به» «1»

و‌

خبر محمد بن الفضيل: «عن صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم، هل يجب على مالهم زكاة؟ فقال (ع):

لا يجب في مالهم زكاة حتى يعمل به، فاذا عمل به وجبت الزكاة. فأما إذا كان موقوفاً فلا زكاة عليه» «2»

و نحوهما غيرهما.

و ظاهرهما و إن كان وجوب الزكاة، إلا أنه يجب رفع اليد عنه بالاتفاق المحكي على الاستحباب، إذ لم ينقل القول بالوجوب إلا عن المفيد (ره) في المقنعة، و قد حمله الشيخ (ره)- الذي هو أعرف من غيره بمراده- على الاستحباب، و هذا هو العمدة في رفع اليد عن ظاهر النصوص. و أما إطلاقات:

«ليس على مال اليتيم زكاة» «3»

فإنها مقيدة بها. و كذا ما دل على عدم وجوب الزكاة في مال التجارة، فإن الجمع العرفي يقتضي تقديم نصوص المقام عليه، لأنها أخص.

هذا و عن الحلي في مكاسب السرائر، و السيد في المدارك: نفي المشروعية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

19
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يستحب للولي الشرعي إخراج الزكاة في غلات غير البالغ ؛ ج‌9، ص : 18

و لا يدخل الحمل في غير البالغ (1)، فلا يستحب إخراج أصلا و لو استحباباً. و وجهه غير ظاهر في قبال النصوص الكثيرة المشتملة على الصحيح. و الحمل على التقية لو أمكن لا موجب له. مع أنه غير ممكن لتضمن بعضها نفي الزكاة عن مال اليتيم إلا أن يتجر به، و هو مخالف لمذهبهم.

هذا إذا كان الاتجار من الولي بمال الطفل للطفل حيث يجوز له ذلك أما إذا كان الاتجار للطفل بماله حيث لا يجوز له، أو كان قد اقترضه الولي و اتجر به لنفسه حيث لا يجوز له ذلك، فإنه يكون ضامناً للمال قطعاً و لو كان الربح لليتيم حينئذ، فمقتضى إطلاق غير واحد من النصوص ثبوت الزكاة أيضاً،

كصحيح زرارة و بكير عن أبي جعفر (ع): «ليس على مال اليتيم زكاة، إلا أن يتجر به، فان اتجر به ففيه الزكاة، و الربح لليتيم، و على التاجر ضمان المال» «1».

و نحوه خبر سعيد السمان «2» اللهم إلا أن تحمل على صورة ما لو كان الاتجار لليتيم لا لنفسه- كما هو الظاهر من سياقها من كون الاتجار بمال اليتيم بما أنه ماله لا بما أنه مال المتجر- فلا تشمل الصورة الثانية. و كأنه لذلك أطلق جماعة نفي الزكاة في الثانية، خلافاً لآخرين فأثبتوها فيها. و لو اقترضه الولي- حيث يصح له ذلك- فاتجر به لنفسه فعليه ضمان المال بالاقتراض، و كان له الربح و عليه الخسران و الزكاة استحباباً، كما في سائر أمواله التجارية، كما هو واضح.

إجماعاً كما عن الإيضاح. لظهور الأدلة في المولود، و التعدي إلى الجنين في نفي وجوب الزكاة على أمواله إنما كان لكونه أبعد عن الكمال من اليتيم، فيكون أولى بنفي الوجوب من اليتيم. مضافاً إلى ما قد يظهر من بعض نصوص النفي: من أن موضوعها غير البالغ الشامل للجنين،

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

20
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يستحب للولي الشرعي إخراج الزكاة في غلات غير البالغ ؛ ج‌9، ص : 18

زكاة غلاته و مال تجارته. و المتولي لإخراج الزكاة هو الولي (1) و مع غيبته يتولاه الحاكم الشرعي (2). و لو تعدد الولي جاز لكل منهم ذلك (3)، و من سبق نفذ عمله (4). و لو تشاحوا في الإخراج و عدمه قدم من يريد الإخراج (5). و لو لم يؤد الولي إلى أن بلغ المولى عليه فالظاهر ثبوت الاستحباب بالنسبة إليه (6).

بخلاف المقام لعدم شمول اليتيم، و لا للجنين مناسبة عرفية تقتضي التعدي إليه.

لأن الإخراج المذكور إحدى جهات ولايته. أما غيره فلا يجوز له التصرف، لعموم حرمة التصرف في مال الغير.

لأنه ولي من لا ولي له. و الغائب بمنزلة المعدوم، لعجزه عن القيام بشؤون الطفل.

لأن كلا منهم ولي مستقل.

عملا بدليل ولايته.

لإطلاق دليل الاستحباب، فاذا شمل حال عدم إرادة الإخراج من بعضهم كان لغيره العمل بمقتضاه.

هذا بناء على ما يظهر- مما دل على أن الزكاة في المال- من أنها من الحقوق المالية ظاهر. إذ عليه يبقى الحق المذكور إلى أن يؤدى و لو بعد البلوغ. و لا ينافي ذلك عدم وجوب الأداء، إذ لا مانع عقلا من ملك الفقير جزءاً من المال بنحو يستحب دفعه إليه و لا يجب، نظير ما قد يقال في جواز الرجوع في الهبة، و جواز الرجوع في المعاطات قبل التصرف فقد قيل: إن الرجوع لا بعنوان الفسخ، بل بعنوان تملك مال الغير. و إن كان هو ضعيفاً كما حررناه في محله.

21
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): يستحب للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون ؛ ج‌9، ص : 22

[ (مسألة 2): يستحب للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون]

(مسألة 2): يستحب للولي الشرعي إخراج زكاة مال التجارة للمجنون (1)، دون غيره، من النقدين كان أو من غيرهما (2).

[ (مسألة 3): الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه]

(مسألة 3): الأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه (3) و كذا بناء على أنه من قبيل التكليف المحض لليتيم، بأن يكون مكلفاً استحباباً بالدفع. و لا ينافيه قصوره، إذ هو إنما ينافي توجه الخطاب إليه به لا مناط الخطاب، فاذا كان المناط موجوداً في فعله كان مستحباً له بعد البلوغ أيضاً كما قبله. أما إذا كان الخطاب متوجهاً إلى الولي لا غير فلا استحباب له بعد بلوغ اليتيم، لخروجه عن الولاية عليه حينئذ، و لا يجوز له التصرف في مال غيره قطعاً، و لا استحباب للصبي الذي قد بلغ لعدم الملاك المقتضي له.

و أقرب الوجوه الأول، و بعده الثاني. و‌

حديث: «رفع القلم ..» «1»

لا ينفي الثاني، لأنه مختص بنفي الإلزام. و الذي ينفى الثالث: أن التقرب بالأداء و مصلحته إنما ترجع إلى اليتيم، و الولي نائب عنه- كما في سائر التصرفات المالية- كما أشرنا إلى ذلك آنفاً.

بلا خلاف. للنصوص المتقدمة في اعتبار العقل «2» و ظاهرها و إن كان الوجوب، لكنها محمولة على الاستحباب، كما تقدم في الصبي بعينه.

كما هو مذهب كثير من المحققين. لإطلاق أدلة النفي من دون معارض. و قيل بإلحاق المجنون بالصبي في الوجوب و الاستحباب، لعدم الفرق بينهما في كثير من الأبواب. و هو- كما ترى- أشبه بالقياس.

لإطلاق الأدلة، خلافاً لجماعة- منهم العلامة في التذكرة و غيرها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب مقدمة العبادات.

(2) لاحظ الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة.

22
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه ؛ ج‌9، ص : 23

في أثناء الحول، و كذا السكران. فالاغماء و السكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه، و لا ينافيان الوجوب (1) إذا عرضا حال التعلق في الغلات.

[ (مسألة 4): كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه]

(مسألة 4): كما لا تجب الزكاة على العبد كذا لا تجب على سيده فيما ملكه (2)، على المختار من كونه مالكاً. و أما على القول بعدم ملكه فيجب عليه مع التمكن العرفي من التصرف فيه.

[ (مسألة 5): لو شك حين البلوغ (3) في مجي‌ء وقت التعلق]

(مسألة 5): لو شك حين البلوغ (3) في مجي‌ء وقت التعلق من صدق الاسم و عدمه- أو علم تاريخ البلوغ و شك على ما حكي- فنفوه عنه، إلحاقاً له بالمجنون. و وجهه غير ظاهر، كما عن المدارك و الكفاية و غيرهما. إذ مجرد عدم صلاحيته عقلا لتوجه الخطاب اليه- لفقد القدرة و الشعور- غير كاف في تقييد مناطات الأحكام التكليفية- كالنائم- فضلا عن تقييد الأحكام الوضعية، فتشمله الأحكام الوضعية كما تشمله مناطات الأحكام التكليفية.

يعني: لا ينافيان ثبوت الزكاة وضعاً، و ثبوت مناط وجوب إيتائها تكليفاً، لما سبق.

لخروجه عن ملك السيد، و قد عرفت اعتباره في الوجوب.

إذا كان المراد الشك حين البلوغ في تحقق أوان التعلق قبل البلوغ فلا أثر لهذا الشك، إذ على التقديرين من التحقق و عدمه لا إلزام بالزكاة و إن كان المراد الشك في تحقق أوان التعلق حين البلوغ، فكذلك بناء على ما تقدم منه: من اعتبار سبق البلوغ. نعم بناء على ما استظهرناه: من الاكتفاء في الوجوب بالاقتران بين زمان التعلق و زمان البلوغ، يكون للشك أثر.

و حينئذ فالمرجع أصالة عدم تحقق ما به يكون التعلق، المقتضية لعدم الوجوب.

23
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): لو شك حين البلوغ(3) في مجي‌ء وقت التعلق ؛ ج‌9، ص : 23

في سبق زمان التعلق و تأخره ففي وجوب الإخراج إشكال، لأن أصالة (1) التأخر لا تثبت البلوغ (2) حال التعلق، و لكن الأحوط الإخراج (3). و أما إذا شك حين التعلق في البلوغ و عدمه (4)، أو علم زمان التعلق و شك في سبق البلوغ و تأخره لكن الذي يظهر مما في المتن- من الإشكال في الوجوب، و من تعليل ذلك- أن المراد صورة العلم بتحقق زمان التعلق، بأن يشك حال البلوغ في تحقق أوان التعلق قبل البلوغ و عدمه، ثمَّ يبقى الشك المذكور إلى أن يعلم بتحقق أوان التعلق، مردداً بين ما قبل البلوغ و ما بعده، نظير الصورة اللاحقة، و الفرق ليس إلا في حدوث الشك حال البلوغ و تأخر الشك عنه لكنه لا يناسب الصور الاتية.

قد اشتهر في كلامهم التمسك بأصالة تأخر الحادث عند الشك في حدوثه متقدماً و متأخراً بالإضافة إلى حادث آخر. ففي المقام يتمسك بأصالة تأخر أوان التعلق عن البلوغ، فيثبت كونه في حال البلوغ، فتجب الزكاة. لكن هذا الأصل لا دليل عليه بالخصوص. و دليل الاستصحاب و إن اقتضى وجوب البناء على عدمه إلى زمان العلم به، لكن هذا المقدار لا يثبت كونه بعد حدوث البلوغ و في حالة البلوغ، إلا بناء على الأصل المثبت، المحقق في محله بطلانه. و إذا لم يثبت ذلك لا وجه للحكم بوجوب الزكاة، لأن موضوعها- و هو تحقق أوان التعلق في حال البلوغ- غير ثابت، فالمرجع في نفي وجوبها: أصالة عدم الوجوب.

المناسب للعبارة السابقة أن يقال: لا تثبت التعلق حال البلوغ.

كأن الوجه فيه: الخروج عن شبهة حجية أصالة تأخر الحادث.

هذا الشك لا أثر له أيضاً، بناء على عدم وجوب الزكاة مع اقتران البلوغ و التعلق.

24
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): لو شك حين البلوغ(3) في مجي‌ء وقت التعلق ؛ ج‌9، ص : 23

أو جهل التاريخين فالأصل عدم الوجوب (1). و أما مع الشك في العقل، فان كان مسبوقاً بالجنون و كان الشك في حدوث العقل قبل التعلق أو بعده فالحال كما ذكرنا في البلوغ (2) من التفصيل. و إن كان مسبوقاً بالعقل، فمع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان حدوث الجنون فالظاهر الوجوب (3)، و مع العلم بزمان حدوث الجنون و الشك في سبق التعلق و تأخره فالأصل عدم الوجوب (4)، بل الأصل عدم البلوغ، فإن الأصل الجاري في الموضوع مقدم على الأصل الجاري في الحكم.

هذا و لم يتعرض في المتن هنا للاحتياط كما تعرض في الفرضين السابقين لأن أصالة التأخر هنا لو جرت كان مفادها نفي الوجوب أيضاً، لأنها هنا تثبت البلوغ متأخراً عن التعلق، ففي حال التعلق لا بلوغ، فينتفي الوجوب بانتفاء شرطه، بخلاف ما سبق، كما عرفت.

لأن العقل حينئذ يكون مسبوقاً بالعدم كالبلوغ، فيجري فيه ما تقدم بعينه.

لأصالة بقاء العقل إلى حين التعلق، فيثبت شرط الوجوب، فيثبت الوجوب بثبوت شرطه.

بل الأصل عدم تحقق ما به يكون التعلق إلى زمان الجنون، فإنه أصل موضوعي سببي، و هو مقدم على أصالة عدم الوجوب الذي هو أصل حكمي مسببي، كما سبق نظيره. و أما أصالة تأخر ما به التعلق عن الجنون فلو بني على صحتها كانت نافية للوجوب أيضاً، و لذا لم يتعرض هنا أيضاً للأمر بالاحتياط.

25
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة ؛ ج‌9، ص : 26

و كذا مع الجهل بالتاريخين (1). كما أن مع الجهل بالحالة السابقة و أنها الجنون أو العقل كذلك (2).

[ (مسألة 6): ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة]

(مسألة 6): ثبوت الخيار للبائع و نحوه لا يمنع من تعلق الزكاة (3) إذا كان في تمام الحول، و لا يعتبر ابتداء الحول من حين انقضاء زمانه، بناء على المختار من عدم منع الخيار من التصرف. فلو اشترى نصاباً من الغنم أو الإبل مثلا و كان للبائع الخيار، جرى في الحول من حين العقد لا من حين انقضائه.

و أما استصحاب العقل إلى حين أوان التعلق فلا يجري، لأنه لا شك في ذلك بلحاظ الأزمنة التفصيلية، و إنما الشك بلحاظ الزمان الإجمالي لا غير و معه لا مجال للاستصحاب، كما أشرنا إلى وجهه في مسألة ما لو علم بالحدث و الطهارة و شك في المتقدم و المتأخر منهما، في كتاب الوضوء من هذا الشرح. فراجع.

يعني: يرجع إلى أصالة عدم الوجوب، إما لعدم جريان الأصول الموضوعية ذاتاً- أعني: أصالة عدم الجنون إلى زمان موضوع التعلق، و أصالة عدم موضوع التعلق إلى زمان الجنون- كما هو التحقيق، كما أشرنا اليه. أو لتعارضها، فيرجع- بعد التساقط- إلى الأصل الحكمي.

لانتفاء الأصول الموضوعية حينئذ، فيتعين الأصل الحكمي الذي هو أصالة عدم الوجوب.

المشهور: أن الخيار المجعول في العقد لا ينافي انتقال الملك به، فلا يتوقف حصول الملك على انقضاء زمان الخيار. و عن الشيخ: توقف الانتقال على انقضاء زمان الخيار. و على الأول المشهور، فهل يجوز تصرف‌

26
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد ؛ ج‌9، ص : 27

[ (مسألة 7): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد]

(مسألة 7): إذا كانت الأعيان الزكوية مشتركة بين اثنين أو أزيد يعتبر بلوغ النصاب في حصة كل واحد (1)، فلا تجب في النصاب الواحد إذا كان مشتركاً.

[ (مسألة 8): لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عاماً أو خاصاً]

(مسألة 8): لا فرق في عدم وجوب الزكاة في العين الموقوفة بين أن يكون الوقف عاماً أو خاصاً (2). و لا تجب غير ذي الخيار في العين أو لا يجوز؟ قولان، مبنيان على أن الخيار حق قائم بالعين أو بالعقد، فعلى الأول لا يجوز التصرف في العين، لأنها موضوع حق الغير، فالتصرف فيها تصرف في الحق. و على الثاني يجوز لقاعدة السلطنة من غير مزاحم. و حينئذ نقول: لأجل أن المصنف يرى ما هو المشهور، و أن الخيار حق قائم بالعقد لا غير، أفتى بأن ابتداء الحول من حين العقد لاجتماع الشرائط حينئذ. و لازم قول الشيخ: أن ابتداء الحول حين انقضاء زمان الخيار. كما أنه أيضاً لازم القول بمنع التصرف زمان الخيار.

هذا و ما اختاره المصنف في المسألتين هو الأظهر، كما تعرضنا له في حاشية المكاسب. نعم لا يبعد أن يكون الخيار المشروط برد الثمن مجعولا- بحسب ارتكاز المتعاملين في العين- بنحو تعدد المطلوب، فلا يجوز التصرف في العين حينه، و لو اتفق عصياناً أو غيره أو تلفت لم يسقط الخيار، بل يفسخ صاحبه و يرجع بالقيمة. و تحقيق ذلك موكول الى محله.

بلا إشكال. و يأتي الاستدلال له في المسألة الثالثة من فصل زكاة الأنعام.

بلا خلاف، كما عن الكفاية و الحدائق. و في الجواهر: نفي الاشكال فيه. نعم قد يظهر من محكي وقف التذكرة- حيث جعل وجوب الزكاة ثمرة الخلاف في كون الوقف ملكاً للواقف أو الموقوف عليهم- الخلاف.

و لكنه غير ظاهر، لعدم التمكن من التصرف، فإنه مناف لصحة الوقف،

27
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور ؛ ج‌9، ص : 28

في نماء الوقف العام (1). و أما في نماء الوقف الخاص فتجب على كل من بلغت حصته حد النصاب.

[ (مسألة 9): إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور]

(مسألة 9): إذا تمكن من تخليص المغصوب أو المسروق أو المحجور بالاستعانة بالغير أو البينة أو نحو ذلك- بسهولة فالأحوط إخراج زكاتها (2). و كذا لو مكنه الغاصب كما هو ظاهر.

بلا خلاف ظاهر، معللين له: بأنه لا يملك إلا بعد القبض، بخلاف الوقف الخاص. و هذا يتوقف على أن المائز بين الوقف العام و الخاص أن الموقوف عليه في الأول الكلي و إن انحصر في واحد، الذي لا يتعين في الخارج إلا بالقبض، و في الثاني الجزئي و إن كثر، فيملكه الموقوف عليهم بالنماء، كما يملك المشتركون نماء الملك المشترك بينهم، و لو كان المائز غير ذلك لم يتم التعليل. لكن الظاهر الأول.

هذا إذا كان غرض الواقف ملك النماء، أما لو كان الغرض المصرفية فلا زكاة في النماء، حتى لو كان المصرف شخصاً خاصاً أو أشخاصاً لعدم الملك. نعم لو صرفه الولي بنحو التمليك كان ابتداء الحول زمان الملك.

لاختلاف النصوص في ذلك، فالذي يظهر مما اشتمل عليه جملة منها- مثل كونه عنده، أو في يده، أو يقع في يده- اعتبار اليد الفعلية بلا ممانع أصلا، و مقتضاه عدم وجوب الزكاة في الموارد المذكورة، لانتفاء الشرط المذكور. و الذي يظهر من‌

خبر زرارة: «فإن كان يدعه متعمداً و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين» «1».

و نحوه حسن سدير المشتمل على التعليل‌

بقوله (ع): «لأنه كان غائباً عنه و إن كان احتبسه» «2»

الاكتفاء بمطلق القدرة على الأخذ، و لو بواسطة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1

28
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ؛ ج‌9، ص : 29

من التصرف فيه، مع بقاء يده عليه (1)، أو تمكن من أخذه سرقة، بل و كذا لو أمكن تخليصه ببعضه، مع فرض انحصار طريق التخليص بذلك أبداً. و كذا في المرهون (2) إن أمكنه فكه بسهولة.

[ (مسألة 10): إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة]

(مسألة 10): إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة و لم الاستعانة بالغير أو بالبينة أو غيرهما، و مقتضاه وجوبها لحصول الشرط، كما حكي عن الخلاف، و النهاية، و النافع، و التحرير.

و عن المدارك و الروضة و البيان: إنما تسقط الزكاة عن المغصوب و نحوه إذا لم يمكن تخليصه و لو ببعضه، بل عن الروضة: اعتبار عدم إمكان الاستعانة و لو بظالم. و عن جماعة: تقييد سقوط الزكاة في المحجور بما إذا لم يكن عنده بينة، و عن المحقق الثاني: أنه مشكل. و كأنه لقرب دعوى انصرافه إلى صورة عدم الممانع المعتد به، فلا يشمل الفروض المذكورة، بل هو الأقرب، كما يشير اليه ما‌

في خبر زرارة: «فإن كان يدعه متعمداً.»

فان الظاهر منه صورة عدم وجود العذر في تركه، و لا يشمل صورة القدرة مع العذر العرفي في ترك أخذه. و من ذلك يظهر عدم وجوب الزكاة في الأمثلة المذكورة في غالب الأحوال.

هذا الفرض لا ينبغي عده من صور الاشكال، لعدم القدرة على العين و لو بواسطة، و التمكن من بعض التصرفات فيها- كالانتفاع و نحوه- غير كاف في الوجوب، كما عرفت.

الظاهر أن حق الرهانة مانع و إن أمكن رفعه بسهولة، لأن ذلك لا يمنع من صدق كونه محبوساً عنه لأجل الحق. و ذلك بخلاف الموانع الخارجية، فإنه إذا أمكن رفعها لا يصدق عليها أنها موانع،

29
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): إذا أمكنه استيفاء الدين بسهولة ؛ ج‌9، ص : 29

يفعل لم يجب إخراج زكاته (1). بل و إن أراد المديون الوفاء و لم يستوف اختياراً، مسامحة أو فراراً من الزكاة. و الفرق بينه و بين ما ذكر من المغصوب و نحوه: أن الملكية حاصلة في المغصوب و نحوه، بخلاف الدين فإنه لا يدخل في ملكه إلا بعد قبضه.

كما هو المشهور، بل شهرة عظيمة، بل عليه إجماع المتأخرين، كما في الجواهر. و يشهد له- مضافاً إلى ما دل على نفي الزكاة فيما ليس في يده أو ليس عنده- ما دل على أنه لا زكاة في الدين،

كصحيح ابن سنان: «لا صدقة على الدين، و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يدك» «1»

، و‌

مصحح إسحاق: «قلت لأبي إبراهيم: الدين عليه زكاة قال (ع): لا، حتى يقبضه. قلت: فاذا قبضه أ يزكيه؟ قال (ع):

لا، حتى يحول عليه الحول في يده» «2»

- و نحوهما غيرهما- و‌

خبر علي ابن جعفر (ع): المروي عن قرب الاسناد و عن كتاب ابن جعفر (ع): «عن الدين يكون على القوم المياسر إذا شاء قبضه صاحبه، هل عليه زكاة؟ قال (ع): لا، حتى يقبضه، و يحول عليه الحول» «3».

و عن المقنعة و المبسوط و الخلاف و جمل السيد و غيرها: الوجوب في الدين إذا كان صاحبه يقدر على أخذه و لم يأخذه،

لخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّٰه (ع): «ليس في الدين زكاة، إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره. فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 15، و ملحقة.

30
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه ؛ ج‌9، ص : 31

[ (مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه]

(مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه (1)

يقبضه» «1»

، و‌

خبر عبد العزيز عنه (ع): «عن الرجل يكون له الدين، أ يزكيه؟ قال (ع): كل دين يدعه هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و ما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة» «2»

، و‌

صحيح الكناني عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في الرجل ينسئ أو يعبر فلا يزال ماله ديناً، كيف يصنع في زكاته؟ قال (ع): يزكيه، و لا يزكي ما عليه من الدين، فإنما الزكاة على صاحب المال» «3»

، و‌

صحيح إسماعيل بن عبد الخالق: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع): أ على الدين زكاة؟ «قال (ع):

لا. إلا أن تفر به» «4».

لكن هذه النصوص و إن كانت أخص مما سبق، إلا أن حملها على الاستحباب أولى من ارتكاب تقييد تلك، بحملها على الدين الذي لا يكون تأخيره باختيار مالكه، فان ذلك يوجب انتفاء خصوصية الدين، و هو خلاف ظاهر تلك النصوص. مع أن رواية ابن جعفر (ع) معارضة لها و هي صريحة في نفي الوجوب، فتكون قرينة على الحمل على الاستحباب و حينئذ يكون سبيلها سبيل رواية عبد الحميد المتضمنة لثبوت الزكاة على الدين المؤجل إلى ثلاث سنين «5» إذ الظاهر أنه لا عامل بمضمونها، بل صحيح الكناني في مورده النسيئة، و هي ظاهرة في ذلك.

بلا خلاف، كما عن الخلاف، و السرائر، و غيرهما، بل عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 13.

(5) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 8.

31
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه ؛ ج‌9، ص : 31

لا المقرض، فلو اقترض نصاباً من أحد الأعيان الزكوية و بقي عنده سنة وجب عليه الزكاة. نعم يصح أن يؤدي (1) المقرض عنه تبرعاً، بل يصح تبرع الأجنبي أيضاً. و الأحوط التنقيح: نسبته إلى الأصحاب. و تشهد له النصوص المستفيضة،

كمصحح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): رجل دفع إلى رجل مالا قرضاً، على من زكاته، على المقرض أو على المقترض؟ قال (ع): لا، بل زكاتها إن كانت موضوعة عنده حولا عن المقترض» «1»

و‌

صحيح يعقوب ابن شعيب: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يقرض المال للرجل السنة و السنتين و الثلاث أو ما شاء اللّه، على من الزكاة، على المقرض أو على المستقرض؟ فقال (ع): على المستقرض، لأن له نفعه و عليه زكاته» «2»

و نحوهما غيرهما.

كما عن غير واحد. و يشير اليه‌

صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في رجل استقرض مالا، فحال عليه الحول و هو عنده، قال (ع): إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض» «3»

و ربما علل: بأنها دين كسائر الديون التي يجوز التبرع في وفائها.

و فيه: أن إيتائها عبادة، و النيابة فيها عن الحي ممنوعة. اللهم إلا أن يكون مقتضى القواعد الأولية جواز النيابة عن الحي، كما أشرنا إلى ذلك في مبحث القضاء عن الأموات. و الإجماع على عدم الجواز غير شامل للمقام بل الإجماع و النصوص متفقان على جواز التوكيل في أدائها الذي هو نوع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

32
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه ؛ ج‌9، ص : 31

الاستئذان من المقترض (1) في التبرع عنه، و إن كان الأقوى عدم اعتباره. و لو شرط في عقد القرض أن يكون زكاته على المقرض، فان قصد أن يكون خطاب الزكاة متوجهاً إليه لم يصح (2)، و إن كان المقصود أن يؤدي عنه صح (3).

من الاستنابة فيه. و من ذلك تعرف أنه يصح تبرع الأجنبي بها.

فعن الدروس و البيان: اعتبار الاذن من المقترض. و وجهه غير ظاهر. إلا ما أشرنا إليه: من أنها عبادة تجب على المقترض، فلا بد من فعله لها و لو بالتسبيب. و فيه- مع أنه خلاف إطلاق الرواية-: أن مجرد الاذن غير كاف في صحة النسبة و إلا لكفى في سائر موارد النيابة عن الحي، مع أن المدار فيها قصد النائب النيابة لا غير.

لكون الشرط مخالفاً للكتاب و السنة، أعني: إطلاق ما دل على أن الزكاة على المالك في ماله، و الشرط المخالف للكتاب و السنة باطل اتفاقاً نصاً و فتوى.

كما عن جماعة كثيرة، منهم الشيخ في قرض النهاية و زكاة المبسوط، و العلامة في قرض المختلف، و الشهيد الثاني في المسالك. لعموم أدلة نفوذ الشرط. و توهم: أنه مخالف للكتاب و السنة، لأن أدلة وجوب الزكاة إنما دلت على ثبوتها على المالك، في ماله الخاص الزكوي، فاشتراط ثبوتها على غير المالك، أو في غير المال الزكوي مخالفة لتلك الأدلة.

أو لأنها عبادة، و لا تجوز النيابة فيها عن الحي. مندفع: بأن الشرط المذكور لا ينافي تلك الأدلة بوجه، بل مبني على العمل بها، فان مرجع الشرط إلى أن الزكاة التي ثبتت علي في مالي و لزمني أداؤها أدها عني، و قد عرفت: اتفاق النص و الفتوى على جواز النيابة فيها.

و قد يشهد لما ذكرنا:

صحيح ابن سنان قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (ع)

33
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): زكاة القرض على المقترض بعد قبضه ؛ ج‌9، ص : 31

.....

يقول: باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضاً بكذا و كذا ألف دينار، و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين» «1»

و‌

صحيح الحلبي عنه (ع) «باع أبي أرضاً من سليمان بن عبد الملك بمال، و اشترط عليه في بيعه: أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين» «2».

اللهم إلا أن يحتمل: أن يكون المراد من الصحيحين زكاة السنين السابقة على البيع، لكون المال المجعول ثمناً مما فيه زكاة.

و مثله في الاشكال: توهم أن عقد القرض جائز، فالشرط فيه لا يجب الوفاء به. إذ فيه أولا: أن عقد القرض ليس جائزاً، بل هو لازم لعمومات اللزوم. و ما دل على جواز مطالبة المقرض للمقترض دائما لا ينافي ذلك، و إنما الذي ينافيه جواز الرجوع بالعين المقترضة، و هو غير ثابت، بل هو خلاف عموم اللزوم. و لو سلم جوازه فلا ينافي صحة الشرط فيه و وجوب العمل به، كما هو محقق في محله، و قد أشار المصنف إلى وجهه في كتاب المضاربة. نعم لو فسخ العقد الجائز رجع الشرط إلى كونه شرطاً ابتدائياً لا يجب الوفاء به، بناء على عدم نفوذ الشرط الابتدائي حدوثاً و بقاء. فلا حظ.

نعم قد يشكل ذلك: بأن التفكيك بين العقد و الشرط في الجواز و اللزوم بعيد. كما يمكن الإشكال في الشرط المذكور بكونه موجباً للربا،

لقولهم (ع): «جاء الربا من قبل الشروط ..» «3»

، فهو من قبيل شرط الزيادة. و فيه: أن الشرط في عقد القرض إنما يوجب الربا إذا كان على المقترض لا على المقرض. فراجع.

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب الصرف حديث: 1.

34
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

[ (مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية]

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية، فإن كان مطلقاً غير موقت و لا معلقاً على شرط لم تجب الزكاة فيها (1)، كما عن جماعة كثيرة، لأن التصرف فيه مناف للنذر، فيكون مخالفة لما دل على وجوب الوفاء به، و قد عرفت: أن المنع عن التصرف شرعاً كالمنع عنه عقلا في مانعيته عن وجوب الزكاة.

نعم يقع الكلام في وجه المنع من التصرف، و هل هو ثبوت حق للّٰه سبحانه؟ أو حق للفقراء الذين نذر التصدق عليهم؟ أو لا هذا و لا ذلك و لكن ثبوت التكليف بالعمل على طبق النذر، و الوفاء به يستتبع وجوب حفظ المال، فالتصرف فيه مناف للحفظ الواجب، فيكون غير مقدور عليه شرعاً؟ التحقيق هو الأول، لما تحقق في محله: من أن معنى الخبر و الإنشاء واحد، و الاختلاف بينهما بقصد الحكاية في الخبر و قصد الإيجاد في الإنشاء.

و لأجل أنه لا ريب في أن قول المخبر: «لزيد عليّ أن أخيط ثوبه» معناه الاخبار عن ملكية زيد على المخبر أن يخيط ثوبه، و بذلك يكون إقراراً و اعترافاً على نفسه، فليكن معناه إنشاء كذلك، أعني: إنشاء ملكية أن يخيط ثوبه، و مقتضى ذلك أن يكون معنى قول الناذر: «للّه عليّ أن أ تصدق بمالي علي الفقراء» إنشاء الملكية للّه سبحانه، إذ لا نعني بكون الشي‌ء موضوع حق إلا كونه موضوع فعل مملوك لذي الحق.

و أما دعوى ثبوت حق للفقراء في العين فشي‌ء لا مأخذ له واضح.

و مجرد وجوب الصدقة عليهم لا يستتبع حقاً لهم و لا يتفرع عليه. و قياس المقام بباب الواجبات المالية- مثل وجوب إيتاء الزكاة لأهلها، و وجوب إيصال الخمس لمستحقه، و وجوب الكفارة عند أسبابها- حيث دل الخطاب بالالتزام على ثبوت ملكية الفقراء أو السادات للأمور المذكورة في غير محله،

35
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

.....

إذ استفادة ذلك لم يكن من محض الخطاب بالدفع، و إنما كان من قرائن متصلة أو منفصلة. و كيف تصح دعوى ثبوت حق للفقراء في المال إذا نذر التصدق به عليهم مع أن ذلك أمر لم يجعله الناذر على نفسه، و دليل الوجوب ليس إلا وجوب الوفاء بالنذر، و هو لا يقتضي أكثر مما يقتضيه النذر؟ بل ذلك مخالفة للنذر، لأن المنذور هو التصدق بمعنى التمليك على وجه القربة، و هو إنما جعل بالنذر للّٰه سبحانه و لم يجعل للفقراء، فلو استحق الفقراء هذا التمليك بنفس النذر لزم وقوع ما لم ينذر. و بالجملة:

فالقول الثاني ضعيف.

و أما القول الثالث فهو مبني على كون الظرف لغواً و اللام لام التعدية لا لام الملك و يكون الظرف مستقراً، و معنى قول الناذر: «للّه علي أن أ تصدق»: «التزمت للّٰه تعالى علي» فاللام متعلقة ب‍ (التزمت) المستفاد من الإنشاء، فليس مفاد النذر إلا الالتزام بفعل المنذور، و وجوب الوفاء بالنذر يقتضي وجوبه لا غير. لكن المبنى المذكور خلاف ظاهر الكلام جداً كما عرفت.

ثمَّ إنه بناء على ثبوت حق للّه سبحانه أو الفقراء، فالحق المذكور يقتضي المنع من التصرف في موضوعه، لأن قاعدة السلطنة على الحقوق- التي هي كقاعدة السلطنة على الأموال- توجب قصور سلطنة غير السلطان عن كل تصرف مناف لذلك الحق، و من المعلوم أن التصرف بالعين مناف له فيمتنع. و بناء على عدمه فالتكليف بالوفاء بالنذر لما كان مستتبعاً للتكليف بحفظ المال مقدمة للتصدق، فكل ما ينافي حفظه يكون ممنوعاً عنه، لئلا يلزم مخالفة التكليف النفسي بالتصدق، كما عرفت. نعم يفترق الأخير عن الأولين: بأن التصرف الاعتباري- بالبيع أو الهبة أو نحوهما- على الأخير يكون صحيحاً و إن كان محرماً، لعدم اقتضاء تحريمه الفساد، نظير البيع‌

36
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

.....

وقت النداء. و على الأولين يكون فاسداً، لقصور سلطنة المالك على ماله الذي هو موضوع حق الغير.

ثمَّ إن هذا كله فيما لو نذر التصدق، بمعنى الفعل. أما لو نذر كونه صدقة المسمى بنذر النتيجة، فعن المدارك: أنه قطع الأصحاب بأن هذا أولى من الأول، يعني: في المنع عن وجوب الزكاة. و كأنه لصيرورته صدقة بنفس النذر، و خروجه عن ملك الناذر بمجرد النذر، و ظاهره المفروغية عن صحته. و كأنه إما لبنائهم على صحة نذر النتيجة كلية، أو في خصوص نذر الصدقة، فعن بعض: دعوى الإجماع على الخروج عن الملكية إذا نذر كون الحيوان هدياً، و عن بعضهم ذلك إذا نذر كونه أضحية.

هذا و لا يخفى أنه بناء على التحقيق من أن مفاد النذر جعل حق اللّٰه سبحانه- بمعنى: أن المنذور يكون ملكاً له تعالى على الناذر- لا مجال للقول بصحة نذر النتيجة. و توضيح ذلك: أن نتائج الأفعال، تارة تكون ملحوظة في ذمة معينة، و أخرى لا تكون كذلك، بل ملحوظة في نفسها من دون إضافة إلى ذمة، فإن كانت ملحوظة على النحو الأول صح أن تكون مملوكة لمالك، كما في إجارة الأجير على كون الثوب مصبوغاً أو مخيطاً أو نحو ذلك من الصفات التي هي من نتائج الأعمال. فاذا نذرها الناذر و جعلها للّٰه سبحانه كان مقتضى النذر اشتغال ذمة الناذر بها للّه سبحانه فيجب عليه تحصيلها بأسبابها، كما في الإجارة على الصفة. و حينئذ لا يكون مفاد النذر حصول النتيجة، بل لا بد من تحصيلها بإنشاء آخر غير النذر، فيرجع نذر النتيجة- من هذه الجهة- إلى نذر الفعل، و ليس ذلك محل الكلام في نذر النتيجة.

و إن كانت ملحوظة على النحو الثاني امتنع أن تكون مضافة إلى مالك كما هو الحال في الأعيان التي لا تكون خارجية، و لا مضافة إلى ذمة أصلا.

37
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

.....

فلا يصح أن تقول: «بعتك فرساً» إذا لم تكن خارجية، و لا مضافة إلى ذمة معينة، سواء أ كانت ذمة البائع أم غيره، كما هو موضح في محله فاذا امتنع ذلك في الأعيان فأولى أن يمتنع في مثل هذه الاعتباريات، مثل كون العبد حراً، و كون المال صدقة، و كون الزوجة مطلقة، و نحوها، فلا يصح قصد كونها للّٰه سبحانه، فيمتنع نذرها على النحو المذكور.

مضافاً إلى أن معنى الجملة النذرية تمليك اللّٰه سبحانه كون العين صدقة، فالصيغة معناها جعل التمليك، و أما جعل المملوك- و هو وصف الصدقة- فلا تعرض فيها لجعله، فيحتاج إلى جعل مستقل. و الجملة الواحدة لا تصلح لجعل المنسوب و جعل النسبة، إذ الأول مفاد (كان التامة) و الثاني مفاد (كان الناقصة) و لا يجتمعان في جملة واحدة. و عليه فلو نذر كون المال صدقة، أو الشاة أضحية، تعين أن يكون المراد جعلها في ذمته للّٰه سبحانه، فيجب عليه تحصيلها بجعل مستقل غير النذر.

هذا كله بناء على أن مفاد النذر جعل المنذور للّٰه سبحانه، و أما بناء على أن اللام متعلق ب‍ (التزمت) و المجعول بالنذر الالتزام بالأمر المنذور فأدلة نفوذ النذر دالة على نفوذ الالتزام المذكور، فان كان المنذور نتيجة كان مقتضى أدلة نفوذه ثبوت تلك النتيجة، و إن كان فعلا كان مقتضاها ثبوت الفعل عليه.

فحينئذ نقول: إن كان المنذور من الأمور العقدية المتقومة بطرفين لم يترتب الأثر على النذر، إلا مع رضا الطرف الآخر، و يكون النذر بمنزلة الإيجاب، فإذا انضم إليه القبول صح و لزم، و لو رد الطرف الآخر بطل. و عموم وجوب الوفاء بالنذر لا يكفي في إثبات صحته، لأنه لا يصلح لإحراز قابلية المحل، فلو لم تحرز القابلية من الخارج لم يمكن تطبيقه.

و إن كان من الإيقاعات صح. إلا أن يقوم دليل على اعتبار صيغة خاصة‌

38
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

و إن لم تخرج عن ملكه بذلك، لعدم التمكن من التصرف فيها، سواء تعلق بتمام النصاب أو بعضه (1). نعم لو كان النذر بعد تعلق الزكاة وجب إخراجها أو لا ثمَّ الوفاء بالنذر (2) و إن كان موقتاً بما قبل الحول و وفى بالنذر فكذلك لا تجب الزكاة إذا لم يبق بعد ذلك مقدار النصاب، و كذا إذا لم يف في إنشائه كما في العتق، حيث لا يصح إنشاؤه إلا بمثل: «أنت حر».

و في قوله: «أعتقتك» خلاف، و لا يجوز بغيرهما إجماعاً. و كذا لو قام دليل على اعتبار إنشائه بنفسه بحيث لا يكفي إنشاء الالتزام به في إنشائه، و في غير ذلك لا مانع من العمل بأدلة النفوذ لإثبات المنذور و ترتبه. اللهم إلا أن يعتبر فيه شرائط خاصة غير الصيغة، مثل الطلاق الذي يعتبر فيه شهادة العدلين و طهارة المطلقة و غير ذلك، فيصح في ظرف اجتماع الشرائط لا غير.

بلا خلاف نظفر به، و لا تردد من أحد، كما عن شرح الروضة لعدم الفرق في مانعية عدم القدرة على التصرف بين تمام النصاب و بعضه.

مضافاً إلى ما قيل: من أنه في صورة تعلقه بالكل يستحيل التكليف بالزكاة إذ لا يجتمع في مال واحد حقان يحيط أحدهما بالآخر.

أما وجوب الزكاة فلا شبهة فيه، لإطلاق دليلها بلا معارض.

و أما الوفاة بالنذر فكذلك لو كان متعلقه المقدار الزائد على الزكاة لعين ما ذكر. و لو كان متعلقه تمام المال، فان كان مفاد النذر التصدق بعد الفك صح النذر لرجحان المنذور، و وجب فكه بأداء الزكاة من مال آخر، و إن كان مفاده التصدق به على حاله بطل بالإضافة إلى مقدار الزكاة لعدم رجحان المنذور، بل لعدم القدرة عليه، لعدم السلطنة على التصرف بتمام النصاب من دون دفع الزكاة. أما بالإضافة إلى المقدار الزائد عليه فصحته و بطلانه مبنيان على كونه بنحو تعدد المطلوب و وحدته، فعلى‌

39
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

به و قلنا بوجوب القضاء- بل مطلقاً- لانقطاع (1) الحول بالعصيان. نعم إذا مضى عليه الحول من حين العصيان وجبت (2) على القول بعدم وجوب القضاء. و كذا إن كان موقتاً بما بعد الحول، فان تعلق النذر به مانع (3) عن التصرف فيه.

الأول يصح، و على الثاني يبطل.

و توهم وجوب العمل بالنذر بالإضافة إلى الباقي، لأن مالا يدرك كله لا يترك كله. مدفوع بتوقفه على الصحة- و لو اقتضاء- في الجميع على كل حال، و هي منتفية لما عرفت من تعلقه بحق الغير المانع من انعقاده.

قال شيخنا الأعظم (ره) في زكاته: «فان كان الوقت قبل تمام الحول فلا إشكال في سقوط الزكاة- سواء وفى بالنذر في وقته أم لم يف، و سواء قلنا بوجوب القضاء مع فوات الوقت أم لا- لرجوع الموقت بعد حضور وقته إلى المطلق، و قد عرفت الحال. و في شرح الروضة:

إنه لا شبهة في وجوب الزكاة هنا لو لم يف بالنذر في وقته و لم نوجب القضاء. و فيه: أن مجرد التكليف بالتصدق يوجب انقطاع الحول من غير توقف على الوفاء. إلا أن الظاهر ابتناء ما ذكره على أن عدم التمكن من التصرف إنما يقدح لو منع من التكليف بإخراج الزكاة، لا مطلقاً ..».

أقول: المبنى المذكور قد عرفت فساده، للإجماع و النصوص على اعتبار القدرة على التصرف في تمام الحول، لا في خصوص زمان الأداء.

و من ذلك تعرف ما في ظاهر المتن: من أن انقطاع الحول كان بالعصيان، فان الانقطاع إنما كان بالتكليف بالوفاء بالنذر لا بعصيانه. و كأنه يريد انقطاع الحول إلى زمان العصيان.

لاجتماع شرائط الوجوب.

لا فرق في المنع بين القول بثبوت حق للّٰه تعالى و القول بمجرد‌

40
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

و أما إن كان معلقاً على شرط، فان حصل المعلق عليه قبل تمام الحول لم تجب (1)، و إن حصل بعده وجبت (2)، و إن التكليف، إذ كما أن ثبوت الحق فعلا مانع من التصرف في موضوعه، كذلك ثبوت التكليف فعلا يقتضي وجوب إبقاء العين الى وقت المنذور من باب وجوب المقدمة. نعم لو بني في الموقت على عدم ثبوت الحق أو التكليف إلا بعد الوقت أشكل وجه المنع من التصرف قبل الوقت، نظير المشروط بما بعد الحول، كما سيجي‌ء.

لأن المشروط بعد حصول شرطه كالمطلق الذي عرفت أنه مانع عن التصرف.

إذ لا حق و لا تكليف قبل حصول الشرط، فلا مانع من التصرف كما أشرنا إليه. اللهم إلا أن يقال: جواز التصرف شرعاً في الحول ينافي الحق و لو في زمان متأخر عنه، لأنه مفوت له، فإذا بني على تقديم دليل وجوب الوفاء بالنذر على ما دل على جواز التصرف في الملك فلا بد من البناء في المقام على عدم جواز التصرف، و إلا لزم تخصيص دليل وجوب الوفاء بالنذر بغير المقام، فيلزم بطلان النذر و المفروض صحته. و كذا نقول بناء على أن مفاد النذر تكليف محض، فان جواز التصرف شرعاً أيضاً ينافي وجوب الصدقة و لو في المستقبل، لأنه مفوت لموضوعه، فلا يجوز عقلا.

و إن شئت قلت: نذر الصدقة بالمال المشروط بالشرط المتأخر عن الحول إما أن يكون مشروطاً أيضاً ببقاء المال، و إما أن يكون مطلقاً غير مشروط ببقائه، فعلى الأول لا يجب الإبقاء، لأنه شرط النذر، فلا يكون النذر موجباً لحفظه، كما لا يقتضي الوجوب المشروط بشرط حفظ ذلك الشرط.

و على الثاني يجب إبقاء المال، لأن مرجع النذر حينئذ إلى نذر إبقائه إلى زمان الشرط و التصدق به بعده، فاذا كان إبقاء المال منذوراً لا يجوز إتلافه‌

41
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): إذا نذر التصدق بالعين الزكوية ؛ ج‌9، ص : 35

حصل مقارناً لتمام الحول ففيه إشكال و وجوه، ثالثها: التخيير (1) بين تقديم أيهما شاء، و رابعها: القرعة.

و يمتنع التصرف فيه. و لأجل أن موضوع المسألة النذر غير المشروط ببقاء المال كان الواجب الحكم بعدم جواز التصرف فيه و عدم وجوب زكاته.

فان قلت: لا مانع من الالتزام ببطلان النذر إذا كان المنذور التصدق بتمام المال، لعدم رجحان المنذور لتعلقه بحق الغير، فاذا بطل النذر وجبت الزكاة، لعدم المانع من وجوبها. قلت: إنما يكون متعلقاً بحق الغير إذا فرض اجتماع شرائط وجوب الزكاة، و هو ممتنع، لأن النذر رافع للتمكن من التصرف الذي هو شرط للوجوب، فينتفي الوجوب بانتفائه.

فإن قلت: إذا قدم دليل النذر كان الأمر كما ذكر، و لو قدم دليل الزكاة كانت الزكاة واجبة و ارتفع شرط النذر، فما وجه هذا الترجيح؟

قلت: الجمع بين الدليلين يقتضي الأخذ بالسابق موضوعاً، و يكون ذلك تخصصا بالنسبة إلى اللاحق لا العكس، كما أشرنا إلى ذلك في مواضع من هذا الشرح.

يعني: أحدها وجوب الزكاة، و ثانيها عدمه. ثمَّ إن قلنا بعدم وجوب الزكاة فيما لو حصل الشرط بعد الحول فهنا القول بالعدم أولى.

و إن قلنا بالوجوب- كما اختاره في المتن- فوجه الاحتمال الأول: أن عدم التمكن في آخر أزمنة الحول لا يقدح في وجوب الزكاة، لعدم الاعتناء به في الآن المذكور لقلته. و حينئذ لا يصح النذر لتعلقه بحق الغير. و وجه الاحتمال الثاني: ظهور الأدلة في اعتبار التمكن في تمام الحول حقيقة، و هو غير حاصل، و الصدق المبني على المسامحة لا يعتد به، فيكون الحكم كما لو حصل الشرط في أثناء الحول. و وجه التخيير: إما البناء على كون المقام من باب تزاحم المقتضيات. أو من باب التعارض الذي حكمه التخيير.

42
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): لو استطاع الحج بالنصاب ؛ ج‌9، ص : 43

[ (مسألة 13): لو استطاع الحج بالنصاب]

(مسألة 13): لو استطاع الحج بالنصاب، فان تمَّ الحول قبل سير القافلة و التمكن من الذهاب وجبت الزكاة أولا (1) فإن بقيت الاستطاعة بعد إخراجها وجب، و إلا فلا. و إن و فيه: أن التزاحم يتوقف على تمامية المقتضي في الطرفين، و ليس كذلك. إذ الأمر دائر بين الاحتمالين السابقين، فان بني على الأول ارتفع موضوع النذر و إن بني على الثاني ارتفع موضوع الزكاة، فلا يمكن البناء على اجتماع المقتضيين.

و منه يظهر بطلان إجراء التعارض في المقام، لأنه إن بني على الاحتمال الأول يتعين سقوط دليل النذر، و إن بني على الثاني يتعين سقوط دليل الزكاة. مع أن التخيير حكم التعارض في المتباينين لا العامين من وجه- كما في المقام- فان حكمه التساقط و الرجوع إلى دليل آخر.

اللهم إلا أن يقال: إنما يرجع إلى دليل آخر إذا كان موافقاً لأحدهما لا ما إذا كان مخالفاً لهما، و في المقام لا يمكن الرجوع إلى أصالة البراءة و نحوها مما كان نافياً للأمرين، فيتعين الرجوع إلى الاحتياط، فإن أمكن صرف العين في مجمع العنوانين وجب، و إلا تخير بينهما. هذا و المتعين من الاحتمالين هو الثاني، لظهور‌

قوله (ع): «حتى يحول عليه الحول في يده» «1»

في اعتبار التمكن في تمام الحول. فلاحظ.

و أما وجه القرعة: فعموم ما دل على أنها لكل أمر مشكل «2».

و فيه: أنه على تقدير جواز العمل بهذا العموم فلا إشكال و لا اشتباه بعد كون مقتضى العمل بالقواعد تقديم النذر و سقوط الزكاة، كما عرفت.

كما في محكي البيان. لعدم وجوب حفظ المال قبل التمكن من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

(2) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب كيفية القضاء، و مستدرك الوسائل باب: 11 من الأبواب المذكورة.

43
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): لو استطاع الحج بالنصاب ؛ ج‌9، ص : 43

كان مضي الحول متأخراً عن سير القافلة وجب الحج (1) السفر إلى الحج، بل يجوز التصرف فيه بنحو تزول الاستطاعة. لكن سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- في محله الإشكال في هذا التحديد. و لو بني عليه فشرط وجوب الزكاة حاصل.

لتحقق الاستطاعة التي هي شرط وجوب الحج، و إذا وجب وجب حفظ المال مقدمة له، و حرم التصرف فيه، فينتفي شرط وجوب الزكاة. و لا مجال لأن يقال: لا يجب الحج لانتفاء الاستطاعة من جهة وجوب دفع الزكاة بعد حولان الحول، لأن وجوب الدفع مشروط بالتمكن من التصرف، المنتفي بوجوب الحج، المقتضي لحفظ المال عن التلف، و قد عرفت أن المقتضيين الشرعيين إذا كان كل واحد منهما رافعاً لشرط الآخر يجب العمل على الأسبق.

هذا إذا توقف الحج على صرف عين المال، و إلا لم يقتض وجوبه المنع من التصرف، فاذا حال الحول وجبت الزكاة، و حينئذ إذا كان وجوبها موجباً لثلم الاستطاعة سقط وجوب الحج. و لعله لذلك قال في القواعد: «لو استطاع بالنصاب و وجب الحج ثمَّ مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة ..» و نحوه حكي عن التذكرة، و النهاية و الإيضاح، و البيان، معللا في الثلاثة الأول: بأن الزكاة متعلقة بالعين بخلاف الحج، يعني: فإنه متعلق بالذمة، و لا يتوقف على وجود العين.

و إلا فمجرد تعلقه بالذمة و تعلقها بالعين لا يستلزم تحقق شرطها الذي هو التمكن من التصرف.

ثمَّ إنه يمكن أن يقال بوجوب الزكاة و الحج معاً في صورة عدم توقف الحج على صرف العين، أما الزكاة فلما ذكر، و أما الحج فلأن فوات الاستطاعة يكون مستنداً الى تقصيره في عدم تبديل النصاب، و إذا‌

44
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 14): لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه ؛ ج‌9، ص : 45

و سقط وجوب الزكاة. نعم لو عصى و لم يحج وجبت بعد تمام الحول (1). و لو تقارن خروج القافلة مع تمام الحول وجبت الزكاة أولًا لتعلقها بالعين (2)، بخلاف الحج.

[ (مسألة 14): لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه]

(مسألة 14): لو مضت سنتان أو أزيد على ما لم يتمكن من التصرف فيه بأن كان مدفوناً و لم يعرف مكانه، أو غائباً، أو نحو ذلك- ثمَّ تمكن منه استحب زكاته لسنة (3)، بل يقوى استحبابها بمضي سنة واحدة أيضاً.

استند فوات الاستطاعة إلى تقصير المكلف استقر عليه الحج و وجب و لو متسكعاً.

هذا غير ظاهر، لأن التكليف بالحج بحدوثه يمنع من التصرف و العصيان لا أثر له في رفع ذلك، كما تقدم في النذر الموقت بما قبل الحول إذا لم يف به. نعم لو فرض عدم توقف السفر إلى الحج على صرف ذلك المال- بأن يمكنه السفر متسكعاً، أو باستدانة مال آخر- لم تسقط الزكاة إذا تمَّ الحول على المال، سواء حج أم عصى. و كذا لو بني على عدم وجوب المقدمة غير الموصلة، و كان عازماً حين الاستطاعة على عدم الحج فإنه تجب الزكاة عليه إذا لم يحج و لم يتصرف بالمال. فسقوط الزكاة بالاستطاعة في أثناء الحول إنما يكون بناء على وجوب مطلق المقدمة، و فرض توقف الحج على صرف ذلك المال في طريقه.

قد عرفت: أن مجرد ذلك غير كاف في وجوبها إذا كان وجوب الحج مانعاً عن التصرف بالعين، لتوقفه على وجود النصاب أو بعضه. نعم إذا لم يتوقف الحج على وجود النصاب. أو قلنا: بأن المنع عن التصرف في آخر أجزاء الحول ليس مانعاً عن وجوب الزكاة وجبت الزكاة و سقط الحج، لعدم الاستطاعة.

بلا خلاف فيه في الجملة، بل ظاهر محكي التذكرة و المنتهى:

45
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 15): إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة ؛ ج‌9، ص : 46

[ (مسألة 15): إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة]

(مسألة 15): إذا عرض عدم التمكن من التصرف بعد تعلق الزكاة أو بعد مضي الحول متمكناً فقد استقر الوجوب (1)، فيجب الأداء إذا تمكن بعد ذلك، و إلا فإن كان مقصراً يكون ضامناً (2)، و إلا فلا.

الإجماع عليه. و يدل عليه- في المدفون و الغائب- خبرا زرارة و سدير، المتقدمان في شرطية التمكن من التصرف «1»، و‌

مصحح رفاعة: «عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين، ثمَّ يأتيه فلا يرد رأس المال، كم يزكيه؟

قال (ع): سنة واحدة» «2»

المحمولة على الاستحباب إجماعاً. نعم في التعدي عن موردها إلى كل ما لم يتمكن من التصرف فيه- كما قد يظهر من المتن- غير ظاهر. و لا سيما بملاحظة اختصاص أكثر الفتاوى بهما.

نعم في محكي المنتهى: ذكر المغصوب و الضال. و لا يحضرني إطلاق لهم يشمل كل ما لم يتمكن من التصرف فيه.

ثمَّ إن المحكي عن أكثر الكتب: تخصيص الحكم بالضال و المفقود ثلاث سنين، و عن البيان و جامع المقاصد و المفاتيح: شمول الحكم لسنتين.

و بساعدهم: إطلاق خبر زرارة، بل قرب في الجواهر: عمومه للسنة الواحدة- كما قواه في المتن- و هو في محله.

لتحقق شرطه، و هو التمكن من التصرف في الحول.

المعروف: أنه إذا تعلقت الزكاة بعين المال فلم يتمكن من أدائها فتلفت لم يضمن، و إن تمكن منه فأهمل ضمن. و عن المنتهى: الإجماع على الأول، و عن التذكرة و المدارك: الإجماع على الثاني. و الأول مقتضى أصالة البراءة من الضمان. كما أن الثاني- أيضاً- مقتضى أصالة الضمان‌

______________________________
(1) لاحظ الشرط الخامس من شروط وجوب الزكاة.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.

46
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الكافر تجب عليه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 47

[ (مسألة 16): الكافر تجب عليه الزكاة]

(مسألة 16): الكافر تجب عليه الزكاة (1)، لكن على الأمين المفرط، بناء على وجوب الأداء فوراً، لأن تركه تفريط منه.

نعم بناء على عدم وجوب الفورية يشكل كونه مقتضى الأصل. إلا إذا كانت يده ليست يد أمانة، بناء على عموم: «على اليد ..» لغير الأمين. لكن المبنى المذكور- مع مخالفته لظاهر الإجماع على كونه أميناً- مقتضاه الضمان مع عدم الإهمال.

فالمتعين الاعتماد في الضمان مع الإهمال- بناء على عدم وجوب الفور- على الإجماع المحكي، و ظاهر غير واحد من النصوص،

كمصحح زرارة: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل بعث إلى أخ [له] زكاته ليقسمها فضاعت فقال (ع): ليس على الرسول، و لا على المؤدي ضمان. قلت: فان لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت، أ يضمنها؟ فقال (ع): لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» «1»

، و‌

مصحح ابن مسلم: «رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع): إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده» «2».

على المشهور المعروف، بل حكي: إجماع أصحابنا على أن الكفار مكلفون بالفروع كما هم مكلفون بالأصول. و يقتضيه: عموم أدلة التكليف و خصوص جملة من الآيات، مثل قوله تعالى: (وَ وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لٰا يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ ..) «3». و قوله تعالى: «لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَ لَمْ نَكُ

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

(3) فصلت: 6- 7).

47
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الكافر تجب عليه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 47

لا تصح منه (1) إذا أداها. نعم للإمام (ع) أو نائبه أخذها منه قهراً (2).

نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ..» «1». و يدل عليه في المقام: ما ورد من تقبيل النبي (ص) خيبر، و أنه جعل عليهم في حصصهم- سوى قبالة الأرض- العشر، و نصف العشر «2». فراجع.

بلا إشكال كما عن المدارك. لاعتبار الايمان- فضلا عن الإسلام- في صحة العبادات إجماعاً، التي منها إيتاء الزكاة إجماعاً.

ثمَّ إنه قد يستشكل في ثبوت الوجوب على الكافر مع عدم الصحة:

بأنه إن أريد وجوب أدائها حال الكفر فهو تكليف بما لا يصح، و إن أريد بعد الإسلام فهو مناف لبنائهم على سقوطها بالإسلام.

أقول: الإشكال المذكور لا ورود له على وجوبها وضعاً في المال- بمعنى: تعلقها به كتعلقها بمال المسلم- إذ يترتب على تعلقها به كذلك جواز انتزاعها منه قهراً أو اختياراً. و أما وجوبها تكليفاً فالمراد منه وجود مناط الوجوب عليه، و إن امتنع توجهه إليه فعلا لعدم إسلامه قبل أوان التعلق، المستلزم لعدم قدرته على الامتثال، فالمراد من الوجوب ما يقابل انتفاؤه رأسا، لا الوجوب الفعلي.

كما عن المسالك. لأن الحاكم الشرعي بولايته على الفقراء له استيفاء أموالهم و استنقاذ حقوقهم، و مجرد عدم صحة الإيتاء من الكافر و عدم مقربيته له لا يوجب تعذر استيفاء حقوق الناس منه، كما في المسلم الممتنع، فيكون الحاكم ولياً عليه في التعيين، كما يكون ولياً على الممتنع فيه. و حينئذ يسقط وجوب الأداء بانتفاء موضوعه لا بامتثال النائب،

______________________________
(1) المدثر: 43- 44.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

48
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه ؛ ج‌9، ص : 49

و لو كان قد أتلفها فله أخذ عوضها منه (1).

[ (مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه]

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه لامتناع النيابة في العبادة عن الكافر.

و كذا الحال في التعيين، فإنه لا بد فيه من النية كالأداء إجماعاً، على ما حكاه غير واحد، منهم المحقق و العلامة في المعتبر و المنتهى على ما حكي.

فلا يتعبد عنه في التعيين، كما لا يتعبد عنه في الأداء.

لقاعدة الضمان بالإتلاف، و حينئذ فتؤخذ منه قهراً. لكن المحكي عن تصريح الشيخين، و الفاضلين، و الشهيدين، و غيرهم: عدم الضمان، بل عن جماعة: نسبته إلى المشهور. و دليله غير ظاهر. نعم استدل له:

بأن الكافر لا يتمكن من الأداء، و التمكن منه شرط في الضمان. و فيه:

أنى لكافر يتمكن من الأداء، و إنما الذي لا يتمكن منه الأداء الصحيح المقرب، و هو ليس بشرط للضمان، كما يظهر من ملاحظة النصوص المتقدمة. مع أنه تمكن دعوى تمكنه من الأداء الصحيح بالإسلام قبل وقت التعلق. إلا أن يشكل الأخير: بأن التمكن المستند الى ما قبل التعلق لا يجدي في الضمان.

و يشكل ما قبله: بأن عدم شمول نصوص نفي الضمان عند عدم التمكن لمثله لا يقتضي الضمان، إلا بناء على عموم: «على اليد ..» للفرض.

فالعمدة: أن التمكن من الأداء شرط للضمان بالتلف لا بالإتلاف الذي هو محل الكلام، فان الضمان به ليس مشروطاً بالتمكن من الأداء، كما لا يخفى. و قد أطال شيخنا الأعظم (ره) في تقريب عدم الضمان بما لم يتحصل لنا المراد منه. مع أنه في آخر كلامه قال: «و يبقى الكلام في دليل ما ذكروه: من اشتراط الإسلام في الضمان، و ليس بواضح، كما اعترف به غير واحد».

49
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه ؛ ج‌9، ص : 49

الزكاة سقطت عنه (1) و إن كانت العين موجودة، فإن الإسلام يجب ما قبله.

كما هو المشهور، بل في مفتاح الكرامة: «ما وجدنا من خالف أو توقف قبل صاحب المدارك و صاحب الذخيرة»، و عن مجمع البرهان:

أنه قال: لعله للإجماع و النص. و يريد بالنص:

النبوي المشهور: «الإسلام يجب ما قبله» «1».

لكن يمكن أن يستشكل فيه:

أولا: بوروده مورد الامتنان المنافي لشموله للمقام، لأنه خلاف الامتنان بالإضافة إلى الفقراء.

و ثانياً: بأن ظاهر الحديث جب حال الكفر عن حال الإسلام، فيختص بما لو كان ثابتاً حالا الإسلام لاستند إلى ما ثبت حال الكفر، مثل التكليف بقضاء العبادات حال الإسلام فإنه لو ثبت كان مستنداً الى الفوت حال الكفر فقطع حال الكفر عن حال الإسلام يقتضي أن لا يترتب على الفوت الثابت حال الكفر التكليف بالقضاء حال الإسلام. و هذا لا يجري في مثل الزكاة لأن حول الحول مثلا على العين الزكوية يوجب حدوث حق للفقراء، فاذا حدث كان بقاؤه مستنداً إلى استعداد ذاته، فإذا أسلم و بقي الحق المذكور للفقراء بعد إسلامه لم يكن بقاؤه مستنداً إلى حول الحول حال الكفر ليشمله الحديث، و إنما يستند بقاؤه إلى استعداد ذاته، فلا يشمله الحديث.

و دعوى: أن تعلق حق الفقراء ناشئ من الأمر بأداء الزكاة، و الأمر المذكور إنما يستند إلى حولان الحول حال الكفر، فاذا كان الحديث نافياً لوجود ما لو وجد كان مستنداً إلى ما قبل الإسلام كان نافياً للأمر المذكور، و إذا انتفى انتفى الحق المذكور، لانتفاء منشأه. فيها: منع ذلك جداً. بل الأمر بالعكس، فان السبب في الأمر بالإيتاء ثبوت الحق، كما يقتضيه تعلق الإيتاء بالزكاة تعلق الحكم بموضوعه المقتضي لثبوته في رتبة سابقة عليه، نظير‌

______________________________
(1) تقدم الكلام حول الحديث في أوائل فصل صلاة القضاء من الجزء السابع من هذا الشرح.

50
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه ؛ ج‌9، ص : 49

.....

قولك: «ادفع مال زيد اليه» لا من قبيل: «ادفع مالك الى زيد».

و بالجملة: ملاحظة مجموع ما ورد في الزكاة من أدلة التشريع يقتضي الجزم بأن جعل الحق ثابت في الرتبة السابقة على الأمر بالإيتاء، و إلا فالأمر بإيتاء الإنسان ماله إلى غيره لا يقتضي بوجه ثبوت حق للغير في ماله كي يدعى أن الأمر بإيتاء الزكاة منشأ لثبوت الحق، و قوله تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً ..» «1» يراد منها ما ذكرنا. و نسبتها إلى أموالهم يراد أن أصلها من أموالهم. أو لأنها قبل الدفع لم تتعين زكاة، إنما تتعين به.

و دعوى: أن الملكية من الأحكام الوضعية، و هي منتزعة من التكليف.

مندفعة: بما تقرر في محله: من أن الانتزاع لو سلم فإنما هو في غير ما كان مثل الملكية و الحقية و نحوهما، مما أخذ موضوعاً للأحكام الشرعية، لامتناع انتزاع الموضوع من حكمه. فراجع المسألة في الأصول.

و ثالثا: بأن البناء على عموم حديث الجب يوجب تخصيص الأكثر إذ لا ريب في بقاء إيقاعاته و عقوده و ما عليه من الديون و نحوها على ما هي عليه قبل الإسلام، و ذلك يوجب البناء على إجماله، و القدر المتيقن عدم مؤاخذته على الكفر السابق، و ليس منه ما نحن فيه.

و يمكن الجواب على الأول: بأنه لو سلم كون الحديث وارداً مورد الامتنان فإنما هو بالإضافة إلى المسلم نفسه، فلا مانع من كونه على خلاف الامتنان بالإضافة إلى غيره. و عن الثاني: بأن ملكية الفقراء للزكاة لما كانت من الأمور الاعتبارية و ليست من الأمور الحقيقية كان بقاؤها مستنداً إلى ملاحظة منشأ الاعتبار، فكما أن اعتبارها في آن حدوثها ناشئ من ملاحظة السبب، كذلك اعتبارها في الآن الثاني- و هكذا- فما لم يلحظ منشأ الاعتبار في كل آن لا يصح اعتبارها كذلك. و لذا كان الفسخ وارداً على العقد و موجباً لارتفاع‌

______________________________
(1) التوبة: 103.

51
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه ؛ ج‌9، ص : 49

.....

الأثر، لا أنه وارد على نفس الأثر. فهو من هذه الجهة نظير التكليف مثل وجوب القضاء، فان المولى في كل أن ما لم يلحظ الفوت لا يوجب القضاء، و كما لا يصح وجوب القضاء في أول أزمنة الفوت إلا بعد ملاحظة صدق الفوت كذلك في بقية الأزمنة، لا يصح الوجوب إلا بلحاظ تحقق الفوت السابق. و كما أن مقتضى الحديث عدم تأثير الفوت الحاصل قبل الإسلام في وجوب القضاء بعده، كذلك مقتضاه عدم تأثير حولان الحول الحاصل قبل الإسلام في ملكية الفقراء بعده.

نعم يتم الإشكال في مثل النجاسة، و الحدث الأصغر، و الأكبر، فإنها لو كانت اعتبارية فمنشأ اعتبارها نفس الأثر الخارجي الحاصل من وجود السبب لا نفس السبب، و ذلك الأثر بقاؤه مستند إلى استعداد ذاته لا إلى السبب، فحديث الجب لا يقتضي ارتفاعه، فيصح اعتبار تلك الأحكام منه و يترتب أثرها: من الغسل و الوضوء و الغسل، لوجود السبب بعد الإسلام بعين وجوده قبله.

و عن الثالث: بإمكان دعوى انصراف الحديث الشريف إلى خصوص ما كان وقوعه نوعاً قبل الإسلام، من جهة عدم كونه مسلماً، فلا يشمل مثل العقود و الإيقاعات و الديون و نحوها مما لا يختص بفعله نوعا غير المسلم.

فلو أعتق الكافر عبداً بقي على حريته بعد إسلامه. و لو استدان مالًا بقي في ذمته بعد الإسلام، و هكذا .. نعم لو وقع في عقده أو إيقاعه خلل- بفقد شرط، أو وجود مانع- لم يؤثر ذلك الخلل فساداً بعد الإسلام، لسقوط مؤثريته بعد الإسلام بحديث الجب، فيصح بيعه الربوي أو المجهول فيه أحد العوضين، و هكذا ..

نعم قد يشكل التمسك بالحديث: بأن المروي [1] في مجمع البحرين‌

______________________________
[1] قد تقدم في قضاء الصلوات من كتاب الصلاة التعرض لجملة من طرق الحديث و موارده.

فراجع (منه قدس سره).

52
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): لو أسلم الكافر بعد ما وجبت عليه ؛ ج‌9، ص : 49

.....

من متنه، و‌

المحكي عن غيره أيضاً هكذا: «الإسلام يجب ما قبله، و التوبة تجبّ ما قبلها من الكفر و المعاصي و الذنوب».

و قصوره عن صحة التمسك به ظاهر، و الشهرة لا تجبر الدلالة على الصحيح. و في أواخر الجزء الرابع من شرح النهج لابن أبي الحديد، عن أبي الفرج الأصبهاني: ذكر قصة إسلام المغيرة بن شعبة، و أنه وفد مع جماعة من بني مالك على المقوقس ملك مصر، فلما رجعوا قتلهم المغيرة في الطريق، و فر إلى المدينة مسلماً، و عرض خمس أموالهم على النبي (ص) فلم يقبله. و‌

قال: «لا خير في غدر»

فخاف المغيرة على نفسه من النبي (ص)، و صار يحتمل ما قرب و ما بعد.

فقال (ص): «الإسلام يجب ما قبله».

هذا و في المدارك: «يجب التوقف في هذا الحكم، لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سنداً و متناً. و لما روى في عدة أخبار صحيحة: من أن المخالف إذا استبصر لا يجب عليه إعادة شي‌ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته، سوى الزكاة فإنه لا بد من أن يؤديها «1» و مع ثبوت هذا الفرق في المخالف يمكن إجراؤه في الكافر. و بالجملة: الوجوب على الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال، أو يقوم على السقوط دليل يعتد به ..».

و فيه: أن ضعف السند مجبور باعتماد الأصحاب، و ضعف الدلالة ممنوع إلا من جهة ما ذكرنا. و لو سلم فلا مجال للتوقف في الحكم بعد تسالم الأصحاب، و أن من المقطوع به من سيرة النبي (ص) و خلفائه (ع) عدم مطالبتهم من أسلم من الكافرين بزكاة ماله فيما مضى من عمره، سواء أ كان موجوداً أم مفقوداً. و كفى بمثل ذلك دليلا على السقوط، مانعاً من الرجوع إلى القواعد المقتضية للبقاء، فضلا عن القياس على المخالف. فتأمل.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 3 من أبواب مستحقي الزكاة.

53
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 18): إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب ؛ ج‌9، ص : 54

 

[ (مسألة 18): إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب]

(مسألة 18): إذا اشترى المسلم من الكافر تمام النصاب بعد تعلق الزكاة وجب عليه إخراجها (1).

[فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة]

فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة

[تجب الزكاة في تسعة أشياء]

تجب الزكاة في تسعة أشياء (2): الأنعام الثلاثة- و هي:

الإبل، و البقر، و الغنم- و النقدين- و هما: الذهب، و الفضة- و الغلات الأربع، و هي: الحنطة، و الشعير، و التمر، و اللّٰه سبحانه أعلم.

إذ لا موجب لسقوطها بالبيع. و كذا لو اشترى بعض النصاب بناء على عدم جواز التصرف في النصاب قبل الإخراج، على ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

فصل في الأجناس التي تتعلق بها الزكاة بلا خلاف أجده بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل هو من ضروريات الفقه إن لم يكن من ضروريات الدين، كذا في الجواهر. و عن التذكرة: أنه مجمع عليه بين المسلمين. و نحوه عن المنتهى و غيره، بل عن المستند: أنه من ضروريات الدين. و تشهد له جملة من النصوص- و في الجواهر: أنها متواترة- منها:

صحيح ابن سنان: «قال أبو عبد اللّٰه (ع): لما نزلت آية الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ..» «1»

في شهر رمضان، أمر رسول اللّٰه (ص) مناديه فنادى في الناس: إن اللّٰه

______________________________
(1) التوبة: 103.

 

54
مستمسک العروة الوثقى9

نعم يستحب إخراجها من أربعة أنواع أخر ؛ ج‌9، ص : 55

 

و الزبيب، و لا تجب فيما عدا ذلك على الأصح (1)

[نعم يستحب إخراجها من أربعة أنواع أخر]

نعم يستحب إخراجها من أربعة أنواع أخر.

[أحدها: الحبوب]

أحدها: الحبوب مما يكال أو يوزن (2)، كالأرز،

تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض عليكم من الذهب، و الفضة، و الإبل، و البقر، و الغنم، و من الحنطة، و الشعير و التمر، و الزبيب، و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان، و عفا لهم عما سوى ذلك» «1»

و‌

مصحح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّٰه (ع) قالا: «فرض اللّه عز و جل الزكاة مع الصلاة في الأموال و سنها رسول اللّه (ص) في تسعة أشياء، و عفا رسول اللّٰه (ص) عما سواهن: في الذهب، و الفضة، و الإبل، و البقر، و الغنم، و الحنطة، و الشعير، و التمر و الزبيب، و عفا رسول اللّٰه (ص) عما سوى ذلك» «2»

و نحوهما غيرهما.

إجماعاً حكاه جماعة كثيرة، منهم الشيخان، و السيدان، و الفاضلان و غيرهم، كما يقتضيه الصحيحان المتقدمان و غيرهما. و عن يونس: وجوبها في كل ما يدخل القفيز من الحبوب في أرض العشر- و كذا عن ابن الجنيد- مضافاً إلى وجوبها في الزيت و الزيتون و العسل من أرض العشر. و عن بعض:

وجوبها في كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن، و عن آخر: وجوبها في مال التجارة، اعتماداً على ظاهر بعض النصوص الذي لا يصلح لمعارضة ما سبق، مما هو صريح في النفي أو كالصريح فيه. فالواجب الحمل على الاستحباب، أو التقية، كما سيأتي.

كما هو المعروف المدعى عليه الإجماع، خلافاً لمن سبق فذهب إلى الوجوب، اعتماداً على ظاهر‌

مصحح ابن مسلم: «عن الحبوب ما يزكى

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.

 

55
مستمسک العروة الوثقى9

أحدها: الحبوب ؛ ج‌9، ص : 55

.....

منها؟ قال (ع): البر، و الشعير، و الذرة، و الدخن، و الأرز، و السلت و العدس، و السمسم، كل هذا يزكى و أشباهه» «1»

، و‌

مصحح زرارة- الذي هو نحوه بزيادة- قال (ع): «كل ما يكال بالصاع فبلغ الأوساق فعليه الزكاة. و قال: جعل رسول اللّٰه الصدقة في كل شي‌ء أنبتت الأرض إلا ما كان في الخضر و البقول، و كل شي‌ء يفسد من يومه» «2»

و‌

مصححه الآخر: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): في الذرة شي‌ء؟ فقال لي: الذرة و العدس، و السلت، و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير. و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة» «3»

و نحوها غيرها، المحمول جميعاً على الاستحباب، جمعاً بينها و بين ما سبق مما هو صريح في العفو عما عدا التسعة.

و عن السيد (ره) حملها على التقية، و يشير إليه ما‌

في خبر أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): هل في الأرز شي‌ء؟ فقال (ع): نعم.

ثمَّ قال (ع): إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال فيه، و لكنه قد جعل فيه، و كيف لا يكون فيه و عامة خراج العراق منه؟» «4»

لكن- مع اختصاص ذلك بالحديث المزبور- يمكن الاعتماد في الاستحباب على الإجماع المدعى، و لو بضميمة قاعدة التسامح على تقدير تماميتها.

ثمَّ أنه قد اختلفت النصوص المذكورة في العنوان المأخوذ موضوعاً للحكم، ففي بعضها: ما كيل بالصاع، و في بعضها: ما أنبتت الأرض، و في بعضها: الحبوب. و الأخير مذكور في الأحاديث المتقدمة، و في حديث‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 11.

56
مستمسک العروة الوثقى9

أحدها: الحبوب ؛ ج‌9، ص : 55

و الحمص، و الماش، و العدس، و نحوها. و كذا الثمار (1)، ابن مهزيار من الرواية عن أبي عبد اللّه (ع) «1». لكن‌

قوله (ع) في مصحح ابن مسلم: «و أشباهه ..»

، و‌

قوله (ع) في مصحح زرارة: «كل ما كيل بالصاع ..»

، و كذا‌

قول أبي الحسن (ع) في التوقيع: «صدقوا الزكاة في كل شي‌ء كيل» «2»

يقتضي كون موضوع الحكم هو المكيل. و بينه و بين عنوان: «ما أنبتت الأرض» عموم من وجه، و مقتضى كونهما مثبتين عدم تقييد أحدهما بالآخر، لكن المحكي عن المشهور هو التقييد.

و كأن وجهه: ما في مصحح زرارة المتقدم، حيث حكم (ع) بثبوت الزكاة في كل ما كيل بالصاع، مستشهداً بجعل النبي (ص) الزكاة في كل شي‌ء أنبتت الأرض، الظاهر في أن موضوع الحكمين واحد، و مقتضى الاستشهاد أن يكون الموضوع: «ما أنبتت الأرض».

و منه يظهر الوجه في تعميم المشهور الحكم للموزون مع عدم ورود خبر فيه، كما اعترف به غير واحد. و لذا حكي عن بعض: أنه حكم بعدم كفاية الوزن وحده، بل عن المعتبر: لا زكاة فيما لا يكال، كورق السدر و الآس. و كذا حكي عن الحلي و العلامة: أنهما صرحا بأنه لا زكاة في الأزهار و الأوراق، فإن الجميع داخل فيما أنبتت الأرض. و عليه فلا حاجة إلى دعوى: أن ذكر الكيل في النصوص كناية عن التقدير و لو بالوزن مع أنها غير ظاهرة. فتأمل جيداً.

على المشهور. لدخوله فيما يكال بالصاع. لكن عن موضع من كشف الغطاء: عدم الاستحباب فيها. و استشهد له في الجواهر بمصحح زرارة المتقدم، المشتمل على عطف كل شي‌ء يفسد من يومه على الخضر و البقول. و بما‌

في مصحح الحلبي: «و عن الغضاة من الفرسك و أشباهه

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

57
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 58

كالتفاح، و المشمش، و نحوهما، دون الخضر و البقول (1)، كالقت، و الباذنجان، و الخيار، و البطيخ، و نحوها.

[الثاني: مال التجارة]

الثاني: مال التجارة على الأصح (2).

فيه زكاة؟ قال (ع): لا».

و (الفرسك) ك‍ (زبرج): ال‍ (خوخ) أو ضرب منه أحمر «1» و‌

مصحح ابن مسلم: «في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان مالا، هل فيه صدقة؟ قال (ع): لا» «2»

و عن الدروس و الروضة: نسبته إلى الرواية، فتكون هذه الروايات مخصصة للإطلاق المتقدم.

كما عن جمع كثير التصريح به. و يشهد له مصحح زرارة المتقدم.

و نحوه‌

صحيح ابن مسلم: «عن الخضر فيها زكاة و إن بيع بالمال العظيم.

فقال (ع): لا، حتى يحول عليه الحول» «3»

و ما‌

في مصحح الحلبي المتقدم: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): ما في الخضر؟ قال: و ما هي؟

قلت: القصب و البطيخ و مثله من الخضر. قال (ع): ليس عليه شي‌ء».

و نحوها غيرها.

كما عن الأكثر، بل عن جماعة: نسبته إلى المشهور. و يقتضيه الجمع بين ما دل على ثبوت الزكاة في مال التجارة، مثل‌

مصحح ابن مسلم: «عن رجل اشترى متاعاً فكسد عليه متاعه، و قد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال (ع): إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه زكاة، و ان كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه من بعد رأس ماله» «4»

- و نحوه غيره- و ما دل على نفيها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

58
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الخيل الإناث ؛ ج‌9، ص : 59

[الثالث: الخيل الإناث]

الثالث: الخيل الإناث (1)، دون الذكور، و دون في مثل‌

صحيح زرارة: «كنت قاعداً عند أبي جعفر (ع) و ليس عنده غير ابنه جعفر (ع) فقال: يا زرارة، إن أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول اللّٰه (ص)، فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار به و يعمل به و يتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول. فقال أبو ذر: أما ما يتجر به أو دير أو عمل به فليس فيه زكاة. إنما الزكاة فيه إذا كان ركازاً أو كنزاً موضوعاً، فاذا حال عليه الحول ففيه الزكاة. فاختصما في ذلك إلى رسول اللّٰه (ص)، فقال (ص): القول ما قال أبو ذر. فقال أبو عبد (ع) لأبيه: ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فيكف الناس أن يعطوا فقرائهم و مساكينهم. فقال له أبوه: إليك عني لا أجد منها بداً» «1»

، و‌

صحيحه الآخر: «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحركه» «2».

و نحوهما غيرهما.

هذا و عن الكاشاني و البحراني: حمل الأول على التقية، لكون الوجوب مذهب جمهور العامة، فلا دليل على الاستحباب. و فيه: أن الحمل على التقية فرع تعذر الجمع العرفي و إلا كان هو المتعين. و لو سلم كفى في دفع التقية التعبير بما ظاهره الوجوب من دون قرينة متصلة صارفة إلى الاستحباب كما ذكره جماعة.

بلا خلاف ظاهر و لا إشكال، بل عن جماعة: دعوى الإجماع عليه.

لصحيح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): هل في البغال شي‌ء؟

فقال (ع): لا. فقلت: فكيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟

فقال (ع): لأن البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

59
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء ؛ ج‌9، ص : 60

البغال، و الحمير، و الرقيق (1).

[الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء]

الرابع: الأملاك و العقارات التي يراد منها الاستنماء، كالبستان، و الخان، و الدكان، و نحوها (2).

الذكور شي‌ء. قلت: فما في الحمير؟ قال (ع): ليس فيها شي‌ء» «1»

و‌

مصحح محمد و زرارة عنهما (ع) جميعاً، قالا: «وضع أمير المؤمنين (ع) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، و جعل على البراذين دينارا» «2».

و هما غير ظاهرين في الوجوب. و لو سلم فمحمولان على الاستحباب.

كما هو المشهور.

لموثق سماعة: «ليس على الرقيق زكاة. إلا رقيق يبتغي به التجارة، فإنه من المال الذي يزكى» «3».

نعم‌

في مصحح ابن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (ع) أنهما سئلا عما في الرقيق، فقالا: «ليس في الرأس شي‌ء أكثر من صاع من تمر، إذا حال عليه الحول» «4»

فيمكن حمله على الندب، و يحمل الأول و نحوه على نفي التأكد. و حمل الصاع على زكاة الفطرة خلاف الظاهر.

كما هو المعروف، بل في الجواهر: «لا خلاف أجده فيه».

و لم يعرف له دليل، كما عن غير واحد الاعتراف به. نعم قوى في الجواهر دخولها في مال التجارة، لأن الاتجار التكسب و الاسترباح، و هو كما يكون بنقل العين يكون باستمائها مع بقائها. و فيه: أن الاستماء إذا كان بقصد التعيش بالنماء لا يكون من الاسترباح، و إنما يكون منه إذا كان بقصد الاتجار بالنماء. بل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 17 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 2.

60
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم ؛ ج‌9، ص : 61

 

[ (مسألة 1): لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم]

(مسألة 1): لو تولد حيوان بين حيوانين يلاحظ فيه الاسم (1) في تحقق الزكاة و عدمها، سواء كانا زكويين أو غير زكويين أو مختلفين، بل سواء كانا محللين أو محرمين أو مختلفين. مع فرض تحقق الاسم حقيقة (2)، لا أن يكون بمجرد الصورة، و لا يبعد ذلك، فان اللّه قادر على كل شي‌ء.

[فصل في زكاة الانعام]

فصل في زكاة الانعام

[و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافاً إلى ما مر من الشرائط العامة- أمور]

و يشترط في وجوب الزكاة فيها- مضافاً إلى ما مر من الشرائط العامة- أمور:

[الأول: النصاب]

الأول: النصاب، و هو في الإبل إثنا عشر نصاباً (3): على هذا التقدير يشكل دخوله في مال التجارة المذكور في نصوصه. فلاحظها.

كما هو المعروف. لما اشتهر: من أن الاحكام تدور مدار الأسماء لأنها حاكية عن المفاهيم المأخوذة موضوعاً للاحكام. و عن المبسوط: «المتولد بين الظبي و الغنم إن كانت الأمهات ظباء فلا خلاف في عدم الزكاة، و إن كانت الأمهات غنما فالأولى الوجوب، لتناول اسم الغنم له. و إن قلنا لا يجب- لعدم الدليل، و الأصل براءة الذمة- كان قوياً. و الأول أحوط ..»‌

و هو غير ظاهر.

هذا الفرض نادر جداً، أو غير حاصل و إن كان ممكناً عقلا.

فصل في زكاة الأنعام إجماعاً، كما عن الخلاف و الغنية و الانتصار، بل عن غير واحد:

 

61
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 61

الأول: الخمس، و فيها شاة.

الثاني: العشر، و فيها شاتان.

الثالث: خمسة عشر، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: العشرون، و فيها أربع شياه.

الخامس: خمس و عشرون، و فيها خمس شياه.

السادس: ست و عشرون، و فيها بنت مخاض، و هي الداخلة في السنة الثانية.

السابع: ست و ثلاثون، و فيها بنت لبون، و هي الداخلة في السنة الثالثة.

الثامن: ست و أربعون، و فيها حقه، و هي الداخلة في السنة الرابعة.

التاسع: إحدى و ستون، و فيها جذعة، و هي التي دخلت في السنة الخامسة.

دعوى إجماع المسلمين عليه. و يشهد له‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «ليس فيما دون الخمس من الإبل شي‌ء، فإذا كانت خمساً ففيها شاة إلى عشرة، فاذا كانت عشراً ففيها شاتان، فاذا بلغت خمس عشرة ففيها ثلاث من الغنم، فاذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم، فاذا بلغت خمساً و عشرين ففيها خمس من الغنم، فاذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض إلى خمس و ثلاثين، فان لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر، فان زادت على خمس و ثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون إلى خمس و أربعين، فإن زادت واحدة ففيها حقة- و إنما سميت حقة لأنها استحقت أن يركب ظهرها- إلى ستين، فان زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس و سبعين، فان زادت

62
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 61

.....

واحدة ففيها ابنتا لبون الى تسعين، فان زادت واحدة فحقتان إلى عشرين و مائة، فان زادت على العشرين و المائة واحدة ففي كل خمسين حقة، و في كل أربعين بنت لبون» «1».

و نحوه صحيح أبي بصير «2»، و كذا صحيح ابن الحجاج. إلا أنه بعد أن جعل في الخمس و السبعين بنتي لبون إلى تسعين‌

قال (ع): «فاذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى عشرين و مائة» «3»

و لم يتعرض لما بعد ذلك، و لا ينافي ما قبله. نعم‌

في رواية الكليني قال بدله: «فاذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة» «4».

و ربما ينافي ما قبله. لكن الجمع العرفي بينهما ممكن بحمله على الأول.

هذا و عن ابن أبي عقيل: أنه أسقط النصاب السادس- و هو الست و العشرون- و أوجب بنت المخاض في الخامس، و هو الخمس و العشرون.

و قريب منه ما عن ابن الجنيد، فإنه أوجب بنت المخاض في الخمس و العشرين فان لم تكن فابن لبون فان لم تكن فخمس شياه، فان زادت على الخمس و العشرين ففيها بنت مخاض و عن الانتصار: أن الإجماع تقدم على ابن الجنيد و تأخر عنه.

و كأنهما اعتمدا في ذلك على‌

صحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّٰه (ع) قالا في صدقة الإبل: «في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمساً و عشرين، فاذا بلغت ذلك ففيها بنت مخاض. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً و ثلاثين، فاذا بلغت خمساً و ثلاثين ففيها بنت لبون. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً و أربعين، فإذا بلغت خمساً و أربعين ففيها حقة طروقة الفحل. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين، فاذا بلغت ستين

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام ملحق حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 4.

63
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 61

العاشر: ست و سبعون (1)، و فيها بنتا لبون.

الحادي عشر: إحدى و تسعون، و فيها حقتان.

ففيها جذعة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً و سبعين، فاذا بلغت خمساً و سبعين ففيها بنتا لبون. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرون و مائة، فاذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فاذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون» «1».

و عن الشيخ (ره): حمله على التقية، و عن المرتضى (ره): حمله على كون بنت المخاض على وجه القيمة للخمس شياه. و حمل أيضاً على تقدير قوله (ع):

«و زادت واحدة»

يعني: فإذا بلغت ذلك و زادت واحدة ففيها بنت مخاض. و هكذا في بقية الفقرات المخالفة لما سبق.

و الذي يدفع الاشكال: ما‌

عن الصدوق في معاني الأخبار، عن أبيه عن سعد بن عبد اللّٰه، عن إبراهيم بن هاشم، عن حماد بن عيسى روايته عن بعض النسخ الصحيحة: «فإذا بلغت خمساً و عشرين فاذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض

(إلى أن قال):

فاذا بلغت خمساً و ثلاثين فان زادت واحدة ففيها بنت لبون. ثمَّ قال: إذا بلغت خمساً و أربعين و زادة واحدة ففيها حقة. ثمَّ قال: فاذا بلغت ستين و زادت واحدة ففيها جذعة. ثمَّ قال:

فاذا بلغت خمساً و سبعين و زادت واحدة ففيها بنتا لبون. ثمَّ قال: فاذا بلغت تسعين و زادت واحدة ففيها حقتان ..» «2»

و ذكر بقية الحديث.

على المشهور. و تدل عليه النصوص المتقدمة و عن الصدوقين:

أنها إذا بلغت إحدى و ستين ففيها جذعة إلى ثمانين، فان زادت واحدة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 7.

64
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 61

الثاني عشر: مائة و إحدى و عشرون (1)، و فيها في كل خمسين حقة، و في كل أربعين بنت لبون، بمعنى: أنه يجوز أن يحسب (2) أربعين أربعين و في كل منها بنت لبون أو خمسين خمسين و في كل منها حقة. و يتخير بينهما مع المطابقة ففيها ثني. و لم يعرف له مستند سوى ما عن الفقه الرضوي و حجيته غير ثابتة، فضلا عن صلاحيته لمعارضة ما عرفت.

على المشهور. و عن الانتصار: عدم تغير الفرض من إحدى و تسعين إلا ببلوغ مائة و ثلاثين، و جعله فيه مما انفردت به الإمامية. لكن عن الناصريات: دعوى الإجماع على خلافه، و مثله: عن الخلاف و السرائر و غيرهما. و في الدروس: أنه متروك. و لا دليل له ظاهر، بل قد عرفت النص على خلافه.

أقول: المحكي عن فوائد القواعد و مجمع البرهان و المدارك و غيرها:

أنه إذا تجاوز عدد الإبل المائة و العشرين تخير المالك بين الحساب بالأربعين و دفع بنت لبون عن كل أربعين، و الحساب بالخمسين و دفع حقة عن كل خمسين، من دون فرق بين استيفاء العدد بالأربعين فقط- كالمائة و الستين المساوي لأربع أربعينات- و بالخمسين فقط- كالمائة و الخمسين المنقسم إلى ثلاث خمسينات- و بهما معاً- كالمائة و الأربعين المنقسم إلى أربعين و خمسينين- و بكل واحد منهما، كالمائتين المنقسم إلى خمس أربعينات و أربع خمسينات.

و نسب ذلك إلى كل من أطلق قوله: «إذا بلغت مائة و إحدى و عشرين ففي كل أربعين بنت لبون، و في كل خمسين حقة» كما نسب أيضاً إلى ظاهر الأصحاب- كما عن فوائد القواعد و الرياض و عن المحقق و الشهيد الثانيين-: وجوب الحساب بما يستوفي به العدد، فيتعين الحساب بالأربعين في المائة و ستين، و بالخمسين في المائة و خمسين، و بهما في المائة‌

65
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 61

لكل منهما، أو مع عدم المطابقة لشي‌ء منهما. و مع المطابقة لأحدهما الأحوط مراعاتها، بل الأحوط مراعاة الأقل عفواً ففي المائتين يتخير بينهما لتحقق المطابقة لكل منهما، و في المائة و خمسين الأحوط اختيار الخمسين، و في المائتين و أربعين الأحوط و سبعين، و مع الاستيعاب بهما يتخير، كما في المائتين. و نسب ذلك الى المبسوط و الخلاف و الوسيلة السرائر و التذكرة و غيرها. و علله بعضهم: بأن فيه مراعاة حق الفقراء. و فيه: أنه لا يظهر دليل على اعتبار هذه المراعاة.

و استدل للأول: بأنه ظاهر‌

قولهم (ع)- في صحيحي زرارة و الفضلاء- «ففي كل خمسين حقة، و في كل أربعين بنت لبون» «1»

إذ لو تعين الاقتصار على العد بالمستوعب لتعين الاقتصار على ذكر الأربعين فقط، إذ المائة و الإحدى و العشرون- على هذا القول- يتعين عدها بالأربعين فقط و أظهر من ذلك الاقتصار على الخمسين في صحيحي عبد الرحمن و أبي بصير «2» فإنه لا وجه له إلا كونه أحد فردي التخيير.

و فيه: أن ذكر الأربعين و الخمسين في الصحيحين الأولين لم يكن حكماً لخصوص المائة و الإحدى و العشرين ليتوجه الاستدلال المذكور، و إنما كان حكماً لما زاد على العشرين مطلقاً، و المائة و الإحدى و العشرون أحد أفراده، فلا ينافيه تعين حسابها بالأربعين. كما لا ينافيه تعين حساب المائة و الخمسين بالخمسين التي هي من أفراده. و توهم: أن المائة و الإحدى و العشرين مورداً لحكم العام، و لا يجوز تخصيص المورد. مندفع: بأن الواحدة فوق العشرين مأخوذة لا بشرط، فيكون الموضوع كلياً صادقاً على المرتبة المذكورة و غيرها من المراتب، لا مأخوذة بشرط لا ليتم ما ذكر. و إلا لم‌

______________________________
(1) تقدم ذكرهما في أوائل هذا الفصل.

(2) لاحظ الروايتين في أوائل الفصل.

66
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 61

.....

يكن الحكم عاماً لها و لغيرها، كما هو ظاهر.

و أما الاقتصار على الخمسين في الصحيحين الآخرين فلا مجال للأخذ بظاهره، إجماعاً نصاً و فتوى. فلا بد من التصرف فيه، إما بالحمل على التخيير. أو بالحمل على خصوص صورة توقف الاستيعاب على العد بالخمسين و لا يتوهم تعين الأول- من جهة: أن الحمل على الثاني يوجب خروج المائة و الإحدى و العشرين عنه، و هو خلاف صريح الصحيح- لما عرفت من أن موضوعه كلي الزائد على المائة و الإحدى و العشرين، لا خصوصها.

و بالجملة: التشبث في استظهار التخيير من ذكره على أثر المائة و الإحدى و العشرين- كما في الحدائق و غيرها- غير ظاهر.

و مثله في الاشكال: الاستدلال للقول الآخر: بأن العمل على طبق ما لا يستوعب يلزم منه طرح دليل الآخر من غير وجه. مثلا في المائة و الإحدى و العشرين لو عمل على حساب الخمسين يلزم منه طرح ما دل على أن في كل أربعين بنت لبون، فإنه يقتضي أن يكون في العشرين الزائدة على المائة منضمة إلى عشرين من المائة بنت لبون، فالعمل بالخمسين يقتضي أن لا يكون فيها شي‌ء و تكون عفواً، بخلاف ما لو عمل بالمستوعب فإنه لا يلزم منه طرح دليل الآخر. ففي المثال المذكور إذا عمل بالأربعين فقسمت المائة و الإحدى و العشرون إلى ثلاث أربعينات و أعطي عنها ثلاث بنات لبون لم يبق مورد للخمسين.

و وجه الإشكال في ذلك: أن الطرح إنما يلزم لو كان قد حصل موضوع تام للآخر، و مع ذلك لا يعمل بدليله، كما في المائة و الأربعين، فإنه لو بني على العد بالخمسين فقط بقي بعد عد خمسينين أربعون، فلو لم يدفع عنها بنت لبون لزم طرح‌

قوله (ع): «في كل أربعين بنت لبون ..»

، لا في مثل المائة و ستين، فإن الزائد على عد ثلاث خمسينات‌

67
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 61

.....

عشرة، و ليس هو موضوعاً لبنت اللبون، ليلزم طرح قوله (ع):

«في كل أربعين بنت لبون ..»

. و مجرد عدم حصول العفو بالعد بالأربعين غير كاف في لزوم الطرح على تقدير العد بالخمسين.

و مثله في الاشكال: ما قد يقال: من أن حمل الواو على التخيير خلاف الظاهر جداً، و لو أريد التخيير لقيل: «في كل خمسين حقة، أو في كل أربعين بنت لبون». إذ فيه: أن حمل الكلام على التخيير ليس من جهة حمل الواو عليه، فان الواو لا تعدو معنى الجمع على كل حال، إذ الأربعون فريضتها بنت اللبون تعييناً، و الخمسون فريضتها الحقة كذلك. و هذا ما لا إشكال فيه. كما لا إشكال أيضاً في أن الأربعين و الخمسين- المجعولتين موضوعاً لبنت اللبون و الحقة- ليس مطابقهما الخارجي واحداً، بل ما يكون مطابق أحدهما في الخارج غير ما يكون مطابق الآخر. و إنما الإشكال في أن المالك مخير في مقام إعطاء الفرض بين إعطاء الحقق التي هي فرض الخمسينات، و إعطاء بنات اللبون التي هي فرض الأربعينات.

أو أنه غير مخير، بل يتعين عليه إعطاء فريضة ما يستوفي العدد المملوك و لا يبقى له عفو، و الكلام المذكور خال عن التعرض لذلك. فالقائل بالتخيير أو بغيره لا بد له في إثبات دعواه من الرجوع إلى أمر آخر زائد على مضمون الجملة.

و حينئذ نقول: سكوت المعصوم (ع) عن التعرض لهذه الجهة و عدم بيانه كيفية الحساب مع كونه في مقام البيان، يقتضي إيكال ذلك إلى حال العدد المملوك نفسه، و أنه أربعينات أو خمسينات، أو أربعينات و خمسينات. فان كان ينقسم إلى الأربعينات اقتضى بنات اللبون، و ان كان ينقسم على الخمسينات اقتضى الحقق، و إن كان ينقسم عليهما معاً- كالمائة و الأربعين- اقتضاهما معاً، و إن كان ينقسم على كل واحد منهما- كالمائتين و الأربعمائة- اقتضى أحدهما على‌

68
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده ؛ ج‌9، ص : 69

اختيار الأربعين، و في المائتين و ستين يكون الخمسون أقل (1) عفواً، و في المائة و أربعين يكون الأربعون أقل عفواً.

[ (مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده]

(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده البدل، فان ذلك أقرب عرفاً من حمله على إيكال الأمر إلى اختيار المالك.

و يؤيد ذلك: صحيح الفضلاء الوارد في نصاب البقر، كما يأتي فتأمل.

و من ذلك يظهر ضعف القول بالتخيير مطلقاً، كما نسب إلى المشهور.

كما يظهر الاشكال فيما في الجواهر و نجاة العباد: من وجوب مراعاة المطابق منهما. بل لو لم يحصل إلا بهما لو حظا معاً. و يتخير مع المطابقة بكل منهما أو بهما، حتى أن له حساب البعض بأحدهما و الباقي بالآخر. و كذا يتخير مع عدم المطابقة بشي‌ء، و لا تجب حينئذ مراعاة الأقل عفواً. إلى أن قال «نعم قد يقال: بوجوب مراعاة الأقل في خصوص المائتين و الستين، للقطع بأن الزيادة إن لم تزد الواجب لم تنقصه ..». فإنه إذا فرض أنه لو لم تحصل المطابقة إلا بهما لوحظا معاً، لم يبق مورد لملاحظة الأقل عفواً، إذ كلما زاد العدد عشراً أمكن عد الأربعين خمسين. ففي مثل المائتين و ستين يمكن عد خمسينين و أربع أربعينات، فلا يكون عفو أصلا. فلاحظ.

لو عد بخمسينين و أربع أربعينات لا يحصل عفو، و كذا في المائة و الأربعين لو عد بأربعين و خمسينين.

و على ما ذكرنا يتعين عليه العد كذلك، و هو أولى أن يكون أحوط لا ما ذكر في المتن، و الذي يظهر منه: أن له عد المائة و الأربعين بالخمسين فيعطي حقتين، و ليس عليه شي‌ء. و فيه: أنه لو قلنا بالتخيير لا مجال للالتزام في الفرض بالاكتفاء بالحقتين، لأن حسابه بالخمسين يقتضي زيادة أربعين عفواً، و هو مخالف‌

لقوله (ع): «في كل أربعين بنت لبون ..»

.

69
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده ؛ ج‌9، ص : 69

بنت مخاض يجزي عنها ابن اللبون (1). بل لا يبعد إجزاؤه عنها اختياراً (2) أيضاً. و إذا لم يكونا معاً عنده تخير في شراء أيهما شاء (3). و أما في البقر فنصابان (4): بلا خلاف ظاهر. و يشهد له: صحيحا زرارة و أبي بصير المتقدمان «1».

كما عن المشهور. و عن التنقيح: نسبته إلى الفتوى، و قواه في الجواهر. لقيام علو السن مقام الأنوثة. و لانسباق عدم إرادة الشرط حقيقة من عبارة النص، و إلا اقتضى عدم إجزائها- يعني: بنت المخاض- عنه إذا لم تكن موجودة حال الوجوب و إن وجدت بعده، بناء على أن الشرط عدم كونها عنده حال الوجوب، لا حال الأداء، مع معلوميته.

و فيه: عدم الدليل على الأول. و منع الانسباق المذكور. و ما ذكره من التعليل له عليل، لأن ظاهر الدليل كون ابن اللبون بدلا، و إجزاء المبدل منه في فرض وجوده أولى من إجزاء البدل. و من هنا صرح جماعة:

بعدم الاجزاء مع الاختيار، كما يقتضيه ظاهر كل من علق إجزاءه على عدم وجدان بنت المخاض.

العمدة فيه: أنه مع شراء ابن اللبون يصدق: أنه واجد له، و ليس واجداً لبنت المخاض.

بلا خلاف ظاهر. و يدل عليه‌

صحيح الفضلاء عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (ع) قالا: «في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقل من ذلك شي‌ء، و في أربعين بقرة مسنة، و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ الأربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة و ليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان

______________________________
(1) تقدم ذكرهما في أوائل الفصل.

70
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده ؛ ج‌9، ص : 69

الأول: ثلاثون، و فيها تبيع أو تبيعة (1)، و هو

إلى السبعين فاذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة إلى الثمانين، فاذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين، فاذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبايع حوليات، فاذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة» «1».

على المشهور، بل عن ظاهر جماعة: الإجماع عليه. و عن المنتهى:

«لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين، للأحاديث. و لأنها أفضل ..»‌

و عن ابن أبي عقيل و الصدوقين و المفيد في كتاب الاشراف: الاقتصار على التبيع. و كأنه للاقتصار عليه في الصحيح المتقدم.

لكن عن المحقق في المعتبر قال: «و من طريق الأصحاب: ما‌

رواه زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و الفضيل و بريد عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه (ع) قالا: «في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، و ليس في أقل من ذلك شي‌ء حتى تبلغ أربعين ففيها مسنة».

ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ففيها تبيعان أو تبيعتان، ثمَّ في سبعين تبيع أو تبيعة و مسنة، و في ثمانين مسنتان، و في تسعين ثلاث تبايع» «2». بل‌

في الصحيح المتقدم- في رواية الكليني و الشيخ-: في التسعين ثلاث تبايع حوليات «3».

و عن الخلاف: أنه أرسل أخباراً بذلك «4». و لعل هذا المقدار كاف في البناء على التخيير.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(2) المعتبر صفحة: 260.

(3) الكافي ج 3 صفحة 534 طبع إيران الحديث و في التهذيب ج 4 صفحة 34 طبع النجف الأشرف: «ثلاث حوليات».

(4) ذكر الشيخ (ره) في الخلاف في المسألة: 16 في النصاب الأخير ما يدل على ذلك.

لاحظ: صفحة 115. و ذكر في المسألة: 14 صفحة 114 حديثا عاميا يدل على التخيير. و أما في النصاب الأول فلم يذكر إلا صحيح الفضلاء. فراجع.

71
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده ؛ ج‌9، ص : 69

ما دخل في السنة الثانية (1).

الثاني: أربعون، و فيها مسنة (2)، و هي الداخلة في السنة الثالثة (3). و فيما زاد يتخير بين عد ثلاثين ثلاثين و يعطي كما عن جماعة من العلماء، بل نسب إلى الأصحاب. و هذا المقدار كاف في إثبات معنى اللفظ، لما تحقق في محله: من أن أدلة حجية خبر الثقة في الأحكام شاملة لمثله، و أنه لا فرق بين نسب القضايا الشرعية و موضوعاتها و محمولاتها في حجية خبر الثقة. و استدل له: بما في الصحيح المتقدم:

من توصيف التبيع بالحولي. لكنه مشكل» لاحتمال كون النسبة من جهة كونه في الحول، لا لتمام الحول. و في الجواهر: استدل له‌

بصحيح ابن حمران عن أبي عبد اللّه (ع): «التبيع ما دخل في الثانية».

لكن لم أقف عليه في كتب الحديث.

بلا خلاف. و يشهد له: الصحيح المتقدم. و لا يجزي المسن إجماعاً، كما قيل. و عن المنتهى: الاجتزاء به إذا لم يكن عنده إلا ذكور لأن الزكاة مواساة، فلا يكلف غير ما عنده. و فيه: أنه خلاف إطلاق النص و ما ذكر لا يصلح مقيداً له.

كما نسب إلى العلماء» و ذكره غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات من دون نقل خلاف. و قد عرفت: أن ذلك كاف في البناء عليه. و قد استدل عليه- في محكي المبسوط- بما‌

روي عن النبي (ص) أنه قال: «المسنة هي الثنية فصاعداً» «1».

و دلالته- كما ترى- مبنية على أن الثنية ما دخلت في الثالثة، مع أن المنقول عن تصريح الشيخ (ره) في وصف الهدي: بأن الثني من البقر ما دخل في الثانية «2».

______________________________
(1) المبسوط أواخر فصل زكاة البقر.

(2) المبسوط فصل مناسك منى.

72
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في النصاب السادس إذا لم يكن عنده ؛ ج‌9، ص : 69

تبيعاً أو تبيعة، و أربعين أربعين و يعطي مسنة (1). و أما في الغنم فخمسة نصب (2): هذا غير ظاهر الوجه، فإنه خلاف الصحيح المتقدم. مع أنه لا خلاف ظاهر في وجوب العد بنحو يستوعب، ففي الستين يتعين بالثلاثين و في السبعين بها و بالأربعين معاً، و في الثمانين بالأربعين، و في التسعين بالثلاثين و في المائة بالأربعين و الثلاثين. نعم يتخير لو كان الاستيعاب حاصلا بكل منهما، كالمائة و العشرين، فيتخير بين العد بثلاث أربعينات، و بين العد بأربع ثلاثينات، فيعطي ثلاث مسنات، أو أربع تباع أو تبيعات. و الاقتصار على الثلاث مسنات في الصحيح كأنه لأجل كونها أحد فردي التخيير. فلاحظ.

على المشهور، بل عن الخلاف و ظاهر الغنية: الإجماع عليه.

و يشهد له‌

صحيح الفضلاء: «في كل أربعين شاة شاة، و ليس فيما دون الأربعين شي‌ء. ثمَّ ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين و مائة، فاذا بلغت عشرين و مائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة، فإذا زادت على مائة و عشرين ففيها شاتان، و ليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك، فاذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه. ثمَّ ليس فيها شي‌ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة، فإذا بلغت ثلاثمائة شاة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه، فاذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة، فإذا تمت أربعمائة كان على كل مائة شاة، و سقط الأمر الأول» «1».

و عن جماعة- منهم الصدوق و الحلي و العلامة في جملة من كتبه-:

أنها إذا بلغت ثلاثمائة و واحدة فعلى كل مائة شاة. و يشهد له‌

صحيح محمد بن قيس عن أبي عبد اللّه (ع): «ليس فيما دون الأربعين من الغنم شي‌ء،

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

73
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): البقر و الجاموس جنس واحد ؛ ج‌9، ص : 74

الأول: أربعون، و فيها شاة (1).

الثاني: مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان.

الثالث: مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه.

الرابع: ثلاثمائة و واحدة، و فيها أربع شياه.

الخامس: أربعمائة فما زاد، ففي كل مائة شاة. و ما بين النصابين في الجميع عفو (2)، فلا يجب فيه غير ما وجب بالنصاب السابق.

[ (مسألة 2): البقر و الجاموس جنس واحد]

(مسألة 2): البقر و الجاموس جنس واحد (3).

فاذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين و مائة، فاذا زادت واحدة ففيها شاتان إلى المائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة» «1».

لكن لما كان الجمع بينه و بين الأول- بحمل الكثرة فيه على الأربعمائة فما زاد، و يكون إهمال ذكر النصاب الرابع للاعتماد على بيانه في الصحيح الأول- بعيداً و ليس جمعاً عرفياً، كانا من المتعارضين. و العمل على الأول متعين، لأنه أشهر رواية، لأنه رواه الفضلاء الأعاظم، و أبعد عن موافقة العامة.

على المشهور شهرة عظيمة، بل عن جماعة: حكاية الإجماع عليه صريحاً و ظاهراً. و يشهد له الصحيحان المتقدمان. و عن الصدوقين:

اعتبار زيادة الواحدة. و لم يعرف له دليل. نعم حكي عن الرضوي «2».

الذي لم تثبت حجيته، فضلا عن صلاحية المعارضة لما عرفت.

كما صرح به في النصوص.

ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «قلت له: في

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

(2) مستدرك الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

74
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم ؛ ج‌9، ص : 75

كما أنه لا فرق في الإبل بين العراب و البخاتي (1)، و في الغنم بين المعز و الشاة و الضأن (2). كذا لا فرق بين الذكر و الأنثى في الكل (3).

[ (مسألة 3): في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم]

(مسألة 3): في المال المشترك إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب وجبت عليهم (4). و إن بلغ نصيب بعضهم وجبت عليه فقط. و إن كان المجموع نصاباً، و كان نصيب كل منهم أقل لم يجب على واحد منهم (5).

الجواميس شي‌ء؟ قال (ع): مثل ما في البقر» «1».

ففي مصحح الفضلاء: «قلت: فما في البخت السائمة شي‌ء؟

قال (ع): مثل ما في الإبل العربية» «2».

و يقتضيه: إطلاق الإبل، الصادق على القسمين.

للإطلاق. و الشاة لا تقابل المعز و لا الضأن، و تقع على كل واحد منهما ذكراً كان أو أنثى.

للإطلاق.

بلا خلاف و لا إشكال، كما يقتضيه إطلاق الأدلة. و كذا ما بعده.

و في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه. و يشهد له: ما‌

رواه زرارة عن أبي جعفر (ع): «قلت له: مائتي درهم بين خمسة أناس أو عشرة حال عليها الحول و هي عندهم، أ يجب عليهم زكاتها؟ قال (ع): لا، هي بمنزلة تلك- يعني: جوابه في الحرث- ليس عليهم شي‌ء حتى يتم لكل إنسان منهم مائتا درهم. قلت: و كذا في الشاة. و الإبل و البقر

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

75
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): إذا كان مال المالك الواحد متفرقا ؛ ج‌9، ص : 76

[ (مسألة 4): إذا كان مال المالك الواحد متفرقاً]

(مسألة 4): إذا كان مال المالك الواحد متفرقاً و لو متباعداً- يلاحظ المجموع (1)، فاذا كان بقدر النصاب وجبت، و لا يلاحظ كل واحد على حدة.

[ (مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم]

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم و الإبل من الضأن الجذع، و من المعز الثني (2).

و الذهب و الفضة و جميع الأموال؟ قال (ع): نعم» «1».

و لعل ذلك هو المراد مما‌

في صحيح محمد بن قيس عن أبي عبد اللّه (ع): «و لا يفرق بين مجتمع، و لا يجمع بين متفرق» «2»

، و‌

خبر محمد بن خالد: «مر مصدقك أن لا يحشر من ماء إلى ماء، و لا يجمع بين المتفرق، و لا يفرق بين المجتمع» «3»

، يعني: في الملك. و يحتمل فيه ما يذكر في آداب المصدق.

بلا خلاف و لا إشكال، و في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه.

و يقتضيه إطلاق الأدلة.

كما هو المشهور، بل عن الخلاف و الغنية: الإجماع عليه. و في الشرائع: حكاية القول بكفاية ما يسمى شاة. و عن جماعة: عدم معرفة القائل به و إن حكي عن جماعة، كأبي العباس في الموجز، و الصيمري في شرحه، و البحراني في حدائقه، ناسباً له إلى جماعة من أفاضل متأخري المتأخرين. و مال إليه الأردبيلي، و المدارك، و الخراساني، على ما حكي عنهم. لإطلاق الأدلة.

و مناقشة الجواهر فيه: بعدم ورود الأدلة في مقام البيان من هذه الجهة، فلا إطلاق لها يعول عليه، غير ظاهرة. و انصرافه عن السخل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الذهب حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

76
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

.....

و نحوه- و إن سلم- لا يجدي في ذلك، لشموله لما دون الجذع و لو بيوم قطعاً، فتقييده به و بالثني محتاج إلى دليل. كما أن تقييده‌

برواية سويد بن غفلة: «أتانا مصدق رسول اللّه (ص) و قال: نهينا أن نأخذ المراضع، و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية» «1»

، و‌

مرسل الغوالي عنه (ص): «أنه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن و الثني من المعز. قال: و وجد ذلك في كتاب على (ع)» «2»

لا يخلو من إشكال، لقصور دلالة الأول من جهة إجمال الآمر و الناهي، و عدم التعرض لخصوصية الضأن و المعز. لضعفهما سنداً.

اللهم إلا أن يدفع الإشكال في الدلالة: بأن إطلاق المصدق قوله:

«أمرنا ..»

، «و نهينا ..»

في مقام الإلزام لا بد أن يكون مراده من الآمر و الناهي هو النبي (ص)، إذ لا أثر لأمر غيره في ذلك الزمان. مع أن فيما يحضرني من نسخة التذكرة:

«نهانا رسول اللّه (ص) ..»

فلاحظ و عدم التعرض لخصوصية الضأن و المعز يوجب إجمال المقيد، فيوجب إجمال المطلقات، فتسقط عن الحجية. مع إمكان رفع هذا الاجمال بما ورد في الهدي، من‌

صحيح ابن سنان: «يجزي من الضأن الجذع، و لا يجزي من المعز إلا الثني» «3»

، و‌

صحيح حماد: «سألت أبا عبد اللّه (ع) أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي، فقال (ع): الجذع من الضأن. قلت:

فالمعز؟ قال (ع): لا يجوز الجذع من المعز. قلت: و لم؟ قال (ع):

لأن الجذع من الضأن يلقح، و الجذع من المعز لا يلقح» «4».

و نحوهما‌

______________________________
(1) كما في السنن ج 4 صفحة 100. إلا أنه لم ينسب الرواية فيه إلى سويد بن غفلة. نعم رواه عنه في صفحة 101، لكنه بدون الذيل. و لم نعثر على الرواية في غير هذا المصدر، من كنز العمال و غيره.

(2) راجع أوائل باب الزكاة في القسم الأول من الباب الثاني.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب ذبح الهدي حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 11 من أبواب ذبح الهدي حديث: 4.

77
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

و الأول: ما كمل له سنة واحدة و دخل في الثانية (1).

غيرهما. فان الروايات المذكورة آبية عن حمل روايات المقام على الجذع من المعز و الثني من الضأن، فيتعين العكس، بعد امتناع أن يكون المراد الجذع و الثني من صنف واحد، لأنها واردة في مقام المنع من الأدنى.

و أما ضعف السند فيمكن انجباره باعتماد الأصحاب عليه، و استدلالهم به، فارغين عن حجيته، غير متأملين فيها. و لا سيما من مثل الشيخ (ره)، و الفاضلين (قدهما) و نظائرهم. فلاحظ.

كما عن الصدوقين و الشيخين في المقنعة و التهذيب و المصباح، و السيد في الجمل، و سلار و ابني حمزة و زهرة و الفاضلين في النافع و حج الشرائع و الإرشاد. و هو الموافق لما عن الصحاح و القاموس و المصباح المنير و النهاية و في القواعد و عن المبسوط و المنتهى و التذكرة و التحرير و الدروس و البيان و التنقيح و فوائد الشرائع و إيضاح النافع و تعليقه و تعليق الإرشاد و الميسية و المسالك و الروضة: ما كمل له سبعة أشهر. و هو ظاهر محكي الوسيلة و السرائر، و عن ظاهر الغنية في بحث الهدي: الإجماع عليه، و عن بعض محشي الروضة:

أنه لا يعرف فيه قول غيره، و حكاه في حياة الحيوان قولا، بعد أن جزم بالأول، و جعله الصحيح عند أصحابه، و الأشهر عند أهل اللغة و غيرهم.

و عن ابن الأعرابي: المعنى الأول إن تولد بين هرمين، و الثاني إن كان بين شابين. و عن بعض: أنه ابن ستة أشهر. و عن آخر: أنه ابن ثمان.

و قيل: إن كان بين ثني و ثنية فابن سنة، و إن كان بين هرمين فابن ثمان و إن كان بين ثني و هرمة فابن سبعة. و ربما قيل غير ذلك.

و مع هذا يشكل البناء على ما في المتن. و لا سيما بملاحظة‌

مرسل الصدوق الوارد في الهدي: «و يجزي من المعز و البقر الثني، و هو الذي له سنة

78
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

و الثاني: ما كمل له سنتان و دخل في الثالثة (1). و لا

و دخل في الثانية. و يجزي من الضأن الجذع لسنة» «1».

فإن المقابلة بينه و بين الجذع تقضي بأنه دون ذلك. و لا ينافي ذلك ما في المرسل من‌

قوله (ع): «و يجزي من الضأن الجذع لسنة»

إذ بقرينة المقابلة يراد منه ما كان في سنة فلاحظ. نعم لو كان الأجذاع صفة كان ما ذكر متعيناً، لأصالة الاشتغال. أما لو كان سناً- كما عن آخر- اكتفي بالأقل، للإطلاق و إجمال المقيد، فيقتصر فيه على القدر المتيقن. و كذا لو شك في كونه صفة أو سناً.

هذا كله بناء على التساقط عند التعارض في مثل المقام. أما بناء على الترجيح مع وجود المرجح و مع عدمه فالتخيير، فالبناء على وجود المرجح أو عدمه محتاج إلى فحص و تتبع لا يسعه المقام، و إن كان المظنون: أن الترجيح مع الأول، لأنه الأشهر.

في الجواهر: أنه المشهور عند اللغويين، و به صرح في محكي المبسوط و التذكرة، و يوافقه ما عن الصحاح و القاموس و المصباح و المغرب و النهاية. و قيل: ما دخل في الثانية، و هو المنسوب إلى من تقدم، ممن قال: بأن الجذع ما كمل له سبعة أشهر، و يوافقه مرسل الفقيه المشار اليه آنفاً. لكن يشكل الاعتماد عليه، لضعفه، و عدم الجابر له. فالمرجع ما ذكرنا: من الإطلاق، أو أصالة الاشتغال، أو الترجيح، أو التخيير، و إن كان المظنون: أن الترجيح مع الأول، لأنه الأشهر.

ثمَّ إن المصرح به في القواعد- و عن صريح غيرها أو ظاهره-:

عدم الفرق في التقييد بالجذع و الثني بين ما يؤخذ في الإبل و الغنم، كما في المتن. و يقتضيه إطلاق النص المستدل به عليه. و عن البيان: تخصيصه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب ذبح الهدي حديث: 11.

79
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

يتعين عليه أن يدفع الزكاة من النصاب، بل له أن يدفع شاة أخرى (1).

بالإبل، و لم يعرف لغيره. و مقتضاه الاكتفاء بمطلق الشاة في الغنم. لكن قربه بعض: بأن اعتبار الحول على النصاب و السوم و الاستغناء بالرعي ينافي كون بعضه جذعاً بل ثنياً، فكيف يجبان فيه؟ لكنه مبني على تفسير الجذع بما له سبعة أشهر، و الثني بما له سنة. و مقتضى ذلك عدم الاجتزاء بهما، بل لا بد أن يكون سنه أعلى منهما. و فيه: أنه خلاف ما تقدم من الاتفاق على الاجتزاء بهما، و أنه مبني على كون الفريضة بعض النصاب.

و سيأتي- إن شاء اللّٰه- الكلام فيه.

إجماعاً، أو اتفاقا ظاهراً- كما في رسالة شيخنا الأعظم- و إجماعاً حكاه جماعة، كما في الكفاية و المستند و الجواهر، بل في الأخير: يمكن تحصيله. لكن قال في الثاني: «و قد تنسب المخالفة إلى شاذ. ثمَّ قال:

المحالفة إن كانت في الإخراج من غير النصاب مطلقاً- و لو بالقيمة- نهي ضعيفة، للصحيحة، و سائر روايات القيمة. الآتية. و إن كانت في إخراج جنس النصاب من غيره بدون اعتبار القيمة فهي قوية، إذ لا دليل على كفاية مطلق الجنس و لو من غير النصاب، فإن الإطلاقات كلها مما يستدل بها على التعلق بالعين،

كقولهم (ع): «في أربعين شاة شاة»

و نحوه، و لا يثبت منه أزيد من كفاية المطلق مما في العين. و أما المطلق من غيره فلا دليل ..».

أقول: مجرد التعلق بالعين لا يقتضي وجوب كون المدفوع جزءاً.

إذا لو كان التعلق بها من قبيل تعلق حق الرهانة لم يقتض ذلك كما لا يخفى و سيأتي- إن شاء اللّه- تحقيق ذلك. مع أن الإجماعات المحكية في المقام على جواز الدفع من غير العين بعنوان نفس الواجب، لا بعنوان نفس‌

80
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

سواء كانت من ذلك البلد أو غيره (1)، و إن كانت أدون قيمة من أفراد ما في النصاب، و كذا الحال في الإبل و البقر.

فالمدار في الجميع الفرد الوسط من المسمى (2)، لا الأعلى، و لا الأدنى. و إن كان لو تطوع بالعالي أو الأعلى كان أحسن القيمة يمكن الخروج بها عن ظاهر الأدلة، لو تمَّ. فتأمل جيداً.

كما في الشرائع و القواعد و عن غيرهما، بل استظهر أنه المشهور لعدم الفرق بين ما في البلد و غيره في الدخول تحت إطلاق الفريضة و عدمه فاذا جاز دفع ما في البلد، مما هو خارج عن النصاب عملا بالإطلاق، جاز دفع غيره أيضاً، و إذا لم يجز الثاني لعدم شمول الفريضة له، لم يجز الأول فالتفكيك غير ظاهر. إلا بناء على أن الوجه في جواز الدفع من غير الفريضة هو الإجماع، و هو غير حاصل بالنسبة إلى غير البلد.

لكن المحكي عن الخلاف و المبسوط: اعتبار كون المدفوع من البلد معللا بأن المكية و العربية و النبطية مختلفة. و فيه: أنه قد يحصل الاتفاق في ذلك مع كون المدفوع من خارج البلد. مع أنه لا دليل على الاتفاق في ذلك، و ليس الاتفاق في ذلك إلا كالاتفاق في سائر الخصوصيات الموجبة لاختلاف المالية و اختلاف الرغبة، كما هو ظاهر، فالتفكيك بين الصفات في غير محله.

و مثله في الاشكال: ما عن جامع المقاصد و في المسالك: من الجواز في فريضة الإبل مطلقاً. أما في فريضة الغنم فلا يجوز، إلا مع المساواة في القيمة. إذ هو مبنى على التفكيك بين الإبل و الغنم في الإطلاق، مع أن الدفع بعنوان القيمة ليس محل الكلام هنا، كما لا يخفى.

قال في الجواهر: «ثمَّ قد يقوى وجوب الوسط بما يصدق عليه‌

81
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

و زاد خيراً. و الخيار للمالك (1)، اسم الفريضة في المقام و غيره، فلا يكلف الأعلى و لا يجزيه الأدنى، لأنه المنساق إلى الذهن من أمثال هذه الخطابات- التي ستعرف- إرادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع و الشاة و بنت المخاض و غيرها من الفرائض فيها، لا أن المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب، بل ليست فيه قطعاً في الخمس من الإبل و نحوه ..».

أقول: لا ريب في أنه لو كان المراد تقدير المالية يجب حملها على الوسط، كما في سائر الموارد التي يراد منها تقدير شي‌ء لا يقبل التفاوت بالزيادة و النقيصة، فإن التقدير بالطبيعة الصادقة على الأعلى و الأدنى و الوسط يوجب التفاوت بالمقدار، و المفروض أن المقدر لا يقبل ذلك. فلا بد أن يراد منه، إما الأعلى بعينه، أو الأوسط كذلك، أو الأدنى كذلك. و إذ لم يكن ما يصلح للقرينية في الاعتماد عليه في إرادة الأعلى و الأدنى، و كون الوسط متعارفا و غالباً مما يصلح للقرينية، يحكم بإرادته للوسط اعتماداً على ذلك.

و هذا البرهان ليس من الانصراف في شي‌ء، لكنه يتوقف على تمامية الأدلة في كونها واردة مورد تقدير المالية المملوكة للفقير في النصاب و لازمه: أن يكون دفع الأعلى من النصاب دفعاً للواجب و زيادة، فله استرجاع تلك الزيادة، لا دفعاً لمصداق الفريضة، و أن يكون الدفع من غير النصاب دفعاً للبدل، و قد عرفت الإجماع على خلافه.

فليس للساعي معارضته على المشهور، بل عن ظاهر التذكرة:

الإجماع عليه، كذا في الجواهر. و هو واضح بناء على ما عرفت من الإجماع على جواز الإعطاء من غير النصاب. أما بناء على الإشكال في ذلك» فقد يستفاد من‌

مصحح بريد: «سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: بعث أمير المؤمنين (ع) مصدقاً من الكوفة إلى باديتها

.. (إلى أن قال) (ع):

82
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

لا الساعي (1)، أو الفقير، فليس لهما الاقتراح عليه. بل يجوز للمالك أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية (2)،

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه، فإن أكثره له، فقل: يا عبد اللّٰه أ تأذن لي في دخول مالك؟ فان أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به، فاصدع المال صدعين، ثمَّ خيره أي الصدعين شاء، فأيهما اختار فلا تعرض له. ثمَّ اصدع الباقي صدعين، ثمَّ خيره فأيهما اختار فلا تعرض له، و لا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّٰه تعالى في ماله، فإذا بقي ذلك فاقبض حق اللّٰه تعالى منه. و إن استقالك فأقله، ثمَّ اخلطها و اصنع مثل الذي صنعت أولًا حتى تأخذ حق اللّه تعالى من ماله» «1».

و نحوه ما عن نهج البلاغة «2». و قريب منه خبر محمد بن خالد «3».

لكن دلالتها مختصة بصورة تولي الساعي للقسمة. و منها يظهر ضعف ما عن الشيخ: من أن للساعي معارضة المالك، و اقتراح القرعة.

قطعاً، بل إجماعاً، كما في الجواهر. و كفى بالمصحح المتقدم دليلا عليه. و منه يظهر عدم ثبوت التخيير للفقير أيضاً.

أما في الغلات و النقدين فالظاهر الاتفاق عليه، بل عن جماعة كثيرة: نقل الإجماع- صريحاً أو ظاهراً- عليه. و يشهد له‌

صحيح محمد بن خالد البرقي: «كتبت إلى أبي جعفر الثاني (ع) هل يجوز أن أخرج عما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير، و ما يجب على الذهب دراهم قيمة ما يسوي، أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجاب (ع):

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

83
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

.....

أيما تيسر يخرج» «1»

، و‌

صحيح علي بن جعفر: «عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة، أ يحل ذلك؟

قال (ع): لا بأس به» «2»

، و‌

خبر يونس بن يعقوب المروي عن قرب الاسناد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة، فاشتري لهم منها ثياباً و طعاماً، و أرى أن ذلك خير لهم. فقال (ع):

لا بأس» «3».

بناء على أن الظاهر منه الشراء من الزكاة قبل دفعها إليهم لا بعد دفعها و أخذها منهم، لعدم ذكر الأخذ في الكلام. و ذكر الإعطاء لا يصلح قرينة عليه، لظهور كون المراد من قوله: «فاشتري ..»‌

تفسير الإعطاء و بيان كيفيته، و أن إعطاءه كان بعد الشراء، و لذا كان السؤال لاحتمال المنع من التصرف. أما بعد الإعطاء و التسليم إليهم فلا إشكال في الجواز كي يصح السؤال عنه. و بالجملة: ظهور الرواية في كون المقصود السؤال عن الشراء بالزكاة لا ينبغي أن ينكر.

و أما في الأنعام فعن الخلاف جوازه أيضاً، مستدلا عليه: بإجماع الفرقة و أخبارهم. و عن المحقق: «منع الإجماع، و عدم دلالة الاخبار على موضع النزاع ..». و عن المقنعة: «لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الانعام ..».

و يشهد للأول ما تقدم من خبر قرب الاسناد، الظاهر اعتباره سنداً إذ ليس فيه من يتأمل فيه سوى محمد بن الوليد، و الظاهر أنه البجلي الثقة، بملاحظة طبقته، و روايته عن يونس. و يمكن أيضاً الاستدلال بصحيح البرقي المتقدم. و لا ينافيه كون مورد السؤال الحرث و الذهب، لأن قوله:

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.

84
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): أقل أسنان الشاة التي تؤخذ في الغنم ؛ ج‌9، ص : 76

من النقدين أو غيرهما (1). و إن كان الإخراج من العين أفضل (2).

«إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه»

ظاهر في السؤال عن مطلق الأعيان الزكوية. و إرجاع الشي‌ء إلى ما ذكر في صدر السؤال خلاف مقتضى عمومه.

فتأمل. و بما دل على جواز احتساب الدين الذي له على الفقير مما عليه من الزكاة، الشامل إطلاقه لجميع صور المسألة.

كما نسب إلى الأصحاب، بل عن الخلاف و الغنية: الإجماع عليه.

و يشهد له خبر قرب الاسناد المتقدم. و عن المدارك: الاستشكال فيه.

بل عن الكافي: «التبديل إنما يجوز بالدراهم و الدنانير دون غيرهما ..».

لكنه ضعيف، لما عرفت. و لا سيما مع اعتضاده بما دل على احتساب الدين منها «1». و‌

خبر سعيد بن عمر عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت: أ يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسمه؟ قال (ع):

لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر اللّه تعالى»

متروك الظاهر في زكاة الدراهم، فضلا عن غيرها «2».

ثمَّ إن الكلام في دفع القيمة في الأنعام و في دفعها من غير النقدين إنما هو في جواز تقويم المالك للزكاة على نفسه و دفع قيمتها، سواء كان المدفوع إليه الفقير، أم الولي العام، أعني: الإمام، أو نائبه، لا في جواز المعاوضة عليها مع الولي و عدمه، فان ذلك مما لا إشكال فيه. و من ذلك يظهر الاشكال فيما في الجواهر: من الفرق بين الدفع إلى الامام أو نائبه، و الدفع إلى الفقير، بضعف المنع في الأول، و قوته في الثاني. فلاحظ.

كأنه للاحتياط و الخروج عن شبهة الخلاف. أو لرواية سعيد ابن عمر، بعد حملها على الاستحباب، و على كون موردها زكاة الدراهم.

______________________________
(1) الوسائل باب: 49 من أبواب مستحقي الزكاة.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

85
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): المدار في القيمة على وقت الأداء ؛ ج‌9، ص : 86

[ (مسألة 6): المدار في القيمة على وقت الأداء]

(مسألة 6): المدار في القيمة على وقت الأداء (1)، سواء كانت العين موجودة أو تالفة (2)، لا وقت الوجوب (3) ثمَّ المدار على قيمة بلد الإخراج إن كانت العين تالفة (4)، و إن كانت موجودة فالظاهر أن المدار على قيمة البلد التي هي فيه.

كما يقتضيه ظاهر النصوص المتقدمة، نعم لو ضمن الزكاة بالتقويم كان المدار على وقت الضمان- كما عن التذكرة- لأنه يكون حينئذ وقت الانتقال إلى القيمة. لكنه يتوقف على مشروعية الضمان بالتقويم، إذ النصوص المتقدمة لا تشهد بها، و الأصل عدمها.

إذا لم يكن التلف مستوجباً للضمان فلا شي‌ء عليه، و ان كان مستوجباً للضمان، و كانت الفريضة قيمية تكون المسألة من صغريات مسألة الضمان بالتلف، و أن القيمة المضمون بها قيمة يوم التلف، أو يوم الأداء أو أعلى القيمة أو قيمة يوم الضمان أو غير ذلك. و إن كانت الفريضة مثلية فالقيمة قيمة يوم الأداء، لظاهر النصوص المتقدمة.

لم أقف على حكايته عن أحد. و كأن وجهه: أن دليل الوجوب إذا كان مفاده جعل مالية الشاة في النصاب للفقير لا نفس الشاة، و لما كانت مالية الشاة مختلفة باختلاف الأزمنة، فمقتضى الإطلاق المقامي- أعني:

عدم التعرض في الدليل لتعيين واحد من تلك القيم- الحمل على قيمة زمان الوجوب. إذ تعيين غيرها هو المحتاج إلى القرينة.

لكن فيه- مع أنه مبني على كون التعلق بالعين كائناً على النحو المذكور-: يمكن أن يدعى ظهور دليل الوجوب في كون المالية معنونة بعنوان القيمة للشاة، فتزيد تلك المالية بزيادة قيمة الشاة، و تنقص بنقصها إلى أن يخرج عن العهدة.

الفرق المذكور غير واضح. و كأنه مبني على التعلق بالعين على‌

86
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): إذ كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس ؛ ج‌9، ص : 87

[ (مسألة 7): إذ كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس]

(مسألة 7): إذ كان جميع النصاب في الغنم من الذكور يجوز دفع الأنثى و بالعكس. كما أنه إذا كان الجميع من المعز يجوز أن يدفع من الضأن و بالعكس، و إن اختلفت في القيمة (1). و كذا مع الاختلاف يجوز الدفع (2) من أي الصنفين شاء. كما أن في البقر يجوز أن يدفع الجاموس عن البقر و بالعكس. و كذا في الإبل يجوز دفع البخاتي عن العراب و بالعكس، تساوت في القيمة أو اختلفت.

نحو الجزء المشاع، فاذا كانت موجودة فقيمتها المقدار المساوي لماليتها، حتى بلحاظ خصوصية المكان الذي هي فيه، فلا بد من ملاحظة مكان الوجود. أما إذا كانت تالفة فليس لها وجود إلا في الذمة، و ذلك الوجود الذمي قيمته تختلف باختلاف مكان التقويم، و هو مكان الإخراج و الأداء.

لكن لو سلم هذا الابتناء فالمبنى غير ظاهر، كما عرفت. و سيأتي تحقيقه.

و بالجملة: إذا كان يجوز له الإخراج في كل بلد من جنس الفريضة و إن لم تكن جزءاً من النصاب، جاز التقويم بلحاظ بلد الإخراج مطلقاً.

كما عن المبسوط و التذكرة. و سيأتي وجهه.

كما عن القواعد و الإرشاد و جماعة من متأخري المتأخرين. لإطلاق ما دل على وجوب الفريضة، سواء كانت في العين أم الذمة، لصدق الفريضة على ما ذكر. و عن الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم- بل نسب إلى المشهور-: وجوب فريضة قيمتها مقسطة، لأنه الذي تقتضيه قاعدة الشركة. و فيه: أن ذلك لا تقتضيه القاعدة المذكورة، و إنما الذي يقتضي ذلك أن يكون المملوك للمستحق هو الجزء المشاع في جميع أفراد النصاب، بمعنى جزء من أربعين جزءاً من أربعين شاة مثلا. لكنه غير ظاهر الدليل‌

87
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب، و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب ؛ ج‌9، ص : 88

[ (مسألة 8): لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب، و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب]

(مسألة 8): لا فرق بين الصحيح و المريض، و السليم و المعيب، و الشاب و الهرم في الدخول في النصاب (1)، و العد منه. لكن إذا كانت كلها صحاحاً لا يجوز دفع المريض (2).

و كذا لو كانت كلها سليمة لا يجوز دفع المعيب. و لو كانت في الغنم، فضلا عن غيره، و لذا لا يلتزم بالتقسيط مع الاختلاف في الجودة و الرداءة بلا إشكال، كما في الجواهر، بل لا ينبغي التأمل فيه، ضرورة غلبة الاختلاف جداً، فلو احتيج إلى تقويم كل واحد من أفراد النصاب لزم الهرج و المرج، المعلوم من سيرة المعصومين (ع)، و من مصحح بريد السابق «1» و غيره عدمهما، كما لا يخفى.

و أما ما في الجواهر: من قوله (ره): «نعم لو كان هناك خطابان أحدهما يقتضي وجوب تبيع الجاموس لو كان هو النصاب، و الآخر يقتضي تبيع البقر، اتجه مراعاة الأمرين في الاجتماع على حسب النسبة» ففيه:

أنه لو كان هناك خطابان على ما ذكر فالمورد خارج عن الدليلين معاً، فإثبات الزكاة فيه محتاج إلى دليل. و لو فرض العلم بثبوتها فالمرجع قاعدة الاحتياط، أو أصالة البراءة على اختلاف كيفية العلم بالواجب.

إجماعاً ظاهراً. لإطلاق الأدلة.

عدم جواز دفع المريضة و الهرمة و ذات العوار مجمع عليه بينهم كما في الحدائق. أو مذهب الأصحاب، كما عن المدارك. أو لا يعرف فيه خلاف، كما عن المنتهى. و يشهد له‌

صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) في زكاة الإبل، قال (ع): «و لا تؤخذ هرمة، و لا ذات عوار. إلا أن يشاء المصدق» «2».

بناء على شمول العوار للمرض- لأنه في اللغة‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في أواخر المسألة: 5 من هذا الفصل.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

88
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الثاني: السوم طول الحول ؛ ج‌9، ص : 89

كل منها شاباً لا يجوز دفع الهرم، بل مع الاختلاف أيضاً الأحوط إخراج الصحيح (1)، من غير ملاحظة التقسيط.

نعم لو كانت كلها مراضاً، أو معيبة، أو هرمة يجوز الإخراج منها (2).

[الشرط الثاني: السوم طول الحول]

الشرط الثاني: السوم (3) طول الحول، فلو كانت العيب- و على عدم القول بالفصل بين الإبل و غيرها من الأنعام.

كما عن المدارك، و قواه في الجواهر. لإطلاق ما دل على المنع من أخذ المريضة، و الهرمة، و ذات العوار. و المشهور: التقسيط. لكن عرفت في المسألة السابقة إشكاله.

إجماعاً، كما في الحدائق، و عن المنتهى و المدارك: نسبته إلى علمائنا. للأصل، و من أنه مقتضى كون الزكاة في العين على وجه الشركة و لانصراف دليل المنع عن أخذها عن هذه الصورة. لكن الانصراف ممنوع و لا مجال للأصل، سواء أريد به أصالة الإطلاق لدليل وجوب الفريضة، أم أصالة البراءة من اشتراط الصحة و عدم الهرم. إذ دليل المنع- لو تمَّ- كان مقيداً للأول، و حاكماً على الثاني. كما لا مجال للعمل على مقتضى الشركة، لأنه كالاجتهاد في مقابل النص. مع أن كونه مقتضى الشركة أول الكلام، إلا على بعض الوجوه الذي لم يكن البناء على العمل عليه.

فالبناء على المنع من أخذ واحدة منها في جميع صور المسألة في محله. إلا أن يكون إجماع على الجواز.

إجماعاً حكاه جماعة، بل حكى عليه إجماع المسلمين، إلا مالكاً.

و تشهد له جملة من النصوص،

كصحيح الفضلاء في زكاة الإبل: «و ليس على العوامل شي‌ء. إنما ذلك على السائمة الراعية» «1»

، و‌

في زكاة البقر:

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

89
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الثاني: السوم طول الحول ؛ ج‌9، ص : 89

معلوفة و لو في بعض الحول لم تجب فيها، و لو كان شهراً، بل أسبوعاً (1). نعم لا يقدح في صدق كونها سائمة في تمام

«و لا على العوامل شي‌ء، و إنما الصدقة على السائمة الراعية» «1»

، و‌

صحيح زرارة: «ليس على ما يعلف شي‌ء. إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها، عامها الذي يقتنيها فيه الرجل. فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء» «2».

عن أبي علي، و الخلاف، و المبسوط. عدم قدح العلف إذا كان السوم أغلب. و وجهه غير ظاهر. إلا القياس على السقي في الغلات و لكنه ليس من مذهبنا. مع أنه مع الفارق، لاختلاف دليل المانعية في المقامين. و عن المحقق و الشهيد الثانيين: أن المدار على صدق السائمة عرفاً بل نسب إلى أكثر المتأخرين، بل إلى المشهور. و هو في محله. إلا أن الاشكال في تعيين ذلك المفهوم العرفي بنحو يمنع عن صدقه العلف اليوم و اليومين و الأكثر أولا يمنع. و عن المنتهى و الدروس: عدم قدح اليوم في السنة. و عن الثاني: الأقرب عدم قدح الشهر في السنة. و عن فوائد الشرائع و غيرها: أنه لا يقدح اليوم في الشهر.

هذا و لأجل أنه يمتنع أن يكون المراد من السائمة طول الحول- الذي تضمنه صحيح زرارة- مستمرة السوم من أول الحول إلى آخره، لامتناع ذلك في الحيوان، فالمراد منها إما أن يكون هي السائمة في وقت الأكل، أو المعدة لأن تسأم لا لأن تعلف، أو ما لم تكن معلوفة مطلقاً، أو ما لم تكن معلوفة عن إعداد، أو ما لم تكن مستمرة العلف بنحو يعتد به في صدق أنها تعلف. و الأول يستلزم عدم وجوب الزكاة فيها إذا لم تسم وقتاً ما في السنة لمانع و إن لم تعلف. و الثاني يستلزم وجوب الزكاة على المعلوفة طول‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

90
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الثاني: السوم طول الحول ؛ ج‌9، ص : 89

الحول عرفاً علفها يوماً أو يومين. و لا فرق في منع العلف (1) عن وجوب الزكاة بين أن يكون بالاختيار، أو بالاضطرار- لمنع مانع من السوم، من ثلج، أو مطر، أو ظالم غاصب أو نحو ذلك- و لا بين أن يكون العلف من مال المالك أو غيره، بإذنه أو لا بإذنه (2)، فإنها تخرج بذلك كله عن السوم و كذا لا فرق بين أن يكون ذلك بإطعامها للعلف المجزوز، الحول إذا أعدت للسوم. و كذا يستلزم عدم وجوب الزكاة فيها إذا سامت طول الحول مع عدم إعداد المالك إياها لذلك، بأن كان متردداً في سومها و علفها، أو غافلا عنه، أو نحو ذلك. و الثالث يستلزم- مع وجود المانع عن السوم، من مطر و نحوه- أن لا تجب فيها الزكاة إذا كان قد علفها و لو مرة، و يجب فيها إذا كان قد تركها بلا سوم و لا علف. و الرابع يستلزم الوجوب إذا كانت تعلف طول الحول بلا إعداد المالك.

فاذاً لا يبعد أن يكون المراد الأخير، بملاحظة ما في صحيح زرارة.

فإن الظاهر من قوله (ع):

«يعلف ..»

ذلك، نظير قولهم: «زيد يصوم النهار و يقوم الليل». و لذا ترى أن المفهوم من قوله (ع):

«يعلف ..»

. غير المفهوم من قوله: «علف». و لو كان المراد صرف الطبيعة كان المناسب التعبير بالثاني. و يعضد ذلك: غلبة وقوع العلف للسائمة وقت ما في السنة لمانع من السوم، من مطر، أو عدو، أو لعدم تمكن الراعي، أو نحو ذلك من العوارض الغالبية. فإذاً لا يقدح العلف أياماً متفرقة في السنة. فتأمل جيداً.

لإطلاق الدليل.

للإطلاق. و ما عن التذكرة و الموجز و غيرهما: من أنه لو علفها‌

91
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الثاني: السوم طول الحول ؛ ج‌9، ص : 89

أو بإرسالها لترعى بنفسها في الزرع المملوك (1). نعم لا يخرج عن صدق السوم باستئجار المرعى، أو بشرائه إذا لم يكن مزروعاً (2). كما أنها لا يخرج عنه بمصانعة (3) الظالم على الرعي في الأرض المباحة.

الغير بغير إذن المالك تلحق بالسائمة- و عن البيان احتماله، و عن المسالك:

أنه لا يخلو من وجه، إذ لا مئونة على المالك- غير ظاهر، لعدم حجية العلة المستنبطة، ليصح تقييد الإطلاق بها، كما هو ظاهر.

حكى في الجواز عن بعض مشايخه: وجوب الزكاة في الفرض لعدم الفرق في صدق السوم بين الرعي في المملوك و غيره. و جعله في الجواهر في محله. لكنه غير ظاهر، فان صدق السوم في الفرض لا يلازم صدق السائمة، لجواز انصراف اللفظ المذكور إلى السائمة في غير المملوك على ما هو المتعارف في إطلاقها.

نعم إذا كان النبت مملوكاً تبعاً للأرض- كالذي ينبت في البساتين و الأرض المملوكة في أيام الربيع، أو عند نضوب الماء- فلا يمنع الرعي فيه عن صدق السوم، سواء أ كانت الأنعام لصاحب الأرض فسامها فيه أم لغيره فبذله المالك له، أو عاوض عليه مالك الأنعام فاشتراه من مالكه و سامها فيه. و الفرق بين الزرع و النبت- في صدق السوم في الثاني، و عدمه في الأول- ظاهر عند العرف.

يمكن أن يقال بصدق السائمة و لو كان مزروعاً، إذا لم يكن الزرع مقصوداً في المعاملة، بل كان ملحوظاً تبعاً، و لو كان هو الداعي على إيقاعها. و لكن الأظهر العدم، و لذا لا يصدق السوم لو بذله مالكه للانعام مجاناً.

للإطلاق. نعم لو تمَّ ما ذكره في المسالك: من اعتبار عدم‌

92
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل ؛ ج‌9، ص : 93

[الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل]

الشرط الثالث: أن لا تكون عوامل (1) و لو في بعض الحول (2)، بحيث لا يصدق عليها: أنها ساكنة فارغة عن العمل طول الحول. و لا يضر إعمالها يوماً أو يومين في السنة كما مر في السوم (3).

[الشرط الرابع: مضي الحول عليها]

الشرط الرابع: مضي الحول عليها (4)، المؤنة، كان السقوط في محله.

بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في الجواهر. و عن جماعة كثيرة: دعوى الإجماع صريحاً و ظاهراً عليه. و تدل عليه النصوص المتقدمة في السوم و غيرها. نعم‌

في موثق إسحاق بن عمار: «سألته عن الإبل تكون للجمال، أو تكون في بعض الأمصار، أ تجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية؟ فقال (ع): نعم» «1»

و‌

موثقه الآخر: «سألت أبا إبراهيم عن الإبل العوامل، عليها زكاة؟

فقال (ع): نعم، عليها زكاة» «2».

لكنهما لا يصلحان لمعارضة ما سبق، بعد كون الجمع العرفي بينهما هو الحمل على الندب.

لإطلاق الأدلة.

لعدم صدق العوامل بذلك، لظهور العنوان في الدوام و الثبوت نظير ما سبق في المعلوفة. نعم لو كان ذلك عن إعدادها للعمل لم يبعد الصدق.

إجماعاً بقسميه عليه، بل عند أهل العلم كافة، إلا ما حكي عن ابني عباس و مسعود في محكي المنتهى، بل لا خلاف بين العلماء فيه، كذا في الجواهر. و تشهد له جملة من النصوص،

كصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّه (ع)، قالا: «ليس على العوامل من الإبل

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 8.

93
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الرابع: مضي الحول عليها ؛ ج‌9، ص : 93

جامعة للشرائط (1). و يكفي الدخول في الشهر الثاني عشر (2)

و البقر شي‌ء

.. (إلى أن قال):

و كل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه، فاذا حال عليه الحول وجب عليه» «1»

، و‌

مرسل محمد بن سماعة عن رجل عن زرارة عن أبي جعفر (ع): «لا يزكى من الإبل، و البقر، و الغنم إلا ما حال عليه الحول، و ما لم يحل عليه الحول فكأنه لم يكن» «2».

و نحوهما غيرهما.

بلا خلاف و لا إشكال. أما اعتبار النصاب في تمام الحول فيقتضيه ظاهر أدلة اعتبار الحول. و أما السوم فقد عرفت صراحة صحيح زرارة في اعتباره طول الحول «3». و أما اعتباره أن لا تكون عوامل طول الحول فقيل: إن العمدة في اعتباره كذلك الإجماع.

لكن يمكن دعوى ظهور ما دل على أنه لا زكاة في العوامل في أنها ليست موضوعاً لوجوب الزكاة، لا مجرد عدم تعلق وجوب الزكاة في نصاب فيه عوامل، لتكون شرطاً في زمان تعلق الوجوب لا غير، كما تقدم نظيره فيما دل على أنه لا زكاة في مال الصبي. فلاحظ.

بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه- كما في الجواهر- و بلا خلاف و لا إشكال- كما في الحدائق- و مذهب علمائنا- كما عن المعتبر- و عليه إجماع علمائنا، أو أصحابنا، كما عن التذكرة و المنتهى و الإيضاح و المسالك و غيرها. و يشهد له‌

مصحح زرارة و محمد بن مسلم، قال أبو عبد اللّه (ع): «أيما رجل كان له مال فحال عليه الحول فإنه يزكيه. قلت له: فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم؟ قال (ع): ليس عليه شي‌ء إذاً أبداً ..

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

(3) تقدم ذلك في الشرط الثاني من فصل زكاة الأنعام.

94
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الرابع: مضي الحول عليها ؛ ج‌9، ص : 93

.....

(إلى أن قال زرارة)

: قلت له: رجل كانت له مائتا درهم، فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله، فراراً بها عن الزكاة، فعل ذلك بها قبل حلها بشهر، فقال (ع): إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليه الحول، و وجبت عليه فيها الزكاة» «1».

و التوقف في حجيته- من جهة أن في السند إبراهيم بن هاشم، و فيه كلام، كما في المسالك- ضعيف، بعد انعقاد الإجماع على العمل به و الاعتماد عليه. مع أن المحقق عند المتأخرين تصحيح خبره. و بالجملة: لا ينبغي أقل تأمل في حجية المصحح المذكور.

نعم قد يشكل الأمر في كيفية الجمع بينه و بين نصوص الحول، الظاهرة في اعتبار مضي اثنى عشر شهراً تامة، و أنه بالتصرف في الحول، بحمله على الأحد عشر- لكونه حقيقة شرعية في ذلك، أو مجازاً مرسلا بعلاقة الاشراف، أو استعارة للمشابهة- أو بالتصرف في نسبة الحولان إلى الحول بمضي أحد عشر شهراً منه، وجوه، أقربها الأخير. بل الأول مقطوع بعدمه، كما يظهر من ملاحظة موارد استعماله في لسان الشارع الأقدس و المتشرعة. و الوجوه الباقية و إن كان كل منها لا يخلو من عناية التجوز، لكن الأولين منها غير مألوفين، بخلاف الثالث. إذ كثيراً ما يقال:

«مضى على زيد أسبوع في البلد» إذا دخل اليوم السابع، «و مضى عليه شهر» إذا دخل اليوم الآخر، كما ذكره شيخنا الأعظم (ره) في رسالته و غيره. و الرجوع الى الاستعمالات العرفية شاهد على صحته. و منه قولهم:

«مات فلان لخمس مضين» و نحوه.

هذا كله لو بني على العمل بظاهر المصحح على كل حال، اعتماداً على الإجماع، و إلا فالجمع العرفي بينه و بين أدلة اعتبار الشروط في الحول يقتضي حمله على الاستحباب، لأنه أقرب عرفاً مما ذكر. إلا أنه لا مجال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

95
مستمسک العروة الوثقى9

الشرط الرابع: مضي الحول عليها ؛ ج‌9، ص : 93

فلا يعتبر تمامه، فبالدخول فيه يتحقق الوجوب. بل الأقوى استقراره أيضاً (1)، فلا يقدح فقد بعض الشروط قبل تمامه.

له بعد تسالم الأصحاب عليه.

كما عن الإيضاح و الموجز و المدارك و غيرها. بل هو المنسوب إلى ظاهر الفتاوى، و اختاره في الجواهر. أخذاً بظاهر المصحح، المعتضد بظاهر الفتاوى، و ظاهر معاقد الإجماعات، بل لعله صريح بعضها. و حملا لغيره- مما دل على اعتبار الشروط في الحول- على أنها معتبرة إلى أن يحول عليها الحول، الحاصل ذلك الحولان بدخول الشهر الثاني عشر، كما يقتضيه المصحح. خلافاً لما عن الشهيدين و الكركي و الميسي و غيرهم، من حمله على الوجوب المتزلزل، و الأخذ بظاهر أدلة الشروط.

و فيه: أن صريح المصحح استقرار الوجوب بدخول الشهر الثاني عشر بالإضافة إلى مورده، أعني: شرطية الملك. و مقتضى إطلاقه استقرار الوجوب بالإضافة إلى بقية الشروط. بل ظاهره الحكومة على أدلة اعتبارها في تمام الحول، فيتعين العمل به. و الحمل على الوجوب المتزلزل بالإضافة إلى جميع الشروط طرح لصريحة بالإضافة إلى مورده، و طرح لظاهره بالإضافة إلى غيره، فلا يجوز ارتكابه بمجرد ظهور نصوص الشرطية في اعتبار استمرارها في تمام الحول، لأن التصرف فيها بحملها على المصحح أولى من التصرف في إطلاقه، مع كونه بلسان الحكومة، فضلا عن طرحه في مورده، كما لا يخفى.

و في المسالك لما توقف في حجية المصحح المتقدم اختار عدم استقرار الوجوب بذلك، أخذاً بظاهر الأدلة، و اقتصاراً في الخروج عنها على ثبوت أصل الوجوب بدخول الثاني عشر، عملا بالمتيقن بالإجماع.

96
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول ؛ ج‌9، ص : 97

لكن الشهر الثاني عشر محسوب من الحول الأول (1). فابتداء الحول الثاني إنما هو بعد تمامه.

[ (مسألة 9): لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول]

(مسألة 9): لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول قبل الدخول في الثاني عشر بطل الحول (2)، كما لو نقصت عن النصاب، أو لم يتمكن من التصرف فيها، أو عاوضها بغيرها و إن كان زكوياً من جنسها. فلو كان عنده نصاب من قد ذكر غير واحد: أن كون الشهر الثاني عشر محسوباً من السنة الأولى أو من السنة الثانية، مبني على التصرف بالحولان أو الحول. إذ على الثاني يكون كل أحد عشر شهراً حولا، فلا بد من احتساب الشهر الثاني عشر من السنة الثانية. و على الأول يكون الحول باقياً على معناه، أعني:

اثنى عشر شهراً. غاية الأمر: يكون حولان الاثنى عشر بدخول الثاني عشر. و حينئذ فما دل على كون الزكاة في كل سنة مرة- المصرح به، أو المشار إليه في النصوص- لا معارض له. و قد تقدم: أن الأظهر الثاني.

كما هو مقتضى الشرطية، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه. و‌

في مصحح زرارة و محمد بن مسلم المتقدم: «قلت: فان وهبه قبل حله بشهر أو بيوم. قال: ليس عليه شي‌ء أبداً. قال زرارة: قلت له: فإن أحدث فيها قبل الحول. قال (ع): جائز ذلك له. قلت: إنه فر بها من الزكاة. قال (ع): ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها ..» «1»

و‌

رواية زرارة: «قلت لأبي جعفر (ع): رجل كانت عنده دراهم أشهراً فحولها دنانير، فحال عليها- منذ يوم ملكها دراهم- حولا، أ يزكيها قال (ع): لا» «2»

، و‌

صحيح عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع)

______________________________
(1) لاحظ الشرط الثالث من فصل زكاة الأنعام.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

97
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول ؛ ج‌9، ص : 97

الغنم مثلا، و مضى ستة أشهر، فعاوضها بمثلها، و مضى عليه ستة أشهر أخرى لم تجب عليه الزكاة (1). بل الظاهر بطلان

رجل فر بماله من الزكاة، فاشترى بها أرضا أو داراً، أ عليه فيها شي‌ء؟

فقال (ع): لا. و لو جعله حلياً أو نقراً فلا شي‌ء عليه فيه، و ما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق اللّه الذي يكون فيه» «1».

و نحوها غيرها.

على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. لما تقدم من النصوص و غيرها. نعم حكي عن المبسوط: وجوب الزكاة إذا عاوض النصاب الجامع للشرائط بمثله، كما لو عاوض أربعين شاة سائمة ستة أشهر بأربعين كذلك. و عن فخر المحققين موافقته، قال في محكي شرحه على الإرشاد: «إذا عاوض النصاب- بعد انعقاد الحول عليه، مستجمعاً للشرائط- بغير جنسه، و هو زكوي أيضاً- كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة، مع وجود الشرائط في الاثنين- انقطع الحول، و ابتدأ الحول الثاني من حين تملكه. و إن عاوضه بجنسه- و قد مضى عليه الحول أيضا مستجمعاً للشرائط- لم ينقطع الحول، بل بنى على الحول الأول.

و هو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي (قده) للرواية. و إنما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول، لأنه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة إجماعاً. و كذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر، لم تجب الزكاة إجماعاً. و كذا لو عاوض نصاباً من الذهب بنصاب منه، و كان المأخوذ منه طفلا أو مجنوناً لم تنعقد الزكاة إجماعاً، لأنه لم ينعقد عليه حول إجماعاً. و كذا لو عاوض ببعض النصاب ..».

و الرواية التي جعلها دليلا للشيخ لم يدع الشيخ وجودها، و لا استند إليها، و إنما استدل- على ما حكي-: «بأن من عاوض أربعين سائمة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

98
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): لو اختل بعض الشروط في أثناء الحول ؛ ج‌9، ص : 97

الحول بالمعاوضة، و إن كانت بقصد الفرار من الزكاة (1).

ستة أشهر بأربعين سائمة كذلك يصدق عليه: أنه ملك أربعين سائمة طول الحول ..». و ضعفه- كالرواية المرسلة في شرح الإرشاد- ظاهر.

فالعمل على المشهور متعين.

كما هو المشهور. لما تقدم من النصوص و غيرها المصرح بسقوط الزكاة على من فر عنها بالتبديل. و عن السيد المرتضى (ره): وجوبها إذا قصد بما فعله الفرار منها، مدعياً عليه إجماع الإمامية، مستدلا ببعض الأخبار الدالة على الوجوب حينئذ، مدعياً: أنها أقوى من الأولى، و أولى و أوضح طريقاً. فيلزم حملها على التقية، لأن عدم الوجوب مذهب جميع المخالفين، و أنه لا تأويل للأخبار الدالة على الوجوب، و أن قول ابن الجنيد بعدم الوجوب مسبوق بالإجماع و ملحوق به. انتهى محصل كلامه. و عن جماعة كثيرة موافقته. بل عن بعض: استظهار أنه المشهور بين المتقدمين.

و كأنه يشير في الاستدلال على مذهبه إلى‌

موثق معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: الرجل يجعل لأهله الحلي.

(إلى أن قال):

قلت: له فإنه فر بها من الزكاة، فقال (ع): إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة» «1»

، و‌

موثق محمد بن مسلم عنه (ع): «عن الحلي فيه زكاة؟ قال (ع): لا.

إلا ما فر به من الزكاة» «2»

، و‌

موثق زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (ع)

(إلى أن قال):

إن أباك (ع) قال: من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها. فقال (ع): صدق أبي، إن عليه أن يؤدي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه منه» «3».

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.

99
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي‌ء ؛ ج‌9، ص : 100

[ (مسألة 10): إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي‌ء]

(مسألة 10): إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي‌ء، فان كان لا بتفريط من المالك لم يضمن (1)، هذا و في دلالة الأخير تأمل ظاهر. و دلالة الأولين و إن كانت تامة لكن الجمع العرفي بينها و بين نصوص النفي يقتضي الحمل على الاستحباب.

و أما ما ذكره السيد (ره) من حمل نصوص النفي على التقية فغير ظاهر، إذ الحمل على التقية و نحوه من المرجحات إنما يصار إليها بعد تعذر الجمع العرفي، و قد عرفت إمكانه. و عن الشيخ (ره): حمل الموثقين على صورة الفرار بعد الحول. لكنه غير ظاهر. و لا سيما في موثق معاوية، لامتناع ما ذكر من التفصيل فيه بعد مضي الحول، كما هو واضح.

الظاهر أنه لا إشكال و لا خلاف في الضمان بالتفريط و لو بالتأخير و عدمه مع عدمه. و استدل له بالنصوص،

كصحيح محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع): إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده. و كذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، فان لم يجد فليس عليه ضمان» «1»

، و‌

صحيح زرارة عنه (ع): «عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت. فقال (ع): ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان. قلت: فان لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت، أ يضمنها؟ قال (ع): لا. و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» «2».

و بهما يقيد إطلاق ما دل على عدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

100
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): إذا حال الحول مع اجتماع الشرائط فتلف من النصاب شي‌ء ؛ ج‌9، ص : 100

.....

الضمان، بالإرسال أو غيره، مثل‌

الصحيح عن حريز عن عبيد بن زرارة عنه (ع): إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد برئ منها» «1»

، و‌

موثق بكير بن أعين عن أبي جعفر (ع): «عن الرجل يبعث بزكاته فتسرق أو تضيع. قال (ع): ليس عليه شي‌ء» «2».

و نحوهما غيرهما.

لكن النصوص المذكورة- مع أنها غير ظاهرة في التفصيل بين التفريط و عدمه- موردها صورة تلف نفس الزكاة، بأن يتعين التالف كونه زكاة قبل التلف، و لو كان من غير النصاب أو من غير جنس الفريضة، فلا تشمل صورة تلف النصاب أو بعضه. و حينئذ إلحاق صورة تلف أحدهما بمورد النصوص لا يخلو عن إشكال. نعم‌

في مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه (ع): «في رجل يكون له إبل، أو بقر، أو غنم، أو متاع، فيحول عليه الحول، فتموت الإبل و البقر و الغنم، و يحترق المتاع. قال (ع):

ليس عليه شي‌ء» «3».

و إطلاقه يقتضي نفي الضمان و لو مع التفريط، فيقيد بالإجماع.

أما القواعد الأولية فإنما تقتضي نفي الضمان مع عدم التفريط، لو بني على تعلقها بالعين بنحو الجزء المشاع. أما لو بني على كونه من قبيل تعلق الكلي في المعين، أو الفرد المردد، أو تعلق أرش الجناية فالقاعدة تقتضي الضمان، إلا أن يتلف الجميع. و لو بني على كونه من قبيل تعلق حق الرهان كان مقتضاها الضمان و لو تلف الجميع، لاشتغال الذمة به حينئذ كالدين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2.

101
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): إذا ارتد الرجل المسلم ؛ ج‌9، ص : 102

و إن كان بتفريط منه- و لو بالتأخير (1)، مع التمكن من الأداء- ضمن بالنسبة. نعم لو كان أزيد من النصاب، و تلف منه شي‌ء، مع بقاء النصاب على حاله لم ينقص من الزكاة شي‌ء، و كان التلف عليه بتمامه مطلقاً، على إشكال (2).

[ (مسألة 11): إذا ارتد الرجل المسلم]

(مسألة 11): إذا ارتد الرجل المسلم، فاما أن يكون عن ملة، أو عن فطرة. و على التقديرين، إما أن يكون في أثناء الحول أو بعده، فان كان بعده وجبت الزكاة (3)، سواء كان عن فطرة أو ملة. و لكن المتولي لإخراجها الإمام (ع)، أو نائبه (4). و إن كان في أثنائه، و كان عن فطرة و بالجملة: إذا تلف من النصاب شي‌ء من غير تفريط، فورود النقص على مقدار الزكاة و عدمه يختلف باختلاف المباني المتقدمة، و لا يطرد في الجميع على نسق واحد. فالبناء على ورود النقص على الزكاة مطلقاً لا بد أن يكون من جهة الإجماع الذي حكاه غير واحد. و إن كان ذكرهم للنصوص السابقة دليلا للحكم ربما يوهن الإجماع المذكور، و يمنع من الاعتماد عليه. فلاحظ.

قد عرفت الاشكال فيه، لعدم وضوح مأخذه، لما سبق: من اختصاص نصوص الضمان بالتأخير بصورة تلف ما تعين كونه زكاة. فتأمل.

ينشأ: من احتمال كون ثبوت النصاب في المجموع الزائد عليه من قبيل ثبوت الجزء المشاع. إذ عليه لا وجه لجعل التلف في الفرض من خصوص الزائد على النصاب لا غير، لأنه ترجيح بلا مرجح. لكن الاحتمال المذكور ضعيف، لظهور الأدلة في كون ثبوته من قبيل ثبوت الكلي في المعين. فلاحظ.

لأن الارتداد لا يقتضي سقوطها بوجه.

لما عرفت: من أنها عباده: تصح من الكافر. لكن في اقتضاء‌

102
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): إذا ارتد الرجل المسلم ؛ ج‌9، ص : 102

انقطع الحول، و لم تجب الزكاة، و استأنف الورثة الحول (1) لأن تركته تنتقل إلى ورثته. و إن كان عن ملة لم ينقطع (2) و وجبت بعد حول الحول. لكن المتولي الإمام (ع) أو نائبه إن لم يتب، و إن تاب قبل الإخراج أخرجها بنفسه. و أما لو أخرجها بنفسه قبل التوبة لم تجز عنه (3). إلا إذا كانت العين باقية في يد الفقير فجدد النية، أو كان الفقير القابض عالماً بالحال (4)، ذلك تولي الإمام أو نائبه تأمل، أو منع. إذ الإجماع على كونها عبادة لا يقتضي ذلك. و تولي الامام لا ينفع في تقرب الكافر، بعد البناء على تعذره. و لا سيما مع قهر الامام له على الدفع.

و بالجملة: الدفع و التعيين و إن كانا عبادة، كما تقدم في أوائل الكتاب لكن بعد تعذر الإتيان بهما على وجه العبادة من الكافر، فاما أن يكون تعذرهما موجباً لسقوط وجوبهما فلا كلام، و لا مجال لتولي الإمام أو نائبه.

و إن كان لا يوجب سقوط وجوبهما، كفى في سقوطه إيقاعهما و لو على غير وجه العبادة. و لا حاجة الى تولي الإمام، لأن الولاية إنما تكون في ظرف تعذر صدور الفعل من المولى عليه، و المفروض قدرته على الدفع أو التعيين غير العباديين، و إقدامه على ذلك. فاللازم البناء على صحة دفعها من الكافر بعنوان كونه أداء لمال المسلم، و إن لم يصح كونه عبادة و مقرباً له.

لو كان حصة كل منهم تبلغ النصاب.

لبقاء ماله على ملكه. كسائر الكفار.

قد عرفت إشكاله.

إذ لو كان جاهلا بكونه كافراً لا يصح منه الدفع، كان مغروراً‌

103
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لو كان مالكا للنصاب لا أزيد ؛ ج‌9، ص : 104

فإنه يجوز له الاحتساب (1) عليه، لأنه مشغول الذمة بها، إذا قبضها مع العلم بالحال و أتلفها، أو تلفت في يده. و أما المرأة فلا ينقطع الحول بردتها مطلقا (2).

[ (مسألة 12): لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد]

(مسألة 12): لو كان مالكاً للنصاب لا أزيد كأربعين شاة مثلا- فحال عليه أحوال، فإن أخرج زكاته كل سنة من غيره تكررت (3)، لعدم نقصانه حينئذ عن النصاب.

و لو أخرجها منه، أو لم يخرج أصلا لم تجب إلا زكاة سنة واحدة، لنقصانه حينئذ عنه (4). و لو كان عنده أزيد من النصاب- كأن كان عنده خمسون شاة- و حال عليه الأحوال لم يؤد زكاتها، وجب عليه الزكاة بمقدار ما مضى من السنين إلى أن ينقص عن النصاب. فلو مضى عشر سنين- في المثال المفروض- وجب عشرة. و لو مضى أحد عشر سنة وجب من قبله، فلو كان ضامناً لما له لكان قرار الضمان عليه، فلا أثر للضمان.

بلا حاجة إلى الحاكم، لانتفاء الولاية حينئذ، لو قيل بثبوتها، لأن المفروض كونه بعد التوبة. فما في بعض الحواشي: من كون الاحتساب بإذن الحاكم، مبني على حمل العبارة على جواز احتساب الفقير، و أنه قبل توبة المالك. لكنه خلاف ظاهر العبارة.

لأن ردتها لا توجب خروج مالها عن ملكها، بل يبقى على ملكها.

لكن مبدأ الحول الثاني من حين الدفع. لأنه زمان ملك النصاب تاماً. أما قبله فإنه يملكه ناقصاً، كما لو لم يدفع الزكاة إلى سنة أو سنين.

و هو ظاهر.

هذا بناء على التعلق بالعين، و لو بنحو تعلق الحق.

104
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد ؛ ج‌9، ص : 105

أحد عشر شاة، و بعده لا يجب عليه شي‌ء، لنقصانه عن الأربعين. و لو كان عنده ست و عشرون من الإبل، و مضى عليه سنتان، وجب عليه بنت مخاض للسنة الأولى، و خمس شياه (1) للثانية. و إن مضى ثلاث سنوات وجب للثالثة أيضاً أربع شياه (2). و هكذا .. إلى أن ينقص من خمسة فلا تجب.

[ (مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد]

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد، إما بالنتاج، و إما بالشراء، أو الإرث، أو نحوها. فان كان بعد تمام الحول (3) السابق، قبل الدخول في اللاحق فلا إشكال في ابتداء الحول للمجموع، إن كمل بها النصاب اللاحق (4). و أما إن كان في أثناء الحول، فاما أن يكون ما حصل بالملك الجديد بمقدار العفو، و لم يكن نصاباً مستقلا، و لا مكملا لنصاب آخر، و إما أن يكون نصاباً مستقلا، و إما أن يكون مكملا للنصاب.

أما في القسم الأول فلا شي‌ء عليه، كما لو كان له هذا لأنه بتعلق بنت المخاض ينقص عن الست و العشرين. لكن وجوب الخمس شياه موقوف على كون قيمة بنت المخاض لا تزيد على الواحدة.

هذا إذا كانت بنت المخاض و أربع شياه أكثر من قيمة الواحدة منها. و إلا وجب عليه خمس شياه في الثانية، لأنه ملك في السنة الثالثة خمساً و عشرين تامة.

التعبير بالبعدية و القبلية غير مناسب، لاتصال الحولين، فكان الأنسب: التعبير بمقارنة الملك لابتداء الحول الثاني.

كما لو ملك أربعين شاة، و عند انتهاء حولها ملك اثنتين و ثمانين‌

105
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد ؛ ج‌9، ص : 105

المقدار ابتداء. و ذلك: كما لو كان عنده من الإبل خمسة، فحصل له في أثناء الحول أربعة أخرى. أو كان عنده أربعون شاة، ثمَّ حصل له أربعون (1) في أثناء الحول.

و أما في القسم الثاني فلا يضم الجديد إلى السابق (2)، بل يعتبر لكل منهما حول بانفراده، كما لو كان عنده خمس من الإبل، ثمَّ بعد ستة أشهر ملك خمسة أخرى، فبعد تمام السنة الأولى يخرج شاة، و بعد تمام السنة- للخمسة الجديدة شاة، أو ملك خمساً من الإبل، و عند انتهاء حولها ملك خمسة أخرى، فيخرج شاة واحدة في الحول الأول، و شاتين في الحول الثاني.

فإن الأربعين الثانية لما لم تكن موضوعاً للزكاة في حال الانضمام لم يترتب على ملكها في هذا الحال أثر. نعم عن المعتبر: احتمال وجوب الشاة لها عند تمام حولها، و عن الدروس: أن له وجهاً،

لقوله (ع): «في كل أربعين شاة شاة».

و لأنه نصاب كامل وجبت فيه الزكاة مع الانفراد، فكذا مع الانضمام.

و استشكل عليه في الجواهر و غيرها: بأن المراد من الخبر النصاب المبتدأ، و العموم فيه بلحاظ المالك أو الأحوال، لا الأفراد. و لذا لا يجب على من ملك ثمانين شاتان إجماعاً. و دعوى: أن خروج ذلك بالإجماع لا يقتضي خروج المقام. فيها: أن الإجماع كاشف عن المراد من الخبر. و لا سيما بعد قوله (ع) في بعض الصحاح: «ليس في الغنم بعد الأربعين شي‌ء حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين» «1». و من ذلك يظهر ما في قوله (ره):

«و لأنه نصاب كامل».

بلا خلاف أجده. بل الإجماع في محكي الخلاف و المنتهى و الانتصار‌

______________________________
(1) هذا نقل بالمعنى لما تقدم من النصوص في النصاب الأول من نصب الغنم.

106
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد ؛ ج‌9، ص : 105

أيضاً- يخرج شاة. و هكذا ..

و أما في القسم الثالث فيستأنف حولا واحداً (1)، بعد و غيرها عليه، كذا في الجواهر. و يقتضيه الأخذ بإطلاق دليل الزكاة بالنسبة إلى كل منهما، من دون مانع عنه.

كما استوجهه في الجواهر، و حكاه عن الفخر و الشهيدين و أبي العباس و المقداد و الكركي و الصيمري و سيد المدارك و الخراساني و الفاضل البهبهاني و أستاذه في كشفه و المولى في الرياض و المحدث البحراني. و علله:

بوجوب إخراج زكاة الأول عند تمام حوله، لوجود المقتضي- و هو اندراجه في الأدلة- و انتفاء المانع. و متى وجب إخراج زكاته منفرداً امتنع اعتباره منضماً إلى غيره في ذلك الحول، لقوله (ع): «لا ثنيا في صدقة» «1»، و‌

قوله (ع): «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد» «2»

و لظهور أدلة النصاب المتأخر في غير المفروض.

و قد يشكل ما ذكره: بأن تطبيق الدليل بالإضافة إلى الملك الأول، عند انتهاء حوله، ينافيه تطبيقه بالإضافة إلى المجموع عند انتهاء حول الضميمة، بتوسط ما ذكره من قوله (ع): «لا ثنيا في صدقة» و نحوه.

و مع هذا التنافي لا وجه لترجيح الأول على الثاني، لعدم المرجح. و مجرد التقدم في الزمان ليس من المرجحات، لأن نسبة الدليل إلى كل من الفردين نسبة واحدة، و لا تقصر إحداهما عن الأخرى، و لا يرفع تطبيقه بالإضافة إلى أحدهما تطبيقه بالإضافة إلى الآخر، إذ لا ورود و لا حكومة بين التطبيقين و كما يلزم من الأخذ بالتطبيق الثاني إلغاء التطبيق الأول، كذلك يلزم من‌

______________________________
(1) لم نعثر على هذا النص في مظانه. نعم في مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2: «و نهى أن يثنى عليهم في عام مرتين».

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

107
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد ؛ ج‌9، ص : 105

.....

الأخذ بالتطبيق الأول إلغاء التطبيق الثاني.

هذا لو لم يحرز المقتضي في كل منهما، و كان المقام من باب التعارض أما لو أحرز فكان المقام من باب التزاحم فالمحقق في محله أيضاً التخيير في العمل بين المقتضيين، مع تساويهما في الاهتمام، و مع الاختلاف يعمل على مقتضى الأهم. و السبق الزماني لا أثر له في الترجيح، و إن كان مختار جماعة من المحققين ذلك. لكنه غير واضح. و من ذلك يظهر الاشكال فيما في المنتهى: من سقوط اعتبار النصاب الأول عند ملك الزائد، بل يكون المجموع نصاباً واحداً، و ابتداء حوله من حين ملك الزائد.

اللهم إلا أن يقال: النصاب الأول عند انتهاء حوله ليس موضوعاً للزكاة، لأن الأربعين إنما تكون موضوعاً في ظرف الانفراد، لا مع ملك الضميمة التي تكون بها نصاباً ثانياً. و إذ لم تكن موضوعاً، لا تجب فيه الزكاة، و تجب عند انتهاء حول الضميمة، لأن المجموع موضوع لها حال عليه الحول.

فان قلت: الأربعون من الغنم إنما لا تكون موضوعاً للزكاة إذا كانت الضميمة المكملة للنصاب الثاني قد حال عليها الحول، لا إذا لم يحل عليها الحول. قلت: حولان الحول مأخوذ شرطاً زائداً على ذات الموضوع، و هو إما الأربعون إذا انفردت، أو المائة و احدى و عشرون إن لم تنفرد، و المفروض في المقام الانضمام، لا الانفراد.

لكن لو تمَّ ذلك لزم عدم وجوب الزكاة فيه لو تلف بعضه، أو خرج عن ملكه قبل تمام الحول، و أنه لو ملك ما يكمل النصاب اللاحق الثالث في أثناء حوله أن لا تجب فيه الزكاة. و هكذا .. و الالتزام بذلك بعيد، بل ممتنع.

و التحقيق: أن المعارضة بين الدليلين، أو المزاحمة بين المقتضيين‌

108
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد ؛ ج‌9، ص : 105

.....

تتوقف على تباين الحول بالإضافة إلى النصابين، و المفروض عدمه. مثلا:

إذا ملك أربعين شاة في أول محرم، ثمَّ إحدى و ثمانين في أول رجب، ففي محرم الثاني يصدق حولان الحول بالإضافة إلى الأربعين، و في أول رجب يصدق حولان الحول على النصاب الثاني. لكن الحولين يشتركان في ستة أشهر، و مع هذا الاشتراك يكون المدار عرفاً في التطبيق أو التأثير هو السابق لا غير، فان كل نصاب يحول عليه الحول يمكن تطبيق ذلك عليه في كل شهر بعد الحول، بل في كل ساعة، و لا يتوهم التعارض أو التزاحم بين هذه التطبيقات. و عليه فلا مجال لتطبيق دليل الوجوب بالإضافة إلى النصاب الثاني، عند انتهاء حوله. نعم بالنسبة إلى الضميمة يصدق حولان حول جديد، لكنها ليست نصاباً مستقلا لتجب الزكاة فيها، فاذا انتهى الحول الثاني للنصاب الأول- و هو أول محرم الثالث في الفرض المذكور- كان تطبيق دليل النصاب الثاني في محله بلا مزاحم فاذاً المتعين البناء على ما في المتن. و منه يظهر ضعف ما في المنتهى، مضافا إلى ما عرفت. و كأنه إلى ذلك أشار في الجواهر بقوله (ره): «و لظهور أدلة النصاب المتأخر ..».

و من ذلك يظهر لك الاشكال فيما عن القواعد: من وجوب فريضة النصاب الأول بحلول حوله، و وجوب جزء من فريضة النصاب الثاني عند حلول حوله أيضاً. فإذا تمَّ الحول الثاني للنصاب الأول أكمل فريضة النصاب الثاني. و هكذا .. مثلا: إذا ملك ثلاثاً و عشرين من الإبل في أول محرم، و ملك ثلاثا أخرى في أول رجب. ففي أول محرم الثاني يجب عليه أربع شياه فريضة العشرين، و في أول رجب الثاني بحب عليه ستة أجزاء من ستة و عشرين جزءاً من بنت مخاض، و في أول المحرم الثالث يجب عليه عشرون جزءاً من ستة و عشرين جزءاً من بنت مخاض. و هكذا.

109
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): إذا حصل لمالك النصاب في الأنعام ملك جديد ؛ ج‌9، ص : 105

انتهاء الحول الأول، و ليس على الملك الجديد في بقية الحول الأول شي‌ء. و ذلك كما إذا كان عنده ثلاثون من البقر، فملك في أثناء حولها أحد عشر، أو كان عنده ثمانون من الغنم، فملك في أثناء حولها اثنتين و أربعين. و يلحق بهذا القسم- على الأقوى- (1) و وجه ضعفه ظاهر مما عرفت. مضافاً إلى أنه لا دليل على هذا التوزيع، بل الأدلة تنفيه. إذ الستة الزائدة على العشرين إنما توجب ستة أجزاء من ستة و عشرين جزءاً من بنت مخاض إذا حال عليها الحول منضمة إلى عشرين، لا ما إذا حال عليها الحول بنفسها. و الا اقتضت شاة واحدة لا غير. و بالجملة: اقتضاء أجزاء النصاب لأجزاء الفريضة ارتباطي لا استقلالي.

و أضعف منها وجوب فريضة النصاب الأول عند حلول حوله، و وجوب فريضة النصاب الثاني كذلك. ففي المثال يجب في أول محرم الثاني أربع شياه، و في أول رجب الثاني بنت مخاض. و هكذا .. فإنه- مع مخالفته لما عرفت- طرح لما دل على أنه لا يزكى المال الواحد من وجهين في عام واحد، من غير وجه ظاهر.

لما تقدم في القسم السابق. و فيه: أنه مخالف لما دل على وجوب الفريضة في النصاب الموجود في الضميمة إذا حال عليه الحول. مثلا:

إذا ملك عشرين من الإبل في أول محرم، و في أول رجب ملك سبعاً، فاذا جاء المحرم الثاني وجب عليه أربع شياه للعشرين، فاذا جاء رجب الثاني يصدق: أنه ملك خمساً من الإبل قد حال عليها الحول عنده، فتجب فيها شاة أيضاً. فالبناء على عدم وجوب شي‌ء عليه في رجب- لأن مبدأ حول الست و العشرين من أول محرم الثاني، فينتظر في وجوب بنت مخاض عليه محرم الثالث- إلغاء لعموم وجوب شاة في كل خمس من الإبل حال عليها الحول، من غير وجه.

110
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 14): لو أصدق زوجته نصابا ؛ ج‌9، ص : 111

ما لو كان الملك الجديد نصاباً مستقلا، و مكملا للنصاب اللاحق، كما لو كان عنده من الإبل عشرون، فملك في الأثناء ستة أخرى، أو كان عنده خمسة، ثمَّ ملك أحد و عشرين.

و يحتمل إلحاقه بالقسم الثاني.

[ (مسألة 14): لو أصدق زوجته نصاباً]

(مسألة 14): لو أصدق زوجته نصاباً، و حال عليه الحول وجب عليه الزكاة (1). و لو طلقها بعد الحول قبل و بذلك يفترق هذا القسم عما قبله، و يتعين إلحاقه بالقسم الثاني، كما اختاره في الجواهر قائلا: «إنه مقتضى إطلاق الأصحاب: أن لها حولا بانفرادها إذا كانت نصاباً مستقلا ..». و من العجيب أنه لم يذكر ما في المتن من جملة المحتملات و ذكر غيره، مثل: احتمال أن يسقط حكم العشرين من حين ملك الست، فلا يجب حينئذ إلا بنت مخاض إذا حال حول السبع، و مثل: أن يكون الواجب أولا في العشرين أربع شياه، و في السبع ستة أجزاء من ستة و عشرين جزءاً من بنت مخاض، ثمَّ يجب في المجموع بنت مخاض، و لكن بالتوزيع، بأن يكون إذا كمل حول العشرين وجب عشرون جزءاً من بنت مخاض، و إذا تمَّ حول السبع وجب ستة أجزاء منها، و مثل: أن يكون الواجب- إذا تمَّ حول العشرين- أربع شياه، ثمَّ إذا تمَّ حول الست بنت مخاض. إلا ما وقع بإزائه من الأربع شياه، في الجزء من الحول الذي ملك فيه الثاني.

هذا و قد عرفت ضعف الاحتمال الأول منها: بأن في إلغاء حكم العشرين إلى حين ملك الضميمة إلغاء لدليل وجوب الفريضة فيها إذا حال الحول. كما عرفت ضعف التوزيع- بنحويه- بعدم مساعدة دليل عليه، بل هو خروج عنه.

بلا خلاف و لا إشكال فيه، كما في الجواهر. لإطلاق الأدلة.

111
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 14): لو أصدق زوجته نصابا ؛ ج‌9، ص : 111

الدخول رجع نصفه إلى الزوج (1)، و وجب عليها زكاة و مجرد كونه في معرض رجوعه إلى الزوج بالطلاق غير مانع عن الوجوب لعدم الدليل عليه، فينفيه إطلاق أدلة الوجوب.

يعني: نصف تمام المهر، بحيث يكون له مقاسمتها فيأخذ نصفاً تاماً منه، لأن دليل تملكه للنصف التام بالطلاق لا ينافي دليل وجوب الزكاة و لو قيل بتعلقها بالعين على نحو تعلق الجزء المشاع، فلا مانع من الأخذ بكل منهما، فيكون للزوج نصف التمام، و للفقراء جزء من أربعين جزءاً مثلا، و الباقي يكون لها.

هذا، و عن المبسوط: أن له من العين نصف ما عدا مقدار الفريضة و تضمن له نصف مقدارها، كما لو طلقها بعد الإخراج. و عن البيان و الدروس و المسالك و المدارك: احتماله. و ضعفه ظاهر مما ذكرنا. كوضوح الفرق بين الطلاق بعد الإخراج و قبله، إذ الطلاق بعد الإخراج لما كان مقتضياً لملك نصف التمام- الذي بعضه تألف بالإخراج- يكون مقتضياً لملك نصف الباقي و نصف التالف. و لما كان نصف التالف مضموناً بمثله أو قيمته يكون الزوج بالطلاق مالكاً لنصف الموجود و نصف قيمة التالف أو مثله، فليس له المطالبة بنصف التمام من الموجود.

و أما إذا كان الطلاق قبل الإخراج فالوجوب نفسه لما لم يوجب تلف جزء معين لم يكن مزاحماً للطلاق الموجب لملك نصف التمام، فأمكن الجمع بينهما، بالبناء على ملك الزوج نصف التمام من العين، و على ملك الفقراء مقدار الفريضة، و على ملك الزوجة المقدار الباقي. و يكون المقام نظير:

ما لو باع مالك العين نصفها على زيد، ثمَّ باع ربعها على عمرو، ثمَّ باع ثمنها على بكر، فان ذلك يوجب ملك زيد تمام العين و ملك عمرو ربعه و ملك بكر ثمنه، و الثمن الزائد يبقى للمالك. فلزيد المطالبة بنصفه من‌

112
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 14): لو أصدق زوجته نصابا ؛ ج‌9، ص : 111

المجموع في نصفها. و لو تلف نصفها (1) يجب إخراج الزكاة من النصف الذي رجع الى الزوج (2)، و يرجع بعد الإخراج عليها بمقدار الزكاة. هذا إن كان التلف بتفريط منها. و أما تمام العين، و لعمرو المطالبة بربعه منه، و لبكر المطالبة بثمنه منه، كما للمالك أيضاً المطالبة بثمنه. و الوجه في ذلك: أن العين لما كانت تجمع الكسور المذكورة، و لم يكن بينها تضاد فيها لم يكن وجه لورود نقص على أحدها بطروء الآخر، كما في سهام الفريضة عند عدم العول.

يعني: بعد القسمة مع الزوج. إذ لا يمكن ورود التلف على نصفها دون نصف الزوج إلا بذلك. ثمَّ إنه- بناء على مذهب المصنف (ره) من كون تعلق الزكاة بالعين من قبيل الكلي في المعين- لا مانع من هذه القسمة قبل إخراج الزكاة، لعدم منافاتها له.

و بالجملة: إذا قلنا بصحة التصرف غير المنافي فالقسمة منه، و تتعين الزكاة في نصف الزوجة.

الظاهر أن المراد تعلق الزكاة بالنصف الذي عين للزوج بالقسمة لا وجوب الإخراج تكليفاً منه. إذ قد عرفت جواز الإخراج من غير العين، بل من غير الجنس بالقيمة. و سيجي‌ء أيضاً في المسألة الأخيرة.

ثمَّ إن تعلق تمام الزكاة بنصف الزوج- بعد تلف النصف الراجع للزوجة- لا يناسب ما سبق: من صحة القسمة لأنه بعد القسمة تكون الزكاة في نصف الزوجة فإذا تلف فقد تلفت الزكاة، و ينتقل إلا بدلها، لا أنها تنتقل إلى نصف الزوج. اللهم إلا أن نقول: صحة التصرف المذكور مراعى بأداء الزكاة، فما لم تؤد الزكاة لا يصح التصرف. لكن على هذا فرض صحة القسمة، و كون التالف نصف الزوجة غير ظاهر. ثمَّ إنه لو بني على تعلقها بنصف الزوج فليس له إلزام الزوجة بإخراج الزكاة من غير نصفه، إذ لا دليل‌

113
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 15): إذا قال رب المال:«لم يحل على مالي الحول» يسمع منه ؛ ج‌9، ص : 114

إن تلف عندها بلا تفريط، فيخرج نصف الزكاة (1) من النصف الذي عند الزوج، لعدم ضمان الزوجة حينئذ، لعدم تفريطها. نعم يرجع الزوج حينئذ أيضاً عليها بمقدار ما أخرج.

[ (مسألة 15): إذا قال رب المال: «لم يحل على مالي الحول» يسمع منه]

(مسألة 15): إذا قال رب المال: «لم يحل على مالي الحول» يسمع منه، بلا بينة، و لا يمين (2). و كذا لو ادعى الإخراج، أو قال: «تلف مني ما أوجب النقص عن النصاب».

[ (مسألة 16): إذا اشترى نصاباً، و كان للبائع الخيار]

(مسألة 16): إذا اشترى نصاباً، و كان للبائع الخيار فان فسخ قبل تمام الحول فلا شي‌ء على المشتري، و يكون على سلطنته عليها في ذلك، بل لا وجه له بعد كون ذلك من توابع الحق الثابت في نصفه.

الكلام فيه كما في الصورة السابقة. و الفرق بينهما في تنصيف الزكاة بالتلف في الثاني، و عدمه في الأول.

بلا خلاف فيه ظاهر. و يشهد له‌

مصحح بريد بن معاوية: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: بعث أمير المؤمنين (ع) مصدقاً

.. (إلى أن قال):

ثمَّ قل لهم: يا عباد اللّه، أرسلني إليكم وليّ اللّه، لآخذ منكم حق اللّه تعالى في أموالكم، فهل للّه في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه، فان قال لك قائل لا فلا تراجعه» «1».

و‌

في خبر غياث بن إبراهيم: «فإن ولى عنك فلا تراجعه» «2».

و إطلاقهما يقتضي شمول الصورة المذكورة و غيرها من صور دعوى فقد الشرط.

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 5.

114
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في زكاة النقدين ؛ ج‌9، ص : 115

 

ابتداء الحول بالنسبة إلى البائع من حين الفسخ (1). و إن فسخ بعد تمام الحول عند المشتري وجب عليه الزكاة (2).

و حينئذ فإن كان الفسخ بعد الإخراج من العين ضمن للبائع (3) قيمة ما أخرج، و إن أخرجها من مال آخر أخذ البائع تمام العين. و إن كان قبل الإخراج فللمشتري أن يخرجها من العين (4) و يغرم للبائع ما أخرج، و أن يخرجها من مال آخر، و يرجع العين بتمامها إلى البائع.

[فصل في زكاة النقدين]

فصل في زكاة النقدين و هما: الذهب، و الفضة.

[و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافاً إلى ما مر من الشرائط العامة- أمور]

و يشترط في وجوب الزكاة فيهما- مضافاً إلى ما مر من الشرائط العامة- أمور:

[الأول: النصاب]

الأول: النصاب (5)، ففي الذهب نصابان: لأنه زمان ملك البائع.

على ما تقدم في المسألة السادسة من مسائل مبحث الشرائط العامة.

لأن المبيع مضمون للبائع على المشتري بضمان المعاوضة كالثمن.

لعدم الدليل على سلطنة البائع في إسقاط الحق الثابت، و إلزامه بإخراجها من مال آخر.

فصل في زكاة النقدين بلا خلاف و لا إشكال، كما ادعاه غير واحد، بل عن بعض:

أنه لا خلاف فيه بين المسلمين، و عن آخر: أنه ضروري. و يشهد له‌

 

115
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 115

الأول: عشرون دينارا (1)، و فيه نصف دينار.

النصوص، التي يأتي بعضها.

فلا تجب فيما دونها بلا كلام. و عن جمع: نفي الخلاف فيه، و عن آخرين: الإجماع عليه. و يشهد له النصوص الآتية. و تجب الزكاة فيه إذا بلغها على المشهور شهرة عظيمة، بل عن جملة من الكتب: الإجماع عليه، منها السرائر و التذكرة و المنتهى. و يشهد له‌

صحيح الحسين بن بشار عن أبي الحسن (ع): «قال: في الذهب في كل عشرين ديناراً نصف دينار، فان نقص فلا زكاة فيه» «1»

، و‌

موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (ع):

«قال: و من الذهب من كل عشرين ديناراً نصف دينار، و إن نقص فليس عليك شي‌ء» «2»

، و‌

موثق علي بن عقبة و عدة من أصحابنا عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّه (ع) أنهما قالا: «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال، إلى أربعة و عشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار، إلى ثمانية و عشرين، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة» «3».

و نحوها غيرها.

و نسب إلى ابني بابويه في الرسالة و المقنع- بل إلى جمع من أصحاب الحديث، أو إلى جمع من أصحابنا-: أن النصاب الأول أربعون، و فيها دينار. و يشهد له‌

موثق محمد و أبي بصير و بريد و الفضيل عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد الله (ع): قالا: «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال

.. (إلى أن قال):

و ليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء» «4»

، و صحيح‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 13.

116
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 115

و الدينار مثقال شرعي، و هو ثلاثة أرباع الصيرفي (1). فعلى هذا النصاب الأول- بالمثقال الصيرفي-: خمسة عشر مثقالا و زكاته ربع مثقال و ثمنه.

و الثاني: أربعة دنانير (2)،

زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل عنده مائة درهم، و تسعة و تسعون درهماً، و تسعة و ثلاثون دينارا، أ يزكيها؟ فقال (ع): لا، ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم، و لا في الدنانير حتى يتم أربعون ديناراً و الدراهم مائتي درهم» «1».

هذا و الجمع العرفي و ان كان يقتضي الأخذ بظاهرهما، و حمل ما سبق على الاستحباب. إلا أنه لا مجال له بعد إعراض الأصحاب عنهما، فلا بد من طرحهما، و إيكال العلم بهما إلى أهله. أو حملهما على بعض المحامل- كما صنعه غير واحد من الأصحاب- و إن بعد.

أما أنه مثقال شرعي فتشهد به ملاحظة النصوص، حيث اشتملت على التعبير بالدينار مرة، و بالمثقال أخرى. و أما أن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، فقد نسبه في المستند إلى جماعة، منهم صاحب الوافي، و المحدث المجلسي في رسالته في الأوزان، نافياً عنه الشك، و والده في حلية المتقين، و ابن الأثير في نهايته، حيث قال: «المثقال يطلق في العرف على الدينار خاصة، و هو الذهب الصنمي عن ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي ..». لكن تقدم في كتاب الطهارة: وزن الدينار الذي عثرنا عليه. و لأجل ذلك يشكل ما ذكروه، و لا يتسع المقام لتحقيق ذلك في هذه العجالة.

إجماعاً، حكاه جماعة كثيرة، و عن المختلف و التنقيح: نسبة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 14.

117
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 115

و هي ثلاثة مثاقيل (1) صيرفية. و فيه: ربع العشر، أي من أربعين واحد، فيكون فيه قيراطان. إذ كل دينار عشرون قيراطاً (2). ثمَّ إذا زاد أربعة فكذلك (3). و ليس قبل أن يبلغ عشرين ديناراً شي‌ء (4). كما أنه ليس بعد العشرين- قبل أن يزيد أربعة- شي‌ء. و كذلك ليس بعد هذه الأربعة شي‌ء. إلا إذا زاد أربعة أخرى. و هكذا ..

و الحاصل: أن في العشرين ديناراً ربع العشر، و هو نصف دينار. و كذا في الزائد إلى أن يبلغ أربعة و عشرين، و فيها ربع عشره، و هو نصف دينار و قيراطان. و كذا في الخلاف هنا إلى علي بن بابويه، فجعل النصاب الثاني أربعين مثقالا.

و المعروف عندهم: أن خلافه إنما هو في النصاب الأول، كما يقتضيه أيضاً الصحيحان المتقدمان، المستدل بهما على مذهبه. و كيف كان فالنصوص وافية بإثبات المذهب المشهور. و إن ثبت خلاف ابن بابويه هنا فلا دليل له ظاهر. فراجع.

تقدم وجهه.

حكي عليه الاتفاق. و قال في محكي النهاية الأثيرية: «القيراط جزء من أجزاء الدينار، و هو نصف عشرة في أكثر البلاد. و أهل الشام يجعلونه جزء من أربعة و عشرين».

بلا خلاف و لا إشكال. و النصوص به صريحة، التي منها موثق علي بن عقبة المتقدم «1».

تقدم: نقل الإجماع، و دلالة النصوص عليه. و كذا ما بعده.

______________________________
(1) لاحظ النصاب الأول من نصابي الذهب.

118
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: النصاب ؛ ج‌9، ص : 115

الزائد إلى أن يبلغ ثمانية و عشرين، و فيها نصف دينار، و أربع قيراطات. و هكذا .. و على هذا فإذا أخرج- بعد البلوغ إلى عشرين فما زاد- من كل أربعين واحداً فقد أدى ما عليه و في بعض الأوقات (1) زاد على ما عليه بقليل، فلا بأس باختيار هذا الوجه من جهة السهولة. و في الفضة أيضاً نصابان:

الأول: مائتا درهم، و فيها خمسة دراهم (2).

و ذلك إذا زاد على النصاب السابق، و لم يبلغ النصاب اللاحق.

بلا خلاف و لا إشكال، كما عن جماعة كثيرة، بل عن جماعة:

دعوى الإجماع عليه، و عن آخرين: دعوى إجماع المسلمين عليه. و تشهد له النصوص، منها:

صحيح الحسين بن بشار: «سألت أبا الحسن (ع):

في كم وضع رسول اللّه (ص) الزكاة؟ فقال (ع): في كل مائتي درهم خمسة دراهم، و إن نقصت فلا زكاة فيها» «1»

، و‌

موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (ع): «في كل مائتي درهم خمسة دراهم من الفضة، و إن نقصت فليس عليك زكاة» «2»

، و‌

موثق الفضلاء عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّه (ع) قالا: «في الورق في كل مائتين خمسة دراهم، و لا في أقل من مائتي درهم شي‌ء، و ليس في النيف شي‌ء، حتى يتم أربعون، فيكون فيه واحد» «3»

، و‌

موثق زرارة و بكير ابني أعين، أنهما سمعا أبا جعفر (ع) يقول في الزكاة: «ليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك. و ليس في مائتي درهم و أربعين درهماً غير درهم. إلا خمسة دراهم، فاذا بلغت أربعين و مائتي

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 7.

119
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة ؛ ج‌9، ص : 120

الثاني: أربعون درهماً، و فيها درهم (1). و الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره (2). و على هذا فالنصاب الأول مائة و خمسة مثاقيل صيرفية، و الثاني أحد و عشرون مثقالا و ليس فيما قبل النصاب الأول، و لا فيما بين النصابين شي‌ء على ما مر. و في الفضة أيضاً- بعد بلوغ النصاب- إذا أخرج من كل أربعين واحداً فقد أدى ما عليه، و قد يكون زاد خيراً قليلا.

[الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة]

الثاني: أن يكونا مسكوكين (3) بسكة المعاملة، سواء

درهم ففيها ستة دراهم، فاذا بلغت ثمانين و مائتين درهم ففيها سبعة دراهم و ما زاد فعلى هذا الحساب. و كذلك الذهب» «1»

.. إلى غير ذلك.

بلا خلاف و لا إشكال. و الإجماع- صريحاً و ظاهراً- منقول عليه، كما فيما قبله. و النصوص المتقدمة بعضها دالة عليه.

لا إشكال عندهم في أن الدرهم سبعة أعشار المثقال الشرعي، و أن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، كما نقله جماعة كثيرة، و عن ظاهر الخلاف: دعوى إجماع الأمة عليه، و عن رسالة المجلسي: أنه مما لا شك فيه، و مما اتفقت عليه العامة و الخاصة. فإذا كان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، يكون الدرهم نصف المثقال الصيرفي و ربع عشره. مثلا: إذا كان المثقال الصيرفي أربعين جزءاً كان المثقال الشرعي ثلاثين جزءاً منها، فاذا نقص منها ثلاثة أعشارها- و هو تسعة- كان الواحد و العشرون منها درهماً، و هو نصف الأربعين، و ربع عشرها.

إجماعاً حكاه جماعة كثيرة. و يشهد له‌

صحيح علي بن يقطين عن أبي إبراهيم (ع): «قلت له: إنه يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته،

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 10.

120
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة ؛ ج‌9، ص : 120

كان بسكة الإسلام (1) أو الكفر، بكتابة أو غيرها، بقيت سكتها أو صارا ممسوحين بالعارض (2). و أما إذا كانا ممسوحين

فيبقي نحواً من سنة، أ نزكيه؟ قال (ع): كل ما لم يحل عليه الحول فليس فيه عليك زكاة، و كل ما لم يكن ركازاً فليس عليك فيه شي‌ء. قلت:

و ما الركاز؟ قال (ع): الصامت المنقوش. ثمَّ قال (ع): إذا أردت ذلك فاسبكه، فإنه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة زكاة» «1».

قال في القاموس: «الصامت من المال: الذهب و الفضة زكاة». و عن غير واحد: «أن المراد من المنقوش المسكوك». و يقتضيه‌

مرسل جميل: «ليس في التبر زكاة. إنما هي على الدنانير و الدراهم» «2».

و نحوه خبر الآخر «3».

و الضعف بإرسال الأول، و اشتمال الثاني على جعفر بن محمد بن حكيم لا يهم، بعد اعتماد الأصحاب. فتأمل. و يعضدها: النصوص المتضمنة نفي الزكاة في التبر، و نقار الفضة، و السبائك، و الحلي «4». فإنها مانعة من حمل المنقوش على مطلق المنقوش- بالمعنى اللغوي- لكثرة وجود النقش في السبائك و الحلي، فيتعين الحمل على المنقوش المعهود، أعني: خصوص المسكوك.

كل ذلك لإطلاق الأدلة، مع عدم ظهور الخلاف.

هذا يتم لو لم يقدح المسح في صدق الدينار و الدرهم. و كأن المراد من المنقوش- في صحيح ابن يقطين- مطلق المسكوك. و كأنه للإشكال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.

(4) لاحظ الوسائل باب: 8، 9، 10، 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة و يأتي ذكر الكثير منها في المسألة: 1 من هذا الفصل.

121
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: أن يكونا مسكوكين بسكة المعاملة ؛ ج‌9، ص : 120

بالأصالة فلا تجب فيهما (1). إلا إذا تعومل بهما فتجب على في ذلك منع في الروضة- على ما حكي- من ثبوت الزكاة في الممسوح.

لكن الظاهر تمامية المقدمتين معاً.

كما صرح به جماعة كثيرة، منهم الشرائع و الإرشاد، و صريح المدارك و ظاهر الذخيرة: الإجماع عليه. و عن غير واحد: التصريح بعموم النفي لصورة جريان المعاملة به. و وجهه: التقييد بالمنقوش في الصحيح.

لكن قد عرفت: أن المراد منه المسكوك و إن لم يكن منقوشاً.

نعم إذا لم يتعامل بها لم تجب الزكاة، لعدم كونها دراهم أو دنانير و يشير إلى ذلك خبر علي بن يقطين الوارد فيما سبك فراراً من الزكاة،

قال (ع): «ألا ترى أن المنفعة قد ذهبت فلذلك لا تجب الزكاة» «1»

فإن الظاهر من المنفعة الغرض المقصود، من اقتناء الدراهم و الدنانير.

و مقتضى الأخير عدم وجوب الزكاة إذا هجرت و لم يتعامل بها. لكن المصرح به في كلام جماعة الوجوب، بل في الجواهر: «لم أر فيه خلافاً، للاستصحاب، و الإطلاق، و غيرهما». لكن الاستصحاب الحكمي تعليقي تشكل حجيته. و الإطلاق لا يبعد انصرافه إلى صورة التعامل، لو سلم صدقه مع هجر التعامل به، فلم يبق إلا ظاهر الإجماع، و الاعتماد عليه لا يخلو من إشكال.

ثمَّ إن الظاهر أن الوجه في الفرق بين الممسوح بالعارض و الممسوح بالأصل- حيث جزم في الأول بوجوب الزكاة فيه، و جزم في الثاني بالعدم الا مع التعامل به-: هو الاستصحاب. لكنه تعليقي يشكل العمل به.

و لو أريد استصحاب كونه درهماً أو ديناراً كان من استصحاب المفهوم المردد غير الجاري على التحقيق أيضاً.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

122
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: مضي الحول ؛ ج‌9، ص : 123

الأحوط. كما أن الأحوط ذلك أيضاً إذا ضربت للمعاملة و لم يتعامل بهما، أو تعومل بهما لكنه لم يصل رواجهما إلى حد يكون دراهم أو دنانير. و لو اتخذ الدراهم أو الدينار للزينة، فإن خرج عن رواج المعاملة لم تجب فيه الزكاة (1)، و إلا وجبت.

[الثالث: مضي الحول]

الثالث: مضي الحول (2) بالدخول في الشهر الثاني هذا و مما ذكرنا يظهر الإشكال في التمسك بالاستصحاب على الوجوب فيما لو اتخذت الدراهم للزينة. نعم لا بأس في التمسك بالإطلاق.

و دعوى معارضته بإطلاق ما دل على نفيها في الحلي. مدفوعة: بأن الظاهر من الحلي الإشارة إلى الذوات الخاصة، و لم يلحظ فيه الوصف عنواناً لينطبق على مثل الدراهم المتخذة للتحلي بها. لا أقل من وجوب الحمل على ذلك، جمعاً بين الدليلين. و لو سلم التعارض تعين الرجوع إلى عموم وجوب الزكاة في الذهب و الفضة، المقتضي لوجوبها فيهما.

يشكل الفرق بين الفرض و صورة هجر المعاملة. و مجرد كون عدم المعاملة هنا مستنداً إلى التغيير، بخلاف صورة الهجر، فإنه مستند إلى أمر آخر لا يجدي فارقاً. إلا مع فرض كون التغيير موجباً لانتفاء الصدق، أو انصراف الأدلة. و يكون المدار ذلك، لا مجرد عدم رواج المعاملة.

و الانصاف: أن البناء على دوران الحكم في جميع الفروض على جريان المعاملة و الاتخاذ ثمناً غير بعيد، اعتماداً على التعليل المتقدم، و يكون الوجوب في المهجورة للإجماع من باب التخصيص. فتأمل.

بلا إشكال، و نقل الإجماع عليه جماعة كثيرة، بل عن بعض عده ضرورياً. و يشهد له صحيح ابن يقطين- المتقدم في الشرط الثاني- و‌

مصحح زرارة: «قلت لأبي جعفر (ع): رجل كان عنده مائتا درهم غير درهم- احد عشر شهراً، ثمَّ أصاب درهماً بعد ذلك في الشهر الثاني

123
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: مضي الحول ؛ ج‌9، ص : 123

عشر (1)، جامعاً للشرائط التي منها النصاب. فلو نقص في أثنائه عن النصاب سقط الوجوب. و كذا لو تبدل بغيره، من جنسه أو غيره. و كذا لو غير بالسبك، سواء كان التبديل أو السبك بقصد الفرار من الزكاة أولا على الأقوى (2). و إن كان الأحوط الإخراج على الأول. و لو سبك الدراهم أو الدنانير بعد حول الحول لم تسقط الزكاة (3) و وجب الإخراج بملاحظة الدراهم و الدنانير (4)، إذا فرض

عشر، و كملت عنده مائتا درهم، أ عليه زكاتها؟ قال (ع): لا، حتى يحول عليه الحول و هي مائتا درهم. فان كانت مائة و خمسين درهماً، فأصاب خمسين- بعد أن مضى شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول. قلت له (ع): فان كانت عنده مائتا درهم غير درهم، فمضى عليها أيام قبل أن ينقضي الشهر، ثمَّ أصاب درهماً، فأتى على الدراهم مع الدرهم حول، أ عليه زكاة؟ قال (ع): نعم. و إن لم يمض عليها جميعاً الحول فلا شي‌ء عليه فيها» «1»

، و‌

مرسل الفقيه عن أبي جعفر (ع): «في التسعة أصناف إذا حولتها في السنة، فليس عليك فيها شي‌ء» «2».

كما تقدم في الأنعام.

كما تقدم الكلام فيه في الأنعام أيضاً.

إجماعاً. و يقتضيه عموم الوجوب. و توهم معارضته بما دل على أنه لا زكاة في السبائك مندفع: بظهور الثاني في عدم الوجوب فيها، لا في سقوطها عن المال بصيرورته سبائك، كما هو ظاهر.

لأنها الفريضة الواجبة، فيضمن النقيصة الواردة عليها بالسبك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

124
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لا تجب الزكاة في الحلي ؛ ج‌9، ص : 125

نقص القيمة بالسبك.

[ (مسألة 1): لا تجب الزكاة في الحلي]

(مسألة 1): لا تجب الزكاة في الحلي (1)، و لا في أواني الذهب و الفضة (2)، و إن بلغت ما بلغت. بل عرفت سقوط الوجوب عن الدرهم و الدينار إذا اتخذا للزينة و خرجا عن رواج المعاملة بهما. نعم في جملة من الأخبار: أن زكاتها إعارتها (3).

كما أن له الزيادة الحاصلة به لو فرضت، لأنه ماله.

إجماعاً حكاه جماعة كثيرة. و يشهد له‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «عن الحلي فيه زكاة؟ قال: لا» «1».

و‌

في صحيح يعقوب: «إذاً لا يبقى منه شي‌ء» «2».

و‌

في صحيح رفاعة: «و لو بلغ مائة ألف» «3».

و نحوها غيرها مما هو كثير.

كما يقتضيه ما دل على حصر الزكاة في الدراهم و الدنانير. و عن بعض أصحابنا: وجوب الزكاة في المحرم منها، كالأواني، و الحلي من الذهب للرجل، و نحوهما. و دليله غير ظاهر. إلا دعوى: استفادة أن سقوط الزكاة في الحلي للإرفاق غير الشامل للمحرم. لكنه- كما ترى- خلاف إطلاق ما تقدم.

لم أقف إلا على‌

مرسل ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه (ع): «زكاة الحلي عاريته» «4»

، و ما‌

في الفقه الرضوي: «ليس على الحلي زكاة، و لكن تعيره مؤمناً إذا استعار منك، فهو زكاته» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

(5) مستدرك الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

125
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منها و الردي ؛ ج‌9، ص : 126

[ (مسألة 2): لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منها و الردي]

(مسألة 2): لا فرق في الذهب و الفضة بين الجيد منها و الردي (1)، بل تجب إذا كان بعض النصاب جيداً و بعضه ردياً. و يجوز الإخراج من الردي (2) و إن كان تمام النصاب من الجيد. لكن الأحوط خلافه، بل يخرج الجيد من الجيد، و يبعض بالنسبة مع التبعض، و إن أخرج الجيد عن الجميع فهو أحسن. نعم لا يجوز دفع الجيد عن الردي بالتقويم (3)، بأن يدفع نصف دينار جيد يسوى ديناراً لإطلاق الأدلة. و كذا الوجه فيما بعده.

كما عن المبسوط، و اختاره في الجواهر. عملا بإطلاق ما دل على وجوب خمسة دراهم في المائتين. لكن في الشرائع: إن تطوع بالأرغب، و إلا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه، و نسب إلى المشهور. و كأنه مبني على وجوب الكسر المشاع، و لازمه أن إعطاء الأرغب إعطاء لأكثر من الحق الواجب، و أنه يجوز إعطاء نصف درهم من الجيد إذا كان يساوي قيمة خمسة، و أنه إذا كان النصاب بعضه جيداً و بعضه أجود يجب التقسيط أيضاً، كما عن المحقق و الشهيد الثانيين. بل عن الشهيد الأول أيضاً. و سيأتي في محله بطلان هذه اللوازم، و ضعف مبناها.

كما نسب إلى المشهور. إذ لا إطلاق فيما دل على جواز دفع القيمة بنحو يشمل ذلك. و مجرد جواز دفع الأدون لا يلازم جواز دفع القيمة على النحو المذكور، فما في الحدائق- من أن الظاهر أنه لا إشكال في الاجزاء على مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون، لأنه متى كان الواجب عليه ديناراً، و اختار دفع الأدون، و أراد دفع قيمته، و دفع نصف دينار خالص بقيمة ذلك الدينار الأدون، فالمدفوع قيمته حينئذ- غير ظاهر،

126
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة ؛ ج‌9، ص : 127

ردياً عن دينار، إلا إذا صالح (1) الفقير بقيمة في ذمته، ثمَّ احتسب تلك القيمة عما عليه من الزكاة، فإنه لا مانع منه.

كما لا مانع من دفع الدينار (2) الردي عن نصف دينار جيد إذا كان فرضه ذلك (3).

[ (مسألة 3): تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة]

(مسألة 3): تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة (4) فإنه إنما يتم لو تمَّ إطلاق أدلة دفع القيمة بنحو يشمل ذلك. لكنه غير ثابت.

يعني: صالح الفقير عن نصف الدينار- الذي يدفعه إليه- بثوب في ذمة الفقير، ثمَّ يحتسب الثوب- الذي يسوى ديناراً رديئاً- زكاة بعنوان القيمة. و الظاهر أنه لا إشكال في صحة ذلك، و قد نص عليه في الجواهر. و الفرق بينه و بين ما قبله ظاهر.

المانع السابق مطرد في الفرض، كما اعترف به في الجواهر.

فالجواز لا بد أن يكون من جهة كونه الفريضة و زيادة. لكنه يتم لو لم يقدح القصد المذكور، لكنه غير ظاهر. و إن قال في الجواهر: أنه لا يقدح في الاجزاء و إن لم يتم له ما قصده.

يعني: نصف دينار. و أما نصف الدينار الجيد فقد تقدم منه:

أنه لا يكون فرضاً.

بلا خلاف ظاهر، بل عن غير واحد: نسبته إلى الأصحاب و قد يستشكل فيه تارة: من جهة عدم صدق الدراهم و الدنانير على المغشوش حقيقة، و أخرى: من جهة ما دل على أنه لا زكاة على غير الفضة و الذهب و المغشوش لا يصدق عليه أحدهما. لكن الأول ممنوع. و لا سيما بملاحظة غلبة الغش. إلا أن يقال: إنما لا يقدح الغش في الصدق إذا كان مستهلكاً في جوهر الذهب و الفضة، لا مطلقاً. و الثاني إنما يقتضي عدم احتساب الغش جزءاً من النصاب، لا سقوط الزكاة عن الفضة و الذهب الموجودين‌

127
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة ؛ ج‌9، ص : 127

.....

في المغشوش مطلقاً. إلا أن يقال: إن وجود عين الفضة لا يقتضي صدق الفضة، لأنها اسم لوجود العين على نحو يقال له فضة، فلا يشمل الأجزاء المنبثة الممتزجة مع غيرها.

و كيف كان يدل على ما ذكر‌

خبر زيد الصائغ: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إني كنت في قرية من قرى خراسان يقال لها بخارى، فرأيت فيها دراهم تعمل ثلث فضة و ثلث مساً و ثلث رصاص، و كانت تجوز عندهم، و كنت أعملها و أنفقها. فقال أبو عبد اللّه (ع): لا بأس بذلك إذا كانت تجوز عندهم. فقلت: أ رأيت إن حال عليها الحول و هي عندي، و فيها ما يجب علي فيه الزكاة، أزكيها؟ قال (ع): نعم إنما هو مالك. قلت: فإن أخرجتها إلى بلدة لا ينفق فيها مثلها، فبقيت عندي حتى حال عليها الحول، أزكيها؟ قال (ع): إن كنت تعرف أن فيها من الفضة الخالصة مما يجب عليك فيه الزكاة فزك ما كان لك فيها من الفضة الخالصة من فضة، و دع ما سوى ذلك من الخبيث. قلت:

و إن كنت لا أعلم ما فيها من الفضة الخالصة، إلا أني أعلم أن فيها ما تجب فيه الزكاة. قال (ع): فاسبكها حتى تخلص الفضة و يحترق الخبيث، ثمَّ تزكي ما خلص من الفضة لسنة واحدة» «1».

و ضعفه منجبر بالعمل كما في الجواهر.

اللهم إلا أن يحتمل: أن بناء الأصحاب على الوجوب ليس اعتماداً على الخبر، بل بناء منهم على أنه مقتضى القاعدة الأولية، لصدق الدرهم و الدينار على المغشوش. فإذا أشكل ذلك عندنا أشكل الحكم من أصله» و المرجع الأصل، و هو يقتضي العدم. لكن الاحتمال المذكور موهون، لذكر الرواية في كتبهم، و استنادهم إليها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

128
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): تتعلق الزكاة بالدراهم و الدنانير المغشوشة ؛ ج‌9، ص : 127

إذا بلغ خالصهما (1) النصاب. و لو شك في بلوغه، و لا طريق للعلم بذلك- و لو للضرر- لم تجب (2). و في وجوب التصفية و نحوها للاختبار إشكال (3)، أحوطه ذلك. و إن كان عدمه لا يخلو عن قوة (4).

كما صرح به في الخبر المتقدم. و يقتضيه عموم ما دل على نفي الزكاة في غير التسعة «1».

لأصالة عدم تعلقها بالمال. نعم لو دل دليل على وجوب الاختبار كان مرجعه إلى وجوب الاحتياط، لا وجوب الاختبار تعبداً. و حينئذ لا يسقط بمجرد عدم إمكان الاختبار، أو لزوم الضرر منه، و إنما يجدي ذلك في سقوط الوجوب لو كان نفسياً أو غيرياً. و ليس كذلك نظير وجوب الفحص في الشبهات الحكمية.

ينشأ: مما ذكرنا من الأصول في صورة عدم إمكان الاختبار.

و من أن البناء عليه يوجب المحالفة الكثيرة، بحيث يعلم من مذاق الشارع كراهة حصولها، بنحو يستكشف منه إيجاب الاحتياط.

كما نسب إلى المعروف، بل عن المسالك: لا قائل بالوجوب، و في الجواهر: قوى الوجوب، إن لم يكن إجماع على خلافه. لأن البناء على العدم يوجب إسقاط كثير من الواجبات. و هو كما ترى، إذ ليس ما يلزم من المخالفة هنا أكثر مما يلزم من المخالفة في جريان أصل الطهارة و نحوه من الأصول الموضوعية التي لا يشترط في جريانها الفحص إجماعاً.

نعم مقتضى خبر زيد الصائغ وجوب الاختبار «2». لكن مورده صورة العلم بوجود النصاب مع الشك في مقداره، فإثبات الحكم في غيره‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1، 4 و غيرهما.

(2) تقدم ذلك في أوائل هذه المسألة.

129
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش ؛ ج‌9، ص : 130

[ (مسألة 4): إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش]

(مسألة 4): إذا كان عنده نصاب من الجيد لا يجوز أن يخرج عنه من المغشوش (1)، إلا إذا علم اشتماله على ما يكون عليه من الخالص، و إن كان المغشوش بحسب القيمة يساوي ما عليه. إلا إذا دفعه بعنوان القيمة، إذا كان للخليط قيمة (2).

[ (مسألة 5): و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش]

(مسألة 5): و كذا إذا كان عنده نصاب من المغشوش لا يجوز أن يدفع المغشوش (3)، إلا مع العلم على النحو المذكور.

[ (مسألة 6): لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب، و شك في أنه خالص أو مغشوش]

(مسألة 6): لو كان عنده دراهم أو دنانير بحد النصاب، و شك في أنه خالص أو مغشوش، فالأقوى عدم وجوب الزكاة (4). و إن كان أحوط.

[ (مسألة 7): لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب]

(مسألة 7): لو كان عنده نصاب من الدراهم المغشوشة بالذهب، أو الدنانير المغشوشة بالفضة لم يجب عليه شي‌ء، موقوف على إلغاء خصوصية مورده، و هو غير ظاهر. بل ظاهر‌

قوله (ع) في صدره: «إن كنت تعرف ..»

العدم.

بلا خلاف و لا إشكال، كما في الجواهر. لاستصحاب بقاء الزكاة إلى أن يعلم بالدفع.

لما سبق: من أنه لا يجوز إخراج القيمة من جنس الفريضة، فيكون المدفوع في الفرض بعض الفريضة، و قيمة البعض الآخر. و على هذا لا بد أن تكون قيمة الخليط قيمة الجيد. إلا أن يقال: المغشوش جنس آخر غير جنس الفريضة، فالمدار على قيمته، لا قيمة الخليط. فتأمل.

لما سبق في المسألة الرابعة.

لما سبق في المسألة الثالثة. و كذا قوله (ره) في المسألة الآتية:

«لم يجب عليه شي‌ء إلا إذا علم».

130
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة ؛ ج‌9، ص : 131

إلا إذا علم ببلوغ أحدهما أو كليهما حد النصاب، فيجب في البالغ منهما أو فيهما. فان علم الحال فهو، و إلا وجبت التصفية (1).

و لو علم أكثرية أحدهما مردداً، و لم يمكن العلم وجب إخراج الأكثر (2) من كل منهما. فاذا كان عنده ألف، و تردد بين أن يكون مقدار الفضة فيها أربعمائة و الذهب ستمائة و بين العكس أخرج عن ستمائة ذهباً و ستمائة فضة. و يجوز أن يدفع بعنوان القيمة (3) ستمائة عن الذهب، و أربعمائة عن الفضة، بقصد ما في الواقع.

[ (مسألة 8): لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة]

(مسألة 8): لو كان عنده ثلاثمائة درهم مغشوشة، و علم أن الغش ثلثها مثلا- على التساوي في أفرادها- يجوز له أن يخرج خمسة دراهم من الخالص، و أن يخرج سبعة و نصف من المغشوش. و أما إذا كان الغش بعد العلم بكونه ثلثاً في المجموع- لا على التساوي فيها- فلا بد من تحصيل العلم بالبراءة إما بإخراج الخالص، و إما بوجه آخر (4).

لخبر زيد الصائغ، الذي قد عرفت انجباره بالعمل. و به يخرج عن الأصل المقتضي لعدم وجوب أكثر من المقدار المتيقن.

عملا بالعلم الإجمالي.

القيمة أحد طرفي الترديد. إذ يحتمل أن يكون الستمائة المدفوعة عن الذهب كلها فريضة، فيتعين الدفع مردداً بين الفريضة إن كان الأكثر من جنس الزائد، و القيمة إن كان من الجنس الآخر.

أما دفع السبعة و نصف فلا تجزي، لجواز أن تكون أكثر غشاً.

من غيرها، فلا تساوي خمسة دراهم خالصة.

131
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة ؛ ج‌9، ص : 132

[ (مسألة 9): إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة]

(مسألة 9): إذا ترك نفقة لأهله مما يتعلق به الزكاة و غاب و بقي إلى آخر السنة بمقدار النصاب لم تجب عليه. إلا إذا كان متمكناً من التصرف فيه طول الحول (1)، مع كونه غائباً.

قد تقدم منه في الشروط العامة: الاكتفاء في صدق التمكن من التصرف بكون المال في يد وكيله. لكن ورد في المسألة أخبار تدل بظاهرها على سقوط الزكاة عن المال الغائب مالكه عنه،

كمصحح إسحاق عن أبي الحسن الماضي (ع): قلت له: رجل خلف عند أهله نفقة ألفين لسنتين عليها زكاة؟ قال (ع): إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة «1»

، و‌

مرسل ابن أبي عمير: «في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة، فحال عليها الحول. قال (ع): إن كان مقيماً زكاه و إن كان غائباً لم يزك» «2».

و نحوهما خبر أبي بصير «3» و المشهور شهرة عظيمة العمل بها، و الفتوى بمضمونها. بل عن المسالك: «ربما كان ذلك إجماعاً، لكون المخالف- و هو ابن إدريس- معلوم النسب ..».

و لا بأس به، إذ لا قصور في سند بعضها. و لا سيما بعد انجباره بالعمل، فلا مانع من تخصيص العمومات به.

و في الجواهر: «قد يجول في الذهن: أن مبنى هذه النصوص على خروج هذا الفرد عن تلك العمومات لا تخصيصها، باعتبار تعريضه للتلف بالإنفاق و الاعراض عنه لهذه الجهة الخاصة، فكأنه أخرجه عن ملكه، فلا يصدق أنه حال عليه الحول عنده. خصوصاً مع عدم علمه- بسبب غيبته عنه- كيف صنع به عياله. و يمكن أن يكون بدلوه بمال آخر،

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

132
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة ؛ ج‌9، ص : 133

[ (مسألة 10): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة]

(مسألة 10): إذا كان عنده أموال زكوية من أجناس مختلفة، و كان كلها أو بعضها أقل من النصاب، فلا يجبر الناقص منها (1) بالجنس الآخر. مثلا: إذا كان عنده تسعة عشر ديناراً، و مائة و تسعون درهماً، لا يجبر نقص الدنانير بالدراهم، و لا العكس.

[فصل في زكاة الغلات الأربع]

فصل في زكاة الغلات الأربع و هي- كما عرفت-: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب. و في إلحاق السلت- الذي هو كالشعير في طبعه و برودته، و كالحنطة في ملاسته و عدم القشر له- إشكال (2) أو اشتروا ما يحتاجونه سنين مثلا، و غير ذلك من الاحتمالات التي تحصل له بالغيبة دون الحضور ..». و فيه: أن لازم ذلك اطراد الحكم في الحاضر- إذا كان على النحو المذكور- في الغائب، و لا يظن الالتزام به مع أن حمل النصوص على ما ذكر مما لا قرينة عليه. فلاحظ.

بلا خلاف و لا إشكال. و عن جماعة: دعوى الإجماع عليه.

و النصوص به صريحة،

كصحيح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

رجل عنده مائة درهم، و تسعة و تسعون درهما، و تسعة عشر ديناراً، أ يزكيها؟ قال (ع): لا، ليس عليه زكاة في الدراهم، و لا في الدنانير حتى يتم» «1».

و نحوه غيره.

فصل في زكاة الغلات الأربع بل خلاف، فعن المبسوط و الخلاف و المنتهى و جامع المقاصد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

133
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في زكاة الغلات الأربع ؛ ج‌9، ص : 133

فلا يترك الاحتياط فيه. كالإشكال في العلس- الذي هو كالحنطة. بل قيل: إنه نوع منها، في كل قشر حبتان، و هو طعام أهل صنعاء- فلا يترك الاحتياط فيه أيضاً. و لا تجب الزكاة في غيرها (1)، و إن كان يستحب إخراجها من كل ما تنبت الأرض، مما يكال أو يوزن من الحبوب، كالماش و الذرة، و الأرز، و الدخن، و نحوها. إلا الخضر و البقول.

و حكم ما يستحب فيه حكم ما يجب فيه (2)، في قدر النصاب، و المسالك و الروضة و غيرها. وجوب الزكاة فيه، و في العلس إلحاقاً لها بالشعير و الحنطة. و في الشرائع، و عن التذكرة و الموجز و غيرها: العدم، بل نسب إلى المشهور.

و وجه الأول: دعوى جماعة من أهل اللغة: أن السلت ضرب من الشعير، و أن العلس ضرب من الحنطة. و فيه: أن كلام أهل اللغة لا يراد منه بيان الفردية للمفهوم العرفي، بل الفردية للمفهوم الحقيقي. مثل قولنا:

«البخار ماء»، و «الغبار تراب»، و «الدخان رماد» و نحو ذلك، مما يراد منه بيان وحدة الحقيقة لا غير. و لو سلم الأول فهو مخالف للمفهوم منهما عرفاً، كما يشير الى ذلك‌

مصحح محمد بن مسلم: «سألته عن الحبوب ما يزكى منها. قال (ع): البر، و الشعير، و الذرة، و الدخن، و الأرز، و السلت، و العدس ..» «1».

و نحوه غيره. و الحال في العلس هو الحال في السلت.

كما تقدم في أوائل المبحث.

للإطلاق المقامي لأدلة الاستحباب، فان عدم تعرضها لبيان الخصوصيات المذكورة ظاهر في إيكال بيانها إلى بيان ما تجب فيه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 4.

134
مستمسک العروة الوثقى9

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران ؛ ج‌9، ص : 135

 

و كمية ما يخرج منه، و غير ذلك.

[و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران]

و يعتبر في وجوب الزكاة في الغلات أمران:

[الأول: بلوغ النصاب]

الأول: بلوغ النصاب (1)، و هو بالمن الشاهي (2) بلا خلاف و لا إشكال. و قد نقل الإجماع عليه جماعة كثيرة، كالنصوص الدالة عليه. منها:

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «ما أنبتت الأرض من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب ما بلغ خمسة أوسق و الوسق ستون صاعاً، فذلك ثلاثمائة صاع، ففيه العشر. و ما كان يسقى بالرشا و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر. و ما سقت السماء و السيح، أو كان بعلًا ففيه العشر تاماً. و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء، و ليس فيما أنبتت الأرض شي‌ء، إلا في هذه الأربعة أشياء» «1».

و نحوه غيره.

نعم‌

في المرسل عن ابن سنان: «عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟ فقال (ع): وسق» «2»

، و‌

في موثق الحلبي: «في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و الزبيب و التمر؟ قال (ع): في ستين صاعاً» «3»

و‌

في خبر أبي بصير: «لا يكون في الحب، و لا في النخل، و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين، و الوسق ستون صاعاً» «4».

لكن الجميع محمول- إجماعاً- على الاستحباب، أو غيره جمعاً. و مثلها ما تضمن ثبوت الزكاة في القليل و الكثير.

قد حكي عن جماعة دعوى الإجماع- صريحاً و ظاهراً- على أن الصاع أربعة أمداد، و أن المد رطلان و ربع بالرطل العراقي، و رطل و نصف‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الغلات حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الغلات حديث: 3.

 

135
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: بلوغ النصاب ؛ ج‌9، ص : 135

- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا صيرفياً- مائة و أربعة و أربعون مناً، إلا خمسة و أربعين مثقالا. و بالمن التبريزي- الذي بالرطل المدني، فيكون الصاع تسعة أرطال بالعراقي، و ستة بالمدني.

و يشهد له‌

مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمد الهمداني إلى أبي الحسن (ع): «جعلت فداك، إن أصحابنا اختلفوا في الصاع، بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني، و بعضهم يقول: بصاع العراقي. قال فكتب إلي: الصاع ستة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي. قال: و أخبرني أنه يكون بالوزن ألفاً و مائة و سبعين وزنة [درهما. عيون الأخبار]» «1»

، و‌

خبر إبراهيم بن محمد: «إن أبا الحسن صاحب العسكر (ع) كتب إليه في حديث: الفطرة عليك و على الناس

.. (إلى أن قال):

تدفعه وزناً:

ستة أرطال برطل المدينة. و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهماً، تكون الفطرة ألفاً و مائة و سبعين درهماً» «2».

و المستفاد منهما: أن رطل العراقي مائة و ثلاثون درهماً، يكون التسعة أرطال: ألفاً و مائة و سبعين درهماً، و أن الرطل المدني مائة و خمسة و تسعون درهماً، يكون الستة منها أيضاً: ألفاً و مائة و سبعين درهماً. و لما كان العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، يكون الصاع ثمانمائة و تسعة عشر مثقالا شرعياً. و لما كان المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، يكون الصاع ستمائة و أربعة عشر مثقالا صيرفياً. و ربع مثقال صيرفي، فتكون الثلاثمائة صاع: مائة ألف مثقال، و أربعة. و ثمانين ألف مثقال، و مائتين و خمسة و سبعين مثقالا. و قد حسبناه مقسماً على المن الشاهي، و المن التبريزي، و حقة النجف، و حقة الاسلامبول، فكان الحساب كما ذكر في المتن.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

136
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: التملك بالزراعة ؛ ج‌9، ص : 137

هو ألف مثقال- مائة و أربعة و ثمانون مناً، و ربع من، و خمسة و عشرون مثقالا. و بحقة النجف في زماننا (سنة 1326)- و هي تسعمائة و ثلاثة و ثلاثون مثقالا صيرفياً، و ثلث مثقال- ثمان وزنات (1)، و خمس حقق و نصف، إلا ثمانية و خمسين مثقالا، و ثلث مثقال. و بعيار الاسلامبول- و هو مائتان و ثمانون مثقالا- سبع و عشرون وزنة، و عشر حقق، و خمسة و ثلاثون مثقالا. و لا تجب في الناقص (2) عن النصاب و لو يسيراً (3) كما أنها تجب في الزائد عليه (4)، يسيراً كان أو كثيرا.

[الثاني: التملك بالزراعة]

الثاني: التملك بالزراعة (5) فيما يزرع، أو انتقال الزرع إلى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة. و كذا في الثمرة كون الشجر ملكاً له إلى وقت التعلق، أو انتقالها إلى ملكه- منفردة، أو مع الشجر- قبل وقته.

الوزنة: أربعة و عشرون حقة.

كما صرح به في النصوص.

للإطلاق.

بلا إشكال و لا خلاف، كما يقتضيه إطلاق النصوص.

قال في الشرائع: «و لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا ملكت بالزراعة، لا بغيرها من الأسباب، كالابتياع، و الاتهاب ..». و قد نقل غير واحد الإجماع على اعتبار الشرط المذكور في الجملة، بل عن غير واحد: دعوى إجماع علماء الإسلام عليه في الجملة. فإذاً هو مما لا إشكال فيه.

نعم الاشكال على الشرائع في تعبيره عن الشرط بما ذكر من العبارة‌

137
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف ؛ ج‌9، ص : 138

[ (مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف]

(مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف فالمشهور على أنه في الحنطة (1) و الشعير عند انعقاد حبتهما، و في ثمر النخل حين اصفراره أو احمراره، و في ثمرة الكرم عند انعقادها حصرماً. و ذهب جماعة إلى أن المدار صدق أسماء المذكورات، من الحنطة، و الشعير، و التمر، و صدق اسم العنب في الزبيب. و هذا القول لا يخلو عن قوة. و إن كان القول الأول لإيهامها خلاف المقصود. إذ مقتضاها عدم وجوب الزكاة فيما يملك بالابتياع و الهبة مطلقاً، و هو غير مراد قطعاً، لأنه مخالف لإجماع المسلمين، كما صرح به في المدارك. و لأجل هذا الاشكال جعل في المتن الشرط أحد الأمرين، من التملك بالزراعة، و انتقال الزرع الى ملكه قبل وقت تعلق الزكاة. لكن قال في محكي المدارك: «و كان الأوضح جعل الشرط كونها مملوكة وقت بلوغها الحد الذي يتعلق به الزكاة، كما اقتضاه صريح كلام الفريقين ..». و ما ذكره في محله. و ان تصدى غير واحد للإيراد عليه و توجيه عبارة الشرائع. بل الأولى إلغاء هذا الشرط بالمرة، لأنه إن أريد اشتراطه في أصل التعلق يغني عنه ما تقدم من اعتبار الملك. و إن أريد بيان اعتبار كون الملك حال التعلق، فلا خصوصية للملك من بين الشرائط العامة، إذ يعتبر في جميعها أن تكون حال التعلق، كما لا يخفى. فلاحظ.

قال في المختلف: «المشهور أن الزكاة تجب في الغلات إذا كانت ثمرة عند اصفرارها و احمرارها. و ان كانت غلة فعند اشتداد حبها. و لا يجب الإخراج إلا عند الحصاد و الجذاذ إجماعاً. و قال بعض علمائنا:

إنما تجب الزكاة عندما يسمى تمراً و زبيباً و حنطة و شعيراً، و هو بلوغها حد اليبس». و حكيت نسبة القول المذكور الى المشهور عن الإيضاح، و جامع‌

138
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف ؛ ج‌9، ص : 138

.....

المقاصد، و تعليق النافع، و فوائد الشرائع، و الروضة، و المسالك، و إيضاح النافع، و المصابيح، و الحدائق، و الرياض. بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب، و عن التنقيح: لا نعلم قائلا بغيره قبل المحقق (ره)، و في الشرائع و النافع- و عن أبي علي و فخر الإسلام، و نسب إلى ظاهر المقنع، و الهداية، و كتاب الأشراف، و المقنعة، و الغنية، و الإشارة و غيرها، و في المنتهى نسب إلى والده-: اختيار ما في المتن، و في الذخيرة: إنه لا يخلو من ترجيح.

و استدل للأول تارة: بالإجماع المحكي عن المنتهى، حيث قال:

«لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا نمت في ملكه، فلو ابتاع، أو استوهب، أو ورث بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة بإجماع العلماء ..». و فيه- مع أن الظاهر أن دعواه الإجماع إنما هي على اعتبار الشرط الثاني في الجملة-: لا مجال للاعتماد عليه، مع وضوح الخلاف.

و أخرى:

بصحيح سليمان بن خالد: ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة أوساق. و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيباً» «1»

و نحوه خبر الحلبي «2». و فيه: أن صدره لا إطلاق فيه من هذه الجهة و ذيله جعل الموضوع فيه العنب، لا الحصرم، كما هو المدعى.

و ثالثة:

بصحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (ع): «سألته عن الزكاة في الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب متى تجب على صاحبها؟

قال (ع): إذا ما صرم، و إذا ما خرص» «3»

و فيه- مع أن ظاهره السؤال عن وقت وجوب الإخراج، لا وقت التعلق-: أنه ليس فيه دلالة على أن وقت الصرم حين بدو الصلاح. بل ظاهر عطفه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

139
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف ؛ ج‌9، ص : 138

.....

بالواو على الصرم في مقام بيان التوقيت كون الوقت واحداً. فيكون المراد: أنه إن صرم في وقته فوقت الوجوب هو ذلك الوقت، و إن لم يصرم في وقته، يخرص على صاحبه حينئذ و تجب عليه زكاته، فيكون وقت الخرص هو الوقت المناسب للصرم.

و رابعة:

بصحيح سعد الآخر: «.. و هل على العنب زكاة؟ أو إنما يجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال (ع): نعم إذا خرصه أخرج زكاته» «1»

و فيه- مع احتمال أن يكون قوله (ع):

«نعم ..»

إعلاماً بما بعد (أو)، يعني: لا يجب عليه إلا إذا صيره زبيباً-: أنه لا يدل إلا على وجوب الزكاة في العنب، دون الحصرم، كما هو المشهور. بل لعله ظاهر في مفروغية السائل عن عدم وجوب الزكاة عليه قبل صيرورته عنباً.

و خامسة:

بخبر أبي بصير: «لا يكون في الحب، و لا في النخل، و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين. و الوسق ستون صاعاً» «2»

و فيه:

أنه لا إطلاق فيه من جهة الوقت، لتعرضه لحيثية بلوغ النصاب لا غير.

و سادسة: بصدق الحنطة و الشعير عند اشتداد الحب، و صدق التمر عند الاحمرار أو الاصفرار، لنص أهل اللغة على أن البسر نوع من التمر و فيه: أنه لو تمَّ الصدق في الحنطة و الشعير فقد اتفق القولان فيهما. و ما عن أهل اللغة: من أن البسر نوع من التمر مخالف لنص جماعة بخلافه، بل عن المصباح: إجماع أهل اللغة على أن التمر اسم لليابس من ثمر النخل، كالزبيب من ثمر الكرم. و لو سلم فهو مخالف للعرف، المقدم على اللغة عندهم.

و سابعة: ببعث النبي (ص) الخارص على الناس. و فيه: أنه لم يثبت كون الخرص كان قبل صدق الاسم. و لو سلم لم يعلم أنه كان مبنياً‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

(2) تقدم ذلك في الشرط الأول من شروط زكاة الغلات.

140
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): في وقت تعلق الزكاة بالغلات خلاف ؛ ج‌9، ص : 138

أحوط، بل الأحوط مراعاة الاحتياط مطلقا. إذ قد يكون على خرص تمام الثمرة، فيجوز أن يخرص المقدار المتعارف بقاؤه الى أن يصير تمراً، و استثناء المقدار الذي يتعارف أكله أو إتلافه قبل اليبس.

و قد‌

ورد عن النبي (ص): أنه كان إذا بعث الخارص قال: «خففوا على الناس، فان المال مال العرية [1]، و الواطية، و الآكلة» «1».

و ثامنة: بأنه لو كانت مقصورة على التمر و الزبيب لأدى ذلك إلى ضياع الزكاة، لأنهم كانوا يحتالون بجعل العنب و الرطب دبساً و خلا، و كانوا يبيعونها كذلك، و فيه: أن الحيل المذكورة لا تقوى على إفناء التمر مهما كثرت. مع أن في جعلهما كذلك تضييعاً لهما و انقاصاً لماليتهما، و المقدار الواجب في الزكاة أقل ضرراً مالياً مما ذكر، فالفرار من الزكاة إلى ذلك فرار من الأخف إلى الأشد، و الأقل ضرراً إلى الأكثر، كما هو واضح.

و بالجملة: ليس في الوجوه المذكورة دلالة على مذهب المشهور.

و مثلها في الاشكال: دعوى: أن الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب يراد منها موادها المقابلة لمواد الحبوب و الثمار المغايرة. فإنها خروج عن الظاهر من دون قرينة عليه. مع أن لازمه وجوب الزكاة في ثمر النخل قبل الاحمرار و الاصفرار، فالبناء على ظاهرها متعين.

نعم قد يشكل الحال في العنب، من جهة ظهور صحيح سليمان المتقدم في أنه موضوع للزكاة، و محتمل صحيح سعد الثاني «2». و كأنه لذلك جعل في المتن المعيار صدق العنب في الزبيب، كما حكي عن أبي على و المدارك.

و لا يخلو من قوة.

______________________________
[1] العرية: النخلة يعيرها صاحبها غيره ليأكل ثمرها. «منه قدس سره»

______________________________
(1) راجع كنز العمال ج 3 صفحة 305 ملحق حديث: 5094.

(2) تقدم ذكرهما في أوائل هذه التعليقة.

141
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): وقت تعلق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف ؛ ج‌9، ص : 142

القول الثاني أوفق بالاحتياط (1).

[ (مسألة 2): وقت تعلق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف]

(مسألة 2): وقت تعلق الزكاة و إن كان ما ذكر، على الخلاف السالف. إلا أن المناط في اعتبار النصاب هو اليابس من المذكورات (2)، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب، لكن ينقص عنه بعد الجفاف و اليبس فلا زكاة.

[ (مسألة 3): في مثل البربن و شبهه من الدقل]

(مسألة 3): في مثل البربن و شبهه من الدقل الذي يؤكل رطباً، و إذا لم يؤكل إلى أن يجف يقل تمرة، أو لا يصدق على اليابس منه التمر أيضاً- المدار فيه على تقديره يابساً (3). و تتعلق به الزكاة إذا كان بقدر يبلغ النصاب بعد جفافه.

[ (مسألة 4): إذا أراد المالك التصرف في المذكورات]

(مسألة 4): إذا أراد المالك التصرف في المذكورات كما لو بلغ مالكه بعد بدو الصلاح.

قال في التذكرة: «النصاب المعتبر- و هو خمسة أوسق- إنما يعتبر وقت جفاف التمر، و يبس العنب و الغلة. فلو كان الرطب خمسة أوسق- أو العنب أو الغلة- و لو جفت تمراً أو زبيباً أو حنطة أو شعيراً نقص فلا زكاة إجماعاً ..». و هذا هو العمدة في عموم الحكم. و إلا فمقتضى الإطلاق اعتبار النصاب بلحاظ موضوع التعلق. فان قيل بالمشهور- من التعلق ببدو الصلاح- اكتفي ببلوغ النصاب حينئذ. نعم‌

في صحيح سليمان ابن خالد، و خبر الحلبي: «و العنب مثل ذلك حتى يبلغ خمسة أوساق زبيباً» «1».

و مورده خصوص العنب، فالتعدي إلى غيره محتاج إلى إلغاء خصوصية مورده، و هو لو لا الإجماع غير ظاهر.

هذا في محله فيما يصدق على اليابس منه التمر. أما ما لا يصدق‌

______________________________
(1) تقدم ذكرهما في المسألة: 1 من هذا الفصل.

142
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): إذا أراد المالك التصرف في المذكورات ؛ ج‌9، ص : 142

- بسراً، أو رطباً، أو حصرماً، أو عنباً- بما يزيد على المتعارف فيما يحسب من المؤن (1)، وجب عليه ضمان حصة الفقير (2). كما أنه لو أراد الاقتطاف كذلك بتمامها وجب عليه اسم التمر أو الزبيب ففي المدارك: «اتجه سقوط الزكاة مطلقاً».

و نحوه في الذخيرة. و في الجواهر: «إنه جيد». و كأنه لأن ما دل على اعتبار بلوغه نصاباً إذا صار تمراً يختص بما يكون كذلك لو بقي، فلا يشمل ما ذكر، فيقيد به إطلاق دليل وجوب الزكاة.

اللهم إلا أن يقال: لو تمَّ ذلك فإنما يتم في العنب لصحيح سليمان.

أما الرطب فلأجل أنه لا دليل فيه على التقدير بحال التمر إلا الإجماع يجب فيه الرجوع إلى عموم وجوب الزكاة، و ما دل على اعتبار بلوغ النصاب، فيكفي في وجوب الزكاة في الفرض بلوغه النصاب حين بدو الصلاح، و لا وجه لسقوطها بالمرة. بل الحكم في العنب كذلك، إذ صحيح سليمان لا يصلح لتقييد أدلة الوجوب بما يكون زبيباً. غاية الأمر أن التقدير فيه بحال الزبيب لا يشمل ما لا يكون زبيباً، فيبقى إطلاق أدلة الوجوب بحاله شاملا له.

اللهم إلا أن يكون ما ذكرنا إحداث قول ثالث. فتأمل.

حق العبارة أن يقال: فيما لا يحسب من المؤن، إذ ما يحسب من المؤمن مأذون في التصرف فيه، و ليس عليه ضمانه. و يحتمل: أن يكون قيداً للمتعارف. لكنه بعيد.

بناء على القول المشهور. أما بناء على القول الآخر فلا ضمان، و هذا من ثمرات الخلاف. ثمَّ إنه بناء على أنه لا مانع من التصرف فيما زاد على مقدار الزكاة، فالمراد من الضمان ثبوت مقدار الزكاة في الباقي.

و لو بني على عدم جواز التصرف، فالضمان لا بد أن يكون بمراجعة الولي، إذ لا دليل على شرعيته للمالك مستقلا، و يكون حكم التصرف في البعض هو‌

143
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): لو كانت الثمرة مخروصة على المالك ؛ ج‌9، ص : 144

عليه أداء الزكاة حينئذ (1)، بعد فرض بلوغ يابسها النصاب.

[ (مسألة 5): لو كانت الثمرة مخروصة على المالك]

(مسألة 5): لو كانت الثمرة مخروصة على المالك، فطلب الساعي من قبل الحاكم الشرعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب عليه القبول (2)، بخلاف ما لو بذل المالك الزكاة بسراً أو حصرماً مثلا، فإنه يجب على الساعي القبول (3).

[ (مسألة 6): وقت الإخراج الذي يجوز للساعي]

(مسألة 6): وقت الإخراج الذي يجوز للساعي حكم التصرف في الكل. فلو لم يراجع الولي بطل تصرفه. و لو أتلفه كان ضامناً للزكاة.

و ما دل من الإجماع على جواز الإخراج إلى زمان التصفية أو التسمية غير شامل للفرض.

لما يأتي: من تأخر وقت الإخراج عما قبل اليبس.

لأن الدليل الدال على تأخر وقت الإخراج إنما يدل على عدم وجوب المبادرة في الأداء إرفاقاً بالمالك، لا عدم مشروعية الدفع. و بالجملة:

ظاهر الدليل قصر سلطنة الفقير على المطالبة، لا قصر سلطنة المالك عن تفريغ ماله أو ذمته.

نعم قد يقال باختصاص ذلك بما إذا كان قد اقتطفه. أما لو لم يقتطفه فيشكل بلزوم الضرر على مستحق الزكاة. و فيه: أن مستحق الزكاة إنما يستحق في الحصرم حصرماً و في البسر بسراً، فدفع حقه إليه لا ضرر فيه، و ليس يستحق على المالك الإبقاء كي يلزم تفويت الحق. نعم لو كان الدفع في حال لا ينتفع به أشكل الدفع، لأنه إتلاف لماله. و من ذلك يظهر: أنه لو أراد المالك دفع الزكاة في الحب قبل الحصاد، أو الدياس، أو التصفية لم يجز للساعي الامتناع عن الأخذ. فلاحظ.

144
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): وقت الإخراج الذي يجوز للساعي ؛ ج‌9، ص : 144

مطالبة المالك فيه، و إذا أخرها عنه ضمن- عند تصفية الغلة (1) و اجتذاذ التمر، و اقتطاف الزبيب. فوقت وجوب الأداء غير وقت التعلق.

بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، و عن الحدائق:

الاتفاق عليه، و في المدارك: إجماع الأصحاب عليه. و في المنتهى: «اتفق العلماء على أنه لا يجب الإخراج في الحبوب إلا بعد التصفية، و في التمر إلا بعد التشميس و الجفاف ..». و في التذكرة: «و أما الإخراج فلا يجب حتى تجذ الثمرة، و تشمس، و تجفف، و تحصد الغلة، و تصفي من التبن و القشر. بلا خلاف ..».

ثمَّ إنه قال في الشرائع: «و وقت الإخراج في الغلة إذا صفت، و في التمر بعد اخترافه، و في الزبيب بعد اقتطافه ..». و قال في المسالك و المدارك: «في جعل ذلك وقت الإخراج تجوز، و إنما وقته عند يبس الثمرة و صيرورتها تمراً، أو زبيباً ..». و قال في محكي الروضة:

«إن وقت الوجوب و الإخراج واحد، و هو وقت التسمية، بناء على غير المشهور ..». و هذا بظاهره مناف لما تقدم عن التذكرة و المنتهى.

و احتمل في الجواهر حمل عبارتي التذكرة و المنتهى على أن الاختراف، و الاقتطاف، و التصفية من شرائط الواجب- و هو الإخراج- لا من شرائط وجوبه، فيجب عليه الإخراج بمجرد التسمية، و لكن بعد التصفية و الاختراف و الاقتطاف، فتجب المبادرة إلى الشرط. و هو الذي يقتضيه إطلاق دليل وجوب إيتاء الزكاة من دون مقيد. نعم بناء على المشهور لا بد من الالتزام بتقييده إلى ما بعد وقت التسمية بالإجماع المتقدم. اللهم إلا أن يقال:

ظاهر صحيح سعد- المتقدم في تعيين زمان التعلق- «1» جواز التأخير إلى‌

______________________________
(1) لاحظ المسألة: 1 من هذا الفصل.

145
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي ؛ ج‌9، ص : 146

[ (مسألة 7): يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي]

(مسألة 7): يجوز للمالك المقاسمة مع الساعي (1)، مع التراضي بينهما قبل الجذاذ.

[ (مسألة 8): يجوز للمالك دفع الزكاة و الثمر على الشجر]

(مسألة 8): يجوز للمالك دفع (2) الزكاة و الثمر على الشجر قبل الجذاذ، منه، أو من قيمته.

[ (مسألة 9): يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين]

(مسألة 9): يجوز دفع القيمة حتى من غير النقدين (3) من أي جنس كان، بل يجوز أن تكون من المنافع، كسكنى الدار مثلا. و تسليمها بتسليم العين إلى الفقير.

[ (مسألة 10): لا تتكرر زكاة الغلات]

(مسألة 10): لا تتكرر زكاة الغلات (4) بتكرر زمان الصرم، فيقيد به إطلاق دليل الإيتاء، بناء على ظهوره في الفورية، كما هو كذلك.

هذا في التمر و الزبيب. و أما في الحب فالظاهر الاتفاق على اعتبار التصفية. نعم الظاهر انصراف الصحيح إلى زمان الصرم المتعارف، و كذا التصفية في كلماتهم، فلا يجوز التأخير عنه.

ذلك مقتضى ولايتهما شرعاً. و تقدم في المسألة الخامسة وجوب القبول على الساعي، و لا يعتبر رضاه.

تقدم الكلام فيه في المسألة الخامسة.

لإطلاق معاقد الإجماعات على جواز دفع القيمة في الغلات و النقدين.

و كأنه لذلك قرب في محكي البيان الجواز. لكن في المستند- تبعاً لما في الذخيرة- قرب المنع، لفقد الدليل على الصحة. و كأنه للتأمل في ثبوت الإطلاق لمعاقد الإجماع، أو للتأمل في حجيته. و لا يخلو من وجه، لو لا ما تقدم من خبر قرب الاسناد. فراجع المسألة الخامسة من فصل زكاة الأنعام.

إجماعاً حكاه جماعة كثيرة. بل عن المعتبر: دعوى اتفاق العامة‌

146
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات ؛ ج‌9، ص : 147

السنين إذا بقيت أحوالا، فاذا زكى الحنطة، ثمَّ احتكرها سنين لم يجب عليه شي‌ء. و كذا التمر و غيره.

[ (مسألة 11): مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات]

(مسألة 11): مقدار الزكاة الواجب إخراجه في الغلات، هو العشر فيما سقي بالماء الجاري (1)، أو بماء السماء أو بمص عروقه من الأرض، كالنخل و الشجر، بل الزرع- أيضاً- في بعض الأمكنة، و نصف العشر فيما سقي بالدلو، و الرشاء، و النواضح، و الدوالي، و نحوها من العلاجات. و لو و الخاصة، عدا الحسن البصري. و يشهد له- مضافاً إلى موافقته لأصل العدم-

مصحح زرارة و عبيد ابنه عن أبي عبد اللّه (ع): «أيما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدقها فليس عليه شي‌ء، و إن حال عليه الحول عنده. إلا أن يحول مالا، فان فعل ذلك فحال عليه الحول عنده فعليه أن يزكيه، و إلا فلا شي‌ء عليه، و إن ثبت ذلك ألف عام، إذا كان بعينه. فإنما عليه فيها صدقة العشر، فإذا أداها مرة واحدة فلا شي‌ء عليه فيها حتى يحوله مالا، و يحول عليه الحول و هو عنده» «1».

بلا خلاف، بل عن غير واحد: نفي الخلاف فيه بين المسلمين و يشهد له النصوص الكثيرة،

كصحيح زرارة و بكير عن أبي جعفر (ع) في الزكاة: «ما كان يعالج بالرشا و الدوالي و النضح ففيه نصف العشر، و ما كان يسقى من غير علاج- بنهر، أو عين، أو بعل، أو سماء- ففيه العشر كاملا» «2».

و نحوه غيره. و ظاهره كون الضابط أن يكون نفس سقي الزرع بعلاج و بدونه، فان كان بعلاج ففيه نصف العشر، و إن كان بدونه ففيه العشر، و إن توقف على حفر النهر، أو نبش العين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الغلات حديث: 5.

147
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي ؛ ج‌9، ص : 148

سقي بالأمرين، فمع صدق الاشتراك في نصفه (1) العشر، و في نصفه الآخر نصف العشر. و مع غلبة الصدق لأحد الأمرين فالحكم تابع لما غلب. و لو شك في صدق الاشتراك، أو غلبة صدق أحدهما، فيكفي الأقل. و الأحوط الأكثر.

[ (مسألة 12): لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي]

(مسألة 12): لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي بالدوالي أو تنقيتهما. بل عن بعض: ظهور الاتفاق عليه.

إجماعاً، كما عن جماعة.

لحسن معاوية بن شريح عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «قلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي، ثمَّ يزيد الماء و تسقى سيحاً. فقال (ع): إن ذا ليكون عندكم كذلك؟ قلت:

نعم. قال (ع): النصف و النصف، نصف بنصف العشر، و نصف بالعشر.

فقلت: الأرض تسقى بالدوالي، ثمَّ يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحاً قال (ع): و كم تسقى السقية و السقيتين سيحاً؟ قلت: في ثلاثين ليلة أو أربعين ليلة، و قد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر أو سبعة أشهر.

قال (ع): نصف العشر» «1».

ثمَّ إن جعل المعيار في التنصيف و عدمه ما ذكر في المتن- من الاشتراك في الصدق و عدمه- غير ظاهر، إذ المستند فيه إن كان إطلاق ما دل على أن ما سقت السماء ففيه العشر و ما سقي بالدوالي ففيه نصف العشر، فمن الواضح أن الإطلاقين المذكورين لا يشملان صورة الاشتراك أصلا، بل المرجع فيها الأصول المقتضية للبراءة أو الاحتياط، و إن كان التحقيق الأول و إن كان المستند فيه حسن معاوية المتقدم فهو خال عن الدلالة على ذلك، فإن إطلاق‌

قوله (ع): «النصف و النصف ..»

و إن كان يقتضيه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

148
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لو كان الزرع أو الشجر لا يحتاج إلى السقي ؛ ج‌9، ص : 148

.....

لكن جوابه الأخير يقتضي خلافه، لأن السقية و السقيتين في الفرض المذكور في السؤال تقتضي صدق الاشتراك، و تمنع من صدق الاستقلال للغالب، و مع ذلك حكم فيه بالنصف، إذ الذي لا يمنع من صدق الاستقلال هو النادر الذي لا يعتد به في العرف.

و من هنا كان المعروف- بل الذي ادعى عليه الإجماع- أنه مع التساوي يلزم النصف للنصف و العشر للنصف، و مع الغلبة لأحدهما يكون الحكم للغالب. قال في الشرائع: «و ان اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر. فإن تساويا أخذ من نصفه العشر، و من نصفه نصف العشر ..».

و كأنهم حملوا الجواب الأول على صورة التساوي، و الأخير على صورة الغلبة.

هذا و الانصاف أن مقتضى الجواب الأول عموم الحكم لجميع صور الاشتراك، العرفية، مع التساوي و عدمه، و الخارج منه ليس إلا الصورة المفروضة في السؤال الثاني. و خروجها كما يستفاد من الحسن يستفاد أيضاً مما دل على أن ما سقي بالدوالي فيه نصف العشر، بعد تنزيله على الخارج المتعارف.

إذ لا يتفق مورد يسقى بالدوالي لا يسقى من ماء السماء سقية أو سقيتين إلا نادراً، و حمل ذلك الإطلاق عليه مما لا يمكن. فيتعين الأخذ بإطلاق صدر الحسن الشامل لصورتي التساوي و عدمه، و حمل ذيله على صورة عدم الاعتداد بالقليل عرفاً في نسبة السقي إليه، كما هو المتعارف فيما يسقى بالدوالي و نحوها، و ما يسقى بغير ذلك. فيتم ما ذكره المصنف، و سبقه إليه في الجواهر و نجاة العباد.

و هل المعيار في الأكثرية و المساواة- بناء على كونهما المدار في الحكمين المذكورين- الزمان، أو العدد، أو النمو؟ أقوال، نسب الأول إلى جماعة، منهم العلامة و الشهيد في المنتهى و المسالك، و الثاني إلى آخرين، منهم السيد في المدارك و شيخه في مجمع البرهان، بل نسب إلى ظاهر‌

149
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه ؛ ج‌9، ص : 150

و مع ذلك سقي بها من غير أن يؤثر في زيادة الثمر، فالظاهر وجوب العشر (1). و كذا لو كان سقيه بالدوالي، و سقي بالنهر و نحوه من غير أن يؤثر فيه، فالواجب نصف العشر.

[ (مسألة 13): الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه]

(مسألة 13): الأمطار العادية في أيام السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه (2)، إلا إذا كانت بحيث لا حاجة معها إلى الدوالي أصلا، أو كانت بحيث توجب صدق الشركة فحينئذ يتبعهما الحكم.

[ (مسألة 14): لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثاً]

(مسألة 14): لو أخرج شخص الماء بالدوالي على أرض مباحة مثلا- عبثاً، أو لغرض- فزرعه آخر، و كان الأكثر، و الثالث إلى آخرين، منهم العلامة في القواعد و التذكرة و الشهيد الثاني في حاشية الإرشاد، و عن حواشي القواعد: إنه الأشهر. و علله فيما عن التذكرة: «بأنه مقتضى ظاهر النص». و تنظر فيه في محكي المدارك، بل ظاهر النص يقتضي الأول، كما يقتضيه أدنى تأمل في‌

قوله (ع) فيه: «و كم تسقى السقية و السقيتين ..».

و دعوى: كون الزمان ملحوظاً فيه طريقاً إلى العدد، فيكون دليلا على القول الثاني، غير ظاهرة و مجرد كون المناط في الاختلاف بالعشر و نصفه هو الكلفة و عدمها- لو تمَّ- لا يصلح قرينة عليه. مع أن لازمه كون المدار على كثرة الكلفة لا العدد. فلاحظ.

لظهور السقي في خصوص السقي المحتاج إليه الزرع، فان كان ذلك بالدوالي أو بغيرها جرى عليه حكمه.

تقدم الكلام في ذلك في المسألة الحادية عشرة.

150
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 15): إنما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة ؛ ج‌9، ص : 151

الزرع يشرب بعروقه، فالأقوى العشر (1). و كذا إذا أخرجه هو بنفسه لغرض آخر غير الزرع، ثمَّ بدا له أن يزرع زرعاً يشرب بعروقه، بخلاف ما إذا أخرجه لغرض الزرع الكذائي (2) و من ذلك يظهر (3) حكم ما إذا أخرجه لزرع، فزاد و جرى على أرض أخرى.

[ (مسألة 15): إنما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة]

(مسألة 15): إنما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة (4)، كأنه لأجل أن المفهوم من النصوص كون المعيار في العشر و نصفه تكلف السقي للزرع و عدمه. لكنه غير ظاهر بنحو ترفع به اليد عن إطلاق الأدلة. و كأنه لذلك اختار في نجاة العباد نصف العشر، و مال إليه في محكي كشف الغطاء. و هو الأقرب.

يعني: فسقي غيره به، فإنه يجب فيه نصف العشر. هذا و الفرق الفارق بين الفرض و ما قبله في الحكم غير ظاهر.

فان حكمه حكم الفرض الأول قولا و دليلا.

بلا خلاف فيه و لا إشكال. قال في محكي المعتبر: «خراج الأرض يخرج وسطاً، و يؤدى زكاة ما بقي إذا بلغ نصاباً، إذا كان لمسلم.

و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام ..». و نحوه محكي المنتهي و يشهد له جملة من النصوص،

كمصحح أبي بصير و محمد عن أبي جعفر (ع) أنهما قالا له: «هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال (ع):

كل أرض دفعها إليك السلطان، فما حرثته فيها فعليك مما أخرج اللّه منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج اللّه منها العشر: إنما عليك العشر فيما يحصل في يدك، بعد مقاسمته لك» «1»

، و ما في مضمر صفوان‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

151
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 15): إنما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة ؛ ج‌9، ص : 151

بل ما يأخذه باسم الخراج أيضاً (1)، بل ما يأخذه العمال و البزنطي من‌

قوله (ع): «و على المتقبلين- سوى قبالة الأرض- العشر و نصف العشر في حصصهم» «1».

و نحوهما غيرهما. مضافاً إلى أن حصة السلطان ليست مملوكة للزارع حين تعلق الوجوب، فلا وجه لوجوب الزكاة عليه فيها، كما في سائر موارد الاشتراك في الزرع، إذ ليس على الشريك زكاة حصة شريكه.

نعم لو كانت مستحقة للسلطان بعد تعلق الوجوب كان الحال فيها هو الحال في المؤن التي يأتي إن شاء اللّه الكلام فيها. و لو كان السلطان قد استولى على الحصة قبل تعلق الوجوب فلا ينبغي الإشكال في عدم وجوب زكاتها على المالك، لعدم التمكن من التصرف الذي هو شرط في وجوب الزكاة. و لو كان قد استولى عليها بعده، كان الحال فيها هو الحال فيما لو تلف بعض الحاصل بغير تفريط من المالك، الذي لا إشكال عندهم في عدم ضمان المالك زكاته.

المصرح به في كلام غير واحد: أن الخراج عند الأصحاب بحكم المقاسمة. قال في محكي جامع المقاصد: «المراد بحصة السلطان خراج الأرض أو قسمتها ..». و في محكي الحدائق: «المراد بخراج السلطان و حصته هو ما يؤخذ من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل، و إن سمي الأخير مقاسمة ..». و نحوهما كلام غيرهما. لكن في الاعتماد على ذلك- في دعوى كون استثناء الخراج إجماعياً، كاستثناء المقاسمة- تأمل. كيف و في التذكرة: «تذنيب: لو ضرب الامام على الأرض الخراج من غير حصة، فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع، لأنه كالدين ..»؟

و أشكل منه ما في الجواهر: من دعوى كونه ظاهر النص و الفتوى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2.

152
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 15): إنما تجب الزكاة بعد إخراج ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة ؛ ج‌9، ص : 151

.....

فان النصوص المتقدمة و غيرها موردها الحصة المختصة بالمقاسمة، فإلحاق الخراج بالمؤن- التي يأتي الخلاف في استثنائها و عدمه- أولى. نعم‌

في خبر صفوان و البزنطي قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج

.. (إلى أن قال) (ع):

و على المتقبلين- سوى قبالة الأرض- العشر و نصف العشر في حصصهم» «1»

، بناء على عموم القبالة للحصة و للنقد، كما هو الظاهر.

إلا أن يقال: استثناء القبالة يقتضي أن تكون من جنس المستثنى منه. و كذا قوله (ع):

«في حصصهم»

الظاهر كونه في مقابل حصة السلطان، و في السند علي بن أحمد بن أشيم. إلا أن يقال: رواية أحمد ابن محمد بن عيسى عنه تدل على وثاقته. و الاستثناء ليس بحيث يوجب تقييد الإطلاق فتأمل.

و كيف كان فالظاهر التسالم على عدم سقوط الزكاة بدفع الخراج.

و في الجواهر: «لا كلام في ذلك»، و فيما تقدم- من محكي المعتبر و غيره- الإجماع عليه، و يشهد له النصوص المتقدمة. لكن في جملة أخرى منها السقوط،

كصحيح رفاعة عن أبي عبد اللّه (ع): «عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدي خراجها إلى السلطان، هل عليه فيها عشر؟

قال (ع): لا» «2»

، و‌

خبر أبي كهمس عنه (ع): «من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه» «3»

، و خبر سهل بن اليسع، أنه حيث أنشأ سهل‌آباد، و سأل أبا الحسن موسى (ع) عما يخرج منها ما عليه.

فقال (ع): «إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي‌ء، و إن

______________________________
(1) لاحظ التعليقة السابقة.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الغلات حديث: 3.

153
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ ج‌9، ص : 154

زائداً على ما قرره السلطان ظلماً (1)، إذا لم يتمكن من الامتناع جهراً و سراً، فلا يضمن حينئذ حصة الفقراء من الزائد. و لا فرق في ذلك بين المأخوذ من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاماً. و أما إذا كان شخصياً فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها، بل الأحوط الضمان فيه مطلقاً و إن كان الظلم عاماً. و أما إذا أخذ من نفس الغلة قهراً فلا ضمان إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضاً.

[ (مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها]

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها (2)

لم يأخذ السلطان منها شيئاً فعليك إخراج عشر ما يكون فيها» «1».

و الجمع بينها و بين ما سبق ممكن بحمله على الاستحباب. لكن لا مجال للعمل بها بعد حكاية غير واحد الإجماع على خلافها، فيتعين حملها على التقية، لأن السقوط مذهب أبي حنيفة. أو طرحها و تأويلها.

قال في محكي المسالك: «لا يستثنى الزائد. إلا أن يأخذه قهراً بحيث لا يتمكن من منعه سراً أو جهراً، فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد ..». و نحوه ما عن غيره. لكن دخوله في النصوص محل تأمل.

و حينئذ فإن أخذ من عين الغلة كان من قبيل غصب العين الزكوية الذي لا ضمان فيه للزكاة، من دون فرق بين كون الظلم عاماً أو خاصاً. و إن أخذ من غيرها لم يبعد إلحاقه بالمؤمن التي لا فرق أيضاً في استثنائها- لو تمَّ- بين العموم و الخصوص.

كما نسب إلى الأكثر، بل عن جماعة: أنه المشهور، بل في مفتاح الكرامة: «لو ادعى مدع الإجماع لكان في محله، كما هو ظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

154
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ ج‌9، ص : 154

.....

الغنية، أو صريحها ..». و اختاره الصدوق في الفقيه و المقنع و الهداية، و المفيد في المقنعة، و الشيخ في المبسوط في صدر المسألة، و حكي عن السيدين في الجمل و الغنية، و الفاضلين، و الشهيد في أكثر كتبه، و الأردبيلي.

نعم في المبسوط في آخر المسألة قال: «و كل مئونة تلحق الغلات إلى وقت إخراج الزكاة على رب المال دون المساكين ..». و لعل غرضه لزوم الدفع على المالك، و إن كان له استثناؤها من الزكاة، لئلا يناقض ما تقدم في صدر المسألة، مما هو صريح في الاستثناء.

و استدل للمشهور تارة: بالأصل، الذي لا مجال لجريانه مع وجود إطلاقات العشر و نصفه، النافية لاستثناء المؤن.

و أخرى: بقاعدة نفي الضرر، التي لا مجال لها أيضاً، بعد كون وجوب إخراج الزكاة ضررياً في نفسه، فيؤخذ بإطلاق دليله، و يكون مخصصاً لدليل القاعدة.

و ثالثة: بدليل نفي العسر و الحرج. و فيه: منع ذلك كلية. و لو ثبت في مورد اتفاقاً بني على سقوط الوجوب حينئذ، لكن لا يلازم سقوط حق الزكاة، كما في سائر موارد الحقوق المالية.

و رابعة: بنصوص استثناء حصة السلطان. و فيه: أنك قد عرفت اختصاص تلك النصوص بالحصة التي هي ملك للسلطان، فلا ترتبط بما نحن فيه. و لو سلم عمومها لكل ما يأخذه السلطان فلا مجال لقياس المقام بها.

و خامسة: بقوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ ..) «1»، و قوله تعالى:

(وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ..) «2»، و العفو هو الزائد على المؤنة. و فيه: أن موضوع الكلام مئونة الزرع لا مئونة المالك. مع أن ظاهر‌

______________________________
(1) الأعراف: 198.

(2) البقرة: 219.

155
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ ج‌9، ص : 154

.....

الآية أخذ تمام الزائد لا عشره أو نصفه، فلا تكون الآية مما نحن فيه. فتأمل.

و سادسة: بما‌

في بعض نسخ الفقه الرضوي: «و ليس في الحنطة و الشعير شي‌ء إلى أن يبلغ خمسة أوسق

.. (إلى أن قال):

فاذا بلغ ذلك و حصل بغير [بقدر] خراج السلطان، و معونة العمارة و القرية أخرج منه العشر ..» «1».

و فيه: أن الفقه المذكور لم تثبت حجيته، و لا هو مجبور بعمل و اعتماد، و مجرد الموافقة لفتوى المشهور غير جابر. مع أن المراد من مئونة العمارة و القرية لا يخلو من إشكال.

و سابعة: بما‌

في مصحح الفضلاء من قول أبي جعفر (ع): «و يترك للخارص [الحارث خ ل] [1] أجزأ معلوماً، و يترك من النخل معافارة [2] و أم جعرور، و يترك للحارس- يكون في الحائط- العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إياه» «2»

، و ما‌

في مصحح ابن مسلم من قول أبي عبد اللّه (ع): «يترك للحارس العذق و العذقان. و الحارس يكون في النخل ينظره، فيترك ذلك لعياله» «3».

و فيه: أنه لا يظهر من الرواية كون المتروك للحارس من باب الأجرة التي عينها له المالك. بل من الجائز أن يكون ذلك حقاً استحبابياً أو وجوبياً له غير أجرته. و إلا لقال (ع): و يترك للمالك‌

______________________________
[1] كذا في نسخة المؤلف (قده) الخطية. لكن الموجود في الطبعة الجديدة من الوسائل عن الكليني (قده): «لا يترك للحارس أجراً معلوماً». و في التهذيب (طبع النجف الأشرف ج: 4 صفحة: 106): «يترك للحارس ..». و في الكافي (طبع إيران الجديد. ج: 3 صفحة:

565): «يعطى للحارس ..».

[2] مركب إضافي. قال في القاموس: «معى الفار: تمر ردي‌ء.» و يسمى مصران الفارة (منه قدس سره)

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الغلات حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الغلات حديث: 3.

156
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ ج‌9، ص : 154

.....

المقدار المساوي لما عينه للحارس، قليلا كان أو كثيراً، من عين الغلة أو من غيرها، كما لا يخفى. و لذلك رواه الكليني في الكافي في باب حق الحصاد و الجذاذ. و من ذلك قد يظهر: أن التعرض في النصوص لترك معافارة و أم جعرور، و ما يدفع للحارس، و عدم التعرض لغير ذلك- و منه المؤن اللازمة غالباً- ظاهر في عدم استثنائها. إلا أن يقال: النصوص المذكورة إنما وردت لبيان أحكام الخرص و ما يتعلق به، لا لبيان الزكاة و ما يتعلق بها، و المؤن من الثاني.

و ثامنة: بأنه مقتضى قاعدة الشركة، فإن احتساب المؤن المتأخرة عن زمان الوجوب على خصوص المالك محتاج إلى دليل، و هو مفقود. و يثبت الحكم بالمؤن المتقدمة عليه بعدم القول بالفصل، كما ادعي. و فيه: أن عدم القول بالفصل غير كاف في الإلحاق، ما لم يثبت القول بعدم الفصل.

مضافاً إلى إمكان دعوى: أن توجيه الخطاب بإيتاء الزكاة إلى المالك ظاهر في كون المؤمن عليه، لتوقف الإيتاء الواجب عليها، فيكون ذلك دليلا على وجوب المؤن المذكورة على المالك. فتأمل. و ربما يستدل بأمور أخر ظاهرة الاشكال لا حاجة إلى ذكرها و ذكر الاشكال عليها.

و بالجملة: لا يتحصل لنا وجه لرفع اليد عن الإطلاقات. و المناقشة فيها: بعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة- لو تمت في بعضها- فغير مطردة في الجميع، لاشتمال بعضها على ذكر أمور ليست لها الأهمية، كما يكون لاستثناء المؤن. فلاحظ نصوص ذلك الباب. لا أقل من مصحح أبي بصير و محمد بن مسلم المتقدم في استثناء المقاسمة.

هذا و كأنه لذلك ذهب الشيخ في المبسوط و الخلاف الى عدم الاستثناء و كذا ابن سعيد في الجامع، و الشهيد الثاني في فوائد القواعد. و في المدارك و الذخيرة و المفاتيح و الحدائق و غيرها، اختياره. على ما حكي عن بعضها.

157
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ ج‌9، ص : 154

.....

و قد يستدل عليه‌

بخبر محمد بن علي بن شجاع النيسابوري أنه سأل أبا الحسن الثالث (ع): «عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً، و بقي في يده ستون كراً، ما الذي يجب لك من ذلك، و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع (ع): لي منه الخمس مما يفضل من مئونته» «1».

بتقريب: أن تقرير الامام (ع) له على اعتقاده بأن الزكاة عشرة أكرار لا سبعة دليل على عدم الاستثناء. و فيه- مع أن الخبر ضعيف السند من دون جابر-: أنك عرفت الإشكال في كون ما يصرف في عمارة الضيعة من المؤن، و أنه لا يظهر من الحديث اعتقاد السائل ذلك لاحتمال قراءة (أخذ) مبنياً للمفعول، فيكون ذلك من معتقدات الآخذ و لعله حينئذ يكون ظاهراً في الأخذ قهراً، و عدم الردع حينئذ يكون لعدم الفائدة فيه. اللهم إلا أن يقال: إنه لا يوافق ما دل على عدم الاجتزاء بالدفع إلى الظالم. لكن سيأتي: أن الظاهر الاجتزاء به. و ربما يستدل له أيضاً بأمور أخر لا تستأهل ذكراً و لا رداً.

نعم هنا شي‌ء، و هو أن الصدوق في المقنع قال: «ليس على الحنطة و الشعير شي‌ء حتى يبلغ خمسة أوساق. و الوسق ستون صاعاً. و الصاع أربعة أمداد. و المد مائتان و اثنان و تسعون درهماً و نصف، فاذا بلغ ذلك و حصل- بعد خراج السلطان، و مئونة القرية- أخرج منه العشر إن كان سقي بماء المطر و كان سيحاً، و إن سقي بالدلاء و القرب ففيه نصف العشر ..» «2»

و في الهداية قال: «اعلم أنه ليس على الحنطة ..» «3» و في الفقيه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2.

(2) المقنع الباب الأول من أبواب الزكاة صفحة: 13.

(3) الهداية الباب الثاني من أبواب الزكاة صفحة: 9.

158
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ ج‌9، ص : 154

من غير فرق بين المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة. كما أن الأقوى اعتبار النصاب أيضاً بعد خروجها (1). و إن كان- بعد أن‌

روى رواية عبد اللّه بن عجلان الآتية الواردة في ترجيح بعض المستحقين على بعض: قال (ع): «أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل»- «1»

قال (رحمه اللّه): «و ليس على الحنطة ..» «2». و المظنون قوياً: أن اقتصاره على العبارة المذكورة يدل على أنها متن رواية. و لا سيما بملاحظة ما ذكره في صدر الفقيه و المقنع: من أن ما يذكره فيهما مما يرويه عن الأئمة (ع). بل قد يتوهم من الفقيه: أن العبارة المذكورة ذيل رواية عبد اللّه بن عجلان. لكنه بعيد بملاحظة عدم تناسب العبارة مع متن الرواية نعم اتحاد المتن المذكور في الكتب الثلاثة يستوجب الاطمئنان بأنه متن رواية و لا سيما بملاحظة التعبير بمؤنة القرية، فإنها ليست في عبارات الفقهاء. لكن في حجية مثل هذا الاطمئنان تأمل، أو منع.

و المتحصل مما ذكرنا كله: أن الأقرب عدم استثناء المؤن السابقة.

و أما المؤن اللاحقة فاستثناؤها لا يخلو من إشكال أشرنا اليه. و لا سيما بناء على أن تعلق الزكاة بالعين تعلق الحق بموضوعه، لا من قبيل الجزء المشاع و لا من قبيل الكلي في المعين. إذ المؤنة إنما تكون على ملك المالك لا الزكاة اللهم إلا أن يقال: لما كانت العين موضوعاً للحق كانت مئونتها مئونته، لأن حفظه بحفظها. فلاحظ.

كما نسب إلى الفقيه و المقنع و المقنعة و النهاية و المبسوط و السرائر و المنتهى و نهاية الأحكام و التحرير و غيرها، بل نسب إلى المشهور. و عن التذكرة: «الأقرب أن المؤنة لا تؤثر في نقصان النصاب و إن أثرت في‌

______________________________
(1) تأتي الرواية في المسألة الثالثة من فصل في بقية أحكام الزكاة.

(2) الفقيه ج 2 صفحة 18 طبع النجف الأشرف.

159
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها ؛ ج‌9، ص : 154

الأحوط اعتباره قبله، بل الأحوط عدم إخراج المؤن، خصوصاً اللاحقة (1). و المراد بالمؤنة كلما يحتاج إليه الزرع و الشجر، نقصان الفرض ..». و عن المدارك و الذخيرة. موافقته، و عن فوائد الشرائع و جامع المقاصد و إيضاح النافع و الميسية و المسالك و الروضة: أن المؤن اللاحقة تستثنى بعد النصاب، و السابقة قبله.

و لأجل أنه لم يتحصل عندنا دليل على استثناء المؤن يشكل البناء على أحد الأقوال. و الأدلة المتقدمة يختلف مقتضاها. فالأصل، و أدلة نفي الضرر و العسر و الحرج، و الرضوي، و ما دل على أنه يترك للحارس العذق و العذقان و الثلاثة تقتضي استثناءها قبل النصاب. و قاعدة الشركة- بضميمة عدم القول بالفصل- تقتضي استثناءها بعد النصاب. و كذا قوله تعالى:

(خُذِ الْعَفْوَ ..) و نحوه، لو تمَّ كون المراد منه الزائد على مئونة الغلة لا مئونة المالك. و لو فرض إجمال دليل الاستثناء، فلأجل أنه يدور الأمر بين تقييد بلوغ الخمسة أوسق بما كان بعد المؤنة، و تقييد‌

قولهم (ع): «ففيه العشر»

بما كان بعد المؤنة، و لا مرجح لأحدهما على الآخر، يسقط الإطلاقان معاً عن الحجية، و تكون النتيجة كما لو قيد الإطلاق الأول.

فإذا بلغ خمسة أوسق مع المؤنة، و بدونها بلغ أربعة لم يجب عليه شي‌ء.

اللهم إلا أن يقال: الإطلاق الثاني يترتب على الإطلاق الأول، لأنه من قبيل إطلاق الحكم، و الأول من قبيل إطلاق الموضوع، فاذا سقط إطلاق الموضوع عن الحجية لم يبق لإطلاق الحكم مجال. و حينئذ فإذا دار الأمر بين تقييد الإطلاق الأول و الإطلاق الثاني فقد علم بعدم حجية الإطلاق الثاني، إما للتخصيص، أو للتخصص، فأصالة الإطلاق الأول بلا معارض و تكون النتيجة كما لو علم تقييد الإطلاق الثاني بعينه. هذا كله بناء على إجمال الخاص. لكنه فرض غير حاصل، لما عرفت من مستند الاستثناء.

كان المتعين أن يقول بدله: «خصوصاً السابقة»، لا مكان‌

160
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى ؛ ج‌9، ص : 161

من أجرة الفلاح، و الحارث، و الساقي، و أجرة الأرض إن كانت مستأجرة، و أجرة مثلها إن كانت مغصوبة، و أجرة الحفظ، و الحصاد، و الجذاذ، و تجفيف الثمرة، و إصلاح موضع التشميس، و حفر النهر (1) و غير ذلك، كتفاوت نقص الآلات و العوامل، حتى ثياب المالك و نحوها. و لو كان سبب النقص مشتركاً بينها و بين غيرها وزع عليهما بالنسبة.

[ (مسألة 17): قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى]

(مسألة 17): قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى، أو المال الذي لا زكاة فيه (2) من المؤن.

القول باستثناء اللاحقة دون السابقة، أما عكسه فليس بمحتمل.

لا يخلو إطلاقه من نظر، فان حفر النهر الكبير الذي تعد به الأرض من الحية- أعني: القابلة للزراعة بالقابلية القريبة من الفعلية، في قبال الميتة، غير القابلة للزراعة- معدود من مؤن الأرض و إحيائها، لا من مؤن الزرع. نعم حفر النهر الصغير في الأرض المحياة- كما يسمى في زماننا بالمحمولة أو بالمطان- معدود عرفاً من مؤن الزرع.

أما إذا كان من المال الذي فيه الزكاة فلا فرق بين استثنائه و عدمه، لوجوب الزكاة فيه على كلتا الحالين. نعم تفترق الحالتان من جهتين أخريين: (إحداهما): ما إذا كان متمماً للنصاب، فان استثناءه موجب لنقص النصاب و انتفاء الزكاة بالمرة، إلا ما وجب فيه أولا. (ثانيتهما):

ما إذا اختلف مقدار الزكاة الواجبة فيه و الزكاة الواجبة في الزرع بأن كان الزرع مما سقي بالدلاء و بذره مما سقي سيحاً، أو بالعكس. و في هاتين الحالتين لا بد من العمل على الاستثناء، لأنه من المؤن على كل حال، و البناء على عدم الاستثناء في غير الفرضين من جهة عدم الثمرة المترتبة عليه، فاذا فرض ترتبها على‌

161
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): قيمة البذر إذا كان من ماله المزكى ؛ ج‌9، ص : 161

و المناط قيمته يوم تلفه (1)، و هو وقت الزرع.

الاستثناء وجب البناء عليه، كما لا يخفى.

قال في المسالك في مقام تعداد المؤن: «و عين البذر إن كان من ماله المزكى فالمؤنة عينه. و لو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه و عينه ..»‌

و عن البيان: «لو اشترى بذراً فالأقرب أن المخرج أكثر الأمرين من الثمن و القدر. و يحتمل إخراج القدر خاصة، لأنه مثلي ..». و تنظر فيه في الجواهر: «بأن الذي يعد أنه من مؤن الزرع، و صار هو سبباً لإتلافه عين البذر لا ثمنه. و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر.

و بالجملة: التخيير المزبور لا يخلو من نظر، أو منع ..».

أقول: لعل وجهه: أنه كما يصدق على البذر أنه محتاج اليه الزرع يصدق على المال الذي يشترى به البذر أنه محتاج اليه الزرع، لتوقف الزرع على كل منهما. غاية الأمر: أن أحدهما مقدمة للآخر، و البذر مقدمة قريبة، و ثمنه مقدمة بعيدة. فكل منهما مئونة لا في عرض واحد، بل أحدهما في طول الآخر، فاستثناؤهما معاً غير ممكن، و استثناء أحدهما بعينه ترجيح بلا مرجح. و لأجل أنه لا يمكن البناء على عدم استثنائهما معاً، كان اللازم استثناء أحدهما لا بعينه، و مفاده التخيير.

و هكذا الحال في جميع المقدمات الطولية. فلو كان عين البذر لا يشترى إلا بالأرز، و الأرز لا يشترى إلا بالسمسم، و السمسم لا يشترى إلا بالدراهم فاشترى السمسم بالدراهم، و الأرز بالسمسم، و البذر بالأرز، تخير بين استثناء الدراهم و السمسم و الأرز و البذر. و هكذا الحال في أجرة العامل.

اللهم إلا أن يقال: ليس المراد من المؤنة ما يحتاج اليه الزرع ليصدق على كل من المقدمات الطولية، بل خصوص الخسارة المالية، و ثمن البذر ليس منها، لوجود بدله، بخلاف نفس البذر التالف بنثره في الأرض.

162
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 18): أجرة العامل من المؤن ؛ ج‌9، ص : 163

[ (مسألة 18): أجرة العامل من المؤن]

(مسألة 18): أجرة العامل من المؤن، و لا يحسب للمالك أجرة (1) إذا كان هو العامل، و كذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا أجرة، و كذا إذا تبرع به أجنبي. و كذا لا يحسب أجرة الأرض التي يكون مالكاً لها، و لا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.

[ (مسألة 19): لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة، و كذا لو ضمن النخل و الشجر]

(مسألة 19): لو اشترى الزرع فثمنه من المؤنة، و كذا لو ضمن النخل و الشجر. بخلاف ما إذا اشترى (2) نفس الأرض و النخل و الشجر. كما أنه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.

لكن عليه لو اشترى البذر بأكثر من قيمته- لأجل الاضطرار، أو أنه صارت قيمته وقت النثار الذي هو زمان الخسارة أقل من قيمته حال الشراء- وجب أن نلتزم باستثناء التفاوت بين القيمتين، مضافاً الى استثناء عين البذر و لو زادت قيمته حال النثار على الثمن استثنى أيضاً نفس القيمة الزائدة، فيتعين البناء على استثناء أكثر الأمرين من قيمة البذر وقت التلف و ثمنه.

نعم قد يشكل ذلك: بأنه لما كان الشراء للزرع، فاذا زادت قيمته وقت النثار تحسب الزيادة عرفاً للزرع لا للزارع، فالخسارة لا تكون إلا الثمن، فيتعين استثناؤه لا غير. و إذا لم يشتره يتعين استثناؤه بعينه لا غير.

و إن نقصت قيمته، فإنه لا يعد خسارة، و إنما يكون فوات نفع.

لما عرفت من أن المراد منها الخسارة المالية، و عمل العامل ليس منها، و كذا عمل المتبرع، من ولده أو زوجته أو أجنبي، و كذا أجرة الأرض و العوامل، فان ذلك من قبيل فوات منفعة لا خسارة مالية.

فان ذلك ليس معدوداً من مؤن الزرع، بل من مؤن ملك الأرض.

163
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 20) لو كان مع الزكوي غيره فالمؤنة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين ؛ ج‌9، ص : 164

[ (مسألة 20) لو كان مع الزكوي غيره فالمؤنة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين]

(مسألة 20) لو كان مع الزكوي غيره فالمؤنة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين. و إذا كان المقصود بالذات غير الزكوي، ثمَّ عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل، لم يحسب من المؤن. و إذا كان بالعكس حسب منها.

[ (مسألة 21): الخراج الذي يأخذه السلطان]

(مسألة 21): الخراج الذي يأخذه السلطان أيضاً يوزع على الزكوي و غيره.

[ (مسألة 22): إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة]

(مسألة 22): إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الأولى. و إن كان الأحوط التوزيع (1) على السنين.

[ (مسألة 23): إذا شك في كون شي‌ء من المؤن أو لا]

(مسألة 23): إذا شك في كون شي‌ء من المؤن أو لا لم يحسب منها (2).

و كذا ثمن العوامل فان ما يعد مئونة عملها، لأنفسها، و لا ثمنها. فالمال المبذول بإزاء العمل من المؤنة، و المال المبذول بإزاء العين ليس منها.

هذا و لا يظهر الفرق بين المقام و مئونة السنة التي تستثنى في الخمس، فإذا بني على استثناء نفس العين التي يحتاج إليها هناك، كان اللازم البناء عليه هنا. إلا أن يفرق: بإجمال الدليل هنا، و ظهوره هناك. فلاحظ.

في كونه الأحوط إشكال ظاهر، فإنه إذا كان مئونة للسنة الأولى فقط تجب الزكاة في الثانية، و إن لم يبلغ الحاصل النصاب على تقدير الاستثناء.

لإطلاق الأدلة الذي يجب الرجوع اليه مع إجمال المقيد، و يقتصر في تقييده على القدر المتيقن. لكن ذلك ليس من وظيفة العامي، بل من وظيفة المجتهد الذي يرجع إليه في الاحكام و الموضوعات المستنبطة. و حمل العبارة على الشبهة الموضوعية بعيد جداً.

164
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 24): حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد ؛ ج‌9، ص : 165

[ (مسألة 24): حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد]

(مسألة 24): حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد، فيضم الثمار بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك، بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر (1). و على هذا فاذا بلغ ما أدرك منها نصاباً أخذ منه، ثمَّ يؤخذ من الباقي قل أو كثر (2). و إن كان الذي أدرك أولا أقل من النصاب، ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلق به الوجوب، فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع. و كذا إذا كان نخل يطلع في عام مرتين يضم الثاني إلى الأول (3)، لأنهما ثمرة سنة واحدة. لكن لا يخلو عن إشكال، لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين، كما قيل.

بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، و عن المنتهى: «لا نعرف في هذا خلافاً ..»، و عن التذكرة: «هو مما أجمع عليه المسلمون ..»‌

و يقتضيه إطلاق الأدلة، كما في الجواهر و غيرها. و لا يخلو من تأمل، كما سيأتي.

كما ذكره غير واحد، منهم المحقق في الشرائع.

كما في الشرائع. و نسب إلى الأشهر تارة، و الى المشهور أخرى.

خلافاً لما عن المبسوط و الوسيلة: من عدم الضم. و استدل للأول: بإطلاق الأدلة. و استشكله غير واحد: بعدم ثبوت هذا الإطلاق. قال في الجواهر:

«لكن الانصاف عدم خلو المسألة عن الإشكال، ضرورة عدم تعليق الحكم- في شي‌ء من النصوص- على اتحاد المال بمجرد كونه في عام واحد و أهل. العرف لا يشكون في صدق التعدد عليهما. خصوصاً إذا فصل بين الثمرتين زمان معتد به. و ما حال ذلك إلا كحال الثمرة التي أخرجت‌

165
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 25): إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 166

[ (مسألة 25): إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة]

(مسألة 25): إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة، لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنه فرضه (1)، و إن كان بمقدار لو جف كان بقدر ما عليه من التمر. و ذلك لعدم معجزة في تلك السنة ..». و دعوى: أنه ليس المراد من الوحدة في الزمان اليوم و لا الشهر و لا العمر، فيتعين أن يكون المراد منها الوحدة في العام، عهدتها على مدعيها.

كما عن جماعة، منهم الشيخ و العلامة في أكثر كتبه، و الشهيدان و غيرهم، بل قيل: إنه المعروف. لعدم كونه من أفراد الفريضة. و إطلاق التمر على الرطب مبني على المسامحة، فلا يعول عليه. و لو سلم كان اللازم الاجتزاء به و إن لم يبلغ مقدار الفريضة لو جف، و لم يقل به أحد. فإن المحكي عن المنتهى الجواز بالشرط المذكور.

و محصل الكلام: أنه إن بني على أن زمان التعلق هو زمان التسمية تمراً أو زبيباً، فلا ينبغي التأمل في عدم إجزاء الرطب و العنب على أنه الفريضة، لانتفاء الاسم. و ان بني على المشهور- من أن زمان التعلق زمان بدو الصلاح- ففي حال كونه رطباً أو عنباً يكون موضوعاً للزكاة.

و حينئذ نقول: إن قولهم (ع): «ففيه العشر، أو نصف العشر ..»‌

إما أن يراد منه الكسر المشاع، أو الكلي في المعين، أو الحق في المعين.

فعلى الأول لا يجوز دفع كل من الرطب و التمر عن الآخر، و لا دفع كل من العنب و الزبيب عن الآخر، و لا دفع أحدهما عن الزكاة الواجبة في مجموعهما. كما لا يجوز دفع نوع بعينه إذا كان الزكوي مختلطاً من أنواع شتى، و لا ذي وصف بعينه إذا كان النصاب مختلطاً من ذوات أوصاف شتى، لأن ذلك كله ليس من مصاديق الكسر المشاع، بل يجب الدفع من كل واحد من الأنواع، أو ذوات الأوصاف على النسبة.

166
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 26): إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة ؛ ج‌9، ص : 167

كونه من أفراد المأمور به. نعم يجوز دفعه على وجه القيمة.

و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزي عنه دفع العنب، إلا على وجه القيمة، و كذا العكس فيهما. نعم لو كان عنده رطب يجوز أن يدفع عنه الرطب فريضة. و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة. و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر و الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟

لا يبعد الجواز. لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضاً، لأن الوجوب تعلق بما عنده. و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى أو شعير آخر.

[ (مسألة 26): إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة]

(مسألة 26): إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة، لا يكون من الربا، بل هو من باب الوفاء (1).

و على الثاني يجوز الدفع من أي نوع من العين، و من أي موصوف منها، و لا يجب التوزيع، لأن كل ما يفرض مساوياً للعشر فهو مصداق لذلك الكلي. و لكن لا يجوز الدفع من غير العين، لأنه غير مصداق الكلي في المعين.

و على الثالث يجوز الدفع من غير العين، و لو لم يكن مساوياً للعين في النوع أو الوصف، لأنه مصداق للواجب في الذمة. و اللازم حينئذ تحقيق ما هو ظاهر الأدلة من المعاني المذكورة. و مقتضى بناء المصنف (ره) على الثاني جواز دفع الرطب إذا كان بعض النصاب، و كذا دفع التمر عن الرطب و مثله: دفع العنب عن الزبيب و عكسه. بل يجوز دفع البسر عن التمر.

و دفع الحصرم عن الزبيب، و البسر عن التمر. فتأمل جيداً. و سيجي‌ء- إن شاء اللّه تعالى- تحقيق ما هو الظاهر. فانتظر.

كما نص عليه في الجواهر و غيرها. و الربا إنما يكون في المعاملات‌

167
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 27): لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب ؛ ج‌9، ص : 168

[ (مسألة 27): لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب]

(مسألة 27): لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب، وجبت الزكاة (1) مع بلوغ النصاب. أما لو مات قبله و انتقل إلى الوارث، فان بلغ نصيب كل منهم النصاب وجب على كل زكاة نصيبه، و إن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.

[ (مسألة 28): لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين]

(مسألة 28): لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين، فاما أن يكون الدين مستغرقاً أو لا. ثمَّ إما أن يكون الموت بعد تعلق الوجوب، أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضاً. فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب إخراجها، سواء كان الدين مستغرقاً أم لا، فلا يجب التحاص مع الغرماء (2) لأن الزكاة متعلقة بالعين. نعم لو التي ليس الوفاء منها. هذا و قد تقدم في النقدين: الإشكال في جواز دفع القيمة من الجنس.

يعني: على الميت، فينتقل إلى الورثة من التركة ما يزيد على مقدار الزكاة.

كما هو المشهور شهرة عظيمة. خلافاً للشيخ (ره) في المبسوط، فذهب إلى وجوب التحاص. و هو في محله لو لم تكن الزكاة متعلقة بالعين أصلا، إذ هي حينئذ كسائر الديون، فلا مرجح لها عليها. أما بناء على تعلقها بالعين، فان كان بنحو الشركة- أو الكلي في المعين- فعدم التحاص ظاهر، لأن مقدار الزكاة غير مملوك للميت، فلا وجه لصرفه في وفاء دينه. و ان كان بنحو تعلق حق الرهانة، فينبغي أن يكون كذلك أيضاً،

168
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 28): لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين ؛ ج‌9، ص : 168

تلفت في حياته بالتفريط و صار في الذمة، وجب التحاص بين أرباب الزكاة و بين الغرماء (1) كسائر الديون. و إن كان الموت قبل التعلق و بعد الظهور، فان كان الورثة قد أدوا الدين قبل تعلق الوجوب من مال آخر، فبعد التعلق يلاحظ بلوغ حصتهم النصاب (2) و عدمه، و إن لم يؤدوا إلى وقت التعلق، ففي الوجوب و عدمه إشكال (3). و الأحوط الإخراج مع الغرامة لأن صرف ما يساوي الزكاة في الدين تفويت للحق، و هو غير جائز، لقاعدة السلطنة على الحقوق، كقاعدة السلطة على الأموال.

فإن قلت: في صرفه للزكاة تفويت لحق الديان المتعلق بالتركة. قلت:

حق الزكاة مانع عن تعلق حق الديان، لما عرفت من أن حق الزكاة موجب لقصور سلطنة الميت عن التصرف في موضوعه، فيمتنع تعلق حق الديان، لأن مرجع الحق المذكور الى تضييق سلطنة الوارث في غير الوفاء، فاذا كانت سلطنته قاصرة- لقصور سلطنة الموروث- لا مجال لتعلق الحق المذكور.

نعم لو كان الحق من قبيل حق الجناية بنحو لا يمنع من تصرف الميت، كان حق استيفاء الدين في محله. لكنه لا يسقط الزكاة، فيبقي حق استيفائها حتى من الدائن الذي قد استوفي حقه من التركة باقياً بحاله، فتؤخذ الزكاة من الدائن. و كذا الحال في أمثال المورد من أنواع الحقوق.

إذ لا حق هنا يصلح للترجيح.

لأن التعلق بملكهم، فلا بد فيه من وجود شرطه، و هو بلوغ حصة كل منهم قدر النصاب، فمن لم تبلغ حصته ذلك القدر لم يجب في ماله شي‌ء.

ينشأ: من الإشكال في تعلق حق الديان بالتركة، على نحو يمنع‌

169
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 28): لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين ؛ ج‌9، ص : 168

للديان أو استرضاؤهم. و أما إن كان قبل الظهور وجب على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة، بناء على انتقال (1) التركة إلى الوارث و عدم تعلق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه و أنه للوارث من غير تعلق حق الغرماء به (2).

من تصرف الوارث فيه، فينتفي شرط تعلق الزكاة و عدمه. و قد أشرنا في بعض مباحث مكان المصلي إلى أن ظاهر جملة من النصوص: أن ما يقابل الدين من التركة باق على ملك الميت لا ينتقل الى الوارث، فلا يجوز له التصرف فيه، فلا يكون فيه الزكاة. نعم لو ضمن الورثة الدين، و رضي الدائن بذلك صح الضمان- كما تضمنه الصحيح- و برئت ذمة الميت من الدين و كانت التركة للورثة، كما لو لم يكن دين أصلا.

قد عرفت الإشكال في الانتقال.

إذا بنينا على بقاء ما يساوي الدين على ملك الميت فالنماء الحادث بعد الموت يتبعه، فيوزع عليه الدين و على الأصل بالنسبة. فإذا كان الدين عشرين، و الأصل ثلاثين، يكون ثلث الأصل باقياً على ملك الميت، فاذا نما نماء قيمته عشرة، كان مجموع الأصل و النماء أربعين، فيكون نصف الأصل و نصف النماء على ملك الميت، فنصف النماء الثاني يوزع على الورثة، فإذا بلغت حصة أحدهم النصاب وجبت فيه الزكاة. و إذا قلنا بانتقال التركة إلى الوارث، و يتعلق بها حق الديان كحق الرهانة، فالنماء و إن كان تابعاً للأصل في الملك، لكنه غير تابع له في تعلق الحق.

و حينئذ يكون جميعه ملكاً للوارث، فتتعلق الزكاة بحصة كل منهم من المجموع إذا بلغت النصاب.

نعم يشكل هذا القول في مثل الزرع، مما يكون النماء فيه موجباً لسقوط الأصل عن المالية، لأن النماء إذا لم يتعلق به حق الدين لم يبق‌

170
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 29): إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا - مع الأرض أو بدونها - قبل تعلق الزكاة ؛ ج‌9، ص : 171

[ (مسألة 29): إذا اشترى نخلا أو كرماً أو زرعاً- مع الأرض أو بدونها- قبل تعلق الزكاة]

(مسألة 29): إذا اشترى نخلا أو كرماً أو زرعاً- مع الأرض أو بدونها- قبل تعلق الزكاة، فالزكاة عليه بعد التعلق (1)، مع اجتماع الشرائط. و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء. و إذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البائع فإن علم بأدائه أو شك في ذلك ليس عليه شي‌ء (2)، و إن علم من الأصل ما يمكن وفاء الدين به. و الالتزام بتبعية النماء فيه للأصل- في تعلق الحق به- لا وجه له ظاهر. و الالتزام بسقوط حق الديان فيه أشكل.

و هذا مما يستوجب القول ببقاء ما يقابل الدين من التركة على ملك الميت، من دون انتقال الى الوارث.

لأنها تتعلق الزكاة بملكه، لا بملك البائع.

قد يشكل ذلك بمخالفته لأصالة عدم أداء الزكاة، و ان كان الانتقال إليه بمعاوضة و نحوها، لأن إثبات خلو المال عن الزكاة- بقاعدة الصحة الجارية في المعاملة أو نحوها- يختص بالشك الحادث بعد المعاملة، بل قد قيل: إنه يختص بخصوص صورة احتمال التفاته حين المعاملة، و علمه بوجوب الأداء، فلا تجري أصالة الصحة إلا في تلك الصورة لا غير، فضلا عما إذا كان الانتقال بالموت و نحوه من الأسباب التي لا تتصف بالصحة و الفساد. اللهم إلا أن يتمسك باليد، فتجعل أمارة على الملكية الطلقة.

نعم ظاهر المشهور عدم حجية اليد إذا كانت مسبوقة بكونها أمانة أو عادية، لاستصحاب كونها كذلك. و فيه: أن عنوان اليد الأمانية أو العادية لم يؤخذ عدمه قيداً في موضوع حجية اليد، كي يكون الاستصحاب جارياً في قيد الموضوع الشرعي، فيكون حجة. كيف و اليد حجة مطلقاً و لو احتمل كونها يد أمانة أو عادية؟ غاية الأمر إنه إذا علم بكون اليد أمانة أو عادية فقد علم بعدم الملكية، فلا مجال لجعل الحجية على الملكية‌

171
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 29): إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا - مع الأرض أو بدونها - قبل تعلق الزكاة ؛ ج‌9، ص : 171

بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي، فان أجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن (1) بالنسبة إلى مقدار الزكاة، و إن دفعه إلى البائع رجع- بعد الدفع إلى الحاكم- عليه، و إن لأن الأحكام الظاهرية يمتنع جعلها في ظرف العلم بالواقع، لا أن موضوع الحجية اليد التي ليست يد أمانة أو عادية، فإن ذلك غير معقول، لأنه إذا كانت اليد ليست أمانة و لا عادية فهي مالكة واقعاً. و حينئذ لا مجال لجعل الحكم الظاهري المحتمل المصادفة للواقع و المخالفة. مع أنه يلزم عدم جواز التمسك باليد على الملكية، لأن الشك في الملكية ملازم للشك في الأمانة و العدوان، و مع الشك في عنوان العام لا يجوز الرجوع الى العام، كما هو ظاهر. اللهم إلا أن يرجع إلى استصحاب عنوان العام، أعني:

استصحاب عدم كونها أمانة أو عادية. لكنه يختص ذلك بما إذا كانت مسبوقة بالعلم بعدم كونها كذلك، و إلا فلا أصل ينفي كونها كذلك إلا استصحاب العدم الأزلي الذي هو محل الاشكال بين الاعلام.

نعم يمكن أن يقال: إن حجية اليد عند العقلاء مختصة بما إذا لم تكن مسبوقة بالأمانة و العدوان، و لا تشمل المسبوقة بذلك، و الدليل الدال على الحجية منزل على ذلك. و عليه يشكل جعلها حجة على الملكية في الموارد التي تعارف فيها القبض بالسوم قبل الشراء ثمَّ تشتري بعد ذلك، و الأعيان التي تكون بأيدي الدلالين التي يعلم بكون حدوث يدهم بالولاية و الوكالة و يجهل الحال بعد ذلك، و غير ذلك.

يعني: طالب المشتري بالثمن. و هذا يتوقف على أن يكون تعلق الزكاة من تعلق الجزء المشاع أو الكلي في المعين. أما إذا كان بنحو آخر- كما سيأتي- فله المطالبة بالزكاة، لا بالثمن.

172
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 30): إذا تعدد أنواع التمر مثلا ؛ ج‌9، ص : 173

لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع (1). و إن أدى البائع الزكاة بعد البيع، ففي استقرار ملك المشتري، و عدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال (2).

[ (مسألة 30): إذا تعدد أنواع التمر مثلا]

(مسألة 30): إذا تعدد أنواع التمر مثلا، و كان فان المالك و إن كان له دفع الزكاة من غير العين، لكن المشتري ليس له ذلك، إذ لا ولاية له. فالولاية تكون للحاكم، فله أن يأخذ من المبيع، و لا يرضى بالأخذ من غيره.

لا يظهر وجه للتوقف على إجازة الحاكم، لأنه بعد دفع الزكاة من غير النصاب سقط التكليف بها، فلا مقتضي للرجوع الى الحاكم، كما لو لم تجب. و لعل العبارة: (من البائع) بدل: (من الحاكم). و يشير بهذا الإشكال إلى ما في الجواهر حيث قال: «و لو أدى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة، ضرورة عدم الملك حال البيع. اللهم إلا أن يجعل الشرط الملك و لو متأخراً عنه، و فيه بحث، أو منع ..»‌

و المحقق في محله من مبحث الفضولي: أن من باع مال غيره ثمَّ اشتراه، توقف نفوذ البيع على إجازته.

نعم مقتضى ظاهر صحيح عبد الرحمن البصري عدم اعتباره إجازة المالك‌

قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعهما على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟ قال (ع): نعم، تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع. أو يؤدي زكاتها البائع» «1».

لكن لا ينبغي التأمل في وجوب العمل على الصحيح، لأنه أخص. و به يخرج عن القواعد العامة بل لو قيل: بأن تعلقها من قبيل تعلق حق الجناية أو الرهانة، يكون الصحيح موافقاً للقواعد.

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

173
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 30): إذا تعدد أنواع التمر مثلا ؛ ج‌9، ص : 173

بعضها جيداً أو أجود، و بعضها الآخر ردي‌ء أو أردأ، فالأحوط الأخذ من كل نوع (1) بحصته. و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيد (2)، و إن كان مشتملا على الأجود.

و لا يجوز دفع الردي (3) عن الجيد و الأجود على الأحوط.

ليطابق القول بأن الزكاة جزء مشاع في العين. قال في محكي التذكرة: «و لو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته، لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيد، و عن الفقراء بأخذ الردي. و هو قول عامة أهل العلم. و قال مالك و الشافعي: إذا تعددت الأنواع أخذ من الوسط ..».

لما سيأتي: من أن الزكاة كلي في العين، أو حق في العين، و هو صادق على الجيد.

كما جزم به في الحدائق و الجواهر و غيرهما: لقوله تعالى: (وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ..) «1»، و‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «في قول اللّه عز و جل (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ..)، قال (ع): كان رسول اللّه (ص) إذا أمر بالنخل أن يزكى، تجي‌ء أقوام بألوان من التمر- و هو من أردأ التمر- يؤدونه من زكاتهم، تمراً يقال له الجعرور و المعى فأرة، قليلة اللحا، عظيمة النوى و كان بعضهم يجي‌ء بها عن التمر الجيد. فقال رسول اللّه (ص): لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منها بشي‌ء. و في ذلك نزل: (وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ..). و الإغماض:

أن يأخذ هاتين التمرتين» «2».

و نحوه غيره.

______________________________
(1) البقرة: 267.

(2) الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

174
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

[ (مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين]

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين (1)، هذا و لأجل اختصاص الحديث بأردأ التمر- الذي نهى رسول اللّه (ص) عن خرصه، و عن عده جزءاً من النصاب- توقف المصنف (ره) في المنع عن دفع مطلق الردى، حتى ما كان معدوداً جزءاً من النصاب. و أما الآية نفسها فلا يخلو المراد بها عن إجمال.

كما هو المشهور، بل عن المصابيح: أنه كاد أن يكون إجماعاً و عن التذكرة: نسبته إلى علمائنا، و عن المنتهى: أنه مذهب علمائنا أجمع و قيل متعلقة بالذمة لا غير. و عن بعض: أن القائل بذلك مجهول، و عن آخر: أنه شاذ.

و استدل للأول بقولهم (ع): «فيما سقت السماء العشر، و فيما سقي بالدوالي نصف العشر» «1»، و‌

بمصحح بريد بن معاوية قال: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: بعث أمير المؤمنين (ع) مصدقه الى بادية الكوفة

.. (إلى أن قال (ع) له):

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه، فإن أكثره له

.. (إلى أن قال) (ع):

فاصدع المال صدعين ..» «2»

و الاخبار المستفيضة:

المتضمنة: أن اللّٰه تعالى جعل للفقراء في مال الأغنياء ما يكفيهم «3»، بل‌

في موثقة أبي المعزى: «إن اللّه تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا الى غير شركائهم» «4»

و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه البصري المتقدم في المسألة السابقة، و‌

خبر أبي حمزة عن أبي جعفر (ع): «سألته عن الزكاة تجب علي في مواضع

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الأنعام.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.

175
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

لكن لا على وجه الإشاعة (1)، بل على وجه الكلي في المعين.

لا يمكنني أن أؤديها. قال (ع): اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي‌ء. فان لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها» «1»

و النصوص الكثيرة المشتملة على التعبير بالإخراج و العزل.

كما اختاره في الجواهر، و نسب إلى جماعة، بل عن الإيضاح:

نسبته إلى الأصحاب. و في مفتاح الكرامة: «مقتضى الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في العين، و كلام القائلين بذلك- ما عدا المصنف في التذكرة- في غاية الظهور في الشركة. بل لا يحتمل غيرها ..». لكن لا يبعد أن يكون مرادهما من الشركة ما يعم الكلي في المعين، لا خصوص نحو الإشاعة.

و كيف كان فالذي يشير إلى القول المذكور أكثر الأدلة المتقدمة، مثل ما تضمن: أن فيما سقت السماء العشر. إذ العشر ظاهر في الكسر المشاع، و موثق أبي المعزى المتقدم، فإن إطلاق الشركة فيه يقتضي الإشاعة و ما تضمن أمر أمير المؤمنين (ع) مصدقه بقسمة المال نصفين إلى أن يبقى ما فيه وفاء لحق اللّه تعالى، فإن القسمة من لوازم الإشاعة. إذ لو كان من قبيل الكلي في المعين لوجب على المصدق أن يأمر المالك بدفع ما يكون مصداقاً لكلي الفريضة، و ليس له المشاحة معه على الخصوصيات، إذ جميعها ملك المالك، و الفقير له الكلي لا غير.

نعم خبر أبي حمزة لا يدل عليه، إذ الربح يكون للكلي، كما يكون للأفراد الخارجية. و كذا صحيح عبد الرحمن، لأن بطلان البيع فيما يساوي الزكاة كما يترتب على الإشاعة يترتب على كونها على نحو الكلي في المعين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 52 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

176
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

.....

كما أن الإخراج و العزل أعم من ذلك أيضاً.

هذا و يمكن الإشكال في جميع ما ذكر. أما في الأول فلأن التعبير بالعشر و نصفه لم يرد مثله في زكاة الانعام، و لا في زكاة النقدين، و إنما ورد فيهما شاة، و بنت لبون، و بنت مخاض، و حقة، و تبيع، و مسنة، و خمسة دراهم، و نصف مثقال، و نحو ذلك. و الجميع ظاهر في غير الجزء المشاع.

و التصرف فيها بالحمل على الجزء المشاع ليس بأولى من التصرف في العشر و نصفه بالحمل على المقدار. بل الثاني هو المتعين، لأنه أقرب و أسهل، كما هو ظاهر.

و أما الجمود على ظاهر كل من الدليلين في مورده، و التفكيك بين زكاة الغلات فهي بنحو الإشاعة، و زكاة غيرها فهي بنحو الكلي في المعين فهو و ان اقتضته صناعة الاستدلال، إلا أنه خلاف المرتكز في أذهان المتشرعة و خلاف المستفاد من النصوص المتضمنة: أن رسول اللّه (ص) وضع الزكاة في تسعة أشياء، أو على تسعة أشياء، أو من تسعة،

كصحيح ابن سنان:

«قال أبو عبد اللّٰه (ع): لما نزلت آية الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ..) في شهر رمضان، أمر رسول (ص) مناديه فنادى في الناس: إن اللّٰه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة، ففرض اللّٰه عليكم من الذهب، و الفضة، و الإبل، و البقر و الغنم، و من الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب. و نادى فيهم في شهر رمضان، و عفى لهم عما سوى ذلك» «1»

الظاهر في كون الوضع على نحو واحد. و لا سيما و إن الملجئ إلى التعبير بذلك: أنه لا نصاب في الغلات إلا واحد، و لا عفو فيها، فاذا بلغت النصاب وجب العشر مهما زاد مطلقاً.

و أما موثق أبي المعزى فليس وارداً لبيان هذه الجهة، كي يتمسك بإطلاقه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 1.

177
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

.....

على كون الشركة بنحو الإشاعة. و أما ما تضمن الأمر بالقرعة فالاستدلال به على الإشاعة ليس إلا من جهة أن من أحكام المشاع التمييز بالقرعة.

لكن هذا المقدار لا يصحح استكشاف الإشاعة من دليل التمييز بالقرعة، لعدم كونه من اللوازم العقلية، و لا من اللوازم العرفية.

و بالجملة: بعد ثبوت الحكم المذكور بدليله، لا طريق الى استكشاف كون الزكاة من قبيل الجزء المشاع، ليترتب عليه سائر أحكامه. مضافاً إلى أن‌

قول أمير المؤمنين (ع) في ذيل الحديث: «حتى يبقى ما فيه وفاء لحق اللّٰه في ماله ..»

ظاهر في أن الحق أمر خارج عن المال متعلق به، لا أنه جزء منه على نحو الإشاعة.

و كأنه لذلك بنى المصنف (ره) في المتن- تبعاً لجماعة- على أن تعلق الزكاة بالنصاب من قبيل تعلق الكلي في المعين، كما إذا باعه صاعاً من صبرة. و إن كان أيضاً لا يخلو من إشكال. إذ المستند في ذلك إن كان ظهور (في) في الظرفية لنفس الزكاة، فيكون معنى‌

قولهم (ع): «في كل أربعين شاة شاة»

أن الزكاة شاة كائنة في النصاب، أعني الأربعين.

ففيه: أن الظاهر من ملاحظة النصوص كون الظرف لغواً، و كون كلمة (في) متعلقة بفعل مقدر مثل: يجب، أو فرض، أو نحو ذلك، فيكون مدخولها ظرفاً لذلك الفعل، لا مستقراً متعلقاً بكائن- كما قد يتوهم في بادئ النظر- ليكون مدخول (في) ظرفاً للواجب و المفروض. و لذلك صرح بالفعل في جملة من النصوص،

ففي صحيح زرارة: «و جعل رسول اللّه (ص) الصدقة في كل شي‌ء أنبتت الأرض. إلا ما كان ..» «1»

و‌

في صحيح الفضلاء: «فرض اللّه عز و جل الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنها رسول اللّه في تسعة أشياء ..» «2»

و‌

قال (ع) فيه: «و كل ما لم يحل عليه

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 4.

178
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

.....

الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه. فاذا حال عليه الحول وجب عليه» «1»

و‌

في موثق إسحاق: «السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال (ع): إذا أجذع» «2»

و‌

في خبر الحسين بن يسار: «في كم وضع رسول اللّه (ص) الزكاة؟ فقال (ع): في كل مائتي درهم خمسة دراهم من الفضة ..» «3»

و‌

في خبر المفضل: «في كم تجب الزكاة من المال؟

.. (الى أن قال):

ففي كل ألف خمسة و عشرون درهماً» «4».

و‌

في خبر الخثعمي: «إن رسول اللّه (ص) جعل في كل أربعين أوقية أوقية» «5».

و‌

في خبر زرارة: «ليس في النيف شي‌ء حتى يبلغ ما يجب فيه واحد» «6».

و‌

في خبر محمد ابن الطيار: «إن الزكاة إنما تجب جميعها في تسعة أشياء، خصها رسول اللّه (ص) بفريضتها فيها، و هي: الذهب ..» «7»

إلى غير ذلك.

فهذه النصوص تشهد بأن المراد من قولهم (ع): «في الأربعين شاة شاة» هو المراد من قولهم (ع): في القتل خطأ الدية» ف‍ (في) على السببية خلاف الظاهر، لندرة ذلك، و مثل له بقوله (ص): «إن امرأة دخلت النار في هرة ..».

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

(7) الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 12 و الحديث منقول بالمعنى.

179
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

.....

ثمَّ إن مما يعين أن ليس المراد الظرفية لنفس الزكاة، ما في كثير من النصوص من التعبير بمثل قوله:

«عليه فيه الزكاة ..»

، كما تقدم في صحيح الفضلاء «1»، و كما‌

في موثق سماعة في الدين: «ليس عليه فيه زكاة حتى يقبضه، فاذا قبضه فعليه الزكاة» «2».

و نحوهما غيرهما، مما هو كثير. إذ لو كان المراد أن الزكاة تكون في نفس المال لا معنى ظاهر لقوله:

(عليه)

، يعني: على المالك. فالمراد منه هو المراد من قوله: «عليه الدية في القتل خطأ» و «عليه الكفارة في الإفطار عمداً» و نحو ذلك. و مقتضى الجمود عليه أن تكون الزكاة في ذمة المالك، كما حكي عن بعض. و لو سلم ذلك فالظرفية غير ظاهرة في ظرفية الكل للجزء، بل يجوز أن تكون من ظرفية موضوع الحق للحق. بل الظرفية عند القائل بأن التعلق من قبيل تعلق الكلي بالمعين مبنية على نحو من العناية، لوجوب مباينة الظرف لمظروفه.

و لو سلم فمعارض ذلك بما ورد في كثير من النصوص المعبر فيها بحرف الاستعلاء بدل حرف الظرفية،

كرواية أبي بصير و الحسن بن شهاب: «وضع رسول اللّه (ص) الزكاة على تسعة أشياء ..» «3».

و‌

في رواية الفضل «و الزكاة على تسعة أشياء ..» «4».

و‌

في صحيح الفضلاء: «إنما الصدقات على السائمة الراعية» «5».

و‌

في صحيح رفاعة: «إذا اجتمع مائتا درهم، فحال عليها الحول فان عليها الزكاة ..» «6».

إلى‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في هذه التعليقة قريباً.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 5.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 2.

180
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

.....

غير ذلك مما هو كثير، فان هذه النصوص ظاهرة جداً في كون الزكاة شيئاً موضوعاً على المال، خارجاً عنه كسائر الضرائب المجعولة في هذه الأزمنة على الأملاك، إذ ليس المقصود جعل جزء من الملك ملكاً للسلطان و حينئذ يتعين حمل تلك النصوص على ما عرفت، جمعاً بينها. و لا سيما بملاحظة بعض النصوص التي اشتملت على التعبيرين معا، مثل‌

صحيح زرارة: «إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجعها، عامها الذي يقتنيه فيه الرجل، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء» «1»

و نحوه غيره. و لو سلم فلا مجال له في نصب الإبل و البقر، فان قولهم (ع): «في كل خمس من الإبل شاة» يمتنع حمله على الظرفية، للمخالفة في الجنس. و الحمل على إرادة مقدار من النصاب يساوي الشاة بحسب القيمة يوجب كون الشاة ليست فريضة في الخمس من الإبل، و لا بنت المخاض فريضة في الست و العشرين، فدفعها دفع للبدل- و كذا الحال في بقية نصب الإبل و البقر- و هو- كما ترى- مخالف لما يستفاد من النصوص ضرورة و لا سيما ما ورد في إبدال الفرائض عند تعذرها، فإنها صريحة في أن الأسنان المذكورة نفس الفريضة، ينتقل إلى بدلها لو لم تكن موجودة عنده، و لا يكلف شراءها. فراجع.

و إن كان المستند فيه: أمر أمير المؤمنين (ع) مصدقه بصدع المال صدعين «2». فقد عرفت: أنه لا يمكن الاستدلال به على الإشاعة- التي من لوازمها شرعاً القسمة- فضلا عن الاستدلال به على كونها من قبيل الكلي في المعين. و لا سيما مع ظهور ذيله في كون القسمة لتعيين ما به يكون الوفاء لحق اللّه تعالى و استيفاؤه، لا لتعيين نفس الزكاة. و أما‌

قوله (ع): «فإذا أتيت ماله فلا تدخله بغير إذنه، فان أكثره له»

فلا يدل على أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب ما تجب فيه الزكاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

181
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

..........

بعضه لغيره، إلا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجة. و لعل وجه الاقتصار على ذكر الأكثر، مع أن كله له- بناء على عدم وجودها في العين-:

أن بعضه موضوع لحق الاستيفاء، فلذلك تقصر سلطنته عنه، بخلاف الأكثر فإنه موضوع لسلطنته المطلقة.

و إن كان الأخبار المستفيضة، المتضمنة: أن اللّه تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم «1». فمن المحتمل فيها أن يكون المراد ما يعم جعل الحق و جعل العين، فلا يدل على الثاني، و كذا موثق أبى المعزى «2» لا أقل من وجوب صرفه إلى ذلك، لأجل ما سبق.

و إن كان صحيح عبد الرحمن «3»، فلا يدل إلا على عدم نفوذ تصرف المالك في تمام النصاب، و هو كما يكون من جهة كون تعلق الزكاة فيه بنحو الإشاعة أو الكلي في المعين، يكون من جهة كون تعلقها فيه بنحو تعلق حق الرهانة و الجناية. مع أن الاستدلال به على ثبوت واحد منها يتوقف على القول بحجية الظهور في مطلق اللوازم و الملزومات، و قد عرفت إشكاله. فتأمل.

و إن كان خبر أبي حمزة «4»، فالظاهر عدم بناء الأصحاب على العمل به، كما قيل. و لو سلم فقد عرفت المناقشة في صحة الاستدلال به على كيفية التعلق. مع أن الجمع بينه و بين ما عرفت- مما دل على عدم كون الزكاة في العين- يقتضي حمله على كونه حكماً تعبدياً جارياً على خلاف القواعد الأولية المقررة.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب المستحقين الزكاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين الزكاة حديث: 3.

182
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

.....

و إن كان النصوص المشتملة على التعبير بالعزل و الإخراج، فهي لا تصلح مستنداً لذلك، لصدقهما و لو كان التعلق بنحو تعلق الحق، كما لا يخفى.

هذا و المتحصل من جميع ما ذكرنا: أن نصوص التشريع- التي عليها المعول في كيفية تعلق الزكاة بالنصاب- عامها و خاصها، أكثرها ما بين غير ظاهر في كيفية خاصة للتعلق، و ما بين ظاهر في عدم كون الزكاة جزءاً من العين- و هو ما تضمن أن الزكاة على المال، أو فيه- بناء على ظهور الظرفية في المباينة بين الظرف و مظروفه، كما عرفت. و هذا النوع أكثر نصوص الباب، و ما بين ما يمتنع حمله على ذلك، و ما هو نادر منها مما هو ظاهر في كون التعلق على نحو الإشاعة أو الكلي في المعين، يتعين صرفه عن ذلك إلى غيره، مما لا ينافي ما سبق.

ثمَّ إن مقتضى الطائفة الثانية- المتضمنة أن الزكاة على المال، أو فيه- أن المال موضوع حق الزكاة، و أنه مثقل بها و متعهد بها، كما هو أيضاً مفاد بعض النصوص المتقدمة في تعلقها بالعين. و مقتضى ذلك عدم جواز تصرف المالك بالمال على نحو ينافي الحق. و لا إشكال في كون التصرف المتلف للعين منافياً للحق. أما التصرف المخرج لها عن الملك فمنافاته للحق غير ظاهرة، لأن ذلك يتوقف على كونه قائماً بالعين بما أنها مضافة إلى المالك و ملك له، و هو كما يحتمل، يحتمل أيضاً أن يكون قائماً بالعين مطلقاً.

و لا طريق إلى تعيين الأول، بل مقتضى إطلاق النص هو الثاني، لأن جعل موضوع الحق خصوص ما هو مملوك للمالك تقييد زائد يحتاج الى دليل.

نعم في صحيح عبد الرحمن البصري- في من لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها-

قوله (ع): «تؤخذ منه زكاتها، و يتبع بها البائع» «1».

و هو كما يحتمل أن يكون من جهة فساد البيع في مقدار الزكاة لمنافاته للحق‌

______________________________
(1) المراد به هو الصحيح المتقدم قريباً في هذه التعليقة.

183
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

.....

يحتمل أن يكون حكماً تعبدياً جارياً على خلاف القواعد الأولية، و قد عرفت أن أصالة العموم لا تصلح لتشخيص الموضوع. اللهم إلا أن يستفاد الأول بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع. و عليه فقد يستشكل في التصرف في المقدار الزائد على مقدار الزكاة، بدعوى: أن ظاهر‌

قولهم (ع): «عليه الزكاة»

أن الحق الزكوي مستوعب لجميع المال، و لا يختص بالمقدار المساوي له.

لكنها محل نظر. و القياس على موارد الاستعمال العرفي شاهد عليه. بل بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع- المعول عليها في فهم كون المتعلق على نحو يمنع من التصرف- يكون الصحيح ظاهراً في أن الحق قائم بمقداره من المال لا أزيد، فيجوز التصرف في بعض النصاب و ان لم ينو المالك الأداء من غيره. بل الصحيح المذكور ظاهر في بيع تمام النصاب، فلا يدل على المنع عن التصرف في بعضه. فلاحظ.

ثمَّ إن كثيراً من النصوص قد تضمن أن الزكاة على المالك، و مقتضى قياسه بالاستعمالات العرفية أن تكون الزكاة في ذمة المالك و إن كان لها تعلق بالعين، فيكون تعلقها بالعين نظير حق الرهانة. اللهم إلا أن يكون المراد من الزكاة فيه المعنى المصدري- أعني: تزكية المال- لا نفس المقدار المفروض على النصاب، فيكون مفاد النصوص حينئذ التكليف بالأداء لا غير كما هو الظاهر مما قرن فيه الزكاة بالصلاة، فيكون تعلقها بالعين نظير تعلق حق الجناية ليس له تعلق بذمة المالك.

نعم بعضها ظاهر في أن المجعول في الذمة نفس العين،

كصحيح زرارة- الوارد في إبدال الأسنان الواجبة- قال (ع) فيه: «و كل من وجبت عليه جذعة، و لم تكن عنده ..» «1»

و حملها على إرادة من وجب عليه أداء جذعة خلاف الظاهر. اللهم إلا أن يكون لفظ الوجوب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

184
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

و حينئذ فلو باع قبل أداء الزكاة بعض النصاب صح، إذا كان مقدار الزكاة باقياً عنده (1)، بخلاف ما إذا باع الكل، قرينة عليه، لظهوره في التكليف. أو لأنه مقتضى الجمع بين مثل الصحيح و النصوص المتضمنة أن الزكاة على المال «1». و لا سيما بملاحظة ما تضمن من النصوص و الفتاوى عدم ضمان الزكاة بتلف النصاب «2»، إذ لو كانت في الذمة لا موجب لبراءة الذمة عنها بمجرد تلف النصاب. كما أن تلف الرهن لا يوجب براءة ذمة الراهن من الدين. و المسألة محتاجة إلى تأمل، و إن كان الأقرب إلى الذهن عاجلا هو الأول.

هذا و قد كنت أمني نفسي- من حين شروعي في كتاب الزكاة- أن أكتب هذه المسألة على أحسن طرز و أوضح منهج، غير أنه حالت الحوائل القاسرة بيني و بين ذلك فلم أهتد لأجلها سبيلا. و ذلك مما أصاب إخواننا المؤمنين الصالحين الايرانيين و العراقيين من أنواع البلايا و المحن.

و لا حول و لا قوة إلا باللّه العلي العظيم. إِنّٰا لِلّٰهِ وَ إِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ، ... وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ+.

قد عرفت: أن صحة البيع فيما زاد على مقدار الزكاة تترتب أيضا على القول بكون التعلق بنحو تعلق حق الرهانة أو الجناية، لعدم ظهور الدليل في كون الحق مستوعباً للمال. نعم إذا كان مستوعباً للمال- كما يظهر من كلمات شيخنا الأعظم- امتنع التصرف في الجزء المعين من النصاب كالقول بالإشاعة. كما أنهما يفترقان عنه، بأنه على الإشاعة يجوز التصرف بالمشاع غير المعين، كما لو باع نصف النصاب مشاعاً، و لا يجوز ذلك على القول الآخر، لأن المال بجميع أجزائه و كسورة موضوع للحق.

______________________________
(1) تقدمت الإشارة إليها في أوائل هذه التعليقة.

(2) تقدم ذكر النصوص في المسألة: 10 من فصل زكاة الأنعام.

185
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين ؛ ج‌9، ص : 175

فإنه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضولياً محتاجاً إلى إجازة الحاكم (1) على ما مر.

فإن أجاز صح، و كانت حصة الزكاة من الثمن زكاة. هذا بناء على مذهب المصنف، و كذا بناء على الإشاعة. أما بناء على ثبوته في الذمة و تعلقه بالعين بنحو تعلق حق الرهانة، فالإجازة تجدي في صحة التصرف و سقوط الحق، أما في ذمة المالك من الزكاة فباق على حاله قبل البيع.

و أما بناء على عدم ثبوته في الذمة، و كون تعلقه بنحو تعلق حق الجناية، فإن كان قائما بالعين بما أنها مضافة الى المالك- كما هو أحد القولين في حق الجناية- احتيج إلى إجازة الحاكم، لأن البيع يكون تصرفاً في موضوع الحق، و لازم الإجازة حينئذ سقوط الحق، لانتفاء موضوعه. و لكن صدور هذه الإجازة غير مشروع من الحاكم، لأنها تضييع لحق الفقير، فلا تجوز له، و لو مع اشتراط مقدار من المال على المالك، أو على المشتري، أو ثبوت حق الزكاة في الثمن، لأن نفوذ مثل هذا الشرط- مع كونه في الإيقاع- محل تأمل. و إن كان ظاهر الأصحاب التسالم على صحته فيما لو أذن المرتهن للراهن في البيع، و اشتراط عليه أن يكون الثمن رهناً. نعم لو كان مرجع الشرط إلى تقييد الاذن بالبيع، بدفع مقدار من المال، كان في محله. و إن كان قائماً بذات العين مطلقاً صح البيع بلا إجازة، لعدم كونه تصرفاً في موضوع الحق، لبقاء موضوعه و لو في ملك غير المالك، كما هو المشهور في حق الجناية، فيتبع المستحق العين أينما انتقلت. و إن كان قائما بهما، بأن يكون للمستحق حقان، حق قائم بذات العين، و آخر قائم بها بما أنها مضافة الى المالك، فالبيع يكون تصرفاً في موضوع الحق كالوجه الأول، فلا يجوز إلا بالإجازة. لكن الإجازة لا توجب سقوط الحق بالمرة، و إنما توجب سقوط الحق القائم بها بما أنها مضافة لا غير،

186
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم ؛ ج‌9، ص : 187

و لا يكفي عزمه على الأداء (1) من غيره في استقرار البيع على الأحوط (2).

[ (مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم]

(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم (3) و يبقى الحق القائم بذات العين، فلو أجاز الحاكم كان للمستحق اتباع العين في ملك أي مالك كانت. و عليه فصدور الإجازة من الحاكم لا يحتاج إلى شرط دفع مال أو نحوه مما يمنع من ضياع الحق المالي على مستحقه، بل تجوز الإجازة لأي غرض صحيح، و لو كان من جهة سهولة استيفاء الحق من المشتري و صعوبته من المالك. هذا و قد عرفت أن إطلاق قولهم (ع):

«في كل خمس من الإبل شاة» و نحوه من أدلة الفرائض يقتضي البناء على الثاني. لكن قوله (ع)

في صحيح البصري المتقدم- فيمن لم يزك إبله أو شاءه عامين فباعها-: «تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع» «1»

يقتضي الأول. إذ المنسبق إلى الذهن في وجه اتباع البائع في مقدار الزكاة عدم صحة البيع فيه. اللهم إلا أن يلتزم بالأخير، جمعاً بين النصوص.

فتأمل جيداً: كما يقتضيه إطلاق صحيح البصري المتقدم. نعم صرح فيه: بأنه لو دفع البائع الزكاة استقر البيع.

كأن وجه التوقف: احتمال أن يكون ما دل على جواز دفع القيمة دالا على أن للمالك ولاية البيع. و فيه: أنه لا دلالة لذلك على ما ذكر.

بل يمكن منع دلالته على ولاية التبديل بشي‌ء في ذمته، فضلا عما نحن فيه.

بلا خلاف أجده بيننا، بل في الخلاف و المعتبر و غيرهما: الإجماع عليه، كذا في الجواهر. و يشهد له جملة من النصوص، كخبر أبي بصير‌

______________________________
(1) لاحظ أوائل الكلام في المسألة.

187
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم ؛ ج‌9، ص : 187

- بل و الزرع- (1) على المالك.

عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في قول اللّه عز و جل (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبٰاتِ مٰا كَسَبْتُمْ وَ مِمّٰا أَخْرَجْنٰا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ..) «1» قال (ع): كان رسول اللّٰه (ص): إذا أمر بالنخل أن يزكى يجي‌ء قوم بألوان من التمر- و هو من أردأ التمر، يؤدونه من زكاتهم- تمراً يقال له الجعرور و المعى فأرة، قليلة اللحا، عظيمة النوى و كان بعضهم يجي‌ء بها عن التمر الجيد. فقال رسول اللّه: لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منها بشي‌ء. و في ذلك نزل (وَ لٰا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلّٰا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ ..) و الإغماض أن يأخذ هاتين التمرتين» «2»

و نحوه ما رواه ابن إدريس عن شهاب «3»، و ما رواه العياشي في تفسيره عن أبي بصير «4» و رفاعة «5» و إسحاق ابن عمار «6». و‌

في صحيح سعد بن سعد- (في حديث)- قال: «سألت أبا الحسن (ع) عن العنب هل عليه زكاة، أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيباً؟ قال: نعم، إذا خرصه أخرج زكاته» «7».

كما عن جامع المقاصد و غيره. و عن التلخيص: أنه المشهور، بل عن الخلاف: الإجماع عليه. و عن المعتبر و المنتهى و التحرير و غيرها:

______________________________
(1) البقرة: 267.

(2) الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الغلات ملحق حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الغلات حديث: 4.

(6) الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الغلات حديث: 5.

(7) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 2. و ذكر الحديث بتمامه في باب: 1 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

188
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم ؛ ج‌9، ص : 187

و فائدته جواز التصرف للمالك (2)، بشرط قبوله (2) المنع فيه، اقتصاراً فيما خالف القواعد على مورد النص. و لأن الزرع قد يخفى لاستتاره فلا يمكن خرصه، بخلاف ثمر النخل و الكرم. و لأن الحاجة في النخل و الكرم تامة لاحتياج أهلها إلى تناولها، بخلاف الفريك فإن الحاجة إليه قليلة. و فيه: أن ظاهر‌

صحيح سعد بن سعد عن الرضا (ع)- في حديث- قال: «سألته عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال (ع): إذا صرم، و إذا خرص» «1».

العموم للزرع. مع أن كون الخرص على خلاف القواعد غير ظاهر- بناء على أنه نوع من المعاملة- لعموم الوفاء بالعقود و الشروط. و خفاء الزرع في بعض الأحوال لا يمنع من صحة الخرص في الجملة. و مثله: عدم الاحتياج إلى تناوله، كما هو ظاهر.

كما نص على ذلك كله في الجواهر، و يظهر منه عدم الخلاف فيه. و هو في محله، بناء على كون الخرص معاملة خاصة مفادها اشتغال ذمة المالك بحصة الفقراء، أو ثبوتها في العين بنحو ثبوت الكلي في المعين.

إذ على الأول لا ينبغي التأمل في جواز التصرف في تمام العين لقاعدة السلطنة و كذا على الثاني بالنسبة الى ما عدا مقدار الزكاة، كما في بيع صاع من صبرة. أما لو كان الخرص تقديراً للزكاة لا غيره، فجواز التصرف و عدمه مبنيان على الخلاف في كيفية تعلق الزكاة بالعين، الذي تقدم التعرض له.

اللهم إلا أن يكون مبنى الخرص على الاذن في التصرف بعده.

لتتم المعاملة إيجاباً و قبولا. قال في الجواهر: «بخلاف ما إذا لم يقبل، فإنه لا يجوز التصرف فيه على ما نص عليه جماعة. لكن قد يقوى جوازه مع الضبط ..».

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الغلات حديث: 1.

189
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم ؛ ج‌9، ص : 187

كيف شاء. و وقته بعد بدو الصلاح و تعلق الوجوب (1).

بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه (2) إذا كان من أهل أقول: انتفاء القبول إنما يوجب انتفاء المعاملة، و عليه فجواز التصرف و عدمه مبنيان على الخلاف في كيفية تعلق الزكاة بالعين، و يكون الحال كما لو لم يكن خرص.

لظهور النص و الفتوى في كون المراد من الخرص خرص الزكاة الواجبة الثابتة، لا خرص ما تجب و تثبت. و قد تقدم‌

في صحيح سعد: «إذا خرصه أخرج زكاته».

و عليه فلا بد من أن يكون بعد تعلق الوجوب و لأجل ذلك استشكل على المحقق (ره) حيث جعل زمان الخرص بدو الصلاح، مع أنه ممن يختار تعلق الوجوب بالتسمية، مستدلا عليه: بأن النبي (ص) كان يبعث عبد اللّه بن رواحة خارصاً للنخل حين يطيب «1».

و فيه: أنه لو ثبت وجبت حمل الطيب على حال التسمية جمعاً. و إلا تعين القول بتعلق الوجوب حين بدو الصلاح.

كما في الجواهر، حاكياً عن الفاضلين و الشهيد و المقداد و الصيمري النص عليه و على جواز إخراجه عدلا يخرصه له. قال في الجواهر:

«و لعله لمعلومية عدم خصوصية خرص الساعي، و إطلاق‌

قوله (ع) في صحيح سعد: إذا خرصه أخرج زكاته

، و‌

قوله (ع): إذا صرم و إذا خرص»

. و فيه: أن العلم بعدم الخصوصية للساعي غير حاصل، كيف و هو ولي، و غيره لا ولاية له؟ و الإطلاق في الخبرين ممنوع، لورودهما لبيان وقت الإخراج لا غير. و ثبوت ولاية العدل في المقام غير ظاهر، إذ لا تعطيل فيه و لا ضياع.

______________________________
(1) لاحظ المعتبر الفرع الأول من فروع مسألة الخرص صفحة 269، و سنن البيهقي باب الخرص ج 4 صفحة 123.

190
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 32): يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم ؛ ج‌9، ص : 187

الخبرة، أو بغيره من عدل أو عدلين. و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكن. و لا يشترط فيه الصيغة فإنه معاملة خاصة (1)، و إن كان لو جي‌ء بصيغة الصلح كان أولى. ثمَّ إن زاد ما في يد المالك كان له، و إن نقص كان عليه (2). و يجوز- لكل من المالك و الخارص- الفسخ مع الغبن (3) الفاحش. و لو توافق المالك و الخارص هذا كما ذكره في الجواهر بنحو يظهر منه المفروغية عنه. و دليله غير ظاهر، إذ الظاهر من مادة الخرص تقدير الزكاة و تعيين مقدارها لا غير.

اللهم إلا أن يقال: لا ظهور في النصوص في كون الخرص- بمعنى تخمين المقدار- حجة، فلعل التخمين مقدمة للمعاملة. و لا سيما بملاحظة التعبير في روايتي رفاعة و إسحاق- المرويتين في تفسير العياشي- بالخرص عليهم «1» فتأمل. و عليه فالخروج عن أصالة عدم الحجية بمجرد النصوص المذكورة غير ظاهر، و يكفي في صحة المعاملة عمومات الصحة و النفوذ، كما عرفت.

إذا كان الخرص معاملة فلا ينبغي التأمل في أن مقتضاها كون الزيادة للمالك و النقيصة عليه. أما لو كان مجرد تقدير فلا وجه لشي‌ء من ذلك. نعم هو حجة في ظرف الجهل و عدم العلم بالزيادة أو النقيصة.

نعم لو كان تقديره بالنقيصة راجعاً الى عفوه عن الزائد- لمساهلته معه لمصلحة، أو لاستحباب التخفيف، كما قيل- كان الزائد للمالك. و إن كان خطأ منه في التقدير وجب على المالك دفعه إلى الساعي أو الفقراء.

لأن خيار الغبن يطرد في كلية المعاملات و لا يختص بالبيع، كما حرر في محله. و هذا أيضاً مبني على أن الخرص معاملة. أما على الاحتمال‌

______________________________
(1) لاحظ أوائل الكلام هذه المسألة.

191
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 33): إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها ؛ ج‌9، ص : 192

على القسمة رطباً جاز (1). و يجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء (2)، من المالك أو من غيره.

[ (مسألة 33): إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها]

(مسألة 33): إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها، يكون الربح للفقراء بالنسبة (3)، و إن خسر يكون خسرانها عليه.

[ (مسألة 34) يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها]

(مسألة 34) يجوز للمالك عزل الزكاة (4) و إفرازها، الآخر فالمدار على الواقع عند انكشافه.

لأن الحق بينهما. لكنه مبني على تعلق الوجوب حينئذ.

لعموم ولايته.

إطلاقه لا يوافق ما تقدم منه: من أن البيع في الفرض يكون فضولياً بالنسبة إلى مقدار الزكاة، فان أجازه الحاكم طالبه بالثمن، و إلا أخذ الزكاة من المبيع. مع أنه غير ظاهر في نفسه. اللهم إلا أن يكون ذلك لخبر علي ابن أبي حمزة الآتي في المسألة الآتية. و قد تقدم في مسألة تعلق الزكاة بالعين. لكنه لا ينطبق على القاعدة، إلا بناء على كون الزكاة جزءاً من العين، و كون الاعتبار بها لا بالذمة- كما هو الغالب المتعارف- و تحقق الإجازة بعد ذلك من الولي. و الاعتماد عليه في رفع اليد عن القواعد- مع ضعفه في نفسه، و بناء الأصحاب على عدم العمل به كما قيل- في غير محله.

كما هو المشهور. و يشهد له جملة من النصوص،

كصحيح أبي بصير عن أبي جعفر (ع): «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله، ثمَّ سماها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت، فلا شي‌ء عليه» «1»

، و‌

موثق يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): زكاتي تحل علي في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجيئني من يسألني يكون

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

192
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 34) يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها ؛ ج‌9، ص : 192

.....

عندي عدة، فقال (ع): إذا حال الحول فأخرجها من مالك، و لا تخالطها بشي‌ء، ثمَّ أعطها كيف شئت. قال: قلت فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟ قال (ع): نعم، لا يضرك»، «1»

و‌

مصحح عبيد عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا أخرجها من ماله فذهبت، و لم يسمها لأحد فقد برئ منها» «2»

، و‌

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع) أنه قال: «في الرجل يخرج زكاته، فيقسم بعضها و يبقي بعضاً يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر. قال (ع): لا بأس» «3»

، و‌

خبر علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي جعفر (ع) قال: «سألته عن الزكاة تجب علي في مواضع لا يمكنني أن أؤديها. قال (ع): اعزلها، فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح. و إن نويت في حال ما عزلتها- من غير أن تشغلها في تجارة- فليس عليك شي‌ء. فان لم تعزلها فاتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح، و لا وضيعة عليها» «4»

إلى غير ذلك. و دلالتها على جواز العزل مما لا ينبغي التأمل فيه. و منه يظهر ضعف ما عن بعض: من المنع عنه، و آخر: من الاشكال فيه بمخالفة القواعد، فان القواعد لا مجال لها مع الدليل الخاص.

هذا و المحكي عن محتمل عبارة الشيخين و غيرها وجوب العزل. و كأنه للأمر بعزلها في خبر ابن أبي حمزة، و بإخراجها في موثق يونس. و يضعف:

بأن ظاهر قوله في ذيل الموثق:

«فإن أنا كتبتها ..»

السؤال عن جواز إبقائها في المال، فقوله (ع):

«لا يضرك»

يدل على عدم وجوب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 52 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 53 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 52 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

193
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 34) يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها ؛ ج‌9، ص : 192

من العين، أو من مال آخر (1)، مع عدم المستحق. بل مع وجوده أيضاً (2) على الأقوى. و فائدته صيرورة المعزول ملكاً للمستحقين قهراً (3)، حتى لا يشاركهم المالك عند التلف و يكون أمانة في يده. و حينئذ لا يضمنه إلا مع التفريط (4)، أو التأخير مع وجود المستحق (5). و هل يجوز للمالك إبدالها العزل، و به يرفع اليد عن ظاهر الأمر. مع قرب دعوى ظهور الأمر في الإرشاد إلى ما يترتب على العزل، من عدم الضمان بالتلف، لا في وجوب العزل تعبداً. و يومئ إليه‌

قوله (ع) في خبر ابن أبي حمزة: «فان لم تعزلها فاتجرت ..»

فإنه يناسب الجواز جداً.

بناء على كونها في العين من قبيل الكلي في المعين، أو الجزء المشاع يشكل شمول النصوص لهذه الصورة. اللهم إلا أن يستفاد منها، بضميمة ما دل على جواز دفع القيمة، فيكون مفاد النصوص جواز عزل ما يدفع زكاة، عيناً كان أو قيمة.

كما قواه في الجواهر، حاكياً عن المنتهى و التذكرة الجزم به.

و عن الدروس: أنه الأقرب. و يقتضيه صريح الموثق، و ظاهر صحيح ابن سنان «1» و منهما يظهر ضعف ما هو ظاهر الشرائع: من تخصيصه بصورة عدم المستحق.

كما هو ظاهر النص و الفتوى. و قد يظهر من الدروس التوقف فيه، و هو في غير محله.

كما في خبر علي ابن أبي حمزة المتقدم «2».

كما هو المعروف. و عن المنتهى و المدارك: الإجماع عليه.

لمصحح محمد بن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم

______________________________
(1) تقدم ذكر ذلك كله في أول المسألة.

(2) تقدم ذكر ذلك كله في أول المسألة.

194
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 34) يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها ؛ ج‌9، ص : 192

بعد عزلها إشكال. و إن كان الأظهر عدم الجواز (1). ثمَّ بعد العزل يكون نماؤها للمستحقين (2)، متصلا كان أو منفصلا.

فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع): إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده» «1»

و‌

صحيح زرارة: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل بعث إليه أخ زكاته ليقسمها فضاعت. فقال (ع): ليس على الرسول، و لا على المؤدي ضمان.

قلت: فان لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت، أ يضمنها؟ قال (ع):

لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها» «2».

و بهما يخرج عن إطلاق صحيح أبي بصير المتقدم «3» و نحوه.

لعدم الدليل على ولايته على التبديل بعد العزل، و الأصل يقتضي العدم. اللهم إلا أن يستفاد من النصوص الواردة في دفع القيمة «4».

و لكنه محل نظر، كما يظهر ذلك بمراجعتها. فراجع.

لما عرفت أنها بالعزل تكون لهم، و النماء تابع لأصله.

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(3) راجع أول المسألة.

(4) راجع المسألة: 5 من فصل زكاة الأنعام.

195
مستمسک العروة الوثقى9

فصل فيما يستحب فيه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 196

[فصل فيما يستحب فيه الزكاة]

فصل فيما يستحب فيه الزكاة و هو- على ما أشير إليه سابقاً- أمور:

[الأول: مال التجارة]

الأول: مال التجارة، و هو المال الذي تملكه الشخص و أعده للتجارة و الاكتساب به سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة، أو بمثل الهبة، أو الصلح المجاني، أو الإرث على الأقوى (1). و اعتبر بعضهم: كون الانتقال إليه بعنوان فصل فيما يستحب فيه الزكاة كما مال إليه في الجواهر. قال (ره): «إن لم ينعقد إجماع على اعتبار الملك بعقد معاوضة، لأمكن المناقشة فيه: بصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبة، بل بإرث مع نية التجارة به، إذا كان هو كذلك عند المنتقل منه. و رأس المال الموجود في النصوص لا يعتبر فيه كونه من مالك العين، إذ المراد به ثمن المتاع في نفسه، و إن كان من الواهب و المورث.

و ظهور بعض النصوص في ذلك- مع أنه مبني على الغالب- ليس هو على جهة الشرطية، كي ينافي ما دل على العموم.

ففي خبر محمد بن مسلم، أنه قال: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذ حال عليه الحول.

قال يونس: تفسيره: أن كل ما عمل به للتجارة- من حيوان و غيره- فعليه فيه زكاة» «1».

و‌

في خبر خالد بن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الزكاة، فقال (ع): ما كان من تجارة في يدك فيها فضل، ليس

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 8.

196
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

.....

يمنعك من بيعها إلا لتزداد فضلا على فضلك، فزكه. و ما كان من تجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي‌ء آخر» «1»

، و‌

خبر شعيب عن أبي عبد اللّه (ع): «كل شي‌ء جر عليك المال فزكه، و كل شي‌ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «2».

و لا يخفى ما فيه، لمنع صدق مال التجارة بمجرد كون المال منوياً به التجارة، بل لا بد في صدقه من تحقق التجارة بالفعل، كما يظهر من ملاحظة النظائر، مثل مال الإجارة، و مال المضاربة، و نحوهما. فإنه لا يصدق إلا إذا تحققت الإجارة و المضاربة فعلا، و مجرد النية غير كاف في الصدق.

و كون الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة مسلم، لكنه لا ينافي ظهور الإضافة فيما ذكرنا. و ملاحظة التجارة عند المنتقل منه غريب لا مجال لتوهمه من النصوص. و لا سيما إذا كان الانتقال بوسائط كثيرة.

و أشكل من ذلك: احتمال أن يكون رأس المال المذكور في النصوص مراداً منه ثمن المتاع و لو كان من الواهب و المورث، إذ- مع أنه خلاف الظاهر- يلزم التعارض في التطبيق إذا كان رأس ماله عند المنتقل اليه غير رأس ماله عند المنتقل منه. أو لاختلاف رأس المال عند المنتقل منه، لتعدده، أو لتعدد المعاوضات الطارية. و إرادة آخر أفراد رأس المال لا قرينة عليها. و أشكل من ذلك: ما يظهر منه من كون الأخبار التي ذكرها- أعني: صحيح ابن مسلم و ما بعده- عامة لغير المعاوضة، مع أن الظاهر من العمل في الصحيح المعاوضة. و كذا‌

قوله (ع) في خبر خالد: «لتزداد فضلا على فضلك»

ظاهر في زيادة السعر على رأس ماله الذي عاوض عليه و كذا الجر في خبر شعيب. و إلا فمطلق الجر غير مراد قطعاً.

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 1.

197
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

المعاوضة. و سواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده، و إن اعتبر بعضهم الأول (1). فالأقوى أنه و بالجملة: ظهور النصوص المذكورة في خصوص المال المعاوض عليه مما لا ينبغي أن يكون محلا للتأمل و للتردد. و لذا كان اشتراط المعاوضة مسلما بينهم، لم ينقل فيه خلاف من أحد، لا صريحاً و لا ظاهراً.

نعم عن المحقق (ره) في المعتبر: أنه تردد فيه أولا، ثمَّ جعل اعتبار المعاوضة أشبه. و كذا حكي عن الأردبيلي إنكاره. لكنه لم يثبت- كما قيل- لأنه إنما ذكر أنه يظهر من بعض الأخبار عدم اعتبار الشراء، مقتصراً على ذلك، بلا رد و لا قبول. و من العجيب ما في المتن من نسبته الى بعضهم.

عن المدارك: نسبته إلى علمائنا و أكثر العامة، و عن المعتبر: أنه موضوع وفاق. كما يقتضيه النصوص الدالة على ثبوت الزكاة في المال الذي اتجر به، أو عمل به، أو مال التجارة، أو نحو ذلك فان صدق العناوين المذكورة- كما يتوقف على تحقق المعاوضة على المال- يتوقف على كونها بقصد الاسترباح و الاستنماء، فان من اشترى شيئاً للاقتناء لا يقال إنه تاجر، و لا يقال إنه اتجر. فلا يصدق على المال الذي اشتراه للقنية- إذا نوى بعد ذلك بيعه بأكثر من ثمنه- أنه مال التجارة.

و إن شئت قلت: يراد من مال التجارة المال الأعم من شخصه و بدله الذي اشتراه، فاذا كان عنده مائة درهم فنوى الاتجار بها، فاذا اشترى بها شيئاً بقصد الاسترباح، لم يصدق مال التجارة على نفس المائة درهم لعدم تحقق التجارة بها، و صدق على الشي‌ء الذي اشتراه بها أنه مال التجارة باعتبار أنه بدل المال الذي وقعت عليه التجارة. فإذا كانت المعاوضة على المائة درهم بقصد القنية- لا الاسترباح- امتنع أن يصدق على ما اشتراه للقنية أنه مال التجارة وقوع التجارة عليه، و لا على ما هو بدله.

198
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

مطلق المال الذي أعد للتجارة، فمن حين قصد الاعداد يدخل في هذا العنوان، و لو كان قصده حين التملك- بالمعاوضة، أو بغيرها- الاقتناء و الأخذ للقنية. و لا فرق فيه بين أن يكون و مجرد نية بيعه بقصد الربح زائداً على ثمنه غير كاف في الصدق- كما عرفت- فيما لو ملكه لا بقصد المعاوضة.

نعم قد يوهم بعض النصوص الشمول للفرض، لعدم اشتماله على التجارة، و لا على ما يؤدي مؤداها،

كموثق سماعة: «عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعاً، فيمكث عنده السنة و السنتين و أكثر من ذلك. قال (ع):

ليس عليه زكاة حتى يبيعه. إلا أن يكون قد أعطي به رأس ماله، فيمنعه عن ذلك التماس الفضل، فاذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة ..» «1»

و نحوه غيره. لكن الظاهر من رأس المال المال الذي عاوض عليه بقصد الاسترباح، لا مطلق ثمن الشي‌ء.

و من ذلك يظهر ضعف الاستدلال على العموم‌

بمصحح محمد: «عن رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه، و قد زكى ماله قبل أن يشتري المتاع متى يزكيه؟ فقال (ع): إن كان أمسك متاعه يبتغي به رأس ماله فليس عليه فيه زكاة، و إن حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال» «2»

، و‌

خبر أبي الربيع: «في رجل اشترى متاعاً فكسد عليه متاعه، و قد كان زكى ماله قبل أن يشتري به، هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال (ع): إن أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة» «3».

مضافاً إلى أن الظاهر من قوله:

«كسد عليه متاعه»

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 4.

199
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

مما يتعلق به الزكاة المالية- وجوباً أو استحباباً- و بين غيره، كالتجارة (1) بالخضروات مثلا، و لا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع (2)، كما لو استأجر داراً بنية التجارة. و يشترط فيه أمور:

الأول: بلوغه حد نصاب أحد النقدين (3)، فلا زكاة خصوص صورة شرائه بقصد بيعه و الاسترباح به. و من ذلك يظهر ما في الجواهر تبعاً للمعتبر: من أن الأقوى عدم اعتبار قصد الاسترباح بالمعاوضة مستدلا عليه: بإطلاق الأدلة، و بصدق التجارة عليه عرفاً بذلك، و بأنه كما تقدم نية القنية في التجارة اتفاقاً تقدح نية التجارة في القنية. لما عرفت من منع الإطلاق، و منع صدق مال التجارة. و لأن قدح نية التجارة في القنية لا يجدي في إثبات المدعى، إلا إذا كان موضوع الزكاة ما لم يتخذ للقنية، و ليس كذلك، كما هو ظاهر.

كما صرح به في محكي المسالك. و يقتضيه إطلاق النصوص.

كما صرح به في محكي المسالك. و استشكل فيه في الجواهر، لضرورة ظهورها في الأمتعة و نحوها، حاكياً عن بعض مشايخه النص عليه مستظهراً له من المقنعة و غيرها.

و فيه: أن عموم‌

قوله (ع) في خبر ابن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول» «1»

شامل له. و ذكر المتاع و نحوه- مما لا يشمل المنافع- في أكثر نصوص الباب، لا يقتضي تخصيصه، و لا تقييده.

بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة و غيرها: الإجماع عليه، بل عن صريح نهاية الاحكام ذلك، بل في المعتبر و محكي المنتهى‌

______________________________
(1) تقدم ذكر الرواية في أول الفصل فلاحظ.

200
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

فيما لا يبلغه. و الظاهر أنه كالنقدين في النصاب الثاني (1) أيضاً.

و كشف الالتباس و غيرها: أنه قول علماء الإسلام، كذا في الجواهر.

و عن الحدائق و مجمع الفائدة: أنه مجمع عليه بين الخاصة و العامة، و عن المستند و مفتاح الكرامة: أن الإجماع عليه محقق معلوم.

و هذا هو العمدة فيه، لا الأصل كما قيل، لأن إطلاق النصوص حاكم عليه. و لا ظهور النصوص في اتحاد زكاة التجارة مع زكاة غيرها‌

كخبر شعيب: «كل شي‌ء جر عليك المال فزكه، و كل شي‌ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به» «1».

لمنع ذلك الظهور. و لا خلو النصوص عن التعرض للنصاب، مع معهودية اعتباره في زكاة النقدين. فان ذلك إنما يقتضي وجود البيان في الجملة، أما أنه بيان على اعتبار النصاب- كما في زكاة النقدين، أو على نحو آخر- أو على عدم اعتباره أصلا فلا. نعم لو كانت النصوص متعرضة لاعتبار النصاب في الجملة، و لم تتعرض لمقداره، أمكن أن يكون إهماله اعتماداً على بيانه في زكاة النقدين. لكنه ليس محلا للكلام.

نعم قد يتمسك بإطلاق ما دل على أنه لا زكاة في الذهب إذا لم يبلغ عشرين ديناراً، و لا في الفضة إذا لم تبلغ مائتي درهم، الشامل للزكاة الواجبة و المستحبة، و يتم الحكم في غيره بعدم القول بالفصل. لكن في ثبوت الإطلاق إشكالا. على أن عدم القول بالفصل ليس بأولى في الإثبات من الإجماع على أصل الحكم. بل يمكن منعه إذا لم يرجع اليه. نعم ما ذكر من الوجوه يصلح مؤيداً للإجماع، بنحو يحصل منه الاطمئنان بالحكم.

كما عن غير واحد التصريح به، بنحو يظهر منهم المفروغية عنه و لم يعرف فيه تأمل إلا من الشهيد الثاني في فوائد القواعد، حيث ذكر فيما حكي عنه: «أنه لم يقف على دليل على اعتبار النصاب الثاني،

______________________________
(1) تقدم ذكر الرواية في أول الفصل. فلاحظ.

201
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

الثاني: مضي الحول عليه (1) من حين قصد التكسب (2).

الثالث: بقاء قصد الاكتساب طول الحول، فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم (3). و إن عاد الى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء الحول من حينه (4).

و أن العامة صرحوا باعتبار الأول خاصة ..». لكن عن المدارك أنه رده: «بأن الدليل على اعتبار الثاني هو الدليل على اعتبار الأول. و الجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين، كما ذكره في التذكرة ..».

بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن المعتبر و المنتهى حكايته عن علماء الإسلام، كذا في الجواهر. و يشهد له‌

خبر ابن مسلم: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة، إذا حال عليه الحول» «1»

و‌

صحيحه: «عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها. فقال (ع):

إذا حال عليه الحول فليزكها» «2».

أو من حين التكسب، على الخلاف المتقدم في اعتبار مقارنة قصد التكسب للانتقال و عدمه.

اتفاقاً، كما في محكي المعتبر، ساكتاً عنه غيره. و في الجواهر:

نفى وجدان الخلاف فيه. و يقتضيه ما دل على اعتبار الحول، فان الظاهر منه حولان الحول على المال بماله من الخصوصيات المعتبرة فيه، التي منها قصد الاسترباح.

بناء على الاكتفاء بقصد الاكتساب. و لو اعتبر وقوع المعاوضة عليه فالابتداء من حين وقوعها.

______________________________
(1) لاحظ الرواية في أول الفصل.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 3.

202
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

الرابع: بقاء رأس المال بعينه (1) طول الحول.

الخامس: أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول (2) فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلا، فصار يطلب بنقيصة في يعني: بقاء عين السلعة المعاوض عليها بقصد الاسترباح. و ما ذكره محكي عن الصدوق، و المفيد، و المحقق، و المدارك، و الذخيرة، و غيرها. مستدلين بالنصوص الدالة على اعتبار حولان الحول. فإنه مع تبدل العين التجارية بعين أخرى لا يصدق حولان الحول على كل منهما. و عن العلامة و ولده: العدم، و عن المدارك: نسبته الى من تأخر عنه، و عن التذكرة و الإيضاح: الإجماع عليه. لما عرفت من أن المراد من المال- الذي يعمل به، أو يتجر به، أو نحو ذلك- المال الذي وقع عليه العمل و الاتجار، و هو نفس رأس المال. و بقاؤه حولا لا بد أن يكون بلحاظه عارياً عن الخصوصيات المميزة له عن بدله و عوضه، فيراد منه طبيعة المال الساري في أعواضه و أبداله، فلا فرق بين بقاء نفس العين الأولى حولا، و بين تبديلها بعين أخرى مرة أو مرات، حتى يمضي الحول من حين التكسب و تخصيصه بالبدل الأول بلا مخصص، لصدق حولان الحول على رأس المال بلحاظ البدل أو الإبدال في المقامين بنحو واحد. نعم لو كان المراد من المال نفس السلعة التي ملكت بالمعاوضة كان اعتبار بقائها بعينها حولا في محله. لكنه غير مراد قطعاً، لأن السلعة المملوكة بالمعاوضة على رأس المال لم يتجر بها و لم يعمل بها، و إنما كان العمل بثمنها لا غير، كما هو ظاهر.

قال في المعتبر: «وجود رأس المال طول الحول شرط لوجوب الزكاة و استحبابها» فلو نقص رأس المال و لو قيراطاً- في الحول كله، أو في بعضه- لم تجب الزكاة، و إن كان ثمنه أضعاف النصاب. و عند بلوغ رأس المال يستأنف الحول. و على ذلك فقهاؤنا أجمع، و خالف الجمهور ..».

203
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: مال التجارة ؛ ج‌9، ص : 196

أثناء السنة- و لو حبة من قيراط- يوماً منها، سقطت الزكاة و المراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع (1). و قدر الزكاة فيه ربع العشر، كما في النقدين (2). و الأقوى تعلقها بالعين، كما في الزكاة الواجبة (3). و إذا كان المتاع عروضاً فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر.

و عن التذكرة: نسبته إلى علمائنا، و عن المنتهى: الإجماع عليه، و عن غيرها:

ما هو قريب من ذلك. و يشهد له جملة من النصوص المتقدمة في الشرائط السابقة و غيرها.

أو قيمة المتاع حين قصد الاكتساب، بناء على ما تقدم منه.

لما تقدم في الشرط الأول.

المشهور- كما عن جماعة، بل عن المنتهى: الإجماع عليه-:

أن الزكاة في المقام تتعلق بالقيمة لا بالعين، فلو دفع من العين لم يكن أداء للفرض بل لبدله. إما لاستصحاب خلو العين عن الحق. و فيه: أنه معارض بمثله بالإضافة إلى القيمة. و إما لأن النصاب معتبر بالقيمة.

و فيه: أن ذلك أعم من المدعى. و إما لموثق إسحاق: «كل عرض فهو مردود إلى الدراهم و الدنانير» [1]. و فيه: أنه لا يخلو من إجمال، و من القريب أن يكون المراد منه أن العرض يقوم بالدراهم أو الدنانير ليعرف وجود النصاب فيه. و إما لمنافاة الاستحباب لملك العين. و فيه: أنه ينافي ملك القيمة أيضاً. و إما لأن موضوع الزكاة هو مال التجارة من حيث كونه مالا، لا من حيث كونه مالا خاصاً، زيتاً، أو سمناً، أو ثياباً، أو نحو ذلك. فموضوع الزكاة هو نفس المالية. و فيه: أن ذلك يقتضي التعلق بالعين‌

______________________________
[1] لم نعثر على الرواية في مظانها، و لعلها نقل بالمعنى لما رواه في الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة حديث: 7. و إن كان الظاهر خلافه.

204
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة ؛ ج‌9، ص : 205

[ (مسألة 1): إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة]

(مسألة 1): إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة، مثل أربعين شاة، أو ثلاثين بقرة، أو عشرين ديناراً، أو نحو ذلك. فان اجتمع شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة و سقطت زكاة التجارة (1)، و إن من حيث كونها مالا، لا بالقيمة الخارجة عن العين. و إما لغير ذلك مما هو مثله، أو أولى منه بالإشكال. فاذاً يتعين الأخذ بظاهر الأدلة الأولية المشرعة لها. و لأجل أن مساقها مساق أدلة الزكاة الواجبة، يتعين البناء على أن تعلقها كتعلقها. و قد تقدم الكلام في كيفية تعلق الزكاة الواجبة. فراجع.

بلا خلاف كما عن الخلاف، و عن المعتبر و التذكرة و المنتهى و الدروس و مجمع البرهان و غيرها: الإجماع عليه. لقول النبي (ص):

«لا ثنيا في صدقة» «1»، و‌

لمصحح زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

رجل دفع إلى رجل مالا قرضاً، على من زكاته، على المقرض أو على المقترض؟ قال (ع): لإبل زكاتها- إن كانت موضوعة عنده حولا- على المقترض. قلت: فليس على المقرض زكاتها؟ قال (ع): لا يزكى المال من وجهين في عام واحد» «2».

و يمكن أن يقال: إن الحديثين الشريفين إنما ينفيان اجتماع التشريعين و حينئذ فثبوت الزكاة الواجبة، و سقوط الزكاة المستحبة يتوقف على أهمية مقتضى التشريع في الأولى من مقتضية في الثانية، و لا طريق لإثباتها.

و مجرد كون التشريع في الثانية على نحو الاستحباب لا يقتضي كون مقتضية أضعف، بل قد يكون مقتضي الإباحة أقوى اقتضاء من مقتضي الوجوب أو الحرمة، كما لا يخفى.

______________________________
(1) لم نعثر على الرواية بهذا النص. نعم روى في مستدرك الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 2: «و نهي أن يثنى عليهم في عام مرتين».

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

205
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة ؛ ج‌9، ص : 206

اجتمعت شرائط إحداهما فقط، ثبتت ما اجتمعت شرائطها (1) دون الأخرى.

[ (مسألة 2): إذا كان مال التجارة أربعين غنماً سائمة]

(مسألة 2): إذا كان مال التجارة أربعين غنماً سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنماً سائمة، سقط كلتا الزكاتين، بمعنى: أنه قطع حول كلتيهما، لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول (2)، فلا بد أن يبتدئ الحول من حين تملك الثانية.

نعم لو كان الاختلاف بين الوجوب و الاستحباب ناشئاً من اختلاف مقتضيهما بالشدة و الضعف، فالوجوب ناشئ عن مصلحة قوية و الاستحباب ناشئ عن مصلحة ضعيفة، كان تقديم تشريع الوجوب على تشريع الاستحباب في محله. لكنه خلاف التحقيق، فان التحقيق: أن الاختلاف بينهما ناشئ من اختلافهما في وجود مقتضي الترخيص و عدمه، فان وجد مقتضي الترخيص كان الطلب استحبابياً، و إن كان ناشئاً عن مصلحة قوية، و إن لم يوجد مقتض للترخيص كان الطلب وجوبياً، و إن كان ناشئا عن مصلحة ضعيفة.

اللهم إلا أن يقال: ما ذكر مسلم، إلا أن رفع الزكاة الواجبة في المقام يوجب تفويت المصلحة الملزمة بلا مزاحم، و رفع الزكاة المستحبة يوجب تفويت المصلحة الملزمة مع المزاحم، و حيث يدور الأمر بينهما يتعين الثاني.

لكنه إنما يتم لو كان المقام من باب التزاحم. و إلا فلو بني على التعارض فتخصيص أدلة الزكاة المالية في المقام ليس بأولى من تخصيص أدلة زكاة التجارة.

لإطلاق دليلها.

و لو بني على عدم اعتبار ذلك- كما تقدم- ثبت زكاة التجارة لاجتماع شرائطها، و سقطت زكاة المال، لانتفاء حولان الحول.

206
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): إذا ظهر في مال المضاربة ربح ؛ ج‌9، ص : 207

[ (مسألة 3): إذا ظهر في مال المضاربة ربح]

(مسألة 3): إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال- مع بلوغه النصاب- على رب المال (1)، و يضم إليه حصته من الربح (2). و يستحب زكاته أيضاً إذا بلغ النصاب و تمَّ حوله، بل لا يبعد كفاية (3) مضي حول الأصل. و ليس في حصة العامل من الربح زكاة، إلا إذا بلغ بلا خلاف و لا إشكال، كما في الجواهر. لأن الزكاة على المالك و رأس المال ملك للمالك.

يعني: إذا كان رأس المال النصاب الأول كما فرض، كفى في ثبوت الزكاة في الربح بلوغه النصاب الثاني، عملا بإطلاق دليله. أما لو كان رأس المال لا يبلغ النصاب الأول إلا بضميمة الربح ضم اليه الربح.

لكن لا بد من مضي الحول من حين ظهوره، فلو ظهر في الأثناء لم تثبت الزكاة بحلول الحول من حين الاكتساب، لعدم مضي الحول على النصاب كما هو المفروض. و سينبه عليه المصنف (ره).

ثمَّ إنه قد يتأمل في صدق مال التجارة على الربح، لعدم قصد التكسب به. و فيه: أن المراد من مال التجارة المال الذي وردت عليه التجارة، و هو رأس المال، و صدقه على المتاع باعتبار بدليته عنه، و كذا صدق حولان الحول عليه. فاذا كان المتاع مال التجارة بهذه العناية، ثبتت فيه الزكاة.

و قصد التكسب المعتبر في الصدق إنما يعتبر في رأس المال الذي قصد إجراء المعاوضة عليه للاسترباح.

لا يخلو من إشكال، إذ هو خلاف ظاهر الأدلة المعتبرة للحول.

فان الربح إذا كان ملحوظاً نصاباً ثانياً لوحظت الشرائط بأجمعها بالإضافة إليه نفسه، و وجودها بالإضافة الى رأس المال غير كاف في الثبوت. و لا فرق بين مضي الحول غيره من الشرائط.

207
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): الزكاة الواجبة مقدمة على الدين ؛ ج‌9، ص : 208

النصاب، مع اجتماع الشرائط (1). لكن ليس له التأدية من العين (2)، إلا بإذن المالك، أو بعد القسمة.

[ (مسألة 4): الزكاة الواجبة مقدمة على الدين]

(مسألة 4): الزكاة الواجبة مقدمة على الدين (3)، سواء كان مطالباً به أولا، ما دامت عينها موجودة، بل عملا بأدلة نفي الزكاة و ثبوتها، و شرطية الشرائط. و ما ذكره هو المشهور. و عن الكركي: عدم ثبوت الزكاة في حصة العامل، و عن الأردبيلي الميل اليه: إما لأن العامل لا يملك الربح إلا بعد الإفضاض أو القسمة و فيه: أن المشهور كون الملك بالظهور، و لا يتوقف على ما ذكر. فتأمل.

و إما لعدم التمكن من التصرف، الذي هو شرط الزكاة. و فيه: أن المنع الناشئ عن الشركة غير قادح في ثبوت الزكاة. و إما لاختصاص أدلة زكاة التجارة بالتاجر، فلا تشمل العامل. و فيه: أنك عرفت أن مال التجارة أعم من العين و المنفعة، و عمل العامل من قبيل الثاني، فالمضاربة نوع من التجارة على العمل. و إما‌

لموثق سماعة: «عن الرجل يربح في السنة خمسمائة و ستمائة و سبعمائة، هي نفقته، و أصل المال مضاربة. قال (ع): ليس عليه في الربح زكاة» «1».

و فيه: أن ظاهر قوله (ع):

(نفقته)

أنها لا يحول عليها الحول، فلا يثبت المدعى. و إما لعدم تمامية ملك الربح، لأنه وقاية لرأس المال. و فيه: أن كونه وقاية لا يوجب نقصاً في الملك، غاية الأمر: أن المملوك في معرض الزوال و الانتفاء، و مجرد ذلك لا يوجب قصوراً في الملك.

لأنها تصرف في المال المشترك، الذي لا يجوز التصرف فيه بغير إذن الشريك.

بلا خلاف و لا إشكال، لتعلقها بالعين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 6.

208
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية ؛ ج‌9، ص : 209

.....

لا يصح وفاؤه بها (1) بدفع تمام النصاب. نعم مع تلفها، و صيرورتها في الذمة حالها حال سائر الديون (2). و أما زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدم عليها، حيث أنها مستحبة، سواء قلنا بتعلقها بالعين أو بالقيمة. و أما مع عدم المطالبة، فيجوز تقديمها على القولين أيضاً، بل مع المطالبة، أيضاً إذا أداها صحت و أجزأت، و إن كان آثماً من حيث ترك الواجب.

[ (مسألة 5): إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية]

(مسألة 5): إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية، و اختلف مبدء حولهما، فان تقدم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة (3)، و إن انعكس، فان اعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت، و إلا كان كما لو حال الحولان معاً في سقوط مال التجارة.

[ (مسألة 6): لو كان رأس المال أقل من النصاب ثمَّ بلغه في أثناء الحول]

(مسألة 6): لو كان رأس المال أقل من النصاب ثمَّ بلغه في أثناء الحول، استأنف الحول عند بلوغه (4).

[ (مسألة 7): إذا كان له تجارتان، و لكل منهما رأس مال]

(مسألة 7): إذا كان له تجارتان، و لكل منهما رأس مال، فلكل منهما شروطه (5) و حكمه، فإن حصلت في أحدهما دون الأخرى استحبت فيها فقط. و لا يجبر خسران لما تقدم: من المنع من التصرف في النصاب، لتعلق الزكاة به.

بل لا تبعد دعوى أهميتها منها، كما يظهر من ملاحظة أدلة وجوبها. و بقية المسألة ظاهرة.

لنقص النصاب في أثناء الحول. و منه يظهر وجه ما بعده.

بلا خلاف و لا شبهة كما قيل. و قد تقدمت الإشارة إلى وجهه.

للتعدد المانع من إلحاق إحداهما للأخرى.

209
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني مما يستحب فيه الزكاة: كل ما يكال أو يوزن ؛ ج‌9، ص : 210

إحداهما بربح الأخرى.

[الثاني مما يستحب فيه الزكاة: كل ما يكال أو يوزن]

الثاني مما يستحب فيه الزكاة: كل ما يكال أو يوزن (1) مما أنبتته الأرض، عدا الغلات الأربع فإنها واجبة فيها، و عدا الخضر، كالبقل، و الفواكه: و الباذنجان، و الخيار، و البطيخ و نحوها.

ففي صحيحة زرارة: «عفا رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) عن الخضر. قلت: و ما الخضر؟

قال (ع): كل شي‌ء لا يكون له بقاء، البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك، مما يكون سريع الفساد ..» «1».

و حكم ما يخرج من الأرض، مما يستحب فيه الزكاة، حكم الغلات الأربع، في قدر النصاب، و قدر ما يخرج منها، و في السقي و الزرع و نحو ذلك.

[الثالث: الخيل الإناث]

الثالث: الخيل الإناث. بشرط أن تكون سائمة، و يحول عليها الحول. و لا بأس بكونها عوامل، ففي العتاق منها- و هي التي تولدت من عربيين- كل سنة ديناران، هما مثقال و نصف صيرفي. و في البراذين من كل سنة دينار، ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي. و الظاهر ثبوتها حتى مع الاشتراك فلو ملك اثنان فرساً تثبت الزكاة بينهما.

[الرابع: حاصل العقار المتخذ للنماء]

الرابع: حاصل العقار المتخذ للنماء، من البساتين، و الدكاكين، و المساكن، و الحمامات، و الخانات، و نحوها.

و الظاهر اشتراط النصاب، و الحول. و القدر المخرج ربع قد تقدم الكلام في الموارد المذكورة إجمالا. فراجع.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 9.

210
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: الحلي ؛ ج‌9، ص : 211

العشر، مثل النقدين.

[الخامس: الحلي]

الخامس: الحلي. و زكاته إعارته لمؤمن.

[السادس: المال الغائب، أو المدفون]

السادس: المال الغائب، أو المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه، إذا حال عليه حولان أو أحوال، فيستحب زكاته لسنة واحدة بعد التمكن.

[السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة]

السابع: إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة، فإنه يستحب إخراج زكاته بعد الحول.

[فصل في أصناف المستحقين للزكاة]

فصل في أصناف المستحقين للزكاة و مصارفها: ثمانية (1):

[الأول و الثاني: الفقير و المسكين]

الأول و الثاني: الفقير و المسكين (2).

فصل في أصناف المستحقين للزكاة بنص القرآن [1]، و إجماع المسلمين، كذا في المستند. و قريب منه ما عن غيره. لكن في الشرائع: عدها سبعة، بجعل الفقير و المسكين صنفاً واحداً. لكنه خلاف ما عرفت، و خلاف صريح بعض النصوص.

و عن أبي حنيفة: أن العاملين يعطون عوضاً و أجراً، لا زكاة. و فيه ما يأتي في محله.

قد وقع الخلاف في اتحادهما معنى و تغايرهما، مع التساوي بينهما‌

______________________________
[1] يشير بذلك إلى قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) التوية: 60.

211
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

و الثاني أسوأ حالا (1) من الأول. و الفقير الشرعي من لا يملك في المصداق و عدمه. و قد حكى غير واحد: الاتفاق على دخول أحدهما في الآخر عند الانفراد و عدمه عند الاجتماع. كما لا إشكال في أن المسوغ لاعطائهما من الزكاة عنوان خاص تعرضت له النصوص، فيكون هو المدار في الجواز و عدمه. و لأجل ذلك لا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك. إلا بناء على وجوب البسط في المقام، و فيما لو أوصى أو وقف أو نذر للفقير أو للمسكين إذا قصد معنى اللفظ إجمالا.

و الذي يظهر من‌

صحيح أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

قول اللّه تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ ..). قال (ع):

الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم» «1»

و‌

صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): «أنه سأله عن الفقير و المسكين فقال (ع): الفقير الذي لا يسأل، و المسكين الذي هو أجهد منه، الذي يسأل» «2»

مغايرتهما مفهوماً و مصداقاً. و دعوى ظهورهما في تفسير الفقير و المسكين في آية الزكاة في غير محلها، إذ لا قرينة على ذلك في الثاني و الأول و إن كان مورده الآية، لكنه- بقرينة ذكر البائس- ظاهر في إرادة تفسير اللفظين مطلقاً، فالعمل عليهما في جميع الموارد في محله.

كما هو المشهور. و يقتضيه الصحيحان المذكوران. و عن ابن إدريس: أن الفقير أسوأ حالا من المسكين، و حكي أيضاً عن جماعة من الفقهاء و اللغويين. و استدل لهم ببعض الوجوه، الضعيفة في نفسها، فضلا عن صلاحيتها لمعارضة الصحيحين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

212
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

مئونة السنة له (1) و لعياله، و الغني الشرعي بخلافه. فمن كان كما هو المشهور، المنسوب إلى محققي المذهب، و عن جماعة:

أن عليه عامة المتأخرين. و يشهد له جملة من النصوص، مثل: ما‌

في صحيح أبي بصير: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره. قلت: فان صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة؟ قال (ع):

زكاته صدقة على عياله، و لا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقل من سنة، فهذا يأخذها. و لا تحل الزكاة لمن كان محترفاً و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة» «1»

، و الصحيح‌

عن علي بن إسماعيل عن أبي الحسن (ع): «عن السائل عنده قوت يوم، أ له أن يسأل؟ و إن أعطي شيئاً أ له أن يقبل؟ قال (ع): يأخذ- و عنده قوت شهر- ما يكفيه لسنة من الزكاة، لأنها إنما هي من سنة إلى سنة» «2»

، و ما‌

عن المقنعة: من المرسل عن يونس بن عمار: «سمعت الصادق (ع) يقول: تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة» «3».

فان الوصف و إن لم يكن له مفهوم، لكن ورود الكلام في مقام التحديد يدل عليه. فتأمل. و تدل عليه أيضاً النصوص الآتية، فإن الظاهر من إطلاق الكفاية و القوت فيها أنهما بلحاظ السنة، لا الأقل، و لا الأكثر.

هذا و ربما قيل: بأن المراد من الفقير من لم يملك أحد النصب الزكوية.

و في الجواهر: «لم نعرف القائل به ..». و نسب الى الشيخ تارة،

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 10.

213
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

.....

و إلى الخلاف أخرى، و إلى المفيد و السيد ثالثة. لكن النسبة غير محققة.

نعم عن الخلاف في باب الفطرة: «تجب زكاة الفطرة على من ملك نصاباً تجب فيه الزكاة، أو قيمة نصاب. و به قال أبو حنيفة ..».

و كيف كان فاستدل له بالنبوي- المروي مضمونه في نصوصنا أيضاً «1» كما في الجواهر-

قال (ص): لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أن محمداً رسول اللّه (ص) فان هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن اللّه تعالى قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» «2».

و فيه: أنه لم يتعرض فيه لتفسير مفهوم الغنى و الفقر. غاية الأمر: أن ما دل على وجوب الزكاة بملك النصاب، يقتضي أن يكون الأغنياء في الحديث مراداً منه من يملك أحد النصب الزكوية، و الفقير من لم يكن كذلك، و الاستعمال أعم من الحقيقة. مع أن البناء على أن من يملك الملايين من الدور و العقارات لا يكون غنياً، و يكون فقيراً يجوز إعطاؤه من الزكاة، لأنه لا يملك أحد النصب الزكوية، و أن من عنده خمسة أوسق من الشعير لا تفي بقوت يوم من سنته يكون غنياً لا يجوز إعطاؤه من الزكاة، مع ضرورته إليها، خلاف النصوص بل خلاف الضرورة. و كون المعيار مقدار مالية النصاب لا عينه- كما في عبارة الخلاف المتقدمة- لا يدل عليه النبوي المذكور.

و‌

بصحيح زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «لا تحل لمن كان عنده أربعون درهما، يحول عليها الحول، أن يأخذها. و ان أخذها أخذها حراماً» «3».

و فيه- مع أنه أجنبي عن الدعوى-: أنه يجب حمله على‌

______________________________
(1) لاحظ الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

(2) كنزل العمال ج 3 حديث: 3964، 3965، و سنن البيهقي ج 4 صفحة 96، 101.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 5.

214
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك، تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة، لا يجوز له أخذ الزكاة (1).

و كذا إذا كان له رأس مال يقول ربحه بمؤنته (2)، أو كان له ما لا ينافي ما تقدم جمعاً. و لعل المراد به صورة عدم الحاجة، بحيث تزيد على نفقته، كما يشير اليه قوله (ع):

«يحول عليها الحول»

. و عن المفاتيح: أن الفقير من لم يقدر على كفايته و كفاية من يلزمه من عياله عادة على الدوام، بربح مال، أو غلة، أو صنعة. حاكياً له عن المبسوط. و المراد منه لا يخلو من إجمال، لاحتمال كون قوله:

«على الدوام»

قيداً لقوله:

«يلزمه»

. كما يحتمل أن يكون قيداً للكفاية.

و كيف كان فدليله غير ظاهر، لما عرفت من أن مفاد النصوص القول المشهور.

بلا إشكال. و‌

في موثق سماعة: «عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال (ع): نعم. إلا أن تكون داره دار غلة، فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله، فان لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله- في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم- من غير إسراف، فقد حلت له الزكاة. فإن كانت غلتها تكفيهم فلا» «1».

بلا إشكال و لا خلاف، و تقتضيه النصوص المتقدمة، و‌

في موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (ع): «قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة، و تحرم على صاحب الخمسين درهماً. فقلت له: و كيف يكون هذا؟ قال (ع):

إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير، فلو قسمها بينهم لم تكفه، فليعف عنها نفسه، و ليأخذها لعياله. و أما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده، و هو محترف يعمل بها، و هو يصيب منها ما يكفيه إن شاء اللّه» «2»

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب مستحقي الزكاة حديث: 2.

215
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

من النقدين أو الجنس ما يكفيه (1) و عياله، و إن كان لسنة واحدة.

و أما إذا كان أقل من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها (2) كما تقتضيه النصوص السابقة.

أما إذا لم يكن رأس المال مع الربح كافياً لمؤنة السنة فالظاهر أنه لا إشكال فيه. و أما إذا كان رأس المال وحده كافياً لمؤنة السنة، فالمنسوب إلى الشيخ و المحقق و العلامة و غيرهم: جواز الأخذ، بل عن الأردبيلي (ره): نسبته إلى صريح الأصحاب.

و استدل لهم‌

بخبر هارون بن حمزة: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): يروى عن النبي (ص) أنه قال: لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرة سوي، فقال (ع): لا تصلح لغني. قال: فقلت له: الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة، و له عيال، فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها. قال (ع): فلينظر ما يستفضل منها فيأكله هو و من يسعه ذلك و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله» «1».

لكن الظاهر منه صورة كفاية رأس المال بضميمة الربح، لأن موضوع السؤال الدراهم المشغولة بضاعة، فلا يشمل صورة كفاية رأس المال وحده في مئونة السنة. و الظاهر أن مثله:

صحيح معاوية بن وهب قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يكون له ثلثمائة درهم أو أربعمائة درهم، و له عيال، و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها، أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة، أو يأخذ الزكاة؟ قال (ع): لا بل ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة، و يتصرف بهذه لا ينفقها» «2».

فان الظاهر من النفقة فيه نفقتة السنة، فالمراد من قوله:

«أ يكب فيأكلها»

يعني في نفقته،

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

216
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

.....

يعني: يأكلها كلها في نفقته. و موضوع السؤال فيه الدراهم التي يحترف بها، فيكون المراد أن يأكلها مع ربحها.

و أما‌

خبر أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفاف، و له عيال كثير، أ له أن يأخذ من الزكاة؟ فقال (ع): يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم. قال (ع): كم يفضل؟ قال: لا أدري. قال (ع): إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة» «1».

فظاهره مخالف للإجماع، و ما عرفت من موثق سماعة و غيره، فلا مجال للاستدلال به على المقام. فتأمل. و من هنا يشكل القول بجواز أخذ الزكاة إذا كان رأس المال وحده كافياً بمؤنة السنة.

و ربما يستدل على العدم بصحيح أبي بصير و موثق سماعة الثاني المتقدمين «2» لكن الظاهر منهما كون السبعمائة ليست مال التجارة، بقرينة المقابلة للمحترف لا أقل من عدم الإطلاق المانع من الاستدلال بهما على المقام. نعم موثق سماعة الأول يقتضي إطلاقه جواز أخذ الزكاة لصاحب الدار التي لا تفي غلتها بالمؤنة، و إن كانت وحدها كافية فيها «3»، فان ثبت عدم الفصل بينها و بين رأس المال أمكن التعدي اليه، و إلا وجب الاقتصار عليها دونه.

نعم يمكن التعدي منها إلى كل ثابت، من ضيعة أو عقار أو دكان أو خان أو نحوها، للاشتراك بينها في صعوبة التبعيض في الإنفاق منها ببيع بعضها و في لزوم الوهن و الحرج نوعاً بذلك، بخلاف مثل الدراهم و الحيوان و الحبوب و نحوها. نعم يستفاد من رواية عبد العزيز الآتية جواز تناول الزكاة إذا كان ثلم رأس المال يوجب فوات ما به معاشه و قوته، لا مطلقاً. لكنها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(2) تقدم ذكرهما قريباً في أوائل هذا الفصل.

(3) تقدم ذكرهما قريباً في أوائل هذا الفصل.

217
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية و نقص عنه- بعد صرف بعضه في أثناء السنة- يجوز له الأخذ، و لا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتى يتم ما عنده (1)، ففي كل وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ.

و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة (2) ضعيفة السند. فلاحظ.

لصدق عدم ملك ما يكفي لسنة، فلو كان رأس ماله يكفي لسنة و ربحه لا يكفي، و قلنا بعدم جواز أخذ الزكاة حينئذ، فإذا أنفق من رأس ماله بمقدار لا يبقى منه ما به الكفاية، جاز له أخذها.

بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه كذا في الجواهر. و يشهد له‌

مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «سمعته يقول: إن الصدقة لا تحل لمتحرف، و لا لذي مرة سوي قوي، فتنزهوا عنها» «1»

، و‌

صحيحه- المروي عن معاني الأخبار- عن أبي جعفر (ع):

«قال رسول اللّه (ص): لا تحل الصدقة لغني، و لا لذي مرة سوي، و لا لمحترف، و لا لقوي. قلنا: ما معنى هذا؟ قال (ع): لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر أن يكف نفسه عنها» «2».

و نحوهما خبر أبي البختري عن علي (ع) «3».

و أما ما‌

عن الصدوق في الفقيه من قوله: «و في حديث آخر عن الصادق (ع): أنه قال: قد قال رسول (ص) إن الصدقة لا تحل لغني و لم يقل: و لا لذي مرة سوي» «4»

فلا يصلح لمعارضة ما ذكره.

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين الزكاة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 9.

218
مستمسک العروة الوثقى9

الأول و الثاني: الفقير و المسكين ؛ ج‌9، ص : 211

أو كسب يحصل منهما مقدار مئونته (1). و الأحوط عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا (2).

و لا سيما مع قرب احتمال أن يكون عين‌

الصحيح لمعاوية بن وهب: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): يروون عن النبي (ص): أن الصدقة لا تحل لغني، و لا لذي مرة سوي، فقال أبو عبد اللّه (ع): لا تصلح لغني» «1»

، فيكون الصدوق (ره) قد فهم من اقتصار الامام (ع) على قوله:

«لا تصلح لغني»

عدم صحة نقل قوله (ص):

«و لا لذي ..»

. و إن كان من المحتمل أيضاً أن يكون الوجه في الاقتصار عليه أمراً آخر- كما قيل- مثل عدم الاحتياج اليه لدخوله في الغني، أو غير ذلك، مما يقتضيه الجمع بينه و بين الصحيح.

كما هو المعروف. بل قيل: إنه إجماع لو كان محترفاً فعلا.

نعم عن الخلاف: جواز دفع الزكاة إلى المكتسب، من دون اشتراط قصور كسبه. لكنه غير ظاهر، بعد ما عرفت من النصوص المتقدمة. و مجرد صدق عدم ملك مئونة السنة غير كاف في جواز رفع اليد عنها، كما هو ظاهر.

قد استظهر في الجواهر من عبارات المقنعة و الغنية و السرائر و غيرها المنع. كما أنه استظهر من عبارات النهاية و التحرير و الدروس و البيان الجواز، و اختاره هو. موجهاً له: بأن صحيح زرارة المتقدم و إن كان ظاهره المنع لكن مصححه ظاهر في الجواز، بقرينة‌

قوله (ع) فيه: «فتنزهوا عنها» «2».

و يقتضيه أيضاً صحيح معاوية المتقدم، لاقتصاره على ذكر الغني، الظاهر في الاقتصار في المنع عليه «3». و فيه. أنه لو تمَّ ذلك اقتضى الجواز في ذي الصنعة و المتحرف فعلا، لانحصار الدليل على المنع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

(2) تقدم ذكر الروايتين قريباً: فلاحظ.

(3) تقدم ذكر الروايتين قريباً: فلاحظ.

219
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته، لكن عينه تكفيه ؛ ج‌9، ص : 220

[ (مسألة 1): لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته، لكن عينه تكفيه]

(مسألة 1): لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤنته، لكن عينه تكفيه، لا يجب عليه صرفها في مئونته (1) بل يجوز له إبقاؤه للاتجار به و أخذ البقية من الزكاة و كذا لو كان صاحب صنعة (2) تقوم آلاتها، أو صاحب فيهما بما ذكر من النصوص. مضافاً الى أن ظهور قوله (ع):

«فتنزهوا»

في الكراهة، ليس أقوى من ظهور:

«و لا يحل»

في الحرمة، فلا يصلح قرينة على صرفها إليها. و لا سيما بقرينة ذكره في سياق الغني الممنوع عنها ضرورة. و ما عساه يظهر من بعض، من الإجماع على جواز إعطاء ذي الصنعة إذا أعرض عنها، لا مجال للاعتماد عليه لو تمَّ، لمخالفته لظاهر جماعة من الأعاظم. و إطلاق الأدلة مقيد بما ذكر. و السيرة على الإعطاء ممنوعة بنحو يعتد بها. و لا سيما مع احتمال اختصاصها بصورة العجز عن التكسب فعلا، و إن كان قادراً عليه قبل ذلك فتركه اختياراً، فإنه لا بأس بالبناء على الجواز في الفرض، للعجز عن التكسب و الاحتياج إلى النفقة. و مجرد ترك التكسب بالاختيار لا يخرجه عن موضوع جواز الأخذ، كما ذكره في الجواهر.

قد عرفت الكلام فيه. كما عرفت أنه إذا صرف منه مقداراً و بقي منه ما يفي بضميمة الربح بمؤنته جاز الأخذ حينئذ.

يمكن استفادة ذلك من رواية عبد العزيز بن المهتدي، المتضمنة لعدم وجوب بيع الغلام و الجمل و هو معيشته و قوته «1»، المراد به كونهما مما يتوقف عليه القوت الذي لا بد منه و ضروري للإنسان، فيتعدى منهما إلى كل ما يكون كذلك، حتى رأس المال إذا كان كذلك.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب المستحقين الزكاة حديث: 3.

220
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة ؛ ج‌9، ص : 221

ضيعة (1) تقوم قيمتها بمؤنته، و لكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها و صرف العوض في المؤنة، بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقية المؤنة.

[ (مسألة 2): يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة]

(مسألة 2): يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته (2) دفعة، فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة كما هو المعروف. و تدل عليه موثقة سماعة، كما تقدم «1».

كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل عن المنتهى: «يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه، و هو قول علمائنا أجمع ..». و قد يظهر ذلك من العبارات المتعرضة لنقل الخلاف في ذلك فيمن يقصر كسبه أو حرفته عن مئونة السنة، مع عدم نقل خلاف في غيره.

و كيف كان فيشهد له- مضافاً إلى إطلاق أدلة الوجوب- جملة من النصوص المتضمنة لجواز إعطاء الفقير إلى أن يصير غنياً،

كموثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سئل كم يعطى الرجل من الزكاة؟ فقال: قال أبو جعفر (ع): إذا أعطيت فأغنه» «2».

و نحوه خبر سعيد بن غزوان «3» و خبر إسحاق بن عمار «4» و غيرهما. و‌

في خبر بشير بن بشار: «قلت للرجل- يعني أبا الحسن (ع)-: ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة؟

قال (ع): يعطى المؤمن ثلاثة آلاف. ثمَّ قال (ع): و عشرة آلاف و يعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة اللّه تعالى، و الفاجر في

______________________________
(1) لاحظ أوائل الفصل.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 24 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

221
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة ؛ ج‌9، ص : 221

.....

معصية اللّه تعالى» «1».

و‌

في صحيح أبي بصير: «فليعطه ما يأكل، و يشرب، و يكتسي، و يتزوج، و يتصدق، و يحج» «2».

لكن الأخير غير ظاهر في سهم الفقراء. و خبر بشير ضعيف بالإرسال و ما قبله غير ظاهر في الغني العرفي، بل ظاهر في الغني الشرعي، فغاية مفاده الدلالة على جواز إعطاء مقدار كفاية السنة، و لا تعرض فيه للزائد على ذلك، لا بالصراحة، و لا بالإطلاق. مضافاً إلى ما قد يظهر مما تقدم من صحيح معاوية بن وهب «3»، و خبر الغنوي «4»، و موثق سماعة «5» من لزوم الاقتصار على مقدار الكفاية. و إن كان مورد الجميع من كان له رأس مال يقصر ربحه عن مئونة السنة، إلا أنه يمكن التعدي إلى غيره، بإلغاء خصوصية مورده عرفاً.

اللهم إلا أن يقال: الأمر بإعفاء نفسه- في موثق سماعة- أو نفسه و بعض عياله- في الصحيح و الخبر- محمول على الاستحباب إجماعاً، إذ لا كلام في جواز تناوله لنفسه من الزكاة. و يشير اليه التعبير بالعفة في الموثق. و ان شئت قلت: ما تضمنته الأخبار المذكورة أجنبي عن الدعوى، و لأجل عدم القول بوجوبه تعين حملها على الاستحباب. و عليه فالعمدة في الاشكال: عدم صلاحية النصوص السابقة لإثبات الجواز. اللهم إلا أن يدعى انجبار المرسل بدعوى الإجماع المحكي عن المنتهى. أو يعتمد على الإجماع نفسه، و لا سيما مع اعتضاده بظهور دعواه من غيره أيضاً، و بإطلاق الأدلة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(3) تقدم ذكره في أوائل الفصل.

(4) المراد به: هو خبر هارون بن حمزة المتقدم في أوائل هذا الفصل.

(5) المراد به: هو موثق سماعة الثاني المتقدم في أول الفصل.

222
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله ؛ ج‌9، ص : 223

سنة واحدة. و كذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤنة سنته أو صاحب الضيعة التي لا تفي حاصلها، أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤنة سنته. و لا يلزم الاقتصار على إعطاء التتمة بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين، بل يجوز جعله غنياً عرفياً.

و إن كان الأحوط الاقتصار (1). نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز- بعد أن حصل (2) عنده مئونة السنة- أن يعطى شيئاً و لو قليلا ما دام كذلك.

[ (مسألة 3): دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله]

(مسألة 3): دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج (3) إليها بحسب حاله و لو لعزة و شرفه- لا يمنع من إعطاء الزكاة (4) و أخذها. بل و لو كانت متعددة، مع الحاجة إليها. و كذا الثياب و الألبسة، الصيفية و الشتوية، السفرية و الحضرية، و لو كانت للتجمل، و أثاث البيت، من الفروش الأولية، بناء على عدم صلاحية النصوص الأول لتقييدها، لعدم كونها واردة في مقام التحديد، لتدل على عدم جواز دفع الزائد على المؤنة.

قد عرفت وجهه.

لصيرورته بذلك غنياً.

عن التذكرة: أنه لا يعلم خلافاً فيها، و في ثياب التجمل. و يستفاد حكمها- و حكم ما يأتي- من النصوص الآتية.

بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كذا في الجواهر. و يشهد له موثق سماعة المتقدم في عدم جواز أخذ الغني من الزكاة و‌

مصحح ابن أذينة عن غير واحد عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّه (ع): «أنهما سئلا عن الرجل يكون له دار و خادم أو عبد، أ يقبل الزكاة؟

223
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): دار السكنى، و الخادم، و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله ؛ ج‌9، ص : 223

و الظروف و سائر ما يحتاج اليه، فلا يجب بيعها في المؤنة، بل لو كان فاقداً لها مع الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها (1).

و كذا يجوز أخذها لشراء الدار، و الخادم، و فرس الركوب و الكتب العلمية و نحوها، مع الحاجة إليها. نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته- بحسب حاله- وجب صرفه في المؤنة. بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته، و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته، وجب بيعه (2). بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقل

قال (ع): نعم، إن الدار و الخادم ليسا بمال» «1»

، و‌

خبر عبد العزيز:

قال «دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد اللّه (ع) فقال له أبو بصير:

إن لنا صديقاً

.. (إلى أن قال):

و له دار تسوى أربعة آلاف درهم و له جارية، و له غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال، أ له أن يأخذ من الزكاة؟ قال (ع)، نعم. قال: و له هذه العروض؟ فقال: يا أبا محمد فتأمرني أن آمره أن يبيع داره، و هي عزه و مسقط رأسه، أو يبيع خادمه الذي يقيه الحر و البرد، و يصون وجهه و وجه عياله. أو آمره أن يبيع غلامه و جمله، و هو معيشته و قوته؟! بل يأخذ الزكاة فهي له حلال، و لا يبيع داره، و لا غلامه، و لا جمله» «2».

و نحوها غيرها.

لأنها من النفقة.

كما استظهره في محكي المدارك و غيره. و هو كذلك، إذ لا تشمله أدلة الاستثناء.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

224
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه ؛ ج‌9، ص : 225

منها قيمة، فالأحوط بيعها (1) و شراء الأدون. و كذا في العبد، و الجارية، و الفرس.

[ (مسألة 4): إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه]

(مسألة 4): إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه، كما لو كان قادراً على الاحتطاب و الاحتشاش غير اللائقين بحاله، يجوز له أخذ الزكاة (2). و كذا إذا كان عسراً و مشقة- من جهة كبر، أو مرض، أو ضعف- فلا يجب عليه التكسب حينئذ.

[ (مسألة 5): إذا كان صاحب حرفة و صنعة، و لكن لا يمكنه الاشتغال بها]

(مسألة 5): إذا كان صاحب حرفة و صنعة، و لكن لا يمكنه الاشتغال بها، من جهة فقد الآلات، أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة (3).

[ (مسألة 6): إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلمها من غير مشقة]

(مسألة 6): إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلمها من غير مشقة، ففي وجوب التعلم (4)، و حرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال. و الأحوط التعلم، و ترك الأخذ بعده. نعم بل هو الظاهر، فإنه نظير الفرض السابق. و من هنا يشكل الفرق بينهما، كما حكي.

بلا خلاف ظاهر. و يستفاد من نصوص استثناء العبد و الخادم المتقدمة، و لا سيما خبر عبد العزيز «1».

بلا خلاف ظاهر، لصدق الفقير عليه.

لا ينبغي التأمل في عدم وجوب التعلم تكليفاً، إذ لا دليل عليه.

نعم يختص الإشكال في جواز أخذ الزكاة مع قدرته عليه و عدمه. و يتعين حينئذ التفصيل بين كونه قادراً فعلا عرفاً على التعيش، بلا حاجة الى الزكاة-

______________________________
(1) تقدم ذكره في المسألة: 3 من هذا الفصل.

225
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في يوم أو أسبوع مثلا ؛ ج‌9، ص : 226

ما دام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذها (1).

[ (مسألة 7): من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في يوم أو أسبوع مثلًا]

(مسألة 7): من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في يوم أو أسبوع مثلًا، و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الأسبوع مقدار مئونة السنة، فتركه و بقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب، لا يبعد جواز أخذه (2) و إن قلنا أنه عاص بالترك (3) في ذلك اليوم أو الأسبوع، لصدق الفقير عليه حينئذ.

[ (مسألة 8): لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه]

(مسألة 8): لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة، إذا كان مما يجب تعلمه عيناً أو كفاية (4). و كذا إذا كان مما يستحب تعلمه، لسهولة التعلم، و عدم احتياجه إلى وقت طويل- و بين غيره، ففي الأول لا يجوز له أخذها، لما تقدم في حكم القادر على الاكتساب. و في الثاني يجوز لصدق الفقير عليه.

هذا إذا لم يكن قادراً فعلا على التعيش بدون الزكاة. أما لو كان قادراً على ذلك- و لو بالاستدانة، لسهولة الوفاء بعد التعلم و الاكتساب بالحرفة- فجواز الأخذ غير ظاهر، لصدق كونه قادراً على أن يكف نفسه عنها.

لكن الإنصاف: أن الظاهر من القدرة المذكورة. إلا يشمل مثل استدانة مع طول المدة.

لصدق كونه لا يقدر أن يكف نفسه عنها.

لا وجه ظاهر لهذا العصيان، إذ لا ريب في أنه يجوز للغني أن يجعل نفسه فقيراً، كما يجوز للفقير أن يجعل نفسه غنياً، كما أشرنا إليه آنفاً.

المحكي عن جماعة- منهم العلامة و الشهيدان في بعض كتبهم-:

إطلاق القول بالجواز، و عن بعض: إطلاق المنع، و عن جماعة: التفصيل‌

226
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه ؛ ج‌9، ص : 226

.....

بين وجوب الاشتغال بالعلم فيجوز، و عدمه فلا يجوز. و هذا هو الأظهر، لأن الوجوب يوجب صدق كونه غير قادر على أن يكف نفسه عنها، إذ المراد من القدرة ما يعم القدرة الشرعية، فانتفاؤها كاف في صدق عدم القدرة. و لذا يجوز أخذ الزكاة لمن كان لا يقدر على المال الحلال و ان كان يقدر على المال الحرام، فاذا انتفى الوجوب، صدق أنه قادر على أن يكف نفسه عن الزكاة. و مجرد الاستحباب- فضلا عن الإباحة- غير كاف في سلب القدرة، كما هو ظاهر.

و دعوى: أن الأمر بطلب العلم- و لو على نحو الاستحباب- يستلزم الأمر بترك التكسب، فيكون بذلك عاجزاً، غير ظاهرة. إذ- مع أن الاستلزام ممنوع جداً، كما حقق في مسألة الضد-: أن الأمر المذكور لا يصلح لتقييد ما دل على عدم جواز أخذ القادر على كف نفسه عن الزكاة و لا الورود عليها، بخلاف الأمر الوجوبي فإنه وارد على ذلك، لأنه يوجب سلب القدرة المأخوذة موضوعاً للمنع.

و مثله في الاشكال: ما حكي دليلا على المنع مطلقاً: من أن وجوب طلب العلم لا يصلح لمزاحمة وجوب التكسب لحفظ النفس عن الهلاك، لأن ذلك الوجوب أهم. و فيه- مع أن ذلك يقتضي نفي وجوب طلب العلم، و هو خلف، لكون المفروض وجوب طلب العلم، و لزوم العمل عليه عقلا-: أن التزاحم بين الوجوبين إنما هو في المقدار الذي يتوقف عليه الحفظ من الهلاك، لا فيما يزيد عليه، فاذا فرض حصول ذلك المقدار وجب العمل عقلا على وجوب طلب العلم، لعدم المزاحم، لحصول موضوعه فاذا وجب طلب العلم انتفت القدرة على كف النفس عن الزكاة و جاز أخذها. و حصول المقدار الضروري لا يمنع من جواز أخذها، كما سبق.

مضافاً إلى أن وجوب الحفظ من الهلاك إنما يقتضي وجوب التكسب لو انحصر‌

227
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9) لو شك في أن ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا ؛ ج‌9، ص : 228

كالتفقه في الدين اجتهاداً أو تقليداً. و إن كان مما لا يجب و لا يستحب، كالفلسفة، و النجوم، و الرياضيات، و العروض، و العلوم الأدبية لمن لا يريد التفقه (1) في الدين، فلا يجوز أخذه.

[ (مسألة 9) لو شك في أن ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا]

(مسألة 9) لو شك في أن ما بيده كاف لمؤنة سنته أم لا، فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ، و مع الحفظ به، و ليس كذلك، فإنه إذا كان وجوب طلب العلم موجباً لانتفاء القدرة جاز أخذ الزكاة، فتحفظ بها بلا حاجة إلى الكسب. نعم لو لم يمكن له أخذ الزكاة لمانع خارجي تعين عليه الكسب، و لم يجز له الاشتغال بطلب العلم. لكنه خارج عن محل الكلام. و من ذلك يظهر: أن الوجوب الكفائي لا يجدي في جواز أخذها إذا وجد من يقوم به، لأنه حينئذ لا يكون موجباً لانتفاء القدرة، و إنما يكون كذلك إذا لم يوجد من يقوم به، فيكون كالعيني. فلاحظ.

هذا كله في جواز إعطائه من سهم الفقراء. أما إعطاؤه من سهم سبيل اللّه فيجوز، إذا كان العلم راجحاً شرعاً، بناء على ما سيأتي- إن شاء اللّه- من أن موضوعه كل قربة. و كأن ما في المتن، من جواز إعطائه إذا كان العلم مستحباً، مبني على ذلك.

يعني: لا يقصد من العلوم المذكورة المقدمية للعلم الراجح، و إلا كانت راجحة، فيجوز إعطاؤه إذا كان مشغولا بها لذلك. ثمَّ إنه لا بد من كون المقصود من التفقه في الدين القربة مع الإخلاص، ليكون عبادة و خيراً، و إلا فلا يكون من سبيل اللّه تعالى. نعم إذا كان مما يترتب عليه مصلحة محبوبة له تعالى كان من سبيل اللّٰه، و ان لم يقصد المتعلم القربة.

و سيأتي في أواخر مسائل الختام ما له نفع في المقام.

228
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به ؛ ج‌9، ص : 229

سبق العدم و حدوث ما يشك في كفايته يجوز، عملا بالأصل في الصورتين (1).

[ (مسألة 10): المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به]

(مسألة 10): المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به، و إن جهل الأمران، فمع سبق فقره يعطى من غير يمين، و مع سبق الغني، أو الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء (2)، إلا مع الظن بالصدق. خصوصاً في الصورة الأولى.

الشك في الصورة الثانية، تارة: يكون للشك في بقاء ماله و تلفه.

و أخرى: للشك في كفاية ما ملكه جديداً بضميمة ما كان عنده، كما لو كان عنده مائة درهم لا تكفيه، فملك أخرى، و شك في كفاية المائتين. و ثالثة:

للشك في كفاية ما عنده لبعض عياله، كما لو كان يعول بعشرة لا تكفيهم مائة درهم، فخرج عن عيلولته منهم خمسة، فشك في كفاية المائة لهم.

و كذا الحال في الصورة الأولى، فإنه أيضاً يمكن تصوير اختلاف جهات الشك. و قد يشكل جريان الأصل في بعض الصور، لكنه ضعيف، كما لا يخفى بالتأمل.

المشهور: جواز إعطاء الفقير بمجرد دعوى الفقر، من دون حاجة إلى يمين أو بينة. و استدل له: بأصالة عدم المال. أو أصالة الصحة في دعوى المسلم. أو أصالة العدالة فيه. أو لأن في مطالبته بالبينة أو اليمين إذلالًا له. أو لأن دعواه الفقر من الدعوى بلا معارض المقبولة. أو لتعذر إقامة البينة عليه، فيشمله ما تضمن قبول الدعوى إذا كانت كذلك، مثل ما ورد في المرأة المدعية أنها بلا زوج: «أ رأيت لو كلفتها البينة تجد بين لابتيها من يشهد أن ليس لها زوج؟!» «1». أو لأن تكليف الفقير‌

______________________________
(1) لم نجد- بهذا المضمون- رواية في الوسائل و المستدرك. نعم في الوسائل باب: 10 من أبواب المتعة حديث: 5 ما يقرب من ذلك. و كذا في المستدرك باب: 9 من الأبواب المذكورة حديث: 2.

229
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة ؛ ج‌9، ص : 230

[ (مسألة 11): لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة]

(مسألة 11): لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة، سواء كان حياً أو ميتاً (1).

بالبينة حرج عليه. أو لما يستفاد مما ورد فيمن نذر للكعبة أو أهدى إليها:

«من أنه يباع و يؤخذ ثمنه، و ينادى على الحجر: ألا هل من منقطع نفذت نفقته، أو قطع عليه، فليأت فلان ابن فلان. فيعطى الأول فالأول حتى ينفذ الثمن» «1». أو‌

لخبر عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّٰه (ع):

«قال (ع): جاء رجل إلى الحسن (ع) و الحسين (ع)- و هما جالسان على الصفا- فسألهما، فقالا: إن الصدقة لا تحل إلا في دين موجع، أو غرم مفضع، أو فقر مدقع، ففيك شي‌ء من هذا؟ قال: نعم، فأعطياه ..» «2»

أو‌

لمصحح عامر بن جذاعة: «رجل أتى أبا عبد اللّٰه (ع) فقال:

يا أبا عبد اللّٰه قرض إلى ميسرة. فقال أبو عبد اللّه (ع): إلى غلة تدرك؟

قال: لا. قال: إلى تجارة تؤدب؟ قال: لا و اللّٰه. قال: عقدة تباع؟

قال: لا و اللّٰه. فقال أبو عبد اللّه (ع): فأنت ممن جعل اللّه له في أموالنا حقاً، فدعا بكيس فيه دراهم ..» «3».

و هذه الوجوه لا تخلو من نظر، أو منع. فالعمدة السيرة القطعية على العمل بقوله. و التشكيك فيها في غير محله، إذ لو كان بناء المسلمين على المطالبة بالبينة أو اليمين لكان في غاية الوضوح، لكثرة الابتلاء في كل زمان و مكان، فضلا عن أن يكون بحيث يخفى على العلماء الباحثين، بنحو يكون القبول بمجرد الدعوى مظنة الإجماع عندهم. نعم القدر المتيقن حصول الوثوق نوعاً من الخبر، فالعمل بمجرد الدعوى مع عدمه لا يخلو من إشكال.

بلا خلاف ظاهر. و يشهد للأول‌

صحيح ابن الحجاج: «سألت

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 22 من أبواب مقدمات الطواف.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 1.

230
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة ؛ ج‌9، ص : 230

لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه (1)،

أبا الحسن الأول (ع) عن دين لي على قوم قد طال حبسه عندهم، لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال (ع): نعم» «1»

، و‌

خبر عقبة بن خالد قال له عثمان ابن بهرام: «إني رجل موسر، و يجئني الرجل و يسألني الشي‌ء، و ليس هو إبان زكاتي، فقال له أبو عبد اللّه (ع): القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ما ذا عليك إذا كنت مؤسراً كما تقول- أعطيته، فإذا كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة» «2».

و نحوهما غيرهما.

و يشهد للثاني‌

صحيح ابن أبي عمير، عن هيثم الصيرفي و غيره، عن أبي عبد اللّه (ع): «القرض الواحد بثمانية عشر. و إن مات احتسب بها من الزكاة» «3».

و نحوه في ذلك خبرا يونس بن عمار «4» و إبراهيم السندي «5»، و غيرهما.

كما عن المبسوط و الوسيلة و التذكرة و التحرير و الدروس و البيان و المدارك التصريح به.

لحسن زرارة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): رجل حلت عليه الزكاة، و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال (ع): إن كان أورثه مالا، ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه عنه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته. و إن لم يكن أورثه مالًا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه،

______________________________
(1) الوسائل باب: 46 من أبواب المستحقين الزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

231
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة ؛ ج‌9، ص : 232

و إلا لا يجوز. نعم لو كان له تركة، لكن لا يمكن الاستيفاء منها- لامتناع الورثة أو غيرهم- فالظاهر الجواز (1).

[ (مسألة 12): لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة]

(مسألة 12): لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة

فإذا أداها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» «1».

و عن المختلف و ظاهر المنتهى و نهاية الشيخ و الحلي و المحقق في الشرائع و الشهيد: أنهم جوزوا الوفاء مطلقاً، عملا بالإطلاق، الذي لا مجال له بعد ورود المقيد. نعم مورد النص و جملة من كلام الجماعة صورة القضاء عن الميت بالزكاة، لا احتساب الدين عليه منها. لكن الظاهر أن المسألتين من باب واحد، لإمكان التعدي عن مورد النص إلى المقام.

كما عن المسالك و الروضة، و لم يستبعده في الجواهر. اقتصاراً في تقييد المطلق على محل اليقين. و فيه: أن التقييد لم يكن بدليل لبي ليقتصر فيه على محل اليقين، بل إنما كان بدليل لفظي، فيجب الأخذ بإطلاقه، و هو شامل للفرض. إلا أن يكون المراد دعوى الانصراف إلى صورة إقدام الورثة على الوفاء، لأن الميت حينئذ لا يكون محتاجاً إلى الزكاة في وفاء دينه. و هذا هو المدار في عدم جواز الاحتساب عليه، حسب المفهوم من النص. و مثله: ما لو تلف المال بنحو لا يستوجب الضمان.

فتأمل جيداً.

كما عن جمع كثير التصريح به، بل عن غير واحد: الإجماع عليه. و يشهد له- مضافاً إلى إطلاق الأدلة-

مصحح أبي بصير: «قلت لأبي جعفر (ع): الرجل من أصحابنا يستحيي أن يأخذ من الزكاة، فأعطيه من الزكاة و لا أسمي له أنها من الزكاة، فقال (ع): أعطه و لا تسم،

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

232
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة ؛ ج‌9، ص : 232

.....

و لا تذل المؤمن» «1».

نعم يعارضه‌

مصحح ابن مسلم: «قلت لأبي جعفر (ع) الرجل يكون محتاجاً، يبعث إليه بالصدقة فلا يأخذها على وجه الصدقة، يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض، أ فنعطيها إياه على غير ذلك الوجه، و هي منا صدقة؟ فقال (ع): لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فان لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه. و ما ينبغي له أن يستحيي مما فرض اللّه عز و جل، إنما هي فريضة اللّه، فلا يستحي منها» «2».

لكن إعراض الأصحاب عنه مانع عن صلاحيته للمعارضة. مع أن الأول نص في الجواز، فلا يقوى الثاني على صرفه و إن كان ظاهراً في المنع، كما لا يخفى. مضافاً إلى أن قوله: (لا) جواب عن إعطائها على وجه غير الزكاة، بحيث يكون العنوان المغاير للزكاة مقصوداً له، و المنع عن ذلك لا يلازم وجوب الاعلام. و أما‌

قوله (ع): «فان لم يقبلها على وجه الزكاة ..»

فيمكن أن يكون المراد منه اعتبار قصد القابض للزكاة و لو إجمالا، بحيث لا يكفي عدم قصدها أصلا، أو قصد عنوان آخر مباين، لا وجوب قصده للزكاة تفصيلا، ليكون معارضاً للخبر الأول. و أما قوله (ع):

«و ما ينبغي له ..»

فعلى ظاهره لا يمكن الالتزام به، فإن مذلة الفقر مما يحسن الحياء منها قطعاً. و قد مدح اللّٰه سبحانه المتعففين بقوله تعالى:

(يَحْسَبُهُمُ الْجٰاهِلُ أَغْنِيٰاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ ..) «3» فلا بد أن يحمل على إرادة التنفر النفسي من الزكاة، كما يشير إليه ما في صدره، من التعبير‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 58 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) لاحظ صدر الرواية في الوسائل باب: 58 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2، و ذيلها في باب: 57 من الأبواب المذكورة حديث: 1.

(3) البقرة: 273.

233
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة ؛ ج‌9، ص : 232

.....

بالانقباض منها، الذي هو خلاف طيب النفس بها. و على هذا فالجمع بين الخبرين يقتضي عدم وجوب إعلام الفقير بأن المدفوع اليه زكاة. لكن لا بد من قصده إجمالا لها، و لا يكفي عدم القصد، و لا قصد العدم.

لكن الذي يستفاد مما دل على جواز الاحتساب على الميت و على الحي، و مما دل على كون اللام ليست للملك في قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ..

) «1»، و أن الأنواع الثمانية مصرف للزكاة، جواز دس الزكاة في مال الفقير و وضعها في كيسه، و لو مع عدم العلم بذلك، و لا قصده للتملك، إذا كان بحيث يصرفها في حوائجه. و لا سيما بملاحظة شيوع استعمال الصدقة في الأوقاف العامة و الخاصة، التي لا تمليك فيها في مرتكزات المتشرعة. و ما دل على جواز التكفير بالإشباع، من غير قصد التمليك و التملك و غير ذلك، مما يفهم منه أن الصدقة عبارة عن جعل الشي‌ء ليصرف بنفسه- أو بمنافعه- في جهات الخير و البر و الإحسان. فالبناء على عدم جواز الدس بعد ذلك كله- لأجل الصحيح المذكور- لا يخلو من إشكال.

نعم يمكن دعوى تخصيص الصحيح بصورة التصدق بنفس التمليك، فإنه لا يتحقق إلا بقصد التملك. أما لو أريد التصدق على الفقير- بإشباعه أو كسوته، أو سقيه الدواء، أو نحو ذلك من العناوين الخيرية غير الموقوفة على القصد- فلا موجب لاعتبار القصد من الفقير، فضلا عن اعتبار إعلامه بذلك. و لأجل ذلك كله نقول بجواز احتساب ما في الذمة من رد المظالم، لأن ذلك الإبراء تصدق خاص، يكفي في صحته إطلاق ما دل على وجوب التصدق بمجهول المالك. و لو لا ما ربما يستفاد من نصوص الكفارة، من وجوب أحد الأمرين، من الإشباع و التمليك، لأمكن الاكتفاء في التكفير بالاحتساب أيضاً، إذا كان له دين على ستين مسكيناً طعاماً. و كذا الحال‌

______________________________
(1) التوبة: 60.

234
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا ؛ ج‌9، ص : 235

بل لو كان ممن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحق، يستحب دفعها إليه على وجه الصلة ظاهراً و الزكاة واقعاً. بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذباً بعدم كونها زكاة جاز (1)، إذا لم يقصد القابض عنواناً آخر غير الزكاة بل قصد مجرد التملك (2).

[ (مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنياً]

(مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنياً، فان كانت العين باقية ارتجعها (3).

في جميع موارد التصدق.

و بالجملة: المفهوم من معنى الصدقة أنها تتحقق بصرف المال في كل وجه خيري، سواء أ كان بالاحتساب أم بغيره. غاية الأمر: أن بعض وجوه الخير معان عقدية تتوقف على القبول، كالتمليك، فلا يتحقق التصدق بالمال بنحو التمليك إلا مع قبول المتملك، لا أن أصل المفهوم من معنى الصدقة يتوقف على القبول. و تفسير الصدقة بالعطية على وجه القربة في كلام الفقهاء و بعض اللغويين، مبني على ملاحظة بعض مصاديقها. و كذا الحال في الخمس بالنسبة إلى سهم اليتامى و المساكين و أبناء السبيل- بناء على أنهم مصرف- كما هو الظاهر. و لعله يأتي ما يتضح به الحال إن شاء اللّه تعالى. فلاحظ.

لم يتضح الوجه المسوغ للكذب الذي هو أحد الكبائر. اللهم إلا أن تكون هناك مصلحة واجبة.

قد عرفت: أنه يجب حينئذ قصد التملك مطلقاً و لو كان المدفوع زكاة.

إن كان المدفوع قد تعين زكاة قبل الدفع- بعزل و نحوه- فالارتجاع واجب مقدمة لوجوب أداء الزكاة، و إن لم يكن قد تعين زكاة‌

235
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا ؛ ج‌9، ص : 235

و كذا مع تلفها (1) إذا كان القابض عالماً بكونها زكاة، و إن كان جاهلا بحرمتها للغني (2). بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة، فإنه لا ضمان عليه (3). و لو تعذر الارتجاع، أو تلفت بلا ضمان أو معه، و لم يتمكن الدافع من أخذ العوض، كان ضامناً، فعليه الزكاة مرة أخرى (4). نعم لو كان الدافع فلا موجب للارتجاع. إلا إذا توقف عليه أداء الزكاة، لانحصار ماله فيه، أو نحو ذلك. نعم لا ينبغي التأمل في جواز الارتجاع على كل حال حينئذ لأنه ماله و باق تحت سلطنته. و عن المعتبر: القطع بعدم جواز ارتجاعها، لأن الظاهر كونها صدقة مندوبة لا رجوع فيها. و عن المنتهى: العدم أيضاً، معللا: بأنه محتمل الأمرين، أي: الصدقة الواجبة و المندوبة. لكن ظاهر التعليلين كون محل كلامهما صورة الجهل بالحال، منهما، أو من الحاكم مع تنازعهما، و هو غير ما نحن فيه الذي هو حكم الواقعة في نفسها، كما لا يخفى.

لضمانها بعموم:

«على اليد ..»

، فيجري فيه حكم الأخذ مع بقاء العين.

إذ الجهل بحرمتها للغني لا يمنع من عموم دليل الضمان للمقام، و إنما يمنع عن الإثم بالقبض إذا كان عن قصور. و مثله: لو كان جاهلا بكونه غنياً للشبهة الحكمية، أو الموضوعية.

مقتضى عموم:

«على اليد ..»

هو الضمان. غاية الأمر:

أنه إذا كان معذوراً من قبل الدافع، جاز له الرجوع عليه لقاعدة الغرور.

و كذا لو كان مغروراً من شخص ثالث، جاز له الرجوع عليه أيضاً.

و لو لم يكن الآخذ مغروراً من أحد استقر عليه ضمانها.

كما هو المنسوب إلى المفيد و أبي الصلاح و غيرهما. لأصالة الاشتغال و عموم ما دل على أنها كالدين. و لقاعدة الشركة في العين. و لأن الموضوع‌

236
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا ؛ ج‌9، ص : 235

.....

في غير موضعه بمنزلة العدم. و لما دل على لزوم إعادة المخالف زكاته، معللا: بأنه لم يضعها في موضعها. و‌

لمرسل الحسين بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنه معسر، فوجده موسراً. قال (ع): لا يجزئ عنه» «1».

و يمكن أن يستشكل في الأول: بأن المراد بالاشتغال إن كان اشتغال الذمة بالأداء فهو فرع بقاء موضوعه، و هو الزكاة، و إن كان اشتغالها بالعين فهو مبني على كونها في الذمة لا في العين. و أما عموم ما دل على أنها كالدين فممنوع. و الظاهر من النص تنزيلها منزلة الدين في الإخراج من أصل المال، إذا كانت مضمونة في ذمة المالك، لا مطلقاً. فلاحظه. و أما قاعدة الشركة فإنما تقتضي المنع من التصرف في المشترك بدون إذن الشريك، و المفروض أن ذلك جائز للمالك، غاية الأمر: أن التصرف بالدفع لم يكن في محله خطأ منه و قصوراً، و اقتضاء ذلك للضمان كلية أول الكلام. و مثله: كون الموضوع في غير محله بمنزلة العدم مطلقاً. و أما النص فمعارض‌

بمصحح عبيد عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: رجل عارف أدى زكاته إلى غير أهلها زماناً هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال (ع) نعم. قال:

قلت: فان لم يعرف لها أهلا فلم يؤدها، أو لم يعلم أنها عليه فعلم بعد ذلك؟ فقال: يؤديها إلى أهلها لما مضى. قال: قلت له: فان لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل، و قد كان طلب و اجتهد ثمَّ علم بعد ذلك سوء ما صنع؟ قال: ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى» «2».

و قريب منه مصحح زرارة «3».

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

237
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا ؛ ج‌9، ص : 235

.....

لكن الانصاف: ظهور الصحيحين- بقرينة وصف الرجل الدافع بالعارف- في إرادة الدفع إلى غير العارف، فلا يكونان مما نحن فيه، كما ذكر في المدارك. فلا بأس بالعمل بالمرسل. و لا يقدح إرساله، فإن مرسلة ابن أبي عمير الذي قيل: «إنه لا يروي، و لا يرسل إلا عن ثقة».

و لا سيما مع اعتضاده بالتعليل الوارد في زكاة المخالف. مع أنه بناء على كون الزكاة في الذمة أو في العين فسقوطها بالأداء لغير المستحق لا دليل عليه، و الأصل ينفيه. نعم لو كانت الزكاة معزولة، فضمانها بالدفع المذكور- الذي لا تفريط فيه، لكونه جرياً على القواعد الشرعية الظاهرية- غير ظاهر. و الدفع إلى غير المستحق ليس عزلا، إذ نية كونه زكاة منوطة بقبض المستحق، و لذا يجوز له العدول قبل القبض. و مثله: دعوى الضمان بالإتلاف، إذ لا إتلاف بالدفع المذكور، و لذا نقول بضمان المدفوع إليه بالقبض، بعموم:

«على اليد ..»

. نعم إذا تعذر أخذها من المدفوع إليه، كان ضمانها على الدافع للحيلولة.

و المتحصل: أنه لو كانت الزكاة متعينة فلو دفعها إلى غير المستحق اعتماداً على حجة، فالأصل البراءة من ضمانها. و التعليل الوارد في زكاة المخالف محمول على غير هذه الصورة، لئلا يكون تعليلا تعبدياً، و هو خلاف ظاهره. و لو دفعها اليه بلا حجة كان تفريطاً موجباً للضمان. و لو كانت الزكاة غير معينة، بل كانت في ذمته أو في النصاب، و أراد تخليص ذمته أو نصابه منها فدفعها إلى غير المستحق، فالأصل يقتضي عدم حصول التخليص بذلك، و ظاهر المرسل الضمان في جميع الصور، فالاعتماد عليه في ذلك في محله. و أما صحيح عبيد و زرارة فلا ينبغي الاستدلال بهما على المقام لما سبق من كونهما في غير ما نحن فيه.

و من ذلك كله يظهر لك ضعف القول بعدم الضمان مطلقاً، كما عن‌

238
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 14): لو دفع الزكاة إلى غني، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمدا ؛ ج‌9، ص : 239

هو المجتهد أو المأذون منه، لا ضمان عليه (1)، و لا على المالك الدافع إليه.

[ (مسألة 14): لو دفع الزكاة إلى غني، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمداً]

(مسألة 14): لو دفع الزكاة إلى غني، جاهلا بحرمتها عليه أو متعمداً، استرجعها مع البقاء (2)، أو عوضها مع التلف (3) و علم القابض. و مع عدم الإمكان يكون عليه مرة أخرى (4). و لا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها و كذا في المسألة السابقة. و كذا الحال لو بان أن المدفوع اليه المبسوط و غيره. كما يظهر أيضاً ضعف القول بالتفصيل: بين ما إذا اجتهد فلا ضمان، و ما لم يجتهد فيضمن، كما عن المعتبر و المنتهى. اللهم إلا أن يستدل على هذا بفحوى الصحيحين المذكورين، كما ذكره في المدارك.

لكن الفحوى غير ثابتة، كما يظهر مما يأتي: من دعوى الإجماع إذا تبين الخطأ فيما عدا شرط الفقر. فلاحظ. و اللّه سبحانه أعلم.

بلا خلاف كما عن المنتهى. و عن غير واحد: الاستدلال عليه:

بأن امتثال الأمر الظاهري يقتضي الاجزاء. و فيه: أن المحقق في محله خلاف ذلك. فالعمدة ما ذكرنا في الزكاة المعزولة، من أنه لا موجب للضمان، لأن الجري على مقتضى القواعد الشرعية يمنع من صدق التفريط المستتبع للضمان.

و من هنا يختص الحكم بصورة العمل على مقتضى الحجة، فلو عمل لا عليها كان مفرطاً ضامناً.

لعدم ملكه لها بالقبض.

لضمانها باليد. نعم لو كان مغروراً من قبل الدافع رجع على الدافع بالقيمة، و استقر الضمان عليه، و إلا فعليه ضمانها و إن كان جاهلا.

يظهر الكلام هنا مما سبق في المسألة السابقة، من أنه إذا كانت‌

239
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 15): إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيرا فاسقا ؛ ج‌9، ص : 240

كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة، أو ممن تجب نفقته عليه، أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيلة.

[ (مسألة 15): إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيراً فاسقاً]

(مسألة 15): إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيراً فاسقاً، أو باعتقاد أنه عالم فبان جاهلا، أو زيد فبان عمراً، أو نحو ذلك، صح و أجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد، بل كان من باب الاشتباه في التطبيق (1). و لا يجوز استرجاعه معزولة فضمانها يتوقف على تحقق التعدي أو التفريط، و إن كانت غير معزولة فبراءة الذمة منها أو خلو المال عنها موقوف على سبب غير ثابت، فالأصل يقتضي الضمان. و كذا الكلام في تخلف بقية الصفات. لكن المشهور فيه عدم الضمان، بل في المختلف: أنه إجماع.

و استدل له تارة: بالصحيحين المتقدمين «1». و قد عرفت إشكاله و أخرى: بقاعدة الاجزاء. و قد تحرر في محله: عدم الدليل على إجزاء الامتثال الظاهري عن الواقع. و ثالثة: بأن الموضوع الظاهري موضوع للحكم الواقعي، فالزكاة حق لمن ثبت كونه مؤمناً، أو عادلا، أو غير واجب النفقة، أو نحو ذلك، و إن لم يكن كذلك في الواقع. و فيه: أن المستفاد من أدلة الشرائط خلاف ذلك، و أن موضوع الحكم هو الجامع للصفات المذكورة واقعاً. غاية الأمر: أنه إذا ثبت الجامع لها ظاهراً ثبت الإجزاء الظاهري، فإذا انكشف الخلاف وجب ترتيب الأثر على الواقع، كما لا يخفى بالتأمل. فعموم الحكم بالاجزاء لجميع صور تخلف الشرائط- غير الايمان- غير ظاهر. نعم لا بأس بالقول بالاجزاء في خصوص تخلف شرط الايمان للصحيحين. اللهم إلا أن يكون المستند في عموم الحكم الإجماع.

بأن تكون الجهات المذكورة ملحوظة خارجة عن موضوع القصد‌

______________________________
(1) لاحظ المسألة السابقة.

240
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: العاملون عليها ؛ ج‌9، ص : 241

حينئذ و إن كانت العين باقية. و أما إذا كان على وجه التقييد فيجوز. كما يجوز نيتها مجدداً، مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامناً، بأن كان عالما (1) باشتباه الدافع و تقييده.

[الثالث: العاملون عليها]

الثالث: العاملون عليها، و هم المنصوبون من قبل الامام (ع) (2) أو نائبه الخاص أو العام، لأخذ الزكوات و ضبطها و حسابها، و إيصالها إليه (3) أو إلى الفقراء، على حسب إذنه، فان العامل يستحق منها (4) سهماً في مقابل عمله إما بنحو الداعي الذي لا يقدح تخلفه، لعدم كونه داعياً بوجوده الواقعي، و إنما يكون مؤثراً بوجوده العلمي، و هو غير متخلف. و إما بنحو آخر، لا بنحو الداعي و لا بنحو القيد. و هذا بخلاف ما لو كانت الجهات المذكورة ملحوظة عنواناً للمدفوع إليه المقصود و قيداً له، فان فواتها بوجب فوات القصد، لانتفاء موضوعه.

قد عرفت الإشكال في اعتبار هذا الشرط في الضمان.

بلا خلاف و لا إشكال. و تشير إليه النصوص الآتية.

لا كلام في ذلك كله. و عن غير واحد: أنهم جعلوا من جملة العمل قسمتها و تفريقها بين المستحقين، لأن ذلك نوع من العمل، فيشمله الإطلاق. و في الجواهر: استشكل فيه،

للمروي عن تفسير علي بن إبراهيم: «وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا هم السعاة و الجباة في أخذها أو جمعها أو حفظها، حتى يؤدوها إلى من يقسمها ..» «1»

، فان ظاهره خروج القسمة عن العمل لكن الخروج عن ظاهر الآية بالمرسل المذكور غير ظاهر.

مقتضى ظاهر الآية الشريفة- و لا سيما بقرينة السياق- كون‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

241
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: العاملون عليها ؛ ج‌9، ص : 241

و إن كان غنياً (1). و لا يلزم استئجاره من الأول، أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة، بل يجوز أيضاً (2) أن لا يعين استحقاق العامل منها يجعل الشارع، فيعطى مجاناً، لا يجعل الامام بعنوان المعاوضة. و حينئذ فلو جعل الامام للعامل شيئاً- بطريق الجعالة، أو بطريق الإجارة- لم يكن ذلك مما هو مجعول بالآية الشريفة، بل كان تصرفاً منه نافذاً حسب ولايته، نظير أجرة المكان، و قيمة العلف، و نحو ذلك من المصارف. و حينئذ يشكل ما ذكره الأصحاب- بل قيل: إنه لا ريب فيه- من أن الامام مخير بين أن يقدر لهم جعالة مقدرة، أو أجرة عن مدة مقدرة، مما ظاهره أن الأجر و الجعل من سهم العاملين. و لا سيما بملاحظة ما‌

في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: ما يعطى المصدق؟

قال: ما يرى الامام، و لا يقدر له شي‌ء» «1».

و يترتب على ذلك: أنه لو كان السهم بعنوان الجعالة أو الأجرة، لزم الامام أن يدفعه و لو تلفت الزكاة كلها، و على ما ذكرنا لا يلزمه شي‌ء.

و حينئذ فما في المتن، من كون السهم المدفوع إلى العامل في مقابل عمله، لا يخلو ظاهره عن الاشكال. بل عليه يلزم دفع أجرة المثل لا أكثر، كما في سائر موارد العمل بلا إجارة أو جعالة، و هو خلاف ظاهر الصحيح المتقدم.

إجماعاً محكياً عن الخلاف. للأصل، و ظاهر الآية، كذا في الجواهر.

يعني: كما يجوز أن يعين مقداراً بالإجارة و الجعالة، يجوز أيضاً أن يعطى من الزكاة بلا تعيين سابق على العمل. لكن عرفت الاشكال فيه، و أن العمل في الآية يراد منه الولاية الخاصة المجانية، كما يقتضيه سياقها و إجماع الأصحاب على اعتبار شروط خاصة فيه، و إلا فلا ينبغي التأمل في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

242
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: العاملون عليها ؛ ج‌9، ص : 241

و يعطيه بعد ذلك ما يراه. و يشترط فيهم: التكليف، بالبلوغ و العقل، و الايمان (1)، جواز استئجار من يفقد جميع هذه الشروط إذا احتيج الى عمله، كالراعي و السائس و البيطار، فان ذلك كاشف عن أن موضوع الشروط المذكورة هو الوالي لا غير.

و الولاية هنا- كالولاية في سائر الموارد- نظارة على العمل، لا نفس العمل الذي يبذل بإزائه الأجر و الجعل، و يشهد له تعديته ب‍ (على)، فهذه الولاية من شؤون ولاية الإمام ليست ملحوظة ما لا ليبذل بإزائها المال، فلو لوحظت كذلك كان حال العامل حال السائس و الراعي و البيطار و نحوهم لا يعتبر فيه شرط من الشروط المذكورة. و أجرة عمله غير مجعولة بالآية الشريفة، بل إما أن تؤخذ من الزكاة، أو من بيت المال، كأجرة المكان و أجرة النقل و نحوهما من المصارف اللازمة للزكاة، لا يعطى مالكها بقصد التصدق عليه بل بقصد أداء حقه.

و لأجل ما ذكرنا كان بناء أبي حنيفة و أتباعه على سقوط هذا السهم لبنائه على كون العامل أجيراً للعمل كسائر الأجراء المحتاج الى عملهم، مثل السائس و الراعي و البيطار و غيرهم، ممن يحتاج إلى عملهم، و المدفوع إليهم يكون أجراً لا زكاة.

لكن فيه: أن الأعمال التي تلزم الولاية، من الأمر و النهي، و استئجار الراعي، و الحارس، و المكان و نحو ذلك، ربما لا تكون أموالا عرفاً. و لو كانت فالولاية مبنية على بذلها مجاناً، كما في سائر موارد الولاية، فليس له أخذ الأجرة عليها. نعم الأعمال التي لا تلزم الولاية، مثل رعي الأنعام، و حراستها، و نحو ذلك، لو قام به الولي جاز له أخذ الأجرة عليها. كما جاز له إعطاء الأجرة لغيره عليها. فتأمل جيداً.

إجماعاً. لأنها ولاية، لا تصلح للمولى عليها، و لا للظالم، كذا‌

243
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: العاملون عليها ؛ ج‌9، ص : 241

بل العدالة (1) و الحرية (2) أيضاً على الأحوط. نعم لا بأس بالمكاتب (3). و يشترط أيضا معرفة المسائل (4) المتعلقة بعملهم قيل. و العمدة: الإجماع.

إجماعاً، كما عن نهاية الاحكام و الدروس و الروضة و المفاتيح و غيرها. و هو العمدة أيضاً، و إلا فالذي يظهر من‌

قول أمير المؤمنين (ع) لمصدقه: «فاذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحاً شفيقاً أميناً حفيظاً، غير معنف بشي‌ء منها ..» «1»

، الاكتفاء بالأمانة و الوثاقة.

كما عن الشيخ (ره). لأنه لا يملك، فلا يمكن أن يستحق سهما من الزكاة. و فيه: أن مصرفية العاملين لا تتوقف على التملك، بل يجوز بنحو آخر.

و يمكن أن يستدل على الاعتبار: بما سبق في البلوغ و العقل. و لكن أشرنا إلى إشكاله. و كأنه لذلك حكي عن المعتبر: عدم اعتبارها، و تبعه عليه في المختلف و المدارك، على ما حكي. و هو في محله لو تمَّ عدم اختصاص مصرفية الزكاة بالتملك، أو بني على استحقاق السهم المذكور بعنوان كونه أجرة في قبال العمل نفسه، كما هو ظاهر المتن. فان العمل لما كان ملكاً للمولى كانت الزكاة له أيضاً. لكن عرفت أنه عليه لا مانع أيضاً من عمل الصبي و المجنون، بل و المخالف. و الإجماع على عدم جواز عملهم يراد منه العمل بمعنى الولاية، لا بمعنى ما ذكر، كما أشار إلى ذلك في الجواهر و غيرها. فلاحظ.

بلا ريب، كما عن المدارك و غيرها. لأنه صالح للملك و التكسب.

بلا إشكال و لا خلاف- كما قيل- إذا توقف العمل الصحيح عليه، و إلا فغير ظاهر. و مثله: اعتبار كونه فقيهاً، كما عن جمع، إذ‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

244
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: العاملون عليها ؛ ج‌9، ص : 241

اجتهاداً أو تقليداً، و أن لا يكونوا من بني هاشم (1). نعم يجوز استئجارهم من بيت المال أو غيره (2). كما يجوز عملهم تبرعاً. و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة (3) مع بسط يد نائب الإمام (ع) في بعض الأقطار. نعم يسقط لا دليل عليه.

بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر. و استدل له: بعموم ما دل على تحريم الصدقة عليهم «1»، الذي هو أخص مطلقاً من عموم آية الصدقات «2»، باعتبار مجموع عنواناتها فيقدم عليه. مع أنه لو لوحظت النسبة بينه و بين خصوص عنوان العاملين فالنسبة عموم من وجه، و المرجع الأصل المقتضي للمنع فيها. و‌

بصحيح العيص عن أبي عبد اللّه (ع): «إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول اللّه (ص)، فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّه تعالى للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول اللّه (ص): يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي و لا لكن ..» «3».

كما صرح به في محكي المدارك و غيرها. لعموم نفوذ الولاية و الإجارة من دون معارض، لاختصاص المانع بالزكاة لا غير. بل عرفت الإشارة إلى اختصاص المنع بصورة الولاية المجانية، فلا مانع من اتخاذه أجيراً على ما يحتاج إليه من العمل، و تدفع الأجرة إليه من الزكاة كسائر الأجراء.

و حينئذ فتخصيص الجواز بالدفع من بيت المال غير ظاهر.

للإطلاق. و قد يظهر من تفسير العاملين بالنواب و السعادة من‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة.

(2) التوبة: 60.

(3) الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

245
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: المؤلفة قلوبهم من الكفار ؛ ج‌9، ص : 246

بالنسبة إلى من تصدى بنفسه (1) لإخراج زكاته و إيصالها إلى نائب الإمام (ع)، أو إلى الفقراء بنفسه.

[الرابع: المؤلفة قلوبهم من الكفار]

الرابع: الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ من الكفار، الذين (2) يراد من إعطائهم إلفتهم و ميلهم إلى الإسلام، أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفار أو الدفاع. و من الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: الضعفاء العقول من المسلمين، لتقوية اعتقادهم، أو لا مالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع.

قبل الامام الاختصاص بحال حضوره. قال في محكي النهاية: «و يسقط سهم المؤلفة، و سهم السعاة، و سهم الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الإمام، لأن المؤلفة إنما يتألفهم ليجاهدوا معه. و السعادة: الذين يكون من قبله في جمع الزكوات ..». لكن التخصيص بحال الحضور غير ظاهر الدليل، و الإطلاق ينفيه. و التعبير بالإمام في بعض النصوص باعتبار كونه الولي الأصلي، كما لا يخفي.

إذ لا ولاية له على العمل فلا يدخل في الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا.

المحكي عن المبسوط و الخلاف و غيرهما- بل استظهر أنه المشهور- اختصاص المؤلفة بالكفار، بل عن ظاهر المبسوط و صريح الخلاف:

الإجماع عليه. قال في محكي المبسوط: «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عندنا: هم الكفار الذين يستمالون بشي‌ء من مال الصدقات إلى الإسلام، و يتألفون على قتال أهل الشرك، و لا يعرف علماؤنا مؤلفة أهل الإسلام ..». و عن المفيد و جماعة: أنهم ضربان، مسلمون، و مشركون. و قال في الشرائع: «وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: هم الكفار الذين يستمالون الى الجهاد، و لا نعرف مؤلفة غيرهم ..»‌

و عن الإسكافي: اختصاصه بالمنافقين. قال في محكي علامة: «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

246
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: المؤلفة قلوبهم من الكفار ؛ ج‌9، ص : 246

.....

من أظهر الدين بلسانه، و أعان المسلمين و إمامهم بيده، و كان معهم الأقلية ..». و تبعه عليه في الحدائق و غيرها. و عن السرائر و النافع و جملة من كتب العلامة و غيرها: أنه مسلمون، و كافرون. و لعله مراد المفيد في عبارته السابقة، فتكون الأقوال ثلاثة.

و الذي يظهر من أكثر النصوص هو القول الثاني،

ففي مصحح زرارة عن أبي جعفر (ع): «سألته عن قول اللّه عز و جل: (وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ..)

قال (ع): هم قوم وحدوا اللّٰه عز و جل، و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه عز و جل، و شهدوا أن لا إله إلا اللّه، و أن محمداً رسول اللّه (ص) و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (ص) فأمر اللّه نبيه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم، و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقروا به. و إن رسول اللّه (ص) يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش و سائر مضمر، منهم أبو سفيان بن حرب، و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس، فغضبت الأنصار ..» «1».

و‌

خبره الآخر عنه (ع): «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ: قوم وحدوا اللّه عز و جل، و خلعوا عبادة من دون اللّه تعالى، و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول اللّه (ص).

و كان رسول اللّه (ص) يتألفهم و يعرفهم كيما يعرفوا، و يعلمهم ..» «2».

و نحوه مرسل القمي في تفسيره عن العالم، و لعلهما واحد «3». و‌

مرسل موسى بن بكر عن رجل: «قال أبو جعفر (ع): ما كانت الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قط أكثر منهم اليوم، و هم قوم وحدوا اللّٰه تعالى، و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمد (ص) قلوبهم و ما جاء به. فتألفهم رسول اللّه (ص)

______________________________
(1) أصول الكافي ج 2 صفحة 410 طبع إيران الحديثة باب المؤلفة قلوبهم حديث: 2.

(2) أصول الكافي ج 2 صفحة 410 طبع إيران الحديثة باب المؤلفة قلوبهم حديث: 1.

(3) تقدم ذلك في الثالث من مصارف الزكاة.

247
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: المؤلفة قلوبهم من الكفار ؛ ج‌9، ص : 246

.....

و تألفهم المؤمنون بعد رسول اللّه (ص) لكيما يعرفوا» «1».

و منه يظهر المراد مما‌

في خبر زرارة الثالث عن أبي جعفر (ع): «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم» «2».

و استشكل عليه في الجواهر: بمنافاته لإطلاق الآية. و فيه: أن النصوص حاكمة على ذلك الإطلاق. و بأنه طرح لمعقد الإجماع، و نفي الخلاف.

و فيه: أنه لا يهم إذا لم يبلغا مرتبة الحجية، لوضوح الخلاف و تعدد الأقوال اللهم إلا أن يكون المراد سقوط النصوص المذكورة عن الحجية من أجل الاعراض. و فيه نظر و تأمل. و بأنه ادعي ظهور بعض النصوص السابقة بغير المسلم. و فيه: أنه ممنوع. و للمرسل- في حاشية الإرشاد لولد الكركي- المروي: أنهم قوم كفار. و فيه: أنه لا يصلح لمعارضة النصوص السابقة من وجوه كثيرة. و بمخالفته للمرسل في ادعائهم‌

عن جعفر (ع): «و المؤلفة قوم يتألفون على الإسلام من رؤساء القبائل، كان رسول اللّه (ص) يعطيهم ليتألفهم. و يكون ذلك في كل زمان إذا احتاج إلى ذلك الامام» «3».

و فيه: أنه لو تمَّ إطلاقه فهو مقيد بما سبق. مع أنه لا يصلح لمعارضة ما سبق. و بمخالفته‌

للصحيح أو الحسن عن زرارة و محمد: «قالا لأبي عبد اللّه (ع): أ رأيت قول اللّٰه تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ ..) أ كل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟ فقال: إن الامام يعطي هؤلاء جميعاً، لأنهم يقرون له بالطاعة. قال زرارة. قلت: فان كانوا لا يعرفون! فقال:

يا زرارة، لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع و إنما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين، فيثبت عليه. فأما اليوم فلا

______________________________
(1) أصول الكافي باب المؤلفة قلوبهم ج 2 صفحة 410 طبع إيران الحديثة حديث: 5.

(2) أصول الكافي باب المؤلفة قلوبهم ج 2 صفحة 410 طبع إيران الحديثة حديث: 3.

(3) مستدرك الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 11.

248
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: الرقاب، و هم ثلاثة أصناف ؛ ج‌9، ص : 249

 

[الخامس: الرقاب، و هم ثلاثة أصناف]

الخامس: الرقاب، و هم ثلاثة أصناف:

[الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة]

الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة (1)، مطلقاً كان أو مشروطاً (2). و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم، ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال (3). و يتخير

تعطها و أصحابك إلا من يعرف، فمن وجدت في هؤلاء المسلمين عارفاً فأعطه دون الناس. ثمَّ قال: سهم المؤلفة و سهم الرقاب عام، و الباقي خاص» «1»

و فيه: أن الذي يظهر من جملة من فقراته الاختصاص بالمسلم. و لا سيما‌

قوله (ع): «لأنهم يقرون له بالطاعة ..»

(و‌

قوله (ع): «و إنما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه ..»

. و أما‌

قوله (ع): «سهم المؤلفة و سهم الرقاب عام»

فغير ظاهر في العموم للكافر، بل لعله ظاهر في العموم للمسلم غير العارف. لا أقل من وجوب حمله على ذلك بقرينة غيره من النصوص. و مما ذكرنا يشكل تعميم المؤلفة للكفار، بل للمسلمين الذين يقصد من إعطائهم المعاونة على الجهاد.

إجماعاً، كما عن جماعة. و في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه.

و يشهد له:

مرسل أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، عن الصادق (ع): «أنه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها. قال (ع):

يؤدى عنه من مال الصدقة. إن اللّه تعالى يقول في كتابه (وَ فِي الرِّقٰابِ)» «2»

بلا خلاف. لإطلاق النص.

ينشأ: من إطلاق الآية. و من ظهور النص في العجز بعد حلول النجم. لكن النص لا يصلح للتقيد، لجواز أن يكون مورد السؤال فيه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 44 من أبواب مستحقين للزكاة ملحق حديث: 1.

 

249
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة ؛ ج‌9، ص : 249

بين الدفع إلى كل من المولى و العبد (1). لكن إن دفع إلى المولى، و اتفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فرد إلى الرق، يسترجع منه (2). كما أنه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فك رقبته لاستغنائه- بإبراء، أو تبرع أجنبي- يسترجع منه. نعم يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيراً (3). و لو ادعى العبد أنه مكاتب، أو أنه عاجز، فان علم صدقه، أو أقام بينة قبل قوله، و إلا ففي قبول قوله إشكال. و الأحوط عدم القبول (4) سواء صدقه المولى أو كذبه. كما أن في قبول قول المولى- مع أحد الأفراد، فلا ينافي المطلق، فالعمل بالإطلاق متعين.

لإطلاق الآية. لكن مقتضى الجمود على ظاهر المرسل تعين الأداء إلى السيد- و إن لم يكن بإذن العبد- لا إلى العبد. إلا بعنوان الوكيل من الدافع. اللهم إلا أن لا يفهم منه الخصوصية، بأن يكون المقصود أداء ما في ذمته كيف كان. فتأمل جيداً.

لعدم الصرف في الفك، المفروض كونه الجهة الملحوظة مصرفاً للمال. و عن الشيخ: العدم، لأنه ملكه بالقبض، فكان له التصرف فيه كيف شاء. و فيه: أن الملك ممتنع، لعدم الدليل عليه. و لو سلم فلا تنفك ملكيته عن الوفاء، فمع عدمه لا دليل عليها من أول الأمر.

فيدخل في إطلاق الفقراء.

المشهور بين الأصحاب: أنه إذا كذبه السيد لم يقبل قوله، و إن صدقه قبل قوله. و قد قطع به الأصحاب، كما عن المدارك. و في الجواهر:

نفي الخلاف فيه، لأصالة العدالة. و بأن الحق في العبد له، فإذا أقر‌

250
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: العبد تحت الشدة ؛ ج‌9، ص : 251

عدم العلم و البينة- أيضاً كذلك، سواء صدقه العبد أو كذبه.

و يجوز إعطاء المكاتب من سهم الفقراء (1). إذا كان عاجزاً عن التكسب للأداء. و لا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب، سواء كان من باب الرقاب، أو من باب الفقر.

[الثاني: العبد تحت الشدة]

الثاني: العبد تحت الشدة (2).

بالكتابة قبل. و كلاهما كما ترى. و حينئذ فإن تمَّ إجماع على القبول كان هو المعتمد، و إلا تعين القول بعدم القبول. و من ذلك تعرف الوجه في الاشكال في قبول قول السيد مطلقاً، أو إذا لم يكذبه العبد. و لو لم يعلم حال المولى من حيث التصديق و التكذيب، فالمنسوب إلى الأكثر: القبول لما ذكر، مما عرفت إشكاله.

لإطلاق الأدلة فيه و فيما بعده.

إجماعاً، كما عن المبسوط و الخلاف و الاقتصاد و السرائر و الغنية و المنتهى و التذكرة، و في الجواهر: يعضده التتبع. و استدل له‌

بصحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة، يشتري بها نسمة و يعتقها. قال (ع): إذاً يظلم قوماً آخرين حقوقهم. ثمَّ مكث ملياً ثمَّ قال: إلا أن يكون عبداً مسلماً في ضرورة، فيشتريه و يعتقه» «1».

لكن قد يستشكل فيه: بعدم ظهوره في كون ذلك من الرقاب، إذ يجوز أن يكون من سبيل اللّٰه- بناء على عمومه لذلك- كما هو الظاهر.

و المقابلة بين الرقاب و سبيل اللّٰه، لاختلاف العنوان، لا للمباينة في المصداق.

اللهم إلا أن يقال: بناء على عموم السبيل لمثل العتق، لا يختص بصورة كون العبد في شدة، فالتخصيص بذلك يدل على أنه من سهم الرقاب.

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

251
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: العبد تحت الشدة ؛ ج‌9، ص : 251

و المرجع في صدق الشدة العرف (1)، فيشترى و يعتق. خصوصاً إذا كان مؤمناً في يد غير المؤمن.

لكن كما يمكن تخصيص الرقاب- المذكورة في الآية الشريفة- بصورة الشدة، يمكن تخصيص السبيل بها، إذ كل منهما خروج عن الإطلاق، فجعله من أحدهما بعينه ترجيح من غير مرجح.

و دعوى: أن الإجماع على عدم اعتبار الشدة في سهم سبيل اللّه قرينة على حمل الصحيح على سهم الرقاب، لئلا يلزم طرح التقييد فيها. مع أنها تمسك بالإجماع، أنه إذا تمَّ الإجماع المذكور لم يكن وجه لقوله (ع):

«إذاً يظلم ..»

، إذ لا ظلم مع صدق سبيل اللّٰه، إلا بناء على لزوم البسط، و هو خلاف التحقيق. فيتعين إما تقييد سهم الرقاب بصورة الشدة أو تقييد سهم سبيل اللّه في خصوص العتق بذلك. و لا ترجيح للأول، فيبقى الإجمال في الصحيح من هذه الجهة ممكناً. فاذاً العمدة: إما الإجماع.

إلا أن يستشكل فيه: بأنه معلوم المستند، فلا يعول عليه. أو إطلاق الآية فِي الرِّقٰابِ، و إن كان سقط عن الحجية في غير صورة الشدة، للعلم الإجمالي بتقييده، أو تقييد سبيل اللّه في خصوص العتق.

هذا و الانصاف أنه لا يبعد كون وجود الرقاب في الآية الشريفة قرينة على كون السؤال في الصحيح عن سهم الرقاب لا عن غيره، كما يظهر من ملاحظة نظائره. فلاحظ.

الموجود في النص: الضرورة، لكن الأصحاب عبروا بالشدة.

و الظاهر أن المراد منهما واحد، و هو الصعوبة التي لا يقدم عليها العقلاء.

و الرجوع إلى العرف هنا- كما في سائر مفاهيم الألفاظ التي تذكر في الكتاب و السنة- يراد منه الرجوع إليهم في تحديد المفهوم و ما هو المراد من اللفظ، لا في تطبيق المفهوم علي الخارج. و تنبيه المصنف (ره) و غيره‌

252
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: مطلق عتق العبد ؛ ج‌9، ص : 253

[الثالث: مطلق عتق العبد]

الثالث: مطلق عتق العبد، مع عدم وجود المستحق للزكاة (1). و نية الزكاة في هذا و السابق عند دفع الثمن إلى على هذا للرد على ما قيل: من أن أقلها أن يمنعوا من الصلاة أول الوقت لعدم كون ذلك ضرورة أو شدة مطلقاً. و من ذلك يشكل أيضاً ما ذكره المصنف بقوله: «خصوصاً إذا ..»، فإن مجرد ذلك أيضاً لا يكفي في صدق الشدة العرفية، كما هو ظاهر.

كما عن جماعة كثيرة، بل عن المعتبر: نسبته إلى إطباق المحققين و يشهد له‌

موثق عبيد: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم، فلم يجد موضعاً يدفع ذلك إليه، فنظر إلى مملوك يباع فيمن يزيده، فاشتراه بتلك الألف الدرهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال (ع): نعم، لا بأس بذلك» «1».

و فيه أيضاً:

أنه لا يظهر منه أنه من قبيل الرقاب، بل من الجائز أن يكون من قبيل سبيل اللّه. بل في الجواهر جعله صريحاً في خلاف ذلك، بقرينة الشراء بتمام الزكاة. و إن كان فيه: أن ذلك إنما يكون قرينة لو بني على وجوب البسط. مع أن النص المذكور مناف له على كل من الاحتمالين، فلا يكون قرينة على أحدهما بعينه. و لو بني على عدم وجوب البسط مع الانحصار- كما فرض في النص- فلا يدل على كونه من أحد العنوانين بعينه. اللهم إلا أن يتم ما سبق في الصحيح، من أن وجود الرقاب في الأصناف المستحقة للزكاة قرينة على كون السؤال من هذه الجهة.

ثمَّ لو بني على ذلك، فمقتضى المنع في الصحيح السابق عن الشراء إلا مع الشدة التقييد هنا به. لكن لما كان المذكور في السؤال في الموثق صورة عدم وجوب المستحق، كان من هذه الجهة أخص من الصحيح.

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

253
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: مطلق عتق العبد ؛ ج‌9، ص : 253

البائع (1). و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.

و حينئذ يدور الأمر بين تقييد الحكم في الموثق بصورة الشدة، و بين تقييد الصحيح بصورة وجود المستحق. و لا يبعد ترجيح الثاني، بقرينة قوله (ع):

«إذاً يظلم ..»

. و لو لم يتم أشكل البناء على دخول هذا القسم في صنف الرقاب. و كأنه لذلك ذهب الأكثر- أو المشهور- إلى اختصاصه بالقسمين الأولين. فتأمل جيداً.

كما عن الروضة. و عن المسالك و حواشي النافع: أنها مقارنة للعتق، و في الجواهر: «لعله لا يخلو من قوة، لأن دفع الثمن- خصوصاً إذا كان بعد إجراء الصيغة- لكونه مقتضى البيع. و من هنا ينتقل العبد إلى أهل الصدقة، و لذا كان ولاؤه لهم، كما صرح به غير واحد من الأصحاب في القسم الثالث- بل ربما نسب إليهم- و دل عليه خبر أبي محمد الوابشي الآتي «1»، فيكون إيصاله إلى الفقراء بعتقه عنهم ..».

و ما ذكره (قده) في محله، لأن الشراء بالزكاة- سواء أ كان بعد العزل و التعيين، كما هو ظاهر مورد النص، أم بالذمة بعنوان الولاية- يستوجب تبديل الزكاة بالعبد. و مقتضى البدلية صيرورة العبد زكاة، و ليس ذلك دفعاً للزكاة، و لا أداء لها. كما لو بدل الزكاة بعين أخرى لا يكون ذلك أداء لها، بل الأداء إنما يكون بإخراجها عن يده. و ذلك إنما يكون بالعتق في المقام، فهو مورد النية لا أداء الثمن إلى البائع. إذ بمجرد المعاملة تكون العين ملكاً للبائع، فأداؤها أداء لمال البائع إليه. فلاحظ، و تأمل.

و قيل بوجود قسم رابع، و هو من وجبت عليه كفارة، و لم يجد ما يكفر به عنه، فإنه يعتق عنه. و مستنده: ما رواه علي بن إبراهيم في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب المستحقين الزكاة حديث: 1.

254
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الغارمون ؛ ج‌9، ص : 255

[السادس: الغارمون]

السادس: الغارمون، و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها (1)، تفسيره مرسلا،

قال في محكي كلامه: «وَ فِي الرِّقٰابِ: قوم لزمتهم كفارات- في قتل الخطأ، و في الظهار، و في الايمان، و في قتل الصيد في الحرم- و ليس عندهم ما يكفرون به، و هم مؤمنون، فجعل اللّه سبحانه لهم سهماً في الصدقات ليكفر عنهم ..» «1».

و مقتضاه- كما عن المدارك- جواز إخراج الكفارة من الزكاة و إن لم تكن عتقاً. و المحكي عن المشهور:

العدم، لضعف المرسل، و عدم الجابر.

بلا خلاف فيه و لا إشكال في الجملة. نعم عن جماعة: التصريح باعتبار العجز عن أداء الدين، و صرح آخرون: باعتبار الفقر، و ظاهر محكي المبسوط و السرائر و المعتبر و التذكرة: الإجماع عليه، و ظاهر غيرها:

أنه من المسلمات. و القيد الأول لا دليل عليه في نفسه. إلا أن يرجع إلى الثاني، بأن يكون المراد به الفقر. أو يرجع إليه الثاني، بأن يكون المراد من الفقر العجز عن أداء الدين.

و قد أطال شيخنا الأعظم في ذكر الشواهد و المؤيدات على أن المراد من الفقر في المقام أن يكون بحيث لا يتمكن من مئونة السنة، و لا يكفي فيه العجز عن أداء الدين، و لو مع التمكن من مئونة السنة. فيكون الفقر أخص من العجز عن أداء الدين، فيكون ذكره بعده- في كلمات جماعة- من باب ذكر الخاص بعد العام، لكنها على كثرتها لا تصلح للخروج عن ظاهر الفقر، الصادق بمجرد العجز عن وفاء الدين. و لو سلم قصور مفهومه عن ذلك، فالمراد به هنا مجرد الحاجة إلى المال لوفاء الدين، و إن لم يحتج اليه لمؤنة سنته. فلاحظ كلماتهم. و سيأتي في فروع هذا الخلاف التنبيه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

255
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الغارمون ؛ ج‌9، ص : 255

و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم (1). و يشترط أن لا يكون على الإشكال في بعض كلماته (قده).

و كيف كان فالعمدة في دليل اعتبار الفقر: ظاهر الإجماع المستفاد من كلمات الجماعة. و قد يشهد له‌

حسن زرارة: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

رجل حلت عليه الزكاة، و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين أبيه، و للابن مال كثير؟ فقال (ع): إن كان أبوه أورثه مالا، ثمَّ ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه، قضاه من جميع الميراث، و لم يقضه من زكاته. و إن لم يكن أورثه مالا، لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه- على هذه الحال- أجزأت عنه» «1».

بناء على وروده في سهم الغارمين.

كما عن المسالك، و المدارك، و شرح اللمعة للاصبهاني، و غيرهم لإطلاق الآية. و ما تقدم: من الإجماع على اعتبار الفقر لا ينافيه، لأن وفاء الدين من جملة مئونة السنة، بل قد يكون أهم من بقية المؤن، فإذا لم يكن عنده ما يفي به الدين كان فقيراً. و ما في كلام جماعة، من أن الفقير من لا يملك قوت السنة، يراد منه ما يعم ذلك، كعمومه للباس و المسكن و الفراش و غيرها في قبال ما عرفت.

و منه يظهر اندفاع الإشكال في الجواز في المقام، بأن ذلك خلاف إطلاق:

«لا تحل الصدقة لغني ..»

، فإن المراد بالغني ما يقابل الفقير فاذا كان يصدق عليه الفقير لم يصدق عليه الغني. مع قرب احتمال أن يكون المراد نفي حلها للغني على نحو تكون له، كسائر أمواله يتصرف بها كيف يشاء. و حينئذ لا يشمل ما نحن فيه، مما كان المصرف جهة خاصة، أعني: خصوص وفاء الدين و بهذا أيضاً افترق هذا السهم عن سهم الفقراء‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

256
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الغارمون ؛ ج‌9، ص : 255

الدين مصروفاً في المعصية (1)، و إلا لم يقض من هذا السهم و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء. سواء تاب عن المعصية أو لم يتب، بناء على عدم اشتراط العدالة في الفقير. و كونه مالكاً لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الذي لا يفي فإن الثاني يكون بنحو التملك للفقير، و بنحو الصرف في مصلحته، و هذا يختص بالصرف في الجهة الخاصة. و إذا قلنا باختصاص سهم الفقراء بنحو التمليك فالفرق واضح جداً. بل- على تقدير كون سهم الفقراء مصرفاً يمكن الالتزام- بقرينة المقابلة- بتخصيص المصرفية بغير وفاء الدين.

إجماعاً، كما عن الخلاف و المنتهى و التذكرة. و في الجواهر:

«لا أجد فيه خلافاً ..» و يشهد له: ما‌

عن القمي (ره) في تفسيره، مرسلا عن العالم (ع): «و الغارمين قد وقعت عليهم ديون، أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف، فيجب على الامام أن يقضي عنهم، و يفكهم من مال الصدقات» «1»

، و‌

خبر محمد بن سليمان- في تفسير قوله تعالى:

«وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ»- قال: (ع): نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة اللّه، فان كان أنفقه في معصية اللّه فلا شي‌ء على الامام» «2».

و نحوهما غيرهما. و ضعفها منجبر بالإجماع.

ثمَّ المدين في المعصية يجوز أن يعطى من سهم الفقراء مع عجزه عن الوفاء، لما عرفت من عدم المنافاة. نعم قد يظهر من خبر محمد بن سليمان عدم جواز إعطائه من الزكاة مطلقاً. لكن لا يجوز التعويل عليه في ذلك، لضعفه. و احتمال اختصاصه بسهم الغارمين المذكور فيه، لا مطلق السهام.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الدين حديث: 3.

257
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الغارمون ؛ ج‌9، ص : 255

كسبه أو ما عنده به. و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه (1) و لو شك في أنه صرفه في المعصية أم لا، فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم (2). و إن كان الأحوط خلافه. نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية. و لو كان معذوراً في الصرف في المعصية- لجهل، أو اضطرار، أو نسيان، أو نحو ذلك- لا بأس بإعطائه (3). و كذا لو صرفه بناء على أنه لكل خير و قربة، و المقام منها.

كما عن الأكثر، بل المشهور. و يقتضيه: إطلاق الأدلة. و احتمال الإنفاق في المعصية منفي بأصل العدم، أو أصالة الصحة. اللهم إلا أن يقال: بعض نصوص الشرطية ظاهر في اعتبار الإنفاق في الطاعة، و الأصل لا يصلح لإثباته، و كذا أصالة الصحة. مضافاً إلى ما‌

في خبر محمد بن سليمان: «قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة اللّه- عز و جل- أم في معصيته؟ قال (ع): يسعى له في ماله، و يرده عليه و هو صاغر» «1».

لكن نصوص الشرطية- الظاهرة في اعتبار الإنفاق في الطاعة- ضعيفة السند، غير مجبورة، فالاعتماد عليها غير ظاهر. بل العمدة في المسألة:

الإجماع، و المتيقن منه اعتبار عدم المعصية. و لأجل أن المخصص لبي، فالمرجع في الشبهة الموضوعية العموم. فما عن الشيخ في النهاية من المنع- و عن الشهيد من الميل إليه- ضعيف.

لظهور المعصية في الفعلية. لا أقل من أنها القدر المتيقن من النص و الإجماع، فالمرجع في الموارد المذكورة عموم الآية. و كذا الحال فيما بعده.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الدين حديث: 3.

258
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): لا فرق بين أقسام الدين ؛ ج‌9، ص : 259

فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون. و لا فرق في الجاهل بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم.

[ (مسألة 16): لا فرق بين أقسام الدين]

(مسألة 16): لا فرق بين أقسام الدين (1)، من قرض، أو ثمن مبيع، أو ضمان مال، أو عوض صلح، أو نحو ذلك، كما لو كان من باب غرامة إتلاف (2). فلو كان الإتلاف جهلا أو نسياناً، و لم يتمكن من أداء العوض، جاز إعطاؤه من هذا السهم، بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان (3).

للإطلاق.

كما استظهره في الجواهر. لكن النصوص- مثل مرسل القمي «1» و خبر الحسين بن علوان «2»، و خبر محمد بن سليمان «3»، و خبر موسى ابن بكر «4» غير شاملة له. و قد يشمله بعض نصوص وفاء الدين من الزكاة. لكنه غير ظاهر في كونه من سهم الغارمين، فعموم الحكم له لا بد أن يكون لعموم الآية الشريفة، و عدم صلاحية النصوص لتقييدها، إما لقصور السند، أو هو مع الدلالة.

لأنه من الدين في المعصية. اللهم إلا أن يقال: الظاهر من الدين في المعصية الدين في سبيل المعصية، لا الدين المسبب عن المعصية، فإنه معصية في الدين. فيكون المقام من قبيل ثمن البيع وقت النداء إذا كان ثمن المبيع ديناً. نعم يمكن أن يستفاد من‌

صحيح ابن الحجاج: «و لا تعطين

______________________________
(1) تقدم ذلك في المسألة السابقة.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(3) تقدم ذلك في المسألة السابقة.

(4) الوسائل باب: 46 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

259
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): إذا كان دينه مؤجلا ؛ ج‌9، ص : 260

[ (مسألة 17): إذا كان دينه مؤجلا]

(مسألة 17): إذا كان دينه مؤجلا، فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله. و إن كان الأقوى الجواز (1).

[ (مسألة 18): لو كان كسوباً يقدر على أداء دينه بالتدريج]

(مسألة 18): لو كان كسوباً يقدر على أداء دينه بالتدريج، فان كان الديان مطالباً فالظاهر جواز إعطائه (2) من هذا السهم، و إن لم يكن مطالباً فالأحوط عدم إعطائه (3).

من سهم الغارمين الذين ينادون بنداء الجاهلية شيئاً. قلت: و ما نداء الجاهلية؟ قال (ع): هو الرجل يقول: يا آل بني فلان، فيقع بينهم القتل و الدماء. فلا تؤدوا ذلك من سهم الغارمين» «1».

فتأمل.

قال في الجواهر: «و في اعتبار الحلول وجهان، و لكن مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدمه ..». و كأن منشأ اعتبار الحلول انصراف الدليل إليه، لأن المؤجل غير معدود عرفاً من النفقات إلا بعد الحلول.

لصدق الغرم، و عدم التمكن من الوفاء.

كأنه: لاحتمال انصراف الدليل إلى صورة وقوع المديون في ضيق المطالبة، كما قد يشير إليه التعبير بال‍ (فك) في مرسل القمي «2» و قول السائل‌

في مرسل محمد بن سليمان: «و ليس له غلة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محله، و لا مال غائب ينتظر قدومه» «3».

لكنه كما ترى إذ المراد من الفك في المرسل مجرد فك الذمة و إفراغها. و ما في خبر محمد ابن سليمان لا يصلح للتقييد، لأنه في السؤال. و لو سلم لم يفرق بين صورتي المطالبة و عدمها. فالمدار صدق الحاجة و العجز عن الأداء عرفاً، فان صدق جاز الصرف، و إلا فلا.

______________________________
(1) الوسائل باب: 48 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) لاحظ المسألة: 15 من هذا الفصل.

(3) لاحظ المسألة: 15 من هذا الفصل.

260
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أن دينه في معصية ارتجع منه ؛ ج‌9، ص : 261

[ (مسألة 19): إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أن دينه في معصية ارتجع منه]

(مسألة 19): إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أن دينه في معصية ارتجع منه. إلا إذا كان فقيراً (1)، فإنه يجوز احتسابه عليه من سهم الفقراء. و كذا إذا تبين أنه غير مديون. و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين.

[ (مسألة 20): لو ادعى أنه مديون]

(مسألة 20): لو ادعى أنه مديون، فإن أقام بينة قبل قوله، و إلا فالأحوط عدم تصديقه (2) و إن صدقه الغريم.

فضلا عما لو كذبه، أو لم يصدقه.

[ (مسألة 21): إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين]

(مسألة 21): إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثمَّ صرفه في غيره ارتجع منه (3).

[ (مسألة 22): المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة]

(مسألة 22): المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة (4) لا القصد من حين الاستدانة. فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم، و في العكس بالعكس.

[ (مسألة 23): إذا لم يكن الغارم متمكناً من الأداء حالا و تمكن بعد حين]

(مسألة 23): إذا لم يكن الغارم متمكناً من الأداء حالا و تمكن بعد حين، كأن يكون له غلة لم يبلغ أوانها، أو دين مؤجل يحل أجله بعد مدة، ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال. و إن كان الأقوى عدم الجواز (5)، يظهر الكلام فيه مما سبق في المسألة الرابعة عشرة.

لما سبق في العبد المكاتب.

لما سبق في المكاتب. و عن الشيخ في المبسوط و الجمل: العدم و قد أشرنا إلى وجهه و ضعفه في المكاتب.

كما يقتضيه ظاهر النص و الفتوى.

كأنه: لصدق التمكن و عدم العجز عن الأداء، كما يشير اليه‌

261
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 24): لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 262

مع عدم المطالبة من المدائن، أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محل آخر ثمَّ قضائه بعد التمكن.

[ (مسألة 24): لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة]

(مسألة 24): لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة (1)، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء الدين (2) و يأخذها مقاصة، و إن لم يقبضها ما في خبر محمد بن سليمان المتقدم، من قول السائل:

«و ليس له غلة ..» «1».

لكن لما كان الدين حالا فقد احتاج إلى وفائه و عجز عنه. و لأجل ذلك لم يبعد القول بالجواز، كما مال إليه غير واحد. أخذاً بإطلاق الآية، و بعض النصوص. و لو بني على المنع لم يفرق بين صورتي المطالبة و عدمها كما أشرنا إليه في المسألة السابعة عشرة. كما أنه لا يفرق بين إمكان الاستقراض و عدمه، إذ الاستقراض ليس منصرف إمكان الأداء، كما لا يخفى. نعم إذا كانت مدة الانتظار قريبة، بحيث يسهل عرفاً انتظارها، لا يجوز الدفع من الزكاة، لصدق التمكن حينئذ عرفاً بذلك. كما أنها لو كانت بعيدة جداً فلا ينبغي التأمل في جواز الدفع. فلاحظ.

ففي صحيح ابن الحجاج: «سألت أبا الحسن الأول (ع) عن دين لي على قوم، قد طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه، و هم مستوجبون للزكاة، هل لي أن أدعه فأحتسب به عليهم من الزكاة؟ قال (ع):

نعم» «2».

و نحوه غيره.

بلا خلاف ظاهر، بل عن ظاهر جماعة: الإجماع عليه. و يشهد له‌

موثق سماعة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير، يريد أن يعطيه من الزكاة. فقال (ع): إن كان

______________________________
(1) لاحظ المسألة: 18 من هذا الفصل.

(2) الوسائل باب: 48 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

262
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 25): لو كان الدين لغير من عليه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 263

المديون، و لم يوكل في قبضها. و لا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه، أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصة.

[ (مسألة 25): لو كان الدين لغير من عليه الزكاة]

(مسألة 25): لو كان الدين لغير من عليه الزكاة،

الفقير عنده وفاء بما كان عليه من دين من عرض- من دار، أو متاع من متاع البيت- أو يعالج عملا يتقلب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دينه، فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها. فان لم يكن عند الفقير وفاء، و لا يرجو أن يأخذ منه شيئاً، فيعطيه من زكاته، و لا يقاصد بشي‌ء من الزكاة» «1».

و الظاهر من المقاصة في الخبر أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمديون فيكون له، ثمَّ يأخذه وفاء عما عليه من الدين، كما عن الشهيدين و غيرهما تفسيرها به.

و عن المدارك: أنه توقف في صحته، لعدم قبول المديون و عدم قبضه، و عدم ولاية للدائن عليه.

و فيه: أنه لا مجال لذلك بعد ورود النص المعتبر به، و اتفاق الأصحاب ظاهراً عليه، و إن كان على خلاف القواعد الأولية. و عبارة المتن لا تخلو من تسامح، لأن قوله:

«أن يحتسب ..»

ظاهر في أن يقضي عن المديون بما عنده من الزكاة، فيجعله وفاء عما في ذمته. كما لو كان مديوناً لغير المالك، فأراد المالك سفع الزكاة إلى الدائن وفاء عنه. و حينئذ لا مجال للمقاصد بالمعنى المتقدم، لحصول الوفاء و التملك. و كأن المراد بالمقاصة مجرد الاستيفاء بالزكاة، إشارة إلى أنه فيه نوع من المقاصة، باعتبار أن الزكاة للفقراء- و منهم المديون- فكان الاستيفاء مقاصة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 46 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

263
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 26): لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 264

يجوز له وفاؤه عنه (1) بما عنده منها، و لو بدون اطلاع الغارم.

[ (مسألة 26): لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة]

(مسألة 26): لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة، جاز له إعطاؤه لوفاء دينه (2)، أو الوفاء عنه و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته (3).

[ (مسألة 27): إذا كان ديان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة]

(مسألة 27): إذا كان ديان الغارم مديوناً لمن عليه الزكاة، جاز له إحالته (4) على الغارم ثمَّ يحسب عليه، بل كما استفاضت بذلك النصوص، الوارد بعضها في الحي، كمرسل القمي «1»، و خبر محمد بن سليمان «2»، و أكثرها في الميت. و لا يجب إعلامه. لإطلاق النص.

بلا خلاف ظاهر. و يشهد له‌

مصحح إسحاق بن عمار: «عن رجل على أبيه دين، و لأبيه مئونة، أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟

قال (ع): نعم، و من أحق من أبيه» «3».

كما هو المستفاد من نصوص المنع الآتية. بل لو كان له عليه دين جاز الاحتساب و المقاصة، كما جاز أن يقضي عنه بنفسه من دون دفعه إليه بلا إشكال ظاهر. بل قد يستظهر الاتفاق عليه من جماعة، إذ يمكن استفادته من المصحح المذكور. فتأمل.

الضمير الأول للأول، و الثاني للثاني. و هذا الحكم تقتضيه إطلاقات مشروعية الحولة. و حينئذ يجوز احتساب الدين عليه، كما يستفاد من النصوص المتقدمة في المسألة الرابعة و العشرين.

______________________________
(1) لاحظ المسألة: 15 من هذا الفصل.

(2) تقدم ذلك في المسألة: 15 من هذا الفصل.

(3) الوسائل باب: 18 من أبواب المستحقين الزكاة حديث: 2.

264
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 28): لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعا ؛ ج‌9، ص : 265

يجوز له أن يحسب (1) ما على الديان وفاء عما في ذمة الغارم.

و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة.

[ (مسألة 28): لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعاً]

(مسألة 28): لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعاً، لمصلحة مقتضية لذلك (2)، مع عدم تمكنه من الأداء، و إن كان قادراً على قوت سنته، يجوز الإعطاء من هذا السهم، و إن كان المضمون عنه غنياً (3).

[ (مسألة 29): لو استدان لإصلاح ذات البين]

(مسألة 29): لو استدان لإصلاح ذات البين، كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله، و كاد أن تقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل، فان لم يتمكن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم.

و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو ذلك من المصالح العامة.

و أما لو تمكن من الأداء فمشكل (4). نعم لا يبعد جواز كما في محكي كشف الغطاء، و تبعه في الجواهر. إلحاقاً للاحتساب بالأداء، فكما يجوز الأداء للدائن وفاء عما في ذمة الغارم، يجوز احتساب ما في ذمته كذلك. لما يستفاد من النصوص، من أن الاحتساب بمنزلة الإعطاء حتى في مثل الفرض. و لأجل عدم وضوح ذلك كان الأحوط أن يكون بعد الحوالة.

يكفي أن لا يكون الضمان مقدمة للمعصية، كما سبق: من عدم اعتبار كون الدين في طاعة.

كما نص على ذلك غير واحد. لإطلاق الأدلة.

لما سبق: من ظهور الاتفاق على اعتبار الفقر في جواز الإعطاء من سهم الغارمين، و ان كان المحكي عن الشيخ و من تأخر عنه: جواز الإعطاء مع الفقر و الغنى. لإطلاق الآية «1». و للخبر:

______________________________
(1) التوبة: 60.

265
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: سبيل الله ؛ ج‌9، ص : 266

الإعطاء من سهم سبيل اللّه، و إن كان لا يخلو عن إشكال (1) أيضاً، إلا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك.

[السابع: سبيل اللّه]

السابع: سبيل اللّه، و هو جميع سبل الخير (2)، كبناء

«لا تحل الصدقة لغني إلا لخمس. غاز في سبيل اللّه، أو عامل عليها، أو غارم ..» «1».

لكن الخبر غير موجود في أصولنا، كما في الجواهر و مخالف للإجماع، الذي به يقيد إطلاق الأدلة، كما سبق. اللهم إلا أن يمنع الإجماع هنا بتحقق الخلاف. و حينئذ فلا مجال للإشكال في الجواز، كما في المتن، تبعاً لنهاية الأحكام و غيرها.

هذا و الذي يظهر بالتأمل في كلام الشيخ و أتباعه: أن بقاءهم على الجواز من باب سهم سبيل اللّه، و إن كان المذكور في عباراتهم الغارم. فراجع.

لتوقفه على كون المراد من سبيل اللّه كل قربة، و لو مع التمكن من فعلها. و سيأتي المنع من ذلك. إلا إذا كان إقدامه على الفعل مشروطاً ببذل الزكاة له. و كأنه لذا قيده في المتن بقوله: «إلا إذا كان ..».

إلا أن يقال: إن الجواز حينئذ لا يقتضي الجواز هنا، لأن الدفع يكون قبل الفعل، فالصرف يكون في سبيل الفعل القربي. و ليس هنا كذلك، إذ الدفع بعد الفعل، فلا يكون في سبيل الفعل القربي. نعم لو كان الفاعل ممن له الولاية جاز له الاستدانة بحسب ولايته على هذا السهم، كما نص على ذلك في الجواهر. و حينئذ يكون المال المستدان من سهم سبيل اللّٰه مصروفا في سبيل اللّٰه، لا أن وفاءه من السهم المذكور، كما يظهر بالتأمل.

كما عن الأكثر، بل المشهور، بل عن الخلاف و الغنية: الإجماع عليه. و يقتضيه- مضافاً إلى إطلاق الآية الكريمة-

مرسلة القمي: «وَ فِي

______________________________
(1) كنز العمال ج 3 صفحة 285 حديث: 4699. و قريب منه ما في المستدرك باب: 27 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

266
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: سبيل الله ؛ ج‌9، ص : 266

.....

سَبِيلِ اللّٰهِ: قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون. أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به، و في جميع سبل الخير. فعلى الامام أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد ..» «1».

و من ذلك يظهر ضعف ما عن الفقيه و المقنعة و النهاية و الإشارة و المراسم:

من أن المراد به الجهاد لا غير، إما للانصراف اليه. أو‌

لخبر يونس بن يعقوب، فيمن أوصى عند موته أن يعطى شي‌ء في سبيل اللّٰه، و كان لا يعرف:

هذا الأمر، فقال أبو عبد اللّه (ع): «لو أن رجلا أوصى إلي بوصية أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما. إن اللّه عز و جل يقول:

(فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ..)، فانظر إلى من يخرج إلى هذا الوجه- يعني: الثغور- فابعثوا به إليه» «2».

و فيه: أنه لا ملازمة بين حمله على خصوص الجهاد في كلام الموصي الذي لا يعرف هذا الأمر و بين حمله في المقام عليه. مضافاً إلى معارضته بما دل على لزوم صرف الوصية في سبيل اللّه في مطلق الشيعة «3» أو في مطلق سبل الخير، و أن أفضلها الحج «4».

و هل تعتبر الحاجة إلى الزكاة في مصرف هذا السهم؟ كما في المدارك و غيرها، و يشهد له المرسل المتقدم- أو لا تعتبر؟ لضعف المرسل. و عدم العمل به في الجهاد، للاتفاق المحكي على عدم اعتبار الفقر فيه، فلا يصلح لتقييد الآية الشريفة. و هل يعتبر الفقر- كما عن المسالك و غيرها-

لقوله (ص): «لا تحل الصدقة لغني» «5»

، أو لا يعتبر- كما عن كشف الغطاء، و اختاره‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب الوصايا حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب الوصايا حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب الوصايا حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 12 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

267
مستمسک العروة الوثقى9

الثامن: ابن السبيل ؛ ج‌9، ص : 268

القناطر و المدارس و الخانات و المساجد و تعميرها، و تخليص المؤمنين من يد الظالمين و نحو ذلك من المصالح، كإصلاح ذات البين، و رفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين. و كذا إعانة الحجاج و الزائرين، و إكرام العلماء و المشتغلين، مع عدم تمكنهم من الحج و الزيارة و الاشتغال و نحوها من أموالهم. بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة، مع عدم تمكن المدفوع اليه من فعلها بغير الزكاة، بل مع تمكنه أيضاً. لكن مع عدم إقدامه إلا بهذا الوجه.

[الثامن: ابن السبيل]

الثامن: ابن السبيل، و هو المسافر (1)، الذي نفذت في الجواهر- لقرب احتمال أن يكون المراد به أنها لا تحل له على نحو التمليك، بحيث يكون بنفسه مصرفاً لها، لا أنها لا تحل له و لو كان المصرف سبيل اللّه تعالى؟ و لذا لا يظن الإشكال في جواز انتفاع الغني بالقناطر و الخانات و العمارات المعدة للزوار و الحجاج إذا صنعت من سهم سبيل اللّه تعالى.

و بالجملة: تارة يكون المصرف نفس الشخص من حيث هو، و أخرى نفس العمل المحبوب للّه تعالى، مثل الحج، و الزيارة، و الدعاء، و غير ذلك.

فان كان نفس الشخص لم تحل للغني، و إن كان نفس الجهة حلت له كما حلت للفقير. نعم قد يدعى انصرافه عن صرفها في شؤون الأغنياء. لكنه بدوي، ناشئ من ملاحظة أهمية غير ذلك منها، فلا مانع من صدق السبيل عليها. فتأمل جيداً.

في مرسل القمي: «و ابن السبيل: أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة اللّٰه، فينقطع عليهم (بهم خ ل)، و يذهب مالهم فعلى الامام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات» «1».

و الظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

268
مستمسک العروة الوثقى9

الثامن: ابن السبيل ؛ ج‌9، ص : 268

نفقته، أو تلفت راحلته (1)، بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنياً في وطنه. بشرط عدم تمكنه من الاستدانة، أو بيع ما يملكه، أو نحو ذلك (2). و بشرط أن لا يكون سفره في معصية (3).

إرادة السفر العرفي، لا ما يوجب التقصير. فلا يقدح عدم قصد المسافة، و لا إقامة العشرة، و لا التردد ثلاثين يوماً، و لا غير ذلك مما يمنع من وجوب التقصير و لا يمنع من صدق السفر عرفاً. فما قيل- أو يقال- من عدم جواز الإعطاء حينئذ غير ظاهر. و ليس في الأدلة ما يقتضي الحكومة على مثل إطلاقات المقام بنحو يتعين حمله على ما يوجب التقصير لا غير.

بلا خلاف و لا إشكال.

كما هو المشهور. و ربما نسب إلى المعتبر عدم اشتراط ذلك.

و تأمل فيه في الجواهر، لتفسير ابن السبيل بالمنقطع به، و صدقه مع التمكن من ذلك غير ظاهر.

قلت: يظهر منه- في مبحث سبيل اللّه- المفروغية عن جواز إعطاء ابن السبيل، مع قدرته على الاستدانة في سفره، كما يقتضيه إطلاق الآية.

نعم ظاهر التعبير بالانقطاع في المرسل اعتبار ذلك، لأن الانقطاع كناية عن عدم التمكن من السير، و إطلاقه يقتضي عدم التمكن من الاستدانة، كما يقتضي عدم التمكن من التصرف في ماله الغائب. فإن تمَّ انجباره بالعمل تعين تقييد الآية به، و إلا كان إطلاقها محكماً. اللهم إلا أن يقيد بما دل على أنه لا تحل الصدقة لغني. لكن الظاهر عدم شموله لابن السبيل، لكونه غنياً شرعاً على كل حال. فتأمل.

بلا خلاف، كما في كلام غير واحد. و هو العمدة فيه. أما المرسل المتقدم فظاهره اعتبار كونه طاعة، و حكي ذلك عن الإسكافي.

269
مستمسک العروة الوثقى9

الثامن: ابن السبيل ؛ ج‌9، ص : 268

فيدفع اليه قدر الكفاية اللائقة (1) بحاله، من الملبوس و المأكول و المركوب، أو ثمنها، أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده، بعد قضاء وطره من سفره، أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة و البيع أو نحوهما. و لو فضل مما أعطي شي‌ء- و لو بالتضييق على نفسه- أعاده على الأقوى. من غير فرق بين النقد و الدابة و الثياب و نحوها (2)، فيدفعه إلى الحاكم (3) لكن ادعى الإجماع على خلافه.

لا الأزيد منه، لظهور الآية في كون جهة السبيل مصرفاً للزكاة نظير الغارمين و الرقاب و سبيل اللّه، لا نظير الفقراء. و عليه يظهر أنه لو فضل شي‌ء منها- و لو لأجل التضييق على نفسه- لزم إرجاعه إلى المالك، كما تقدم في نظائره. و عن المبسوط اختياره، لكن عن الخلاف أنه لا يرتجع لأن الاستحقاق له بسبب السفر. و فيه ما عرفت.

كما عن المسالك التصريح به. و هو في محله، لاطراد الجهة في الجميع. و عن العلامة (ره) في النهاية: أنه لا يسترد منه الدابة، لأنه ملكها بالإعطاء. بل عن بعض: إلحاق الثياب و الآلات. و وجهه في الجواهر:

«بأن المزكي يملك المستحق عين ما دفعه إليه، و المنافع تابعة. و الواجب رد الزائد على الحاجة من العين، و لا زيادة في الأشياء المذكورة إلا في المنافع و لا أثر لها مع ملكية تمام العين ..» و فيه: أنه إذا بني على كون السهم المذكور يصرف في جهات السبيل لا وجه للقول بملكية المستحق لها، إذ المستحق في الحقيقة نفس الجهة، لا ذو الجهة.

و عن الروضة: أنه يعيدها الى المالك أو وكيله، فان تعذر فالى الحاكم. و كأنه لاستصحاب بقاء ولاية المالك على تعيين المستحق. و مجرد تعينه‌

270
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 30): إذا علم استحقاق شخص للزكاة ؛ ج‌9، ص : 271

و يعلمه بأنه من الزكاة. و أما لو كان في وطنه، و أراد إنشاء السفر المحتاج اليه و لا قدرة له عليه، فليس من ابن السبيل (1) نعم لو تلبس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم. و إن لم يتجدد نفاذ نفقته، بل كان أصل ماله قاصراً، فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل (2). نعم لو كان فقيراً يعطى من سهم الفقراء.

[ (مسألة 30): إذا علم استحقاق شخص للزكاة]

(مسألة 30): إذا علم استحقاق شخص للزكاة، و لكن لم يعلم من أي الأصناف، يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف (3). بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.

زكاة بالدفع لا يخرجه عن موضوع الولاية، كما في العزل. نعم لو كان المستحق قد ملكه بالدفع خرج عن موضوع الولاية، لقاعدة السلطنة. لكنه خلاف المفروض. فتأمل جيدا.

لكون الظاهر منه المتلبس بالسفر. فما عن ابن الجنيد و الشهيد- الدروس و اللمعة- من صدقه عليه حينئذ غير ظاهر. و لا سيما بملاحظة مرسل مجمع البيان.

كما نفى البأس عنه في الجواهر. للإطلاق. و التعبير في المرسل بذهاب المال لا ينافيه، فان الظاهر منه الحاجة في الرجوع الى محله، و عدم التمكن منه بماله بنحو يشمل ذلك.

لعدم الدليل على اعتبار ذلك، و الأصل البراءة، بناء على التحقيق من جريان البراءة فيما يشك في اعتباره في الامتثال. و كذا الحال في الفرض الثاني. نعم- بناء على اعتبار البسط- يلزم التعيين و لو إجمالا، إذ لولاه‌

271
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا ؛ ج‌9، ص : 272

[ (مسألة 31): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيناً]

(مسألة 31): إذا نذر أن يعطي زكاته فقيراً معيناً لجهة راجحة، أو مطلقاً- (1) ينعقد نذره. فان سها فأعطى فقيراً آخر أجزأ (2)، و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية. بل لو كان ملتفتاً إلى نذره و أعطى غيره متعمداً أجزأ أيضاً (3) لا يصح، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح.

لأجل اعتبار الرجحان في متعلق النذر لا يصح نذر الجهة غير الراجحة. نعم إذا كان المقصود نذر الحصة الخاصة، فلا بأس بالبناء على الصحة، لرجحان نفس الحصة.

لتحقق الامتثال، الموجب لارتفاع موضوع النذر. و حينئذ لا وجه للاسترداد، بعد ما ملكه الفقير و كان كسائر أمواله.

قد تقدم في نظير هذا الفرع في القراءة، فيما لو نذر قراءة سورة معينة فقرأ غيرها، و في الجماعة، فيما لو نذر أن يصلي جماعة فصلى فرادى:

الإشكال، في الاجزاء، بأن الظاهر من النذر في أمثال المقام أنه راجع إلى نذر أن لا يفرغ ذمته إلا بهذا المصداق، فتفريغ الذمة بغير المصداق المذكور مخالفة للنذر، فيبطل لكونه محرماً، فلا يصح عبادة. كما لو نذر أن لا يصلي في الحمام فصلى فيه. و حينئذ يجوز له الاسترداد مع بقاء العين. و أما مع التلف فجواز الرجوع بالمثل أو القيمة مبني على الضمان و عدم الغرور. و قد تقدم في المسائل السابقة.

بل لو كان مفاد النذر ثبوت حق له تعالى أشكل الأجزاء- حتى لو سها- لأن الحق يوجب قصور سلطنته على الإعطاء، و إن لم يكن إثم فيه فتأمل. نعم لو كان مرجع النذر إلى نذر المصداق الخاص، على تقدير بقاء اشتغال الذمة- بنحو يكون اشتغال الذمة من قبيل شرط الوجوب- فلا مانع من إفراغ الذمة بغيره من الأفراد. فراجع ما سبق في الجماعة و غيرها.

272
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 32): إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثم تبين له عدم وجوبها عليه ؛ ج‌9، ص : 273

و إن كان آثماً في مخالفة النذر (1)، و تجب عليه الكفارة.

و لا يجوز استرداده أيضاً، لأنه قد ملك بالقبض.

[ (مسألة 32): إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيراً ثمَّ تبين له عدم وجوبها عليه]

(مسألة 32): إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيراً ثمَّ تبين له عدم وجوبها عليه، جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية. و أما إذا شك في وجوبها عليه و عدمه فأعطى احتياطاً ثمَّ تبين له عدمه، فالظاهر عدم جواز الاسترجاع و إن كانت العين باقية (2).

إن كان مرجع النذر المفروض إلى ما ذكرنا أولًا انطبقت المخالفة على نفس إعطاء غير المنذور إعطاؤه، و حينئذ لا يصح عبادة. و إن كان مرجعه إلى ما ذكرنا أخيراً فلا مخالفة و لا إثم، لعدم اقتضاء الواجب المشروط بقاء شرطه. فالجمع بين المخالفة و الإثم و بين صحة الإعطاء غير ظاهر.

هذا إذا قصد الصدقة على تقدير عدم وجوب الزكاة عليه. و أما لو قصد أنها هبة، جاز الرجوع مع كون العين باقية بعينها، لجواز الرجوع في الهبة حينئذ.

273
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في أوصاف المستحقين ؛ ج‌9، ص : 274

 

[فصل في أوصاف المستحقين]

فصل في أوصاف المستحقين و هي أمور:

[الأول: الإيمان]

الأول: الإيمان، فلا يعطى للكافر- بجميع أقسامه- (1)، و لا لمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين (2)- حتى فصل في أوصاف المستحقين في غير التأليف و سبيل اللّه. بلا خلاف معتد به بين المسلمين، فضلا عن المؤمنين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر، بل يمكن دعوى كونه من ضروريات المذهب أو الدين، كذا في الجواهر.

و يستفاد من النصوص الواردة في المنع من إعطاء المخالف من الزكاة.

بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكى منه متواتر كالنصوص، خصوصاً في المخالفين، كذا في الجواهر. و من النصوص:

صحيح بريد عن أبي عبد اللّه (ع) في حديث: «كل عمل عمله و هو في حال نصبه و ضلالته، ثمَّ منّ اللّه عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه، إلا الزكاة فإنه يعيدها، لأنه وضعها في غير مواضعها، لأنها لأهل الولاية» «1»

، و‌

صحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّه (ع): «إنهما قالا في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء- الحرورية، و المرجئة، و العثمانية، و القدرية- ثمَّ يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه، أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال (ع): ليس عليه إعادة

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

274
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: الإيمان ؛ ج‌9، ص : 274

المستضعفين منهم- إلا من سهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (1)، و سهم سَبِيلِ اللّٰهِ في الجملة (2). و مع عدم وجود المؤمن و المؤلفة و سبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكن (3).

شي‌ء من ذلك، غير الزكاة و لا بد أن يؤديها، لأنه وضع الزكاة في غير موضعها.

و إنما موضعها أهل الولاية» «1»

، و‌

صحيح إسماعيل بن سعد عن الرضا (ع) قال: «سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال (ع): لا، و لا زكاة الفطرة» «2».

و‌

في مكاتبة علي بن بلال: «لا تعط الصدقة و الزكاة إلا لأصحابك ..» «3».

و‌

في خبر ابن أبي يعفور: «هي لأصحابك ..» «4»

إلى غير ذلك من النصوص. و إطلاقها شامل للمستضعف و غيره.

على ما تقدم في المراد منهم.

كما إذا كان الصرف على المخالف بملاحظة مصلحة المؤمن، لأنه في الحقيقة صرف على المؤمن لا على المخالف، فيدخل تحت النصوص المتقدمة و غيرها. أما لو لم يكن كذلك فلا يجوز الصرف من السهم المذكور، لإطلاق النصوص المانعة، التي لا فرق- في لزوم العمل بها- بين سهم سبيل اللّه و غيره. فتأمل جيداً.

بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه. لإطلاق أدلة المنع، و ظهور جملة منها و صراحة آخر في ذلك، كذا في الجواهر.

و كأنه (ره) يشير إلى‌

خبر إبراهيم الأوسي عن الرضا (ع): «سمعت أبي (ع) يقول: كنت عند أبي (ع) يوماً، فأتاه رجل، فقال: إني رجل من

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

275
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين ؛ ج‌9، ص : 276

[ (مسألة 1): تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين]

(مسألة 1): تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين (1)

أهل الري، و لي زكاة، فإلى من أدفعها؟ فقال (ع): إلينا. فقال:

أ ليس الصدقة محرمة عليكم؟ فقال: بلى، إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا. فقال: إني لا أعرف لها أحداً. فقال: انتظر بها سنة. قال:

فان لم أصب لها أحداً؟ قال (ع): انتظر بها سنتين- حتى بلغ أربع سنين- ثمَّ قال له: إن لم تصب لها أحداً فصرها صراراً، و اطرحها في البحر، فان اللّه تعالى حرم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا» «1».

نعم‌

في خبر يعقوب بن شعيب الحداد عن العبد الصالح (ع):

«قال: قلت له: الرجل من يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟ فقال (ع): يضعها في إخوانه و أهل ولايته. قلت: فان لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال: يبعث بها إليهم. قلت: فان لم يجد من يحملها إليهم؟ قال (ع): يدفعها إلى من لا ينصب. قلت: فغيرهم؟ قال (ع):

ما لغيرهم إلا الحجر» «2».

لكن في الجواهر: «أنه مطروح. أو محمول على مستضعف الشيعة أو نحو ذلك ..». و كأنه للإجماعات المتقدمة و النصوص، التي لا يمكن رفع اليد عنها بمثله.

إجماعاً، كما عن جماعة. لجملة من النصوص،

كمصحح أبي بصير: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يموت و يترك العيال، أ يعطون من الزكاة؟

قال (ع): نعم، حتى ينشؤا و يبلغوا و يسألوا من أين كانوا يعيشون إذا قطع ذلك عنهم. فقلت: إنهم لا يعرفون. قال (ع): يحفظ فيهم ميتهم، و يحبب إليهم دين أبيهم، فلا يلبثوا أن يهتموا بدين أبيهم. و إذا

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

276
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين ؛ ج‌9، ص : 276

و مجانينهم (1). من غير فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى، و لا بين المميز و غيره (2). إما بالتمليك بالدفع إلى وليهم (3) و إما بالصرف عليهم مباشرة (4)، أو بتوسط أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي (5)، من الأب و الجد و القيم.

بلغوا و عدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم» «1»

، و‌

خبر عبد الرحمن: «قلت لأبي الحسن (ع): رجل مسلم مملوك، و مولاه رجل مسلم و له مال لم يزكه، و للمملوك ولد حر صغير، أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال (ع): لا بأس» «2».

و نحوهما غيرهما.

بلا خلاف ظاهر. نعم في المستند: إن ثبت الإجماع عليه، و إلا فمحل نظر، لعدم كون المجنون عارفاً. و هو في محله، لظهور النصوص المتقدمة في اختصاصها بالعارف. اللهم إلا أن يدعى انصرافها إلى من كان موضوعاً للتكليف- أعني: البالغ العاقل- و في غيرهما يرجع إلى الإطلاق.

لكن مقتضى ذلك جواز إعطاء مجانين غيرهم أيضاً.

كما صرح بذلك في الجواهر. لإطلاق الأدلة.

بلا إشكال فيه، لأنه المتقين من النص و الإجماع.

كما عن التذكرة و المدارك و غيرهما. لعدم الدليل على لزوم التمليك- لا في سهم الفقراء، و لا في غيره- لإطلاق الأدلة الأولية، كما أشرنا إلى ذلك في مسألة: جواز احتساب الدين على الحي و الميت من الزكاة.

و ما في الجواهر، من ظهور الأدلة- خصوصاً السنة- في ترتب الملك على القبض بالنسبة إلى هذا السهم، غير ظاهر.

حكى في الجواهر عن الكركي في فوائد الشرائع و الكفاية و شرح‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 45 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

277
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا ؛ ج‌9، ص : 278

[ (مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكاً]

(مسألة 2): يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكاً (1) و إن كان يحجر عليه بعد ذلك. كما أنه يجوز الصرف (2) عليه من سهم سبيل اللّه، بل من سهم الفقراء أيضاً، على الأظهر من كونه كسائر السهام أعم من التمليك و الصرف.

المفاتيح للبهبهاني (ره): جواز الدفع لغير الولي ممن يقوم بأمره، مع عدم الولي. ثمَّ قال: «بل ربما ظهر من بعض المعاصرين الميل إلى الجواز ذلك مع التمكن من الولي. و هو أغرب من سابقة، ضرورة منافاتهما معاً للمعلوم من قواعد المذهب بلا مقتض. عدا بعض الاعتبارات التي لا تصلح لأن تكون مدركاً لحكم شرعي، و الإطلاق الذي لم يسق لإرادة تناول ذلك ..».

أقول: إذا كان ظاهر الأدلة الأولية كون الفقراء مصرفاً للزكاة، لا أنها ملك لهم، فمقتضى الإطلاق جواز الصرف على الطفل- و لو بإشباعه إذا كان جائعا- بلا حاجة إلى وليه. و عدم جواز التصرف في الطفل بغير إذن وليه غير ثابت في نحو ذلك، بل يختص بما للولي ولاية عليه من التصرفات الاعتبارية فيه و في ماله، و لا يشمل مطلق الإحسان إليه و البر به لعموم (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) «1».

و المتحصل: أنه إن بني على اختصاص سهم الفقراء بالصرف على وجه التمليك لم يجز إعطاؤه للطفل بلا توسط الولي، لعدم قدرته على التملك بدونه، و كذا إن بني على عموم ولاية الولي لكل تصرف فيه و لو كان براً به و إحساناً اليه. و لو لم نقل بالأمرين جاز صرفه فيه و لو مع التمكن من مراجعة الولي. و هذا هو الأقرب.

لأنه مسلط على مثله، و ليس محجوراً عليه.

يظهر وجهه مما سبق.

______________________________
(1) التوبة: 91.

278
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): الصبي المتولد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن ؛ ج‌9، ص : 279

[ (مسألة 3): الصبي المتولد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن]

(مسألة 3): الصبي المتولد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن (1)، خصوصاً إذا كان هو الأب. نعم لو كان الجد مؤمناً و الأب غير مؤمن، ففيه إشكال. و الأحوط عدم الإعطاء.

[ (مسألة 4): لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين]

(مسألة 4): لا يعطى ابن الزنا (2) من المؤمنين- فضلا عن غيرهم- من هذا السهم.

[ (مسألة 5): لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمَّ استبصر أعادها]

(مسألة 5): لو أعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثمَّ استبصر أعادها (3)، بخلاف الصلاة و الصوم (4) إذا جاء كما عن البيان و المسالك. و كذا المتولد بين المسلم و الكافر، إلحاقاً له بأشرف الأبوين. قال في الجواهر: «و لو لكون الشرف بالنسبة إلى الإسلام و الكفر أتم من الرقية بالنسبة إلى الحرية ..». و الاشكال فيما ذكره ظاهر. نعم إذا كان الأب مؤمناً يدخل في إطلاق النصوص المتقدمة في الطفل. أما لو كانت الأم مؤمنة أو الجد فدخوله محل إشكال، لكون موردها الأب.

لانتفاء بنوته للمؤمن. لكن لم يتضح إطلاق يتضمن ذلك كي يعول عليه في المقام و إن كان مشهوراً.

بلا خلاف يعرف، كما في الجواهر و غيرها، بل قيل: إنه إجماع.

و يشهد له صحيحا بريد و الفضلاء، المتقدمان في اعتبار الايمان و غيرهما «1».

لما في النصوص المتقدمة، من التصريح بعدم لزوم قضائهما.

و ما عن العلامة من الاستشكال في ذلك، من حيث أن الطهارة لم تقع على الوجه الصحيح، و الإفطار منهم قد يقع منهم في غير وقته غريب. إذ كأنه‌

______________________________
(1) لاحظ الأمر الأول من هذا الفصل.

279
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الولي ؛ ج‌9، ص : 280

بهما على وفق مذهبه (1). بل و كذا الحج، و إن كان قد ترك منه ركناً عندنا (2) على الأصح. نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثمَّ استبصر أجزأ (3). و إن كان الأحوط الإعادة أيضاً.

[ (مسألة 6): النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الولي]

(مسألة 6): النية في دفع الزكاة للطفل و المجنون عند الدفع إلى الولي (4) إذا كان على وجه التمليك، و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف.

[ (مسألة 7): استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين]

(مسألة 7): استشكل بعض العلماء (5) في جواز اجتهاد في مقابلة النص، كما في الجواهر.

لأنه منصرف النصوص. و قد تقدم الكلام في ذلك في مبحث قضاء الصلوات.

لإطلاق النصوص المتقدمة و غيرها. و ما عن العلامة: من أنه نص علمائنا على أنه في الحج إذا لم يخل بشي‌ء من أركانه لا يجب عليه الإعادة- و عن الدروس التصريح بذلك- غير ظاهر. و لذا قال في الجواهر: «لم نجد ما يصلح للفرق بينه و بين غيره من العبادات التي عرفت اعتبار عدم الإخلال بها على مذهبه لا مذهبنا. بل ظاهر الأدلة أو صريحها عدم الفرق ..»‌

و ما ذكره (ره) متين جداً.

كما عن غير واحد. تمسكاً بظاهر التعليل. قال في الجواهر:

«و فيه بحث، لمعارضته بإطلاق المعلل. فتأمل جيداً ..». و كأنه أشار بأمره بالتأمل إلى أن إطلاق التعليل مقدم على إطلاق المعلل، لحكومته عليه كما هو ظاهر.

لأنه يكون الإيتاء المعتبر فيه التقرب. و كذا في الصرف.

قال في الحدائق: «نعم يبقى الإشكال في جملة من عوام الشيعة‌

280
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين ؛ ج‌9، ص : 280

إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين، الذين لا يعرفون اللّه إلا بهذا الضعفة العقول، ممن لا يعرفون اللّه سبحانه إلا بهذه الترجمة، حتى لو سئل عنه: من هو؟ فربما قال: محمد، أو علي، و لا يعرف الأئمة (ع) كملا.

أو لا يعرف شيئاً من المعارف الخمس أصلا، فضلا عن التصديق بها.

و الظاهر أن مثل هؤلاء لا يحكم بايمانهم، و إن حكم بإسلامهم. و إجراء أحكام الإسلام في الدنيا، و أما في الآخرة فهم من المرجئين لأمر اللّه تعالى إِمّٰا يُعَذِّبُهُمْ، وَ إِمّٰا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ. و في إعطاء هؤلاء من الزكاة إشكال، لاشتراط ذلك بالايمان، و هو غير ثابت .. (إلى أن قال): و بالجملة:

الأقرب عندي عدم جواز إعطائهم ..».

قال في المستند- بعد نقل ذلك-: «و هو كذلك، إذ موضع الزكاة من يعرف صاحب هذا الأمر، و من كان من أهل الولاية. و من لم يعرف الأئمة، أو واحداً منهم، أو النبي (ص) لا يصدق عليه أنه يعرف صاحب هذا الأمر، و لا يعلم أنه من أهل الولاية و أنه العارف. بل و كذلك لو عرف الكل بأسمائهم فقط- يعني: مجرد اللفظ- و لم يعرف أنه من هو، و ابن من، إذ لا يصدق عليه أنه يعرفه، و لا يتميز عن غيره. و الحاصل: أنه يشترط معرفته بحيث يعينه في شخصه، و يميزه عن غيره. و كذا من لا يعرف الترتيب في خلافتهم. و لو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، فهل يشترط في الإعطاء الفحص عنه؟ الظاهر نعم، إذا احتمل في حقه عدم المعرفة، و لا يكفي الإقرار الإجمالي: بأني مسلم مؤمن إثنا عشري. و لو علمنا أنه يعرف النبي (ص) و الأئمة بأسمائهم الشريفة، و أنسابهم المنيفة، و ترتيبهم و أقر بما يجب الإقرار به في حقهم، فهل يجب الفحص عن حاله أنه هل هو مجرد إقرار، أو مذعن بما يعترف و معتقد له؟ لا يجب، لأنه خلاف سيرة العلماء ..».

281
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ؛ ج‌9، ص : 282

اللفظ، أو النبي، أو الأئمة كلا أو بعضاً، أو شيئاً من المعارف الخمس. و استقرب عدم الاجزاء. بل ذكر بعض آخر: أنه لا يكفي معرفة الأئمة بأسمائهم، بل لا بد في كل واحد أن يعرف أنه من هو، و ابن من. فيشترط تعيينه و تمييزه عن غيره، و أن يعرف الترتيب في خلافتهم. و لو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا، يعتبر الفحص عن حاله، و لا يكفي الإقرار الإجمالي: بأني مسلم مؤمن إثنا عشري.

و ما ذكروه مشكل جداً، بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي (1) و إن لم يعرف أسماءهم أيضاً، فضلا عن أسماء آبائهم، و الترتيب في خلافتهم. لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنه من المؤمنين الاثني عشريين. و أما إذا كان بمجرد الدعوى، و لم يعلم صدقه و كذبه، فيجب الفحص عنه (2).

[ (مسألة 8): لو اعتقد كونه مؤمناً فأعطاه الزكاة]

(مسألة 8): لو اعتقد كونه مؤمناً فأعطاه الزكاة ثمَّ تبين خلافه فالأقوى عدم الإجزاء (3).

لكفاية ذلك في كون المقر من أهل الولاية، و من الشيعة، و من أصحابنا، و نحو ذلك من العناوين المذكورة في النصوص موضوعاً لها.

خلافاً لما في المستند، من قبول الدعوى، استناداً إلى سيرة العلماء و لعدم إمكان العلم بحاله، إذ غاية ما يمكن الفحص عنه طلب الدليل منه، فيمكن أن لا يكون مذعناً به. و هو متين جداً. و العمدة: استقرار السيرة- من العلماء و غيرهم- على قبول إقراره، كما هو ظاهر.

يعرف الكلام فيه مما تقدم في نظيره، فيما لو أعطاه باعتقاد الفقر فبان كونه غنياً. فراجع.

282
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح ؛ ج‌9، ص : 283

[الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح]

الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع (1) إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح، فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي خصوصاً إذا كان تركه ردعاً له عنها و الأقوى عدم اشتراط العدالة و لا عدم ارتكاب الكبائر، و لا عدم كونه شارب الخمر.

المحكي عن الشيخ في المبسوط و الخلاف و غيرهما، و الحلبي و القاضي و ابني حمزة و زهرة و الحلي: اعتبار العدالة في مستحق الزكاة. و نسب إلى ظاهر المفيد. و عن الغنية: الإجماع عليه، و عن التنقيح: نسبته إلى المشايخ الثلاثة و أتباعهم و استدل له: بالإجماع تارة، و بقاعدة الاشتغال أخرى.

و بأن الفاسق ليس بمؤمن، لمقابلته بالمؤمن مفهوماً و حكماً. و بما تضمن النهي عن الركون إلى الظالمين و معاونتهم و موادتهم. و الجميع كما ترى.

و قيل باعتبار مجانبة الكبائر، كالخمر و الزنا، و نسب إلى السيد في الانتصار و الجمل، و الى الشيخ في الاقتصاد. و استدل له أيضاً بالوجوه المذكورة. و بما‌

في خبر أبي خديجة، من قوله (ع): «فليقسمها في قوم ليس بهم بأس، أعفاء عن المسألة، لا يسألون أحداً شيئاً» «1».

و بما‌

في خبر محمد بن سنان عن الرضا (ع) في علة الزكاة، قال (ع): «مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف و العطف على أهل المسكنة، و الحث لهم على المواساة و تقوية الفقراء، و المعونة لهم على أمر الدين ..» «2».

و الجميع أيضاً كما ترى.

أما‌

مضمرة داود الصرمي: «سألته عن شارب الخمر، يعطى من الزكاة شيئاً؟ قال (ع): لا» «3».

فالاستدلال بها يتوقف أولا: على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

283
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح ؛ ج‌9، ص : 283

.....

عدم الفصل. و ثانياً: على كون المراد من موضوع المنع عدم ملكة الاجتناب و كلاهما غير ظاهر. مضافاً إلى ضعف السند، و عدم ثبوت الانجبار، كما يظهر من ملاحظة أدلة القولين. و كأنه لأجل ذلك كان مذهب ابني بابويه و الفاضلين و جمهور المتأخرين- على ما حكي عنهم- عدم اعتبار شي‌ء من ذلك، عملا بإطلاق الأدلة. و‌

في مرسل العلل: «قلت للرجل- يعني أبا الحسن (ع): ما حد المؤمن الذي يعطى من الزكاة؟ قال (ع): يعطى المؤمن ثلاثة آلاف، ثمَّ قال: أو عشرة آلاف. و يعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة اللّٰه، و الفاجر في معصية اللّه «1».

و‌

في حسنة الحلبي- المروية عن رجال الكشي-: «سمعت أبا عبد اللّٰه (ع)- و سأله إنسان- فقال: إني كنت أنيل البهيمية من زكاة مالي حتى سمعتك تقول فيهم، فأعطيهم أم أكف؟ قال: بل أعطهم، فإن اللّٰه حرم أهل هذا الأمر على النار» «2».

و في المطلقات القوية الإطلاق كفاية.

و أما ما ذكره المصنف فتقتضيه الأدلة الأولية، من الكتاب و السنة المتضمنة للنهي عن الإعانة على الإثم و العدوان و الإغراء بالقبيح، غير المختصة بمقام دون مقام. لكن يبقى الإشكال في صدق الإعانة بمجرد فعل المقدمة من دون قصد ترتب المعصية عليها. و كذا الإشكال في صدق الإغراء بالقبيح بمجرد ذلك، بلا تحريض على المعصية، و لا بعث إليها، كما يقتضيه مفهوم الإغراء. فإذا منع من صدقهما بدون ذلك، أشكل المنع من إعطائها لمن يصرفها في المعاصي مع عدم قصد المعصية و لا بعث إليها و حمل عليها.

نعم إذا كان تركه ردعاً عن المعصية وجب، فيحرم الإعطاء، لما يستفاد مما دل على وجوب النهي عن المنكر من لزوم الحيلولة بين المنكر و فاعله‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 16.

284
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح ؛ ج‌9، ص : 283

فيجوز دفعها إلى الفساق، و مرتكبي الكبائر، و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الايمان. و إن كان الأحوط اشتراطها. بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر.

نعم يشترط العدالة في العاملين على الأحوط (1). و لا يشترط في المؤلفة قلوبهم (2)، بل و لا في سهم سبيل اللّه (3)، بل و لا في الرقاب. و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.

من دون فرق بين الحدوث و البقاء.

و الفرق بين هذا و ما قبله: أن ترك الإعطاء فيما قبله إنما يمنع من دخله في ترتب المعصية، لا عدم وقوع المعصية أصلا، لإمكان ترتبها بتوسط مقمدة أخرى غيره، من اتهاب أو قرض أو نحوهما. بخلاف ترك الإعطاء هنا، فإنه موجب لعدم تحقق المعصية أصلا، لعدم وجود مقدمة أخرى سواه.

لما عن الإرشاد و الدروس و المهذب البارع و الروضة و المفاتيح و غيرها، من الإجماع على اعتبارها فيهم. قال في الجواهر: «و هو الحجة بعد اعتضاده بالتتبع، و بما في العمالة من تضمن الاستئمان. و قد سمعت ما في الصحيح: من أنه لا يوكل بها إلا ناصحاً شفيقاً أميناً، و لا أمانة لغير العدل ..». لكن عرفت الإشكال في الاعتماد على الصحيح، فان الاستئمان أعم من العدالة. مع أن الإجماع على اعتبار العدالة في العامل حين العمل لا يقتضي اعتبارها فيه حين الإعطاء من الزكاة، لاختلاف الزمانين. فلو كان حين العمل عادلا، و بعد قيامه بالعمل فسق، فالإجماع- المتقدم في لسان الجماعة- لا يقتضي منعه من الزكاة.

على ما عرفت من المراد منهم، الذي لا يناسبه اعتبارها.

للإطلاق فيه و في غيره من الأصناف، من دون ظهور مقيد.

285
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل ؛ ج‌9، ص : 286

 

[ (مسألة 9): الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل]

(مسألة 9): الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل، و الأفضل فالأفضل، و الأحوج فالاحوج (1). و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهم، المختلف ذلك بحسب المقامات.

[الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي]

الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي، كالأبوين و إن علوا، و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو من الإناث، و الزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية، و المملوك، سواء كان آبقاً أو مطيعاً. فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للإنفاق (2)، بل نعم مقتضى بعض الوجوه- المتقدمة في اعتبارها في الفقراء- اعتبارها في الجميع. فلاحظ.

لما يفهم من النصوص من رجحان ملاحظة الترجيح في إعطائها‌

كخبر عبد اللّه بن عجلان السكوني: «قلت لأبي جعفر (ع): إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ فقال (ع):

أعطهم على الهجرة في الدين، و الفقه، و العقل» «1»

، و‌

صحيح ابن الحجاج: «سألت أبا الحسن (ع) عن الزكاة، يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره؟ فقال (ع): نعم، يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل» «2».

مضافاً إلى أن الترجيح بمثل ذلك مقتضى القواعد الأولية.

إجماعاً، كما عن غير واحد، مع قدرة المنفق و بذله. و تشهد به النصوص،

كصحيح ابن الحجاج عن أبي عبد اللّه (ع)، قال (ع): «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب، و الأم، و الولد، و المملوك،

______________________________
(1) الوسائل باب: 25 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

 

286
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي ؛ ج‌9، ص : 286

و لا للتوسعة على الأحوط. و إن كان لا يبعد جوازه (1)،

و المرأة. و ذلك انهم عياله و لازمون له» «1»

و نحوه المرفوع إليه (ع) معللا: بأنه يجبر على النفقة عليهم «2» و‌

في مصحح إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى (ع): «قلت: فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ قال (ع): أبوك و أمك. قلت: أبي و أمي؟

قال (ع): الوالدان و الولد» «3».

و نحوهما غيرهما.

نعم يعارضها‌

مكاتبة عمران بن إسماعيل القمي: «كتبت الى أبي الحسن الثالث (ع): إن لي ولداً، رجلا و نساء، أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب (ع): إن ذلك جائز لك» «4»

، و‌

المرسل عن محمد بن جزك: «سألت الصادق (ع): أدفع عشر مالي إلى ولد ابنتي؟ قال (ع): نعم، لا بأس» «5».

و كأنه لأجلهما اختار في كشف الغطاء كون المنع- في غير المملوك و الزوجة- على الندب. لكنه لا يخلو من إشكال، لإعراض الأصحاب عنهما، و حكاية الإجماع مستفيضاً على خلافهما.

كما عن المحقق و الشهيد الثانيين، و ربما نسب إلى غيرهما. لإطلاق الأدلة. و‌

لموثق سماعة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها، و قد وجب عليه فيها الزكاة، و يكون فضله- الذي يكسب بماله- كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم، و لا يسعه لأدمهم، و إنما هو ما يقوته في الطعام و الكسوة. قال (ع): فلينظر إلى زكاة ماله ذلك

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

287
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي ؛ ج‌9، ص : 286

.....

فليخرج منها شيئاً- قل أو كثر- فيعطيه بعض من تحل له الزكاة، و ليعد ما بقي من الزكاة على عياله، فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم ..» «1»

، و‌

مصحح إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

رجل له ثمانمائة، و لابن له مائتا درهم، و له عشر من العيال، و هو يقوتهم فيها قوتاً شديداً، و ليس له حرفة بيده. إنما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثمَّ يأكل من فضلها، أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتسع عليهم بها النفقة؟ قال (ع): نعم» «2».

و قريب منهما خبر أبي خديجة «3».

لكن الإطلاق مقيد بما دل على المنع من إعطاء واجبي النفقة، مما عرفت. و الأخبار المذكورة ظاهرة في زكاة مال التجارة، و التعدي منها إلى الزكاة الواجبة غير ظاهر. و لا سيما مع قرب احتمال أن يكون ذلك من باب ترجيح التوسعة على العيال على أداء زكاة مال التجارة. مضافاً إلى أن موردها صورة عدم القدرة على الإنفاق اللازم، و أن دفع الزكاة لتتميمه لا للتوسعة. و دعوى: أن أدلة المنع من إعطاء واجب النفقة- بقرينة التعليل- مختصة بالدفع للقوت اللازم، فلا تشمل الدفع للتوسعة. مندفعة:

بأن الظاهر من التعليل- بقرينة ما في صدر الصحيح، من عدم جواز إعطائهم شيئاً- أن لزومهم له مانع من كونهم موضوعاً للزكاة، و مخرج لهم عن الفقر إلى الغني و لو تعبداً. و كأنه لذلك يشكل أخذ الزكاة من غير المنفق.

هذا و الانصاف يقتضي المنع من ظهوره في ذلك، إذ من الجائز أن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

288
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر و أما من غيره ؛ ج‌9، ص : 289

إذا لم يكن عنده ما يوسع به عليهم (1). نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه (2)، كالزوجة للوالد، أو الولد و المملوك لهما مثلا.

[ (مسألة 10): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر. و أما من غيره]

(مسألة 10): الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء، و لأجل الفقر. و أما من غيره من السهام، كسهم العاملين إذا كان منهم، أو الغارمين، أو المؤلفة قلوبهم أو سبيل اللّه، أو ابن السبيل، أو الرقاب إذا كان من أحد يكون الوجه في منع لزومهم له من جواز الإعطاء عدم التداخل، الذي يوافقه الارتكاز العقلائي، و لأجله بني على أصالة عدم التداخل. و الحمل على الأول- مع أنه يتوقف على صدق الغنى بمجرد لزوم النفقة، و هو ممنوع كما سبق- أنه يتوقف على مقدمة أخرى مطوية، و هي عدم جواز إعطاء الغني، و ذلك خلاف الأصل في التعليل. نعم لو بني على إجمال التعليل و احتماله لكل من المعنيين يسقط الحديث المشتمل عليه عن صلاحية التمسك به في المقام، فيرجع حينئذ إلى عموم مثل مصحح إسحاق بن عمار الخالي عنه. و مقتضى ذلك البناء على عدم جواز إعطاء المنفق لواجب النفقة مطلقاً و لو كان للتوسعة.

هذا القيد غير ظاهر اعتباره على تقدير جواز الدفع إليهم اعتماداً على التعليل. نعم لو كان المستند النصوص فاعتباره في محله، لأن موردها صورة العجز.

كما عن المسالك و المدارك، و اختاره في الجواهر و غيرها. لإطلاق الأدلة. و اختصاص أدلة المنع بغير ذلك، إذ التعليل- على أي المعنيين السابقين حمل- لم يقتض المنع عن إعطاء الزكاة لذلك، كما هو ظاهر.

و يمكن أن يستفاد من صحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن (ع) الآتي «1».

______________________________
(1) لاحظ المسألة: 11 من هذا الفصل.

289
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ؛ ج‌9، ص : 290

المذكورات فلا مانع منه (1).

[ (مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه]

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه، إذا لم يكن قادراً (2) على إنفاقه، أو كان قادراً و لكن لم يكن باذلًا. و أما إذا كان باذلًا فيشكل الدفع إليه (3) و إن كان فقيراً، كأبناء الأغنياء بلا خلاف معتد به، كما لا إشكال فيه، كذا في الجواهر. و عن الذخيرة: أنه مقطوع به بين الأصحاب، و عن الحدائق: نفي الاشكال فيه، و عن غيرها: نفي الخلاف فيه. و يقتضيه: عموم الأدلة. و قصور أدلة المنع عن شمول ذلك، كالتعليل فيها على أي معنييه حمل. إذ المفروض أن الإعطاء ليس للنفقة. مضافاً إلى ما دل على جواز قضاء دين الأب من سهم الغارمين، و اشتراء الأب من سهم الرقاب و أنه خير رقبة، كما في خبر الوابشي «1».

كما عن صريح جماعة. بل عن المدارك: أنه كذلك قولا واحداً.

و يقتضيه: إطلاق الأدلة بلا مقيد. و يستفاد من صحيح ابن الحجاج الآتي.

و كذا الحال مع قدرة المنفق و عدم بذله لها.

بل عن التذكرة و مجمع البرهان و شرح المفاتيح: المنع، لحصول الكفاية، الموجب لصدق الغنى. و لإطلاق بعض نصوص المنع من إعطاء واجب النفقة- المتقدم بعضها- الشامل لغير المنفق، مثل ما‌

في صحيح ابن الحجاج: «خمسة لا يعطون من الزكاة ..» «2»

، و ما‌

في رواية الشحام: «لا يعطى الجد و الجدة ..» «3».

بل يمكن الاستدلال له بالتعليل، بناء على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) تقدم ذلك في الثالث من أوصاف المستحقين من هذا الفصل.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

290
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ؛ ج‌9، ص : 290

.....

أن ظهوره في اللزوم يوجب خروجه عن موضوع الفقر. لكن فيه: ما عرفت من ظهوره في غير ذلك. و أما إطلاق بعض النصوص فدعواه غريبة، إذ الظاهر من قول القائل: «لا يعطى الجد»، أو «لا يعطى الأب» أنه لا يعطى جد المعطى و أبوه، فالحكم مختص بالمنفق و لا يشمل غيره. و أما صدق الغنى بحصول الكفاية فيمكن منعه، و لذا لمن يكن إشكال ظاهر في جواز إعطاء عيال الموسر الباذل إذا لم يكن واجب النفقة عليه، و الفرق بينهما باللزوم و عدمه غير فارق.

و لما ذكرنا اختار الجواز جماعة، منهم العلامة في جملة من كتبه، و الشهيد في الدروس و البيان، و المحقق الثاني في فوائد الشرائع، و السيد في المدارك على ما حكي، بل عن الحدائق: نسبته إلى الأكثر. و استدل لهم‌

بصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول (ع) قال: «سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته، أ يأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج إليه؟ فقال (ع): لا بأس» «1».

و فيه نظر، لظهوره في صورة عدم قيامهم بكل ما يحتاج اليه، كدين عليه أو نفقة لازمة له و نحوهما، فلا يكون مما نحن فيه. و استدل له أيضاً:

بأن الفقر أخذ موضوعاً لوجوب الإنفاق و لوجوب الزكاة، فكما لا ينتفي ببذل الزكاة بحيث يخرج عن موضوع الإنفاق، كذلك لا ينتفي ببذل النفقة بحيث يخرج عن موضوع الزكاة.

و قد يجاب: بأن موضوع الإنفاق عدم القدرة على مئونة نفسه، و هو غير حاصل ببذل الزكاة. و موضوع الزكاة الحاجة و الفقر، و هو يرتفع بتملكه على غيره المؤنة و لو بالتكليف ببذلها. و يمكن أن يخدش: بأن الأولى الحكم بعكس ما ذكر، لأن موضوع الزكاة الفقير و هو حاصل. و مجرد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

291
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ؛ ج‌9، ص : 290

.....

لزوم الإنفاق عليه غير كاف في صدق الغني عليه، إذا الغني من يملك فعلا أو قوة- و لو لأجل كونه ذا حرفة أو صنعة- مئونته، و هو غير حاصل في المقام. و مجرد لزوم الإنفاق شرعاً غير كاف في تحقق الملك، أما وجوب الإنفاق فموضوعه عدم القدرة على النفقة- كما قرر المجيب- و هو غير حاصل مع بذل الزكاة له. و لذلك احتمل في شرح النافع: عدم وجوب الإنفاق على من بذلت الزكاة له، و إن استقربه في الجواهر. لكنه غير ظاهر، إذ ليس في أدلة وجوب الإنفاق إطلاق يرجع إليه عند الشك، كما يظهر بالسبر لنصوصه، فإنها واردة في غير مورد تشريعه، بل في مورد آخر. فمع الشك في موضوع الإنفاق يقتصر على المتيقن، و لا يقين بوجوبه مع بذل الزكاة و عدم المانع من التعيش بها.

و من هنا يظهر لك الفرق بين عدم القدرة على النفقة في موضوع الزكاة و بينه في موضوع الإنفاق، إذ القدرة في الأول يراد منها القدرة بالنظر إلى نفسه و شؤونه- من ملك، أو قوة، أو صنعة، أو نحوها- لا غير، و في الثاني يراد بها القدرة و لو لأجل البذل- فمن كان عاجزاً عن التعيش بكل الوجوه لعدم المال و القوة، و قد بذلت له المؤنة- زكاة، أو خمساً، لم يكتف ببذل الزكاة في الخروج عن موضوعه. و إلا تعين العمل على ما ذكرنا.

هذا و على ما ذكر في المتن يشكل ما استقر عليه العمل في هذه الأعصار من إعطاء الحقوق- من الكفارات و غيرها- للعيال، صغيرهم و كبيرهم، مع أن أكثر الصغار قد بذلت لهم النفقة اللازمة لهم، بل و أكثر منها. اللهم إلا أن يبنى على عدم اللزوم مع فرض فقر المنفق، لاعتبار الغنى فيه.

و إن كان الذي نص عليه في الشرائع- و يظهر منهم الاتفاق عليه- هو‌

292
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ؛ ج‌9، ص : 290

إذا لم يكن عندهم شي‌ء. بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى زوجة الموسر الباذل (1). بل لا يبعد عدم جوازه الاكتفاء بالقدرة و لو بالاتهاب و السؤال. لكنه خلاف مقتضى أصالة البراءة و قد عرفت: أنه لا إطلاق في أدلة الوجوب يرجع إليه عند الشك. و قوله تعالى: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ..» «1». لا إطلاق له من الحيثية التي نحن فيها، و إنما هو في مقام بيان وجوب دفع الأجرة في فرض وقوع الإجارة بينها و بين الوالد، التي هي في فرض وجوب النفقة عليه. هذا و لكن الالتزام بذلك بعيد جداً، بل لا يظن الالتزام من أحد:

بأن الولد العاجز عن المؤنة من كل وجه لا تجب نفقته على أبيه إذا كان أبوه فقيراً شرعاً، و أن نسبته إلى أبيه كنسبته إلى غيره من الأجانب.

و كذا الحال في غيره من واجب النفقة.

و الأولى أن يقال: إن نفقة القريب و إن لم تكن كنفقة الزوجة في كونها مملوكة على المنفق، إلا أنها ليست تكليفاً محضاً، بل ناشئة عن حق الإنفاق، و لذا يطالب عند الامتناع، و يرفع أمره إلى الحاكم، و يستدين الحاكم على ذمة المنفق مع تعذر إلزامه بالنفقة. و مثل هذا الحق كاف في إلحاقه بالزوجة في صدق الغنى مع البذل. نعم العمدة في الاشكال: عدم ظهور الدليل على وجوب الإنفاق في ظرف بذل الزكاة لواجب النفقة.

و مانعية وجوب الإنفاق من جواز إعطاء الزكاة من المنفق لا يقتضي ذلك بالإضافة إلى غيره، لاحتمال وجود الفارق، فلا مجال للتعدي عن مورد النصوص. و الكلام في ذلك موكول إلى محله.

فان من جوز الدفع إلى القريب مع بذل قريبه المنفق و يساره لم يجوزه في الزوجة، بل في الجواهر: «لكن الإجماع على عدم جواز تناولها‌

______________________________
(1) الطلاق: 6.

293
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه ؛ ج‌9، ص : 290

مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعاً منه (1).

بل الأحوط عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم (2) مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضاً.

- مع يسار الزوج و بذله- يمكن تحصيله، و إن احتمل بعض الناس الجواز أيضاً ..». و كأنه وجه ما ذكره بعض الناس: أنها إنما تملك النفقة على الزوج يوماً فيوماً، لا أنها تملك مئونة السنة. و فيه: أنه يمكن إلحاقها بذي الصنعة، الذي يظهر من دليل منعه من الزكاة أن المراد من الفقير الفقير بالفعل و القوة، و أن ذا الصنعة غني بالقوة باعتبار ما هو فيه من الاستعداد، فتكون الزوجة من أفراده، و ليس ذلك من القياس. و قد عرفت أن الإنفاق على القريب أيضاً كذلك، باعتبار ثبوت حق الإنفاق له على المنفق، فالفرق ينبغي أن يكون من جهة عدم ثبوت وجوب الإنفاق مع بذل الزكاة في القريب، و ثبوته في الزوجة. فتأمل جيداً.

إذ الامتناع مع إمكان الإجبار لا يوجب انتفاء الغنى بالقوة، كامتناع المديون مع إمكان الدائن إجباره على أداء دينه. نعم مع صعوبة الإجبار، و عدم إقدام أمثالها عليه يجوز دفع الزكاة إليها، كصورة التعذر على ما سبق في نظيره في بعض مسائل الفصل السابق.

الاشكال فيه يبتني على الإشكال في جواز الدفع للنفقة، فإنه إن جاز جاز، و إن لم يجز- لعدم صدق الفقير- لم يجز، إذ الغني لا يجوز الدفع إليه و لو للتوسعة. و التفكيك بين النفقة و التوسعة- في صدق الفقر و الغني- غير ظاهر. نعم حكي عن ظاهر جماعة: جواز الأخذ للتوسعة و إن لم يجز للإنفاق، لصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول (ع) المتقدم «1». لكن عرفت أنه ليس مما نحن فيه، بل هو في صورة عدم‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في أول المسألة.

294
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها ؛ ج‌9، ص : 295

[ (مسألة 12): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها]

(مسألة 12): يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها (1)، سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره، و سواء كان للإنفاق أو للتوسعة. و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة، مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه. نعم لو وجبت نفقة المتمتع بها على الزوج- من جهة الشرط أو نحوه- لا يجوز الدفع إليها (2)، مع يسار الزوج (3).

قيام المنفق بتمام ما يحتاج اليه، و إن كان قائما بالنفقة اللازمة عليه.

و مما ذكرنا يظهر أنه لا فرق- في المنع و الجواز- بين بذل المنفق مقدار التوسعة و عدمه، لأن المعيار في الفقر و الغني خصوص النفقة اللازمة دون التوسعة، كما لعله ظاهر. فالإشكال- إن تمَّ- مطرد في الصورتين جميعاً. و اللّه سبحانه أعلم.

لعدم وجوب نفقتها. و حكي القول بالمنع عن بعض، لإطلاق بعض النصوص. و فيه: أن التعليل بلزوم النفقة حاكم على ذلك الإطلاق، فيقيد به. و منه يظهر الحال في الدائمة المشروط سقوط نفقتها.

للزوم نفقتها، فتدخل في عموم التعليل. و احتمال انصراف اللزوم في التعليل إلى خصوص اللزوم الأصلي ممنوع. و لا سيما و كون اللزوم في الموارد المذكورة يمكن أن يكون من العارض.

مجرد اليسار غير كاف في المنع، مع امتناعه عن البذل، و تعذر إجباره عليه، فلا بد حينئذ من بذله و يساره، فلو انتفى أحدهما جاز إعطاء الغير إياها. أما إعطاء الزوج فيكفي في المنع عنه اليسار فقط، لثبوت اللزوم حينئذ المانع من جواز الإعطاء، فلو أعسر جاز إعطاؤه إياها، لارتفاع اللزوم الفعلي عنه، بناء على أنه الظاهر من اللزوم في النص و الفتوى‌

295
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز ؛ ج‌9، ص : 296

[ (مسألة 13): يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز]

(مسألة 13): يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز، لتمكنها من تحصيلها بتركه (1).

[ (مسألة 14): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج]

(مسألة 14): يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج (2) و إن أنفقها عليها. و كذا غيرها ممن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية (3).

[ (مسألة 15): إذا عال بأحد تبرعاً جاز له دفع زكاته له]

(مسألة 15): إذا عال بأحد تبرعاً جاز له دفع زكاته له، فضلا عن غيره (4)، للإنفاق أو التوسعة. من غير فرق و إن كان هو خلاف ظاهر المصنف (ره) في المسألة التاسعة عشرة.

قال في المعتبر: «لا تعطى الزوجة من سهم الفقراء و المسكنة- مطيعة كانت أم عاصية- إجماعاً، لتمكنها من النفقة ..». لكن التعليل المذكور إنما يجدي في المنع لو كان المانع من إعطاء المطيعة عدم صدق الفقير، كما هو كذلك بالنسبة إلى إعطاء الأجنبي. أما لو كان اللزوم نفسه- كما هو كذلك بالنسبة إلى إعطاء الزوج- جاز إعطاؤه إياها بالنشوز و إن أمكن لها رفعه. إلا أن يكون إمكان الرفع موجباً لصدق الغنى، كما في الأجنبي.

لإطلاق الأدلة. و ما عن ابن بابويه من المنع غير ظاهر. و مثله:

ما عن الإسكافي من جواز الدفع، لكن لا يجوز له إنفاقه عليها و على ولدها.

للإطلاق أيضاً.

إجماعاً، كما عن المدارك. لإطلاق الأدلة. و أما‌

رواية أبي خديجة: «لا يعطي الزكاة أحداً ممن يعول» «1»

فمحمولة على واجب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

296
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): يستحب إعطاء الزكاة للأقارب، مع حاجتهم و فقرهم ؛ ج‌9، ص : 297

بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه- كالأخ، و أولاده، و العم، و الخال و أولادهم- و بين الأجنبي (1)، و من غير فرق بين كونه وارثاً له- لعدم الولد مثلا- و عدمه (2).

[ (مسألة 16): يستحب إعطاء الزكاة للأقارب، مع حاجتهم و فقرهم]

(مسألة 16): يستحب إعطاء الزكاة للأقارب (3)، مع حاجتهم و فقرهم، و عدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه.

ففي الخبر (4): أي الصدقة أفضل؟ قال (ع): على ذي

النفقة. أو على الاستحباب.

إجماعاً، نصاً و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، كذا في الجواهر.

بلا خلاف ظاهر. و عن بعض العاملة: المنع منه في الأول، بناء منه على أن الوارث نفقته على الموروث. و هو معلوم البطلان، كذا في الجواهر.

ففي موثق إسحاق عن أبي الحسن موسى (ع): «قلت له:

لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل بعضهم على بعض، فيأتيني إبان زكاتي أ فأعطيهم منها؟ قال (ع): مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال (ع):

هم أفضل من غيرهم، أعطهم» «1».

روى السكوني عن أبي عبد اللّٰه (ع)، قال: «سئل رسول اللّٰه (ص):

أي الصدقة أفضل؟ قال (ص): على ذي الرحم الكاشح» «2»

قال في مجمع البحرين: «الكاشح، هو الذي يضمر لك العداوة، و يطوي عليها كشحه، أي: باطنه. من قولهم: «كشحح له بالعداوة» إذا أضمرها له. و إن شئت قلت: هو العدو الذي أعرض عنك و ولاك كشحه ..».

لكن دلالتها على ما نحن فيه غير ظاهرة، لأنها أخص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة حديث: 1.

297
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج ؛ ج‌9، ص : 298

الرحم الكاشح».

و

في آخر: «لا صدقة و ذو رحم محتاج» (1).

[ (مسألة 17): يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج]

(مسألة 17): يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج (2). و كذا العكس.

[ (مسألة 18): يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته]

(مسألة 18): يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء (3). كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل اللّه (4).

[ (مسألة 19): لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه]

(مسألة 19): لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادراً على إنفاقه أو عاجزاً (5) هذا مرسل الفقيه «1».

لإطلاق الأدلة. و عدم شمول أدلة المنع لذلك، لعدم لزوم نفقة التزويج على المنفق. و حينئذ فإن كان التزويج محتاجاً إليه، فلا ينبغي التأمل في جواز كون الدفع من سهم الفقراء، حتى لو كان مفاد التعليل في نصوص المنع الإخراج عن عنوان الفقراء، لاختصاصه بغير الفرض، و هو الظاهر من صحيح ابن الحجاج المتقدم. و إن لم يكن محتاجاً إليه، فالدفع اليه من سهم الفقراء موقوف على جواز الدفع للتوسعة، الذي تقدم الكلام فيه.

نعم لا ينبغي التأمل في جواز الدفع من سهم سبيل اللّه، لكون التزويج منه.

لكونه منهم، لأجل حاجته، كما سبق.

لأنها منه. بل و من سهم الفقراء، بناء على جواز الدفع إليه للتوسعة، فإن شراء الكتب منها، كما لا يخفى.

لإطلاق الأخبار، و معاقد الإجماعات المانعة من دفع الزكاة إلى واجب النفقة. و يشكل: بأن انتفاء القدرة رافع للتكليف، فلا يصدق‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة حديث: 4.

298
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه ؛ ج‌9، ص : 298

كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام (1)، فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضاً و إن كان يجوز لغير الإنفاق. و كذا لا فرق- على الظاهر الأحوط- بين إتمام ما يجب عليه و بين إعطاء تمامه، و إن حكي عن جماعة (2): أنه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه، أنهم لازمون له، و لا أنه يجبر على نفقتهم، المعلل به الحكم بالمنع. بل لو قيل: بأن القدرة شرط شرعي لوجوب نفقة الأقارب- كما يقتضيه ظاهر الكلمات- فالجواز أوضح، لانتفاء الملاك بانتفائها. و كأنه لذلك احتمل غير واحد في روايتي عمران القمي و محمد بن جزك المتقدمتين «1» حملهما على صورة عجز المنفق. فاذاً القول بجواز أخذ الزكاة من المنفق- كغيره- للنفقة أوفق بالعمومات.

لإطلاق ما دل على المنع. نعم يختص ذلك بالنفقة اللازمة، و لا يجري في غيرها، كما سبق في المسألة العاشرة.

قال في المستند: «صرح به جماعة، بل من غير خلاف يوجد كما قيل ..». ثمَّ استدل له‌

برواية أبي بصير: «عن رجل من أصحابنا له ثمانمائة درهم، و هو رجل خفاف، و له عيال كثير، إله أن يأخذ من الزكاة؟

.. (إلى أن قال):

قلت: فعليه في ماله زكاة تلزمه؟ قال (ع): بلى.

قلت: كيف يصنع؟ قال: يوسع بها على عياله في طعامهم و كسوتهم، و يبقي منها شيئاً يناوله غيرهم» «2»

، و بموثق سماعة، و مصحح إسحاق المتقدمين في مسألة إعطاء المنفق زكاته لواجب النفقة للتوسعة، التي قد عرفت اختصاصها- كرواية أبي بصير- بزكاة مال التجارة. لا أقل من عدم.

______________________________
(1) لاحظ الروايتين في الثالث من أوصاف المستحقين.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

299
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه ؛ ج‌9، ص : 298

جاز له إعطاء البقية، كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم لإطلاق بعض الاخبار الواردة في التوسعة (1)، بدعوى شمولها للتتمة، لأنها أيضاً نوع من التوسعة (2). لكنه مشكل، فلا يترك الاحتياط بترك الإعطاء.

ظهورها في الواجبة- لا عموماً، و لا خصوصاً- إذا الجميع من قبيل المقرون بما يصلح للقرينية، فالتمسك بها على المقام غير ظاهر.

قد عرفت الإشكال في استظهار ورودها في التوسعة، فإن مصحح إسحاق ذكر فيه القوت الشديد، و هو دون النفقة اللازمة. و موثق سماعة ذكر فيه: أن فضل ماله لا يسع لأدمهم، و الإدام جزء من النفقة اللازمة نعم رواية أبي بصير ظاهرة في التوسعة، لاشتمال صدرها على زيادة الربح عن القوت.

هذا الجواب ذكره في المستند. و هو كما ترى. و بالجملة:

الاستدلال على الحكم المذكور بهذه الروايات غير ظاهر. و لا سيما بملاحظة كون مورد الأخيرين العجز عن إتمام القوت اللازم من الربح مطلقاً، كما هو محل الكلام.

نعم يمكن الاستدلال عليه- مضافاً إلى إطلاق الأدلة، كما في صورة العجز عن أصل النفقة-

بصحيح ابن الحجاج عن أبي الحسن الأول (ع) المتقدم، قال: «سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسع به إن كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاج اليه؟

فقال (ع): لا بأس» «1».

بناء على ظهوره في عدم قيام المنفق بالنفقة اللازمة، بقرينة الذيل. و على إطلاقه الشامل لأخذ الزكاة من المنفق و غيره.

لكن الأخير و إن كان في محله. إلا أن الأول غير ظاهر، بل الظاهر منه‌

______________________________
(1) لاحظ المسألة: 11 من هذا الفصل.

300
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 20): يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير ؛ ج‌9، ص : 301

[ (مسألة 20): يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير]

(مسألة 20): يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير (1) إذا لم يكن ذلك الغير باذلًا لنفقته، إما لفقره، أو لغيره.

سواء كان العبد آبقاً أو مطيعاً.

قيامهم بالمؤنة اللازمة. و أن له حوائج أخرى زائدة عليها كما عرفت، فلا يكون مما نحن فيه. و لا سيما بملاحظة عدم فرض العجز عن إتمام النفقة فيه. و إطلاقه من هذه الجهة لا يمكن الأخذ به، لما تقدم من عدم جواز الأخذ من المنفق الزكاة و لو لا تمام النفقة، فيتعين حمله على ما ذكرنا. فالعمدة في جواز أخذ الزكاة منه الإطلاق.

ثمَّ إنه إذا بني على جواز أخذ الزكاة من المنفق في صورة العجز عن النفقة التامة- اعتماداً على هذه النصوص- فالبناء عليه في صورة العجز عن أصل النفقة أولى. فالجزم بالعدم في الثانية، و التوقف فيه في الأولى- كما في المتن- غير ظاهر.

بناء على ملكيه العبد، لا ينبغي التأمل في أن مقتضى إطلاق الأدلة- أنه مع عجز المالك عن القيام بنفقته- جواز دفع الزكاة إليه بنحو التمليك من سهم الفقراء كالحر. أما بناء على عدم ملكيته، فلا مجال لدفع الزكاة إليه بنحو التمليك. إنما الإشكال في جواز صرفها عليه من سهم الفقراء- للإشكال في صحة صرف هذا السهم على الفقراء بلا تمليك لهم- أو أنه يعتبر فيه الدفع بنحو التمليك؟ ظاهر جماعة ممن صرح باعتبار الحرية في أوصاف المستحق هو الثاني- و اختاره في الجواهر- لظهور الأدلة في ذلك خصوصاً ما تضمن منها: جواز تصرف الفقير بما يقبضه من الزكاة كيف يشاء لأنه ملكه، فضلا عن قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ..» «1»

لكن عرفت في أول الفصل: أن مفهوم التصدق لا يتوقف على التمليك‌

______________________________
(1) التوبة: 60.

301
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 20): يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير ؛ ج‌9، ص : 301

.....

بل كما يكون به يكون بالصرف على المستحق. فراجع. و أما ما دل على جواز تصرف الفقير بالزكاة يتصرف بماله، و أنه يتصدق به و يحج و يؤجر كما يؤجر غيره، و أنها كماله يصنع بها ما يشاء، فلا يدل على انحصار التصدق عليه بالتمليك. و اللام في الآية للاستحقاق، كما يقتضيه القول بعدم وجوب البسط. نعم قد يستفاد مما دل على أنه ليس في مال المملوك شي‌ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً- كصحيح ابن سنان و غيره، مما تقدم في مبحث اشتراط الحرية في وجوب الزكاة- عدم جواز إعطائه من الزكاة مطلقاً. لكن التعليل بلزوم النفقة في نصوص واجب النفقة- المذكور هو معهم- يقتضي تخصيص المنع بالمولى في صورة لزوم نفقته عليه. و احتمال أن في المملوك مانعين، أحدهما ذاتي للرقية، و الآخر عرضي للزوم نفقته، و النصوص الأول تعرضت للأول و الثانية تعرضت للثاني، خلاف ظاهر التعليل في انحصار المانع باللزوم. و لو سلم فلا يبعد أن يكون المراد إعطاءه بنحو التمليك، كما هو الشائع المتعارف. لا أقل من حملها على ذلك، بقرينة إطلاق موضوعات الزكاة. و عليه لا يجوز تمليكه إياها و ان قلنا بملكه، و لا مانع من صرفها عليه مع عجز المولى عن إنفاقه. أو يكون المراد من احتياجه- المذكور في النص- ما يقابل الغنى المسبب عن تسليط المولى له على طائفة من المال لعدم كفاية مجرد الاحتياج بالمعنى المذكور- مع بذل المولى لنفقته- في جواز إعطائه، كما استظهره شيخنا الأعظم (ره). لكن الأول أقرب.

و عليه فلا يجوز تمليكه للزكاة و إن جاز صرفها عليه، هذا و ربما يمنع عن خصوص زكاة المولى دون غيره، لعدم كون إيتاء المولى إياها إيتاء للزكاة. أو لما عن غير واحد من التصريح: بأنه لو تبين كون المدفوع اليه عبد الدافع لم يجز. و فيه: أنه لا وجه لمنع صدق الإيتاء مع صرفها عليه كصرفها على غيره من الفقراء. و عدم الاجزاء في‌

302
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره ؛ ج‌9، ص : 303

[الرابع: أن لا يكون هاشمياً إذا كانت الزكاة من غيره]

الرابع: أن لا يكون هاشمياً إذا كانت الزكاة من غيره (1)، الفرض المذكور لعله مختص بغير صورة العلم بصرفها في حوائجه، و إلا فهو ممنوع جداً، لأنه خلاف إطلاق الأدلة. و ليس هو إجماعاً ليكون حجة و مقيداً للأدلة.

و المتحصل: أن منع العبد من الزكاة إما أن يكون لنصوص المنع من إعطاء واجب النفقة، و إما لأن إعطاء الزكاة لا يكون إلا بنحو التمليك بضميمة ما دل على أن العبد لا يملك، و إما لنصوص المنع من إعطاء الزكاة للعبد و إن احتاج إليها. و الجميع عرفت إشكاله، فإن الأول يختص بالمالك مع لزوم الإنفاق عليه. و الثاني ممنوع. مع أن التحقيق إمكان ملك العبد.

و الثالث محمول على خصوص الإعطاء بنحو التمليك.

بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين، بل و بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر. كالنصوص التي اعترف غير واحد أنها كذلك، كذا في الجواهر. و من النصوص الدالة عليه:

صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «لا تحل الصدقة لولد العباس، و لا لنظرائهم من بني هاشم» «1»

، و‌

مصحح الفضلاء: «قال رسول اللّه (ص): إن الصدقة أوساخ أيدي الناس، و إن اللّه تعالى قد حرم علي منها و من غيرها ما قد حرمه، و إن الصدقة لا تحل لبني عبد المطلب» «2»

و‌

خبر إسماعيل ابن الفضل الهاشمي: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم، ما هي؟ قال (ع): هي الزكاة. قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (ع): نعم «3».

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 32 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

303
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره ؛ ج‌9، ص : 303

مع عدم الاضطرار. و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السهام (1)، حتى سهم العاملين و سبيل اللّه. نعم لا بأس بتصرفه في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتخذة من سهم سبيل اللّه. أما زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له (2)، كما عن جماعة التصريح به. و يقتضيه إطلاق معاقد الإجماعات، بل عن صريح كتاب القسمة من الخلاف: دعوى الإجماع على عدم الجواز مطلقاً. و‌

في صحيح العيص عن أبي عبد اللّه (ع): «إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول اللّه (ص) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعل اللّٰه عز و جل للعاملين عليها، فنحن أولى به. فقال رسول اللّه (ص): يا بني عبد المطلب (هاشم، خ ل) إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم، و لكني قد وعدت الشفاعة

.. (إلى أن قال):

أ تروني مؤثراً عليكم غيركم؟ ..» «1».

و عن كشف الغطاء: التأمل في حرمة سهم سبيل اللّٰه و سهم المؤلفة و الرقاب، مع فرضهما بارتداد الهاشمي. أو كونه من ذرية أبي لهب، و لم يكن في سلسلة مسلم. و بتزويجه الأمة و اشتراط رقية الولد عليه، على القول به. و كأنه للتعليل في بعض النصوص: بأنها أوساخ أيدي الناس، الدال على أن منعهم إياها تكريم لهم. و هو غير منطبق على سهم المؤلفة، لعدم استحقاقهم هذا التكريم، و لا على سهم الرقاب، لعدم تصرفهم فيه بوجه و إنما يدفع إلى المالك عوضاً عن رقابهم. و أما تأمله في سهم سبيل اللّه فلأجل قيام السيرة على تصرفهم فيه- كغيرهم- في جملة من الموارد. لكن كان عليه التأمل أيضاً في سهم الغارمين، لأن إفراغ ذمته كفك رقبته.

إجماعاً بقسميه أيضاً، كما في الجواهر. و النصوص به مستفيضة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

304
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره ؛ ج‌9، ص : 303

من غير فرق بين السهام أيضاً، حتى سهم العاملين. فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم. و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له، مع الاضطرار إليها (1) و عدم كفاية الخمس (2) و سائر الوجوه. و لكن الأحوط حينئذ منها خبر الهاشمي المتقدم.

إجماعاً صريحاً، و ظاهراً محكياً عن جماعة. و يشهد له:

موثق زرارة عن أبي عبد اللّه (ع)، قال: «إنه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة. إن اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم. ثمَّ قال:

إن الرجل إذا لم يجد شيئاً حلت له الميتة، و الصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئاً، و يكون ممن يحل له الميتة» «1».

هذا تفسير للضرورة المسوغة لدفع الزكاة اليه. و الذي يقتضيه الموثق- بقرينة تشبيه الزكاة بالميتة، و ما في ذيله من قوله (ع):

«و يكون ممن يحل ..»

الظاهر عطفه على (لا يجد)، فالمعنى حينئذ: و الصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن يكون ممن تحل له الميتة- اعتبار الضرورة المسوغة لأكل الميتة. و المصرح به في كلام جماعة- بل هو المشهور- تفسيرها:

بعدم التمكن من الخمس بل ادعى عليه جماعة الإجماع صريحاً و ظاهراً. قال السيد (ره) في الانتصار: «و مما انفردت به الإمامية القول بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضاً عن الصدقة و إذا حرموه حلت الصدقة لهم، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك. دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه: الإجماع المتردد. و يقوى هذا المذهب بظاهر الأخبار:

بأن اللّٰه تعالى حرم الصدقة على بني هاشم و عوضهم بالخمس منها، فاذا سقط ما عوضوه به لم تحرم عليهم الصدقة ..» و في الغنية في شرائط المستحق:

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

305
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره ؛ ج‌9، ص : 303

.....

«و أن لا يكون من بني هاشم، المستحقين للخمس، المتمكنين من أخذه.

بدليل الإجماع المتكرر ..». و في الخلاف: «تحل الصدقة لآل محمد (ص) عند فوت خمسهم، أو الحيلولة بينهم و بين ما يستحقون من الخمس. و به قال الإصطخري من أصحاب الشافعي. و قال الباقون من أصحابه: إنها لا تحل لهم، لأنها إنما حرمت عليهم تشريفاً و تعظيما، و ذلك حاصل مع منعهم الخمس. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم ..». و في المعتبر:

«قال علماؤنا: إذا منع الهاشميون من الخمس حلت لهم الصدقة، و به قال الإصطخري. (إلى أن قال): لنا أن المنع إنما هو لاستغنائهم بأوقر المالين، فمع تعذره يحل لهم الآخر ..». و عن المنتهى: «إن فتوى علمائنا أجمع على جواز تناول الزكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم ..». و في الحدائق:

«لا خلاف بين الأصحاب- على ما نقله غير واحد- في جواز إعطائهم من الصدقة الواجبة عند قصور الخمس عن كفايتهم ..». و نحوها عن غيرها و عليه فان جاز الاعتماد على مثل هذه الإجماعات لم يكن وجه لاعتبار عدم كفاية سائر الوجوه.

اللهم إلا أن يكون ذكر الخمس في كلماتهم من باب المثال لكل مال يصح له أخذه، من زكاة الهاشمي، و الصدقات المندوبة، و نحو ذلك. و ذكره بالخصوص، لأنه الغالب. لكن يأباه التعليل في كلام السيد المرتضى و غيره، و إن كان المستند الموثق فظاهره- كما سبق- اعتبار الضرورة بنحو يحل له أكل الميتة، و لا يكفي قصور الخمس و غيره من الوجوه عن المؤنة. نعم صدره ظاهر في كفاية قصور الخمس وحده عنها. و الجمع بين الصدر و الذيل لا يخلو من إشكال. لكن البناء على ظاهر الذيل خلاف المقطوع به، فضلا عن أن يكون مخالفاً للإجماع. بل الحل عند حل الميتة مما لا يحتاج إلى بيان، و لا يتفق وقوعه إلا نادراً، فكيف يمكن حمل النص عليه؟.

306
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة ؛ ج‌9، ص : 307

الاقتصار على قدر الضرورة يوماً فيوماً (1) مع الإمكان.

[ (مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة]

(مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة (2).

و المظنون: أن الصدر هو الكلام الوارد في مقام بيان التحليل، و قد تمَّ عند قوله (ع)

«سعتهم»

، و أن الكلام بعد ذلك كان كلاماً منفصلا عن الأول، صدر لأمر ما، و ليس المقصود منه تقييد الصدر بصورة الضرورة. و كيف كان فالاعتماد على الإجماعات المحكية في كلام الأساطين قوي جداً.

كما عن ابن فهد و غيره. و قيده بعض: بما إذا لم يتوقع ضرر الحاجة إن لم يدفع اليه ما يكمل قوت السنة. و عن بعض: أنه يأخذ كفاية السنة. إلا أن يرجى حصول الخمس في الأثناء. و الذي يظهر من معاقد الإجماعات المتقدمة: أن ما يجوز أخذه من الصدقة مشروط بقصور الخمس.

و حينئذ فإن أحرز القصور في تمام السنة جاز أخذ مئونة السنة، و إن لم يحرز ذلك اقتصر على المقدار المحرز فيه الشرط لا غير. فلو أخذ أكثر لم يملكه و وجب رده، إلا أن ينكشف الاحتياج إليه. و بالجملة: المدار في جواز الأخذ واقعاً على القصور كذلك، و كذلك الجواز الظاهري» فإنه تابع لثبوت القصور ظاهراً.

كما عن العلامة في القواعد، و المقداد في التنقيح، و المحقق الثاني في جامع المقاصد، و الشهيد الثاني في الروضة و المسالك، و السيد في المدارك و غيرهم. و عن السيد و الشيخ و المحقق و العلامة- في جملة من كتبه-: عموم الحكم لمطلق الصدقة الواجبة، و ربما يستظهر من الانتصار و الخلاف و المعتبر الإجماع عليه. و استشهد له: بإطلاق النصوص المحرمة للصدقة. و فيه: أن الإجماع- و لا سيما بملاحظة خلاف من عرفت- ممنوع جداً. و كذلك التمسك بإطلاق النصوص، فإنه أيضاً غير ظاهر، لاشتمال بعضها على التعليل:

307
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة ؛ ج‌9، ص : 307

.....

بأنها أوساخ الناس. و ذلك مختص بالزكاة، كما يشير إليه قوله تعالى:

(خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ..) «1»، فان ذلك يكون مقيداً للإطلاق.

مضافاً إلى ما في جملة من النصوص من تخصيص المنع بها، مثل‌

خبر زيد الشحام عن أبي عبد اللّه (ع) عن الصدقة التي حرمت عليهم، فقال (ع): «هي الزكاة المفروضة، و لم يحرم علينا صدقة بعضنا على بعض» «2»

، و‌

خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال (ع): هي الزكاة. قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض؟ قال (ع): نعم» «3»

، و‌

مصحح جعفر ابن إبراهيم الهاشمي عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال (ع): إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس. و لو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، هذه المياه عامتها صدقة» «4».

بناء على أن الظاهر من الصدقة الواجبة على الناس هي الزكاة، لأنها- لكثرتها، و كثرة الابتلاء بها- ترى كأنها واجبة على جميع الناس. و لذا ورد كثيراً في الكتاب و السنة إطلاق وجوبها، بخلاف غيرها من الصدقات الواجبة التي تجب على نوع خاص من الناس، مثل الكفارات الواجبة عند حدوث أسبابها، فلا يحسن التعبير عنه بمثل ذلك.

و الانصاف أن دعوى ظهورها في خصوص الزكاة غير بعيدة. و منها يظهر ضعف التمسك بالرواية على دعوى المنع في مطلق الصدقة الواجبة،

______________________________
(1) التوبة: 103.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 32 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 31 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

308
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة ؛ ج‌9، ص : 307

و زكاة الفطرة (1). و أما الزكاة المندوبة- و لو زكاة مال التجارة- الشامل للكفارات و غيرها. و لو سلم عمومها لها أمكن الخروج عنه بالروايتين المتقدمتين، بناء على انجبار ضعف سندهما بالعمل ممن عرفت، المعتضدتين بما سبق، من تعليل تحريم الصدقة بأنها أوساخ الناس.

ثمَّ إنه- لو بني على الأخذ بعموم الرواية للصدقة الواجبة- فالظاهر خروج المنذورة و الموصى بها و الصدقة بمجهول المالك و نحوها، مما لم يتعلق الوجوب فيه بالصدقة و إنما تعلق بعنوان آخر، و كانت الصدقة بعنوانها موضوعاً للأمر الندبي لا غير، فان الوجوب في الصدقة المنذورة تعلق بالوفاء بالنذر، و في الموصى بها بالعمل بالوصية، و في مجهول المالك بالنيابة عنه في الصدقة، و عنوان الصدقة في هذه الموارد ليس إلا موضوعاً للأمر الندبي.

و لذا لا يظن من أحد الالتزام بأن الصدقة على الهاشمي مستحبة، و أنه لا يجوز نذرها، و لا الوصية بها، فان التعبد في هذه الموارد إنما يكون بالأمر الندبي الثابت قبل النذر الذي لا يزول بالنذر، لامتناع اقتضاء المعلول انتفاء العلة. و في مجهول المالك إنما يقصد المتصدق امتثال الأمر الندبي المتوجه إلى المالك. و لذا كان ذلك نحواً من الإيصال اليه.

و كذا الحال فيما لو و كله على الصدقة المندوبة، فإن الوجوب ليس متعلقاً بالصدقة، و إنما يتعلق بعنوان آخر يكون لأجله داعياً إلى امتثال الأمر الندبي، الذي و كل على امتثاله بالتصدق. و ليس كذلك الحال في الكفارات و الفطرة، فإن الوجوب ثابت فيهما بعنوان الصدقة، فيدخلان في الرواية على تقدير عمومها لغير الزكاة. و مما ذكرنا تعرف الاشكال فيما ذكره شيخنا الأعظم (ره)، من الفرق بين الصدقة الموصى بها و المنذورة و أن الثانية واجبة بالعرض دون الأولى.

إجماعاً على المنع فيها. لعموم ما دل على المنع من الزكاة، الشامل‌

309
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 21): المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة ؛ ج‌9، ص : 307

و سائر الصدقات المندوبة فليست محرمة عليه، بل لا تحرم الصدقات الواجبة- ما عدا الزكاتين- عليه أيضاً، كالصدقات المنذورة و الموصى بها للفقراء، و الكفارات و نحوها- كالمظالم- إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين. و أما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشمياً فلا إشكال أصلا.

و لكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه. و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة (1).

لها. بل في بعض الأخبار: أن أول زمان تشريع الزكاة لم تكن الزكاة حينئذ إلا زكاة الفطرة «1».

فإنه و إن نفي الخلاف في عدم تحريمها- كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره). و في الجواهر: «الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه صريحاً و ظاهراً فوق الاستفاضة، كالنصوص ..» مشيراً بالنصوص الى مصحح جعفر بن إبراهيم الهاشمي، و خبري الشحام و إسماعيل المتقدمة و غيرها «2».

فقد احتمل أو قيل بالمنع فيها أيضاً، لإطلاق تحريم الصدقة على بني هاشم لكن لا يصلح لمعارضة ما سبق. و ما في نهج البلاغة من‌

قوله (ع): «أ صلة أم زكاة، أم صدقة؟ فذلك محرم علينا أهل البيت ..» «3»

ظاهر في تحريم الصدقة المقابلة للزكاة على خصوص أهل البيت (ع)- كما هو أحد القولين في الصدقة المندوبة- لا مطلق الهاشمي. لكن في المعتبر: «قال علماؤنا: لا تحرم. و على ذلك أكثر أهل العلم .. (إلى أن قال): لنا:

قوله (ع): كل معروف صدقة.

و قد كان يستقرض، و يهدى له المال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(2) لاحظ أول المسألة.

(3) نهج البلاغة ج 2 شرح محمد عبده صفحة: 244.

310
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 22): يثبت كونه هاشميا بالبينة، و الشياع ؛ ج‌9، ص : 311

خصوصاً مثل زكاة مال التجارة (1).

[ (مسألة 22): يثبت كونه هاشمياً بالبينة، و الشياع]

(مسألة 22): يثبت كونه هاشمياً بالبينة (2)، و الشياع (3). و لا يكفي مجرد دعواه (4)، و إن حرم دفع الزكاة و كل ذلك صدقة. و ربما فرق قوم بين ما يخرج على سبيل سد الخلة و مساعدة الضعيف طلباً للأجر، و بين ما جرت العادة بالتردد، كالقرض و الهدية ..»‌

لكن من القريب أن يكون المراد من الصدقة في المقام الفداء المقصود به دفع البلاء. و أما‌

خبر إبراهيم بن محمد بن عبد اللّه الجعفري: «كنا نمر- و نحن صبيان- و نشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة، فدعانا جعفر بن محمد (ع) فقال: يا بني لا تشربوا من هذا الماء و اشربوا من مائي ..» «1»

فليس للحرمة قطعاً، لعدم بلوغ المخاطبين، و لا بد أن يكون للإرشاد إلى أمر هناك.

كأن وجه الخصوصية وجود القول المعتد به في وجوبها، فتكون من الزكاة المفروضة.

لعموم دليل حجيتها، كما تقدم تقريبه في المياه «2».

كما هو المشهور، من ثبوت النسب به. و أنكره بعض إذا لم يفد العلم، لعدم الدليل عليه. و دعوى قيام السيرة عليه غير ثابتة. لكن الانصاف ثبوت السيرة على الاعتماد على الشياع الموجب للاطمئنان، فالاعتماد عليه حينئذ في محله.

للأصل. و لا سيرة على حجيتها، كما كانت على حجية دعواه الفقر. فما عن كشف الغطاء: من القبول، مع عدم كونه مظنة الكذب غير ظاهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 31 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) لاحظ المسألة: 6 من فصل ماء البئر من الجزء الأول من هذا الشرح.

311
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 23): يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي بالزنا ؛ ج‌9، ص : 312

إليه مؤاخذة له بإقراره (1). و لو ادعى أنه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة، لا لقبول قوله، بل لأصالة العدم عند الشك (2) في كونه منهم أم لا. و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.

[ (مسألة 23): يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي بالزنا]

(مسألة 23): يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي بالزنا، فالأحوط عدم إعطائه (3). و كذا الخمس، فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي.

كما لم يستبعده في الجواهر. لكنه غير ظاهر، إذ الإقرار إنما يمنع من العمل بالحجة- من أمارة أو أصل- بالإضافة إلى الاحكام التي تكون للمقر، لا بالإضافة إلى المالك و إفراغ ذمته بذلك. فتأمل.

فقد حكي عن بعض: أنه نسب إلى الأصحاب بناءهم على العمل بها في جميع أبواب الفقه، من النكاح، و الإرث، و الوصية، و البيع، و الوقف، و الديات، و غيرها. و في طهارة شيخنا الأعظم (ره) في كتاب الحيض: أن أصالة عدم الانتساب معول عليها عند الفقهاء في جميع المقامات.

لكن حجيتها من باب الاستصحاب مبنية على جريان الأصل في العدم الأزلي بنحو مفاد ليس الناقصة، و هو محل إشكال و خلاف بين الأعلام. و تقدم في مبحث المياه التعرض له.

كذا في الجواهر أيضاً. لكن قال: «و إن كان قد يقوى خلافه، لعموم الفقراء في مصرف الزكاة، بعد الانسباق للمتولد منهم بغير ذلك، فيبقى مندرجاً تحت العموم ..».

أقول: دعوى الانصراف غير ظاهرة، فعموم المنع من إعطاء الهاشمي محكم. و نفي ولد الزنا على نحو يشمل المقام غير متحصل، إذ عدم التوارث أعم. و قاعدة:

(الولد للفراش)

قاعدة ظاهرية، لا مجال لها في ظرف العلم بالانتساب.

312
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في بقية أحكام الزكاة ؛ ج‌9، ص : 313

 

[فصل في بقية أحكام الزكاة]

فصل في بقية أحكام الزكاة و فيه مسائل:

[الأولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة]

الأولى: الأفضل (1)- بل الأحوط- (2) نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة، لا سيما إذا طلبها، لأنه أعرف بمواقعها. لكن الأقوى عدم وجوبه (3)، فيجوز فصل في بقية أحكام الزكاة بلا ريب، كما قيل. لفتوى جماعة بالاستحباب. و لأنه أبصر بمواقعها. لكن ثبوت الاستحباب بالفتوى مبني على قاعدة التسامح، و أن من مواردها فتوى الفقيه، و كلاهما محل إشكال. و التعليل غير مطرد، إذ ربما يكون المالك أبصر من الفقيه، كما هو ظاهر جداً.

خروجاً عن شبهة الخلاف.

كما هو المشهور. و يشهد له كثير من النصوص، المتفرقة في أنواع المستحقين و شرائطهم، و في نقلها و عزلها و غير ذلك، مما يشرف بالفقيه على القطع بذلك. و بها يخرج عن ظهور قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا ..) «1» في وجوب الدفع إلى النبي (ص) أو الإمام (ع) أو نائبه العام، بناء على تماميته. مع أنه محل إشكال.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن المفيد و الحلبي: من وجوب الدفع إلى الامام مع حضوره، و إلى الفقيه مع غيبته. اعتماداً على دعوى ظهور الآية في ذلك. كما يظهر ضعف ما عن ابن زهرة و القاضي: من وجوب الدفع‌

______________________________
(1) التوبة: 103.

 

313
مستمسک العروة الوثقى9

الأولى: الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة ؛ ج‌9، ص : 313

للمالك مباشرة- أو بالاستنابة و التوكيل- (1) تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها. نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب- بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعاً، و كان مقلداً له- يجب عليه الدفع إليه، من حيث أنه تكليفه الشرعي (2)، لا لمجرد طلبه، و إن كان أحوط (3)، كما ذكرنا. بخلاف إلى الامام مع حضوره، و عدم وجوب الدفع إلى الفقيه مع غيبته. و‌

في خبر جابر: «أقبل رجل إلى الباقر (ع) و أنا حاضر، فقال: رحمك اللّه اقبض مني هذه الخمسمائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي. فقال:

بل خذها أنت و ضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين، و في إخوتك من المسلمين. إنما يكون هذا إذا قام قائمنا (ع)، فإنه يقسم بالسوية، و يعدل في خلق الرحمن، البر و الفاجر» «1».

بلا إشكال ظاهر. و يقتضيه جملة من النصوص،

كموثق سعيد: «الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئاً؟ قال (ع):

نعم» «2».

و نحوه غيره. و يظهر من‌

موثق ابن يقطين: «إن كان ثقة فمره يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها منه و ضعها في مواضعها ..» «3».

اعتبار كونه ثقة.

هذا يتم إذا كانت الخصوصيات موجبة لتولي الفقيه للقسمة.

أما لو كانت مقتضية لتعين المصرف الخاص، فحينئذ يجوز للمالك أن يدفعها إلى ذلك المصرف، و يكون بذلك عاملا بتكليفه، و موافقاً لفتوى مقلده.

بل جزم به في الجواهر. و كذا شيخنا الأعظم (ره) في رسالته،

______________________________
(1) الوسائل باب: 36 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

314
مستمسک العروة الوثقى9

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية ؛ ج‌9، ص : 315

ما إذا طلبها الامام (عليه السلام) في زمان الحضور، فإنه يجب الدفع إليه بمجرد طلبه، من حيث وجوب طاعته في كل ما يأمر (1).

[الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية]

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية بل يجوز التخصيص ببعضها (2). كما لا يجب في كل صنف البسط لأن منعه رد عليه، و الراد عليه راد على اللّه تعالى. و‌

لقوله (ع) في التوقيع: «و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا، فإنهم حجتي عليكم، و أنا حجة اللّه» «1».

و فيه: أن مورد الرد المحرم- الذي هو بمنزلة الرد على اللّه تعالى- هو الحكم في الخصومة، فلا يعم المقام.

و الحوادث الواقعة لا تخلو من إجمال، و المظنون أن المراد منها: الأمور التي لا بد من الرجوع فيها إلى الامام، فلا يشمل المقام. و لا سيما بملاحظة الحجية المذكورة في الذيل، المختصة بما يكون مورداً للاحتجاج و قطع العذر فالتمسك به على المقام غير ظاهر. و كأنه لذلك لم يعرف القول بوجوب الدفع عند الطلب من أحد، كما عن الأصبهاني في شرح النافع الاعتراف به.

لإطلاق قوله تعالى (أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ ..) «2» و نحوه.

بلا إشكال فيه. لأنه موضع نص و وفاق، كما في المدارك.

و عن التذكرة: أنه مذهب علمائنا أجمع. و في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه. و يشهد له كثير من النصوص،

كمصحح عبد الكريم الهاشمي عن أبي عبد اللّه (ع): «كان رسول اللّٰه (ص) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر. و لا يقسمها بينهم بالسوية

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.

(2) النساء: 59.

315
مستمسک العروة الوثقى9

الثانية: لا يجب البسط على الأصناف الثمانية ؛ ج‌9، ص : 315

على أفراده إن تعددت، و لا مراعاة أقل الجمع الذي هو الثلاثة بل يجوز تخصيصها بشخص واحد من صنف واحد- لكن يستحب البسط على الأصناف (1) مع سعتها و وجودهم، بل يستحب مراعاة (2) الجماعة- التي أقلها ثلاثة-

و إنما يقسمها على قدر ما يحضرها منهم. و ما يرى، و ليس في شي‌ء من ذلك موقت موظف، و إنما يصنع ذلك بقدر ما يرى على قدر من يحضرها منهم» «1»

، و‌

خبر أبي مريم- المروي عن تفسير العياشي- عن أبي عبد اللّه (ع): «في قول اللّه تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ ..) فقال (ع):

إن جعلتها فيهم جميعاً، و إن جعلتها لواحد أجزأك» «2».

و نحوهما غيرهما.

و منه: ما تقدم في شراء العبد، و وفاء دين الأب، و تفريقها في الجيران و الأقارب، و غير ذلك مما هو مستفيض أو متواتر. و من ذلك يعلم أن (اللام) في الآية ليست للملك. و لا سيما بملاحظة عطف الرقاب و سبيل اللّه و ابن السبيل المجرورة بحرف الظرفية، لامتناع تقدير (اللام) فيهما.

و كون الصرف على وجه التوزيع خلاف الإطلاق، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. فما عن بعض العامة، من وجوب القسمة على الأصناف الموجودين على السواء، و يجعل لكل صنف ثلاثة أسهم فصاعداً، و لو لم يوجد إلا واحد من ذلك صرفت حصة الصنف إليه، لأنه تعالى جعل الزكاة لهم ب‍ (لام) الملك، و عطف بعضهم على بعض ب‍ (واو) التشريك، و ذلك يوجب الاشتراك في الحكم. ضعيف.

بلا خلاف ظاهر. لتعميم النفع. و مراعاة لظاهر الآية، كذا في الجواهر.

كما في الشرائع و غيرها. للتعبير بلفظ الجمع في كل صنف من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

316
مستمسک العروة الوثقى9

الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله ؛ ج‌9، ص : 317

في كل صنف منهم، حتى ابن السبيل و سبيل اللّه. لكن هذا مع عدم مزاحمة جهة أخرى مقتضية للتخصيص.

[الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب بمقدار فضله]

الثالثة: يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب (1) بمقدار فضله. كما أنه يستحب ترجيح الأقارب (2) و تفضيلهم على الأجانب، و أهل الفقه و العقل على غيرهم، و من لا يسأل من الفقراء على أهل السؤال (3). و يستحب صرف صدقة الأصناف، عدا سبيل اللّه و ابن السبيل. و لما في تفسير القمي، من تفسير الأول: بقوم يخرجون إلى الجهاد، و تفسير الثاني: بأبناء الطريق «1».

ففي رواية عبد اللّٰه بن عجلان: «إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ قال (ع): أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل» «2».

ففي رواية إسحاق عن أبي الحسن موسى (ع): «قلت له:

لي قرابة أنفق على بعضهم، و أفضل بعضهم على بعض، فيأتيني إبان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال: مستحقون لها؟ قلت: نعم. قال (ع): هم أفضل من غيرهم، أعطهم» «3».

و‌

في المرسل: «سئل رسول اللّه (ص) أي الصدقة أفضل؟ فقال: على ذي الرحم الكاشح» «4».

ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج: «يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل» «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 25 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 15 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 25 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

317
مستمسک العروة الوثقى9

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الاسرار به ؛ ج‌9، ص : 318

المواشي إلى أهل التجمل (1) من الفقراء. لكن هذه جهات موجبة للترجيح في حد نفسها. و قد يعارضها- أو يزاحمها- مرجحات أخر، فينبغي حينئذ ملاحظة الأهم و الأرجح.

[الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الاسرار به]

الرابعة: الإجهار بدفع الزكاة أفضل من الاسرار به (2) بخلاف الصدقات المندوبة، فإن الأفضل فيها الإعطاء سراً.

[الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي» أو «لم يتعلق بمالي شي‌ء» قبل قوله]

الخامسة: إذا قال المالك: «أخرجت زكاة مالي» أو «لم يتعلق بمالي شي‌ء» قبل قوله، بلا بينة، و لا يمين (3)

ففي خبر ابن سنان، قال أبو عبد اللّه (ع): «إن صدقة الخف و الظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين. و أما صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز مما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين» «1».

و نحوه غيره.

ففي حسن أبي بصير في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ..)

«و كلما فرض اللّه عليك فإعلانه أفضل من أسراره، و كلما كان تطوعاً فإسراره أفضل من إعلانه. و لو أن رجلا يحمل زكاة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسناً جميلا» «2»

و نحوه غيره.

بلا خلاف و لا إشكال.

لخبر غياث: «كان علي (ع) إذا بعث مصدقه قال له: إذا أتيت على رب المال فقل تصدق- رحمك اللّٰه- مما أعطاك اللّه، فإن ولى عنك فلا تراجعه» «3».

و نحوه ما في صحيح بريد «4» و ما عن نهج البلاغة «5». و إطلاقها يشمل المقام. كما أنه يشمل صورة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 54 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 55 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 7.

318
مستمسک العروة الوثقى9

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص ؛ ج‌9، ص : 319

ما لم يعلم كذبه. و مع التهمة لا بأس بالتفحص و التفتيش عنه.

[السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص]

السادسة: يجوز عزل الزكاة و تعيينها في مال مخصوص (1) و إن كان من غير الجنس الذي تعلقت به (2) من غير فرق بين وجود المستحق و عدمه على الأصح (3) و إن كان الأحوط الاقتصار على الصورة الثانية. و حينئذ فتكون في يده أمانة لا يضمنها إلا بالتعدي أو التفريط (4)، التهمة. و جواز التفتيش لا ينافي ذلك.

كما تقدم في أواخر فصل زكاة الغلات.

كما نص عليه شيخنا الأعظم «ره» في رسالته، مستفيداً له من الشهيدين و جماعة. لإطلاق ما دل على جواز دفع البدل.

كما قواه في الجواهر، حاكياً له عن التذكرة و المنتهى و الدروس.

و يقتضيه ظاهر‌

موثق يونس بن يعقوب: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) زكاتي تحل علي في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئاً مخافة أن يجي‌ء من يسألني يكون عندي عدة. فقال: إذا حال الحول فأخرجها من مالك لا تخلطها بشي‌ء، ثمَّ أعطها كيف شئت»

، و‌

صحيح ابن سنان: «في الرجل يخرج زكاته، فيقسم بعضها، و يبقي بعضا يلتمس لها المواضع، فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر، قال (ع): لا بأس» «1».

خلافاً لآخرين، لأن الزكاة دين- أو كالدين- لا يتعين إلا بقبض المستحق، أو من بحكمه.

لكنه لا يجدي في قبال ظاهر النصوص.

كما نص عليه في الجواهر. لخبر علي بن أبي حمزة. لكنه مختص‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 53 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

319
مستمسک العروة الوثقى9

السابعة: إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة ؛ ج‌9، ص : 320

و لا يجوز تبديلها بعد العزل (1).

[السابعة: إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة]

السابعة: إذا اتجر بمجموع النصاب قبل أداء الزكاة.

كان الربح للفقير بالنسبة و الخسارة عليه (2). و كذا لو اتجر بما عزله و عينه للزكاة.

[الثامنة: تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله]

الثامنة: تجب الوصية بأداء ما عليه من الزكاة إذا أدركته الوفاة قبله (3)، و كذا الخمس و سائر الحقوق الواجبة بصورة عدم وجود المستحق. أما خبر عبيد «1» و أبي بصير «2» فاطلاقهما نفي الضمان مقيد بما دل على الضمان بتأخير الدفع مع إمكانه، كما سيجي‌ء في مسألة جواز النقل. و لعل مراد الجواهر من قوله «ره»: «إلا بالتفريط أو نحوه ..» ما يشمل ذلك. بل ظاهر ما في رسالة شيخنا الأعظم «ره»-:

«قالوا: فليس له الابدال، و لا يضمنه إلا بالتفريط، أو تأخير الإخراج مع التمكن ..»- الاتفاق على الضمان بذلك، فإطلاق المتن نفي الضمان محل إشكال. إلا أن يكون المراد من التفريط ما يشمل ذلك، كما يشهد به حكمه بالضمان مع التأخير حيث يمكن الدفع في آخر مسائل فصل زكاة الغلات. إذ احتمال العدول بعيد جداً. و تقدم هناك شرح المسألة. فراجع.

لظهور النصوص في تعينها زكاة بالعزل، فجواز التبديل يتوقف على ولايته عليه، و هو يحتاج إلى دليل مفقود، و الأصل عدم ترتب الأثر.

فما عن شارح الروضة: من منع خروجه عن الملك، أو منع عدم جواز الابدال غير ظاهر.

تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثالثة و الثلاثين من فصل زكاة الغلات.

بلا ريب كما عن المدارك، و بلا خلاف أجده كما في الجواهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

320
مستمسک العروة الوثقى9

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء ؛ ج‌9، ص : 321

و لو كان الوارث مستحقاً جاز احتسابه عليه (1)، و لكن يستحب دفع شي‌ء منه إلى غيره.

[التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء]

التاسعة: يجوز أن يعدل بالزكاة إلى غير من حضره من الفقراء (2) خصوصاً مع المرجحات، و إن كانوا مطالبين.

نعم الأفضل حينئذ الدفع إليهم من باب استحباب قضاء حاجة المؤمن (3). إلا إذا زاحمه ما هو أرجح.

و تقتضيه القواعد الأولية إذا فرض ترتب الأداء عليه، لوجوب مقدمة الواجب.

بل و لو احتمل ذلك كفى في الوجوب، لوجوب الاحتياط مع الشك في القدرة. و يشير إلى ذلك: ما ورد في المال الذي مات صاحبه و لم يعلم له وارث، من‌

قوله: «ثمَّ توصي بها، فان جاء طالبها. و إلا فهي كسبيل مالك» «1».

و نحوه ورد في اللقطة «2».

ففي مصحح علي بن يقطين: «قلت لأبي الحسن (ع): رجل مات و عليه زكاة، و أوصى أن يقضى عنه الزكاة، و ولد محاويج إن دفعوها أضر بهم ذلك ضرراً شديداً. فقال (ع): يخرجونها فيعودوا بها على أنفسهم، و يخرجون منها شيئاً فيدفع إلى غيرهم» «3».

لكن الظاهر منه وجوب دفع شي‌ء منها إلى غيرهم. إلا أن ظاهر الأصحاب التسالم على استحباب ذلك.

كما يقتضيه نفي التوقيت و التوظيف في كيفية القسمة. و يقتضيه أيضاً: إطلاق ما دل على جواز النقل مع وجود المستحق، مما يأتي إن شاء اللّه.

يعني: استحباب إجابة المؤمن في قضاء حاجته، و هو الدفع إليه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب من لا وارث له حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة حديث: 10، 12.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

321
مستمسک العروة الوثقى9

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره ؛ ج‌9، ص : 322

[العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره]

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره (1)، مع عدم وجود المستحق فيه. بل يجب ذلك إذا لم يكن مرجو الوجود بعد ذلك (2)، و لم يتمكن من الصرف لكن قد يعارض ذلك بقضاء حاجة غيره. و كأن التعليل باستحباب إجابة المؤمن أولى. فتأمل.

في الجواهر: «بلا خلاف و لا إشكال، بل في محكي التذكرة و المنتهى: الإجماع عليه ..». و عن المدارك: أنه لا ريب فيه. و يشهد له جملة من النصوص،

كصحيح ضريس: «سأل المدائني أبا جعفر (ع) فقال: إن لنا زكاة نخرجها من أموالنا، ففي من نضعها؟ فقال (ع).

في أهل ولايتك. فقلت: إني في بلاد ليس فيه أحد من أوليائك، فقال (ع):

ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غداً إلى أمر لم يجيبوك، و كان و اللّه الذبح» «1»

، و‌

خبر الحداد عن العبد الصالح (ع): «قلت له: الرجل منا يكون في أرض منقطعة، كيف يصنع بزكاة ماله؟

قال (ع): يضعها في إخوانه و أهل ولايته. فقلت: فان لم يحضره منهم فيها أحد؟ قال (ع): يبعث بها إليهم» «2».

مضافاً إلى النصوص الآتية في المسألة الآتية.

إما لئلا يلزم تضييع الحق على مستحقه، المعلوم من مذاق الشارع تحريمه. لكنه لا يتم في صورة العلم بعدم لزومه. و إما لتوقف الأداء الواجب عليه. لكنه يتوقف على وجوب الأداء المطلق، إذ لو كان الواجب من الأداء ما يقابل الحبس و المنع، لم يستدع وجوبه وجوب النقل. و إما لصحيح ضريس السابق. إلا أن يستشكل فيه- كما في الجواهر-: بأن الأمر في مقام توهم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 7.

322
مستمسک العروة الوثقى9

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره ؛ ج‌9، ص : 322

في سائر المصارف. و مئونة النقل حينئذ من الزكاة (1). و أما مع كونه مرجو الوجود فيتخير بين النقل و الحفظ إلى أن يوجد (2). و إذا تلفت بالنقل لم يضمن (3) مع عدم الرجاء، الحضر. أو أن المقصود منه المنع من إعطائه لغير الموالي.

لكن يدفع الثاني: أن المتكفل للمنع من الإعطاء لغير الموالي قوله (ع)

«و لا تدفعها ..»

. كما أنه يدفع الأول: أنه خلاف الظاهر من غير رينة. و مثله: احتمال أن يكون الأمر إرشادياً، لبيان طريق الإيصال إلى المستحق، لا مولوياً تعبدياً، فإنه أيضاً خلاف الظاهر. و خبر الحداد المتضمن للانتظار بها سنة أو سنتين أو أربع- مورده صورة رجاء الوجود بعد ذلك لا اليأس، كما هو محل الكلام. على أنه ضعيف السند، لا مجال للعمل بذيله، كما لا يخفى.

لأن الصرف لمصلحة المستحق، و الأصل البراءة من وجوب تحمل المؤنة. و ما سبق من وجه الوجوب لا يقتضيه.

كما في الإرشاد. و في الجواهر: «قيل: لا يظهر خلافه من كلام غيره من الأصحاب، و لا من النصوص. إذ ليس فيها إلا نفي الضمان و الجواز، و نفي البأس، و ذلك لا يقتضي وجوب النقل بعينه ..».

و ما في المدارك: من إطلاق وجوب النقل عند عدم المستحق، لتوقف الدفع الواجب عليه، قد عرفت ما فيه. مع أنه لا يتم مع رجاء حضور المستحق. و صحيح ضريس ظاهر في صورة اليأس، فلا يشمل ما نحن فيه.

فاذاً القول بالتخيير في محله. و لا سيما مع تأييده بالسيرة على نصب العمال لجباية الصدقات.

بلا إشكال ظاهر. و تقتضيه نصوص نفي الضمان، كخبري أبي بصير و عبيد، و غيرهما مما يأتي.

323
مستمسک العروة الوثقى9

العاشرة: لا إشكال في جواز نقل الزكاة من بلده إلى غيره ؛ ج‌9، ص : 322

و عدم التمكن من الصرف في سائر المصارف. و أما معهما فالأحوط الضمان (1).

كأنه: لاحتمال شمول نصوص الضمان للمورد،

كمصحح ابن مسلم: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال (ع): إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده. و كذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامناً لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، فان لم يجد فليس عليه ضمان» «1»

، و‌

مصحح زرارة: «قلت: فان لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت، أ يضمنها؟ فقال (ع): لا، و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت، فهو لها ضامن حتى يخرجها» «2».

لكن الظاهر شمولها له، إذ الموضع و الأهل يعم الفقراء و سائر المصارف.

و لا سيما بملاحظة الارتكاز العرفي، فإن النقل مع وجود المصرف نوع من التفريط. و لا ينافي ذلك التعبير بالدفع في الأول الذي لا يشمل الصرف، لأن الظاهر منه- بملاحظة الارتكاز العقلائي، و ما في ذيله من حكم الوصية- مجرد صرف المال في موضعه. مع أن صحيح زرارة خال عنه. نعم إطلاق نفي الضمان في جملة من النصوص مما يبعد تنزيله على صورة تعذر المصرف كلية لندرته. و حينئذ يتعين حمل الصحيحين على خصوص صورة تعذر الأداء، كما في بعض الأصناف. و إن أمكن الصرف في سبيل اللّه تعالى أو غيره من الأصناف.

قيل: و يساعد ذلك ظهور الإجماع- المحكي عن التذكرة و المنتهى-

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

324
مستمسک العروة الوثقى9

الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد ؛ ج‌9، ص : 325

و لا فرق في النقل بين أن يكون إلى البلد القريب أو البعيد (1) مع الاشتراك في ظن السلامة. و إن كان الأولى التفريق في القريب ما لم يكن مرجح للبعيد.

[الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد]

الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد (2). و إن كان الأحوط عدمه على الضمان بمجرد التمكن من الأداء، الظاهر في انتفائه مع تعذر الأداء و إن تمكن من الصرف. و لعل نكتة الفرق بين الأداء و الصرف: أن الأول لا يحتاج إلى كلفة غالباً، بخلاف الثاني. فتعذر الأول يكون كافياً في نفي الضمان، و إن أمكن الثاني. لكن الإنصاف: أن رفع اليد عن ظهور الصحيحين في توقف نفي الضمان على تعذر الصرف، بدعوى لزوم حمل النصوص النافية للضمان على الفرض النادر غير ظاهر، لا مكان منع ذلك في ذلك الزمان في جملة من الأمكنة التي تجب فيها الزكاة، فالحكم بالضمان مع إمكان الصرف في محله.

هذا و المصنف «ره» لم يتعرض إلا لصورتي انتفاء الرجاء و التمكن معاً و ثبوتهما كذلك، و كان عليه التعرض لصورة انتفاء الرجاء و إمكان الصرف في سائر المصارف و عكسها. لكن مما ذكرنا يظهر أن الحكم في الأولى الضمان دون الثانية، لظهور النصوص في كون المعيار في الضمان إمكان الصرف، و لو مع عدم رجاء حضور المستحق، و في انتفاء الضمان عدم إمكان الصرف، و لو مع رجاء حضوره.

لإطلاق الأدلة.

كما عن جماعة كثيرة، منهم الشيخان و الحلبي و ابنا زهرة و حمزة و العلامة و الشهيدان في جملة من كتبهم، بل نسب إلى أكثر المتأخرين. لجملة من النصوص،

كصحيح هشام عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل يعطي

325
مستمسک العروة الوثقى9

الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد ؛ ج‌9، ص : 325

كما أفتى به جماعة (1).

الزكاة يقسمها، إله أن يخرج الشي‌ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟

فقال (ع): لا بأس»، «1».

و‌

صحيح أحمد بن حمزة: «سألت أبا الحسن الثالث (ع) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر و يصرفها في إخوانه، فهل يجوز ذلك؟ فقال (ع) نعم» «2».

و نحوهما غيرهما.

بل عن الحدائق: أنه المشهور، بل في التذكرة: لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحق فيه، عند علمائنا أجمع ..»:

و استدل له بوجوه: (أحدها): الإجماع المحكي عن التذكرة، الممنوع جداً، لظهور الخلاف حتى من حاكيه في بعض كتبه. (ثانيها): أن في النقل خطراً. و فيه- مع أنه أخص من المدعى-: أن الخطر مندفع بالضمان. (ثالثها): منافاته الفورية. و فيه- مع أنه أخص من المدعى أيضاً- أن الفورية غير لازمة. (رابعها): النصوص المتضمنة أنه لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب للمهاجرين، و أنه كان رسول اللّه (ص) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر «3». و فيه- مع أنه أخص أيضاً، إذ قد يكون النقل من الأعراب إليهم، و من المهاجرين إليهم. و كذا في البوادي و الحضر-: أنك قد عرفت أن ذلك ليس على الوجوب، لما دل على نفي التوقيت و التوظيف. و لما ثبت من نصب العمال و الجباة للصدقات، الظاهر في خلاف ذلك. (خامسها): ما تضمن الضمان بالنقل مع وجود المستحق.

و فيه: أنه أعم من حرمة النقل. هذا مضافاً إلى أن هذه الوجوه لو تمت لا تصلح- ما عدا الإجماع منها- لمعارضة ما تقدم من النصوص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 37 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 38 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

326
مستمسک العروة الوثقى9

الحادية عشرة: الأقوى جواز النقل إلى البلد الآخر و لو مع وجود المستحق في البلد ؛ ج‌9، ص : 325

و لكن الظاهر الاجزاء لو نقل على هذا القول أيضاً (1). و ظاهر القائلين بعدم الجواز وجوب التقسيم في بلدها لا في أهلها، فيجوز الدفع في بلدها إلى الغرباء. و أبناء السبيل (2). و على القولين إذا تلفت بالنقل يضمن (3). كما أن مئونة النقل عليه لا من الزكاة (4). و لو كان النقل بإذن الفقيه لم يضمن (5) و إن كان مع وجود المستحق في البلد. و كذا- بل و أولى منه- لو بلا خلاف و لا إشكال كما قيل. بل عن الخلاف و المنتهى و المختلف و المدارك: نسبته إلى علمائنا أجمع، و في التذكرة: لو خالف و نقلها أجزأته في قول علمائنا كافة. و هو قول أكثر العلماء. لصدق الامتثال الموجب للاجزاء.

و عن بعض العامة: عدم الاجزاء، لأنه دفع إلى غير من أمر بالدفع اليه. و فيه: أنه ممنوع، لأن حرمة النقل لا تستلزم تعين الموضوع إلا عرضاً، و مثله لا يمنع من الاجزاء مع الموافقة للأمر حقيقة، كما لا يخفى. و‌

في صحيح ابن مسلم السابق: «فهو لها ضامن حتى يدفعها ..» «1»

فجعل غاية الضمان الدفع الى المستحق.

بلا شبهة كما قيل. كما يقتضيه ظاهر البناء على حرمة النقل محضاً فإنه- لو تمَّ- لا يقتضي لزوم تقسيمها على أهل البلد، و كذا مقتضى أدلتهم كما يظهر بالتأمل.

إذا تمكن من دفعها إلى المستحق. إجماعاً- كما عن المنتهى- لنصوص الضمان المتقدمة، من دون معارض.

إذ لا مقتضى لكونها من الزكاة، فالأصل بقاء الزكاة على حالها.

كأنه: لانصراف نصوص الضمان عن ذلك. لكنه محل إشكال‌

______________________________
(1) تقدم ذكره في المسألة: 10 من هذا الفصل.

327
مستمسک العروة الوثقى9

الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده ؛ ج‌9، ص : 328

و كله في قبضها عنه بالولاية العامة، ثمَّ أذن له في نقلها.

الثانية عشرة: لو كان له مال في غير بلد الزكاة، أو نقل مالًا له من بلد الزكاة إلى بلد آخر، جاز احتسابه زكاة عما عليه في بلده و لو مع وجود المستحق فيه. و كذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر جاز احتسابه زكاة. و ليس شي‌ء من هذه من النقل الذي هو محل الخلاف في جوازه و عدمه (1) فلا إشكال في شي‌ء منها.

[الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده]

الثالثة عشرة: لو كان المال الذي فيه الزكاة في بلد آخر غير بلده، جاز له نقلها (2) إليه مع الضمان لو تلف.

و لكن الأفضل صرفها في بلد المال. (3)

إذ لا يظهر موضوعية لإذن الفقيه بعد ما كان المالك مأذوناً من قبل الشارع بل لو منعه الفقيه من النقل جاز له، إذ لا دليل على وجوب إطاعته في مثل ذلك، فلا وجه لاقتضائها لنفي الضمان. نعم لو و كله على قبضها و إرسالها فتلفت، كانت تالفة بعد الدفع إلى الولي العام و لو بقبض وكيله، فلا وجه للضمان، كما لو تلفت بعد قبض الفقير.

كما استظهره غير واحد. و ان تنظر فيه في الروضة، من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال. و من جواز كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد. و استوضح في الجواهر و غيرها ضعفه. و الانصاف: أن بعض أدلة المنع عن النقل إن تمَّ دليلا عليه منع في المقامين. لكن عرفت ضعفه.

كما سبق في المسألة الحادية عشرة.

نسب إلى العلماء كافة. و هو العمدة في الاستحباب، إذ لا يظهر دليل عليه سواه.

328
مستمسک العروة الوثقى9

الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة ؛ ج‌9، ص : 329

[الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة]

الرابعة عشر: إذا قبض الفقيه الزكاة بعنوان الولاية العامة برئت ذمة المالك (1)، و إن تلفت عنده- بتفريط أو بدونه- أو أعطى لغير المستحق اشتباهاً.

[الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيال]

الخامسة عشرة: إذا احتاجت الزكاة إلى كيل أو وزن كانت أجرة الكيال و الوزان على المالك لا من الزكاة (2).

[السادسة عشرة: إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد]

السادسة عشرة: إذا تعدد سبب الاستحقاق في شخص واحد كأن يكون فقيراً و عاملا و غارماً مثلا، لأن قبضه قبض المستحق، كما هو مقتضى دليل الولاية في المقام و في سائر مواردها.

كما عن الأكثر. لأنه مقدمة للتسليم الواجب. و رد: بأن الواجب من الدفع عدم الحبس و الحيلولة بين العين و المستحق، و هذا المقدار لا يتوقف على الكيل أو الوزن. و فيه: أن المعنى الذي يمكن حمل الإيتاء عليه هو رفع الحوائل عن وضع المستحق يده الحق، و من الواضح أن عدم تعيينه في مصداق خارجي ملازم للحائل دون ذلك. و لا فرق في ذلك بين عدم تعيينه أصلا، أو تعيينه في المشاع. فاذا توقف ذلك التعيين على مئونة كانت على المالك، لأنه المخاطب بالتعيين. كما لا فرق في ذلك بين القول بكون الزكاة جزءاً من النصاب أو مالا عليه أو في ذمة المالك، لاشتراط المقتضي في الجميع.

و من ذلك يظهر ضعف ما عن المبسوط: من أن الأجرة على الزكاة لأنه سبحانه أوجب على المالك قدراً معلوماً من الزكاة، فلو وجبت الأجرة عليه لزم أن يزاد الواجب على القدر الذي وجب. إذ فيه: أن ذلك وجوب للمقدمة، لا بالأصالة.

329
مستمسک العروة الوثقى9

السابعة عشرة: المملوك الذي يشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له ؛ ج‌9، ص : 330

جاز أن يعطى بكل سبب نصيباً (1).

[السابعة عشرة: المملوك الذي يشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له]

السابعة عشرة: المملوك الذي يشتري من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة، دون الامام (ع) (2) و لكن الأحوط صرفه في الفقراء فقط.

كما هو المعروف. للإطلاق. و الانصراف إلى صورة تباين الافراد- كما عن الحدائق- ممنوع، بنحو يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق.

على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، كما في الجواهر، و عليه علماؤنا، كما في المعتبر و عن المنتهى.

لموثق عبيد: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعاً يدفع ذلك اليه، و نظر إلى مملوك يباع بثمن يريده، فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه، هل يجوز ذلك؟ قال: نعم، لا بأس بتلك.

قلت: فإنه لما أن أعتق و صار حراً اتجر و احترف فأصاب مالا كثيراً، ثمَّ مات و ليس له وارث، فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال (ع): يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقون الزكاة، لأنه إنما اشتري بمالهم» «1».

و‌

في الصحيح عن أيوب بن الحر: «ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري بسهمهم» «2».

و مقتضى الأول و إن كان اختصاص الولاء بالفقراء، إلا أن التعليل فيه بأنه اشتري بمالهم موجب لحمله على إرادة أرباب الزكاة- و لو بقية الأصناف- لحكومة التعليل، كما في سائر الموارد. فيكون ذكر الفقراء لأنهم العمدة في المصرف لا لخصوصية فيهم، كما هو الحال في النصوص المتضمنة أن الزكاة للفقراء. بل مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي جواز صرفه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

330
مستمسک العروة الوثقى9

الثامنة عشرة: أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة ؛ ج‌9، ص : 331

[الثامنة عشرة: أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة]

الثامنة عشرة: قد عرفت سابقاً (1): أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة، بل يجوز دفع ما يزيد على غناه إذا أعطي دفعة، فلا حد لأكثر ما يدفع إليه. و إن كان الأحوط الاقتصار على قدر الكفاف، خصوصاً في المحترف الذي لا تكفيه حرفته. نعم لو أعطي تدريجاً فبلغ مقدار مئونة السنة حرم عليه أخذ ما زاد للإنفاق. و الأقوى أنه لا حد لها في طرف القلة (2) أيضاً، من غير فرق بين زكاة النقدين في الرقاب أيضاً، فيكون الولاء من نتائج الزكاة، فيجري عليه حكمه.

و من ذلك يظهر ضعف ما جعله في الجواهر تحقيقاً في المقام: من كون الإرث للفقراء لا غير. و أضعف منه: ما عن جماعة من المتأخرين- منهم العلامة- من كون الوارث الإمام، لأنه لا يملكه مستحق الزكاة، فلا وجه لارثه له، و الامام وارث من لا وارث له. إذ هو- كما ترى- طرح للنص المعتبر من دون وجه ظاهر.

يعني: في أصناف المستحقين. و عرفت هناك الوجه في جميع ما ذكره. فراجع.

كما عن جمل السيد و السرائر و القاضي و الشهيدين و أكثر من تأخر عنهما، خلافاً لظاهر المقنعة و الانتصار و الصدوقين و الشيخ في النهاية و المبسوط و التهذيب و الإسكافي و ابن حمزة و سلار و الغنية و المعتبر و الشرائع و النافع على ما حكي عن بعضها. فقيل- و هو الأكثر. كما في المعتبر و الشرائع- لا يعطى الفقير أقل مما يجب في النصاب الأول، و هو خمسة دراهم، أو عشرة قراريط. و قيل- كما في المعتبر حكايته عن سلار و ابن الجنيد-: أقله ما يجب في النصاب الثاني، و هو قيراطان، أو درهم.

و استدل في المعتبر للأول:

بصحيح أبي ولاد عن أبي عبد اللّه (ع): «سمعته

331
مستمسک العروة الوثقى9

الثامنة عشرة: أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة ؛ ج‌9، ص : 331

.....

يقول: لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم، و هو أقل ما فرض اللّٰه- عز و جل- من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحداً من الزكاة أقل من خمسة دراهم فصاعداً» «1»

، و‌

خبر معاوية بن عمار و عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه (ع): «لا يجوز أن يدفع من الزكاة أقل من خمسة دراهم، فإنها أقل الزكاة» «2».

و رد بأن الخبرين المذكورين معارضان‌

بصحيح محمد «3» ابن أبي الصهبان: «كتبت إلى الصادق (ع): هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة الدراهم، فقد اشتبه ذلك علي؟ فكتب:

ذلك جائز» «4»

، و‌

صحيح محمد بن عبد الجبار: «إن بعض أصحابنا كتب- على يدي أحمد بن إسحاق- إلى علي بن محمد العسكري (ع): أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة؟ فكتب: افعل إن شاء اللّٰه تعالى» «5».

و حملهما على التقية إنما يجوز بعد تعذر الجمع العرفي. لكنه ممكن بحمل (لا يجوز) على الكراهة.

و دعوى: أن (يجوز) و (لا يجوز) متنافيان قطعاً مسلمة، لكن لا تمنع من صرف أحدهما إلى الآخر، بحيث يكون قرينة عليه، لأن أحدهما ظاهر و الثاني أظهر. و أضعف منها: دعوى أن المكاتبتين لا ينفيان التقدير الثاني. وجه الضعف: أن التقدير الثاني يكفي في نفيه أصالة الإطلاق، إذ لا دليل عليه. و العمدة في الاشكال هو التقدير الأول، الذي تدل عليه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 23 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(3) محمد بن أبي الصهبان، هو محمد بن عبد الجبار الذي ذكروا: أنه من أصحاب أبي الحسن الهادي (ع)، فكيف تصح مكاتبته إلى الصادق (ع)؟. (منه قدس سره).

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 23 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

332
مستمسک العروة الوثقى9

الثامنة عشرة: أنه لا يجب الاقتصار في دفع الزكاة على مئونة السنة ؛ ج‌9، ص : 331

و غيرهما (1). و لكن الأحوط عدم النقصان عما في النصاب الأول من الفضة في الفضة، و هو خمسة دراهم، و عما في النصاب الأول من الذهب في الذهب، و هو نصف دينار. بل الأحوط مراعاة مقدار ذلك في غير النقدين أيضاً (2). و أحوط من ذلك النصوص المتقدمة. هذا مضافاً إلى ما في خبر عبد الكريم بن عتبة «1» و غيره من نفي التوقيت و التوظيف و إن كانت استفادة شموله للمقام محل تأمل.

المحكي عن القائلين بالتقدير: أنهم ما بين مقتصر عليه في الفضة- كالمفيد في المقنعة- و مقتصر عليه في الذهب- كعلي بن بابويه- و ناص على عمومه لهما، كالأكثر، و منهم المحقق في الشرائع. و الأول مقتضى الجمود على النص، لأن الخمسة دراهم إنما فرضت في زكاة الفضة لا غير، فالتعدي إلى الذهب يحتاج إلى إلغاء خصوصية موضوعه. و عليه يسهل التعدي إلى غير النقدين أيضاً، كما هو أحد القولين. و قيل بعدم التعدي إلى غيرهما، كما في المسالك، و عن حواشي القواعد.

و على تقدير التعدي فهل هو بلحاظ القيمة في النقدين- زادت أو نقصت عما يجب في النصاب الأول أو الثاني من موضوع الزكاة- أو بلحاظ ما يجب في النصاب الأول أو الثاني منه، فلا يدفع إلى الفقير أقل من شاة من نصاب الإبل و الغنم، و لا أقل من تبيع أو تبيعة من نصاب البقر؟ وجهان.

و في المسالك: جعل الأول هو الأجود. و في الجواهر: جعل الثاني أجود حملا للخمسة دراهم على كونها مثالا لما يجب في النصاب الأول، لا على إرادة القيمة، كما هو مبنى ما في المسالك. لكنه خلاف الظاهر، فالبناء على ما في المسالك أولى.

قد يظهر منه اختيار ما استجوده في المسالك من أحد الوجهين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

333
مستمسک العروة الوثقى9

التاسعة عشرة: يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك ؛ ج‌9، ص : 334

مراعاة ما في أول النصاب من كل جنس (1)، ففي الغنم و الإبل لا يكون أقل من شاة. و في البقر لا يكون أقل من تبيع. و هكذا في الغلات يعطى ما يجب في أول حد النصاب.

[التاسعة عشرة: يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك]

التاسعة عشرة: يستحب للفقيه أو العامل أو الفقير الذي يأخذ الزكاة الدعاء للمالك (2). بل هو الأحوط بالنسبة إلى الفقيه الذي يقبض بالولاية العامة.

هذا إذا كان أكثر قسمة من الخمسة دراهم. و لو كان أقل، فالأحوط مقدار الخمسة دراهم.

قد اختلف في وجوب الدعاء للمالك على النبي (ص) و الامام عند قبض الزكاة منه، فعن صدقات المبسوط و الخلاف و العلامة- في جملة من كتبة-: الاستحباب، و عن المبسوط و الخلاف و المعتبر و الإرشاد و المسالك و الدروس و غيرها: الوجوب، بل نسب إلى الأكثر. لظاهر الأمر بالصلاة عليهم في الآية الشريفة «1». و رد: بأنه لا يجب على الفقير إجماعاً، فعدم الوجوب على نائبه أولى. و بأن أمير المؤمنين (ع) لم يأمر مصدقه بذلك حين أرسله لجباية الصدقات «2». و فيه ما لا يخفى، فإن الأولوية ممنوعة.

و عدم أمره (ع) أعم من عدم الوجوب.

و هل يجب على الفقيه على تقدير القول بالوجوب على النبي (ص) أو الإمام؟ قولان: الوجوب، لأصالة الاشتراك. و للتأسي. و العدم، لعدم ثبوت الاشتراك مطلقاً. و لا سيما بملاحظة التعليل في الآية: بأن صلاته (ص) سكن لهم، لعدم ثبوت ذلك في الفقيه. و التأسي لا دليل على وجوبه.

و دعوى: أن ذلك لطف، و اللطف واجب، من غير فرق بين النبي (ص)

______________________________
(1) التوبة: 103.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 1.

334
مستمسک العروة الوثقى9

العشرون: يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة ؛ ج‌9، ص : 335

[العشرون: يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة]

العشرون: يكره لرب المال طلب تملك ما أخرجه في الصدقة الواجبة و المندوبة (1). نعم لو أراد الفقير بيعه- بعد تقويمه عند من أراد- كان المالك أحق به من غيره (2)، و لا كراهة (3). و كذا لو كان جزءاً من حيوان لا يمكن و نائبه الخاص و العام، غير ظاهر. و لو تمت اقتضت الدعاء في كل مورد.

كدعوى: أن ذلك مقتضى ولاية الفقيه، إذ اقتضاؤها لمثل ذلك ممنوع جداً.

و أما الاستحباب للفقيه فالعمدة فيه الفتوى.

بلا خلاف كما عن غير واحد، بل عن المعتبر و المدارك: الإجماع عليه. و استدل له: بأنها طهور للمال فهي وسخ، فالراجع فيه كالراجع بقيئه «1». و بأنه ربما استحي الفقير فيترك المماكسة، فيؤدي إلى استرجاع بعضها، و هما كما ترى. نعم‌

في مصحح منصور: «قال أبو عبد اللّه (ع): إذا تصدق الرجل بصدقة لم يحل له أن يشتريها، و لا يستوهبها، و لا يستردها إلا في ميراث» «2».

و‌

في مصححه الآخر عنه (ع): «إذا تصدقت بصدقة لم ترجع إليك و لم تشترها، إلا أن تورث» «3»

المتعين حملهما على الكراهة إجماعاً.

كما‌

في صحيح محمد بن خالد: «أنه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن الصدقة

.. (إلى أن قال) (ع):

فإذا أخرجها فليقيمها فيمن يريد، فاذا قامت على ثمن، فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها» «4».

هذا غير ظاهر، بل هو خلاف إطلاق النصوص المتقدمة.

______________________________
(1) لاحظ الوسائل باب: 11، 14 من أبواب الوقوف و الصدقات، باب: 10 من أبواب الهبات.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب الوقوف و الصدقات حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الأنعام حديث: 3.

335
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة ؛ ج‌9، ص : 336

للفقير الانتفاع به، و لا يشتريه غير المالك. أو يحصل للمالك ضرر بشراء الغير، فإنه تزول الكراهة (1) حينئذ أيضاً. كما أنه لا بأس بإبقائه في ملكه إذا عاد إليه بميراث و شبهه من المملكات القهرية (2).

[فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة]

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة قد عرفت سابقاً: أن وقت تعلق الوجوب- فيما يعتبر فيه الحول- حولانه بدخول الشهر الثاني عشر (3)، و أنه يستقر الوجوب بذلك، و إن احتسب الثاني عشر من الحول الأول، لا الثاني.

كما عن غير واحد التصريح به، بل عن المنتهى: الإجماع عليه.

و هو العمدة في نفي الكراهة. مضافاً إلى احتمال انصراف النصوص المتقدمة عن الفرض. فتأمل.

بلا خلاف كما قيل. و عن المعتبر: الإجماع عليه. و عن المدارك:

أنه يندرج في شبهة شراء الوكيل العام و استيفاؤها له من مال الموكل. و في الجواهر: هو جيد. و كأنه لعدم دخوله في معقد الإجماع المتقدم، و إلا فالنصوص المتقدمة شاملة له. فتأمل.

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة تقدم ذلك في الشرط الرابع من شرائط وجوب الزكاة في المواشي و في الشرط الثالث من شرائطه في النقدين.

336
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة ؛ ج‌9، ص : 336

و في الغلات: التسمية (1)، و أن وقت وجوب الإخراج- في الأول- هو وقت التعلق، و في الثاني هو الخرص و الصرم في النخل، و الكرم و التصفية في الحنطة و الشعير. و هل الوجوب بعد تحققه فوري أولا؟ أقوال (2)، ثالثها: أن وجوب تقدم ذلك في المسألة الأولى من فصل زكاة الغلات، و في المسألة السادسة منه. فراجع.

أصول الأقوال في المسألة ثلاثة: القول بالفورية، و القول بعدمها و التفصيل بين الإخراج- و لو بالعزل- فيجب فوراً، و بين الدفع فلا يجب و على القول بالفورية، فهل هي مع الإمكان مطلقاً، أو عند عدم انتظار الأفضل، أو التعميم- كما في الدروس- أو عند عدم انتظار الأفضل، أو الأحوج، أو معتاد الطلب- كما عن البيان- أو إذا لم يكن التأخير للتعميم خاصة، بشرط دفع نصيب الموجودين فوراً، كما عن جملة من كتب العلامة (ره)؟ قال في التذكرة: «لو أخر مع إمكان الأداء كان عاصياً ..

(إلى أن قال): و الوجه: أن التأخير إنما يجوز لعذر .. (إلى أن قال): لو أخرها ليدفعها إلى من هو أحق بها- من ذي قرابة، أو حاجة شديدة- فالأقرب المنع و إن كان يسيراً .. (إلى أن قال): الأقرب أن التأخير- لطلب بسطها على الأصناف الثمانية، أو الموجودين منهم- عذر مع دفع نصيب الموجودين ..» و على القول بعدمها، فهل هو مطلقاً، أو إلى شهر أو شهرين، كما عن الشيخين، و مال إليه ثاني الشهيدين؟.

هذا و أما النصوص الواردة في المسألة فهي مختلفة المدلول.

فمنها: ما يظهر منه الفورية في الإعطاء،

كخبر أبي بصير- المروي عن مستطرفات السرائر-: «قال أبو عبد اللّه (ع): إذا أردت أن تعطي زكاتك- قبل حلها بشهر أو شهرين- فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها

337
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة ؛ ج‌9، ص : 336

.....

بعد حلها» «1».

و منها: ما يظهر منه الفورية في الإخراج و العزل،

كصحيح سعد بن سعد عن أبي الحسن الرضا (ع): «عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاث أوقات، أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال (ع):

متى حلت أخرجها» «2».

و منها: ما هو مطلق في جواز التأخير في الإعطاء،

كصحيح حماد: «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين» «3».

و نحوه‌

صحيح معاوية بن عمار: «الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم. قال (ع): لا بأس. قلت: فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان؟ قال (ع): لا بأس» «4».

و منها: ما هو ظاهر في جواز التأخير مع العزل،

كصحيح ابن سنان: «في الرجل يخرج زكاته، فيقسم بعضها و يبقي بعضاً يلتمس لها المواضع فيكون بين أوله و آخره ثلاثة أشهر. قال (ع): لا بأس» «5».

و نحوه صحيح سعد المتقدم.

و منها: ما هو ظاهر في جواز التأخير في صورة العزل و عدمه،

كموثق يونس: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): زكاتي تحل علي في شهر، أ يصلح لي أن أحبس منها شيئاً، مخافة أن يجيئني من يسألني يكون عندي عدة؟

فقال (ع): إذا حال الحول فأخرجها من مالك- لا تخلطها بشي‌ء- ثمَّ

______________________________
(1) الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 49 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 53 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

338
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوب إخراج الزكاة ؛ ج‌9، ص : 336

الإخراج- و لو بالعزل- فوري، و أما الدفع و التسليم فيجوز فيه التأخير. و الأحوط عدم تأخير الدفع، مع وجود المستحق

أعطها كيف شئت. قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي؟

قال (ع): نعم، لا يضرك» «1».

و لو لا هذا القسم الأخير لأمكن الجمع بين ما تضمن الفورية في الإعطاء و ما تضمن عدمها، بحمل الأول على صورة عدم العزل، و الثاني على صورة العزل، بشهادة القسم الرابع، لأنه باختصاصه بصورة العزل يكون أخص مطلقاً من الأول، فيقيد به. و حينئذ يكون الأول أخص مطلقاً من الثاني فيقيد به، إذ لو لا ذلك لزم الطرح، و الجمع أولى منه. و يعمل بما دل على الفورية في العزل على ظاهره، لعدم المنافي. و يكون المتحصل من المجموع: وجوب المبادرة إلى الدفع، أو العزل، و معه يجوز التأخير في الدفع. لكن الأخير لما كان ظاهراً في جواز التأخير- في صورتي العزل و عدمه- كان معارضاً للأول مبايناً له. و حينئذ يتعين الجمع بينهما، بالحمل على الكراهة. إلا أن يقال. المتضمن للفورية في الإعطاء شامل لصورتي العزل و عدمه، و لصورتي انتظار المستحق و عدمه، فيمكن الأخذ بظاهره من المنع، مع تقييده بصورة عدم انتظار المستحق، فيحمل ما دل على جواز تأخير الإعطاء مطلقاً على صورة انتظاره.

اللهم إلا أن يقال: خبر أبي بصير- المانع مطلقاً- ضعيف السند، فلا يصلح لإثبات المنع. و فيه: أنه يكفي- في عموم المنع- النصوص المتواترة الدالة على عدم جواز حبس الزكاة و منعها عن أهلها «2»، فيجمع بينها و بين ما سبق بما ذكر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 52 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) راجع الوسائل باب: 3، 4، 5 من أبواب ما تجب فيه الزكاة و ما تستحب فيه.

339
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي ؛ ج‌9، ص : 340

و إمكان الإخراج إلا لغرض، كانتظار مستحق معين، أو الأفضل، فيجوز حينئذ- و لو مع عدم العزل- الشهرين و الثلاثة، بل الأزيد. و إن كان الأحوط حينئذ العزل ثمَّ الانتظار المذكور، و لكن لو تلفت بالتأخير- مع إمكان الدفع- يضمن (1).

[ (مسألة 1): الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي]

(مسألة 1): الظاهر أن المناط في الضمان مع وجود المستحق هو التأخير عن الفور العرفي (2)، فلو أخر ساعة أو ساعتين- بل أزيد- فتلفت من غير تفريط فلا ضمان، و إن أمكنه الإيصال إلى المستحق من حينه مع عدم كونه حاضراً عنده. و أما مع حضوره فمشكل، خصوصاً إذا كان مطالباً (3).

[ (مسألة 2): يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق]

(مسألة 2): يشترط في الضمان مع التأخير العلم بوجود المستحق، فلو كان موجوداً لكن المالك لم يعلم به فلا ضمان (4) لأنه معذور حينئذ في التأخير.

[ (مسألة 3): لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع النصاب متلف]

(مسألة 3): لو أتلف الزكاة المعزولة- أو جميع للنصوص الدالة عليه، المتقدمة في الفصل السابق.

كأنه لانصراف النصوص إليه.

لإطلاق نصوص الضمان الشامل لذلك.

لتعليق الضمان على وجدان الأهل، كما في مصحح ابن مسلم «1»، و معرفة الأهل، كما في مصحح زرارة «2»، و كلاهما منتف. و أما التعليل في المتن فعليل، إذ المعذورية في التأخير في المقام لم تجعل موضوعاً لنفي الضمان، كما هو ظاهر.

______________________________
(1) تقدم ذكر الروايتين في المسألة: 10 من الفصل السابق.

(2) تقدم ذكر الروايتين في المسألة: 10 من الفصل السابق.

340
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب ؛ ج‌9، ص : 341

النصاب- متلف، فان كان مع عدم التأخير الموجب للضمان يكون الضمان على المتلف فقط، و إن كان مع التأخير المزبور من المالك فكل من المالك و الأجنبي ضامن (1). و للفقيه أو العامل الرجوع على أيهما شاء، و إن رجع على المالك رجع هو على المتلف (2) و يجوز له الدفع من ماله ثمَّ الرجوع على المتلف.

[ (مسألة 4): لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب]

(مسألة 4): لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقت الوجوب (3) لوجود السبب بالنسبة إلى كل منهما، فإن الأول ضامن بالتفريط و الأجنبي بالإتلاف.

على ما ذكروه في مسألة تعاقب الأيدي.

كما هو المشهور شهرة عظيمة. لما دل على اعتبار الحول، و أنه لا شي‌ء في المال قبله،

كمصحح عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

الرجل يكون عنده المال، أ يزكيه إذا مضى نصف السنة؟ فقال (ع):

لا، و لكن حتى يحول عليه الحول و يحل عليه. إنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها، و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء.

و كل فريضة إنما تؤدى إذا حلت» «1»

، و‌

مصحح زرارة: «قلت لأبي جعفر (ع): أ يزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال (ع): لا.

أ يصلي الأولى قبل الزوال؟» «2».

و عن ابن أبي عقيل و سلار: الجواز. و يشهد لهم جملة من النصوص، منها: ما تقدم في المسألة السابقة. و نحوها غيرها. لكنها محمولة عندهم على التقية، لأن جواز التعجيل مذهب كثير من العامة. أو على كون التقديم بعنوان القرض. و قد يومئ إليه ما‌

في صحيح الأحول: «في رجل عجل

______________________________
(1) الوسائل باب: 51 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 51 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

341
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): إذا أراد أن يعطي فقيرا شيئا و لم يجي‌ء وقت وجوب الزكاة عليه ؛ ج‌9، ص : 342

على الأصح، فلو قدمها كان المال باقياً على ملكه (1) مع بقاء عينه، و يضمن تلفه القابض إن علم بالحال. و للمالك احتسابه جديداً مع بقائه، أو احتساب عوضه مع ضمانه، و بقاء فقر القابض، و له العدول عنه إلى غيره.

[ (مسألة 5): إذا أراد أن يعطي فقيراً شيئاً و لم يجي‌ء وقت وجوب الزكاة عليه]

(مسألة 5): إذا أراد أن يعطي فقيراً شيئاً و لم يجي‌ء وقت وجوب الزكاة عليه يجوز أن يعطيه قرضاً، فاذا جاء وقت الوجوب حسبه عليه زكاة (2)، بشرط بقائه على صفة الاستحقاق، و بقاء الدافع و المال على صفة الوجوب. و لا يجب عليه ذلك، بل يجوز مع بقائه على الاستحقاق الأخذ منه

زكاة ماله ثمَّ أيسر المعطى قبل رأس السنة. قال (ع): يعيد المعطي الزكاة» «1».

اللهم إلا أن يعتبر في جواز التعجيل بقاء المعطى على صفة الاستحقاق إلى زمان الوجوب.

و الانصاف أن الحمل الأخير بعيد جداً، و ليس مما يساعد عليه العرف و لا سيما بملاحظة ما اشتمل منها على التقييد بالمدة، أو باحتاج المعطى.

و حينئذ فإن أمكن العمل بها وجب، فيجمع بينها و بين نصوص المشهور بالحمل على الفرد التنزيلي. و إن لم يمكن العمل بها- لأجل إعراض المشهور عنها- يتعين طرحها، و لا يهم كون وجه صدورها التقية أو غيرها، و إن كان الظاهر حينئذ هو ذلك. و لا ينافيه التقييد بمدة، لجواز أن يكون مذهباً لبعض العامة.

لكون المفروض عدم صحته زكاة، و لم يقصد غيرها، فلا موجب للخروج عن ملكه. هذا و باقي الأحكام تقدم في أول فصل أصناف المستحقين.

كما تضمنته النصوص. و قد تقدم في فصل أصناف المستحقين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

342
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): لو أعطاه قرضا فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة ؛ ج‌9، ص : 343

و الدفع إلى غيره. و إن كان الأحوط الاحتساب عليه (1) و عدم الأخذ منه.

[ (مسألة 6): لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة]

(مسألة 6): لو أعطاه قرضاً فزاد عنده زيادة متصلة أو منفصلة، فالزيادة له (2)، لا للمالك. كما أنه لو نقص كان النقص عليه، فان خرج عن الاستحقاق، أو أراد المالك الدفع إلى غيره يسترد عوضه لا عينه، كما هو مقتضى حكم القرض (3) بل مع عدم الزيادة أيضاً ليس عليه إلا رد المثل أو القيمة.

[ (مسألة 7): لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول بقصد الاحتساب عليه]

(مسألة 7): لو كان ما أقرض الفقير في أثناء الحول- بقصد الاحتساب عليه بعد حلوله- بعضاً من النصاب، و خرج الباقي عن حده، سقط الوجوب على الأصح (4)، لعدم لم أقف على قول بوجوب ذلك أو احتماله. و كأن منشأ الاحتياط:

احتمال أنه محمل النصوص المتقدمة في التعجيل، بأن يكون المراد منها:

أنه يقرضه قبل الحول. و تسميته تعجيلا للزكاة باعتبار تعين احتسابه زكاة.

يعني: للمقترض، لأنها نماء ملكه. هذا على المشهور من ملك المقترض بالقبض. و أما على ما نسب إلى الشيخ (ره) في المبسوط و المختلف:

من عدم حصول الملك به و إنما يملكه بالتصرف، فالزيادة- مع عدم التصرف- ملك المقرض، لأنها نماء ملكه. و كذا الكلام في النقصان.

من كونه لازماً، إذ الارتجاع للعين إن كان بعنوان الفسخ فهو خلاف مقتضى لزومه، و ان كان بلا ذلك العنوان فهو خلاف قاعدة السلطنة.

و عن الشيخ «ره»: جواز الارتجاع، لأن القرض لا يزيد على الهبة. و لأنه من العقود الجائزة، و لغير ذلك، مما هو مذكور، و مضعف في محله.

كما هو المشهور. لما في المتن. و عن الشيخ «ره»: الوجوب‌

343
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لو استغنى الفقير - الذي أقرضه بالقصد المذكور ؛ ج‌9، ص : 344

بقائه في ملكه طول الحول. سواء كانت العين باقية عند الفقير أو تالفة، فلا محل للاحتساب. نعم لو أعطاه بعض النصاب أمانة- بالقصد المذكور- لم يسقط الوجوب، مع بقاء عينه عند الفقير، فله الاحتساب (1) حينئذ بعد حلول الحول إذا بقي على الاستحقاق.

[ (مسألة 8): لو استغنى الفقير- الذي أقرضه بالقصد المذكور]

(مسألة 8): لو استغنى الفقير- الذي أقرضه بالقصد المذكور بعين هذا المال ثمَّ حال الحول، يجوز الاحتساب عليه، لبقائه على صفة الفقر (2) بسبب هذا الدين، و يجوز الاحتساب بناء منه إما على أن القرض يملك بالتصرف لا بالقبض، فلم ينثلم النصاب على تقدير بقاء العين عند الفقير. و إما لبنائه على ثبوت الزكاة في الدين.

و المحكي عنه في الخلاف الاستدلال على ذلك: بأنه ثبت أن ما يعجله على وجه الدين، و ما يكون كذلك فكأنه حاصل عنده و جاز له أن يحتسب به لأن المال ما نقص عن النصاب، و ظاهره أن مبناه الثاني. و كيف كان فهو ضعيف، لما تقدم في محله من ضعف المبني.

لاجتماع شرائط الوجوب.

كما تقدم. لكن عن الحلي: المنع من جواز الاحتساب عليه، لصيرورته غنياً، فيخرج عن موضوع الاستحقاق. قال في محكي السرائر:

«و عندنا أن من عليه دين، و له من المال الذهب و الفضة بقدر الدين، و كان ذلك المال الذي معه نصاباً، فلا يعطى من الزكاة. و لا يقال: إنه فقير يستحق الزكاة، بل يجب عليه إخراج الزكاة مما معه، لأن الدين- عندنا- لا يمنع من وجوب الزكاة، لأن الدين في الذمة، و الزكاة في العين ..»‌

و الاشكال فيه ظاهر مما سبق.

344
مستمسک العروة الوثقى9

فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نية القربة ؛ ج‌9، ص : 345

من سهم الغارمين أيضاً. و أما لو استغنى بنماء هذا المال، أو بارتفاع قيمته إذا كان قيمياً، و قلنا أن المدار قيمته يوم القرض لا يوم الأداء (1)، لم يجز الاحتساب عليه.

[فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نية القربة]

فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نية القربة (2)، و التعيين مع تعدد ما عليه، بأن يكون عليه خمس و زكاة- و هو هاشمي- فأعطى هاشمياً، فإنه يجب عليه أن يعين أنه من أيهما. و كذا إذا كان يوم الأداء هو زمان الاحتساب، لأن ارتفاع القيمة ذلك اليوم يوجب زيادة الدين، فلا يصير به غنياً. أما لو كان يوم الأداء متأخراً عن يوم الاحتساب، و علم بأنه تنقص قيمته يوم الأداء عن قيمته يوم الاحتساب، بحيث يكون التفاوت بين القيمتين بمقدار مئونة سنته، لا يجوز الاحتساب عليه، لصيرورته غنياً.

فصل إجماعاً بقسميه عليه، كما في الجواهر، و في المعتبر: هو مذهب العلماء، خلا الأوزاعي قال إنها دين، فلا يعتبر لها النية كسائر الديون.

و نحوه ما عن التذكرة و المنتهى. و عن المدارك و غيرها: أنه إجماع. و كفى بهذه الإجماعات دليلا على الحكم. فيعتبر في نيتها ما يعتبر في نية سائر العبادات من القربة، و الإخلاص، و التعيين- بمعنى: قصد الخصوصيات المأخوذة في موضوع الأمر، مثل كونه صلاة لا صوماً- و إن اتحد الواجب. غاية.

345
مستمسک العروة الوثقى9

فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نية القربة ؛ ج‌9، ص : 345

لو كان عليه زكاة و كفارة، فإنه يجب التعيين، بل و كذا إذا كان عليه زكاة المال و الفطرة، فإنه يجب التعيين على الأحوط (1) بخلاف ما إذا اتحد الحق (2) الذي عليه، فإنه يكفيه الدفع بقصد ما في الذمة و إن جهل نوعه. بل مع التعدد أيضاً يكفيه التعيين الإجمالي، بأن ينوي ما وجب عليه أولًا أو ما وجب ثانياً مثلًا. و لا يعتبر نية الوجوب و الندب. و كذا لا يعتبر أيضاً نية الجنس الذي تخرج منه الزكاة، أنه من الأنعام أو الغلات أو النقدين، من غير فرق بين أن يكون محل الوجوب متحداً أو متعدداً، بل و من غير فرق بين أن يكون نوع الحق الأمر: أنه لما كان يكفي التعيين الإجمالي، كان قصد ما في الذمة- مع الاتحاد- محصلا للتعيين، و لا كذلك مع التعدد، لا أنه لا يعتبر التعيين مع الاتحاد.

و لكن تقدم احتمال في نية الصلاة: أنه لا يعتبر التعيين مطلقاً في عرض قصد الأمر الخاص، بل يكفي قصد الأمر الخاص، غاية الأمر أنه يكون التعيين طريقاً إلى قصده. فراجع.

بل الأقوى. لاختلاف حقيقة الواجب، فان زكاة الفطرة تغاير زكاة المال ذاتاً- لاختصاص الثانية بالغلات و عموم الأولى لغيرها- و مورداً و سبباً، و وقتاً، و أحكاماً. و كل ذلك كاشف عن اختلاف الخصوصيات المعتبرة في موضوع الأمر.

تقدم في الصوم و غيره: أنه مع اتحاد موضوع الأمر في الخصوصيات يمتنع التعيين، إذ لا تعين. و الخصوصيات الخارجة عن الموضوع- مثل ما وجب أو لا في مقابل ما وجب ثانياً لا أثر لها في حصول التعين.

346
مستمسک العروة الوثقى9

فصل الزكاة من العبادات، فيعتبر فيها نية القربة ؛ ج‌9، ص : 345

متحداً أو متعدداً، كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل، فان الحق في كل منهما شاة. أو كان عنده من أحد النقدين و من الأنعام، فلا يجب تعيين شي‌ء من ذلك (1) سواء كان المدفوع من جنس واحد مما عليه أو لا، فيكفي مجرد قصد كونه زكاة. بل لو كان له ما لان متساويان أو مختلفان، حاضران أو غائبان أو مختلفان، فأخرج الزكاة إجماعاً كما عن المنتهى، و عن المدارك: أنه مقطوع به في كلام الأصحاب. لكن يشكل ذلك- بناء على تعلق الزكاة بالعين- إذ حينئذ يكون حال الزكاة حال الديون المتعلقة برهون متعددة، كما لو استقرض عشرة و جعل فرسه رهناً عليها، ثمَّ عشرة و جعل بعيره رهناً عليها، فاذا دفع إليه عشرة دراهم، و لم يعين أحد الدينين بعينه، لم يسقط كل منهما، و لم يصح قبضه وفاء، فان عين الأولى تحرر الفرس دون البعير. كما أنه لو عين الثانية تحرر البعير دون الفرس. و في المقام- كذلك- إذا نوى- في الشاة المدفوعة زكاة- أنها زكاة الأربعين شاة تحررت الشياه، و جاز له فيها التصرف من كل وجه، و بقيت الإبل على حالها موضوعاً للحق لا يجوز له التصرف فيها. و لو عكس النية انعكس الحكم. و كذا يختلف الحكم في التلف، فإنه إذا نواها عن الشياه فتلفت بقيت عليه زكاة الإبل، و لو نواها عن الإبل و قد تلفت الشياه لا شي‌ء عليه، و مع الاختلاف- بهذا المقدار- لا بد من النية، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح. نعم يتم ما ذكروه فيما لو كان عنده مائة و إحدى و عشرون من الغنم، فوجب عليه شاتان، فإنه لما لم يكن ميز بينهما، فاذا دفع إحداهما بلا تعيين سقطت إحداهما و بقيت الأخرى. و لا مجال للتعيين هنا، لعدم التعين في مقابل الفرد الآخر.

347
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة ؛ ج‌9، ص : 348

عن أحدهما من غير تعيين أجزأه، و له التعيين بعد ذلك. و لو نوى الزكاة عنهما وزعت، بل يقوى التوزيع مع نية مطلق الزكاة (1).

[ (مسألة 1): لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة]

(مسألة 1): لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة (2)، كما يجوز له التوكيل في الإيصال إلى الفقير.

و أشكل منه ما ذكروه في الفرض الثاني، فان الواجب في أحد النقدين أحد النقدين و في الأنعام الحيوان الخاص، فلو لم يعين- و كان المدفوع من غير الواجب بعنوان القيمة- جرى فيه ما سبق. و إن كان من نفس الواجب الأصلي فهو متعين في نفسه و لا مجال للتعيين، فان كان من الجنس الواجب في النقد تعين زكاة عنه، و إن كان من الجنس الواجب في الأنعام تعين زكاة عنها.

و لو نوى أنه إما زكاة عن النقد- مثلا- أو قيمة عن الانعام بطل، لما عرفت من عدم قصد الأمر الخاص.

فيه: أنه إذا لم يكن التوزيع منوياً يكون هو أيضاً ترجيحاً بلا مرجح، لأنه نحو خاص من التعين. و على ما ذكرنا يتعين بقاء المال على ملك المالك، فله تعيينه بعد ذلك ما لم يتلف بلا ضمان، فلا مجال لتعيينه لذهاب الموضوع، و عليه الدفع ثانياً. و كلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش و إشكال. فراجع. و كأن التوزيع- المذكور في كلام المصنف (ره) و غيره- مبني على قصد كون المدفوع زكاة عن المالين و لو بالإجمال، و يكون الفرق بينه و بين ما قبله بالتفصيل و الاجمال.

لأنه مما يقبل النيابة عندهم، كما صرحوا به هنا و في كتاب الوكالة. و قد تقدم- في المسألة الأولى من الفصل السابق- بعض ما يشهد له من النصوص، و هي جملة وافرة. و يشير إليه: ما تضمن حكم الوصية‌

348
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لا إشكال في أنه يجوز للمالك التوكيل في أداء الزكاة ؛ ج‌9، ص : 348

و في الأول ينوي الوكيل حين الدفع إلى الفقير عن المالك (1).

و الأحوط تولي المالك للنية أيضاً حين الدفع إلى الوكيل (2).

و في الثاني لا بد من تولي المالك للنية حين الدفع إلى الوكيل.

و الأحوط استمرارها إلى حين دفع الوكيل إلى الفقير.

بها. و الظاهر من صحيح ابن يقطين وروده في التوكيل في أداء الزكاة «1»، و من موثق سعيد وروده في التوكيل في الإيصال «2».

و الفرق بين الوكيل في الأداء و الوكيل في الإيصال: أن الأول ينوب عن المالك في أداء العبادة، نظير النائب في الصلاة، فتتوقف صحة الأداء على قصد النيابة عن المالك، مع قصد التقرب بالأمر المتوجه اليه. أما الوكيل في الإيصال فليس نائباً عن المالك، و لا تتوقف صحة الإيصال على قصد النيابة عنه، و لا قصد التقرب بالأمر المتوجه. إذ الإيصال يتحقق و إن لم يقصد المباشر القربة، بل و إن لم يكن له شعور، كالحيوان و المجنون بل و الريح و غيرها.

لأنه المؤدي للزكاة.

بل حين دفع الوكيل إلى الفقير، لأنه به يكون الإعطاء للزكاة الذي هو موضوع الوجوب العبادي، و أما الدفع إلى الوكيل في الأداء فليس موضوعاً له. و كذا الكلام في الفرض الثاني، فإن الدفع إلى الوكيل في الإيصال موضوع للوجوب الغيري، لأنه مقدمة لدفعه إلى الفقير الذي هو الواجب النفسي. فاللازم على المالك نية الإيصال إلى الفقير بالدفع الى الوكيل و لا يلزم حصول نية المالك حال الوصول الى الفقير، لصدق التقرب بالمسبب حال وقوعه إذا كان متسببا اليه بفعل السبب، و تكون النية قبل وقوع الواجب‌

______________________________
(1) تقدم ذكر الرواية في المسألة: 8 من فصل بقية أحكام الزكاة.

(2) تقدم ذكر الرواية في المسألة: 1 من فصل بقية أحكام الزكاة.

349
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): إذا دفع المالك - أو وكيله - بلا نية القربة له ؛ ج‌9، ص : 350

[ (مسألة 2): إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة له]

(مسألة 2): إذا دفع المالك- أو وكيله- بلا نية القربة له أن ينوي بعد وصول المال إلى الفقير (1)، و إن تأخرت عن الدفع بزمان. بشرط بقاء العين في يده، أو تلفها مع ضمانه كغيرها من الديون. و أما مع تلفها بلا ضمان فلا محل للنية (2).

[ (مسألة 3): يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء]

(مسألة 3): يجوز دفع الزكاة إلى الحاكم الشرعي بعنوان الوكالة عن المالك في الأداء، كما يجوز بعنوان الوكالة في الإيصال، و يجوز بعنوان أنه ولي عام على الفقراء. ففي الأول يتولى الحاكم النية وكالة حين الدفع إلى الفقير. و الأحوط تولي المالك أيضاً حين الدفع إلى الحاكم. و في الثاني يكفي نية المالك حين الدفع إليه (3)، و إبقاؤها مستمرة إلى حين الوصول إلى الفقير. و في الثالث أيضاً ينوي المالك حين الدفع إليه، لأن يده حينئذ يد الفقير المولى عليه.

لا حال وقوعه، نظير من رمى إنسانا بسهم فمات قبل وصول السهم إلى الإنسان ثمَّ وصل السهم فمات فإنه مقتول عمدا. فالاحتياط المذكور في المتن في الثاني استحبابي، و كلماتهم في المقام لا تخلو من تشويش لا يسع المقام التعرض له. فراجع.

لأن المراد من إيتاء الزكاة وصول المال إلى الفقير أعم من الحدوث و البقاء، فتصح نية الزكاة حال البقاء كما تصح حال الحدوث.

لعدم الموضوع بعد فرض التلف و عدم الضمان، كما نص عليه في الجواهر و غيرها.

قد عرفت إشكاله، و أن النية ينبغي أن تكون حين دفع الحاكم‌

350
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): إذا أدى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما ؛ ج‌9، ص : 351

[ (مسألة 4): إذا أدى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما]

(مسألة 4): إذا أدى ولي اليتيم أو المجنون زكاة مالهما يكون هو المتولي للنية (1).

[ (مسألة 5): إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولى هو النية عنه]

(مسألة 5): إذا أدى الحاكم الزكاة عن الممتنع يتولى هو النية عنه (2). و إذا أخذها من الكافر يتولاها أيضاً، عند أخذه منه (3)، أو عند الدفع (4) إلى الفقير. عن نفسه، لا من الكافر (5).

إلى الفقير. و يظهر أيضاً من تعليل المصنف (ره) حكم القسم الأخير.

بلا خلاف و لا إشكال، كما في الجواهر. لأنه نائب عنهما في الأداء، فإذا فرض توقف صحته على النية ناب عنهما في النية كسائر شرائط الصحة.

لأنه وليه، فيتولى الأداء الصحيح عنه المتوقف على النية.

إذا أخذها بعنوان الولاية على الفقراء أيضاً فيكون أخذه إيتاء.

إذا كان الأخذ بعنوان الولاية عليه فقط، فيكون أخذه مقدمة للايتاء، و يتحقق الإيتاء بالدفع إلى الفقراء.

كما صرح به غير واحد هنا و في نظيره، أعني: أخذ الخمس من الذمي إذا اشترى أرضاً من مسلم. معللين له: بأن الكافر لا تقع العبادة منه و لا عنه و يقتضيه ما صرحوا به في غير المقام في اعتبار صلاحية المتقرب للتقرب في صحة العبادة و الكافر فاقد لذلك و لذا قال في الجواهر في المقام:

«فيتولاها حينئذ الإمام أو الحاكم عنهما- لا عنه- على حسب ما عرفت.

و لا ينافي ذلك كون الخطاب لغير ذلك المتقرب، لأنه بعد أن قصر- لعدم الايمان المانع من صحة عباداته- كان المخاطب بإيتاء الزكاة من ماله الإمام أو الحاكم، فالتقرب حينئذ منهما باعتبار هذا الخطاب، الذي لا ريب في إجزائه في نحو الزكاة المشابهة للديون من جهات، و لذا جازت النيابة فيها ..».

351
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): لو كان له مال غائب مثلا ؛ ج‌9، ص : 352

[ (مسألة 6): لو كان له مال غائب مثلًا]

(مسألة 6): لو كان له مال غائب مثلًا، فنوى أنه إن كان باقياً فهذا زكاته، و إن كان تالفاً فهو صدقة مستحبة صح (1). بخلاف ما لو ردد في نيته و لم يعين هذا المقدار أيضاً، فنوى أن هذا زكاة واجبة أو صدقة مندوبة، فإنه لا يجزي.

لكن قد يشكل: بأن خطاب الإمام أو الحاكم بالنيابة عنه ليس عبادياً كي يتوقف سقوطه على النية، فلا موجب لها. و مجرد كون الخطاب للمالك بإيتاء الزكاة عبادياً لا يقتضيه، إذ لا ملازمة بينهما، بل المعلوم خلاف ذلك، كما هو ظاهر. اللهم إلا أن يقوم الإجماع على أن إيتاء الزكاة من العبادات من أي مؤت كان و لو كان غير المالك، فلو وجد الزكاة المعزولة الضائعة يجب عليه إيتاؤها للفقراء بعنوان العبادة. فتأمل جيداً.

لكن سيجي‌ء في المسألة الرابعة و الثلاثين من الفصل الأخير: عدم اعتبار القربة في إيتاء الزكاة المعزولة إذا كان نوى القربة بعزلها. و قد تقدم في شرائط الوجوب بعض ماله دخل في المقام.

بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا، بل في فوائد الشرائع:

لا مانع من صحته بوجه من الوجوه، بل عن الشيخ: الإجماع عليه، كذا في الجواهر. و تقتضيه القواعد الأولية، إذ لا دليل على قدح مثل هذا الترديد في صحة العبادة، إذ لا ترديد في الأمر المنوي امتثاله، و إنما الترديد في وصفه، و أنه وجوبي أو استحبابي. و لذا نقول بجوازه مع الاختيار و إمكان استعلام الحال، و إن كان المشهور المنع من ذلك، بل ربما حكي الإجماع عليه، و أنه لا يجوز الامتثال الإجمالي إذا أمكن الامتثال التفصيلي.

لكن الإجماع غير بالغ حد الحجية. و الرجوع إلى طريقة العقلاء في شرائط الامتثال لا يقتضيه بل يقتضي الجواز، كما حرر في الأصول. و هذا‌

352
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثم بان كونه تالفا ؛ ج‌9، ص : 353

 

[ (مسألة 7): لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمَّ بان كونه تالفاً]

(مسألة 7): لو أخرج عن ماله الغائب زكاة ثمَّ بان كونه تالفاً، فان كان ما أعطاه باقياً له أن يسترده، و إن كان تالفاً استرد عوضه، إذا كان القابض عالماً بالحال (1)، و إلا فلا.

[ختام فيه مسائل متفرقة]

ختام فيه مسائل متفرقة

[الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبي و المجنون تكليف للولي]

الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبي و المجنون تكليف للولي، و ليس من باب النيابة عن الصبي و المجنون (2)، فالمناط فيه اجتهاد الولي أو تقليده.

بخلاف الفرض الآتي، فان الترديد في نفس الأمر المنوي، و مثله لا يكون امتثالا لكل من طرفي الترديد، لعدم قصده.

إذا لم يكن القابض مغروراً من قبل الدافع، و إلا أشكل استرجاع عوضه، لقاعدة الغرور الموجبة لضمان الغار. و قد تقدم الكلام في نظير المسألة في أول فصل المستحقين. فراجع.

ختام فيه مسائل متفرقة تقدم الاشكال فيه، و أنه خلاف ظاهر الأدلة، فإنها ظاهرة في كون المصلحة عائدة للمالك صغيراً كان أم كبيراً. و توجيه الخطاب بالإخراج إليه ظاهرا في ثبوته له بعنوان الولاية، كالخطاب بغيره من التصرفات.

 

353
مستمسک العروة الوثقى9

الأولى: استحباب استخراج زكاة مال التجارة و نحوه للصبي و المجنون تكليف للولي ؛ ج‌9، ص : 353

فلو كان مذهبه- اجتهاداً (1) أو تقليداً- وجوب إخراجها أو استحبابه، ليس للصبي- بعد بلوغه- معارضته (2)، و إن قلد من يقول بعدم الجواز. كما أن الحال كذلك في سائر تصرفات الولي في مال الصبي أو نفسه، من تزويج و نحوه.

فلو باع ماله بالعقد الفارسي، أو عقد له النكاح بالعقد الفارسي أو نحو ذلك من المسائل الخلافية، و كان مذهبه الجواز، ليس للصبي- بعد بلوغه- إفساده بتقليد من لا يرى الصحة (3).

هذا ليس من فروع كون استحباب الإخراج ليس من باب النيابة، فإنا لو بنينا على كونه من النيابة كان مقتضى القاعدة الرجوع إلى اجتهاده أو تقليده، كما هو شأن كل عامل، سواء أ كان لنفسه عاملا أم لغيره، لأن غاية العمل- سواء أ كانت مصلحة دنيوية أم أخروية- إنما تترتب في نظره على ذلك، و لا تترتب في نظره على عمله المطابق لتكليف غيره، مع اعتقاده بخطئه اجتهاداً أو تقليداً، كما هو ظاهر.

هذا غير ظاهر. إلا إذا قام الدليل على أن اجتهاد الولي أو تقليده بنفسه مأخوذ موضوعاً لحكم الطفل. و لكنه ممنوع، فاذا اختلفا في الاجتهاد أو التقليد- كما لو كان تقليد الولي الوجوب أو الاستحباب و تقليد الصبي عدم المشروعية- تعين على كل منهما العمل على ما يقتضيه تكليفه، فإن أدى إلى النزاع و الخصومة رجعا إلى حاكم ثالث يفصل بينهما باجتهاده، كما يظهر من مقبولة ابن حنظلة «1». نعم قد يكون نظر الحاكم الذي يترافعان اليه عدم الضمان في مثل ذلك، لعدم التعدي و التفريط، فلو كان نظره الضمان تعين عليه حسن الخصومة به.

بل يتعين عليه ذلك، عملا بتقليده لمن يرى الفساد. نعم لو كان‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

354
مستمسک العروة الوثقى9

الثانية: إذا علم بتعلق الزكاة بماله، و شك في أنه أخرجها أم لا ؛ ج‌9، ص : 355

نعم لو شك الولي- بحسب الاجتهاد أو التقليد- في وجوب الإخراج أو استحبابه أو عدمهما، و أراد الاحتياط بالإخراج ففي جوازه إشكال، لأن الاحتياط فيه معارض بالاحتياط في تصرف مال الصبي. نعم لا يبعد ذلك إذا كان الاحتياط وجوبياً (1). و كذا الحال في غير الزكاة- كمسألة وجوب إخراج الخمس من أرباح التجارة للصبي- حيث انه محل للخلاف. و كذا في سائر التصرفات في ماله. و المسألة محل إشكال، مع أنها سيالة.

[الثانية: إذا علم بتعلق الزكاة بماله، و شك في أنه أخرجها أم لا]

الثانية: إذا علم بتعلق الزكاة بماله، و شك في أنه أخرجها أم لا، وجب عليه الإخراج للاستصحاب. إلا إذا كان الشك بالنسبة إلى السنين الماضية، فإن الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت، أو بعد تجاوز المحل (2). هذا و لو شك في أنه أخرج الزكاة عن مال الصبي في مورد يستحب رأي مجتهده كون عمل الولي- الجاري على مقتضى اجتهاده أو تقليده- صحيحاً بالإضافة إلى عمل الصبي، جاز له ترتيب آثار الصحة حينئذ، عملا بتقليده له.

كأنه لأجل كون المورد من قبيل الدوران بين محذورين، الذي يكون موضوع حكم العقل بالتخيير. إلا أن يقال: إن الاحتياط في مال اليتيم أهم، فيتعين في نظر العقل الأخذ به. و كذا مع احتمال الأهمية.

إشكاله ظاهر، فإن قاعدة الشك بعد الوقت مستندها‌

مصحح زرارة و الفضيل عن أبي جعفر (ع) في حديث: «متى استيقنت أو شككت في وقت فريضة أنك لم تصلها، أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها.

355
مستمسک العروة الوثقى9

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شك ؛ ج‌9، ص : 356

إخراجها- كمال التجارة له- بعد العلم بتعلقها به، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب، لأنه دليل شرعي. و المفروض أن المناط فيه شكه و يقينه، لأنه المكلف، لا شك الصبي و يقينه و بعبارة أخرى: ليس نائباً عنه (1).

[الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شك]

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شك في كون البيع بعد زمان تعلق الوجوب حتى يكون الزكاة عليه، أو قبله حتى يكون على المشتري، ليس عليه شي‌ء (2). إلا إذا كان زمان التعلق معلوماً و زمان البيع مجهولا، فإن الأحوط حينئذ الإخراج (3)، على إشكال في وجوبه (4). و كذا الحال

و إن شككت- بعد ما خرج وقت الفوت، و قد دخل حائل- فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن، فان استيقنت فعليك أن تصليها في أي حالة كنت» «1».

و مورده الصلاة، فالتعدي إلى غيرها يحتاج إلى عناية غير ظاهرة. مضافاً إلى أن كون الزكاة من قبيل الموقت الذي يفوت بفوات وقته غير ظاهر أيضاً. و أما قاعدة التجاوز فموضوعها الخروج عن محل المشكوك و الدخول في غيره مما هو مترتب عليه، و حصوله في المقام ممنوع.

بل لو كان نائباً عنه كان الحكم كذلك، فان شكه و يقينه في بقاء الاستحباب في حق الصبي يصححان جريان الاستصحاب فيه، و إذا ثبت الاستحباب في حقه- و لو ظاهراً- ناب الولي عنه، كما لو ثبت بالبينة، لعدم الفرق بين طرق الإثبات.

لأصالة البراءة من وجوب شي‌ء عليه.

لاستصحاب بقاء الملك إلى زمان التعلق، فيثبت به الوجوب.

كأنه: لاحتمال معارضة الأصل السابق بأصالة عدم التعلق إلى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 60 من أبواب المواقيت حديث: 1.

356
مستمسک العروة الوثقى9

الثالثة: إذا باع الزرع أو الثمر، و شك ؛ ج‌9، ص : 356

بالنسبة إلى المشتري إذا شك في ذلك، فإنه لا يجب عليه شي‌ء إلا إذا علم زمان البيع و شك في تقدم التعلق و تأخره، فان الأحوط حينئذ إخراجه (1)، على إشكال في وجوبه.

زمان البيع. لكنه ضعيف، لعدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ بلحاظ الزمان الإجمالي، كما أشير إلى ذلك في الوضوء، في مسألة من تيقن الطهارة و الحدث و شك في المتأخر. أو لأن الاستصحاب المتقدم إن كان المقصود به إثبات حق الزكاة في المبيع لإبطال البيع، فهو خلاف أصالة الصحة في البيع، المقدم على غيره من الأصول الموضوعية. و إن كان المقصود به ضمان حق الزكاة في ذمة البائع فهو مثبت، لتوقف الضمان على سبب وجودي، و هو غير محرز، و الأصل عدمه.

نعم لو كان السبب في الضمان أن يبيع موضوع الحق الزكوي، أمكن إثبات الضمان بالأصل المذكور، لأن السبب المذكور يثبت بعضه بالأصل و بعضه بالوجدان. هذا إذا أمكن الرجوع الى المشتري في استيفاء الزكاة.

أما إذا تعذر، فلا تبعد كفاية الأصل المذكور في إثبات الضمان إذا كان يصدق الإتلاف أو الحيلولة. فتأمل.

كأن وجهه: احتمال جريان نظير ما سبق فيه. لكنه غير ظاهر لأن أصالة عدم التعلق إلى زمان البيع لا تثبت موضوع الوجوب، كما أثبته نظيرها في الفرض السابق، لأن عدم التعلق إلى زمان البيع لم يجعل موضوعاً للوجوب إلا عرضاً من جهة لازمه و هو التعلق بعد البيع، لكن حجيته مبنية على القول بالأصل المثبت. بخلاف أصالة عدم البيع الى زمان التعلق، فإنه يثبت به- بلا واسطة- موضوع الوجوب، و هو التعلق فيما هو مملوك كما هو ظاهر. نعم علم المشتري إجمالا بتعلق الزكاة بالعين التي في يده مانع من صحة تصرفه فيه إلى أن يحصل له العلم بالأداء.

357
مستمسک العروة الوثقى9

الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج من تركته ؛ ج‌9، ص : 358

[الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج من تركته]

الرابعة: إذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الإخراج من تركته (1)، و إن مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة (2). و إذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلق أو بعده لم يجب الإخراج من تركته، و لا على الورثة (3) إذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب. إلا مع العلم بزمان التعلق و الشك في زمان الموت، فان الأحوط حينئذ الإخراج (4) على الاشكال المتقدم. و أما إذا بلغ نصيب كل منهم النصاب- أو نصيب بعضهم- فيجب على من بلغ نصيبه منهم، للعلم الإجمالي بالتعلق به، إما بتكليف الميت في حياته، أو بتكليفه هو بعد موت مورثه. بشرط أن يكون بالغاً عاقلًا، و إلا فلا يجب عليه، لعدم العلم الإجمالي بالتعلق حينئذ.

[الخامسة: إذا علم أن مورثه كان مكلفاً بإخراج الزكاة و شك في أنه أداها أم لا]

الخامسة: إذا علم أن مورثه كان مكلفاً بإخراج الزكاة و شك في أنه أداها أم لا، ففي وجوب إخراجه من تركته بلا إشكال. لأنها إن كانت في ذمة الميت كانت كسائر الديون المقدمة على الوصايا و المواريث، و إن كانت في العين فالموت لا يسقطها، فإنه لا وجه له.

لكون التعلق في ملكه.

لأصالة عدم تعلق الزكاة بالمال.

بل لما سبق، من استصحاب بقاء المال على ملك الميت إلى زمان التعلق، فيثبت التعلق في ملك الميت فيجب إخراجها. و لا يصلح لمعارضته أصالة عدم التعلق الى زمان الموت، لما عرفت من عدم جريان الأصل في المعلوم التاريخ بالإضافة إلى الزمان الإجمالي.

358
مستمسک العروة الوثقى9

الخامسة: إذا علم أن مورثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شك في أنه أداها أم لا ؛ ج‌9، ص : 358

- لاستصحاب بقاء تكليفه- أو عدم وجوبه- للشك في ثبوت التكليف بالنسبة إلى الوارث، و استصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع في تكليف الوارث- وجهان، أوجههما الثاني، لأن تكليف الوارث بالإخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق بتركته، و ثبوته فرع شك الميت (1) و إجرائه الاستصحاب، ثبوت التكليف واقعاً للميت إنما يتفرع على اجتماع شرائطه، و لا يتفرع على شك الميت و لا على يقينه، بل الذي يتفرع عليهما هو التنجز، بواسطة الاستصحاب أو قاعدة الاشتغال، و لا يرتبطان بالتكليف. و على هذا فاذا شك الوارث في ثبوت التكليف في حق الميت و سقوطه، جاز له الرجوع إلى استصحاب ثبوته، و إن لم يكن الميت شاكاً أو متيقناً. فلا فرق- من هذه الجهة- بين المقام و بين ما لو علم بنجاسة يد شخص أو ثوبه، فيجري الاستصحاب فيهما على نحو واحد.

نعم تكليف الميت- الذي يراد إجراء الاستصحاب فيه- إن كان المراد به التكليف بأداء الزكاة- كما قد يقتضيه ظاهر العبارة- فاستصحابه لا يكون مجدياً في تكليف الوارث، حتى يحرز موضوعه و هو نفس الزكاة. و مع تلف النصاب لا ثبوت له إلا في الذمة، و إثباته فيها بالأصل المذكور مبني على حجية الأصل المثبت. و إن كان المراد به نفس حق الزكاة فقد عرفت أنها متعلقة بالعين، فمع تلف النصاب تسقط. و ثبوتها في الذمة مشكوك الحدوث، و الاستصحاب يقتضي عدمه. نعم يمكن إثباته بالاستصحاب الموضوعي في بعض المقامات، كما لو علم أنه أتلفه و شك في إعطاء زكاته فإن الإتلاف المحرز بالوجدان، و عدم إعطاء زكاته المحرز بالأصل يثبت بهما الضمان. اللهم إلا أن يرجع إلى أصالة الصحة في التصرف، المانعة من جريان أصالة عدم الإخراج. لكن لا يطرد في جميع الصور، فلو أخر‌

359
مستمسک العروة الوثقى9

الخامسة: إذا علم أن مورثه كان مكلفا بإخراج الزكاة و شك في أنه أداها أم لا ؛ ج‌9، ص : 358

لا شك الوارث. و حال الميت غير معلوم أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاك. و فرق بين ما نحن فيه و ما إذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقاً- و هو نائم- و شك في أنه طهرهما أم لا، حيث أن مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة- مع أن حال النائم غير معلوم أنه شاك أو متيقن- إذ في هذا المثال لا حاجة إلى إثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة إلى ذلك الشخص النائم بل يقال: إن يده كانت نجسة، و الأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها بخلاف المقام، حيث أن وجوب الإخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت و اشتغال ذمته بالنسبة إليه من حيث هو. نعم لو كان المال الذي تعلق به الزكاة موجوداً أمكن أن يقال: الأصل بقاء الزكاة فيه، ففرق بين صورة الشك في تعلق الزكاة بذمته و عدمه، و الشك في أن هذا المال الذي كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا. هذا كله إذا كان الشك في مورد لو كان حياً و كان شاكاً وجب عليه الإخراج.

و أما إذا كان الشك بالنسبة إلى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها- مما يجري فيه قاعدة التجاوز و المضي، و حمل فعله على الصحة- فلا إشكال (1). و كذا الحال إذا علم اشتغاله الإخراج و شك في وجود المستحق- مع العلم بوجوده قبل التعلق- فتلف النصاب كان استصحاب بقاء المستحق موجباً للضمان، و لا مجال لأصالة الصحة، إذ الضمان بالتأخير ليس هو موضوعاً للصحة و الفساد. فتأمل جيداً.

هذا يتم بناء على جريان القواعد المذكورة. لكن تقدم الاشكال‌

360
مستمسک العروة الوثقى9

السادسة: إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما ؛ ج‌9، ص : 361

بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.

[السادسة: إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما]

السادسة: إذا علم اشتغال ذمته إما بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما (1). إلا إذا كان هاشمياً، فإنه يجوز أن يعطي للهاشمي بقصد ما في الذمة. و ان اختلف مقدارهما قلة و كثرة أخذ بالأقل (2)، و الأحوط الأكثر.

[السابعة: إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيرة]

السابعة: إذا علم إجمالا أن حنطته بلغت النصاب أو شعيرة في جريان القاعدتين الأولتين. و أما الأخيرة فإنما تتم لو كان قد صدر منه فعل يتصف بالصحة و الفساد، يتوقف على الأداء، كالبيع و نحوه، إذ لا دليل على جريانها في غير ذلك. مع أن إثبات أصالة الصحة للشرط- بلحاظ أثر أجنبي عن موضوع الصحة- محل إشكال.

للعلم الإجمالي. نعم لو أعطى المقدار المردد بينهما إلى الحاكم الشرعي بما أنه ولي الحقين كفي في الاحتياط اللازم، للعلم بأداء ما عليه و إيصاله إلى أهله.

هذا راجع لفرض كون المالك هاشمياً. و كأن وجهه: أن الأقل معلوم و الأكثر مشكوك، و الأصل فيه البراءة. لكن يشكل: بأن مستحق الأقل- و هي الزكاة- الجامع بين الأصناف، و مستحق الأكثر خصوص الهاشميين، فهو يعلم إجمالا بوجوب درهمين مثلا للهاشميين، أو درهم لمستحق الزكاة، و مع اختلاف المستحق يتعدد ما في الذمة، و لا يكون من قبيل الأقل و الأكثر. و مجرد انطباق مستحق الزكاة على الهاشمي لا يوجب العلم التفصيلي بالأقل، كي ينحل العلم الإجمالي. فتأمل. و كيف كان فهذا لو تمَّ فإنما هو مع اتحاد الواجب ذاتاً، أما مع الاختلاف- كما لو اختلف الجنس- أو كان الحق في العين مع وجودها و تعددها- كما لو علم أنه إما يجب خمس هذا المال أو زكاة ذلك المال- تعين الاحتياط، كما في المسألة الآتية.

361
مستمسک العروة الوثقى9

الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها ؛ ج‌9، ص : 362

شعيرة، و لم يتمكن من التعيين، فالظاهر وجوب الاحتياط بإخراجهما. إلا إذا أخرج بالقيمة، فإنه يكفيه إخراج قيمة أقلهما قيمة، على إشكال. لأن الواجب أو لا هو العين، و مردد بينهما (1) إذا كانا موجودين. بل في صورة التلف أيضاً، لأنهما مثليان (2). و إذا علم أن عليه إما زكاة خمس من الإبل أو زكاة أربعين شاة، يكفيه إخراج شاة. و إذا علم أن عليه إما زكاة ثلاثين بقرة أو أربعين شاة، وجب الاحتياط (3).

إلا مع التلف، فإنه يكفيه قيمة شاة (4). و كذا الكلام في نظائر المذكورات.

[الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها]

الثامنة: إذا كان عليه الزكاة فمات قبل أدائها، هل يجوز إعطاؤها من تركته لواجب النفقة عليه حال حياته أم لا؟

إشكال (5).

يعني: فيكون العلم الإجمالي بين متباينين، فيجب الاحتياط، إما بدفع العينين، أو بدفع أكثرهما قيمة.

فيكون العلم الإجمالي بين متباينين في الذمة، كما في صورة وجودهما.

لتباين المعلوم بالإجمال بتباين موضوعه.

بناء على المشهور، من ثبوت قيمة القيمي في الذمة بمجرد تلفه مضموناً. أما إذا قلنا بثبوت نفسه فيها، و دفع القيمة دفع له تنزيلا- لكونها بدلا عنها- فالحال فيه كما سبق. و كذا إذا قلنا بأن الزكاة ليست جزءاً من النصاب، و لم تتلف بتلفه، و إنما انعدم موضوعها، فتنتقل إلى الذمة.

للاستصحاب. و لعدم وجوب النفقة بعد الموت، فيكون الحال كما لو طلق زوجته بعد تعلق الوجوب، فإنه يجوز دفع زكاته لها بعد أن‌

362
مستمسک العروة الوثقى9

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة ؛ ج‌9، ص : 363

[التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة]

التاسعة: إذا باع النصاب بعد وجوب الزكاة، و شرط على المشتري زكاته لا يبعد الجواز. إلا إذا قصد كون الزكاة عليه (1)، لا أن يكون نائباً عنه، فإنه مشكل.

لم يجز. و إطلاق جواز الدفع لغير واجب النفقة محكم على الاستصحاب.

مضافاً إلى أن تعليل المنع من إعطاء واجب النفقة: بأنهم لازمون له «1» يقتضي انتفاء المنع بانتفاء اللزوم.

بيع النصاب، تارة يكون مع كون الزكاة في ذمة المالك، كما لو صالح الحاكم الشرعي على ذلك، و أخرى مع كونها في المعين، فعلى الأول، تارة يكون المشروط أن يدفع المشتري الزكاة التي في ذمة البائع، و أخرى يكون المشروط أن تنتقل الزكاة عنه إلى ذمة المشتري. و الأول صحيح بمقتضى عموم نفوذ الشروط، و الثاني من صغريات شرط النتيجة، و تقدم الإشكال في صحته. و لو قلنا بصحته توقف في المقام على رضا الولي لأن نقل الحق من ذمة إلى ذمة تصرف فيه على خلاف سلطنة وليه. نعم يصح نقل الزكاة إلى ذمة غيره بعقد الضمان مع رضا الولي العام. و لكنه غير ما نحن فيه. و على الثالث يكون البيع بمقدار الزكاة فضولياً، و يصح في الباقي على ما عرفت، فشرط الإخراج لا مانع منه، و إن لم يكن بعنوان النيابة عن المالك البائع.

اللهم إلا أن يكون الإخراج بما هو مضاف إلى المالك واجباً، فلا يصح من غيره إلا بعنوان النيابة عنه، لأن الخطاب بالأداء و الإخراج متوجه إلى المالك، و ثبوت الملاك في فعل غيره غير معلوم. غاية الأمر: إنه لا يعتبر الإخراج من المالك مباشرة، بل يجوز فعله من الغير بعنوان النيابة عنه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1. و قد سبق التعرض له في الشرط الثالث من أوصاف المستحقين للزكاة.

363
مستمسک العروة الوثقى9

العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعا من ماله جاز و أجزأ عنه ؛ ج‌9، ص : 364

[العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعاً من ماله جاز و أجزأ عنه]

العاشرة: إذا طلب من غيره أن يؤدي زكاته تبرعاً من ماله جاز و أجزأ عنه (1)، و لا يجوز للمتبرع الرجوع عليه.

و أما إن طلب و لم يذكر التبرع فأداها عنه من ماله، فالظاهر جواز رجوعه (2) عليه بعوضه، لقاعدة احترام المال. إلا إذا علم كونه متبرعاً.

[الحادية عشرة: إذا وكل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير]

الحادية عشرة: إذا وكل غيره في أداء زكاته أو في الإيصال إلى الفقير، هل تبرأ ذمته بمجرد ذلك، أو يجب و لا دليل على صحة الإخراج من غير المالك- لا بعنوان النيابة عنه- فاشتراطه يكون مخالفاً للكتاب، لأن الإخراج عبادة، فلا بد من الأمر به، و هو غير ثابت في حق غير المالك. فتأمل جيداً.

لما حررناه في مبحث القضاء عن الغير: من أن عدم جواز النيابة عن الحي في الواجبات إنما كان للإجماع، و إلا فالأصل يقتضي الجواز فيها لكونها مما يقبل النيابة في نظر العرف و العقلاء. و يشهد له في المقام:

ما تضمن جواز التوكيل في أدائها، و ما دل على نيابة الحاكم عن الممتنع.

و قد تقدم في زكاة القرض ماله نفع في المقام. فراجع.

إما لأن ظاهر الأمر بالعمل- إذا كان مما له قيمة معتد بها- أن ذلك على وجه الضمان، فيكون الأمر بمنزلة الإيجاب و الفعل بمنزلة القبول، و يكون ذلك معاملة خاصة- نظير الجعالة- يشملها دليل النفوذ. و إما لاقتضاء الأمر بالفعل كون الفعل لأجله مستوفى للأمر فيضمنه، لعموم على اليد، بناء على شموله للأعيان و المنافع. مع أن الذي يظهر من كلماتهم المفروغية عن الضمان بمثل ذلك.

نعم في الشرائع في كتاب الجعالة: «لو استدعى الرد و لم يبذل أجرة لم يكن للراد شي‌ء، لأنه متبرع بالعمل ..». و نحوه ما عن غيرها أيضاً.

364
مستمسک العروة الوثقى9

الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أولا فأولا ؛ ج‌9، ص : 365

العلم بأنه أداها، أو يكفي إخبار الوكيل بالأداء؟ لا يبعد جواز الاكتفاء- إذا كان الوكيل عدلا- بمجرد الدفع إليه (1).

الثانية عشرة: إذا شك في اشتغال ذمته بالزكاة، فأعطى شيئاً للفقير و نوى أنه إن كان عليه الزكاة كان زكاة، و إلا فإن كان عليه مظالم كان منها، و الا فإن كان على أبيه زكاة كان زكاة له، و إلا فمظالم له. و إن لم يكن على أبيه شي‌ء فلجده إن كان عليه- و هكذا- فالظاهر الصحة (2).

[الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أولا فأولا]

الثالثة عشرة: لا يجب الترتيب في أداء الزكاة بتقديم ما وجب عليه أولا فأولا (3)، فلو كان عليه زكاة السنة و ذلك- بظاهره- مناف لما ذكر. و لعله محمول على صورة ظهور المجانية.

هذا غير ظاهر. نعم مقتضى‌

صحيح ابن يقطين: «سألت أبا الحسن (ع) عمن يلي صدقة العشر على من لا بأس به، فقال: إن كان ثقة فمره أن يضعها في مواضعها، و إن لم يكن ثقة فخذها أنت و ضعها في مواضعها» «1»

، و‌

خبر شهاب: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): إني إذا وجبت زكاتي أخرجتها، فأدفعها الى من أثق به يقسمها. قال (ع):

نعم، لا بأس بذلك. أما إنه أحد المعطين» «2»

اعتبار الوثوق بالوصول الى الفقير، و لا يكفي مجرد الدفع إلى الوكيل العادل، كما لا يعتبر العدالة فيه.

لما عرفت من عدم قدح مثل هذا الترديد مع كون المنوي أمراً معيناً واقعاً، و الترديد إنما هو في وصفه.

إذ لا دليل عليه، و الإطلاق ينفيه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 35 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4.

365
مستمسک العروة الوثقى9

الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة الزكاة - مع بلوغ النصاب - على صاحب البذر ؛ ج‌9، ص : 366

السابقة و زكاة الحاضرة، جاز تقديم الحاضرة بالنية. و لو أعطى من غير نية التعيين فالظاهر التوزيع (1).

[الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر]

الرابعة عشرة: في المزارعة الفاسدة الزكاة- مع بلوغ النصاب- على صاحب البذر (2)، و في الصحيحة منها عليهما (3) إذا بلغ نصيب كل منهما. و إن بلغ نصيب أحدهما دون الآخر فعليه فقط، و إن لم يبلغ نصيب واحد منهما فلا يجب على واحد منهما، و إن بلغ المجموع النصاب.

[الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة]

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة (4) مع اختلاف المأمور به في الخصوصيات الموجبة لاختلاف الأحكام- كما إذا كان أحدهما في الذمة و الآخر في العين، أو كان أحدهما في نصاب الإبل و الآخر في نصاب الغنم- لا بد من التعيين و لو على نحو التوزيع، فلو لم يقصد شي‌ء من ذلك أصلا لم يسقط شي‌ء من الزكاة، لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح. و مع عدم الاختلاف- كما إذا كان كل منهما في الذمة- يسقط من الزكاة بمقدار ما أعطي و يبقي الباقي، من دون تعيين، لامتناع التعيين من دون معين. كما لو نذر صوم يومين فصام أحدهما، فإنه يسقط عنه يوم و يبقى عليه يوم آخر، بلا تعيين في الساقط و لا الثابت.

لأن الزرع كله لمالك البذر، من دون أن يستحق العامل منه شيئاً.

لأن الزرع ملك لهما.

الظاهر أنه لا إشكال في ذلك- في الجملة- إذ لا إشكال في أن ولي الزكاة يستأجر لحفظها و جمعها و نقلها و رعيها، و يشتري لعلفها و سقيها و نحو ذلك من مصالحها، فتكون أجرة الراعي و الحارس، و أجرة المكان الذي تجمع فيه، و قيمة العلف- و نحو ذلك من الأموال التي تصرف لمصالحها-

366
مستمسک العروة الوثقى9

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة ؛ ج‌9، ص : 366

و يصرفه في بعض مصارفها، كما إذا كان هناك مفسدة لا يمكن دفعها إلا بصرف مال، و لم يكن عنده ما يصرفه فيه، أو كان فقير مضطر لا يمكنه إعانته و رفع اضطراره إلا بذلك، أو ابن السبيل كذلك، أو تعمير قنطرة أو مسجد أو نحو ذلك و كان لا يمكن تأخيره، فحينئذ يستدين على الزكاة و يصرف و بعد حصولها يؤدي الدين منها. و إذا أعطى فقيراً من هذا الوجه، و صار عند حصول الزكاة غنياً لا يسترجع منه، إذ المفروض أنه أعطاه بعنوان الزكاة. و ليس هذا من باب إقراض مستحقة عليها، لا على الوالي، و لا على غيره. نعم قد يشكل الفرض:

بأن الاقتراض فيه ليس لمصلحة الزكاة بل لمصلحة الفقير، و ليس له الولاية عليه. مع أن فرض الولاية عليه يقتضي جواز الاقتراض على ذمته، لا على ذمة الزكاة. و على هذا فما في المتن- تبعاً للجواهر في مسألة جواز تعجيل الزكاة- من جواز الاقتراض على الزكاة على النحو المذكور- بل لعل ظاهر الجواهر المفروضية عنه- غير ظاهر. اللهم إلا أن يكون ذلك من جهة ولايته على الصرف، فيكون الاقتراض مقدمة له.

لكن عليه لا يتوقف جواز الاقتراض على كون الفقير مضطراً، بحيث لا يمكن رفع ضرورته إلا بالزكاة- و كذا في المسجد و القنطرة و ابن السبيل- إذ لو كان له ولاية على الصرف تقتضي جواز الاقتراض، كفى كونه فقيراً أو ابن السبيل أو سبيل اللّه أو نحوها- مما هو مصداق للمستحق- من دون حاجة إلى القيود المذكورة في المتن. على أن ولاية الصرف إنما ثبتت في ظرف وجود الزكاة. فتأمل. نعم إذا كان الفقير مما لوجوده فائدة معتد بها راجعة إلى الزكاة- لقيامه بما لا يقوم به غيره، من جباتها و سعاتها‌

367
مستمسک العروة الوثقى9

الخامسة عشرة: يجوز للحاكم الشرعي أن يقترض على الزكاة ؛ ج‌9، ص : 366

الفقير و الاحتساب عليه بعد ذلك، إذ في تلك الصورة تشتغل ذمة الفقير. بخلاف المقام، فان الدين على الزكاة. و لا يضر عدم كون الزكاة ذات ذمة تشتغل، لأن هذه الأمور اعتبارية و العقلاء يصححون هذا الاعتبار. و نظيره: استدانة متولي الوقف لتعميره ثمَّ الأداء بعد ذلك من نمائه. مع أنه في الحقيقة راجع الى اشتغال ذمة أرباب الزكاة (1)- من الفقراء و الغارمين و أبناء السبيل- من حيث هم من مصارفها، لا من حيث و حراسها و غير ذلك- أمكنت دعوى جواز الاقتراض على الزكاة لحفظه أو حفظ شأنه. لكن ذلك لو تمَّ فليس لكونه من مصارفها، مثل كونه فقيراً أو غارما أو نحو ذلك، بل بما أنه ممن يكون لوجوده مصلحة عائدة إلى الزكاة و ان لم يكن من أصنافها الثمانية. و هذا هو الذي يصح تنظيره باستدانة متولي الوقف لتعميره، لا ما ذكره في المتن. و لا سيما بملاحظة ما ذكره: من أنه يصير غنياً بحيث لا يجوز إعطاؤه من الزكاة بعد ذلك. و الأنسب تنظيره باستدانة متولي الوقف لدفع حاجة الموقوف عليه حين الاستدانة، مع خروجه عن الموقوف عليهم وقت حصول النماء. لكن جواز الاستدانة في النصوص على الوقف بعنوان الولاية عليه غير ظاهر.

فيه: أن بعض أرباب الزكاة- مثل سبيل اللّٰه تعالى- مما لا ذمة له كالزكاة، فيرجع الاشكال. مضافاً إلى أن إشغال ذمة أرباب الزكاة- بما أنهم من مصارفها- لا ولاية للحاكم الشرعي عليه، كاشغال ذمتهم بما أنهم هم، لعدم الدليل على هذه الولاية. و قولهم: «الحاكم الشرعي ولي الفقراء» مثلا، يراد منه: أنه ولي الزكاة الراجعة إليهم، فولايته على الفقراء بلحاظ خصوص الزكاة الراجعة إليهم.

368
مستمسک العروة الوثقى9

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثم الرد عليه ؛ ج‌9، ص : 369

هم هم. و ذلك مثل ملكيتهم للزكاة، فإنها ملك لنوع المستحقين فالدين أيضاً على نوعهم من حيث أنهم من مصارفه لا من حيث أنفسهم. و يجوز أن يستدين على نفسه من حيث ولايته على الزكاة و على المستحقين، بقصد الأداء من مالهم. و لكن في الحقيقة هذا أيضاً يرجع إلى الوجه الأول (1). و هل يجوز لآحاد المالكين إقراض الزكاة قبل أوان وجوبها، أو الاستدانة لها على حذو ما ذكرنا في الحاكم؟ وجهان (2). و يجري جميع ما ذكرنا في الخمس و المظالم و نحوهما.

[السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمَّ الرد عليه]

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثمَّ الرد عليه (3)، المسمى بالفارسية لأن التصرف بعنوان الولاية راجع إلى التصرف في المولى عليه.

أقواهما العدم، إذ لا مأخذ لهذه الولاية. نعم يحتمل ذلك في نصوص تعجيل الزكاة قبل وقتها. لكن الحمل عليه لا قرينة عليه، و ليس من الجمع العرفي. و لا سيما مع عدم مناسبة ذلك للتحديد بالشهر و الشهرين و لا لاعتبار بقاء المعطي على صفة الاستحقاق، كما ذكر في النصوص.

الظاهر أنه لا إشكال في الأخذ إذا كان الدفع غير مقيد بالرد- بل كان مطلقاً، أو بداعي الرد- لأنه جار على القواعد الأولية. و أما إذا كان بشرط الرد، فلأجل أن الظاهر لغوية الشرط المذكور، لعدم ولاية المالك عليه، و إنما له الولاية على الدفع مجاناً يجوز الأخذ أيضاً، إلا أن يقال: لغوية الشرط لا توجب إطلاق الاذن، و مع عدم الاذن من المالك لا يجوز الأخذ. اللهم إلا أن يقال: لم يثبت لمثل هذا المالك الولاية كي يتوقف الأخذ على إذنه. فتأمل.

369
مستمسک العروة الوثقى9

السادسة عشرة: لا يجوز للفقير و لا للحاكم الشرعي أخذ الزكاة من المالك ثم الرد عليه ؛ ج‌9، ص : 369

(بدست گردان)، أو المصالحة معه (1) بشي‌ء يسير، أو قبول شي‌ء منه بأزيد من قيمته (2) أو نحو ذلك، فان كل هذه حيل (3) في تفويت حق الفقراء. و كذا بالنسبة إلى الخمس و المظالم و نحوهما. نعم لو كان شخص عليه من الزكاة أو المظالم أو نحوهما مبلغ كثير، و صار فقيراً لا يمكنه أداؤها و أراد أن يتوب إلى اللّه تعالى، لا بأس بتفريغ ذمته بأحد الوجوه المذكورة (4). و مع ذلك- إذا كان مرجو التمكن بعد ذلك- هذا حال الأخذ. و أما حال الرد فان كان الراد الحاكم فليس له الولاية عليه، و إن كان الفقير، فان كان رده عن طيب نفسه- كسائر موارد هداياه و عطاياه- فلا بأس به، و إن كان لا عن طيب نفسه لم يحل للمالك أخذه. و عليه تبرأ ذمته من الزكاة و تشتغل ثانياً بمال الراد له، فاذا دفعه ثانياً بعنوان الزكاة لم يصح، لأنه ليس ماله.

طرف المصالحة إن كان الحاكم فليس له ولاية على مثلها، لعدم كونها مصلحة للمولى عليه. و إن كان الفقير فهو ليس من أهل الولاية عليها.

إن كان ذلك بعنوان المصالحة عما في ذمته الكثير بالقليل فالحكم كما سبق، و ان كان بعنوان إيتاء ما في الذمة لم يصح، لمخالفته للواقع.

الصور الباطلة لا تصلح حيلة، و إنما الصالح الصورة الصحيحة من صور الرد، و هي: ما لو كان الرد من الفقير بطيب نفسه. و مثلها:

أن يصالحه عن شي‌ء قليل من المال بشي‌ء كثير في ذمته مصالحة جدية، ثمَّ يحتسب ذلك المقدار عليه من الحق، و عدم جواز ذلك مما يعلم من غرض الشارع من جعل الزكاة. إلا أنه لا يطرد في جميع الأحوال، فقد يعلم برضا الشارع في بعض الموارد، و قد يشك، فيرجع إلى الأصل المقتضي للجواز.

الصحيحة، التي منها ما أشرنا اليه. أما الباطلة فقد عرفت أنها‌

370
مستمسک العروة الوثقى9

السابعة عشرة: اشتراط التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول ؛ ج‌9، ص : 371

الأولى أن يشترط عليه أداؤها بتمامها عنده.

[السابعة عشرة: اشتراط التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول]

السابعة عشرة: اشتراط التمكن من التصرف فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين- معلوم (1). و أما فيما لا يعتبر فيه- كالغلات- ففيه خلاف و إشكال (2).

[الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان، و نسي]

الثامنة عشرة: إذا كان له مال مدفون في مكان، و نسي لا تصلح حيلة لتفريغ الذمة.

لاتفاق النص و الفتوى عليه.

ينشآن: من إطلاق معاقد الإجماع على أن التمكن من التصرف شرط في الوجوب، الشامل للجميع. و من اختصاص أكثر النصوص- أو جميعها- بما يعتبر فيه الحول. و عن الميسية و المسالك: التصريح بالعموم و عن المدارك: «أن ذلك مشكل جداً، لعدم وضوح مأخذه، إذ غاية ما يستفاد من الروايات المتقدمة: أن المغصوب- إذا كان مما يعتبر فيه الحول، و عاد الى ملكه- يكون كالمملوك ابتداء، فيجري في الحول من حين عوده.

و لا دلالة لها على ما لا يعتبر فيه الحول بوجه ..» و استشكل فيه في مفتاح الكرامة: بأن معاقد الإجماعات متناولة له، و فيها بلاغ. و في الجواهر:

«يدفعه: ما سمعت من إطلاق معاقد الإجماعات و غيرها، الذي لا ينافيه الاقتصار على ذي الحول في بعض النصوص، كما هو واضح ..».

و كأنه يشير بقوله: «و غيرها» إلى‌

صحيح ابن سنان: «لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك ..» «1»

، فإنه شامل لغير ذي الحول، فيعمه الحكم. و من ذلك يظهر ضعف ما قواه المصنف (ره) في آخر مسائل هذا الختام- و في أواخر كتاب المساقاة- من عدم اشتراط متمكن من التصرف فيما لا يعتبر فيه الحول.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 6.

371
مستمسک العروة الوثقى9

التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهرا أو شهرين ؛ ج‌9، ص : 372

موضعه بحيث لا يمكنه العثور عليه، لا يجب فيه الزكاة إلا بعد العثور، و مضي الحول من حينه (1). و أما إذا كان في في صندوقه مثلًا لكنه غافل عنه بالمرة، فلا يتمكن من التصرف فيه من جهة غفلته، و إلا فلو التفت إليه أمكنه التصرف فيه فيجب فيه الزكاة إذا حال عليه الحول (2). و يجب التكرار إذا حال عليه أحوال، فليس هذا من عدم التمكن، الذي هو قادح في وجوب الزكاة.

[التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهراً أو شهرين]

التاسعة عشرة: إذا نذر أن لا يتصرف في ماله الحاضر شهراً أو شهرين، أو أكرهه مكره على عدم التصرف، أو كان مشروطاً عليه في ضمن عقد لازم، ففي منعه من وجوب الزكاة، و كونه من عدم التمكن من التصرف الذي هو موضوع الحكم إشكال (3)، لأن القدر المتيقن ما إذا لم يكن المال حاضراً كما تقدم في خامس شرائط الوجوب.

فان عدم التمكن فيه ناشئ من القصور في غير ناحية المال، و مثله غير قادح في التمكن من التصرف، بمعنى: عدم القصور من ناحية المال، لكونه في يد الغاصب أو في مكان لا يعرف أو نحو ذلك. و لذا لا يظن الالتزام بأن الإغماء في أثناء الحول يقطع الحول، بل من الضروري:

أن النوم في أثنائه لا يقطعه، فذلك شاهد: بأن المراد- من القدرة المأخوذة شرطاً- هي القدرة من ناحية المال. و إن شئت قلت: ليس لدليل اعتبار التمكن إطلاق يشمل مثل ذلك، فيبقى داخلا في عموم الوجوب.

قد تقدم: أن عدم القدرة الشرعية كعدم القدرة العقلية مانع عن الوجوب. و لا فرق بين تمام الحول و بعضه فيما هو ظاهر الأدلة.

372
مستمسک العروة الوثقى9

العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل الله كتابا أو قرآنا أو دعاء و يوقفه ؛ ج‌9، ص : 373

عنده، أو كان حاضراً و كان بحكم الغائب عرفاً (1).

[العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتاباً أو قرآناً أو دعاء و يوقفه]

العشرون: يجوز أن يشتري من زكاته من سهم سبيل اللّه كتاباً أو قرآناً أو دعاء و يوقفه، و يجعل التولية بيده أو يد أولاده. و لو أوقفه على أولاده و غيرهم- ممن يجب نفقته عليه- فلا بأس به أيضاً (2). نعم لو اشترى خاناً أو بستاناً و وقفه على من تجب نفقته عليه لصرف نمائه في نفقتهم، فيه إشكال (3).

[الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعاً من أداء الزكاة]

الحادية و العشرون: إذا كان ممتنعاً من أداء الزكاة، لا يجوز للفقير المقاصة من ماله (4) إلا بإذن الحاكم الشرعي في كل مورد.

[الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج]

الثانية و العشرون: لا يجوز إعطاء الزكاة للفقير من سهم الفقراء للزيارة أو الحج (5) أو نحوهما من القرب، و يجوز من سهم سبيل اللّه.

و النذر و ما بعده يجعله بحكم الغائب عرفاً، لأنه مانع من التصرف في النصاب.

لأنه ليس ذلك صرفاً للزكاة في نفقة واجب النفقة، فيقتضيه إطلاق ما دل على الصرف في سبيل اللّٰه تعالى، كما فيما قبله.

قد تقدم: أنه لا يجوز إعطاء واجب النفقة من الزكاة، و لو من سهم سبيل اللّه تعالى، و مقتضاه في المقام المنع. و لا يجدي كون المقام من إعطاء منافع الوقف- الذي هو الزكاة لا نفس الزكاة- لأنه إذا حرمت الزكاة حرمت منافعها و نماؤها.

لأنه لا ولاية له عليها، و ملكه لها إنما يكون بالقبض.

مقتضى ما تقدم، من عدم اختصاص سهم الفقراء بالتمليك بل‌

373
مستمسک العروة الوثقى9

الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل الله في كل قربة ؛ ج‌9، ص : 374

[الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كل قربة]

الثالثة و العشرون: يجوز صرف الزكاة من سهم سبيل اللّه في كل قربة، حتى إعطاؤها للظالم لتخليص المؤمنين من شره، إذا لم يمكن دفع شره إلا بهذا.

[الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخلة أو كرمه أو نصف حب زرعه لشخص]

الرابعة و العشرون: لو نذر أن يكون نصف ثمرة نخلة أو كرمه أو نصف حب زرعه لشخص بعنوان نذر النتيجة- و بلغ ذلك النصاب، وجبت الزكاة على ذلك الشخص أيضاً (1) لأنه مالك له حين تعلق الوجوب. و أما لو كان بعنوان نذر الفعل فلا تجب على ذلك الشخص (2). و في وجوبها على المالك بالنسبة إلى المقدار المنذور إشكال (3).

[الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصاً يقبض له الزكاة]

الخامسة و العشرون: يجوز للفقير أن يوكل شخصاً يقبض له الزكاة (4)، من أي شخص، و في أي مكان كان و يجوز يجوز صرفه عليهم أيضاً، لا مانع من تعيين السهم للصرف في مصالحه المذكورة و غيرها، من القرب كانت أو غيرها. اللهم إلا أن يستشكل في ثبوت ولاية المالك على مثل هذا الشرط أو القيد. و سيأتي من المصنف- في بعض مسائل الاستطاعة البدلية- الفتوى بالجواز.

هذا بناء على صحة نذر النتيجة. لكن عرفت الاشكال فيه في مبحث اشتراط القدرة على التصرف. فراجع.

لعدم ملكه بمجرد النذر، بل يتوقف على التمليك من المالك و هو غير حاصل.

لكن تقدم: أن النذر مانع من التصرف في موضوعه، فترتفع القدرة عليه، الموجب لعدم تعلق الزكاة.

لأن القبض مما يقبل النيابة عندهم، كما يساعده ارتكاز‌

374
مستمسک العروة الوثقى9

السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة ؛ ج‌9، ص : 375

للمالك إقباضه إياه مع علمه بالحال، و تبرأ ذمته، و إن تلفت في يد الوكيل قبل الوصول إلى الفقير. و لا مانع من أن يجعل الفقير للوكيل جعلًا على ذلك (1).

[السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة]

السادسة و العشرون: لا تجري الفضولية في دفع الزكاة (2) فلو أعطى فضولي زكاة شخص من ماله من غير إذنه، فأجاز بعد ذلك لم يصح. نعم لو كان المال باقياً في يد الفقير، أو تالفاً مع ضمانه- بأن يكون عالماً بالحال- يجوز له الاحتساب إذا كان باقياً على فقره.

[السابعة و العشرون: إذا وكل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله]

السابعة و العشرون: إذا وكل المالك شخصاً في إخراج زكاته من ماله، أو أعطاه له و قال: ادفعه إلى الفقراء، يجوز العرف و العقلاء.

لعموم صحة الجعالة.

للأصل. و عدم الدليل على الصحة بل بناؤهم على عدم جريانها في الإيقاعات كلية، لعدم مساعدة الأدلة عليه، و لا مرتكزات العقلاء.

و فيه: أن الأصل لا مجال له، بناء على كون صحة الفضولي مقتضى عموم الصحة. و قاعدة عدم صحة الفضولي في الإيقاع غير ثابتة إلا في بعض المواضع كما أشرنا إلى ذلك في أول مبحث الفضولي من تعليقتنا على مكاسب شيخنا الأعظم (ره). مع أن المقام من العقد لا الإيقاع، لأنه تمليك للفقير، و لذا احتاج إلى قبوله. نعم لو كانت الفضولية في الصرف تمَّ الاشكال. و من هنا احتمل في الجواهر جريان الفضولي هنا. نعم مع التفات الدافع إلى حرمة التصرف في المال يمتنع التقرب منه بالإعطاء الخارجي، فلا يصح لذلك، فلو غفل لم يكن مانع عن الصحة.

375
مستمسک العروة الوثقى9

الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجا ؛ ج‌9، ص : 376

له الأخذ منه لنفسه إن كان فقيراً، مع علمه بأن غرضه الإيصال إلى الفقراء (1). و أما إذا احتمل كون غرضه الدفع إلى غيره فلا يجوز.

[الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجاً]

الثامنة و العشرون: لو قبض الفقير بعنوان الزكاة أربعين شاة دفعة أو تدريجاً، و بقيت عنده سنة، وجب عليه إخراج زكاتها (2). و هكذا في سائر الأنعام و النقدين.

[التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركاً بين اثنين مثلًا]

التاسعة و العشرون: لو كان مال زكوي مشتركاً بين اثنين مثلًا، و كان نصيب كل منهما بقدر النصاب، فأعطى أحدهما زكاة حصته من مال آخر، أو منه بإذن الآخر قبل القسمة ثمَّ اقتسماه، فان احتمل المزكي أن شريكه يؤدي زكاته فلا إشكال، و إن علم أنه لا يؤدي ففيه إشكال، من حيث المدار على الوكالة المطلقة الشاملة للدفع إلى نفسه، فاذا فهمت- من أي قرينة كانت- جاز الأخذ، و إلا فلا. و أما عموم الغرض فلا يجدي، لجواز تخلف الداعي، لاعتقاد المالك عدم حصوله بالإضافة إلى الوكيل. و على ما ذكرنا ينزل‌

صحيح ابن يسار: «في الرجل يعطى الزكاة يقسمها في أصحابه، أ يأخذ منها شيئاً؟ قال: نعم» «1».

و نحوه مصحح ابن عثمان، لكن‌

فيه «يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره» «2».

و كذا‌

في مصحح ابن الحجاج، و زاد فيه: «و لا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه» «3».

لعموم الأدلة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 40 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

376
مستمسک العروة الوثقى9

الثلاثون: قد مر: أن الكافر(2) مكلف بالزكاة و لا تصح منه ؛ ج‌9، ص : 377

تعلق الزكاة بالعين (1)، فيكون مقدار منها في حصته.

[الثلاثون: قد مر: أن الكافر (2) مكلف بالزكاة و لا تصح منه]

الثلاثون: قد مر: أن الكافر (2) مكلف بالزكاة و لا تصح منه، و إن كان لو أسلم سقطت عنه. و على هذا فيجوز للحاكم إجباره على الإعطاء له، أو أخذها من ماله قهراً عليه و يكون هو المتولي للنية. و إن لم يؤخذ منه حتى مات كافراً جاز الأخذ من تركته، و إن كان وارثه مسلماً وجب عليه.

كما أنه لو اشترى مسلم تمام النصاب منه كان شراؤه بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولياً، و حكمه حكم ما إذا اشترى من المسلم قبل إخراج الزكاة. و قد مر سابقاً.

[الحادية و الثلاثون: إذا بقي من المال- الذي تعلق به]

الحادية و الثلاثون: إذا بقي من المال- الذي تعلق به إذا كان التعلق بنحو الإشاعة فإنما يتوجه الاشكال لو لم يكن للمالك ولاية القسمة مع شريكه، و مع الشك في ذلك لم تصح. أما لو كانت من قبيل الحق في العين فموضوعها مال المالك، و حينئذ يمكن إثبات ولايته على قسمة ماله بقاعدة السلطنة، لعدم منافاة القسمة للحق، إذ هو على حاله في موضوعه، غاية الأمر: أنه كان موضوعاً مشاعا فصار معيناً، كما في سائر موارد الحقوق المتعلقة بالجزء المشاع، حيث لا ينافيها افراز موضوعها و تعيينه بعد الإشاعة. و كذا الحال لو كان التعلق من تعلق الكلي في المعين، فان الخصوصيات الخارجية لما كانت ملكاً للمالك كانت تحت سلطنته، فله القسمة مع شريكه.

مر ذلك في المسألة السادسة عشرة و السابعة عشرة في أوائل كتاب الزكاة، و في المسألة الحادية عشرة في فصل زكاة الأنعام. و مر الكلام في ذلك. فراجع.

377
مستمسک العروة الوثقى9

الحادية و الثلاثون: إذا بقي من المال - الذي تعلق به ؛ ج‌9، ص : 377

الزكاة و الخمس- مقدار لا يفي بهما، و لم يكن عنده غيره، فالظاهر وجوب التوزيع بالنسبة (1). بخلاف ما إذا كانا في ذمته، و لم يكن عنده ما يفي بهما، فإنه مخير بين التوزيع و تقديم أحدهما (2). و إذا كان عليه خمس أو زكاة، و مع ذلك عليه من دين الناس و الكفارة و النذر و المظالم، و ضاق ماله عن أداء الجميع، فان كانت العين- التي فيها الخمس أو الزكاة- موجودة وجب تقديمهما على البقية (3)، و إن لم تكن موجودة فهو مخير بين تقديم أيها شاء (4)، و لا يجب التوزيع، و إن كان أولى. نعم إذا مات و كان عليه هذه كأنه: لأنه عمل بالحقين معاً، و لا وجه لرفضهما، و لا لترجيح أحدهما على الآخر و لذلك بعينه تكون القسمة على النسبة. و فيه: أن كل جزء من المال موضوع لكل من الحقين، فحيث لا يمكن إعمالهما معاً يكون إعمال أحدهما بعينه ترجيحاً بلا مرجح، و لازمه التخيير في إعمال كل منهما.

فلا موجب للتوزيع، فضلا عن أن يكون على النسبة. مثلا: إذا كان الخمس عشرة دراهم و الزكاة كذلك و المال عشرة، فإعطاء خمسة لأحدهما و خمسة للآخر إهمال لكل من الحقين في مقدار خمسة، و ليس هو أولى من إهمال أحدهما في عشرة و إعمال الآخر في عشرة. كما أنه ليس أولى من بقية صور التوزيع.

اللهم إلا أن يستفاد أيضاً مما ورد من النصوص في نظائره.

إذ لا حق في البين ليجي‌ء ما تقدم، بل ليس إلا التكليف بالأداء فيتعين الرجوع فيه إلى قواعد التزاحم.

عملا بالحقين غير المزاحمين.

لما سبق.

378
مستمسک العروة الوثقى9

الثانية و الثلاثون: الظاهر أنه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه ؛ ج‌9، ص : 379

الأمور و ضاقت التركة وجب التوزيع بالنسبة، كما في غرماء المفلس (1). و إذا كان عليه حج واجب أيضاً كان في عرضها.

[الثانية و الثلاثون: الظاهر أنه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه]

الثانية و الثلاثون: الظاهر أنه لا مانع من إعطاء الزكاة للسائل بكفه (2)، و كذا في الفطرة. و من منع من ذلك- كالمجلسي رحمه اللّه في زاد المعاد في باب زكاة الفطرة- لعل نظره إلى لتعلق حق الديان بالتركة تعلقها بمال المفلس و قد تضمنت النصوص وجوب التوزيع في البابين. فراجع كتاب الحجر من الوسائل، لأن الحقوق الأخر في الذمة لا في العين، و وجوب الأداء لا يصلح لمزاحمة الحقوق الثابتة و لذا لا يصلح لتشريع جواز الوفاء بمال الغير. كما أن الظاهر من بعض النصوص الصحيحة تقديم الحج على الدين عند المزاحمة بينهما. فراجع صحيح معاوية «1»، و إن كان المشهور ما في المتن.

و لو مات عن عين تعلق بها الخمس و الزكاة، و كان عليه دين غيرهما وجب صرفها في الخمس و الزكاة دون غيرهما من الديون، لتقدم حقهما رتبة على حق الدين المتعلق بالتركة بعد الموت، لأن موضوعه التركة على ما هي عليه، فاذا كانت موضوعاً لحق حال الحياة كان على حاله، فاذا كان إعماله مزيلا لموضوع الحق الحادث بالموت لم يكن ذلك الحق مزاحماً له، كما هو ظاهر.

كما يقتضيه صريح صحيح محمد بن مسلم- الوارد في تفسير الفقير و المسكين-

قال (ع): «و المسكين- الذي هو أجهد منه- الذي يسأل ..» «2».

و قريب منه غيره. نعم‌

في خبر ابن أبي يعفور: «فنعطي السؤال منها شيئاً؟ قال (ع): لا و اللّه إلا التراب. إلا أن

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب كتاب الوصايا.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

379
مستمسک العروة الوثقى9

الثالثة و الثلاثون: الظاهر - بناء على اعتبار العدالة في الفقير - عدم جواز أخذه أيضا ؛ ج‌9، ص : 380

حرمة السؤال، و اشتراط العدالة في الفقير، و إلا فلا دليل عليه بالخصوص. بل قال المحقق القمي- قدس سره-: «لم أر من استثناه- فيما رأيته من كلمات العلماء- سوى المجلسي في زاد المعاد. قال: و لعله سهو منه. و كأنه كان يريد الاحتياط منها و ذكره بعنوان الفتوى ..».

[الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة في الفقير- عدم جواز أخذه أيضاً]

الثالثة و الثلاثون: الظاهر- بناء على اعتبار العدالة في الفقير- عدم جواز أخذه أيضاً، لكن ذكر المحقق القمي- رحمه اللّه- أنه مختص بالإعطاء، بمعنى: أنه لا يجوز للمعطي أن يدفع إلى غير العادل. و أما الآخذ فليس مكلفاً بعدم الأخذ (1).

الرابعة و الثلاثون: لا إشكال في وجوب قصد القربة في الزكاة، و ظاهر كلمات العلماء: أنها شرط في الاجزاء، فلو لم يقصد القربة لم يكن زكاة و لم يجز. و لو لا الإجماع أمكن الخدشة فيه. و محل الاشكال غير ما إذا كان قاصداً للقربة في العزل و بعد ذلك نوى الرياء- مثلا: حين دفع ذلك المعزول إلى الفقير- فان الظاهر إجزاؤه و إن قلنا باعتبار القربة

ترحمه، فان رحمته فأعطه كسرة» «1».

لكن يحتمل أن يكون المراد سؤال المخالفين. فلاحظه في باب اشتراط الايمان في المستحق من الوسائل «2» و يحتمل حمله على من اتخذ السؤال حرفة، فإنه نوع من الحرف. و لعله مراد المجلسي (ره) أيضاً.

الفرق بينه و بين سائر الشرائط غير ظاهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة.

380
مستمسک العروة الوثقى9

الخامسة و الثلاثون: إذا وكل شخصا في إخراج زكاته و كان الموكل قاصدا للقربة ؛ ج‌9، ص : 381

إذ المفروض تحققها حين الإخراج و العزل (1).

[الخامسة و الثلاثون: إذا وكل شخصاً في إخراج زكاته و كان الموكل قاصداً للقربة]

الخامسة و الثلاثون: إذا وكل شخصاً في إخراج زكاته و كان الموكل قاصداً للقربة و قصد الوكيل الرياء، ففي الإجزاء إشكال (2)، و على عدم الاجزاء يكون الوكيل ضامناً.

[السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة]

السادسة و الثلاثون: إذا دفع المالك الزكاة إلى الحاكم الشرعي ليدفعها للفقراء فدفعها لا بقصد القربة، فإن كان أخذ الحاكم و دفعه بعنوان الوكالة عن المالك أشكل الاجزاء (3)، كما مر. و إن كان المالك قاصداً للقربة حين دفعها للحاكم- و إن كان بعنوان الولاية على الفقراء- فلا إشكال في الاجزاء إذا كان المالك قاصداً للقربة بالدفع إلى الحاكم، لكن بشرط أن يكون إعطاء الحاكم بعنوان الزكاة. و أما إذا كان لتحصيل الرياسة فهو مشكل. بل الظاهر ضمانه حينئذ، و إن كان لكن ظاهر المستند الإجماع على الاعتبار النية في العزل و الدفع معاً.

و لعله ظاهر غيره.

إذا كان الوكيل وكيلا في الإخراج- كما هو المفروض- فمقتضى ما سبق عدم الاجزاء، لعدم وقوعه عن نية. نعم إذا كان وكيلا في الإيصال محضاً أمكن القول بالاجزاء. فراجع المسألة الاولى من الفصل السابق.

نعم قد يقال: الرياء في النيابة فلا ينافي التقرب في المنوب فيه، و تقرب المنوب عنه لا يتنافى مع عدم تقرب النائب. نعم إذا كان في نفس المنوب فيه توجه الاشكال.

التفصيل المتقدم في المسألة السابقة جار فيه.

381
مستمسک العروة الوثقى9

السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنية ؛ ج‌9، ص : 382

الآخذ فقيراً (1).

[السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنية]

السابعة و الثلاثون: إذا أخذ الحاكم الزكاة من الممتنع كرها يكون هو المتولي للنية. و ظاهر كلماتهم الاجزاء (2)، و لا يجب على الممتنع بعد ذلك شي‌ء، و إنما يكون عليه الإثم من حيث امتناعه (3). لكنه لا يخلو عن اشكال- بناء على اعتبار قصد القربة- إذ قصد الحاكم لا ينفعه فيما هو عبادة واجبة عليه (4) إذا تعينت زكاة بقبض الحاكم بعنوان الولاية على الفقراء فلا وجه للإشكال في صحة دفعها إلى الفقير بأي عنوان كان، لما تقدم منه: من جواز دفع المالك لها إلى الفقير رياء إذا كانت معزولة، فجواز ذلك من الحاكم بطريق أولى.

لقيام الحاكم مقامه في الواجب الجامع للشرائط، التي منها النية فإذا تحقق الواجب- و لو من الولي- أجزأ. هذا بناء على كون موضوع الوجوب الإيتاء المضاف إلى المالك. إما إذا كان نفس الإيتاء و لو من غيره غاية الأمر أنه لا ولاية لغيره على الإخراج، فالولي الشرعي و إن كان إيتاؤه ليس بعنوان النيابة عن المالك، لكنه لما كان إيتاء للزكاة كان مفرغاً لذمة المالك و ماله، لوصول الحق إلى أهله، فلا بد أن يجزي و لا حاجة الى الإعادة. بل لا معنى للإعادة، إذ هي من قبيل الامتثال بعد الامتثال. نعم لا يكون فعل الولي مقرباً للمالك، و ان كان مجزياً بنحو لا مجال للفعل ثانياً.

إذا بني على الاجزاء بفعل الحاكم- لأنه ولي الممتنع- فالإثم يكون من قبيل الإثم على التجري. اللهم إلا أن يكون قد أخرها في صورة لا يجوز له التأخير و لو لطلب الحاكم، فتكون المعصية من جهة مخالفة الفورية.

هذا إذا لم تشريع النيابة فيه. أما مع البناء على المشروعية فيكون‌

382
مستمسک العروة الوثقى9

الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادرا على الكسب إذا ترك التحصيل ؛ ج‌9، ص : 383

[الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادراً على الكسب إذا ترك التحصيل]

الثامنة و الثلاثون: إذا كان المشتغل بتحصيل العلم قادراً على الكسب إذا ترك التحصيل، لا مانع من إعطائه من الزكاة إذا كان ذلك العلم مما يستحب تحصيله (1)، و إلا فمشكل.

[التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعاً قاصداً للقربة]

التاسعة و الثلاثون: إذا لم يكن الفقير المشتغل بتحصيل العلم الراجح شرعاً قاصداً للقربة لا مانع من إعطائه الزكاة (2) و أما إذا كان قاصداً للرياء أو للرئاسة المحرمة ففي جواز إعطائه إشكال من حيث كونه إعانة على الحرام (3).

كما لو فعل المنوب عنه، فلا مجال للإشكال المذكور.

فيكون الإعطاء من سهم سبيل اللّٰه. أما لو لم يكن العلم مستحب التحصيل فلا وجه لإعطائه، كما سبق في فصل المستحقين. فراجع.

يعني: من سهم سبيل اللّه. لأن طلب العلم مأمور به شرعاً و محبوب للّه تعالى، فيكون من القرب. و عدم نية الطالب للقربة إنما يمنع من تقربه نفسه، لا من كون الفعل مأموراً به، و مما يترتب على وجوده غرض شرعي مطلقاً لكونه توصلياً، نظير تزويج العزاب، و الدفاع عن بيضة الإسلام نعم إذا كان الفعل المأمور به شرعاً عبادياً، لا يصح صرف السهم المذكور فيه إذا لم يؤت به بقصد القربة، لعدم كونه محبوباً للّه تعالى حينئذ، و لا مقرباً للباذل، و لا مما يترتب عليه أثر محبوب. فمصرف سهم سبيل اللّه قسمان، أحدهما: ما هو مقرب للفاعل، مثل الحج و نحوه.

و ثانيهما: ما يترتب عليه أثر محبوب اللّه تعالى و إن لم يكن مقرباً للفاعل، مثل تزويج العزاب، و تعليم الأحكام، و الدفاع عن بيضة الإسلام.

هذا يتم إذا كان قصد الإعانة غير معتبر في صدقها. و إلا فلا تصدق مع عدم قصد الباذل لها، فلا إثم.

383
مستمسک العروة الوثقى9

الأربعون: حكي عن جماعة عدم صحة دفع الزكاة في المكان المغصوب ؛ ج‌9، ص : 384

[الأربعون: حكي عن جماعة عدم صحة دفع الزكاة في المكان المغصوب]

الأربعون: حكي عن جماعة عدم صحة دفع الزكاة في المكان المغصوب، نظراً إلى أنه من العبادات فلا يجتمع مع الحرام. و لعل نظرهم إلى غير صورة الاحتساب على الفقير من دين له عليه، إذ فيه لا يكون تصرفاً في ملك الغير، بل إلى صورة الإعطاء و الأخذ، حيث أنهما فعلان خارجيان.

و لكنه أيضاً مشكل من حيث أن الإعطاء الخارجي مقدمة للواجب، و هو الإيصال- الذي هو أمر انتزاعي معنوي (1) فلا يبعد الإجزاء.

[الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول]

الحادية و الأربعون: لا إشكال في اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة فيما يعتبر فيه الحول كالأنعام و النقدين- كما مر سابقاً. و أما ما لا يعتبر فيه الحول- كالغلات- فلا يعتبر التمكن من التصرف فيها قبل حال تعلق الوجوب بلا إشكال. و كذا لا إشكال في أنه لا يضر عدم التمكن بعده إذا حدث التمكن بعد ذلك، و إنما الاشكال و الخلاف في اعتباره حال تعلق الوجوب. و الأظهر عدم اعتباره (2)، فلو غصب زرعه غاصب، و بقي مغصوباً إلى وقت التعلق، ثمَّ رجع اليه بعد ذلك وجبت زكاته.

يريد به الاستيلاء على العين، الذي هو من مقولة الجدة. لكن في كونه انتزاعياً إشكال ظاهر، لأنه أمر خارجي، لكنه عرض لا جوهر.

تقدم في المسألة السابعة عشرة الاشكال منه. كما تقدم: أن مقتضى إطلاق بعض النصوص و معاقد الإجماع اعتباره، كما فيما يعتبر فيه الحول. وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ+ كما هو أهله.

384
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في زكاة الفطرة ؛ ج‌9، ص : 385

 

[فصل في زكاة الفطرة]

فصل في زكاة الفطرة

[فصل في وجوبها]

و هي واجبة إجماعاً من المسلمين (1).

و من فوائدها:

أنها تدفع الموت في تلك السنة عمن أديت عنه. و منها: أنها توجب قبول الصوم،

فعن الصادق (ع) أنه قال لوكيله: «اذهب فأعط من عيالنا الفطرة أجمعها، و لا تدع منهم أحداً، فإنك إن تركت منهم أحداً تخوفت عليه الفوت.

قلت: و ما الفوت؟ قال (ع): الموت» «1».

و

عنه (ع): «أن من تمام الصوم إعطاء الزكاة. كما أن الصلاة على النبي (ص) من تمام الصلاة، لأنه من صام و لم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمداً، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (ص) إن اللّه تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة، و قال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى) (2).

فصل في زكاة الفطرة إلا من شذ من بعض أصحاب مالك، كما في الجواهر. و حكي فيها القول بسقوطها عن البادية عن عطاء و عمر بن عبد العزيز و ربيعة. ثمَّ قال: و هو غلط.

هذا الحديث- على ما في الوسائل-

رواه الصدوق (ره) عن أبي بصير و زرارة، قالا: «قال أبو عبد اللّه (ع): إن من تمام الصوم إعطاء

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

 

385
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وجوبها ؛ ج‌9، ص : 385

و المراد بالزكاة في هذا الخبر: هو زكاة الفطرة، كما يستفاد من بعض الأخبار المفسرة للآية (1). و الفطرة، إما بمعنى الخلقة، فزكاة الفطرة أي زكاة البدن، من حيث أنها تحفظه عن الموت، أو تطهره عن الأوساخ. و إما بمعنى الدين أي زكاة الإسلام و الدين. و إما بمعنى الإفطار، لكون وجوبها يوم الفطر. و الكلام في شرائط وجوبها، و من تجب عليه، و في من تجب عنه، و في جنسها، و في قدرها، و في وقتها، و في مصرفها. فهنا فصول:

الزكاة، يعني: الفطرة. كما أن الصلاة ..» «1».

و قوله: «يعني الفطرة» من كلام الراوي، أو الصدوق.

ففي مرسل الفقيه عن قول اللّه عز و جل (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى) قال (ع): «من أخرج الفطرة» «2».

و نحوه ما عن تفسير القمي.

و قد صرح في جملة من النصوص: بأن زكاة الفطرة مرادة من الزكاة المأمور بإيتائها في الكتاب «3» و‌

في صحيح هشام: «نزلت الزكاة و ليس للناس أموال و إنما كانت الفطرة» «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة ملحق حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 9، 10، 11.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

386
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في شرائط وجوبها ؛ ج‌9، ص : 387

 

[فصل في شرائط وجوبها]

فصل في شرائط وجوبها و هي أمور:

[الأول: التكليف]

الأول: التكليف، فلا تجب على الصبي و المجنون (1) فصل في شرائط وجوبها بلا خلاف ظاهر. و عن غير واحد: الإجماع عليه. و استدل له: بحديث رفع القلم عنهما «1»، و تكليف الولي لا دليل عليه، و الأصل ينفيه. و اشكاله ظاهر، فان الحديث ظاهر في رفع الوجوب، فلا يصلح للحكومة على ما دل على اشتغال الذمة بها. و حينئذ يجب على الولي أداؤها- كسائر أموال الناس- حسبما يقتضيه دليل الولاية. نعم يشهد له في الصبي‌

الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضيل: «أنه كتب إلى أبي الحسن الرضا (ع) يسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال، فكتب (ع):

«لا زكاة على يتيم» «2».

و قد يستدل بما عن المقنعة روايته‌

عن عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه (ع): «تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة» «3».

لكنه يتوقف على ثبوت المفهوم له و لو بلحاظ كونه في مقام التحديد، أو على حجية العام في عكس نقيضه و كلاهما غير ظاهر. و لأجل ذلك يشكل نفيها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

 

387
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: عدم الاغماء ؛ ج‌9، ص : 388

و لا على وليهما أن يؤدي عنهما من مالهما. بل يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى عيالهما أيضاً (1).

[الثاني: عدم الاغماء]

الثاني: عدم الاغماء (2)، فلا تجب على من أهل شوال عليه و هو مغمى عليه.

[الثالث: الحرية]

الثالث: الحرية (3)، فلا تجب على المملوك و إن قلنا عن المجنون، إلا أن يكون للإجماع.

كما في الجواهر. و يقتضيه: إطلاق الصحيح السابق. لكن‌

في ذيله: أنه كتب إليه (ع): «عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى، و في يده مال لمولاه، و يحضر الفطر، أ يزكي عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟ قال (ع): نعم» «1».

و حمله في الوسائل على موت المولى بعد الهلال. و هو كما ترى. و في الجواهر:

«لم أجد عاملا به، فلا يصلح دليلا لما خالف الأصول ..».

بلا خلاف أجده فيه. بل في المدارك: «إنه مقطوع به في كلام الأصحاب ..»، كذا في الجواهر. ثمَّ حكى عن المدارك: «أنه مشكل على إطلاقه. نعم لو كان الغماء مستوعباً لوقت الوجوب اتجه ذلك. و أورد عليه: بكفاية الأصل، بعد ظهور الأدلة في اعتبار حصول الشرائط عند الهلال. و فيه: أن كون عدم الاغماء من الشرائط- كي يكفي انتفاؤه عند الهلال. في انتفائه أولا- محل الكلام. بل يشكل استثناء المدارك صورة استيعاب الاغماء للوقت، بأنه يتوقف على القول بسقوط القضاء لو فات لعذر، و إلا فلا موجب للسقوط، كما هو ظاهر.

بلا خلاف ظاهر، بل عن جماعة: الإجماع عليه. و هو واضح- بناء على عدم ملكه- لفوات شرط الغني. أما بناء على أنه يملك فوجهه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

388
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: الغنى ؛ ج‌9، ص : 389

أنه يملك، سواء كان قناً أو مدبراً أو أم ولد أو مكاتباً (1) مشروطاً أو مطلقاً و لم يؤد شيئاً، فتجب فطرتهم على المولى.

نعم لو تحرر من المملوك شي‌ء وجبت عليه و على المولى بالنسبة (2)، مع حصول الشرائط.

[الرابع: الغنى]

الرابع: الغنى (3)، و هو أن يملك قوت سنة- له غير واضح. و كون الإنفاق عليه بإذن المولى، فيكون كعيال عليه، كما ترى. فالعمدة فيه: الإجماع، كما اعترف به في الجواهر.

خلافاً للصدوق (ره)، فعليه الفطرة. و تبعه عليه جماعة على ما حكي. و يشهد له‌

صحيح ابن جعفر (ع): «عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه، و تجوز شهادته؟ قال (ع): الفطرة عليه، و لا تجوز شهادته» «1».

و لا يقدح فيه اشتماله على نفي قبول شهادته، لإمكان التفكيك بين الفقرات في الحجية. على أن المحكي عن الصدوق: حمله على الإنكار لا الاخبار. كما لا يصلح لمعارضة النصوص المتضمنة: أن فطرة العبد على سيده، و لا‌

رواية حماد بن عيسى عن أبي عبد اللّه (ع): «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي، و ما أغلق عليه بابه» «2».

لظهورها، أو اختصاصها بصورة العيلولة به.

كما نسب إلى الأكثر. عملا بالجهتين معاً. و فيه: أن إطلاق وجوب الفطرة محكم. و إطلاق معقد الإجماع على اشتراط الحرية غير شامل للمورد. كإطلاق ما دل على أن فطرة العبد على سيده.

إجماعاً بقسميه، كما في الجواهر. و عن ابن الجنيد: أنها تجب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 13.

389
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: الغنى ؛ ج‌9، ص : 389

و لعياله- زائداً على ما يقابل الدين و مستثنياته، فعلا، أو قوة بأن يكون له كسب يفي بذلك. فلا تجب على الفقير- و هو من لا يملك ذلك- و إن كان الأحوط إخراجها إذا كان مالكاً لقوت السنة، و إن كان عليه دين، بمعنى: أن الدين لا يمنع على من فضل من مئونته و مئونة عياله ليومه و ليلته صاع، و عن الخلاف:

نسبته إلى كثير من أصحابنا. و يشهد للأول:

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «سئل عن رجل يأخذ من الزكاة، عليه صدقة الفطرة؟

قال (ع): لا» «1»

، و‌

خبر النهدي عنه (ع): «عن رجل يقبل الزكاة، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال (ع): لا» «2».

و نحوهما غيرهما.

نعم قد تعارض‌

بمصحح زرارة: «قلت: الفقير الذي يتصدق عليه، هل عليه صدقة الفطرة؟ قال (ع): نعم، يعطي مما يتصدق به عليه» «3»

، و‌

خبر الفضيل: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): أ على من قبل الزكاة زكاة؟ فقال (ع): أما من قبل زكاة المال فان عليه زكاة الفطرة. و ليس عليه لما قبله زكاة. و ليس على من يقبل الفطرة فطرة» «4».

و نحوهما غيرهما.

لكن يتعين حملها على الاستحباب، جمعاً عرفياً بينها و بين ما سبق.

و لو فرض استقرار المعارضة تعين طرحها، لإعراض الأصحاب عنها. بل لم يعرف القول بها حتى من ابن الجنيد، لعدم مطابقتها لدعواه. مضافاً إلى الإشكال في سند بعضها، و دلالة آخر. فلاحظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 10.

390
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لا يعتبر في الوجوب كونه مالكا مقدار الزكاة زائدا على مئونة السنة ؛ ج‌9، ص : 391

من وجوب الإخراج (1)، و يكفي ملك قوت السنة. بل الأحوط الإخراج إذا كان مالكاً عين أحد النصب الزكوية أو قيمتها (2) و إن لم يكفه لقوت سنته. بل الأحوط إخراجها إذا زاد على مئونة يومه و ليلته صاع (3).

[ (مسألة 1): لا يعتبر في الوجوب كونه مالكاً مقدار الزكاة زائداً على مئونة السنة]

(مسألة 1): لا يعتبر في الوجوب كونه مالكاً مقدار الزكاة زائداً على مئونة السنة، فتجب و إن لم يكن له الزيادة على الأقوى (4) و الأحوط.

هذا مبني على أن الدين- الذي يعجز عن أدائه- لا ينافي صدق الغنى، إذا كان يملك قوت السنة له و لعياله. لكن عرفت- في حكم الغارمين- ضعف ذلك.

لما سبق- في معنى الفقر و الغنى- من القول بوجوب الفطرة على من ملك ذلك. و تقدم وجهه و ضعفه. فراجع.

لما سبق عن ابن الجنيد، الذي لم يعرف له شاهد.

كما في الجواهر، ناسباً له إلى إطلاق النص و الفتوى، و عن الشهيد الثاني الجزم به لذلك. و عن الفاضلين و الشهيد و المحقق الثاني- في حاشية الشرائع- و غيرهم: اعتبار الزيادة المذكورة. قيل: «لأنه لو وجبت مع عدمها انقلب فقيراً، فيلزم منها انتفاء موضوعها ..» و هو كما ترى لأن الفقر- لأجل وجوبها- لا ينافي الغنى المأخوذ شرطاً في وجوبها، لاختلافهما مرتبة.

و مثله: ما يقال: من أنه لو وجبت حينئذ لجاز أخذها لتحقق شرط المستحق، فيلزم أن يكون ممن يأخذها و ممن حلت عليه، مع ما ورد: من أنه إذا حلت له لم تحل عليه و من حلت عليه لم تحل له. فإنه- أيضاً-

391
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): لا يشترط في وجوبها الإسلام ؛ ج‌9، ص : 392

[ (مسألة 2): لا يشترط في وجوبها الإسلام]

(مسألة 2): لا يشترط في وجوبها الإسلام، فتجب على الكافر (1)، لكن لا يصح أداؤها منه (2)، و إذا أسلم بعد الهلال سقط عنه (3). و أما المخالف إذا استبصر بعد الهلال فلا تسقط عنه (4).

يظهر اندفاعه مما سبق. مضافاً إلى أنه لو لم تجب عليه لحلت له، و لا يظن الالتزام به. و مثله: دعوى: أن حدوث الفقر مانع عنها كوجوده. إذ فيه: امتناع أن يكون معلول الشي‌ء علة لعدمه و مانعاً من وجوده.

و عن المبسوط و الدروس و غيرهما: التفصيل بين الغني فعلا فتجب عليه، و الغني بالقوة فلا تجب عليه. لأنها لو وجبت عليه لزم إما تقديمها على القوت، أو الاستدانة لها. و الأول ممنوع، و الثاني خلاف الأصل. و هو- مع أنه غير مطرد- لا يصلح لمعارضة الإطلاق.

لعدم الفرق بينها و بين زكاة المال و غيرها- من الواجبات المالية و البدنية- في كون مقتضى الإطلاق وجوبها على الكافر كالمسلم.

لاعتبار التقرب فيها- كزكاة المال- و هو غير ممكن بالنسبة إلى الكافر.

لحديث الجب- أو غيره- على ما عرفت في أوائل كتاب زكاة المال. فراجع. مضافاً إلى‌

صحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال (ع): لا، قد خرج الشهر.

و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال (ع): لا» «1».

أما إذا لم يؤدها فظاهر، لعدم الموجب للسقوط. و إما إذا أداها فلما عرفت في زكاة المال، من النصوص المعللة عدم السقوط: بأنه وضعها في غير أهلها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

392
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): يعتبر فيها نية القربة ؛ ج‌9، ص : 393

[ (مسألة 3): يعتبر فيها نية القربة]

(مسألة 3): يعتبر فيها نية القربة (1) كما في زكاة المال، فهي من العبادات، و لذا لا تصح من الكافر.

[ (مسألة 4): يستحب للفقير إخراجها أيضاً]

(مسألة 4): يستحب للفقير إخراجها أيضاً (2).

و إن لم يكن عنده إلا صاع، يتصدق به على عياله (3)، ثمَّ يتصدق به على الأجنبي (4) بعد أن ينتهي الدور. و يجوز أن يتصدق به على واحد منهم أيضاً، و إن كان الأولى و الأحوط الأجنبي (5). و إن كان فيهم صغير أو مجنون يتولى الولي له الأخذ له و الإعطاء عنه (6). و إن كان الأولى و الأحوط أن إجماعاً ظاهراً، و هو العمدة.

إجماعاً، كما عن غير واحد، و في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه. و يشهد له النصوص المتقدمة، بعد حملها على الاستحباب جمعاً.

كما عن جمع التصريح به. و يشهد له‌

موثق إسحاق بن عمار: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل لا يكون عنده شي‌ء من الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه من الفطرة وحدها، أ يعطيه غريباً، أو يأكل هو و عياله؟

قال (ع): يعطي بعض عياله، ثمَّ يعطي الآخر عن نفسه، و يرددونها فتكون عنهم جميعاً فطرة واحدة» «1».

كما عن الشهيد في البيان. و عن المدارك: «أن الظاهر من الترديد الرد الى المصدق الأول ..» قلت: ظاهر الرواية الرد إلى بعضهم، سواء أ كان الأول أم غيره، فلا تخرج الفطرة عنهم.

إذ لا يحتمل اعتبار الرد على بعضهم في تحقق الاحتيال عن إعطاء الفطرة عن جميعهم، و إن كان ظاهر الرواية جوازه.

قد يشكل ذلك: بأن إعطاء الولي عنه خلاف المصلحة، و الأصل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

393
مستمسک العروة الوثقى9

مسألة 5): يكره تملك ما دفعه زكاة(1) وجوبا أو ندبا ؛ ج‌9، ص : 394

يتملك الولي لنفسه ثمَّ يؤدي عنهما.

[مسألة 5): يكره تملك ما دفعه زكاة (1) وجوباً أو ندباً]

(مسألة 5): يكره تملك ما دفعه زكاة (1) وجوباً أو ندباً، سواء تملكه صدقة أو غيرها، على ما مر في زكاة المال.

[ (مسألة 6): المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط]

(مسألة 6): المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعاً للشرائط، فلو جن أو أغمي عليه أو صار فقيراً قبل الغروب- و لو بلحظة- بل أو مقارناً للغروب- لم تجب عليه. كما أنه لو اجتمعت الشرائط- بعد فقدها قبله، أو مقارناً له- وجبت، كما لو بلغ الصبي، أو زال جنونه و لو الأدواري، أو أفاق من الإغماء، أو ملك ما يصير به غنياً أو تحرر و صار غنياً، أو أسلم الكافر، فإنها تجب عليهم (2) عدم جوازه. و يدفع- كما في المسالك-: «بأن النص يقتضي جوازه.

و لثبوت مثله في الزكاة المالية ..». اللهم إلا أن يمنع الإطلاق، لعدم ورود النص بلحاظ هذه الجهة.

و في الجواهر دفعه: «بأن غير المكلف ملكه على هذا الوجه- أي على أن يخرج عنه صدقة- لظهور النص في بيان الحيلة للمعيل في إخراج مقدار الفطرة الواحدة عنه و عن عياله ..». و فيه تأمل ظاهر. و إلا لوجب على كل واحد ممن أخذه أن يفعل ذلك، و هو كما ترى. و بذلك تظهر قوة ما عن المدارك: من أن الأصح اختصاص الحكم بالمكلفين.

كما عن المدارك. لما سبق في زكاة المال.

إجماعاً بقسميه، كما في الجواهر. و يشهد له صحيح معاوية المتقدم «1».

و أوضح منه: ما‌

رواه في الفقيه بطريق صحيح أو موثق عنه: «في المولود يولد

______________________________
(1) لاحظ المسألة: 2 من هذا الفصل.

394
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): المدار في وجوب الفطرة إدراك غروب ليلة العيد جامعا للشرائط ؛ ج‌9، ص : 394

و لو كان البلوغ أو العقل أو الإسلام مثلا بعد الغروب لم تجب نعم يستحب إخراجها (1) إذا كان ذلك بعد الغروب إلى ما قبل الزوال من يوم العيد.

ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر، قال (ع): ليس عليهم فطرة. ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» «1».

فان الظاهر منه وجوبها بمجرد حصول الشرائط آناً ما في الشهر، مستمرة الى أن يهل الهلال و من ذلك يشكل الوجوب إذا لم يحصل الإدراك، و إن كان اجتماعها مقارناً للغروب. و كيف كان فظاهر قوله (ع):

«ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر».

أن وقت وجوبها وقت الإدراك عند الغروب، فاذا تخلفت الشرائط بعد ذلك لم يسقط الوجوب.

كما عن الأكثر. لما‌

رواه محمد بن مسلم في الفطرة، من قول الباقر (ع): «تصدق عن جميع من تعول- من حر أو عبد، صغير أو كبر- من أدرك منهم الصلاة» «2»

، و‌

المرسل: «من ولد له قبل الزوال يخرج عنه الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال» «3»

المحمولين على الاستحباب، لما سبق.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

395
مستمسک العروة الوثقى9

فصل فيمن تجب عنه ؛ ج‌9، ص : 396

[فصل فيمن تجب عنه]

فصل فيمن تجب عنه يجب إخراجها- بعد تحقق شرائطها- عن نفسه، و عن كل من يعوله (1)، حين دخول ليلة الفطر. من غير فرق بين واجب النفقة عليه و غيره، و الصغير و الكبير، و الحر فصل فيمن تجب عنه بلا خلاف و لا إشكال، بل عن غير واحد: الإجماع عليه.

و في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه. و يشهد له كثير من النصوص،

كصحيح عمر ابن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه، فيحضر يوم الفطر، يؤدي عنه الفطرة؟ فقال (ع): نعم، الفطرة واجبة على كل من يعول، من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو مملوك» «1»

، و‌

مصحح ابن سنان: «كل من ضممت إلى عيالك- من حر أو مملوك- فعليك أن تؤدي الفطرة عنه» «2»

، و‌

في صحيح الحلبي: «صدقة الفطرة على كل رأس من أهلك» «3»

، و‌

في خبر حماد ابن عيسى: «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه، و رقيق امرأته، و عبده النصراني و المجوسي، و ما أغلق عليه بابه،» «4».

و نحوها غيرها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 13.

396
مستمسک العروة الوثقى9

فصل فيمن تجب عنه ؛ ج‌9، ص : 396

و المملوك، و المسلم و الكافر، و الأرحام و غيرهم، حتى المحبوس عنده و لو على وجه محرم (1). و كذا تجب عن الضيف، بشرط صدق كونه عيالًا له (2)، و إن نزل عليه في آخر يوم من رمضان، بل و إن لم يأكل عنده شيئاً. لكن بالشرط المذكور، و هو صدق العيلولة عليه عند دخول ليلة الفطر، بأن يكون بانياً على البقاء عنده مدة. و مع عدم الصدق تجب على نفسه، لكن الأحوط أن يخرج صاحب المنزل عنه أيضاً حيث أن بعض العلماء اكتفى- في الوجوب عليه- مجرد صدق اسم الضيف، و بعضهم: اعتبر كونه عنده تمام الشهر، و بعضهم: العشر الأواخر، و بعضهم: الليلتين الأخيرتين، فمراعاة الاحتياط أولى. و أما الضيف النازل بعد دخول الليلة كما صرح به غير واحد. لإطلاق النصوص.

قد اختلفت كلماتهم فيه، فعن الشيخ و السيد: اعتبار الضيافة طول الشهر، و عن المفيد: الاكتفاء بالنصف الأخير، و عن جماعة: الاجتزاء بالعشر الأخيرة، و عن الحلي: الاجتزاء بالليلتين الأخيرتين، و عن العلامة:

الاجتزاء بالليلة الأخيرة، و عن ابن حمزة: الاجتزاء بمسمى الإفطار في الشهر و عن جماعة- منهم الشهيد الثاني-: الاجتزاء بصدق الضيف في جزء من الزمان قبل الهلال، و عن بعض: اعتبار صدق العيلولة عرفاً. و أكثر الأقوال غير ظاهر الوجه.

نعم كأن مستند الأخير: ما في الصحيح الأول، من قوله (ع):

«نعم الفطرة ..»

بدعوى: ظهوره في تقييد الوجوب عن الضيف بكونه ممن يعوله، كما هي غير بعيدة، بل لا يبعد دخول ذلك في مفهوم‌

397
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): إذا ولد له ولد، أو ملك مملوكا، أو تزوج بامرأة قبل الغروب ؛ ج‌9، ص : 398

فلا تجب الزكاة عنه، و إن كان مدعواً قبل ذلك.

[ (مسألة 1): إذا ولد له ولد، أو ملك مملوكاً، أو تزوج بامرأة قبل الغروب]

(مسألة 1): إذا ولد له ولد، أو ملك مملوكاً، أو تزوج بامرأة قبل الغروب الضيف. و لا ينافيه وضوح عدم صدق العيال عليه، لأن موضوع الحكم أن يكون ممن يعوله و لو في وقت، لا كونه من العيال. و فرق بين العنوانين فإنه يكفي في صدق الأول البناء على الإنفاق عليه و لو مدة يسيرة، و لا يكفي ذلك في الثاني. و من المعلوم: أن مبنى الضيافة الاستمانة و التعيش من المضيف مدة ما و لو كانت قصيرة، فلو كان من نية الضيف الأكل من متاعه- لا من طعام صاحب المنزل- لا يعد ضيفاً. و لعل ذلك موجب لرجوع القولين الأخيرين إلى قول واحد. كما أن منه يظهر لزوم تقييد عبارة المتن بالبقاء عنده مدة كأحد عياله يعيش بنفقته، و لا يكفي نية البقاء عنده محضاً- فضلا عن النزول عليه قبل الهلال و بقائه إلى أن يهل- إذ لا يصدق عليه حينئذ الضيف و لا من يعول به، و لا من ضم الى عياله و لا غير ذلك من العناوين المذكورة في النصوص موضوعاً للفطرة.

و إغلاق الباب في المرفوع كناية عن أن يعول به، لا أنه موضوع للحكم إجماعاً.

ثمَّ إن الظاهر أنه يعتبر في العيلولة نحو من التابعية و المتبوعية» بحيث يعد المعال تابعاً للمعيل و من متعلقيه في شؤون معاشه، فلا يكفي مجرد إعطاء المال لشخص، أو اباحته له بمقدار نفقته في صدق كونه عيالا للمعطي.

و لعله إلى ذلك أشير في‌

صحيح ابن الحجاج: «عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه يتكلف له نفقته و كسوته، أ تكون عليه فطرته؟

قال (ع): لا، إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه. و قال (ع):

العيال: الولد، و المملوك، و الزوجة، و أم الولد» «1».

و منه يظهر الوجه في عدم وجوب الفطرة عمن يدعى للعشاء أو الإفطار‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

398
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه ؛ ج‌9، ص : 399

بامرأة، قبل الغروب من ليلة الفطر- أو مقارناً له- (1)، وجبت الفطرة عنه إذا كان عيالًا له. و كذا غير المذكورين ممن يكون عيالًا، و إن كان بعده لم تجب. نعم يستحب الإخراج عنه (2) إذا كان ذلك بعده و قبل الزوال من يوم الفطر.

[ (مسألة 2): كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه]

(مسألة 2): كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه (3)، و إن كان غنياً و كانت واجبة عليه لو انفرد، و كذا لو كان عيالا لشخص ثمَّ صار وقت الخطاب عيالا لغيره.

في الوليمة، و إن حضر عند الغروب أو قبله، إذ ليس له نحو من التابعية بخلاف الضيف النازل في ذلك الوقت، فان له ذلك النحو من التابعية.

و أيضاً الضيف يتعهد به المضيف من جميع جهات المعاش و ليس كذلك المدعو فإن الداعي إنما يتعهد بخصوص طعامه و شرابه دون بقية الجهات. و على هذا فلا إشكال في أن الدعوة إلى الوليمة لا تستوجب أداء الفطرة. فتأمل جيداً.

قد عرفت الإشكال في الاكتفاء بالمقارنة، فإنه خلاف ظاهر جملة من فقرات صحيح معاوية المتقدم «1» كما سبق.

بلا خلاف معتد به أجده، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام: أنه إجماع. نعم في البيان: ظاهر ابن إدريس وجوبها على الضيف و المضيف، كذا في الجواهر. و فيه: أنه خلاف ما دل على أن فطرة الضيف على المضيف، فان ظاهره أنها فطرة واحدة على المضيف، فيخصص به ما دل على وجوب فطرة كل إنسان على نفسه.

______________________________
(1) لاحظ المسألة: 2 من فصل شرائط وجوب الفطرة.

399
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): كل من وجبت فطرته على غيره سقطت عن نفسه ؛ ج‌9، ص : 399

و لا فرق في السقوط عن نفسه (1) بين أن يخرج عنه من وجبت عليه أو تركه عصياناً أو نسياناً، لكن الأحوط الإخراج عن نفسه حينئذ (2). نعم لو كان المعيل فقيراً و العيال غنياً فالأقوى وجوبها على نفسه (3)، و لو تكلف المعيل الفقير كما عن جماعة التصريح به، بل ربما نسب إلى المشهور، كذا في الجواهر. لظهور الأدلة في الوجوب على المعيل لا غير.

بل ظاهر قوله في الإرشاد: «و تسقط عن الموسرة و الضيف الغني بالإخراج ..» عدم السقوط بدونه، و احتمله في المسالك. و كان وجهه: إما دعوى أن مفاد الأدلة أن المعيل مكلف بدفع الفطرة الثابتة على المعال عنه، فالتكليف يكون بالإسقاط و إفراغ ذمة العيال. و لكنه خلاف الظاهر. و لا سيما بملاحظة عدم اشتغال الذمة في جملة من أفراد المال كالصبي و العبد و المصرح بهما في النصوص. أو دعوى: أن الجمع بين دليل وجوب الفطرة على المعيل، و دليل وجوب الفطرة على العيال الجامع للشرائط، بضميمة ما يستفاد: من أن لكل إنسان فطرة واحدة، أن يكون الوجوب عليهما من قبيل الوجوب الكفائي، الذي تحقق في محله:

أن الواجب فيه واحد، و الواجب عليه متعدد. إذ لا مانع من اشتغال ذمم متعددة بواجب واحد، لأن الوجود الذمي اعتباري، و لا مانع من أن يكون للواحد وجودات متعددة اعتبارية. و ارتكاب هذا الحمل أولى من ارتكاب التقييد في دليل الوجوب على العيال. فاذاً القول بتوقف السقوط عن العيال على أداء المعيل- كالعكس- في محله. فلاحظ.

كما عن الحلي القطع به، و عن المعتبر: أنه قوي. و لعدم المخصص لعموم وجوب الفطرة على كل إنسان. و بذلك يظهر ضعف ما عن الشيخ و الفخر: من عدم وجوبها على الزوجة الموسرة إذا كان الزوج معسراً،

400
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): تجب الفطرة عن الزوجة ؛ ج‌9، ص : 401

بالإخراج على الأقوى (1). و إن كان السقوط حينئذ لا يخلو عن وجه.

[ (مسألة 3): تجب الفطرة عن الزوجة]

(مسألة 3): تجب الفطرة عن الزوجة سواء كانت دائمة أو متعة- مع العيلولة لهما، من غير فرق بين وجوب النفقة عليه أولا (2) لنشوز أو نحوه. و كذا المملوك و إن لم تجب نفقته عليه. و أما مع عدم العيلولة فالأقوى عدم الوجوب عليه (3) و إن كانوا من واجبي النفقة عليه. و ان كان الأحوط لأصالة البراءة. إذ لا مجال للأصل مع عموم الأدلة، المقتصر في تخصيصها على خصوص صورة اجتماع شرائط الوجوب في المعيل، لأنها مورد نصوص التخصيص. اللهم إلا أن يدعى: أنها يستفاد منها عدم الفطرة على المعال كلية. لكنها ممنوعة جداً.

لعدم الدليل على السقوط به، و قاعدة الاشتغال تقتضي عدمه.

لكن عرفت في الحاشية السابقة: أن الأقرب السقوط. كما تعرف منه أيضاً:

أنه لا تنافي بين الوجوب على العيال و الاستحباب على المعيل. و لا حاجة إلى تكلف ما عن البيان، من أن استحباب إخراج المعيل عن العيال مختص بالعيال الفقير و لا يشمل الغني. فلاحظ.

بلا خلاف و لا إشكال. كل ذلك لإطلاق الأدلة. و كذا المملوك.

أما مع عدم وجوب النفقة في الزوجة فهو المشهور. و عن الحلي الوجوب، مدعياً عليه الإجماع و العموم، من غير تفصيل من أحد من أصحابنا. و فيه: منع الإجماع، بل عن المدارك: «صرح الأكثر بأن فطرة الزوجة إنما تجب إذا كانت واجبة النفقة ..». و عن المعتبر:

«ما عرفنا أحداً من فقهاء الإسلام- فضلا عن الإمامية- أوجب الفطرة‌

401
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): تجب الفطرة عن الزوجة ؛ ج‌9، ص : 401

الإخراج، خصوصاً مع وجوب نفقتهم عليه. و حينئذ ففطرة الزوجة على نفسها (1)، إذا كانت غنية، و لم يعلها الزوج عن الزوجة من حيث هي، بل ليس تجب فطرة إلا عمن تجب مئونته أو تبرع بها عليه ..».

نعم قد يوهم ذلك إطلاق بعض النصوص، مثل‌

موثق إسحاق: «عن الفطرة؟ قال (ع): الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أمك و ولدك و امرأتك و خادمك» «1».

لكنه- بقرينة اشتماله على الوالد و الولد- يمتنع الأخذ بإطلاقه، و إلا يلزم أن تكون فطرة كل من الوالد و الولد على الآخر و على نفسه. و أما ما‌

في صحيح ابن الحجاج المتقدم، من قوله (ع): «العيال الولد و المملوك و الزوجة و أم الولد» «2»

فأولى أن يكون قاصر الدلالة، فإنه- بقرينة سياقه- في مقام تمييز العيال عن غيرهم مع كون الجميع ممن ينفق عليهم، لا في مقام الحكم تعبداً بأن الولد و الزوجة عيال مطلقاً. فلاحظ.

و أما مع وجوب النفقة على الزوجة و المملوك فالمنسوب إلى المشهور وجوب فطرتهما على الزوج و السيد، لأنها تابعة لوجوب الإنفاق. و لإطلاق النصوص. لكن الأول مصادرة، و الثاني غير ظاهر، إذ ليس ما يتوهم منه الإطلاق إلا الخبرين المذكورين، و قد عرفت الاشكال فيهما. مع أنه لو تمَّ إطلاقهما لم يفرق بين الزوجة و المملوك و غيرهما مما ذكر في الخبرين، فلا يختص الحكم بهما. و لذا كان ظاهر ما عن المبسوط و المعتبر عموم الحكم لمطلق واجب النفقة.

هذا تفريع على ما قواه، لا على ما هو الأحوط.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(2) لاحظ المسألة: 1 من هذا الفصل.

402
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما ؛ ج‌9، ص : 403

و لا غير الزوج أيضاً. و أما إن عالها- أو عال المملوك غير الزوج و المولى- فالفطرة عليه (1) مع غناه.

[ (مسألة 4): لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما]

(مسألة 4): لو أنفق الولي على الصغير أو المجنون من مالهما سقطت الفطرة عنه و عنهما (2).

[ (مسألة 5): يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكل]

(مسألة 5): يجوز التوكيل في دفع الزكاة إلى الفقير من مال الموكل (3)، و يتولى الوكيل النية. و الأحوط نية الموكل أيضاً، على حسب ما مر في زكاة المال. و يجوز توكيله في الإيصال، و يكون المتولي حينئذ هو نفسه. و يجوز الاذن في الدفع عنه أيضاً- لا بعنوان الوكالة- و حكمه حكمها، بل يجوز توكيله أو إذنه في الدفع من ماله، بقصد الرجوع عليه بالمثل أو القيمة. كما يجوز التبرع به من ماله بإذنه أو لا بإذنه، و إن كان الأحوط عدم الاكتفاء في هذا و سابقة.

[ (مسألة 6): من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه]

(مسألة 6): من وجب عليه فطرة غيره لا يجزيه إخراج ذلك الغير عن نفسه (4)، سواء كان غنياً، أو فقيراً و تكلف بالإخراج. بل لا تكون حينئذ فطرة، حيث أنه غير مكلف بها. نعم لو قصد التبرع بها عنها أجزأه على الأقوى بلا إشكال. لإطلاق ما دل على وجوب الفطرة عمن يعول به.

كما لا إشكال عندنا في سقوطها عن الزوج و السيد، كما في الجواهر.

أما الأول فلعدم كونهما عيالا له. و أما الثاني فلما سبق: من عدم وجوب الفطرة عليهما.

تقدم الكلام في هذه المسألة في زكاة المال فراجع.

قد عرفت تقريب الاجزاء في المسألة الثانية. فراجع.

403
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي ؛ ج‌9، ص : 404

و إن كان الأحوط العدم.

[ (مسألة 7): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي]

(مسألة 7): تحرم فطرة غير الهاشمي على الهاشمي (1) كما في زكاة المال، و تحل فطرة الهاشمي على الصنفين. و المدار على المعيل لا العيال (2)، فلو كان العيال هاشمياً دون المعيل لم يجز دفع فطرته الى الهاشمي، و في العكس يجوز.

العمدة فيه: الإجماع. و الا فيمكن المناقشة في إطلاق الزكاة، أو الزكاة المفروضة، أو الصدقة الواجبة على الناس بنحو يشمل الفطرة.

و لا سيما بملاحظة ما في خبر الشحام، من تفسير الممنوع إعطاؤها لبني هاشم بالزكاة المفروضة المطهرة للمال.

لأنه الذي وجبت عليه و اشتغلت بها ذمته على ما عرفت، فان كان هاشمياً كانت صدقة هاشمي فتحل للهاشمي، و إن كان عياله غير هاشمي و ان لم يكن هاشمياً كانت صدقة غير هاشمي، فلا تحل للهاشمي و إن كان عياله هاشمياً. و كونها صدقة عن العيال لا يجعل المدار على العيال، لأن المراد بصدقة الهاشمي أو غير الهاشمي الصدقة التي تجب على الهاشمي، و تشتغل بها ذمته أو غير الهاشمي، لا من وجبت عنه، فان عيال الإنسان كماله، تجب على الإنسان الصدقة عنه كما تجب عليه الصدقة عن ماله. و المدار في المنع و الجواز المخاطب، لا من تكون عنه. و من ذلك يظهر لك ضعف ما في الحدائق: من أن الاعتبار بالمعال، لأنه هو الذي تضاف إليه الزكاة، فيقال:

فطرة فلان، فان هذه الإضافة- نظير إضافة الزكاة إلى المال أو التجارة أو نحوهما- ليست موضوعاً للحكم جوازاً و منعاً.

هذا كله على المشهور من اختصاص الوجوب بالمعيل. أما بناء على ما قربناه من الوجوب عليهما على نحو الوجوب الكفائي، فإذا كان أحدهما هاشمياً دون الآخر يصدق أنها فطرة الهاشمي، كما يصدق أنها فطرة غير‌

404
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لا فرق في العيال بين أن يكون حاضرا عنده - و في منزله أو منزل آخر - أو غائبا عنه ؛ ج‌9، ص : 405

[ (مسألة 8): لا فرق في العيال بين أن يكون حاضراً عنده- و في منزله أو منزل آخر- أو غائباً عنه]

(مسألة 8): لا فرق في العيال بين أن يكون حاضراً عنده- و في منزله أو منزل آخر- أو غائباً عنه (1)، فلو كان له مملوك في بلد آخر، لكنه ينفق على نفسه من مال المولى يجب عليه زكاته. و كذا لو كانت له زوجة أو ولد كذلك.

كما أنه إذا سافر عن عياله، و ترك عندهم ما ينفقون به على أنفسهم يجب عليه زكاتهم. نعم لو كان الغائب في نفقة غيره لم يكن عليه، سواء كان الغير موسراً و مؤدياً أولا. و إن كان الأحوط- في الزوجة و المملوك- إخراجه عنهما، مع فقر العائل، أو عدم أدائه. و كذا لا تجب عليه إذا لم يكونوا في عياله و لا في عيال غيره، و لكن الأحوط- في المملوك و الزوجة ما ذكرنا، من الإخراج عنهما حينئذ أيضاً.

[ (مسألة 9): الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم]

(مسألة 9): الغائب عن عياله الذين في نفقته يجوز أن يخرج عنهم، بل يجب. إلا إذا و كلهم أن يخرجوا من الهاشمي، فلا مجال للرجوع إلى الدليلين معاً، فيكون المرجع إطلاقات الجواز.

اللهم إلا أن يقال: التعليل: بأن الزكاة أوساخ أيدي الناس، يناسب كون المدار على المعال به لأنها فداء عنه، لا عن المعيل.

لما عرفت، من إطلاق النصوص الدالة على وجوبها على المعيل.

و حكم بقية المسألة يظهر مما عرفت، من أن المدار العيلولة، من دون فرق بين حضور المعيل أو المعال و عدمه. و‌

في صحيح جميل: «لا بأس أن يعطي الرجل عن عياله و هم غيب عنه، و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب عنهم» «1».

و من ذلك تعرف وضوح الحكم في المسألة التاسعة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

405
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة ؛ ج‌9، ص : 406

ماله الذي تركه عندهم (1)، أو آذن لهم في التبرع عنه.

[ (مسألة 10): المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة]

(مسألة 10): المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة إذا كان في عيالهما معاً (2)، و كانا موسرين، مجرد التوكيل غير كاف في سقوط الوجوب. نعم إذا وثق بأنهم يؤدون كفى ذلك.

كما عن الأكثر. و استدل له- مضافاً إلى إطلاق ما دل على أن فطرة العيال على من يعول به، الشامل لصورة وحدة العائل و تعدده-:

بمكاتبة محمد بن القاسم بن الفضيل إلى أبي الحسن الرضا (ع): «يسأله عن المملوك يموت عنه مولاه و هو عنه غائب في بلدة أخرى، و في يده مال لمولاه، و يحضر الفطر، أ يزكي عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى؟

قال (ع): نعم» «1».

و فيه: أن المكاتبة غير معمول بها عندهم على ظاهرها. و حملها على صورة موت المولى بعد الهلال- كما في الوسائل- موجب لخروجها عن صلاحية الدليلية في المقام. فالعمدة: الإطلاق.

إلا أن يقال: لو تمَّ الإطلاق تعين الخروج عنه‌

بخبر زرارة عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت: عبد بين قوم، عليهم فيه زكاة الفطرة؟ قال (ع):

إذا كان لكل إنسان رأس فعليه أن يؤدي فطرته، و إذا كان عدة العبيد و عدة الموالي سواء، و كانوا جميعا فيهم سواء أدوا زكاتهم، لكل واحد منهم على قدر حصته. و إن كان لكل إنسان منهم أقل من رأس فلا شي‌ء عليهم» «2».

و عمل به الصدوق، و تبعه في ظاهر الوسائل. و فيه:

أنه ضعيف السند، غير مجبور بعمل. و اعتماد الصدوق عليه لا يعارض إعراض الأصحاب عنه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

406
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): المملوك المشترك بين مالكين زكاته عليهما بالنسبة ؛ ج‌9، ص : 406

و مع إعسار أحدهما تسقط و تبقى حصة الآخر (1)، و مع إعسارهما تسقط عنهما. و إن كان في عيال أحدهما وجبت عليه مع يساره، و تسقط عنه و عن الآخر مع إعساره (2)، و إن كان الآخر موسراً. لكن الأحوط إخراج حصته. و إن لم يكن في عيال واحد منهما سقطت عنهما أيضاً، و لكن الأحوط الإخراج مع اليسار، كما عرفت مراراً. و لا فرق- في كونهما عليهما مع العيلولة لهما- بين صورة المهاياة و غيرها، و إن كان حصول وقت الوجوب في نوبة أحدهما (3)، فإن المناط يجري فيه الاشكال- المتقدم في العبد الذي تحرر منه شي‌ء- من عدم ظهور الأدلة في ثبوت الحكم للعيلولة بلحاظ البعض.

أما عنه فللاعسار. و أما عن الآخر فلعدم كونه ممن يعول به على ما عرفت من اختصاص الوجوب بالعيلولة، و لا يكفي مجرد الملكية أو وجوب النفقة. و من ذلك تعرف الوجه فيما بعده.

كما نص عليه في الجواهر: «لعدم صدق إطلاق: أنه من عياله، و إن صدق عليه: أنه منهم مقيداً بذلك الوقت. و المدار على الأول لا مطلق العيال و لو بالتقييد ..» و فيه: أن الظاهر من النصوص الاكتفاء بالعيلولة وقت الهلال، و لا حاجة الى صدقها مطلقاً. و لا سيما بالإضافة إلى الأفراد التي يغلب عليها تناوب الأحوال، مثل العبد الذي يكون في أيدي التجار للاتجار به. و يشير إلى ذلك الصحيح الوارد في الضيف «1».

و أما ما في المتن: من أن المناط العيلولة المشتركة بينهما في الفرض، ففيه: أنه مع المهاياة لا اشتراك فيها، بل هي نظير القسمة التي مرجعها‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في أول الفصل.

407
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 11): إذا كان شخص في عيال اثنين ؛ ج‌9، ص : 408

العيلولة المشتركة بينهما بالفرض- و لا يعتبر اتفاق جنس المخرج من الشريكين (1)، فلأحدهما إخراج نصف صاع من شعير و الآخر من حنطة. لكن الاولى- بل الأحوط- الاتفاق.

[ (مسألة 11): إذا كان شخص في عيال اثنين]

(مسألة 11): إذا كان شخص في عيال اثنين بأن عالاه معاً- فالحال كما مر في المملوك بين شريكين (2)، إلا في مسألة الاحتياط المذكور فيه (3). نعم الاحتياط بالاتفاق في جنس المخرج جاز هنا أيضاً (4). و ربما يقال بالسقوط عنهما (5). و قد يقال بالوجوب عليهما كفاية (6). و الأظهر ما ذكرنا.

إلى تمييز الحقوق المشتركة و تعيينها في المعين. إلا أن يكون المراد المهاياة في المنافع مع الاشتراك في العيلولة. لكنه خلاف الظاهر.

كما في الجواهر، حاكياً التصريح به عن بعض. لإطلاق الأدلة لكنها إنما يتم لو جاز التلفيق مع اتحاد المعيل، أما مع عدمه فلا فرق بينه و بين المقام، لأن الاتفاق على هذا يكون شرطاً في الفطرة مطلقاً فلاحظ. و سيأتي الكلام في جواز التلفيق.

لأجل أن العمدة- فيما سبق في المملوك- هو الإطلاق لم يفرق فيه بين المملوك المشترك العيلولة و غيره.

لاختصاصه بصورة عدم عيلولة الموسر- أحدهما كان أو كلاهما- و هو خلاف فرض العيلولة منهما معاً في هذه المسألة.

قد عرفت أنه الأقوى.

قد عرفت وجهه.

بدعوى: كون المعيل ملحوظاً بنحو الطبيعة السارية، فيكون‌

408
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه ؛ ج‌9، ص : 409

[ (مسألة 12): لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه]

(مسألة 12): لا إشكال في وجوب فطرة الرضيع على أبيه (1) إن كان هو المنفق على مرضعته، سواء كانت أماً له أو أجنبية، و إن كان المنفق غيره فعليه (2). و إن كانت النفقة من ماله فلا تجب على أحد (3).

كل واحد موضوعاً للحكم، و لأجل أن الفطرة واحدة لا تقبل التعدد يكون الوجوب الوضعي كفائياً، كما في الأيدي المتعاقبة على مال الغير، فان كل واحد من ذوي اليد ضامن لذلك المال، و بأداء واحد تفرغ ذمة الجميع عنه، و إن جاز الرجوع من السابق على اللاحق بمناط آخر. لكن الظاهر كونه ملحوظاً بنحو صرف الوجود، كما هو مقتضى إطلاقه، فينطبق على الفردين كما ينطبق على الفرد الواحد. و مقتضاه التوزيع، فيكون هنا اشتغال واحد لمجموع الذمم الذي لا يعقل فيه الا التوزيع، كما لو أتلف جماعة مال الغير.

لا إشكال في وجوب الفطرة عن الرضيع، و ادعي عليه الإجماع.

و يقتضيه- مضافاً إلى العمومات- رواية إبراهيم بن محمد الهمداني، المصرح فيها بالفطيم و الرضيع، و أن فطرتهما على من يعول بهما «1». و لا ينبغي التأمل في كونه عيالا للأب إذا كان الإرضاع بالأجرة. أما لو أرضعته أمه أو غيرها مجاناً، فكونه عيالا عرفاً على من يعول بأمه أباً كان أم غيره- كما هو ظاهر المتن- للتبعية لا يخلو من إشكال، و ان كان هو الأقرب.

و لا سيما مع ملاحظة الأب إرضاع الطفل سبباً للعيلولة بها.

قد عرفت أنه إذا كانت الأم مستأجرة للأب على الإرضاع فهو عيال لأبيه لا لمن عال بأمه.

لصغره المانع من وجوبها عليه. و لعدم عيلولة أحد به كي تجب على غيره.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

409
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال ؛ ج‌9، ص : 410

و أما الجنين فلا فطرة له (1)، إلا إذا تولد قبل الغروب.

نعم يستحب إخراجها عنه إذا تولد بعده الى ما قبل الزوال، كما مر.

[ (مسألة 13): الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال]

(مسألة 13): الظاهر عدم اشتراط كون الإنفاق من المال الحلال (2)، فلو أنفق على عياله من المال الحرام- من غصب أو نحوه- وجب عليه زكاتهم.

[ (مسألة 14): الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته بعد صدق العيلولة]

(مسألة 14): الظاهر عدم اشتراط صرف عين ما أنفقه أو قيمته (3) بعد صدق العيلولة، فلو أعطى زوجته نفقتها و صرفت غيرها في مصارفها وجب عليه زكاتها، و كذا في غيرها.

[ (مسألة 15): لو ملك شخصاً مالا- هبة. أو صلحاً أو هدية- و هو أنفقه على نفسه]

(مسألة 15): لو ملك شخصاً مالا- هبة. أو صلحاً أو هدية- و هو أنفقه على نفسه لا يجب عليه زكاته، لأنه لا يصير عيالا له بمجرد ذلك (4). نعم لو كان من عياله عرفاً و وهبه- مثلا- لينفقه على نفسه، فالظاهر الوجوب.

[ (مسألة 16): لو استأجر شخصاً، و اشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه]

(مسألة 16): لو استأجر شخصاً، و اشترط في ضمن العقد أن يكون نفقته عليه، إجماعاً. لعدم دخوله في موضوعها المستفاد من النصوص. بل هو ظاهر نصوص اعتبار العيلولة، و صريح النصوص النافية لها عمن ولد ليلة الفطر.

لصدق العيلولة بالإنفاق من الحرام.

لإطلاق وجوب أداء الفطرة عمن يعول به.

لما أشرنا إليه سابقاً، من اعتبار نحو من التابعية و المتبوعية في صدق العيلولة، الغير الحاصل بمجرد الهبة و الهدية و نحوهما من أسباب التمليك.

410
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): إذا نزل عليه نازل قهرا عليه و من غير رضاه ؛ ج‌9، ص : 411

لا يبعد وجوب إخراج فطرته (1). نعم لو اشترط عليه مقدار نفقته، فيعطيه دراهم مثلا ينفق بها على نفسه لم تجب عليه. و المناط الصدق العرفي في عده من عياله و عدمه.

[ (مسألة 17): إذا نزل عليه نازل قهراً عليه و من غير رضاه]

(مسألة 17): إذا نزل عليه نازل قهراً عليه و من غير رضاه، و صار ضيفاً عنده مدة، هل تجب عليه فطرته أم لا؟ إشكال. و كذا لو عال شخصاً بالإكراه و الجبر من غيره (2). نعم في مثل العامل الذي يرسله الظالم لأخذ مال منه، فينزل عنده مدة ظلماً و هو مجبور في طعامه و شرابه، فالظاهر عدم الوجوب، لعدم صدق العيال (3)، و لا الضيف عليه.

[ (مسألة 18): إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر]

(مسألة 18): إذا مات قبل الغروب من ليلة الفطر لم يجب في تركته شي‌ء، و إن مات بعده وجب الإخراج من تركته عنه و عن عياله. و إن كان عليه دين و ضاقت التركة كما اختاره شيخنا الأعظم (ره) في رسالته، حاكياً له عن غير واحد من معاصريه. لصدق كونه عيالا، أو منضما إلى العيال. خلافاً للفاضلين و شيخنا في المسالك، فجعلوه من قبيل الأجرة. و فيه: أن كونه كذلك لا يمنع من صدق موضوع الوجوب.

كأن منشأه: انصراف الإطلاق إلى صورة الرضا و الاختيار.

لكن الإطلاق محكم. اللهم إلا أن يقال: مقتضى حديث: «رفع الإكراه» «1» عدم سببية العيلولة عن إكراه للوجوب، كما في أمثاله من الموارد.

كأنه لعدم تحقق التابعية فيه. فتأمل.

______________________________
(1) الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس.

411
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): المطلقة رجعيا فطرتها على زوجها ؛ ج‌9، ص : 412

قسمت عليهما بالنسبة (1).

[ (مسألة 19): المطلقة رجعياً فطرتها على زوجها]

(مسألة 19): المطلقة رجعياً فطرتها على زوجها (2) دون البائن، إلا إذا كانت حاملا ينفق عليها.

[ (مسألة 20): إذا كان غائباً عن عياله، أو كانوا غائبين عنه]

(مسألة 20): إذا كان غائباً عن عياله، أو كانوا غائبين عنه، و شك في حياتهم فالظاهر وجوب فطرتهم، مع إحراز العيلولة على فرض الحياة (3).

لأنها- كسائر الديون- تتعلق بالتركة على نحو واحد.

لوجوب نفقتها كالزوجة، لما ورد: من أن المطلقة رجعياً زوجة. و عليه يختص الحكم بصورة العيلولة بها، كما في الزوجة. و كذا الحال في البائن الحامل، فإنها و إن وجبت نفقتها على الزوج، لكن عرفت أن المدار على العيلولة لا وجوب النفقة. و منه يظهر الإشكال في إطلاق كلامهم:

أن فطرتها على المطلق، و كذا في بناء العلامة (ره) ذلك على كون النفقة للحامل. و أما لو كانت للحمل فلا تجب فطرتها عليه، فان ذلك خلاف ما عرفت من أن المدار في الوجوب على العيلولة.

لما عرفت أن المدار على العيلولة، تعين- عند الشك فيها، أو في حياة المعال- الرجوع إلى الأصول. و استصحاب الحياة أو العيلولة أو هما مقدم على أصالة براءة الذمة من وجوب الفطرة، لأنه أصل موضوعي حاكم على الأصل الحكمي. لكن لما كانت العيلولة خارجاً مشروطة بالحياة فلو شك في الحياة لم يجد استصحابها في إثبات العيلولة. إلا بناء على الأصل المثبت.

نعم لا مانع من استصحاب الحياة مع العيلولة، فيقال: كان الحي- بوصف كونه عيالا- موجوداً، و هو على ما كان. و عليه و لو شك في العيلولة على تقدير الحياة كان الحال كذلك، فيجري استصحاب الحي العيال‌

412
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في جنسها و قدرها ؛ ج‌9، ص : 413

[فصل في جنسها و قدرها]

فصل في جنسها و قدرها و الضابط في الجنس: القوت الغالب لغالب الناس (1) أيضاً. و ما يظهر من المتن، من اختصاص وجوب الفطرة بصورة إحراز العيلولة على تقدير الحياة، فلا يجب لو شك فيها على تقدير الحياة، غير ظاهر. و نظير المقام: ما لو شك في حياة المجتهد مع إحراز عدالته على تقدير الحياة، أو مع الشك فيها. فتأمل جيداً.

فصل في جنسها و قدرها قد اختلفت كلمات الأصحاب في تعيين الجنس اختلافاً كثيراً، فعن الصدوقين و العماني: الاقتصار على الأربعة الأولى، و عن الإسكافي و الحلبي و الحلي: إضافة الذرة إليها، و في المدارك: إضافة الأقط و في الذخيرة: إضافة الأرز و الأقط، و عن المبسوط و الخلاف و غيرهما:

إضافة الأرز و الأقط و اللبن، بل عنه: دعوى الإجماع و نفي الخلاف في إجزائها. و عن كثير: أنه القوت الغالب. قال في المعتبر: «و الضابط:

إخراج ما كان قوتاً غالباً، كالحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأرز و الأقط، و اللبن. و هو مذهب علمائنا ..». و قال في المنتهى: «الجنس ما كان قوتاً غالباً، كالحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأقط، و اللبن. ذهب إليه علماؤنا أجمع ..».

و كأن منشأ ذلك: اختلاف النصوص، إذ هي ما بين مقتصر على الحنطة و الشعير، و مضيف إليهما الأقط، و مضيف إليهما التمر، و مضيف‌

413
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في جنسها و قدرها ؛ ج‌9، ص : 413

.....

إليهما التمر و الزبيب، و مضيف إلى الأول التمر، و مضيف إليه التمر و الزبيب، و مضيف إلى الثاني التمر و الزبيب، و مضيف إليه التمر و الزبيب و الذرة، و مضيف إليه التمر و الزبيب و الأقط، و غير ذلك. و المستفاد منها: الاجتزاء بالأربعة الأولى- التي تضمنتها أكثر النصوص- و بالأرز لأهل طبرستان، كما في مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني «1»، و بالأقط مطلقاً، كما في صحيح عبد اللّه بن المغيرة «2»، أو لأهل الإبل و البقر و الغنم، كما في صحيح معاوية بن عمار «3»، و قريب منه ما في مكاتبة الهمداني «4» و باللبن، كما في مصحح زرارة و ابن مسكان الآتي، و بالذرة مطلقاً، كما في صحيح أبي عبد الرحمن الحذاء «5» و كذا خبر ابن مسلم، مع إضافة السلت و السويق «6» أو إذا لم يجد الحنطة و الشعير- كما في صحيح ابن مسلم و غيره- بإضافة السلت و القمح و العلس «7».

و هناك نصوص أخرى تضمنت القوت الغالب،

كمصحح زرارة و ابن مسكان عن أبي عبد اللّه (ع): «الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالهم من لبن، أو زبيب، أو غيره» «8»

، و‌

مرسل يونس عن أبي عبد اللّه (ع): «الفطرة على كل من اقتات قوتاً فعليه أن يؤدي من ذلك القوت «9»

، و‌

مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني عن أبي الحسن العسكري: «إن الفطرة صاع من قوت بلدك، على أهل مكة و اليمن و الطائف و أطراف الشام و اليمامة

______________________________
(1) المراد هي المكاتبة الآتية في التعليقة قريباً.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(4) المراد هي المكاتبة الآتية في التعليقة قريباً.

(5) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 10.

(6) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 17.

(7) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 13.

(8) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(9) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

414
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في جنسها و قدرها ؛ ج‌9، ص : 413

.....

و البحرين و العراقين و فارس و الأهواز و كرمان تمر، و على أهل أوساط الشام زبيب، و على أهل الجزيرة و الموصل و الجبال كلها بر أو شعير، و على أهل طبرستان الأرز، و على أهل خراسان البر، إلا أهل مرو و الري فعليهم الزبيب، و على أهل مصر البر. و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط» «1».

ثمَّ إن الظاهر من صدر مصحح زرارة و ابن مسكان المتقدم: اعتبار كونه قوتاً غالباً في ذلك القطر، لكن- بقرينة قوله (ع):

«من لبن أو زبيب ..»

- يكون ظاهراً فيما يكون قوتاً في الجملة غالباً- لكثرة وجوده و استعماله- و إن لم يقتصر عليه في القوت، إذ ليس اللبن و الزبيب مما يقتصر عليه في القوت إلا نادراً لبعض الناس، و إن كان هو قوتاً يكثر استعماله، و عليه يحمل المرسل. و أما مكاتبة إبراهيم فظاهر التفصيل فيها عدم اشتراك الأقطار المذكورة فيها في الأجناس الخمسة، و اختصاص كل منها بجملة من الأقطار، بحيث لا يجوز لهم دفع غيره. و ذلك مما لا يظن الالتزام به. بل تعين التمر لما ذكر من الأقطار الأول خلاف الضرورة.

و حمله على الرخصة بعيد جداً. و حمله على الاستحباب لا يظن القول به، و إن كان أقرب.

ثمَّ إن ظاهر مكاتبة الهمداني الاعتبار في كون الشي‌ء قوتاً بالبلد. و لا يبعد كونه المراد من المصحح و المرسل، فالاعتبار يكون به لا بقوت المكلف نفسه.

هذا و بين هذه النصوص و النصوص السابقة عموم من وجه، إذ ليس كل من الأجناس المذكورة في النصوص السابقة قوتاً غالباً بالمعنى المتقدم كما أن القوت الغالب- بذلك المعنى- قد لا يكون من الأجناس المذكورة كالتين، و الباقلاء، و الحمص و غيرها. و حينئذ يدور الأمر في الجمع بينها:

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

415
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في جنسها و قدرها ؛ ج‌9، ص : 413

و هو: الحنطة، و الشعير، و التمر، و الزبيب، و الأرز، و الأقط، و اللبن، و الذرة، و غيرها. و الأحوط الاقتصار على الأربعة الأولى (1)، و إن كان الأقوى ما ذكرناه. بل يكفي الدقيق، و الخبز، و الماش، و العدس (2). و الأفضل إخراج التمر (1)، بين الأخذ بإطلاق كل منهما، و بين تقييد الأول بالأخيرة، و بين العكس و بين تقييد كل منهما بالآخر. و الأقرب الثاني، بقرينة ذكر اللبن في المصحح و عدم ذكره في تلك النصوص، الموجب لعدم كونها في مقام الحصر، و بقرينة ذكر الزبيب فيه أيضاً بما أنه القوت الغالب، المشعر بأن ذكره في غيره من النصوص بما أنه كذلك، لا بما هو، فيكون المدار في الحكم على العنوان المذكور. و المتحصل: أن كل ما كان قوتاً- في الجملة- غالباً شائعاً جاز إخراجه، و إن لم يكن من الأجناس المذكورة، و ما لم يكن لا يجوز و إن كان منها. و الجمع الأخير أحوط.

للقول بالاختصاص بها. لكن الأحوط على ما ذكرنا اعتبار كونها قوتاً بالمعنى المتقدم.

للعمومات في الجميع. و أما ما‌

في مصحح عمر بن يزيد: «سألت أبا عبد اللّه (ع) تعطى الفطرة دقيقاً مكان الحنطة؟ قال (ع):

لا بأس، يكون أجرة طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق» «1»

فظاهره كون الدقيق قيمة لا أصلا، و إلا لم يجز دفع ما ينقص وزناً عن الصاع، إجماعاً.

كما عن الأكثر. للنصوص المتضمنة لذلك،

كخبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «عن صدقة الفطرة. فقال (ع): التمر أحب

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

416
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في جنسها و قدرها ؛ ج‌9، ص : 413

ثمَّ الزبيب (1)، ثمَّ القوت الغالب (2). هذا إذا لم يكن هناك

الي، فان لك بكل تمرة نخلة في الجنة» «1».

و‌

في خبر ابن المبارك عن أبي إبراهيم- في حديث الفطرة- قال (ع): «صدقة التمر أحب إلي، لأن أبي كان يتصدق بالتمر. ثمَّ قال: و لا بأس أن يجعلها فضة، و التمر أحب إلي» «2».

و‌

في خبر الشحام: «قال أبو عبد اللّه (ع): لأن أعطي صاعاً من تمر أحب إلي من أن أعطي صاعاً من ذهب في الفطرة» «3».

و‌

في صحيح هشام عن الصادق (ع): «التمر في الفطرة أفضل من غيره لأنه أسرع منفعة. و ذلك إنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه» «4».

و نحوها غيرها.

كما عن الأكثر. للتعليل في صحيح هشام. و هو و إن كان يقتضي المساواة بينه و بين التمر في الفضل- كما عن ابن حمزة- إلا أن اختصاص التمر ببعض النصوص الأخر- الدالة على خصوصية فيه، حتى بالإضافة إلى الزبيب- يوجب كونه أفضل من جهة أخرى. نعم مقتضى التعليل مساواة مثل التين للزبيب في الفضل.

لنفسه، كما عن الأكثر. و استدل له: بأخبار القوت المتقدمة.

لكن عرفت المراد منها، و أنها محمولة على ظاهرها من الوجوب. مع أن الالتزام باستحباب إخراج قوت نفسه مطلقاً و لو كان من أردأ الأجناس بعيد. و لو أريد القوت الغالب في البلد، فقد عرفت أنه واجب، لا أنه أفضل، فضلا عن كونه متأخراً في الفضل عن التمر و الزبيب.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 8.

417
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحا ؛ ج‌9، ص : 418

مرجح، من كون غيرها أصلح بحال الفقير و أنفع له (1).

لكن الأولى و الأحوط حينئذ دفعها بعنوان القيمة (2).

[ (مسألة 1): يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحاً]

(مسألة 1): يشترط في الجنس المخرج كونه صحيحاً (3) فلا يجزي المعيب. و يعتبر خلوصه، فلا يكفي الممتزج بغيره (4) من جنس آخر أو تراب أو نحوه. إلا إذا كان الخالص منه بمقدار الصاع، أو كان قليلا يتسامح به.

[ (مسألة 2): الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات]

(مسألة 2): الأقوى الاجتزاء بقيمة أحد المذكورات (5) كما يشير إليه صحيح هشام المتقدم، و‌

مصحح إسحاق بن عمار الصيرفي: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): جعلت فداك، ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟ قال (ع): نعم، إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد» «1».

و كأنه إلى هذه النصوص نظر سلار- فيما حكي عنه- حيث جعل العبرة في الندب بعلو القيمة، و إلا فلم يعرف له شاهد.

لاحتمال أن فيه الجمع بين الوجهين الذاتي و العرضي. لكن قد يظهر من خبر الشحام- المتقدم في أولوية التمر- ترجح الجهة الذاتية على العرضية، و أن الفضيلة مختصة بالعين و لا تشمل القيمة. فتأمل.

كما عن الدروس، و استظهره في الجواهر. للانسباق. و فيه تأمل الظاهر.

لفقد الاسم، المتوقف عليه الامتثال.

بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه فوق الاستفاضة كالنصوص، كذا في الجواهر. و يشهد له خبر ابن المبارك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

418
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): لا يجزي نصف الصاع مثلا من الحنطة الأعلى ؛ ج‌9، ص : 419

من الدراهم و الدنانير، أو غيرهما من الأجناس الأخر (1).

و على هذا فيجزي المعيب و الممزوج و نحوهما بعنوان القيمة، و كذا كل جنس شك في كفايته فإنه يجزي بعنوان القيمة.

[ (مسألة 3): لا يجزي نصف الصاع مثلا من الحنطة الأعلى]

(مسألة 3): لا يجزي نصف الصاع مثلا من الحنطة الأعلى، و إن كان يسوي صاعاً من الأدون أو الشعير، مثلا، إلا إذا كان بعنوان القيمة (2).

و مصحح إسحاق المتقدمان «1». و‌

في موثق الثاني: «لا بأس بالقيمة في في الفطرة» «2».

و نحوها غيرها.

لإطلاق الموثق و نحوه. اللهم إلا أن يدعى انصرافه إلى الدراهم أو الدنانير. و دعوى: أن الظاهر منه أنه لا بأس بإخراج الشي‌ء بقيمة الأصول، فيكون ظاهراً في غير الدراهم و الدنانير، لا أنه لا بأس بإخراج نفس القيمة، غير الظاهرة، و إن ادعاها شيخنا الأعظم (ره).

فالعمدة- في عموم الحكم لغير الدراهم و الدنانير- ما دل على جواز إعطاء القيمة من غير النقدين في زكاة المال، بناء على عدم الفرق بينها و بين المقام.

أو يستفاد من التعليل في بعض النصوص: بأنه أنفع: فتأمل.

كما عن المختلف. للإطلاق المتقدم. لكن في الجواهر. «الأصح عدم الاجزاء، وفاقاً لبيان و المدارك، لظهور كون قيمة الأصول من غيرها.

و ليس في الأدلة التخيير بين الصاع من كل نوع و قيمته حتى يدعى ظهوره في تناول القيمة للنوع الآخر، و إنما الموجود فيها ما عرفت، مما هو ظاهر فيما ذكرنا ..».

و هو في محله، لو لا ما يستفاد من مصحح عمر بن يزيد المتقدم في‌

______________________________
(1) تقدم ذكرهما قريباً في أول الفصل.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 9.

419
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): لا يجزي الصاع الملفق من جنسين ؛ ج‌9، ص : 420

[ (مسألة 4): لا يجزي الصاع الملفق من جنسين]

(مسألة 4): لا يجزي الصاع الملفق من جنسين (1) بأن يخرج نصف صاع من الحنطة و نصفاً من الشعير مثلا- إلا بعنوان القيمة.

الدقيق «1»، فان مقتضى التعليل فيه التعدي عن مورده إلى غيره مما يكون صاعاً كيلا لا وزناً، مع وجود صفة فيه يتدارك بها النقص، و حينئذ لا تنافي الأخبار الدالة على عدم جواز نصف صاع حنطة، المساوي قيمة لصاع الشعير. و إن كان الإنصاف: أن حمل المصحح على القيمة بعيد جداً، فاما أن يطرح، أو يعمل به في مورده. فلاحظ.

كما في الجواهر. لخروجه عن كل من الأصول. و دعوى: أن الأصل هو الجامع بين الأجناس المذكورة، و هو كما ينطبق على غير الملفق، ينطبق على الملفق، غير ظاهرة، فإن الإطلاق المذكور مقيد بما دل على أنها صاع من حنطة أو صاع من شعير و غير ذلك، فلا مجال للأخذ بإطلاقه كي يجتزأ بالملفق. و لذلك يظهر الاشكال فيما عن المختلف: من أن جوازه أقرب.

و قد عرفت في المسألة العاشرة من الفصل السابق: عدم الفرق بين المقام و بين فطرة العبد المشترك، و أنه لا يجوز التلفيق هناك، إذ ليس هناك دليل بالخصوص يتضمن أن على كل من المالكين نصف صاع مثلا، كي يتمسك بإطلاقه على جواز التلفيق، و إنما هو الدليل في المقام، بناء على شموله للمالك الواحد و المتعدد. فاذا كان الواحد لا يجوز له التلفيق، لا يجوز للمتعدد لاتحاد المراد في المقامين. و أما خبر زرارة- الوارد في العبيد المشتركين المتقدم في تلك المسألة «2»- فلو أمكن العمل به، لا إطلاق له يتعرض لهذه الجهة، فاللازم جعل المسألتين من باب واحد.

______________________________
(1) تقدم ذكره قريبا في أول الفصل.

(2) لاحظ المسألة: 10 من فصل من تجب عليه الفطرة.

420
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): المدار قيمة وقت ؛ ج‌9، ص : 421

[ (مسألة 5): المدار قيمة وقت]

(مسألة 5): المدار قيمة (1) وقت هذا و لكن تقييد المطلق بالمقيد المذكور غير ظاهر، لما عرفت من أن الجمع بين أخبار القوت و أخبار التنصيص على الحنطة و الشعير، بحمل الثانية على أنها من باب أظهر الأفراد. و لذا بني على الاجتزاء بالقوت مطلقاً و إن لم يذكر بخصوصه في النصوص، كالماش و العدس و غيرهما.

و حينئذ لا مانع من الأخذ بالمطلقات.

ثمَّ لو بني على عدم الاجتزاء بالملفق أصلا، فهل يجزي قيمة- كما عن المحقق و الكيدري- أولا؟ وجهان، مبنيان على وجود الإطلاق الشامل و عدمه، كما تقدم.

المشهور: أنه لا تقدير شرعي للقيمة. و حكي في الشرائع عن قوم:

تقديره بدرهم، و عن آخرين: بثلثي درهم. و لم يعرف القائل، و لا مستنده، كما صرح به غير واحد. نعم عن الاستبصار: أنه- بعد أن‌

روى خبر إسحاق بن عمار عن الصادق (ع): «لا بأس أن يعطي قيمتها درهماً» «1»

- قال (ره): «و هذه الرواية شاذة. و الأحوط أن يعطي قيمة الوقت، قلت أم كثرت. و هذه رخصة إذا عمل بها الإنسان لم يكن مأثوماً ..». و‌

عن المقنعة: «سئل الصادق (ع) عن مقدار القيمة فقال: درهم في الغلاء و الرخص. و روي: أن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم» «2».

و الأول- مع ضعف سنده، و هجره، و رميه بالشذوذ- لا مجال للعمل به مع قرب حمله على القيمة في ذلك الزمان- كما أشار إليه في محكي المقنعة- أو على إرادة الجنس. و من ذلك يظهر لك سقوط الأخيرين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 14.

421
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): لا يشترط اتحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله ؛ ج‌9، ص : 422

الإخراج (1)، لا وقت الوجوب. و المعتبر قيمة بلد الإخراج (2)، لا وطنه، و لا بلد آخر. فلو كان له مال في بلد آخر غير بلده و أراد الإخراج منه، كان المناط قيمة ذلك البلد، لا قيمة بلده الذي هو فيه.

[ (مسألة 6): لا يشترط اتحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله]

(مسألة 6): لا يشترط اتحاد الجنس الذي يخرج عن نفسه مع الذي يخرج عن عياله (3)، و لا اتحاد المخرج عنهم بعضهم مع بعض، فيجوز أن يخرج عن نفسه الحنطة و عن عياله الشعير أو بالاختلاف بينهم، أو يدفع عن نفسه- أو عن بعضهم- من أحد الأجناس و عن آخر منهم القيمة، أو العكس.

[ (مسألة 7): الواجب في القدر: الصاع عن كل رأس]

(مسألة 7): الواجب في القدر: الصاع عن كل رأس (4) و لا سيما مع عدم عمل راويهما بهما. هذا كله مع معارضتها‌

بخبر سليمان بن جعفر المروزي: «سمعته يقول: إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة. و الصدقة بصاع من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم» «1».

كما هو منصرف النصوص.

كما هو منصرف النصوص أيضاً. و يقتضيه خبر المروزي المتقدم.

كما نص عليه غير واحد. و يظهر من محكي عبارة المختلف:

أنه من المسلمات، و هو الذي يقتضيه إطلاق الأدلة.

إجماعاً، حكاه جماعة كثيرة، و في الجواهر: الإجماع بقسميه عليه.

و تشهد له النصوص الكثيرة، التي أنهاها بعضهم إلى سبعة عشر حديثا، سبعة منها صحاح: للجمال «2» و الحذاء «3» و القداح، «4» و سعد بن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 11.

422
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): الواجب في القدر: الصاع عن كل رأس ؛ ج‌9، ص : 422

.....

سعد الأشعري «1»، و الحلبي، «2»، و معاوية بن وهب «3» و محمد بن عيسى «4». و عشرة غير صحاح: للهمداني «5»، و المروزي «6»، و الشحام «7»، و سلمة «8»، و ابن المغيرة «9»، و جعفر بن معروف «10» و ياسر «11»، و إبراهيم بن أبي يحيى «12»، و ابن سنان «13»، و منصور «14».

نعم في جملة من الصحاح: الاجتزاء بنصف صاع من حنطة أو شعير أو نصف صاع من بر «15». لكنه مطروح، لما سبق. و حمل على التقية كما يشير إليه جملة مما سبق،

كصحيح الحذاء عن أبي عبد اللّٰه (ع): «أنه

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1211. إلا أنهما تضمنتا الاجتزاء بنصف الصاع، و لم نعثر على رواية للحلبي تشتمل على الصاع.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(6) تقدم ذلك في المسألة الخامسة من هذا الفصل.

(7) الوسائل باب: 10 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

(8) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 9.

(9) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

(10) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(11) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

(12) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.

(13) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 12.

(14) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 15، إلا أن الرواية مشتملة على نصف الصاع، و لم نعثر له على رواية تشتمل على الصاع.

(15) لعل المراد بذلك: ما رواه في الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 11 و 12 من الحلبي. و كذلك الرواية المتقدمة عن منصور و غيرهما مما ذكر في نفس الباب.

423
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): الواجب في القدر: الصاع عن كل رأس ؛ ج‌9، ص : 422

من جميع الأجناس- حتى اللبن- على الأصح، و إن ذهب جماعة من العلماء فيه إلى كفاية أربعة أرطال (1).

ذكر صدقة الفطرة، أنها على كل صغير و كبير- من حر أو عبد، ذكر و أنثى- صاع من تمر، أو صاع من زبيب، أو صاع من شعير، أو صاع من ذرة. فلما كان زمان معاوية، و خصب الناس، عدل الناس عن ذلك إلى نصف صاع من حنطة» «1».

و‌

في خبر سلمة بن حفص عن أبي عبد اللّٰه (ع): «فلما كان زمن عثمان حوله مدين من قمح» «2».

و‌

في صحيح معاوية بن وهب عنه (ع): «فلما كان زمن عثمان، و كثرت الحنطة، قومه الناس، فقال: نصف صاع من بر بصاع من شعير» «3».

و نحوها غيرها «4».

حكي ذلك عن المبسوط، و المصباح، و مختصره، و الاقتصاد، و الجمل، و النهاية، و التهذيب، و الاستبصار، و الحلي، و ابن حمزة، و الشرائع، و النافع، و التذكرة، و التبصرة، و القواعد، و الإرشاد و غيرها، و نسب الى كثير من الأصحاب.

لمرفوع إبراهيم بن هاشم عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سئل عن الرجل في البادية لا يمكنه الفطرة. قال (ع): يتصدق بأربعة أرطال من لبن» «5».

و نحوه مرسل القاسم بن الحسن «6». و لا يبعد كونهما واحداً. و بعضهم فسر الرطل بالمدني، جمعاً بينهما و بين‌

مكاتبة محمد ابن الريان: «كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة و زكاتها، كم تؤدى؟

فكتب: أربعة أرطال بالمدني» «7».

و فيه: أن الأولين ضعيفان سنداً.

______________________________
(1) هذه من جملة الروايات التي أشير إليها في صدر التعليقة على سبيل الاجمال.

(2) هذه من جملة الروايات التي أشير إليها في صدر التعليقة على سبيل الاجمال.

(3) هذه من جملة الروايات التي أشير إليها في صدر التعليقة على سبيل الاجمال.

(4) كخبر ياسر، و إبراهيم بن أبي يحيى، اللذين أشير إليهما في صدر التعليقة.

(5) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة ملحق حديث: 3.

(7) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

424
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): الواجب في القدر: الصاع عن كل رأس ؛ ج‌9، ص : 422

و الصاع أربعة أمداد (1)، و هي تسعة أرطال بالعراقي، فهو ستمائة و أربعة عشر مثقالا و ربع مثقال بالمثقال الصيرفي، فيكون بحسب حقة النفج- التي هي تسعمائة مثقال، و ثلاثة و ثلاثون مثقالا و ثلث مثقال- نصف حقة، و نصف وقية، و أحد و ثلاثون مثقالا إلا مقدار حمصتين. و بحسب حقة الاسلامبول- و هي مائتان و ثمانون مثقالا- حقتان، و ثلاثة أرباع الوقية، و مثقال و ثلاثة أرباع المثقال. و بحسب المن الشاهي- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا- نصف من، إلا خمسة و عشرون مثقالا، و ثلاثة أرباع المثقال.

و لو سلم الانجبار بالعمل فدلالتهما قاصرة، لاختصاصهما بمن لا يتمكن من الفطرة من جميع الأجناس، حتى اللبن- بل حتى القيمة- فلا يكونان مما نحن فيه. مع معارضتهما لما دل بالخصوص على وجوب الصاع في خصوص الأقط- الذي يكون اللبن أولى منه بالتقدير المذكور- أو بالعموم الآبي عن التخصيص،

كخبر جعفر بن معروف: «كتبت إلى أبي بكر الرازي في زكاة الفطرة، و سألناه أن يكتب في ذلك إلى مولانا- يعني على بن محمد الهادي (ع)- فكتب: إن ذلك قد خرج لعلي ابن مهزيار: أنه يخرج من كل شي‌ء- التمر، و البر، و غيره- صاع. و ليس عندنا- بعد جوابه علياً- في ذلك اختلاف» «1».

فتأمل. و أما المكاتبة فليس فيها تعرض لللبن، فهي معارضة لنصوص الصاع. و حملها على خصوص اللبن- مع بعده في نفسه- لا قرينة عليه. و الخبران المذكوران آنفا قد عرفت إشكالهما، فلا يمكن الاعتماد عليهما شاهداً للجمع بين النصوص.

كما تقدم في زكاة الغلات و غيرها.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

425
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوبها ؛ ج‌9، ص : 426

[فصل في وقت وجوبها]

فصل في وقت وجوبها و هو دخول ليلة العيد (1)، جامعاً للشرائط، و يستمر فصل في وقت وجوبها كما عن الشيخ في الجمل و الاقتصاد، و ابني حمزة و إدريس و جماعة كثيرة من المتأخرين، بل نسب إلى المشهور بينهم. و استدل له‌

بصحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن مولود ولد ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال (ع): لا، قد خرج الشهر. و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر، عليه فطرة؟ قال (ع): لا» «1»

، و‌

مصححه عنه (ع)- في المولود يولد ليلة الفطر، و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر- قال (ع): «ليس عليهم فطرة، و ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر» «2».

و يشكل: بأن الأول ليس فيه إلا نفي الفطرة عمن لم يجمع الشرائط عند الهلال، و لا تعرض فيه لإثبات الوجوب، فضلا عن وقته. و أما الثاني فالاستثناء و ان كان متضمناً لثبوت الوجوب على من أدرك، إلا أنه لا إطلاق فيه يقتضي ثبوت الوجوب في ذلك الزمان أو فيما بعده، لعدم وروده لبيان هذه الجهة، فلا ينافي ما دل على حدوث الوجوب عند طلوع الفجر على من أدرك الشهر.

هذا و عن كثير من القدماء- كالشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف،

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

426
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوبها ؛ ج‌9، ص : 426

.....

و السيد و أبي الصلاح و ابن البراج و سلار و غيرهم-: أن وقت الوجوب طلوع الفجر، و عن جماعة من المتأخرين اختياره. و استدل لهم‌

بصحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الفطرة، متى هي؟ فقال: قبل الصلاة يوم الفطر. قلت: فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة. قال (ع):

لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثمَّ يبقى فنقسمه» «1»

و فيه: أن الظاهر منه وقت الإخراج لا الوجوب، و لا مانع من اختلاف وقتيهما.

و أما الإشكال عليه: بأنه يتوقف على القول بوجوب تقديمها على الصلاة، إذ لو بني على استحبابه، تعين حمل قوله (ع):

«يوم الفطر»

على الاستحباب، لوحدة السياق، فغير ظاهر، إذ لا مانع من التفكيك بين القيدين، فيعمل بظاهر أحدهما و ترفع اليد عن الآخر، بقرينة خارجية و لا ينافي كونها خارجية ذكرها في ذيل الخبر، لأنها مذكورة في جواب السؤال الثاني، بعد انعقاد ظهور الجواب في الوجوب. نعم لو كان القيد المذكور قيداً لقوله:

«قبل الصلاة»

تبعه في الحمل على الاستحباب، لكنه خلاف الظاهر. فالعمدة في الاشكال عليه ما ذكرنا. و أضعف منه الاشكال عليه: بأن المنساق من قبلية الصلاة القبلية العرفية، المنافية للتوقيت بطلوع الفجر. وجه الضعف: أن الانسباق المذكور لو سلم فهو إذا لم يكن معه القيد الآخر، أما إذا كان معه فالظاهر منه القبلية مقابل البعدية، كما لا يخفى.

هذا و استدل له أيضاً‌

بخبر إبراهيم بن ميمون [منصور]: «قال أبو عبد اللّٰه (ع): الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة» «2».

و لكن ظهوره في الإعطاء مما لا ينبغي التأمل فيه، و يبتني أيضاً على القول بالوجوب، كما سبق.

و نحوه غيره.

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

427
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوبها ؛ ج‌9، ص : 426

.....

و الذي يتحصل مما ذكرنا في مفاد النصوص: أنه إن كان النزاع في دلالتها على اعتبار اجتماع الشرائط عند الغروب من ليلة الفطر- أو عند طلوع الفجر- فلا ينبغي التأمل في ثبوت الأول، لما تقدم من صحيح معاوية و خبره «1» و إن كان في زمان حدوث الوجوب، و أنه الغروب أو طلوع الفجر، فلا يظهر من النصوص المتقدمة ما يدل على أحد الأمرين. و إن كان النزاع في جواز الإخراج ليلا و عدمه، فالذي يظهر من صحيح العيص «2» هو الثاني، من دون معارض ظاهر. و قوله (ع)

في صحيح الفضلاء: «يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل. و هو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان» «3»

ظاهر في الأفضلية من التعجيل فلا ينافي التوقيت بيوم الفطر. لكن الظاهر من كلماتهم الإنفاق على اعتبار اجتماع الشرائط عند غروب ليلة الفطر، بل عن المدارك: دعوى الإجماع عليه.

و أما كون وقت الوجوب هو الغروب أو طلوع الفجر، فالمحكي عن الأصبهاني و سيد المدارك عدم الخلاف فيه أيضاً، و اتفاقهم على تحقق الوجوب بالغروب، فيترتب عليه: أنه لو مات قبل طلوع الفجر وجب إخراج الفطرة من تركته. لكن في الجواهر جعله محلا للنزاع، كوقت الإخراج.

هذا و إذ لم يتحقق الإجماع فيه، كما لم يتضح دلالة النص عليه، يكون المرجع فيه الأصل، و هو يقتضي تأخر الوجوب إلى طلوع الفجر.

كما أن مقتضى الأصل في المسألة الثالثة هو البراءة، للشك في شرطية اليوم للإعطاء. و ليس المقام من قبيل الشك في التعيين و التخيير، لأن خصوصية الزمان لا تفرد الواجب و لا تحصصه، و باب الشك في التعيين و التخيير مختص‌

______________________________
(1) تقدم ذكرهما في صدر التعليقة.

(2) تقدم ذلك في أوائل التعليقة.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

428
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوبها ؛ ج‌9، ص : 426

الى الزوال لمن لم يصل صلاة العيد (1). و الأحوط عدم تأخيرها عن الصلاة إذا صلاها، فيقدمها عليها و إن صلى في أول وقتها. و إن خرج وقتها و لم يخرجها، فان كان قد عزلها بالخصوصيات الموجبة لتعدد الحصص و الأفراد.

اختلف الأصحاب (قدهم) في آخر وقت الفطرة، فالمحكي عن السيد و الشيخين و الصدوقين و الديلمي و الحلبي و جماعة من المتأخرين:

أنه صلاة العيد، و نسب إلى الأكثر. و في التذكرة: «لو أخرها عن صلاة العيد اختياراً أثم، عند علمائنا أجمع ..». و مثله قال في المنتهى. و استدل له بخبر إبراهيم بن ميمون [منصور] المتقدم «1». و نحوه خبر على بن طاوس- في الإقبال- عن أبي عبد اللّٰه (ع) «2» و خبر العياشي، عن سالم بن مكرم الجمال عنه (ع)، «3». و مفهوم‌

موثق إسحاق بن عمار عنه (ع): «إذا عزلتها فلا يضرك متى ما أعطيتها، قبل الصلاة أو بعد الصلاة» «4»

و‌

خبر المروزي: «إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة» «5».

و عن الإسكافي: أنه زوال العيد، و عن المختلف و الإرشاد و البيان- و في الدروس-: موافقته. و استدل لهم بما في ذيل صحيح العيص المتقدم المتضمن جواز تأخيرها عن الصلاة «6». و حمله على صورة العزل كما في‌

______________________________
(1) لاحظ التعليقة السابقة.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 7.

(6) لاحظ أول هذا الفصل.

429
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوبها ؛ ج‌9، ص : 426

.....

الوسائل- بقرينة ما في صدره» لئلا يلزم التنافي بينهما- ليس بأولى من حمل ما في صدره على الاستحباب، بل الثاني هو المتعين في نظر العرف، فإنه أولى من التفكيك بين الصدر و الذيل في الموضوع، بأن يكون موضوع الأول غير المعزولة و موضوع الثاني المعزولة. و بذلك يظهر لك الإشكال في دعوى الإجمال للتنافي المذكور، فإنها تتم لو لم يكن أحد الاحتمالين أقرب عرفاً كما عرفت. و‌

مصحح ابن سنان: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة» «1»

فان الظاهر من الأفضلية الاستحباب. و حملها على الوجوب- بقرينة الذيل- خلاف الظاهر. كما أن حملها على القبلية القريبة خلاف ظاهر المقابلة جداً.

و هذان الصحيحان و إن كانا خاليين عن التحديد بالزوال، لكن يحملان عليه، بقرينة ما‌

عن الإقبال، عن كتاب عبد اللّه بن حماد الأنصاري، عن أبي الحسن الأحمسي، عن أبي عبد اللّه (ع): «إن الفطرة عن كل حر و مملوك

.. (إلى أن قال):

قلت: أ قبل الصلاة أو بعدها؟ قال (ع):

إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة و لا يجزيك. قلت: فأصلي الفجر و أعزلها، فيمكث يوماً أو بعض يوم ثمَّ أتصدق بها؟ قال (ع): لا بأس، هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة» «2».

هذا و في المنتهى- بعد أن ادعى الإجماع على الإثم لو أخرها عن الصلاة كما سبق- قال: «و الأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة، و يحرم التأخير عن يوم العيد ..». و ظاهره جواز التأخير إلى آخر النهار، و قواه المجلسي (ره) في مرآة العقول. و كأنه لإطلاق الصحاح المتقدمة، و عدم الاعتناء بخبر الإقبال لضعفه سنداً، فإن أبا الحسن مهمل، و الأنصاري غير ظاهر التوثيق. و لاضطرابه دلالة، فإن قوله (ع):

«إذا أخرجتها

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 16.

430
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في وقت وجوبها ؛ ج‌9، ص : 426

دفعها الى المستحق بعنوان الزكاة (1)، و إن لم يعزلها فالأحوط الأقوى عدم سقوطها (2)، بل يؤديها بقصد القربة، من غير تعرض للأداء و القضاء.

قبل الصلاة ..»

ينافي ما في صدره. و هذا هو الأقوى لو لم يقم إجماع على خلافه، كما في المختلف قال فيه: «لو أخرها عن الزوال لغير عذر أثم بالإجماع ..». و لعل ذلك قرينة على عدم إرادته المخالفة، بقوله في المنتهى: «و يحرم ..».

أما نصوص القول الأول فلا تصلح لمعارضة ما تقدم حجة للثاني، لإمكان الجمع العرفي بينها بالحمل على الاستحباب. مع أنها لا تصلح للتوقيت لمن لم يصل- لعذر، أو لغيره- فان استصحاب الوقت لمثله محكم. و كأن المصنف (ره) اعتمد على الاستصحاب المذكور، و جعل الآخر الزوال، اعتماداً إما على خبر الإقبال أو على إجماع المختلف، أو على ما في مرسل التهذيب، من استحباب إخراج الفطرة عمن ولد أو أسلم قبل الزوال. و لأجل ما ذكرنا و نحوه تردد في التوقيت لمن لم يصل.

بلا إشكال، إذ لا تخرج المعزولة عن كونها زكاة بالتأخير. و يشهد له موثق إسحاق- المتقدم في المسألة السابقة- و غيره من نصوص العزل.

كما عن الشيخ و الديلمي و الفاضل- في جملة من كتبه- و الحلي و جماعة من المتأخرين. للاستصحاب. خلافاً لما عن الصدوق و المفيد و الحلبي و القاضي و ابن زهرة و المحقق و جمع من المتأخرين: من القول بالسقوط، لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد، و هو مفقود، و الأصل البراءة. و فيه:

أن الاستصحاب مقدم على البراءة. و لا ينافيه التوقيت، إذ لا مانع من جريان استصحاب وجوب الموقت بعد خروج الوقت. و دعوى تعدد الموضوع ممنوعة، كما حرر في محله. مع أن التوقيت للأداء لا للمال الذي في الذمة‌

431
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط ؛ ج‌9، ص : 432

[ (مسألة 1): لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط]

(مسألة 1): لا يجوز تقديمها على وقتها في شهر رمضان على الأحوط (1). كما لا إشكال في عدم جواز تقديمها فلا مانع من استصحاب بقائه.

اللهم إلا أن يقال: محض التوقيت و إن لم يمنع من الاستصحاب، لكن النصوص اشتملت على أنها بعد الصلاة صدقة. و الظاهر أنه صدقة مستحبة، و ذلك مانع عن الاستصحاب. لكن ذلك لو تمَّ كان مبنياً على الأخذ بنصوص التوقيت بما قبل الصلاة، و لا يجري على القول الآخر.

و على الأول فهل هي أداء- كما عن الحلي- أو قضاء، كما عن غيره؟

وجهان، أقواهما الأول، كما يظهر من ملاحظة ما ذكرنا.

بل عن الشيخين و أبي الصلاح و ابن إدريس الجزم به، و في الشرائع:

«هو الأظهر ..». بل عن المدارك و غيرها: نسبته إلى المشهور.

لعدم اشتغال الذمة بها حينئذ، فيكون أداؤها أداء لما لم يجب. و يشير إليه: ما ورد في زكاة المال، من المنع عن تعجيلها قبل حولان الحول، كما أنه ليس لأحد أن يصلي صلاة إلا لوقتها، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء. و كل فريضة إنما تؤدى إذا حلت.

لكن عن الصدوقين و الشيخ- في المبسوط و الخلاف و النهاية- و جماعة من القدماء و كثير من المتأخرين: الجواز، و في الدروس: نسبته إلى المشهور.

لصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّٰه (ع)، أنهما قالا: «على الرجل أن يعطي عن كل من يعول، من حر و عبد، و صغير و كبير، يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل. و هو في سعة أن يعطيها من أول يوم يدخل من شهر رمضان إلى آخره ..» «1»

. و حمله على القرض بعيد جداً، إذ لا خصوصية لرمضان في ذلك.

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

432
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس ؛ ج‌9، ص : 433

على شهر رمضان. نعم إذا أراد ذلك أعطى الفقير قرضاً، ثمَّ يحسب عند دخول وقتها.

[ (مسألة 2): يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس]

(مسألة 2): يجوز عزلها في مال مخصوص من الأجناس (1)، أو غيرها بقيمتها (2)، و ينوي حين العزل (3) و إن كان الأحوط تجديدها حين الدفع أيضاً. و يجوز عزل أقل من مقدارها (4) أيضا، فيلحقه الحكم و تبقى البقية غير معزولة على حكمها. و في جواز عزلها في الأزيد، بحيث يكون المعزول مشتركاً بينه و بين الزكاة وجه، لكن لا يخلو عن إشكال (5). و كذا لو عزلها في مال مشترك بينه و بين غيره مشاعاً، و إن كان ماله بقدرها.

بلا إشكال ظاهر. و تشهد له النصوص، كصحيح زرارة «1» و موثق إسحاق، و خبر المروزي المتقدمة في المسألة الماضية «2»، و‌

مرسل ابن أبي عمير: «إذا عزلتها- و أنت تطلب بها الموضع، أو تنتظر بها رجلا- فلا بأس به» «3».

لإطلاق النصوص.

كما صرح به غير واحد. و يقتضيه مفهوم العزل.

كما نص عليه في محكي المسالك و غيرها. و كأنه: لما يستفاد من النصوص: من ولاية المكلف في التعيين، التي لا فرق فيها بين الكل و البعض أو أن المراد من عزل الفطرة عزل الجنس الصادق على كل منهما. فتأمل.

لتحقق الشركة المنافية للعزل. و لأن ذلك يوجب جواز عزلها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(2) لاحظ أول الفصل.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 5.

433
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): إذا عزلها و أخر دفعها إلى المستحق ؛ ج‌9، ص : 434

[ (مسألة 3): إذا عزلها و أخر دفعها إلى المستحق]

(مسألة 3): إذا عزلها و أخر دفعها إلى المستحق، فان كان لعدم تمكنه من الدفع لم يضمن لو تلف، و إن كان مع التمكن منه ضمن (1).

في جميع ماله، و هو غير المعروف من العزل، كذا في المسالك. لكن في الجواهر: «لا ريب في عدم صدق العزل بالعزل في جميع المال و نحوه.

أما اعتبار عدم الزيادة فيه أصلا فمحل منع. خصوصاً مع رفع اليد عن الزيادة ..».

أقول: الظاهر من العزل العزل عن غيرها، فلا يصدق مع الاشتراك مطلقاً. نعم مع رفع يده عن الزيادة و جعلها للفقير لا يبعد صدقه، بل لعله الغالب في العزل، لندرة عزل المساوي تحقيقاً، بل لعله متعذر. فتأمل.

كما نص عليه غير واحد. و لعله المراد من صحيح زرارة المتقدم «1» و يقتضيه ما تقدم في زكاة المال، بناء على عدم الخصوصية لها، كما قد يفهم من صحيح ابن مسلم المتقدم هناك «2». أو أن يكون المراد من الزكاة فيه ما يشمل زكاة الفطرة. مضافاً في الحكم الأول إلى أصالة البراءة من الضمان لعدم الموجب له من تعد أو تفريط. و في الثاني إلى قاعدة الضمان بالتفريط بناء على أن التأخير نوع منه.

لكن يمنع صدقه بمجرد ذلك مع جواز التأخير له اتفاقاً- نصاً و فتوى- على الظاهر. و العمدة: بناؤهم على عدم الفرق بين الفطرة و زكاة المال في هذه الأحكام. و منه يعلم ما في المسألة الآتية. و إن كان ظاهر موثقة الفضيل و مكاتبة علي بن بلال الآتيتين عدم جواز النقل، فيشكل الخروج عن ظاهر هما بمجرد ذلك.

______________________________
(1) لاحظ المسألة السابقة.

(2) راجع المسألة: 10 من فصل في بقية أحكام الزكاة من زكاة المال.

434
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر ؛ ج‌9، ص : 435

[ (مسألة 4): الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر]

(مسألة 4): الأقوى جواز نقلها بعد العزل إلى بلد آخر و لو مع وجود المستحق في بلده، و إن كان يضمن حينئذ مع التلف. و الأحوط عدم النقل، إلا مع عدم وجود المستحق.

[ (مسألة 5): الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها]

(مسألة 5): الأفضل أداؤها في بلد التكليف بها (1) و إن كان ماله- بل و وطنه- في بلد آخر. و لو كان له مال في بلد آخر، و عينها فيه، ضمن بنقله عن ذلك البلد إلى بلده أو بلد آخر، مع وجود المستحق فيه.

[ (مسألة 6): إذا عزلها في مال معين]

(مسألة 6): إذا عزلها في مال معين لا يجوز له تبديلها بعد ذلك (2).

[فصل في مصرف زكاة الفطرة]

فصل في مصرف زكاة الفطرة و هو مصرف زكاة المال (3)، لكن يجوز إعطاؤها كما يستفاد من موثقة الفضيل و مكاتبة علي بن بلال الآتيتين.

بل عرفت أن ظاهرهما الوجوب.

كما عن الدروس. لتعينها زكاة بالعزل، و لا دليل على ولايته علي التبديل. و عن بعض الأجلة: الإشكال فيه، لأصالة عدم التعيين ما لم يقبضه المستحق. و فيه: أنه خلاف ظاهر نصوص العزل.

فصل في مصرف زكاة الفطرة كما هو المشهور، بل عن المدارك: أنه مقطوع به في كلامهم و عن شرح اللمعة- للأصبهاني-: الإجماع عليه. لعموم قوله تعالى:

435
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في مصرف زكاة الفطرة ؛ ج‌9، ص : 435

للمستضعفين من أهل الخلاف (1)، عند عدم وجود المؤمنين (إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ ..) «1». و لا سيما بملاحظة ما‌

في صحيح هشام ابن الحكم: «نزلت آية الزكاة و ليس للناس أموال، و إنما كانت الفطرة» «2»

و ربما نسب إلى المفيد اختصاصها بالمساكين، لكن لا يساعده محكي عبارة المقنعة، بل هي ظاهرة في المشهور.

و في المعتبر- و عن المنتهى-: اختصاص مصرفها فيما عدا العاملين و المؤلفة قلوبهم. و كأنه: لبنائهما على عدم مشروعيتهما في الغيبة، و إلا فلا وجه له ظاهر. و لا سيما بعد استدلال المعتبر: «بأنها زكاة، و أن مصرفها مصرف زكاة المال. لعموم الآية ..». نعم في صحيح الحلبي: إنها للفقراء و المساكين «3»، و في رواية الفضيل: أنها لمن لا يجد «4» و‌

في رواية زرارة: «أما من قبل زكاة المال فان عليه الفطرة، و ليس على من قبل الفطرة فطرة» «5».

لكن يتعين حملها على بعض المحامل غير المنافية لما سبق.

كما نسب الى الشيخ و أتباعه.

لموثق الفضيل عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: «كان جدي (ع) يعطي فطرته الضعفاء، و من لا يجد، و من لا يتولى. و قال أبو عبد اللّه [أبوه. خ ل]: هي لأهلها. إلا أن لا تجدهم فان لم تجدهم فلمن لا ينصب. و لا تنقل من أرض إلى أرض. و قال:

الإمام أعلم، يضعها حيث يشاء، و يصنع فيها ما رأى» «6».

و مكاتبة‌

______________________________
(1) البقرة: 60.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب زكاة الفطرة ملحق حديث: 10.

(6) الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 3.

436
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في مصرف زكاة الفطرة ؛ ج‌9، ص : 435

و إن لم نقل به هناك. و الأحوط الاقتصار على فقراء المؤمنين و مساكينهم. و يجوز صرفها على أطفال المؤمنين، أو تمليكها

علي بن بلال كتبت اليه: «هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة و رجل آخر من إخوانه في بلدة أخرى يحتاج، أن يوجه له فطرة أم لا؟ فكتب (ع):

يقسم الفطرة على من حضر، و لا يوجه ذلك الى بلدة أخرى، و إن لم يجد موافقاً» «1»

، و‌

صحيح ابن يقطين: «سأل أبا الحسن الأول (ع) عن زكاة الفطرة، أ يصلح أن تعطى الجيران و الضؤرة! ممن لا يعرف و لا ينصب؟ فقال (ع): لا بأس بذلك، إذا كان محتاجاً» «2».

و أما‌

خبر الجهني: «سألت أبا جعفر (ع): عن زكاة الفطرة. فقال (ع):

تعطيها المسلمين، فان لم تجد مسلما فمستضعف. و أعط إذا قرابتك منها إن شئت» «3»

فظاهره جواز إعطائها لمستضعف الكافر إذا لم يوجد المسلم لكنه غير معمول به. و من ذلك يظهر ضعف ما عن المشهور- و عن الانتصار و الغنية: الإجماع عليه- من عدم الجواز، لإطلاق ما دل على أن الزكاة لأهل الولاية. و لما‌

رواه إسماعيل بن سعد عن الرضا (ع): «سألته عن الزكاة، هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا، و لا زكاة الفطرة» «4».

لكن الإجماع موهون بتحقق الخلاف. و الإطلاق مقيد. و كذا ما رواه إسماعيل، فيحمل على غير المستضعف، أو مع وجود المؤمن. بل ظاهر النصوص المذكورة: جواز إعطائها لغير الناصب من المخالفين و إن لم يكن مستضعفاً، إذا لم يوجد المؤمن. فلاحظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1.

437
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): لا يشترط عدالة من يدفع إليه ؛ ج‌9، ص : 438

لهم بدفعها إلى أوليائهم (1).

[ (مسألة 1): لا يشترط عدالة من يدفع إليه]

(مسألة 1): لا يشترط عدالة من يدفع إليه، فيجوز دفعها إلى فساق المؤمنين (2). نعم الأحوط عدم دفعها إلى شارب الخمر، و المتجاهر بالمعصية. بل الأحوط العدالة أيضاً.

و لا يجوز دفعها إلى من يصرفها في المعصية.

[ (مسألة 2): يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا]

(مسألة 2): يجوز للمالك أن يتولى دفعها مباشرة أو توكيلا (3). و الأفضل- بل الأحوط أيضاً- دفعها إلى الفقيه الجامع للشرائط (4). خصوصاً مع طلبه لها (5).

[ (مسألة 3): الأحوط أن لا يدفع للفقير أقل من صاع]

(مسألة 3): الأحوط أن لا يدفع للفقير أقل من صاع (6)، إلا إذا اجتمع جماعة لا تسعهم ذلك.

كما تقدم في زكاة المال.

على ما تقدم في زكاة المال.

و لا يجب دفعها إلى الامام أو نائبه إجماعاً، كما في المستند، و عن المنتهى: لا خلاف فيه بين العلماء كافة: و تشهد به النصوص المتقدمة في المسائل السابقة.

فقد استظهر من المفيد (ره) وجوبه. و قد يشهد له‌

خبر أبي علي بن راشد: «عن الفطرة لمن هي؟ قال (ع): للإمام. قال:

قلت: فأخبر أصحابي؟ قال (ع): نعم، من أردت أن تظهره منهم و قال (ع): لا بأس بأن تعطي، و تحمل ثمن ذلك ورقاً» «1».

تقدم وجهه في زكاة المال.

فان المشهور بينهم المنع، بل عن المختلف: نسبته إلى فقهائنا،

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

438
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع ؛ ج‌9، ص : 439

[ (مسألة 4): يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع]

(مسألة 4): يجوز أن يعطى فقير واحد أزيد من صاع (1)، بل إلى حد الغنى.

[ (مسألة 5): يستحب تقديم الأرحام على غيرهم]

(مسألة 5): يستحب تقديم الأرحام (2) على غيرهم و أنه لم يقف على مخالف منهم.

لمرسل الحسين بن سعيد عن أبي عبد اللّه (ع): «لا تعط أحداً أقل من رأس» «1»

، و‌

مرسل الفقيه «لا بأس بأن تدفع عن نفسك و عمن تعول إلى واحد، و لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحداً إلى نفسين» «2».

لكن عن الوافي: أنه فهم أن قوله:

«و لا يجوز ..»

من كلام الصدوق، لا جزاءً من الخبر. و عن الحدائق: أنه الظاهر. مع أنه لو تمَّ كونه خبراً فمرسل كما قبله. اللهم إلا أن يدعى انجباره بعمل الأصحاب.

لكن قد يعارض‌

بصحيح صفوان عن إسحاق بن المبارك: «سألت أبا إبراهيم عن صدقة الفطرة، يعطيها رجلا واحداً أو اثنين؟ قال (ع):

يفرقها أحب إلي. قلت: أعطي الرجل الواحد ثلاثة أصوع و أربعة أصوع؟

قال (ع): نعم» «3».

و جهالة إسحاق لا تقدح في حجية الخبر، بعد كون الراوي عنه صفوان، الذي هو من أصحاب الإجماع، و ممن لا يروي إلا عن ثقة. مع أن ما ذكره جماعة- من استثناء صورة الاجتماع، معللين له: «بأن فيه تعميما للنفع ..». و بأن في منع البعض أذية للمؤمن، فجاز التشريك حينئذ بينهم- مما لا يصلح للخروج به عن ظاهر المرسل، إلا بعد حمله على الاستحباب.

بلا خلاف و لا إشكال. و النصوص به مستفيضة، و قد تقدم بعضها.

كما نسب إلى الأصحاب. و استدل له: بما ورد من‌

قوله (ص):

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 16 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

439
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيرا فبان خلافه ؛ ج‌9، ص : 440

ثمَّ الجيران، ثمَّ أهل العلم و الفضل و المشتغلين. و مع التعارض تلاحظ المرجحات و الأهمية.

[ (مسألة 6): إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيراً فبان خلافه]

(مسألة 6): إذا دفعها إلى شخص باعتقاد كونه فقيراً فبان خلافه، فالحال كما في زكاة المال.

[ (مسألة 7): لا يكفي ادعاء الفقر]

(مسألة 7): لا يكفي ادعاء الفقر. إلا مع سبقه، أو الظن بصدق المدعي.

[ (مسألة 8): تجب نية القربة هنا كما في زكاة المال]

(مسألة 8): تجب نية القربة هنا كما في زكاة المال.

و كذا يجب التعيين- و لو إجمالا- مع تعدد ما عليه. و الظاهر عدم وجوب تعيين من يزكى عنه، فلو كان عليه أصوع لجماعة يجوز دفعها من غير تعيين: أن هذا لفلان، و هذا لفلان.

«لا صدقة و ذو رحم محتاج» «1»

، قوله (ع): «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح» «2»، و قوله (ع): «جيران الصدقة أحق بها» «3» و كأن تقديم الأول على الثاني من جهة أن علاقة القرابة أقوى من علاقة الجوار. و يشهد للأخير:

خبر عبد اللّٰه بن عجلان: «قلت لأبي جعفر (ع):

إني ربما قسمت الشي‌ء بين أصحابي أصلهم به، فكيف أعطيهم؟ فقال (ع):

أعطهم على الهجرة في الدين، و الفقه، و العقل» «4».

هذا و في كونه متأخراً عن الأولين غموض و إشكال.

هذا و الكلام في بقية الفصل يفهم مما تقدم في زكاة المال. فراجع.

و الحمد للّه كما هو أهله، و الصلاة و السلام على رسوله الأكرم، و آله‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب الصدقة حديث: 1 و هو منقول بالمعنى.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2، 5، 7. و هو منقول بالمعنى.

(4) الوسائل باب: 25 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2.

440
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): تجب نية القربة هنا كما في زكاة المال ؛ ج‌9، ص : 440

.....

الطاهرين أولياء النعم. و قد اتفق الفراغ من تسويده عصر الثلاثاء، سادس عشر جمادى الثانية، من السنة السادسة و الخمسين بعد الألف و الثلاثمائة هجرية على مهاجرها و آله أفضل السلام و أكمل التحية. بقلم الأحقر (محسن)، خلف العلامة المرحوم السيد (مهدي) الطباطبائي الحكيم، في النجف الأشرف الأقدس على ساكنه آلاف التحية و السلام.

441
مستمسک العروة الوثقى9

كتاب الخمس ؛ ج‌9، ص : 442

[كتاب الخمس]

كتاب الخمس بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ+ و هو من الفرائض، و قد جعلها اللّٰه تعالى لمحمد (ص) و ذريته عوضاً عن الزكاة، إكراماً لهم. و من منع منه درهماً- أو أقل- كان مندرجاً في الظالمين لهم، و الغاصبين لحقهم.

بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين،

ففي الخبر عن أبي بصير، قال: «قلت لأبي جعفر (ع): ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال (ع): من أكل من مال اليتيم درهماً، و نحن اليتيم» «1».

و

عن الصادق (ع): «إن اللّٰه لا إله إلا هو، حيث حرم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، و الخمس لنا فريضة، و الكرامة لنا حلال» «2».

و

عن أبي جعفر (ع): «لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا» «3».

و

عن أبي عبد اللّه (ع): «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: يا رب اشتريته بمالي، حتى يأذن له أهل الخمس» «4».

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 10.

442
مستمسک العروة الوثقى9

فصل فيما يجب فيه الخمس ؛ ج‌9، ص : 443

 

[فصل فيما يجب فيه الخمس]

فصل فيما يجب فيه الخمس و هو سبعة أشياء:

[الأول: الغنائم]

الأول: الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب (1) قهراً بالمقاتلة (2) معهم. بشرط أن يكون بإذن الإمام (ع)، من غير فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه (3)، و المنقول بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ+ و له الحمد و الصلاة و السلام على رسوله و آله الطاهرين فصل فيما يجب فيه الخمس بإجماع المسلمين، كما عن المدارك و الذخيرة و المستند و غيرها.

و يقتضيه الكتاب [1] و السنة، بل قيل: إن الثانية متواترة. و سيمر- إن شاء اللّه- عليك بعضها.

لا إشكال في وجوب الخمس في ذلك. و لو أخذ بغير ذلك- من غيلة، أو سرقة، أو نحوهما- فسيأتي الكلام فيه.

لا أعرف فيه خلافاً، كما في الجواهر، بل إجماع من المسلمين كما عن المدارك. و يقتضيه إطلاق النصوص،

كخبر أبي بصير عن أبي جعفر (ع): «كل شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلا اللّه، و أن

______________________________
[1] و هو قوله تعالى (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ.)

الأنفال: 41.

 

443
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: الغنائم ؛ ج‌9، ص : 443

و غيره، كالأراضي و الأشجار و نحوها (1). بعد إخراج المؤن (2) التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها- بحفظ،

محمداً رسول اللّٰه (ص) فان لنا خمسه. و لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا» «1».

و نحوه: ما تضمن أن الخمس في الغنيمة.

كما هو المشهور، بل عن المدارك: إجماع المسلمين عليه. لكن في الحدائق- بعد نسبة التعميم إلى ظاهر كلام الأصحاب- قال: «لم أعرف لهذا التعميم دليلا سوى ظاهر الآية، فإن الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة. ثمَّ ذكر صحيح ربعي، المتضمن لقسمة الغنيمة أخماساً «2». ثمَّ قال: و نحوها غيرها من الأحاديث الدالة على قسمة الخمس أخماساً أو أسداساً، مما يختص بالمنقول ..».

و فيه: أنه يكفي- في عموم الحكم- الآية الشريفة و نحوها، مما دل على ثبوت الخمس في مطلق الغنية، كخبر أبي بصير المتقدم و نحوه. و غاية الإشكال على النصوص المذكورة: أنها قاصرة عن إفادة التعميم، لا أنها صالحة لتقييد ما تقتضيه الآية و الرواية، فأصالة العموم فيه محكمة. نعم قد يعارض ذلك العموم: إطلاق ما دل على أن أرض الخراج في‌ء للمسلمين، و هي أخص من العموم المذكور، و إطلاق الخاص مقدم. و حملها على أنها في مقام نفي قسمتها بين المقاتلة، فيكون موضوعها ما زاد على الخمس، لا قرينة عليه. و لا سيما و أن ظاهر النصوص الإشارة إلى الأرض الخارجية الخراجية، فالموضوع نفس الأرض، و الحمل على المقدار الزائد على الخمس تجوز لا قرينة عليه.

كما صرح به جماعة، و قواه في الشرائع و الجواهر. لموافقته للعدل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

(2) يأتي التعرض للرواية قريباً. فانتظر.

444
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: الغنائم ؛ ج‌9، ص : 443

و حمل، و رعي، و نحوها. منها، و بعد إخراج ما جعله الامام (ع) من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح (1)، و بعد استثناء صفايا الغنيمة (2)- كالجارية الورقة، و المركب الفاره، لأن المفروض كون المؤن على جميع الغنيمة، فلا وجه لاختصاصها ببعضها فالقول به- كما عن الخلاف و الشهيدين و غيرهم- لإطلاق الآية ضعيف.

و الإطلاق لا نظر فيه إلى هذه الجهة كي يعول عليه. و هذا هو العمدة.

أما ما دل على أن الخمس بعد المؤن، فظاهره المؤن السابقة على موضوع الخمس، التي لا إشكال ظاهر في عدم استثنائها هنا، و لا يشمل المؤن التي بعد التحصيل، التي هي محل الكلام. نعم قد يشكل الأول: بأنه مبني على تعلق الخمس بالعين على نحو الإشاعة أو الكلي في المعين، إذ لو كان على نحو الحق في العين، فالمؤن على العين لا على الحق. لكن عرفت في مئونة الزكاة الإشكال في ذلك، و أن العين لما كانت موضوعاً للحق، كانت مئونتها مئونته و حفظها حفظه. فتأمل جيداً.

كما في الشرائع و عن الروضة، و قواه في الجواهر و غيرها. لأنه بجعل الامام صار مستحقاً للمجعول له، فلا يدخل في الغنيمة التي هي موضوع قسمة الخمس. و إن أمكن دخوله فيها بمعنى الفائدة المكتسبة، فيجري عليها حكمها، نعم قد يكون جعل الامام له على نحو يقتضي دخوله في موضوع القسمة، لكن الظاهر خروجه عن محل الكلام.

كما عن غير واحد النص عليه. و في المنتهى: «ذهب إليه علماؤنا أجمع، ما لم يضر بالعسكر ..». و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح ربعي عن الصادق (ع): «كان رسول اللّه (ص) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه، و كان ذلك له، ثمَّ يقسم ما بقي خمسة أقسام» «1»

و في مرسل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 3.

445
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: الغنائم ؛ ج‌9، ص : 443

و السيف القاطع، و الدرع- فإنها للإمام (ع). و كذا قطائع الملوك (1) فإنها أيضاً له عليه السلام و إما إذا كان الغزو بغير إذن الامام (ع)، فان كان في زمان الحضور و إمكان الاستئذان منه فالغنيمة للإمام (ع) (2)، و إن كان في زمن الغيبة،

حماد عن العبد الصالح (ع): «و للإمام صفو المال، أن يأخذ من هذه الأموال صفوها: الجارية الفارهة، و الدابة الفارهة، و الثوب، و المتاع مما يحب أو يشتهي، فذلك له قبل القسمة، و قبل إخراج الخمس» «1».

و‌

في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع): «سألته عن صفو المال؟

قال (ع): الإمام يأخذ الجارية الورقة، و المركب الفاره و السيف القاطع، و الدرع، قبل أن تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال» «2».

قد استفاض في النصوص: أنها من الأنفال، و أنها للإمام.

و‌

في خبر داود بن فرقد: «قال أبو عبد اللّه (ع): قطائع الملوك للإمام و ليس للناس فيها شي‌ء» «3».

و‌

في موثق سماعة: «أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام» «4».

و الظاهر دخول ذلك في صفايا الغنيمة فيدل على عدم وجوب الخمس فيه ما سبق من النصوص.

المشهور شهرة عظيمة: أن ما يغنمه الغانمون بغير إذن الامام فهو للإمام، و عن الحلي: الإجماع عليه. و في المنتهى: «كل من غزا بغير إذن الامام إذا غنم كانت غنيمته للإمام. عندنا ..». و في المسالك: «نسبته إلى المشهور بين الأصحاب، و أن به رواية مرسلة، منجبرة بعمل الأصحاب ..»‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 15.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 8.

446
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: الغنائم ؛ ج‌9، ص : 443

.....

و في الروضة: «إن به رواية مرسلة، إلا أنه لا قائل بخلافها ظاهراً».

و يشير بذلك: إلى‌

مرسلة العباس الوراق، عن رجل سماه، عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: إذا غزا قوم بغير أمر الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام، فإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس» «1»

، و مفهوم‌

مصحح معاوية بن وهب: «قلت: لأبي عبد اللّه (ع): السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم، كيف تقسم؟ قال (ع): إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام، أخرج منها الخمس للّٰه تعالى و للرسول، و قسم بينهم أربعة أخماس. و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين، كان كلما غنموا للإمام يجعله حيث أحب» «2».

لكن في دلالتها إشكال ظاهر، لظهورها في التفصيل بين القتال و عدمه، لا بين الاذن و عدمها، لأن المفروض في السؤال أن السرية كانت بأمر الإمام، فالتفصيل لا بد أن يكون في مورد السؤال. و قوله (ع):

«مع أمير أمره الإمام»

غير ظاهر في المفهوم. فتأمل.

و عن بعض: قوة المساواة بين المأذون فيه منه و غيره في لزوم الخمس‌

لمصحح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم، فيصيب غنيمة. قال (ع): يؤدي خمسنا و يطيب له» «3».

لكن الرواية غير ظاهرة في كون الغزو- و لو من الرجل- كان بغير إذن منه (ع)، فلا تصلح حجة في قبال المرسل الأول، المنجبر بالعمل، و حكاية الإجماع.

و في الحدائق: التفصيل بين ما إذا كان الحرب للدعاء إلى الإسلام فالغنيمة للإمام و لا خمس، و إن كان للقهر و الغلبة وجب الخمس. لظهور‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8.

447
مستمسک العروة الوثقى9

الأول: الغنائم ؛ ج‌9، ص : 443

فالأحوط إخراج خمسها من حيث الغنيمة. خصوصاً إذا كان للدعاء إلى الإسلام، فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفار بالمقاتلة معهم- من المنقول و غيره- يجب فيه الخمس على الأحوط، و إن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلى الإسلام. و من الغنائم التي يجب فيها الخمس: الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب (1)، بل الجزية المبذولة لتلك السرية بخلاف سائر أفراد الجزية.

المرسل في خصوص ما كان الغزو للدعاء إلى الإسلام، و في غيره يرجع إلى إلى عموم الآية. و فيه منع الظهور المذكور. و دعوى انصراف الغزو إليه ممنوعة. و لذا قوى في الجواهر عموم الحكم.

و في الجواهر و المستند و غيرهما: حمل مصحح الحلبي على أن ذلك منه (ع) تحليل بعد الخمس، و إن كانت الغنيمة له. لكن ظاهره أن ذلك التحليل حكم شرعي لا مالكي. و أما ما في المتن من التفصيل، فكأنه مبني على حمل المرسل على صورة إمكان الاستئذان، فيرجع في غيرها إلى عموم الآية.

و كأنه- لعدم وضوح الحمل المذكور- توقف عن الحكم هنا بوجوب الخمس و هو في محله، و إن كان قد قواه في المسألة الآنية. لكنه خلاف الإطلاق.

فالأولى الأخذ بإطلاق الرواية في موردها- و هو الغزو- و يرجع في غيره إلى عموم الآية، فالغنائم مع الدفاع فيها الخمس.

كما في الدروس و المسالك، و اختاره في الجواهر، حاكياً له عن الروضة و كشف أستاذه. و هو في محله لو كان بعد الغلبة كفداء الأسير، لأنه حينئذ بدل المغتنم، فيصدق عليه الغنيمة. أما لو كان بدون غلبة، فكونه من الغنيمة- بالمعنى الأخص- محل تأمل و إشكال. و كذا الحال في‌

448
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم ؛ ج‌9، ص : 449

منها أيضاً: ما صولحوا عليه، و كذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم، و لو في زمن الغيبة، فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك، قليلا كان أو كثيراً. من غير ملاحظة خروج مئونة السنة، على ما يأتي في أرباح المكاسب و سائر الفوائد.

[ (مسألة 1): إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم]

(مسألة 1): إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم، فالأحوط- بل الأقوى- إخراج خمسها (1) من حيث كونها غنيمة- و لو في زمن الغيبة- فلا يلاحظ فيها مئونة السنة. و كذا إذا أخذوا بالسرقة و الغيلة (2). نعم لو أخذوا الجزية المبذولة على رؤوسهم إذا لم تكن غلبة، فإنها حينئذ لا فرق بينها و بين الجزية المتعارفة، فإنها ربما تكون بعد القتال، مع أنه لا يصدق عليها الغنيمة. و مجرد كونها مبذولة لتلك السرية لا يوجب صدق الغنيمة إلا بالمعنى الأعم. لكن ذلك غير كاف في إجراء أحكام هذا القسم من الغنيمة. و كذا الحال فيما صولحوا عليه، فإنه كالفداء، إن كان بعد الغلبة فهو من الغنيمة بالمعنى الأخص، و إن كان بدونها فليس منها. بل يجري عليه حكم الغنيمة بالمعنى الأعم، كما يأتي وجهه في المأخوذ بالسرقة و الغيلة.

و من ذلك يعلم أن ما في الجواهر- من عدم إجراء حكم الغنيمة على الجزية، و إجراء حكمها على ما صولحوا عليه- غير ظاهر، و إن نسب الحكم في الثاني إلى الدروس و الروضة و كشف الغطاء، فإنه محل إشكال.

للنصوص المتقدمة. و قد تقدم: أن مقتضى الجمع بين النصوص اختصاص ذلك بصورة الاذن من الامام، و إلا فهي له و إن كان في زمن الغيبة كما في الروضة و عن جماعة، و اختاره في الجواهر. لإطلاق‌

449
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم ؛ ج‌9، ص : 449

منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة، فالأقوى إلحاقه بالفوائد الآية، و النصوص. و فيه: أن شمول إطلاق الغنيمة- في الآية و النصوص- لما نحن فيه مبني على كون المراد منها مطلق الفائدة. لكن لو بني على الأخذ بإطلاق الآية، فلا يدل على أن الخمس في المقام من قبيل خمس غنائم دار الحرب الثابت من دون استثناء المؤنة، أو غنائم الكسب الذي يثبت بعد مئونة السنة. و المستفاد من رواية أبي بصير المتقدمة «1» و جملة من النصوص- الواردة في قسمة المغنم إلى خمسة أسهم «2»-: أن موضوع الأول الاغتنام بالمقاتلة و الغلبة. لا أقل من كونه القدر المتيقن، فيرجع في غيره إلى إطلاق ما دل على أن خمس الفائدة بعد مئونة السنة، المقتصر في الخروج عنه على خصوص الغنيمة بعد القتال و الغلبة. بل لو لا إطلاق مرسل الوراق «3» و نحوه، لكان اللازم الاقتصار على ما إذا كان القتال على الإسلام، كما في خبر أبي بصير المتقدم «4». لكن العمل بالإطلاق متعين، لعدم صلاحية الخبر لتقييده، فيكون حكم المقام حكم أرباح المكاسب يجب الخمس فيه بعد مئونة السنة. و لذا قال في الدروس: «ما سرق أو أخذ غيلة فلآخذه ..».

و بالجملة: إن كان المقصود إثبات الخمس في المقام بعنوان الفائدة، فدليله مقيد بما دل على اعتبار المؤنة، و إن كان بعنوان آخر فهو محتاج إلى دليل. و الدليل على ثبوت الخمس بعنوان الغنيمة بعد القتال و الغلبة غير شامل للمقام. ثمَّ إنه لو بني على عدم اعتبار المقاتلة في صدق الغنيمة فلا يظهر وجه للتفصيل بين السرقة و الغيلة و بين الربا و الدعوى الباطلة،

______________________________
(1) لاحظ أول الفصل.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(3) تقدم ذلك قريبا في أوائل الفصل.

(4) لاحظ أول الفصل.

450
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): يجوز أخذ مال النصاب أينما وجد ؛ ج‌9، ص : 451

المكتسبة، فيعتبر فيه الزيادة عن مئونة السنة. و إن كان الأحوط إخراج خمسه مطلقاً.

[ (مسألة 2): يجوز أخذ مال النصاب أينما وجد]

(مسألة 2): يجوز أخذ مال النصاب أينما وجد (1)، لكن الأحوط إخراج خمسه مطلقاً (2). و كذا الأحوط إخراج الخمس مما حواه العسكر من مال البغاة إذا كانوا من النصاب لكون الجميع فائدة و مغنما. و لذا جعلها في الجواهر بحكم واحد. ثمَّ إنه قد يستدل على وجوب الخمس في المقام: بما ورد في مال الناصب- كما سيأتي في المسألة الآتية- بناء على الأولوية. لكنها ممنوعة.

كما هو المشهور، بل في محكي الحدائق: نسبته إلى الطائفة المحقة سلفاً و خلفاً. و يشهد له‌

صحيح ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّٰه (ع)، قال: «خذ مال الناصب حيثما وجدته، و ادفع إلينا الخمس» «1».

و نحوه خبر المعلى «2». و‌

في خبر إسحاق بن عمار:

«قال أبو عبد اللّه (ع): مال الناصب- و كل شي‌ء يملكه- حلال، إلا امرأته، فإن نكاح أهل الشرك جائز. و ذلك: إن رسول اللّه (ص) قال:

لا تسبوا أهل الشرك، فان لكل قوم نكاح. و لو لا أنا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم- و رجل منكم خير من ألف رجل منهم- لأمرناكم بالقتل لهم و إن ذلك إلى الامام» «3».

كما يقتضيه الخبران الأولان. و دعوى: أنهما مقيدان بما دل على أن الخمس بعد المؤنة. فيها: أن ذلك يختص بالخمس بعنوان الفائدة، و لا يشمل المقام. و حمل المقام على ذلك خلاف الظاهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ملحق حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 26 من أبواب جهاد العدو حديث: 2.

451
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): يشترط في المغتنم: أن لا يكون غصبا من مسلم، أو ذمي ؛ ج‌9، ص : 452

و دخلوا في عنوانهم، و إلا فيشكل حلية مالهم (1).

[ (مسألة 3): يشترط في المغتنم: أن لا يكون غصباً من مسلم، أو ذمي]

(مسألة 3): يشترط في المغتنم: أن لا يكون غصباً من مسلم، أو ذمي، أو معاهد، أو نحوهم ممن هو محترم المال، و إلا فيجب رده إلى مالكه (2). نعم لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب، لا بأس بأخذه و إعطاء خمسه (3) و إن جعلها في الشرائع الأظهر، و عن: المختلف نسبته إلى الأكثر و عن الخلاف: دعوى إجماع الفرقة و أخبارهم عليه. إلا أن الدليل عليها غير ظاهر، إذ الإجماع ممنوع جداً، فقد حكي المنع عن المرتضى و ابن إدريس و العلامة- في جملة من كتبه- و المحقق و الشهيد الثانيين. و الأخبار غير محققة. و إرسال الشيخ لها معارض بمراسيل غيره، بل مراسيله المحكية عن المبسوط. و سيرة علي (ع) في ذلك مختلف فيها، و إن ادعاها في الشرائع. و لذا قال في الدروس: «و ما حواه العسكر إذا رجعوا إلى طاعة الإمام حرام.

و إن أصروا فالأكثر على أن قسمته كقسمة الغنيمة ..» و أنكره المرتضى و ابن إدريس، و هو الأقرب عملا بسيرة علي (ع) في أهل البصرة، فإنه أمر برد أموالهم، فأخذت حتى القدور. نعم إذا ثبت قسمة أموالهم في أول الأمر، دل ذلك على الحل. و الرد أعم من الحرمة، لإمكان كونه على نحو المن.

لدليل احترام ماله. و يقتضيه بعض النصوص. و إلى ذلك ذهب المشهور. و قيل: هي للمقاتلة، و يغرم الإمام لأربابها القيمة من بيت المال و تمام الكلام في ذلك في محله من كتاب الجهاد.

لعدم احترام المال حينئذ، فيرجع في جواز أخذه و وجوب الخمس فيه إلى إطلاق الأدلة، كمصحح معاوية، و مرسل الوراق المتقدمين «1»

______________________________
(1) لاحظ أوائل الفصل.

452
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا ؛ ج‌9، ص : 453

و إن لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم. و كذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب، بعنوان الأمانة، من وديعة، أو إجارة، أو عارية، أو نحوها.

[ (مسألة 4): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً]

(مسألة 4): لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين ديناراً، فيجب إخراج خمسه- قليلا كان أو كثيرا- (1) على الأصح.

[ (مسألة 5): السلب من الغنيمة]

(مسألة 5): السلب من الغنيمة، فيجب إخراج خمسه على السالب (2).

و كذا الحال فيما بعده. اللهم إلا أن يتأمل في ثبوت الإطلاق الشامل لذلك كما تقدم. فالعمدة: ظهور التسالم عليه.

كما عن صريح جماعة، و ظاهر آخرين. و في الجواهر: «لا أعرف فيه خلافاً، سوى ما يحكى عن ظاهر غرية المفيد، من اشتراط بلوغ مقدار عشرين ديناراً. و هو ضعيف، لا نعرف له موافقاً، و لا دليلا. بل هو على خلافه محقق، كما عرفت ..» يريد به إطلاق الأدلة. و العمدة:

إطلاق النصوص المتقدمة.

كما احتمله في الجواهر. لأنه غنيمة، كغيره من الأموال. و عن ظاهر التذكرة: العدم، حاكياً له عن بعض علمائنا، لأنه (ع) قضى بالسلب للقاتل، و لم يخمس السلب. و فيه: أن كونه للسالب لا ينافي عموم وجوب الخمس فيه. كما أن كون الغنيمة للمقاتلة لا ينافي وجوب الخمس فيها. و لم يثبت عدم تخميس السلب بنحو يكون حجة على العدم. نعم لما كان المعروف بيننا عدم كون السلب للمقاتل إلا إذا جعل له، فالمتبع ظاهر الجعل، فان كان ظاهراً في كونه له بلا خمس لم يكن فيه الخمس، و إلا فعموم‌

453
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: المعادن ؛ ج‌9، ص : 454

[الثاني: المعادن]

الثاني: المعادن (1) من الذهب، و الفضة، و الرصاص و الصفر، و الحديد، و الياقوت، و الزبرجد، و الفيروزج، و العقيق، و الزيبق، و الكبريت، و النفط، و القير، و السبخ، دليل الخمس محكم.

إجماعاً محصلا و منقولا، صريحاً في الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة و المدارك و غيرها، و ظاهراً في كنز العرفان. و عن مجمع البحرين و البيان- بل في ظاهر الغنية-: نفي الخلاف فيه بين المسلمين عن معدن الذهب و الفضة، كذا في الجواهر. و يشهد له النصوص،

كصحيح ابن مسلم: «عن معادن الذهب، و الفضة، و الصفر، و الحديد، و الرصاص فقال (ع): عليها الخمس جميعاً» «1»

و‌

مصحح الحلبي: «عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس. و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس. و عن الرصاص، و الصفر، و الحديد، و ما كان من [في] المعادن، كم فيها؟

قال: يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب و الفضة» «2»

و‌

صحيح ابن مسلم الآخر: «عن الملاحة، فقال (ع): ما الملاحة؟ فقلت:

أرض سبخة مالحة يجتمع فيه الماء فيصير ملحاً، فقال (ع): هذا المعدن فيه الخمس. فقلت: و الكبريت و النفط يخرج من الأرض، فقال (ع):

هذا و أشباهه فيه الخمس» «3».

و نحوها غيرها.

و لا ينافيها ما تضمن من النصوص: أنه لا خمس إلا في الغنائم خاصة كصحيح ابن سنان «4»، إما لأن المراد من الغنيمة فيه ما يشمل المقام.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

454
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: المعادن ؛ ج‌9، ص : 454

و الزاج، و الزرنيخ، و الكحل، و الملح. بل و الجص، و النورة و طين الغسل، و حجر الرحى، و المغرة- و هي الطين الأحمر- على الأحوط، و إن كان الأقوى عدم الخمس فيها من حيث المعدنية، بل هي داخلة في أرباح المكاسب، فيعتبر فيها الزيادة عن مئونة السنة. و المدار على صدق كونه معدناً عرفاً. و إذا شك في الصدق لم يلحقه حكمها، فلا يجب خمسه من هذه الحيثية، بل يدخل في أرباح المكاسب، و يجب خمسه إذا زادت عن مئونة السنة، من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه. و لا فرق أو لأنه مقيد بهذه النصوص. و لو تمت المنافاة فالعمل بهذه النصوص متعين لما عرفت من الإجماع.

و الذي اشتملت عليه النصوص: الذهب، و الفضة، و الصفر، و الحديد و الرصاص، و الكبريت، و النفط، و الملح. و كلمات اللغويين و الفقهاء في تفسير المعدن مختلفة، فعن المغرب: أنه معدن الذهب و الفضة ..».

و في القاموس: «و المعدن- كمجلس-: منبت الجواهر، من ذهب و نحوه ..». و نحوه عن النهاية الأثيرية. «و الجوهر: كل حجر يستخرج منه شي‌ء ينتفع به ..»، كذا في القاموس. و في المنتهى: المعادن، كلما خرج من الأرض، مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة. ثمَّ قسمه إلى منطبع بانفراده، و منطبع مع غيره، و غير منطبع، و مائع. و نحوه في التذكرة. ثمَّ نسب ذلك إلى علمائنا أجمع. و في المسالك: عدم اعتبار كونه من غير الأرض، قال: «و هو هنا كل ما استخرج من الأرض مما كان منها، بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها. و منها: الملح، و الجص، و طين الغسل، و حجارة الرحى، و المغرة ..».

455
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: المعادن ؛ ج‌9، ص : 454

- في وجوب إخراج خمس المعدن- بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة (1)، و بين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها (2)، و لا بين أن يكون المخرج مسلماً أو كافراً ذمياً و مع هذا الاختلاف يشكل تعيين المراد، و إن كان ما عن المغرب خلاف المقطوع به من النصوص و غيرها. كما أن ما في القاموس خلاف ما تضمن ذكر النفط، بل و الملح. و إن كان المحكي‌

عن الفقيه رواية الصحيح المشتمل على ذكر الملح هكذا: «هذا مثل المعدن فيه الخمس». «1»

و ظاهره خروجه عن موضوع المعدن. و أما ما في المسالك فهو الموافق للعرف العام ظاهراً، فالعمل به متعين، لو لا إجماع التذكرة من اعتبار كونه من غيرها. إلا أن يكون الإجماع راجعاً إلى وجوب الخمس، لا إلى تفسير المعدن بما ذكر، و لعله الظاهر. و إن كان عد المغرة منه لا يناسب ما ذكره لأن الظاهر أنها من الأرض.

و من هذا يتبين لك الوجه في الاحتياط المذكور في المتن. كالوجه فيما ذكره: من أن الأقوى عدم الخمس، فإنه إذا أجمل اللفظ يرجع في مورد الشك إلى الأصل- و هو عدم تملك الخمس لأهله- بناء على أنه حق في العين، و عموم ما دل على الملك بالحيازة. نعم يدخل حينئذ في أرباح المكاسب، فيجري عليه حكمها.

لإطلاق الأدلة.

للإطلاق أيضاً. و عن كشف الغطاء: «أنه لو وجد شيئاً من المعدن مطروحاً في الصحراء فأخذه فلا خمس ..». و لعله. كما في الجواهر- لظهور الأدلة في اعتبار الإخراج. لكنه ممنوع. و لا سيما بملاحظة الصحيح المتضمن للملاحة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس ملحق حديث: 4.

456
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: المعادن ؛ ج‌9، ص : 454

- بل و لو حربياً (1)- و لا بين أن يكون بالغاً أو صبياً (2)، و عاقلا أو مجنوناً، فيجب على وليهما إخراج الخمس. و يجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر على دفع الخمس مما أخرجه (3)، و إن كان لو أسلم سقط عنه، مع عدم بقاء عينه. و يشترط في وجوب الخمس في المعدن: بلوغ ما أخرجه عشرين دينارا (4) لإطلاق الأدلة فراجع.

كما في الجواهر، حاكياً التصريح به عن البيان. لإطلاق الأدلة.

تقدم وجهه في الزكاة.

كما عن المبسوط و النهاية و الوسيلة و جماعة من المتأخرين، بل نسب إلى عامتهم. أو إليهم قاطبة.

لصحيح البزنطي: «سألت أبا الحسن (ع) عما أخرج المعدن [يخرج من المعدن] من قليل أو كثير، هل فيه شي‌ء؟ قال (ع): ليس فيه شي‌ء، حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة، عشرين ديناراً» «1».

فيقيد به إطلاق النصوص. و لأجله يضعف القول بعدم اعتبار النصاب، كما عن كثير من القدماء، و في الشرائع و الدروس: نسبته إلى الأكثر، بل عن ظاهر الخلاف و صريح السرائر:

الإجماع عليه، اعتماداً على إطلاق دليل الوجوب. إذ فيه: أن الإطلاق المذكور مقيد بالصحيح. كما يضعف أيضاً: القول بكون النصاب ديناراً واحداً- كما عن الحلبي-

لصحيح البزنطي، عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن (ع): «سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة، هل فيها زكاة؟ فقال (ع):

إذا بلغت قيمته ديناراً ففيه الخمس» «2».

فان ضعف الواسطة في سنده‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

457
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: المعادن ؛ ج‌9، ص : 454

بعد استثناء مئونة (1) الإخراج و التصفية و نحوهما، فلا يجب مانع عن جواز الاعتماد عليه، فضلا عن صلاحيته لمعارضة الصحيح السابق.

ثمَّ إن مقتضى إطلاق السؤال عن المعدن عموم السؤال للفضة و الذهب و غيرهما. و حينئذ فالمراد مما يكون في مثله الزكاة المالية، يعني: يبلغ مالية فيها الزكاة. و لأجل أن ثبوت الزكاة في المالية و عدمها يختلف باختلاف النصاب الملحوظ، و أنه نصاب الذهب أو الفضة، أو أقلهما، أو أكثرهما و لا قرينة على تعيين أحدهما، يكون الكلام المذكور مجملا. لكن قوله (ع) بعده:

«عشرين ديناراً»

رافع لهذا الاجمال، فيتعين التقويم بها لا غير فلا يكفي في معدن الفضة بلوغ مائتي درهم إذا لم تكن قيمتها عشرين دينارا. و إذا بلغت قيمتها ذلك وجب فيها الخمس، و إن لم تبلغ قيمتها مائتي درهم.

أما استثناء المؤنة المذكورة فقد ادعى غير واحد عدم ظهور الخلاف فيه، و عن المدارك: أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، و عن الخلاف و في ظاهر المنتهى: الإجماع عليه. و تقتضيه النصوص المتضمنة:

أن الخمس بعد المؤنة. إلا أن يستشكل في ظهورها فيما نحن فيه. و لا سيما بملاحظة ما في النصوص، من استثناء مئونته و مئونة عياله، أو مئونته. و دخول مئونة الإخراج في مئونته محل نظر، فتخص هذه النصوص بخمس الفائدة و لا تشمل ما نحن فيه. فالعمدة إذاً في الاستثناء المذكور: الإجماع.

و أما أن اعتبار النصاب بعد المؤنة المذكورة فهو المشهور، بل ظاهر التذكرة و المنتهى: نفي الخلاف فيه لأن الظاهر من قوله (ع)

في الصحيح المتقدم: «حتى يبلغ ما يكون ..»

وجوب الخمس في تمام المقدار المذكور، فإذا بني على استثناء المؤن بعد النصاب لزم ثبوت الخمس في بعضه. و عن المدارك: اعتبار النصاب قبل المؤنة، و تبعه عليه بعض من‌

458
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: المعادن ؛ ج‌9، ص : 454

إذا كان المخرج أقل منه. و إن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ ديناراً، بل مطلقاً. و لا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة، فلو أخرج دفعات، و كان المجموع نصاباً، وجب إخراج خمس المجموع (1). و إن أخرج أقل من النصاب فأعرض، ثمَّ عاد و بلغ المجموع نصاباً، فكذلك على الأحوط (2). و إذا تأخر. لإطلاق البلوغ المجعول غاية لعدم وجوب شي‌ء فيه، فان مقتضاه أن لو بلغ- و لو قبل المؤنة- يكون فيه شي‌ء.

و بالجملة: مفهوم الصحيح المذكور إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه شي‌ء.

فعلى القول الأول يلزم تقييد موضوع البلوغ بما بعد المؤنة. و على الثاني يلزم تقييد موضوع الخمس في جزاء الشرطية بما بعد المؤنة. لكن الثاني معلوم بالإجماع، فيبقى الأول مشكوكاً، و الأصل عدمه، فأصالة الإطلاق فيه بلا معارض. لا أقل من المساواة بين الاحتمالين الموجبة لإجمال الدليل، فيرجع إلى إطلاق ما دل على وجوب الخمس في المعدن، و يقتصر في تقييده على المتيقن، و هو صورة عدم بلوغ النصاب. و بالجملة: تقييد بلوغ النصاب بما بعد المؤنة لا دليل عليه، و الأصل ينفيه.

كما في الجواهر، حاكياً له عن ظاهر جماعة و صريح آخرين.

لإطلاق الأدلة. و توهم ظهور ما دل على اعتبار النصاب في اعتباره في كل دفعة بحيث لا يكفي بلوغ المجموع، خلاف إطلاقه. بل ربما ادعي: اختصاصه بالثاني. و إن كان ضعيفاً أيضاً.

كما عن جمع، منهم الشهيدان. قال أولهما في الدروس: «و لا فرق بين أن يكون الإخراج دفعة أو دفعات ..». و قال ثانيهما في المسالك:

«لو أعرض عنه ثمَّ تجدد له العزم، ضم بعضه إلى بعض. خلافاً للفاضل ..»‌

459
مستمسک العروة الوثقى9

الثاني: المعادن ؛ ج‌9، ص : 454

اشترك جماعة في الإخراج، و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصاباً، فالظاهر وجوب خمسه (1).

و كذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج، فلو اشتمل المعدن على جنسين أو أزيد، و بلغ قيمة المجموع نصاباً، وجب إخراجه (2).

نعم لو كان هناك معادن متعددة اعتبر في الخارج من كل منهما و حكي عن الأردبيلي و المدارك، و اختاره في الذخيرة. و كأنه لإطلاق الأدلة.

و رد: بأن الإطلاق مقيد بما دل على اعتبار النصاب، و ظاهره اعتباره في كل دفعة أو ما بحكمها- و هو الدفعات- مع عدم الاعراض، فمع الاعراض لا تضم الدفعات بعضها إلى بعض، لأنه خلاف الظاهر. و كأنه لذلك قال في المنتهى: «و يعتبر النصاب فيما أخرج دفعة، أو دفعات لا يترك العمل بينها ترك إهمال، فلو أخرج دون النصاب و ترك العمل مهملا له، ثمَّ أخرج دون النصاب و كملا نصاباً، لم يجب عليه شي‌ء ..». و نحوه ما في التذكرة، و عن التحرير و حاشية الشرائع و شرح المفاتيح و الروض. و فيه:

أن مجرد الاعراض- في الجملة- غير كاف في عدم الضم، بل لا بد من الإهمال مدة طويلة، بحيث يصدق تعدد الإخراج عرفاً. فتأمل جيداً.

كما مال إليه في الجواهر و شيخنا الأعظم (ره)، و حكي عن الحدائق و المستند. لإطلاق الصحيح. لكن المنسوب إلى الأكثر: اعتبار بلوغ حصة كل واحد منهم النصاب. و اختاره صريحاً في المسالك. و في الجواهر:

«لا أعرف من صرح بخلافه ..» و كأنه حملا له على الزكاة. أو دعوى ظهور صحيح البزنطي في ذلك. و الأول غير ظاهر. و الثاني غير بعيد، لكن خلافه أقرب.

كما صرح به جماعة، منهم العلامة في محكي المنتهى، و الشهيد في الدروس، و جزم به في الجواهر و غيرها نافياً للإشكال فيه.

460
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية ؛ ج‌9، ص : 461

بلوغ النصاب دون المجموع، و إن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع (1). خصوصاً مع اتحاد جنس المخرج منها، سيما مع تقاربها. بل لا يخلو عن قوة مع الاتحاد و التقارب. و كذا لا يعتبر استمرار التكون و دوامه، فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثمَّ انقطع، جرى عليه الحكم (2)، بعد صدق كونه معدناً.

[ (مسألة 6): لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية]

(مسألة 6): لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية فإن علم بتساوي الأجزاء في الاشتمال على الجوهر، أو بالزيادة فيما أخرجه خمساً أجزأ (3)، و إلا فلا، لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده.

بل جزم بذلك كاشف الغطاء على ما حكي، و اختاره في الدروس أيضاً. و كأنه لدعوى ظهور المعدن في الجنس، الصادق على الواحد و المتعدد لكنها غير ظاهرة، لقرب الانصراف إلى الفرد. و لا فرق في العدم بين اتحاد الجنس و اختلافه، و تباعدها و تقاربها. نعم إذا كان التقارب مع الاتحاد يوجب صدق وحدة المخرج عرفاً، اعتبر في المجموع النصاب.

كما صرح به بعضهم. و عن كشف الغطاء: الاستشكال فيه.

و كأنه لدعوى الانصراف. لكنه بنحو يعتد به ممنوع.

قال في محكي المدارك: «لو أخرج خمس تراب المعدن لم يجزه لجواز اختلافه في الجوهر. و لو علم التساوي جاز ..». و استشكل فيه في الجواهر: «بظهور ذيل صحيح زرارة في تعلق الخمس بعد التصفية و بعد ظهور الجوهر ..» بل قد يدعى ظهور غيره في ذلك أيضاً. و مراده بذيل الصحيح،

قوله (ع): «ما عالجته بمالك ففيه- ما أخرج اللّه سبحانه

461
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء ؛ ج‌9، ص : 462

[ (مسألة 7): إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء]

(مسألة 7): إذا وجد مقداراً من المعدن مخرجاً مطروحاً في الصحراء، فان علم أنه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما، أو علم أن المخرج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه (1)، وجب عليه إخراج خمسه (2) على الأحوط إذا بلغ النصاب. بل الأحوط ذلك (3) و إن شك في أن الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا.

منه من حجارته مصفى- الخمس» «1».

لكن من المحتمل: أن يكون المراد أن الواجب هو خمس المصفى لا خمس التراب، و إن كان ما فيه من الذهب- مثلا- أقل من خمس الذهب المصفى، لا أن الخمس يجب في خصوص المصفى، فان ذلك خلاف المتسالم عليه- نصاً و فتوى- من عدم اشتراط التصفية في الوجوب. و أما غيره فدلالته على ما ذكر أخفى. و لعل هذا هو مراد الشهيد الثاني في المسالك، حيث قال فيها: «و المعتبر إخراج خمسه مخرجاً إن لم يفتقر إلى سبك و تصفية، و إلا اعتبر بعدها ..».

راجع إلى الإنسان. و يعتبر أن يكون الإنسان غير قاصد للحيازة و إلا كان هو المخرج، و عليه خمسه.

عملا بمقتضى الإطلاق. و قد تقدم: أنه لا يعتبر الإخراج من باطن الأرض، و التردد غير ظاهر الوجه. نعم في الإنسان إذا أحرز أنه قصد تملكه بالإخراج، يكون ما زاد على الخمس من قبيل مجهول المالك، لا ما نحن فيه مما يكون ملكاً للمخرج.

كأن وجه التردد، إما الحمل على الصحة، أو العمل بمقتضى اليد لظهورها في الملكية الطلقة. و الأول ممنوع. و الثاني يتوقف على استمرار‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.

462
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها ؛ ج‌9، ص : 463

[ (مسألة 8): لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها]

(مسألة 8): لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها (1)، و إذا أخرجه غيره لم يملكه، بل يكون المخرج لصاحب الأرض، و عليه الخمس من دون استثناء المؤنة، لأنه لم يصرف عليه مئونة (2).

[ (مسألة 9): إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة]

(مسألة 9): إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة- التي هي للمسلمين- فأخرجه أحد من المسلمين ملكه، و عليه الخمس (3). و إن أخرجه غير المسلم ففي اليد في زمانين: زمان العلم، و زمان الشك، و هو غير معلوم. فتأمل.

على أنك عرفت أن حجية اليد- التي يكون حدوثها معلوم الخلاف- على الملكية الطلقة غير واضحة، بل المشهور عدمها.

قطعاً، كما صرح به غير واحد منهم السيد في المدارك. و في الجواهر «لا خلاف أجده فيه ..»، و كذا ما بعده. لكن قد يشكل، بناء على أنه من الموات، و إخراجه إحياء له، كما يأتي. و فيه: اختصاص ذلك بالموات غير المملوك لواحد من المسلمين تبعاً لملك الأرض، فإنه ملك لمالكها.

يعني: لم يغرم المؤنة التي صرفها المخرج، لعدم الوجه في ضمانها بعد أن كان العمل بلا إذن منه، و لا تعهد له بقيمته، كما هو ظاهر الفرض.

قد يشكل ملك المخرج له: بأنه مملوك للمسلمين تبعاً للأرض، فحاله حال المخرج من أرض مملوكة لمالك معين، الذي تقدم: أنه ملك لمالك الأرض و عليه الخمس. لكن في الجواهر: ادعى القطع بكونه ملكاً للحائز. ثمَّ قال (ره): «و لعله لأنه بنفسه في حكم الموات، و إن كان في أرض معمورة بغرس أو زرع ..»، و يظهر من كلماتهم في كتاب الاحياء:

المفروغية عن أن ذلك إحياء مملك. و في مفتاح الكرامة: «اتفقت كلمة‌

463
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة ؛ ج‌9، ص : 463

تملكه إشكال (1). و أما إذا كان في الأرض الموات حال الفريقين على أنها تملك بالاحياء. لكن القائلين بأنها للإمام يقولون بتوقف ذلك على إذنه حال حضوره لا غيبته، و لا خلاف في ذلك إلا من الشافعي في أحد قوليه ..».

و لعل في هذا المقدار، بضميمة ما في الجواهر، في كتاب الاحياء:

من دعوى السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار- في زمن تسلطهم (ع) و غيره- على الأخذ منها بلا إذن، حتى ما كان في الموات التي هي لهم، و في المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين، كفاية في جواز الخروج عن قاعدة التبعية. و لا سيما مع تأيد ذلك بخلو نصوص الباب و غيرها عن التعرض للمنع عن أخذها من الموات أو العامرة التي هي ملك لهم (ع) و للمسلمين فإنها و إن لم تكن واردة لبيان هذه الجهات كي يحسن التمسك بإطلاقها، لكن إهمالها التعرض لذلك- مع ارتكاز إباحة الأخذ، و عموم الابتلاء بالمعادن على اختلاف أنواعها- طريق عرفي لجواز الأخذ و ترتيب آثار الملك.

نعم القدر المتيقن صورة الاذن من ولي المسلمين، فاللازم الاقتصار في الحكم بالملك عليه.

كأنه لعدم الدليل عليه، بعد كونه ملكاً للمسلمين تبعاً للأرض.

و لم يثبت عموم ما قيل: من كون الناس في المعادن شرعاً سواء، لعدم ثبوت قيام السيرة عليه في الكافر. و لذا حكي عن الشيخ و ظاهر البيان:

منع الذمي من العمل في المعدن. لكن عن الأول: أنه لو خالف و عمل ملك، و كان عليه الخمس.

و هو- كما ترى- لا يخلو من تناف، إذ موضوع كلامه: إن كان المعدن في الأرض المملوكة، صح المنع و لا وجه للملك، و إن كان في الأرض المباحة، صح الملك و لا وجه للمنع. و لذا قال في محكي المدارك،

464
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 10): يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن ؛ ج‌9، ص : 465

الفتح، فالظاهر أن الكافر أيضاً يملكه، و عليه الخمس (1).

[ (مسألة 10): يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن]

(مسألة 10): يجوز استيجار الغير لإخراج المعدن، فيملكه المستأجر (2). و إن قصد الأجير تملكه لم يملك.

[ (مسألة 11): إذا كان المخرج عبداً]

(مسألة 11): إذا كان المخرج عبداً كان ما أخرجه لمولاه و عليه الخمس.

[ (مسألة 12) إذا عمل فيما أخرجه]

(مسألة 12) إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج راداً عليه: «لم أقف له على دليل يقتضي منع الذمي عن العمل في المعدن ..». و هو في محله، لجريان جميع ما سبق فيه حتى السيرة- كغيره من المسلمين- على الظاهر. و عليه فاذا كان الإخراج بإذن ولي المسلمين ملكه.

أما الملك فالعموم ما دل على مملكية الإحياء، المختص عندهم بالموات حال الفتح مما كان ملكاً للإمام، و لا يجري فيما كان ملكاً للمسلمين إجماعاً على ما حكاه غير واحد. و لأجله يخرج عن العموم المذكور. و بذلك افترق الفرض عما قبله في الوضوح و الخفاء.

لأنه نتيجة العمل المملوك له، و النتيجة تابعة لذيها في الملك، كحمل الدابة و ثمرة الشجرة. و قصد العامل تملكه أو تملك غيره لا أثر له، لعدم سلطنته على ذلك. و منه يظهر حكم المسألة الآتية.

نعم يختص ذلك بما لو كانت الإجارة على منفعته الشخصية، أما لو كانت على ما في الذمة، فلا مانع من قصد العامل نفسه في الحيازة و يكون المحاز له. و تحقيق ذلك موكول إلى ما ذكرنا في شرح المسألة السادسة، من فصل: عدم جواز إجارة الأرض بما يحصل فيها من الحنطة أو الشعير، من كتاب الإجارة من هذا الكتاب.

465
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12) إذا عمل فيما أخرجه ؛ ج‌9، ص : 465

خمسه- عملا يوجب زيادة قيمته- كما إذا ضربه دراهم أو دنانير، أو جعله حلياً، أو كان مثل الياقوت و العقيق فحكه فصاً مثلا- اعتبر في الإخراج خمس مادته (1)، فيقوم حينئذ سبيكة أو غير محكوك مثلا، و يخرج خمسه. و كذا لو اتجر به فربح قبل أن يخرج خمسه، ناوياً الإخراج من مال آخر (2)، ثمَّ أداه من مال آخر. و أما إذا اتجر به من غير نية الإخراج من غيره، فالظاهر أن الربح مشترك بينه و بين أرباب الخمس (3).

كما صرح به في الجواهر، حاكياً له عن المسالك و المدارك. لأن مستحق الخمس إنما يملك خمس المادة، و الصفة بتمامها لعاملها، فلا تدخل في التقويم.

نقل الخمس من العين إلى الذمة بمجرد النية لا دليل عليه، و إن كان هو ظاهر الجواهر. و حينئذ فلا يجدي الأداء بعد البيع في نفوذ البيع له، بحيث يكون تمام الربح للمالك، إلا بناء على صحة بيع غير المالك إذا ملك بعد البيع. أو نقول: بأنه من قبيل الحق في العين، فيصح البيع بمجرد سقوطه. و سيأتي- إن شاء اللّه- تحقيق ذلك.

هذا يتم إذا كان للبائع ولاية البيع، و قلنا بأن ثبوته بنحو يكون جزءاً من العين. فلو انتفى الأول، فالاشتراك في الربح يتوقف على إمضاء الحاكم الشرعي، و إلا بطل في مقدار الخمس. و الأول محكي عن التذكرة و المنتهى. و يشهد له:

خبر الحرث بن حصيرة الأزدي: «وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين (ع)، فابتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم و مائة شاة متبع، فلامته أمي و قالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة، أولادها مائة

466
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 13): إذا شك في بلوغ النصاب و عدمه ؛ ج‌9، ص : 467

 

[ (مسألة 13): إذا شك في بلوغ النصاب و عدمه]

(مسألة 13): إذا شك في بلوغ النصاب و عدمه فالأحوط الاختبار (1).

[الثالث: الكنز]

الثالث: الكنز (2)، و هو المال المذخور في الأرض،

و أنفسها مائة، و ما في بطونها مائة. قال: فندم أبي، فانطلق ليستقيله فأبى عليه الرجل، فقال: خذ مني عشرة شياه، خذ مني عشرين شاة، فأعياه. فأخذ أبي الركاز و أخرج منه قيمة ألف شاة. فأتاه الآخر فقال:

خذ غنمك و آتني ما شئت، فأبى، فعالجه فأعياه. فقال: لأضرن بك، فاستعدى أمير المؤمنين (ع) على أبي، فلما قص أبي على أمير المؤمنين (ع) أمره، قال لصاحب الركاز: أد خمس ما أخذت، فإن الخمس عليك، فإنك أنت الذي وجدت الركاز. و ليس على الآخر شي‌ء، لأنه إنما أخذ ثمن غنمه» «1»

لكن الخبر ضعيف، و الاعتماد عليه غير ظاهر. كما أنه لو كان تعلقه بنحو تعلق الحق في العين، لم يكن الربح مشتركاً لو نفذ البيع، لأن الثمن كله في قبال مال المالك. و سيجي‌ء- إن شاء اللّه تعالى- ما له تعلق بالمقام.

الكلام فيه تقدم في الزكاة. فراجع.

بلا خلاف فيه كما عن جماعة، بل إجماعاً كما عن آخرين، بل عن المدارك: عليه إجماع العلماء كافة. و يشهد له جملة من النصوص،

كصحيح الحلبي: «أنه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن الكنز كم فيه؟ فقال (ع):

الخمس» «2»

، و‌

صحيح ابن محبوب عن عمار بن مروان: «سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: فيما يخرج من المعادن، و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز الخمس» «3».

و نحوهما غيرهما.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

 

467
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

أو الجبل، أو الجدار، أو الشجر (1). و المدار الصدق العرفي سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما (2) من الجواهر. و سواء كان في بلاد الكفار كما مال إليه في الجواهر و غيرها. و يقتضيه إطلاق النصوص.

و عن كشف الغطاء: عدم الخمس في المذخور في جدار، أو في بطن شجرة، أو خباء من بيوت أو خشب، أو تحت حطب. و يقتضيه ظاهر التخصيص بالأرض في كلام جماعة- بل الأكثر ظاهراً- و في جملة من كلمات أهل اللغة. لكن الظاهر إرادة المثال، و إلا فصدقه على غير المدفون في الأرض لا ينبغي أن يكون موضع تأمل. و ملاحظة موارد الاستعمال شاهدة بذلك.

كما صرح به في التذكرة و المنتهى و الدروس و عن البيان، بل هو ظاهر كل من فسره بالمال المذخور. لصدق المال على جميع ذلك. لكن عن النهاية و المبسوط و الجمل و السرائر و الجامع و غيرهم: تخصيصه بالنقدين و ربما نسب إلى ظاهر الأكثر.

و استدل له بالأصل، بناء على الشك في صدق الكنز على غيرهما.

بل في الجواهر الجزم بعدمه، و ان كان هو غير ظاهر، بل العرف على خلافه. و‌

بصحيح البزنطي عن الرضا (ع): «عما يجب فيه الخمس من الكنز، فقال (ع): ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» «1»

بناء على ظهوره في المماثلة في الجنس كما هو غير بعيد. و دعوى ظهوره بالمقدار لا غير غير ظاهرة، و إن صدرت عن جملة من الأعاظم، و نسبها في الرياض إلى الأصحاب. اللهم إلا أن يكون من جهة التعبير بالمثل، و لو أراد الجنس لقال: «ما تجب فيه». و يؤيده التعبير بذلك- في مقام بيان المقدار-

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

468
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام، في الأرض الموات أو الأرض الخربة التي لم يكن لها مالك، أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع، مع العلم بعدم كونه ملكاً للبائعين، و سواء كان عليه في صحيحه السابق في المعدن. و أما‌

مرسلة المقنعة: «سئل الرضا (ع) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس. فقال (ع): ما تجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، و ما لم يبلغ حد ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه» «1»

، فهي و إن كانت صريحة في المقدار لا تصلح قرينة على إرادته من الصحيح. و لا سيما و كون المظنون أنهما واحد، و أن الاختلاف نشأ من أجل النقل بالمعنى، و اجتهاد الناقل في فهم المراد.

على أن المحتمل قريباً: أن يكون قوله (ع):

«من ذلك بعينه»

مراداً به خصوص المسكوك من النقدين، و حينئذ يكون الصحيح حاكماً على الإطلاقات التي تصلح لإثبات وجوب الخمس في غير النقدين من الكنز.

و كذا على مثل‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازاً ففيه الخمس. و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج اللّٰه سبحانه من حجارته مصفى الخمس» «2».

بناء على عموم الركاز لغير النقدين- كما يقتضيه تفسيره بالمال المدفون- كما عن المصباح و غيره. مضافاً إلى ما في مجمع البحرين: من أن الركاز- عند أهل العراق- المعادن كلها. و يشهد له رواية الحرث المتقدمة «3». و يناسبه وقوعه جواباً عن المعادن في الصحيح. و كأنه لذلك قال في كشف الغطاء: «إن الظاهر تخصيص الحكم بالنقدين و غيره يتبع حكم اللقطة ..».

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.

(3) لاحظ المسألة: 12 من هذا الفصل.

469
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

أثر الإسلام أم لا. ففي جميع هذه يكون ملكاً لواجده (1).

و عليه الخمس. و لو كان في أرض مبتاعة، مع احتمال بلا خلاف أجده، كما في الجواهر و غيرها. و في الحدائق:

نفي الخلاف فيه بين الأصحاب، و عن المدارك: أنه قطع به الأصحاب.

للنصوص المتقدمة، فإنها كما تدل على وجوب الخمس تدل على ملكيته لواجده. لكن في صلاحية الإطلاقات لإثبات الملكية إشكال، لعدم ورودها لبيان ذلك، بل موضوعها الكنز المملوك لواجده، فلا بد من الرجوع إلى دليل آخر يقتضيها.

و استدل له في المدارك: «بأن الأصل في الأشياء الإباحة و التصرف في مال الغير إنما يحرم إذا ثبت كون المال لمحترم، أو تعلق به نهي خصوصاً أو عموماً. و الكل منتف في المقام ..». و في ظاهر الحدائق: نسبة الاستدلال المذكور إلى الأصحاب. و فيه: أن الأصل المذكور خلاف‌

التوقيع المشهور: «لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره الا بإذنه» «1»

اللهم إلا أن يقال: عموم التوقيع مخصص بالكافر الحربي، و مع الشك في المالك تكون الشبهة موضوعية يرجع فيها إلى أصالة الإباحة. مضافاً إلى أن الظاهر أن التقابل بين الكفر و الإسلام تقابل العدم و الملكة. و حينئذ يكون موضوع التوقيع مال المسلم، لا من ليس بكافر، و حينئذ يمكن الرجوع الى أصالة عدم الإسلام فتنتفي الحرمة.

و إن شئت قلت: الذي يستفاد- مما ورد في الإسلام و أحكامه- انحصار عصمة المال بالإسلام و الذمام، فأصالة عدمهما تقتضي عدم العصمة و جواز التملك. و من هنا يندفع الإشكال: بأن إباحة التصرف لا تقتضي جواز التملك بل تقتضي جواز التصرف لكل أحد و لو غير الواجد. فتأمل جيداً.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 6.

470
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

.....

و مما ذكرنا تعرف أن المدار في جواز التملك عدم العلم بكونه ملكاً للمسلم أو الذمي إلى حين الوجدان، من دون فرق بين أنواع الأرض التي يوجد فيها، مما ذكر في المتن. فلا فرق بين أرض الكفار الحربيين و الذميين و أرض الإسلام الموات أو الخراب التي ليس لها مالك و ما بعدهما، لجريان أصالة عدم السبب الموجب لعصمة المال في الجميع على نهج واحد. مع أن الظاهر عدم الخلاف في الجميع إذا لم يكن عليه أثر الإسلام- بل إذا كان عليه أثر الإسلام مطلقاً- كما عن الخلاف و السرائر و المدارك و غيرها بل نسب الى ظاهر المفيد و المرتضى و غيرهما، و اختاره في الجواهر.

و عن المبسوط و القاضي و الفاضلين و الشهيدين- في البيان و المسالك- و المحقق و غيرهم، و نسب إلى أكثر المتأخرين تارة، و إلى الأشهر أخرى، و إلى فتوى الأصحاب ثالثة: أنه يجري عليه حكم اللقطة إذا كان قد وجد في دار الإسلام. و كأنه: لأن الوجود في أرض الإسلام و أثر الإسلام معاً أمارة على تملك المسلم له، فلا يجري فيه الأصل المتقدم، ليبنى على جواز تملكه. و فيه: أنه لا دليل على الأمارية المذكورة. و أثر الإسلام لا يدل على سبق يد المسلم، لأنه أعم. و لو سلم فلا وجه لإجراء حكم اللقطة، لاختصاصها بالمال الضائع الذي لا يشمل الكنز. أو‌

لموثق محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع): «قضى علي (ع) في رجل وجد ورقاً في خربة، أن يعرفها، فان وجد من يعرفها، و إلا تمتع بها» «1».

فان الحكم المذكور فيه هو حكم اللقطة. و فيه: أنه لا يظهر من الموثق كون الورق مكنوزاً، و لا كونه مما عليه أثر الإسلام فحمله على ذلك و الاستدلال به كما ترى.

و دعوى: تعين حمله على ذلك، جمعاً بينه و بين‌

صحيح ابن مسلم: «عن الورق يوجد في دار. فقال (ع): إن كانت معمورة فهي لأهلها

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 5.

471
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

كونه لأحد البائعين، عرفه المالك قبله (1)،

فان كانت خربة فأنت أحق بما وجدت» «1»

، و‌

صحيحه الآخر: «عن الدار يوجد فيها الورق. فقال (ع): إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، و إن كانت خربة قد جلي عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به» «2»

فإنهما ظاهران في ملك الواجد، فيجمع بينهما و بين الموثق بحمله على ما كان فيه أثر الإسلام.

مدفوعة: بعدم الشاهد. بل الأولى منه: الجمع بحمل النصوص جميعها على المال الضائع، و تقييد بعضها ببعض، فيحمل الصحيحان على الموثق، فلا تكون مما نحن فيه. و أولى من ذلك: الأخذ بإطلاق النصوص- الشامل للكنز و غيره- مما كان عليه أثر الإسلام و غيره، و تخصيصها- بقرينة ما في الموثق من لزوم التعريف- بصورة احتمال الوصول إلى مالكه المحترم المال، و حمل نصوص الكنز على غير ذلك- كما لعله الغالب فيها. و لا سيما بملاحظة ما عرفت من إهمالها من حيث الدلالة- على ملكية الواجد بلا تعريف و الانصاف لزوم البناء على هذا، لو لم يقم إجماع على خلافه.

بلا خلاف أجده فيه بيننا، كما في الجواهر، و عن المنتهى:

الإجماع عليه. عملا بحجية اليد السابقة، الدالة على ملكية ذيها. و لذلك قيل: إنه يدفع إليه بلا حاجة إلى بينة و لا يمين و لا وصف. بل ربما كان مقتضاها وجوب الدفع إليه و إن لم يدعه، لأن اليد حجة على الملكية من دون اعتبار دعوى الملك. و يشير إلى ذلك- كما في الجوهر و غيرها- ما في صحيحي ابن مسلم المتقدمين.

و في المدارك ناقش في وجوب التعريف إذا احتمل عدم جريان يده‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 1.

472
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

فان لم يعرفه فالمالك قبله (1)، و هكذا ..،

عليه: بأنه خلاف أصالة البراءة، و خلاف أصالة عدم التقدم. لكن كلامه في خصوص صورة احتمال تجدد الكنز بعد الشراء و هو خارج عن مفروض كلامهم.

كما هو المشهور. لأنه ذو يد عليه كاللاحق. و قد يستشكل في الترتيب المذكور، مع الاشتراك في اليد. و يدفع: بأن اليد اللاحقة مزيلة لأثر الأولى. و لذا كانت أمارة على ملكية العين لذيها، من دون مزاحمة السابقة. نعم لو احتمل تأخر الدفن إلى زمان اللاحقة أشكل الرجوع إلى السابق، لعدم ثبوت يده عليه. و كأنه لذلك كان ظاهر جماعة- على ما حكي- عدم لزوم تعريف السابق، مع عدم معرفة اللاحق، لكن كان المناسب التفصيل بين صورة احتمال تأخر الدفن إلى زمان اللاحق- على تقدير عدم كونه له- و عدمه، فعلى الأول يتم ما هو ظاهر الجماعة، و على الثاني يتم ما هو المشهور.

هذا كله بالنظر إلى اليد و مقتضاها. لكن‌

في موثق إسحاق: «عن رجل نزل في بعض بيوت مكة، فوجد فيها نحواً من سبعين درهماً مدفونة فلم تزل معه، و لم يذكرها حتى قدم الكوفة، كيف يصنع؟ قال (ع):

يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها. قلت: فان لم يعرفوها. قال (ع):

يتصدق بها» «1».

و ظاهره- كصحيح عبد اللّٰه بن جعفر الآتي، فيمن اشترى دابة و وجد في جوفها مالا- عدم لزوم تعريف السابق إذا لم يعرفه اللاحق. و حمل أهل المنزل- في الموثق- و البائع- في الصحيح- على الجنس بعيد. اللهم إلا أن يستفاد ذلك من عموم المناط، لاشتراك اليد في الجميع لا أقل من الاجمال، المانع عن رفع اليد عن مقتضى حجية اليد السابقة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب اللقطة حديث: 3.

473
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

فان لم يعرفه فهو للواجد (1)، و عليه الخمس (2). و إن ادعاه المالك السابق، فالسابق أعطاه بلا بينة (3). و إن تنازع الملاك فيه يجري عليه حكم التداعي (4). و لو ادعاه المالك السابق و عليه فما ذكره الجماعة في محله. و منه يظهر ضعف ما هو ظاهر جماعة:

من الاقتصار في التعريف على البائع اللاحق، ثمَّ يكون لواجده.

هذا كله إذا كان ما وجده مما عليه أثر الإسلام. أما إذا لم يكن كذلك، فالمشهور- ظاهراً- أنه بحكمه أيضاً في التعريف. و قيل: إنه لواجده، و ليس عليه التعريف. و فيه: أنه خلاف ما عرفت، الذي لا يفرق فيه بين ما كان عليه أثر الإسلام و ما لم يكن، كما لعله ظاهر.

كما عن النهاية و السرائر و الشرائع و الإرشاد و غيرها. لما عرفت من أصالة عدم العاصم. و عن التحرير و غيره: أنه لقطة. و عن المبسوط و الدروس و المسالك و غيرها: أنه لواجده إذا لم يكن عليه أثر الإسلام، و إن كان فلقطة يجب التعريف به.

و كلاهما ضعيف، لعدم ما يدل على وجوب التعريف عموماً إلا موثق محمد بن قيس، و لكنه في غير المقام. و من الجائز أن يكون تعريف الملاك يقوم مقام التعريف حيث لا مالك بعينه، فرفع اليد عن الأصل المتقدم- المؤيد بصحيح عبد اللّٰه بن جعفر الآتي- غير ظاهر. و أما الموثق الآمر بالتصدق «1» فمحمول على صورة العلم بكون المالك مسلما، كما هو ظاهر الفرض. و سيأتي التعرض لحكمه.

لإطلاق أدلته.

كما عرفت أنه مقتضى اليد.

كما صرح به في الجواهر و غيرها. لعين الوجه في إجراء حكم‌

______________________________
(1) المراد به موثق إسحاق المتقدم في التعليقة السابقة.

474
مستمسک العروة الوثقى9

الثالث: الكنز ؛ ج‌9، ص : 467

إرثاً، و كان له شركاء نفوه، دفعت إليه حصته (1)، و ملك الواجد الباقي، و أعطى خمسه. و يشترط في وجوب الخمس فيه النصاب، و هو عشرون ديناراً (2).

التداعي إذا تداعيا ما في يدهما. و لو ادعاه أحدهم و نفاه الباقون، فالمعروف دفعه إلى من ادعاه إذا لم يذكر سبباً يقتضي الشركة. و كأنه لحجية أخبار ذي اليد. أو حجية الدعوى بلا معارض، و إلا فيد الشريك لا تصلح لإثبات ملكية الكل، و إنما هي حجة على حصته، فهو بالنسبة إلى غيرها كالأجنبي لا يجب دفعها إليه إلا بالبينة.

هذا لو كان التنازع من الملاك المشتركين. أما لو كان من المترتبين كان اللاحق منكراً لموافقة قوله لليد، و السابق حينئذ مدعياً لمخالفة قوله لها فيجري عليهما حكم المدعي و المنكر.

إذ لا يدعي إلا تلك الحصة، فهو بالنسبة إلى ما عداها ناف كغيره و في الجواهر قوى كونه للواجد. و احتمل كونه لقطة، أو كمجهول المالك يتصدق به عن صاحبه. لكن عرفت دلالة النص على وجوب التعريف.

إجماعاً، كما عن السرائر و المنتهى و التذكرة و المدارك. و عن الخلاف: الإجماع على اعتبار النصاب الذي تجب فيه الزكاة. لصحيح البزنطي المتقدم في أول المبحث «1». لكن عرفت أن الظاهر منه المماثلة في الجنس، و حمله على المقدار وحده- أو مع الجنس- غير ظاهر. نعم يشهد له مرسل المقنعة المتقدم «2». لكن في الاعتماد عليه لإرساله إشكال و لا سيما و كون المظنون أنه عين الصحيح الذي عرفت قصور دلالته.

و عن أمالي الصدوق: أن النصاب دينار واحد، ناسباً له إلى دين‌

______________________________
(1) لاحظ الكلام في الأمر الثاني مما يجب فيه الخمس.

(2) تقدم ذلك في الأمر الثالث مما يجب فيه الخمس.

475
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 14): لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما ؛ ج‌9، ص : 476

[ (مسألة 14): لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما]

(مسألة 14): لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما (1)، و تعريف المالك أيضاً (2).

فإن نفياه كلاهما كان له (3)، و عليه الخمس (4). و إن ادعاه الإمامية. و دليله غير ظاهر، كنسبته إلى الإمامية، إذ لم يعرف له موافق.

نعم حكي عن الغنية، مع الاستدلال عليه بالإجماع. لكن عبارتها لا تساعد عليه، فإنه قال فيها: «و يعتبر في الكنوز: بلوغ النصاب الذي تجب فيه الزكاة، و في المأخوذ بالغوص: بلوغ قيمة دينار فصاعداً. بدليل الإجماع المتكرر ..». و هي- كما ترى- توافق المشهور ثمَّ إن المراد من‌

قوله (ع): «ما تجب في مثله الزكاة ..»

- بعد حمله على المقدار- مقدار ماليته. لكنه لا يظهر منه ملاحظة نصاب الذهب، أو الفضة، أو أقلهما، أو أكثرهما. و مع إجماله يكون المرجع عموم وجوب الخمس.

و عليه فاذا بلغ أقل النصابين مالية وجب الخمس، من دون فرق بين الذهب و الفضة و غيرهما. نعم لو بني على العمل بمرسلة المقنعة فالظاهر منها، بناء على اختصاصها بالنقدين- كما تقدم احتماله- هو نصاب الذهب في الذهب و نصاب الفضة في الفضة.

يعني: تعريف المستأجر أو المستعير. لأن كلا منهما ذو يد على الكنز بتوسط يده على الأرض، فتكون حجة على ملكيته له.

لأنه ذو يد على الأرض، فيكون ذا يد على ما فيها.

لما سبق: من أصالة عدم سبق الموجب لاحترام المال. لكن مقتضى ما سبق منه وجوب تعريف المالك السابق على المالك المؤجر، فان لم يعرفه عرف السابق عليه، و هكذا .. و لعله المراد من العبارة، إذ لا فرق بين المسألتين في ذلك.

للإطلاق.

476
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 14): لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما ؛ ج‌9، ص : 476

أحدهما أعطي بلا بينة (1). و إن ادعاه كل منهما، ففي تقديم قول المالك وجه (2)، لقوة يده.

لما عرفت من حجية إخبار ذي اليد. أما نفس اليد فدلالتها على الملكية المستقلة- مع تعدد الأيدي- لا تخلو من إشكال، يأتي بيانه في الفرض الآتي.

كما عن المبسوط، و اختاره في المعتبر و الإرشاد و حاشيته و شرحه للأردبيلي. بل نسبه في الأخير إلى الأكثر، و نسب في غيره إلى المشهور.

و علله: بأن الملك له، فهو ذو اليد، فعلى المستأجر الإثبات. و علله في حاشية الإرشاد: بأن يد المالك أصلية، و يد المستأجر فرعية. و علله في المعتبر: بأن دار المالك كيده. و عن الخلاف: تقديم قول المستأجر، لأن المالك لا يؤجر داراً فيها كنز. و فيه: أن غايته الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً.

و يضعف الوجه الأول: بأنه خلاف ما في الخارج، ضرورة كون الدار تحت سلطة المستأجر و قبضته، لا تحت يد المالك. و يضعف الثاني:

بأن فرعيتها إنما توجب سقوطها عن الحجية بالنسبة إلى العين المستأجرة، لا بالنسبة إلى ما فيها مما هو خارج عن موضوع الإجارة، كأدوات الاستعمال من الأواني و الفراش و غيرها. و الكنز من هذا القبيل. و يضعف الثالث:

بالمنع، و إنما تكون داره كيده إذا كانت تحت يده لا مطلقاً. و ما في يد العبد النائي عن مولاه إنما يحكم بأنه لمولاه من جهة أنه تحت يد العبد التي هي يد المولى اعتباراً، لا من جهة أنها في ملك المولى فيكون في يده. و لو سلم فإنما يصح حيث لا يكون الملك تحت يد غيره، و إلا كان العمل على اليد الأخرى، و لا تكون الملكية محضاً مزاحمة لها عرفاً.

و أضعف منه ما قيل: من أن يد المستأجر إنما هي على المنافع لا العين.

477
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 15): لو علم الواجد أنه لمسلم موجود هو أو وارثه - في عصره مجهول ؛ ج‌9، ص : 478

و الأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة إحدى اليدين (1).

[ (مسألة 15): لو علم الواجد أنه لمسلم موجود هو أو وارثه- في عصره مجهول]

(مسألة 15): لو علم الواجد أنه لمسلم موجود هو أو وارثه- في عصره مجهول، ففي إجراء حكم الكنز، أو حكم مجهول المالك عليه، وجهان (2). و لو علم أنه كان ملكاً لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه.

إذ فيه: أن المنافع إنما تكون تحت اليد تبعاً للعين، فالاعتراف بأنها تحت يد المستأجر اعتراف بأن العين كذلك. غاية الأمر أنها- للعلم بكون ذيها مستأجراً- لا تكون حجة على ملكية العين، و ان كانت حجة على ملكية ما فيها. و على هذا فما عن الخلاف و المختلف و في المسالك و غيرها أقرب.

كما في الجواهر، حاكياً له عن كشف أستاذه و البيان الجزم به فإن الأقوائية موجبة لسقوط اليد الضعيفة عن كونها موضوعاً للحجية، و لذا كان المشهور: أن الراكب للدابة أولى بها من قابض لجامها، لكونه ذا اليد عرفاً عليها دون القابض، و إن كان القابض ذا يد عليها لو لم يكن الراكب.

لا يخفى أن إطلاقات وجوب الخمس في الكنز لا فرق فيها بين ما علم كونه لمسلم و ما لم يعلم. و مثلها: الموثق المتضمن لوجوب التعريف و الصحيحان الدالان على كونه للواجد «1». نعم الأصل المتقدم لإثبات جواز التملك- أعني. أصالة عدم العاصم- لا مجال له في الفرض، فان كان هو المعتمد تعين الفرق بين الفرض و غيره، و إن كان المعتمد غيره فلا فرق بينهما. نعم مورد موثق إسحاق ظاهر في الفرض بعينه، و مقتضاه نفي الملك كنفي الخمس. و تعين الصدقة حكم مجهول المالك، فإن أمكن التعدي من مورده إلى غيره مما علم كونه للمسلم- كما هو الأظهر- فهو، و إلا اقتصر على مورده مما وجد فيما في يد المسلم، و يرجع في غيره- مما‌

______________________________
(1) تقدم ذكر ذلك كله في الأمر الثالث مما يجب فيه الخمس.

478
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه ؛ ج‌9، ص : 479

[ (مسألة 16): الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه]

(مسألة 16): الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه (1)، فلو لم يكن آحادها بحد النصاب و بلغت بالضم لم يجب فيها الخمس. نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعددة يضم بعضه إلى بعض، فإنه يعد كنزاً واحداً و إن تعدد جنسها.

[ (مسألة 17): في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب]

(مسألة 17): في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب، فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس، و إن لم يكن كل واحدة منها بقدره.

[ (مسألة 18): إذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئاً]

(مسألة 18): إذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئاً فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة، في تعريف البائع (2) لم يوجد فيما في يده- إلى الأدلة المتقدمة المطلقة. و لا فرق في المسلم المعلوم كونه له بين أن يكون موجوداً أو قديماً، لإطلاق النصوص في المقامين.

كما أنه لا يعارض الموثق المذكور صحيح عبد اللّه بن جعفر الآتي، لاختلافهما في المورد، فان مورد الثاني اللقطة دون الأول. و لا ينافيه عدم وجوب تعريف غير البائع، لا مكان الاكتفاء بتعريفه، كما أشرنا إليه آنفاً.

الكلام في هذه المسألة و ما بعدها يعلم مما تقدم في المعدن. نعم بناء على عدم وضوح الدليل في المقام على اعتبار النصاب إلا الإجماع، ففي مورد الشك يرجع إلى عموم الوجوب.

بلا خلاف ظاهر.

لصحيح عبد اللّٰه بن جعفر: «كتبت إلى الرجل أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة، لمن يكون ذلك؟

فوقع (ع): عرفها البائع، فان لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك، رزقك اللّه

479
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 18): إذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا ؛ ج‌9، ص : 479

و في إخراج الخمس إن لم يعرفه (1). و لا يعتبر فيه بلوغ النصاب (2). و كذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة (3) تعالى إياه» «1».

كما عن المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، و عن ظاهر الكفاية و الحدائق: الاتفاق عليه. و وجهه غير ظاهر، كما اعترف به غير واحد.

و دعوى اندراجه في مفهوم الكنز، كما ترى. و مثلها: دعوى إلحاقه به حكماً. و حينئذ فإن ثبت إجماع عليه فهو المعتمد، و إلا- كما هو الظاهر- فالجميع له. و لا سيما مع إمكان دعوى ظهور الرواية في عدمه. و في محكي السرائر: «إن عليه الخمس بعد مئونة طول سنته، لأنه من جملة الغنائم و الفوائد ..» و هو في محله.

لاختصاص دليل النصاب بالكنز غير الشامل للمقام، كما عرفت.

المشهور: أن ما يوجد في جوف السمكة للواجد، و لا يجب عليه تعريف الصائد لو كان قد أخذها منه، لأن الحيازة إنما كانت للسمكة دون ما في جوفها، فهو على إباحته الأصلية. و عليه فلو كان الصائد قد نوى حيازة ما في جوفها. أو قلنا بعدم اعتبار نية الحيازة في التملك، بل يكفي فيه الحيازة الخارجية و لو تبعاً، كان الواجب مراجعته. إلا أن يكون قد باع السمكة و شرط للمشتري ما في جوفها. و لذلك لم يفرق المصنف- تبعاً لجماعة- في وجوب مراجعة البائع بين الدابة و السمكة. إلا أن يعلم بعدم ملكية البائع لما في جوفها، لعدم قصده الحيازة، و قلنا باعتبار قصدها في التملك، فحينئذ يكون له تملكه لبقائه على الإباحة الأصلية. و الاشكال في وجوب الخمس عليه هو الاشكال السابق.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب اللقطة حديث: 1.

480
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إنما يعتبر النصاب في الكنز ؛ ج‌9، ص : 481

مع احتمال كونه لبائعها. و كذا الحكم في غير الدابة و السمكة من سائر الحيوانات (1).

[ (مسألة 19): إنما يعتبر النصاب في الكنز]

(مسألة 19): إنما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مئونة الإخراج (2).

[ (مسألة 20): إذا اشترك جماعة في كنز]

(مسألة 20): إذا اشترك جماعة في كنز، فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصاباً و إن لم يكن حصة كل واحد بقدره.

[الرابع: الغوص]

الرابع: الغوص (3)، و هو إخراج الجواهر من البحر لجريان ما سبق فيه. نعم لو علم أنه ملك للمسلم أو غيره من محترم المال أشكل تملكه و لو بعد إنكار البائع، فيجري عليه حكم مجهول المالك. كما أنه لو علم بكونه تحت يد البائع السابق على بائع الواجد، وجبت مراجعته لحجية يده، و لا ينافيه ظاهر النص على ما عرفت آنفاً. و مقتضى إطلاقه جواز التملك و لو علم كونه ملكاً للمسلم. بل لعل الظاهر منه خصوص هذه الصورة. و منه يظهر ضعف احتمال إجراء حكم مجهول المالك أو اللقطة عليه.

على ما تقدم في المعدن، قولا و دليلا.

بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في الحدائق. بل في ظاهر الانتصار و صريح الغنية و المنتهى: الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة، كذا في الجواهر. و يشهد له جملة من النصوص،

كصحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه (ع): عن العنبر و غوص اللؤلؤ. فقال (ع):

عليه الخمس» «1»

، و‌

صحيح البزنطي، عن محمد بن علي بن أبي عبد اللّٰه عن أبي الحسن (ع): «سألته عما يخرج من البحر: من اللؤلؤ و الياقوت

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

481
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: الغوص ؛ ج‌9، ص : 481

مثل اللؤلؤ و المرجان و غيرهما، معدنياً كان أو نباتياً، لا مثل السمك و نحوه من الحيوانات (1)، فيجب فيه الخمس.

و الزبرجد، و عن معادن الذهب و الفضة، هل فيها زكاة؟ فقال (ع):

إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس» «1»

، و‌

مصحح عمار بن مروان:

«سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: فيما يخرج من المعادن و البحر، و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز: الخمس» «2»

، و‌

مرسل ابن أبي عمير عنه (ع): «الخمس على خمسة أشياء، على الكنوز و المعادن، و الغوص، و الغنيمة .. و نسي ابن أبي عمير الخامس» «3»

و نحوه مرسل أحمد بن محمد «4»، و كذا مرسل حماد، مع التنصيص على الخامس أنه الملاحة «5».

هذا و إطلاق مثل مصحح ابن مروان شامل لجميع ما ذكر في المتن، و لأجله لا يهم قصور صحيح الحلبي عنه، و لا يحتاج في العموم إلى عدم القول بالفصل، كما عن المدارك.

و إن حكي عن الشيخ أنه قال: «ما يخرج من الغوص، أو يؤخذ قفا ففيه الخمس». و عن البيان: حكايته عن بعض معاصريه، و اختاره في المستند. لإطلاق المرسلتين، يعني: مرسلتي أحمد و حماد. و لرواية الخصال، التي هي مصحح ابن مروان. لكنه لم يتضح وجه اعتماده على خصوص المرسلتين المذكورتين دون مرسلة ابن أبي عمير. و مثله: عدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 11.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

482
مستمسک العروة الوثقى9

الرابع: الغوص ؛ ج‌9، ص : 481

بشرط أن يبلغ قيمته ديناراً فصاعداً (1)، فلا خمس فيما ينقص ذكرها في سلك الأخبار، و الأمر سهل.

و التحقيق: أن نصوص الغالب قد اشتملت على عنوانين، أحدهما:

ما يخرج من البحر، و الثاني: الغوص. و بينهما عموم من وجه، لشمول الأول لما أخرج من البحر بالآلة، و لما أخذ من وجه الماء. و شمول الثاني لما أخرج من الأنهار و الشطوط. و لأجل ذلك قبل: يدور الأمر بين الأخذ بكل من العنوانين، و تقييد كل منهما بالآخر، و إرجاع الأول إلى الثاني و العكس. و حينئذ يشكل تعيين أحد المحتملات المذكورة بعينه. لكن التحقيق أن النصوص المشتملة على ذكر الغوص واردة في مقام الحصر، و لا كذلك نصوص ما يخرج من البحر، فيتعين أن تكون مقيدة لإطلاق غيرها. و حينئذ فلا مجال لتعميم الحكم للإخراج لا بطريق الغوص، كالاخراج بالآلة أو من وجه الماء. و حمل ذكر الغوص على الغالب خلاف ظاهر الكلام الوارد في مقام التحديد. مع أنه ليس بأولى من حمل المطلق على الغالب.

ثمَّ الظاهر من الغوص في المقام- و لو بقرينة سياقه مساق ما فيه الخمس من الكنز و المعدن- المعنى العرفي المجعول مهنة عند نوع من الناس، المختص عندهم بغير الحيوان، و ليس المراد منه المعنى اللغوي، كي يدعي شموله للغوص للحيوان. و في شموله للغوص في الأنهار و الشطوط تأمل، كما سيأتي.

كما هو المشهور نقلا و تحصيلا، شهرة كادت تكون إجماعاً. بل في التذكرة و المنتهى: نسبته إلى علمائنا، كذا في الجواهر. و يشهد له خبر محمد بن علي المتقدم «1». و نحوه مرسل الفقيه «2»، و إن كان الظاهر أنهما واحد. و عن غرية المفيد (ره): «إن النصاب عشرون ديناراً ..»‌

______________________________
(1) تقدم ذلك قريباً في أول الأمر الرابع مما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

483
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 21): المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص ؛ ج‌9، ص : 484

من ذلك. و لا فرق بين اتحاد النوع و عدمه (1)، فلو بلغ قيمة المجموع ديناراً وجب الخمس. و لا بين الدفعة و الدفعات فيضم بعضها إلى البعض. كما أن المدار على ما أخرج مطلقاً و إن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب.

و يعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن، كما مر في المعدن (2) و المخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط (3) و أما لو غاص و شده بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه (4) نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص، لم يجب فيه من هذه الجهة (5)، بل يدخل في أرباح المكاسب، فيعتبر فيه مئونة السنة، و لا يعتبر فيه النصاب.

[ (مسألة 21): المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص]

(مسألة 21): المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص و مستنده غير ظاهر.

تقدم الكلام فيه، و كذا ما بعده. و في كشف الغطاء: «مع الاشتراك يعتبر النصاب في نصيب كل واحد ..».

مر الكلام فيه.

و عن الشهيدين الجزم به. و في المدارك: «ربما كان مستنده إطلاق رواية محمد بن علي. لكنها ضعيفة السند ..» أقول: لم تمَّ سندها فقد عرفت لزوم تقييد إطلاقها بنصوص الغوص.

قد قواه في الجواهر. ثمَّ قال: «بل هو من أفراد الغوص على الظاهر ..». و هذا هو العمدة.

لما عرفت. لكن عن البيان: أن فيه الخمس. و كأنه يريد خمس الأرباح لا الغوص. فتأمل.

484
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 22): إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا ؛ ج‌9، ص : 485

إذا لم يكن غائصاً (1). و أما إذا تناول منه و هو غائص أيضاً، فيجب عليه إذا لم ينو الغواص الحيازة (2)، و إلا فهو له (3)، و وجب الخمس عليه.

[ (مسألة 22): إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً]

(مسألة 22): إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئاً (4)، ففي وجوب الخمس عليه وجهان، و الأحوط إخراجه (5).

[ (مسألة 23): إذا أخرج بالغوص حيواناً]

(مسألة 23): إذا أخرج بالغوص حيواناً، و كان في بطنه شي‌ء من الجواهر، فان كان معتاداً وجب فيه الخمس (6).

و إن كان من باب الاتفاق- بأن يكون بلع شيئاً اتفاقاً.

فالظاهر عدم وجوبه (7)، و إن كان أحوط.

كما نص عليه في الجواهر. لعدم الدليل عليه، بعد انتفاء الغوص.

كما في كشف الغطاء. و توقف فيه في الجواهر، للشك في اندراجه في إطلاق الأدلة. أقول: الشك ضعيف، و الإطلاق محكم.

يعني: للغواص دون المتناول، و على الغواص خمسه.

يعني: فأخذه بنية الملك.

كما جزم به في كشف الغطاء. و توقف فيه في الجواهر أيضاً، للشك في اندراجه في الإطلاق. لكنه ضعيف، كما في ما قبله.

كما استظهره في الجواهر. و في كشف الغطاء: «و من غاص فأخرج حيواناً بغوصه فظهر في بطنه شي‌ء من المعدن، فالظاهر جريان حكم الخمس فيه ..». و هو في محله، للإطلاق.

استشكل فيه في الجواهر. و قد تقدم ما في كشف الغطاء، من إطلاق وجوب الخمس. و ما في المتن أقوى، لخروجه عن إطلاق الغوص.

485
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 24): الأنهار العظيمة - كدجلة و النيل و الفرات - حكمها حكم البحر ؛ ج‌9، ص : 486

[ (مسألة 24): الأنهار العظيمة- كدجلة و النيل و الفرات- حكمها حكم البحر]

(مسألة 24): الأنهار العظيمة- كدجلة و النيل و الفرات- حكمها حكم البحر (1) بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص، إذا فرض تكون الجوهر فيها كالبحر.

[ (مسألة 25): إذا غرق شي‌ء في البحر و أعرض مالكه عنه]

(مسألة 25): إذا غرق شي‌ء في البحر و أعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه (2)، و لا يلحقه حكم الغوص على الأقوى (3)، و إن كان من مثل اللؤلؤ و المرجان. لكن الأحوط إجراء حكمه عليه.

كما نص عليه في الجواهر و غيرها. لإطلاق الأدلة. لكن عرفت التأمل في شمول إطلاقات الغوص، الذي هو المتخذ مهنة لمثل ذلك. و نصوص البحر غير شاملة جزماً، فإثبات الحكم فيه خلاف الأصل. و لذا مال إلى العدم شيخنا الأعظم (رحمه اللّٰه)، حاكياً له عن سيد مشايخه في المناهل.

و بالجملة: جريان الحكم في الأنهار يتوقف إما على التعدي من نصوص البحر إليها بإلغاء خصوصية المورد، و إما على أن المراد بالغوص- الذي يتخذ مهنة- ما يعم الغوص في النهر. و كلا الأمرين غير ظاهر، و إن كان الثاني غير بعيد، إذا فرض تكوّن الجوهر في النهر.

كما يشهد به‌

خبر السكوني، عن أبي عبد اللّه (ع)، عن أمير المؤمنين (ع) في حديث: «قال: و إذا غرقت السفينة و ما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، و هم أحق به. و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم» «1».

و نحوه خبر الشعيري «2».

كما نص عليه في الجواهر. للأصل، و ظهور النصوص و الفتاوى في غيره كما عرفت. و ما في الحدائق من التردد فيه ضعيف.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب اللقطة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب اللقطة حديث: 2.

486
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 26): إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء ؛ ج‌9، ص : 487

[ (مسألة 26): إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء]

(مسألة 26): إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص فلا إشكال في تعلق الخمس به (1). لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟ وجهان، و الأظهر الثاني.

[ (مسألة 27): العنبر إذا خرج بالغوص جرى عليه حكمه]

(مسألة 27): العنبر إذا خرج بالغوص جرى عليه حكمه (2)، و إن أخذ على وجه الماء أو الساحل، ففي لحوق إما لكونه من المعدن، أو من الغوص. إنما الإشكال في تعيين أحدهما، لأن المقابلة بين المعدن و الغوص في النصوص تقتضي- بعد البناء على وجوب خمس واحد، كما يأتي إن شاء اللّه- إما التصرف في إطلاق المعدن بحمله على غير البحري، أو في إطلاق الغوص بحمله على غير المعدن.

لكن لا ينبغي التأمل في ترجيح الأول، للتصريح في نصوص الغوص بالياقوت و الزبرجد، اللذين هما من المعادن.

أما وجوب الخمس فيه في الجملة، ففي الجواهر: نفي وجدان الخلاف فيه، و في الحدائق: نفي الريب فيه، و حكاية إجماع الأصحاب عليه. و كذا- في دعوى الإجماع- ما عن المدارك و غيرها. لصحيح الحلبي المتقدم في الغوص «1» و مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين أن يؤخذ بالغوص أو من وجه الماء، أو من الساحل.

و أما اعتبار النصاب فيه ففيه خلاف، فعن النهاية و الوسيلة و السرائر:

العدم، و عن المدارك الميل اليه. و عن غرية المفيد: أن له حكم المعدن.

و في كشف الغطاء: «و العنبر من الغوص أو بحكمه ..». و عن الأكثر- كما في الحدائق و عن غيرها- أنه إن أخرج بالغوص فله حكمه، و إن جني‌

______________________________
(1) تقدم ذلك قريباً في أول الأمر الرابع مما يجب فيه الخمس.

487
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 27): العنبر إذا خرج بالغوص جرى عليه حكمه ؛ ج‌9، ص : 487

.....

من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعدن.

و كأن وجه الأول: إطلاق صحيح الحلبي. و عدم شمول دليل نصاب المعدن له، لعدم كونه منه، و لا نصاب الغوص لأنه يؤخذ من وجه الماء كما يشعر به عطف الغوص عليه في الصحيح. و يشكل: أن العطف غاية ما يقتضي عدم اختصاصه بالغوص لا عدم وقوع الغوص فيه، فلو فرض إخراجه بطريق الغوص كان اللازم ثبوت حكمه له. إلا أن يقال: عموم الغوص- بالمعنى العرفي- له غير ثابت.

و وجه الثاني: أنه من المعدن فيلحقه حكمه. و فيه- مع أنه محل إشكال-: أنك عرفت في المسألة السابقة اختصاص المعدن بما لا يشمل الغوص.

و وجه الثالث: أنه لا يؤخذ إلا من البحر بطريق الغوص. و فيه:

أنه غير ظاهر مع نقل غير ذلك. على أنه يكفي في التفصيل الفرض و التقدير.

و منه تتضح قوة الرابع- و هو التفصيل- لو ثبت أنه من المعدن، لأنه من عين في البحر كما عن منهاج البيان، و في القاموس احتماله. لكن عن حياة الحيوان: أنه رجيع دواب بحرية، و احتمله في القاموس. و عن المبسوط و الاقتصاد: أنه نبات في البحر. و عليه فان أخرج بالغوص فله حكمه من النصاب، لعموم دليل النصاب، و إن أخذ من غيره فلا مجال لإجراء حكم الغوص عليه، لعدم كونه منه. و إجراء حكم المعدن حينئذ خلاف إطلاق الوجوب من دون مقيد ظاهر.

نعم يبقى الإشكال في الاعتماد على خبر الشيخ، فإنه من خبر العادل الذي لم تثبت حجيته في الموضوعات. و أما خبر غيره فأولى أن لا يكون حجة، لعدم الوثوق به و لا بمستنده. و مع استقرار الشك في كونه من المعدن فإطلاق الصحيح محكم، للشك في أصل التقييد. و ليس المقام من الشبهة المصداقية التي لا يجوز الرجوع فيها إلى العام، لاختصاص ذلك بما لو علم‌

488
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز ؛ ج‌9، ص : 489

حكمه له وجهان، و الأحوط اللحوق. و أحوط منه إخراج خمسه و إن لم يبلغ النصاب أيضاً.

[الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز]

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز، مع الجهل بصاحبه و بمقداره، فيحل بإخراج خمسه (1).

التخصيص و شك في بعض الأفراد أنه من الخاص أو العام، و لا يشمل صورة الشك في انطباق الخاص على بعض أفراد العام، كما في المقام.

هذا و لكن عرفت أن خبر الواحد الثقة- كالشيخ في مثل المقام- حجة، لأنه راجع إلى الاخبار عن الحكم الكلي، لأنه في مقام تشخيص الموضوع مفهوماً.

كما عن جمع كثير، و عن جماعة: نسبته إلى الأشهر. و في الحدائق: و عن المفاتيح نسبته إلى المشهور، و عن المنتهى: نسبته إلى أكثر علمائنا. و يشهد له جملة من النصوص، منها: مصحح عمار بن مروان المتقدم في الغوص «1»، و‌

خبر السكوني عن أبي عبد اللّه (ع): «أتى رجل أمير المؤمنين (ع) فقال: إني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا و حراماً، و قد أردت التوبة، و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط علي، فقال أمير المؤمنين (ع): تصدق بخمس مالك، فان اللّه قد رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال» «2»

، و‌

خبر الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه (ع): «إن رجلا أتى أمير المؤمنين (ع) فقال:

يا أمير المؤمنين إني أصبت مالًا لا أعرف حلاله من حرامه. فقال (ع) له: أخرج الخمس من ذلك المال، فان اللّه عز و جل قد رضي من ذلك المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يُعلم، و سائر المال لك حلال» «3»

______________________________
(1) لاحظ الأمر الرابع مما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

489
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز ؛ ج‌9، ص : 489

و مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى (1). و أما و قريب منها غيرها.

و بها يضعف ما عن ظاهر جماعة من القدماء- كالقديمين و المفيد و سلار و غيرهم- من عدم الوجوب، حيث لم يتعرضوا لهذا القسم في عداد ما يجب فيه الخمس. و في المدارك قال: «و المطابق للأصول وجوب عزل ما يتيقن انتفاؤه عنه، و التفحص عن مالكه إلى أن يحصل اليأس من العلم به، فيتصدق على الفقراء، كما في غيره من الأموال المجهولة المالك. و قد ورد التصدق بما هذا شأنه في روايات كثيرة، مؤيدة بالإطلاقات المعلومة و أدلة العقل، فلا بأس بالعمل بها إن شاء اللّه تعالى ..». و هو- كما ترى- طرح للنصوص المذكورة، مع اعتبار بعض أسانيدها، و انجبارها بعمل المشهور.

هذا و قد أطال في المستند في المناقشة في نصوص الباب، تارة: من جهة صحة النسخ، و أخرى: من جهة الدلالة، و ثالثة: من جهة المعارضة بما دل على حل المختلط مطلقاً الشامل للمقام، أو على حل المختلط بالحرام بالربا. و لكن يمكن دفع المناقشات من الجهتين الأوليين. و أما من الجهة الثالثة فلا مجال للعمل بالمعارض، لمخالفته للقواعد المسلمة العقلية و النقلية. فلاحظ.

في رسالة شيخنا الأعظم (ره) نسبته إلى المشهور، و في الحدائق نسبته إلى جمهور الأصحاب. عن البيان: نسبته إلى ظاهرهم. و يقتضيه مصحح عمار «1». و ظاهر إطلاق الخمس في غيره، الظاهر في الخمس المقابل للزكاة و غيرها من الصدقات، أعني الحق الذي تضمنته آية الغنيمة.

نعم قد توهم رواية السكوني «2»- لاشتمالها على الأمر بالتصدق بالخمس- خلاف ذلك. لكن لا مجال للاعتناء به في قبال ما عرفت. و لا سيما‌

______________________________
(1) تقدم ذكره في الغوص.

(2) تقدمت في التعليقة السابقة.

490
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز ؛ ج‌9، ص : 489

إن علم المقدار و لم يعلم المالك تصدق به عنه (1).

مع إطلاق الصدقة على الخمس في كثير من الأخبار، كما قيل. و من ذلك يظهر ضعف ما عن جمع من متأخرين المتأخرين من كون مصرفه الفقراء.

كما نسب إلى المشهور، و صرح به في كثير من الكتب على ما حكي عنها. و إطلاق بعض بحيث يشمل هذه الصورة محمول على التخصيص بها و لذا لم يستبعد شيخنا الأعظم (ره) دعوى عدم الخلاف في ذلك. و كأنه لعدم شمول النصوص السابقة لهذه الصورة. و للأمر بالتصدق به في بعض النصوص،

كرواية علي بن أبي حمزة: «إني كنت في ديوان هؤلاء القوم يعني: بني أمية، فأصبت من دنياهم مالا كثيراً، و أغمضت في مطالبه

.. (إلى أن قال)

قال (ع): فأخرج من جميع ما اكتسبت من ديوانهم، فمن عرفت منهم رددت عليه ماله، و من لم تعرف تصدقت به» «1».

لكن قد يشكل: بأن مصحح عمار شامل للمعلوم القدر. و اختصاص غيره بالمجهول لا يمنع من العمل بإطلاقه. و رواية ابن أبي حمزة غير ظاهرة في المختلط. غاية الأمر أنها شاملة له و للمتميز، فيمكن حملها على المتميز بقرينة مصحح عمار. بل قوله (ع) فيها:

«رددت عليه ماله»

و قوله (ع):

«تصدقت به»

ظاهر في المتميز، فتكون أجنبية عن المصحح، لاختلاف موردهما. و مثلها: بعض النصوص الواردة في التصدق بمجهول المالك، كصحيح يونس الوارد في أخذ متاع من كان معهم في مكة و غيره «2».

و لذا قال في الحدائق- بعد أن حكى القول بوجوب إخراج الخمس ثمَّ الصدقة بالزائد في صورة الزيادة-: «و لقائل يقول: إن مورد تلك الأخبار الدالة على التصدق إنما هو المال المتميز في حد ذاته لمالك مفقود‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 47 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب اللقطة حديث: 3.

491
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز ؛ ج‌9، ص : 489

.....

الخبر، و إلحاق المال المشترك به- مع كونه مما لا دليل عليه- قياس مع الفارق .. (إلى أن قال): و بما ذكرنا يظهر أن الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة، و أنه لا دليل على إخراجها ..».

و فيه: أن السؤال في الرواية لا يظهر منه الاختصاص بالمتميز، و استفادته من الجواب غير ظاهرة. و قوله (ع):

«ماله»

أعم. و لا سيما و أن من البعيد جداً تميز مال من يعرف منهم عن مال من لا يعرفه، فالرواية عامة للمختلط و المتميز. كما أنها عامة للجهل بالقدر و العلم به. و أما مصحح عمار فإنه و إن كان ظاهراً في نفسه في العموم، لكن التعليل في الروايتين «1» ظاهر في الاختصاص بصورة الجهل، لأن المرجع في حكمه اللّه تعالى، فيمكن أن يكون الحكم في التخلص منوطاً برضاه. أما مع العلم بالمقدار فالمرجع فيه المالك، و حينئذ يكون التعليل حاكماً على إطلاق المصحح فيتعين حمله على صورة الجهل بالمقدار لا غير.

اللهم إلا أن يقال: إن الرجوع إلى اللّه تعالى في حكمه كما يصح في مجهول المقدار يصح في معلومة، لأنه ولي الحكم كما لا يخفى. مع أن التعليل بمثل قوله: «فان ..» مما لم يشتمل على لام التعليل غير واضح الدلالة على الانتفاء عند الانتفاء، كما أشرنا إليه في كثير من مسائل هذا الشرح، و منها مسألة قضاء المغمى عليه. فراجع. فالعمدة: دعوى انصراف المصحح أو وجوب حمله على غيره جمعاً. فلاحظ. ثمَّ إن الظاهر من التصدق أنه على الفقير، إذ هو المنصرف اليه كما اعترف به شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه، مضافاً الى ما في بعض النصوص.

______________________________
(1) و هما روايتا السكوني و الحسن بن زياد المتقدمتان في أول الأمر الخامس مما يجب فيه الخمس.

492
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز ؛ ج‌9، ص : 489

و الأحوط أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط (1). و لو انعكس- بأن علم المالك و جهل المقدار- تراضيا بالصلح (2) لعموم ولاية الحاكم لمن لا ولي له. و إطلاق نصوص التصدق و إن كان يقتضي الولاية لذي اليد، لكن يحتمل- كما في كلام شيخنا الأعظم (ره)- أن يكون المراد منها بيان كيفية التصرف، نظير ما ورد في بعض ما هو وظيفة الحاكم من إقامة البينة و الإحلاف و غيرهما. أو أن الأمر بالتصدق إذن من الامام (ع) به، لا بيان الحكم الشرعي، و لو بقرينة‌

خبر داود بن أبي يزيد عن أبي عبد اللّه (ع): «إني قد أصبت مالا، و إني خفت منه على نفسي، فلو أصبت صاحبه دفعته اليه و تخلصت منه.

فقال أبو عبد اللّه (ع): لو أصبته كنت دفعته اليه؟ فقال: إي و اللّه، فقال (ع): فلا و اللّه ما له صاحب غيري. فاستحلفه أن يدفعه إلى من يأمره. قال: فحلف. قال: فاذهب و قسمه في إخوانك، و لك الأمن مما خفت. قال: فقسمه بين إخوانه» «1».

فإن قوله (ع):

«ما له صاحب غيري»

و إن كان ظاهراً في أنه هو المالك الحقيقي الذي لا يعرفه السائل، إلا أن أمره (ع) بالتصدق، و قوله (ع):

«و لك الأمن مما خفت»

ظاهر في أن ذلك حكم للمال، يأمن لأجله من تبعة عدم إيصاله إلى أهله، فيكون المراد من كونه صاحبه أنه له ولاية المال المذكور. لا أقل من لزوم حمله على ذلك، بقرينة ما ورد من الأمر بالتصدق بالمال الذي لا يعرف صاحبه في النصوص الكثيرة. و هذا المعنى أولى من حمله على أنه مال الامام، و حكمه التصدق به عن الامام لا عن صاحبه.

كما في الجواهر، حاكياً التصريح به عن جماعة. و الظاهر أنه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب اللقطة حديث: 1.

493
مستمسک العروة الوثقى9

الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز ؛ ج‌9، ص : 489

و نحوه، و إن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقل أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان، الأحوط الثاني، و الأقوى الأول إذا كان المال في يده (1). و إن علم المالك لا إشكال في صحة الصلح المذكور، و في حلية المال به من دون حاجة إلى إخراج خمسه، لاختصاص نصوص الخمس بصورة الجهل بالمالك، كما هو الظاهر من مصحح عمار و غيره. و حينئذ فلا مجال للرجوع إليها. لكن في وجوبه- كما صرح به الجماعة- إشكال، لعدم الدليل عليه.

لأن اليد أمارة على ملكية الجميع، فيقتصر في الخروج عنها على المتيقن [1]. نعم لو لم يكن في يده، أو لم نقل بكونها امارة له على ملكيته لما تحتها و إنما تكون امارة لغيره، يتعين الوجه الثاني- و هو الاحتياط- لأصالة عدم ملكية الزائد. أو لأصالة عدم السبب المحلل، بناء على توقف حلية المال على سبب، و لما وجب التخلص عن مال الغير وجب بذله له.

نعم إذا كان الغير قاطعاً بأنه له جاز له أخذه. أما لو كان جاهلا فأصالة عدم ملكه مانعة عن جواز أخذه. إلا إذا بذله ذو اليد له و لو مجاناً. لكن وجوب ذلك محل إشكال. إلا أن يكون من باب المقدمة للتخلص. و عن التذكرة: يتعين تحليله بدفع الخمس إلى المالك. و استدل له بما‌

في خبر الحسن بن زياد، من قوله (ع): «إن اللّٰه عز و جل قد رضي من ذلك المال بالخمس ..» «1»

و فيه: أنه مقيد بمصحح عمار المقيد بصورة الجهل بالمالك «2».

______________________________
[1] قد يشكل ذلك من جهة القسمة، فإنه لا ولاية لذي اليد عليها كي يحل المال له بدفع الأقل، فيتعين الرجوع إلى الحاكم لحسم الخصومة، فإن رضي بالقسمة بعد الحكم، و إلا أجبره الحاكم.

(منه قدس سره).

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) تقدم ذكره في الغوص.

494
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 28): لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها ؛ ج‌9، ص : 495

و المقدار وجب دفعه إليه (1).

[ (مسألة 28): لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها]

(مسألة 28): لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه (2).

[ (مسألة 29): لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية]

(مسألة 29): لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية في صورة الجهل بالمقدار أو المالك- بين أن يعلم إجمالا زيادة مقدار الحرام (3).

و احتمل بعض دفع الأقل إلى المالك، و الرجوع في الزائد المشكوك إلى القرعة فإنها لكل أمر مشكل. و فيه: أنه مع حجية اليد على الملكية لا إشكال، فينتفي موضوع القرعة. نعم لو لم يكن في يد أحدهما، و الأصول النافية بالنسبة إليهما على حد واحد، تعين الرجوع إلى القرعة، لعموم أنها لكل أمر مشكل. و من ذلك يظهر ضعف القول بوجوب الصلح عليهما و يجبرهما الحاكم عليه، كما هو ظاهر كشف الغطاء. قال: «لو عرفه دون المقدار وجب صلح الإجبار، و دفع وجه الصلح اليه ..».

بلا خلاف و لا إشكال، كما في الجواهر. و إطلاق بعض نصوص الخمس لا يهم بعد تقييد بعضها بصورة جهل المالك، الواجب حمل غيره عليه، كما عرفت في الفرض السابق.

لشمول النصوص لجميع ما ذكر من الصور.

كما عن المناهل، بدعوى شمول النصوص و أكثر الفتاوى لذلك لكن في الجواهر: يلزم من ذلك حل ما علم من ضرورة الدين خلافه.

و في رسالة شيخنا الأعظم (ره): «إن ظاهر التعليل كفاية الخمس عن الزائد الواقعي لو ثبت في المال لا المعلوم، كما عرفت تقريبه في أوائل حكم‌

495
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 29): لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية ؛ ج‌9، ص : 495

أو نقيصته عن الخمس (1)، و بين صورة عدم العلم و لو إجمالا. ففي صورة العلم الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضاً يكفي إخراج الخمس، فإنه مطهر للمال تعبداً. و إن كان الأحوط- مع إخراج الخمس- المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضاً بما يرتفع به يقين الشغل، و إجراء حكم مجهول المالك عليه. و كذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس و أحوط من ذلك المصالحة معه- بعد إخراج الخمس- بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.

هذا القسم، فيكون حاكماً على إطلاق النصوص ..». لكن عرفت إشكال التعليل. و أما دعوى انصراف النصوص عن الفرض- مع قطع النظر عن التعليل- فغير ظاهرة. اللهم إلا أن يكون المراد الانصراف بملاحظة الجواب بكفاية الخمس، من جهة استبعاد التحليل للحرام المعلوم. و إن كان أيضاً لا يخلو من تأمل.

ثمَّ إنه لو بني على عدم شمول النصوص للفرض فالمرجع فيه نصوص التصدق، فيلحقه حكم مجهول المالك و لا وجه لدعوى لزوم إخراج الخمس و الزائد معاً، و صرفه في مصرف الخمس. كدعوى إخراج الخمس و صرفه في مصرفه، و إخراج الزائد و التصدق به.

كما عن المناهل أيضاً لما سبق، و فيه ما عرفت. و لا سيما بملاحظة سوقه مساق الإرفاق. و حينئذ يتعين الرجوع إلى نصوص التصدق بما لا يعلم صاحبه. و لا وجه لدعوى لزوم إخراج ما يظن به البراءة و صرفه في مصرف الخمس. أو دعوى لزوم إخراج ما يعلم معه البراءة كذلك، إلحاقاً له بمورد النصوص.

496
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 30): إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه ؛ ج‌9، ص : 497

[ (مسألة 30): إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه]

(مسألة 30): إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور، ففي وجوب التخلص من الجميع و لو بإرضائهم بأي وجه كان (1)، أو وجوب إجراء حكم كما عن جماعة، و لا خمس فيه. أما الثاني فلاختصاص النصوص المتقدمة بصورة الجهل بالمقدار، كما عرفت. و أما الأول فلأنه مقتضى كون الأداء غاية الضمان في‌

حديث: «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» «1».

و يشكل: بأن ذلك ضرر منفي بالأدلة «2». و لا يعارضه نفي الضرر في حق المالك، لأنه إنما يقتضي منع حرمانه بالمرة، و لا يمنع من العمل بالقرعة كما يمنع من حصول العلم بالضرر على المالك، كي يصح جريان دليل نفي الضرر. و أصالة عدم وصول المال إلى المالك و إن كان يقتضي ضرره، فيعارض الضرر لذي اليد، لكنه لا يجري لكونه من الأصل الجاري في الفرد المردد بين معلوم البقاء و معلوم الارتفاع، لتردد المالك بين الشخصين.

و أما وجوب إجراء حكم مجهول المالك، فلعموم الأمر بالصدقة بما لا يعلم صاحبه.

و فيه: اختصاص تلك النصوص بصورة عدم إمكان العلم بإيصال المال إلى مالكه كلا أو بعضاً، فلا يشمل الفرض. و أما الرجوع إلى القرعة فلعموم أدلتها. و أما التوزيع فهو مقتضى قاعدة العدل و الانصاف، المستفادة من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة. لكن إثبات القاعدة الكلية منها لا يخلو من إشكال.

و يحتمل التخيير بين التوزيع على السوية و بين إعطائه إلى واحد لتعذر‌

______________________________
(1) كنز العمال ج: 5 صفحة 257 الحديث: 5197، مستدرك الوسائل باب: 1 من كتاب الوديعة حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب الخيار و باب: 5 من كتاب الشفعة و باب: 7، 12 من احياء الموات.

497
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 30): إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه ؛ ج‌9، ص : 497

مجهول المالك عليه، أو استخراج المالك بالقرعة، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية وجوه، أقواها الأخير. و كذا إذا لم يعلم قدر المال و علم صاحبه في عدد محصور، فإنه بعد الأخذ بالأقل- كما هو الأقوى-، أو الأكثر- كما هو الأحوط- يجري فيه الوجوه المذكورة (1).

الاحتياط، فيدور الأمر بين الموافقة الاحتمالية بدفعه إلى واحد بعينه الملازمة للمخالفة الاحتمالية، و بين الموافقة القطعية في بعضه بتوزيعه بين الأطراف الملازمة للمخالفة القطعية في بعضه. و لا مرجح في نظر العقل، كما ذكر ذلك في إثبات التخيير الاستمراري عند الدوران بين المحذورين الوجوب و الحرمة. و فيه: أن ذلك يتم مع تمييز المال، و عدم ضمان اليد، كالودعي و نحوه. أما مع عدم التمييز فولاية القسمة لذي اليد محتاجة إلى دليل.

كما أنه مع ضمان اليد لا مجال لحكم العقل لرفع الضمان بالتوزيع أو التخيير، و إنما يجدي في رفع العقاب لا غير، فرفع الضمان يحتاج إلى دليل. و لأجل هذا الاشكال لا يجدي الرجوع إلى الحاكم الشرعي في القسمة، لأنها لا ترفع الضمان. نعم لو أمكن الرجوع إليه في دفع المال بعد القسمة و الخروج عن الضمان، كان الحاكم هو المكلف بالإيصال إلى المالك، و يتخير حينئذ بين التوزيع و دفعه إلى واحد لما عرفت. لكن ثبوت الولاية للحاكم في القبض عن المالك- مع حضوره، و إمكان الإيصال إليه- غير ظاهر، لعدم الدليل عليها حينئذ. فالمتعين الرجوع إلى القرعة، التي هي لكل أمر مشكل.

فان نصوص الخمس منصرفة عن صورة العلم بالمالك بين محصور كانصراف نصوص حكم مجهول المالك عنها كما عرفت، فيجري فيه الكلام السابق بعينه.

498
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس ؛ ج‌9، ص : 499

[ (مسألة 31): إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس]

(مسألة 31): إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس (1). و حينئذ فإن علم جنسه و مقداره و لم يعلم صاحبه أصلا (2)، أو علم في عدد غير محصور، تصدق به عنه (3)، بإذن الحاكم، أو يدفعه اليه. و إن كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة. و الأقوى هنا أيضاً الأخير (4). و إن علم جنسه و لم يعلم مقداره- بأن تردد بين لاختصاص النصوص بالمال الخارجي و لا تشمل الذمي.

العلم بوجود الحق في الذمة مستلزم للعلم بصاحبه في الجملة، ففرض عدم العلم بصاحبه أصلا غير ظاهر.

كما هو المعروف بينهم. و تقتضيه النصوص الواردة في الموارد المتفرقة، و بعضها وارد في خصوص الدين،

كصحيح معاوية المروي عن الفقيه: «فيمن كان له على رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه، و لا يدري حي هو أم ميت، و لا يعرف له وارثاً و لا نسباً و لا ولداً. قال (ع):

اطلب. قال: إن ذلك قد طال، فأتصدق به؟ قال (ع): اطلب» «1».

بناء على ظهوره في الصدقة، بعد سقوط وجوب الطلب باليأس. و المرسل في الفقيه- بعد رواية الصحيح المذكور- قال: «‌

و قد روي في هذا خبر آخر: إن لم تجد له وارثاً، و علم اللّه منك الجهد فتصدق به» «2».

يعني: التوزيع. لما سبق. و قد عرفت الاشكال فيه. كما عرفت الاشكال فيما عدا القرعة من الوجوه، إذ لا فرق بين المقامين إلا في إمكان الاحتياط هنا و تعذره هناك. و لأجل ذلك قد يشكل العمل بنصوص القرعة هنا، لعدم بناء الأصحاب على العمل بها في موارد العلم الإجمالي مع إمكان الاحتياط.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه ملحق حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب ميراث الخنثى و ما أشبهه حديث: 11.

499
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 31): إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس ؛ ج‌9، ص : 499

الأقل و الأكثر- أخذ بالأقل المتيقن (1)، و دفعه إلى مالكه إن كان معلوماً بعينه (2)، و إن كان معلوماً في عدد محصور فحكمه كما ذكر (3). و إن كان معلوماً في غير المحصور، أو لم يكن علم إجمالي أيضاً، تصدق به عن المالك (4) بإذن الحاكم أو يدفعه اليه. و إن لم يعلم جنسه و كان قيمياً فحكمه كصورة العلم بالجنس، إذ يرجع إلى القيمة، و يتردد فيها بين الأقل و الأكثر (5). و إن كان مثلياً ففي وجوب الاحتياط و عدمه وجهان (6).

و يندفع: بأن ذلك حيث يجب الاحتياط، و قد عرفت أنه لا يجب، لمنافاته لأدلة نفي الضرر. فلاحظ.

عملا بأصالة براءة الذمة عن ضمان الزائد.

بلا إشكال. لوضوح وجوب إيصال كل مال إلى أهله.

يعني: التوزيع، الذي عرفت أنه محل إشكال.

قد سبق إشكال الفرض.

كما إذا علم بأنه إما أتلف فرسه أو دجاجته، فعلى الأول تكون القيمة مائة درهم، و على الثاني تكون القيمة درهماً. لكن قد يتساوى القيميان في القيمة، كما لو علم أنه إما أتلف فرسه أو حماره مع تساويهما في القيمة.

هذا في باب التلف. أما في غيره من موارد ضمان القيمة- كما في العقود الواردة على القيميات- يتعين الأخذ بالاحتياط للشك في الفراغ.

فتأمل. و من ذلك يشكل إطلاق ما ذكره من الرجوع إلى القيمة في القيميات.

كما لو علم أنه إما أتلف مناً من حنطة زيد أو مناً من شعيرة.

500
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 32): الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك ؛ ج‌9، ص : 501

[ (مسألة 32): الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك]

(مسألة 32): الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس، فيجوز له الإخراج و التعيين من غير توقف على إذن الحاكم (1). كما يجوز دفعه من مال آخر و إن كان الحق في العين.

[ (مسألة 33): لو تبين المالك بعد إخراج الخمس]

(مسألة 33): لو تبين المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه (2)، و الاختلاف بينهما في القيمة لا يوجب التردد بين الأقل و الأكثر، لأن الذمة مشغولة بالمثل، فمع تردده يكون الاشتغال مردداً بين المتباينين. و لأجل ذلك يتوجه الاحتياط. إلا أن يبنى على قاعدة العدل و الانصاف المقتضية للتوزيع فيوزع هنا أيضاً، فيعطى في المثال نصف منّ حنطة و نصف منّ شعيراً.

بل البناء عليها هنا أولى من صورة تردد المالك- التي هي مورد نصوص القاعدة- إذ لا ضياع فيها على صاحب الحق كما كان فيها الضياع عليه مع تردده بين المحصور، إذ هنا يعطى مناً تاماً، غاية الأمر أنه من جنسين، و هناك يعطى بعضه و يحرم من بعضه. و لا سيما مع اعتضادها بما ورد في ميراث الخنثى. لكن عرفت الاشكال فيه، فضلا عن المقام. كما عرفت الإشكال في وجوب الاحتياط، لأنه ضرر منفي، فلا يبعد الرجوع إلى القرعة، حسبما عرفت.

كما في غيره من الموارد على ما يأتي إن شاء اللّه تعالى، لعدم الفرق بين أدلته فيها. و كذا الحال في جواز الدفع من مال آخر.

كما عن البيان و الروضة. لليد و الإتلاف. و الاذن في إخراج الخمس لا تدل على رفع الضمان، و إنما تقتضي رفع الإثم بالتصرف. و يؤيده:

ما ورد في ضمان المتصدق باللقطة إذا لم يرض صاحبها بالأجر «1». و فيه:.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب اللقطة حديث: 2

501
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 34): لو علم - بعد إخراج الخمس - أن الحرام أزيد من الخمس أو أقل ؛ ج‌9، ص : 502

كما هو كذلك في التصدق عن المالك في مجهول المالك (1)، فعليه غرامته له، حتى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنه للإمام (ع).

[ (مسألة 34): لو علم- بعد إخراج الخمس- أن الحرام أزيد من الخمس أو أقل]

(مسألة 34): لو علم- بعد إخراج الخمس- أن الحرام أزيد من الخمس أو أقل، لا يسترد الزائد على مقدار الحرام (2) في الصورة الثانية. و هل يجب عليه التصدق أن ما دل على وجوب الخمس لو لم يقتض نفي الضمان كان اللازم الحكم بالضمان قبل ظهور الصاحب و لم يتوقف على ظهوره، و هو- كما ترى- خلاف ظاهر تلك النصوص المتضمنة: أن اللّه سبحانه قد رضي من ذلك المال بالخمس و سائر المال لك حلال، فإنه كالصريح في الاكتفاء به في الخروج عن عهدة الحرام و حلية الباقي.

و دعوى: أن ذلك مشروط بعدم ظهور صاحبه خلاف إطلاقها. و ليس ذلك من قبيل الحكم الظاهري ليرتفع بانكشاف الحال، لأن الحكم الظاهري لا بد أن يكون محتمل المطابقة للواقع، و هنا يعلم بمخالفته للواقع على كل حال، بل هو من قبيل الواقعي الثانوي، و مقتضى إطلاق دليله الاجزاء نعم لو انكشف الحال قبل دفع الخمس تعين الدفع إلى المالك. و لذلك اختار في المدارك و الذخيرة و غيرهما- على ما حكي- عدم الضمان في فرض المسألة.

هذا مسلم في اللقطة، لاستفاضة النصوص به فيها «1». و أما في غيرها من موارد التصدق بمجهول المالك فغير ظاهر، لخلو النصوص عنه. بل النصوص الآمرة بالتصدق به ظاهرة في خلافه.

فإنه خلاف أدلة وجوب الخمس و استحقاق أهله له. و ليس‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 2 و غيره من أبواب اللقطة.

502
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 35): لو كان الحرام المجهول مالكه معينا ؛ ج‌9، ص : 503

بما زاد على الخمس في الصورة الأولى أو لا؟ وجهان، أحوطهما الأول، و أقواهما الثاني (1).

[ (مسألة 35): لو كان الحرام المجهول مالكه معيناً]

(مسألة 35): لو كان الحرام المجهول مالكه معيناً، فخلطه بالحلال ليحلله بالتخميس خوفاً من احتمال زيادته على الخمس، فهل يجزيه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟ وجهان و الأقوى الثاني، لأنه كمعلوم المالك (2)، حيث أن مالكه الفقراء قبل التخليط.

ذلك مشروطاً ببقاء الجهل بالزيادة، فإنه خلاف إطلاقها. و قد عرفت أنه حكم واقعي ثانوي نشأ من الجهل بالحال، يقوم مقام الواقع في الوفاء بمصلحته و الاجزاء عنه- كما هو ظاهر الأدلة- فلا مصحح للاسترداد.

كما قواه شيخنا الأعظم (ره). لما سبق في الصورة الثانية.

و في الجواهر: عن البيان احتمال استدراك الصدقة في الجميع بالاسترجاع فان لم يمكن أجزأ و تصدق بالزائد. و عن الكشف: احتمال الاجتزاء بالسابق ثمَّ قال في الجواهر: «و هما معاً كما ترى، أولهما مبني على حرمة الصدقة على بني هاشم. كما أن ثانيهما مستلزم لحلية معلوم الحرمة ..». و فيه:

أنه لا مانع من ذلك بعد دلالة النصوص عليه.

كما ذكره شيخنا الأعظم (ره) في رسالته، معللا له بما ذكر، راداً به على الجواهر و شيخه في كشفه، حيث جزم ثانيهما بالأول و مال إليه أولهما. ثمَّ احتمل قوياً تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة، إلزاماً له بأشق الأحوال. و لظهور الأدلة في غيره. لكن لا يبعد دعوى إطلاق النصوص بنحو يشمل الفرض، لأن الغالب في الاختلاط كونه بعد التميز.

و التميز كما يكون مع العلم بالمالك يكون مع الجهل، فتخصيص النصوص بغير‌

503
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 36): لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس ؛ ج‌9، ص : 504

[ (مسألة 36): لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس]

(مسألة 36): لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلق به الخمس، وجب عليه- بعد التخميس للتحليل- خمس آخر (1) للمال الحلال الذي فيه.

[ (مسألة 37): لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام]

(مسألة 37): لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام، فهو كمعلوم المالك على الأقوى (2)، فلا يجزيه إخراج الخمس حينئذ.

الفرض غير ظاهر. و لأجله يقوى ما عن الكشف: و المراد من مجهول المالك- الذي هو موضوع النصوص- ما جهل مالكه الأصلي، فيشمل الفرض. مع أن مجرد الجهل بالمالك الأصلي لا يوجب كونه ملكاً للفقراء و وجوب التصدق عليهم به أعم من ذلك. و لو تمَّ لم يكن وجه لاحتمال ضمانه بالتصدق به عليهم- كما تقدم منه (ره)- لأنه دفع للمال إلى مالكه. فلاحظ.

كما نص عليه شيخنا الأعظم (ره)، و قبله في الجواهر، حاكياً التصريح به عن بعض. أخذاً بإطلاق الدليلين، حيث لا وجه لرفع اليد عن أحدهما. و لأجله يضعف جداً ما عن الحواشي التجارية، من سقوط الخمس الأصلي. و كأنه‌

لقوله (ع) في بعض النصوص: «و سائر المال لك حلال» «1».

و فيه: أن التحليل فيه بلحاظ الحرام المختلط، لا بلحاظ كل حق، كما هو ظاهر.

كما نص عليه في الجواهر، و كذا شيخنا الأعظم (ره) نافياً للإشكال فيه. كما ينبغي أن يكون كذلك، عملا بقاعدة الضمان للمالك.

لكن قال في كشف الغطاء: «و لو كان الاختلاط من أخماس أو زكاة،

______________________________
(1) لاحظ أول الأمر الخامس مما يجب فيه الخمس

504
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 38): إذا تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط ؛ ج‌9، ص : 505

[ (مسألة 38): إذا تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط]

(مسألة 38): إذا تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط (1)، و إن صار الحرام في ذمته، فلا يجري عليه حكم رد المظالم على الأقوى (2).

فيحتمل أن يكون كمعلوم الصاحب، و أن يكون كالسابق، و هو أقوى.

و لو كان مع الأوقاف فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي ..». و هو- كما ترى- غير ظاهر.

كما في الجواهر و في رسالة شيخنا الأعظم (ره)، مرسلين له إرسال المسلمات. لكن قال في كشف الغطاء: «و إن كان قد تصرف فيه شيئاً فشيئاً دخل في حكم مجهول المالك، يعالج بالصلح، ثمَّ الصدقة ..»‌

و يظهر من العبارة: اختصاص جريان حكم مجهول المالك بصورة التصرف تدريجاً.

و كيف كان فوجهه غير ظاهر، إلا دعوى أن التحليل بالخمس ليس من باب الحكم الأولي بل من باب الحكم الثانوي، نظير الأبدال الاضطرارية و هو يختص بحال بقاء العين الخارجية بحالها، و لا يشمل ما إذا صارت ذمية.

و فيه: أنه خلاف الظاهر من مصحح عمران، و إن كان هو محتمل في غيره. فلاحظ.

المحكي عن الأردبيلي في لقطة مجمع البرهان: أن المشهور برد المظالم، الحرام المختلط مع العلم بقدره و الجهل بصاحبه. و كذا حكي عن المجلسيين، بزيادة المختلط المجهول القدر و الصاحب، الذي قد تقدم انحصار تحليله بإخراج خمسه. و زاد شيخنا الأعظم (ره) في رسالته: «ما استقر في الذمة من مال الغير ..» و الذي وجدته في غير موضع من لقطة مجمع البرهان: أن المسمى برد المظالم هو المال المتعين الخارجي الذي لا يعرف صاحبه. و كأن المراد في المتن منه: ما كان يجب التصدق به من مال الحرام سواء أ كان في الذمة أم في الخارج.

505
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 39): إذا تصرف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه ؛ ج‌9، ص : 506

 

و حينئذ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت ذمته بمقدار خمسه. و إن لم يعرفه، ففي وجوب دفع ما يتيقن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان، الأحوط الأول، و الأقوى الثاني (1).

[ (مسألة 39): إذا تصرف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه]

(مسألة 39): إذا تصرف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه، كما إذا باعه مثلا. فيجوز لولي الخمس الرجوع عليه، كما يجوز له الرجوع على من انتقل اليه (2). و يجوز للحاكم أن يمضي معاملته، فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة. و أما إذا باعه بأقل من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة. نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس.

[السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم]

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم (3).

لأصالة البراءة من اشتغال الذمة بالزائد على المتيقن.

كما هو حكم تعاقب الأيدي. نعم ذلك حيث لا يجوز له التصرف فيه، و إلا انتقل الخمس إما إلى الذمة أو إلى الثمن، على ما سيأتي إن شاء اللّه تعالى.

كما عن ابني حمزة و زهرة و أكثر المتأخرين. بل نسب إلى المشهور بينهم. و في المعتبر: نسبته إلى الشيخين و من تابعهما، بل في التذكرة و عن المنتهى: نسبته إلى علمائنا. و يدل عليه‌

صحيح أبي عبيدة: «سمعت أبا جعفر (ع) يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضاً فإن عليه الخمس» «1»

و‌

في مرسل المقنعة عن الصادق (ع): «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس» «2».

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

 

506
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ؛ ج‌9، ص : 506

سواء كانت أرض مزرع، أو مسكن، أو دكان، أو خان، أو غيرها (1)، و عن ابن أبي عقيل و ابن الجنيد و المفيد و سلار و الحلبي: عدم ذكرهم له. و ظاهرهم العدم. و عن فوائد القواعد: الميل اليه، استضعافاً للرواية لأنها- كما في المختلف، و عن الروضة- من الموثق. أو لمعارضتها لما دل على حصر الخمس في خمسة التي ليس منها المقام، لاحتمال ورود الخبر تقية من مالك، من تضعيف العشر على الذمي إذا اشترى أرضاً عشرية، كما احتمله في المدارك و عن المنتقى.

و الجميع واضح الضعف، إذ الرواية- مع أنها في أعلى مراتب الصحة كما في المدارك و غيرها- لا يسقطها عن الحجية كونها موثقة، لكون التحقيق حجية الموثق. و المعارضة تقتضي الجمع بالتخصيص. و احتمال التقية لا يقدح في الحجية. و لا سيما مع إطلاق الرواية الشامل للعشرية و غيرها، و ظهورها في وجوب الخمس بمجرد الشراء لا خمس الزرع. بل المرسلة كالصريحة في ذلك.

كما يقتضيه إطلاق النص و الفتوى. و عن الفاضلين و المحقق الثاني و غيرهم: تخصيص الحكم بأرض الزراعة، بل في المعتبر: أن مراد الأصحاب أرض الزراعة لا المسكن. و نحوه في محكي المنتهى. و في المدارك: أنه جيد، لأنه المتبادر. و لكنه غير ظاهر، بل هو خلاف الإطلاق، كما عرفت. نعم في الجواهر و غيرها: احتمال الاختصاص بغير مثل الدار و المسكن، لتعارف التعبير عنها بذلك، لا بالأرض الموجب ذلك لتبادر الأرض الخالية من الخبر، فلا يعم مثل الخان و الدكان و الدار. ثمَّ تأمل في ذلك، و جعل التعميم أولى.

و الانصاف أن التأمل في ذلك في محله، إذ الأرض كما تستعمل- تارة- بالمعنى المقابل للسماء، تستعمل بالمعنى المقابل للدار و البستان و نحوهما. و الثاني‌

507
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ؛ ج‌9، ص : 506

فيجب فيها الخمس. و مصرفه مصرف غيره من الأقسام على الأصح (1). و في وجوبه في المنتقلة إليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات إشكال (2)، فالأحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة (3). و إن كان القول بوجوبه في مطلق شائع عرفاً، فالحمل على الأول غير ظاهر. و لعل مراد من خصها بأرض الزرع ذلك. نعم قد يقال: إنه لو باعه أرض الدار أو أرض البستان- مع قطع النظر عما فيهما من التعمير و الشجر- لم يبعد العموم، عملا بالإطلاق فيختص الاشكال بما لو كان المبيع الدار و البستان على نحو تكون ملحوظة تبعاً لكن مرجع هذا القول إلى دعوى عدم الإطلاق في الأرض، من جهة كونها مبيعة تبعاً- بالمعنى الموجود في أرض الدار- و لازمه عدم الخمس في الأرض البسيطة إذا كانت مبيعة كذلك. و هو غير ظاهر، فإن الإطلاق ينفيه، فالعمدة في الاشكال ما ذكرناه. فلاحظ.

كما هو ظاهر الأصحاب. بل في ظاهر رسالة شيخنا الأعظم (ره):

نفي الاشكال فيه، لأنه المتبادر كما عرفت. فما عن بعض من التأمل في مصرفه، لاحتمال كون المراد من الخمس الخراج الخمسي، فيكون مصرفه مصرف بيت المال، قد عرفت ما فيه.

للتعبير في النص و في كلماتهم بالشراء، الظاهر فيه بخصوصه.

و من احتمال التعدي عنه إلى مطلق المعاوضة- كما في كشف الغطاء- أو مطلق الانتقال و لو مجاناً- كما عن البيان، و في اللمعة و الروضة- بإلغاء خصوصية الشراء عرفاً. لكن الأول متعين، إذ لا قرينة على هذا الإلغاء مع احتمال الخصوصية.

يعنى: الأحوط الاقتصار في أخذ الخمس على صورة الاشتراط إذ الظاهر أنه لا إشكال في جواز البيع بدون اشتراط ذلك.

508
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ؛ ج‌9، ص : 506

المعاوضات لا يخلو عن قوة. و إنما يتعلق الخمس برقبة الأرض دون البناء و الأشجار و النخيل إذا كانت فيه (1). و يتخير الذمي بين دفع الخمس من عينها أو قيمتها (2)، و مع عدم دفع قيمتها يتخير ولي الخمس بين أخذه و بين إجارته (3).

كما صرح بذلك غير واحد، لخروج البناء و نحوه مما يكون في الأرض عن مفهومها، فلا وجه لعموم الخمس لها.

لما يأتي إن شاء اللّٰه تعالى، من جواز دفع القيمة.

إذ لا ملزم له بأخذ العين، فإذا أبقاها كان مقتضى الشركة في العين الشركة في النماء، فله إجارتها. و ليس له إلزام المالك بدفع قيمة العين، لأنه خلاف قاعدة السلطنة على نفسه و ماله. و بما في المتن صرح في الجواهر، فقال: «يتخير من إليه أمر الخمس بين أخذ رقبة الأرض و بين ارتفاعها ..». و مثل ذلك عبارات المدارك و المسالك و الروضة و غيرها نعم عن الحدائق: «الأقرب أن التخيير إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء، و إلا تعين الأخذ من الارتفاع ..».

و فيه: أنه لا مانع من التخيير المذكور، غاية الأمر أنه لو أخذ خمس العين لم يكن له قلع ما فيها من غرس أو بناء، كما صرح به في الجواهر.

و كأنه لدليل نفي الضرر، و ليس في إبقائه ضرر على المالك، و إنما هو خلاف سلطنته على ماله. لكن دليل نفي الضرر مقدم على دليل السلطنة لحكومته عليه كغيره من أدلة الأحكام الأولية. و لا سيما بملاحظة مورد رواية سمرة «1»، فإن تكليفه بالاستئذان خلاف سلطنته على نفسه.

فان قلت: يمكن دفع الضرر بالقلع بضمان القيمة، فيتخير مالك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 12 من أبواب إحياء الموات حديث: 1.

509
مستمسک العروة الوثقى9

السادس: الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم ؛ ج‌9، ص : 506

و ليس له قلع الغرس و البناء بل عليه إبقاؤهما بالأجرة. و إن أراد الذمي دفع القيمة، و كانت مشغولة بالزرع أو الغرس أو البناء، تقوم مشغولة بها مع الأجرة فيؤخذ منه خمسها. و لا الأرض بين الإبقاء و القلع مع الضمان. قلت: الضمان تدارك للضرر، و المنفي مطلق الضرر لا خصوص الضرر غير المتدارك. فلاحظ. نعم لو كان إبقاء الغرس يوجب ضرراً على المالك- بنقص أرضه و فسادها- تعارض تطبيق القاعدة في الفردين، فيرجع إلى قاعدة السلطنة.

فإن قلت: استيفاء الأرض ضرر على المالك، فيعارض ضرر قلع الغرس. قلت: المنافع كلها مبنية على الاستيفاء، فاما أن يستوفيها المالك و إما أن يستوفيها صاحب الغرس، و إلا كانت معدومة، و ليس أحد الاستيفاءين ضرراً. فلا يقاس استيفاء المنفعة بإتلاف العين أو سقوطها عن المالية، كما في قلع الشجر أو البناء، كما يظهر بالتأمل. و حيث يدور الأمر بين استيفاء صاحب الغرس للمنفعة و استيفاء المالك و ضياع المنفعة بلا استيفاء، يتعين الأول، و ذلك يوجب منع المالك عن التصرف و قصر سلطنته، فيرجع الأمر إلى التعارض بين قاعدة الضرر و قاعدة السلطنة لا غير، و قد عرفت لزوم تقديم الأولى. و يؤيدها:

قوله (ع): «ليس لعرق ظالم حق» «1».

و لا سيما بناء على مفهوم الوصف، فإنه حينئذ يدل على أن عرق غير الظالم له حق البقاء و عدم الضياع.

هذا و إذا بنينا على أن الخمس من قبيل الحق في العين، فلا مجال لأخذ ارتفاع الأرض- على تقدير رضا الولي ببقاء الخمس- إذ الارتفاع مقابل الأرض لا الحق القائم فيها، فأخذ الارتفاع من المشتري يتوقف على مصالحة بينه و بين ولي الخمس على ذلك، و بدون المصالحة لا مجال لأخذ الأجرة.

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الغصب حديث: 1

510
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 40): لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعا للآثار ؛ ج‌9، ص : 511

نصاب في هذا القسم من الخمس (1). و لا يعتبر فيه نية القربة (2) حين الأخذ حتى من الحاكم، بل و لا حين الدفع إلى السادة.

[ (مسألة 40): لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعاً للآثار]

(مسألة 40): لو كانت الأرض من المفتوحة عنوة و بيعت تبعاً للآثار ثبت فيها الحكم (3)، لأنها للمسلمين، فاذا اشتراها الذمي وجب عليه الخمس، و إن قلنا بعدم دخول الأرض في المبيع، و أن المبيع هو الآثار، و يثبت في الأرض بلا إشكال ظاهر. و في المستند: الإجماع عليه. لإطلاق النص.

لأن ما يعتبر فيه نية القربة فعل المالك، أعني: أداء الكافر.

و ليس الحاكم نائباً عنه فيه، لأن الكافر لا يصلح للتقرب عنه، ففعل الحاكم أو غيره هو الأخذ لا الأداء الذي هو الواجب على الكافر. و قد تقدم في الزكاة ماله نفع في المقام. فراجع.

حاصل الكلام: أن الأرض المفتوحة عنوة- التي هي ملك للمسلمين- إذا بيعت على الذمي، فإن ملكها الذمي بالبيع المذكور- كما لو كان البائع الإمام أو نائبه لبعض المصالح العامة، أو كان غيره من أفراد المسلمين إذا كان له فيها أثر من بناء أو شجر، بناء على أن ملك الآثار يستتبع ملك رقبتها- فلا ينبغي التأمل في وجوب الخمس على الذمي، لإطلاق النص. و إن لم يملكها الذمي- كما لو باعها المتصرف فيها تبعاً للآثار، و قلنا بعدم دخولها في ملك المشتري و إنما الذي يدخل في ملكه الآثار، و الأرض يثبت له فيها حق الاختصاص- أشكل البناء على وجوب الخمس، لعدم صدق الشراء حقيقة للأرض. و كفاية صدق الشراء و لو بنحو من العناية و المسامحة غير ظاهرة.

511
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 41): لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة ؛ ج‌9، ص : 512

حق الاختصاص للمشتري (1). و أما إذا قلنا بدخولها فيه فواضح. كما أنه كذلك إذا باعها منه أهل الخمس بعد أخذ خمسها، فإنهم ما لكون لرقبتها، و يجوز لهم بيعها.

[ (مسألة 41): لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة]

(مسألة 41): لا فرق في ثبوت الخمس في الأرض المشتراة بين أن تبقى على ملكية الذمي بعد شرائه أو انتقلت منه بعد الشراء إلى مسلم آخر (2)، كما لو باعها منه بعد الشراء، أو مات و انتقلت إلى وارثه المسلم، أو ردها إلى البائع بإقالة أو غيرها (3)، فلا يسقط الخمس بذلك. بل الظاهر ثبوته أيضاً لو كان للبائع خيار ففسخ بخياره (4).

[ (مسألة 42): إذا اشترى الذمي الأرض من المسلم]

(مسألة 42): إذا اشترى الذمي الأرض من المسلم قد عرفت الإشكال في وجوب الخمس على هذا القول.

بلا إشكال ظاهر. و يقتضيه إطلاق النص. نعم قد ينافي ذلك ما يأتي في المسألة الأخيرة من كتاب الخمس. إلا أن يحمل ما هنا على جواز أخذ الخمس من الذمي و إن جاز للمسلم- الذي انتقلت إليه الأرض- التصرف فيها. أو يكون المراد من المسلم هنا غير الإمامي، لاختصاص المسألة الآتية بالشيعي.

عن البيان و المسالك: احتمال السقوط بالإقالة. و هو غير ظاهر إلا بناء على كون الإقالة فسخاً من أول الأمر لا من حينها. أو على دعوى ظهور النص في الشراء المستقر. و منه يظهر وجه احتمال السقوط في عامة الفسخ و لو لم يكن بالإقالة لكن المبنيين معاً ضعيفان.

كأن وجه التوقف فيه- مضافاً إلى ما سبق-: احتمال انصراف الشراء إلى اللازم.

512
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 43): إذا اشتراها من مسلم، ثم باعها منه ؛ ج‌9، ص : 513

و شرط عليه عدم الخمس لم يصح. و كذا لو اشترط كون الخمس على البائع. نعم لو شرط على البائع المسلم أن يعطي مقداره عنه فالظاهر جوازه.

[ (مسألة 43): إذا اشتراها من مسلم، ثمَّ باعها منه]

(مسألة 43): إذا اشتراها من مسلم، ثمَّ باعها منه أو من مسلم آخر، ثمَّ اشتراها ثانياً، وجب عليه خمسان (1)، خمس الأصل للشراء أولا، و خمس أربعة أخماس للشراء ثانياً.

[ (مسألة 44): إذا اشترى الأرض من المسلم ثمَّ أسلم بعد الشراء]

(مسألة 44): إذا اشترى الأرض من المسلم ثمَّ أسلم بعد الشراء لم يسقط عنه الخمس (2). نعم لو كانت المعاملة مما يتوقف الملك فيه على القبض، فأسلم بعد العقد و قبل القبض سقط عنه، لعدم تمامية ملكه في حال الكفر (3).

كما في كشف الغطاء و الجواهر و غيرهما. لأصالة عدم التداخل.

نعم. قد يشكل ما في المتن- تبعاً للجواهر- من أن الخمس الثاني خمس الأربعة أخماس: بأنه مبني على كون تعلق الخمس على نحو الإشاعة، إذ لو كان على نحو تعلق- الحق نظير حق الجناية- فالخمس الثاني يكون في مجموع الأرض كالأول. نعم الحق الأول يستوجب كون الخمس الثاني في موضوع الحق، و ربما يكون الحق المذكور مانعاً من ثبوت الخمس مطلقاً. فافهم.

كما في الجواهر و غيرها. لإطلاق الدليل. اللهم إلا أن يقال:

لا فرق في اقتضاء حديث: «الجب» السقوط بين الخمس و الزكاة «1». بل بين الخمس هنا و الخمس في سائر المقامات، فإنه يسقط بالإسلام. و قد تقدم الكلام فيه في كتاب الزكاة. فراجع.

هذا يتم بناء على كون القبض شرطاً ناقلا. أما بناء على الكشف‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في أوائل فصل قضاء الصلاة من الجزء السابع من هذا الشرح.

513
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 45): لو تملك ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض ؛ ج‌9، ص : 514

[ (مسألة 45): لو تملك ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض]

(مسألة 45): لو تملك ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل القبض، ففي ثبوت الخمس وجهان، أقواهما الثبوت (1).

[ (مسألة 46): الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمي أن يبيعها]

(مسألة 46): الظاهر عدم سقوطه إذا شرط البائع على الذمي أن يبيعها بعد الشراء من مسلم (2).

[ (مسألة 47): إذا اشترى المسلم من الذمي أرضاً ثمَّ فسخ بإقالة أو بخيار]

(مسألة 47): إذا اشترى المسلم من الذمي أرضاً ثمَّ فسخ بإقالة أو بخيار، ففي ثبوت الخمس وجه. لكن الأوجه خلافه، حيث أن الفسخ ليس معاوضة (3).

[ (مسألة 48): من بحكم المسلم بحكم المسلم]

(مسألة 48): من بحكم المسلم بحكم المسلم (4).

أمكن القول بثبوت الخمس لو تحقق القبض منه بعد الإسلام، لتحقق الشراء قبل الإسلام.

كما في كشف الغطاء، و جزم به شيخنا الأعظم (ره)، و قواه في الجواهر. لأن تملك الذمي كان في حال إسلام طرفه، فيصدق تملك الذمي من مسلم. نعم حدوث التمليك الإنشائي كان حين كفر البائع لكنه ليس موضوعاً للأثر في النص، بل موضوعه الملك التام، و هو لم يتحقق إلا بعد إسلام الناقل. لكنه لا يتم ذلك بناء على القول بالكشف.

كما أن فرض المسألة يتوقف على كون موضوع الخمس مطلق الانتقال، و إلا فشراء الأرض مما لا يعتبر فيه القبض.

إذ لا وجه له ظاهر إلا دعوى انصراف النص عن ذلك. و لكنها ممتنعة. نعم يتوقف ذلك على صحة الشرط، و فيه إشكال مشهور.

بل حل و إعدام للمعاوضة، فيرجع كل مال إلى ملك صاحبه الأول بالسبب السابق، كما هو واضح.

قال في الجواهر: «و يلحق بالذمي و المسلم في ذلك كله ما هو‌

514
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 49): إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمي عليه ؛ ج‌9، ص : 515

 

[ (مسألة 49): إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمي عليه]

(مسألة 49): إذا بيع خمس الأرض التي اشتراها الذمي عليه وجب عليه خمس ذلك الخمس الذي اشتراه (1) و هكذا.

[السابع: ما يفضل عن مئونة سنته]

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته (2)، في حكم أحدهما، من صبيانهم و مجانينهم و غيرهم، كما في غيره من الأحكام ..»‌

و كأنه لإطلاق دليل التنزيل، من الإجماع و غيره.

كما في كشف الغطاء، و الجواهر، و رسالة شيخنا الأعظم (ره) لإطلاق الأدلة. و هو واضح، بناء على الإشاعة أو الكلي في المعين. و يشكل بناء على أنه حق بنحو المالية.

على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً. و في الجواهر:

نفي وجدان الخلاف المعتد به، بل عن الانتصار و الغنية و الخلاف و التبيان و مجمع البيان و التذكرة و المنتهى و غيرها: الإجماع عليه، و عن السرائر:

أنه كذلك عندنا بلا خلاف، و لم ينسب الخلاف فيه إلا إلى ابني الجنيد و أبي عقيل، اللذين لا يقدح خلافهما في الإجماع، لكثرة خلافهما في المسلمات.

مع أن محكي كلام الأول في المعتبر هكذا: «فأما ما استفيد من ميراث، أو كديون، أو صلة أخ، أو ربح تجارة، أو نحو ذلك فالأحوط إخراجه، لاختلاف الرواية في ذلك. و لأن لفظ فرضه محتمل هذا المعنى فلو لم يخرجه الإنسان لم يكن كتارك الزكاة التي لا خلاف فيها ..» و هو غير ظاهر في الخلاف. و محكي كلام الثاني هكذا: «و قد قيل: الخمس في الأموال كلها، حتى الخياط و النجار و غلة الدار و البستان و الصانع في كسب يده، لأن ذلك إفادة من اللّٰه تعالى و غنيمة ..»، و هو أيضاً غير ظاهر في الخلاف. قال في محكي البيان: «و ظاهر ابن الجنيد و ابن أبي عقيل العفو عن هذا النوع، و أنه لا خمس فيه. و الأكثر على وجوبه، و هو المعتمد، لانعقاد الإجماع عليه في الأزمنة السابقة لزمانهما، و اشتهار الروايات‌

 

515
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

.....

فيه ..». و قد عرفت حكاية الإجماع أيضاً في الأزمنة اللاحقة من الأساطين.

و يشهد له جملة من النصوص، منها:

صحيح ابن مهزيار عن محمد بن الحسن الأشعري: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (ع):

أخبرني عن الخمس، أ على جميع ما يستفيده الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب، و على الضياع، و كيف ذلك؟ فكتب (ع) بخطه: الخمس بعد المؤنة» «1»

، و‌

صحيحه الآخر عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري: «أنه سأل أبا الحسن الثالث (ع) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً، و بقي في يده ستون كراً، ما الذي يجب لك من ذلك؟

و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع (ع): لي منه الخمس مما يفضل من مئونته» «2»

، و‌

صحيحه الثالث: «قال لي أبو علي بن راشد: قلت له: أمرتني بالقيام بأمرك و أخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: و أي شي‌ء حقه؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال (ع):

يجب عليهم الخمس. فقلت: في أي شي‌ء؟ فقال: في أمتعتهم و ضياعهم و صنائعهم. قلت: و التاجر عليه، و الصانع بيده؟ فقال (ع): إذا أمكنهم بعد مئونته» «3»

، و‌

صحيحه الرابع: «كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني.

(إلى أن قال):

فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا: يجب على الضياع الخمس بعد المؤنة، مئونة الضيعة و خراجها، لا مئونة الرجل و عياله. فكتب- و قرأه علي بن مهزيار-: عليه الخمس، بعد مئونته و مئونة عياله، و بعد خراج السلطان» «4»

، و‌

موثق سماعة: «سألت أبا الحسن (ع) عن

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

516
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

.....

الخمس، فقال (ع): في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير» «1»

، و‌

مصحح الريان بن الصلت: «كتبت إلى أبي محمد ما الذي يجب علي- يا مولاي- في غلة رحى أرض في قطيعة لي، و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة؟ فكتب (ع): يجب عليك فيه الخمس إن شاء اللّه تعالى» «2»

و نحوها غيرها مما يمر عليك بعضه في الفروع الآتية.

و كما تدل على ثبوت الخمس تدل بظاهرها- أو صريحها- على عدم تحليله، و وجوب دفعه و حرمة حبسه. نعم تأمل فيه بعض متأخري المتأخرين بل عن الذخيرة: الجزم بسقوطه، و حكي عن الشيخ عبد اللّه بن صالح البحراني. لقصور سند بعض النصوص الدالة عليه، أو اشتماله- صريحاً أو ظاهراً- على ما لا يقول به الأصحاب، أو لمعارضته بنصوص تحليل حقهم لشيعتهم. لكن الأول غير مطرد في الجميع. و لو سلم فغير قادح بعد الانجبار بالعمل. و الثاني لا يقدح في الحجية. و الثالث لا يهم، لإمكان الجمع بالتقييد، إذ نصوص التحليل ما بين مطلق يمكن تقييده،

كصحيح الفضلاء عن أبي جعفر (ع): «قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا. ألا و إن شيعتنا من ذلك و آباءهم في حل» «3».

و نحوه غيره. و بين ما يختص بحال الضيق و الإعواز،

كصحيح ابن مهزيار: «قرأت في كتاب لأبي جعفر (ع) من رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله و مشربه من الخمس.

فكتب (ع) بخطه: من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل» «4»

أو تحليل المناكح،

كخبر ضريس الكناسي. «قال أبو عبد اللّه: أ تدري من أين

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 2.

517
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

.....

دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري. فقال (ع): من قبل خمسنا أهل البيت. إلا لشيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم و لميلادهم» «1».

و نحوه‌

خبر أبي خديجة: «قال رجل: حلل لي الفروج. ففزع أبو عبد اللّه (ع) فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادماً يشتريها أو امرأة يتزوجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطيه. فقال (ع) هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب، و الميت منهم و الحي ..» «2»

أو التحليل لما يشتري ممن لا يعتقد وجوب الخمس لما فيه من المشقة العظيمة‌

كخبر يونس بن يعقوب: «كنت عند أبي عبد اللّٰه (ع)، فدخل عليه رجل من القماطين. فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأموال و الأرباح و تجارات نعلم أن حقك فيها ثابت، و إنا عن ذلك مقصرون. فقال أبو عبد اللّه (ع): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم» «3»

فان قوله (ع):

«ما أنصفناكم ..»

ظاهر في ذلك. أو خصوص الغنيمة و الفي‌ء،

كخبر أبي حمزة: «إن اللّٰه تعالى جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفي‌ء فقال تبارك و تعالى: «وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ ..) فنحن أصحاب الخمس و الفي‌ء، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. و اللّه يا أبا حمزة ما من أرض تفتح، و لا خمس يخمس، فيضرب على شي‌ء منه إلا كان حراماً على من يصيبه، فرجاً كان، أو مالا، أو انفالا» «4»

و‌

خبر الحرث الآخر: «يا نجية إن لنا الخمس في كتاب اللّه، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال

.. (إلى أن قال) (ع):

اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» «5»

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 19.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 14.

518
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

.....

أو تحليل الأرض و أنهارها، كخبري يونس بن ظبيان «1» أو المعلى بن خنيس و مسمع «2». أو تحليل الأرض الموات، كصحيح عمر بن يزيد «3» أو غير ذلك مما لا يرتبط بما نحن فيه.

و بالجملة: بعد ورود النصوص المتقدمة الدالة على عدم العفو عن الخمس، يتعين حمل النصوص المتضمنة لتحليله على أحد الوجوه المذكورة التي ورد فيها التحليل في النصوص، جمعاً عرفياً بينها. و لا سيما بعد إعراض الأصحاب عن ظاهرها، و حكاية الاتفاق على خلافها، و منافاتها للغرض من تشريع الخمس لبني هاشم و تحريم الصدقة عليهم. و‌

في رواية الطبري في جواب الرضا (ع) لمن سأله الاذن في الخمس: «إن الخمس عوننا على ديننا، و على عيالنا، و على موالينا، و ما نبذله و نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته

.. (إلى أن قال) (ع):

و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب» «4».

نعم قد يشكل الحمل‌

في خبر حكيم مؤذن بني عبس عن أبي عبد اللّه (ع): «قلت له: (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ ..)

قال (ع): هي و اللّٰه الإفادة يوماً بيوم. إلا أن أبي (ع) جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكوا» «5».

و لعل المراد به العفو عن لزوم الدفع للخمس يوماً فيوماً، أو غير ذلك، كي لا ينافي ما نحن فيه، مما يتعين العمل به و طرح معارضه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 17.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 13.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 8.

519
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

و مئونة عياله (1)، من أرباح التجارات، و من سائر التكسبات- من الصناعات، و الزراعات، و الإجارات- حتى الخياطة و الكتابة، و النجارة، و الصيد، و حيازة المباحات، و أجرة العبادات الاستيجارية من الحج و الصوم و الصلاة، و الزيارات و تعليم الأطفال و غير ذلك من الأعمال التي لها أجرة.

ثمَّ إن الظاهر أنه لا إشكال في استثناء مئونة السنة. و قد حكي الإجماع عليه عن صريح السرائر، و ظاهر الانتصار و الخلاف و المعتبر و التذكرة و المنتهى و مجمع الفائدة و المدارك و الذخيرة و المستند و غيرها. و قد تقدم في صحاح ابن مهزيار و غيرها ما يدل عليه. نعم ليس فيها و لا في غيرها تعرض صريح لكون المراد منها مئونة السنة، كما اعترف به في الحدائق و غيرها. نعم يقتضيه الإطلاق المقامي، إذ إرادة غيرها مما لا قرينة عليه، بخلاف مئونة السنة، فيقال: «زيد يملك مئونته أو لا يملك» أو «يقدر على مئونته أو لا يقدر» و المراد منه ذلك. و كأن السر فيه: اختلاف أوقات السنة بوجود المؤنة و عدمها و وجود الربح و عدمه، فرب وقت فيه ربح و لا مئونة و رب وقت على العكس. و لما كان ذلك ناشئاً من اختلاف الأحوال الحادثة في السنة، من الحر و البرد، و المطر و الصحو و غير ذلك، كان المعيار عندهم في مثل قولهم: «ربح فلان مقدار مئونته، أو لم يربح مقدار مئونته» ذلك.

و بالجملة: ما ذكر يصلح قرينة على إرادة مئونة السنة، و ليس ما يصلح قرينة لإرادة غيرها، فيتعين البناء عليها عند الإطلاق. بل قد يشير اليه الجمع بين نصوص استثناء المؤنة و‌

صحيح ابن مهزيار: «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ..» «1».

فلاحظ.

كما عرفت التصريح به في النص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

520
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

بل الأحوط ثبوته في مطلق الفائدة (1) و إن لم تحصل بالاكتساب، اختلفت عبارات الأصحاب في تحديد موضوع الخمس في هذا القسم، فعن بعضها: الاقتصار على أرباح التجارات، و عن الآخر: الاقتصار على المكاسب، و عن ثالث: الاقتصار على حاصل أنواع التكسبات، من التجارة و الصناعة و الزراعة، و عن رابع: الاقتصار على أرباح التجارات و الغلات و الثمار. و قريب منها غيرها. و مع هذا الاختلاف فهي مشتركة في اعتبار التكسب، الذي هو القصد إلى حصول المال.

و يخالفها في ذلك ظاهر جملة أخرى، ففي بعضها- كالسرائر-:

«سائر الاستفادات و الأرباح و المكاسب و الزراعات ..»، و في النهاية:

«جميع ما يغنمه الإنسان، من أرباح التجارات، و الزراعات، و غير ذلك ..»‌

و عن الخلاف: «جميع المستفاد، من أرباح التجارات و الغلات و الثمار ..»‌

و في الغنية: «كل مستفاد من تجارة أو زراعة و صناعة و غير ذلك من وجوه الاستفادة أي وجه كان ..» و نحوها غيرها.

و الظاهر أن السين في المقام للصيرورة لا للطلب «1»، و مقتضى ذلك وجوب الخمس في كل فائدة و إن لم تكن بقصد. و الظاهر من حكاية الإجماع في كلمات الطائفتين- و لا سيما بملاحظة اشتمال الكتاب الواحد على العبارتين- أن المراد واحد، إما بحمل الأول على المثال، لأنه الغالب، كالاقتصار في بعضها على المكاسب و في آخر على أرباح التجارة. أو بحمل الثاني على إرادة الفائدة المالية المطلوبة المقصودة. و يشهد للثاني: بناؤهم- كما قيل- على عدم وجوب الخمس في الميراث و الهدية و الصدقة. كما يشهد للأول: ما عن المدارك من جعل ذلك من قبيل الاستثناء، فان الاستثناء فرع العموم.

______________________________
(1) المراد هي صيغة باب الاستفعال، كالاستفادة.

521
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

كالهبة، و الهدية، و الجائزة، و المال الموصى به و نحوها (1).

كما يشهد له أيضاً: استدلالهم بالآية الشريفة «1»، مصرحين بأن المراد من الغنيمة فيها مطلق الفائدة، و بالنصوص المتضمنة للتعبير بما يستفيده الرجل، أو: «الإفادة يوماً بيوم» أو: «ما أفاد الناس» أو: «ما يفيد إليك في تجارة، أو حرث بعد الغرام، أو جائزة» أو نحو ذلك، مما هو ظاهر أو صريح في التعميم لغير الكسب و التجارة من أنواع الفائدة.

و كيف كان فمقتضى النصوص عموم الحكم لكل فائدة و إن لم تكن عن قصد و اختيار، فضلا عما كانت كذلك. و حينئذ يضعف القول باعتبار صدق التكسب- كما نسب إلى المشهور- فضلا عن القول باعتبار اتخاذه مهنة، كما عن الجمال في حاشيته عن اللمعتين. كيف و لازمه عدم الخمس في الثمار، و نماء الحيوان، كاللبن و الصوف و السخال و غير ذلك؟ و سيجي‌ء التصريح بوجوب الخمس فيه.

كما يشهد له- مضافاً إلى العمومات-

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في الرجل يهدي اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (ع): الخمس في ذلك» «2»

و‌

خبر يزيد في تفسير الفائدة: «الفائدة ما يفيد إليك في تجارة من ربحها، و حرث بعد الغرام، أو جائزة» «3».

و‌

في صحيح ابن مهزيار: فالغنائم و الفوائد- يرحمك اللّه- فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن» «4».

و يشير اليه‌

خبر علي بن الحسين بن عبد ربه: «سرح

______________________________
(1) و هي قوله تعالى (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ ..) الأنفال: 41.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 7.

(4) تقدمت الإشارة إلى محله قريباً. فلاحظ.

522
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

بل لا يخلو عن قوة (1). نعم لا خمس في الميراث (2)، إلا

الرضا (ع) بصلة إلى أبي، فكتب إليه أبي، هل علي فيما سرحت إلى خمس فكتب (ع) اليه: لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس» «1».

إذ لو لم يكن خمس في التسريح كان الأولى التعليل به لا بكونه تسريحاً من صاحب الخمس. و كأن تقييد الجائزة في المكاتبة بما كان لها خطر من جهة أن ما ليست كذلك تكون من المؤن غالباً، كما قيل.

و عن الحلبي الجزم به، و في اللمعة و الروضة: أنه حسن. و قواه شيخنا الأعظم (ره) في رسالته. و توقف فيه في المعتبر و الدروس و البيان، و كذا في الجواهر: «لظاهر النصوص. و لأن ظاهر الأصحاب عدمه ..»‌

و في السرائر: «ذكر بعض الأصحاب: أن الميراث و الهدية و الهبة فيه الخمس، ذكر ذلك أبو الصلاح الحلبي في كتاب الكافي الذي صنفه، و لم يذكره أحد من أصحابنا إلا المشار اليه. و لو كان صحيحاً لنقل أمثاله متواتراً، و الأصل براءة الذمة ..» و ظاهره الاتفاق على عدمه.

و لكنه كما ترى، فان عدم تعرضهم لثبوت الخمس فيه أعم من بنائهم على العدم. و تعبيرهم بالتكسب و نحوه قد عرفت إشكاله. على أن قبول الهدية نوع من التكسب، كما في الروضة و غيرها. و لذا نسب في المعتبر إنكار ذلك إلى بعض المتأخرين. و لعله أراد ابن إدريس، و لم ينسبه إلى الأصحاب كما صنع ابن إدريس. و كذا في الدروس نسب المنع إلى ابن إدريس خاصة، فإذاً ما ذكره في المتن في محله، أخذاً بظاهر النصوص عموماً و خصوصاً المحكي عن أبي الصلاح: إلحاق الميراث مطلقاً بالهبة، و كذا من وافقه على ذلك و من خالفه. و المذكور في صحيح ابن مهزيار: التفصيل بين الذي لا يحتسب و غيره. و لأجله فصل في المتن بين المحتسب فجزم بعدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

523
مستمسک العروة الوثقى9

السابع: ما يفضل عن مئونة سنته ؛ ج‌9، ص : 515

في الذي ملكه من حيث لا يحتسب، فلا يترك الاحتياط فيه، كما إذا كان له رحم بعيد (1) في بلد آخر لم يكن عالماً به فمات، و كان هو الوارث له. و كذا لا يترك في حاصل الوقف الخاص (2)، بل و كذا في النذور. و الأحوط استحباباً ثبوته في عوض الخلع، و المهر (3)، الخمس فيه اعتماداً على مفهوم الوصف، و غيره فتوقف فيه، إذ لا شبهة في عدم صدق التكسب فيه، و بذلك افترق عن الهبة.

الظاهر أنه يكفي- في كونه غير محتسب- عدم العلم بوجود الرحم و إن كان قريباً، ما لم يكن أباً أو ابناً، كما قيده به في النص. و يحتمل أن يكون قوله (ع):

«من غير أب و لا ابن»

تفسيراً لغير المحتسب، لأن الأب و الابن يرث أحدهما الآخر على كل حال. و فيه: أن ذلك لا يختص بهما بل يجري في الأم و البنت.

الملك في الوقف، تارة: يكون بمجرد جعل الوقف، كما لو وقفه على أن يكون نماؤه لأولاده، فيكون فائدة بلا قبول كالميراث.

و أخرى يكون محتاجاً إلى القبول، كما لو وقفه على أن يعطى نماؤه لأولاده فيكون بالقبول ملكاً، و حينئذ يكون بحكم الهبة. و كذا الحال في النذر، فقد يكون من قبيل نذر النتيجة فيكون كالميراث، و قد يكون من قبيل نذر الفعل فيكون كالهبة. لكن تقدم الإشكال في صحة نذر النتيجة.

لم يتضح الفرق بين هذين و غيرهما من الفوائد. و ما في الحدائق في الثاني، من أنه عوض البضع- لو سلم- لا يجدي، إذ يكون حاله حال الأجرة التي هي عوض العمل. و لذا عدهما في نجاة العباد في سلك الهبة و الهدية و غيرهما من أفراد الفائدة.

524
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 50): إذا علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه ؛ ج‌9، ص : 525

و مطلق الميراث حتى المحتسب منه (1) و نحو ذلك.

[ (مسألة 50): إذا علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه]

(مسألة 50): إذا علم أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب إخراجه (2)، سواء كانت العين- التي تعلق بها الخمس- موجودة فيها أو كان الموجود عوضها (3). بل لو علم باشتغال ذمته بالخمس وجب إخراجه من تركته مثل سائر الديون.

[ (مسألة 51): لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة (4) أو الصدقة المندوبة]

(مسألة 51): لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة (4) أو الصدقة المندوبة (5) و إن زاد عن مئونة السنة. نعم لو نمت في ملكه ففي نمائها يجب، كسائر النماءات.

[ (مسألة 52): إذا اشترى شيئاً ثمَّ علم أن البائع لم يؤد]

(مسألة 52): إذا اشترى شيئاً ثمَّ علم أن البائع لم يؤد كما يقتضيه إطلاق المحكي عن أبي الصلاح و من تبعه.

إذ لا مقتضي لسقوطه بالموت، و كفى بالاستصحاب دليلا على بقائه.

إذا كانت المعاملة على خمس العين باطلة يكون الخمس في الذمة فيكون كالفرض الذي بعده، و يكون العوض مشتركاً بين من انتقل عنه و من انتقل اليه.

كما في كشف الغطاء. نظراً إلى أنه ملك للسادة أو الفقراء، فكأنه يدفع إليهم ما يطلبونه، فيشكل صدق الفائدة، كذا في رسالة شيخنا الأعظم (رحمه اللّٰه). و لكنه غير ظاهر، إذ لو سلم ما ذكر فملك شخص الفقير إنما كان بالقبض، فالحكم فيه هو الحكم في الهبة بعينه، لاشتراكهما في صدق الفائدة الاختيارية.

الصدقة المندوبة كالهدية و الهبة، غاية الأمر يعتبر فيها القربة دونهما.

و هذا المقدار من الفرق لا يوجب الفرق في صدق الفائدة. و الشبهة المتقدمة في الخمس و الزكاة غير آتية فيها.

525
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 53): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس ؛ ج‌9، ص : 526

خمسه كان البيع بالنسبة إلى مقدار الخمس فضولياً (1)، فإن أمضاه الحاكم رجع عليه بالثمن، و يرجع هو على البائع إذا أداه، و إن لم يمض فله أن يأخذ مقدار الخمس من المبيع.

و كذا إذا انتقل إليه بغير البيع من المعاوضات. و إن انتقل اليه بلا عوض يبقى مقدار خمسه على ملك أهله.

[ (مسألة 53): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس]

(مسألة 53): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس أو تعلق بها لكنه أداه- فنمت و زادت زيادة متصلة أو منفصلة، وجب الخمس في ذلك النماء (2). و أما لو ارتفعت قيمتها السوقية من غير زيادة عينية لم يجب خمس تلك الزيادة (3)، لعدم صدق التكسب، و لا صدق حصول هذا إذا لم يكن له ولاية التبديل. و سيأتي- إن شاء اللّه- الكلام في ذلك.

كما عن جمع التصريح به، منهم العلامة في التحرير، و الشهيد الثاني في المسالك. قال ثانيهما: «لو زاد ما لا خمس فيه زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد ..». لكن إطلاق وجوب الخمس فيه مبني على وجوبه في مطلق الفائدة، و لو بني على اختصاصه بالتكسب كان الواجب تقييده به هنا. كما يشكل أيضاً وجوبه في النماء المتصل- كالسمن و نحوه- لعدم وضوح صدق الفائدة عليه. نعم مثل الصوف و الثمرة حاله حال المنفصل.

كما عن التحرير و المنتهى. و استجوده في الحدائق، و لم يستبعده في الغنائم، و جزم به في الجواهر، و استظهره شيخنا الأعظم، معللا له بما في المتن. و في المسالك قال- بعد عبارته السابقة-: «و في الزيادة‌

526
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 53): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس ؛ ج‌9، ص : 526

الفائدة. نعم لو باعها لم يبعد وجوب خمس تلك الزيادة من الثمن. هذا إذا لم تكن تلك العين من مال التجارة و رأس مالها (1).

كما إذا كان المقصود من شرائها أو إبقائها في ملكه الانتفاع لارتفاع السوق نظر ..». لكن في الروضة جزم بالوجوب. و فيه: أن الظاهر من الفائدة و الغنيمة الزيادة في المال، و ذلك لا يتحقق بزيادة القيمة إذ لا زيادة في المال معها، و إنما تكون الزيادة في المالية، التي هي من قبيل الأمر الاعتباري المنتزع من وجود الراغب و الباذل. و منه يظهر أنه لا فرق بين البيع و عدمه، إذ البيع إنما يقتضي تبديل المال بمال آخر، لا زيادة مال على ماله. و لذا أطلق في التحرير نفي الخمس في الارتفاع، خلافاً لما يظهر من محكي المنتهى، حيث قال: «أما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه، و لم يبعه، لم يجب فيه ..». فان ظاهر التقييد بعدم البيع وجوب الخمس لو باعه.

هذا إذا ملكها بغير معاوضة فباعها، كما لو ورثها فباعها، أو وهبت له فباعها، أو اشتراها للاقتناء فباعها بغير جنس الثمن، كما لو اشترى فرساً بدينار فباعها ببقرة أو بدراهم مع زيادة قيمتها في جميع ذلك، فإنه لا خمس عليه في جميع ذلك، لعدم الزيادة المالية. أما إذا ملكها بالمعاوضة للاقتناء فزادت قيمتها فباعها بأكثر من الثمن، وجب الخمس في الزيادة حينئذ، لصدق الفائدة. فإطلاق وجوب الخمس في الزيادة إذا باع العين- كما في المتن- غير ظاهر. إلا أن يكون منصرف كلامه صورة البيع بزيادة على الثمن.

يعني: المال الذي قصد الاسترباح به، في قبال ما لم يقصد الاسترباح به. سواء قصد الاسترباح بنمائه- كما لو اشترى داراً للاسترباح بأجرتها، أو بقرة ليبيع لبنها فزادت قيمتهما- أو لم يقصد الربح بنمائه أصلا، كما لو اشترى داراً ليسكنها، أو بقرة ليشرب لبنها.

527
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 53): إذا كان عنده من الأعيان التي لم يتعلق بها الخمس ؛ ج‌9، ص : 526

بنمائها أو نتاجها أو أجرتها أو نحو ذلك من منافعها، و أما إذا كان المقصود الاتجار بها فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها (1) بعد تمام السنة، إذا أمكن بيعها و أخذ قيمتها.

كما في رسالة شيخنا الأعظم (ره)، و به جزم في الجواهر، حاكياً له عن الروضة و غيرها. لصدق الربح و الفائدة. و في الحدائق:

«و هل يكفي ظهور الربح في أمتعة التجارة، أم يحتاج الى البيع و الإنضاض؟

وجهان. و لعل الثاني أقرب ..» و في الغنائم: «فيه وجهان، استقرب في الكفاية الثاني ..».

أقول: ما في الجواهر و غيرها من صدق الربح و الفائدة بمجرد الزيادة المالية، غير ظاهر، كما عرفت في المسألة السابقة. بل الظاهر عدم الصدق حقيقة، و لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة. نعم تفترقان بإمكان صدق الفائدة بالقوة هنا و عدمه هناك، إذ على تقدير الإنضاض هنا تحصل الفائدة و الزيادة، و ليس كذلك هناك، بل ليس إلا تبديل مال بآخر و عروض بثمن، فالبناء على وجوب الخمس هنا يتوقف على فهم الفائدة- و لو بالقوة- من الأدلة. لكنه غير واضح. و لذا استشكل في الجواهر فيما هو المشهور في باب المضاربة، من ملك العامل الحصة بمجرد ظهور الربح.

و قد نقل كلامه المصنف (ره) هناك، و أورد عليه بما هو غير واضح.

فلاحظ. و سيأتي منه في المسألة الآتية تعليل عدم ضمان خمس الزيادة بنحو ينافي ما ذكره هنا.

و الانصاف أنه لا يبعد صدق الفائدة عرفاً، بلحاظ أن العين لما كانت عوضاً عن مال بعينه، فكلما ارتفعت القيمة على ذلك المال صدق الربح و الفائدة عرفاً بلحاظ إمكان التبديل اليه بزيادة. و الظاهر أن هذا المعنى من الفائدة هو المأخوذ موضوعاً في نصوص الخمس. كما أنه هو الموضوع في‌

528
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 54): إذا اشترى عينا للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية ؛ ج‌9، ص : 529

[ (مسألة 54): إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية]

(مسألة 54): إذا اشترى عيناً للتكسب بها فزادت قيمتها السوقية، و لم يبعها غفلة أو طلباً للزيادة، ثمَّ رجعت قيمتها إلى رأس مالها أو أقل قبل تمام السنة، لم يضمن خمس تلك الزيادة، لعدم تحققها في الخارج (1). نعم لو لم يبعها عمداً- بعد تمام السنة و استقرار وجوب الخمس- ضمنه (2).

[ (مسألة 55): إذا عمر بستاناً، و غرس فيه أشجاراً و نخيلا]

(مسألة 55): إذا عمر بستاناً، و غرس فيه أشجاراً و نخيلا للانتفاع بثمرها و تمرها، لم يجب الخمس في نمو تلك الأشجار و النخيل (3). و أما إن كان من قصده الاكتساب باب المضاربة و في الأحكام العرفية القانونية و غيرها. نعم لا يبعد اختصاص ذلك بما إذا كان شراء العين للاتجار بها و التكسب، فلا يعم صورة شرائها للاقتناء و نحوه، فيتوقف صدق الربح فيه على البيع.

إذا كان عدم التحقق في الخارج مانعاً من تملك المستحق لخمسها فلا فرق بين هذا الفرض و ما تقدم في المسألة السابقة و ما في ذيل هذه المسألة. و ان لم يكن مانعاً عن ذلك فلا يصلح تعليلا لعدم الضمان. و الأولى تعليله: بأن عدم البيع- غفلة أو طلباً للزيادة- ليس تفريطاً موجباً للضمان و الأصل البراءة منه. نعم لو كان عدم البيع لا لعذر كان اللازم الضمان كما في الصورة الآتية. و كان المناسب التعرض لهذا الفرض هنا.

قد عرفت أن هذا مبني على تعلق الخمس بمجرد ظهور الربح، الحاصل بزيادة القيمة و المالية. و كان المناسب التعرض لصورة ترك البيع غفلة أو طلباً للزيادة، مما يكون عذراً في ترك البيع و مانعاً من صدق التفريط و اللازم البناء على عدم الضمان.

كأنه: لعدم قصد التكسب و الاسترباح به. لكنه يتم بناء على.

529
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 56): إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة ؛ ج‌9، ص : 530

بأصل البستان فالظاهر وجوب الخمس في زيادة قيمته، و في نمو أشجاره و نخيله (1).

[ (مسألة 56): إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة]

(مسألة 56): إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة كأن يكون له رأس مال يتجر به، و خان يؤجره و أرض يزرعها، و عمل يد مثل الكتابة أو الخياطة أو التجارة أو نحو ذلك- يلاحظ في آخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع، فيجب عليه خمس ما حصل منها، بعد خروج مئونته (2).

اعتباره في وجوب الخمس. و قد تقدم منه خلاف ذلك، فلا يظهر وجه الجزم بالعدم هنا. مضافاً إلى منافاته لما تقدم في صدر المسألة الثالثة و الخمسين من وجوب الخمس في الزيادة المتصلة و المنفصلة. اللهم إلا أن يكون المراد مما هنا صورة ما لو كان المقصود الانتفاع بعين النماء، لاحتياجه اليه و كونه من المؤن. لكنه خلاف ظاهر المقابلة مع الشق الثاني. فالفرض على ظاهره حكمه حكم الفرض السابق في المسألة المذكورة، فيجب الخمس في النماء المذكور لصدق الفائدة و الغنيمة. نعم إذا كان النماء متصلا لم يجب الخمس فيه، كما سبق بيانه.

لكون كل منهما ربحاً لمال التجارة بناء على ما سبق في زيادة قيمة مال التجارة، من وجوب الخمس فيه. أما بناء على الاشكال فيه يختص الخمس بالنمو، يعني: المنفصل دون المتصل قال في الدروس و الحدائق: «و لا يعتبر الحول في كل تكسب، بل يبدأ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه، فإذا تمَّ خمس ما فضل ..»‌

و مال إليه في محكي المدارك و الكفاية، بل حكي أيضاً عن حاشية الشرائع‌

530
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 56): إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة ؛ ج‌9، ص : 530

.....

للكركي. فإذا شرع في الكسب بأحد الأنواع أول المحرم، لاحظ مجموع الأرباح الحاصلة له من ذلك النوع و من غيره من الأنواع إلى آخر ذي الحجة ربحاً واحداً، كما يلاحظ جميع المؤن التي عليه في تمام السنة المذكورة مئونة واحدة، و يستثني مجموع المؤنة من مجموع الربح، و الباقي يجب الخمس فيه.

هذا و في الروضة: «و لو حصل الربح في الحول تدريجاً اعتبر لكل خارج حول بانفراده. نعم توزع المؤنة في المدة المشتركة بينه و بين ما سبق عليهما، و يختص بالباقي، و هكذا ..». و في المسالك: «و إنما يعتبر الحول بسبب الربح، فأوله ظهور الربح، فيعتبر منه مئونة السنة المستقبلة و لو تجدد ربح آخر في أثناء الحول كانت مئونة بقية الحول الأول معتبرة منهما. و له تأخير إخراج خمس الربح الثاني إلى آخر حوله، و يختص بمؤنة بقية حوله بعد انقضاء حول الأول، و هكذا ..». و نحوه ما في غيرها.

فلو ربح في الأول من المحرم عشرة دراهم، و في الأول من رجب عشرة دراهم، و في الأول من ذي الحجة عشرة دراهم، استثنى من الأول مئونة السنة التي تنتهي بأول المحرم الثاني. و من الثاني مئونة السنة التي تنتهي بأول رجب الثاني. و من الثالث مئونة سنته التي تنتهي بأول ذي الحجة الثاني.

فمئونة ما بين محرم و رجب يختص استثناؤها بالربح الأول، و لا يجوز استثناؤها من الربحين الأخيرين، لعدم كونها في سنتهما. كما أن مئونة ما بين رجب و ذي الحجة لا يجوز استثناؤها من الربح الأخير، لعدم كونها في سنته، بل تستثنى من الأولين- على التوزيع أو التخيير- على اختلاف الوجهين.

و مئونة ذي الحجة تستثنى من الأرباح الثلاثة، لأنها مئونة سنيها، على التوزيع أو التخيير.

و قد يدعى تعين الثاني، تارة: من جهة أن الأرباح المتدرجة في الزمان متعددة حقيقة، فملاحظتها أمراً واحداً محتاج إلى عناية. و أخرى: من‌

531
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 56): إذا كان له أنواع من الاكتساب و الاستفادة ؛ ج‌9، ص : 530

.....

جهة أنه لا بد من تقييد الأرباح بالسنة على الوجه الأول، مع أنه لا قرينة عليه. بخلاف الوجه الثاني. و ثالثة: من جهة ما تقدم في الغوص و المعدن و الكنز، من البناء على ملاحظة كل فرد مستقلا موضوعاً للحكم مع التعدد عرفاً. و لا يظهر الفرق بينهما و بين المقام.

اللهم إلا أن يدفع ذلك كله: أن البناء على الثاني يستوجب ملاحظة مقدار المؤن- الواقعة فيما بين الأرباح- و ضبطها على نحو يعلم كيفية التوزيع و ذلك حرج شديد في أكثر أنواع الاكتساب. لا سيما في مثل الصانع الذي يربح في كل يوم أو في كل ساعة شيئاً. و لو وجب مثل ذلك لزم الهرج و المرج، و لكثر السؤال و استيضاح الحال على نحو لا يبقى على مثل هذا الإهمال و الاشكال، فدل عدم ذلك على عدمه. و لذا قال في الجواهر:

«قد يدعى القطع به- يعني بالأول- في نحو الصنائع المبني ربحها على التجدد يوماً فيوماً أو ساعة بعد أخرى ..».

مضافاً إلى أن ظهور المؤنة في مئونة السنة مساوق لظهور الربح في ربح السنة، بقرينة الارتكاز العرفي. فكأنه قيل: «يجب الخمس في ربح السنة بعد وضع مئونتها». و يشير إلى ذلك ما‌

في صحيح ابن مهزيار: «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ..» «1»

، فتكون الأرباح الواقعة في كل سنة ملحوظة بما أنها ربح السنة، و يجب فيها الخمس بعد استثناء مئونة تلك السنة. و بذلك افترق المقام عما تقدم في الغوص و المعدن و الكنز، من ملاحظة كل فرد في قبال غيره، لعدم مجي‌ء ما ذكرنا فيه.

و بما ذكرنا يظهر أنه لا فرق بين اتحاد جنس التجارة و تعدده، لاشتراك ما ذكرنا في الجميع على نحو واحد. و اللّه سبحانه أعلم.

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

532
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 57): يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره ؛ ج‌9، ص : 533

[ (مسألة 57): يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره]

(مسألة 57): يشترط في وجوب خمس الربح أو الفائدة استقراره (1)، فلو اشترى شيئاً فيه ربح و كان للبائع الخيار لا يجب خمسة إلا بعد لزوم البيع و مضي زمن خيار البائع.

[ (مسألة 58): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً]

(مسألة 58): لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازماً، فاستقاله البائع فأقاله، لم يسقط الخمس (2).

إلا إذا كان من شأنه أن يقيله (3)، كما في غالب موارد البيع بشرط الخيار إذا رد مثل الثمن.

[ (مسألة 59): الأحوط إخراج خمس رأس المال]

(مسألة 59): الأحوط إخراج خمس رأس المال (4) لأنه منصرف النصوص. لكن يكفي الاستقرار الواقعي بنحو الشرط المتأخر، فحينئذ يجب خمسه إذا كان البيع يلزم بعد ذلك. فلو ربح في آخر السنة، و كان لزوم البيع في أثناء السنة اللاحقة، فإذا لم يفسخ من له الفسخ في السنة الثانية انكشف تحقق الربح في السنة السابقة، و كان من أرباحها لا من أرباح السنة اللاحقة.

لإطلاق أدلته، و أصالة عدم سقوطه.

إذ حينئذ تكون الإقالة من قبيل المؤن المستثناة. و حينئذ فإن كانت في سنة الربح لم يجب الخمس، و إن كانت في السنة اللاحقة وجب لعدم استثنائها. و يحتمل أن تكون مانعة من صدق الربح، فلا فرق بين الصورتين. لكنه غير ظاهر.

قال في الغنائم: «لا إشكال في أن رأس المال، و ما لا يعد للصرف و يدخر للقنية- كالفرش، و الظروف، و نفس الضيعة التي هي مستغل لها، و أمثال ذلك- لا يحسب من المؤنة ..». و قال فيها بعد ذلك. «و الظاهر أن تتميم رأس المال لمن احتاج اليه في المعاش من المؤنة،

533
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 59): الأحوط إخراج خمس رأس المال ؛ ج‌9، ص : 533

.....

كاشتراء الضيعة لأجل المستغل ..». و المراد بالأولى صورة عدم الحاجة، و بالثانية صورة الحاجة فلا تنافي بين العبارتين.

و المراد من الحاجة أن يكون المالك بنحو يحتاج- بحسب شأنه- أن يكون له رأس مال يتجر به، بحيث يكون اتجاره عامل مضاربة- مثلا- نقصاً عليه و خلاف ما ينبغي له. فهذا المقدار- الذي يحتاجه في تجارته- حاله حال الفرش و الأواني المحتاج إليها معدود من مئونته، فإذا لم يجب الخمس فيها آخر السنة لم يجب الخمس فيه، لإطلاق ما دل على استثناء المؤنة. و كأن وجه توقف المصنف (ره) فيه: احتمال انصراف المؤنة عنه أو عدم شمولها له، فإنه يحتاج إليه في حصول المؤنة لا نفس المؤنة.

لكن الأوجه خلافه، فان المؤنة أعم من ذلك، فإن البقرة إنما يحتاج إليها لللبن- و كذلك الشجرة للثمرة- مع أنها معدودة عرفاً مئونة. مع أن المفروض أن الاحتياج الى رأس المال ليس لتحصيل المؤنة، بل لكونه في نفسه محتاجاً اليه و لو مع حصول مئونته من غيره، بأن كان له من يكفله و يعول به، فيكون حاله حال الحلي للمرأة. نعم هذا الفرض نادر، لكن الندرة لا تنافي صحة استثنائه على تقدير تحقق الفرض. نعم لو كان الاحتياج إليه لأجل تحصيل المؤنة، فصدق المؤنة عليه خفي. و يشكل لذلك استثناؤه من الخمس.

هذا و لكن قد يشكل ما ذكر من الاستثناء: بأن رأس المال إنما يكون محتاجاً إليه في السنة اللاحقة. أما في سنة الربح فهو حاصل لديه غير محتاج إلى رأس مال آخر. و لأجل أنه يختص استثناء المؤنة بما كان من مئونة سنة الربح فلا وجه لاستثنائه. و فيه: أنه إذا كان محتاجاً إليه في هذه السنة كانت حاله حال الظروف و الفرش و نحوهما مما يحتاج إلى عينه، فيكون من المؤنة و لا يتعلق به الخمس. و حصوله فعلا لا أثر له في خروجه‌

534
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 60): مبدأ السنة - التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها ؛ ج‌9، ص : 535

إذا كان من أرباح مكاسبه، فاذا لم يكن له مال من أول الأمر فاكتسب- أو استفاد مقداراً- و أراد أن يجعله رأس المال للتجارة و يتجر به، يجب إخراج خمسه على الأحوط ثمَّ الاتجار به.

[ (مسألة 60): مبدأ السنة- التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها]

(مسألة 60): مبدأ السنة- التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها حال الشروع في الاكتساب (1) فيمن شغله التكسب. و أما من لم يكن مكتسباً و حصل له فائدة اتفاقاً فمن حين حصول الفائدة.

عن مورد الاستثناء.

هذا و في رسالة شيخنا الأعظم (ره)- بعد أن عد من المؤنة تبعاً للغنائم تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش، كاشتراء الضيعة لأجل المستغل- قال (ره): «و الظاهر أنه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل، فيجوز صرف شي‌ء من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرتها و لو بعد سنين. و كذلك اقتناء إناث أولاد الانعام ..». و ما ذكره غير ظاهر، لأنه ليس من مئونة السنة، فلا تشمله الأدلة. و على هذا يتعين تقويمه في آخر السنة و إخراج خمسه. أو تخميس ثمنه، بناء على ما عرفت:

من أن ما يشترى للاقتناء- مما لم يكن من المؤنة- لا تلحظ قيمته، و إنما يلحظ ثمنه فقط.

كما في صريح عبارتي الدروس و الحدائق، المتقدمتين في المسألة السادسة و الخمسين. و اختاره شيخنا الأعظم، لأنه المتعارف في عام الربح، الذي تلحظ المؤنة بالنسبة إليه. فالزارع عام زراعته- التي تؤخذ مئونته من الزرع- أول الشروع في الزرع. و كذا عام التجارة و الصناعة، الذي‌

535
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 60): مبدأ السنة - التي يكون الخمس بعد خروج مئونتها ؛ ج‌9، ص : 535

.....

يأخذ التاجر و الصانع مئونته منه، فإنه أول زمان الشروع في التجارة و الصناعة. نعم ما لا يحصل بالاكتساب- من الفوائد و الغنائم- مبدأ عامه زمان حصوله، لأن نسبته إلى الأزمنة السابقة على السواء، فلا وجه لعد بعضها من عامه. و لأجله يضعف ما في الروضة و المسالك و عن المدارك، من كون مبدأ السنة ظهور الربح الذي هو زمان تعلق الخمس، و مال إليه في الجواهر، لأنه المنساق من النصوص و الفتاوى. بل هو الذي يقتضيه الإطلاق المقامي، فان عدم بيان مبدأ السنة- مع كون المتكلم في مقام البيان- يقتضي ذلك، لأن تعين زمان ظهور الربح يصلح أن يكون قرينة على تعين المبدأ، و ليس ما يصلح لتعيينه سواه، فيتعين أن يكون الاعتماد عليه.

وجه الضعف: أن التعارف أولى بالصلاحية للاعتماد عليه في التعيين اللهم إلا أن يقال: إنما يتم ذلك لو اختص الوجوب بالفوائد المكتسبة.

أما لو بني على عموم الحكم لمطلق الفائدة فلا مجال له، للزوم التفكيك في مبدأ العام بين الفوائد، إذ لا ريب أن مبدأ العام بالنسبة إلى الفوائد غير الحاصلة بالاكتساب أول زمان حصول الفائدة، و الخطاب لا يقبل التفكيك المذكور. و فيه: أن ذلك ليس تفكيكاً في مفهوم عام الربح، و إنما هو تفكيك في مصداقه، و لا مانع منه، فيراد من مئونة السنة عام الربح.

و كما يمكن اختلاف أعوام الربح باختلاف أزمنته، كذلك يمكن اختلافها باختلاف أنواع الربح، فان كان هناك تعارف في مبدأ العام بالنسبة إلى صنف خاص من الربح كان عليه المعول، و إلا كان المبدأ زمان الربح.

و الانصاف أن عام الربح مبدؤه زمان الربح، و عام التجارة أو الصناعة مبدؤه أول التجارة أو الصناعة، فإذا كان المفهوم من أدلة استثناء المؤنة مئونة عام الربح، كان مبدأه أول الربح. و إطلاق عام الربح على ما يكون أوله‌

536
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 61): المراد بالمؤنة ؛ ج‌9، ص : 537

[ (مسألة 61): المراد بالمؤنة]

(مسألة 61): المراد بالمؤنة (1) مضافاً إلى ما يصرف في تحصيل الربح- (2): ما يحتاج إليه لنفسه و عياله في معاشه زمان التجارة- مثلا- إنما يكون بعناية، يعني: عام التجارة الذي كان لأجلها الربح، فالإضافة إلى الربح بنحو من الواسطة، و حينئذ يكون حمل النصوص عليه غير ظاهر. و تعارف وضع المؤنة عن أول الكسب على الربح اللاحق لم يثبت في عصر صدور النصوص بنحو يرفع به اليد عن الإطلاق المقامي المتقدم.

إلا أن يقال: نصوص استثناء المؤنة مختلفة، فما كان وارداً منها في ربح التجارة و نحوها، فالمؤنة فيه تنصرف إلى مئونة سنة التجارة، كخبر علي بن شجاع، و صحيح ابن راشد، و صحيح ابن مهزيار «1». فان موضوعها التاجر و الصانع و صاحب الضيعة، فمبدأ السنة أول التجارة و الصناعة و الشروع في عمل الضيعة. و نحوها غيرها. و هذه الطائفة عمدة نصوص المؤنة، و أما غيرها مما ليس له مورد- مثل صحيح البزنطي، و توقيع الهمداني «2» فاما هو مهمل مجمل. أو مطلق يقيد بما ذكر، فلا يصلح لمعارضة ظهور الأول. و يكفي في دعوى كون مبدأ السنة حصول الفائدة- مما لم يكن معها عمل- الإجماع. فتأمل جيداً.

لفظ المؤنة- كسائر الألفاظ المذكورة في الكتاب و السنة- يرجع في تحديد مفهومها إلى العرف. و الظاهر منها مطلق ما يحتاج اليه عرفاً في جلب المحبوب أو دفع المكروه.

بلا إشكال و لا خلاف. و استثناؤها هنا أوضح من استثنائها فيما سبق من الغوص و المعدن و الكنز، لعدم صدق الفائدة و الربح إلا على ما يبقى.

______________________________
(1) تقدم ذكر الأخبار المذكورة في أوائل الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1، 2

537
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 61): المراد بالمؤنة ؛ ج‌9، ص : 537

- بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة- من المأكل و الملبس و المسكن، و ما يحتاج إليه لصدقاته و زياراته و هداياه (1) و جوائزه و أضيافه، و الحقوق اللازمة له بنذر، أو كفارة، أو أداء دين، أو أرش جناية، أو غرامة ما أتلفه عمداً أو خطأ.

و كذا ما يحتاج إليه، من دابة، أو جارية، أو عبد، أو أسباب بعد إخراجها، كما ذكر في الجواهر و غيرها. و لما‌

في مكاتبة يزيد- المتقدمة في تفسير الفائدة- من قوله (ع): «و حرث بعد الغرام» «1»

و لخبر ابن شجاع المتقدم. و على هذا يستثنى من الخمس جميع ما يصرفه التاجر في إدارة تجارته، من أجرة الدكان، و الحارس، و الحمال، و ضريبة الحكومة و السرقفلية، و أجرة الدلال، و أجرة الآلات التي يتجر بها، و غير ذلك مما صرفه في سبيل تجارته و كسبه، و كذلك ثمن القرطاس و الآلات المحتاج إليها كل ذلك يستثنى من الربح و يخمس ما زاد عليه. نعم إذا كانت الأعيان التي اشتراها غير مستهلكة تقوم بالقيمة و تضمه الى الربح، و منها حق السرقفلية إذا كان له قيمة و كان حقا شرعياً، فيقوم و يضم الى الربح.

حكي عن بعض الأجلة: الاستشكال في كون الهدية و الصلة اللائقين بحاله من المؤنة. و كذا مئونة الحج المندوب، و سائر سفر الطاعة المندوبة. بل استظهر العدم، و تبعه في المستند، إلا مع دعاء الضرورة العادية إليهما. و عن ابن فهد في الشاميات: تقييد الضيافة بالاعتياد و الضرورة و وافقه أيضاً في المستند. ثمَّ قال: «بل في كفاية الاعتياد أيضاً نظر.

إلا أن يكون بحيث يذم بتركها عادة ..».

أقول: عرفت أن المؤنة عبارة عما يحتاج إليه في جلب المحبوب و دفع المكروه. نعم إطلاق نصوص المؤنة منصرف إلى المتعارف، فالخارج غير‌

______________________________
(1) تقدم ذكر الرواية في أواخر الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

538
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 62): في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه - من المؤنة إشكال ؛ ج‌9، ص : 539

أو ظرف، أو فرش، أو كتب. بل ما يحتاج إليه لتزويج أولاده أو ختانهم و نحو ذلك، مثل ما يحتاج إليه في المرض، و في موت أولاده أو عياله، إلى غير ذلك مما يحتاج إليه في معاشه. و لو زاد على ما يليق بحاله مما يعد سفهاً و سرفاً بالنسبة إليه لا يحسب منها.

[ (مسألة 62): في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه- من المؤنة إشكال]

(مسألة 62): في كون رأس المال للتجارة مع الحاجة إليه- من المؤنة إشكال، فالأحوط- كما مر- إخراج خمسه أولا (1). و كذا في الآلات المحتاج إليها في كسبه، مثل آلات النجارة للنجار، و آلات النساجة للنساج، و آلات الزراعة للزراع، و هكذا .. فالأحوط إخراج خمسها أيضاً أولا.

[ (مسألة 63): لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه]

(مسألة 63): لا فرق في المؤنة بين ما يصرف عينه مستثنى، لا أنه ليس من المؤنة. فالمستحبات المتعارفة لمثل المالك داخلة في المستثنى، و غيرها خارج عنه و إن اشتركت في الصدق. و منه يظهر: أن مثل بناء المساجد، و عمارة الجسور و المعابر قد يستثنى بالنسبة إلى شخص و لا يستثنى بالنسبة إلى آخر، لاختلاف المتعارف بالنسبة إليهما. و هذا هو الذي أشار إليه في المتن و غيره بقوله: «بحسب شأنه اللائق بحاله في العادة ..».

و منه تعرف الوجه في عدم احتساب ما زاد عنها و إن لم يعد سرفاً و سفهاً، فضلا عما لو عد كذلك، الذي لا إشكال ظاهر في عدم عده من المؤن. و في حاشية الجمال على الروضة: نفي الريب فيه، و في الجواهر:

«لا أجد فيه خلافاً ..».

مر الكلام فيه. و هو بعينه جار بالإضافة إلى الآلات المحتاج إليها في كسبه.

539
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 64): يجوز إخراج المؤنة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه ؛ ج‌9، ص : 540

فتتلف، مثل المأكول و المشروب و نحوهما، و بين ما ينتفع به مع بقاء عينه (1)، مثل الظروف و الفروش و نحوها. فاذا احتاج إليها في سنة الربح يجوز شراؤها من ربحها و إن بقيت للسنين الآتية أيضاً.

[ (مسألة 64): يجوز إخراج المؤنة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه]

(مسألة 64): يجوز إخراج المؤنة من الربح و إن كان عنده مال لا خمس فيه (2)، بأن لم يتعلق به، أو تعلق و أخرجه. فلا يجب إخراجها من ذلك بتمامها، و لا التوزيع و إن كان الأحوط التوزيع، و الأحوط منه إخراجها بتمامها كما صرح به جمع كثير. لأنها من المؤنة، فتشملها إطلاقات استثنائها. و سيجي‌ء الكلام في وجوب إخراج خمسها إذا بقيت إلى نهاية السنة. أما لو تلفت في الأثناء- كما لو انكسر الإناء، أو احترق الفراش في أثناء السنة- فلا يجب إخراج خمسه قطعاً.

كما قواه في الروضة. و حكي عن المحقق الثاني و المدارك و الكفاية و الذخيرة و شارح المفاتيح، و استجوده في الحدائق، و جعله أصح الأقوال في كشف الغطاء، و قواه في الجواهر. و شيخنا الأعظم (ره) للأصل، و إطلاق ما تضمن: أن الخمس بعد المؤنة، الشامل لصورتي وجود مال آخر و عدمه و دعوى: أن الغالب الاحتياج إلى أخذ المؤنة من الربح، فتحمل النصوص عليه، مندفعة: بمنع الغلبة أولا. و بأن الغلبة لا تسقط الإطلاق عن الحجية ثانياً.

و لأجل ذلك يظهر ضعف ما عن الأردبيلي، من تعين إخراجها من غير الربح إذا كان له مال آخر، للاحتياط، و إطلاق أدلة الخمس.

إذ المتبادر مما دل على أن الخمس بعد المؤنة صورة الاحتياج إليه في المؤنة مع عدم صحة سنده. و الإجماع و نفي الضرر يختصان بصورة الاحتياج. مع‌

540
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 65): المناط في المؤنة ما يصرف فعلا لا مقدارها ؛ ج‌9، ص : 541

من المال الذي لا خمس فيه. و لو كان عنده عبد أو جارية أو دار أو نحو ذلك- مما لو لم يكن عنده كان من المؤنة- لا يجوز احتساب قيمتها من المؤنة و أخذ مقدارها (1)، بل يكون حاله حال من لم يحتج إليها أصلا.

[ (مسألة 65): المناط في المؤنة ما يصرف فعلا لا مقدارها]

(مسألة 65): المناط في المؤنة ما يصرف فعلا لا مقدارها فلو قتر على نفسه لم يحسب له (2). كما أنه لو تبرع بها متبرع أن ذلك يؤول إلى عدم الخمس في أموال كثيرة، مثل: أرباح تجارات السلاطين و زراعتهم، و أكابر التجار و الزراع. و هو مناف لحكمة شرع الخمس. و فيه: أن الاحتياط غير واجب. و التبادر الذي ذكره ممنوع.

و ضعف السند- لو تمَّ- منجبر بالعمل، فلا حاجة في الحكم إلى الإجماع و نفي الضرر، كي يمنع إطلاقهما. و اللازم الذي ذكره لا محذور فيه. كما يظهر أيضاً ضعف احتمال التوزيع- كما في الدروس و المسالك- عملا بالحقين و لمطابقته للعدل. هذا كله لو كان المال الآخر، مما من شأنه أن تؤخذ منه المؤنة. أما إذا لم يكن كذلك- كمال يتجر به، أو ضيعة يستغلها- فالمؤنة من الربح دونه إجماعاً، كما في المستند.

كما قواه في الجواهر، و استظهره شيخنا الأعظم (ره). لظهور المؤنة المستثناة فيما يحتاج اليه، و مع وجود الأمور المذكورة يكون مستغنياً غير محتاج. مضافاً إلى أن ظاهر دليل استثناء مقدار الربح- الراجع للمؤنة- خصوص ما يصرف و يبذل لتحصيلها، لا استثناء مقدارها مطلقاً.

و يفترق هذا الوجه عن الأول: أن الأول يمنع من شراء دار أخرى للسكنى- مثلا- إذا كان مستغنياً بداره الموجودة. و الثاني لا يمنع من ذلك، و إن كانا يشتركان في المنع، من احتساب قيمة ما يجده من المؤن.

كما في كشف الغطاء، و قواه في الجواهر تبعاً لكاشف الغطاء،

541
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 66): إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤنته ؛ ج‌9، ص : 542

لا يستثنى له مقدارها على الأحوط. بل لا يخلو عن قوة (1).

[ (مسألة 66): إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤنته]

(مسألة 66): إذا استقرض من ابتداء سنته لمؤنته، أو صرف بعض رأس المال فيها قبل حصول الربح، يجوز له وضع مقداره من الربح (2).

[ (مسألة 67): لو زاد ما اشتراه و ادخره للمؤنة]

(مسألة 67): لو زاد ما اشتراه و ادخره للمؤنة، من مثل الحنطة و الشعير و الفحم و نحوها، مما يصرف عينه فيها، يجب إخراج خمسه عند تمام الحول (3). و أما ما كان مبناه على بقاء عينه و الانتفاع به- مثل الفرش، و الأواني، و الألبسة و العبد، و الفرس، و الكتب، و نحوها- و مال اليه شيخنا الأعظم (ره). لما عرفت: من أن المنصرف من أدلة المؤنة ما يصرف بالفعل لا ما كان بالقوة. و لأجل ذلك يضعف ما في الروضة و المسالك، و عن المدارك و الكفاية. بل في الجواهر: «لا أعرف فيه خلافاً ..» و عن المناهل: «الظاهر عدم الخلاف فيه من أنه إذا قتر حسب له ..». و لذا قال الجمال في حاشية الروضة: «لا يبعد أن يكون المراد باستثناء قدر الاقتصاد: استثناء ما بذله في مئونته ما لم يتجاوز قدر الاقتصاد، لا أنه يستثنى له قدر الاقتصاد حتما ..».

كما استظهره شيخنا الأعظم (ره). لما سبق في التقتير.

بناء على ما تقدم منه: من أن السنة- التي تلحظ فيها المؤنة و الربح- مبدؤها أول الشروع في التجارة، فالمؤنة حينئذ تستثنى من الربح اللاحق. أما بناء على أن مبدأها ظهور الربح أو حصوله فلا وجه لوضع ذلك المقدار، لأنه من مئونة السنة السابقة.

بلا خلاف ظاهر. لعدم كونه من المؤنة.

542
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 67): لو زاد ما اشتراه و ادخره للمؤنة ؛ ج‌9، ص : 542

فالأقوى عدم الخمس فيها (1). نعم لو فرض الاستغناء كما استظهره في المستند، حاكياً التصريح به عن بعض فضلاء معاصريه. لاستصحاب عدمه. و في الجواهر الميل إلى وجوب تخميسها، لإطلاق أدلة الخمس، المقتصر في تقييدها على المتيقن، و هو مئونة السنة.

و فيه: أنها كانت من مئونة السنة، و بعد خروجها عن أدلة وجوب الخمس لا دليل على دخولها فيها.

فان قلت: لا ريب في أنها من الربح، فعدم شمول العموم لها في أثناء الحول- لكونها مئونة- لا يلزم منه عدم شموله لها بعده، لأن خروجها عن كأنها مئونة السنة حينئذ مانع من التمسك بالخاص، فيتعين الرجوع إلى العام. قلت: دليل استثناء المؤنة ظاهر في استثنائها مطلقاً، لا ما دام كونها مئونة فلاحظ‌

قولهم (ع): «الخمس بعد المؤنة» «1»

فإنه ظاهر في تخصيص عموم دليل الخمس الأفرادي، لا مقيد لإطلاقه الأحوالي. فاذا كان الشي‌ء مئونة كان مستثنى من الدليل، و مقتضى إطلاقه نفي الخمس فيه و لو خرج عن كونه مئونة السنة.

و لازم ذلك: أن لو احتاج إلى شراء بعض الأعيان في بعض الشهور و استغنى عنها في بقية السنة لم يجب الخمس فيها. و لا فرق بين كون زمان الاحتياج إليه قصيراً و طويلا. نعم إذا كان قصر الزمان مانعاً من صدق المؤنة عليه، لعدم جريان العادة بشرائه للانتفاع به في ذلك الزمان القصير و كانت العادة جارية باستعارته، لم يكن مستثنى من الخمس، لعدم كونه من المؤنة.

و ربما يجاب عن الاشكال المذكور- كما في المستند-: «بأن النصوص إنما تضمنت استثناء المؤنة، و تخصيصها بمؤنة السنة إنما كان بالتبادر و الإجماع‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

543
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 67): لو زاد ما اشتراه و ادخره للمؤنة ؛ ج‌9، ص : 542

.....

و كلاهما مفقود في مفروض المسألة ..». و فيه: أنه لا فرق في الإجماع و التبادر بين مفروض المسألة و غيره.

و يمكن أن يجاب أيضاً: بأن دليل الخمس مختص في كل عام بفائدة ذلك العام، كما هو ظاهر‌

قوله (ع): «فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ..» «1».

و الأعيان المذكورة في مفروض المسألة- بعد انقضاء السنة- و إن خرجت عن كونها مئونة السنة، لكنها ليست من فوائد العام اللاحق كي يجب الخمس فيها، و إنما هي من فوائد العام السابق، و المفروض عدم لزوم الخمس فيها في العام السابق. لكنه يقتضي وجوب الخمس في الأعيان المذكورة إذا استغنى عنها قبل آخر السنة فيجب تخميس ثياب الشتاء إذا كان انتهاء السنة في الصيف، و تخميس ثياب الصيف إذا كان انتهاء السنة في الشتاء. و كذا الحال في الأواني و الأفرشة و الاغطية و الآلات إذا كانت لا يحتاج إليها قبل آخر السنة بمدة. اللهم إلا أن يكون إعدادها معدوداً من المؤنة عرفاً، بأن كانت العادة جارية بإبقائها إلى السنين اللاحقة، و حينئذ لا فرق بين هذا الوجه و الوجه الأول، إلا فيما لم تجر العادة بإبقائه لعدم الاحتياج إليه عادة فيما بعد، فإنه- على هذا الوجه- يجب إخراج خمسه، بخلاف الوجه الأول لما عرفت من أنه إذا صدق عليه أنه مئونة- و لو في بعض السنة- خرج عن دليل وجوب الخمس.

إلا أن يقال: إذا خرج عن كونه مئونة قبل آخر السنة بمدة، فهو لا ريب في صدق الفائدة عليه حينئذ، و ليس هو مئونة، فيجب الخمس فيه. فلا فرق بين الوجهين المذكورين في اقتضائهما وجوب الخمس في الفرض المذكور. بل لعل أحدهما راجع إلى الأول. فلاحظ.

______________________________
(1) هذه الفقرة هي من صحيح ابن مهزيار المتقدم في الأمر السابع مما يجب فيه الخمس.

544
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 68): إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح ؛ ج‌9، ص : 545

عنها فالأحوط إخراج الخمس منها (1). و كذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهن لها.

[ (مسألة 68): إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح]

(مسألة 68): إذا مات المكتسب في أثناء الحول بعد حصول الربح سقط اعتبار المؤنة في باقيه (2)، فلا يوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة.

[ (مسألة 69): إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة و حصل في السنة اللاحقة]

(مسألة 69): إذا لم يحصل له ربح في تلك السنة و حصل في السنة اللاحقة، لا يخرج مئونتها من ربح السنة اللاحقة (3).

[ (مسألة 70): مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة]

(مسألة 70): مصارف الحج من مئونة عام الاستطاعة فاذا استطاع في أثناء حول حصول الربح و تمكن من المسير- بأن صادف سير الرفقة في ذلك العام- احتسب مخارجه من ربحه (4). و أما إذا لم يتمكن حتى انقضى العام وجب قال في المستند: «لو زالت الحاجة عن هذه الأعيان في سنة يمكن القول بوجوب الخمس فيها. فتأمل ..».

أقول: الحكم بوجوب الخمس فيها لا يناسب ما ذكره في الجواب عن الاشكال المتقدم كما سبق، و لا يناسب ما ذكرناه أيضاً. فإنه إذا زالت الحاجة عنها- فيما بعد من السنين- لم تخرج عن كونها من مئونة سنة الربح التي نفي الخمس فيها، و لا هي من أرباح سنة زوال الحاجة ليجب الخمس فيها. و لأجله يظهر ضعف الاحتياط المذكور.

كما في المستند. لانتفاء موضوعه، فالمرجع عموم وجوب الخمس.

لاختصاص المؤنة المستثناة بمؤنة السنة- لا غير- كما عرفت.

كما صرح به جماعة، بل في رسالة شيخنا الأعظم (ره) نفي الاشكال فيه. لأنها من المؤنة عرفاً.

545
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 71): أداء الدين من المؤنة ؛ ج‌9، ص : 546

عليه خمس ذلك الربح (1)، فان بقيت الاستطاعة إلى السنة الآتية وجب، و إلا فلا. و لو تمكن و عصى حتى انقضى الحول فكذلك على الأحوط (2). و لو حصلت الاستطاعة من أرباح سنين متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، و أما المقدار المتمم لها في تلك السنة فلا يجب خمسه إذا تمكن من المسير (3)، و إذا لم يتمكن- فكما سبق- يجب إخراج خمسه.

[ (مسألة 71): أداء الدين من المؤنة]

(مسألة 71): أداء الدين من المؤنة إذا كان في عام حصول الربح (4)، بلا إشكال ظاهر. لأن عدم التمكن من الحج مانع عن وجوبه فلا وجه لاستثناء مئونته.

يعني: يجب عليه الخمس، لعدم الصرف و البذل، اللذين قد عرفت اعتبارهما في الاستثناء من الربح. نعم بناء على أنه لو قتر حسب له لم يجب خمس مئونة الحج، لأن ترك الحج يكون من ذلك القبيل. و من ذلك يظهر الإشكال في التوقف في الوجوب هنا مع الجزم بأنه لو قتر لم يحسب له.

بل عرفت اشتراطه بالمسير. و مجرد التمكن مع الترك عصياناً غير كاف في عدم وجوب الخمس.

الدين في عام حصول الربح، تارة: يكون المئونة في ذلك العام.

و قد عرفت أنه لا إشكال في كونه من المؤنة، فيجوز وفاؤه من الربح قبل تخميسه. و أخرى: يكون لغير مئونته فيه. و عن ظاهر جماعة- منهم شيخنا في الجواهر- حيث قيدوا الدين المقارن بالحاجة إليه: عدم جواز‌

546
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 71): أداء الدين من المؤنة ؛ ج‌9، ص : 546

أو كان سابقاً (1) و لكن لم يتمكن من أدائه إلى عام حصول وفائه قبل إخراج الخمس، لعدم كونه من المؤنة. و استشكل فيه شيخنا الأعظم (ره)، لأن إبراء الذمة من الدين محسوب من المؤنة عرفاً و إن كانت الاستدانة لا للحاجة.

و هو في محله، بل لا ينبغي التأمل فيه، فان صرف المال في وفاء الدين ليس تضييعاً له، و لا صرفاً له فيما لا ينبغي، فكيف لا يكون من المؤنة؟ نعم مع وجود ما استدان له- كما لو اشترى ضيعة من دون حاجته إليها، و لم تزل باقية. و كذا لو اشترى دابة كذلك «- فان الظاهر وجوب الخمس في ذلك، لصدق الفائدة. سواء أ كانت قيمته في رأس السنة أكثر من الثمن، أم أقل، أم مساوية.

إذا كان الدين سابقاً على عام الربح، فان كان لمؤنة عام الربح فالظاهر أنه كالمقارن، كما في رسالة شيخنا الأعظم (ره). و إن كان لغيرها فان كان مع حاجته إليه في عام الربح- كما لو اشترى داراً قبل عام الربح بثمن في الذمة- فكذلك، لصدق المؤنة عرفاً على وفائه. أما لو كان لغير ذلك، فقد يتوهم أنه معدود عرفاً من مئونة العام السابق لا عام الربح، فلا وجه لاستثنائه. من دون فرق بين وجود مقابلة و عدمه، و قدرته على الوفاء من مال آخر و عدمها، و قدرته على الوفاء قبل عام الربح و عدمها.

و فيه: أن كون وفائه من مئونة السنة السابقة لا ينافي كونه من مئونة السنة الحاضرة إذا بقي الدين إلى زمانها، كما لو خربت داره في السنة السابقة، و لم يعمرها إلى أن دخلت السنة اللاحقة، فإن تعميرها في السنة السابقة معدود من مئونتها، فاذا لم يعمرها كان تعميرها في السنة اللاحقة أيضاً معدوداً من مئونتها، فاذا عمرها من ربح السنة اللاحقة كان تعميرها مستثنى من الخمس. و قد عرفت أن صرف المال في وفاء الدين صرف له‌

547
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 71): أداء الدين من المؤنة ؛ ج‌9، ص : 546

الربح. و إذا لم يؤد دينه حتى انقضى العام فالأحوط إخراج في محله و في حاجته، فلا وجه لعدم عده من المؤنة. و لذا قال في الجواهر:

«لا تعتبر الحاجة في الدين السابق، لصيرورة وفائه- بعد شغل الذمة به- من الحاجة، و إن لم يكن أصله كذلك ..». لكن عليه لا يظهر وجه لتقييد دين عام الربح بالحاجة- كما تقدم منه و من غيره- مع أنه أولى بعدم التقييد بها. و لذلك كان ما تقدم من شيخنا الأعظم (ره)، من أن وفاء الدين الحاصل عام الربح من المؤنة و إن لم يكن مع الحاجة. بل حتى مع وجود مقابله، كاشتراء ضيعة لا لحاجة، الذي قد عرفت أنه في محله.

و كذا يشكل ما في رسالة شيخنا الأعظم: «من أن وفاء الدين السابق من المؤنة. سواء كان لمؤنة عام الاكتساب أم لا، إذا لم يتمكن من وفائه إلا في عام الاكتساب، أو تمكن و لم يؤده، مع عدم بقاء مقابله إلى عام الاكتساب، أو مع بقائه و احتياجه اليه فيه. أما لو تمكن من وفائه قبل عام الاكتساب، مع بقاء مقابله إليه و عدم احتياجه، ففي كونه من المؤنة إشكال ..». فإن التمكن من وفائه قبل عام الاكتساب و بقاء مقابله لا يخرج وفاءه عن كونه مئونة، بعد ما كان صرف المال فيه في محله، لكونه من أهم الحوائج العقلائية، التي لا يكون صرف المال فيها سرفاً. نعم إذا وفاه و كان له مقابل كضيعة اشتراها بثمن في الذمة فوفاه من ربح سنته وجب إخراج خمس المقابل كالضيعة في المثال المذكور فيجب إخراج خمسها لأنه بعد وفاء ثمنها تكون ربحا عرفا، و ربما يكون خمسها أكثر من خمس ثمنها أو أقل لارتفاع قيمتها أو نقصها، و قبل وفاء ثمنها لا تكون ربحا عرفا و إذا زاد في بعض الثمن كان ما يقابلها من بعض الثمن ربحا فيجب إخراج خمسه.

548
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 71): أداء الدين من المؤنة ؛ ج‌9، ص : 546

الخمس أولا، و أداء الدين مما بقي (1). و كذا الكلام في النذر و الكفارات.

الذي ينبغي هو التفصيل بين ما صرف في مئونة السنة و غيره، أما ما صرف فيها فمقداره مستثنى من الخمس، فله وفاؤه من أصل الربح و لو بعد السنة، لظهور أدلة استثناء المؤنة في شمولها للمؤنة الواقعة منه في العام، فيجب الخمس في الزائد عليها و لا يجب فيها. و دعوى: أن المؤنة المستثناة مختصة بما صرف من الربح ضعيفة جداً، و إلا لزم عدم استثناء المؤنة في أوائل السنة قبل حصول الربح. و هو- كما ترى- بعيد عن ظاهر الأدلة، و إن كان هو ظاهر شيخنا الأعظم (رحمه اللّه). بل صرح بأنه لو اختار المؤنة من المال الآخر غير المخمس فليس له الإندار من الربح.

لكنه مشكل. و إطلاق استثناء المؤنة يشمله. و المقايسة بصورة تبرع المتبرع بالمؤنة غير ظاهر، إذ مع التبرع يصدق أنه غني عن المؤنة، و ليس كذلك في المقام. و لا سيما و أن المتعارف الصرف من غير نفس الربح، إما من غير مال التجارة، أو من مال التجارة الذي جزؤه الربح.

فان قلت: إذا و في الدين المذكور بعد تمام السنة، كان الوفاء من مئونة السنة اللاحقة لا من مئونة السابقة. قلت: لا ضير في ذلك، فيستثنى مقدار الوفاء من ربح اللاحقة، مضافاً الى استثناء مقدار مالية الأعيان المصروفة من ربح السابقة. فتأمل.

هذا فيما صرف في مئونة السنة. و أما ما لم يصرف في ذلك، فان تحقق الوفاء منه في أثناء السنة كان مستثنى من الخمس، لأنه من جملة المؤن و إن لم يتحقق الوفاء في أثناء السنة يكون الحكم كما لو قتر في المؤنة، فان قلنا بأنه يحسب له جاز له وضعه من الربح و لو بعد السنة، و إن لم نقل بذلك- كما تقدم في المتن- لم يجز له ذلك.

549
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 72): متى حصل الربح، و كان زائدا على مئونة السنة تعلق به الخمس ؛ ج‌9، ص : 550

[ (مسألة 72): متى حصل الربح، و كان زائداً على مئونة السنة تعلق به الخمس]

(مسألة 72): متى حصل الربح، و كان زائداً على مئونة السنة تعلق به الخمس (1)، هذا كله في الدين المقابل بالمال، كالقرض و الشراء نسيئة. أما لو لم يكن كذلك- كالنذور، و الكفارات، و الشروط، و أروش الجنايات، و قيم المتلفات و نحوها- فالظاهر أيضاً أن وفاءه- بما هو وفاء- من المؤنة.

و حينئذ فإن حدث قبل عام الربح فوفاؤه من مئونة ذلك العام، فإذا بقي إلى عام الربح صار وفاؤه أيضاً من مئونته، فيجوز وفاؤه من الربح قبل إخراج الخمس، فإن بقي حتى خرج عام الربح كان الحال كما لو قتر.

و إذ عرفت أنه لا يحسب له حينئذ، فلا يجوز استثناؤه من الربح، و يكون وفاؤه حينئذ من مئونة السنة اللاحقة.

كما هو المشهور. و يقتضيه إطلاق الأدلة. و في محكي السرائر:

أن التعلق بعد السنة. بل ظاهره: نسبة ذلك إلى أصحابنا، مستفيداً له من قولهم: «لا يجب الخمس إلا بعد مئونة السنة ..»، مستدلا عليه بما تضمن ذلك من النص و الفتوى. و بأن المؤنة لا يعلم كميتها إلا بعد مضي سنة.

و اعترض عليه غير واحد بأن الظاهر مما تضمن أن الخمس بعد المؤنة ليس البعدية الزمانية، و إلا كان اللازم- بعد مضي السنة- تخميس جميع المال حتى المساوي لما صرف في المؤنة، بل المراد تحديد موضوع الخمس بذلك، يعني: يجب الخمس في غير المؤنة. فاذا كان الربح عشرة و المؤنة خمسة، فالخمس في الخمسة الزائدة على المؤنة لا في جميع الربح. و مجرد عدم العلم بكمية المؤنة لا يكفي في لزوم تأخر الوجوب عن زمان المؤنة، بل يجوز ثبوته واقعاً في المقدار الزائد عليها و إن لم يعلم، كما هو كذلك في سائر الأحكام الواقعية مع الشبهة الموضوعية. مع أنه لا يطرد في صورة العلم بالكمية.

550
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 72): متى حصل الربح، و كان زائدا على مئونة السنة تعلق به الخمس ؛ ج‌9، ص : 550

و إن جاز له التأخير في الأداء إلى آخر السنة (1)، فليس تمام الحول شرطاً في وجوبه، و إنما هو إرفاق بالمالك لاحتمال تجدد مئونة أخرى زائداً على ما ظنه. فلو أسرف، أو أتلف اللهم إلا أن يدفع هذا: بأنه إذا ثبت التأخر في صورة الجهل يثبت في صورة العلم لعدم الفصل. و يدفع- أيضاً- لزوم المحذور الأول: بأن المراد أن الخمس في الباقي بعد المؤنة، فالعمدة حينئذ: دعوى ظهور النصوص في البعدية بذلك المعنى، نظير ما ورد في الإرث: من أنه بعد الوصية أو الدين، فما هو المشهور بين الأصحاب أقوى.

كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافاً، بل الظاهر الإجماع عليه، كذا في الجواهر. و نحوه- في دعوى ظهور الإجماع- شيخنا الأعظم في الرسالة. و في المستند: استدل بالإجماع، و احتياط المؤنة. و يظهر من جماعة أخرى أنه كذلك، لارسالهم له إرسال المسلمات. فان كان إجماع فهو المعتمد، و إلا فإطلاق ما دل على عدم حل مال المسلم بغير إذنه يقتضي العدم. و احتمال وجود المؤنة منفي بالأصل. مع أنه قد يعلم بعدمها.

لكن القدر المتيقن من الإجماع غير هذه الصورة، و إن حكي عن المناهل ظهور عدم الخلاف في جواز التأخير حتى في هذه الصورة، لكن قد ينافيه تعليلهم بالاحتياط. اللهم إلا أن يكون المراد به الاحتياط النوعي. فتأمل جيداً. ثمَّ إن ظاهر قول المصنف (ره)- و إن جاز له التأخير في الأداء الى آخر السنة- وجوب الأداء فوراً في آخر السنة، فلا يجوز له تأخير الأداء حينئذ و يقتضيه ما دل على أن حبس الحقوق من الكبائر «1» نعم إذا كان الربح دينا في ذمة الناس و لم يمكن استيفاؤه شرعا لأنه مؤجل، أو كان حالا و كان استيفاؤه متعذرا أو حرجيا جاز التأخير إلى زمان الأداء و الاستيفاء فتجب المبادرة حينئذ.

.

______________________________
(1) الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 33، 36

551
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 73): لو تلف بعض أمواله - مما ليس من مال التجارة - أو سرق ؛ ج‌9، ص : 552

ماله في أثناء الحول لم يسقط الخمس. و كذا لو وهبه، أو اشترى بغبن حيلة في أثنائه (1).

[ (مسألة 73): لو تلف بعض أمواله- مما ليس من مال التجارة- أو سرق]

(مسألة 73): لو تلف بعض أمواله- مما ليس من مال التجارة- أو سرق، أو نحو ذلك لم يجبر بالربح و إن كان في عامه (2)، إذ ليس محسوباً من المؤنة (3).

كما في الدروس، و استجوده في الذخيرة. لكنه يتم لو لم يكن معدوداً في المؤنة عرفاً.

كما في الدروس، و المسالك، و الروضة، و غيرها.

ادعى شيخنا الأعظم (ره) في رسالته القطع بعدم الجبر. و علله بما في المتن، منضماً إلى أن التلف لا يمنع من صدق الاستفادة على الربح و منه يظهر دوران الجبر مدار أحد الأمرين المذكورين، فاذا تحقق أحدهما فلا بد من الجبر، و إذا انتفيا معاً انتفى الجبر، لعموم ما دل على وجوب الخمس.

ثمَّ إن الأول- أعني: الاحتساب من المؤنة- منتف غالباً. نعم لو اتفق احتياجه إلى ذلك المقدار التالف فاشتراه كان من المؤنة حينئذ، و لا يجب الخمس فيه. لكن الظاهر خروجه عن محل الكلام. و أما الثاني- و هو المنع من صدق الاستفادة عرفاً مع تلفه- فلا يخلو من وجه. و التفصيل بين الصور التي ذكرها المصنف (ره) و غيره بلا فاصل ظاهر، و العرف لا يساعد عليه. نعم- بناء على اختصاص الخمس بفوائد الاكتساب- يحسن التفصيل بين الخسران الواقع في الاكتساب فيجبر بالربح الواقع فيه، و الواقع في غير الاكتساب فلا يجبر به الربح الواقع فيه، لعدم ارتباط أحدهما بالآخر أما بناء على عموم الخمس لمطلق الفائدة فالجميع ملحوظ بلحاظ واحد، و تكون موضوعاً واحداً، فالجبر يكون في محله.

552
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 74): لو كان له رأس مال و فرقه في أنواع من التجارة ؛ ج‌9، ص : 553

[ (مسألة 74): لو كان له رأس مال و فرقه في أنواع من التجارة]

(مسألة 74): لو كان له رأس مال و فرقه في أنواع من التجارة فتلف رأس المال أو بعضه من نوع منها، فالأحوط عدم جبره بربح تجارة أخرى، بل و كذا الأحوط عدم جبر خسران نوع بربح أخرى. لكن الجبر لا يخلو عن قوة (1).

خصوصاً في الخسارة. نعم لو كان له تجارة و زراعة مثلا، فخسر في تجارته أو تلف رأس ماله فيها، فعدم الجبر لا يخلو عن قوة (2).

و لعل بناء المشهور على عدم جبر الخسارة في غير التجارة بربح التجارة كان لبنائهم على عدم ثبوت الخمس في غير التجارة، و عليه فلا يحسن للمصنف (ره) و غيره- ممن قال بثبوت الخمس في مطلق الفائدة- التفصيل المذكور في المتن، بل كان اللازم لهم القول بالجبر مطلقاً. و بالجملة:

التفصيل بالجبر و القول بعمومه ينبغي أن يكونا مبنيين على ما ذكرنا.

فلاحظ، و تأمل.

كما يقتضيه إطلاق ما في الروضة، من قوله (ره): «و في جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجه، قطع به المصنف (ره) في الدروس ..»‌

و في رسالة شيخنا الأعظم (ره): «و لو كانا في مالين، ففي الجبران إشكال أقربه ذلك ..». لعدم صدق الاستفادة في مثله. و كذا لو كان له مال ففرقه في أنواع من الزراعة، فإنه إذا ربح في شخص خاص من الزراعة لا يصدق عرفاً أنه استفاد، إذا كان قد خسر في شخص آخر منها. و كذا الحال في سائر أنواع الاكتساب. لكن قوى في الجواهر عدم الجبر، و هو ضعيف.

لصدق الاستفادة عرفاً. و إن كان لا يخلو من نظر، كما عرفت‌

553
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ؛ ج‌9، ص : 554

خصوصاً في صورة التلف (1)، و كذا العكس. و أما التجارة الواحدة فلو تلف بعض رأس المال فيها و ربح الباقي فالأقوى الجبر (2). و كذا في الخسران و الربح في عام واحد في وقتين (3) سواء تقدم الربح أو الخسران، فإنه يجبر الخسران بالربح.

[ (مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين]

(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين (4)، و لا سيما و كون الشك في الجبر عرفاً راجعاً إلى الشك في صدق الاستفادة، الموجب للرجوع إلى أصالة البراءة.

كأنه: لأن المعاملات غير مبنية على التلف غالباً، بل مبنية على الخسران. و لذا يكون الجبر فيه أظهر.

لم ينقل الخلاف في جبر الخسران بالربح إذا كان في تجارة واحدة نعم في الجواهر- في التجارة الواحدة في وقت واحد إذا فرض التلف بسرقة و نحوها لا بتغير السعر و نحوه مما يحصل به الخسران- قوى عدم الجبر. لكن الأقوى ما في المتن، لما عرفت من عدم صدق الاستفادة. لا أقل من الشك في ثبوت ذلك.

لما عرفت: من أن المفهوم من النصوص أن موضوع الوجوب ربح السنة، و مع الخسران في وقتين لا يصدق الربح. و في الجواهر اختار عدم جبر الخسارة بالربح في التجارة في وقتين، لأنها في الحقيقة كالتجارتين.

و لا سيما لو كان الربح في الوقت الثاني. و قد عرفت ضعف ذلك في التجارتين، فضلا عن المقام. و أما جهة تأخر الربح عن الخسارة فهو مبني على مذهبه، من كون مبدأ السنة ظهور الربح. لكن عليه يختص بالخسارة المتقدمة على أصل الربح. فلاحظ.

بلا خلاف ظاهر، بل المظنون عدم الخلاف فيه، كما في رسالة‌

554
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ؛ ج‌9، ص : 554

و يتخير المالك بين دفع خمس العين أو دفع قيمته من مال آخر نقداً أو جنساً (1).

شيخنا الأعظم (ره). و يقتضيه ظاهر أدلتها، من الآية و النصوص المتضمنة وجوب خمسة، أو الخمس عليه، أو منه، أو فيه، أو نحو ذلك من التعبيرات الظاهرة في تعلقه بنفس الموضوعات الخاصة.

كما استظهره شيخنا الأعظم (ره)، حاكياً التصريح به عن بعض مستظهراً من حاشية المدقق الخوانساري نسبته إلى مذهب الأصحاب. و لعله كذلك، و يكون عدم التعرض له في كلام الأكثر- مع كثرة الابتلاء به- اعتماداً على ما ذكروه في الزكاة، لبنائهم على إلحاق الخمس بها في كثير من الأحكام.

و قد تقدم- في المسألة الثانية عشرة من مسائل المعدن- التصريح من التذكرة و المنتهى بجواز بيع المعدن و تعلق الخمس بالثمن، مستشهداً له- في الأخير-

بخبر: «من وجد ركازاً فباعه»

المتقدم هناك «1». و يشهد له أيضاً: مصححة الريان بن الصلت، المتضمنة لوجوب الخمس في ثمن السمك و القصب و البردي الذي يبيعه من أجمة قطيعته «2»، و‌

خبر أبي بصير، المروي عن السرائر: «في الرجل يكون في داره البستان، فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب أما ما أكل فلا، و أما البيع فنعم، هو كسائر الضياع» «3».

لكن مفادها جواز إيقاع المعاملة على المال الذي فيه الخمس فينتقل الى الثمن، و لا تدل على جواز دفع القيمة. إلا أن يكون نوعاً من المعاوضة، و لا يخلو من تأمل.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 10.

555
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ؛ ج‌9، ص : 554

و لا يجوز له التصرف في العين قبل أداء الخمس، و إن ضمنه في ذمته (1).

نعم قد يشكل الاعتماد عليها، من جهة عدم ظهورها في جواز ذلك بعد تمام الحول. و لا إطلاق لها يقتضيه، لعدم ورودها لبيان هذه الجهة فغاية مدلولها جواز إيقاع المعاملة عليه. و الظاهر أنه لا إشكال فيه في أثناء الحول، كما يقتضيه ما عرفت من ظهور الإجماع على جواز التأخير، بضميمة ظهور الإجماع أيضاً على عدم وجوب عزل مقدار الخمس، و محل الاشكال ما بعد الحول. اللهم إلا أن يتعدى اليه باستصحاب الولاية الثابتة في أثناء الحول، بناء على تقدمه على عموم المنع من التصرف في مال الغير. أو يدعى: أن نصوص التشريع لا تدل إلا على ثبوت حق في العين، فيجوز دفعه و لو من غير العين. و سيأتي في المسألة اللاحقة.

لعدم الدليل على انتقاله إلى ذمة المالك بمجرد ضمانه، فما في الجواهر- في حكم المعدن- من أنه له ضمانه غير ظاهر. و لذا قال في مسألة جواز تأخير ما يجب في الأرباح: «نعم لو ضمنه و جعله في ذمته جاز له ذلك.

لكن ليس في الأدلة هنا تعرض لبيان أن له ضمانه مطلقاً، أو بشرط الملاءة أو الاطمئنان من نفسه بالأداء، أو غير ذلك. بل لا تعرض فيها لأصل الضمان ..». و ان كان موضوع كلامه هنا الضمان في أثناء الحول.

و كيف كان فولاية المالك على الضمان غير ظاهرة.

و قد يستدل عليه: بأنه مقتضى الجمع بين النصوص المتقدمة و بين ما دل من النصوص على عدم جواز التصرف في الخمس، مثل‌

رواية أبي بصير عن أبي جعفر (ع)- في حديث- قال: «لا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا» «1»

و‌

رواية إسحاق بن عمار قال:

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 5.

556
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 75): الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين ؛ ج‌9، ص : 554

و لو أتلفه بعد استقراره ضمنه (1). و لو اتجر به قبل إخراج الخمس كانت المعاملة فضولية بالنسبة إلى مقدار الخمس، فإن أمضاه الحاكم الشرعي أخذ العوض (2)، و إلا رجع بالعين

«سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: لا يعذر اللّه تعالى عبداً اشترى من الخمس شيئاً، أن يقول: يا رب اشتريته بمالي، حتى يأذن له أهل الخمس» «1»

و نحوهما غيرهما.

و فيه- مضافاً إلى ما عرفت من الإشكال في النصوص المتقدمة-:

أن ظاهرها صورة عدم الضمان، لجهل السائل فيها بوجوب الخمس. نعم لا يبعد خروج صورة نية عدم إعطاء الخمس عنها، فتحمل عليها النصوص الثانية. و لعل الأقرب في الجمع: حمل النصوص الأول على صورة الأداء و حمل الثانية على صورة عدمه، فالأداء يكون نظير الإجازة في عقد الفضولي أو أداء الدين بالنسبة إلى تصرف الراهن في العين المرهونة، فإن تحقق صح التصرف و لو مع نية عدمه، و ان لم يتحقق لم يصح و لو مع نيته. و الوجه في أقربيته: عدم ورود تلك النصوص لبيان صحة التصرف، و إنما استفيد منها ذلك في الجملة، فلا تصلح لمعارضة ما دل على عدم الصحة بدون الأداء و الصحة معه، كما هو مفاد النصوص الأخيرة. و لعل ذلك مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن النصوص، بناء على أنه حق متعلق بالعين نظير حق الرهانة أو الجعالة. أما لو كان المستحق نفس العين فتشكل صحة التصرف بعد الأداء، إذ الحال تكون كما لو باع شيئاً ثمَّ ملكه. فلاحظ.

لقاعدة الإتلاف.

يتم هذا بناء على أن المستحق نفس العين. أما لو كان حقاً في العين فالإمضاء لا يوجب ملك العوض، و لا ثبوت حق فيه إلا بمصالحة خاصة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 10

557
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 76): يجوز له أن يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقيا في يده ؛ ج‌9، ص : 558

بمقدار الخمس إن كانت موجودة، و بقيمته إن كانت تالفة.

و يتخير في أخذ القيمة بين الرجوع على المالك (1)، أو على الطرف المقابل الذي أخذها و أتلفها (2). هذا إذا كانت المعاملة بعين الربح، و أما إذا كانت في الذمة و دفعها عوضاً، فهي صحيحة و لكن لم تبرأ ذمته بمقدار الخمس (3). و يرجع الحاكم به إن كانت العين موجودة، و بقيمته إن كانت تالفة.

مخيراً حينئذ بين الرجوع على المالك أو الآخذ أيضاً (4).

[ (مسألة 76): يجوز له أن يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقياً في يده]

(مسألة 76): يجوز له أن يتصرف في بعض الربح ما دام مقدار الخمس منه باقياً في يده، مع قصد إخراجه من البقية، إذ شركة أرباب الخمس مع المالك إنما هي على وجه الكلي في المعين (5)، كما أن الأمر في الزكاة أيضاً كذلك.

و قد مر في بابها.

لأن العين ملك المالك، فعوضها له.

لأنه مضمون عليه باليد. أو بالدفع إلى المشتري، لأنه تفريط.

بل لو تلف بآفة سماوية جاز الرجوع عليه، لكون ضمانه باليد.

لعدم ولايته على إفراغ ذمته به.

لما سبق.

قد عرفت الإشارة إلى أن أدلة الخمس قد اختلفت عباراتها في مقام بيان كيفية تشريعه، ففي بعضها: أضيف الخمس إلى نفس الموضوع مثل آية الغنيمة «1»، و بعض النصوص. و الظاهر منه: أن المستحق كسر مشاع في العين. و في بعضها: جعل الموضوع ظرفاً للخمس، مثل.

______________________________
(1) الأنفال: 41

558
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 77): إذا حصل الربح في ابتداء السنة ؛ ج‌9، ص : 559

[ (مسألة 77): إذا حصل الربح في ابتداء السنة]

(مسألة 77): إذا حصل الربح في ابتداء السنة أو في

مصحح عمار بن مروان: «فيما يخرج من المعادن و البحر، و الغنيمة، و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه، و الكنوز: الخمس» «1».

و نحوه غيره. و في ظهوره في الكسر المشاع إشكال، لأن الخمس و إن كان معناه الكسر المشاع، لكن جعله مظروفاً للعين يناسب جداً- بقرينة ظهور تباين الظرف و المظروف- أن يكون المراد به مقداراً من المال يساوي الخمس، قائماً في العين نحو قيام الحق بموضوعه. و في بعضها: إبدال حرف الظرفية بحرف الاستعلاء، مثل‌

مرسل ابن أبي عمير عن غير واحد: «الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز، و المعادن ..» «2».

و ظهوره في كون الخمس حقا مفروضاً على العين واضح. و في بعضها: ابداله بحرف الابتداء، مثل‌

مرسل حماد: «الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، و من الغوص ..» «3»

و هذا المضمون صالح لكل من المعنيين، و إن كان هو في الكسر المشاع أظهر. و حينئذ فالتعارض بين النحو الأول و الثالث. و لا ينبغي التأمل في كون ظهور الأول أقوى، فيصرف غيره اليه. و إن كان العكس- بحمل الخمس في الأول على المقدار- لا يخلو من وجه.

و يؤيده: ما تقدم في الزكاة، و رواية أبي بصير المتقدمة في حل المال المشترى من الخمس بعد أداء الخمس- بناء على بطلان بيع من باع شيئاً ثمَّ ملكه- كما هو التحقيق «4» و على هذا فيدور الأمر بين الكسر المشاع و الحق القائم بالعين. و أما الكلي في المعين فحمل الأدلة عليه غير ظاهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 4.

(4) لاحظ المسألة: 75.

559
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 78): ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته ثم التصرف فيه ؛ ج‌9، ص : 560

أثنائها فلا مانع من التصرف فيه بالاتجار (1)، و إن حصل منه ربح لا يكون ما يقابل خمس الربح الأول منه لأرباب الخمس. بخلاف ما إذا اتجر به بعد تمام الحول، فإنه إن حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لأربابه، مضافاً إلى أصل الخمس. فيخرجهما أولا، ثمَّ يخرج خمس بقيته إن زادت على مئونة السنة.

[ (مسألة 78): ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته ثمَّ التصرف فيه]

(مسألة 78): ليس للمالك أن ينقل الخمس إلى ذمته ثمَّ التصرف فيه، كما أشرنا إليه. نعم يجوز له ذلك بالمصالحة مع الحاكم. و حينئذ فيجوز له التصرف فيه، و لا حصة له من الربح إذا اتجر به. و لو فرض تجدد مؤن له في أثناء الحول على قد عرفت في مسألة جواز تأخير الخمس: دعوى ظهور الإجماع على عدم وجوب العزل، و لازمه جواز التصرف فيه بالاتجار. إنما الإشكال في أنه لو ربح، فهل يختص بحصة الخمس من الربح مستحق الخمس، أو يكون الربح كله للمالك؟ و الأول مال إليه في الجواهر، و في نجاة العباد جعله أحوط، إن لم يكن أقوى، لتبعية النماء للأصل، و لا ينافيه جواز التأخير قال (ره): «فلو ربح أولا- مثلا- ستمائة، و كانت مئونته منها مائة، و قد أخذها فاتجر بالباقي- مثلا- من غير فصل معتد به فربح خمسمائة، كان تمام الخمس مائتين و ثمانين، مائة من الربح الأول، و يتبعها نماؤها من الربح الثاني- و هو مائة- أيضاً فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة، و خمسها ثمانون فيكون المجموع مائتين و ثمانين ..». و الذي اختاره شيخنا الأعظم (ره) الثاني، و تبعه عليه غير واحد، منهم المصنف.

و استدل له: بأنه الموافق للفتوى و العمل، لاستقرارهما- ظاهراً-

560
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 79): يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة ؛ ج‌9، ص : 561

وجه لا يقوم بها الربح انكشف فساد الصلح (1).

[ (مسألة 79): يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة]

(مسألة 79): يجوز له تعجيل إخراج خمس الربح إذا حصل في أثناء السنة، و لا يجب التأخير إلى آخرها، فإن التأخير من باب الإرفاق، كما مر. و حينئذ فلو أخرجه- بعد تقدير المؤنة بما يظنه- فبان بعد ذلك عدم كفاية الربح لتجدد مؤن لم يكن يظنها كشف ذلك عن عدم صحته خمساً، فله الرجوع به على المستحق، مع بقاء عينه لا مع تلفها في يده (2) إلا إذا كان عالماً بالحال، فان الظاهر ضمانه حينئذ.

[ (مسألة 80): إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس]

(مسألة 80): إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس على اشتراك المستحقين في الخسارة دون الربح. و بأن الظاهر من النصوص:

أن الموضوع مجموع الربح الحاصل في السنة، كما عرفت في مسألة جبر الخسران، و مجموع الربح السنوي إنما يلحظ بالإضافة الى رأس المال. و ما في الجواهر إنما يتم لو لوحظ كل ربح لنفسه موضوعاً للحكم، حيث أن الخمسمائة الثانية إذا لوحظت كذلك كانت ربحاً للربح لا ربحاً لأصل المال، فيلحق نماء خمس الربح الأول به. لكنه ليس كذلك، بل الملحوظ مجموع الأرباح في قبال رأس المال. هذا و قد عرفت سابقاً: أن الكلام في هذه الجهة مبني على ملك المستحق جزءاً من العين، أما إذا كان ملكه الحق المتعلق بالعين فلا وجه لأن يلحقه ربح.

لعدم المعوض.

تقدم الكلام فيه في الزكاة، فراجع. و في المسالك: «لو عجل الإخراج فزادت المؤنة لم يرجع بها على المستحق، مع عدم علمه بالحال، و تلف العين. و في جواز رجوعه عليه مع بقاء العين، أو علمه بالحال‌

561
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 80): إذا اشترى بالربح قبل إخراج الخمس ؛ ج‌9، ص : 561

جارية لا يجوز له وطؤها (1). كما أنه لو اشترى به ثوباً لا تجوز الصلاة فيه. و لو اشترى به ماء للغسل أو الوضوء لم يصح، و هكذا .. نعم لو بقي منه بمقدار الخمس في يده، و كان نظر. و قد تقدم مثله في الزكاة، إلا أن عدم الرجوع هنا مطلقا متوجه ..»‌

و في الجواهر قوى عدم رجوع المالك على المستحق مع علمه و بقاء العين، فضلا عن صورتي انتفاء أحدهما، لاحتمال كون المعتبر- عند إرادة التعجيل- تخمين المؤنة و ظنها. و مراده: أن التخمين و الظن أخذ على نحو الموضوعية لا الطريقية.

و أوضحه شيخنا الأعظم (رحمه اللّه) في رسالته بقوله: «يمكن أن يقال: إن مقتضى قولهم: يجوز التأخير احتياطاً للمكلف، هو تعلقه واقعاً بالمستفاد في أول استفادته، بعد إخراج مئونته منه، بحسب ملاحظة حاله في ذلك الوقت. فالملاحظة للمؤنة مأخوذة موضوعاً لوجوب الخمس واقعاً لا طريقاً، كي يلزم انتفاء الخمس على تقدير الخطأ في التخمين، لأن حمله على ذلك- ليكون الاحتياط في مقابل تفسير الاسترداد- خلاف الظاهر من الاحتياط للمالك. إذ الظاهر منه ما يقابل الخسارة، و الخسارة إنما تكون مع عدم جواز الرجوع على تقدير الخطأ ..». هذا و الاشكال فيما ذكر ظاهر، لعدم الدليل على هذه الموضوعية، و مقتضى أدلة استثناء المؤنة اختصاص الخمس واقعاً بالزائد عليها لا غير.

لعدم صحة الشراء، لعدم الولاية له على تبديل الخمس أو موضوعه بغيره، كما سبق. هذا إذا كان الشراء بعين المال الخارجي، أما إذا كان الشراء بثمن في الذمة و وفى من المال الذي فيه الخمس كان الإشكال في الوفاء دون الشراء.

562
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 81): قد مر أن مصارف الحج الواجب ؛ ج‌9، ص : 563

قاصداً لإخراجه منه جاز و صح، كما مر نظيره (1).

[ (مسألة 81): قد مر أن مصارف الحج الواجب]

(مسألة 81): قد مر أن مصارف الحج الواجب إذا استطاع في عام الربح، و تمكن من المسير- من مئونة تلك السنة، و كذا مصارف الحج المندوب، و الزيارات.

و الظاهر أن المدار على وقت إنشاء السفر، فان كان إنشاؤه في عام الربح فمصارفه من مئونته ذهاباً و إياباً (2). و إن تمَّ الحول في أثناء السفر فلا يجب إخراج خمس ما صرفه في العام الآخر في الإياب، أو مع المقصد و بعض الذهاب.

[ (مسألة 82): لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أولا]

(مسألة 82): لو جعل الغوص أو المعدن مكسباً له كفاه إخراج خمسهما أولا، و لا يجب عليه خمس آخر من باب ربح المكسب (3)، بعد إخراج مئونة سنته بناء على ما سبق منه، من أن التعلق من قبيل تعلق الكلي في المعين. إذ التصرف فيما زاد على مقدار الخمس ليس تصرفاً في الكلي المستحق للغير، فلا مانع منه، و إن لم يكن قاصداً لإخراج الخمس، فالتقييد بقصد الإخراج غير معتبر في صحة التصرف.

هذا بالنسبة إلى المصارف التي من شأنها بقاؤها، كما لو اشترى دابة للسفر المذكور. أما ما ليس كذلك ففيه إشكال ظاهر، لأنها بانتهاء الحول يصدق عليها الفائدة، فيتعين تخميسها، و عدها من مئونة الحول غير ظاهر.

كما مال اليه شيخنا الأعظم (رحمه اللّه). و العمدة فيه: ظهور نصوص ثبوت الخمس في العناوين الخاصة في عدم خمس آخر فيها، فيتعين إما تقييد الفوائد التي يجب فيها الخمس بغيرها، أو حمل الخمس فيها على‌

563
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 83): المرأة التي تكتسب في بيت زوجها ؛ ج‌9، ص : 564

[ (مسألة 83): المرأة التي تكتسب في بيت زوجها]

(مسألة 83): المرأة التي تكتسب في بيت زوجها، و يتحمل زوجها مئونتها يجب عليها خمس ما حصل لها، من غير اعتبار إخراج المؤنة، إذ هي على زوجها. إلا أن لا يتحمل (1).

أنه خمس الفوائد. و ان كان يمتاز عن خمس غيرها ببعض الأحكام- من النصاب، أو عدم استثناء مئونة السنة، أو غير ذلك- كما يشير اليه ما تضمن من النصوص نفي الخمس إلا في الفوائد «1»، و ما ورد في تفسير الغنيمة- في الآية الشريفة- بالفائدة الشاملة للجميع «2».

و يؤيد ذلك أو يعضده ما تضمن: أنه لا ثنيا في صدقة «3» بناء على عمومه للخمس. و ما‌

عن تحف العقول، من قول الرضا (ع): «إن الخمس في جميع المال مرة واحدة» «4».

و منه يظهر ضعف القول بوجوب خمس آخر فيها، عملا بالدليلين، و حملا لنصوص اتحاد الخمس في العناوين الخاصة على كونه بلحاظ كونه معدناً أو غوصاً أو نحو ذلك، الذي عرفت أنه صعب جداً. و لا سيما في مثل صحيح الحلبي المتقدم، فيمن يصيب غنيمة تحت لوائهم:

«يؤدي خمسنا و يطيب له» «5»

، و‌

الصحيح المتقدم عن حفص: «خذ مال النصاب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس» «6»

و بالجملة: المستفاد من مجموع النصوص: أن ليس في المال إلا خمس واحد. فتأمل.

لما عرفت في المسألة الخامسة و الستين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 8.

(3) تقدم التعرض الى هذا الحديث في صفحة: 107 من هذا الجزء.

(4) تحف العقول صفحة: 418 الطبعة الثانية.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 6.

564
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 84): الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية ؛ ج‌9، ص : 565

[ (مسألة 84): الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية]

(مسألة 84): الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية في الكنز، و الغوص، و المعدن، و الحلال المختلط بالحرام، و الأرض التي يشتريها الذمي من المسلم. فيتعلق بها الخمس (1) كما صرح به جماعة، و عن ظاهر المنتهى و الغنائم: الاتفاق في المعدن، و عن المناهل: ظهوره في الكنز و الغوص. و في رسالة شيخنا الأعظم (ره) ظهور عدم الخلاف في الثلاثة، بل و في الغنيمة، بل هو- في الجميع- مقتضى إطلاق الفتاوى، و معاقد الإجماعات- كإطلاق أدلتها- كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في بعضها. نعم مقتضى اقتصار الشرائع على الكنز في العموم لغير البالغ- كاقتصار القواعد عليه و على المعدن و الغوص- عدمه في غيرها. لكنه مخالف لإطلاق الأدلة في غيرها، مع عدم ظهور الفرق بينها.

نعم قد يستشكل فيه بالنسبة إلى أرض الذمي، لاشتمال الرواية على‌

قوله (ع): «فان عليه الخمس» «1»

، بدعوى ظهوره في التكليف.

و فيه: أنه لا ينبغي التأمل في أن موضوع الاستعلاء إن كان فعلا اقتضى التكليف، مثل: «عليك أن تقوم»، و ان كان عيناً اقتضى الوضع، مثل: «عليك درهم» و هنا من الثاني. نعم لازم ذلك البناء على ثبوت الخمس في الذمة لا في العين، و لا نقول به، فيتعين حمل الكلام على معنى: «عليه فيها الخمس»، كما صرح بذلك في مرسل المقنعة «2»، و ورد نظيره في الكنز.

ففي خبر الحرث: «أدّ خمس ما أخذت، فإن الخمس عليك» «3»

، و‌

في الهدية: «هل عليه فيها الخمس ..؟ و في الفاكهة تباع: هل عليه الخمس ..؟» «4»

،

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 10.

565
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 84): الظاهر عدم اشتراط التكليف و الحرية ؛ ج‌9، ص : 565

و يجب على الولي و السيد إخراجه. و في تعلقه بأرباح مكاسب الطفل اشكال (1)، و الأحوط إخراجه بعد بلوغه.

و‌

فيما يفضل في يد الأجير للحج: «ليس عليه الخمس» «1»

، و‌

فيما سرح به صاحب الخمس: «لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس» «2»

، و‌

في غلة الرحى و ثمن السمك و غيره: «يجب عليك فيه الخمس» «3»

، و غير ذلك مما يكون المراد من الاستعلاء فيه التكليف المترتب على الوضع. و بالجملة: المناقشة المذكورة ضعيفة.

لإطلاق النصوص، و الفتاوى، و معاقد الإجماعات. بل قيل:

إن تصريحهم باشتراط الكمال في الزكاة و إهمالهم ذلك هنا كالصريح في عدم اشتراطه هنا. و في رسالة شيخنا الأعظم (ره): «أنه يفهم من استدلال العلماء لوجوب الخمس في الكنز و المعدن و الغوص بأنها اكتساباً فتدخل تحت الآية، ثمَّ تعميم الوجوب فيها للصبي و المجنون، ثمَّ دعواهم الإجماع على وجوب الخمس في مطلق الاكتسابات: عدم الفرق بين البالغ و غيره.

فتفطن ..». و لإطلاق ما ورد: من أنه ليس على مال اليتيم في الدين، و المال الصامت شي‌ء «4»، و ليس في مال المملوك شي‌ء «5» فإنه شامل للخمس. لكن في الأخير: أن إطلاقه بنحو يشمل غير الزكاة ممنوع، فان‌

قوله (ع) في ذيل الأول: «فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة»

، و‌

في ذيل الثاني: «و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئاً»

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 9.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب ما تجب عليه الزكاة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة حديث: 1.

566
مستمسک العروة الوثقى9

فصل في قسمة الخمس و مستحقه ؛ ج‌9، ص : 567

 

[فصل في قسمة الخمس و مستحقه]

فصل في قسمة الخمس و مستحقه

[ (مسألة 1): يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح]

(مسألة 1): يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح (1)، مانع من ذلك الإطلاق. و لا سيما مع تأيده بالنصوص الكثيرة المصرح فيها بأن المنفي هو الزكاة «1»، مع وحدة لسان الجميع. فالعمل بالإطلاق الأول متعين، لعدم ثبوت المعارض. مع أنه لو بني على العمل بالأخير كان المتعين نفي الخمس في جميع موارده، لا في خصوص الأرباح، مع عدم بنائهم على ذلك كما عرفت. فاللازم إذاً وجوب الخمس في مال الطفل و المجنون و العبد بناء على ملكه و لا يظهر وجه للاقتصار في المتن على ذكر الطفل دون المجنون و العبد مع بناء المصنف على ملكه. و اللّٰه سبحانه أعلم.

فصل في قسمة الخمس و مستحقه كما نسب إلى المشهور، أو معظم الأصحاب، أو مذهب الأصحاب أو جميعهم، أو أنه إجماع، أو من دين الإمامية، على اختلاف عبارات النسبة. و يشهد له ظاهر الكتاب «2»، و صريح جملة من النصوص، بل قيل إنها متواترة، منها:

صحيح ابن مسكان عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد اللّه (ع): «عن قول اللّه عز و جل (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبىٰ وَ الْيَتٰامىٰ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ ..)، فقال (ع): أما خمس اللّه- عز و جل- فللرسول، يضعه

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 4 من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(2) الأنفال: 41.

 

567
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح ؛ ج‌9، ص : 567

.....

في سبيل اللّه، و أما خمس الرسول (ص) فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه وحدها، و اليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم.

و أما المساكين و أبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة، و لا تحل لنا فهي للمساكين و أبناء السبيل» «1»

، و‌

مرسل ابن بكير في تفسير الآية، قال (ع): «خمس اللّه للإمام، و خمس الرسول للإمام، و خمس ذوي القربى لقرابة الرسول، الامام، و اليتامى يتامى الرسول، و المساكين منهم، و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم الى غيرهم» «2».

و نحوهما غيرهما. و قيل- كما في الشرائع-، و لم يعرف قائله- كما في المسالك و غيرها. و ربما نسب إلى ابن الجنيد، لكن عن المختلف: حكاية القول المشهور عنه-: أنه يقسم خمسة أسهم، بحذف سهم اللّه، و عن ظاهر المدارك الميل اليه،

لصحيح ربعي عن أبي عبد اللّه (ع): «كان رسول اللّٰه (صلى اللّٰه عليه و آله و سلم) إذا أتاه المغنم

.. (إلى أن قال):

ثمَّ قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس اللّه عز و جل لنفسه، ثمَّ يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى و اليتامى، و المساكين، و أبناء السبيل، يعطي كل واحد منهم حقاً. و كذلك الإمام يأخذ كما يأخذ الرسول» «3».

و ظاهره سقوط سهم الرسول لا سهم اللّه تعالى، كما هو المدعى.

و كيف كان لا مجال للعمل به في قبال ما عرفت، فيتعين طرحه أو حمله على التقية لموافقته لمذهب أكثر العامة- كما في المدارك- أو على أن ذلك منه (ص) توفير على المستحقين، كما عن الاستبصار. و لا ينافيه قوله (ع):

«و كذلك الإمام يأخذ ..»

بحمل المراد منه على أنه مثل في أخذ صفو‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 3.

568
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح ؛ ج‌9، ص : 567

سهم للّه سبحانه، و سهم للنبي (صلى اللّه عليه و آله و سلم)، و سهم للإمام (ع) (1). و هذه الثلاثة الآن لصاحب الزمان أرواحنا له الفداء، و عجل اللّه تعالى فرجه (2)، و ثلاثة المال و الخمس، لا مثله في القسمة المذكورة، و إن كان هو خلاف الظاهر.

لأنه المراد من ذي القربى في الكتاب و السنة، كما صرحت بذلك النصوص، التي منها مرسل ابن بكير المتقدم. و عن بعض علمائنا- و عن المختلف انه ابن الجنيد-: أن المراد به أقارب النبي (ص) من بني هاشم، كما هو ظاهر صحيح ربعي و ابن مسكان المتقدمين. لكن لا مجال للعمل بهما بعد حكاية الإجماع عن جماعة- صريحاً و ظاهراً- على خلافهما. أو إمكان حملهما على ما عرفت، مما هو صريح في أنه الامام. و لا ينافيه الجمع، لإمكان إرادة مجموع الأئمة.

كما صرح به في كلام جماعة، و يقتضيه ما سبق. و‌

في صحيح البزنطي عن الرضا (ع) في تفسير الآية الشريفة: «فقيل له: فما كان للّٰه فلمن هو؟ فقال: لرسول اللّه (ص)، و ما كان لرسول اللّه (ص) فهو للإمام» «1»

، و‌

في مرسل حماد: «فسهم اللّه، و سهم رسول اللّه (صلى اللّٰه عليه و آله و سلم) لأولي الأمر من بعد رسول اللّه (ص) وراثة و له ثلاثة أسهم، سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من اللّه. و له نصف الخمس كلا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته، فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء سبيلهم» «2».

و نحوهما غيرهما.

ثمَّ إنه لا فرق بين الموارد في وجوب قسمة الخمس على النحو المذكور و في المدارك: «الأصحاب قاطعون بتساوي الأنواع في المصرف ..»،

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8.

569
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح ؛ ج‌9، ص : 567

للأيتام، و المساكين، و أبناء السبيل. و يشترط في الثلاثة الأخيرة الايمان (1) و في الأيتام الفقر (2)، و في أبناء السبيل الحاجة و عن جماعة: دعوى الإجماع- صريحا و ظاهراً- عليه. و يقتضيه: ظاهر مرسل حماد، و مرفوع أحمد بن محمد «1» بل إطلاق الآية- بناء على عمومها لجميع الأنواع- كما تقتضيه جملة من النصوص. مضافاً إلى الإطلاق المقامي لنصوص تشريع الخمس في موارده، فان عدم التعرض فيها لمصرفه ظاهر في إيكال معرفته إلى ظاهر الآية و نحوها من النصوص المتعرضة لذلك. فلاحظ.

كما عن جماعة التصريح به، و في الجواهر «لا أجد فيه خلافاً محققاً، كما اعترف به بعضهم ..»، و عن الغنية و المختلف: الإجماع عليه و استدل له: بقاعدة الاشتغال. و أن الخمس كرامة و مودة لا يستحقهما غير المؤمن المحاد للّه و رسوله، و أنها عوض الزكاة المعتبر فيها الايمان إجماعاً، كما عن غير واحد. و ما‌

في خبر إبراهيم الأوسي، الوارد في الزكاة: «إن اللّٰه حرم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا» «2».

فتأمل.

كما هو المشهور.

لمرسل حماد: قال (ع): «يقسم بينهم على الكتاب و السنة ما يستغنون في سنتهم، فان فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي، فإن عجز أو نقص عن استغنائهم كان على الوالي أن ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به. و إنما صار عليه أن يمونهم، لأن له ما فضل عنهم» «3»

، و‌

مرفوع أحمد بن محمد: «فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فان فضل شي‌ء فهو له و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمه لهم من عنده. كما صار له الفضل كذلك يلزمه النقصان» «4».

و دلالتهما على المقام بالأولوية. بل في الأول جملة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب قسمة الخمس حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2.

570
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 1): يقسم الخمس ستة أسهم على الأصح ؛ ج‌9، ص : 567

في بلد التسليم، و إن كان غنياً في بلده (1). و لا فرق بين أن يكون سفره في طاعة أو معصية (2). و لا يعتبر في المستحقين العدالة (3)، و إن كان الأولى ملاحظة المرجحات. و الاولى أن لا يعطى لمرتكبي الكبائر. خصوصاً مع التجاهر. بل يقوى عدم الجواز إذا كان في الدفع إعانة على الإثم، و لا سيما إذا كان في المنع الردع عنه (4). و مستضعف كل فرقة ملحق بها.

من الفقرات صالحة للدلالة على ما نحن فيه.

و لأجل ذلك يضعف ما عن السرائر- و حكي عن المبسوط أيضاً- من عدم اعتباره، لضعف السند، و عدم الاقتران بما يوجب القطع بالصدور بناء على مذهبه: من عدم حجية ما لم يقطع بصدوره. و فيه: أنه يكفي في الحجية الوثوق بالصدور، و لو بتوسط اعتماد الأصحاب، كما هو كذلك هنا. و منهما يظهر أيضاً: أن المقابلة في الآية بين اليتامى و المساكين ليس لعدم اعتبار الفقر فيهم، بل للاختلاف في البلوغ و عدمه مع فقد الأب.

يظهر وجهه مما سبق في الأيتام. كما يظهر منه ضعف ما عن السرائر- و ظاهر غيره- من عدم الاشتراط.

للإطلاق، و إن كان مقتضى ما ذكر في كلماتهم- تبعاً لما في النصوص من البدلية-: هو اعتبار الطاعة في السفر.

كما هو المعروف. بل قيل: لم يعرف القول باعتبارها هنا من أحد، و إن كان مقتضى البدلية- المستفادة من النصوص و الفتاوي- اعتبارها هنا، على تقدير القول باعتبارها في مستحق الزكاة. لكن عرفت عدم اعتبارها هناك، فهنا أولى.

على ما مر في الزكاة. فراجع.

571
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 2): لا يجب البسط على الأصناف ؛ ج‌9، ص : 572

[ (مسألة 2): لا يجب البسط على الأصناف]

(مسألة 2): لا يجب البسط على الأصناف (1)، كما هو المشهور مطلقاً، أو بين المتأخرين. للسيرة المستمرة على عدم البسط. و لما يستفاد من النصوص: من أن وجه تشريعه رفع حاجة جميع الطوائف، و لو بأن يعطي خمس مال لشخص و خمس آخر لآخر. و‌

لصحيح البزنطي عن الرضا (ع): «أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقل ما يصنع به؟ قال (ع): ذلك إلى الامام. أ رأيت رسول (ص) كيف يصنع؟ أ ليس إنما كان يعطي على ما يرى؟ كذلك الامام» «1».

لكن دلالة الصحيح لا تخلو عن مناقشة، إذ ظاهره السؤال عن لزوم مساواة السهام و عدمه، لا جواز الحرمان و عدمه. مع أن مورده صورة اختلاف أفراد ذوي السهام- كثرة و قلة. لا مطلقاً. مع أن إيكال الأمر إلى الامام لا يرتبط بما نحن فيه، لأن الإمام له ما يزيد على كفايتهم و عليه ما ينقص عنها، فيمكن له حينئذ أن لا يساوي بين السهام مع اختلاف ذويها، فلا يصلح الصحيح لإثبات ذلك لغيره. و أما ما قبله فلا يصلح لمعارضة نصوص التسهيم و التقسيم. إلا أن يكون حاكماً عليها، بحيث يكون المراد من التسهيم لهم لزوم رفع حاجتهم، فمع وفاء نصف الخمس بحاجة الجميع يجب إعطاؤهم بمقدار حاجتهم، و إلا تخير المكلف في الدفع إلى من شاء من المحتاجين من أي الطوائف الثلاث كان.

و لعل هذا المقدار- بضميمة دعوى السيرة المتقدمة، و ما يلزم من وجوب البسط من تعطيل سهم ابن السبيل لندرة وجوده، و ما يدعى من ظاهر الإجماع، بعد حمل ما عن ظاهر المبسوط و الحلبي من وجوب البسط على خلافه. كاف في البناء على عدمه. و من ذلك يظهر ضعف ما في الذخيرة: من قوة ما هو ظاهر المبسوط. و اللّه سبحانه أعلم.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب قسمة الخمس حديث: 2.

572
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة ؛ ج‌9، ص : 573

بل يجوز دفع تمامه إلى أحدهم. و كذا لا يجب استيعاب أفراد كل صنف (1)، بل يجوز الاقتصار على واحد. و لو أراد البسط لا يجب التساوي بين الأصناف أو الافراد.

[ (مسألة 3): مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة]

(مسألة 3): مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة، فان انتسب إليه بالأم لم يحل له الخمس، و تحل له الزكاة (2) كما هو المشهور، و عن بعض: نفي الخلاف فيه، و عن المنتهى الإجماع عليه. و تقتضيه السيرة. و لتعذر الاستيعاب- أو تعسره- غالباً.

و عن ظاهر البيان و غيره: وجوب استيعاب الحاضر. و دليله غير ظاهر.

نعم لا يبعد وجوب الاستيعاب إذا أمكن، مع وفاء الخمس بحوائج الجميع كما عرفت أنه المستفاد من نصوص التشريع، و ما تضمن عدم جواز دفع أكثر من الحاجة.

كما هو المشهور، بل نسب إلى عامة أصحابنا عدا المرتضى (ره) و يشهد له مرسل حماد. الذي رواه المشايخ الثلاثة، المعول عليه عند كافة الأصحاب عداه-،

قال (ع) فيه: «و من كانت أمه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له و ليس له من الخمس شي‌ء، لأن اللّه تعالى يقول: (ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ ..» «1».

و لما يستفاد من نصوص الباب: من أن المستحق: الهاشمي، أو بنو هاشم، الظاهر في خصوص المنتسب إلى هاشم (ع) بالأب، كالتميمي أو بني تميم، و الأموي أو بني أمية، و العباسي أو بني العباس.

و في الحدائق- بعد نسبة الخلاف إلى السيد المرتضى (ره)- قال:

«و منشأ هذا الخلاف: أن أولاد البنت أولاد حقيقة أو مجازاً، فالمرتضى و من تبعه على الأول، و المشهور على الثاني .. ثمَّ نقل عن جماعة موافقة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8.

573
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة ؛ ج‌9، ص : 573

.....

السيد في ذلك، ثمَّ قال. و أنت خبير بأن جملة من هؤلاء المذكورين و إن لم يصرحوا في مسألة الخمس بما نقلناه عن السيد المرتضى، إلا أنهم في مسائل الميراث و الوقف لما صرحوا بأن ولد البنت ولد حقيقة اقتضى ذلك إجراء حكم الولد الحقيقي في جميع الأحكام، التي من جملتها: جواز أخذ الخمس و تحريم أخذ الزكاة، و مسائل الميراث و الوقوف و نحوها، لأن مبنى ذلك كله على كون المنتسب بالأم ابناً حقيقة، فكل من حكم بكونه ابناً حقيقة يلزمه أن يجرى عليه هذه الأحكام. بل الخلاف المنقول هنا عن السيد إنما بنوا فيه على ما ذكره في مسائل الميراث و الوقوف و نحوها، من حكمه:

بأن ابن البنت ابن حقيقة، كما سيأتيك ذكره ..». ثمَّ نقل جملة من العبارات المتعرضة لبيان الخلاف المذكور في جملة من أبواب الفقه كالمواريث و الوقف. ثمَّ قال: «و الظاهر عندي هو مذهب السيد ..». ثمَّ احتج بالآيات القرآنية، و النصوص المتعرضة لاحتجاج الأئمة (ع) و بعض أصحابهم على ذلك.

و فيه: أن الآيات لا تصلح للدلالة على شي‌ء، إذ ليس فيها إلا الاستعمال الذي هو أعم من الحقيقة. و أما النصوص فهي و إن كانت ظاهرة ظهوراً لا ينكر في كون ولد البنت ولداً أو ابناً حقيقة، إذ الحمل على المجاز ينافي مقام المفاخرة، كالحمل على مجرد الإلزام و الإقناع، إلا أنها لا تجدي في المقام إلا إذا كان الموضوع ولد هاشم. و قد عرفت. أن المستفاد من النصوص الكثيرة- المذكور جملة منها في أبواب حرمة الصدقة على بني هاشم: أن الموضوع. الهاشمي. و هو المراد من الآل، و الذرية، و القرابة، و العترة، في النصوص لانصرافها اليه. أو لأنه مقتضى الجمع العرفي، و هو حمل المطلق على المقيد. فلفظ بني هاشم لم يلحظ فيه معنى الإضافة ليكون تابعاً لصدق الابن على ابن البنت، بل لوحظ فيه المعنى الاسمي، كبني تميم و بني أسد‌

574
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 3): مستحق الخمس من انتسب إلى هاشم بالأبوة ؛ ج‌9، ص : 573

.....

و نحوهما، مما يختص بالمنسوب بتوسط الذكور لا غير. و لو سلم فالمرسل المتقدم حجة «1». و اشتماله على التعليل، بقوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ ..) «2» لا ينافي ذلك، إذ كم من خبر حجة مشتمل على ما ليس بحجة.

بل الظاهر بعد التأمل: أن الحكم بعدم جواز أخذ المنتسب بالأم إلى هاشم (ع) الخمس أوضح من أن يحتج عليه بالمرسل أو غيره من الأدلة و لا يظن من السيد المرتضى- و من نظرائه من علماء الإمامية- أن يرضى بنسبة القول بجواز أخذ الخمس للزبيريين و أمثالهم من العشائر و القبائل الذين إحدى جداتهم من بني هاشم، و بحرمة الصدقة عليهم، و بصحة كون الامام الصادق (ع) و من بعده من الأئمة (ع) و أولادهم تيميين، لكون جدتهم أم فروة، فنسبة الخلاف إليه غير ظاهرة. و كون المبنى في الخلاف ما ذكره أول الكلام. بل ممنوع جداً، إذ لا ملازمة بين دعوى كون الولد حقيقة في ولد البنت، و بين صحة نسبة ولد البنت إلى الجد الأمي، ضرورة وضوح المباينة بين مفهوم الهاشمي و الأموي، و التيمي و العدوي، و نحوها من عناوين النسب، و لا يظن أنها محل الخلاف المذكور. مع أن صدق الولد على ولد البنت محل الخلاف.

فالإنصاف أن نسبة الوفاق للسيد اعتماداً على الوضوح المذكور أولى من نسبة الخلاف اليه اعتماداً على قوله: «بأن ولد البنت ولد». و من ذلك يظهر لك الإشكال في نسبة الخلاف إلى غيره ممن قال بمقالته. هذا و لأن ذرية هاشم (ع) منحصرة بمن ولده عبد المطلب، ذكر غير واحد:

أن مستحق الخمس من ولده عبد المطلب.

______________________________
(1) المراد هو مرسل حماد المتقدم في صدر التعليقة.

(2) الأحزاب: 5.

575
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 4): لا يصدق من ادعى النسب ؛ ج‌9، ص : 576

و لا فرق بين أن يكون علويا، أو عقيلياً، أو عباسياً (1).

و ينبغي تقديم الأتم علقة بالنبي (ص) على غيره أو توفيره، كالفاطميين (2).

[ (مسألة 4): لا يصدق من ادعى النسب]

(مسألة 4): لا يصدق من ادعى النسب (3) إلا بلا خلاف، بل في الجواهر: «الإجماع محصل و منقول عليه ..»‌

للنصوص الكثيرة المستفاد منها: أن المستحق مطلق الهاشمي، من دون فرق بين أفراده. مضافاً الى‌

صحيح ابن سنان: «لا تحل الصدقة لولد العباس، و لا لنظرائهم من بني هاشم» «1»

، بضميمة ما تضمن، من النص و الإجماع على أن الخمس يستحقه من تحرم عليه الصدقة. و أما ما في بعض النصوص- من كون المستحق ذرية النبي (ص) أو أهل بيته «2»، أو آل محمد (ص) «3» أو فاطمة (عليها السلام) و ذريتها، أو نحو ذلك. فمحمول إما على بعض الخمس، أو على التغليب، لأنهم (عليهم السلام) السبب في التشريع، أو نحو ذلك.

قال في الدروس: «و ينبغي توفير الطالبيين على غيرهم، و ولد فاطمة (عليها السلام) على الباقين ..» و عن كشف الغطاء: ليس بالبعيد تقديم الرضوي، ثمَّ الموسوي، ثمَّ الحسيني و الحسني، و تقديم كل من كانت علاقته بالأئمة أكثر ..».

لأصالة عدم الحجية. و عن كشف الغطاء: «أنه يصدق إن لم يكن متهماً، كمدعي الفقر ..». و وجهه غير ظاهر، و قد عرفت الإشكال في ذلك في دعوى الفقر، فضلا عن المقام. نعم لا يبعد البناء على الحجية مع الاطمئنان، لعين ما تقدم في الفقر. فلاحظ. أما إذا كان الشياع مفيداً‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

(2) لاحظ مرسل حماد المروي في الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 8.

(3) لاحظ مرفوع أحمد بن محمد المروي في الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس حديث: 9.

576
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 5): في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال ؛ ج‌9، ص : 577

بالبينة، أو الشياع المفيد للعلم. و يكفي الشياع و الاشتهار في بلده. نعم يمكن الاحتيال في الدفع إلى مجهول الحال (1)- بعد معرفة عدالته (2)- بالتوكيل على الإيصال إلى مستحقه على وجه يندرج فيه الأخذ لنفسه أيضاً. و لكن الأولى- بل الأحوط- عدم الاحتياط المذكور.

[ (مسألة 5): في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال]

(مسألة 5): في جواز دفع الخمس إلى من يجب عليه نفقته إشكال، خصوصاً في الزوجة، فالأحوط عدم دفع خمسه إليهم (3)، بمعنى: الإنفاق عليهم، محتسباً مما عليه من الخمس. أما دفعه إليهم لغير النفقة الواجبة مما يحتاجون اليه مما لا يكون واجباً عليه- كنفقة من يعولون و نحو ذلك- فلا بأس به. كما لا بأس بدفع خمس غيره إليهم- و لو للإنفاق- للعلم فالعلم هو الحجة. و حينئذ لا فرق بين بلده و غيره، و لا بين الأسباب الموجبة للعلم.

كما نص على ذلك في الجواهر، معللا ذلك: بأن المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل، ما لم يعلم الخلاف. ثمَّ قال:

«لكن الإنصاف أنه لا يخلو من تأمل أيضاً ..». و لكن التأمل ضعيف.

قد سبق في الزكاة من النصوص ما يظهر منه الاكتفاء بالوثاقة.

كما جزم به شيخنا الأعظم (ره). لظاهر التعليل في نصوص عدم جواز دفع الزكاة إليهم. و لما في النصوص و الفتاوى: من بدلية الخمس عن الزكاة، الظاهر في الاشتراك في الأحكام إلا في المستحق، فإنه في الأول الهاشمي و في الثاني غيره. و عليه فالمقامان من قبيل واحد. و حكم بقية المسألة يعلم مما سبق.

577
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 6): لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد ؛ ج‌9، ص : 578

مع فقره، حتى الزوجة إذا لم يقدر على إنفاقها.

[ (مسألة 6): لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد]

(مسألة 6): لا يجوز دفع الزائد عن مئونة السنة لمستحق واحد و لو دفعة- على الأحوط (1).

[ (مسألة 7): النصف من الخمس- الذي للإمام (ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه]

(مسألة 7): النصف من الخمس- الذي للإمام (ع)- أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه، و هو المجتهد الجامع لشرائط (2) كما في الدروس. و عن المسالك، و جعله في الجواهر الأقوى في النظر. بل قال: «لا أجد فيه خلافاً ..» و ان جعل الجواز وجهاً في المسالك. للمرسلين المتقدمين في اعتبار الفقر في اليتيم، المنجبرين بفتوى المشهور. لكن استشكل في دلالتهما غير واحد- منهم شيخنا الأعظم (ره)-:

بظهورهما في صورة اجتماع الخمس جميعه عند الامام، و توليه القسمة بينهم.

و لعل ذلك حينئذ لئلا يحصل العوز على بعض المستحقين، فيكون حيفاً عليهم و يحتاجون إلى أخذ الصدقة، و ذلك خلاف مقتضى مقامه الأقدس و محله الأرفع، و لا يجري في حق المالك. و لذا تدلان أيضاً على وجوب إعطاء الكفاية من الخمس مع الإمكان، و إعطاء التتمة من مال الامام مع عدم الإمكان. و الأول لم يقل به أحد بالنسبة إلى المالك في زمان الغيبة و عدم بسط اليد. و الثاني محل الخلاف بين الأعلام. فالعمدة في المنع:

عدم ثبوت إطلاق يقتضي جواز الإعطاء مطلقاً. و دليل التشريع وارد في مقام الاستحقاق لا غير. و الأصل يقتضي الاحتياط.

و منه يظهر ضعف ما عن المناهل، من أن الأقوى جواز الإعطاء فوق الكفاية. اللهم إلا أن يبنى على إلحاق الخمس بالزكاة. لكن قد عرفت التأمل فيها أيضاً. ثمَّ إن هذا الحكم- على تقدير تماميته. لا فرق فيه بين أن يكون الدفع من المالك و أن يكون من الحاكم، لاطراد وجهه فيهما. فلاحظ.

قد اختلف الأصحاب (رض) في نصف الخمس الراجع إلى‌

578
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): النصف من الخمس - الذي للإمام(ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ ج‌9، ص : 578

.....

الامام (ع). فمن ذاهب إلى إباحته للشيعة مطلقاً- كما عن سلار الديلمي في المراسم، و المدارك و الذخيرة و المفاتيح و الوافي و الحدائق. و عن كشف الرموز: نسبته إلى قوم من المتقدمين، و في الحدائق: نسبته إلى جملة من معاصريه- أو إذا لم يكن محتاج من الأصناف الثلاثة و إلا وجب صرفه فيهم، كما اختاره في الوسائل. اعتماداً على نصوص تضمنت تحليل الخمس التي هي- مع قصور دلالة جملة منها، و إعراض الأصحاب عنها- معارضة بما يوجب طرحها، أو حملها على بعض المحامل التي لا تأباها، كما تقدم التعرض لذلك في أوائل كتاب الخمس. مضافاً إلى أن الإباحة المدعاة مالكية لا شرعية. و حينئذ تكون الشبهة موضوعية، و الرجوع إلى أخبار الآحاد فيها غير ظاهر.

و من ذاهب إلى وجوب عزله، و إيداعه، و الوصية به عند الموت، كما عن المقنعة و الحلبي و القاضي و الحلي، و نسب إلى السيد في المسائل الحائرية و في المنتهى- بعد نسبته إلى جمهور أصحابنا- قال: «إنه حسن ..».

و كأنه عمل بالقواعد المعول عليها في المال المعلوم مالكه، مع عدم إمكان إيصاله اليه. و فيه- مع أن ذلك مظنة الخطر و الضرر في أكثر الأوقات، فيكون تفريطاً في مال الغير-: أنه يتم لو لم يعلم برضا الامام (ع) بصرفه في بعض المصارف.

و من ذاهب إلى وجوب دفنه، كما عن بعض الأصحاب حكاه عنه في المقنعة و النهاية و المنتهى، اعتماداً على أنه أحفظ. و لما روي: من أن الأرض تخرج كنوزها للحجة (ع) عند ظهوره «1». و فيه ما عرفت. مضافاً إلى أن الاعتماد في التصرف المذكور على الرواية المذكورة كما ترى.

و من ذاهب إلى وجوب صرفه في المحتاجين من الذرية الطاهرة (زادهم‌

______________________________
(1) الاحتجاج الجزء: 2 صفحة: 10 الطبعة الحديثة.

579
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): النصف من الخمس - الذي للإمام(ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ ج‌9، ص : 578

.....

اللّه تعالى شرفاً) كما عن المفيد في الغرية، و الشرائع و حاشيته، و المهذب لابن فهد. و في المنتهى: أنه جيد، و حكي عن المشهور بين المتأخرين.

للمرسلتين المتقدمتين «1»، الدالتين على أنه- مع عدم كفاية الخمس في حوائجهم- على الامام أن يتمها من ماله. و فيه ما عرفت، من اختصاص ذلك بصورة بسط اليد و وصول الخمس اليه (ع) بأجمعه، و عدم ظهورهما في وجوب الإتمام من سهمه (ع) من الخمس، بل من الجائز أن يكون من مال آخر. و قد تضمن مرسل حماد مثل ذلك في قسمة الزكاة مع الإعواز و أن عليه الإتمام «2». اللهم إلا أن يُخص القول بذلك بصورة عدم وجود مال آخر. لكن عليه يتعين القول بجواز صرفه في سائر فقراء الشيعة- كما هو أحد الأقوال- كما يأتي.

و من ذاهب إلى التخيير بين إيداعه و دفنه، كما عن الشيخ في النهاية.

و من ذاهب إلى التخيير بين دفنه و الإيصاء به، وصلة الأصناف مع إعوازهم كما في الدروس. و من ذاهب إلى التخيير بين حفظه و الإيصاء به، و بين قسمته في المحاويج من الذرية، كما في المختلف و عن غيره. و يظهر وجهها و ضعفها مما سبق. و عن ابن حمزة: وجوب صرفه في فقراء شيعته و إن لم يكونوا من السادة، قال في محكي كلامه: «الصحيح عندي أن يقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه، من أهل الفقر و الصلاح و السداد ..». و كأن وجهه- مضافاً إلى المرسلتين المتقدمتين «3»-: ما أشرنا إليه آنفاً، مما ورد من أنه يعول من لا حيلة له- كما في صحيح حماد- و أنه إذا قسم الزكاة كان عليه الإتمام إذا أعوزت «4». و فيه: أن ذلك مختص بصورة بسط‌

______________________________
(1) المراد بهما: مرسل حماد و مرفوع أحمد بن محمد المتقدمين في المسألة: 1 من هذا الفصل

(2) الوسائل باب: 28 من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3.

(3) و هما اللتان أشير إليهما قريباً في هذه التعليقة.

(4) المراد به: ما تقدم قريباً في هذه التعليقة.

580
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): النصف من الخمس - الذي للإمام(ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ ج‌9، ص : 578

.....

اليد، فلا يشمل المقام. و قد يستدل له: بما ورد‌

في خبر محمد بن يزيد: «من لم يستطع أن يصلنا فليصل فقراء شيعتنا» «1»

، و‌

في المرسل: «من لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي شيعتنا» «2».

و فيه- مع ضعف السند-: ظهورها في الصلة المستحبة، فلا تشمل ما نحن فيه.

و في الجواهر قوي إجراء حكم مجهول المالك عليه، لأنه منه. إذ العلم بالنسب لا يخرجه عن كونه مجهولا، بل المراد مجهول التطبيق و إن كان معلوم النسب. و يشكل: بأن نصوص مجهول المالك و إن كان بعض موارده كما ذكر، و بعضه وارد فيمن يعرف تطبيقه و لكن لا يعرف محله، كما في رواية يونس المذكورة في كتاب اللقطة من الوسائل، الواردة في الرفيق بمكة «3» فإن الرفاقة موجبة لمعرفة التطبيق، لكن المانع من إيصال المال اليه الجهل بمحله، مع تردده بين مواقع غير محصورة. و لعل مثلها رواية معاوية الواردة في ميراث المفقود. و لأجل ذلك لا يستفاد منها كون المعيار في التصدق ما ذكره. و لذلك استظهر شيخنا الأعظم (ره) من نصوص التصدق بمجهول المالك: أن المناط تعذر الإيصال من دون مدخلية للجهل، بل جزم بذلك في مكاسبه في مبحث جوائز السلطان- تبعاً للشرائع و التحرير و الكفاية- فجعل حكم المال الذي يتعذر إيصاله إلى صاحبه التصدق به عنه. لكنه أيضاً لا يخلو من إشكال في المقام، لأنه مما يمكن فيه إحراز الرضا بالتصرف في جهة معينة، أو الوثوق بذلك، و معه كيف يمكن التعدي عن موارد تلك النصوص إليه؟ لأن موارد تلك النصوص ما يتعذر فيه الإيصال إلى المالك، و مع إحراز الرضا يتحقق الإيصال الواجب، و مع الوثوق بالرضا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب الصدقة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 50 من أبواب الصدقة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب اللقطة حديث: 2.

581
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): النصف من الخمس - الذي للإمام(ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ ج‌9، ص : 578

.....

يكون التصرف أقرب من التصدق إلى تحصيل الواجب.

و بالجملة: صورة حصول العلم بالرضا- أو الوثوق به- خارجة عن مورد النصوص الواردة في مجهول المالك و بعيدة عنه، فلا مجال للتعدي إليها.

و قد يستدل عليه‌

بصحيحة ابن مهزيار، المتقدمة في روايات التحليل: «من أعوزه شي‌ء من حقي فهو في حل» «1».

و يشكل: بأنها ظاهرة في التحليل، لا في وجوب التصدق. على أنها خبر واحد، فلا تصلح حجة في الموضوعات. اللهم إلا أن يكون المقصود من التحليل التحليل الشرعي لا المالكي. لكنه خلاف الظاهر.

و كيف كان فلم يتضح ما يدل على تعيين صرف سهمه (ع) في جهة معينة، فيشكل التصرف فيه، إلا أن يحرز رضاه (ع) بصرفه في بعض الجهات- كما في زماننا هذا- فإنه يعلم فيه رضاه (ع) بصرفه في إقامة دعائم الدين، و رفع أعلامه، و ترويج الشرع الأقدس، و مئونة طلبة العلم الذين يترتب على وجودهم أثر مهم في نفع المؤمنين، بالوعظ و النصيحة، و بث الحلال و الحرام، و غير ذلك من الواجبات الدينية التي انسلخ عنها اليوم أكثر المتدينين. و الأحوط نية التصدق عنه (ع)، كما عرفت.

و من ذلك يظهر أن الأحوط- إن لم يكن الأقوى- إحراز رضاه (ع) في جواز التصرف، فإذا أحرز رضاه (ع) بصرفه في جهة معينة جاز للمالك تولي ذلك، بلا حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي- كما عن غرية المفيد، و في الحدائق الميل اليه- لعدم الدليل على ذلك كما اعترف به في الجواهر أيضاً. و أدلة الولاية على مال الغائب، مثل قوله (ع):

«جعلته قاضياً ..»

و‌

«حاكماً ..» «2»

لا يشمل نفس الجاعل،

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الأنفال حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 6، 1.

582
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): النصف من الخمس - الذي للإمام(ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ ج‌9، ص : 578

.....

فإن للإمام (ع) ولايتين، إحداهما قائمة بذاته المقدسة بما أنه مالك و ذو مال- كسائر الملاك و ذوي المال- المستفادة من مثل‌

قوله (ص): «الناس مسلطون على أموالهم» «1»

، و الأخرى: قائمة به بما أنه الامام و أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و موضوع الثانية غيره. و أدلة ولاية الحاكم إنما هي في مقام جعل الولاية الثانية له، و الامام خارج عن موردها، فإنه الولي لا المولى عليه، و ليس ما يدل على جعل الولاية الأولى له، بل المقطوع به عدمه.

و من ذلك يظهر الاشكال فيما عن الفاضلين و الشهيدين و غيرهم- بل نسب إلى أكثر العلماء تارة، و أكثر المتأخرين أخرى- من وجوب تولي الحاكم لحصته (ع)، بل عن الشهيد الثاني: إجماع القائلين بوجوب الصرف للأصناف على الضمان لو تولاه غير الحاكم .. اللهم إلا أن يكون إجماعاً.

لكنه كما ترى. أو كان لمراجعته دخل في إحراز رضاه (ع)، فلا يجوز التصرف بدونه. و لا سيما إذا كان الحاكم بمرتبة عالية من العقل و العدالة و الأمانة، و الاهتمام بالمصالح الدينية، و القدرة على تمييز الأهم و المهم منها فإنه حينئذ يكون أبصر بمواقعة و أعرف بمواضعه، فيتعين الرجوع إليه في تعيين المصرف. إلا أن مثل ذلك لا يقتضي صلاحيته للتصرف فيه تصرف الولي فيما له الولاية عليه، مثل إيقاع المصالحة عليه بمقدار معين إذا كان في نفسه مردداً بين الأقل و الأكثر، و مثل تبديله بعين أخرى- و إن ادعى في المستند القطع بالجواز- و لا غير ذلك من أنواع التصرف الذي يتولاه الولي.

نعم يشكل البناء على عدم ولاية الفقيه على المال المذكور: بأنه لا دليل على تعيين الحصة، سواه أ كانت في العين أم في الذمة بتعيين المالك فاذا لم يكن للحاكم ولاية التعيين لا تحصل براءة المالك منها. اللهم إلا أن‌

______________________________
(1) راجع البحار باب: 33 حديث: 7 ج 2 صفحة 272 الطبعة الحديثة.

583
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): النصف من الخمس - الذي للإمام(ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ ج‌9، ص : 578

فلا بد من الإيصال اليه، أو الدفع إلى المستحقين بإذنه.

و الأحوط له الاقتصار على السادة ما دام لم يكفهم النصف الآخر (1) يدعى الإجماع على ولاية المالك على القسمة- كما في المستند- و استظهره من الأخبار المتضمنة لإفراز رب المال خمسه، و عرضه على الامام (ع) و تقريره (ع) له. أو يقال: إن البناء على جواز الصرف بإحراز الرضا راجع إلى الرضا بتعيين المالك، غاية الأمر: أنه قد يتوقف أحرز الرضا على مراجعة الحاكم، و ذلك لا يستدعي ثبوت ولايته على التعيين. فتأمل جيداً.

نعم ربما يمكن أن تستفاد ولاية الحاكم على التعيين، و على الجهات المتعلقة بالسهم المبارك مما ورد في بعض النصوص: من أنه ليس ملكاً له (ع) بشخصه الشريف بل ملك لمنصبه المنيف منصب الزعامة الدينية، فيتولاه من يتولى المنصب «1». و يشير إلى ذلك ما تضمن: أن سهم اللّه تعالى، و سهم الرسول (ص) راجع للإمام «2»، و أن عزل الحاكم الشرعي عن الولاية عليه يؤدي إلى ضياع الزعامة الدينية، و الاحتفاظ بها من أهم الواجبات الدينية، لأن بها نظام الدين، و بها قوام المذهب، و بها تحفظ الحقوق لأهلها، و لولاها لاختل أمر الدين و الدنيا. و اني أبتهل إلى اللّه جل شأنه في أن يؤيد ولاتها و يسددهم، و يرعاهم بعين رعايته.

وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلّٰا بِاللّٰهِ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.

ثمَّ إنه- على تقدير ثبوت ولاية الحاكم- يكفي إذنه في جواز الصرف كما هو صريح الدروس و عن غيره. و المحكي عن ظاهر الأكثر. العدم، و وجوب مباشرته بنفسه. و دليله غير ظاهر، إلا أن يحتمل دخله في إحراز الرضا منه (ع) بالتصرف.

قد عرفت وجهه. كما عرفت النظر في إطلاقه، فقد يكون ما هو‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس، تجد الكثير يدل عليهما.

(2) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس، تجد الكثير يدل عليهما.

584
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 7): النصف من الخمس - الذي للإمام(ع) أمره في زمان الغيبة راجع إلى نائبه ؛ ج‌9، ص : 578

و أما النصف الآخر- الذي للأصناف الثلاثة- فيجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه (1). لكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه، لأنه أعرف بمواقعة، و المرجحات التي ينبغي ملاحظتها.

أهم منه، فيحرز الرضا بصرفه فيه، و لا يحرز الرضا بإعطائه للسادة.

قد حكي في حكم هذا النصف في زمان الغيبة أقوال:

أحدها: سقوطه و إباحته للشيعة، جزم به الديلمي، و قواه في الذخيرة، و في الحدائق: نسبه الى شيخه الشيخ عبد اللّه بن صالح، و الى جملة من معاصريه، لأن تقسيمه منصب الامام (ع)، و لا دليل على ثبوت ولاية ذلك لغيره. و فيه:

أن الثابت أن للإمام ولاية الأخذ- أو مع الصرف- في حال حضوره، أما ثبوت الولاية مطلقاً حتى حال غيبته فلا دليل عليه. و إطلاق ما دل على ثبوت الحق و وجوب إيصاله لأهله ينفيه و لنصوص التحليل التي قد عرفت إشكالها. و لأصالة البراءة، لقصور أدلة الوجوب عن شمول حال الغيبة.

و فيه منع واضح، لظهور النصوص في استحقاق الأصناف الثلاثة، و إطلاقها الشامل لحالي الحضور و الغيبة.

ثانيها: وجوب دفنه إلى زمان ظهوره، كما عن بعض.

ثالثها: وجوب الوصية به، كما عن التهذيب.

رابعها: التخيير بين قسمته بين الأصناف الثلاثة، و عزله و حفظه و الوصية به، كما عن المقنعة. أو بين ذلك و الدفن، كما عن المبسوط. و يظهر ضعف هذه الأقوال مما تقدم في حق الامام (ع)، فيتعين القول المشهور بين المتأخرين و المتقدمين، و المنسوب إلى جمهور الأصحاب، و المنفي عنه الخلاف الا من نادر: من وجوب قسمته على الأصناف الثلاثة.

585
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 8): لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره، إذا لم يوجد المستحق فيه ؛ ج‌9، ص : 586

[ (مسألة 8): لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره، إذا لم يوجد المستحق فيه]

(مسألة 8): لا إشكال في جواز نقل الخمس من بلده إلى غيره، إذا لم يوجد المستحق فيه (1). بل قد يجب كما إذا لم يمكن حفظه مع ذلك، أو لم يكن وجود المستحق فيه متوقعاً بعد ذلك. و لا ضمان حينئذ عليه لو تلف (2).

و الأقوى جواز النقل مع وجود المستحق أيضاً (3)، هذا و هل يشترط مراجعة الحاكم في ذلك؟ قولان، اختار ثانيهما جماعة. للأصل. و عن بعض: الأول، بل في محكي زاد المعاد- للمجلسي- نسبته إلى المشهور، لأنه من وظيفة الإمام، فيكون من وظيفة نائبه. لكنه غير ظاهر. نعم هو مقتضى قاعدة الاشتغال، للشك في ولايته على التعيين و لا إطلاق واضح يقتضي ذلك. فتأمل جيداً.

عن المدارك: أنه لا ريب فيه، و عن غيره الإجماع عليه للأصل بل قد يجب، لتوقف إيصال الحق إلى أهله عليه، كما في فرض المتن.

بلا إشكال، كما في الجواهر. للأصل. و لظاهر التعليل في نصوص نفي ضمان الزكاة لو تلفت بالنقل. هذا و سيجي‌ء الإشكال من المصنف في تعيين الخمس بالعزل، فكأن فرض المسألة في نقل مجموع المال الذي فيه الخمس، أما في نقل مقدار الخمس من ماله، لأجل تفريغ ذمته أو ماله من الخمس، فنفي الضمان غير ظاهر، لعدم الدليل، و الأصل بقاء الخمس بحاله.

كما في المسالك و المدارك، و عن الذخيرة و غيرها. حملا له على الزكاة. لكن في الشرائع، و عن النافع و الإرشاد و المنتهى و التحرير و غيرها:

العدم، لما سبق في الزكاة أيضاً. و العمدة فيه: منافاته للفورية التي تقتضيها قاعدة السلطنة. و الخروج عنها في الزكاة للنصوص لا يقتضي الخروج عنها هنا، فمنع وجوب الفورية هنا غير ظاهر، كمنع منافاته لها. نعم إذا كان إيصاله للمستحق في البلد يحتاج إلى زمان أكثر من زمان النقل الى غيره كان‌

586
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 9): لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان ؛ ج‌9، ص : 587

لكن مع الضمان لو تلف (1). و لا فرق بين البلد القريب و البعيد، و إن كان الاولى القريب، إلا مع المرجح للبعيد.

[ (مسألة 9): لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان]

(مسألة 9): لو أذن الفقيه في النقل لم يكن عليه ضمان، و لو مع وجود المستحق (2). و كذا لو و كله في قبضه عنه بالولاية العامة، ثمَّ أذن في نقله (3).

[ (مسألة 10): مئونة النقل على الناقل في صورة الجواز]

(مسألة 10): مئونة النقل على الناقل في صورة الجواز (4) و من الخمس في صورة الوجوب.

[ (مسألة 11): ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر]

(مسألة 11): ليس من النقل لو كان له مال في بلد آخر فدفعه فيه للمستحق عوضاً عن الذي عليه في بلده (5)، و كذا لو كان له دين في ذمة شخص في بلد آخر فاحتسبه البناء على الجواز في محله. و على هذا فالمدار- في المنع و الجواز- على لزوم التأخير و عدمه.

كما عن جماعة التصريح به، و عن المنتهى الإجماع عليه. و يقتضيه ظاهر بعض النصوص المتقدمة في الزكاة.

كأنه لقصور نصوص الضمان عن شمول المورد، و الأصل عدمه.

أو لكون مرجع الاذن إلى إسقاط الضمان.

الحكم فيه ظاهر، لأنه بقبضه بعنوان الوكالة حصل الدفع اللازم.

و الضمان خلاف مقتضى الولاية، فإن يد الولي لا توجب الضمان.

إذ لا وجه لجعله على الخمس بعد عدم كونه لمصلحته، بخلاف الصورة الآتية، فإن جعله على المالك خلاف قاعدة نفي الضرر.

كما هو ظاهر. لكن يجري فيه إشكال النقل إذا استلزم تأخيراً عن أداء الحق. و كذا الحال في الفرض الأخير.

587
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 12): لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك ؛ ج‌9، ص : 588

خمساً، و كذا لو نقل قدر الخمس من ماله إلى بلد آخر فدفعه عوضاً عنه.

[ (مسألة 12): لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك]

(مسألة 12): لو كان الذي فيه الخمس في غير بلده فالأولى دفعه هناك، و يجوز نقله إلى بلده مع الضمان.

[ (مسألة 13): إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الإمام (ع) اليه]

(مسألة 13): إن كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلده جاز نقل حصة الإمام (ع) اليه (1)، بل الأقوى جواز ذلك و لو كان المجتهد الجامع للشرائط. موجوداً في بلده أيضا بل الاولى النقل إذا كان من في بلد آخر أفضل، أو كان هناك مرجح آخر.

[ (مسألة 14): قد مر: أنه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً]

(مسألة 14): قد مر: أنه يجوز للمالك أن يدفع الخمس من مال آخر له نقداً أو عروضاً، و لكن يجب أن يكون بقيمته الواقعية، فلو حسب العروض بأزيد من قيمتها لم تبرأ ذمته، و إن قبل المستحق و رضي (2).

[ (مسألة 15): لا تبرأ ذمته من الخمس إلا بقبض المستحق]

(مسألة 15): لا تبرأ ذمته من الخمس إلا بقبض المستحق أو حيث عرفت أن المعيار- في جواز التصرف في حصة الإمام (ع)- الرضا، يدور أمر النقل و عدمه مداره، و مع تساوي النقل و عدمه فيه يتخير. و لو ثبت أنه تحت ولاية الحاكم، فمع الدوران بين الحاكم في بلده و الحاكم في بلد آخر، يجري الحكم الثابت مع الدوران بين فقير البلد و فقير غيره، من جواز النقل و عدمه.

لأن المدار على جوازه شرعاً، و لم يدل دليل عليه مع قبول المستحق. نعم لو صالح المستحق عن العروض بمقدار الخمس، ثمَّ احتسب ذلك المقدار جاز.

588
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 16): إذا كان في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمسا ؛ ج‌9، ص : 589

الحاكم (1)، سواء كان في ذمته أو في العين الموجودة. و في تشخيصه بالعزل إشكال (2).

[ (مسألة 16): إذا كان في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمساً]

(مسألة 16): إذا كان في ذمة المستحق دين جاز له احتسابه خمساً (3). و كذا في حصة الإمام (ع) إذا أذن المجتهد.

لعدم الدليل على البراءة بدون ذلك، و الأصل عدمها.

تقدم في المسألة السابعة عن المستند: حكاية الإجماع على ولاية المالك على القسمة، مستظهراً له من النصوص المتضمنة إفراز المالك لخمسه و عرضه على الامام (ع)، و تقريره (ع) له على ذلك. و يقتضيه ظاهر كلماتهم في مسألة جواز النقل، حيث أن الظاهر أن موضوعها المال المعين خمساً. و يؤيده: ما ورد في الزكاة. لكن الخروج عن الأصل بهذا المقدار لا يخلو من إشكال، لعدم ظهور تلك النصوص في تعين كون المفروز خمساً بعينه. و مجرد التعبير بمثل: «أد الخمس»، أو «أرسله» لا يقتضي ذلك، فإنه نظير قوله: «أد دينك». فأصالة عدم التعيين محكمة.

الظاهر من الاحتساب: أنه إيقاع لا تمليك، و لذا لا يكون موقوفاً على القبول، و لا على القول بجواز تمليك ما في الذمة. و على هذا فجوازه يتوقف على أحد أمور:

الأول: أن تكون اللام للمصرف لا للملك، إذ يكفي في الصرف إبراء الذمة و إسقاط ما فيها. لكن جعل اللام للمصرف خلاف الظاهر.

و لا سيما بقرينة السهام الراجعة للإمام (ع).

الثاني: أن تكون اللام للملك، لكن المالك لما كان هو الطبيعة، فالمالك أو الفقيه- بحسب ولايته على المال المذكور الذي ليس له مالك معين- يصرفه في مصالح الطبيعة، و منها إبراء الذمة لبعض أفرادها. و فيه:

أن ثبوت هذه الولاية المطلقة لا دليل عليه، و إنما الثابت هو الولاية على‌

589
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 17): إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقدا أو عرضا ؛ ج‌9، ص : 590

[ (مسألة 17): إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عرضاً]

(مسألة 17): إذا أراد المالك أن يدفع العوض نقداً أو عرضاً لا يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد بالنسبة إلى حصة الإمام (ع) (1)، و إن كانت العين التي فيها الخمس موجودة. لكن الاولى اعتبار رضاه، خصوصاً في حصة الإمام (ع).

[ (مسألة 18): لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس]

(مسألة 18): لا يجوز للمستحق أن يأخذ من باب الخمس تطبيق الطبيعة على الفرد، و بعد التطبيق المذكور يدفع إليه ملكه، نظير تطبيق الكلي المملوك على الفرد المعين في بيع الصاع من صبرة، أو الدين الذي في الذمة على المال الخارجي المعين. فالولاية في الموردين المذكورين على تطبيق المملوك، و في المقام على تطبيق المالك، و الولاية على الصرف في مطلق مصلحة الطبيعة لا دليل عليه.

الثالث: البناء على صحة عزل الخمس في المال الذي في الذمة، و بعد تطبيق المستحق الكلي على صاحب الذمة يسقط المال قهراً. لكن عرفت الإشكال في جواز عزل الخمس في المال الخارجي، فضلا عن المال الذي في الذمة و من ذلك يظهر الإشكال في جواز الاحتساب في هذا القسم من الخمس.

نعم لا يبعد ذلك في سهم الامام (ع)- بعد ما عرفت من اعتبار الرضا- إذ معه يصح إبراءه على أن يسقط منه بمقداره. كما لا بأس به في التصدق برد المظالم، لصدق التصدق بذلك. و قاعدة إلحاق الخمس بالزكاة لا دليل عليها. نعم بناء على ثبوت ولاية الفقيه، لو أذن للمالك بتعيين الخمس فيما له في الذمة و تعيين الفقير فيمن عليه المال سقط قهراً، عملا بمقتضى الولاية. و لكن هذا أمر آخر غير جواز الاحتساب شرعاً. فتأمل جيداً.

لأن ما دل على جواز دفع البدل- على تقدير تماميته كما تقدم- لم يعتبر فيه رضا المستحق أو المجتهد، فإطلاقه محكم.

590
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

الخمس و يرده على المالك إلا في بعض الأحوال (1)، كما إذا كان عليه مبلغ كثير، و لم يقدر على أدائه- بأن صار معسراً- و أراد تفريغ الذمة، فحينئذ لا مانع منه إذا رضي المستحق بذلك.

[ (مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه]

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه كالكافر و نحوه- لم يجب عليه إخراجه (2) فإنهم (ع) أباحوا لشيعتهم ذلك، سواء كان من ربح تجارة أو غيرها، و سواء كان من المناكح، و المساكن، و المتاجر، أو غيرها.

تقدم الكلام فيه في الزكاة، في المسألة السادسة عشرة من فصل الختام. فراجع.

قد اشتهر في كلام الأصحاب (رض) تحليل المناكح و المساكن و المتاجر في زمان الغيبة و نحوه، من أزمنة قصور يد العدل. بل ظاهر بعض: الاتفاق عليه، و إن كان ظاهر بعض العبارات: اختصاص التحليل بالمناكح، دون المساكن و المتاجر- و الذين صرحوا بالتعميم اختلف ظاهر كلامهم في اختصاص ذلك التحليل بالأنفال، أو الخمس، أو يعمهما. و على الثاني في اختصاصه بحقهم (ع)، أو يعم حق بقية الأصناف. و في اختصاصه بمن هي في يده، أو يعم غيره. و في تفسيرها و تعيين المراد بها.

ففي الأول، قيل- كما عن المسالك و غيرها-: إنها السراري المسبية من أهل الحرب، و قيل: إنها السراري التي يشتريها بثمن فيه الخمس و قيل: إنه مهور الزوجات التي فيها الخمس. و في الثاني، قيل: إنه المسكن الذي يغتنم من الكفار، و قيل: إنه المسكن المختص بالإمام، كرؤوس الجبال، و قيل: إنه المسكن الذي يشترى من أرباح التجارات، و قيل:

591
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

إنه المسكن الذي يشترى من المال الذي فيه الخمس، كما لو اشتراه من الربح بعد الحول، أو من الكنز و المعدن و نحوهما. و في الثالث، قيل:

إنه ما يشترى من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حال الغيبة، و قيل ما يشترى من أموال الإمام (ع)، كالرقيق، و الحطب المقطوع من الآجام المملوكة له (ع)، و قيل: ما يشترى مما فيه الخمس ممن لا يخمس، أو لا يعتقد الخمس.

هذا و ليس في النصوص ما يتضمن التحليل للعناوين المذكورة بخصوصها غير‌

مرسلة الغوالي: سأله بعض أصحابه، فقال: يا بن رسول اللّٰه (ص) ما حال شيعتكم- فيما خصكم اللّه تعالى به- إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟

فقال (ع): ما أنصفناهم إن واخذناهم، و لا أحببناهم إن عاقبناهم.

نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم، و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، و نبيح لهم المتاجر لتزكو أموالهم» «1».

لكنها ضعيفة السند لا تصلح للاعتماد عليها، فلا بد من الرجوع في تحليل المذكورات بتفاسيرها إلى الاعتماد عليها، فلا بد من الرجوع في تحليل المذكورات بتفاسيرها إلى الأدلة، فنقول:

أما التفسير الأول للأول فتقضيه جملة من النصوص،

كخبر الفضيل:

«قال أبو عبد اللّه (ع) إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا» «2».

و‌

خبر عبد العزيز بن نافع: «إن أبي كان ممن سباه بنو أمية، و قد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا و لا يحللوا، و لم يكن لهم مما في أيديهم قليل و لا كثير، و إنما ذلك لكم، فاذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد على عقلي ما أنا فيه. فقال (ع) له: أنت في حل مما كان من ذلك. و كل من كان في مثل حالكم من ورائي فهو في حل من ذلك» «3».

و ما‌

في خبر أبي حمزة «فنحن أصحاب الخمس و الفي‌ء،

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 10.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 18.

592
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. و اللّٰه يا أبا حمزة، ما من أرض تفتح، و لا خمس يخمس، فيضرب على شي‌ء منه إلا كان حراماً على من يصيبه، فراً كان أو مالا» «1»

، و‌

خبر الكناسي: «أ تدري من أين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري. فقال (ع): من قبل خمسنا أهل البيت. إلا شيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم و لميلادهم» «2»

و قريب منها غيرها. و ظاهرها: تحليل الخمس بتمامه.

و أما التفسير الثاني فالشراء فيه إن كان من مئونة السنة، فاستثناؤه في محله كما سبق، و إن لم يكن منها فدلالة النصوص المتقدمة عليه غير ظاهرة لاختصاص أكثرها بالفي‌ء. و الباقي إما ظاهر فيه أو غير ظاهر فيما نحن فيه.

و لا سيما مع ضعف السند، و عدم ثبوت الجابر. و أما نصوص التحليل العامة فقد عرفت الإشكال في التمسك بها، لمعارضتها بما دل على عدم حل الخمس، الموجب لحملها على ما ورد فيه التحليل بالخصوص. و من ذلك يظهر الإشكال في التفسير الثالث فيما لم يكن من المؤن. مضافاً إلى أن حرمة المهر لا ترتبط بحرمة الزوجة، لعدم كونه من أركان العقد- كما هو موضح في محله- فلا يلزم من تحريمه تحريمها.

و أما التفسير الأول للثاني، فإن كان المراد من المغنم ما كان بغير إذن الامام، فتحليله مبني على تحليل الأنفال، على ما عرفت من أن الغنيمة بدون إذن الامام (ع) منها. و إن كان المراد منه المغتنم بإذنه فالدليل عليه غير ظاهر. و لا سيما بناء على عدم الخمس في الأرض و نحوها من غير المنقول كما تقدم تقريبه. و أما‌

حسنة الحلبي عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم، و يكون معهم فيصيب غنيمة. قال (ع):

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 19.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 3.

593
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

يؤدي خمسنا و يطيب له» «1»

فظاهرها عدم الحل. لكنها مع انصرافها إلى المنقول- مختصة بصورة مباشرة الشيعي للاغتنام، فلا تشمل صورة الانتقال اليه من المغتنم غير الشيعي. مع أنك عرفت من مبحث الغنائم:

أن الجمع بينه و بين ما دل على أن الغنيمة بغير إذن الامام (ع) له، حملها على صورة الاذن. و سيأتي الكلام فيه في تحليل الأنفال.

و أما التفسير الثاني فلأنه من الأنفال، فيجري عليه حكمها. و أما التفسير الثالث، فان كان من المؤن فتحليله ظاهر، لما تقدم من استثنائها و ان لم يكن منها فلا دليل على تحليله- كالرابع- فعموم ثبوت الخمس فيه محكم.

و أما التفسير الأول للثالث، فقد عرفت: أن نفس المغتنم من الأنفال و أما شراؤه من المغتنم أو غيره، فيدل على جوازه و حليلته- مضافاً إلى ما تقدم- إطلاق‌

خبر أبي خديجة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «قال رجل و أنا حاضر: حلل لي الفروج. ففزع أبو عبد اللّه (ع). فقال له رجل:

ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادماً يشتريها، أو امرأة يتزوجها، أو ميراثاً يصيبه، أو تجارة أو شيئاً أعطيه. فقال (ع): هذا لشيعتنا حلال. أما و اللّه لا يحل إلا لمن أحللنا له» «2»

فتأمل. فإنه قد يظهر من السؤال الأول الاختصاص بالمناكح. و‌

خبر يونس بن يعقوب: «كنت عند أبي عبد اللّه (ع)، فدخل عليه رجل من القماطين، فقال:

جعلت فداك، تقع في أيدينا الأموال و الأرباح، و تجارات نعلم أن حقك فيها ثابت و إنا عن ذلك مقصرون. فقال: أبو عبد اللّه (ع): ما أنصفناكم

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 8. و قد تقدم في صفحة:

447 التعبير عنها بالمصحح.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 4.

594
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

إن كلفناكم ذلك اليوم» «1».

و لعله ظاهر‌

صحيح الحرث عنه (ع): «قلت له: إن لنا أموالا- من غلات، و تجارات، و نحو ذلك- و قد علمت أن لك فيها حقاً. قال (ع): فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم. و كل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب» «2».

مضافاً الى قيام السيرة عليه في الجملة. و لزوم الوقوع في الحرج العظيم لو بني على التحريم. و لا سيما بملاحظة ما هو معلوم من عطفهم و رأفتهم بشيعتهم.

ثمَّ إن ظاهر الاخبار- أو منصرفها- الشراء ممن لا يعتقد وجوب الخمس، كالكافر و المخالف. و منها يظهر الوجه في حل التفسير الثالث، و اختصاصه بالشراء ممن لا يعتقد الخمس، و إن ذكر في الروضة، و حكي عن السرائر: العموم لغيره، بدعوى: إطلاق النصوص المذكورة الشامل له أيضاً. لكن عرفت أن النصوص لا إطلاق فيها، لأن موضوع التحليل فيها الأموال التي تكون في أيدي الشيعة، المنتقلة إليهم من غيرهم. و لا سيما بملاحظة الغلبة. و كون بناء الشيعة على إخراج الخمس في تلك الأعصار.

و بالجملة: لا ينبغي التأمل في دعوى اختصاص النصوص بالشراء ممن لا يعتقد الخمس. و بذلك يرتفع التعارض بينها و بين ما دل على عدم جواز شراء ما فيه الخمس، فيحمل على الشراء ممن يعتقد.

و أما التفسير الثاني فالرقيق فيه قد عرفت حكمه في المناكح إذا كان أنثى. أم الذكر- و كذلك الحطب المقطوع من الآجام- فهما من الأنفال يجري عليها حكمها. و مما ذكرنا يظهر أن المستفاد من النصوص المتقدمة:

هو تحليل الشيعة من الخمس الثابت فيما يكون في يد غيرهم مطلقاً، سواء‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 9.

595
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

أ كان من المناكح، أم المساكن، أم المتاجر، أم غيرها، كما ذكر في المتن بل يظهر من كلماتهم: أنه من المسلمات، بل عن ظاهر البيان: أنه مما أطبق عليه الإمامية، و إن حكي عن الإسكافي و الحلبي إنكار هذا التحليل من أصله. و لعله لأن الشبهة موضوعية، و الاعتماد فيها على خبر الواحد غير ظاهر. و لا سيما مع ضعف السند في كثير منها. لكن ذلك لا يتم في تحليل المناكح، لتواتر النصوص إجمالا بتحليلها. و كذا في الشراء ممن لا يعتقد الخمس، لقيام السيرة عليه في الجملة، كما عرفت آنفاً.

بل الظاهر أن جواز الشراء لمطلق الفي‌ء مستفاد من النصوص المتواترة الواردة فيه بالخصوص أو العموم. و عليه فالمراد بالمناكح مطلق الجواري الموطوءة و إن لم تكن ذات ولد شيعي. و يشهد له خبر الكناسي المتقدم «1» الذي لا يصلح التعليل بطيب الولادة للحكومة عليه، لكونه أظهر منه في جواز الوطء، لئلا يكون الزنا. فتأمل. كما أنه لو كان المغتنم شيعياً لم يكن مورداً للتحليل، لقصور النصوص المتقدمة عن شموله. كقصورها عن شمول شيعي آخر تنتقل منه اليه، كما عرفت. و اللّه سبحانه أعلم.

تذييل في الأنفال الأنفال جمع: (نفل)- بالتحريك و السكون- و هو الزائد، قال اللّه تعالى: (وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ نٰافِلَةً ..) «2». و لأجل ذلك سميت الصلاة النافلة نافلة، لزيادتها على الفريضة. و هي- كما ذكر غير واحد-: الأموال المختصة بالنبي (ص). قال اللّه تعالى:

______________________________
(1) تقدم ذلك في هذه التعليقة قريباً.

(2) الأنبياء: 21.

596
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ قُلِ الْأَنْفٰالُ لِلّٰهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ أَصْلِحُوا ذٰاتَ بَيْنِكُمْ ..) «1»

و من بعده للإمام (ع)، جعلها الله لهم زبادة على ما لهم من سهم الخمس إجماعاً. و يستفاد ذلك من النصوص الآتية و غيرها. و ما في بعضها: من أنها تقسم نصفين، نصف للناس، و نصف للرسول و للإمام من بعده، مطروح. و هي أمور:

منها: أراضي الكفار التي استولى عليها المسلمون من غير قتال، سواء انجلى عنها أهلها أم مكنوا المسلمين منها طوعاً. بلا خلاف ظاهر، كما اعترف به غير واحد، بل عن جماعة: دعوى الإجماع صريحاً عن جماعة عليه. و يشهد له كثير من النصوص،

كمصحح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (ع): «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا، أو قوم أعطوا ما بأيديهم. و كل أرض خربة، و بطون الأودية فهو رسول اللّه (ص)، و هو للإمام من بعده، يضعه حيث يشاء «2»

، و‌

موثق إسحاق: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الأنفال، فقال: هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي للّه و للرسول. و ما كان للملوك فهو للإمام. و ما كان من أرض الجزية، لم يوجف عليه ب‍ خَيْلٍ وَ لٰا رِكٰابٍ، و كل أرض لا رب لها، و المعادن منها. و من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «3»

و نحوهما غيرهما مما هو كثير جداً. و إطلاق بعضها- كالمصحح- و إن كان يشمل الأرض و غيرها، لكنه مقيد بما هو مقيد بها، الوارد في مقام الحصر و التحديد، فان وروده كذلك يستوجب ثبوت المفهوم له- و هو النفي عن غير الأرض- فيحمل المطلق في الإثبات عليه.

______________________________
(1) الأنفال: 1.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 20.

597
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

و منها: الأرض الموات، سواء أملكت ثمَّ باد أهلها، أم لم يجر عليها ملك مالك، كالمفاوز. بلا خلاف ظاهر، بل عن جماعة كثيرة.

دعوى الإجماع عليه. و النصوص الدالة عليه كثيرة جداً، على اختلاف بينها في ذلك، فقد أطلق في بعضها: كون الأرض الخربة أو الميتة من الأنفال و قيد في آخر: ببواد الأهل أو جلائهم. و الظاهر من التقييد المذكور- كما اعترف به غير واحد-: إرادة الاحتراز عن الميتة التي لها مالك معروف، فإنها ليست من الأنفال بل هي لمالكها. و الظاهر أنه مما لا إشكال فيه، و عن العلامة في التذكرة: الإجماع عليه.

نعم لو كان قد ملكها بالإحياء، ففي خروجها عن ملكه بالموت و جواز إحياء غيره لها و ملكه لها بذلك قولان، حكي أولهما عن جماعة، منهم العلامة في التذكرة، و الشهيد الثاني في الروضة و المسالك، بل عن جامع المقاصد: أنه المشهور.

لصحيح أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر (ع): «وجدنا في كتاب علي (ع) إِنَّ الْأَرْضَ لِلّٰهِ يُورِثُهٰا مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ وَ الْعٰاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض، و نحن المتقون، و الأرض كلها لنا. فمن أحيا أرضاً ميتاً من المسلمين فليعمرها، و ليؤد خراجها إلى الامام (ع) من أهل بيتي (ع)، و له ما أكل منها، فان تركها، أو أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها، فهو أحق بها من الذي تركها، فليؤد خراجها إلى الامام من أهل بيتي، و له ما أكل حتى يظهر القائم (ع) من أهل بيتي ..» «1»

، و‌

صحيح معاوية ابن وهب: «سمعت أبا عبد اللّه (ع) يقول: أيما رجل أتى خربة بائرة فاستخرجها و كرى أنهارها و عمرها فان عليه فيها الصدقة، فإن كانت أرضاً لرجل قبله، فغاب عنها و تركها فأخرجها ثمَّ جاء بعد يطلبها، فإن الأرض

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 2.

598
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

لله و لمن عمرها» «1».

المعتضدين بعموم:

«من أحيا أرضاً ميتة فهي له» «2».

و لا يعارض بتطبيقه على المحيي الأول، لعدم تعرضه للبقاء، فلم يبق إلا الاستصحاب الذي لا يصلح لمعارضة الدليل.

و قيل ببقائها على ملك الأول، كما عن المبسوط و التهذيب و السرائر و النافع و التحرير و الدروس و جامع المقاصد و غيرهم.

لصحيحي سليمان بن خالد و الحلبي عنه (ع): «عن الرجل يأتي الأرض الخربة، فيستخرجها و يجري أنهارها، و يعمرها، و يزرعها، ما ذا عليه؟ قال (ع): الصدقة.

قلت: و إن كان يعرف صاحبها؟ قال (ع): فليؤد إليه حقه» «3»

لكنهما- كما ترى- لا يصلحان لمعارضة الصحيحين الأولين، لصراحة الأول منهما في تملك الثاني بالإحياء في خصوص صورة تملك الأول بالاحياء.

فيمكن أن يجعل شاهداً للجمع بين صحيح معاوية و الصحيحين الأخيرين، بحمل الأول على الصورة المذكورة، و الأخيرين على التملك بغيره. مضافاً إلى أن مورد السؤال في الصحيحين الأولين: صورة إعراض المالك الأول و تركه للأرض، و الأخيران خاليان عن ذلك، فيمكن حملهما على صورة البناء على تعميرها. فتأمل جيداً.

ثمَّ إنه مما ذكر يظهر: أن موات المفتوح عنوة ملك للمسلمين، و ليس من الأنفال، لأنها لها مالك معلوم قد ملكه بالفتح لا بالاحياء، كما نص على ذلك في الشرائع و غيرها، على نحو يظهر كونه من المسلمات و في الجواهر ادعى القطع بذلك: و إطلاق ما دل على أن الموات للإمام (ع)

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 1.

(2) كما هو مضمون ما رواه في الوسائل باب: 1 من أبواب إحياء الموات حديث: 6، و غيره من أحاديث الباب المذكور.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب إحياء الموات حديث: 3 و ملحقة.

599
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

مقيد بغير ذلك، للصحيحين المتقدمين- كما أن مقتضى الأصل و ظاهر صحيح الكابلي: عدم خروج لميتة عن ملكه (ع) بصيرورتها حية. كما أن ظاهر غير واحد- في كتاب إحياء الموات-: التسالم على عدم الفرق بين الموات في بلاد الإسلام و بلاد الكفر، فكما يملك الامام (ع) الموات في الأول بملك الموات في الثاني. و حينئذ فلو أحياها الكافر قبل الفتح ثمَّ فتحت، ففي كونها للإمام (ع) حينئذ، أو للمسلمين وجهان، مبنيان على عموم تملك المحيي الكافر في مثل ذلك و عدمه. فعلى الأول تكون ملكاً للكافر المحيي لها، فيملكها المسلمون بالفتح. و على الثاني تكون ملكاً للإمام (ع) فلا تملك بالفتح. و ما دل على أن العامر حال الفتح ملك للمسلمين مختص بما كان ملكا للكافرين، فلا يشمل ما كان ملكا لمسلم، فضلا عن أن يكون ملكاً لإمام المسلمين،. و الكلام في ذلك كله موكول إلى محله. و قد تعرضنا لهذه المسألة في كتابنا: (نهج الفقاهة) في أحكام الأرضين. فراجعه، فان له نفعاً في المقام.

و منها: سيف البحار- بكسر السن-: ساحله، على ما ذكره في الشرائع. و دليله غير ظاهر، إلا أن تكون من الموات فعلا، فتدخل في أرض الموات. أو تكون حية فعلا، لكن كانت مواتاً باستيلاء الماء عليها، ثمَّ نضب عنها الماء فصارت حية، بناء على ما عرفت: من عدم خروج الموات عن ملكه (ع) بالحياة. أما لو كانت حية من أول الأمر- كما يقتضيه إطلاق الشرائع- فكونها ملكاً له (ع) غير ظاهر. اللهم إلا أن تكون من الأرض التي لا رب لها- بناء على أنها له (ع) و إن كانت حية- كما يقتضيه ظاهر موثق إسحاق المتقدم «1». و مثله: خبر أبي بصير المروي عن تفسير العياشي «2»، المعتضدان بما دل على أن الأرض كلها‌

______________________________
(1) تقدم ذلك في أول الفصل.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 28.

600
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

للإمام «1». لكنه خلاف ظاهر كلماتهم. و خلاف ظاهر التقييد في مرسل حماد، الواد في بيان الأنفال، فإنه عد منها: كل أرض ميتة لا رب لها «2» فان ظاهر التقييد بالميتة اعتبار ذلك في كون الأرض التي لا رب لها من الأنفال.

و منها: رؤوس الجبال، و بطون الأودية و الآجام، مفرده: أجمة كقصبة، و هي الأرض المملوءة قصباً، أو الشجر الكثير الملتف بعضه ببعض لكن على هذا يكون النفل: الأرض ذات الأجمة، لا الأجمة نفسها. و كيف كان فقد نص على كونها من الأنفال جماعة كثيرة، بل لا خلاف فيه ظاهر. و يشهد له جملة من النصوص، كمصحح حفص المتقدم في الأول «3». و نحوه مصحح ابن مسلم «4»، و‌

مرسل حماد بن عيسى. قال (ع): و له رؤوس الجبال، و بطون الأودية و الآجام» «5»

، و‌

مرفوع أحمد بن محمد: «و بطون الأودية، و رؤوس الجبال» «6»

، و‌

في خبر داود بن فرقد: «و ما الأنفال؟ قال (ع): بطون الأودية، و رؤوس الجبال، و الآجام» «7»

و نحوه: خبر الحسن بن راشد «8» .. إلى غير ذلك. و ضعف سند ما دل على الأول و الأخير لا يفدح بعد الانجبار بالعمل. بل قد يدعى الاكتفاء بصحة سند ما دل على الثاني، بضميمة عدم القول بالفصل.

______________________________
(1) لاحظ صحيح الكابلي المتقدم في الأرض الموات من هذا المبحث.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 4.

(3) لاحظ القسم الأول من أقسام الأنفال.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 22.

(5) هذا هو المرسل المشار إليه في القسم السابق.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 17.

(7) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 32.

(8) الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس ملحق حديث: 8.

601
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

و الظاهر عمومها لما كان في الأرض المملوكة لغير الامام، من مالك خاص، أو عام كالمفتوحة عنوة، كما يقتضيه إطلاق النصوص المتقدمة. بل ذكرها- أو بعضها- في النصوص في قبال الأرض المختصة به كالصريح في العموم. و بذلك كله يظهر ضعف ما عن السرائر و المدارك: من تخصيص الثلاثة بالمختص بالإمام. للأصل، و ضعف النصوص. و ما عن الفاضلين في المعتبر و المنتهى: من التوقف في ذلك بالنسبة إلى الأخير. نعم قد يستشكل في شمولها لما يحدث في ملك الغير، كما لو استأجمت الأرض أو جرى عليها السيل حتى صارت من بطون الأودية، لانصراف النصوص إلى غير ذلك.

و لأن الاستيجام نوع من الموت. و قد تقدم: أن الموت لا يخرج الأرض عن ملك مالكها إذا كان قد ملكها بغير الاحياء، بل و بالاحياء على أحد القولين. و فيه: أن الانصراف غير ظاهر. و عدم الخروج بالموت عن الملك إذا كان بغير الاحياء للدليل عليه- كما تقدم- غير شامل للمقام، كما يظهر من المقابلة بينه و بين الميتة في النصوص. فالبناء على العموم لإطلاق الأدلة- كما هو ظاهر الجواهر- أنسب بالقواعد.

و منها: صفايا الملوك، و قطائعها، و الغنيمة بغير إذن الامام، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في أول الكتاب.

و منها: المعادن، كما عن الكليني، و شيخه القمي في تفسيره، و المفيد و الشيخ، و الديلمي، و القاضي، و عن الكفاية و الذخيرة و كشف الغطاء اختياره. و يشهد له موثق إسحاق، المتقدم في أول الأنفال «1»، و‌

خبر أبي بصير المروي عن تفسير العياشي: «قلت: و ما الأنفال؟ قال (ع):

منها المعادن، و الآجام ..» «2»

، و‌

خبر ابن فرقد المروي عنه: «قلت:

______________________________
(1) تقدم ذلك في القسم الأول من أقسام الأنفال. فلاحظ.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 28.

602
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

و ما الأنفال؟ قال (ع): بطون الأودية، و رؤوس الجبال، و الآجام، و المعادن» «1».

و عن جماعة- كما قيل- منهم النافع و البيان: أن الناس فيها شرع سواء. بل عن الدروس: نسبته إلى الأشهر، بل في الجواهر:

إنه المشهور نقلا و تحصيلا. للأصل، و السيرة. و خلو أخبار الخمس عن التعرض لذلك، بل ظاهرها كون الباقي بعد الخمس للمخرج، بأصل الشرع لا بتحليل الامام. و لقصور النصوص المتقدمة سنداً عدا الموثق، و هو- مع أن في بعض النسخ جعل بدل: «منها»: «فيها»، فيكون الضمير راجعاً إلى الأرض التي لا رب لها، التي هي للإمام- يحتمل في ضمير «منها» فيه أن يكون كذلك، لا راجعاً إلى الأنفال. بل هو أنسب بسياقه. و لازمه التفصيل بين ما يكون من المعادن في الأرض التي للإمام و غيرها، كما عن الحلي و المعتبر و المنتهى و التحرير و الروضة و غيرها.

و منها: إرث من لا وارث له، فعن المنتهي: «أنه من الأنفال، عند علمائنا أجمع ..». و تشهد به جملة من النصوص،

كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): «من مات و ليس له وارث من قرابته، و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته، فماله من الأنفال» «2»

، و‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في قول اللّه تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفٰالِ ..)

قال (ع): من مات و ليس له مولى فماله من الأنفال» «3».

و‌

في مرسل حماد: «الامام وارث من لا وارث له» «4»

.. إلى غير ذلك. و قد يعارضها غيرها مما يتعين طرحها أو تأويلها، كما هو محرر في كتاب الميراث.

هذا و عن المقنعة و أبي الصلاح: عد البحار من الأنفال. و عن غير‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 32.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب ولاء ضامن الجريرة و الإمامة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب ولاء ضامن الجريرة و الإمامة حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب ولاء ضامن الجريرة و الإمامة حديث: 5.

603
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

واحد: الاعتراف بعدم الدليل عليه. و يمكن أن يكون وجهه:

صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «إن جبرائيل كرى برجله خمسة أنهار: لسان الماء تبعه الفرات، و دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ. فما سقت أو سقي منها فللإمام، و البحر المطيف بالدنيا و هو أ فسيكون» «1».

و نحوه خبر يونس بن ظبيان، أو المعلى بن خنيس.

إلا أنه عد فيه الأنهار ثمانية: سيحان، و جيحان، و الخشوع، و نهر الشاش و مهران، و نيل مصر، و الدجلة، و الفرات «2». و عن المقنعة أيضاً: عد المفاوز من الأنفال أيضاً، و في الجواهر: «لم نقف له على دليل فيما لم مرجع إلى الأراضي السابقة ..».

هذا و المصرح به في كلام الشهيدين و غيرهم: تحليل الأنفال للشيعة في زمان الغيبة، و ربما نسب ذلك إلى المشهور. إلا أنه نوقش في صحة النسبة، بل في الحدائق قال: «ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال بالمناكح و المساكن و المتاجر خاصة، و أن ما عدا ذلك يجري فيه الخلاف، على نحو ما تقدم في الخمس ..». و كيف كان فيدل على التحليل‌

خبر الحرث بن المغيرة النضري: «دخلت على أبي جعفر (ع) فجلست عنده، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له، فدخل فجثا على ركبتيه، ثمَّ قال: جعلت فداك، إني أريد أن أسألك عن مسألة، و اللّه ما أريد فيها إلا فكاك رقبتي من النار. فكأنه رق له فاستوى جالساً، فقال: يا نجية سلني، فلا تسألني عن شي‌ء إلا أخبرتك به. قال: جعلت فداك، ما تقول في فلان و فلان؟ قال: يا نجية، إن لنا الخمس في كتاب اللّه تعالى، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال. و هما و اللّه أول من ظلمنا حقنا في كتاب اللّه

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الأنفال حديث: 18.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 17.

604
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

تعالى

.. (إلى أن قال):

اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا» «1»

و ما‌

في خبر أبي سيار: «يا أبا سيار، الأرض كلها لنا، فما أخرج اللّه تعالى منها من شي‌ء فهو لنا

.. (إلى أن قال) (ع):

و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، و محلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا» «2»

، و قصوره عن تحليل ما كان من الأنفال مما ليس أرضا- أعني: الغنيمة بغير إذنه، و ميراث من لا وارث له- لا يهم، إذ قد ورد في تحليل الغنيمة التي يغتنمها المخالفون جملة من النصوص، تقدمت إلى بعضها الإشارة. كما ورد في تعيين مصرف ميراث من لا وارث له جملة أخرى، مذكورة في كتاب الميراث.

و قد استدل في الدروس على إباحة الأنفال حال الغيبة بفحوى روايتي يونس و الحرث، المتقدمتين في مسألة تحليل الخمس فيما يشترى ممن لا يعتقد الخمس. و أورد عليه: بأنهما بالدلالة على سقوط الخمس أو حق الإمام أولى، فلا بد إما من القول به و لم يقل المستدل به، أو من حملهما على بعض المحامل. و فيه: أنك عرفت أن ظاهر الأولى ثبوت حقه (ع) في المال حين وقوعه في أيدي الشيعة، و لا يبعد ذلك في الثانية. و لا بأس حينئذ بالعمل بهما على ظاهرهما في تحليل حقهم (ع)، سواء أ كان من الخمس أم الأنفال إذا كان كذلك، فكما تدل على تحليل الخمس إذا كان فيما يشترى ممن لا يعتقد الخمس، كذلك تدل على تحليل الأنفال كذلك. و لا تدل على تحليل مطلق الخمس أو حقه (ع) كي يشكل بما ذكر. نعم يتوجه هذا الاشكال على الاستدلال بنصوص التحليل مطلقاً، مثل:

«ما كان لنا فقد أبحناه لشيعتنا» «3».

لكنه غير ما في الدروس. نعم يشكل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 14.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 12.

(3) نقل بالمعنى لما رواه في الوسائل باب: 4 من أبواب الأنفال حديث: 17. و بمعناه روايات كثيرة مذكورة في الباب المذكور.

605
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

الاستدلال بالنصوص المذكورة و غيرها: بأن الشبهة في المقام موضوعية، و هي صدور الاذن من الامام (ع) و عدمه، فلا ترفع اليد عن أصالة عدم الإذن إلا بحجة من علم أو بينة. و خبر الثقة غير ثابت الحجية في الموضوعات و شهادة جماعة من العلماء العدول بالتحليل لا تجدي، لاستنادها إلى الحدس.

نعم لا تبعد دعوى حصول القطع بصدور التحليل منهم (ع) في الأرض الموات. لتواتر النصوص إجمالا بجواز التصرف فيها بالاحياء، و استحقاق المحيي لها. كما لا يبعد استقرار السيرة على التصرف فيما له (ع) من الأرض بأقسامها المتقدمة، بل عموم الابتلاء بها من غير نكير و من البعيد جدا:

أن يكون الحكم التحريم من غير أن يكون معلوماً لدى الشيعة. بل لو لا الحل لوقع أكثر الناس في الحرام، المنافي لاحتفاظهم (ع) بذلك، كما يظهر من تعليل التحليل- في كثير من النصوص- بطيب الولادة. بل يقتضيه ما هو معلوم من حالهم (ع)، من اللطف بشيعتهم و العطف عليهم فيما هو أقل من ذلك، فكيف بمثله؟! و لا سيما بملاحظة عدم لزوم الضرر بوجه من مثل هذا التحليل.

هذا و لكن الانصاف عدم الوثوق بحصول التحليل بهذا المقدار كلية فالبناء على الاحتياط في كل مورد إلا أن يحصل الوثوق به في محله، كما هو الحال في حقه (ع) من الخمس «1». و المسألة محل إشكال، و محتاجة إلى التأمل و النظر الذي لا يسعه المحال. و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و اليه أنيب.

______________________________
(1) و ان كان الظاهر أن السيرة الارتكازية و العملية على جريان أحكام الإذن حتى للمخالفين فضلا عن الموالين، فلا يجوز اغتصاب الأرض الموات إذا عمرها المخالف، و لا اغتصاب المعادن التي استخرجها المخالف، و لا اغتصاب الأخشاب التي اقتطعها المخالف من الآجام. و هكذا الحكم في جميع الأنفال فيجري عليها حكم الملك من عدم جواز التصرف إلا بإذن صاحبها المخالف، و لا يجوز عند المؤمنين أخذها قهرا بدعوى انها ملك الامام (ع) و انه غير مأذون من الامام (ع) في تملكها، فالمخالف و المؤلف سواء في أحكام الاذن و الإباحة، و لا مجال للتشكيك في ذلك.

606
مستمسک العروة الوثقى9

(مسألة 19): إذا انتقل إلى الشخص مال فيه الخمس ممن لا يعتقد وجوبه ؛ ج‌9، ص : 591

.....

تمَّ ما يتعلق بشرح كتاب الخمس من (العروة الوثقى)، على يد مؤلفه الأحقر (محسن)، خلف العلامة المرحوم السيد (مهدي) الطباطبائي الحكيم في عصر الاثنين، ثاني عشر شعبان، سنة الألف و الثلاث مائة و ست و خمسين هجرية. و كان ذلك في النجف الأشرف، في جوار الحضرة المقدسة العلوية، راجياً من مشرفها- عليه أفضل الصلاة و السلام- أن يشفع إلى اللّه- جل شأنه- في قبول عملي، و محو زللي. إنه أرحم الراحمين. وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ+، كما هو أهله، و الصلاة و السلام على رسوله الكريم، و آله الغر الميامين.

607