×
☰ فهرست و مشخصات
مستمسک العروة الوثقی1

الخطبة ؛ ج‌1، ص : 5

الجزء الأول

[الخطبة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، و صلى اللّه على محمد خير خلقه و آله الطاهرين. و بعد فيقول المعترف بذنبه المفتقر إلى رحمة ربه محمد كاظم الطباطبائي: هذه جملة مسائل مما تعم به البلوى و عليها الفتوى، جمعت شتاتها و أحصيت متفرقاتها عسى أن ينتفع بها إخواننا المؤمنون، و تكون ذخراً ليوم لٰا يَنْفَعُ فيه مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ. و اللّه ولي التوفيق.

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ، الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ، مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ. و الصلاة و السلام على أشرف النبيين و خاتم المرسلين محمد و آله الطيبين الطاهرين.

و بعد فيقول العبد الفقير الى اللّه الغني «محسن» خلف العلامة المرحوم السيد «مهدي» الطباطبائي الحكيم: قد يكون من دواعي الخير و أسباب التوفيق أن يجتمع لدي فريق من أرباب العلم و الفضل، و يرغبوا إلى رغبة ملحة في تدريس علم الفقه الشريف على أن يكون محور البحث و النظر كتاب (العروة الوثقى) تأليف سيدنا الأعظم فخر الفقهاء المحققين المرحوم المبرور السيد محمد كاظم الطباطبائي، أعلى اللّه مقامه، فنزلت عند رغبتهم متوكلا على اللّه تعالى و مستمداً منه المعونة و التسديد. و كنت في أثناء ذلك أدون ما ألقيه إليهم كشرح للكتاب المذكور بشكل موجز. آملا منه- جل شأنه- أن يكون وافياً بمداركه كافياً في تعرف أحكامه، فأكون قد أديت وظيفة جُلي في خدمة هذا العلم الجليل. و إني لأرجو منه تعالى ببركة من أنا في جوار حرمه، و أستجير في كثير من الأحيان بذمته- صلوات اللّه عليه- أن يتقبله بقبول حسن، و يثبته في ديوان الحسنات، ليكون ذخراً لي يوم ألقاه (يَوْمَ لٰا يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) إنه ولي التوفيق، و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

5
مستمسک العروة الوثقی1

أحكام التقليد و الاجتهاد ؛ ج‌1، ص : 6

[أحكام التقليد و الاجتهاد]

[ (مسألة 1): يجب على كل مكلف في عباداته و معاملاته أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطا]

(مسألة 1): يجب على كل مكلف (1) في عباداته و معاملاته (2) أن يكون مجتهداً أو مقلداً أو محتاطا (3).

[ (مسألة 2): الأقوى جواز العمل بالاحتياط]

(مسألة 2): الأقوى جواز العمل بالاحتياط (4) الوجوب التخييري المذكور من قبيل وجوب الإطاعة، فطري بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل، حيث أن في ترك جميع الابدال احتمال الضرر. و عقلي بمناط وجوب شكر المنعم. و لأجل ذلك اختص بصورة احتمال التكليف المنجز، فمع الغفلة عن التكليف، أو احتمال التكليف غير الإلزامي، أو الإلزامي غير المنجز، لم يجب شي‌ء من ذلك، لعدم احتمال الضرر في تركها، و لا هو مما ينافي الشكر الواجب.

بل في جميع أفعاله و تروكه- كما سيأتي ذلك منه رحمه اللّه- لوجود المناطين المذكورين في الجميع.

يعني: يجب أن يعمل على طبق الاجتهاد أو التقليد أو الاحتياط.

أما الاكتفاء بالأولين فلاقتضاء كل منهما العلم بأداء الوظيفة شرعية أو عقلية الموجب للأمن من العقاب، أو من حصول ما ينافي الشكر، و ان احتمل مخالفته للواقع. و أما الاكتفاء بالأخير فلأنه يوجب القطع بأداء الواقع الموجب للأمن مما ذكر أيضاً. و أما عدم الاكتفاء بغيرها كالظن مثلا فلعدم اقتضاء العمل المطابق له للأمن لاحتمال مخالفته للواقع.

خلافاً لما عن المشهور، من بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد‌

6
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): قد يكون الاحتياط في الفعل ؛ ج‌1، ص : 7

مجتهداً أو لا. لكن يجب أن يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد (1).

[ (مسألة 3): قد يكون الاحتياط في الفعل]

(مسألة 3): قد يكون الاحتياط في الفعل، كما إذا احتمل كون الفعل واجباً و كان قاطعاً بعدم حرمته، و قد يكون في الترك، كما إذا احتمل حرمة فعل و كان قاطعاً بعدم وجوبه، و التقليد معاً، بل لعل ظاهر المحكي عن السيد المرتضى و أخيه الرضي- قدس سرهما- دعوى الاتفاق عليه. لكنه لا دليل عليه بعد ما عرفت من أن العمل الموافق للاحتياط موجب للعلم بمطابقة الواقع. و أما أدلة وجوب التعلم فتأبى الحمل على الوجوب النفسي، و الوجوب الغيري ممتنع، لعدم المقدمية بين العلم و العمل، فالمراد منها الوجوب الإرشادي، و المقصود منه عدم عذرية الجهل في مخالفة الواقع قبل التعلم، كما هو أيضاً ظاهر وجوب التبين في آية النبإ «1». و الإجماع المدعى على المنع غير واضح الحجية. كما أن اعتبار الإطاعة في صحة العبادة لا يقتضي ذلك» لتحقق الإطاعة عند العقلاء بنفس الفعل الصادر عن داعي الأمر و لو كان محتملا، و التمييز مما لا يعتبر عندهم فيها قطعاً. و احتمال دخله في حصول الغرض- مع أنه قد يندفع بالإطلاقات المقامية- لا يصلح علة لوجوب الاحتياط في نظر العقل، كاحتمال اعتبار شي‌ء جزءاً أو شرطاً في المأمور به، كما هو موضح في محله من الأصول.

هذا شرط للاكتفاء بالاحتياط في نظر العقل، بل لعل عدم المعرفة مانع من حصول الاحتياط، فلا يحصل الأمن.

______________________________
(1) و هي قوله تعالى (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلىٰ مٰا فَعَلْتُمْ نٰادِمِينَ) الحجرات: 49.

7
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): الأقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزما للتكرار ؛ ج‌1، ص : 8

و قد يكون في الجمع بين أمرين مع التكرار (1) كما إذا لم يعلم أن وظيفته القصر أو التمام.

[ (مسألة 4): الأقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزماً للتكرار]

(مسألة 4): الأقوى جواز الاحتياط و لو كان مستلزماً للتكرار (2) و أمكن الاجتهاد أو التقليد.

الأولى إسقاط هذا القيد، إذ التكرار هنا عين الجمع بين الأمرين كالقصر و التمام، فيغني ذكره عن ذكره. و تسميته تكراراً بلحاظ مفهوم الصلاة و إلا فمع الاختلاف في الكيفية لا تكرار حقيقة. و الاحتياط بفعل محتمل الجزئية أو الشرطية و ترك محتمل المانعية داخل في أحد الأولين. بل الجمع يمكن أن يكون داخلا في الأول. فتأمل.

و عن جماعة منعه، بل هو الذي أصر عليه بعض الأعاظم (دام ظله) «1».

و قد يستدل له (أولا): بأن فيه فوات نية الأمر، لأن الفعل حينئذ يكون بداعي احتمال الأمر، لا بداعي الأمر. (و ثانياً): بأنه لعب أو عبث بأمر المولى.

و كلا الأمرين ممنوعان. أما الأول: فلأن فعل كل واحد من الأطراف ناشئ عن داعي الأمر بفعل الواجب. و الاحتمال دخيل في داعوية الأمر، لا أنه الداعي إليه، و الا كان اللازم في فرض العلم التفصيلي البناء على كون الفعل ناشئاً عن داعي العلم بالأمر لا عن داعي نفس الأمر، إذ الفرق بين المقامين غير ظاهر. (و بالجملة): العلم في فرض العلم التفصيلي و الاحتمال في فرض عدمه دخيلان في داعوية الأمر إلى الفعل، لا أنهما داعيان اليه. و من ذلك تعرف أن مرجع الشك في المقام إلى الشك في اعتبار العلم بالأمر في تحقق الإطاعة، فيكون من قبيل الدوران بين الأقل و الأكثر‌

______________________________
(1) الشيخ ميرزا محمد حسين النائيني.

8
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلدا ؛ ج‌1، ص : 9

[ (مسألة 5): في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهداً أو مقلداً]

(مسألة 5): في مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهداً أو مقلداً (1)، لأن المسألة خلافية.

لا من قبيل الدوران بين التعيين و التخيير. نعم يتم ذلك بناء على أن الباعث على العمل الاحتمال لتباين نحوي الامتثال، إذ في أحدهما يكون الباعث الأمر، و في الآخر الاحتمال، فالشك في اعتبار الامتثال التفصيلي يكون من التردد بين التعيين و التخيير.

و أما الثاني: فلأنه قد يكون في الفحص بالاجتهاد أو التقليد من العناء و المشقة ما لا يكون بالاحتياط- مع أنه لو سلم، فكونه عبثاً بأمر المولى ممنوع، إذ الإتيان بالفعل المتكرر- بعد ما كان عن محض الأمر- موجب لكونه أبلغ في الإطاعة، و أظهر في استشعار العبودية من الفعل بدون التكرار. غاية الأمر أنه عبث في كيفية الإطاعة، و هو مما لا يقدح في حصولها، كيف و هو متأخر عنها رتبة؟! لا ريب في أن الاكتفاء بالاحتياط في نظر العقل إنما هو لكونه موجباً للعلم بأداء الواقع المؤدي إلى الأمن من تبعة مخالفته. فإذا أدرك عقل المكلف ذلك كان مجتهداً في مسألة جواز الاحتياط حينئذ و لزم الاكتفاء به، و إلا امتنع الاكتفاء به. إلا أن يدرك عقله حجية رأي الغير، فيفتي له بجواز الاحتياط، فيكتفي به أيضاً. و كون المسألة وفاقية أو خلافية لا يصلح علة للاكتفاء به و عدمه. بل الاكتفاء به دائر مدار إدراك عقله لذلك، كما عرفت. مع أن كون المسألة خلافية لا يختص بجواز الاحتياط، فإن مسألة جواز التقليد أيضاً خلافية، إذ المحكي عن علماء حلب و غيرهم وجوب الاجتهاد عيناً، فاختصاص الاحتياط بذلك غير ظاهر. و سيأتي أنه لا بد للعامي من أن يكون مجتهداً في جواز التقليد.

9
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): في الضروريات لا حاجة إلى التقليد ؛ ج‌1، ص : 10

[ (مسألة 6): في الضروريات لا حاجة إلى التقليد]

(مسألة 6): في الضروريات لا حاجة إلى التقليد (1) كوجوب الصلاة و الصوم و نحوهما. و كذا في اليقينيات إذا حصل له اليقين. و في غيرهما يجب التقليد (2) إن لم يكن مجتهداً إذا لم يمكن الاحتياط، و إن أمكن تخير بينه و بين التقليد.

[ (مسألة 7): عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل]

(مسألة 7): عمل العامي بلا تقليد و لا احتياط باطل (2).

لوضوح أن وجوب العمل شرعاً برأي الغير حكم ظاهري كوجوب العمل بسائر الحجج، و من المعلوم أن الحكم الظاهري يختص جعله بحال الشك، فيمتنع جعل حجية رأي الغير مع العلم بالواقع، كما في الضروريات و اليقينيات.

على المعروف. لما دل على حجية رأي المجتهد لغيره، من الكتاب و السنة و بناء العقلاء، و السيرة القطعية في زمان المعصومين (ع)- كما هو محرر في محله من الأصول- من غير فرق في دلالتها عليه بين إمكان الاحتياط و تعذره. و خلاف بعضهم في ذلك ضعيف، و بذلك يظهر التخيير بينه و بين الاحتياط مع إمكانه.

بمعنى عدم الاكتفاء به في نظر العقل في حصول الأمن من العقاب لاحتمال عدم مطابقته للواقع. فلو علم بعد العمل بصحته واقعاً، أو ظاهراً لمطابقته لرأيه أو رأي من يجب عليه تقليده حال النظر، اكتفى به في نظر العقل حينئذ. أما في الأول فواضح. و أما في الثاني فلحصول الأمن من تبعة مخالفته على تقديرها من جهة مطابقته للحجة. و سيأتي لذلك تتمة في كلام المصنف (ره) «1». و لو انكشف مطابقته لرأي من يجب عليه تقليده حال العمل مع مخالفته لرأي من يجب عليه تقليده حال النظر، ففي الاكتفاء به و عدمه وجهان، أقواهما الثاني. و ليس الحكم فيه حكم ما لو قلد‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 16 من هذا الفصل.

10
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين ؛ ج‌1، ص : 11

[ (مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين]

(مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين (1)، و ان لم يعمل بعد، بل و لو لم يأخذ فتواه، فإذا أخذ رسالته و التزم بما فيها كفى في تحقق التقليد.

مجتهداً ثمَّ عدل عنه إلى غيره- لموت أو نحوه مما يسوغ العدول- فكان رأي من قلده ثانياً مخالفاً لرأي من قلده أولا. للفرق بين المسألتين بحصول التقليد في الثانية دون الأولى، و ربما كان فارقاً في الحكم. و سيأتي التعرض لذلك إن شاء اللّه تعالى «1».

قد اختلفت كلماتهم في تعريف التقليد. ففي بعضها: «أنه الأخذ بقول الغير من غير حجة»، و في آخر: «أنه العمل بقول الغير ..»‌

و في ثالث: «أنه قبول قول الغير ..». لكن هذا الاختلاف و إن كان- لأول نظرة- ظاهراً في الاختلاف في معنى التقليد و مفهومه، إلا أن عدم تعرضهم للخلاف في ذلك مع تعرضهم لكثير من الجهات غير المهمة يدل على كون مراد الجميع واحداً، و أن اختلافهم بمحض التعبير. و ظاهر القوانين أن مراد الجميع العمل، حيث نسب تعريفه بالعمل بقول الغير ..

إلى العضدي و غيره، مع أن تعريف العضدي كان بالأخذ. و ظاهر الفصول أن المراد الالتزام حيث قال: «و اعلم أنه لا يعتبر في ثبوت التقليد وقوع العمل بمقتضاه. لأن العمل مسبوق بالعلم، فلا يكون سابقاً عليه. و لئلا يلزم الدور في العبادات، من حيث أن وقوعها يتوقف على قصد القربة، و هو يتوقف على العلم بكونها عبادة، فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دوراً .. (إلى أن قال): و قول العلامة (ره) في النهاية:

بأن التقليد هو العمل بقول الغير من غير حجة معلومة، بيان لمعناه اللغوي- كما يظهر من ذيل كلامه- و إطلاقه على هذا شائع في العرف العام».

______________________________
(1) في المسألة: 53 من هذا الفصل.

11
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين ؛ ج‌1، ص : 11

.....

و ظاهره تسليم كون التقليد لغة هو العمل إلا أنه يجب حمله اصطلاحاً على مجرد الالتزام فراراً عن الإشكالين المذكورين في عبارته. لكن يدفعهما أن دليل حجية الفتوى يقتضي كونها بمنزلة العلم و هي سابقة على العمل، و كافية في حصول نية القربة. (و دعوى): أن حجية الفتوى مشروطة بالالتزام بالعمل، كما يظهر منه (قده) في شرح قولهم- في تعريف التقليد-: من غير حجة (يدفعها): أنها خلاف ظاهر أدلة الحجية، بل خلاف المقطوع به من بعضها، كما لا يخفى. هذا مضافاً إلى النظر و الاشكال في مقدمات الإشكالين المذكورين، كما يظهر ذلك بالتأمل.

و أما التعبير بالأخذ في كلام الجماعة- كما سبق- فالظاهر أن المراد منه العمل، كما في كثير من المقامات، مثل الأخذ بما وافق الكتاب، و الأخذ بما خالف العامة، و الأخذ بقول أعدلهما، و من أخذ بالشبهات وقع في المحرمات .. إلى غير ذلك مما هو كثير. و لعله المراد أيضاً من القبول المذكور في كلام بعضهم. مع أن عدم إرادته منه لا يهم بعد ما عرفت من كون مقتضى الأدلة جواز العمل بالفتوى بلا توسيط الالتزام، فلا يكون دخيلا في حصول الأمن من الضرر، و لا واجباً تخييرياً بالوجوب الفطري و العقلي المتقدمين آنفاً.

فالمتحصل إذاً: أن التقليد عبارة عن العمل اعتماداً على رأى الغير، و هو المناسب جداً لمعناه اللغوي- كما تقدم من الفصول- و يعبر عنه في العرفيات بقوله: إني أعمل كذا و يكون ذلك في رقبتك- مخاطباً من يشير عليه بالفعل- و الالتزام أجنبي عنه.

هذا كله مع اتحاد المجتهد، أما مع تعدده: فاما أن يتفقوا في الفتوى أو يختلفوا فيها. فان اتفقوا فالظاهر أنه لا دليل على تعيين واحد منهم، فيجوز تقليد جميعهم كما يجوز تقليد بعضهم. و أدلة حجية الفتوى- كأدلة‌

12
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين ؛ ج‌1، ص : 11

.....

حجية الخبر- إنما تدل على حجية الفتوى بنحو صرف الوجود الصادق على القليل و الكثير، فكما أنه لو تعدد الخبر الدال على حكم معين يكون الجميع حجة على ذلك الحكم كما يكون البعض كذلك و لا تختص الحجية بواحد منها معين أو مردد، كذلك لو تعددت الفتوى. و يشير إلى ذلك آيتا النفر «1» و السؤال «2»- بناء على ظهورهما في التقليد- و رواية ابن مهزيار الواردة في حكم الإتمام بمكة «3»، و رواية صاحب السابري الواردة في من أوصى أن يحج عنه بمال لا يفي بالحج «4»، و خبر حمران بن أعين، و مرفوع إبراهيم بن هاشم الواردان في أكثر النفاس «5»، و غير ذلك.

و منه يظهر ضعف أخذ التعيين للمجتهد في مفهوم التقليد. إلا أن يكون المراد به ما يقابل الترديد، فإنه حينئذ لا بأس به، إذ الفرد المردد ليس له خارجية كي يصلح أن يكون موضوعاً للحجية أو غيرها من الأحكام.

و إن اختلف المجتهدون في الفتوى، فلما امتنع أن يكون الجميع حجة للتكاذب الموجب للتناقض، و لا واحد معين، لأنه بلا مرجح، و لا التساقط و الرجوع إلى غير الفتوى، لأنه خلاف الإجماع و السيرة، تعين أن يكون الحجة هو ما يختاره، فيجب عليه الاختيار مقدمة لتحصيل الحجة، و ليس‌

______________________________
(1) و هي قوله تعالى (وَ مٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) التوبة: 122.

(2) و هي قوله تعالى (وَ مٰا أَرْسَلْنٰا قَبْلَكَ إِلّٰا رِجٰالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لٰا تَعْلَمُونَ) النحل: 43، الأنبياء: 7.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب صلاة المسافر حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 37 من كتاب الوصايا حديث: 2 و سيأتي ذكر الرواية مفصلا في الجزء العاشر في المسألة التاسعة من فصل الوصية بالحج.

(5) الوسائل باب: 3 من أبواب النفاس حديث: 11، 7.

13
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

[ (مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت]

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت (1).

الاختيار إلا الالتزام بالعمل على طبق إحدى الفتويين أو الفتاوى بعينها، و حينئذ يكون الالتزام مقدمة للتقليد لا أنه عينه، و مما ذكرنا يظهر أن دعوى أن التقليد هو الالتزام مما لم يتضح له مأخذ. و اللّه سبحانه أعلم.

الكلام في هذه المسألة، (تارة): يكون في صورة موافقة رأي الميت لرأي الحي الذي يجب عليه تقليده على تقدير عدم جواز البقاء على تقليد الميت، (و أخرى): في صورة مخالفة رأيه لرأيه.

أما الكلام في الصورة الأولى: فهو أنه- بناء على ما عرفت من أن التقليد هو العمل برأي الغير واحداً كان أو متعدداً- لا تترتب صحة العمل واقعاً و عدمها على الجواز و عدمه، لأن العمل الموافق لرأي الميت موافق لرأي الحي أيضاً، فيكون صحيحاً مطلقاً، كان رأي الميت حجة أولا. غاية الأمر أنه على تقدير حجيته تكون صحة العمل عقلا- بمعنى الاجتزاء به في نظر العقل- لموافقته لرأي الجميع، و على تقدير عدم حجيته يكون الاجتزاء به في نظر العقل لموافقته لرأي الحي، فالصحة و الاجتزاء به عند العقل محرز على كل تقدير. نعم يثمر الكلام في حجية رأى الميت من حيث جواز البناء عليها لعدم كونه تشريعاً، و عدمه لكونه كذلك. لكنه شي‌ء آخر أجنبي عن صحة العمل. أما بناء على كونه الالتزام بالعمل فصحة العمل عقلا و عدمها يبتنيان على حجية رأى الميت و عدمها، فإنه على تقدير الحجية يكون الالتزام بالعمل برأيه تقليداً صحيحاً و العمل الموافق للالتزام المذكور عملا عن تقليد صحيح، و ليس كذلك على تقدير عدم الحجية.

و أما الكلام في الصورة الثانية: فهو بعينه الكلام في الصورة الأولى بناء على كون التقليد هو الالتزام بالعمل، لما عرفت من توقف الحجية حينئذ على الالتزام بواحد من الرأيين بعينه، فتبتني الصحة و عدمها على حجية‌

14
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

رأى الميت و عدمها. إذا عرفت ذلك نقول: بناء على ما عرفت من أن الأدلة اللفظية الدالة على حجية الفتوى لو تمت في نفسها فإنها تدل على حجيتها بنحو صرف الوجود الصادق على القليل و الكثير. كأدلة حجية الخبر- فلا مجال للتمسك بها مع اختلاف الرأيين. لتكاذبهما المانع من شمول الدليل لهما و لا أحدهما.

فلا بد في إثبات الحجة من رأي الميت أو الحي من الرجوع إلى دليل آخر، من إجماع، أو بناء العقلاء، أو سيرة المتشرعة، أو الأصل. (و الأول) لم يثبت بالنسبة إلى الميت، بل قد يدعى على عدم جواز الرجوع إليه، فضلا عن العلم بعدم انعقاده على الجواز. (و أما الثاني) فالظاهر أنه لا يشمل صورة الاختلاف أيضاً كالأدلة اللفظية. (و أما السيرة) فهي و إن ادعي استقرارها في عصر المعصومين (ع) على البقاء على تقليد الميت، كما هو المظنون قوياً، لكن بلوغه حداً يصح التعويل عليه لا يخلو من: إشكال.

فيتعين الأخير. و ستأتي وجوه تقريره.

و أما بناء على أن مفاد أدلة التقليد هو الحجية على تقدير الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين فلا مانع من الرجوع إلى إطلاق تلك الأدلة لو كان.

لكن عرفت أنا لا نعرف ذلك الدليل لنعرف إطلاقه.

فالعمدة إذاً هو الأصل. و تقريره (تارة): بإجرائه في الحكم الوضعي الأصولي- أعني: الحجية- فيقال: كان رأي فلان حجه- يعني حال حياته- و هو على ما كان. (و أخرى): في نفس المؤدى الواقعي المحكي بالرأي، فيقال مثلا: كانت السورة واجبة واقعاً حال حياة فلان فهي باقية على وجوبها. (و ثالثة): في الحكم الظاهري، فيقال مثلا: كانت السورة واجبة ظاهراً حال حياة فلان فهي باقية على وجوبها الظاهري، فنقول:

أما إجراؤه في الحكم الوضعي على النحو الأول- أعني: الحجية-

15
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

فيتوقف أولا على كونها متأصلة في الجعل، بحيث يصح اعتبارها من مجرد جعلها، و تترتب عليها آثارها عقلا من صحة اعتذار كل من المولى و العبد بها. لكنه غير ظاهر، بل الظاهر أنها منتزعة من الحكم الظاهري الراجع إلى الأمر بالعمل بالواقع على تقدير المصادفة- نظير الأمر بالاحتياط في بعض موارد الشك- و إلى الترخيص على تقدير المخالفة، فإن ذلك هو منشأ صحة الاعتذار و الاحتجاج، فالحجية نظير الوجوب و الحرمة المنتزعين من مقام الإرادة و الكراهة، و لا يصح اعتبارهما من مجرد جعلهما مع قطع النظر عن الإرادة و الكراهة. و على هذا لا مجال لجريان الاستصحاب فيها، لعدم كونها أثراً شرعياً و لا موضوعاً لأثر شرعي.

و يتوقف ثانياً على أن يكون موضوع الحجية مجرد حدوث الرأي، أما إذا كانت منوطة به حدوثاً و بقاء، بحيث يكون موضوعها في الآن الثاني بقاء الرأي، فلا مجال لاستصحابها، لعدم بقاء موضوعها، لانتفاء الرأي بالموت. و قد يستظهر ذلك من بناء الأصحاب- بل ظهور الإجماع- على ارتفاع الحجية بتبدل رأي المجتهد، و بارتفاع الشرائط من العدالة و العقل و الضبط و غيرها. و لأن حجية الرأي بالإضافة إلى العامي ليست بأعظم منها بالإضافة إليه نفسه، و من المعلوم أن حجية الرأي بالإضافة إلى نفسه على النحو الثاني، فإن الحجية لرأي المجتهد بالإضافة إلى نفسه في كل زمان موضوعها الرأي في ذلك الزمان، لا مجرد الحدوث.

فان قلت: سلمنا كونها كذلك بالإضافة إلى العامي، لكن لا دليل على ارتفاع الرأي بالموت فيجري فيه استصحاب بقائه، و يكون حجة.

(قلت): لو سلمنا تقوم الرأي بالنفس عقلا لا بالبدن فليس كذلك عرفا، فإنه يصدق عرفاً أن هذا الميت لا رأي له. مع أن الموت ملازم لارتفاع الرأي- غالباً- قبله آناً ما فلا مجال لاستصحابه.

16
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

هذا و لكن الإنصاف أن الإجماع على عدم حجية رأي المجتهد مع اختلال الشرائط- لو تمَّ- لا يقتضي عدم الحجية مع ارتفاع الحياة إذا كان محلا للخلاف و ارتفاع الحجية بتبدل الرأي إنما هو لكون الحجية مشروطة بعدم ظهور الخطأ له في المستند، لا لكونها منوطة بالرأي حدوثاً و بقاء.

و لذا ترى الشهادة تسقط عن مقام الحجية إذا ظهر للشاهد الخطأ في المستند، مع أنها حجة بحدوثها إلى الأبد و لا ترتفع حجيتها بموت الشاهد أو نسيانه.

و ارتفاع الرأي قبل الموت غالباً إن قام إجماع على قدحه فهو خارج عن محل الكلام، و الكلام في غيره من الفروض و إن لم يقم إجماع على ذلك لم يقدح في جريان الاستصحاب. و بالجملة: احتمال حجية الرأي بحدوثه إلى الأبد لا رافع له، فلا مانع من الاستصحاب.

فان قلت: رأى المجتهد حال حياته و إن دل على ثبوت الحكم في جميع الوقائع السابقة و المقارنة و اللاحقة، إلا أن القدر المتيقن حجيته في غير الوقائع اللاحقة، فهو بالنسبة إليها غير معلوم الحجية حتى تستصحب بعد الموت، إذ الاستصحاب حينئذ يكون من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي.

قلت: إنما يتم الاشكال لو كانت الوقائع ملحوظة بخصوصها موضوعاً للحجية في قبال غيرها، كأفراد الكلي الملحوظ بعضها في قبال آخر. أما إذا كانت جميع الوقائع ملحوظة بنحو القضية الحقيقية، و الشك إنما هو في مجرد استمرار الحكم إلى الأزمنة اللاحقة، فلا مانع من الاستصحاب، إذ الواقعة اللاحقة- على هذا المعنى- تكون موضوعاً للحكم لو كانت واقعة في حياة المفتي و إنما الشك في خصوصية زمان الحياة، و الاستصحاب شأنه إلغاء احتمال دخل خصوصية الزمان السابق في الحكم. نظير ما لو ثبت أن من ولد في يوم الجمعة يجب ختانه و شك في استمرار الحكم لمن ولد في يوم السبت، فمن ولد في يوم السبت يعلم بثبوت الحكم له لو كان ولد في يوم الجمعة‌

17
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

و يشك في بقائه على ما كان. فصورة القضية المستصحبة هكذا: هذا- يعني:

المولود في يوم السبت- كان لو ولد وجب ختانه فهو على ما كان.

و كذلك نقول في المقام: هذه الواقعة كانت لو وجدت فيما مضى لكان الرأي فيها حجة فهي باقية على ما كانت، فالشك ليس لاحتمال دخل خصوصية أفراد الوقائع، بل لاحتمال دخل خصوصية الزمان السابق في الحكم، و شأن الاستصحاب إلغاء احتمال ذلك. فهذا الاستصحاب نظير استصحاب الشرائع السابقة عند الشك المحرر جوازه في مبحث الاستصحاب. نعم هو من قبيل الاستصحاب التعليقي المحقق في محله جريانه، إذ لا فرق بين الحكم التعليقي و التنجيزي في الدخول في عموم دليل الاستصحاب. لكنه ربما يكون معارضاً بالاستصحاب التنجيزي لعدم الدليل على حكومته عليه، و حينئذ يسقط للمعارضة، و في المقام يعارض بأصالة عدم الحجية الثابت قبل الوجود.

لكنه مبني على جريان الأصل في العدم الأزلي، و إلا كان الأصل التعليقي بلا معارض.

و أما إجراؤه في الحكم الواقعي: فيشكل بأنه يتوقف على اليقين بالحدوث و الشك في البقاء، و كلاهما غير حاصل. أما الأول فلعدم اليقين الوجداني حال الوفاة بثبوت الحكم الواقعي حال الحياة، إذ لا منشأ له. و مثله اليقين التنزيلي. و كون رأي المجتهد بمنزلة اليقين مسلم لو ثبتت حجيته حال الوفاة، و هي محل الكلام، و حجيته حال الحياة على ثبوت الحكم الواقعي حينئذ لا تجدي في ثبوت اليقين التنزيلي بعد الوفاة بأصل الثبوت، فلا يقين و لا ما هو بمنزلته بثبوت الحكم الواقعي من أول الأمر. و أما الثاني فانتفاؤه أظهر، للعلم بثبوت الحكم الواقعي على تقدير حدوثه، و إنما الشك في أصل ثبوته لا غير.

و أما إجراؤه في الحكم الظاهري: فلا ضير فيه، لاجتماع أركانه،

18
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

لليقين الوجداني حال الوفاة بثبوته حال الحياة الملازم لحجية الفتوى حال الحياة، و الشك في بقائه، للشك في بقاء الحجية إلى زمان الوفاة. نعم يتوجه عليه الإشكال الأخير في استصحاب الحجية. و يندفع بما عرفت من الاستصحاب التعليقي. بل جريانه هنا أوضح، لأن الحكم المستصحب إن لم يكن اقتضائياً- كما لو كانت فتوى الميت عدم الوجوب أو عدم الحرمة- فاستصحابهما التعليقي لا يعارضه الاستصحاب التنجيزي، لأنه لو جرى كان مفاده نفي الوجوب أو الحرمة- لأصالة عدمهما- فالاستصحاب التنجيزي- لو جرى- فهو موافق لا مخالف كي يسقطا بالمعارضة. نعم لو كان اقتضائياً- كما لو كانت فتوى الميت الوجوب أو الحرمة- فالأصل التنجيزي و إن كان معارضاً، لكن البقاء على التقليد في الأحكام الاقتضائية مما لا بأس به قطعاً من حيث العمل، لموافقته للاحتياط. و لو كانت فتوى الميت الوجوب، و فتوى الحي الحرمة، فالفتوى الأولى لما كان مفادها نفي الحرمة كانت من هذه الجهة غير اقتضائية، فلا مانع من جريان الاستصحاب في مضمونها، و من حيث نفس الوجوب اقتضائية فلا بأس بالبقاء عليها من حيث العمل، كما عرفت.

هذا كله مضافاً إلى ما أشرنا إليه آنفاً من أن المظنون قويا استقرار السيرة على البقاء على تقليد الميت، بل دعوى الجزم بذلك قريبة جداً.

و عليه فلا تنتهي النوبة إلى الأصول و إن كان مقتضاهما مختلفاً، إذ القدر المتيقن من السيرة صورة العلم بالمسألة أو خصوص صورة العمل، لا مطلقاً و إن لم يعمل، فضلا عما لو لم يعلم. أما الأصل فمقتضاه الجواز مطلقاً عمل أولا، علم أولا. و التشكيك في ثبوته في الوقائع مع عدم العلم في غير محله، إذ اعتبار العلم بالفتوى في الحجية خلاف الإجماع كما لا يخفى.

هذا كله مع تساوي المجتهدين الميت و الحي في العلم. أما مع الاختلاف‌

19
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

فالظاهر أنه لا إشكال في بناء العقلاء على تعين الرجوع إلى الأعلم، فيجب العدول إلى الحي إن كان أعلم، كما يجب البقاء إن كان الميت أعلم. بلا فرق بين ما علم و عمل و بين غيره، لعدم الفرق في بناء العقلاء المذكور. و لا مجال حينئذ للرجوع إلى الأصول شرعية أو عقلية، نعم لو كان الرجوع إلى الأعلم من جهة الحكم العقلي بالتعيين عند الدوران بينه و بين التخيير كان الأصل الشرعي وارداً عليه، فيتعين الرجوع إلى الأصل المتقدم. لكن الظاهر استقرار بناء العقلاء على تعين الرجوع إلى الأعلم، فيتعين العمل به.

هذا و لو بني على جواز البقاء على تقليد الميت فهل يجوز العدول- كما هو ظاهر المتن و المنسوب إلى بعضهم- أولا؟- كما نسب إلى أكثر القائلين بجواز البقاء- وجهان.

أما وجه الأول: فهو استصحاب التخيير الثابت قبل الرجوع إلى الميت. و فيه: أن مرجع التخيير الثابت سابقا إلى أنه لو اختار أي واحد منهما كان رأيه حجة عليه، فيقال: كان لو اختار الحي الذي يقع الكلام في جواز العدول إليه لكان رأيه حجة. و هو من الاستصحاب التعليقي المعارض باستصحاب عدم الحجية الثابت قبل الاختيار.

و أما وجه الثاني: فهو إما الإجماع على عدم جواز العدول الثابت قبل الوفاة و بعد الوفاة، أو الثابت قبل الوفاة فيستصحب المنع إلى ما بعد الوفاة.

أو أصالة الاحتياط، لكون المورد من قبيل الدوران بين التعيين و التخيير.

و فيه: أن عموم معقد الإجماع إلى ما بعد الوفاة ممنوع، بل ثبوت الإجماع على المنع حال الحياة عن العدول تعبداً غير ظاهر كي يجري استصحابه.

و أما أصالة الاحتياط عند الدوران بين التعيين و التخيير فلا مجال لها، إذ كما يحتمل وجوب البقاء على تقليد الميت يحتمل وجوب العدول عنه إلى الحي، فاحتمال التعيين موجود في كل من الطرفين كما يحتمل التخيير أيضا،

20
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

و في مثله يجب البناء على التخيير بعد قيام الإجماع على عدم وجوب الاحتياط على العامي، حتى أحوط القولين المتعين في نظر العقل- لو لا الإجماع المذكور- للعلم الإجمالي بثبوت الحجة بينهما، المستوجب لوجوب موافقتهما عقلا، و العمل بأحوطهما موافقة لهما معا. لكن الإجماع على عدم وجوب الاحتياط مطلقاً على العامي يستوجب الحكم بالتخيير.

نعم البناء على ذلك موقوف على عدم جريان الأصول الشرعية، و إلا كان عليها المعول فنقول: أما من حيث العمل و صحته فقد عرفت أنه إذا كانت فتوى الميت الرخصة، كما لو أفتى بعدم وجوب الكفارة للوطء في الحيض، و كانت فتوى الحي وجوبها لا مانع من جريان استصحاب الحكم الظاهري لعدم المعارض. فنقول هنا: أنه لا مانع من العدول إلى فتوى الحي من حيث العمل، لموافقتها للاحتياط. أما إذا كانت فتوى الميت حكماً اقتضائياً- كالوجوب و الحرمة- فلا مجال للاستصحاب التعليقي و ان البقاء لا بأس به. أما جواز العدول فمقتضى الإجماع على التخيير في تعيين الحجة عند احتمال التعيين في كل واحد من محتملي الحجية، لما عرفت أنه كما يحتمل حجية رأى الميت يحتمل حجية رأي الحي كما يحتمل التخيير بينهما أيضاً، فله اختيار البقاء و له اختيار العدول.

هذا كله من حيث العمل. و أما من حيث جواز الالتزام و الاعتقاد القلبي، و من حيث جواز النقل و الاخبار عن الحكم الواقعي،- اللذين هما من آثار العلم المترتبين على الطرق الشرعية بمقتضى دلالة أدلتها على تنزيلها بمنزلة العلم، فحيث أن هذا التنزيل أيضاً من الأحكام الشرعية يجري فيه ما تقدم في الأحكام الاقتضائية التي تتضمنها فتوى الميت، و يجري الأصل فيه على نحو جريانه في تلك الأحكام. و لأجل السقوط بالمعارضة يرجع إلى التخيير المستفاد من الإجماع عليه، عند تردد الحجة تعييناً بين فردين حسبما‌

21
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

و لا يجوز تقليد الميت ابتداء (1).

عرفت. و قد عرفت أن هذا الكلام كله مع تساوي الحي و الميت في العلم لا مع الاختلاف، و إلا تعين الرجوع إلى الأعلم كان الحي أو الميت.

فلاحظ و تأمل.

إجماعاً إلا من جماعة من علمائنا الأخباريين، على ما نسب إليهم على تأمل في صحة النسبة، لظهور كلمات بعضهم في كون ذلك في التقليد بمعنى آخر غير ما هو محل الكلام. و كيف كان فالوجه في المنع: أنك عرفت قصور أدلة حجية الفتوى عن شمول الفتاوى المختلفة، فلا مجال للرجوع إلى الآيات و الروايات لإثبات حجية فتوى الميت- على تقدير تمامية دلالتها في نفسها على الحجية، و كونها مطلقة- و كذلك بناء العقلاء عليها، و كذلك الإجماع. إذ لا إجماع على جواز الرجوع إلى الميت ابتداء، بل المنع مظنته، كما عرفت. و كذلك السيرة، فإن دعواها على الرجوع ابتداء إلى الأموات مجازفة. و قد عرفت إشكال استصحاب الحجية، و استصحاب الأحكام الواقعية، في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت، فضلا عن المقام، لعدم ثبوت الحجية هنا حدوثاً، و لا قام عند المقلد طريق على ثبوت الحكم الواقعي في وقت من الأوقات. و من هنا كان الإشكال في جريانهما هنا أعظم.

و لأجل ذلك يشكل جريان استصحاب الأحكام الظاهرية، إذ لا يقين بالثبوت لا وجداني و لا تعبدي. فيتعين الرجوع إلى الأصل العقلي عند الدوران بين التعيين و التخيير، حيث يعلم بجواز الرجوع إلى الحي و يشك في الميت، فان الحكم العقلي في مثله الاحتياط بالرجوع إلى معلوم الحجية.

و من ذلك تعرف الفرق بين تقليد الميت ابتداء و استمراراً، و أنه في الأول لا يقين بثبوت أمر شرعي سابقاً كي يجري الاستصحاب فيه، بخلاف الثاني، لليقين بثبوت الحجية سابقاً أو الحكم الظاهري، فيمكن جريان‌

22
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 14

.....

الاستصحاب فيه. و أن الشك في الأول بين التعيين و التخيير، بخلاف الثاني فإن احتمال التعيين موجود في كل من الميت و الحي. و لأجل ذلك كان الأصل العقلي التعيين في الأول دون الثاني، بل المرجع فيه التخيير بعد الإجماع على عدم وجوب الاحتياط.

هذا كله مع تساوي الميت و الحي في الفضيلة. أما إذا كان الميت أعلم فمقتضى بناء العقلاء لزوم تقليده تعييناً. و ليس ما يوجب الخروج عنه إلا حكاية الإجماع على المنع عنه، فقد حكاه غير واحد عليه، كما في الجواهر، و جعله فيها مفروغاً عنه بين أصحابنا، و قد تعرض في تقريرات درس شيخنا الأعظم (ره) لكلماتهم في حكاية الإجماع على المنع. و لعل هذا المقدار كاف في رفع اليد عن بناء العقلاء على وجوب الرجوع إلى الأفضل، فإن الحاكين للإجماع و إن كانوا جماعة خاصة، لكن تلقي الأصحاب لنقلهم له بالقبول، من دون تشكيك أو توقف من أحد، و تسالمهم على العمل به، يوجب صحة الاعتماد عليه. و لا سيما مع كون نقلة الإجماع المذكور من أعاظم علمائنا و أكابر فقهائنا، و لهم المقام الرفيع في الضبط و الإتقان و التثبت. قدس اللّه تعالى أرواحهم، و رفع منازل كرامتهم و جزاهم عنا أفضل الجزاء.

و من هذا الإجماع تعرف سقوط ما يتصور في المقام أيضاً من الاستصحاب الجاري في الحكم الظاهري، نظير ما سبق في مسألة الاستدامة. و تقريبه:

أن هذا المقلد و ان لم يثبت في حقه حكم ظاهري إلى حين موت المجتهد، لعدم وجوده في حياته، أو لعدم تكليفه أصلا حينئذ. لكن كان بحيث لو كان موجوداً في حياة المجتهد و رجع إليه لثبت الحكم الظاهري في حقه، فيستصحب ذلك إلى ما بعد موت المجتهد و وجود ذلك العامي، فيثبت حينئذ أنه لو رجع إليه لكان محكوماً بالحكم الظاهري، فتكون هذه المسألة نظير‌

23
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز له العدول إلى الميت ؛ ج‌1، ص : 24

[ (مسألة 10): إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز له العدول إلى الميت]

(مسألة 10): إذا عدل عن الميت إلى الحي لا يجوز له العدول إلى الميت (1).

المسألة السابقة من هذه الجهة. غاية الأمر أن الشك هنا من حيث الشخص المقلد، و هناك من حيث الواقعة المتجددة، و هذا غير فارق في جريان الاستصحاب بنحو استصحاب أحكام الشرائع السابقة. فالعمدة إذاً في الخروج عن الاستصحاب المذكور في الفرض الإجماع المتقدم. على أنه لا يطرد في بعض الفروض كما لو كان مقلداً في حال حياته لغيره الأعلم ففقد بعض الشرائط المانعة من البقاء على تقليده، فإنه لا مجال للاستصحاب بالنسبة إلى الميت، كما لا يخفى.

و أما الأصل العقلي عند الدوران بين التعيين و التخيير في الحجية، فلا تنتهي النوبة إليه إلا بعد سقوط الأصل الشرعي. و قد عرفت أن هذا الأصل في الفرض المتقدم لو جرى في الحكم الظاهري غير الاقتضائي فلا معارض له من حيث العمل. نعم هو من حيث الاخبار عن الواقع، أو الالتزام به، و من حيث العمل أيضاً- لو كان الحكم اقتضائياً- معارض في الجميع بالاستصحاب التنجيزي. فالمرجع في ذلك يكون هو الأصل العقلي.

فالعمدة في الفرق المطرد بين المسألتين على هذا يكون في مقتضى الأصل العقلي لا غير، و إلا ففي الأصل الشرعي قد لا يكون فرق بينهما.

و كيف كان ففي الإجماع المذكور كفاية. و به يكون الفرق بين المسألتين أيضاً، إذ القول بجواز تقليد الميت استدامة محكي عن جماعة من الأكابر، بل القول بوجوب ذلك محكي في الجواهر و غيرها، فكيف يمكن دعوى الإجماع على المنع أو يجب العمل بها؟! و اللّه سبحانه أعلم، و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

لما يأتي في المسألة اللاحقة. مضافاً إلى أنه من التقليد الابتدائي‌

24
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): لا يجوز العدول عن الحي إلى الحي ؛ ج‌1، ص : 25

[ (مسألة 11): لا يجوز العدول عن الحي إلى الحي]

(مسألة 11): لا يجوز العدول عن الحي إلى الحي، إلا إذا كان الثاني اعلم (1).

الذي قد عرفت قيام الإجماع على المنع عنه.

إجماعاً في الجملة حكاه غير واحد. و يقتضيه الأصل العقلي المتقدم، للشك في حجية فتوى من يريد العدول إليه، و العلم بحجية فتوى من يريد العدول عنه، و في مثله يبنى على عدم حجية مشكوك الحجية.

و ليس ما يوجب سقوط هذا الأصل العقلي من دليل أو أصل شرعي. إذ أدلة التقليد اللفظية قد عرفت عدم شمولها لصورة الاختلاف في الفتوى، بلا فرق بين إطلاق الآيات و الروايات. و كذلك بناء العقلاء. و لا إجماع على جواز العدول و لا سيرة. و أما استصحاب التخيير فقد تقدم في مسألة جواز العدول عن الميت إلى الحي: أنه من الاستصحاب التعليقي المعارض بالاستصحاب التنجيزي، فلا مرجع إلا الأصل العقلي، و هو أصالة التعيين عند التردد في الحجية بين التعيين و التخيير. نعم مع الاتفاق في الفتوى لا مانع من الاعتماد على فتوى كل من المجتهدين عملا بإطلاق أدلة الحجية كما عرفت، لكن الظاهر أن هذه الصورة خارجة عن محل الكلام.

هذا كله إذا لم يكن المعدول إليه أعلم. و إلا- فبناء على ما يأتي من وجوب الرجوع إلى الأعلم- يجب الرجوع إليه. لعدم الفرق في كون مقتضى أدلة وجوب الرجوع إلى الأعلم وجوب الرجوع إليه بين سبق تقليد غيره فيجب العدول إليه. و عدمه فيرجع إليه ابتداء. نعم لو كان الوجه في وجوب الرجوع إلى الأعلم الأصل العقلي- أعني: أصالة التعيين عند الدوران بين التعيين و التخيير- و كان الوجه في عدم جواز العدول استصحاب حجية فتوى من يريد العدول عنه و نحوه من الأصول الشرعية، لزم عدم جواز العدول و لو إلى الأعلم، لأن الأصل الشرعي وارد على الأصل العقلي. فلاحظ.

25
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان ؛ ج‌1، ص : 26

[ (مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان]

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان (1) على الأحوط.

هذا و المحكي عن جماعة التفصيل بين الوقائع التي التزم فيها بتقليد من قلده فلا يجوز العدول عنه إلى غيره، كما لو عقد على زوجته بالفارسية اعتماداً على فتوى مجتهد يجوّز ذلك، فلا يجوز العدول إلى غيره فيه، بأن لا يرتب آثار الزوجية من النفقة و القسمة و نحوهما اعتماداً على فتوى مجتهد آخر لا يصح عنده العقد الفارسي، و بين غيرها من الوقائع، كالعقد على امرأة أخرى، فيجوز له العدول إليه فيه، فلو عقد على امرأة أخرى بالفارسية بعد العدول جاز له عدم ترتيب آثار الزوجية عليها. و اختار هذا القول في الجواهر. و كأنه لاستصحاب التخيير الذي لا إجماع على خلافه هنا. و فيه ما عرفت.

كما هو المشهور بين الأصحاب، بل عن المحقق الثاني الإجماع عليه، و عن ظاهر السيد في الذريعة كونه من المسلمات عند الشيعة.

و عن جماعة ممن تأخر عن الشهيد الثاني جواز الرجوع إلى غير الأعلم.

لإطلاق الأدلة كتاباً و سنة، بل حمل مثل آيتي النفر و السؤال «1» على صورة تساوي النافرين و المسؤولين في الفضيلة حمل على فرد نادر. و لاستقرار سيرة الشيعة في عصر المعصومين (ع) على الأخذ بفتاوى العلماء المعاصرين لهم مع العلم باختلاف مراتبهم في العلم و الفضيلة. و لأن في وجوب الرجوع إلى الأعلم عسراً، و هو منفي في الشريعة. و لأنه لو وجب تقليد الأعلم لوجب الرجوع إلى الأئمة (ع) لأنهم أولى من الأعلم.

و فيه: أن الإطلاقات لا تشمل صورة الاختلاف في الفتوى- كما هو محل الكلام- و لا فرق بين آيتي النفر و السؤال و غيرهما، كيف و قد عرفت‌

______________________________
(1) تقدم ذكرهما في المسألة: 8 من هذا الفصل.

26
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان ؛ ج‌1، ص : 26

.....

أنه غير معقول. و ندرة تساوي النافرين و المسؤولين مسلمة، لكنها غير كافية إلا مع ندرة الاتفاق في الفتوى، و هي ممنوعة، بل الاختلاف في مورد الآيتين أولى بالندرة. بل ما لم يحرز الاختلاف لا تصلح الآيتان الشريفتان دليلا على جواز الرجوع إلى غير الأعلم، لأن الحمل على الحجية التخييرية خلاف ظاهر الأدلة، و منها الآيتان، فالحمل عليها محتاج إلى قرينة. نعم لو علم الاختلاف كان هو القرينة، و إلا فلا قرينة تستدعي الحمل على خلاف الظاهر.

و من ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال بالسيرة، إذ مجرد قيام السيرة على الرجوع إلى المختلفين في الفضيلة لا يجدي في جواز الرجوع إليهم مع الاختلاف في الفتوى، و لم تثبت سيرة على ذلك. و العلم بوجود الخلاف بينهم و إن كان محققاً، لكن ثبوت السيرة على الرجوع إلى المفضول غير معلوم، بل بعيد جداً فيما هو محل الكلام، أعني: صورة الاختلاف المعلوم و إمكان الرجوع إلى الأعلم.

و أما لزوم العسر فممنوع كلية، كيف و قد عرفت أن المشهور المدعى عليه الإجماع وجوب الرجوع إلى الأعلم في أكثر الأعصار، و لم يلزم من العمل بهذه الفتوى عسر على المقلدين. نعم لو بني على وجوب الرجوع إلى الأعلم على نحو يجب الفحص عنه مهما احتمل وجوده كان ذلك موجباً للعسر غالباً. لكنه ليس كذلك، لما يأتي. و بالجملة: محل الكلام ما إذا أمكن الرجوع إلى الأعلم بلا عسر و لا حرج.

و أما الاستدلال الأخير: فإنما يتم لو كان الرجوع إلى غير الأعلم ممنوعاً عقلا ذاتاً، و أما إذا كان من جهة عدم الدليل على حجية فتوى غير الأعلم فالمقايسة غير ظاهرة، لقيام الدليل على جواز الرجوع إلى غير المعصوم مع إمكان الرجوع إليه.

27
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان ؛ ج‌1، ص : 26

.....

و ربما يستدل على الجواز بما ورد في الرجوع إلى شخص معين، فإن إطلاقه يقتضي جواز الرجوع إليه و إن كان غيره أعلم. و فيه: أن الإرجاع على نحو الخصوص كالارجاع على نحو العموم إنما يقتضي الحجية في الجملة و لا يشمل صورة الاختلاف، و إلا تعارض مع ما دل على الإرجاع إلى غيره بالخصوص، بل مع ما دل على الإرجاع على نحو العموم، فيكون كتعارض تطبيقي العام بالإضافة إلى الفردين المختلفين، كما لا يخفى. و احتمال التخصيص يتوقف على احتمال الخصوصية في الشخص المعين و هو منتف. و لو سلم اختص الحكم بذلك الشخص بعينه، و لا يطرد في غيره من الأشخاص.

و بالجملة: فلا يتضح دليل على جواز تقليد المفضول مع تيسر الرجوع إلى الأفضل، و مقتضى بناء العقلاء تعين الرجوع إلى الأفضل، و التشكيك في ثبوت بناء العقلاء على ذلك يندفع بأقل تأمل.

مضافاً إلى الأصل العقلي عند دوران الأمر في الحجية بين التعيين و التخيير الذي عرفته فيما سبق، فان رأي الأفضل معلوم الحجية، و رأي المفضول مشكوك الحجية. لكنه لا يطرد العمل بهذا الأصل مع سبق تقليد المفضول، لعدم وجود الأفضل ثمَّ تجدد وجوده، فان استصحاب بقاء الأحكام الظاهرية وارد على الأصل المذكور إذا كانت الأحكام غير اقتضائية، و كذا إذا كانت اقتضائية من جهة الإشكال في جريان استصحابها، لأنه من الاستصحاب التعليقي بالإضافة إلى الوقائع المتجددة، المعارض بالاستصحاب التنجيزي، و بعد التساقط يرجع إلى الأصل العقلي المقتضي للتخيير بين البقاء و العدول، كما عرفت ذلك في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت فلاحظ.

و أما مقبولة ابن حنظلة «1» الواردة في رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث قال فيها:

«فان كان كل منهما اختار رجلا من أصحابنا

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

28
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان ؛ ج‌1، ص : 26

و يجب الفحص عنه (1).

فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، فاختلفا فيما حكما، و كلاهما اختلفا في حديثنا؟ فقال (ع): الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما، و لا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر»

. فإنها- بقرينة التنازع الذي لا يكون إلا مع العلم حقيقة أو تعبداً، و بقرينة ما في ذيلها من الرجوع إلى المرجحات الداخلية و الخارجية- ظاهرة في الحكم الفاصل للخصومة، و لا تشمل الفتوى. و إلحاق الفتوى به لعدم القول بالفصل غير ظاهر. مع أن ظهورها في جواز فصل الخصومة بالحكم الصادر من الحكام المتعددين مما يظهر من الأصحاب عدم جواز العمل به، لاعتبار الوحدة في القاضي عندهم ظاهراً. فلاحظ و تأمل.

الكلام في وجوب الفحص (تارة): يكون في صورة العلم بالاختلاف في الفتوى و بالتفاضل، بأن يعلم بأن أحدهما أفضل من الآخر و لم يعرف الأفضل بعينه. (و أخرى): في صورة الجهل بالاختلاف و العلم بالتفاضل. (و ثالثة): في صورة العكس. (و رابعة): في صورة الجهل بهما معاً. (و خامسة): في صورة الشك في وجود مجتهد غير من يعرف.

أما الكلام في الأولى: فهو أنه بعد ما عرفت من عدم شمول أدلة الحجية للفتويين المختلفتين، و أن العمدة في التخيير بين المجتهدين هو الإجماع، فلا مجال للرجوع إلى واحد بعينه، إذ لا إجماع عليه قبل الفحص، فيجب الفحص لأصالة عدم الحجية. بل مقتضى ما دل على وجوب الرجوع إلى الأعلم يكون الفرض من باب اشتباه الحجة باللاحجة، المستوجب للأخذ بأحوط القولين حتى بعد الفحص و العجز عن معرفة الأفضل. لكن الظاهر الاتفاق على جواز الرجوع حينئذ إلى أيهما شاء، و عدم وجوب الاحتياط‌

29
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): يجب تقليد الأعلم مع الإمكان ؛ ج‌1، ص : 26

.....

المذكور عليه. و بالجملة: الرجوع إلى أحد المجتهدين قبل الفحص اعتماد على مشكوك الحجية، فلا يجوز في نظر العقل فلاحظ.

و أما في الثانية: فهو أن مقتضى إطلاق أدلة الحجية حجية كل واحدة من الفتويين. و احتمال الاختلاف بين الفتويين الموجب لسقوط الإطلاق عن الحجية لا يعتنى به في رفع اليد عن الإطلاق، كما في سائر موارد التخصيص اللبي، و إذا ثبتت حجية كل منهما جاز الاعتماد عليها قبل الفحص. (و دعوى):

أن العمل المطابق لإحدى الفتويين و ان جاز الاجتزاء به في نظر العقل لموافقته للحجة، لكن لما كان مقتضى إطلاق دليل الحجية حجية الفتوى الأخرى، و يحتمل مخالفة العمل لها لاحتمال الاختلاف بين الفتويين، كان العمل مما يحتمل مخالفته للحجة، و العمل المحتمل المخالفة للحجة مما لا يجوز الاجتزاء به في نظر العقل، لاحتمال الخطر. (مندفعة): بأنه يعلم بانتفاء الخطر من قبل الفتوى الأخرى، لأن احتمال الخطر إنما جاء من قبل احتمال مخالفة العمل لها، لاحتمال مخالفتها للفتوى الأولى، و احتمال ذلك ملازم لاحتمال عدم حجيتها، لعدم شمول دليل الحجية للفتويين المختلفتين، فلا خطر في العمل بالإضافة إلى تطبيق الدليل على الفتوى الأخرى قطعاً. مضافاً إلى ما ربما قيل من أن إطلاق دليل الحجية الشامل لإحدى الفتويين يدل بالالتزام على نفي الاختلاف بينهما، و على موافقة العمل لهما معاً. و ان كان صلاحية العموم لإثبات مثل هذه اللوازم الخارجية محل تأمل و اشكال.

و أما الصورة الثالثة: فالكلام فيها هو الكلام في الصورة الأولى، لاشتراكهما في العلم بالاختلاف المانع من العمل بإطلاق أدلة الحجية، فتكون كل من الفتويين مشكوكة الحجية قبل الفحص. كما أن الكلام في الصورة الرابعة، هو الكلام في الصورة الثانية، لاشتراكهما في عدم المانع من الأخذ بإطلاق دليل الحجية بالإضافة إلى إحدى الفتويين، و أن احتمال اختلافهما‌

30
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 13): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما ؛ ج‌1، ص : 31

[ (مسألة 13): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما]

(مسألة 13): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في الفضيلة يتخير بينهما، إلا إذا كان أحدهما أورع، فيختار الأورع (1).

الموجب لسقوط دليل الحجية بالإضافة إلى كل منهما لا يؤبه به، كما عرفت.

ثمَّ إنه قيل بعدم وجوب الفحص مع العلم بالاختلاف لوجهين. (الأول):

أصل البراءة، للشك في وجوبه. (و الثاني): أنهما أمارتان تعارضتا لا يمكن الجمع بينهما، و لا طرحهما، و لا تعيين إحداهما، فلا بد من التخيير بينهما. و يشكل الأول: بأنه ليس الكلام في وجوب الفحص مولوياً كي يرجع الى أصل البراءة في نفيه، و إنما الكلام في وجوبه عقلا وجوباً إرشادياً الى الخطر بدونه، إذ قد عرفت أنه لو لا الفحص لا تحرز حجية إحدى الفتويين.

و من ذلك يظهر الإشكال في الثاني، إذ لا حكم للعقل بالتخيير بين الفتويين المتعارضتين، و إنما التخيير بين الفتويين بتوسط الإجماع على حجية ما يختاره منهما، و قد عرفت أن معقد الإجماع إنما هو الحجية بعد الفحص لا قبله.

و أما الصورة الخامسة: فإثبات حجية فتوى من يعرف بإطلاق دليل الحجية أظهر مما سبق، للشك في وجود مفت آخر، فضلا عن كونه أفضل و كون فتواه مخالفة. و لا يبعد استقرار بناء العقلاء، و سيرة المتشرعة، على العمل بالفتوى مع الشك في وجود مجتهد آخر من دون فحص عنه.

فعدم وجوب الفحص في هذه الصورة أظهر منه فيما سبق. فتأمل جيداً.

كما عن النهاية، و التهذيب، و الذكرى، و الدروس، و الجعفرية و المقاصد العلية، و المسالك، و غيرها، و يقتضيه أصالة التعيين الجارية عند الدوران بينه و بين التخيير. و لا يظهر على خلافها دليل، إذ الإطلاقات الدالة على الحجية- لو تمت- لا تشمل صورة الاختلاف. اللهم الا أن يكون بناء العقلاء على التخيير بين المتساويين في الفضل و ان كان أحدهما‌

31
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم ؛ ج‌1، ص : 32

[ (مسألة 14): إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم]

(مسألة 14): إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوز في تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم (1) و إن أمكن الاحتياط (2).

[ (مسألة 15): إذا قلد مجتهداً كان يجوّز البقاء على تقليد الميت]

(مسألة 15): إذا قلد مجتهداً كان يجوّز البقاء على تقليد الميت (3)، فمات ذلك المجتهد، لا يجوز البقاء على تقليده في هذه المسألة، بل يجب الرجوع الى الحي الأعلم في جواز البقاء و عدمه.

أورع، فيتبع اتباعه في حجية رأي العالم. لكن هذا البناء غير ظاهر مع الاختلاف، كما عرفت آنفاً. و لو كان أحد المجتهدين أفضل و الآخر أورع قدم الأفضل، لما عرفت من بناء العقلاء على تعينه.

سيجي‌ء التقييد بالأعلم فالأعلم، كما هو مقتضى ما تقدم في وجوب تقليد الأعلم.

لعدم وجوبه على العامي. لما عرفت من الأدلة القطعية على جواز رجوع الجاهل الى العالم و لو مع إمكان الاحتياط.

الظاهر أن المراد تقليده في المسائل الفرعية، كما لو قلده حين البلوغ. و يحتمل أن يكون المراد أنه قلده في خصوص مسألة جواز البقاء على تقليد الميت. و كيف كان فقد عرفت أنه مع الشك في جواز البقاء على تقليد الميت يتعين عليه الرجوع الى الحي في نظر العقل، فيعمل على مقتضى فتواه في جواز العدول و حرمته، و وجوبه. و هو ظاهر في الصورة الأولى التي هي ظاهر المتن. و أما في الفرض الثاني- الذي هو محتمل العبارة- فقد يشكل فيما لو أفتاه الحي بوجوب البقاء- مثلا- فهل يتعين عليه الرجوع الى المجتهد الأول؟ أو يتخير بينه و بين الرجوع الى الثاني؟

32
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 15): إذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 32

.....

أو يفصل بين ما لو كان رأي الثاني جواز البقاء، فالثاني، و وجوبه فالأول؟ فيه وجوه. و أشكل منه ما لو أفتاه الحي بوجوب البقاء، و كانت فتوى المجتهد الثاني وجوب العدول، لتناقض الفتويين عملا و لذلك بنى شيخنا الأعظم (ره) على عدم الأخذ بعموم فتوى الحي بالنسبة إلى مسألة البقاء و العدول، للزوم تخصيص الأكثر، و لاقتضائه وجوب العدول مع أن المفتي الحي لا يقول به.

و الذي ينبغي أن يقال: إذا قلد زيداً في المسألة الفرعية، كوجوب صلاة الظهر يوم الجمعة- مثلا- فمات زيد، فقلد عمراً في جواز البقاء على تقليد زيد في وجوب صلاة الظهر، فاذا مات عمرو فقلد بكراً فأفتى له بوجوب البقاء على تقليد الميت، كان مقتضى ذلك وجوب العمل برأي زيد دون رأي عمرو. و ذلك أن عمراً و إن كان ميتاً قد قلده حال حياته في جواز البقاء على تقليد الميت، إلا أنه يمتنع الرجوع إليه في مسألة جواز تقليد الميت، لأن هذه المسألة قد قلد فيها بكراً بعد موت عمرو، فلا مجال لتقليد عمرو فيها، لأن المسألة الواحدة لا تحتمل تقليدين مترتبين. لأنه لو بني على جواز اجتماع المثلين في رتبتين فلا أقل من لزوم اللغوية مع اتفاقهما عملا، أو التناقض مع اختلافهما، و بطلانه ظاهر.

و توهم: أن رأي بكر حجة في مسألة جواز البقاء على تقليد عمرو و رأي عمرو حجة في مسألة جواز البقاء على تقليد زيد، فيكون هناك مسألتان لاختلاف موضوعيهما يرجع في إحداهما إلى بكر، و في الأخرى إلى عمرو، و لا يكون تقليد أحدهما فيما قلد فيه الآخر، كما لو أخبر بكر بحجية خبر عمرو، و أخبر عمرو بحجية خبر زيد، فيكون كل منهما حجة في مؤداه، و لا اشتراك بينهما في موضوع واحد. (مندفع): بأن خصوصية عمرو ليست مقومة للقضية الشرعية التي يرجع فيها العامي إلى بكر، و يكون رأيه حجة فيها، فان فتوى بكر جواز تقليد الميت بنحو الكلية، لا خصوص عمرو،

33
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 15): إذا قلد مجتهدا كان يجوز البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 32

.....

فاذا كان رأي بكر حجة فيها على عمومها امتنع في الرتبة اللاحقة جعل حجة أخرى عليها. و من ذلك يظهر الفرق بين المقام و بين المثال المذكور.

و من ذلك أيضاً يظهر أنه لو كان رأي بكر وجوب البقاء، وجب البقاء على تقليد زيد و إن كان رأي عمرو وجوب العدول أو جواز كل من البقاء و العدول. كما أنه لو كان رأي بكر جواز كل من البقاء و العدول، جاز البقاء على تقليد زيد و العدول عنه، و إن كان رأي عمرو وجوب البقاء أو وجوب العدول. ثمَّ إن العدول هنا إنما يكون إلى الحي لا إلى الميت الثاني، لأنه من التقليد الابتدائي للميت. فتأمل.

ثمَّ إنه يمكن أن يقرر المنع عن الرجوع إلى الميت في جواز البقاء و عدمه بوجه آخر، و هو أنه إذا رجع إلى الحي في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت، فالتقليد المأخوذ موضوعاً في هذه القضية لا بد أن يكون في غير هذه المسألة، لامتناع أخذ الحكم في موضوع نفسه، فيمتنع أن يفتي الحي بجواز البقاء على تقليد الميت في جواز البقاء على تقليد الميت، أو بحجية رأى الميت في حجية رأى الميت، فلا بد أن يكون موضوع الحجية غير هذه المسألة. و هذا الاشكال قد أورد نظيره في عموم حجية الخبر للخبر بالواسطة، و دفع بما لا يطرد في المقام لما عرفت من أن الخصوصيات الموجبة للاختلاف مثل خصوصية كون الميت زيداً أو عمراً ليست دخيلة في القضية الشرعية التي يرجع فيها إلى المجتهد، فيلزم المحذور المتقدم. و من هنا يظهر امتناع حجية رأى الميت في حجية رأى الميت، فكما يمتنع أن يكون ذلك بتوسط الرجوع إلى الحي يمتنع في نفسه أيضاً، و أن امتناع ذلك في نفسه مانع من احتماله، ليصح الرجوع فيه إلى الحي، و ان كان يمنع من الرجوع فيه إلى الحي ما عرفت آنفاً من اجتماع تقليدين مترتبين في مسألة واحدة.

و من ذلك يظهر الوجه في قول المصنف (ره): «لا يجوز البقاء‌

34
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 16) عمل الجاهل المقصر الملتفت باطل و ان كان مطابقا للواقع ؛ ج‌1، ص : 35

[ (مسألة 16) عمل الجاهل المقصر الملتفت باطل و ان كان مطابقاً للواقع]

(مسألة 16) عمل الجاهل المقصر الملتفت باطل و ان كان مطابقاً للواقع (1).

على تقليده في هذه المسألة» مع أنه (ره) قد تقدم منه جواز البقاء على تقليد الميت. للفرق بين هذه المسألة و غيرها من المسائل، بامتناع جعل حجية رأى الميت فيها و إمكانه في غيرها، فاذا مات المجتهد الذي يفتي بجواز البقاء على تقليد الميت فمقلده لا يشك في عدم جواز البقاء على تقليده في هذه المسألة، و إنما الشك في جواز البقاء على تقليده في بقية المسائل.

فلاحظ و تدبر.

قد تقدم هذا الحكم في المسألة السابعة، و حملناه على صورة عدم العلم بالمطابقة للواقع أو لرأي من رأيه حجة، لكون البطلان حينئذ عقلياً.

لكن هنا قد صرح بالبطلان و لو مع المطابقة للواقع. و الوجه فيه- مضافاً إلى نفي الاشكال و الخلاف فيه ظاهراً، على ما ادعاه شيخنا الأعظم (ره) في مبحث العمل قبل الفحص من رسالة البراءة- ما ذكره (قده) في ذلك المقام من عدم تحقق نية القربة، لأن الشاك في كون المأتي به موافقاً للمأمور به كيف يتقرب به؟ و قال (ره) في مبحث الشبهة الوجوبية: «من قصد الاقتصار على أحد الفعلين ليس قاصداً لامتثال الأمر الواقعي على كل تقدير.

نعم هو قاصد لامتثاله على تقدير مصادفة هذا المحتمل له لا مطلقاً، و هذا غير كاف في العبادات المعلوم وقوع التعبد بها ..» «1» إلى آخر ما ذكره في المقامين. و محصله اعتبار الجزم بالنية في التعبد المعتبر في صحة العبادات. هذا و لكن التحقيق منع ذلك، لعدم ظهور بناء العقلاء عليه، و قد عرفت في أوائل الكتاب أن الإطاعة الاحتمالية كالاطاعة الجزمية في‌

______________________________
(1) التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية من مبحث اشتباه المكلف به مع العلم بأصل التكليف.

35
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 17): المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد و المدارك للمسألة ؛ ج‌1، ص : 36

و أما الجاهل القاصر أو المقصر الذي كان غافلا حين العمل (1) و حصل منه قصد القربة، فإن كان مطابقاً لفتوى المجتهد الذي قلده بعد ذلك كان صحيحاً (2). و الأحوط مع ذلك مطابقته لفتوى المجتهد الذي كان يجب عليه تقليده حين العمل.

[ (مسألة 17): المراد من الأعلم من يكون أعرف بالقواعد و المدارك للمسألة]

(مسألة 17): المراد من الأعلم (3) من يكون أعرف كون صدور الفعل عن الإرادة التكوينية الحاصلة للعبد بداعي إطاعة الإرادة التشريعية المولوية، و احتمال الانطباق كالجزم به دخيلان في تأثير الإرادة المتعلقة بمعلوم الفردية أو محتملها.

و دعوى: أن الاقتصار على بعض المحتملات مع البناء على عدم فعل الباقي. يدل على أن الباعث ليس هو الإرادة المولوية، و إلا لأثرت في غيره من المحتملات. (مندفعة): بإمكان أن يكون قد منع من تأثيرها مانع من مشقة أو غيرها، و لذلك تختلف الواجبات في ترتب الإطاعة على العلم بوجوبها و عدمه. و أما دعوى نفي الاشكال و الخلاف فلم يعتن بها شيخنا الأعظم (قده) في رسالته المعمولة في التقليد- على ما حكاه بعض الأكابر من تلامذته- فكيف يصح الاعتماد عليها حينئذ؟.

المراد به الملتفت إلى الأحكام فلم يتعلم تهاوناً حتى غفل حين العمل. و يقابله القاصر.

عملا بما دل على حجية رأيه و لو بعد العمل مع عدم ورود الشبهة المتقدمة. أما اعتبار مطابقته لرأي من يجب عليه تقليده حال العمل فلا دليل عليه فان أدلة الحجية لا تقتضي السببية، كما هو محقق في محله.

الظاهر أن المراد به الأعرف في تحصيل الوظيفة الفعلية، عقلية كانت أم شرعية. فلا بد أن يكون أعرف في أخذ كل فرع من أصله.

36
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 18): الأحوط عدم تقليد لمفضول ؛ ج‌1، ص : 37

بالقواعد و المدارك للمسألة، و أكثر اطلاعا لنظائرها و للأخبار و أجود فهما للأخبار، و الحاصل أن يكون أجود استنباطاً.

و المرجع في تعيينه أهل الخبرة و الاستنباط.

[ (مسألة 18): الأحوط عدم تقليد لمفضول]

(مسألة 18): الأحوط عدم تقليد (1) المفضول حتى في المسألة التي توافق فتواه فتوى الأفضل.

[ (مسألة 19): لا يجوز تقليد غير المجتهد]

(مسألة 19): لا يجوز تقليد غير المجتهد و ان كان من أهل العلم (2).

و لا يلزم فيه أن يكون أقرب إلى الواقع. كما لا يكفي ذلك إذا كان سالكاً ما لا يجوز سلوكه من الطرق في مقام الاستنباط غفلة منه و قصوراً، كما يوجد عند كثير من البسطاء و لو كان معذوراً لقصوره. و أما حمل الأعلم على معنى أكثر علما و أوسع إحاطة بالمعلومات. فهو و ان كان أقرب إلى معنى التفضيل المدلول لهيئة (أفعل) إلا أن الظاهر كونه غير مراد القائلين بوجوب تقليد الأعلم، و لا يقتضيه الدليل المتقدم عليه. فلاحظ.

قد تقدم «1» أنه مع اتفاق الآراء فالجميع حجة، و العمل المطابق لواحد منها مطابق للجميع، فكما يجوز العمل اعتماداً على رأي الأفضل، يجوز اعتماداً على رأي المفضول أيضاً، و كما يجوز الالتزام بالعمل بالأول، يجوز الالتزام بالعمل بالثاني أيضاً. فاحتمال المنع عن الثاني غير ظاهر الوجه، إلا إطلاق قولهم: لا يجوز تقليد المفضول. لكن لو تمَّ الإطلاق، فليس معقداً لإجماع واجب العمل.

إجماعاً. لعدم الدليل على حجية فتواه.

______________________________
(1) في المسألة: 8 من هذا الفصل.

37
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 20): يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني ؛ ج‌1، ص : 38

كما أنه يجب على غير المجتهد التقليد (1) و ان كان من أهل العلم.

[ (مسألة 20): يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني]

(مسألة 20): يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني كما إذا كان المقلد من أهل الخبرة و علم باجتهاد شخص. و كذا يعرف بشهادة عدلين (2) من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد. و كذا يعرف بالشياع المفيد للعلم (3). و كذا الأعلمية تعرف بالعلم أو البينة غير المعارضة، أو الشياع المفيد للعلم.

يعني: إذا لم يكن محتاطاً، كما عرفت فيما سبق.

سيأتي «1»- إن شاء اللّه- في مبحث المياه تقريب العموم الدال على حجية البينة في المقام و غيره.

الفرق بينه و بين الأول من حيث السبب لا غير، و إلا فهما مشتركان في كون العلم هو الحجة و إن كانت عبارة المتن توهم غير ذلك.

هذا و ربما يقال بثبوته بخبر الثقة، لعموم ما دل على حجيته في الأحكام الكلية، إذ المراد منه ما يؤدي إلى الحكم الكلي، سواء كان بمدلوله المطابقي أم الالتزامي، و المقام من الثاني، فإن مدلول الخبر المطابقي هو وجود الاجتهاد، و هو من هذه الجهة يكون إخباراً عن الموضوع، لكن مدلوله الالتزامي هو ثبوت الحكم الواقعي الكلي الذي يؤدي إليه نظر المجتهد.

فان قلت: أدلة حجية خبر الثقة مختصة بالأخبار عن حس، و لا تشمل الاخبار عن حدس، و لذا لم تكن تلك الأدلة دالة على حجية فتوى المجتهد مع أنها اخبار عن الحكم الكلي إلا أن مستنده الحدس. (قلت): الاخبار عن الاجتهاد من قبيل الاخبار عن الحس. نعم المدلول الالتزامي- و هو‌

______________________________
(1) في المسألة: 6 من الفصل المتعرض لأحكام ماء البئر.

38
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 21): إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما ؛ ج‌1، ص : 39

[ (مسألة 21): إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما]

(مسألة 21): إذا كان مجتهدان لا يمكن تحصيل العلم بأعلمية أحدهما و لا البينة (1)، فإن حصل الظن بأعلمية أحدهما تعين تقليده، بل لو كان في أحدهما احتمال الأعلمية يقدم، كما إذا علم أنهما إما متساويان أو هذا المعين أعلم و لا يحتمل أعلمية الآخر، فالأحوط تقديم من يحتمل أعلميته.

الحكم الكلي- إنما كان بتوسط الحدس. لكن هذا المقدار لا يقدح في الحجية، لأن الحس إنما يعتبر في المدلول المطابقي، لا في الملازمة التي يتوقف عليها ثبوت المدلول الالتزامي، و إلا فأخبار زرارة- مثلا- عن قول الإمام الذي هو إخبار عن موضوع يكون أيضاً إخباراً عن الحكم الكلي و يكون حجة على المجتهد، و ربما يكون بتوسط حدس المجتهد الذي هو حجة عليه أيضاً.

و بالجملة: الاخبار عن الاجتهاد كالاخبار عن قول الامام، و دلالتهما على الحكم الكلي بالالتزام إنما يكون بتوسط الحدس، غاية الأمر أن الحدس في الثاني من المجتهد و حجة عليه، و الحدس في الأول من المجتهد و حجة على العامي المقلد له. و على هذا المبنى يكفي توثيق رجال السند بخبر الثقة.

و كذا في إثبات المعنى بأخبار اللغوي الثقة، كما حررنا ذلك في مبحث حجية قول اللغوي. و لو قلنا بحجية خبر الثقة في الموضوعات- كما عليه بناء العقلاء- فالحكم أظهر. لكنه محل تأمل، لإمكان دعوى تحقق الردع عنه.

و سيأتي «1»- إن شاء اللّه- التعرض لذلك في بعض المباحث.

هذه المسألة، تارة: تكون ثلاثية الاحتمالات، و أخرى: ثنائية.

فالأولى: أن يحتمل كونهما متساويين، و يحتمل أعلمية زيد من عمرو مثلا، و يحتمل العكس. و الثانية صورتان: الأولى: أن يعلم أعلمية أحدهما و يحتمل‌

______________________________
(1) في المسألة: 6 من الفصل المتعرض لأحكام البئر.

39
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور ؛ ج‌1، ص : 40

[ (مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور]

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور (1): البلوغ و العقل، و الايمان و العدالة، و الرجولية، و الحرية- على قول- و كونه مجتهداً مطلقاً، فلا يجوز تقليد المتجزئ، و الحياة، فلا يجوز تقليد الميت ابتداء. نعم يجوز البقاء كما مر، و ان يكون أعلم فلا يجوز- على الأحوط- تقليد المفضول مع التمكن من الأفضل، و أن لا يكون متولداً من الزنا، و أن لا يكون كونه زيداً و يحتمل كونه عمراً أيضاً. و الثانية: أن يحتمل تساويهما و يحتمل أعلمية زيد لا غير.

و الحكم في الأولى التخيير مع تساوي الاحتمالات. و إن كان مقتضى القاعدة الأخذ بأحوط القولين، لأن الاعتماد على كل واحد من القولين اعتماد على مشكوك الحجية، إلا أن الظاهر الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط المذكور و على جواز الرجوع إلى أيهما شاء. و لو ظن أن أحدهما بعينه أعلم ففي الترجيح بالظن إشكال، لعدم الدليل عليه بعد ما لم يكن معتبراً في نفسه. اللهم إلا أن يكون احتمال الترجيح به موجباً لكون رأي مظنون الأعلمية معلوم الحجية، و رأي الآخر مشكوك الحجية، فيتعين الأول، كما في جميع موارد الدوران بين التعيين و التخيير في الحجية. و منه يظهر الحكم في الصورة الثانية، فإنه- لعدم المرجح، و عدم محتمل المرجحية- يتعين التخيير، بناء على ما عرفت آنفاً من الاتفاق فتوى على جواز رجوع الجاهل إلى العالم و إن أمكن الاحتياط، حتى في مثل المقام. و أما الصورة الثالثة:

فلا ينبغي التأمل في تعين محتمل الأعلمية للمرجعية للدوران بين التعيين و التخيير الذي يجب فيه عقلا الأخذ بمحتمل التعيين.

قد أشرنا سابقاً إلى أن جواز التقليد في الجملة لا بد أن يكون بغير التقليد، و إلا لزم الدور أو التسلسل، فاذاً لا بد أن يستند جواز التقليد‌

40
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور ؛ ج‌1، ص : 40

مقبلا على الدنيا و طالبا لها مكبا عليها مجداً في تحصيلها،

ففي الخبر: «من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلدوه»

.- في الجملة- إلى الاجتهاد. و مستند هذا الاجتهاد بناء العقلاء عليه مع الغفلة عن احتمال الردع أو القطع بعدمه و لو بالإضافة إلى شخص معين بخصوصه، لاجتماع جميع ما يحتمل اعتباره شرعا فيه، مثل كونه بالغاً، عاقلا، عادلا، حياً، أفضل .. الى غير ذلك. فهذا البناء المرتكز في نفس العامي هو المسوغ له الرجوع الى غيره في الخصوصيات المعتبرة في المفتي، فإذا رجع الى غيره أفتى له بما يقتضيه نظره الحاصل له من مراجعة الأدلة المستفاد منها شرائط التقليد، و يكون عمله حينئذ على ما تقتضيه فتواه عموماً أو خصوصاً. و هذا و لأجل أن من أدلة جواز التقليد بناء العقلاء عليه في الجملة، فهذا البناء محكم مهما تحقق في مورد من الموارد و العمل عليه متعين، إلا مع ثبوت الردع عنه.

و حينئذ نقول: لا ينبغي التأمل في عدم الفرق في بناء العقلاء بين البالغ و غيره إذا كان غير البالغ قد حاز مراتب الفضل حتى صار كالبالغ، فاعتبار البلوغ في المفتي لا بد أن يكون بدليل شرعي يكون رادعاً عن إطلاق بناء العقلاء، و ليس هو إلا الإجماع إن تمَّ. و مجرد كونه محجوراً عن التصرف و مرفوعا عنه القلم، و مولى عليه و عمده خطأ، و نحو ذلك. لا يصلح رادعاً لأنه لا يوجب إلا الاستبعاد المحض كيف؟! و ربما كان غير البالغ حائزاً مرتبة النبوة أو الإمامة، فكيف لا يصلح أن يجوز منصب الفتوى؟! اللهم إلا أن يقوم الدليل على كون منصب الفتوى مختصاً بالمعصوم و بمن يجعله له، فالشك في الجعل كاف في المنع. لكنه خلاف إطلاق الأدلة، و لا سيما بناء العقلاء.

41
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور ؛ ج‌1، ص : 40

.....

و أما اعتبار العقل: فأمره ظاهر عند العقلاء، فضلا عن المتشرعة، فقد قيل: إنه مما أجمع عليه الخلف و السلف. نعم المجنون الأدواري في حال إفاقته لا مانع عند العقلاء من الرجوع اليه، و حكي القول به عن بعض متأخري المتأخرين كصاحبي المفاتيح و الإشارات، و لا بأس به إن لم ينعقد الإجماع على خلافه. لعموم الأدلة أيضاً.

و أما اعتبار الايمان: فغير ظاهر عند العقلاء. نعم حكي عليه إجماع السلف الصالح و الخلف. و هو العمدة فيه، دون مثل‌

قول أبي الحسن (ع) فيما كتبه لعلي بن سويد: «لا تأخذن معالم دينك عن غير شيعتنا، فإنك إن تعديتهم أخذت دينك عن الخائنين الذين خانوا اللّه و رسوله (ص) و خانوا أماناتهم، إنهم ائتمنوا على كتاب اللّه فحرفوه و بدلوه ..» «1»

و‌

قول أبي الحسن الثالث (ع) فيما كتبه لأحمد بن حاتم بن ماهويه و أخيه: «فاصمدا في دينكما على كل مسنّ في حبنا، و كل كثير القدم في أمرنا، فإنهما كافوكما إن شاء اللّه». «2»

إذ الظاهر من الأول كون المانع عدم الايتمان لا مجرد اعتقاد الخلاف. مع أن منصرفه القضاة الذين كانوا يعتمدون على القياس و نحوه من الحجج الظنية في مقابل فتوى المعصومين (ع) و ليس مثلهم محل الكلام. و الثاني محمول على الاستحباب للإجماع القطعي على خلاف ظاهره.

و أما اعتبار العدالة: فهو كسابقه عند العقلاء. لكنه المعروف بين الأصحاب بل هو إجماع كما قيل. و هو العمدة- لو تمَّ- دون مثل آية النبإ إذ هي في الخبر لا في الفتوى. مع أن مقتضى الجمع بينها و بين ما دل على اعتبار الوثوق و كفايته في حجية الخبر، حمل التبين فيها على الوثوق. و كذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 43.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 46.

42
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور ؛ ج‌1، ص : 40

.....

خبر الاحتجاج المروي عن تفسير العسكري (ع) «1» الآتي ذكره، «2» فإنه- مع ضعفه في نفسه- ظاهر في اعتبار الامانة و الوثوق، كما يظهر من ملاحظته بتمامه. مع أن مورده أصول الدين التي لا يجوز فيها التقليد و لا يقبل فيها الخبر تعبداً، فلا بد من حمله على غير التقليد الذي هو محل الكلام.

و كأنه لأجل ذلك و نحوه جوز بعض تقليد الفاسق المأمون عملا بإطلاق الأدلة و ان كان هو مما لا ينبغي، لأنه خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب، و مخالف للمرتكز في أذهان المتشرعة، بل المرتكز عندهم قدح المعصية في هذا المنصب على نحو لا تجدي عندهم التوبة و الندم، فالعدالة المعتبرة عندهم مرتبة عالية لا تزاحم و لا تغلب. و الانصاف أنه يصعب جداً بقاء العدالة للمرجع العام في الفتوى- كما يتفق ذلك في كل عصر لواحد أو جماعة- إذا لم تكن مرتبة قوية عالية ذات مراقبة و محاسبة، فإن ذلك مزلة الاقدام و مخطرة الرجال العظام. و منه سبحانه نستمد الاعتصام.

و أما اعتبار الرجولة: فهو أيضاً كسابقه عند العقلاء. و ليس عليه دليل ظاهر غير دعوى انصراف إطلاقات الأدلة الى الرجل و اختصاص بعضها به. لكن لو سلم فليس بحيث يصلح رادعا عن بناء العقلاء. و كأنه لذلك أفتى بعض المحققين بجواز تقليد الأنثى و الخنثى.

و أما اعتبار الحرية: فهو المحكي عن جماعة- منهم ثاني الشهيدين- بل قيل: انه مشهور. لكن مقتضى بناء العقلاء و غيره من المطلقات عدمه.

و بعض الاستحسانات المقتضية لاعتبارها، مثل كونه مملوكا لا يقدر على شي‌ء و كونه مولى عليه، لا تصلح للاعتماد عليها في الردع و تقييد المطلق.

و أما كونه مجتهداً مطلقاً: فاعتباره هو المعروف المدعى عليه الوفاق‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب صفات القاضي حديث: 20.

(2) في كلام الماتن في هذه المسألة.

43
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور ؛ ج‌1، ص : 40

.....

أو الإجماع فلا يصح تقليد المتجزئ. لكنه غير ظاهر الدليل. لعموم بناء العقلاء له. و كذا‌

مشهورة أبي خديجة عن الصادق (ع): «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً الى أهل الجور، و لكن انظروا الى رجل منكم يعلم شيئاً من قضائنا (قضايانا خ ل) فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً فتحاكموا اليه» «1».

و سندها لا يخلو من اعتبار. و كونها في القضاء لا يمنع من الاستدلال بها في المقام، لأن منصب القضاء منصب للفتوى و لا عكس، فما دل على عدم اعتبار شي‌ء في القاضي يدل على عدم اعتباره في المفتي.

و دعوى: أن ما يعلم من المعصوم ليس من الاجتهاد، و لم يكونوا يحتاجون في تلك الأزمنة إلى الاجتهاد. كما ترى! و لا سيما و ان ذلك يمنع من التمسك بالنصوص على نفوذ القضاء، لاشتراك الجميع في الاشكال المذكور.

و مثلها في الاشكال دعوى معارضتها‌

بمقبولة عمر بن حنظلة: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث

.. (الى أن قال):

قال (ع) ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً ..» «2».

لظهور قوله (ع):

«حلالنا و حرامنا .. و أحكامنا»

في العموم. وجه الاشكال: أن قوله (ع):

«روى حديثنا»

ليس المراد منه كل حديث لهم (ع) فان ذلك مقطوع بخلافه، لتعذر ذلك، و لا سيما في زمان صدور الرواية، فيمتنع أخذه شرطاً في القضاء، فيتعين أن يكون المراد أحاديثهم عليهم السلام في الجملة، فيكون المراد من قوله (ع):

«و نظر في حلالنا و حرامنا»

أنه نظر في الحلال و الحرام اللذين تضمنتهما الأحاديث التي رواها، لا عموم الحلال و الحرام، و كذلك المراد من أحكامهم (ع)

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 1 و قد تقدم قسم منه في مسألة: 12.

44
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 22): يشترط في المجتهد أمور ؛ ج‌1، ص : 40

.....

يعني: الاحكام التي عرفها بعد النظر في الحلال و الحرام اللذين تضمنتهما الأحاديث، فيتعين أن يكون المراد بعض الاحكام لا جميعها. مضافا الى الإجماع على عدم اعتبار رواية جميع أحاديثهم و لا النظر في جميع حلالهم و حرامهم، حتى من القائلين باعتبار الاجتهاد المطلق لاجتزائهم بالنظر في الجملة. فيتعين حمل الحديث و الحلال و الحرام على الجنس الصادق على البعض و هكذا الحال في معرفة أحكامهم. و حمل المعرفة على الملكة- كما يدعيه القائلون باعتبار الاجتهاد المطلق- مع أنه خلاف ظاهر المعرفة- تفكيك بين فقرات الرواية، يأباه سياقها. فلاحظ و تأمل. و لو أغمضنا النظر عن ذلك كله فلا أقل من عدم صلاحية المقبولة لمعارضة رواية أبي خديجة، لإمكان حملها على ما لا ينافيها عرفا، فيتعين في مقام الجمع العرفي بينهما، و يكون العمل على ظاهر رواية أبي خديجة بلا مانع.

نعم لو فرض ملازمة الأفضلية للاجتهاد المطلق تعين تقليد المجتهد المطلق عند الدوران بينه و بين المتجزئ. لكن الفرض المذكور غير ظاهر مع أن الكلام في الشرطية مطلق و لو مع عدم وجود المجتهد المطلق.

هذا كله بناء على إمكان التجزي في الاجتهاد- كما لعله المشهور و المنصور- لاختلاف مراتب الملكة قوة و ضعفاً، كاختلاف المسائل وضوحا و خفاء. أما بناء على امتناعه فلا ثمرة عملية للنزاع المذكور.

و أما اعتبار الحياة: فقد تقدم الكلام فيه، و أن العمدة فيه الإجماع المفقود في الاستمراري منه على ما عرفت.

و أما اعتبار الأعلمية: فقد تقدم الكلام فيه أيضاً و أنه الذي يقتضيه الأصل و بناء العقلاء.

و أما طهارة المولد: فهي داخلة في الايمان بناء على كفر المتولد من الزنا، أما بناء على خلافه فلا دليل على اعتبارها غير الأصل المحكوم ببناء‌

45
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

[ (مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات]

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات (1).

العقلاء. نعم عن الروضة دعوى الإجماع عليه. و عليه فهو المعتمد.

و أما اعتبار أن لا يكون مقبلا على الدنيا: فإن أريد من الإقبال على الدنيا ما ينافي العدالة أغنى عن اعتباره اعتبارها، و ان أريد غير ذلك فدليله غير ظاهر. و لذا لم أقف على من ذكره بخصوصه. و أما الخبر الذي ذكره المصنف «1» فقد عرفت أنه المروي عن تفسير العسكري (ع)، و قد ذكره شيخنا الأعظم (ره) في أدلة حجية الخبر. و قد عرفت الإشكال في سنده، و في كونه فيما نحن فيه من التقليد في الفروع. و في دلالته على أكثر من اعتبار الامانة و الوثوق، كما يظهر ذلك من ملاحظة مجموع الفقرات، و ان كان الجمود على الفقرة الأخيرة يقتضي ظهوره في اعتبار العدالة. فلاحظ و تأمل. و اللّه سبحانه هو الموفق.

كما نسب الى المشهور بين المتأخرين، بل الى المشهور مطلقاً، بل الى العلماء، أو الفقهاء، أو المخالف و المؤالف. و عن ظاهر الحلي و غيره:

أنها مجرد ترك المعاصي، أو خصوص الكبائر. و عن ظاهر المقنعة و غيرها:

أنها الاجتناب عن المعاصي عن ملكة. و مقتضى الجمود على عبارة الأول أنه بحسب المورد أعم من وجه من الثاني، و أعم مطلقاً من الثالث. إلا أن الاتفاق ظاهراً على ثبوت الفسق بارتكاب الكبيرة يقتضي أن يكون المراد من الأول الملكة الباعثة فعلا على الطاعات و ترك المعاصي، فيكون أخص مورداً من الثاني و مساوياً للثالث. و هناك أقوال أخر- على تقدير ثبوتها- نادرة تأتي الإشارة إلى بعضها.

و كيف كان فقد استدل على الأول‌

بصحيح عبد اللّه بن أبي يعفور

______________________________
(1) تقدمت الإشارة إلى مصدره قريباً.

46
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

«قلت لأبي عبد اللّه (ع): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم و عليهم؟ فقال (ع): أن تعرفوه بالستر و العفاف، و كف البطن و الفرج و اليد و اللسان، و يعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه تعالى عليها النار من شرب الخمر و الزنا و الربا و عقوق الوالدين و الفرار من الزحف و غير ذلك. و الدلالة على ذلك كله أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته و عيوبه ..» «1».

و تقريب الاستدلال به: أن ظاهر السؤال فيه و ان كان السؤال عن الطريق إلى العدالة بعد معرفة مفهومها، لكن يتعين حمله على السؤال عن مفهومها بقرينة ما في الجواب، فان الستر و العفاف المذكورين فيه من سنخ الملكات، و كف البطن و ما بعده من سنخ الافعال، فلو كان ذلك طريقاً إلى العدالة لزم كونها أمراً آخر وراء ما ذكر، و هو مما لم يقل به أحد، و لا يمكن الالتزام به، فيتعين لذلك حمل السؤال على السؤال عن مفهومها، لجهل السائل به الموجب للجهل بوجودها. و يشهد لذلك أيضاً قوله (ع):

«و الدلالة على ..»

فإنه كالصريح في كونه وارداً لبيان الطريق. فان كان المراد منه بيان الطريق إلى العدالة، فحمل الأول على بيان الطريق أيضاً يلزم منه أن يكون المقصود جعل طريقين إلى العدالة، و لأجل أن الأول أخص يكون لغواً. و ان كان المراد منه الطريق إلى الأول فيكون طريقاً الى الطريق فهو- مع بعده في نفسه- ينافيه قوله (ع) بعده:

«و يجب عليهم تزكيته و إظهار عدالته»

فإنه ظاهر في كونه طريقاً إلى العدالة لا طريقا الى الطريق إليها. و يناسب ما ذكرنا جداً اختلاف التعبير، فإنه عبر في الصدر بالمعرفة المشاكلة للتعبير في السؤال و في الذيل بالدلالة المخالفة له، فيدل ذلك كله على أن المعرفة في السؤال و في الصدر بمعنى معرفة المفهوم، و ان الدلالة في الذيل بمعنى معرفة وجود‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 1.

47
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

المفهوم. و بذلك تعرف أن قوله (ع):

«و يعرف باجتناب ..»

متمم للتعريف الأول، لا طريق اليه. و لا سيما بملاحظة ما بينهما من الاشتراك، فان كف البطن .. راجع الى اجتناب جملة من الكبائر. و لأجل ذلك أيضا يمتنع أن يكون طريقاً إلى العدالة لو حمل الأول على بيان المفهوم.

و المتحصل مما ذكرنا: أن الرواية الشريفة صدر الجواب فيها ظاهر في بيان مفهوم العدالة، و ما بعده ظاهر في بيان الطريق الى المصداق، فان حمل السؤال على السؤال عن المفهوم- بقرينة صدر الجواب، لما بينه و بين السؤال من المشاكلة في التعبير- كان بيان الطريق في الذيل تفضلا من الامام (ع)، و إن حمل على السؤال عن الطريق الى المصداق كان ما في الصدر من بيان المفهوم تفضلا أو تمهيداً للجواب.

و من ذلك يظهر ضعف ما تقدم عن الحلي و غيره، بل صريح الكفاية أنه الأشهر، قال (ره): «و الأقرب الأشهر في معنى العدالة أن لا يكون مرتكباً للكبائر و لا مصراً على الصغائر»، و نحوه في النسبة إلى الأشهر ما في البحار و مال اليه شيخنا الأعظم (ره) في صلاة الجماعة، عملا بظاهر السؤال في كونه سؤالا عن الطريق إلى العدالة، فيكون الستر و العفاف المذكوران في الجواب طريقاً إليها لا نفسها. و لا ينافيه قوله (ع) في الجواب:

«و يعرف باجتناب ..»

لأن المراد به الاجتناب الظاهر للناس عند معاشرته، فيختص بالمعاصي الظاهرة مثل قتل المسلم، و إهانة المؤمنين و شتمهم و نحو ذلك، فيكون المقصود جعل الاجتناب عن هذه المعاصي طريقاً الى الاجتناب عن جميع المعاصي حتى الخفية، مثل الإفطار في الخلوات و نكاح الحائض و السرقة عند الفرصة و بغض المؤمنين.

و توضيح الاشكال عليه: أن كف البطن و ما عطف عليه راجع الى الاجتناب عن جملة من الكبائر، فإذا كان الستر و العفاف طريقاً إلى العدالة‌

48
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

تعين أن يكون اجتناب المعاصي كذلك، فكيف يمكن أن تكون نفس الاجتناب؟! مضافاً الى أن حمل الاجتناب في قوله (ع):

«و يعرف باجتناب ..»

على الاجتناب الظاهر للناس عند المعاشرة خلاف الظاهر، و خلاف ظاهر الكبائر في العموم للكبائر الخفية. مع أنه يلزم رجوعه الى قوله (ع):

«و الدلالة على ..»

لأن المراد منه الاجتناب في الظاهر و ظاهر الرواية مخالفته له، فان الدال غير المدلول عليه، و جعل المدلول عليه نفس العدالة لا الاجتناب- فيكون الطريق إلى العدالة كلا من الأمرين- خلاف الظاهر جداً. مع أنه يلزم منه لغوية الثاني لكونه أخص.

نعم يبقى الإشكال في الرواية من جهة الاقتصار فيها على الستر و العفاف و عدم التعرض فيها لبقية الملكات الباعثة على التقوى. و من جهة عدم التعرض فيها لفعل الواجبات. لكن لا يبعد- و لو بقرينة النصوص الأخر التي تشير الى بعضها- أن يكون المراد من الستر الاستحياء من فعل المعصية مطلقاً، و من العفاف التعفف عن عامة المعاصي. كما أنه لا يبعد أن يكون ترك ذكر الواجبات لأن ترك الواجبات من الكبائر، كما في صحيح عبد العظيم (ره) «1» فيكون قد اكتفى عنه بذكر الكبائر. مع أن الإجماع على اعتبارها، و ما يظهر من مثل رواية علقمة «2» الآتية، بل من ذيل الصحيح المذكور- فتأمل- كاف في إثبات اعتبارها فيها.

و مثل الصحيح المذكور‌

موثقة ابن أبي يعفور عن أخيه عن أبي جعفر (ع): «تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كن مستورات من أهل البيوتات معروفات بالستر و العفاف مطيعات للأزواج تاركات البذاء و التبرج

______________________________
(1) الوسائل باب: 46 من أبواب جهاد النفس حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 13.

49
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

الى الرجال في أنديتهم» «1».

و يعضدهما في الدلالة على اعتبار الملكة كثير من النصوص، مثل ما دل على قبول شهادة الرجل لولده أو والده أو امرأته إذا كان خيراً «2»، و ما دل على قبول شهادة المكاري و الجمال و الملاح إذا كانوا صلحاء «3»، و ما دل على قبول شهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً «4»، و‌

ما ورد في تفسير قوله تعالى (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدٰاءِ):

أنه ممن ترضون دينه و أمانته و صلاحه و عفته «5»

.. الى غير ذلك.

و حمل هذه النصوص على كون الملكات المذكورة ملازمة لموضوع الحكم لا نفسه، خلاف الظاهر و لا موجب له.

و من ذلك كله يظهر لك أيضاً ضعف القول بكونها حسن الظاهر- كما نسب إلى جماعة- أو الإسلام مع عدم ظهور الفسق، كما عن ابن الجنيد و كتاب الاشراف للمفيد، و ان استدل لذلك‌

بصحيح حريز: «إذا كان أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشهادة الزور أجيزت شهادتهم جميعاً» «6»

و ما‌

في صحيح ابن المغيرة: «كل من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته» «7»

، و نحوه ما في غيره، و‌

مرسل يونس: «إذا كان ظاهره ظاهراً مأمونا جازت شهادته، و لا يسأل عن باطنه» «8»

، و ما‌

في رواية علقمة: «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 19.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 34 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 29 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 22.

(6) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 17.

(7) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 5.

(8) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 3.

50
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة و ان كان في نفسه مذنباً» «1»

.. الى غير ذلك. فإنه مع إمكان المناقشة في دلالة بعضها يتعين حملها- بعد تقييد بعضها ببعض- على كون حسن الظاهر طريقاً إلى العدالة شرعياً، جمعاً بينها و بين ما تقدم. كما يشهد به أيضاً ما‌

في رواية أحمد بن عامر الطائي قال رسول اللّه (ص) «من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته و ظهرت عدالته» «2»

و نحوها رواية ابن سنان «3»، فهذه النصوص واردة في مقام الإثبات لا في مقام الثبوت. فلاحظ و تأمل.

و اللّه سبحانه ولي التوفيق و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

ثمَّ إن ملكة العدالة من الستر و العفاف و الصلاح و نحوها مما ذكر في النصوص ذات مراتب متفاوتة جداً تفاوت سائر الملكات بالقوة و الضعف، يكفي في ثبوتها أدنى مراتبها، و لا ينافي وجودها ارتكاب المعصية و لو كانت كبيرة لجواز غلبة المزاحم من قوتي الشهوة و الغضب عليها، كما لا ينافي وجود سائر الملكات- كملكتي الشجاعة و الكرم- تخلف مقتضاها أحياناً، و لذا قيل: «إن الجواد قد يكبو و السيف قد ينبو». و ليس المراد منها خصوص المرتبة العالية التي لا يتخلف مقتضاها، و لا يغلبها المزاحم. فان ذلك خلاف إطلاق الأدلة، و يستوجب ندرة وجودها جداً بل يمتنع إحراز وجود هذه المرتبة في أكثر الأعصار، فيلزم منه تعطيل الاحكام و اختلال النظام، و لذا‌

قال الصادق (ع) في رواية علقمة:

«لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادة الأنبياء و الأوصياء (ع)

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 15.

51
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

لأنهم المعصومون دون سائر الخلق» «1».

و قد ورد في جملة من النصوص قبول شهادة المحدود بعد توبته «2»، و جملة منها واردة في خصوص القاذف بعد التوبة «3». و بالجملة: عدم اعتبار المرتبة العالية في ترتب أحكام العدالة مما لا ريب فيه إجماعا و نصاً و سيرة.

نعم لا يكفي أقل مراتب وجودها إذا كان بنحو لا يصدق الستر، و العفاف و الصلاح، و نحو ذلك من العناوين المذكورة في النصوص التي تقدم بعضها. لظهور النصوص المذكورة في اعتبار الأوصاف المذكورة في العدالة مفهوما- كما عرفت- بحيث لا تصدق مع فقدها و ان كان للمكلف حالة تبعثه على فعل الطاعة، كما هو الحال في كثير من الفساق، فان التدين بالدين الإسلامي. و اعتقاد المعاد، و الثواب، و العقاب، و الجزاء على الأعمال- إن خيراً فخير و ان شراً فشر- يستوجب حدوث حالة مقتضية لفعل الطاعات، و الانزجار عن المعاصي، لكنها فيهم مغلوبة للقوى المزاحمة، فكلما عرضت لهم المعصية وقعوا فيها، لقوة الشهوة أو الغضب فيهم على نحو تغلب تلك الحال الخاصة المقتضية للطاعة، و مع سكون القوة المزاحمة من الشهوة و الغضب يحصل لهم حالة الندم مع الالتفات الى تقصيرهم.

لكن لما كان ذلك غالبياً لهم لا يصدق في حقهم الستر و العفاف و الصلاح و نحو ذلك، بل يصدق خلافها.

نعم لو كان ذلك- أعني الوقوع في المعصية- نادراً لقلة الابتلاء، أو لقصور الفاعل عن الفعل الحرام، أو لضعف الشهوة المزاحمة- لمرض أو هرم أو تشويش بال أو نحو ذلك- كفى ذلك في صدق الستر و نحوه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب كتاب الشهادات حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 37 من كتاب الشهادات.

(3) الوسائل باب: 36 من كتاب الشهادات.

52
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

عرفا، و تحققت العدالة، و جاز ترتيب أحكامها، كما يوجد في كثير من النساء و الفقراء، فان سترهم و عفافهم لا يكون لقوة الملكة الباعثة على التقوى، بل لفقد المزاحم. و من ذلك تعرف أن العدالة في الملوك و نحوهم من أهل الحول و الطول إنما تكون- غالباً- لقوة الحال الباعثة، و في غيرهم من الضعفاء قد تكون لذلك، و قد تكون لعدم المزاحم للحال الباعثة على التقوى مع كونها ضعيفة جداً.

و المتحصل مما ذكرنا أمور: (الأول): اعتبار الملكة في العدالة.

(الثاني): عدم اعتبار كونها بمرتبة لا يغلبها المزاحم بنحو يستوجب العصمة. (الثالث): أنه لا يكفي أدنى مراتبها إذا كان بنحو لا يصدق الستر و الصلاح. (الرابع): أن من لوازم الملكة المذكورة حصول الندم بعد فعل المعصية و الالتفات الى ذلك، و ان كانت الملكة بمرتبة دانية ضعيفة جداً، فاذا لم يحصل الندم بعد الالتفات الى فعل المعصية كشف ذلك عن عدم الملكة كما يتفق ذلك نادراً من بعض الفساق المتمردين.

هذا و المراد باجتناب المعاصي المعتبر في العدالة نصاً و إجماعاً- كما عرفت- أن لا يكون مطالباً بالمعصية حال الابتلاء ببعض آثار العدالة و أحكامها- كالايتمام و الشهادة و الولاية و غيرها- اما بأن لا يكون عاصياً أصلا، أو يكون عاصياً فيتوب. للإجماع و النصوص على عدم جواز ترتيب آثار العدالة على العصاة قبل التوبة و جواز ترتيبها بعدها «1». و يشهد به أيضاً قوله تعالى (وَ لٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَ أُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا) «2» و بمضمونها جملة من النصوص أشرنا إلى بعضها آنفاً،

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة، و من باب: 30 الى: 37، و باب: 41 من كتاب الشهادات.

(2) النور: 4- 5.

53
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

و تعرف بحسن الظاهر الكاشف (1) عنها علماً أو ظناً، و تثبت بشهادة العدلين و بالشياع المفيد للعلم.

و هي مذكورة في بعض أبواب شهادات الوسائل فراجعها. مضافا الى ما دل على قبول التوبة، و أنها ماحية للذنوب، من الآيات «1» و الروايات «2».

فلاحظ و تأمل.

هذا و في المقام مباحث شريفة، منها البحث عن اعتبار الاجتناب عن منافيات المروءة في العدالة، و البحث عن انقسام المعصية إلى كبيرة و صغيرة، و الميزان الفارق بينهما، و طريق إثبات كون المعصية كبيرة، و غير ذلك.

تركنا التعرض لها اعتماداً على التعرض لها عند تعرض المصنف (ره) في شرائط الإمام من مباحث صلاة الجماعة. و اللّه سبحانه ولي التوفيق.

اعلم أن الطريق إلى إثبات العدالة أمور:

الأول: العلم الوجداني، سواء أحصل من حسن الظاهر، أم من الشياع، أم من غيرهما. و لا إشكال في كونه طريقاً إليها، لكونه حجة بالذات في نظر العقل، كما هو محرر في محله.

الثاني: البينة بلا إشكال ظاهر، و هو واضح بناء على عموم حجيتها، كما سيأتي تقريبه في مباحث المياه «3» إن شاء اللّه. أما بناء على عدمه فقد تستفاد حجيتها في المقام- مما في ذيل صحيح ابن أبي يعفور المتقدم «4» من‌

قوله (ع): «فإذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا ما رأينا منه إلا

______________________________
(1) و هي كثيرة يسهل الاطلاع عليها بالاستعانة بمعاجم الآيات.

(2) الوسائل باب: 47، 82، 83، 85، 86، 89، 92 من أبواب جهاد النفس و يوجد في أبواب أخر أيضاً.

(3) في مسألة: 6 من الفصل المتعرض لأحكام البشر.

(4) راجع أوائل شرح المسألة السابقة.

54
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

خيراً»

بضميمة الإجماع على عدم اعتبار أكثر من البينة، و مما‌

في خبر جابر عن أبي جعفر (ع): «شهادة القابلة جائزة على أنه استهل أو برز ميتاً إذا سئل عنها فعدلت» «1»

، و ما‌

في رواية علقمة «فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر» «2»

- بالفحوى، أو بضميمة عدم الفصل بين الفسق و العدالة. هذا و في اعتبار حصول الوثوق بصدقها، أو الظن به، أو عدم الظن بالخلاف، أو عدم اعتبار شي‌ء من ذلك، وجوه مبنية على ثبوت إطلاق يعتمد عليه في إثبات الحجية و عدم انصرافه إلى شي‌ء من ذلك، و عدمه. و الظاهر عدم الفرق بين الشهادة الفعلية و القولية.

الثالث: حسن الظاهر. و يشهد له كثير من النصوص المتقدم بعضها «3» مثل ما في صحيح ابن أبي يعفور من‌

قوله (ع): «و الدلالة على ذلك ..»

و ما في رواية علقمة، و ما في رواية أحمد بن عامر الطائي و ما في رواية ابن سنان، و غيرها. و مقتضى إطلاقها حجية حسن الظاهر و ان لم يفد الظن بل و ان كان الظن على خلافه. لكن يجب تقييدها بما‌

في مرسل يونس من قول الصادق (ع): «فاذا كان ظاهر الرجل ظاهراً مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه» «4»

. و إرساله لا يقدح بعد كون المرسل من أصحاب الإجماع، و رواية المشايخ الثلاثة- قدس سرهم- له في كتبهم بأسانيد مختلفة، و فيهم جماعة من الأعاظم، كأحمد بن محمد ابن عيسى، و علي بن إبراهيم و غيرهما، و اعتماد المشهور عليه في بعض‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من كتاب الشهادات حديث: 39.

(2) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 13.

(3) في شرح المسألة السابقة.

(4) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 3.

55
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 23): العدالة عبارة عن ملكة إتيان الواجبات و ترك المحرمات ؛ ج‌1، ص : 46

.....

مضمونه، فان مجموع ذلك مما يستوجب الوثوق المدخل له تحت دليل الحجية. و أما التقييد بالظن- كما في المتن- فليس عليه دليل ظاهر.

و أما‌

خبر إبراهيم الكرخي «من صلى خمس صلوات في اليوم و الليلة في جماعة فظنوا به خيراً و أجيزوا شهادته» «1».

فالأمر فيه بالظن و ان كان ظاهراً في لزوم ترتيب أثر الظن، لكنه لا يقتضي تقييد حجية الظاهر بالظن، و إنما يدل على حجية الظاهر كالظن، فهو بإطلاقه من أدلة حجية الظاهر مطلقاً كالظن، و لا يصلح لتقييد حجيته بالظن. و لا يبعد أن يكون المراد من كونه مأموناً كونه موجباً للأمن فعلا، و الحمل على الأمن النوعي محتاج إلى قرينة مفقودة.

الرابع: الوثوق بها و ان لم يكن مستنداً الى ظاهر حسن. و قد يشهد له‌

رواية أبي علي بن راشد: «لا تصل إلى خلف من تثق بدينه» «2»

و نحوها رواية يزيد بن حماد «3». لكن مع أن المنصرف اليه من الدين الأصول لا الفروع، محمول على ذلك بقرينة السؤال. نعم‌

رواها الشيخ (قده) بزيادة «و أمانته»

و لا يجري فيها الاشكال المذكور. لكن التعدي عن الايتمام إلى سائر الاحكام لا يخلو من تأمل. و ان كان هو الأقرب، و لا سيما بملاحظة مرسل يونس المتقدم، فان الارتكاز العقلائي يناسب كون الوجه في الحجية هو الأمن لا الخصوصية في حسن الظاهر. فلاحظ.

و عن بعض: حجية مطلق الظن. و كأنه لرواية إبراهيم الكرخي.

و قريب منه‌

مرسل الفقيه: «من صلى الصلوات الخمس في جماعة فظنوا به كل خير» «4».

و فيه: أنه لو تمَّ حمل الظن على ما هو محل الكلام‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من كتاب الشهادات حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 12 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب صلاة الجماعة حديث: 6.

56
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 24): إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلد العدول الى غيره ؛ ج‌1، ص : 57

[ (مسألة 24): إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلد العدول الى غيره]

(مسألة 24): إذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط يجب على المقلد العدول الى غيره (1).

[ (مسألة 25): إذا قلد من لم يكن جامعاً و مضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلد أصلا]

(مسألة 25): إذا قلد من لم يكن جامعاً و مضى عليه برهة من الزمان كان كمن لم يقلد أصلا (2).

يتعين تقييده بخبر ابن راشد بل و مرسل يونس بالأولوية، فيحمل على الظن الاطمئناني.

و أما الشياع الموجب للعلم: فليس بحجة، و انما الحجة هو العلم لا غير كما تقدم في نظيره.

و المتحصل مما ذكر: أن طرق العدالة ثلاثة: العلم، و البينة، و الوثوق، سواء أحصل من حسن الظاهر أم من غيره. و منه تعرف الاشكال فيما ذكره المصنف (قده) عبارة و مؤدى. و اللّه سبحانه الهادي.

قال في الفصول: «و لو تسافل المجتهد عن الاجتهاد، أو صار مجنونا مطبقاً، ففي إلحاقه بالميت في الحكم السابق وجهان أظهرهما ذلك ..»‌

و لكن الذي يظهر من بعض أدلة وجوب العدول عن الميت: أن وجوب العدول هنا من المسلمات. و الذي تقتضيه القواعد ما ذكره في الفصول، و كذا في بقية موارد طروء فقد الشرائط، إذ أكثر ما تقدم في جواز البقاء على تقليد الميت جار بعينه هنا. نعم لا يطرد بعضه في المقام، و لكن ذلك لا يهم بعد اطراد غيره. فما لم ينعقد إجماع معتبر على وجوب العدول ينبغي الرجوع الى ما تقدم في مسألة جواز البقاء على تقليد الميت «1»، فإن المسألتين من باب واحد.

لبطلان التقليد بفقد شرطه.

______________________________
(1) راجع المسألة: 9.

57
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 26): إذا قلد من يحرم البقاء على تقليد الميت فمات ؛ ج‌1، ص : 58

فحاله حال الجاهل القاصر أو (1) المقصر.

[ (مسألة 26): إذا قلد من يحرّم البقاء على تقليد الميت فمات]

(مسألة 26): إذا قلد من يحرّم البقاء على تقليد الميت فمات، و قلد من يجوّز البقاء، له أن يبقى على تقليد الأول في جميع المسائل إلا مسألة حرمة البقاء (2).

[ (مسألة 27): يجب على المكلف العلم بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدماتها]

(مسألة 27): يجب على المكلف العلم بأجزاء العبادات و شرائطها و موانعها و مقدماتها (3)، و لو لم يعلمها لكن علم إجمالا أن عمله واجد لجميع الاجزاء و الشرائط و فاقد للموانع صح (4) و ان لم يعلمها تفصيلا.

[ (مسألة 28): يجب تعلم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذي هو محل الابتلاء غالباً]

(مسألة 28): يجب تعلم مسائل الشك و السهو بالمقدار الذي هو محل الابتلاء غالباً (5). نعم لو اطمأن من نفسه أنه لا يبتلي بالشك و السهو صح عمله (6) و ان لم يحصل العلم بأحكامهما.

حرف العطف للتقسيم لا للترديد.

كما تقدم في المسألة الخامسة عشرة.

هذا الوجوب عقلي أو فطري، لتوقف العلم بالفراغ عليه، و هو واجب عقلا أو فطرة، كما تقدم في أول الكتاب.

لحصول العلم بالفراغ و لو إجمالا، و هو كاف في نظر العقل.

نعم بناء على اعتبار التمييز في حصول الامتثال في العبادات وجب العلم التفصيلي بإجزاء العبادة و شرائطها و موانعها. لكن التحقيق عدم اعتبار ذلك في العبادية عند العقلاء. مع أن الشك كاف في عدم الاعتبار بناء على التحقيق من الرجوع إلى البراءة في مثله.

هذا الوجوب كسابقه.

و كذا لو لم يطمئن فاتفق عدم الابتلاء بها، أو ابتلي بها فعمل‌

58
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 29): كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات يجب في المستحبات، و المكروهات و المباحات ؛ ج‌1، ص : 59

[ (مسألة 29): كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات يجب في المستحبات، و المكروهات و المباحات]

(مسألة 29): كما يجب التقليد في الواجبات و المحرمات يجب في المستحبات، و المكروهات و المباحات (1). بل يجب تعلم حكم كل فعل يصدر منه سواء كان من العبادات أو المعاملات أو العاديات.

على أحد الاحتمالات فاتفق كونه مطابقاً للواقع أو للحجة. لما عرفت من الاجتزاء عقلا بالعمل المعلوم كونه مطابقاً للواقع أو قامت الحجة على ذلك.

و أما الاطمئنان بعدم الابتلاء فلا أثر له في الصحة، كما تقدم في المسألة السادسة عشرة. نعم له دخل في نفي العقاب، فلو احتمل الابتلاء فلما ابتلي بالواقعة احتمل التكليف بأحد الوجوه مثل حرمة قطع الفريضة، فإنه لو قطعها حينئذ كان آثماً في نظر العقل، لأنه مقدم على مخالفة التكليف المحتمل المنجز على تقدير ثبوته. نعم مع الاطمئنان بعدم الابتلاء لو اتفق الابتلاء فعمل على أحد الوجوه في موارد الدوران بين المحذورين كان معذوراً في نظر العقلاء، كما هو كذلك في سائر موارد الدوران بين المحذورين بعد الفحص و اليأس. فحكم العمل قبل الفحص مع الاطمئنان بعدم الابتلاء حكم العمل بعد الفحص و اليأس عن الدليل في عدم استحقاق العقاب.

لا يخفى أن الفتوى (تارة): تكون حجة للمكلف لا غير، كما لو كان مفادها حكما غير لزومي. كالإباحة أو الاستحباب أو الكراهة فإنها حينئذ تكون حجة للعبد على نفي الحكم اللزومي كالحرمة و الوجوب.

(و أخرى): تكون حجة عليه لا غير، كما لو كان مفادها حكما لزومياً مع عدم احتمال حكم لزومي على خلافه، كما لو كان مفادها وجوب فعل مع عدم احتمال الحرمة أو بالعكس. (و ثالثة): تكون حجة له و عليه كما لو كان مفادها حكما لزومياً مع احتمال حكم لزومي على خلافه، كما لو أفتي بالوجوب مع احتمال الحرمة، فإن الفتوى تكون للمولى حجة على‌

59
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 30): إذا علم أن الفعل الفلاني ليس حراما ؛ ج‌1، ص : 60

[ (مسألة 30): إذا علم أن الفعل الفلاني ليس حراما]

(مسألة 30): إذا علم أن الفعل الفلاني ليس حراما و لم يعلم أنه واجب أو مباح أو مستحب أو مكروه، يجوز له أن يأتي به لاحتمال كونه مطلوبا و برجاء الثواب (1). و إذا علم أنه ليس بواجب، و لم يعلم أنه حرام أو مكروه أو مباح، له أن يتركه لاحتمال كونه مبغوضاً.

الوجوب، و للعبد حجة على نفي الحرمة. و لو أفتى بالحرمة مع احتمال الوجوب كان الأمر بالعكس. و ربما لا تكون الفتوى حجة للمكلف و لا عليه، كما لو أفتى بالإباحة مع العلم بانتفاء الوجوب و الحرمة، فإن مثل هذه الفتوى لا يصح اعتبار الحجية لها لا للمولى و لا للعبد. هذا كله بلحاظ العمل، و أما بلحاظ التشريع فيصح اعتبار الحجية لها على أن تكون حجة للعبد في جواز اعتقاد الإباحة، إذ لولاها كان اعتقاد الإباحة تشريعاً محرما.

و حينئذ نقول: يجب التقليد في جميع الأحكام- إلزامية كانت أم غيرها- من حيث جواز الالتزام بها و نفي التشريع. و أما من حيث العمل فان لم تكن الفتوى حجة على العبد و لا له لم يجب التقليد، و ان كانت حجة له- سواء أ كانت حجة عليه أم لا- يجب التقليد، سواء ا كان هو الالتزام أم العمل، اعتماداً على الفتوى، لتوقف الأمن من العقاب عليه.

و ان كانت الفتوى حجة عليه لا غير لم يجب التقليد، إذ لا أثر له في الأمن من العقاب، لكون المفروض عدم كون الفتوى حجة له. و ان شئت قلت: إذا كان مفاد الفتوى مطابقاً للاحتياط المطلق لا يجب التقليد لأنه لغو. و ان كان مفادها مخالفا للاحتياط المطلق أو للاحتياط من وجه يجب التقليد. و ان لم يكن المورد من موارد الاحتياط لا يجب التقليد، لأنه لغو أيضا. فلاحظ و تأمل.

الحكم المذكور مبني على جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من‌

60
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 31): إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلد البقاء على رأيه الأول ؛ ج‌1، ص : 61

[ (مسألة 31): إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلد البقاء على رأيه الأول]

(مسألة 31): إذا تبدل رأي المجتهد لا يجوز للمقلد البقاء على رأيه الأول (1).

[ (مسألة 32): إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف و التردد يجب على المقلد الاحتياط]

(مسألة 32): إذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف و التردد يجب على المقلد الاحتياط أو العدول إلى الأعلم بعد ذلك المجتهد (2).

[ (مسألة 33): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلد تقليد أيهما شاء]

(مسألة 33): إذا كان هناك مجتهدان متساويان في العلم كان للمقلد تقليد أيهما شاء (3). و يجوز التبعيض في المسائل (4).

الامتثال التفصيلي، فلو بني على عدم جوازه تعين تقييد الجواز في العبارة بصورة عدم التمكن من الاجتهاد أو التقليد. هذا إذا كان المورد من العبادات- كما هو ظاهر العبارة- و إلا فلا حاجة إلى التقييد.

هذا ينبغي أن يكون من الواضحات، لاختصاص أدلة جواز رجوع الجاهل إلى العالم بصورة عدم اعترافه بخطإ الواقع.

هذا نظير ما سبق، لاعتراف المفتي بالخطإ في الاستناد و ان لم يعترف بخطإ الواقع لجهله بذلك.

إجماعا من القائلين بجواز التقليد، من دون فرق بين صورة الاتفاق في الفتوى و الاختلاف، و موافقة فتوى أحدهما للاحتياط المطلق دون الآخر و غيرها. نعم مع الاتفاق في الفتوى قد عرفت أنه يجوز تقليدهما معاً كما يجوز تقليد أحدهما بعينه «1».

قد عرفت أنه مع اختلاف المجتهدين في الفتوى تسقط إطلاقات أدلة الحجية عن المرجعية، و ينحصر المرجع بالإجماع، فمشروعية التبعيض تتوقف على عموم الإجماع على التخيير بينهما لصورة التبعيض. لكن لم‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 8.

61
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 34): إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم، ثم وجد أعلم من ذلك المجتهد ؛ ج‌1، ص : 62

و إذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك، فالأولى بل الأحوط اختياره (1).

[ (مسألة 34): إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم، ثمَّ وجد أعلم من ذلك المجتهد]

(مسألة 34): إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم، ثمَّ وجد أعلم من ذلك المجتهد، فالأحوط العدول الى ذلك الأعلم (2) و ان قال الأول بعدم جوازه.

يتضح عموم الإجماع و لم أقف عاجلا على من ادعاه، بل يظهر من بعض أدلة المانعين عن العدول في غير المسألة التي قد قلد فيها المنع عن التبعيض فراجع كلماتهم. و مثلها دعوى السيرة عليه في عصر المعصومين (ع).

فالتبعيض إذاً لا يخلو من إشكال. نعم بناء على كون التقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين لا مانع من التبعيض لإطلاق أدلة الحجية. إذ قد أشرنا في أوائل الشرح «1» الى أن اختلاف المجتهدين في الفتوى لا يوجب سقوط أدلة الحجية على هذا المبنى. فلاحظ.

لما عرفت آنفا «2» من نسبة القول بوجوب تقديم الأورع إلى جماعة، و أنه الذي تقتضيه أصالة التعيين عند الدوران بينه و بين التخيير في الحجية من دون ظهور دليل على خلافها. و بناء العقلاء على التخيير و عدم الترجيح بالأورعية غير ثابت، بل الظاهر عدم ثبوت بنائهم مع اختلاف الفتوى، كسائر إطلاقات أدلة الحجية، فإنها جميعاً لا تشمل صورة التعارض.

أقول: المسألة لها صورتان:

الاولى: أن يقلد أحد المجتهدين المتساوين في الفضل في المسائل الفرعية غير مسألة جواز العدول إلى الأعلم، ثمَّ بعد مدة يصير غيره أعلم منه، فاذا‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 8.

(2) راجع المسألة: 13.

62
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 34): إذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم، ثم وجد أعلم من ذلك المجتهد ؛ ج‌1، ص : 62

.....

التفت المقلد الى ذلك شك في جواز البقاء و حرمته، و حينئذ يمتنع أن يرجع في جواز البقاء الى المجتهد الذي قد قلده، للشك في حجية فتواه، فلا بد أن يرجع الى غيره. نظير ما لو مات المجتهد، فان الشك في حجية فتواه بعد الموت لا يرتفع بفتواه بجواز البقاء على تقليد الميت، فيتعين على المقلد بمقتضى حكم عقله الرجوع الى الحي. و كذا في مسألتنا يتعين عليه الرجوع الى الأعلم، و لا يلتفت الى فتوى من قلده مهما كانت و لو كانت حرمة العدول، لامتناع رجوعه إليه في ذلك بعد كون مناط الشك في الحجية موجوداً في مسألة جواز البقاء كسائر المسائل الفرعية. هذا حال المقلد في نفسه بملاحظة شكه. و أما حكمه بعد الرجوع إلى الأعلم في مسألة جواز البقاء و عدمه فهو وجوب العدول، لأن بناء العقلاء على وجوب الرجوع الى الأعلم لا فرق فيه بين الابتداء و الاستدامة، و كما يجب الرجوع إليه في الابتداء يجب العدول إليه في الاستدامة.

الصورة الثانية: أن يقلده في هذه المسألة بالخصوص ثمَّ يصير غيره أعلم فإن الرجوع إليه في هذه المسألة ممتنع، لأنه من إثبات حجية الفتوى بالفتوى نفسها، و لأجل ذلك كان عدم جواز رجوع المقلد اليه فيها أوضح من الصورة السابقة لاختلاف الموضوع فيها، لأن الرجوع إليه في المسألة الأصولية بلحاظ البقاء في المسألة الفرعية، و في هذه الصورة يكون الرجوع إليه في المسألة الأصولية بلحاظ البقاء فيها نفسها، فيتعين عليه الرجوع فيها الى غيره، و لا يلتفت الى فتوى مرجعه الأول أصلا، و حكمه بعد الرجوع الى الأعلم أيضاً وجوب العدول في المسائل الفرعية، و أما المسألة الأصولية- أعني: مسألة جواز البقاء و عدمه- فلا يمكن فيها البقاء و العدول لكون المفروض الرجوع فيها الى غيره، فلو كانت فتوى غيره الأعلم وجوب البقاء فالمراد البقاء في المسائل الفرعية لا المسألة الأصولية، كما هو‌

63
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 35) إذا قلد شخصا بتخيل أنه زيد فبان عمرا ؛ ج‌1، ص : 64

[ (مسألة 35) إذا قلد شخصاً بتخيل أنه زيد فبان عمراً]

(مسألة 35) إذا قلد شخصاً بتخيل أنه زيد فبان عمراً (1)، فان كانا متساويين في الفضيلة و لم يكن على وجه التقييد صح، و الا فمشكل (2).

واضح بالتأمل.

هذا و كأن تعبير المصنف (ره) بقوله: «فالأحوط العدول»، مبني على عدم جزمه بوجوب تقليد الأعلم و أنه أحوط كما تقدم. لكن قد يشكل:

بأن كونه أحوط يختص بالتقليد الابتدائي، و أما في مسألة العدول فليس العدول أحوط، لوجود القول بحرمة العدول، فالأحوط فيها الرجوع الى أحوط القولين اللهم إلا أن يختص كلامه بصورة كون قول المعدول إليه أحوط، فيرجع الى الأخذ بأحوط القولين. أو يختص بالصورة الأولى مع البناء على أن الرجوع في مسألة جواز العدول و البقاء من قبيل التقليد الابتدائي، لان تقليده الأول كان في غيرها من المسائل الفرعية. لكنهما معا خلاف ظاهر العبارة.

يشكل فرضه بناء على أن التقليد هو العمل و قد كان المجتهدان متفقين في الفتوى. نعم مع الاختلاف فيها، أو القول بأنه الالتزام، يكون الفرض ظاهراً.

بل الظاهر جريان حكم العمل بلا تقليد، لأن فوات القيد يستلزم فوات المقيد. (و دعوى): أن الشخص الذي قلده جزئي حقيقي، و الجزئي لا يقبل الإطلاق كي يقبل التقييد، فلا بد أن يرجع القيد إلى الداعي، و حينئذ لا يقدح تخلفه لأن الداعي إنما يؤثر بوجوده العلمي لا بوجوده الخارجي، و الوجود العلمي غير منتف، بل المنتفي إنما هو الوجود الخارجي. (مندفعة): بأن ذلك يتم بالإضافة إلى العوارض الطارئة على نفس الوجود الخارجي، أما ما كان طارئاً حقيقة على الصورة الذهنية- مثل الإرادة و الكراهة و الايتمام و التقليد‌

64
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 36): فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور ؛ ج‌1، ص : 65

[ (مسألة 36): فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور]

(مسألة 36): فتوى المجتهد تعلم بأحد أمور (الأول) أن يسمع منه شفاها (1). (الثاني): أن يخبر بها عدلان (2) (الثالث): إخبار عدل واحد (3). بل يكفي إخبار شخص موثق (4) يوجب قوله الاطمئنان و ان لم يكن عادلا (الرابع) الوجدان في رسالته، و لا بد أن تكون مأمونة من الغلط (5).

و البيع و الطلاق و نحوها- فلا مانع من تقييد تلك الصورة في مقام الموضوعية لهذه الطوارئ، فالموضوع الخارجي إذا كان فاقداً لقيد الصورة لا يصح أن يكون موضوعا للطارئ و لو بالعناية و المجاز، فالشخص الذي لم يكن زيداً في فرض المسألة غير مقلد، لأن التقليد إنما طرأ على المقيد بزيد، و كذا الحال في غيره. فان كان من يقلده بعد الالتفات هو الذي قلده أولا- لكونه أعلم، أو مساويا و قد اختاره- صح العمل، و ان كان قد قلد غيره- إما لكونه أعلم أو مساويا فاختاره- تعين العمل على طبق فتواه من حيث صحة العمل الأول و فساده.

فيأخذ و لو بظاهر كلامه، الذي هو حجة بلا إشكال.

بناء على ثبوت عموم يقتضي حجية البينة بنحو يشمل المقام، كما ادعاه شيخنا الأعظم (ره) في رسالة الجماعة و نسب الى المشهور في كلام غير واحد. و يأتي- إن شاء اللّه- في مبحث المياه «1» تقريبه.

لا يخفى ما في المقابلة بينه و بين البينة.

بناء على عموم حجية خبر الثقة في الأحكام الكلية لمثل المقام، من جهة دلالة الخبر عن الفتوى بالالتزام على ثبوت الحكم الكلي، كما أشرنا الى ذلك في المسألة العشرين.

بل يكفي أن تكون مورداً لأصالة عدم الخطأ المعول عليها عند‌

______________________________
(1) في المسألة: 6 من الفصل المتعرض لأحكام البئر.

65
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 37): إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى ثم التفت وجب عليه العدول ؛ ج‌1، ص : 66

[ (مسألة 37): إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى ثمَّ التفت وجب عليه العدول]

(مسألة 37): إذا قلد من ليس له أهلية الفتوى ثمَّ التفت وجب عليه العدول (1). و حال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل غير المقلد. و كذا إذا قلد غير الأعلم وجب على الأحوط (2) العدول إلى الأعلم. و إذا قلد الأعلم ثمَّ صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول الى الثاني، على الأحوط.

[ (مسألة 38): ان كان الأعلم منحصراً في شخصين و لم يمكن التعيين]

(مسألة 38): ان كان الأعلم منحصراً في شخصين و لم يمكن التعيين، فإن أمكن الاحتياط بين القولين فهو الأحوط (3)، و الا كان مخيراً بينهما.

العقلاء و الظاهر أنه يكفي في جريانها عدم الظن بالغلط الناشئ من كثرته.

هذا إذا كانت الرسالة بخط المجتهد، أما لو كانت بغير خطه اعتبر أن يكون الكاتب ثقة لأن الكتابة نوع من الخبر عن الفتوى.

بل هو في الحقيقة تقليد ابتدائي لا عدول. و كذا الحال فيما بعده.

قد عرفت سابقا أنه الأقوى. و كذا ما بعده. مضافا الى ما عرفت في المسألة الرابعة و الثلاثين من أن كون العدول في الفرض أحوط غير ظاهر، لوجود القول بحرمة العدول حتى إلى الأعلم.

تقدم التعرض لهذا في المسألة الحادية و العشرين، و ذكرنا هناك أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم وجوب الاحتياط على العامي، من دون فرق بين أن يتردد الأعلم بين اثنين أو عشرة- مثلا- و بين غيره من الفروض. و لا تبعد دعوى السيرة أيضاً على ذلك، لندرة تساوي المجتهدين، و غلبة حصول التفاوت بينهم و لو يسيرا، و شيوع الجهل بالأفضل و فقد أهل الخبرة في أكثر البلاد. و كون بنائهم على الاحتياط في مثل ذلك بعيد جدا.

66
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 39): إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه ؛ ج‌1، ص : 67

[ (مسألة 39): إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه]

(مسألة 39): إذا شك في موت المجتهد، أو في تبدل رأيه، أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده، يجوز له البقاء (1) الى أن يتبين الحال.

[ (مسألة 40): إذا علم أنه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان]

(مسألة 40): إذا علم أنه كان في عباداته بلا تقليد مدة من الزمان، و لم يعلم مقداره، فان علم بكيفيتها و موافقتها للواقع، أو لفتوى المجتهد الذي يكون مكلفاً بالرجوع اليه (2) فهو، و الا فيقضي المقدار الذي يعلم معه بالبراءة على الأحوط و ان كان لا يبعد جواز الاكتفاء بالقدر المتيقن (3).

للاستصحاب.

يعني: بالرجوع اليه حين الالتفات إلى ذلك، لا حين العمل، كما تقدم في المسألة السادسة عشرة. لكن سيأتي في المسألة الثالثة و الخمسين تفصيل في المسألة. فانتظر.

يعني: المتيقن بطلانه، إما يقينا وجدانيا، لليقين بمخالفته للواقع، أو تنزيلا، لمخالفته لفتوى من يجب الرجوع اليه بذلك. و وجه عدم وجوب قضاء المشكوك أصالة الصحة، لاحتمال مصادفته للواقع، بناء على جريانها في مثل ذلك، و عدم اختصاصها بصورة عدم الشك على تقدير الالتفات، كما يشهد به خبر الحسين بن أبي العلاء «1». و لعله مورد لبناء العقلاء. و سيأتي التعرض لذلك في مباحث الوضوء «2» إن شاء اللّه.

و ان كان الظاهر من المصنف (ره) في جملة من الفروع الآتية هناك هو التأمل و الاشكال في ذلك.

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 1.

(2) راجع المسألة: 51 من فصل شرائط الوضوء. و يأتي أيضا في المسألة: 11 من فصل الماء المشكوك من مباحث المياه.

67
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 41): إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد ؛ ج‌1، ص : 68

[ (مسألة 41): إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد]

(مسألة 41): إذا علم أن أعماله السابقة كانت مع التقليد، لكن لا يعلم أنها كانت عن تقليد صحيح (1) أم لا، بنى على الصحة.

و يحتمل أن يكون الوجه في عدم وجوب القضاء: أنه بأمر جديد و موضوعه فوت الواجب، و لا يمكن إحرازه بالأصل. لكن يشكل: بأن مقتضى الجمع بين أدلة القضاء و الأداء، أنه بالأمر الأول، و أن وجوب الأداء في الوقت بنحو تعدد المطلوب، فيكفي في وجوب القضاء استصحاب التكليف. مع أن الظاهر من أدلة القضاء أن الفوت المأخوذ موضوعا مجرد ترك الواجب في وقته، و هو مما يمكن إثباته بالأصل. نعم مع العلم بالكيفية لو جهل انطباق الواجب على المأتي به، أشكل جريان أصالة عدم الواجب، لأنه من قبيل الأصل الجاري في المفهوم المردد بين معلوم الوجود و معلوم الانتفاء، المحقق في محله عدم جريانه.

هذا لو كان الشك حادثا بعد العمل، أما إذا كان مقارنا، بأن كان المكلف ملتفتا حين العمل الى عدم التقليد في عمله، فلا مجال لأصالة الصحة، لاختصاص أدلتها بصورة حدوث الشك بعد العمل. كما أنه لو كان الشك في القضاء ناشئاً من الشك في التكليف بالأداء- كما لو كان عمره عشرين سنة، و شك في أن بلوغه كان في سن خمس عشرة أو أربع عشرة- فإنه لا ريب في عدم وجوب القضاء، لأصالة البراءة.

صحة التقليد و فساده إنما يكونان مجرى للأصول الشرعية إذا كانا مورداً لأثر عملي، و لا يتضح ذلك إلا في فروض عدول العامي عن المجتهد إلى غيره مع اختلافهما في الفتوى، بأن كان رأي الثاني بطلان العمل المطابق لفتوى الأول. فإن قلنا بعدم لزوم التدارك بالقضاء إذا كان تقليده للأول صحيحاً، كانت صحة التقليد موضوعا للأثر العملي، فيجري الأصل لإثباتها‌

68
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 42): إذا قلد مجتهدا، ثم شك في أنه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص ؛ ج‌1، ص : 69

[ (مسألة 42): إذا قلد مجتهداً، ثمَّ شك في أنه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص]

(مسألة 42): إذا قلد مجتهداً، ثمَّ شك في أنه جامع للشرائط أم لا وجب عليه الفحص (1).

[ (مسألة 43): من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء]

(مسألة 43): من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء (2).

كما في سائر موارد الشك في الصحة. غاية الأمر أن الصحة هنا إنما صارت موضوعا للأثر العملي بلحاظ كونها قيد موضوع الأثر، و هو صحة العمل المستوجبة للاجزاء، نظير صحة الوضوء المأخوذة قيدا في موضوع صحة الصلاة.

و كذا الحال لو شك في كون عمله عن تقليد صحيح مع شكه في أصل التقليد، فإن أصل الصحة في عمله كاف في الاجتزاء به، و عدم الاحتياج إلى الإعادة أو القضاء. هذا و سيأتي في المسألة الثالثة و الخمسين ما له نفع في المقام فانتظر.

إذ لا فرق بين الابتداء و البقاء، فكما يجب الفحص في التقليد الابتدائي- لعدم حجية مشكوك الحجية- كذلك في البقاء على التقليد.

نعم لو علم باجتماع الشرائط فيه سابقاً بنى على بقائها، للاستصحاب، كما تقدم.

كما صرح به جماعة من الأعيان، مرسلين له إرسال المسلمات، و ظاهر المسالك و غيرها: أنه إجماعي.

إما لأنها منصب للنبي (ص) و الامام علي (ع) من بعده، فلا تجوز بغير إذنهما، و لا إذن مع فقد بعض الشرائط. لكن دليله غير ظاهر، إذ ما تقدم من أدلة الشرائط إنما يدل على اعتبارها في حجية الفتوى لا في جوازها تكليفاً، و لا على كونها من المناصب المختصة بالمعصوم. و أما ما دل على حرمة القول على اللّه سبحانه بغير علم «1»، فإنما يقتضي حرمة الفتوى‌

______________________________
(1) أما من الكتاب العزيز فكثير من الآيات. و أما من السنة فاحاديث كثيرة ارجع الى بعضها في الوسائل باب: 4 من أبواب صفات القاضي.

69
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 43): من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء ؛ ج‌1، ص : 69

و كذا من ليس أهلا للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس (1).

من غير المجتهد لا من المجتهد الفاقد لبقية الشرائط. بل يشكل اقتضاؤه الحرمة في غير المجتهد إذا كانت فتواه تطابق فتوى مرجعه في العمل، لأن حجية فتواه كافية في صدق العلم بالحكم، فالفتوى- اعتماداً عليها- قول على اللّه بعلم. نعم لو اعتمد على رأيه الناقص، كان تشريعاً منه في حجية رأيه، فيكون به آثما، لا أنه قول بغير علم.

و إما لأنها إغواء و إضلال، لأن تكليف المفتي له لزوم العمل بغيرها.

و لكنه يشكل (أولا): بأنه لا يتم ذلك مع موافقتها لفتوى الجامع للشرائط. (و ثانياً): بأن المفتي إذا كان عالماً بالحكم و لو من جهة قيام الحجة عنده عليه تكون الفتوى موافقة لما دل على وجوب الاعلام، و عدم الحجية لا ينافي ذلك. نظير ما لو أخبر غير الثقة عند المخبر بثبوت الحكم الواقعي المعلوم لديه، فإنه اخبار عن الحكم الواقعي و لا يكون إضلالا و لا إغواء أصلا. و لا سيما إذا قال المفتي- بعد أن أفتى بوجوب شي‌ء-: أن فتواي ليست بحجة، و ليس عليك العمل بها، و انما عليك العمل بفتوى فلان.

فالمتحصل إذاً: أنه لا دليل على حرمة الفتوى ممن فقد بعض الشرائط إلا إذا صدق عليها أنها فتوى بغير علم. و ان كان الذي يظهر منهم- قدس سرهم- التسالم على إطلاق الحرمة. فراجع كلماتهم.

بلا إشكال فيه، و لا خلاف ظاهر. و في المسالك: أنه موضع وفاق بين أصحابنا، و قد صرحوا بكونه إجماعياً انتهى. و يقتضيه ظهور النصوص و الفتاوى في كونه من المناصب المختصة بالإمام، على نحو لا يجوز لغيره التصدي له إلا بإذنه.

ففي رواية إسحاق بن عمار أنه قال أمير المؤمنين (ع) لشريح: «يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه إلا نبي، أو وصي نبي،

70
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 43): من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء ؛ ج‌1، ص : 69

و حكمه ليس بنافذ. و لا يجوز الترافع اليه (1). و لا الشهادة عنده (2). و المال الذي يؤخذ بحكمه حرام و ان كان الآخذ محقاً (3).

أو شقي» «1».

و‌

رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه (ع): «اتقوا الحكومة، فإن الحكومة إنما هي للإمام العالم بالقضاء، العادل في المسلمين لنبي أو وصي نبي» «2».

و في المسالك: «إن ذلك كبيرة عندنا». و يقتضيه ما دل على حرمة الإعانة على الإثم «3»، و ما دل على حرمة الأمر بالمنكر «4»، و‌

في مقبولة ابن حنظلة الواردة في التحاكم إلى السلطان و إلى القضاة قال (ع):

«من تحاكم إليهم في حق أو باطل، فإنما تحاكم إلى الطاغوت، و ما يحكم له فإنما يؤخذ سحتاً و ان كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت، و قد أمر اللّه تعالى أن يكفر به ..» «5»

، و نحوها غيرها.

بلا إشكال ظاهر، لأنها معاونة على الإثم إذا كانت بقصد فصل الخصومة، و إلا ففي صدق المعاونة على الإثم إشكال، بل لا يبعد عدم الصدق. و حينئذ يشكل تحريمها، إلا من باب الأمر بالمعروف، على تقدير اجتماع شرائطه.

كما هو المعروف و المدعى عليه الإجماع. و يقتضيه صريح ما تقدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب صفات القاضي حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب صفات القاضي حديث: 3.

(3) قال تعالى (وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ)- المائدة: 2- و وردت به أحاديث كثيرة ارجع الى بعضها في الوسائل باب: 80 من أبواب جهاد النفس، و باب: 71، 72 من أبواب مقدمات التجارة.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الأمر بالمعروف حديث: 11، 12، 14.

(5) الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 4.

71
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 43): من ليس أهلا للفتوى يحرم عليه الإفتاء ؛ ج‌1، ص : 69

إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده (1).

من مقبولة ابن حنظلة. و إطلاقه يقتضي عدم الفرق بين الدين و العين، بل لعل ظاهر ما في صدرها من فرض التنازع في الدين أو الميراث ذلك، إذ حمل الميراث على ما كان دينا بعيد جداً. و على هذا فالتحريم المذكور من قبيل التحريم بالعنوان الثانوي، فيحرم التصرف فيه، كما يحرم التصرف في المغصوب. و حملها على مجرد العقاب في الأخذ- و ان جاز التصرف في المأخوذ- خلاف الظاهر بلا موجب له. و استبعاد ذلك لا يجدي في رفع اليد عن ظاهر الدليل. نعم مورد الرواية المأخوذ بحكم السلطان و القضاة، فلا يعم المأخوذ بحكم غيرهم من فاقدي شرائط القضاء. اللهم إلا أن يستفاد العموم من التعليل‌

بقوله (ع): «لأنه أخذه بحكم الطاغوت ..»

إذ الظاهر شمول الطاغوت لكل متصد للقضاء المحرم. فتأمل جيداً.

هذا و قد يتوهم معارضة المقبولة‌

بخبر ابن فضال في تفسير قوله تعالى:

(وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَى الْحُكّٰامِ) «1» فكتب (ع) اليه بخطه: «الحكام القضاة» قال: «ثمَّ كتب تحته: هو أن يعلم الرجل أنه ظالم فيحكم له القاضي، فهو غير معذور في أخذ ذلك الذي حكم به إذا كان قد علم أنه ظالم» «2».

و يدفعه- مع أن الخبر وارد في تفسير الآية الشريفة، لا في بيان موضوع الحرمة مطلقاً، و اعتبار الظلم في صدق الباطل لا ينافي عدم اعتباره في صدق الحرمة و لو بعنوان آخر-: أنه لا يظهر منه أن المراد من القضاة قضاة الجور، فيمكن حمله على قضاة العدل و لو من جهة الجمع العرفي بينه و بين المقبولة.

فإنه يجوز، كما عن جماعة منهم الشهيدان في الحواشي و المسالك.

______________________________
(1) البقرة: 188.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب صفات القاضي حديث: 9.

72
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 44): يجب في المفتي و القاضي العدالة ؛ ج‌1، ص : 73

[ (مسألة 44): يجب في المفتي و القاضي العدالة]

(مسألة 44): يجب في المفتي و القاضي العدالة (1).

و تثبت العدالة (2) بشهادة عدلين، و بالمعاشرة المفيدة للعلم و عن الأكثر المنع، بل عن الروضة الإجماع عليه. و كأنه لإطلاق النصوص.

و لكن لو سلم- و لم تتم دعوى الانصراف عن صورة الانحصار- فمحكوم بحديث نفي الضرر «1». و منه يظهر الإشكال في الاستدلال على المنع بأن الترافع إعانة على الإثم، فإنه مسلم، لكن حديث نفي الضرر حاكم عليه. و كذلك الاستدلال على المنع بأن الترافع إليه أمر بالمنكر، و هو حرام، فان دليل تحريمه محكوم أيضاً لعموم نفي الضرر، لحكومته على جميع أدلة التكاليف مهما كانت. و يؤيد الجواز ما ورد من الحلف كاذباً باللّه تعالى لدفع الضرر المالي «2».

ثمَّ إن مقتضى عموم نفي الضرر عدم الفرق بين صورة فقد وجود الجامع للشرائط، و صورة تعسر الوصول اليه، و صورة عدم نفوذ قضائه مطلقاً أو على خصوص المدعى عليه، و صورة عدم إمكان إثبات الحق عنده، لفقد مقدمات الحكم لمن له الحق. نعم تختص بصورة العلم بالحق وجداناً، أو تعبداً، لقيام حجة عليه من إقرار أو بينة أو غيرهما، و لا تشمل صورة الجهل بالحق، لعدم ثبوت الضرر المالي كي ينفى بدليل نفيه.

أما في الأول فلما تقدم «3». و أما في القاضي فللإجماع.

قد تقدم الكلام في طرق ثبوتها «4». كما تقدم منه- قدس سره-

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الخيار في كتاب البيع، و باب: 5 من كتاب الشفعة، و باب: 7، 12 من كتاب احياء الموات.

(2) راجع الوسائل باب: 12، 42 من كتاب الايمان.

(3) في المسألة: 22.

(4) في المسألة: 23.

73
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 45): إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا ؛ ج‌1، ص : 74

بالملكة، أو الاطمئنان بها، و بالشياع المفيد للعلم.

[ (مسألة 45): إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا]

(مسألة 45): إذا مضت مدة من بلوغه و شك بعد ذلك في أن أعماله كانت عن تقليد صحيح أم لا، يجوز له البناء على الصحة في أعماله السابقة (1) و في اللاحقة يجب عليه التصحيح فعلا (2).

[ (مسألة 46): يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه]

(مسألة 46): يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم أو عدم وجوبه (3)، و لا يجوز أن يقلد غير الأعلم إذا أفتى بعدم وجوب تقليد الأعلم. بل لو أفتى الأعلم بعدم وجوب تقليد الأعلم يشكل جواز الاعتماد عليه (4). فالقدر المتيقن للعامي تقليد الأعلم في الفرعيات.

الاكتفاء بحسن الظاهر المفيد للظن. و تقدم وجهه و اشكاله. فراجع.

كما سبق في المسألة الواحدة و الأربعين.

بالرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط. و لا يجوز له البناء على صحة الأعمال اللاحقة المطابقة للأعمال الماضية من جهة تلازمهما في الصحة، لأن أصل الصحة- سواء قلنا أنه من الامارات أم من الأصول- لا يثبت اللوازم العقلية لقصور دليله عن ذلك. فالمقام نظير ما لو شك في الطهارة بعد الفراغ من الصلاة فإن قاعدة الفراغ الجارية في الصلاة لا تثبت جواز الدخول في الصلاة الثانية بلا طهارة.

فإن جواز تقليد الأعلم و ان كان متيقناً لا يحتاج إلى التقليد، لكن وجوبه و عدمه، بحيث يجوز تقليد غير الأعلم مشكوك، فلا بد فيه من التقليد.

هذا الاشكال غير ظاهر، لإطلاق دليل التقليد الشامل للمسألة‌

74
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 47): إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات ؛ ج‌1، ص : 75

[ (مسألة 47): إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات]

(مسألة 47): إذا كان مجتهدان أحدهما أعلم في أحكام العبادات و الآخر أعلم في المعاملات، فالأحوط تبعيض التقليد (1) و كذا إذا كان أحدهما أعلم في بعض العبادات- مثلا- و الآخر في البعض الآخر.

[ (مسألة 48): إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلم منه.]

(مسألة 48): إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلم منه. و كذا إذا أخطأ المجتهد في بيان فتواه يجب عليه الإعلام (2).

المذكورة و عموم بناء العقلاء عليه. و إلا أشكل تقليد الحي في جواز البقاء على تقليد الميت- الذي قد سبق منه قدس سره الجزم به «1»- مع أنه تقليد في حكم التقليد كمفروض المسألة. على أن وجوب تقليد الأعلم و عدمه، كجواز البقاء على تقليد الميت، من قبيل المسائل الفرعية، لعدم وقوعها في طريق استنباط الاحكام لتكون من المسائل الأصولية.

بل الأقوى، لما عرفت آنفاً «2» من وجوب تقليد الأعلم و لو مع التبعيض، لعدم الفرق في بناء العقلاء عليه.

المستفاد من آية النفر الشريفة «3» وجوب الاعلام حيث يترتب عليه إحداث الداعي العقلي إلى العمل بالواقع الذي هو متعلق الاعلام، لاختصاص الإنذار بذلك، فاذا كان المكلف غافلا عن الحكم الكلي أو قاطعاً بالخلاف، أو متردداً على نحو يكون جهله عذراً، وجب إعلامه، لما يترتب عليه من إحداث الداعي العقلي، و إذا كان جاهلا جهلا لا يعذر فيه لا يجب إعلامه. و كذا لو انحصر الاعلام بطريق الخبر الذي لا يكون‌

______________________________
(1) في المسألة: 15.

(2) في المسألة: 12.

(3) تقدم ذكرها في شرح المسألة الثامنة.

75
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 48): إذا نقل شخص فتوى المجتهد خطأ يجب عليه إعلام من تعلم منه ؛ ج‌1، ص : 75

.....

حجة في نظر السامع، فإنه لا يجب، لعدم ترتب الأثر المذكور. و لا تبعد استفادة ذلك أيضاً مما تضمن أن الغرض من إرسال الرسل قطع اعذار المكلفين و اقامة الحجة عليهم، مثل قوله تعالى (أَنْ تَقُولُوا مٰا جٰاءَنٰا مِنْ بَشِيرٍ وَ لٰا نَذِيرٍ فَقَدْ جٰاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ) «1» (لِئَلّٰا يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اللّٰهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» «2» «فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ» «3» و نحوه. فتأمل.

ثمَّ إن الظاهر اختصاص هذا الصنف من الآيات بالحكم الإلزامي، فإذا كان المجهول حكما غير إلزامي لم يجب إعلامه.

و أما آية الكتمان «4» فظاهرها وجوب الإظهار في مقام الاستعلام، سواء ترتب عليه الإنذار أم لا، و سواء ا كان الاستعلام بطريق السؤال- كما في المتردد إذا سأل عن الحكم- أم بمحض وجود الداعي إلى معرفة الحكم و العلم به و ان كان غافلا عن ذلك، سواء ا كان معتقداً لخلاف الواقع أم غافلا عنه، أم متردداً غافلا عن وجود من يجب سؤاله، أم غير ذلك من موارد وجود الرغبة النفسانية في معرفة الحكم، و لو لم تدفع إلى السؤال لوجود المانع. فيكون بين مفاد الآية الشريفة و ما سبق العموم من وجه، و لعدم التنافي بين المفادين- لكونهما من قبيل المثبتين- يتعين العمل بهما معاً. و لازم ذلك وجوب البيان مع السؤال و ان لم يكن السائل معذوراً في جهله. بل لعلها تقتضي وجوبه مع عدم اعتقاد السائل حجية الخبر، و قد عرفت عدم اقتضاء آية النفر وجوب الإعلام حينئذ.

______________________________
(1) المائدة: 19.

(2) النساء: 165.

(3) الانعام: 149.

(4) و هي قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مٰا أَنْزَلْنٰا مِنَ الْبَيِّنٰاتِ وَ الْهُدىٰ مِنْ بَعْدِ مٰا بَيَّنّٰاهُ لِلنّٰاسِ فِي الْكِتٰابِ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰاعِنُونَ) البقرة: 159.

76
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 49): إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين ؛ ج‌1، ص : 77

[ (مسألة 49): إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين]

(مسألة 49): إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أن يسأل عن الحكم بعد الصلاة (1)، و انه إذا كان ما أتى به على خلاف الواقع يعيد صلاته، فلو فعل ذلك، و كان ما فعله مطابقاً للواقع، لا يجب عليه الإعادة.

و كيف كان ففي فرض المسألة، كما يجب على الناقل أو المفتي خطأ إخبار الجاهل، كذلك يجب على غيره من المكلفين، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الاعلام. نعم بناء على حرمة التسبيب إلى فعل الحرام يتأكد وجوب الاعلام بالنسبة إلى الناقل و المفتي خطأ، لاستناد عمل العامي إلى فعلهما. لكنه يختص بصورة الفتوى بإباحة الواجب، أو الحرام، و لا يطرد في غيرهما. مع أن الاستناد إلى الفتوى إنما يقتضي حرمتها لو كانت عمداً، و المفروض خلافه، و ترك الإعلام الذي هو محل الكلام غير مستند اليه العمل.

و أما ما دل على أن من أفتى الناس بغير علم لحقه وزر من عمل بفتواه «1»، فهو و ان دل على وجوب الإعلام فطرة و عقلا على خصوص المفتي تخفيفاً للوزر، لكنه مختص بالفتوى بخلاف الواقع عمداً، فلا يشمل ما نحن فيه. و سيأتي في بعض مباحث النجاسات «2» التعرض إلى قاعدة حرمة التسبيب فانتظر.

قد عرفت في المسألة السادسة عشرة صحة الصلاة مع المطابقة للواقع، و لو لم يكن المصلي قاصداً للسؤال و للامتثال على الوجه الصحيح على تقدير الخطأ، حتى مع قصد الاقتصار على بعض المحتملات. نعم لا بد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

(2) في المسألة: 32 من فصل أحكام النجاسات.

77
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 50): يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد، أو عن الأعلم، أن يحتاط في أعماله ؛ ج‌1، ص : 78

[ (مسألة 50): يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد، أو عن الأعلم، أن يحتاط في أعماله]

(مسألة 50): يجب على العامي في زمان الفحص عن المجتهد، أو عن الأعلم، أن يحتاط في أعماله (1).

[ (مسألة 51): المأذون و الوكيل، عن المجتهد في التصرف في الأوقات أو في أموال القصر، ينعزل بموت المجتهد]

(مسألة 51): المأذون و الوكيل، عن المجتهد في التصرف في الأوقات أو في أموال القصر، ينعزل بموت المجتهد (2). بخلاف المنصوب من قبله، كما إذا نصبه متولياً للوقف أو قيما على القصر، فإنه لا تبطل توليته و قيمومته على الأظهر (3).

من الإتمام في الفرض برجاء الواقع، و إلا كان تشريعاً محرما، فيلحقه حكمه من البطلان في بعض صوره، حسبما حررناه في الأصول.

لعدم الأمن من العقاب بدونه، و يكفي في الاحتياط الأخذ بأحوط القولين أو الأقوال. لكن في وجوب الاحتياط على العامي في صورة الفحص عن الأعلم تأمل، لاحتمال عموم دعوى الاتفاق على جواز التقليد للفرض، و ان لم يحضرني عاجلا من ادعاه صريحاً، فلا بد من مراجعة كلماتهم.

لارتفاع الاذن بالموت، و بطلان الوكالة به إجماعا.

أقول: المجتهد الجاعل للولاية، (تارة): يجعلها عن نفسه للولي، بحيث تكون ولاية الولي من شؤون ولاية المجتهد الذي نصبه.

(و أخرى): يجعلها عن الامام (ع)، فتكون من شؤون ولاية الإمام (ع) و ان كان الجاعل لها المجتهد، بناء على أن له ولاية الجعل عنهم (ع). و ما ذكره في المتن، يتم في الثانية لا في الاولى. و حينئذ فاللازم التفصيل بين الصورتين. إلا أن يقوم إجماع على خلافه، كما يظهر مما عن الإيضاح من نفي الخلاف عن عدم انعزال الأولياء و القوام المجعولين من قبل المجتهدين‌

78
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 51): المأذون و الوكيل، عن المجتهد في التصرف في الأوقات أو في أموال القصر، ينعزل بموت المجتهد ؛ ج‌1، ص : 78

.....

و لذلك قال في الجواهر في كتاب القضاء- بعد ما حكى ما عن الإيضاح-:

«إن تمَّ إجماعا فذاك، و إلا كان المتجه ما ذكرنا (يعني: الانعزال) نعم لو كان النصب وكيلا أو ولياً عن الامام، و كان ذلك جائزاً له، لم ينعزل قطعاً».

نعم قد يستشكل في صحة الصورة الأولى: بأن النيابة عن المجتهد إنما تصح لو كانت الولاية ثابتة للمجتهد بما هو في مقابل الامام، أما إذا كانت ثابتة له بما هو نائب عن الامام، فلا يصح منه جعلها لغيره بعنوان كونه نائباً عنه، إذ ليس لذاته موضوعية في الأثر المذكور، فلا معنى للنيابة عنه فيه، إذ لا معنى للاستخلاف عن شخص فيما ليس له.

و لكن يدفعه: أن نيابة الولي عن المجتهد على الأول ليس في نفس الولاية بل في نيابته عن الإمام في الولاية، فالمقام نظير ما لو كان في ذمة زيد واجب فاستناب فيه عمراً، فلما اشتغلت ذمة عمرو بالواجب المستناب فيه مات فاستناب وارثه بكراً عنه، فبكر ينوب عن عمرو في النيابة عن زيد بالواجب، لا أنه ينوب عن زيد بالواجب. و هكذا لو استناب بكر شخصاً ثالثاً- كخالد- فإنه ينوب عن بكر في النيابة عن عمرو في النيابة عن زيد بالواجب. فاذاً لا مانع ثبوتاً من جعل المجتهد الولاية لشخص على كل من النحوين.

نعم قد يشكل إثباتا جعلها على النحو الثاني، كما تقدمت الإشارة إليه في عبارة الجواهر المتقدمة، من جهة عدم ظهور دليل عليه، فان العمدة في ولاية الفقيه ما دل على كونه حاكما و قاضيا، و ثبوت ذلك للحكام و القضاة الذين كانوا في عصر صدور النصوص المتضمنة لذلك غير ظاهر، و المتيقن ثبوتها على النحو الأول، فإذا جعلها المجتهد على النحو الثاني فالمرجع أصالة عدم ترتب الأثر. و يدفع ذلك أن المرتكز في أذهان المتشرعة و يستفاد‌

79
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 52): إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد ؛ ج‌1، ص : 80

[ (مسألة 52): إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد]

(مسألة 52): إذا بقي على تقليد الميت من دون أن يقلد الحي في هذه المسألة كان كمن عمل من غير تقليد (1).

من النصوص «1»: أن منصب القضاء منصب نيابي، فجميع الوظائف التي يؤديها القاضي- من فصل خصومة و نصب قيم و نحو ذلك- يؤديه نيابة عن الامام، فمنصوبه منصوب الامام، و لا يقصد به كونه نائباً عن الإمام أو عن المجتهد، و لازم ذلك البناء على عدم البطلان بالموت. مع أنه لو سلم كون منصوب المجتهد نائبا عنه فانعزاله بالموت غير ظاهر، لجواز كون نيابته من قبيل نيابة الوصي لا الوكيل الذي قام الإجماع على انعزاله بالموت.

ثمَّ لو بني على جواز الجعل لكل من النحوين، و أنه على التقدير الأول ينعزل بموت المجتهد، فشك في كيفية الجعل امتنع الاستصحاب، لتردد المجعول بين فردين معلوم الزوال و معلوم البقاء، و لا أثر للجامع ليجري استصحابه. و أما استصحاب جواز التصرف فهو من الاستصحاب التعليقي المعارض بأصالة عدم ترتب الأثر، كما حقق في محله.

لأن المراد من صحة التقليد كونه جاريا على الموازين العقلائية، و هذا المعنى مفقود في صورة الشك في جواز البقاء. و كذا في صورة الغفلة عن ذلك و اعتقاده جواز البقاء، فإنه و ان كان معذوراً في هذه الصورة عند العقل، لكنه لا يخرج عن كونه غير جار على الموازين العقلائية، لأن جواز البقاء على تقليد الميت مشكوك، و الغفلة عن ذلك لا تجعله صحيحاً، كما لو غفل و قلد من لا يكون واجدا للشرائط كالكافر و الفاسق. كما أن كون رأي الحي جواز البقاء على تقليد الميت لا يجعله صحيحا، إذ لا يكون به جاريا على الموازين اللازمة في التقليد. نعم لو كان قد اجتهد في مسألة‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي.

80
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها ؛ ج‌1، ص : 81

[ (مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها]

(مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها، أو قلد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة، ثمَّ مات ذلك المجتهد فقلد من يقول بوجوب التعدد، لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة (1).

جواز البقاء على تقليد الميت فأدى رأيه الى ذلك كغيره من المجتهدين كان تقليده بذلك صحيحا. لأن التقليد الصحيح لا بد أن يكون من مباديه الاجتهاد لما عرفت آنفا من أن حجية التقليد لا بد أن تنتهي إلى الاجتهاد، لئلا يلزم الدور أو التسلسل. و على هذا لا بأس باستثناء هذه الصورة من حكم المسألة لكن المنصرف من العبارة غيرها.

هذا إما مبني على اقتضاء موافقة الأمر الظاهري للاجزاء. لكن المحقق في محله خلافه، لقصور أدلته عن إثبات ذلك، و إطلاق دليل الواقع محكم. أو على دعوى قيام الدليل عليه بالخصوص، و هو إما ظاهر الإجماع بل نسب إلى بعض دعوى صريح الإجماع بل الضرورة عليه. و فيه- مع أنه غير ثابت-: أن المحكي عن العلامة و العميدي (قدهما) دعوى الإجماع على خلافه. و إما لأنه لولاه لم يبق وثوق بالفتوى. لكنه جار في كثير من موارد الأحكام الظاهرية التي يحتمل قيام أمارة في المستقبل على خلافها و إما لدعوى قيام السيرة عليه. لكنها غير ثابتة أيضا. و إما لدعوى كونه مقتضى نفي العسر و الحرج. لكنها غير مطردة في جميع فروض المسألة.

و إما لأن ما دل على جواز العدول أو وجوبه إنما دل عليه بالإضافة إلى الوقائع اللاحقة، إذ العمدة فيهما الإجماع أو أصالة التعيين في الحجية عند الدوران بينه و بين التخيير، و كلاهما لا يثبتان الحجية بالإضافة إلى الوقائع السابقة، لإهمال الأول فيقتصر فيه على القدر المتيقن، و لا سيما مع تصريح جماعة من الأعاظم بالرجوع في الوقائع السابقة إلى فتوى الأول و عدم وجوب‌

81
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها ؛ ج‌1، ص : 81

.....

التدارك بالإعادة أو القضاء. و لورود استصحاب الأحكام الظاهرية الثابتة بمقتضى فتوى الأول في الوقائع السابقة على أصالة التعيين، لأنها أصل عقلي لا يجري مع جريان الأصل الشرعي. و بالجملة: استصحاب الحجية لفتوى الميت بالإضافة إلى الوقائع السابقة لا يظهر له دافع.

نعم لو كان دليل حجية فتوى الحي بعينها دليلا لفظيا أمكن التمسك بإطلاقه بالإضافة الى جميع الوقائع لاحقة و سابقة. لكنه غير ظاهر، كما عرفت في مسألة جواز تقليد الميت.

و كذا الحال في جميع الموارد التي يكون فيها العدول الى مجتهد مخالف في الفتوى للمرجع في الزمان السابق إذا كان دليله لبيا لا يمكن التمسك بإطلاقه بالإضافة إلى الوقائع السابقة، فإن القدر المتيقن في حجية فتوى اللاحق لما كان خصوص الوقائع اللاحقة كان المرجع في الوقائع السابقة استصحاب الحجية لفتوى السابق بلا مانع. فاذا عرض للمجتهد ما يوجب فقده للشرائط فعدل المقلد إلى غيره المحالف له في الفتوى اقتصر في العدول على الوقائع اللاحقة لا غير.

نعم لو كان العدول لأجل أعلمية المعدول اليه فوجوب العدول إليه يقتضي تدارك الأعمال السابقة، لإطلاق دليل حجية فتوى الأعلم حتى بناء العقلاء الشامل للأعمال السابقة كاللاحقة. أما في غير ذلك من من موارد العدول فالحكم فيه كما تقدم. و كذلك الحكم لو عدل المجتهد عن الفتوى بالطهارة إلى الفتوى بالنجاسة مثلا، فان المقلد يجب عليه العمل بالفتوى اللاحقة في الوقائع المتجددة اللاحقة، و لا يجب عليه التدارك بالإعادة أو القضاء بالإضافة إلى الوقائع السابقة لعين الوجه المتقدم. اللهم إلا أن يقال: اعتراف المفتي بخطئه في فتواه الأولى مانع من صحة الاعتماد عليها من أول الأمر، لأن حجيتها مشروطة بعدم الاعتراف بالخطإ و لو بعد حين، فالفتوى التي يعلم بلحوق الاعتراف بالخطإ فيها ليست موضوعا لدليل الحجية و لا مشمولة لعمومه.

82
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها ؛ ج‌1، ص : 81

و كذا لو أوقع عقداً أو إيقاعا بتقليد مجتهد يحكم بالصحة ثمَّ مات و قلد من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة (1).

نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني.

و أما إذا قلد من يقول بطهارة شي‌ء- كالغسالة- ثمَّ مات و قلد من يقول بنجاسته، فالصلوات و الأعمال السابقة محكومة نعم لو كان العدول لنسيان المستند من دون اعتراف منه بخطئه و احتمل صحته كان استصحاب الحكم الظاهري الثابت سابقاً في محله. فتأمل جيداً.

و أما حكم المجتهد نفسه بالإضافة إلى إعماله السابقة على العدول الى خلاف ما أفتى به أولا، فالظاهر وجوب التدارك عليه، لأن الدليل الدال في نظره على مضمون الفتوى اللاحقة لا فرق فيه بين الوقائع السابقة و اللاحقة فمقتضى وجوب العمل به لزوم التدارك بالإعادة أو القضاء. و دليل الفتوى الاولى بعد نسيانه أو اعتقاده الخطأ فيه لا يصلح لإثبات صحة الأعمال السابقة كما هو ظاهر.

هذا و مقتضى ما ذكرنا في وجه عدم لزوم التدارك في مفروض مسألة المتن: أنه لو كان عمل العامي في مدة من عمره بلا تقليد غفلة أو عمدا، فالمدار في صحة أعماله مطابقتها لفتوى من يجب الرجوع اليه حال العمل، لا حال الالتفات أو الندم، لحجية الفتوى السابقة في حقه دون اللاحقة.

نعم لو فرض اختلاف الفتوى حال العمل، فلأجل عدم حجية إحدى الفتويين بعينها قبل الاختيار، يكون المدار في صحة العمل مطابقته لما يختاره من الفتويين و لو بعد العمل. أما مع فرض اتفاق الفتاوى حال العمل، أو انفراد المجتهد المفتي، فالمدار في صحة العمل مطابقته للفتوى حينه لا غير و ان حدث الاختلاف في الفتوى بعد ذلك.

لا فرق في جميع ما ذكرنا بين العبادات و المعاملات. و التفصيل بينهما‌

83
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها ؛ ج‌1، ص : 81

بالصحة و ان كانت مع استعمال ذلك الشي‌ء. و أما نفس ذلك الشي‌ء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته (1). و كذا في الحلية و الحرمة، فإذا أفتى المجتهد الأول بجواز الذبح بغير الحديد مثلا. فذبح حيواناً كذلك فمات المجتهد و قلد من يقول بحرمته، فان باعه أو أكله حكم بصحة البيع و اباحة الأكل. و أما إذا كان الحيوان المذبوح موجوداً فلا يجوز بيعه و لا أكله، و هكذا.

بوجوب التدارك في الثانية دون الاولى، بدعوى اختصاص الإجماع على عدم التدارك بها دون الثانية. ضعيف، لما عرفت من منع الإجماع، و المتعين العمل بما ذكرنا.

و المتحصل منه أمور: (الأول): إذا عدل جوازاً أو وجوبا لا يجب عليه تدارك الأعمال السابقة المخالفة لفتوى المعدول اليه إلا إذا كان أعلم.

(الثاني): إذا عدل المجتهد عن فتواه الى ما يخالفها عملا وجب على مقلديه تدارك الأعمال السابقة المخالفة للفتوى اللاحقة إذا كان يعترف بخطئه في الفتوى. (الثالث): ان حكم المجتهد نفسه لو عدل إلى ما يخالف فتواه وجب تدارك الأعمال السابقة المخالفة للمعدول إليها (الرابع) أن العامل بلا تقليد المدار في صحة عمله الموافقة للفتوى حين العمل، إلا إذا تعددت و اختلفت فان المدار الموافقة للفتوى التي يختارها بعد ذلك (الخامس): أن الكلام في هذه الأمور يطرد في العبادات و المعاملات على نسق واحد.

هذا غير ظاهر، فإن طهارة الماء من آثار عدم انفعاله بملاقاة النجاسة في مقام التطهير، و الملاقاة لما كانت سابقة كانت مورداً لتقليد الأول لا الثاني. و كذا الحال في حلية لحم الحيوان المذبوح بغير الحديد،

84
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 53): إذا قلد من يكتفي بالمرة مثلا في التسبيحات الأربع و اكتفى بها ؛ ج‌1، ص : 81

.....

فإنها من آثار تذكيته بغير الحديد، و هي واقعة سابقة يكون المرجع فيها فتوى الأول و تترتب عليها أحكامها، فلا فرق بين الزوجة المعقود عليها بالفارسية التي تبقى على الحلية بعد العدول الى الثاني، لأن حليتها من آثار صحة العقد بالفارسي الواقع في حال تقليد الأول، و بين المثالين المذكورين.

و كذا لو قلد الأول في تطهير الثوب و البدن بالماء مرة، ثمَّ بعد وقوع التطهير قلد الثاني، فإن الطهارة في حال تقليد الثاني من آثار التطهير السابق، فهو واقعة سابقة يرجع فيها الى تقليد الأول، و هكذا الحال في أمثال ذلك من الموارد.

و المعيار: أن الأثر الثابت حال تقليد الثاني ان كان من آثار السبب الواقع في حال تقليد الأول فالعمل فيه على تقليد الأول، و ان كان من آثار أمر حاصل حين تقليد الثاني فالعمل فيه عليه لا على تقليد الأول. مثلا لو كان عنده مسكر فأفتى له الأول بطهارته فرتب عليه أحكام الطهارة ثمَّ مات فقلد من يقول بنجاسته وجب عليه اجتنابه، لأن الحكم المذكور من آثار ذاته الحاضرة، بخلاف حلية الزوجة المعقود عليها بالفارسية سابقاً، أو اللحم المذبوح حيوانه بغير الحديد، أو الثوب الذي طهره سابقا بالماء مرة، أو الماء الملاقي للنجس في مقام التطهير أو نحو ذلك، فان الجميع يرجع فيها الى فتوى الأول، لاستنادها إلى أمر سابق صحيح في نظر الأول و قد قلده فيه، و لا فرق في الواقعة السابقة بين سببية شي‌ء و عدمها، و اشتغال ذمة و فراغها و حصول امتثال و عدمه. فلاحظ و تأمل.

(تنبيه): قد تقدم في المسألة الإحدى و الأربعين أنه إذا شك في صحة التقليد بنى على الصحة، و ذكرنا هناك أن جريان أصل الصحة مبني على اعتبار صحة التقليد في الاجزاء ظاهراً بعد العدول. و هذا المبنى لا يتم بناء على ما ذكرنا، لأن حجية الفتوى الأولى بالإضافة إلى الأعمال السابقة‌

85
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 54): الوكيل في عمل عن الغيركإجراء عقد أو إيقاع يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل ؛ ج‌1، ص : 86

[ (مسألة 54): الوكيل في عمل عن الغيركإجراء عقد أو إيقاع يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل]

(مسألة 54): الوكيل في عمل عن الغير كإجراء عقد أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفارة أو نحو ذلك- يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل لا تقليد نفسه (1) إذا كانا مختلفين. و كذلك الوصي في مثل ما لو كان وصياً في استيجار الصلاة عنه يجب أن يكون وفق فتوى مجتهد الميت.

حتى بعد العدول لم يشترط فيها التقليد. و حينئذ لو شك في صحة التقليد السابق، فان رجع الى الشك في حجية الفتوى التي يطابقها العمل وجب عليه الفحص عن ذلك، ليحرز الاجتزاء به ظاهراً. و لا مجال لإجراء أصالة الصحة، لعدم كونها موضوعا لأثر عملي. و إن رجع الى الشك في صحة المقدمات التي اعتمد عليها عند التقليد- مثل صحة البينة القائمة على عدالة المجتهد أو اجتهاده أو نحو ذلك- فلا أثر للشك المذكور بعد أن أحرز بعد العدول شرائط الحجية (و بالجملة): المدار في عدم وجوب التدارك حجية الفتوى السابقة التي كان العمل على طبقها، سواء أ كان اعتماداً عليها أم لا و سواء أ كان اعتماده على حسب الموازين أم لا. فلاحظ.

لا ينبغي التأمل في أن إطلاق الوكالة يقتضي إيكال تطبيق العمل الموكل عليه الى نظر الوكيل، فاذا وكله على شراء فرس بدرهم، و كان نظر الوكيل أن المطابق لمفهوم شراء الفرس بالدرهم هو كذا، كان موضوعا للتوكيل و نافذاً في نظره. نعم إذا اتفق التفات الموكل إلى الاختلاف في التطبيق فقد يشكل ذلك من جهة أن نظر الموكل مانع من عموم التوكيل لمورد الاختلاف. و يدفعه: أنه و ان كان يمنع من عمومه بنظر الموكل تفصيلا، لكن لا يمنع من عمومه إجمالا، و هو كاف في جواز العمل. مثلا إذا وكله في أن يعقد له على امرأة، و كان الموكل يعتقد فساد العقد بالفارسية و الوكيل يعتقد صحته، فان موضوع الوكالة و هو العقد الصحيح بإطلاقه الإجمالي ينطبق على‌

86
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 54): الوكيل في عمل عن الغيركإجراء عقد أو إيقاع يجب أن يعمل بمقتضى تقليد الموكل ؛ ج‌1، ص : 86

.....

العقد بالفارسية و ان كان لا ينطبق بإطلاقه التفصيلي بنظر الموكل. نعم إذا كانت قرينة على تقييد الوكالة بالعمل بنظر الموكل، أو كان ما يصلح أن يكون قرينة على ذلك، لم يصح عمل الوكيل بنظره المخالف لنظر الموكل، و ان لم يكن كذلك فإطلاق التوكيل يقتضي جواز عمل الوكيل بنظره، و مجرد التفات الموكل إلى الاختلاف غير كاف في تقييد إطلاق التوكيل، ففي مقام الإثبات لا مانع من الأخذ بالإطلاق إذا تمت مقدمات الحكمة.

و كذلك الكلام في الوصي إذ هو كالوكيل من هذه الجهة، فإن الوصاية استنابة في التصرف بعد الممات، و الوكالة استنابة في حال الحياة.

و أما المتبرع عن الغير في عبادة- كصلاة و صوم- أو غير عبادة- كوفاء دين- فلا ينبغي التأمل في جواز عمله بنظره حتى مع التفات المتبرع عنه إلى خطأ المتبرع في التطبيق، و منعه عن العمل، لان عمل المتبرع ليس منوطا بأمر المتبرع عنه، و لا بإذنه، و إنما هو منوط بحصول الجهات المصححة للتبرع، فاذا علم بحصولها صح منه التبرع و ان كان يخالفه المتبرع عنه و يخطؤه بنظره التفصيلي.

و أما الأجير على عمل فيجوز أن يستأجر على العمل بنظره، كما يجوز أن يستأجر على العمل بنظر المستأجر، و على العمل بنظر شخص ثالث و ان كان نظرهما مخالفا لنظره، لأنه يكفي في صحة الإجارة ترتب أثر عقلائي على العمل، و كل ذلك مما يترتب عليه أثر عقلائي و لو كان هو الفراغ الاحتياطي. نعم مع علم الأجير ببطلان العمل العبادي لا تصح الإجارة، لعدم القدرة على التقرب. أما إذا لم يكن العمل عبادة يكون الأجير قادراً على العمل حتى مع اعتقاد البطلان، و كذا لو كان عبادة مع احتمال كونه موضوعا للأمر. و حينئذ لا مانع من صحة الإجارة إذا كان يترتب عليه تفريغ ذمة المنوب عنه احتياطا و لو بنظر المستأجر، حتى لو كان الأجير‌

87
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 55): إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا ؛ ج‌1، ص : 88

[ (مسألة 55): إذا كان البائع مقلداً لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا]

(مسألة 55): إذا كان البائع مقلداً لمن يقول بصحة المعاطاة مثلا، أو العقد بالفارسي، و المشتري مقلداً لمن يقول بالبطلان، لا يصح البيع بالنسبة إلى البائع أيضاً، لأنه متقوم بطرفين (1) فاللازم أن يكون صحيحاً من الطرفين. و كذا في كل عقد كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، و مذهب الأخر صحته.

يعتقد عدم ترتب الأثر المذكور عليه، فان أمان المستأجر من الخطر كاف في كونه أثراً مصححا للإجارة و أخذ الأجرة. هذا حال الإجارة في مقام الثبوت، أما في مقام الإثبات فإن كانت قرينة على تقييد العمل بنظر شخص معين تعين العمل عليها، و إلا كان مقتضى إطلاق الإجارة العمل بنظر الأجير على نحو ما تقدم في الوكيل.

و من ذلك تعرف حكم الوصي عن الميت في الاستنابة عنه في صلاة أو صيام فإنه إن كانت قرينة على تقييد الوصية بالعمل بنظر شخص معين فالعمل عليها، و إلا كان مقتضى إطلاقها الاستنابة في العمل المطابق لنظر الوصي. و كذلك الحال في الوكيل عن الحي في الاستنابة عنه في العبادات التي تجوز فيها النيابة عن الحي فإن مقتضى إطلاق التوكيل أن يكون عمل الأجير صحيحاً بنظره لا بنظر الأجير و لا بنظر الأصيل. و من ذلك تعرف الإشكال في بعض الحواشي على المقام.

هذا غير ظاهر، فان وجود العقد و ان كان متقوما بالطرفين، كما أن حكمه الواقعي في مقام الثبوت متقوم بهما أيضاً، فلا يكون إلا صحيحا للمتعاقدين معا أو فاسداً كذلك، إلا أن حكمه الظاهري يمكن التفكيك فيه بين الطرفين فيكون صحيحا في حق أحدهما فاسداً في حق‌

88
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 56): في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعي ؛ ج‌1، ص : 89

[ (مسألة 56): في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعي]

(مسألة 56): في المرافعات اختيار (1) تعيين الحاكم بيد المدعي، إلا إذا كان مختار المدعى عليه أعلم. بل مع وجود الأعلم و إمكان الترافع إليه الأحوط الرجوع اليه مطلقاً.

الآخر، كما أنه يمكن اختلافه بالنظر فيكون صحيحا بنظر أحدهما فاسداً بنظر الآخر و تختلف الآثار بالنسبة إليهما. و لا مانع من مثل هذا التفكيك فان الماء الواحد يمكن أن يكون طاهراً في حق أحد المكلفين و نجسا في حق الآخر. نعم ربما يؤدي ذلك إلى النزاع و المخاصمة فيتعين الرجوع إلى الحاكم في حسمهما.

الكلام (تارة): في صورة تساوي الحكام في الفضيلة، (و أخرى): في صورة اختلافهم، و كل منهما إما يكون الخصمان فيها مدعيا و منكراً أو متداعيين.

ففي الأول من الاولى لا اشكال عندهم في كون الاختيار بيد المدعي و في المستند: دعوى الإجماع عليه. و هو العمدة فيه، المعتضد بالإجماع على أنه لو رفع أحد الخصمين أمره إلى الحاكم فطلب الحاكم الخصم الآخر وجب عليه الإجابة، و هذا لا يطرد في المنكر، لأنه لو رفع امره إلى الحاكم لا يسمع منه إنكاره، و ان طلب تخليصه من دعوى المدعي لا تجب على الحاكم اجابته. هذا و قد استدل على الحكم المذكور بأن المدعي له الحق.

فإن كان المقصود منه الإشارة إلى الإجماع المذكور فهو، و إلا توجه عليه الإشكال: بأن المراد من الحق ان كان الحق المدعى فهو غير ثابت، و ان كان حق الدعوى فهو لا يوجب كون اختيار الحاكم له.

و في الثاني من الأولى لا يكون الاختيار لواحد معين منهما، بل إذا سبق أحدهما إلى رفع امره إلى الحاكم فحكم له نفذ حكمه. و لو رفعا أمرهما إلى حاكمين ينفذ حكم من سبق بالحكم، لدخوله تحت أدلة النفوذ بلا مانع.

89
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 56): في المرافعات اختيار تعيين الحاكم بيد المدعي ؛ ج‌1، ص : 89

.....

و لو اقترنا لم ينفذ أحدهما، لعدم المرجح، و نفوذهما معا ممتنع للتنافي.

و في كفاية سبق حضور أحدهما عند الحاكم في تعينه إشكال، و الأظهر عدمه لعدم الدليل عليه. نعم وجوب طلب الحاكم لغير الحاضر و وجوب اجابته عليه يقتضي تقديم الحاكم الذي يسبق الحضور عنده بعد الطلب، لا تقديم الحاكم بمجرد الحضور عنده و ان لم يطلب لعذر.

و أما الصورة الثانية بقسميها: فالمشهور المدعى عليه الإجماع وجوب الرجوع إلى الأعلم، لما‌

في مقبولة ابن حنظلة من قوله: «فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما و اختلفا فيما حكما و كلاهما اختلفا في حديثكم. فقال (ع): الحكم ما حكم به أعدلهما و أفقههما و أصدقهما في الحديث و أورعهما ..» «1».

لكن موردها صورة اختلاف الحكمين، و التعدي عنه إلى غيرها محتاج إلى قرينة مفقودة.

بل هو خلاف ظاهر إطلاق ما في صدر الرواية فالعمل عليه متعين. و لا سيما و أن البناء على الترجيح بذلك يستدعي الترجيح بغيره من المرجحات المذكورة في رتبة المرجح المذكور و في غيرها من الرتب، و هو مما لم يلتزم به أحد.

نعم إذا كانت الشبهة حكمية و كان الأعلم قد تعين تقليده على المتخاصمين وجب الترافع عنده، لما عرفت من وجوب تقليد الأعلم. أما إذا كانت الشبهة موضوعية، أو كان الخصمان مجتهدين، أو مقلدين لمن هو أعلم منه مع الاتفاق في الفتوى، جاز الترافع إلى غير الأعلم.

و بالجملة: ما دام لم يلزم من رفع المدعي أمره إلى غير الأعلم مخالفة لفتوى الأعلم الحجة لا مانع من الرجوع إلى غير الأعلم و يجب على الخصم متابعته. بل بناء على ما يأتي- من حجية الحكم بنحو يجوز نقض الفتوى به، و من وجوب سماع الدعوى غير الجازمة يجوز لمن يقلد الأعلم في عدم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب صفات القاضي حديث: 1.

90
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه ؛ ج‌1، ص : 91

[ (مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه]

(مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه (1) استحقاق الحبوة أن يدعي الاستحقاق عند من يرى استحقاقها فاذا حكم له بها جاز له أخذها و ان كان مذهب مقلده عدم جواز أخذها، لأن حكم الحاكم مقدم في الحجية على الفتوى. فلاحظ.

كما لعله المشهور، و في الجواهر: «لما هو المعلوم، بل حكى عليه الإجماع بعضهم من عدم جواز نقض الحكم الناشئ عن اجتهاد صحيح باجتهاد كذلك، و انما يجوز نقضه بالقطعي من إجماع أو سنة متواترة أو نحوهما».

و كأنه لما‌

في مقبولة ابن حنظلة من قوله (ع): «فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم اللّه و علينا رد، و الراد علينا الراد على اللّه تعالى، و هو على حد الشرك باللّه» «1».

لكن أطلق جماعة جواز النقض عند ظهور الخطأ، ففي الشرائع:

«كل حكم قضى به الأول و بان للثاني فيه الخطأ فإنه ينقضه، و كذا لو حكم به ثمَّ تبين الخطأ، فإنه يبطل الأول و يستأنف الحكم بما علمه»، و نحوها ما في القواعد و الإرشاد. فيحتمل أن يكون مرادهم صورة العلم بوقوع الخطأ فيه، سواء أعلم بخطئه للواقع أم بخطئه في طريق الواقع و ان احتمل موافقته للواقع. و لعله مقتضى إطلاق العبارة. و حملها بعضهم على ما إذا كان الحكم ناشئاً عن اجتهاد غير صحيح. و احتمل في الجواهر حملها على ما إذا تراضى الخصمان بتجديد الدعوى عند حاكم آخر. لكن كلا من الحملين مشكل، فإن الثاني خلاف إطلاق ما دل على حرمة رد الحكم و وجوب تنفيذه، الشامل لصورة تراضي الخصمين برده، و ليس هو من حقوق المحكوم له، كي يكون منوطا برضاه و عدمه. و الأول مبني على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي الحديث: 1.

91
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه ؛ ج‌1، ص : 91

.....

أن الحكم الصادر عن اجتهاد صحيح حكم بحكمهم (ع) دون غيره، و هو غير ظاهر مع ثبوت الخطأ في الاستناد- كما إذا حكم اعتماداً على بينة غير عادلة مع اعتقاد عدالتها، أو على رواية اعتقد ظهورها في الحكم مع عدم ظهورها لدى الحاكم الآخر- أو ثبوت الخطأ في المستند- كما إذا اعتمد على ظاهر رواية لم يعثر على قرينة على خلافه و قد عثر عليها الحاكم الآخر، أو على بينة تزكي الشهود مع علم الحاكم الثاني بفسقهم و نحو ذلك- فان القضاء الصادر من الحاكم و ان كان عن مبادي مشروعة و اجتهاد صحيح، إلا أنه مخالف للواقع في نظر الحاكم الثاني، لقيام حجة عنده على الخلاف و حينئذ لا يكون حكما بحكمهم (ع).

و بالجملة: الحكم الصادر من الحاكم الجامع لشرائط الحكم الصادر عن اجتهاد صحيح و ان كان طريقا شرعا إلى الواقع لكل أحد، لكن كما يسقط عن الطريقية عند العلم بمخالفته للواقع، كذلك يسقط عن الطريقية عند العلم بوقوع الخطأ في طريقه و في مباديه و قيام الحجة على خلافه، و ان احتمل موافقته للواقع. و على هذا فإطلاق ما ذكره الجماعة من جواز نقض الحكم مع وقوع الخطأ فيه في محله.

اللهم إلا أن يقال قوله (ع):

«فاذا حكم بحكمنا»

لا يراد منه الحكم الواقعي الإلهي، لأن لازمه عدم وجوب تنفيذ الحكم مع الشك في كونه كذلك لعدم إحراز قيد موضوعه. و كذا مع العلم، لأن العلم حينئذ حجة، و لا معنى لجعل حجية الحكم حينئذ، بل المراد منه الحكم الواقعي بنظر الحاكم، فيكون النظر موضوعا لوجوب التنفيذ، فالمعنى أنه إذا حكم بما يراه حكمهم (ع) وجب قبوله و حرم رده، و مقتضى إطلاقه وجوب القبول و لو مع العلم بالخطإ في مباديه. نعم ينصرف عن الحكم الجاري على خلاف موازين الاستنباط عمداً أو سهواً أو نسيانا، و يبقى غيره داخلا في‌

92
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه ؛ ج‌1، ص : 91

.....

عموم الدليل و ان علم فيه الخطأ في بعض المبادي الذي يكثر وقوعه من المجتهدين، و لذا وقع الاختلاف بينهم في كثير من المسائل.

نعم قد يشكل ذلك: بأن الارتكاز العقلائي في باب الحجية يساعد على اعتبار عدم العلم بالخطإ فيها، فمعه تنتفي الحجية. و يدفعه: أن حجية الحكم ليست من قبيل حجية الخبر عن حس أو حدس، بل فيه نحو من الموضوعية و شبه بها لأنه منصب و ولاية، فحكم الحاكم نظير حكم الوالي و الأمير واجب الاتباع و لو مع العلم بالخطإ ما دام يحتمل موافقته للواقع.

و بالجملة: فرق واضح- في نظر العرف- بين جعل قول المجتهد:

«حكمت بأن هذا نجس» حجة، و جعل قوله: «هذا نجس» حجة، فإنه مع العلم بالخطإ في طريق الأول لا يسقط عن الحجية، و في الثاني يسقط و ان شئت قلت: مقتضى إطلاق ما دل على نفوذ الحكم نفوذه مطلقا على نحو الموضوعية.

و لذا صرح المصنف (ره) في قضائه «1»- تبعاً لما في الجواهر- بوجوب تنفيذ الحكم و ان كان مخالفاً لدليل قطعي نظري كإجماع استنباطي و خبر محفوف بقرائن و أمارات قد توجب القطع مع احتمال عدم حصوله للحاكم الأول. انتهى. و هذا لا يتم إلا على السببية المحضة و الموضوعية الصرفة و إلا فلا معنى لجعل الطريقية في ظرف العلم بالخلاف أو الوفاق، فكيف يكون الحكم حجة مع القطع بخلافه؟.

و ان كان الالتزام بذلك صعباً جداً، لأنه حكم بخلاف ما أنزل اللّه تعالى فكيف يحتمل وجوب قبوله و حرمة درة، و يكون الراد عليه الراد على اللّه تعالى، و أنه على حد الشرك باللّٰه تعالى؟!. و‌

في صحيح هشام بن الحكم:

«قال رسول اللّٰه (ص). إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان، و بعضكم

______________________________
(1) راجع المسألة: 32 من الفصل الأول من كتاب القضاء.

93
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 57): حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يجوز نقضه ؛ ج‌1، ص : 91

.....

ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل اقتطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار» «1».

فان هذا صريح في عدم موضوعية للحكم. و مورده و ان كان الشبهات الموضوعية، لكن دليل وجوب القبول و حرمة الرد. إذا حمل على الطريقية في الشبهات الموضوعية لا بد أن يحمل عليها في الشبهات الحكمية، لعدم إمكان التفكيك عرفا بين الموردين في الدليل الواحد، فيتعين حمل الدليل على الطريقية و الحجية. و لأجل أنه يمتنع جعل الطريقية في ظرف العلم بالواقع يمتنع العمل بالدليل مع العلم بمخالفة الحكم للواقع. أما مع احتمال الموافقة للواقع فيجب العمل بدليل حجيته و ان علم بوقوع الخطأ في طريقه، لما عرفت من أنه سنخ آخر في قبال سنخ الخبر و الفتوى، و لم يثبت عند العقلاء قدح مثل هذا العلم بالخطإ في الحجية عندهم على نحو يكون كالقرينة المتصلة التي يسقط بها إطلاق المطلق، فالعمل بالإطلاق متعين.

فان قلت: سلمنا عموم دليل الحجية لجميع صور احتمال الموافقة للواقع حتى مع العلم بالخطإ في الاستناد، أو المستند، أو قيام حجة على خلافه، لكن العموم المذكور معارض بدليل حجية الحجة القائمة على الخلاف، فما الوجه في تقديم دليله على دليل تلك الحجة؟

قلت: مورد دليل حجيته- و هو مقبولة ابن حنظلة- صورة التنازع في الميراث، الظاهر في التنازع في الحكم الكلي على وجه الجزم، و هو إنما يكون مع الحجة، فلو بني على العمل بالحجة في مقابل الحكم لزم تخصيص المورد و هو غير جائز، فيتعين البناء على الأخذ بالحكم و رفع اليد عن الحجة. نعم مقتضى إطلاق مورد المقبولة العموم لصورة العلم بالخلاف.

لكن يجب الخروج عن الإطلاق في الصورة المذكورة بقرينة امتناع جعل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث: 1.

94
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 58): إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره، ثم تبدل رأي المجتهد ؛ ج‌1، ص : 95

و لو لمجتهد آخر، إلا إذا تبين خطؤه (1).

[ (مسألة 58): إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره، ثمَّ تبدل رأي المجتهد]

(مسألة 58): إذا نقل ناقل فتوى المجتهد لغيره، ثمَّ تبدل رأي المجتهد في تلك المسألة، لا يجب على الناقل إعلام من سمع منه الفتوى الاولى، و ان كان أحوط. بخلاف ما إذا تبين له خطوة في النقل، فإنه يجب عليه الإعلام (2) الحجية في صورة العلم بالخلاف.

هذا و المتحصل مما ذكرنا: أن الحكم إذا كان معلوم المخالفة للواقع لا يجوز الأخذ به، و متى كان محتمل الموافقة للواقع يجوز الأخذ به، بل يجب سواء أعلم بالخطإ في طريق ذلك الحكم في الاستناد أو المستند أم لا، و سواء أقامت حجة على خلافه أم لا. نعم إذا كان الخطأ ناشئاً عن تقصير في الاجتهاد عمدا أو سهوا، بحيث كان جاريا على خلاف الموازين اللازمة في الاجتهاد، فلا يجوز العمل به، لانصراف دليل حجيته عن مثل ذلك.

نعم يشكل ذلك بأن لازمه أن لو كان المختصمان عالمين بالواقع لا مجال لحكم الحاكم، مع قيام الإجماع على فصل الخصومة به. و يدفعه: أن الإجماع المذكور هو المستند لا المقبولة و نحوها، بل ما في ذيل المقبولة من الرجوع الى المرجحات ظاهر في اختصاصها بصورة عدم العلم بالواقع.

بناء على ما عرفت منا لا يصح هذا الاستثناء، إلا إذا حمل على تبين خطأ المجتهد في مخالفة الواقع تبينا علمياً. و بناء على ما ذكره المصنف (ره)- تبعا لصاحب الجواهر- لا يصح إلا إذا حمل على تبين الخطأ على نحو لا يكون الاجتهاد صحيحا.

الظاهر أن هذا التفصيل بين الفرضين مبني على حرمة التسبيب الى الوقوع في الحرام، و كون الفرض الثاني منه دون الأول. و قد تقدم الكلام في ذلك في المسألة الثامنة و الأربعين فراجع.

95
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 59): إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا ؛ ج‌1، ص : 96

[ (مسألة 59): إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا]

(مسألة 59): إذا تعارض الناقلان في نقل الفتوى تساقطا (1). و كذا البينتان. و إذا تعارض النقل مع السماع من المجتهد شفاها قدم السماع (2). و كذا إذا تعارض ما في الرسالة مع السماع (3). و في تعارض النقل مع ما في الرسالة قدم ما في الرسالة (4).

لأصالة التساقط في المتعارضين. لكن عرفت فيما سبق تقريب عموم أدلة الترجيح و التخيير للمقام. فلاحظ المسألة العشرين. هذا مع العلم بعدم العدول، فلو احتمل و كان التاريخ مختلفا تعين العمل بالمتأخر. و كذا الكلام فيما يأتي من صور التعارض.

لأن النقل طريق الى السماع، فالعلم بالسماع يستوجب العلم بمخالفته للواقع. هذا مع وحدة التاريخ، و أما مع اختلافه و عدم احتمال العدول، فإنه و ان كان التعارض- بدواً- حاصلا بينهما لكن العرف يقدم السماع على النقل. بل يمكن دعوى انصراف دليل الحجية عن مثله.

إذا لم تكن الرسالة بخط المجتهد كان الفرض راجعاً الى الفرض السابق، لأن الكاتب للرسالة بمنزلة المخبر عن المجتهد، و لو بواسطة حكاية الكاتب عن خط المجتهد الحاكي عن قوله. و أما إذا كانت الرسالة بخط المجتهد فيشكل الترجيح، لأن الخط حاك عن الفتوى، فيكون التعارض قائماً بين خطه و قوله، و أصالة عدم الخطأ فيهما على حد واحد. نعم لو ثبت عند العقلاء ترجيح الأوثق منهما كان العمل عليه أيهما كان. و كذا في الفرض الآتي.

إن كانت الرسالة بخطه كان الفرض نظير تعارض السماع و النقل لأن الخط بمنزلة القول. و ان كانت بغير حطه كان من قبيل تعارض النقلين فيجري عليه حكمه.

96
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 60): إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها ؛ ج‌1، ص : 97

مع الأمن من الغلط (1).

[ (مسألة 60): إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها]

(مسألة 60): إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها، و لم يكن الأعلم حاضراً فإن أمكن تأخير الواقعة إلى السؤال وجب ذلك (2)، و إلا فإن أمكن الاحتياط تعين (3)، و ان لم يمكن يجوز الرجوع الى مجتهد آخر الأعلم فالأعلم، و ان لم يكن هناك مجتهد آخر، و لا رسالته، يجوز العمل بقول المشهور بين العلماء (4)، إذا كان هناك من يقدر على تعيين يعني: بالمقدار اللازم في جريان أصالة عدم الخطأ. و يحتمل أن يكون المراد الوثوق التام، و يكون هو الوجه في الترجيح على النقل، لعدم حصول ذلك فيه.

قد عرفت في أوائل المبحث أنه لا مانع من العمل بالاحتياط حتى مع التمكن من الامتثال التفصيلي، و عليه فلا يجب التأخير إلا حيث يتعذر الاحتياط.

هذا مبني على عدم عموم الإجماع على عدم لزوم الاحتياط على العامي مع إمكان التقليد للمقام، و إلا جاز له الرجوع الى غير الأعلم. و على عدم إطلاق يدل على حجية الفتوى، و إلا تعين العمل به بالنسبة إلى فتوى غير الأعلم مع عدم العلم بالمخالفة للأعلم تفصيلا أو إجمالا، كما أشرنا الى ذلك في مبحث وجوب الفحص عن الأعلم. فراجع المسألة الثانية عشرة.

فكأن موضوع كلام المصنف (ره) صورة العلم بالاختلاف، و أن الإجماع على جواز الرجوع الى غير الأعلم مختص عنده بصورة تعذر الاحتياط.

كما تقتضيه مقدمات الانسداد الجارية في الواقعة الخاصة المقتضية للأخذ بالظن الأقوى فالأقوى، فلو بني على عدم تماميتها جاز عقلا الأخذ‌

97
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 61): إذا قلد مجتهدا ثم مات، فقلد غيره فمات، فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت ؛ ج‌1، ص : 98

قول المشهور. و إذا عمل بقول المشهور، ثمَّ تبين له بعد ذلك مخالفته لفتوى مجتهده فعليه الإعادة أو القضاء (1)، و إذا لم يقدر على تعيين قول المشهور يرجع الى أوثق الأموات، و ان لم يمكن ذلك أيضاً يعمل بظنه، و ان لم يكن له ظن بأحد الطرفين يبني على أحدهما. و على التقادير بعد الاطلاع على فتوى المجتهد ان كان عمله مخالفا لفتواه فعليه الإعادة أو القضاء.

[ (مسألة 61): إذا قلد مجتهدا ثمَّ مات، فقلد غيره فمات، فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت]

(مسألة 61): إذا قلد مجتهدا ثمَّ مات، فقلد غيره فمات، فقلد من يقول بوجوب البقاء على تقليد الميت أو جوازه، فهل يبقى على تقليد المجتهد الأول أو الثاني؟ الأظهر الثاني (2)، و الأحوط مراعاة الاحتياط.

بأحد المحتملات على التخيير. و كذا الحال في الرجوع الى أوثق الأموات و ما بعده.

بناء على أن مقدمات الانسداد الجارية في الواقعة إنما تقتضي حجية الظن بنحو الحكومة لا الكشف، و إلا جرى ما تقدم في المسألة الثالثة و الخمسين، و كذا الحال في صورة الرجوع الى غير الأعلم، فإنه لو بني على حجية فتواه شرعا- و لو بتوسط مقدمات الانسداد بناء على الكشف- كان الحكم ما تقدم في المسألة المذكورة. أما بناء خلاف ذلك، فيتعين التدارك بالإعادة أو القضاء.

لأن تقليد الأول قد انقطع بتقليد الثاني المفروض الصحة، فالرجوع إلى الأول بعد تقليد الثاني ليس من البقاء على التقليد، بل هو من التقليد الابتدائي، فإذا كان رأي الثالث وجوب البقاء تعين البقاء على تقليد الثاني و إذا كان رأيه جواز البقاء و جواز العدول تخير المكلف بين البقاء‌

98
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 62): يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها ؛ ج‌1، ص : 99

[ (مسألة 62): يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها]

(مسألة 62): يكفي في تحقق التقليد أخذ الرسالة و الالتزام بالعمل بما فيها (1)، و ان لم يعلم ما فيها و لم يعمل فلو مات مجتهده يجوز له البقاء. و ان كان الأحوط مع عدم العلم، بل مع عدم العمل و لو كان بعد العلم، عدم البقاء على تقليد الثاني و العدول إلى الثالث.

هذا بناء على ما تقدم في المسألة الثالثة و الخمسين من عدم انتقاض التقليد الصحيح الواقع في زمان بتقليد مجتهد آخر في زمان لاحق، لعدم حجية رأي المجتهد اللاحق بالإضافة إلى الوقائع السابقة المطابقة لرأي المجتهد في ذلك الزمان. أما بناء على الانتقاض، فان كان رأي المجتهد الثالث وجوب البقاء على تقليد الميت، تعين على المكلف البقاء على تقليد الأول لأن عدوله السابق الى الثاني- بعد موت الأول- في غير محله في نظر المجتهد الثالث. و ان كان رأيه جواز العدول و جواز البقاء جاز للمكلف البقاء على تقليد الثاني، و العدول الى الثالث. و إن كان رأيه وجوب العدول تعين العدول من الثاني اليه. و على هذا ما استظهره المصنف (ره) مبني على ما تقدم منه في المسألة الثالثة و الخمسين.

قد عرفت أن أخذ الرسالة و الالتزام، و نحوهما، مما لا يرتبط بالتقليد، بل ليس هو إلا العمل اعتماداً على فتوى المجتهد. كما لا ينبغي التأمل في كفاية ثبوت حجية الرأي آنا ما في جواز الاستصحاب الذي هو الوجه في وجوب البقاء و جوازه، و لا يتوقف على العمل، و لا على الالتزام.

نعم بناء على ما ذكرنا من كون التقليد هو العمل برأي الغير فمع عدم العمل حال الحياة يكون العمل بعد الوفاة برأي المجتهد من قبيل التقليد الابتدائي للميت الذي حكي الإجماع على المنع عنه، و ان كان الاستصحاب، و بناء العقلاء، يقتضيان عدم الفرق بين العمل و عدمه. و لكن عموم الإجماع لمثل‌

99
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 63): في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخير المقلد بين العمل بها ؛ ج‌1، ص : 100

و العدول إلى الحي. بل الأحوط استحبابا على وجه عدم البقاء مطلقا، و لو كان بعد العلم و العمل (1).

[ (مسألة 63): في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخير المقلد بين العمل بها]

(مسألة 63): في احتياطات الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخير المقلد بين العمل بها، و بين الرجوع الى غيره (2) الأعلم فالأعلم.

[ (مسألة 64): الاحتياط المذكور في الرسالة]

(مسألة 64): الاحتياط المذكور في الرسالة أما الفرض لا يخلو من تأمل. و أشكل منه ما لو تحقق الالتزام فقط بلا عمل فان وجود القول بجواز البقاء في مثله مانع عن انعقاد الإجماع على المنع عنه و ان لم يتحقق التقليد. و مثله ما لو تحقق العمل بلا اعتماد على الفتوى، فإنه و ان لم يتحقق التقليد، لكن انعقاد الإجماع على المنع عن بقاء الحجية في مثله غير واضح، و ان كان قريباً. فراجع و تأمل. كما أنك عرفت في المسألة الثالثة و الخمسين: أن صحة الأعمال السابقة تتوقف على مطابقتها للفتوى الحجة حال العمل و لا تتوقف على الاعتماد على الفتوى حال العمل الذي هو من مقومات التقليد، فالصحة ليست موقوفة على تحقق التقليد، بل موقوفة على الحجية واقعاً. فلاحظ.

كأن المراد بهذا الوجه احتمال عموم معاقد الإجماعات على عدم جواز تقليد الميت للحدوث و البقاء، و ان كان يعارض هذا الاحتمال احتمال المنع، كما نسب الى أكثر القائلين بجواز البقاء. فالعدول موافق للاحتياط في وجه مخالف له في وجه آخر.

هذا التخيير موقوف في العبادات على جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي، فلو قيل بعدمه تعين التقليد لغير الأعلم، و لا يجوز له العمل بالاحتياط مع التمكن من تقليد غيره الأعلم.

100
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 65): في صورة تساوي المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء ؛ ج‌1، ص : 101

استحبابي، و هو ما إذا كان مسبوقا أو ملحوقا بالفتوى، و إما وجوبي، و هو ما لم يكن معه فتوى، و يسمى بالاحتياط المطلق و فيه يتخير المقلد بين العمل به و الرجوع الى مجتهد آخر (1).

و أما القسم الأول، فلا يجب العمل به، و لا يجوز الرجوع الى الغير بل يتخير بين العمل بمقتضى الفتوى، و بين العمل به.

[ (مسألة 65): في صورة تساوي المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء]

(مسألة 65): في صورة تساوي المجتهدين يتخير بين تقليد أيهما شاء كما يجوز له التبعيض حتى في أحكام العمل الواحد (2)، حتى أنه لو كان- مثلا- فتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة و استحباب التثليث في التسبيحات الأربع، و فتوى الأخر بالعكس، يجوز أن يقلد الأول في استحباب التثليث، و الثاني في استحباب الجلسة.

قد عرفت أنه لا يتم على إطلاقه، بناء على عدم جواز الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي.

قد عرفت في المسألة الثالثة و الثلاثين الإشكال في جواز التبعيض و لا سيما في العمل الواحد، فقد يشكل بالخصوص بأن الصلاة الفاقدة لجلسة الاستراحة المقتصر فيها علي تسبيحة واحدة باطلة في نظر كل واحد منهما، فالاقتصار عليها في مقام الامتثال مخالفة لهما معاً. و فيه: أنه- بعد البناء على جواز التبعيض في التقليد- لا تقدح مخالفة كل واحد من المجتهدين مستقلا، لعدم تقليد كل واحد منهما كذلك، بل لما كان التقليد لهما معا على نحو الانضمام فالقادح مخالفتهما كذلك و هي منتفية، لأن الصلاة المذكورة موافقة لهما معا.

فان قلت: كما أنها موافقة لهما كذلك مخالفة لهما. (قلت): هذا‌

101
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 66): لا يخفى أن تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي ؛ ج‌1، ص : 102

[ (مسألة 66): لا يخفى أن تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي]

(مسألة 66): لا يخفى أن تشخيص موارد الاحتياط عسر على العامي إذ لا بد فيه من الاطلاع التام. و مع ذلك قد يتعارض الاحتياطان، فلا بد من الترجيح. و قد لا يلتفت الى إشكال المسألة حتى يحتاط. و قد يكون الاحتياط في ترك الاحتياط. مثلا الأحوط ترك الوضوء بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر، لكن إذا فرض انحصار الماء فيه الأحوط التوضؤ به، بل يجب ذلك بناء على كون احتياط الترك استحبابياً، و الأحوط الجمع بين التوضؤ به و التيمم. و أيضا الأحوط التثليث في التسبيحات الأربع، لكن إذا كان في ضيق الوقت و يلزم من التثليث وقوع بعض الصلاة خارج الوقت، فالأحوط ترك هذا الاحتياط، أو يلزم تركه. و كذا التيمم بالجص خلاف الاحتياط، لكن إذا لم يكن معه الا هذا فالأحوط التيمم به، و ان كان عنده الطين- مثلا- فالأحوط الجمع، و هكذا.

مسلم، لكن مخالفتهما في غير مورد التقليد لهما، أما في مورد التقليد لهما فهي موافقة لهما لا غير، كما يظهر من مقايسة المقام بالتبعيض في عملين كالصلاة و الصيام.

فان قلت: المجتهد المفتي بعدم وجوب جلسة الاستراحة إنما يفتي بذلك في الصلاة المشتملة على التسبيحات الثلاث، كما أن المفتي بالاقتصار على تسبيحة واحدة إنما يفتي بذلك فيما اشتمل على جلسة الاستراحة، فترك جلسة الاستراحة و الاقتصار على تسبيحة واحدة ليس عملا بفتوى المجتهدين و لو على نحو الانضمام (قلت): الارتباط بين الاجزاء في الثبوت و السقوط لا يلازم الارتباط بينها في الفتوى، فان مرجع الفتويين الى عدم جزئية الجلسة‌

102
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 67): محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين ؛ ج‌1، ص : 103

[ (مسألة 67): محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين]

(مسألة 67): محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين (1).

و عدم جزئية ما زاد على التسبيحة الواحدة، و ليس هو ارتباطياً. فالعمدة في الاشكال على جواز التقليد للمجتهدين في العمل الواحد هو إشكال التبعيض الذي تقدمت الإشارة إليه.

إجماعا ادعاه جماعة، بل ادعي إجماع المسلمين عليه. و يقتضيه في معرفة اللّه جل شأنه، و في معرفة نبيه الكريم (ص): أن الوجه في وجوب المعرفة عقلا من مناط وجوب شكر المنعم، و في وجوبها فطرة من مناط وجوب دفع الضرر المحتمل لا يحصل بالتقليد، لاحتمال الخطأ في الرأي فلا يحصل الأمن من الخطر و لا الأمن مما ينافي الشكر. و حجية الرأي تعبداً إنما توجب الأمن من ذلك على تقدير المعرفة، فيمتنع أن تثبت بها و لو تعبداً. و أما باقي الأصول فعدم جواز التقليد فيها للإجماع المتقدم.

و أما ما دل على وجوب العلم و المعرفة من الآيات، و الروايات، فلا يقتضي ذلك، لأن دليل حجية الرأي- لو تمَّ- يوجب حصول المعرفة بها تعبداً تنزيلا. و لا يتوجه الاشكال المتقدم هنا، لأن المعرفة فيما عدا الأصلين الأولين ليست شرطا في الحجية، و انما الشرط المعرفة بهما لا غير و المفروض حصولها، فإذاً العمدة في عدم جواز التقليد هو الإجماع.

فإن قلت: تكفي في عدم جواز التقليد أصالة عدم الحجية. (قلت):

لا مجال للأصل المذكور مع الدليل، و هو ما دل على حجية الرأي في الفروع كبناء العقلاء، و قوله تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ)+ «1» و قوله تعالى:

(فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ) «2» و نحوهما من أدلة التقليد في‌

______________________________
(1) النحل: 43.

(2) التوبة: 122.

103
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 67): محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين ؛ ج‌1، ص : 103

و في مسائل أصول الفقه (1)، و لا في مبادي الاستنباط من النحو و الصرف و نحوهما (2).

الفروع، فإنها- لو تمت دلالتها على جوازه في الفروع- دلت على جوازه في الأصول بنحو واحد، فليس الموجب للخروج عن عموم الأدلة إلا الإجماع المستفيض النقل. و تمام الكلام في هذا المقام موكول الى محله، كالكلام في وجوب كون المعرفة عن النظر و الدليل- كما هو المنسوب الى جمع- و عدم وجوبه- كما نسب الى آخرين- و حرمته- كما نسب الى غيرهم- و ان كان الأظهر الأول مع خوف الضلال بدون النظر، و الأخير مع خوف الضلال به، و الثاني مع الأمن من الضلال على تقدير كل من النظر و عدمه فراجع و تأمل.

لخروجها عن محل الابتلاء للعوام المقلدين، فلو فرض كونها محلا للابتلاء- و لو بتوسط النذر و نحوه- لم يكن مانع من عموم أدلة التقليد لها. و لذا جزم المصنف- رحمه اللّٰه- في صدر المسألة السادسة و الأربعين: بأنه يجب على العامي أن يقلد الأعلم في مسألة وجوب تقليد الأعلم و في المسألة الخامسة عشرة بوجوب رجوع العامي إلى الحي الأعلم في جواز البقاء و عدمه، و يظهر منه- قدس سره- و من غيره كونهما من المسائل الأصولية، و ان كان التحقيق أنهما من المسائل الفرعية، لا من الأصولية، لعدم وقوعهما في طريق استنباط الاحكام كما أشرنا الى ذلك آنفا.

هذا يتم في ما يقع في طريق استنباط الحكم الكلي، أما ما يقع في طريق تطبيق الحكم الكلي و تشخيص موضوع الامتثال- مثل كثير من مسائل النحو و الصرف المحتاج إليها في تصحيح القراءة و الذكر، و الأذان، و الإقامة و صيغ العقود، و الإيقاعات، مثل مسائل الإدغام، و المد و الوقف على الساكن و التحريك في الدرج، و غير ذلك من المسائل الموقوفة على نظر‌

104
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 67): محل التقليد و مورده هو الأحكام الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين ؛ ج‌1، ص : 103

و لا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية (1)، و لا في الموضوعات الصرفة. فلو شك المقلد في مائع أنه خمر أو خل- مثلا- و قال المجتهد إنه خمر لا يجوز له تقليده. نعم من حيث أنه مخبر عادل يقبل قوله كما في اخبار العامي العادل، و هكذا. و أما الموضوعات المستنبطة الشرعية- كالصلاة و الصوم و نحوهما- فيجري التقليد فيها كالأحكام العملية.

لا يتمكن منه العامي مما سيتعرض له المصنف (ره) في مباحث القراءة- فلا بد فيها من التقليد لعموم أدلته. نعم المسائل التي لا يحتاج إليها إلا في مقام استنباط الحكم الكلي لا مجال للتقليد فيها، لخروجها عن محل الابتلاء بالنسبة إلى العامي.

موضوعات الأحكام الشرعية قسمان: (الأول): ما يكون مفهومه شرعياً مخترعا للشارع الأقدس، سواء قلنا بالحقيقة الشرعية أم لا كالصلاة و الصيام و نحوهما. (الثاني): ما لا يكون كذلك بأن كان عرفياً أو لغويا. و كل منهما إما أن يكون المفهوم بذاته و حدوده واضحاً لا يحتاج إلى نظر و اجتهاد، و إما أن يكون محتاجا إلى ذلك. فالأول من كل منهما لا يحتاج الى تقليد لوضوحه لدى العامي كالمجتهد، فلا معنى لحجية رأي المجتهد فيه، و الثاني من كل منهما محتاج إلى التقليد، لعموم أدلته، كالصلاة و الصيام، و الصعيد، و الغناء و الإناء، و الجذع و الثني، و نحوها. و البناء على عدم جواز التقليد فيها يقتضي البناء على وجوب الاجتهاد أو الاحتياط فيها و لا يظن الالتزام به من أحد، فضلا عن المصنف (ره) فقد أدرج- كغيره- بيان مفهوم مثل هذه الموضوعات في هذه الرسالة و غيرها من رسائله المعدة للفتوى و العمل بها. فلاحظ.

105
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 68): لا يعتبر الأعلمية في ما أمره راجع الى المجتهد إلا في التقليد ؛ ج‌1، ص : 106

[ (مسألة 68): لا يعتبر الأعلمية في ما أمره راجع الى المجتهد إلا في التقليد]

(مسألة 68): لا يعتبر الأعلمية في ما أمره راجع الى المجتهد (1) إلا في التقليد. و أما الولاية على الأيتام و المجانين و الأوقاف التي لا متولي لها و الوصايا التي لا وصي لها و نحو ذلك، فلا يعتبر فيها الأعلمية. نعم الأحوط في القاضي أن الظاهر أن هذا مما لا إشكال فيه، لإطلاق مثل‌

التوقيع الشريف:

«و أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواه حديثنا» «1».

و ما دل على أن العلماء ورثة الأنبياء «2»، و أنهم كأنبياء بني إسرائيل «3»، و انهم خلفاء النبي (ص) «4»، و نحو ذلك. لكن قد تعرضنا في (نهج الفقاهة) «5» للمناقشة في تمامية ما ذكر لإثبات الولاية للفقيه، لقصور سند بعضها، و دلالة الآخر. و ذكرنا هناك أن العمدة في إثبات الولاية ما دل على كون المجتهد قاضيا و حاكماً الظاهر في ثبوت جميع ما هو من مناصب القضاة و الحكام له. فحينئذ يشكل الحكم فيما لم يثبت كونه من مناصب القضاة و الحكام، فان ثبوت ولاية المجتهد فيه إنما يكون من جهة العلم بإذن الشارع في التصرف، أو عدم رضاه بتركه و إهمال الواقعة.

لكن الدليل المذكور لما كان لبيا تعين الاقتصار فيه على القدر المتيقن، و هو ولاية الأعلم عند التمكن منه، كالاقتصار على المتيقن و هو ولاية المجتهد عند التمكن منه. فالعمدة إذاً في عدم اعتبار الأعلمية ظهور الإجماع عليه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب صفات القاضي حديث: 2.

(3) مستدرك الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 30.

(4) الوسائل باب: 11 من صفات القاضي حديث: 8.

(5) راجع الصفحة: 299.

106
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 69): إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلدين أم لا؟ ؛ ج‌1، ص : 107

يكون أعلم (1) من في ذلك البلد أو في غيره مما لا حرج في الترافع إليه.

[ (مسألة 69): إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلدين أم لا؟]

(مسألة 69): إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلدين أم لا؟ فيه تفصيل (2)، فان كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتياط، فالظاهر عدم الوجوب، و ان كانت مخالفة فالأحوط الأعلام، بل لا يخلو عن قوة.

[ (مسألة 70): لا يجوز للمقلد إجراء أصالة البراءة]

(مسألة 70): لا يجوز للمقلد إجراء (3) أصالة البراءة، أو الطهارة أو الاستصحاب في الشبهات الحكمية. و أما في الشبهات الموضوعية فيجوز بعد أن قلد مجتهده في حجيتها. مثلا إذا شك في أن عرق الجنب من الحرام نجس أم لا ليس له إجراء أصل الطهارة، لكن في أن هذا الماء أو غيره لاقته النجاسة أم لا، يجوز له إجراؤها بعد أن قلد المجتهد في جواز الإجراء.

[ (مسألة 71): المجتهد غير العادل، أو مجهول الحال لا يجوز تقليده]

(مسألة 71): المجتهد غير العادل، أو مجهول الحال لا يجوز تقليده (4) و ان كان موثوقا به في فتواه. و لكن فتاواه معتبرة لعمل نفسه. و كذا لا ينفذ حكمه و لا تصرفاته في الأمور تقدم الكلام في هذا في المسألة السادسة و الخمسين.

تقدم الكلام في هذا في المسألة الثامنة و الأربعين و غيرها.

لأن إجراءها مشروط بالفحص، و هو عاجز عنه، فاجراؤها بدونه مخالفة لدليل الشرطية. و هذا بخلاف الشبهات الموضوعية، فان إجراءها ليس مشروطا بالفحص، و لو فرض اشتراطه به فليس هو بعاجز عنه، فلا مانع من رجوعه إليها عند اجتماع الشرائط كالمجتهد.

يعني: لا يجوز تقليده واقعاً في الأول، لفقد الشرط، و ظاهراً في الثاني، لعدم ثبوت حجية رأيه. و كذا الحال في باقي الاحكام.

107
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 72): الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل ؛ ج‌1، ص : 108

العامة، و لا ولاية له في الأوقات و الوصايا و أموال القصر و الغيب.

[ (مسألة 72): الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل]

(مسألة 72): الظن بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل، الا إذا كان حاصلا من ظاهر لفظه شفاهاً، أو لفظ الناقل، أو من ألفاظه في رسالته. و الحاصل: أن الظن ليس حجة (1) إلا إذا كان حاصلا من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل.

لما دل على نفي حجيته من الأدلة الشرعية و العقلية، من دون ثبوت مخصص.

و اللّه سبحانه ولي التوفيق، و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، ... وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ+

108
مستمسک العروة الوثقی1

كتاب الطهارة ؛ ج‌1، ص : 109

 

[كتاب الطهارة]

[فصل في المياه]

فصل في المياه الماء إما مطلق (1) أو مضاف، كالمعتصر من الأجسام أو الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء. و المطلق أقسام (2): بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ+ كتاب الطهارة الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ+. و الصلاة و السلام على سيد المرسلين محمد و آله الغر الميامين. و اللعنة على أعدائهم أجمعين.

و عرف بما يصح إطلاق لفظ الماء عليه من غير إضافة. يعني:

يصح بلا تجوز و لا عناية. و هذا بخلاف الماء المضاف كماء الرمان، و ماء الورد، فإن إطلاق لفظ الماء- مفرداً بلا إضافة- عليه مجاز، و الذي يكون إطلاقه عليه حقيقة، ماء الرمان، أو ماء الورد، كما أن إطلاق ماء الورد على ماء الرمان مجاز، و كذا إطلاق ماء الرمان على ماء الورد. و من هنا ظهر أن تقسيم الماء إلى المطلق و المضاف بلحاظ المسمى. كما ظهر أن مفهوم الماء جامع حقيقي بين أفراده، و مفهوم الماء المضاف جامع انتزاعي بين أفراده، فإنها حقائق متباينة.

الموجود في كلام جماعة تقسيمه إلى جار، و محقون، و ماء بئر و تقسيم المحقون إلى كثير و قليل. و كأن موضوع القسمة ماء الأرض، و لذا‌

 

109
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في المياه ؛ ج‌1، ص : 109

الجاري، و النابع غير الجاري و البئر، و المطر، و الكر، و القليل و كل واحد منها مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر مطهر من الحدث و الخبث (1).

لم يذكر في أقسامه ماء المطر. و عدم ذكر النابع في الأقسام إما لدخوله في الجاري- كما صرح به بعض، حيث عرفه بالنابع غير البئر- أو في البئر- كما هو ظاهر آخرين- بل عن المحقق البهبهاني: «أن النابع الراكد عند الفقهاء في حكم البئر» و الأمر سهل.

إجماعا مستفيض النقل، بل وضوحه أغنى عن الاستدلال عليه بالآيات الشريفة مثل قوله تعالى (وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) «1» بناء على أن المراد من لفظ الطهور فيها إما المطهر بناء على أنه أحد معانيه- كما عن بعض- فيدل على طهارته في نفسه بالالتزام، أو الطاهر المطهر- كما عن جمع أنه أحد معانيه- أو ما يتطهر به كالسحور و الفطور- كما هو أحد معانيه قطعا- فيدل أيضاً بالالتزام على طهارته في نفسه. هذا و لكن من المحتمل إرادة المبالغة منه، فان (فعول) أيضاً من صيغ المبالغة كالصبور و الحسود، فإن الطهارة ذات مراتب متفاوتة، و لذا صح التفضيل فيها بلفظ: (أطهر) و مع هذا الاحتمال يشكل الاستدلال. و أشكل منه الاستدلال به على المطهرية لغيره- حتى بناء على حمل الهيئة على المبالغة- بدعوى: أن المبالغة لا معنى لها إلا بلحاظ المطهرية لغيره. إذ فيه-- مضافاً إلى ما عرفت-: أن هذا المعنى من المبالغة مجاز لا يجوز ارتكابه في الاستدلال. و إن كان الأقرب الحمل على المعنى الثالث، لعدم ثبوت المعنيين الأولين، و لكونه أقرب من الحمل على المبالغة، لخفاء وجهها.

و أما قوله تعالى (وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) «2»

______________________________
(1) الفرقان: 48.

(2) الأنفال: 11.

110
مستمسک العروة الوثقی1

في الماء المضاف ؛ ج‌1، ص : 111

 

[في الماء المضاف]

[ (مسألة 1): الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر]

(مسألة 1): الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر (1)، لكنه غير مطهر، لا من الحدث (2).

فدلالته على المطلوب سالمة عن الاشكال المتقدم، و إن كانت لا عموم فيها لوروده في واقعة خاصة، إلا أن يتمسك بالإجماع على عدم الفرق، كالإجماع على عدم الفرق بين ماء السماء و غيره.

ثمَّ إنه لا تخلو النصوص الشريفة من الدلالة على طهارته و مطهريته،

ففي رواية السكوني عن النبي (ص): «الماء يطهر و لا يطهر» «1».

و‌

في صحيح ابن فرقد عن أبي عبد اللّه (ع): «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض، و قد وسع اللّٰه تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء و الأرض، و جعل لكم الماء طهوراً» «2»

، و‌

في غيرهما: أنه تعالى جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً «3».

و مورد الأخير الحدث، كما أن مورد ما قبله الخبث، بل هو ظاهر رواية السكوني بقرينة المقابلة بالنفي. كما أنه لا عموم في الجميع بالإضافة إلى ما يتطهر به فلا بد من تتميم الدلالة بالإجماع المحقق في الجملة.

يعني: مع طهارة أصله. و يكفي في ذلك الاستصحاب، و أصالة الطهارة.

كما هو المشهور، و يقتضيه الكتاب المجيد، مثل قوله تعالى:

(فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)+ «4». و السنة التي هي بمضمونه و بغير مضمونه كما ستأتي في محلها إن شاء اللّٰه. و عن الصدوق: جواز‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(4) النساء: 43. و المائدة: 6.

 

111
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر ؛ ج‌1، ص : 111

و لا من الخبث (1).

الوضوء و غسل الجنابة بماء الورد،

لخبر يونس عن أبي الحسن (ع) قال:

«قلت له: الرجل يغتسل بماء الورد و يتوضأ به للصلاة. قال (ع):

لا بأس بذلك» «1».

لكن عن الشيخ أنه خبر شاذ أجمعت العصابة على ترك العمل بظاهره. انتهى. و كفى بهذا موهنا له و مانعاً عن الاعتماد عليه. و عن الحسن جواز استعمال مطلق المضاف عند عدم الماء. و لم يظهر له مستند.

كما هو المشهور أيضاً. و يقتضيه ظاهر كثير من النصوص الواردة في الموارد المتفرقة مثل‌

قوله (ع): «لا يجزئ من البول إلا الماء» «2»

و‌

قوله (ع) في تطهير الإناء من الولوغ: «اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء» «3»

و نحوهما غيرهما و هو كثير. و قد تقدم صحيح ابن فرقد الظاهر- بقرينة الامتنان- في انحصار المطهر بالماء.

و عن المفيد و السيد- قدهما- جواز رفع الخبث به. و عن الأول الاستدلال عليه بالرواية. و عن الثاني الاستدلال عليه بالإجماع. لكن الرواية مرسلة و الإجماع معلوم العدم. و أما إطلاق الأمر بالغسل و التطهير، فمقيد بالنصوص المشار إليها. مع قرب دعوى انصراف الأول إلى الغسل بالماء لارتكاز مطهريته عرفا و شرعا دون غيره من المائعات. كما لا تبعد دعوى إجمال الثاني، و حصوله بغير الماء يحتاج إلى دليل، و لو بني على إطلاقه كان مقتضاه الاكتفاء بزوال العين. و أما‌

رواية غياث: «لا بأس أن يغسل الدم بالبصاق» «4»

فلعلها المشار إليها في كلام المفيد. لكنها مع أنها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 2.

112
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر ؛ ج‌1، ص : 111

.....

مهجورة- أخص من المدعى- لو كان البصاق من المضاف- و إلا كانت أجنبية عنه. مع أن ظاهر‌

رواية غياث الأخرى: «لا يغسل بالبصاق شي‌ء غير الدم!» «1»

مناف له فلا مجال لتتميمها بعدم القول بالفصل و نحوه.

ثمَّ إن المحكي عن السيد (ره) الاستدلال على ما ذكرنا: بأن الغرض ازالة عين النجاسة، و هو يحصل بالغسل بالمضاف. و مقتضى هذا الاستدلال عدم وجوب تطهير المتنجس بما لا تبقى عينه، و حصول الطهارة بمجرد زوال عين النجاسة بكل مزيل و ان لم يكن مضافا، و لكنه- كما ترى- خلاف النصوص المتقدمة الآمرة بالغسل و التطهير، فضلا عن النصوص الظاهرة في تعيين الماء.

و عن الكاشاني (ره) التفصيل بين الموارد التي ورد فيها ذلك فلا بد من الماء و بين غيرها فيكفي زوال العين. و فيه: أن هذا خلاف استصحاب النجاسة من دون دليل عليه. مضافا إلى أنه خلاف ما ثبت إجماعا و ارتكازاً من عدم الفرق بين الموارد. و إنكار سراية النجاسة إلى الجسم- ليسقط الاستصحاب- خلاف ظاهر النصوص، الموافق للارتكاز العرفي من سراية أثر عين النجاسة إلى ملاقيها. فلاحظ ما ورد في المرق و العجين اللذين أصابهما قطرة من خمر أو نبيذ «2»، و‌

قوله (ع): «ما يبل الميل ينجس حباً من الماء» «3».

و يشير إلى ذلك ما‌

في رواية عمر بن شمر الواردة في طعام ماتت فيه الفارة، قال (ع): «إنما استخففت بدينك حيث أن اللّه تعالى حرم الميتة من كل شي‌ء» «4»

، و ما ورد في التطهير من البول‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 2.

113
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر ؛ ج‌1، ص : 111

و لو في حال الاضطرار (1)، و ان لاقى نجسا تنجس (2) و ان كان كثيراً بل و ان كان مقدار ألف كر (3) فإنه ينجس بمجرد من أن الغسلة الثانية لازالة الأثر [1]، و غير ذلك. فلاحظ.

لعدم الفرق بين الحالين فيما ذكرنا. و عن ابن أبي عقيل مطهرية المضاف حينئذ. و دليله غير ظاهر، كما تقدم في رفع الحدث.

إجماعا محكيا عن كتب الفاضلين و الشهيدين، و غيرها، و عن السرائر: نفي الخلاف فيه. و قد تدل عليه الاخبار الواردة في نجاسة الزيت و السمن و المرق و نحوها بملاقاة النجاسة «1»، لأنها و إن لم تكن من المضاف، إلا أنها مثله في الميعان، الموجب لسراية النجاسة حسب الارتكاز العرفي، فالتعدي عنها إلى المضاف نظير التعدي منها إلى المائعات التي ليست من المضاف. بل قد عرفت أنه يظهر من رواية عمر بن شمر المتقدمة أن ذلك من أحكام النجاسة.

كما يقتضيه إطلاق معاقد الإجماعات و الكلمات. لكنه لا يخلو من تأمل، لعدم السراية عرفا في مثله، نظير ما يأتي من عدم السراية إلى العالي الجاري إلى السافل. و النصوص الواردة في السمن و المرق و نحوهما غير شاملة لمثله. و ثبوت الإجماع على السراية في الكثرة المفرطة غير ظاهر و من هنا يسهل الأمر في عيون النفط المستخرج في عصرنا، المعلوم غالباً مباشرة الكافر له بالرطوبة المسرية.

______________________________
[1] لم نعثر على ما تضمن ذلك في كتب الحديث. نعم روى في المعتبر صفحة: 121 من الحسين بن أبي العلاء عن الصادق (ع) قال: «سألته .. عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله مرتين الأول للإزالة و الثاني للإنقاء» و رواه مرسلا في الذكرى صفحة: 15.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف و المستعمل. و باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.

114
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه ؛ ج‌1، ص : 115

ملاقاة النجاسة و لو بمقدار رأس ابرة في أحد أطرافه فينجس كله. نعم إذا كان جاريا من العالي الى السافل و لاقى سافله النجاسة لا ينجس العالي منه (1)، كما إذا صب الجلاب من إبريق على يد كافر، فلا ينجس ما في الإبريق و ان كان متصلا بما في يده.

[ (مسألة 2): الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه]

(مسألة 2): الماء المطلق لا يخرج بالتصعيد عن إطلاقه (2). نعم لو مزج معه غيره و صعد- كماء الورد- يصير مضافا.

[ (مسألة 3): المضاف المصعد مضاف]

(مسألة 3): المضاف المصعد مضاف (3).

[ (مسألة 4): المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد]

(مسألة 4): المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد، لاستحالته بخاراً (4) ثمَّ ماء.

كما هو المشهور، بل قيل: الظاهر أنه مذهب الكل عدا السيد في المناهل. لعدم ثبوت سراية النجاسة كلية في المائعات، و انما الثابت منها في غير مثل ذلك. و الرجوع إلى العرف- الذي هو مقتضى الإطلاقات المقامية- يقتضي البناء على عدم السراية للنجاسة من السافل إلى العالي، فإنه المطابق لمرتكزاتهم. و مثله الكلام في سراية النجاسة من العالي إلى السافل مع تدافع السافل عليه كما في الفوارة. أما مع عدم التدافع من أحدهما إلى الآخر فلا إشكال في السراية من كل منهما إلى الآخر.

لصدق الماء عليه عرفا، الذي هو المعيار في الإطلاق.

لما تقدم من الصدق العرفي. لكن في اطراده في جميع الموارد تأملا.

الموجبة لمغايرته له عرفا، على نحو لا يجري معه استصحاب الحكم لتعدد الموضوع. و هذا هو المدار في مطهرية الاستحالة، لجريان أصالة‌

115
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا شك في مائع أنه مضاف أو مطلق ؛ ج‌1، ص : 116

[ (مسألة 5): إذا شك في مائع أنه مضاف أو مطلق]

(مسألة 5): إذا شك في مائع أنه مضاف أو مطلق فان علم حالته السابقة أخذ بها (1). و إلا فلا يحكم عليه بالإطلاق، و لا بالإضافة (2). لكن لا يرفع الحدث و الخبث (3) و ينجس، بملاقاة النجاسة إن كان قليلا، و إن كان بقدر الكر لا ينجس، لاحتمال كونه مطلقاً، و الأصل الطهارة (4).

الطهارة حينئذ بلا معارض، كما سيأتي في محله إن شاء اللّه. فاذا انقلب البخار ماء كان المرجع في حكمه أصالة الطهارة أيضاً، لا استصحابها، لتعدد الموضوع عرفا، كما في البخار.

للاستصحاب. هذا إذا كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية، أما لو كان بنحو الشبهة المفهومية- للشك في حدود المفهوم و قيوده، على نحو يستوجب الشك في صدقه على المورد- أشكل جريان الاستصحاب، لأنه من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد، كالجاري في الفرد المردد و أما استصحاب الحكم السابق فلا مانع منه، مثل استصحاب كونه مطهراً من الحدث و الخبث، إذا علم انه كان مطلقاً، أو استصحاب انفعاله بالملاقاة إذا علم كونه مضافا كثيراً. لكنه من الاستصحاب التعليقي المعارض بالاستصحاب التنجيزي غالباً. فلو لم يكن معارضا أو بنينا على حكومة الاستصحاب التعليقي على الاستصحاب التنجيزي، أو كان الحكم السابق تنجيزياً، فلا بأس بجريانه.

إذ لا موجب للحكم بذلك من دليل أو أصل.

لاستصحاب بقائهما.

يعني: استصحابها. نعم ربما يكون بعض الوجوه الموجبة للنجاسة في فرض الملاقاة مع الشك في الكرية مقتضياً للحكم بالنجاسة في المقام فانتظر.

116
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): المضاف النجس يطهر بالتصعيد ؛ ج‌1، ص : 117

[ (مسألة 6): المضاف النجس يطهر بالتصعيد]

(مسألة 6): المضاف النجس يطهر بالتصعيد كما مر- و بالاستهلاك في الكر أو الجاري (1).

بتفرق أجزائه فيه على نحو لا يبقى له وجود محفوظ في نظر العرف يجري فيه الاستصحاب. نظير الاستحالة في الأعيان النجسة المطهرة للمستحيل بالمناط المذكور. و أما المطلق المستهلك فيه فالمرجع فيه دليل اعتصامه كراً كان أو جاريا، أو ماء بئر، بناء على اعتصامه. و يعضده بعض النصوص الواردة في طهارة الماء الذي وقع فيه بول أو دم أو خمر أو نحوها «1» بعد حملها على المعتصم.

و لو انقلب المضاف مطلقا. بقي على نجاسته، للاستصحاب، إذ لا دليل على مطهرية الانقلاب كلية. و حينئذ يطهر بكل ما يطهر القليل النجس الآتي بيانه [1] إن شاء اللّه.

و عن العلامة- رحمه اللّه- القول بطهر المضاف بمجرد الاتصال بالكثير لكن لا دليل عليه. و‌

قول علي (ع): «الماء يطهر و لا يطهر» «2»

لا عموم له لكل متنجس، كما أشرنا إليه آنفاً. مع أن العموم غير كاف في ذلك، إذ لا إطلاق له في كيفية التطهير، و ليس بناء العرف على كفاية مجرد الاتصال في مثل ذلك.

و أما ما عن الشيخ (ره) من اعتبار عدم تغير المطلق المستهلك فيه المضاف بصفات المضاف، و مع التغير يتنجس المطلق. فغير ظاهر، إلا بناء على نجاسة المطلق المتغير بصفات المتنجس الملاقي له، و سيأتي الكلام فيه.

______________________________
[1] راجع المسألة: 2 و ما بعدها من مسائل الفصل المتعرض فيه لماء البئر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 3، 7 و باب: 5 حديث: 6، و باب: 9 حديث: 14.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

117
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): إذا القي المضاف النجس في الكر، فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، تنجس إن صار مضافا قبل الاستهلاك ؛ ج‌1، ص : 118

[ (مسألة 7): إذا القي المضاف النجس في الكر، فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، تنجس إن صار مضافا قبل الاستهلاك.]

(مسألة 7): إذا القي المضاف النجس في الكر، فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، تنجس إن صار مضافا قبل الاستهلاك. و ان حصل الاستهلاك و الإضافة دفعة لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجه (1) لكنه مشكل.

[ (مسألة 8): إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين]

(مسألة 8): إذا انحصر الماء في مضاف مخلوط بالطين، ففي سعة الوقت يجب عليه أن يصبر حتى يصفو و يصير الطين إلى الأسفل، ثمَّ يتوضأ على الأحوط (2). و في ضيق الوقت يتيمم، لصدق الوجدان مع السعة دون الضيق.

إذ في حال وجود المضاف كان المطلق الملاقي له معتصما، و بعد انقلاب المطلق مضافاً لا مضاف نجس كي ينجس بملاقاته. نعم قد تشكل صحة الفرض: بأن الاستهلاك يلازم صدق المطلق على الجميع، فكيف يكون الماء حينئذ مضافاً، و الإضافة و الإطلاق ضدان يمتنع اجتماعهما في محل واحد؟! و فيه: ما عرفت من أن الاستهلاك عبارة أخرى عن ذهاب الموضوع بنحو يمتنع أن يجري استصحاب نجاسته، و لا ملازمة عقلا بين ذلك و بين صدق الماء المطلق على المستهلك فيه كي يلزم اجتماع الضدين.

نعم في الغالب يكون انقلاب المطلق إلى المضاف ناشئاً من غلبة المضاف النجس عليه بنحو يمتنع صدق استهلاكه مع غلبته على المطلق. و لكن هذا المقدار لا يوجب امتناع الفرض.

بل الأقوى، بناء على أن المصحح للتيمم و المسقط لوجوب الطهارة المائية عدم القدرة عليها، لا مجرد عدم وجود الماء، كما سيأتي [1] إن شاء اللّه.

______________________________
[1] يأتي توضيح ان المراد عدم القدرة على المأمور به حتى في آخر الوقت (منه قدس سره)

118
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه - حتى الجاري منه ينجس إذا تغير ؛ ج‌1، ص : 119

[ (مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه- حتى الجاري منه ينجس إذا تغير]

(مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه- حتى الجاري منه- ينجس إذا تغير بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة من الطعم، و الرائحة، و اللون (1). بشرط أن يكون بملاقاة النجاسة، فلا يتنجس إذا كان بالمجاورة (2)، كما إذا وقعت ميتة قريباً من الماء فصار جائفا. و أن يكون التغير بأوصاف النجاسة (3) إجماعا محصلا و منقولا كاد يكون متواتراً، كما في الجواهر.

و يدل عليه الاخبار الكثيرة منها النبوي المتفق على روايته- كما عن السرائر- المتواتر عن الصادق (ع) عن آبائه- كما عن ابن أبي عقيل- الذي عمل به الأمة و قبلوه- كما‌

عن الذخيرة-: «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء، إلا ما غير لونه، أو طعمه، أو ريحه» «1»

و نحوه غيره [1].

و لا يقدح عدم ذكر اللون في جملة منها، فقد ذكر في بعضها الآخر، كمعتبر شهاب، و‌

فيه: «قلت: و ما التغير؟ قال: الصفرة» «2»

و‌

معتبر العلاء بن الفضيل: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الحياض يبال فيها.

قال (ع): لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» «3»

و قريب منهما غيرهما.

لعله لا خلاف فيه بل مجمع عليه، كذا في الجواهر. لأنه خارج عن مورد أكثر النصوص و منصرف الباقي.

سيأتي بيان المراد منه في المسألة الحادية عشرة.

______________________________
[1] الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق ففيها جملة أحاديث، و يوجد بعض الأحاديث في أبواب أخر متفرقة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

119
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه - حتى الجاري منه ينجس إذا تغير ؛ ج‌1، ص : 119

دون أوصاف المتنجس (1). فلو وقع فيه دبس نجس فصار أحمر، أو أصفر لا ينجس إلا إذا صيره (2) مضافا. نعم لا يعتبر أن يكون بوقوع عين النجس فيه (3)، بل لو وقع فيه متنجس حامل لأوصاف النجس فغيره بوصف النجس كما صرح به جماعة كثيرة، بل في الجواهر: «يمكن استنباط الإجماع عند التأمل عليه». إذ مورد أكثر النصوص نجس العين كالميتة، و الدم، و البول. و أما النبوي و نحوه فهو و ان كان لفظه عاماً للمتنجس، إلا أن منصرفه خصوص وصف نجس العين، إذ هو الذي يساعده الارتكاز العرفي من اختصاص النفرة بذلك لا غير عندهم، للفرق بين ظهور أثر النجس بالذات في الماء، و بين ظهور أثر الطاهر بالذات فيه، و ان كان نجساً بالعرض، فإن الأول يناسب البناء على نجاسة الماء دون الثاني، لأن النفرة الذاتية في الأول تستوجب النفرة عن الأثر، بخلاف الثاني، لعدم النفرة الذاتية فيه، و النفرة العرضية زائلة بزوال موضوعها، لفرض الاستهلاك فتأمل جيداً.

يعنى: مع بقاء الدبس بنحو يصح استصحاب نجاسته. أما لو صيره مضافا بعد الاستهلاك أو مقارنا له فقد تقدم أن للطهارة وجها وجيها.

كما صرح بذلك جماعة. و قد يشكل: بأن المعيار في التنجس ان كان ظهور أثر النجاسة في الماء- و لو لم تكن ملاقاة لها- فاللازم الاكتفاء بذلك و لو مع المجاورة، و ان كان بشرط الملاقاة فالتغير بالمتنجس الحامل لصفات عين النجاسة لا يوجب النجاسة لعدم الملاقاة. نعم إذا كان المتنجس حاملا لاجزاء النجاسة- و لو كانت متفرقة فيه- كانت الملاقاة للنجاسة، لكنه ليس من محل الكلام، أو أنه ليس كذلك دائما.

فإن قلت: المتنجس إذا كان حاملا لأوصاف النجاسة فلا بد أن يكون حاملا لأجزائها لامتناع انتقال العرض من محل الى محل آخر، و حينئذ فالملاقي‌

120
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه - حتى الجاري منه ينجس إذا تغير ؛ ج‌1، ص : 119

تنجس أيضاً. و أن يكون التغير حسياً (1)، فالتقديري لا يضر، له ملاق لعين النجاسة حقيقة (قلت): هذا المقدار غير كاف في التنجس لأن‌

قوله (ص): «لا ينجسه شي‌ء إلا ما غير ..».

قد عرفت أنه منصرف الى المتغير بملاقاة النجاسة عرفا، و هو غير حاصل في جميع أفراد المتغير بالمتنجس و ان كان حاصلا عقلا.

اللهم إلا أن يبنى على عموم الموصول في النبوي و نحوه للنجس و المتنجس و على انصرافه الى خصوص صورة الملاقاة و كون التغير بوصف النجس ذاتاً لمساعدة الارتكاز العرفي عليه، كما أشرنا الى ذلك آنفا. و يؤيده أن الغالب في التغير بالجيفة و نحوها سراية التغير مما حولها الى ما يتصل به و هكذا.

و من هذا يظهر الاشكال فيما في الجواهر من اختصاص الحكم بالنجاسة بصورة استناد التغير إلى النجاسة التي تغير بها المتنجس دون غيرها من الصور و ان كان التغير بصفة النجاسة. فإنه مبني على اختصاص الموصول في النبوي و نحوه بالنجس دون المتنجس، و لكنه خلاف الإطلاق. فلاحظ.

و قد يقرر الوجه في النجاسة: بأن المتغير بعين النجاسة إذا امتزج بالكثير فغيره، فاما أن يطهر المتنجس، و هو خلاف النص و الإجماع على اعتبار زوال التغير في طهارة المتغير، أو يبقى كل على حكمه، و هو خلاف الإجماع على اتحاد الماء الواحد في الحكم، أو ينجس الطاهر، و هو المطلوب و يتم الحكم في غير الممتزج بالإجماع على عدم الفصل.

المراد بالحسي (تارة): ما يقابل الواقعي الذي لا يدركه الحس (و أخرى): الفعلي ما يقابل التقديري. و اعتبار الحسي بالمعنى الأول مقتضى النصوص الدالة على الطهارة بملاقاة البول و الدم و غيرهما إذا لم يتغير الماء، فإنه لا بد من وجود التغير واقعاً لاختلاف اللونين. و أما اعتباره بالمعنى الثاني فهو المشهور بل لم ينسب الخلاف فيه إلا الى العلامة في القواعد و غيرها‌

121
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): الماء المطلق بأقسامه - حتى الجاري منه ينجس إذا تغير ؛ ج‌1، ص : 119

فلو كان لون الماء أحمر أو أصفر، فوقع فيه مقدار من الدم كان يغيره لو لم يكن كذلك لم ينجس، و كذا إذا صب فيه بول كثير لا لون له بحيث لو كان له لون غيره، و كذا لو كان و بعض من تأخر عنه. و يشكل: بأن التغير كغيره من العناوين المذكورة في القضايا الشرعية ظاهر في الوجود الفعلي، و لا سيما بملاحظة الارتكاز العرفي فلا يشمل التقدير الفرضي.

و دعوى: كون التغير ملحوظا طريقاً الى كم النجاسة، لا موضوعا ليدور الحكم مداره. مندفعة أولا: بأنه خلاف الظاهر، كما عرفت. و ثانياً: بأن لازمه عدم نجاسة المتغير إذا كان كم النجاسة قليلا و وصفها شديداً. و ثالثا:

بأن تحديد الكم المقتضي للتغير مجهول لا طريق إلى معرفته، و لازمه أنه مع الشك يرجع الى استصحاب الطهارة و لو مع العلم بالتغير. اللهم إلا أن يدعى ان التغير طريق شرعي إلى حصول الكم المنجس، فتكون النصوص المتضمنة للنجاسة مع التغير واردة في مقام جعل الحكم الظاهري لا الواقعي و لكنه كما ترى.

و عن البيان و جامع المقاصد الاكتفاء بالتقدير فيما لو كان عدم ظهور أثر النجاسة لوجود وصف في الماء، معللا: بأن التغير فيه حقيقي مستور، و وافقهما عليه جماعة من الأساطين، بل في الحدائق: نسبه الى قطع المتأخرين من دون خلاف ظاهر معروف. و فيه ما لا يخفى، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين، فاذا كان الماء متلوناً بمثل لون النجاسة كيف يتلون بلونها؟

و أشكل من ذلك ما عن المحقق الخونساري من التفصيل في اعتبار التقدير بين الصفات العارضية، كما في المصبوغ بطاهر أحمر، فيعتبر فيه التقدير، و بين الصفات الأصلية، كما في المياه الكبريتية، فلا يعتبر فيه التقدير. فإنه بلا فاصل ظاهر.

122
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): لو تغير الماء بما عدا الأوصاف المذكورة ؛ ج‌1، ص : 123

جائفاً فوقع فيه ميتة كانت تغيره لو لم يكن جائفا، و هكذا.

ففي هذه الصور ما لم يخرج عن صدق الإطلاق (1) محكوم بالطهارة، على الأقوى.

[ (مسألة 10): لو تغير الماء بما عدا الأوصاف المذكورة]

(مسألة 10): لو تغير الماء بما عدا الأوصاف المذكورة من أوصاف النجاسة، مثل الحرارة و البرودة، و الرقة و الغلظة، و الخفة و الثقل، لم ينجس ما لم يصر مضافا (2).

[ (مسألة 11): لا يعتبر في تنجسه أن يكون التغير بوصف النجس بعينه]

(مسألة 11): لا يعتبر في تنجسه أن يكون التغير بوصف النجس (3) بعينه، فلو حدث فيه لون أو طعم أو ريح غير ما بالجنس- كما لو اصفر الماء مثلا بوقوع الدم- تنجس. و كذا لو حدث فيه بوقوع البول أو العذرة رائحة أخرى غير رائحتهما. فالمناط تغير أحد الأوصاف المذكورة بسبب النجاسة و ان كان من غير سنخ وصف النجس (4).

يعني: مع عدم استهلاك النجاسة، أما لو كان الخروج عن ذلك بعد الاستهلاك فالحكم الطهارة أيضا.

إجماعا محكياً عن غير واحد. و يقتضيه الحصر المستفاد من النبوي و غيره يعني: قبل الملاقاة.

محتملات التغير بدواً أربعة: (الأول): التغير بمثل وصف النجاسة (الثاني): التغير بسنخ وصفها قبل الملاقاة، مثل التغير بالصفرة من وقوع الدم الأحمر. (الثالث): التغير بوصف النجاسة في الجملة و لو كان وصفا لها بعد ملاقاة الماء، نظير الحناء التي وصفها الخضرة، فاذا لاقت الماء صار وصفها الحمرة، و الزاج الذي وصفه البياض، فاذا لاقى الماء الذي فيه شي‌ء من الدباغ صار وصفه السواد. (الرابع): التغير‌

123
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العرضي ؛ ج‌1، ص : 124

[ (مسألة 12): لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العرضي]

(مسألة 12): لا فرق بين زوال الوصف الأصلي للماء أو العرضي، فلو كان الماء أحمر أو أسود لعارض، فوقع فيه البول حتى صار أبيض، تنجس. و كذا إذا زال طعمه مطلقاً و لو بوصف أجنبي عن وصف النجاسة مطلقا أو بزوال وصفه.

هذا و قد يظهر من الجواهر أحد الأولين، للتبادر، أو لأنه المتيقن و يرجع في غيره الى استصحاب الطهارة. كما أن مقتضى الإطلاق في النبوي و غيره الأخير. اللهم إلا أن يناقش في الإطلاق: بأن الارتكاز العرفي يساعد على اعتبار ظهور وصف النجاسة في الماء، لاختصاص الاستقذار العرفي بذلك و طروء وصف أجنبي أو زوال وصف الماء لا يوجب النفرة. و يعضده ظهور جملة من النصوص في ذلك،

ففي صحيح شهاب الوارد في الجيفة تكون في الغدير قال (ع): «إلا أن يغلب الماء الريح فينتن

.. (إلى أن قال):

قلت: فما التغير؟ قال (ع): الصفرة» «1».

و‌

في موثق سماعة: «إذا كان النتن الغالب على الماء فلا يتوضأ و لا يشرب» «2».

و‌

في خبر العلاء:

«لا بأس إذا غلب لون الماء لون البول» «3».

و‌

في صحيح ابن بزيع:

«حتى يذهب الريح و يطيب طعمه» «4».

فان ظاهر الجميع اعتبار التغير بوصف النجاسة في الجملة و لو كان ثبوته لها في حال الملاقاة للماء، كما عرفت في الاحتمال الثالث. و على هذا يكون هو المتعين. و من ذلك يظهر الاشكال فيما ذكره المصنف- رحمه اللّه- في المسألة اللاحقة بقوله. «لا فرق بين». فلاحظ و تأمل.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.

124
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 13): لو تغير طرف من الحوض مثلا - تنجس ؛ ج‌1، ص : 125

العرضي، أو ريحه العرضي.

[ (مسألة 13): لو تغير طرف من الحوض مثلا- تنجس]

(مسألة 13): لو تغير طرف من الحوض- مثلا- تنجس، فان كان الباقي أقل من الكر تنجس الجميع (1)، و ان كان بقدر الكر بقي على الطهارة و إذا زال تغير ذلك البعض طهر الجميع و لو لم يحصل الامتزاج، على الأقوى (2) لانفعال الباقي بملاقاة المتغير.

كما نسب إلى الأكثر، و عن المحقق و الشهيد الثانيين و أكثر من تأخر عنهما التصريح به. بل قيل: «لم يعرف القول بالامتزاج من قبل المحقق في المعتبر». و ان كان ذلك لا يخلو عن نظر.

لصحيح ابن بزيع عن الرضا (ع): «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه، فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه، لأن له مادة» «1»

و محصل ما ينبغي أن يقال في تقريب الاستدلال: أن قوله (ع):

«واسع»

و ان كان يحتمل أن يراد منه الكثير، لكن لما كان ذلك أمراً خارجياً عرفياً كان خلاف ظاهر البيان الوارد من الشارع. فيتعين أن يكون المراد منه أنه واسع الحكم. و لا سيما بملاحظة عدم المناسبة في التعبير عن الكثرة بالسعة و عليه فيكون قوله (ع):

«لا يفسده شي‌ء»

. من قبيل التفصيل بعد الاجمال، فترجع الجملتان الى مضمون واحد، و رجوع التعليل اليه محتمل و أما الاستثناء فلا معنى لرجوع التعليل اليه. أما قوله:

«فينزح»

فرجوع التعليل اليه و ان كان ممكنا عقلا إلا أنه بعيد جداً، لخلوه عن المناسبة العرفية و أما قوله (ع):

«حتى يذهب الريح ..»

. فلما كان المستفاد منه أمرين أحدهما عرفي خارجي، و هو ترتب ذهاب الريح و طيب الطعم على النزح و الثاني حصول الطهارة بذلك، كما هو مفاد حرف الانتهاء، لم يكن مانع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.

125
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 13): لو تغير طرف من الحوض مثلا - تنجس ؛ ج‌1، ص : 125

.....

عقلي من رجوعه الى كل منهما.

لكن رجوعه إلى الأول يبعده أمور: (الأول): أنه أمر عرفي واضح التحقق، فيكون تعليله في لسان الشارع تعليلا على خلاف وظيفته و بيانا للواضح، (الثاني): أن ذهاب الريح لا يترتب على مجرد وجود المادة، و انما يترتب على ذلك منضما الى تزايد الماء النقي، و نقص المتغير و غلبة الأول على الثاني، فلو رجع التعليل اليه لزم الاقتصار على بعض العلة في التعليل و هو خلاف الظاهر. (الثالث): أن المفاد المذكور ليس مدلولا عليه بالكلام و لا مما سيق لأجله، و انما هو متصيد. و هذا بخلاف المفاد الثاني كما لا يخفى.

و من ذلك يظهر لك الاشكال فيما عن الشيخ البهائي (ره) في الحبل المتين من إجمال التعليل، لاحتمال رجوعه الى ترتب ذهاب الريح و طيب الطعم على النزح، نظير قولك: لازم غريمك حتى يوفيك حقك فإنه يكره ملازمتك.

و على ما ذكرنا فالمتعين إرجاع التعليل إما الى المفاد الثاني للفقرة الأخيرة وحده، أو مع الفقرة الأولى فيكون تعليلا لمجموع المفادين. و الأول متيقن و الأظهر الأخير. و احتمال إرجاعه إلى الفقرة الأولى فقط- فيكون تعليلا للدفع فقط- بعيد، لان الكلام السابق عليه مشتمل على الدفع و الرفع معا و كون الرفع أقرب إليه، فيكون تعليل الدفع الذي هو أبعد إيهاما لخلاف المقصود، فهو خلاف الظاهر. بل عرفت أن رجوعه الى الرفع الذي هو أقرب متيقن، و رجوعه اليه و الى الدفع الأبعد أظهر، لأن تخصيصه بأحدهما دون الآخر مع احتياج كل منهما اليه بلا مخصص، فهو خلاف الظاهر.

و كون الثاني من متعلقات الأول- لو تمَّ- فأولى أن يقتضي الرجوع إليهما معا لا إلى أحدهما وحده. على أن تعلق الثاني بالأول من جهة عطفه عليه‌

126
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير ؛ ج‌1، ص : 127

[ (مسألة 14): إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير]

(مسألة 14): إذا وقع النجس في الماء فلم يتغير، بالفاء، و التعلق بالعطف لا يمنع من كون الثاني متيقناً في مرجعية التعليل.

ثمَّ إن مقتضى ظهور التعليل في العموم للمورد و غيره عدم الفرق بين ماء البئر و غيره، فيشمل المقام و ان لم يصدق عرفا على مقدار الكر أنه مادة، لأن الارتكاز العرفي يقتضي كون المراد من المادة مطلق المعتصم و ان لم يسم بالمادة. و لو بني على الاقتصار في التعليل على خصوص ما يسمى بالمادة كان تعليلا تعبديا، و هو خلاف الظاهر.

فان قلت: مورد التعليل صورة امتزاج ما في المادة بالماء المتغير على نحو يزول تغيره بتوسط النزح، لأن الحكم المعلل مطهرية زوال التغير بتوسط النزح، و هو إنما يكون مع الامتزاج لا بدونه، فكيف يستفاد من التعليل مطهرية الاتصال مطلقاً؟! قلت: خصوصية النزح ليست معتبرة. أولا: للإجماع على كفاية الامتزاج و لو لم يكن نزح. و ثانياً: لأجل أن البناء على اعتبارها تعبداً يوجب حمل التعليل على التعبدي لعدم دخل النزح في الطهارة في مرتكز العرف، و انما الدخيل مجرد زوال التغير بأي سبب كان، فإذا بني لذلك على إلغاء خصوصية النزح كان المدار على مجرد زوال التغير. و أما الامتزاج و غيره من الخصوصيات الموجودة في ماء البئر عند ذهاب تغيره فالغاؤها لازم، للاقتصار في التعليل على ذكر المادة فلو كانت خصوصية غيرها دخيلة في الطهارة عند زوال الريح كان اللازم ذكرها، فعدم التعرض لذلك دليل على عدم اعتباره.

و المتحصل مما ذكرنا: أن ظاهر الصحيح الشريف رجوع التعليل الى الدفع و الرفع معا، فكما أن الاتصال بالمادة موجب لاعتصام الماء حدوثاً كذلك يوجب ارتفاع النجاسة عند زوال التغير الموجب للنجاسة.

127
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 15): إذا وقعت الميتة خارج الماء و وقع جزء منها في الماء ؛ ج‌1، ص : 128

ثمَّ تغير بعد مدة، فإن علم استناده الى ذلك النجس تنجس، و إلا فلا (1).

[ (مسألة 15): إذا وقعت الميتة خارج الماء و وقع جزء منها في الماء]

(مسألة 15): إذا وقعت الميتة خارج الماء و وقع جزء منها في الماء (2) و تغير بسبب المجموع من الداخل و الخارج، تنجس (3)، بخلاف ما إذا كان تمامها خارج الماء.

[ (مسألة 16): إذا شك في التغير و عدمه]

(مسألة 16): إذا شك في التغير و عدمه، أو في كونه للمجاورة أو بالملاقاة، أو كونه بالنجاسة أو بطاهر، لم يحكم بالنجاسة (4).

[ (مسألة 17): إذا وقع في الماء دم و شي‌ء طاهر أحمر فاحمر بالمجموع لم يحكم بنجاسته]

(مسألة 17): إذا وقع في الماء دم و شي‌ء طاهر أحمر فاحمر بالمجموع لم يحكم بنجاسته (5).

للأصل.

يعني: بعضها في الماء و بعضها في الأرض.

كما استظهره شيخنا الأعظم (ره) «1» لإطلاق النصوص، مع أن الغالب الجيفة التي تكون في الماء بروز بعضها. و التفكيك بينه و بين فرض المسألة في الحكم بعيد عن المرتكز العرفي، و البناء على الطهارة فيهما معا في صورة الاستناد الى الداخل و الخارج كما ترى. بل من المحتمل شمول الإطلاقات لصورة الاستناد إلى ما هو خارج فقط بلا مشاركة ما هو في الماء نعم لو كانت الجيفة في الخارج و بعضها اليسير في الماء كطرف رجلها و ذنبها و نحوهما لم تبعد دعوى الانصراف عن مثله.

لأصالة عدم التغير، و عدم الملاقاة، و عدم التغير بالنجس.

بل ينبغي الحكم بها لو كان بعض مراتب الحمرة مستنداً الى الدم‌

______________________________
(1) المحقق الشيخ الأنصاري.

128
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 18): الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر ؛ ج‌1، ص : 129

[ (مسألة 18): الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر]

(مسألة 18): الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر (1). نعم الجاري و النابع و بعضها مستندا إلى الأحمر، لتحقق التغير بالنجاسة عرفا على سبيل الاستقلال نعم لو كان التغير بمرتبة ضعيفة، بحيث كان أثر الدم استقلالا غير محسوس لم يبعد ما في المتن، لظهور الأدلة في الاستناد الاستقلالي.

إجماعا في القليل- كما قيل- و على المشهور في الكثير. و عن يحيى بن سعيد: القول بالطهارة فيه. لأصالة الطهارة. و للنصوص الدالة على إناطة النجاسة بالتغير وجودا و عدما. و‌

للخبر: «إذا بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا» «1».

و‌

لقول الرضا (ع) في صحيح ابن بزيع المتقدم:

«حتى يذهب الريح و يطيب طعمه» «2»

بناء على كون‌

(حتى)

تعليلية مع رجوع التعليل الى الأمر العرفي كما سبق احتماله في الحبل المتين.

و فيه: أن أصل الطهارة محكوم باستصحاب النجاسة. و الاشكال على الاستصحاب: بأن موضوع اليقين فيه المتغير و موضوع الشك غير المتغير، فيتعدد فيه الموضوع، و مع تعدد الموضوع لا يجري الاستصحاب. مندفع:

بأن التغير و عدمه من قبيل الأحوال، التي لا يوجب اختلافها تعدداً في الموضوع عرفا، كما حقق في محله.

و أما النصوص: فظاهرها إناطة النجاسة حدوثاً بالتغير و عدمه، لا ما يعم الحدوث و البقاء، كي تصلح حجة في المقام.

و أما الخبر: فسيأتي- إن شاء اللّه تعالى- في حكم المتمم كراً الاشكال فيه، لضعف سنده، و هجره عند المشهور، و معارضته بما دل على انفعال‌

______________________________
(1) السرائر صفحة: 8.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.

129
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 18): الماء المتغير إذا زال تغيره بنفسه من غير اتصاله بالكر أو الجاري لم يطهر ؛ ج‌1، ص : 129

إذا زال تغيره بنفسه طهر، لاتصاله بالمادة. و كذا البعض من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكر كما مر (1).

الماء القليل [1]. نعم لو جاز العمل به هناك تعين العمل به هنا، لأن خروج الماء عنه حال التغير إنما يقتضي تقييد إطلاقه الاحوالي، لا تخصيص عمومه الأفرادي، فإذا وجب الخروج عنه في حال تعين الرجوع إليه في غيره من الأحوال، لوجوب الرجوع إلى المطلق مع الشك في التقييد، فاذا شك في طهارته في حال زوال التغير كان إطلاقه الدال على الطهارة مرجعاً رافعا للشك، فلا مجال لاستصحاب النجاسة.

و أما صحيح ابن بزيع: فكون‌

(حتى)

فيه تعليلية غير ظاهر، و انما تتعين (حتى) لذلك إذا لم يمكن استمرار ما قبلها بدون ما بعدها، مثل:

أسلم حتى تسلم، أما إذا أمكن استمراره كذلك فهي فيه للغاية. نعم ربما يكون مدخولها علة غائية و ربما لا يكون، و الحمل على واحد منهما بعينه يحتاج إلى قرينة، و هي مفقودة في المقام. و قد عرفت ضعف احتمال رجوع التعليل إلى الأمر العرفي.

و مر وجهه في شرح المسألة الثالثة عشرة.

______________________________
[1] يأتي منه- قدس سره- في المسألة الرابعة عشرة من فصل الماء الراكد الاشكال بذلك تبعا لما هو المشهور بين الفقهاء. لكنه- قدس سره- دفع المعارضة و استشكل في الخبر يضعف الدلالة. فراجع.

130
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في حكم الماء الجاري ؛ ج‌1، ص : 131

[فصل في حكم الماء الجاري]

فصل الماء الجاري- و هو النابع (1) السائل على وجه الأرض (2) فوقها أو تحتها، كالقنوات- لا ينجس بملاقاة النجس ما لم يتغير، سواء كان كراً أو أقل (3).

فصل في حكم الماء الجاري بلا خلاف فيه، كما عن جماعة. و في جامع المقاصد: إن الجاري لا عن نبع من أقسام الراكد، يعتبر فيه الكرية اتفاقا ممن عدا ابن أبي عقيل انتهى. و يساعده المتفاهم العرفي، فإن الاستعداد للجريان مقوم لمفهوم الجاري و ما لا يكون له نبع فاقد لذلك الاستعداد. نعم الجاري لغة أعم من ذلك.

كما نص عليه جماعة. لكن في المسالك: أنه النابع غير البئر سواء جرى أم لا. انتهى. فإن أراد أنه كذلك لغة أو عرفا فممنوع. و ان أراد أنه كذلك اصطلاحا فغير ظاهر، لما عرفت من تصريح جمع بخلافه.

أما نجاسته مع التغير فمتفق عليها نصاً و فتوى. و أما عدم نجاسته بالملاقاة- و ان كان قليلا- فظاهر محكي عبارات جماعة انه إجماعي، بل عن حواشي التحرير نقل الإجماع عليه صريحاً، و في الجواهر: «يمكن للمتروي في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع على عدم اشتراط الكرية».

و يشهد له التعليل في صحيح ابن بزيع المتقدم «1»، على ما عرفت‌

______________________________
(1) راجع المسألة: 13 من الفصل الأول في المياه.

131
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في حكم الماء الجاري ؛ ج‌1، ص : 131

.....

من عمومه للمقام. و‌

صحيح داود بن سرحان: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

ما تقول في ماء الحمام؟ قال (ع): بمنزلة الماء الجاري» «1».

لكن يشكل بإجمال الحكم الملحوظ في التنزيل، إذ يحتمل أن لا يكون هو الاعتصام و لا قرينة في الكلام على تعيينه.

و أما الإشكال: بأنه على خلاف المطلوب أدل، بناء على اشتراط بلوغ المادة و لو مع ما في الحياض كراً، لأن مقتضى التنزيل مساواة الشيئين في الحكم. (فيدفعه): أن التنزيل إنما يقتضي ثبوت حكم ذي المنزلة لما جعل بمنزلته، أعني: حكم الجاري لماء الحمام، لا حكم ماء الحمام للجاري و لو سلم فغاية ما يقتضي ذلك اعتبار الكرية في مادة الجاري- و لو بضميمة الخارج عنها- و لا مضايقة في ذلك. لكن حينئذ يدل على عدم اعتبار الكرية في الماء الجاري، كما ذهب إليه العلامة (ره) و من تبعه.

نعم من هنا يظهر أنه لو فرض ظهور الرواية في كون التنزيل بلحاظ الاعتصام لا حكم آخر مجهول فلا يظهر منها التنزيل في الاعتصام مطلقاً، بل من الجائز أن يكون التنزيل بلحاظ الاعتصام في حال كون المادة كراً، و عدمه عند كونها دون الكر، فاعتصام الجاري مطلقاً مما لا يمكن إثباته من الرواية بوجه.

نعم لا يتوجه هذا الاشكال على رواية ابن أبي يعفور «2» المتضمنة أن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً، للتصريح فيها بكون الاعتصام هو الملحوظ في التنزيل. كما لا يتوجه عليها الاشكال بمنع عموم النهر للقليل إذ هو خلاف الإطلاق. كالإشكال بمنع اختصاص النهر بما له نبع، إذ هو لا يقدح في الاستدلال بها على حكم ذي النبع.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

132
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في حكم الماء الجاري ؛ ج‌1، ص : 131

.....

نعم تشكل هذه الرواية: بأن ظاهر‌

قوله (ع): «يطهر بعضه بعضاً»

أن الاعتصام يكون لماء النهر بنفسه، لا بالمادة، و حيث عرفت الاتفاق على أن ما لا مادة له بحكم المحقون يتعين له حمل الرواية على النهر المشتمل على الكر و تكون أجنبية عما نحن فيه (و دعوى): أن حملها على الكر يستوجب إلغاء خصوصية النهرية. (يدفعها): أن ارتكاب ذلك أولى من التصرف في ظاهر قوله (ع):

«يطهر ..»

بحمله على التطهير بالمادة.

و أما الإشكال عليها: بأن مقتضى المماثلة المساواة من الطرفين ..

إلى آخر ما تقدم في صحيح ابن سرحان. فقد عرفت ما فيه، و أنه لا مضايقة في الالتزام باعتبار الكرية في المادة في الجاري و غيره و لو بضميمة ما في الحياض.

بل لا يبعد اعتبار الكرية فيها مستقلة- و إن قيل: انه لا قائل به ظاهراً- لانصراف إطلاق المادة في التعليل إلى ما كانت كراً، بقرينة الارتكاز العرفي المتعين حمل التعليل عليه، فان البناء على الأخذ بالإطلاق يوجب كون التعليل تعبدياً، إذ لا ارتكاز عرفي يساعد على كون المادة مطلقا عاصمة لغيرها. فلاحظ.

ثمَّ إن اعتبار الكرية في المادة مستقلة، أو بضميمة ما في الحياض، أجنبي عن مذهب العلامة (ره)، فدعوى: أنه عين مذهب العلامة في الجاري غير ظاهرة. و من ذلك تعرف وجوه النظر في كلمات شيخنا الأعظم (ره) في طهارته. فراجع.

و أما‌

صحيحة ابن مسلم في الثوب يصيبه البول: «فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة» «1»

فالاستدلال بها يتوقف إما على اعتبار التعدد في غير المعتصم، أو على اعتبار ورود الماء في غير المعتصم مع ظهورها في ورود النجاسة على الماء، و كلا المبنيين غير ظاهر. نعم ورد في البول وجوب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات حديث: 1.

133
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الجاري على الأرض من غير مادة نابعة أو راشحة إذا لم يكن كرا ينجس بالملاقاة ؛ ج‌1، ص : 134

و سواء كان بالفوران أو بنحو الرشح (1). و مثله كل نابع و ان كان واقفا (2).

[ (مسألة 1): الجاري على الأرض من غير مادة نابعة أو راشحة إذا لم يكن كراً ينجس بالملاقاة]

(مسألة 1): الجاري على الأرض من غير مادة نابعة التعدد. لكن لا مانع من تخصيصه بغير الجاري، عملا بالصحيح المذكور.

و من هذا كله يظهر لك: أن العمدة في اعتصام الجاري- و ان كان قليلا- عموم التعليل في صحيح ابن بزيع و كفى به حجة على ذلك.

و به يظهر ضعف ما ذهب إليه العلامة (ره) في أكثر كتبه- و تبعه عليه الشهيد الثاني (ره) في المسالك، و الروض، و الروضة- من اعتبار الكرية فيه تمسكا بعموم ما دل على انفعال القليل، إذ هو مخصص بالتعليل المذكور حتما، لأن ظهور التعليل في العموم أقوى من ظهور ذلك الدليل فيه. و لو سلم التساوي فلأجل أن بينهما عموما من وجه، يتعين الرجوع الى عموم النبوي الدال على اعتصام الماء مطلقا و لو كان قليلا ما لم يتغير، أو الى أصالة الطهارة.

لإطلاق المادة. و في الحدائق عن والده (ره): عدم تطهير الآبار التي في بعض البلدان بالنزح بل بإلقاء كر، لأن ماءها يخرج رشحاً. انتهى و فيه: أن ذلك لا يأبى شمول إطلاق المادة له. نعم بناء على ما عرفت من اتفاقهم على اعتبار النبع في الجاري قد يشكل صدقه إذا كانت المادة راشحة لخروج الرشح عن النبع. لكن الظاهر أن المراد من النبع ما هو أعم من الرشح مقابل ما لا مادة له. و لو سلم ذلك فلا يهم بعد ما عرفت من أن العمدة في دليل حكم الجاري ما دل على عاصمية المادة، و هي أعم من الرشح بل قد قيل: إن الغالب في الآبار الرشح.

لما عرفت من عموم التعليل في صحيح ابن بزيع.

134
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): إذا شك في أن له مادة أم لا و كان قليلا، ينجس بالملاقاة ؛ ج‌1، ص : 135

أو راشحة إذا لم يكن كراً ينجس بالملاقاة (1). نعم إذا كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه بملاقاة الأسفل للنجاسة (2)، و ان كان قليلا.

[ (مسألة 2): إذا شك في أن له مادة أم لا و كان قليلا، ينجس بالملاقاة]

(مسألة 2): إذا شك في أن له مادة أم لا و كان قليلا، ينجس بالملاقاة (3).

لعدم شمول التعليل له. و نصوص الجاري، لو تمت دلالتها على اعتصامه فهي غير واضحة الشمول للفرض، كما عرفت.

كما تقدم في المسألة الأولى من الفصل السابق. نعم لو لم يكن الجريان بقوة و دفع تعين البناء على سراية النجاسة إلى العالي، لموافقته للمرتكز العرفي.

لأن الجمع بين ما دل على انفعال القليل، و ما دل على اعتصام ذي المادة، يقتضي كون موضوع الانفعال القليل الذي ليس له مادة، فاذا أحرزت قلة الماء، و جرت أصالة عدم المادة، فقد أحرز موضوع الانفعال بعضه بالوجدان، و بعضه بالأصل، فيترتب حكمه.

ثمَّ إن الشك في وجود المادة (تارة): يكون في وجودها المقارن لوجود الماء. (و أخرى): في وجودها اللاحق بعد وجود الماء. و في الصورة الثانية: إن علم بانتفائها قبل زمان الشك بني على استصحاب عدمها فيترتب الحكم بلا إشكال. و ان علم بوجودها قبل زمان الشك بني على استصحاب وجودها، و يترتب حكمه و هو الاعتصام بلا إشكال أيضاً.

أما في الصورة الأولى: فأصالة العدم فيها من قبيل استصحاب العدم الأزلي الثابت قبل وجود الموضوع، و هو محل كلام بين الأعلام، و إن كان الأظهر جريانه، لعموم الأدلة بعد اجتماع أركانه من اليقين و الشك (و دعوى): أن العدم الأزلي مغاير للعدم اللاحق للوجود، لكون الأول‌

135
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): إذا شك في أن له مادة أم لا و كان قليلا، ينجس بالملاقاة ؛ ج‌1، ص : 135

.....

عدماً لعدم الموضوع، و الثاني عدماً لعدم المقتضي أو لوجود المانع، و ليس عدم الموضوع دخيلا فيه، لفرض وجوده. (مندفعة): بأن هذا الاختلاف لا يستوجب اختلافهما ذاتاً، و انما يستوجب اختلافهما منشأ و علة، و ذلك لا يمنع من إجراء الاستصحاب، و لا يوجب التعدد عرفاً، كما يظهر من ملاحظة النظائر، فإنه يجوز استصحاب ترك الأكل و الشرب للصائم بعد الغروب، مع أن الترك الى الغروب كان بداعي الأمر الشرعي- و هو منتف بعد الغروب- و الترك بعده لا بد أن يكون بداع آخر.

فان قلت: عدم العارض لما كان نقيضاً لوجود العارض، و لا بد من وحدة الرتبة بين النقيضين، و من المعلوم أن وجود العارض متأخر رتبة عن وجود المعروض، فعدم العارض المأخوذ قيداً في الحكم لا بد أن يكون متأخراً رتبة عن وجود الموضوع، و العدم الأزلي ليس كذلك، لأنه سابق على وجود الموضوع.

قلت: السبق الزماني على وجود الموضوع لا ينافي التأخر الرتبي عنه فان وجود المعروض و عدمه نقيضان، و هما في رتبة واحدة، و وجود العارض و عدمه نقيضان و هما في رتبة واحدة أيضاً، فعدم العارض لما كان بمنزلة المعلول لعدم المعروض كان متأخراً عنه رتبة، و هو عين تأخره عن وجود المعروض المتأخر زماناً، لكون وجود المعروض في رتبة عدمه فالمتأخر عن أحدهما متأخر عن الآخر، و تأخر وجود المعروض زماناً لا ينافي ذلك.

و بالجملة: ثبوت شي‌ء لشي‌ء فرع ثبوت المثبت له، و مقتضى الفرعية الانتفاء عند الانتفاء المعبر عنه بالسالبة بانتفاء الموضوع، فاذا وجد زيد بعد العدم صح أن يقال: لم يكن زيد موجوداً- يعني: قبل أن يوجد- كما يصح أن يقال: لم يكن زيد هاشمياً، و بعد ما تبدل الأول بنقيضه و صح أن يقال: وجد زيد، فاذا شك في تبدل الثاني بنقيضه يبنى على بقائه،

136
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة ؛ ج‌1، ص : 137

[ (مسألة 3): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة]

(مسألة 3): يعتبر في عدم تنجس الجاري اتصاله بالمادة (1) فلو كانت المادة من فوق تترشح و تتقاطر، فان كان دون الكر ينجس. نعم إذا لاقى محل الرشح للنجاسة لا ينجس.

فيقال بعد ما وجد زيد: لم يكن هاشمياً. بالاستصحاب، و قد عرفت أن السلب بانتفاء الموضوع عين السلب بانتفاء المحمول لا غيره، فلا مانع من استصحابه عند الشك فيه.

و دعوى: أن التقابل بين عدم المحمول و وجوده المأخوذين في موضوع الحكم الشرعي- مثل القرشية و اللاقرشية- تقابل العدم و الملكة، لا تقابل النقيضين، و عدم العارض عند عدم المعروض يقابل وجود العارض عند وجود المعروض تقابل النقيضين، فلا يكون أحدهما عين الآخر، كي تكون القضية المتيقنة عين القضية المشكوكة كي يصح الاستصحاب. (لا مأخذ) لها ظاهر، فان المذكور في كلامهم أن نقيض الجزاء يثبت مع نقيض الشرط ففي قوله (ع):

«لأن له مادة»

يكون المفهوم: (إذا لم يكن له مادة) الذي هو نقيض: كان له مادة. و كذلك مثل قوله: «إن كانت المرأة قرشية تحيض الى الستين» يكون المفهوم: «إذا لم تكن المرأة قرشية لا تحيض الى الستين»، فشرط المفهوم نقيض شرط المنطوق. (و بالجملة):

الوحدة بين العدمين- عرفاً- لا مجال لإنكارها، و هي كافية في صحة الاستصحاب و من ذلك كله يظهر أن استصحاب العدم الأزلي لإثبات القيد السلبي في محله.

و قد أطال بعض الأعاظم من مشايخنا «1» في تقريب المنع من جريان الأصل المذكور، بترتيب مقدمات غير واضحة في نفسها، و لا في صلاحيتها لنفي الاستصحاب المبني على صدق الشك في البقاء عرفاً و إن لم يصدق عقلا.

هذا مما لا ريب فيه، فإنه منصرف الدليل، لمطابقته للمرتكز العرفي‌

______________________________
(1) الميرزا النائيني (قدس سره).

137
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): يعتبر في المادة الدوام ؛ ج‌1، ص : 138

[ (مسألة 4): يعتبر في المادة الدوام]

(مسألة 4): يعتبر في المادة الدوام (1)، فلو اجتمع الماء من المطر أو غيره تحت الأرض و يترشح إذا حفرت لا يلحقه حكم الجاري.

قال الشهيد (ره) في الدروس: «و لا يشترط فيه- أي في الجاري- الكرية على الأصح. نعم يشترط دوام النبع». و ظاهر العبارة غير مراد قطعاً. فيحتمل أن يكون المراد الاحتراز عن العيون التي لا يتصل نبعها لضعف الاستعداد فيه فتنبع آناً و تقف آناً، كما عن المحقق الكركي احتماله. أو الاحتراز به عن العيون التي يقف نبعها لسد المادة. أو الاحتراز عن العيون التي يقف نبعها لوصول الماء الى حد مساو لسطح النبع، فاذا نقص من الماء شي‌ء نبعت حينئذ. أو الاحتراز عن العيون التي تنبع في الشتاء و تجف في الصيف، فلا يدوم في فصول السنة، كما عن كثير احتماله بل عن المحقق الكركي: أن أكثر المتأخرين عن الشهيد- رحمه اللّه- ممن لا تحصيل لهم فهموا هذا المعنى من كلامه. انتهى. و الأظهر منها الأول كما أن الحكم بعدم الاعتصام في الثانية ظاهر، لعدم الاتصال. و في الأخيرتين مشكل، لأنه خلاف الإطلاق. و أما الأولى فإن كان الآن الذي يكون فيه النبع مما يعتد به عرفاً في صدق أن له مادة، كان الماء معتصما في ذلك الآن لا غيره. و إن كان لا يعتد به فلا اعتصام للماء حينئذ دائماً. و أما الدوام في عبارة المتن فالمراد منه غير ظاهر.

نعم في الجواهر: ان الثمد- و هو ما يتحقق تحت الرمل من ماء المطر كما عن الأصمعي و غيره- الأقوى إلحاقه بالمحقون مطلقا، جري أو لم يجر، للاستصحاب مع الظن أو القطع بعدم شمول ذي المادة له، لا أقل من الشك فيبقى على حكم المحقون من القليل أو الكثير. اللهم إلا أن يفرض كونه على وجه يصدق ذو المادة عليه. أو يقال: إنه مطلقا من ذي المادة‌

138
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): لو انقطع الاتصال بالمادة ؛ ج‌1، ص : 139

[ (مسألة 5): لو انقطع الاتصال بالمادة]

(مسألة 5): لو انقطع الاتصال بالمادة كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع- كان حكمه حكم الراكد (1)، فإن أزيل الطين لحقه حكم الجاري و ان لم يخرج من المادة شي‌ء، فاللازم مجرد الاتصال.

[ (مسألة 6): الراكد المتصل بالجاري كالجاري]

(مسألة 6): الراكد المتصل بالجاري كالجاري (2)، فالحوض المتصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه، و كذا أطراف النهر و ان كان ماؤها واقفاً.

أو بحكمه و لو مع الشك، كما ستعرف. انتهى. و أشار بما ذكره أخيراً الى ما ذكره بعد ذلك من أن عموم الأدلة يقتضي اعتصام كل ماء، و الخارج عنه القليل المعلوم عدم المادة له كالحياض و الغدران و نحوهما. انتهى.

و حاصل وجه الإشكال في اعتصام الثمد و نحوه التشكيك في شمول ذي المادة له. لكنه غير ظاهر، لصدق المادة فيه كغيره. و أما ما ذكره أخيراً من وجه الاعتصام، فهو على خلاف إطلاق أدلة انفعال القليل.

و اختصاصه بالمعلوم عدم المادة له غير ظاهر الوجه، بل إطلاقه شامل للمعلوم وجود المادة له. غاية الأمر يجب الخروج عنه بما دل على الاعتصام بالمادة، فإذا شك في صدق المادة بنحو الشبهة الموضوعية يتعين الرجوع الى الأصول، بناء على التحقيق من عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و كيف كان فالدوام في عبارة المصنف رحمه اللّٰه لا يخلو من إجمال.

لما عرفت من ظهور دليل الاعتصام بالمادة في اعتبار الاتصال بها، فاذا انقطع الاتصال لا يدخل المورد تحت ذلك الدليل، و يتعين الرجوع الى عموم انفعال القليل.

لصدق أن له مادة.

139
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): العيون التي تنبع في الشتاء مثلا و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها ؛ ج‌1، ص : 140

[ (مسألة 7): العيون التي تنبع في الشتاء مثلا و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها]

(مسألة 7): العيون التي تنبع في الشتاء مثلا- و تنقطع في الصيف يلحقها الحكم في زمان نبعها (1).

[ (مسألة 8): إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر]

(مسألة 8): إذا تغير بعض الجاري دون بعضه الآخر فالطرف المتصل بالمادة لا ينجس بالملاقاة (2) و ان كان قليلا (3) و الطرف الآخر حكمه حكم الراكد (4) إن تغير تمام قطر ذلك البعض المتغير، و إلا فالمتنجس هو المقدار المتغير فقط، لاتصال ما عداه بالمادة.

قد تقدم أن المحكي عن جماعة ممن تأخر عن الشهيد- رحمه اللّه- أنهم فهموا من اعتبار الدوام في النبع في اعتصام الجاري المذكور في عبارة الدروس الاحتراز عن العيون التي تنبع في الشتاء و تجف في الصيف. و عن المحقق الثاني إنكاره، و أنه لا شاهد له من الاخبار و لا يساعد عليه الاعتبار و أنه تخصيص لعموم الدليل بمجرد التشهي. و جعل من فهم ذلك من عبارته ممن لا تحصيل له. و أنه منزه عن أن يذهب الى مثله، فإنه تقييد لإطلاق النص بمجرد الاستحسان، و هو أفحش أغلاط الفقهاء.

لاتصاله بالمادة.

لما عرفت من عدم اعتبار الكرية في اعتصام المتصل بالمادة.

بل عن بعض الحكم بعدم الانفعال مع القلة و إن اعتبرنا الكرية في الجاري لأن جهة المنع في الجاري أعلى سطحاً فلا تسري النجاسة إليه من المتغير السائل عنه. و فيه: أن العلو الموجب للجريان لا يمنع من سراية النجاسة إلى العالي.

يعني يعتصم إن كان كراً، لعموم اعتصام الكر. و ينفعل إن كان قليلا، لعموم انفعال القليل و احتمال طهارته- عملا بإطلاق ما دل على اعتصام المتصل بالمادة- يندفع بانصراف الإطلاق إلى صورة اتصال الأثر، لا بنحو يكون منفصلا كالطفرة. فان ذلك خلاف المرتكز العرفي المنزل عليه التعليل.

و من ذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكره في الجواهر، فإنه- بعد ما جزم بأن الحكم بالطهارة في غاية الضعف- قال «و المسألة لا تخلو من تأمل، لأنه يمكن أن يقال: إن تغير بعض الجاري لا يخرج البعض الآخر عن هذا الإطلاق. و أيضاً احتمال الدخول تحت الجاري معارض باحتمال الخروج، فيبقى أصل الطهارة سالماً، فيحكم عليه بالطهارة». إذ فيه:

أن الانصراف موجب للخروج عن الإطلاق. و أن معارضة احتمال الدخول باحتمال الخروج مرجعها إلى إجمال دليل اعتصام الجاري، و المتعين الرجوع حينئذ إلى عموم انفعال القليل، لا أصالة الطهارة.

140
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

[فصل في الراكد بلا مادة]

فصل الراكد بلا مادة إن كان دون الكر ينجس بالملاقاة (1) من غير فرق بين النجاسات، حتى برأس إبرة.

فصل في الراكد بلا مادة إجماعاً صريحا و ظاهراً، حكاه جماعة كثيرة من القدماء و المتأخرين و متأخريهم، و بعضهم استثنى ابن أبي عقيل، و كأن إطلاق غيرهم لعدم اعتنائهم بخلافه. و عن صاحب المعالم و العلامة المجلسي و المحقق البهبهاني:

ان الأخبار بذلك متواترة، و في الرياض: «جمع منها بعض الأصحاب‌

141
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

.....

مائتي حديث» و عن العلامة الطباطبائي قدس سره- في أثناء تدريسه في الوافي- إنها تزيد على ثلاثمائة رواية. منها الطائفة المتضمنة‌

قولهم (ع):

«إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1»

الوارد بعضها ابتداء، و بعضها جوابا عن السؤال عن الماء الذي تبول فيه الدواب، و تلغ فيه الكلاب، و يغتسل فيه الجنب، و تدخله الدجاجة و قد وطئت العذرة. و المناقشة فيها بعدم عموم الشي‌ء في المفهوم، لأن نقيض السلب الكلي هو الإيجاب الجزئي، لو سلمت، فلا تقدح في الاستدلال فيما نحن فيه، لأن المقصود هو الإيجاب الجزئي في مقابل مذهب ابن أبي عقيل من السلب الكلي. و ما ورد في سؤر الكلب و الخنزير، مثل‌

صحيح ابن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الكلب يشرب من الإناء. قال (ع): اغسل الإناء «2»

و‌

صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) قال: «سألته عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال (ع): يغسل سبع مرات» «3»

و ما ورد في الإناءين المشتبهين،

كموثق سماعة عن أبي عبد اللّه (ع): «عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو و ليس يقدر على ماء غيره. قال (ع): يهريقهما جميعا و يتيمم» «4»

و نحوه موثق عمار «5»، و‌

موثق أبي بصير عن أبي عبد اللّه (ع) قال (ع):

«إذا أدخلت يدك في الإناء قبل أن تغسلها فلا بأس، إلا أن يكون أصابها قذر بول أو جنابة، فإن أدخلت يدك في الماء و فيها شي‌ء من ذلك فأهرق

______________________________
(1) راجع أحاديث باب: 9 من أبواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 14.

142
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

.....

ذلك الماء» «1»

و نحوه غيره مما ورد في الجنب و غيره .. إلى غير ذلك من النصوص الواردة في أبواب الماء المحقون، و الجاري، و الحمام، و البئر، و مباحث النجاسات، و غير ذلك.

هذا و لم يعرف الخلاف في ذلك إلا من ابن أبي عقيل، و تبعه عليه الكاشاني و الفتوني. و استدل لهم بروايات هي ما بين مطلق قابل للتقييد بما سبق كالنبوي «2» و نحوه. أو ظاهر في الكثير، كالروايات الواردة في الغدير الواقع فيه جيفة، و أنه لا بأس به إذا غلب الماء ريح الجيفة «3» أو مجمل، مثل‌

صحيح زرارة عن أبي عبد اللّه (ع) قال: «سألته عن الحبل من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أ يتوضأ من ذلك الماء؟

قال (ع): لا بأس» «4»

إذ لا يعلم أن السؤال كان لأجل تقاطر الماء من شعر الخنزير في ماء الدلو، أو من جهة الشك في التقاطر، أو من جهة انفعال ماء البئر، أو من جهة استعمال شعر الخنزير في الوضوء العبادي فعلى الاحتمالات الثلاثة الأخيرة يكون أجنبيا عما نحن فيه.

و أما‌

خبر محمد بن ميسر: «عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق، و يريد أن يغتسل منه، و ليس معه إناء يغرف به، و يداه قذرتان. قال (ع): يضع يده و يتوضأ ثمَّ يغتسل. هذا مما قال اللّٰه

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من الماء المطلق حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9 و أكثر أحاديث هذا الباب يدل على إطلاق طهورية الماء.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 11، 13، و باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

143
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

.....

عز و جل (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) «1»» «2»

فغير ظاهر في القليل بمعنى ما لم يكن كراً، بل من الجائز أن يكون المراد منه ما لا يمكن الاغتسال بنحو الارتماس فيه. و لا سيما بملاحظة الاستدلال بآية نفي الحرج فان اقتضاءه لاعتصام ما دون الكر خفي، بخلاف اقتضائه اعتصام مراتب الكر، فان لزوم الحرج من عدم اعتصامها ظاهر، كما لا يخفى مع أن ذكر الوضوء مع الغسل خلاف المذهب.

نعم‌

خبر زرارة عن أبي جعفر (ع): «قلت له: راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة. قال (ع): إذا تفسخ فيها فلا تشرب من مائها و لا تتوضأ و صبها، و إذا كان غير متفسخ فاشرب منه و توضأ و اطرح الميتة إذا أخرجتها طرية. و كذلك الجرة و حب الماء و القربة و أشباه ذلك من أوعية الماء. و قال أبو جعفر (ع): إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجسه شي‌ء تفسخ فيه أو لم يتفسخ. إلا أن يجي‌ء له ريح تغلب على ريح الماء» «3»

لا مجال للإشكال في دلالته على الاعتصام لكن التفصيل فيه بين التفسخ و عدمه مما لم يقل به أحد. و كذلك التفصيل بين الراوية و ما زاد عليها. و حمل التفسخ على التغير يأباه ما في ذيله. كما أن حمل ما زاد على الراوية على الكر غريب، لأنه خلاف المعهود من مقدار الراوية، و لا يناسبه التعبير المذكور، كما يظهر بأقل تأمل.

و مثله في الدلالة‌

خبر أبي مريم الأنصاري: «كنت مع أبي عبد اللّه (ع) في حائط له فحضرت الصلاة فنزح دلواً للوضوء من ركي له فخرجت عليه قطعة عذرة يابسة فأكفأ رأسه و توضأ بالباقي» «4»

بناء على أن المراد‌

______________________________
(1) الحج: 78.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 8- 9.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.

144
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

.....

بالعذرة عذرة الإنسان، كما هو الظاهر. لكن قال شيخنا الأعظم (ره):

«إن أحداً لا يرضى أن يتوضأ الإمام (ع) من هذا. بل لا يرضى أحد أن يستعمل الامام (ع) هذا الماء في مطلق الانتفاع فضلا عن الوضوء.

بل قد ورد الأمر بالإراقة لمثله في جملة من النصوص «1»، فلا بد من توجيه الرواية قلنا بالنجاسة أو الطهارة. فلا يبعد إذاً حمل العذرة فيه على الروث الطاهر، أو الحمل على خطأ الراوي في اعتقاده أنها عذرة. و ليس ذلك بأبعد من حمل الفعل على إرادة بيان الجواز على تقدير القول بالطهارة.

و مثلهما في الدلالة‌

خبر علي بن جعفر (ع): «عن جنب أصابت يده جنابة فمسحها بخرقة، ثمَّ أدخل يده في غسله هل يجزؤه أن يغتسل من ذلك الماء؟ قال (ع): إن وجد ماء غيره فلا يجزؤه أن يغتسل، و ان لم يجد غيره أجزأه» «2».

لكن التفصيل المذكور فيه مما لم يقل به أحد. مع أن مورده المتنجس.

و لو أغمض النظر عن هذه المناقشات في الروايات المذكورة لم يجز الاعتماد عليها- بعد إعراض جماهير الأصحاب عنها، و صيرورة الحكم بالانفعال من الواضحات المتسالم عليها عند الإمامية- فضلا عن معارضتها لما عرفت ليلتزم بالجمع العرفي، بحمل نصوص الانفعال على الكراهة، أو اختلاف مراتب النجاسة و الطهارة، فإنه تأباه نصوص الانفعال باختلاف مواردها و أحكامها و ألسنتها، كما لعله ظاهر بالتأمل فيها. و ليس ورود مثل هذه النصوص الا كورود غيرها في كثير من المسائل المعلوم حكمها نصا و فتوى مما علم وقوع الخطأ فيه، إما في أصالة الجهة، أو في أصالة صحة النقل،

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 2، 4، 7، 10، 11، 14 و باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4، 5.

(2) لم نعثر عليه في الوسائل، راجع قرب الاسناد المطبوع في إيران سنة 1370 ه‍ صفحة: 48.

145
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

.....

أو غير ذلك، و لو بني على إعمال قواعد التعارض في مثله لزم تأسيس فقه جديد. و منه سبحانه نستمد التأييد و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

هذا و قد فصل استاذنا الأعظم (قدس سره) «1» بين النجس و المتنجس فبنى على طهارة الماء بملاقاة الثاني. إذ لا إجماع على الانفعال بملاقاته، و لا خبر دل عليه، خصوصا أو عموماً، منطوقا أو مفهوماً، لاختصاص الأخبار الخاصة بعين النجاسة و انسباقها من الشي‌ء في الاخبار العامة- كما ادعي‌

في خبر: «خلق اللّه الماء ..» «2»

- و لا أقل من أنه القدر المتيقن. و لو سلم شمول المنطوق له فلا عموم في المفهوم، فان الظاهر أن يكون مثل:

«إذا كان الماء قدر كر ..» «3»

لتعليق العموم لا لتعليق كل فرد من أفراد العام، فيكون مفهومه إيجابا جزئياً و المتيقن عين النجاسة. و لو سلم عدم ظهوره في تعليق العموم فلا ظهور له في تعليق أفراد العام، و عموم:

«خلق اللّٰه ..»

يكون مرجعاً، مضافا الى استصحاب الطهارة أو قاعدتها.

أقول: أما نفي الإجماع، فهو خلاف إطلاق معاقد الإجماعات المدعاة على انفعال الماء القليل. و ستأتي أيضاً حكاية الإجماع على تنجيس المتنجس- مطلقا- من جماعة كثيرة. و في المحكي في جملة من عباراتهم دعوى الضرورة عليه.

و أما أنه لا خبر يدل عليه، ففيه: أنه ظاهر جملة من النصوص‌

كصحيح شهاب عن أبي عبد اللّه (ع): «في الرجل الجنب يسهو فيغمس يده في

______________________________
(1) المحقق الخراساني (ره).

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 1، 2، 5، 6.

146
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

.....

الإناء قبل أن يغسلها أنه لا بأس إذا لم يكن أصاب يده شي‌ء» «1»

و‌

قوية أبي بصير عنه (ع): «سألته عن الجنب يحمل الركوة أو التور فيدخل إصبعه فيه قال (ع): إن كانت يده قذرة فأهرقه و ان كان لم يصبها قذر فليغتسل منه. هذا مما قال اللّٰه تعالى (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» «2».

و نحوهما حسنة زرارة «3»، و موثقة سماعة «4» و خبر علي بن جعفر (ع) «5». و‌

في صحيح البزنطي: «سألت أبا الحسن (ع) عن الرجل يدخل يده في الإناء و هي قذرة. قال (ع): يكفئ الإناء» «6»

نعم قد يعارضها موثق أبي بصير المتقدم في أخبار الانفعال، فان صدره و ان كان موافقا لما سبق، إلا أن التقييد في ذيله بقوله (ع):

«و فيها شي‌ء من ذلك»

يقتضي اشتراط الانفعال بملاقاة عين النجاسة. و كذا خبر ابن جعفر المتقدم في أخبار الاعتصام. لكن لا يبعد أن يكون المراد من الأول: «و قد كان فيها» و لو بقرينة ظهور كون الذيل تصريحاً بمفهوم الشرط السابق في الصدر، أو بقرينة ظهور الإجماع على الانفعال بالمتنجس و أما الثاني فلو لم يدل على النجاسة لم يدل على الطهارة أيضاً، إذ التفصيل لا يقول به أحد كما عرفت.

و أما أن الشرط في أخبار الكر لتعليق العموم. (ففيه): أنه لو سلم كونه مقتضى التركيب في نفسه، فالظاهر منه في المقام كونه لتعليق‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 11.

(3) الوسائل باب: 26 من أبواب الجناية حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 13.

(6) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

147
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الراكد بلا مادة ؛ ج‌1، ص : 141

من الدم الذي لا يدركه الطرف (1) الافراد، بقرينة وروده مورد بيان حكم النجاسات المختلفة من بول الدواب و ولوغ الكلاب، و اغتسال الجنب، و دخول الدجاجة، و الحمامة، و قد وطئت العذرة، التي قصد السؤال عن انفعال الماء بها، و بأمثالها من النجاسات و المتنجسات التي من شأنها التنجيس و ليس وارداً في خصوص النفي في مقابل الإثبات في الجملة، و لا في خصوص الأعيان المذكورة، كما يظهر بالتأمل. و على هذا فلا مجال للرجوع الى عموم:

«خلق اللّٰه الماء ..»

، و لا الى استصحاب الطهارة، أو قاعدتها.

عن الشيخ في الاستبصار طهارة الماء القليل عند ملاقاة ما لا يدركه الطرف من الدم، كرؤوس الأبر، و عن غاية المراد نسبته الى كثير من الناس.

لصحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب إناءه هل يصلح له الوضوء منه؟ فقال (ع): إن لم يكن شيئاً يستبين في الماء فلا بأس و ان كان شيئا بينا فلا تتوضأ منه» «1».

و الطعن في سنده بأن فيه محمد بن أحمد العلوي المجهول غير ظاهر- لو سلم- فإنه مروي في الكافي بطريق صحيح ليس فيه العلوي الموجود في طريق الشيخ. و مثله الطعن في دلالته بأن إصابة الإناء لا تقتضي إصابة الماء. فان الظاهر منه إصابة نفس الماء، كما قد يشهد به لسان الجواب. نعم مورده أخص من المدعى، و معرض عنه عند المشهور، فيسقط بذلك عن الحجية.

إلا أن يقال: إن ظاهره عدم الانفعال بما لا يكون مرئيا من أجزاء الدم، و هذا هو مقتضى الأصل، إذ لا دليل على نجاسة الذرات الدموية التي لا يدركها الطرف، لعدم ثبوت كونها دما عرفا، نظير الأجزاء المائية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

148
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون واردا على النجاسة و مورودا ؛ ج‌1، ص : 149

سواء كان مجتمعا أم متفرقا مع اتصالها بالسواقي (1). فلو كان هناك حفر متعددة فيها الماء و اتصلت بالسواقي، و لم يكن المجموع كراً، إذا لاقى النجس واحدة منها تنجس الجميع، و ان كان بقدر الكر لا ينجس، و ان كان متفرقا على الوجه المذكور، فلو كان ما في كل حفرة دون الكر و كان المجموع كراً، و لاقى واحدة منها النجس، لم تنجس، لاتصالها بالبقية.

[ (مسألة 1): لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون وارداً على النجاسة و موروداً]

(مسألة 1): لا فرق في تنجس القليل بين أن يكون وارداً على النجاسة (2) أو موروداً.

المنتشرة في البخار. لا أقل من انصراف دليل النجاسة عنها، أو دليل انفعال الماء بملاقاة النجاسة. و على هذا فان كان هذا هو مراد الشيخ (ره) فلا بأس به. و في المبسوط جزم بعدم انفعاله بما لا يمكن التحرز منه، مثل رؤوس الابر من الدم و غيره، لأنه لا يمكن التحرز عنه. انتهى. فإن أراد ما ذكرنا ففي محله أيضاً. و ان أراد غيره فهو خلاف إطلاقات الانفعال و التعليل الذي ذكره غير ظاهر صغرى و كبرى.

لإطلاق الأدلة. خلافا للمحكي عن المعالم من اعتبار الاجتماع و كأنه لدعوى الانصراف. لكنه- على تقدير ثبوته- بدوي لا يرفع الإطلاق هذا مع تساوي السطوح، أما مع الاختلاف فسيأتي.

خلافا للسيد المرتضى (ره) في الناصريات، و الحلي في السرائر بل جعله الصحيح المستمر على أصل المذهب و فتاوى الأصحاب. قال السيد (ره): «و الوجه فيه: إنا لو حكمنا بنجاسة القليل الوارد على النجاسة لأدى ذلك الى أن الثوب لا يطهر إلا بإيراد كر من الماء عليه، و ذلك يشق، فدل على أن الماء الوارد على النجاسة لا يعتبر فيه القلة و الكثرة‌

149
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

[ (مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي]

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي (1) كما يعتبر في ما يرد عليه النجاسة». لكنه ليس في الحقيقة تفصيلا بين الوارد و المورود، بل هو قول بطهارة خصوص المستعمل في التطهير، و لو كان موروداً، بناء على عدم اعتبار الورود فيه. و سيأتي- إن شاء اللّه تعالى- في حكم ماء الغسالة التعرض للوجه الذي ذكره.

على المشهور.

لمرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (ع): «الكر من الماء الذي لا ينجسه شي‌ء ألف و مائتا رطل» «1»

بحمل الرطل فيها على العراقي، بقرينة‌

صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: و الكر ستمائة رطل» «2»

بحمل الرطل فيها على المكي- الذي هو ضعف العراقي- بقرينة المرسلة الأولى، حيث يدور الأمر بين الجمع بينهما بذلك و بين طرح إحداهما، و الأول متعين عرفا، فإن الأخذ بالتعيين حيث يدور الأمر بينه و بين الطرح أولى من الأخذ بالتخصيص حيث يدور الأمر بينه و بينه، إذ التخصيص لا يخلو من ارتكاب خلاف الظاهر، بخلاف تعيين المشترك في أحد معانيه.

فان قلت: كل واحدة من الروايتين ليس لها ظاهر حجة، كي يدور الأمر بين طرحه و بين التعيين. (قلت): بلى كل واحدة منهما نص في أحد المعاني على البدل، و انما لا يكون لها ظاهر في واحد بعينه، فلو حملت المرسلة على غير الرطل العراقي كانت الصحيحة منافية لها على أى معنى حمل الرطل فيها، فيتعين حمل الرطل فيها على العراقي. و كذا القول في الصحيحة فإنها لو حملت على غير المكي لنافتها المرسلة على أي معنى حمل الرطل فيها:

فيتعين حمل الرطل فيها على المكي. فيكون تعيين أحد المحتملات في كل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.

150
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

واحدة منهما لئلا يلزم طرح النص من الأخرى.

هذا مضافا الى ما قيل من دعوى الإجماع على عدم كون الكر ستمائة رطل بالعراقي و المدني، و هو قرينة على حمل رواية الستمائة على المكي، فتكون هي قرينة على حمل المرسلة على العراقي. بل لا حاجة الى الحمل المذكور، لأن الستمائة بعد حملها على المكي تكون ألفاً و مائتين بالعراقي، و ان بقيت المرسلة على إجمالها.

نعم رواية ابن جعفر (ع) «1» الواردة في ألف رطل وقع فيها أوقية من بول، المتضمنة أنه لا يصلح شربه و لا الوضوء منه، بناء على ظهورها في الرطل المدني- بقرينة كونه مدنيا- تنافي حمل المرسلة على العراقي.

و كأنه لذلك ذهب الصدوقان و المرتضى قدس سرهم- على ما حكي- الى كون الكر ألفاً و مائتين بالمدني. لكن هذه القرينة غير ظاهرة، إذ من المحتمل استعمال الرطل شائعاً في المدينة في العراقي، كما يستعمل في المدني.

بل قد يظهر من رواية الكلبي النسابة «2» أن الاستعمال في العراقي أشيع. فتأمل.

و أشكل من ذلك دعوى تعين حمل المرسلة على الرطل العراقي، بقرينة أن ابن أبي عمير كوفي، و مشايخه من أهل الكوفة، و حمل الصحيحة على الرطل المكي، بقرينة أن ابن مسلم من أهل الطائف. وجه الإشكال (أولا): ما عرفت من احتمال استعمال الرطل شائعا في كل من المقادير الثلاثة (و ثانيا): أنه لم يثبت وجوب حمل الكلام على عرف السامع في قبال عرف المتكلم. مع أن ابن مسلم من أهل الكوفة، كما يظهر بمراجعة ترجمته في كتب الرجال. و كون المراد من بعض أصحابنا في كلام ابن أبي عمير‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

151
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

و بالمساحة ثلاثة و أربعون شبراً إلا ثمن شبر (1) بعض الكوفيين غير واضح.

على الأشهر أو المشهور.

لموثق أبي بصير أو صحيحه: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال (ع): إذا كان الماء ثلاثة أشبار و نصفا (و نصف خ ل)، في مثله ثلاثة أشبار و نصف في عمقه في الأرض، فذلك الكر من الماء» «1».

و المناقشة في السند لا تهم بعد كون الحديث موثقا و لا سيما بعد اعتماد المشهور عليه.

نعم تشكل دلالته بعدم التعرض فيه للبعد الثالث. و دعوى: حذفه من العمق لدلالة ما قبله عليه، غير ظاهرة. كدعوى أن قوله (ع) ثانيا:

«ثلاثة أشبار»

ليس بدلا من قوله: «مثله» بل هو معطوف على:

«مثله»

و التقدير: «و في ثلاثة أشبار ..» فيكون بيانا لتقدير العمق. بل في الجواهر: أنه عثر على نسخة مقروءة على المجلسي الكبير مصححة هكذا:

«في ثلاثة أشبار و نصف في عمقه»

. إذ تشكل: بأن تقدير العاطف خلاف الأصل. و النسخة التي عثر عليها في الجواهر لا يعتمد عليها في قبال النسخ المعروفة، حتى أن المجلسي الكبير (ره) صار في مقام توجيه الدلالة بجعل:

«ثلاثة أشبار»

الثانية خبراً ثانيا ل‍‌

«كان»

لا بدلا من:

«مثله»

، على ما حكاه عنه ولده الأعظم (قده) في مرآة العقول: و لو كانت هذه النسخة صحيحة لما احتاج إلى هذا التوجيه الذي هو خلاف الظاهر كغيره من التوجيهات التي اعترف في مرآة العقول:

بأن ارتكابها إنما يسوغ بعد البناء على كون المراد بيان تحديد الجهات الثلاث، إذ تحديد البعض و إهمال الباقي لا معنى له. و الحمل على القطر- المبني على فرض نادر الوقوع و هو الحوض المدور- بعيد غاية البعد، و أنه لو لا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

152
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

ذلك لكان من الاستدلال المبني على الاحتمال. انتهى. (أقول): بل هو من الاستدلال بخلاف الظاهر.

و أما ندرة الشكل المدور في الماء فغير ظاهرة. و لا سيما بملاحظة أن المدور مقتضى طبع الماء فتأمل. مع أن تساوي خطوط السطح لا تختص بالمربع بل تكون في المسدس، و المثمن، و غيرهما من الاشكال. فالحمل على المربع بخصوصه غير ظاهر، و لا قرينة عليه. و مقتضى إطلاق الكلام الحمل على المدور، فإنه الذي تستوي فيه الخطوط من جميع النقاط، بخلاف غيره من المضلعات، فان الخطوط فيه لا تستوي إذ هي بين الزوايا أطول منها بين الأضلاع. فإطلاق الاقتصار على بيان بعد واحد يقتضي الحمل على الأول. مع أن المدور ليس له- عرفا- إلا بعد واحد، لأن تمايز أبعاده بمجرد الفرض العقلي بخلاف المضلع، فان تمايز أضلاعه يستوجب تمايز ابعاده، سواء أ تساوت- كالمربع و المسدس و نحوهما- أم اختلفت كالمستطيل. و هذه جهة أخرى تستوجب حمل الكلام على المدور دون غيره من الاشكال. (و بالجملة): تساوي الخطوط في المدور من جميع النقاط مع كونه عرفا له بعد واحد يستوجبان حمل الكلام غير المتعرض إلا لبعد واحد عليه دون غيره لفقد كل من الأمرين المذكورين فيه، كما لعله ظاهر بالتأمل.

و أما ما ذكره في الجواهر، من أن الحمل على المدور حمل على ما لا يعرفه إلا الخواص من علماء الهيئة، فيمتنع. ففيه: أنه إنما يتم لو كان المقصود بيان نتيجة ضرب الابعاد بعضها ببعض، لكنه غير ظاهر، بل المراد ذكر علامة على الكر، و هي أن يكون قطره ثلاثة و نصفا و عمقه كذلك، و هو شي‌ء يعرفه أجهل العوام. و لو كان المراد بيان حاصل ضرب الابعاد كان المناسب- بل المتعين- أن يقول (ع): «ثلاثة و أربعون شبراً إلا ثمن شبر» فإنه أصرح، و أخصر، و أفيد.

153
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

هذا و قد يستدل على المشهور أيضاً‌

برواية الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد اللّه (ع): «إذا كان الماء في الركي كراً لم ينجسه شي‌ء.

قلت: و كم الكر؟ قال (ع): ثلاثة أشبار و نصف عمقها، في ثلاثة أشبار و نصف عرضها» «1»

بناء على ما تقدم في تقريب الأول من الاكتفاء بذكر أحد البعدين عن ذكر الآخر، الذي عرفت ما فيه من أنه خلاف الظاهر. أو لأن الطول إما مساو أو أكثر، و المتيقن الأول.

و فيه: أن هذا لا يقتضي الظهور في الأقل. مع أن الطول لا يكون مساويا للعرض، و استعماله فيه مبني على المسامحة، فالعرض في الرواية الشريفة بمعنى السعة، نظير قوله تعالى (وَ جَنَّةٍ عَرْضُهٰا كَعَرْضِ السَّمٰاءِ وَ الْأَرْضِ) و قد عرفت أن إطلاق كون سعة السطح ثلاثة و نصفا منزل على المدور، و لا سيما في الرواية التي موردها الركية التي هي غالبا من المدور، كما قيل، و ان كان لا يخلو من تأمل.

و على هذا يكون ظاهر الروايتين حصول الكر في ثلاثة و ثلاثين شبراً و خمسة أثمان الشبر و نصف ثمنه، بمقتضى ما ذكر في معرفة مقدار المدور من أنه ينقص عن المربع بسبع و نصف سبع، فان التفاوت بين ما ذكرناه و ما هو المشهور سبع و نصفه. لا ما ذكر في الجواهر من أن تنزيلها على المدور يقتضي كون‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8 هكذا رواه في الوسائل القديمة، و هو كذلك في الكافي و التهذيب و الوافي و زاد في الوسائل الحديثة ذكر الطول، فقال: «ثلاثة أشبار و نصف طولها في ثلاثة أشبار و نصف عمقها في ثلاثة أشبار و نصف عرضها». و لعله تبع فيه الاستبصار المطبوع في النجف الأشرف أخيراً، فيكون دليلا صريحاً للمشهور و لا يتم ما ذكره قدس سره في رد الاستدلال به. لكن في الوسائل في باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 5 قال بعد ذكر ذيل الحديث: «ذكر العرض يغني عن ذكر الطول لأنه لا بد أن يساويه أو يزيد عليه» و هو صريح في عدم اشتمال الحديث على بعد الطول.

154
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

الكر اثنين و ثلاثين شبرا و ثمنا و ربع ثمن. و كأنه لتوهم كون قطر الدائرة ثلث محيطها، مع أن المذكور في محله أن المحيط ثلاثة أمثال القطر و سبع فيكون محيط الدائرة التي يكون قطرها (ثمانية) خمسة و عشرين و سبعاً، لا أربعة و عشرين. فاذا كان قطر سطح الماء المدور الشكل ثلاثة أشبار و نصفا، فضرب نصفه في نصف المحيط الذي هو أحد عشر شبراً، ثمَّ ضرب الحاصل في العمق الذي هو ثلاثة و نصف، كان الحاصل ما ذكرنا- الذي ذكره الوحيد (ره)- لا ما في الجواهر.

هذا و في المدارك استوجه العمل‌

بصحيحة إسماعيل بن جابر: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الماء الذي لا ينجسه شي‌ء؟ قال (ع): ذراعان عمقه في ذراع و شبر سعته» «1»

مستظهراً من اعتبار الذراع و الشبر في السعة اعتبارهما في كل من البعدين. و لم يتعرض لمقدار الذراع. فان كان شبرين- كما يظهر من بعض أخبار المواقيت «2»، و يساعده الاختبار- يكون الكر ستة و ثلاثين شبراً حاصلة من ضرب ثلاثة في ثلاثة، و الحاصل في أربعة العمق. و ان كان الذراع قدمين- كما يظهر من جملة من أخبار ذلك الباب «3»- يكون الكر اثنين و خمسين شبراً تقريباً، لأن القدم يزيد على الشبر بسدس تقريباً.

هذا و لما عرفت ظهور مثل هذا التحديد في تحديد بعدين لا غير، و أنه منزل على الشكل المدور، تعرف أن مقتضاها كون الكر ثمانية و عشرين شبراً و سبعين بناء على أن الذراع شبران و أربعين شبرا تقريباً، بناء على أنه قدمان.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب مواقيت الصلاة حديث: 18.

(3) الوسائل باب: 8 من أبواب مواقيت الصلاة حديث: 3 و قد يستفاد من غيره من اخبار الباب و غيرها.

155
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

و المحكي عن القميين و جماعة من المتأخرين- كالعلامة في المختلف، و الشهيد الثاني في روض الجنان و الروضة. و الأردبيلي في مجمع البرهان، و السيد بحر العلوم في سياق أخبار القلتين في المصابيح «1» و غيرهم-:

أنه سبعة و عشرون شبراً‌

لرواية إسماعيل بن جابر: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن قدر الماء الذي لا ينجسه شي‌ء. فقال (ع): كر. قلت: و كم الكر؟ قال (ع): ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» «2».

و قد وصفت هذه الرواية بالصحة في كلام جماعة، بل عن البهائي أنها موصوفة بالصحة من زمن العلامة- رحمه اللّٰه- الى زماننا. انتهى.

و الظاهر أن الوجه في ذلك أن الشيخ (ره) رواها في الاستبصار و موضع من التهذيب. عن عبد اللّه بن سنان. لكن في الكافي رواها عن ابن سنان و قد استظهر غير واحد أنه محمد. و عن موضع من التهذيب، أنه رواها عن محمد بن سنان. و من المستبعد كونهما معاً روياها. و لأجل ذلك يشكل الحكم بصحة الرواية، كما يشكل انجبارها بعمل الجماعة بعد ظهور خطئهم في اعتقادهم صحة سندها. كما يشكل انجبارها بعمل القميين. لعدم ثبوته، فان مضمونها و ان نسب الى القميين في كلام جماعة- كالحلي و العلامة و الشهيدين، و غيرهم- على ما حكي، لكنه في المنتهى خصه بابن بابويه، و في الخلاف نسبة الأول إلى جميع القميين و أصحاب الحديث. فالعمدة: أن الظاهر جواز العمل بأخبار محمد بن سنان لثبوت وثاقته. فلا ينبغي التوقف عن العمل بها من جهة السند.

و أما الطعن في دلالتها، فيندفع بشيوع الاكتفاء بذكر البعدين عن‌

______________________________
(1) لكن السيد في مفتاح الكرامة بعد أن قال: «و هو (يعني تحديد الكر بسبعة و عشرين شبراً) مختار الأستاذ الشريف أيده اللّه تعالى، حيث قال: و الانصاف ترك الانصاف» قال:

«لكن عدل عنه في الهداية». فراجع.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

156
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

ذكر البعد الثالث فيما لم ينص على بعد بعينه. و بذلك افترقت هذه الرواية عن السوابق للتنصيص فيها على العمق و العرض و السعة، بخلاف هذه الرواية. مع تأيدها أو اعتضادها بالمرسل عن المجالس و الأمالي: أنه ثلاثة طولا في ثلاثة عرضاً في ثلاثة عمقاً «1». و بالإجماع على عدم كون الكر أقل من سبعة و عشرين، فيمتنع حملها على المدور. و احتمال سقوط لفظ النصف منها، لا يعتد به. لأنه خلاف الأصل كما أن إعراض المشهور عنها لا يصلح موهناً لها. لاحتمال أن يكون لبعض الوجوه المرجحة لغيرها عليها في نظرهم.

نعم لو بني على إعمال قواعد التعارض بين النصوص لتعذر الجمع العرفي بينها، يتعين العمل بصحيحة إسماعيل بن جابر، المتضمنة للذراع و الشبر- التي تقدم ظهورها في المستدير- لأنها أصح الاخبار- كما قيل- لو لا أن تسقط عن الحجية بإعراض الأصحاب عنها، قال في المنتهى- بعد ذكر الصحيحة المذكورة-: «و تأولها الشيخ على احتمال بلوغ الأرطال و هو حسن، لأنه لم يعتبر أحد من أصحابنا هذا المقدار». فيبقى التعارض بين خبر أبي بصير المتقدم في دليل المشهور، و بين رواية إسماعيل التي هي مستند ابن بابويه. و لا يبعد كون سند الأول أوثق فيترجح. و قد عرفت ظهوره في المدور. و أنه عليه يكون الكر أربعة و ثلاثين شبراً إلا ثمنين و نصف ثمن. هذا بناء على تعذر الجمع العرفي بين النصوص، لورودها في مقام التقدير، الذي يمتنع فيه الاختلاف، للزوم وحدة القدر، فاختلافها فيه يستوجب التعارض.

لكن هذا المبنى غير ظاهر في المقام، لتحقق الاختلاف بين نصوص الوزن و نصوص المساحة اختلافا واضحا. إذ المحكي عن الأمين الأسترابادي:

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

157
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

أنه وزن ماء المدينة فكان يساوي ستة و ثلاثين شبراً تقريباً، و ظاهر مرآة العقول للمجلسي (ره): أن وزنه يساوي ثلاثة و ثلاثين شبراً تقريباً، و وزن ماء النجف في هذه الأزمنة جماعة فكان وزنه يساوي ثمانية و عشرين شبراً تقريبا، و بعض الأفاضل منهم ذكر أنه يساوي سبعة و عشرين شبرا.

و هذه الأوزان لا توافق المشهور في المساحة. و من العجيب أن المشهور ذهبوا الى أن الرطل في التقدير بالوزن عراقي، و أن مساحة الكر ثلاثة و أربعون إلا ثمناً، مع ما بينهما من التفاوت الظاهر. و أن الصدوقين ذهبا الى أن الرطل مدني. و أن مساحة الكر سبعة و عشرون، مع ما بينهما أيضاً من التفاوت الظاهر. و قد كان الأنسب للمشهور في المساحة الرطل المدني و الأنسب لمذهب القميين في المساحة الرطل العراقي، فجمع كل من المشهور و غيرهم بين المذهبين في تقديري الوزن و المساحة جمع بين المتنافيين. و لا بد من علاج هذا التنافي كالتنافي بين نصوص التقديرين. و التنافي في الفتاوى أشكل و أبعد.

و الظاهر انحصار العلاج بجعل الأكثر عندهم علامة على وجود الأقل، نظير ما ذكرنا في تقدير حد الترخص بخفاء الجدران و خفاء الأذان، حيث اخترنا أن الحد خفاء الأذان، و أن خفاء الجدران علامة على تحقق الحد و لو قبله. فيكون مراد المشهور من تقدير الكر بالمساحة كونها علامة على وجود الكر، و ان قدره الحقيقي هو الوزن لا غير، فيكونون قد تصرفوا بأخبار المساحة بحملها على كونها علامة على وجود المقدر. كما أن مراد القائلين بالقول الآخر من تقديري الكر بالوزن كونه علامة على وجود الكر، و أن قدره الحقيقي ما كان بالمساحة فيكونون قد تصرفوا بأخبار الوزن بحملها على كونه علامة على وجود المقدر.

فاذا كان بناء الأصحاب على التصرف في نصوص التقدير على كل‌

158
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

حال، لم تكن نصوص التقدير بالمساحة في نفسها متعارضة، لإمكان أن يكون كل واحد من تلك التحديدات المشتملة عليها علامة. و لا يقدح في ذلك اختلافها بالقلة و الكثرة، بدعوى لغوية جعل الأكثر علامة في ظرف جعل الأقل. لأن ذلك الاختلاف في نتيجة ضرب الابعاد، لا في نفس الاشكال المختلفة، و إلا فهي متباينة، و المجعول علامة ليس هو النتيجة.

و يؤيد ذلك أنك لا تجد رواية من روايات الباب تعرضت لذكر النتيجة. بل الجميع تضمن التقدير بخصوص المساحة الخاصة، و لو كان المقصود التقدير بالنتيجة كان ذكرها هو المتعين، فإنه أصرح و أخصر و أفيد كما عرفت. لكن لما كان تطبيق النتيجة من الأمور الصعبة على أكثر الناس أهمل التعرض لها، فلم تجعل بياناً للمقدار و لا علامة على وجود المقدر أصلا. و انما ذكر في البيان الشكل الخاص لسهولة معرفته و ترتب الفائدة على بيانه، و الاشكال كلها متباينات، فلا مانع من أن يكون كل واحد منها علامة على وجود الكر المقدر حقيقة بالوزن، لا أنه تقدير للكر. و على هذا لا مانع من العمل بجميع نصوص المساحة بعد ما كان كل واحد منها جامعا لشرائط الحجية.

نعم قد يشكل الأمر في رواية إسماعيل التي هي معتمد القميين، من جهة أن المساحة المذكورة فيها، ربما تكون أقل من الوزن، فلا تكون علامة عليه. و حينئذ لا يبعد الالتزام بأن الوزن المذكور أيضاً علامة، فيكون مقدار الكر الأصلي ما يساوي سبعة و عشرين شبرا، و الوزن علامة عليه. كما تقدم في مذهب الصدوقين في التقديرين. و يؤيد ذلك أن المرتكز عند العرف أن الوزن الخاص لا يكون عاصما، و انما العاصم كثرة الماء و سعة وجوده، بحيث تكون الجهة العاصمة عندهم فيما يساوي السبعة و العشرين شبرا هو الكم الخاص، سواء كان وزنه ألفا و مائتي رطل أم‌

159
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

.....

ألفا و خمسمائة رطل، و ثقل الماء و خفته ليسا دخيلين في الاعتصام و عدمه.

نعم لو ثبت أن بعض المياه الثقيلة وزنها المساوي لألف و مائتي رطل أقل من سبعة و عشرين شبرا، أشكل ما ذكرنا من كون الوزن علامة على بلوغ الأشبار المذكورة لتخلفه عنها. فلا بد إما من الالتزام بكونها علامة عند الشك، فتكون امارة على قدر الأشبار المذكورة مع الجهل بوجوده لا مع العلم بعدم وجوده، بل العمل حينئذ يكون على العلم، لامتناع جعل الأمارة بخلافه. و إما من الالتزام بأن الكرية العاصمة عبارة عن الجامع بين بلوغ الأشبار السبعة و العشرين، و بين بلوغ المقدار الخاص من الوزن. فالماء الواجد لأحدهما يكون كرا و ان فقد الآخر. و لا يبعد البناء على الثاني، فإن حمل الدليل عليه اولى من التصرف فيه بحمله على الحكم الظاهري، أو تقييد كل منهما بالآخر.

و المتحصل مما ذكرنا أمور: (الأول): أن تقدير الأصحاب للكر بالوزن يغاير تقديره بالمساحة (الثاني): أن المقدر الواحد لا يقبل تقديرين فيتنافى الدليلان المشتملان على التقديرين (الثالث): أنه لا بد من علاج هذا التنافي في الفتاوى، و أن الأظهر فيه حمل التقدير المساحتي المشهوري على العلامة و التقدير الوزني على الحد الحقيقي الأصلي، و العكس يكون الحمل على مذهب الصدوقين. (الرابع): أن هذا التصرف بعينه جار في النصوص المتضمنة للمساحة التي هي أكثر من الوزن، و في الوزن الذي هو أكثر من المساحة. لكن لو ثبت أن بين أقل المساحات و بين الوزن عموما من وجه. كمساحة السبعة و العشرين شبرا، فالمتعين كون القدر هو الجامع بين الوزن و بينه، فاذا حصل أحدهما حصل الكر، و ان لم يحصل الآخر. و مما ذكرنا تعرف مواقع النظر في كثير من الكلمات في المقام.

و منه سبحانه نستمد الاعتصام، و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

160
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الكر بحسب الوزن ألف و مائتا رطل بالعراقي ؛ ج‌1، ص : 150

فبالمن الشاهي (1)- و هو ألف و مائتان و ثمانون مثقالا (2)- يصير أربعة و ستين منا إلا عشرين مثقالا (3).

المشهور أن الرطل العراقي مائة و ثلاثون درهما. و تدل عليه‌

رواية إبراهيم بن محمد الهمداني في مكاتبة أبي الحسن صاحب العسكر (ع) إليه في الفطرة، أنها ستة أرطال برطل المدينة قال: «و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما» «1».

بضميمة‌

رواية جعفر بن إبراهيم المذكور في مكاتبته الى أبي الحسن (ع) و فيها: «الصاع ستة أرطال بالمدني، و تسعة أرطال بالعراقي» «2».

و‌

رواية علي بن بلال في مكاتبته إلى الرجل في الفطرة:

«فكتب (ع): ستة أرطال من تمر بالمدني و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي» «3»

و عن النهاية و في المنتهى: أنه مائة و ثمانية و عشرون درهما و أربعة أسباع.

و لم يعرف له مستند. نعم يظهر من رواية المروزي «4»- المتضمنة كون المد مائتين و ثمانين درهما- أنه مائة و أربعة و عشرون درهما و أربعة أتساع.

لكنه لم يحك العمل بها إلا من المقنع. فالعمل على المشهور. و عليه يكون الكر مائة و ستة و خمسين ألف درهم. و مقتضى ما ذكروه من أن العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية، يكون الكر مائة ألف و تسعة آلاف و مائتين مثقالا شرعيا. و مقتضى أن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، يكون الكر واحدا و ثمانين ألفا و تسعمائة مثقال صيرفي.

يعني: صيرفيا.

لأنه إذا ضرب عدد الأمنان في عدد المثاقيل المذكورة، يكون‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب زكاة الفطرة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 50 من أبواب الوضوء حديث: 3.

161
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): الكر بحقة الاسلامبول ؛ ج‌1، ص : 162

[ (مسألة 3): الكر بحقة الاسلامبول]

(مسألة 3): الكر بحقة الاسلامبول و هي مائتان و ثمانون مثقالا- مائتا حقة و اثنتان و تسعون حقة و نصف حقة.

[ (مسألة 4): إذا كان الماء أقل من الكر و لو بنصف مثقال، يجري عليه حكم القليل]

(مسألة 4): إذا كان الماء أقل من الكر و لو بنصف مثقال، يجري عليه حكم القليل (1).

[ (مسألة 5): إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل]

(مسألة 5): إذا لم يتساو سطوح القليل ينجس العالي بملاقاة السافل (2) كالعكس. نعم لو كان جاريا من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس العالي بملاقاة السافل (3)، من غير فرق بين العلو التسنيمي و التسريحي.

الحاصل زائداً على مقدار الكر من المثاقيل الصيرفية بعشرين مثقالا. و منه يعلم ما ذكر في المسألة الآتية.

إذ ظاهر أدلة التقدير بالوزن، أو المساحة، كونه تحقيقيا لا تقريبيا فلا مجال للمسامحة فيه حينئذ.

بلا إشكال. لإطلاق أدلة الانفعال، المنزل على المرتكز العرفي.

إجماعا، حكاه جماعة في روض الجنان، و مصابيح العلامة الطباطبائي (ره) و مقابيس المحقق التستري (ره)، و الجواهر و غيرها- على ما حكي عن بعضهم- بل عن الأول: أن سراية النجاسة إلى العالي غير معقولة. و ان كان فيه تأمل ظاهر ضرورة معقوليتها لو قام دليل عليها.

و لعل المراد- كما قيل- انها غير مفهومة من الدليل الدال على انفعال القليل لعدم مساعدة الارتكاز العقلائي عليه في القذارات العرفية، كما أشرنا إليه آنفا. و هو واضح مع العلو التسنيمي و التسريحي الشبيه به، أما في غير ذلك فلا يخلو من تأمل. و الرجوع الى العموم مع الشك- كما استوضحه شيخنا الأعظم (ره)- غير واضح، لأن دليل الانفعال إنما يدل على سراية‌

162
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كرا، ينجس بالملاقاة و لا يعصمه ما جمد ؛ ج‌1، ص : 163

[ (مسألة 6): إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كراً، ينجس بالملاقاة و لا يعصمه ما جمد]

(مسألة 6): إذا جمد بعض ماء الحوض و الباقي لا يبلغ كراً، ينجس بالملاقاة و لا يعصمه ما جمد (1). بل إذا ذاب شيئاً فشيئاً ينجس أيضاً. و كذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقل من الكر فإنه ينجس بالملاقاة، و لا يعتصم بما بقي من الثلج.

[ (مسألة 7): الماء المشكوك كريته]

(مسألة 7): الماء المشكوك كريته مع عدم العلم بحالته السابقة في حكم القليل (2) على الأحوط، النجاسة إلى جميع أجزاء الماء بتوسط الارتكاز العرفي، و إلا فنجاسة الماء بملاقاة النجاسة أعم من نجاسة الجزء الملاقي فقط- كما في الجامدات- و من نجاسة الجميع بالسراية، و حمله على الثاني إنما كان بقرينة الارتكاز العرفي، فإذا كان الارتكاز مجملا كان الحكم بالسراية بلا قرينة، فيرجع إلى عموم اعتصام الماء، أو استصحاب الطهارة.

لأن السيلان معتبر في مفهوم الماء عرفا، فمع الجمود لا يصدق.

لا أقل من انصراف مفهوم الماء عنه، فلا يدخل في إطلاق أدلة أحكام الماء. و منه يظهر ضعف ما عن المنتهى، من إلحاق الجامد بالمائع، و عن حواشي الشهيد: أنه الأقوى، و ما في القواعد و عن التحرير من التوقف فيه.

إما لأنه يستفاد من النصوص أن الملاقاة مقتضية للانفعال و الكرية مانعة عنه، فمع الشك في المانع يرجع الى أصالة عدمه. و إما لأن إناطة الرخصة- تكليفية كانت أو وضعية- بأمر وجودي، يدل بالالتزام العرفي على إناطة الرخصة بإحراز ذلك الأمر، و انتفائها بعدم إحرازه. و إما لأن مقتضى العمومات انفعال الماء إلا الكر، فمع الشك في كرية الموجود يشك في مصداق الخاص، و العموم مرجع في الشبهات المصداقية. و إما لأن‌

163
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): الماء المشكوك كريته ؛ ج‌1، ص : 163

.....

أصالة عدم وجود الكر في المكان المعين كافية. في إثبات عدم كرية الماء الموجود، فيترتب حكمه و هو عدم الاعتصام. و إما لأصالة عدم الكرية الأزلي، نظير أصالة عدم القرشية، لأن الكرية وصف زائد على صرف وجود الماء، كوصف القرشية، و قد عرفت فيما سبق صحة جريان الأصل في العدم الأزلي.

لكن الأول: مبني على تمامية قاعدة الاقتضاء، و المحقق في محله عدمها و الثاني: إن كان المراد منه أن إناطة الرخصة بالأمر الوجودي مرجعها إلى إناطة الرخصة الواقعية بذلك الأمر، و اناطة الرخصة الظاهرية بالعلم بوجوده فيكون المجعول حكمين: واقعيا منوطاً بوجود ذلك الأمر الواقعي و ظاهرياً منوطا بالشك فيه. فذلك مما لا يقتضيه ظاهر الدليل أصلا، و ليست إناطة الرخصة بأمر إلا كاناطة المنع بأمر، ليس المقصود منها إلا جعل حكم واقعي لموضوعه الواقعي. و إن كان المراد أن هناك قاعدة عقلائية ظاهرية، نظير جواز الرجوع إلى العام عند الشك في وجود الخاص. فهو أيضاً غير ثابت. نعم إذا كان الأصل يقتضي انتفاء الأمر المنوط به الجواز كان الأصل النافي له نافيا لحكمه و هو الجواز. و لكن هذا وجه آخر يأتي و يتوقف على جريان الأصل النافي للكرية.

و الثالث: يتوقف على أن مقتضى العموم انفعال الماء و الخارج منه الكر. و هذا ليس بأولى من القول: بأن مقتضى العموم الاعتصام و الخارج عنه القليل، كما يشهد به النبوي المشهور [1]، و جملة من النصوص المتقدمة في انفعال الماء القليل. مضافا إلى أن التحقيق، عدم مرجعية العام في الشبهات المصداقية.

و الرابع: يتوقف على القول بالأصل المثبت، لان موضوع الانفعال‌

______________________________
[1] و هو قوله (ص): «خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء ..» الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

164
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): الماء المشكوك كريته ؛ ج‌1، ص : 163

و ان كان الأقوى عدم تنجسه بالملاقاة. نعم لا يجري عليه حكم الكر، فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاء الكر عليه (2)، و لا يحكم بطهارة متنجس غسل فيه (2).

الماء الذي ليس بكر- الذي هو مفاد ليس الناقصة- لا عدم وجود الكر- الذي هو مفاد ليس التامة- و إثبات الأول بالأصل الجاري لإثبات الثاني من العمل بالأصل المثبت.

و الخامس: يتوقف على أن الكرية من عوارض وجود الماء عرفا بنحو تصدق في الأزل السالبة بانتفاء الموضوع، و ليس كذلك، فإنها نحو سعة في مرتبة الطبيعة، فلا يصح أن تشير الى كر من الماء و تقول: هذا قبل وجوده ليس بكر كما لا يصح أن تقول: هؤلاء العشرة من الرجال قبل وجودهم ليسوا بعشرة، و هذا المثقال من الدقيق قبل وجوده ليس بمثقال. و ليست الكرية منتزعة من صفات عارضة على وجود الماء. مثل الحمرة و الصفرة و نحوهما. فليس المقام من موارد جريان الأصل في العدم الأزلي، الذي عرفت فيما سبق صحة جريانه.

لأن التطهير من أحكام الكر، فلا يترتب مع الشك في موضوعه بل يرجع الى استصحاب النجاسة. نعم لو قام إجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم الظاهري، و قد كان الماءان ممتزجين على نحو يصدق أنهما ماء واحد. أمكن القول بحصول الطهارة للملقى عليه، لأنه بعد تعارض استصحاب الطهارة في مشكوك الكرية، و استصحاب النجاسة فيما ألقي عليه، يرجع الى قاعدة الطهارة فيهما. لكن الإجماع غير ثابت، كما يظهر من ملاحظة كلماتهم في المتمم كرا بطاهر.

يعني: إذا بنينا على الفرق بين الكر و غيره في شرائط التطهير من علو المطهر. و التعدد، و العصر، و نحوها، و قد فقد بعض تلك الشرائط‌

165
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): الكر المسبوق بالقلة ؛ ج‌1، ص : 166

و ان علم حالته السابقة يجري عليه حكم تلك الحالة (1).

[ (مسألة 8): الكر المسبوق بالقلة]

(مسألة 8): الكر المسبوق بالقلة إذا علم ملاقاته للنجاسة و لم يعلم السابق من الملاقاة و الكرية إن جهل تاريخهما أو علم تاريخ الكرية، حكم بطهارته (2) و ان كان الأحوط عند التطهير بمشكوك الكرية. لا يحكم بالطهارة، للشك في حصولها، الموجب للرجوع الى استصحاب النجاسة.

لاستصحابها. و الاشكال في الاستصحاب بتعدد الموضوع، يندفع بأن الكثرة و القلة من قبيل الحالات المتبادلة على موضوع واحد عرفا، و هو كاف في صحة الاستصحاب.

أما في صورة الجهل بالتاريخين. فلأصالة الطهارة، التي هي المرجع بعد تعارض أصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية- المقتضية للطهارة- مع أصالة عدم الكرية إلى زمان الملاقاة، المقتضية للنجاسة. هذا على المشهور، من جريان الأصل ذاتاً في مجهول التاريخ، إذا كان الأثر مترتبا على عدمه في زمان الآخر، و ان كان يسقط للمعارضة. أما بناء على التحقيق من عدم جريانه ذاتا، لأن الشك فيه ليس في امتداد المستصحب و عدمه بل في اتصال المستصحب بوجود الحادث الآخر، من جهة الشك في التقدم و التأخر، و دليل الاستصحاب قاصر عن إثبات هذه الجهة- كما سيجي‌ء في أواخر مباحث الوضوء- فالمرجع أصالة الطهارة ابتداء، بناء على أنها المرجع في ملاقاة النجاسة لمشكوك الكرية، كما تقدم في المسألة السابقة.

و بعض الوجوه المتقدمة للحكم بالنجاسة جار هنا أيضاً. و أما في صورة العلم بتاريخ الكرية و الجهل بتاريخ الملاقاة، فلأصالة عدم الملاقاة إلى زمان الكرية فإنها تقتضي الطهارة.

166
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9) إذا وجد نجاسة في الكر ؛ ج‌1، ص : 167

التجنب. و ان علم تاريخ الملاقاة حكم بنجاسته (1). و أما القليل المسبوق بالكريه الملاقي لها، فان جهل التاريخان أو علم تاريخ الملاقاة حكم فيه بالطهارة (2)، مع الاحتياط المذكور. و ان علم تاريخ القلة حكم بنجاسته.

[ (مسألة 9) إذا وجد نجاسة في الكر]

(مسألة 9) إذا وجد نجاسة في الكر، و لم يعلم أنها وقعت فيه قبل الكرية أو بعدها، يحكم بطهارته، إلا إذا علم لاستصحاب عدم الكرية إلى زمان الملاقاة، فيثبت موضوع النجاسة و هو ملاقاة ما ليس بكر. و لا يعارضه استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية، لعدم الشك في الملاقاة بالنسبة إلى الأزمنة التفصيلية، و بالنسبة إلى الزمان الإجمالي و ان كانت الملاقاة مشكوكة، لكن الشك فيها ليس من الشك في البقاء، الذي هو قوام الاستصحاب، كما عرفت.

أما مع الجهل بتاريخهما فلما تقدم من أن المرجع أصالة الطهارة.

و أما مع العلم بتاريخ الملاقاة، فلاستصحاب الكرية إلى زمان الملاقاة. و قد عرفت أنه لا مجال لمعارضته بأصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلة. مع أنه لو جرى لم يثبت الملاقاة في حال القلة، فلا يثبت النجاسة. و منه يظهر أنه لو علم تاريخ القلة، فأصالة عدم الملاقاة إلى زمان القلة و ان كان صحيحا في نفسه، لكنه لا يثبت النجاسة إلا إذا أثبت الملاقاة حال القلة، و ذلك موقوف على القول بالأصل المثبت، لأن ثبوت الملاقاة حال القلة من اللوازم العقلية لعدم الملاقاة إلى زمان القلة. و أصالة تأخر الحادث لا أصل لها، إلا بمعنى أصالة عدم وجود الحادث في زمان الشك في وجوده، لا بمعنى أصالة وجوده في الزمان اللاحق. و منه يشكل ما في المتن من الحكم بالنجاسة في الفرض، فان مقتضى ما ذكرنا هو الطهارة.

167
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد حكم بطهارته ؛ ج‌1، ص : 168

تاريخ الوقوع (1).

[ (مسألة 10): إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد حكم بطهارته]

(مسألة 10): إذا حدثت الكرية و الملاقاة في آن واحد حكم بطهارته (2)، و ان كان الأحوط الاجتناب.

هذا مثل ما قبله في الحكم، بل هو هو بتفاوت يسير لا يوجب فرقا في الحكم.

لإطلاق‌

قولهم (ع): «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» [1]

الشامل للملاقاة المقارنة و اللاحقة. و التخصيص بالثانية فيه- مع أنه خلاف الإطلاق المؤيد بالارتكاز العقلائي في المانع، فإنه يكفي عندهم في مانعية المانع عن أثر المقتضي مقارنته للمقتضي حدوثا، و ليس سبق حدوث المانع دخيلا في مانعيته، كما هو ظاهر-: أنه لو حمل الدليل المذكور على الكرية السابقة على الملاقاة حدوثا لزم اعتبار [2] اللحوق في الملاقاة- يعني لم ينجسه شي‌ء لو لاقاه بعد صيرورته كراً- و تقييد الجزاء بالملاقاة اللاحقة يستلزم تقييد المفهوم بها، لأن حكم المفهوم نقيض حكم المنطوق، فاذا قيد الحكم في المنطوق بقيد تعين تقييد الحكم في المفهوم به، فيكون مفهوم القضية المذكورة: إذا لم يكن الماء قدر كر في زمان ينجسه الشي‌ء الملاقي له بعد ذلك. فتكون صورة المقارنة خارجة عن كل من المنطوق و المفهوم، و المرجع فيها إما عموم طهارة الماء أو استصحاب الطهارة. فتأمل‌

______________________________
[1] الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق تضمن ذلك عدة اخبار منها.

[2] فإن الملاقاة غير مصرح بها في الدليل، فضلا عن وصف كونها لاحقة للكرية، و انما تستفاد الملاقاة من انصراف الشي‌ء في (الجزاء) إلى الملاقي، فاللحوق ان تمت استفادته من الدليل فهو أيضا للانصراف إلى الملاقي ملاقاة لاحقة، فيكون مفاد الشرطية: إذا كان الماء قدر كر في زمان لا ينجسه شي‌ء لاقاه بعد ذلك. و مفهومها: إذا لم يكن قدر كر في زمان ينجسه شي‌ء يلاقيه بعد ذلك. فتكون صورة التقارن خارجة عن المنطوق و المفهوم «منه قدس سره».

168
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): إذا كان هناك ماءان أحدهما كر و الآخر قليل ؛ ج‌1، ص : 169

[ (مسألة 11): إذا كان هناك ماءان أحدهما كر و الآخر قليل]

(مسألة 11): إذا كان هناك ماءان أحدهما كر و الآخر قليل، و لم يعلم أن أيهما كر، فوقعت نجاسة في أحدهما معيناً أو غير معين لم يحكم بالنجاسة (1)، و ان كان الأحوط في صورة التعين الاجتناب (2).

[ (مسألة 12): إذا كان ماءان أحدهما المعين نجس]

(مسألة 12): إذا كان ماءان أحدهما المعين نجس، فوقعت نجاسة لم يعلم وقوعها في النجس أو الطاهر، لم يحكم بنجاسة الطاهر (3).

[ (مسألة 13): إذا كان كر لم يعلم أنه مطلق أو مضاف، فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته]

(مسألة 13): إذا كان كر لم يعلم أنه مطلق أو مضاف، فوقعت فيه نجاسة لم يحكم بنجاسته (4). و إذا كان جيداً. نعم لو كان لسان الدليل هكذا: كل ماء ينفعل بملاقاة النجاسة إلا ما كان كراً قبل الملاقاة. كانت صورة المقارنة داخلة في المستثنى منه لكنه ليس كذلك.

للشك في ملاقاتها للقليل، و المرجع استصحاب الطهارة سواء أ كانت الملاقاة لمعين أم لغير معين. هذا إذا كانت الحالة السابقة مجهولة.

أما إذا كانا معلومي الكرية سابقا، فاستصحاب الكرية المقتضي للطهارة هو المرجع. كما أنه لو كانا معلومي القلة، فاستصحابها كاف في الحكم بالنجاسة.

تخصيص الاحتياط بهذه الصورة غير ظاهر الوجه، لأن أكثر الوجوه المقتضية للحكم بالنجاسة، المتقدمة في المسألة السابعة- من قاعدة المقتضى و المانع، و التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و غيرهما- جار في صورتي تعين الملاقي و عدمه.

لانحلال العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما المردد، بالعلم التفصيلي بنجاسة أحدهما المعين، فلا مانع من الرجوع الى استصحاب الطهارة.

للشك فيها، من جهة احتمال الإطلاق، و المرجع استصحاب‌

169
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 170

كران أحدهما مطلق و الآخر مضاف، و علم وقوع النجاسة في أحدهما، و لم يعلم على التعيين، يحكم بطهارتهما (1).

[ (مسألة 14): القليل النجس المتمم كراً بطاهر أو نجس نجس على الأقوى]

(مسألة 14): القليل النجس المتمم كراً بطاهر أو نجس نجس على الأقوى (2).

الطهارة. نعم بعض الوجوه المتقدمة في المسألة السابعة للقول بالنجاسة مقتض له هنا أيضاً.

أما مطلق فطهارته معلومة، لأنه كر بالفرض. و أما المضاف فيحكم بطهارته ظاهراً، للشك في ملاقاته للنجاسة، فيرجع الى استصحاب الطهارة.

كما هو المشهور، كما عن جماعة. و عن الوسيلة: الطهارة إن تمم بطاهر. و نسبه في المبسوط الى بعض الأصحاب و قال: إنه قوي. أما إذا تمم بنجس ففي المبسوط: «لا شك أنه ينجس الكل». لكن عن رسيات السيد و المراسم و جواهر القاضي و غيرها: الطهارة أيضاً. و هو صريح السرائر. و العمدة من أدلتهم المرسل في المبسوط من‌

قولهم (ع): «إذا بلغ الماء كرا لم يحمل نجاسة» «1»

، و في السرائر:

«قول الرسول (ص) المجمع عليه عند المخالف و المؤالف: إذا بلغ الماء كراً لم يحمل خبثا» «2»

، و أرسله السيد (ره) فيما عن المسائل الرسية، و استدل- مضافا إليه- بالإجماع على أن الماء المعلوم وقوع النجاسة فيه المشكوك سبقه على الكرية و لحوقه لها طاهر، فلو لا بناؤهم على طهارة المتنجس ببلوغ الكرية لم يكن لذلك وجه.

لكن الإجماع المذكور- على تقدير ثبوته و حجيته- إنما يثبت الطهارة فيما نحن فيه لو كان إجماعا على الطهارة واقعا في مورده، أما لو كان على‌

______________________________
(1) آخر صفحة 3 من المبسوط المطبوع في إيران.

(2) صفحة: 8 سطر 14 من كتاب السرائر المطبوع في إيران.

170
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 170

.....

الطهارة ظاهراً فهو أجنبي عن المقام، لإمكان أن يكون الوجه في مورده أصالة الطهارة، كما عرفته في المسألة الثامنة. أما المقام فلا مجال فيه لأصل الطهارة. أما في المتمم بنجس فواضح، لحكومة استصحاب النجاسة عليها و أما في المتمم بطاهر، فلأن مقتضى عموم انفعال القليل نجاسة المقدار الطاهر المتمم للنجس كرا، لملاقاته لذلك النجس. و أدلة اعتصام الكر مختصة بالكر الملحوظ موضوعا للملاقاة، فلا بد من ثبوت كريته في رتبة سابقة على الملاقاة، فلا يشمل ما نحن فيه. و من ذلك يظهر أنه لا مجال في المقام للرجوع إلى عموم:

«خلق اللّٰه الماء طهورا ..» «1».

لأنه مخصص بأدلة انفعال القليل. كما لا مجال لمعارضة استصحاب الطهارة في المقدار الطاهر لاستصحاب النجاسة في المقدار النجس- بناء على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم واقعا و ظاهرا- و الرجوع الى قاعدة الطهارة. و ذلك لأن الرجوع إلى الأصل إنما يكون مع عدم الدليل، و قد عرفت الدليل على النجاسة. مع أن ذلك إنما يتم بعد امتزاج الماءين، لا قبله بمحض الاتصال، لعدم ثبوت وحدة حكم الماءين حينئذ، كما يظهر مما ذكروه في الجاري و الكثير إذا تغير بعضهما حيث ذكروا اختصاص النجاسة بالمتغير لا غير، كما تضمن ذلك النص في الكثير أيضاً. مع أن الإجماع على الوحدة في الحكم ظاهراً غير ثابت، و المتيقن الوحدة في الحكم واقعاً.

و أما المرسل فضعف سنده بالإرسال، و اعراض المشهور عنه، يمنعان عن العمل به. و عمل ابن إدريس به مبني على اعتقاده رواية المؤالف و المخالف له، و قد قال المحقق: «و الذي رواه مرسلا السيد و الشيخ و آحاد ممن جاء بعده و المرسل لا يعمل به، و كتب الحديث عن الأئمة (ع) خالية عنه أصلا. و أما المخالفون فلم أعرف به عاملا سوى ما يحكى عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

171
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 170

.....

ابن حي، و هو زيدي منقطع المذهب. و أما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف و المؤالف فيما لا يوجد إلا نادرا». و أما السيد (ره) فلم يظهر منه الاعتماد عليه لو لا الإجماع الذي ادعاه. بل من المحتمل أن يكون ذلك الإجماع قرينة عنده على صحته و ثبوته. و كذلك القاضي في جواهره، فإنه و ان رواه عنهم (ع)، لكنه استدل على الطهارة في المتمم بطاهر- الذي هو موضوع كلامه- بأن الطاهر لا ينجس بالملاقاة للنجس، لصيرورته كرا، و بضميمة الإجماع على عدم اختلاف الماء الواحد في الحكم يحكم بطهارة النجس. و أطال في النقض و الإبرام في إثبات ذلك. و من الجائز أن يكون اعتماده عليه لذلك. مع أن اعتماد مثله غير كاف في حجية الخبر و أما الشيخ فإنه و ان ظهر من كلامه في المبسوط الميل إلى الطهارة، لكن ظاهر عبارة المبسوط أن النجاسة أقوى. فلاحظ كلامه. و بالجملة:

وجود هذه الضمائم في كلمات الجماعة مانعة من الوثوق باعتمادهم على الخبر بحيث يخرج به عن القواعد.

هذا مضافا إلى تأتي المناقشة في دلالته، لأن‌

قوله (ع): «لم يحمل خبثاً»

يحتمل- بدوا- أن يراد منه تشريع اعتصام الكر عن حدوث النجاسة، و انفعال ما دونه، فيكون مفاده منطوقا و مفهوما مفاد‌

الرواية المشهورة: «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1».

و يحتمل أن يراد منه الرفع، يعني: إذا بلغ الماء النجس كرا ارتفعت عنه النجاسة الثابتة له قبل البلوغ. و مفهومه- على هذا- دال على انحصار مطهرية الماء النجس بالبلوغ كرا، و بقاء النجاسة للماء بدون أن يبلغ كرا، فيكون حجة على بقاء نجاسته مهما شك في ارتفاعها لطروء أمر ما غير الكرية و لا مجال للرجوع الى استصحابها إذ لا مجال للاستصحاب مع الدليل. و على هذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق تضمن ذلك عدة احاديث منها.

172
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 170

.....

المعنى تكون الرواية واردة في مقام تشريع البقاء و الارتفاع، المترتب على تشريع الحدوث و العدم الذي هو مفاد الرواية المشهورة.

و بالجملة: على هذا المعنى يكون قد صدر من الشارع المقدس تشريعان (أحدهما): تشريع الانفعال و عدمه منوطين بالقلة و الكثرة، و هو مفاد الرواية المشهورة. (و ثانيهما) تشريع بقاء الانفعال و ارتفاعه منوطين بطروء الكرية و عدمه، و هذان التشريعان مترتبان، لترتب البقاء و الارتفاع على الحدوث و تفرعهما عليه، فيكون كل من منطوق القضية الشرطية و مفهومها على المعنى الثاني متفرعا على مفهومها بالمعنى الأول. و لأجل ذلك يمتنع عرفا أن تكون الجملة المذكورة في مقام إنشاء الحكمين المذكورين، بأن يراد من‌

قوله (ع): «لم يحمل خبثا»

أنه ان كان كرا لم ينفعل و إلا انفعل، و أنه إن كان كرا لم يبق فيه الانفعال، و إلا بقي. فحمل الرواية على إنشاء الحكمين معا متعذر.

و حينئذ يدور الأمر بين حملها على الأول- و هو الدفع- فتتحد مع الرواية المشهورة في المفاد، و بين حملها على الرفع فتخالفها فيه، و تكون متضمنة للتشريع الثاني. و الأظهر الحمل على الأول، لأن الحمل على الثاني يتوقف على تقييد الماء بالماء النجس قبل البلوغ كرا، و العبارة المناسبة له أن يقال: إذا بلغ الماء النجس كرا طهر، لا مثل العبارة المذكورة. نعم لو كانت الجملة الشرطية المذكورة في الحديث خبرية، أمكن أن يراد منها المفادان معا. لكنه خلاف الظاهر. و من ذلك يظهر عدم صلاحية الحديث المذكور لإثبات طهارة المتمم كرا بطاهر، فضلا عن المتمم بالنجس.

كما يظهر أن التفصيل بينهما- كما عن الجماعة- اعتمادا على الحديث المذكور ضعيف، فإنه لو تمت دلالته لم يكن فرق بين الفرضين، كما اختاره الحلي. اللهم إلا أن يكون الوجه في الفرق بينهما الإجماع على عدم‌

173
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): القليل النجس المتمم كرا بطاهر أو نجس نجس على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 170

.....

الطهارة في النجس المتمم بنجس، كما يظهر من المبسوط، حيث نفى الشك في النجاسة فيه. لكن خلاف ابن إدريس قادح في جواز الاعتماد عليه. فتأمل.

و أما معارضته- على تقدير تمامية دلالته- بما دل على انفعال القليل المقتضي للحكم بنجاسة الطاهر المتمم، المنافي للحكم بطهارته حين الملاقاة المقتضية للكرية، لامتناع الحكم بالطهارة و النجاسة لموضوع واحد في زمان واحد.

و مجرد اختلاف مفاد الدليلين، من أجل أن أحدهما في مقام الدفع، و الآخر في مقام الرفع، و لا يجدي في رفع المنافاة المذكورة. (فيدفعها): أنه يمكن الجمع بين الدليلين بحمل الثاني على مجرد الاقتضاء دون الفعلية، فلا ينافي فعلية الطهارة، و يكون نظير الجمع بين دليلي العنوان الاولي و الثانوي كما يظهر بالتأمل. و الجمع بينهما بذلك أقرب من غيره من وجوه الجمع.

و أشكل من ذلك معارضته بما تضمن النهي عن غسالة الحمام،

كموثق ابن أبي يعفور عن الصادق (ع): «و إياك أن تغتسل من غسالة الحمام، ففيها يجتمع غسالة اليهودي، و النصراني، و المجوسي، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرهم، فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب و إن الناصب لنا- أهل البيت- لأنجس منه» «1».

إذ يدفعها قصور الدلالة على النجاسة مع بلوغ الكرية، لإجمال المراد من الغسالة، لأن موردها من قبيل قضايا الأحوال، بقرينة ذكر اليهودي و اخوته- و من الجائز أن يكون مورد السؤال ما لا يبلغ الكر. مع أن العمل بهذه الاخبار لا يخلو من اشكال، كما يأتي فلاحظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف حديث: 5.

174
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء المطر ؛ ج‌1، ص : 175

[فصل في ماء المطر]

فصل ماء المطر حال تقاطره من السماء كالجاري (1)، فلا ينجس ما لم يتغير و ان كان قليلا، سواء جرى من الميزاب، أو على وجه الأرض، أم لا (2).

فصل في ماء المطر بذلك طفحت عباراتهم. بل استفاض نقل الإجماع عليه في الجملة صريحاً و ظاهراً.

كما هو المشهور. و يشهد له‌

مرسلة الكاهلي عن أبي عبد اللّٰه (ع) في حديث: «قلت: يسيل علي من ماء المطر أرى فيه التغير و أرى فيه آثار القذر فتقطر القطرات علي و ينتضح علي منه. و البيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا، قال (ع): ما بذا بأس لا تغسله. كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر» «1»

و‌

صحيح هشام بن سالم: «أنه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن السطح يبال عليه فتصيبه السماء فيكف فيصيب الثوب فقال (ع): لا بأس به، ما أصابه من الماء أكثر منه» «2»

فان الوكوف في الثاني و ان كان ملازما للجريان غالباً، فلا يكون له إطلاق يشمل صورة عدم الجريان، إلا أن التعليل بقوله (ع):

«ما أصابه ..»

ظاهر في الاكتفاء بالمسمى إذا كان غالباً على النجاسة، و الأخذ به لازم. و كذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

175
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء المطر ؛ ج‌1، ص : 175

.....

السيلان في الأول، و ان كان لا يعم صورة عدم الجريان. و قوله (ع):

«كل شي‌ء يراه ..»

غير ظاهر في الاعتصام، لأن المطهرية أعم منه و لذا يقال بنجاسة ماء الغسالة و لو طهر المحل بها و لذلك قد تشكل دلالته على المشهور. إلا أن قوله (ع):

«كل شي‌ء يراه ..»

لما كان مسوقا مساق الكبرى الكلية للجواب بنفي البأس، دل على عموم نفي البأس لكل ما يسمى ماء المطر، و ان لم يكن جاريا.

هذا و قد ينسب الى ابن حمزة اعتبار الجريان. و الى التهذيب و المبسوط و الجامع اشتراط الجريان من الميزاب. و لعل ذكر الميزاب في كلامهم من باب المثال، فيرجع الى القول الأول. و يشهد له حينئذ‌

صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع): «سألته عن البيت يبال على ظهره، و يغتسل من الجنابة ثمَّ يصيبه المطر، أ يؤخذ من مائه فيتوضأ به للصلاة؟ فقال: إذا جرى فلا بأس به» «1»

و‌

خبره المروي عن قرب الاسناد: «سألته عن الكنيف يكون فوق البيت فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب، أ يصلى فيها قبل أن تغسل؟ قال (ع): إذا جرى من ماء المطر فلا بأس» «2»

و نحوه خبره- المروي عن كتابه- في المطر يجري في المكان فيه العذرة «3».

و ظاهرها اعتبار الجريان الفعلي: فيشكل الأمر في المطر الواقع على الأرض الرملية، و في البحر، و نحوهما مما يمتنع فيه الجريان. و حملها على الجريان بالقوة- كما عن المحقق الأردبيلي- قدس سره- لا قرينة عليه.

و أشكل منه ما تقدم عن ظاهر الشيخ و غيره من اعتبار الجريان من ميزاب، فإنه تقييد للنصوص المذكورة بلا مقيد، و يلزمه القول بعدم اعتصام‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

176
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء المطر ؛ ج‌1، ص : 175

بل و ان كان قطرات، بشرط صدق المطر عليه (1) و إذا المطر الواقع في الصحاري و البحار، و هو كما ترى. و من هنا يظهر الإشكال في هذه الفتاوى، كالإشكال في النصوص.

و لا يبعد ما ذكره بعض مشايخنا (قده) من كون مراد الجماعة إلحاق ماء المطر الجاري على وجه الأرض، بماء المطر النازل من السماء، لدفع توهم اختصاص الحكم بماء المطر حال نزوله، و أنه بعد نزوله و استقراره في الأرض يكون بحكم المحقون. و عبارة بعضهم لا تأبى ذلك. ففي الوسيلة- بعد أن ذكر أن الماء الجاري طاهر و مطهر- قال (ره): «و ما يكون في حكم الجاري هو ماء الحمام .. (إلى أن قال): و حكم الماء الجاري من الشعب من ماء المطر كذلك». و عن التهذيب و الاستبصار: «ماء المطر إذا جرى من الميزاب فحكمه حكم الجاري».

و كيف كان فالنصوص المتقدمة المستدل بها على اعتبار الجريان في اعتصام ماء المطر يعارضها التعليل في صحيح هشام المتقدم، الظاهر في الاكتفاء بأكثرية ماء المطر على المتنجس، الظاهر في غلبته عليه، كما هو اللازم في مطهرية الماء. لأن المراد من البول الذي يكون المطر أكثر منه هو الأثر الموجود في السطح، و لعدم السنخية بينه و بين الماء يتعين حمل الأكثرية على الأغلبية، و لأجل ذلك يجب أن تحمل نصوص الجريان على أن اعتباره في موارد السؤال فيها، للمحافظة على الغلبة المذكورة، كما يساعده مواردها.

بأن يكون له نحو كثرة بها يتحقق صدق الاسم، و ان كان الملاقي للنجس قطرات منه، فلو كان مجموع ما نزل من السماء قطرات يسيرة فلم يصدق عليها ماء المطر لم يترتب الحكم. و في روض الجنان: «كان بعض من عاصرناه من السادة الفضلاء يكتفي في تطهير الماء النجس بوقوع قطرة واحدة عليه. و ليس ببعيد، و ان كان العمل على خلافه». و اشكاله‌

177
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء المطر ؛ ج‌1، ص : 175

اجتمع في مكان و غسل فيه النجس طهر و ان كان قليلا (1).

لكن ما دام يتقاطر عليه من السماء (2).

ظاهر، لمنع الصدق، أو عدم ثبوته. و لعل مراده الاكتفاء في التطهير بالقطرة من المطر النازل، لا الاكتفاء بها في صدق المطر. و عليه فهو في محله.

و الفرق بين المقامين واضح- كما في الجواهر- فلاحظ.

و لا يحتاج إلى وروده على النجس في حصول طهارته به، لاختصاص اعتبار الورود في التطهير بغير المعتصم، أما المعتصم فلا يعتبر فيه ذلك.

هذا بناء على اعتبار الورود في التطهير بغير المعتصم، أما بناء على عدم اعتباره فلا فرق بين ماء المطر و غيره في الحكم المذكور في المتن.

أما اعتبار التقاطر من السماء- في الجملة- في الاعتصام فالظاهر أنه لا إشكال فيه، و في كشف اللثام و ظاهر غيره الاتفاق عليه. و اما اعتبار كون التقاطر عليه، فهو ظاهر محكي مصابيح العلامة الطباطبائي (قده) بل في الجواهر أنه صريحه، و أنه لم يتعرض لذلك سوى العلامة المزبور، في الكتاب المذكور، و أما غيره فأطلق، بل هو نفسه في منظومته كذلك أيضاً.

و مال في الجواهر الى الاكتفاء في اعتصام المجتمع في الأرض بوجود التقاطر من السماء و ان لم يكن عليه. و جعله ظاهر صحيح ابن الحكم «1» و صحيح ابن سالم «2»، و مرسل الكاهلي «3»، و غيرها. بل جعله ظاهر جميع ما ورد في ماء المطر، و أن ماء المطر كما يصدق على النازل حال نزوله، يصدق على المستقر في الأرض، و ان اعتصام الثاني لأنه ماء مطر، لا لأنه متصل بالنازل. نعم يشترط في ثبوت الحكم له- مضافا الى وجود التقاطر-

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

178
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء المطر ؛ ج‌1، ص : 175

.....

أن يكون متهيئاً للتقاطر عليه فلو وضع في خابية و ترك في بيت مثلا لم يجر الحكم المذكور عليه.

و فيه: أن ماء المطر (تارة): يراد منه النازل من السماء (و أخرى):

يراد منه ما كان أصله كذلك و ان كان فعلا في خابية أو مصنع أو نحوهما و لا ريب أن موضوع النصوص و الفتاوى هو الأول، لا الثاني، فإن جملة من نصوص انفعال القليل موردها الحياض و الغدران التي أصلها من المطر، و لا يتوهم المعارضة بينها و بين نصوص الباب، لما عرفت أن موردها المعنى الأول، و كونه جاريا على السطح أو من ميزاب، أو نحو ذلك لا ينافي هذا المعنى، لأن اتصاله بالنازل بتوالي القطرات عليه يوجب الوحدة العرفية بينهما، فالنازل من السماء قبل الجريان و بعده مع توالي القطرات عليه، إطلاق المطر، أو ماء المطر عليه في الحالين بمعنى واحد.

و كذلك الكلام في أمثال المقام مثل ماء النهر و ماء البئر، فإنه أيضاً يطلق (تارة): على ما كان في النهر أو في البئر، (و أخرى): على ما كان أصله منهما، فاذا قيل ماء النهر‌

يطهر بعضه بعضاً

، و‌

ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء

، يكون ظاهراً في المعنى الأول، فإذا سئل عن ماء البئر الجاري على جوانبها، أو ماء النهر كذلك لا يحمل على المعنى الثاني، بل هو ظاهر في الأول، كما لا يخفى. هذا مضافا الى أن الحمل على الثاني في المقام يقتضي عموم الحكم لصورة انقطاع التقاطر بالمرة، و صورة وضعه في خابية و نحوها، فإخراج الصورتين المذكورتين لا وجه له. اللهم إلا أن يكون من جهة الإجماع. و لكن الإجماع تعبداً على خروجهما غير واضح.

و أما التمسك باستصحاب حكم الجاري، فيدفعه: أن عموم انفعال القليل حاكم عليه. مع أنه من الاستصحاب التعليقي، و هو و ان كان معتضداً- بالنسبة إلى اعتصامه- باستصحاب الطهارة، لكنه معارض- بالنسبة إلى‌

179
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر ؛ ج‌1، ص : 180

[ (مسألة 1): الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر]

(مسألة 1): الثوب أو الفراش النجس إذا تقاطر عليه المطر، و نفذ في جميعه طهر، و لا يحتاج الى العصر أو التعدد (1)، و إذا وصل الى بعضه دون بعض طهر ما وصل اليه. هذا إذا لم يكن فيه عين النجاسة، و الا فلا يطهر إلا إذا تقاطر عليه بعد زوال عينها (2).

مطهريته لغيره- باستصحاب النجاسة، و ان كان المرجع بعد التعارض قاعدة الطهارة، فتتحد النتيجة. فالعمدة في البناء على انفعاله بانقطاع التقاطر، عموم أدلة انفعال القليل التي مورد بعضها ماء المطر بعد انقطاع تقاطره، و بها يخرج عن نصوص الباب.

لإطلاق مرسلة الكاهلي المتقدمة «1». و معارضتها بما دل على اعتبار العصر أو التعدد بالعموم من وجه، المقتضية للرجوع الى استصحاب النجاسة. مندفعة: بأنه لو تمَّ إطلاق دليلهما بنحو يشمل المقام، فرفع اليد عن إطلاق المرسلة و تقييدها بدليلهما يوجب إلغاء خصوصية المطر، و ذلك خلاف ظاهر الرواية جدا فيتعين العكس، أعني: تقييد دليلي العصر و التعدد و الأخذ بإطلاقها. مع أن العمدة في دليل اعتبار العصر هو ارتكاز العرف من جهة انفعال الماء المغسول به، و مع اعتصام الماء- كما في المقام- لا مجال له. و كذا في كل ماء معتصم.

لعل مقتضى صحيح ابن سالم المتقدم «2» الاكتفاء بغلبة المطر على عين النجاسة حتى يزيلها. بل لعل إطلاق رواية الكاهلي «3» دال على ذلك، فلا يحتاج إلى التقاطر بعد زوال عين النجاسة.

______________________________
(1) في أول هذا الفصل.

(2) في أول هذا الفصل.

(3) و هي مرسلة الكاهلي المتقدمة في أول هذا الفصل.

180
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الإناء المتروس بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما - إذا تقاطر عليه طهر ماؤه و اناؤه ؛ ج‌1، ص : 181

[ (مسألة 2): الإناء المتروس بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما- إذا تقاطر عليه طهر ماؤه و اناؤه]

(مسألة 2): الإناء المتروس بماء نجس كالحب و الشربة و نحوهما- إذا تقاطر عليه طهر ماؤه و اناؤه (1) بالمقدار الذي فيه ماء. و كذا ظهره و أطرافه إن وصل اليه المطر حال التقاطر، و لا يعتبر فيه الامتزاج، بل و لا وصوله الى تمام ليس في نصوص الباب ما هو ظاهر في ذلك. و دعوى: صدق الرؤية الواردة في المرسلة بمجرد التقاطر، غير ظاهرة إلا بالإضافة إلى السطح الملاقي للقطرات لا غير. مع أنه لو تمَّ ذلك هنا اقتضى طهارة المضاف بذلك أيضاً، و الظاهر عدم القول به من أحد، و ان كان مقتضى ما عن العلامة (ره) في طهر المضاف باتصاله بالجاري، قوله به هنا أيضاً، للإجماع على أنه بحكم الجاري، لكنه لم ينقل ذلك عنه هنا. اللهم إلا أن يدعى خروج المضاف عن القاعدة من جهة الإجماع. فالعمدة الإشكال الأول، و هو عدم ثبوت صدق الرؤية لتمام أجزاء الماء بمجرد التقاطر على سطحه. و ما في الجواهر من أنه لا ينبغي الإصغاء إلى هذه الدعوى غير واضح. بل يشكل الحكم بالطهارة حتى مع الامتزاج، لأن انفصال القطرات بعضها عن بعض موجب لانفعال كل قطرة بعد الاستقرار. و لا ينافي هذا ما تقدم من أن ماء المطر الجاري على الأرض معتصم بنفسه ما دام التقاطر عليه، لاختصاص النصوص الدالة على ذلك [1] بغير الممتزج، و رواية الميزابين «1» محمولة- جزما- على صورة استهلاك البول في ماء المطر.

(و بالجملة): لا دليل على أن القطرات الممتزجة بالماء النجس معتصمة ما دام التقاطر، و لا سيما مع استهلاكها فيه.

فالعمدة إذاً في طهارة الماء المتنجس بتقاطر المطر عليه الإجماعات‌

______________________________
[1] المتقدمة في أول هذا الفصل.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.

181
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها ؛ ج‌1، ص : 182

سطحه الظاهر، و ان كان الأحوط ذلك (1).

[ (مسألة 3): الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها]

(مسألة 3): الأرض النجسة تطهر بوصول المطر إليها بشرط أن يكون من السماء، و لو بإعانة الريح. و أما لو وصل إليها بعد الوقوع على محل آخر، كما إذا ترشح بعد الوقوع المستفيضة على أنه بحكم الجاري، و قد عرفت آنفا طهارة الماء النجس بمجرد اتصاله بالجاري. هذا مضافا الى الإجماع المحكي على طهارته بوقوع المطر عليه كما عن المفاتيح و الروضة.

و يمكن الاستدلال له بما في مرسلة الكاهلي، على ما في بعض نسخ الكافي. و في نسخة الوافي «1» عن بعض المتبحرين «2» من مشايخنا المعاصرين (قده) تصحيحها هكذا: «يسيل على الماء المطر» بجر الماء و رفع المطر، على أن يكون الضمير في قول السائل:

«أرى فيه»

راجعا إلى الماء لا الى المطر. و كأنه بقرينة قوله (ع) في الجواب:

«كل شي‌ء يراه ..»

إذ لو كان راجعا الى المطر كان المراد من الجواب أنه مطهر لنفس القذر، و هو ممتنع. و الذي يشهد لهذا التصحيح أن مجرور: (على) لو كان ياء المتكلم لكان فرض السيلان عليه منافيا لفرض ورود القطرات عليه، كما لا يخفى.

ثمَّ إن الظاهر أنه لا كلام عندهم في طهارة الإناء بطهارة الماء، لأن ملاقاته للماء المعتصم مطهرة له، و لو لاستفادته من عموم مرسلة الكاهلي الدالة بعمومها على أن ملاقاة المطر للإناء مطهرة له، فيتعدى منه إلى كل ماء معتصم، كما يأتي ذلك في محله إن شاء اللّه تعالى. و منه يظهر الحكم في طهارة ظهره و أطرافه.

لأنه المتيقن من معاقد الإجماع على مطهريته للماء و اختاره في المستند.

______________________________
(1) الباب الرابع من أبواب أحكام المياه حديث: 3.

(2) شيخ الشريعة الأصفهاني «ره».

182
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر ؛ ج‌1، ص : 183

على مكان فوصل مكاناً آخر، لا يطهر (1). نعم لو جرى على وجه الأرض فوصل الى مكان مسقف بالجريان اليه طهر (2)

[ (مسألة 4): الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر]

(مسألة 4): الحوض النجس تحت السماء يطهر بالمطر (3)، و كذا إذا كان تحت السقف و كان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض، بل و كذا لو أطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض، و كذا إذا جرى من ميزاب فوقع فيه.

[ (مسألة 5): إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهراً]

(مسألة 5): إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهراً (4) بل و كذا إذا وقع على ورق الشجر ثمَّ وقع على الأرض نعم لو لاقى في الهواء شيئا- كورق الشجر أو نحوه- حال نزوله لا يضر، إذا لم يقع عليه ثمَّ منه على الأرض، فبمجرد المرور على الشي‌ء لا يضر (5).

للشك في ذلك من دون دليل عليه. بل عموم انفعال القليل يقتضي انفعال الماء الواصل اليه. و قد عرفت أن هذا العموم مقدم على استصحاب الاعتصام الثابت له حال النزول.

لإطلاق نصوص الباب الواردة في ماء المطر الجاري. فلاحظ ما سبق «1».

يعلم الحكم المذكور مما سبق في المسألة الثانية.

لما تقدم في المسألة الثانية. و لا فرق بين السقف و ورق الشجر و غيرهما من الوسائط. نعم لو كان يجري من الواسطة إلى غيرها مع توالي التقاطر عليه كان معتصما و مطهراً.

لإطلاق الأدلة.

______________________________
(1) في أول هذا الفصل.

183
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا تقاطر على عين النجس، فترشح منها على شي‌ء آخر، لم ينجس ؛ ج‌1، ص : 184

[ (مسألة 6): إذا تقاطر على عين النجس، فترشح منها على شي‌ء آخر، لم ينجس]

(مسألة 6): إذا تقاطر على عين النجس، فترشح منها على شي‌ء آخر، لم ينجس (1)، إذا لم يكن معه عين النجاسة، و لم يكن متغيراً (2).

[ (مسألة 7): إذا كان السطح نجساً فوقع عليه المطر و نفذ و تقاطر من السقف، لا تكون تلك القطرات نجسة]

(مسألة 7): إذا كان السطح نجساً فوقع عليه المطر و نفذ و تقاطر من السقف، لا تكون تلك القطرات نجسة و ان كان عين النجاسة موجودة على السطح و وقع عليها. لكن بشرط أن يكون ذلك حال تقاطره من السماء. و أما إذا انقطع ثمَّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النجس فيكون نجساً. و كذا الحال إذا جرى من الميزاب بعد وقوعه على السطح النجس.

[ (مسألة 8): إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا]

(مسألة 8): إذا تقاطر من السقف النجس يكون طاهرا إذا كان التقاطر حال نزوله من السماء، سواء كان السطح أيضاً نجساً أم طاهراً.

[ (مسألة 9): التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه]

(مسألة 9): التراب النجس يطهر بنزول المطر عليه إذا وصل إلى أعماقه حتى صار طيناً (3).

يعني: ما دام متصلا بماء السماء بتوالي تقاطره عليه، كما هو مورد النصوص المتقدمة، فإنه معتصم حينئذ. و لا يضر أن يكون معه عين النجاسة فإنه لا ينجس بها، كما هو مورد مرسلة الكاهلي «1».

إذ لا إشكال في نجاسته بذلك، كما يستفاد من صحيح ابن سالم «2» و مما ذكرنا هنا تعرف وجه الحكم في المسألة السابعة و الثامنة.

يدل على ذلك إطلاق ما دل على مطهريته. مضافا الى المرسل‌

______________________________
(1) تقدم ذكرهما في أول هذا الفصل.

(2) تقدم ذكرهما في أول هذا الفصل.

184
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): الحصير النجس يطهر بالمطر ؛ ج‌1، ص : 185

[ (مسألة 10): الحصير النجس يطهر بالمطر]

(مسألة 10): الحصير النجس يطهر بالمطر، و كذا الفراش المفروش على الأرض و إذا كانت الأرض التي تحتها أيضاً نجسة تطهر إذا وصل إليها (1). نعم إذا كان الحصير منفصلا عن الأرض، يشكل طهارتها بنزول المطر عليه إذا تقاطر منه عليها، نظير ما مر من الاشكال (2) فيما وقع على ورق الشجر و تقاطر منه على الأرض.

[ (مسألة 11): الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه]

(مسألة 11): الإناء النجس يطهر إذا أصاب المطر جميع مواضع النجس منه. نعم إذا كان نجساً بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير (3) لكن بعده إذا نزل عليه يطهر من غير حاجة الى التعدد.

عن أبي الحسن (ع) في طين المطر: «انه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام، إلا أن يعلم أنه قد نجسه شي‌ء بعد المطر» «1»

فتأمل.

يستفاد ذلك كله من مرسلة الكاهلي «2» و غيرها.

تقدم منه (قده) الجزم بالعدم.

لأن‌

قوله (ع): «كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر» «3»

ليس بأقوى مما دل على اعتبار التعفير، لقرب دعوى ظهوره في تميز ماء المطر عن سائر أفراد الماء، فلا يعتبر في مطهريته ما يعتبر في مطهرية غيره لا جعله مطهراً لما لا يطهره الماء، كالتراب، فإطلاق ما دل على اعتبار التعفير محكم. لا أقل من تساويهما في الظهور، فيرجع بعد المعارضة إلى استصحاب النجاسة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

(2) تقدم في أول هذا الفصل.

(3) تقدم في أول هذا الفصل.

185
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء الحمام ؛ ج‌1، ص : 186

[فصل في ماء الحمام]

فصل ماء الحمام بمنزلة الجاري (1)، بشرط اتصاله بالخزانة (2) فالحياض الصغار فيه إذا اتصلت بالخزانة لا تنجس بالملاقاة فصل في ماء الحمام في الجواهر الإجماع محصلا و منقولا عليه. و يشهد له‌

صحيح داود ابن سرحان: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): ما تقول في ماء الحمام؟ قال (ع):

هو بمنزلة الجاري» «1».

و‌

خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إن ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضا» «2».

و قريب منهما غيرهما.

إجماعا كما في الجواهر. و يقتضيه الجمع بين ما تقدم و بين‌

رواية بكر بن حبيب عن أبي جعفر (ع): «ماء الحمام لا بأس به إذا كانت له مادة» «3».

و ضعفها بجهالة بكر منجبر بعمل المشهور. بل في الحبل المتين: ان جمهور الأصحاب تلقوا روايته هذه بالقبول. انتهى. هذا مضافا الى رواية صفوان عنه الذي هو من أصحاب الإجماع، و ممن لا يروي إلا عن ثقة، كما عن الشيخ (ره) في العدة و أما ما في طهارة شيخنا الأعظم (ره) من أن الظاهر أنه بكر بن محمد بن حبيب- الذي ظاهر المحكي عن النجاشي و صريح الخلاصة: أنه من علماء الإمامية، و حكى ابن داود عن الكشي.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 4.

186
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء الحمام ؛ ج‌1، ص : 186

إذا كان ما في الخزانة وحده، أو مع ما في الحياض بقدر الكر (1)، من غير فرق بين تساوي سطحها مع الخزانة، أنه ثقة- فغير ظاهر، فان ذلك أبو عثمان المازني، المتوفى سنة ثمان و أربعين و مائتين، و تمتنع روايته عن أبي جعفر (ع) الذي هو الباقر (ع)، بقرينة وقوع منصور في السند. فلاحظ.

ثمَّ إن الظاهر من ماء الحمام في النصوص ما في الحياض الصغار، كما هو الظاهر من الأصحاب و المصرح به في كلام جماعة، و يكون تشبيهه بالجاري في النص و الفتوى بملاحظة كونه ذا مادة جارية عليه. فيدل على اعتصامه ما تقدم من عموم اعتصام كل ماله مادة. و كأن الوجه في إهمال تقييد الماء بكونه دون الكر أن القضية لوحظ فيها الافراد الخارجية، و هي في عصر صدور النصوص كلها قليلة لا تبلغ الكر، لا قضية حقيقية ليلزم تقييد موضوعها بما دون الكر، لوضوح أن الماء البالغ كراً لا بأس به و ان لم يكن له مادة إجماعاً نصاً و فتوى.

المنسوب إلى الأكثر، أو المشهور: اعتبار بلوغ المادة كراً.

و عن جماعة: الاكتفاء ببلوغ المجموع كرا. و في الحدائق: عدم اعتبار الكرية في المادة و لا في مجموع ما فيها و ما في الحياض. و نسبه إلى جملة من المتأخرين و متأخريهم، و اختاره أيضاً في الكفاية، و نسبه إلى ظاهر كلام المحقق. و عن بعض التفصيل بين تساوي السطوح فيكفي بلوغ المجموع كرا، و بين اختلافها فلا بد من بلوغ المادة كراً. و عن بعض التفصيل بين الرفع فالأول، و بين الدفع فالثاني.

و مختصر الكلام في تحقيق هذه الأقوال: أنه (إن كانت) نصوص الباب من قبيل القضية الحقيقية، فمفادهما أن عنوان ماء الحمام كعنوان ماء المطر، دخيل في ثبوت الحكم المذكور فيهما، فمهما تحقق ماء الحمام كان بمنزلة‌

187
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء الحمام ؛ ج‌1، ص : 186

.....

الجاري إذا كانت له مادة. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون ما في المادة و ذي المادة بالغا كرا و عدمه. و مقتضى وجوب العمل بهذا الإطلاق البناء على ما ذكره في الكفاية و الحدائق و غيرهما من عدم اعتبار الكرية أصلا، لا في المادة، و لا في مجموع ما في المادة و ذي المادة. (و إن كانت) من قبيل القضية الخارجية التي حكم فيها على الافراد الخارجية لا غير، لم يكن لها إطلاق يصلح أن يتمسك به لعدم اعتبار الكرية في المادة- فضلا عن مجموع ما في المادة و الحياض- لان القضية الشرعية على هذا- من قبيل قضايا الأحوال المكتسبة ثوب الاجمال، و لا يجوز الخروج بها عن القواعد العامة إلا فيما يكون متيقن الدخول في مواردها، مثل الحوض الصغير الذي تجري عليه المادة، فإنه لو لم يكن دليل على اعتصامه أمكن أن تكون هذه الروايات دليلا عليه، لأنه متيقن دخوله في موردها. و على هذا الاحتمال تبتني بقية الأقوال.

و حينئذ نقول: إن بني على تقوي السافل بالعالي اكتفي بكون المجموع كراً و لو مع اختلاف السطوح. و ان بني على عدمه تعين التفصيل بين صورة تساوي السطوح، فيكفي كون المجموع كرا، و بين صورة اختلافها فلا بد من كون المادة وحدها كرا. و لعل إطلاق المشهور اعتبار بلوغ المادة كرا مبني على كون محل كلامهم صورة اختلاف السطوح. ثمَّ على القول بتقوي السافل بالعالي إن قلنا بأن المتمم كرا بطاهر طاهر، لم يفرق بين الدفع و الرفع في كفاية كون المجموع كرا. و ان لم نقل بطهارة المتمم بطاهر تعين التفصيل بين الدفع فيكفي فيه كون المجموع كرا، و بين الرفع فلا يكفي فيه ذلك، بل لا بد من كون المادة وحدها كرا، كما اختاره المصنف (ره) في المتن.

هذا و لا ينبغي التأمل في لزوم حمل القضية الشرعية في الروايات‌

188
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء الحمام ؛ ج‌1، ص : 186

.....

المذكورة على القضية الخارجية (أولا): من جهة أن خصوصية الحمام من قبيل خصوصية الدار و الخان و نحوهما من الأمكنة، مما لا يساعد العرف على دخلها في الحكم المذكور، و المنسبق الى الذهن ملاحظتها مرآة للافراد الخارجية. (و ثانيا): أن لازم أخذ العنوان المذكور موضوعا للحكم، هو انفعال ماء الحمام إذا لم يكن له مادة و لو كان كثيرا، و عدم انفعاله لو أخذ منه مقدار و جعل مادة، و ذلك- مع أنه خلاف المرتكز العقلائي- مما لم يقل به أحد فإذا دار الأمر بين حمل القضية على الحقيقية و التصرف فيها بإخراج ذلك، و بين حملها على الخارجية، فالثاني أولى. (و ثالثاً):

أنه يظهر منهم الاتفاق على أن المراد من ماء الحمام في النصوص هو ما في الحياض الصغار، و لا يظهر وجه لذلك إلا حمل القضية على الخارجية.

فإذا حمل ماء الحمام على الحياض الصغار التي كانت متعارفة في زمن صدور الروايات، فلم لا تحمل المادة على المادة المتعارفة في ذلك الزمان أيضاً؟!.

و حينئذ لا يسوغ الأخذ بإطلاق المادة الشامل لما دون الكر، لأن الحمل على ذلك من قبيل الحمل على الفرد الخارجي الذي لا يقبل الإطلاق و التقييد بل عمومها لما دون الكر موقوف على وجود ذلك الفرد في ذلك الزمان، و هو غير معلوم. و بالجملة: لا وجه للتفكيك بين ماء الحمام و بين المادة، بحمل الأول على الفرد الخارجي، و حمل الثاني على الكلي ثمَّ يتمسك بإطلاقه فاما أن يحملا معا على الفرد الخارجي أو معا على الكلي، كما لعله ظاهر بالتأمل. فما في الحدائق من الجمع بين تمسكه بإطلاق المادة، و بين استظهاره أن المراد من ماء الحمام ما في الحياض الصغار بعد نسبة ذلك الى الأصحاب كما ترى.

و أما تقوي السافل بالعالي، و عكسه، و عدمهما فقد اختلفت فيها كلمات الجماعة. و لعل أول من تعرض لذلك العلامة (ره) في التذكرة،

189
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء الحمام ؛ ج‌1، ص : 186

.....

قال: «لو وصل بين الغديرين بساقية اتحدا إن اعتدل الماء، و إلا في حق السافل، فلو نقص الأعلى عن كر انفعل بالملاقاة» و ظاهره تقوي السافل بالعالي دون العكس، و مثله محكي كلام غيره. و مقتضى ما ذكره في القواعد و غيرها من اعتبار الكرية في مادة الحمام عدم تقوي السافل بالعالي. و ظاهر محكي جامع المقاصد عدم تقوي كل منهما بالآخر.

و صريح جماعة من المتأخرين التقوي من الطرفين. لإطلاق أدلة اعتصام الكر الشامل لمختلف السطوح و متساويها. و قد يستشكل فيه (تارة):

باختصاصها بالماء الواحد، و مع اختلاف السطوح يتعدد وجود الماء. و فيه:

أن التعدد يتوقف على الانفصال و تخلل العدم و هو خلاف المفروض.

(و اخرى): باختصاص مورد تلك الأدلة بالحياض و الغدران و نحوهما مما يتساوى فيه السطوح. و فيه- مع أن بعضها لا مورد له معين-: أن المورد لا يخصص الوارد و لا يقيده. (و ثالثة): بأن ما دل على اعتبار المادة في ماء الحمام- المنصرف إطلاقها بحكم الغلبة إلى الكر، يكون مقيدا لذلك الإطلاق حتى في غير الحمام، لإلغاء خصوصية مورده عرفا. و فيه:

أن الغلبة لا تصلح للانصراف المعتد به، و قد عرفت أن أدلة ماء الحمام مجملة لأن مضمونها من قبيل القضية الخارجية. (و رابعة): من جهة انصرافه الى خصوص متساوي السطوح، و فيه: أن الانصراف المذكور بدوي، لأن منشأه أنس الذهن بذلك. (و خامسة): بأن الأعلى لا ينجس بنجاسة الأسفل اتفاقا فلا يطهر بطهارته. و فيه: أنه لا ملازمة بين الأمرين و لذا لا إشكال في سراية النجاسة من الأعلى إلى الأسفل، مع أن المستشكل ممن لا يقول بتقوي الأعلى بالأسفل. و عمدة الفرق بين المقامين: أن أدلة السراية قاصرة عن شمول الأعلى عند نجاسة الأسفل، بخلاف أدلة اعتصام الكر فإنها شاملة لمختلفي السطحين، و متساويهما، كما عرفت.

190
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء الحمام ؛ ج‌1، ص : 186

.....

نعم الذي ينبغي أن يقال: إنه لا ريب في أن المرتكز العرفي عدم تقوي كل من العالي و السافل بالآخر. و هذا الارتكاز موجب لانصراف المطلقات الدالة على اعتصام الكر إلى مستوي السطوح، فيكون موضوع الاعتصام مقيداً بذلك، و مقتضاه انتفاؤه بانتفائه. و ليس هذا الانصراف ناشئاً من أنس الذهن بالمقيد لسبب من الأسباب الخارجية،- من غلبة أو محبة أو نحوهما- ليكون من الانصرافات البدوية التي لا يعول عليها في رفع اليد عن الإطلاق. بل هو ناشئ من المناسبات الارتكازية العرفية التي يعول عليها في تقييد المطلق، كما يظهر من ملاحظة النظائر التي يطول الكلام بذكرها فلاحظ. و لا فرق بين العلو التسنيمي و التسريحي الذي لا يلحق بالمساوي عرفا.

هذا كله مع اختلاف السطوح و جريان الماء، فلو كان الماء ساكنا- كما لو عمل ظرف من نحاس على هيئة المنبر- فالظاهر أنه لا إشكال في تقوي كل من الأعلى و الأسفل بالآخر. كما أنه مع تساوي السطوح، و ضعف الاتصال كما لو وصل بين الغديرين بساقية ضعيفة جدا، فالتقوي حينئذ لا يخلو من إشكال، لأنه خلاف الارتكاز العرفي. و كذا لو كان الماء في أنبوب ضيق طوله فرسخ أو فرسخان، لعين ما ذكر من الاشكال.

و أما ما عن المعالم من الإشكال في اعتصام الكر مع تساوي السطوح إذا لم يكن مجتمعا متقارب الاجزاء، فان رجع الى ما ذكرنا ففي محله، و إلا فهو خلاف الإطلاق، كما عرفت.

هذا و لو كان العالي وحده كرا، فالمعروف تقوي السافل به، بل عن شارح الدروس الاتفاق عليه. لكن قد يظهر من بعض العبارات الاشكال فيه. نعم لا إشكال فيه في ماء الحمام، لأنه المتيقن من النصوص، و قد عرفت أن احتمال الخصوصية فيه خلاف المرتكز العرفي، فالتعدي منه الى‌

191
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء الحمام ؛ ج‌1، ص : 186

أو عدمه، و إذا تنجس ما فيها يطهر بالاتصال بالخزانة (1)، بشرط كونها كرا، و ان كانت أعلى و كان الاتصال بمثل (المزملة). و يجري هذا الحكم في غير الحمام أيضاً، فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكر أو أزيد، و كان تحته حوض صغير نجس، و اتصل بالمنبع بمثل (المزملة) يطهر، و كذا لو غسل فيه شي‌ء نجس، فإنه يطهر مع الاتصال المذكور.

غيره في محله. و يدل عليه صحيح ابن بزيع عن الرضا (ع) «1»، سواء أرجع التعليل الى قوله (ع):

«لا يفسده شي‌ء»

فيدل على ما نحن فيه بالصراحة، أم إلى قوله (ع):

حتى يذهب الريح و يطيب

..» فيدل على ما نحن فيه بالفحوى، لأن الدفع أهون من الرفع.

كما يستفاد من صحيح ابن بزيع «2»، بناء على ما تقدم في مبحث الماء الجاري من رجوع التعليل فيه الى الغاية، فيعم الحكم كل ما له مادة.

و يستفاد أيضا من نصوص نفي البأس في ماء الحمام إذا كان له مادة، فإن إطلاقها يشمل ما إذا تنجس الماء ثمَّ وصل بالمادة. اللهم إلا أن يحتمل ان الحمامات في عصر صدور هذه النصوص ما كانت المادة تنقطع فيها عن الحياض و قد عرفت أن النصوص محمولة على الافراد الخارجية لا غير، و مع هذا الاحتمال- و ان بعد- تكون النصوص مجملة. فالعمدة صحيح ابن بزيع.

و منه يستفاد حكم غير الحمام، لعموم التعليل و ان كان مورده البئر. فلاحظ و تأمل.

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

192
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء البئر ؛ ج‌1، ص : 193

[فصل في ماء البئر]

فصل ماء البئر النابع بمنزلة الجاري، لا ينجس إلا بالتغير (1)، فصل في ماء البئر على المشهور بين المتأخرين، و نسب إلى العماني، و الحسين بن الغضائري و محمد بن جهم: للنصوص الدالة عليه،

كصحيح ابن بزيع عن الرضا (ع): «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء، إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح و يطيب طعمه، لأن له مادة» «1».

و‌

صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال: «سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة، أو زنبيل من سرقين أ يصلح الوضوء منها؟

قال (ع): لا بأس» «2».

و‌

صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع):

«قال سمعته يقول: لا يغسل الثوب و لا تعاد الصلاة مما وقع في البئر، إلا أن ينتن، فإن أنتن غسل الثوب و أعاد الصلاة، و نزحت البئر» «3»

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة، و قد عقد لها في الوسائل بابا طويلا «4» و ان كان بعضه لا يخلو من خدش في الدلالة، أو السند.

و المشهور بين القدماء النجاسة بمجرد الملاقاة، بل عن الاقتصاد و الغنية و غيرهما: الإجماع صريحا أو ظاهراً عليه و تبعهم عليه جماعة من المتأخرين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 6، 7.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 10.

(4) و هو الباب: 14 من أبواب الماء المطلق.

193
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء البئر ؛ ج‌1، ص : 193

.....

لما دل على وجوب النزح بملاقاة النجاسة، الظاهر في كونه مطهراً لها، بل هو المصرح به في بعضها،

كصحيح ابن يقطين عن أبي الحسن (ع): «سألته عن البئر تقع فيها الحمامة، و الدجاجة، و الفأرة، أو الكلب أو الهرة فقال (ع): يجزؤك أن تنزح منها دلاء، فان ذلك يطهرها إن شاء اللّه تعالى» «1».

و‌

صحيح ابن بزيع: «عن البئر تكون في المنزل للوضوء فتقطر فيها قطرات من بول أو دم، أو يسقط فيها شي‌ء من عذرة- كالبعرة و نحوها- ما الذي يطهرها حتى يحل الوضوء منها للصلاة؟ فوقع (ع) بخطه في كتابي: ينزح منها دلاء» «2».

و فيه: أنها لا تصلح لمعارضة ما عرفت، مما هو أقوى دلالة، فيجمع بينها بالحمل على الاستحباب.

و لا سيما بملاحظة ما فيها من الاختلاف الكثير، و ورود بعضها فيما ميتته طاهرة- كالوزغ و العقرب- الموجب ذلك لحمل كثير منها على الاستحباب. و مما يؤيد ذلك أنها لو انفعلت مع كثرة مائها لزم دوران النجاسة مدار المادة و هو غريب كما قيل.

نعم قد تشكل نصوص الطهارة من جهة إعراض القدماء عنها، و عدم اعتمادهم عليها. لكنه يندفع: بأنه لم يثبت كونه إعراضا موهنا لها، بل من الجائز أن يكون لبنائهم على عدم الجمع العرفي بينها و بين نصوص النجاسة، مع ترجح الثانية بموافقتها للاحتياط و كونها أكثر عدداً. و مجرد احتمال كونه لأجل اطلاعهم على قرينة تنافي أصالة الظهور فيها، أو أصالة الجهة، لا يكفي في رفع اليد عنها- كما لا يخفى- فإنه خلاف الأصل العقلائي المقتضي لنفي ذلك الاحتمال.

هذا و أما‌

صحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه (ع): «قال:

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 21.

194
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء البئر ؛ ج‌1، ص : 193

.....

إذا أتيت البئر و أنت جنب فلم تجد دلوا و لا شيئاً تغرف فيه فتيمم بالصعيد فان رب الماء رب الصعيد، و لا تقع في البئر و لا تفسد على القوم ماءهم» «1»

فغير ظاهر في النجاسة، لعدم التعرض فيه لنجاسة بدن الجنب، فلعل المراد من الإفساد فيه القذارة العرفية. بل لو كان المراد به النجاسة، كان اللازم التعبير بأن لا يفسد الماء فلا يمكن الاغتسال به و يتنجس البدن به، لا بإفساد الماء على أهله. فلاحظ. و أما ما ورد في تقارب البئر و البالوعة فلا يأبى الحمل على صورة التغير بالنجاسة، فلا يقوى على صرف ما تقدم فلاحظ.

هذا و نسب إلى الشيخ (قده) القول بالطهارة و وجوب النزح تعبدا.

و تبعه عليه في المنتهى و الموجز و غيرهما. و كأنه للأخذ بظاهر الدليلين، فإن الأصل في الأمر أن يكون مولويا فيحمل الأمر بالنزح عليه. أو لأن المقام و ان كان مقام الإرشاد إلى النجاسة، فيكون الأمر بالنزح إرشاديا إليها، لكنه حيث لا يمنع عنه مانع، و اخبار الطهارة مانعة عنه.

و فيه: أن قرينية المقام على الإرشاد إلى النجاسة إذا لم يمكن الأخذ بها من جهة نصوص الطهارة، يتعين حمل الأمر بالنزح على الإرشاد إلى مرتبة ضعيفة من النجاسة، لا تثبت لها أحكام النجاسة لاختصاص تلك الأحكام بالمرتبة القوية، فإنه هو الذي يساعده الجمع العرفي، كما استقر عليه ديدنهم في أمثال المقام. فإن الأمر بجملة من المستحبات في الصلاة- مثل الإقامة و التكبير و غيرهما- ظاهر في الإرشاد إلى الجزئية أو الشرطية لكن لما لم يمكن الأخذ به- لما دل على الصحة بدونه- حمل على الإرشاد إلى خصوصية راجحة في الصلاة و لم تحمل على الوجوب المولوي.

و عن البصروي: التفصيل في الانفعال بين الكر و غيره. و كأنه‌

لموثق عمار قال: «سئل أبو عبد اللّه (ع) عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 22.

195
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في ماء البئر ؛ ج‌1، ص : 193

.....

أو رطبة. فقال (ع): لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» «1»

و خبر الحسن بن صالح المتقدم في تحديد الكر «2». و‌

لقوله (ع) في صحيح ابن بزيع: «ماء البئر واسع» «3»

بناء على ظهوره في أنه كثير. و لغلبة الكرية في البئر، الموجب ذلك لحمل نصوص الطهارة عليه عند الجمع بينها و بين عموم انفعال القليل، فيكون عموم انفعال القليل بلا معارض. أو لأنه لا يمكن الأخذ بنصوص الانفعال إذا كان الماء كرا، لما تقدم من امتناع أن تكون المادة سببا للانفعال.

و فيه: أنه لم يثبت للشارع الأقدس اصطلاح في الكثرة بمعنى الكرية كي يحمل في الموثق عليها، بل الظاهر من الكثرة الكثرة العرفية، و اعتبارها في الموثق لأجل المنع من حصول التغير في الماء من وقوع الزنبيل من العذرة فيه فالكثرة معتبرة في مورد السؤال شرطا في عدم التغير الخارجي، لا شرطا مطلقا في عدم الانفعال شرعا، و المراد بها كثرة خاصة تزيد على الكر بكثير و أما خبر الحسن- فمع ضعفه في نفسه- مهجور. و حمل السعة في الصحيح على الكثرة- مع أنه لا يجدي، كما عرفت- خلاف الظاهر. لا أقل من الاجمال و لو بملاحظة التعليل، المحتمل رجوعه إلى السعة أو الى عدم الإفساد إذ على كلا التقديرين لا يناسب حمل السعة على الكثرة، إذ لا دخل للمادة في الحكمين المذكورين، كما لعله ظاهر. و غلبة الكرية في ماء البئر ممنوع و لو سلم، فالجمع بين نصوص اعتصام البئر و انفعال الماء القليل يكون بحمل الثانية على غير ماء البئر، لظهور الأولى في خصوصية لماء البئر امتاز بها عن غيره، و إذا بني على التقييد بالكثير فلا خصوصية لماء البئر، و ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 15.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8 و تقدم في تحديد الكر بالمساحة.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 1، 6، 7.

196
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير ؛ ج‌1، ص : 197

سواء كان بقدر الكر أو أقل، و إذا تغير ثمَّ زال تغيره من قبل نفسه طهر، لأن له مادة (1). و نزح المقدرات في صورة عدم التغير مستحب (2). و أما إذا لم يكن له مادة نابعة فيعتبر في عدم تنجسه الكرية (3)، و إن سمي بئرا، كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر و لا نبع لها.

[ (مسألة 1): ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير]

(مسألة 1): ماء البئر المتصل بالمادة إذا تنجس بالتغير فطهره بزواله و لو من قبل نفسه (4)، فضلا عن نزول المطر خلاف الظاهر. و صحيح ابن بزيع كالصريح في ذلك، بناء على أن المراد من قوله (ع)

«واسع»

أنه واسع الحكم- كما هو الظاهر- و أن التعليل بالمادة راجع اليه، كما تقدم في مبحث الماء الجاري.

هذا و عن الجعفي اعتبار ذراعين في الأبعاد الثلاثة في الاعتصام.

و ليس له دليل ظاهر. و يمكن أن يكون راجعاً إلى ما قبله. ففيه حينئذ ما فيه.

إشارة إلى التعليل في صحيح ابن بزيع «1»، الظاهر رجوعه الى جميع الأحكام السابقة عليه المناسبة له، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في مبحث الماء الجاري فراجع.

حملا لنصوص النزح على ذلك، لما عرفت.

لما تقدم من عموم انفعال القليل. و مجرد التسمية مجازاً أو اصطلاحا لا يجدي بعد ما لم يكن مصداقا حقيقياً لموضوع الأحكام الخاصة. مع أنه لو فرض كون إطلاق البئر عليه حقيقياً، فالتعليل حاكم على إطلاقه و مانع من الأخذ به.

لما تقدم من أن الارتكاز العرفي مانع من اعتبار خصوصية النزح في الطهارة.

______________________________
(1) الوسائل باب 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 6، 7.

197
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الماء الراكد النجس كرا كان أو قليلا يطهر بالاتصال ؛ ج‌1، ص : 198

عليه أو نزحه حتى يزول. و لا يعتبر خروج ماء من المادة في ذلك (1).

[ (مسألة 2): الماء الراكد النجس كراً كان أو قليلا يطهر بالاتصال]

(مسألة 2): الماء الراكد النجس كراً كان أو قليلا يطهر بالاتصال بكر طاهر (2)، أو بالجاري، أو النابع غير لإطلاق التعليل.

للتعليل في الصحيح الذي يجب التعدي عن مورده الى المقام.

و تعضده أخبار ماء الحمام، بناء على أن نفي البأس فيها يعم حالتي الدفع و الرفع، لكثرة الابتلاء بالحالين، و بعد إلغاء خصوصية موردها عرفا يتعدى منه إلى كل ماله مادة فتأمل. و هذا هو العمدة في كفاية الاتصال بالمادة في التطهير. و ما عن بعض الأفاضل من الاستدلال له بالأصل غير ظاهر إذ الأصل يقتضي النجاسة. و كذا في الاشكال ما عن آخر من الاستدلال له بعموم مطهرية الماء، أو خصوص الماء المعتصم، من‌

قوله (ص): «خلق اللّٰه الماء طهورا» «1»

، و‌

قوله (ع): «الماء يطهِّر و لا يطهَّر» «2»

، و‌

قوله (ع): «كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر» «3»

، و‌

قوله (ع): «ماء الحمام كماء النهر يطهر بعضه بعضاً» «4»

، و‌

قوله (ع)- مشيراً إلى غدير ماء-: «إن هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره» «5».

فإن إطلاق الأول لو تمَّ فلا إطلاق له في كيفية التطهير، و ليس مجرد الاتصال كافياً عند العرف في حصول الطهارة لينزل الإطلاق عليه. و من ذلك يظهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 7.

(5) مستدرك الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 8.

198
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الماء الراكد النجس كرا كان أو قليلا يطهر بالاتصال ؛ ج‌1، ص : 198

.....

الإشكال في الثاني. مضافا الى إهماله من حيث المتعلق. و حصول الرؤية لجميع أجزاء الماء بمجرد إصابته للسطح الظاهر ممنوع، كما يظهر ذلك من ملاحظة الجامدات التي يصيبها المطر، ضرورة عدم اصابته لجميع الاجزاء بمجرد اصابة بعضها، و لذا لا يطهر الجميع بمجرد إصابة المطر لبعضها.

و من ذلك يظهر الإشكال في الأخير. و روايات ماء الحمام ليست بذلك الوضوح في الدلالة على ذلك فالعمدة إذاً في كفاية الاتصال بالمادة في التطهير ما ذكرنا.

و المتحصل من النصوص: أن المعتصم نوعان: معتصم بنفسه، و هو الكر و ماء المطر. و معتصم بغيره، و هو المتصل بأحدهما. و المتصل بالأول هو ذو المادة الذي هو محل الكلام. فان كانت المادة أعلى فلا بد أن يكون ما في المادة زائدا على الكر بالمقدار الخارج منها الى القليل النازل اليه، بناء على ما عرفت آنفا من عدم تقوي العالي بالسافل. و لا فرق في المادة العاصمة بين الكر، و مادة الجاري و مادة البئر، و العيون الراكدة، و الثمد، و غيرها مما يسمى مادة. فالاتصال بالمادة في جميع ذلك دافع للنجاسة و رافع لها.

و لو لا الصحيح و اخبار ماء الحمام لوجب اعتبار الامتزاج في حصول التطهير للشك فيه بدونه، الموجب للرجوع إلى استصحاب النجاسة. و مع الامتزاج لا شك في الطهارة، للإجماع القطعي- كما قيل- و للقاعدة المجمع عليها، من أن الماء الواحد لا يختلف حكم أبعاضه، فإنه لو بني على نجاسة المعتصم مع الامتزاج لزم مخالفة دليل اعتصامه فيتعين البناء على طهارة المتنجس.

و مخالفة استصحاب النجاسة لا تهم، بعد دلالة دليل اعتصام المعتصم على طهارة المتنجس بالدلالة الالتزامية، كما لا يخفى. و المراد من الواحد في القاعدة ما يكون واحداً في الإشارة، فلا تمكن الإشارة إلى بعض منه دون بعض، و لا يحصل ذلك إلا بالامتزاج، فان الاتصال و ان كان يحصل الوحدة‌

199
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير ؛ ج‌1، ص : 200

الجاري، و ان لم يحصل الامتزاج على الأقوى. و كذا بنزول المطر (1).

[ (مسألة 3): لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير]

(مسألة 3): لا فرق بين أنحاء الاتصال في حصول التطهير (2)، فيطهر بمجرده و ان كان الكر المطهر- مثلا- أعلى و النجس أسفل. و على هذا فإذا ألقى الكر لا يلزم نزول في الوجود و الفردية، لكنه لا يحصل الوحدة في الإشارة.

هذا، و لأجل ما ذكرنا في وجه كفاية الاتصال في التطهير، يظهر خفاء الوجه في اعتبار علو المطهر، كما يستفاد من قولهم: «يطهر الماء النجس بإلقاء كر عليه دفعة». و أما اعتبار الدفعة، فيمكن أن يكون لأجل تحقيق الامتزاج المعتبر عندهم. و يحتمل أن يكون من جهة أن عدم الإلقاء دفعة يوجب انقسام الماء الى قسمين: عال و سافل، و لا يتقوى أحدهما بالآخر. و يحتمل أن يكون تعبديا للنص كما عن المحقق الثاني (ره) تعليله بذلك، و ان لم يعثر على هذا النص، كما اعترف به جماعة. و كيفما كان فقد عرفت أن الماء إذا زاد على الكر بمقدار ما به يتحقق الاتصال بين الماء النجس و الكر طهر النجس، و لو لم يلق تمام الكر، فضلا عن أن يكون دفعة.

العمدة في دليل هذا الإجماع على أن ماء المطر بمنزلة الجاري، بضميمة ما دل على أن الاتصال بالجاري مطهر، لصدق ذي المادة على المتصل به. و أما الاستدلال بمثل:

«كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر»

فقد عرفت الاشكال فيه «1».

لصدق المادة في الجميع. نعم تقدم أنه بناء على عدم تقوي‌

______________________________
(1) في أول الكلام في هذه المسألة.

200
مستمسک العروة الوثقی1

مسألة 4): الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر ؛ ج‌1، ص : 201

جميعه، فلو اتصل ثمَّ انقطع كفى. نعم إذا كان الكر الطاهر أسفل، و الماء النجس يجري عليه من فوق لا يطهر الفوقاني بهذا الاتصال (1).

[مسألة 4): الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر]

(مسألة 4): الكوز المملوء من الماء النجس إذا غمس في الحوض يطهر (2)، و لا يلزم صب مائه و غسله.

[ (مسألة 5): الماء المتغير إذا ألقي عليه الكر]

(مسألة 5): الماء المتغير إذا ألقي عليه الكر فزال تغيره به يطهر، و لا حاجة الى إلقاء كر آخر بعد زواله (3)، لكن بشرط أن يبقى الكر الملقى على حاله (4) من اتصال أجزائه، و عدم تغيره، فلو تغير بعضه قبل زوال تغير النجس أو تفرق بحيث لم يبق مقدار الكر متصلا باقياً على حاله، تنجس و لم يكف في التطهير. و الأولى إزالة التغير أولا ثمَّ إلقاء الكر أو وصله به.

العالي بالسافل إذا كان المطهر أعلى لا بد من زيادته على الكر بمقدار النازل منه الى المتنجس، لئلا ينقص عن الكر بنزول شي‌ء منه فيخرج عن العاصمية.

لعدم صدق المادة، و عدم تحقق الامتزاج، و قد عرفت انحصار المطهر بهما.

يعني: نفس الكوز، لتحقق انغساله بالكثير، و سيأتي أنه كاف في التطهير للاواني، و ان قلنا باحتياجها الى التعدد في القليل.

لتحقق الاتصال بالمادة، و لا وجه لاعتبار كون الاتصال بها بعد زوال التغير، فان مورد صحيح ابن بزيع «1»- الذي هو العمدة في دليل كفاية الاتصال في التطهير- صورة حصول الاتصال قبل زوال التغير.

تحقق هذا الشرط- غالباً- موقوف إما على زيادة الماء على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 6، 7.

201
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره - بالعلم، و بالبينة ؛ ج‌1، ص : 202

[ (مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره- بالعلم، و بالبينة]

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره- بالعلم، و بالبينة (1)، الكر لتحصل الغلبة منه على المتغير، أو على كون التغير بمرتبة ضعيفة تذهب بمجرد اتصال الكر، و إلا فالاتصال يوجب تغير بعض أجزاء الكر الطاهر، فينجس الجميع، بعضه بالتغير، و الباقي بالاتصال به، لأنه قليل.

على المشهور. و في الجواهر: «ينبغي القطع به، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن القاضي و ظاهر عبارة الكاتب و الشيخ، و لا ريب في ضعفه». لعموم ما دل على حجية البينة. و خصوص‌

خبر عبد اللّه ابن سليمان المروي عن الكافي و التهذيب عن الصادق (ع) في الجبن: «كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة» «1».

لكن قد يستشكل في الرواية بضعف السند، و اختصاصها بما فيه الميتة، و أنها لا تدل على ثبوت النجاسة، و إنما تدل على ارتفاع الحل و ثبوت الحرمة.

و أما العموم فهو و ان ادعاه جمع من الأعاظم، و فيهم شيخنا الأعظم (رحمه اللّٰه) في رسالة الجماعة، لكنه غير ظاهر. إذ دليله إن كان هو الإجماع المحكي عن النراقي و السيد الأصبهاني (قدهما) فهو ينافيه الخلاف في المقام ممن عرفت و غيرهم من متأخري المتأخرين، و كذا الخلاف في مقام آخر.

و ان كان‌

قوله (ع): «فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم» «2»

فالمراد من التصديق فيه التصديق النفسي و لو ببعض مراتبه، لا التعبدي بترتب آثار الواقع شرعا الذي هو محل الكلام. و يشهد بذلك ملاحظة مورده، فان العمل فيه ليس موضوعا لأثر شرعي. هذا مضافا الى أنه لو تمَّ اقتضى حجية خبر المسلم مطلقاً من دون اعتبار العدد و العدالة فيه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 60 من أبواب الأطعمة المباحة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 6 من كتاب الوديعة حديث: 1.

202
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره - بالعلم، و بالبينة ؛ ج‌1، ص : 202

.....

و مثله قوله تعالى (يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) «1» إذ المراد منه الإيمان الصوري.

و ان كان آية النبإ «2»، فيتوقف الاستدلال بها على ثبوت المفهوم لها، و هو محل الاشكال. مع عدم اعتبار العدد فيها.

و ان كان ما ورد في جواز شهادة العبد، و المكاتب، و الصبي، بعد البلوغ، و الاعمى، و الأصم و نحوهم. ففيه: أنه لا إطلاق له من حيث المورد، و لا تعرض فيه لاعتبار العدد و العدالة.

و ان كان بناء العقلاء على حجية خبر الثقة. ففيه: أن بين خبر الثقة و بين البينة عموما من وجه.

و ان كان الاستقراء. فثبوته و حجيته معا ممنوعان.

و ان كان‌

رواية مسعدة بن صدقة: «كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، فتدعه من قبل نفسك. و ذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته و هو سرقة، و المملوك عندك و لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهراً، أو امرأة تحتك و هي أختك أو رضيعتك. و الأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة» «3».

فالبينة فيها إنما جعلت غاية للحل الذي هو المراد من اسم الإشارة، و كونها حجة على الحرمة لا يقتضي حجيتها على الموضوع، فضلا عن عموم الحجية لما لم يكن مورداً للحل و الحرمة من موضوعات سائر الأحكام.

اللهم إلا أن يقال: المراد من قيام البينة بالحرمة أعم من كونها مدلولا مطابقيا و تضمنيا و التزاميا، فاذا شهدت بكون الثوب سرقة فقد‌

______________________________
(1) التوبة: 61.

(2) الحجرات: 6.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

203
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره - بالعلم، و بالبينة ؛ ج‌1، ص : 202

.....

قامت بحرمته، و كذا إذا شهدت بكون المرأة رضيعة فقد قامت بحرمتها.

فليس المراد من قيام البينة بالحرمة شهادتها بها فحسب، بل أعم من ذلك و من شهادتها بموضوع خارجي تلزمه الحرمة، أو لازم لها، أو ملازم، مثل كون المائع خمراً أو بولا أو دما أو نحوها، و كذا أعم من شهادتها بعنوان اعتباري مثل إخوة امرأة، أو نجاسة مائع، أو حرية رجل، إذا كان بينه و بين الحرمة ملازمة، فإن البينة في جميع ذلك قائمة بالحرمة، فلا يختص موردها بما إذا شهدت البينة بالحرمة لا غير.

ثمَّ إن البينة لما كانت من سنخ الامارات العرفية، كان الظاهر من ثبوت الحرمة عند قيامها بها كونها طريقاً إلى مؤداها، لا تعبداً كما في موارد الأصول، فإذا شهدت البينة بكون الثوب سرقة، فثبوت الحرمة ظاهرا لثبوت موضوعها و قيام الامارة عليه. و عليه لا فرق بين الحرمة و غيرها من الأحكام المترتبة على السرقة، فكما تثبت الحرمة تثبت تلك الاحكام، لأن طريقيتها بنظر العرف لا تختص بجهة دون جهة، فيحمل الدليل على إطلاق الحجية، و مقتضى ذلك حجية البينة مطلقاً عند قيامها بالحرمة، فيترتب عليها جميع الاحكام و الآثار. فلم يبق مورد خارج عن الرواية إلا ما لا يترتب عليه أثر الحرمة أصلا، بحيث لا تدل عليه البينة أصلا و لو بالالتزام لكنه نادر. و لا يبعد التعدي إليه بعدم القول بالفصل أو لعدم التفكيك عرفا بينه و بين مورد الرواية، بحيث تكون البينة حجة حيث يكون في موردها حكم الحرمة، و لا تكون حجة في غير ذلك. فلاحظ.

و المتحصل: أن الرواية المذكورة صالحة لإثبات عموم الحجية بتوسط أمور: (الأول): أن المراد من قيام البينة بالحرمة كونها مدلولا للكلام و لو بالالتزام (الثاني): أن طريقية البينة عرفا تقتضي كون المفهوم من الدليل عموم الحجية (الثالث): امتناع التفكيك بين الموارد التي تكون‌

204
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره - بالعلم، و بالبينة ؛ ج‌1، ص : 202

و بالعدل الواحد (1)، الحرمة فيها مدلولا للكلام- و لو التزامياً و لو باللزوم غير البين- و بين غيرها من الموارد مما هو نادر إما لعدم القول بالفصل، أو لإلغاء الخصوصية عرفا.

و يعضد العموم المذكور الإجماع المدعى ممن عرفت على عموم الحجية.

و لا ينافيه الخلاف في بعض الموارد، لأنه لشبهة، كما يظهر ذلك من استدلال المخالف في المقام: بأن البينة ليست من العلم الذي جعل غاية للحل في‌

قولهم (ع): «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر» «1»

و نحوه.

و كذا المخالف في حجية البينة في الاجتهاد استدل: بأن الاجتهاد من الأمور الحدسية التي لا تكون مورداً للشهادة مع تيسر العلم. و لو كان الوجه في الخلاف عدم ثبوت العموم الدال على الحجية كان المناسب الاستدلال به أيضاً، و لكان اللازم الخلاف في كل مورد لم يقم دليل بالخصوص على الحجية، و هو مما لا يحصى كثرة، مع أن الخلاف لم ينقل إلا في موارد خاصة هذا و بعين هذا التقريب يمكن إثبات عموم الحجية في إثبات النجاسة من رواية عبد اللّه بن سليمان المتقدمة في صدر المسألة، بناء على ظهورها في كون ذكر الميتة فيها من باب المثال.

كما عن ظاهر التذكرة، و قواه في الحدائق. لما دل على جواز الصلاة بأذان الثقة «2» و ثبوت عزل الوكيل باخباره «3»، و كذا ثبوت الوصية بقوله، «4» و ثبوت استبراء الأمة إذا كان بائعاً «5»، و غير ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

(2) راجع باب: 3 من أبواب الأذان و الإقامة.

(3) الوسائل باب: 2 من كتاب الوكالة حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 97 من كتاب الوصايا حديث: 1.

(5) راجع باب: 6 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

205
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره - بالعلم، و بالبينة ؛ ج‌1، ص : 202

على إشكال لا يترك فيه الاحتياط، و بقول ذي اليد (1)، بل قيل: إن ثبوت حكم النجاسة به دون المتنجس متنافيان. (و فيه):

أن الموارد المذكورة موضوعها خبر الثقة، و بينه و بين خبر العادل عموم من وجه. مع أن استفادة الكلية من الموارد المذكورة غير ظاهرة، و لا سيما عند الأخباريين. و أنه خلاف ظاهر الحصر في رواية مسعدة. و أما التنافي بين الحجية في إثبات الحكم دون موضوعه، فأوضح إشكالا كما لا يخفى. و أما آية النبإ فدلالتها على حجية خبر العادل محل إشكال مشهور و لو سلمت فيتعارض مفهومها مع الحصر في رواية مسعدة، و رفع اليد عن المفهوم فيها أولى من تخصيص الرواية، لأن عطف خبر العدل على البينة مستهجن، لأن العدل جزء البينة، و لو كان خبره حجة تعين الاقتصار عليه دون البينة، كما لا يخفى. و من ذلك يظهر أن عموم حجية خبر الثقة في الاحكام و الموضوعات، لو تمَّ- من بناء العقلاء و غيره- فتخصيصه أولى من تخصيص الرواية. على أنها بالنسبة إلى بناء العقلاء رادعة واردة لا معارضة و كذا الكلام في خصوص رواية عبد اللّه بن سليمان في إثبات النجاسة، بناء على ما عرفت من استفادة عموم حجية البينة فيها فلاحظ و تأمل. و من ذلك تعرف الوجه في قول المصنف: «على اشكال»، و ان المتعين المنع من القبول.

على المشهور بين المتأخرين، و عن الحدائق: أن ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه. و يشهد له السيرة. و هي العمدة فيه. و أما الاستدلال عليه بما‌

في خبر إسماعيل بن عيسى عن أبي الحسن (ع) إذ سأله عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل .. (الى أن قال) (ع): «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك» «1».

فلا يخلو من اشكال، لعدم ظهور الأمر بالسؤال في وجوب القبول،

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 7.

206
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره - بالعلم، و بالبينة ؛ ج‌1، ص : 202

.....

مع أنه خال عن التقييد بذي اليد. و مثله الإشكال في الاستدلال بالنهي عن السؤال في صحيح البزنطي الوارد في شراء الفراء من السوق «1»، و في رواية عمار الواردة في شراء الجبن من المسلم [1]. و أضعف من ذلك الاستدلال بالنهي عن الإعلام في رواية ابن بكير الواردة فيمن أعار ثوبا لا يصلى فيه، حيث‌

قال (ع): «لا يعلمه قلت: فإن أعلمه قال (ع):

يعيد» «2»

إذ لا يظهر منه أن المراد من الاعلام مجرد الخبر و لو لم يعلم بمضمونه، و لا كون عدم الصلاة من جهة النجاسة. مع أنه مبني على وجوب إعادة الجاهل بالنجاسة، و هو خلاف التحقيق، كما يأتي إن شاء اللّٰه [2] و كأنه لذلك كان ما عن الذخيرة و شرح الدروس من عدم الوقوف له على دليل.

نعم‌

في صحيح معاوية بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج [3] و يقول: قد طبخ على الثلث و أنا أعرفه أنه يشربه على النصف فاشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟

فقال (ع): لا تشربه. قلت: فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه أنه يشربه على الثلث و لا يستحله على النصف، يخبر أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه قال (ع): نعم» «3»

و ظاهره حجية الخبر مع عدم ما يوجب اتهام المخبر. و لعله محمل‌

صحيح

______________________________
[1] لم نعثر على رواية: عمار المشتملة على النهي: نعم اشتمل على ذلك رواية الثمالي (الوسائل باب: 33 من الأطعمة المحرمة) و رواية بكر بن حبيب (الوسائل باب: 60 من الأطعمة المباحة)

[2] في أول فصل الصلاة في النجس.

[3] البختج: العصير المطبوخ. (مجمع البحرين).

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

207
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): تثبت نجاسة الماء كغيره - بالعلم، و بالبينة ؛ ج‌1، ص : 202

و ان لم يكن عادلا و لا تثبت بالظن المطلق (1) على الأقوى.

معاوية بن وهب: «عن البختج، فقال: إذا كان حلواً يخضب الإناء و قال صاحبه: قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث، فاشربه» «1»

، فان عدم كونه يخضب الإناء أمارة على عدم ذهاب الثلاثين.

لكن‌

في موثق عمار فيمن يأتي بالشراب و يقول: هو مطبوخ على الثلث «فقال (ع): إن كان مسلما ورعا مؤمنا فلا بأس أن يشرب» «2».

و‌

في صحيح ابن جعفر (ع): «لا يصدق إلا أن يكون مسلماً عارفا» «3».

و المتعين حملهما على الاستحباب، لصراحة الصحيح الأول بعدم اعتبار الورع و الايمان، و التفكيك بينهما و بين الإسلام بعيد.

فلا يبعد كون المستفاد من هذه النصوص حجية قول ذي اليد إذا لم يكن ما يوجب اتهامه. و لكن موردها خصوص الاخبار بالتطهير. و مثلها في الدلالة على الحجية ما دل من المستفيضة على أن من أقر بعين في يده لغيره فهي له «4». و ليس ذلك من باب حجية الإقرار، لاختصاص ذلك بما كان إقراراً على نفسه و هو نفي الملكية عن نفسه، لا ثبوت الملكية لغيره فان ذلك من باب حجية الخبر، كما لا يخفى. لكن موردها أيضاً خصوص الاخبار بالملك.

كما هو المشهور المعروف، بل لا ينقل فيه خلاف إلا عن ظاهر النهاية و صريح الحلبي. لابتناء أكثر الاحكام على الظنون. و امتناع ترجيح المرجوح. و لما في بعض النصوص من الأمر بغسل الثوب المأخوذ من يد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 7.

(4) راجع باب: 16، 25، 26 من الوصايا.

208
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسته، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة ؛ ج‌1، ص : 209

[ (مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسته، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة]

(مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسته، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة (1). و إذا تعارض البينتان تساقطتا (2)، الكافر «1». و لما تضمن إلقاء السجاد (ع) الفراء إذا أراد الصلاة، لأن أهل العراق يستحلون الميتة بالدباغ «2». و الجميع كما ترى. لمنع الأول إن أريد مطلق الظن- كما هو محل الكلام- كمنع الثاني إذا كان لحجة شرعية من أصل الطهارة أو استصحابها. و معارضة الثالث بما دل على جواز الصلاة فيما يعمله الكافر «3»، و عدم وجوب غسله. و إلقاء السجاد الفراء أعم من الوجوب. مع أن في لبسه دلالة على خلاف المطلوب. مع أنه لو بني على حجية الظن بالنجاسة لزم الهرج و المرج، إذ قل ما ينفك مورد عن الظن بالنجاسة و لو للسراية.

لقصور دليل حجية قول المالك عن صورة التعارض المذكور.

مضافا الى ما يستفاد مما دل على القضاء بالبينة في مقابل دعوى ذي اليد الملكية لنفسه أو لغيره. نعم إذا كان مستند البينة الأصل- بناء على جواز ذلك- قدم اخبار ذي اليد، لأنه مقدم على الأصل، و إذا بطل مستند الشهادة امتنع قبولها.

لأصالة التساقط في المتعارضين. و دليل الترجيح مع وجود المرجح و التخيير مع عدمه، يختص بتعارض الأخبار الحاكية عن الحكم الكلي، و لا يعم البينات الحاكية عن الموضوع أو الحكم الجزئي.

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 61 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 73 من أبواب النجاسات حديث: 1.

209
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسته، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة ؛ ج‌1، ص : 209

إذا كانت بينة الطهارة مستندة إلى العلم (1)، و ان كانت مستندة إلى الأصل (2) تقدم بينة النجاسة.

يعني: و كانت بينة النجاسة كذلك. أما لو كانت هذه مستندة إلى الأصل قدمت بينة الطهارة، لأنها تقدم على الأصل الذي هو مستند بينة النجاسة فتسقط لبطلان مستندها. كما هو كذلك في عكس ذلك المفروض في المتن: بأن كانت بينة الطهارة مستندة الى الأصل، و بينة النجاسة إلى العلم، فإنه تقدم فيه بينة النجاسة، لأنها تقدم على الأصل الذي هو مستند بينة الطهارة، فتبطل هي لبطلان مستندها. فالتساقط يختص بصورة لا تكون فيه إحدى البينتين رافعة لمستند الأخرى، فإنه تبطل الأخرى لبطلان مستندها، فتبقى الأولى بلا معارض فتكون واردة على الأخرى لا معارضة بها إذ مع الخطأ في المستند تنتفي الحجية لقصور أدلة الحجية عن شمول ذلك من دون فرق بين حجية الخبر و الفتوى و البينة و غيرها من الحجج، سواء أ كانت حجة على الحكم الكلي أم الجزئي. نعم في حكم الحاكم نوع تفصيل أشرنا إليه آنفا في مسائل التقليد.

لا ينبغي التأمل في أن جواز الشهادة بشي‌ء ليس من آثار ثبوته واقعا كي يكون الشك في ثبوته مستلزما للشك في جواز الشهادة به، فيبنى على جوازها لأصالة البراءة. بل هو من آثار العلم بالثبوت، و الظاهر أنه مما لا خلاف فيه في الجملة. و يشهد به جملة من النصوص مثل ما‌

رواه المحقق في الشرائع عن النبي (ص) من قوله- و قد سئل عن الشهادة-: «هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع» «1»

و‌

في خبر علي بن غياث: «لا تشهد بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفك» «2»

، و نحوهما غيرهما‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من كتاب الشهادات حديث: 3.

(2) الوسائل باب 20 من كتاب الشهادات حديث: 1.

210
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسته، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة ؛ ج‌1، ص : 209

.....

و الظاهر منها- و لو بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع- اعتبار العلم موضوعا على نحو الطريقية، لا الصفة الخاصة، لأن الحمل عليه في أمثال المقام يحتاج إلى عناية خال عنها الكلام، بخلاف الحمل على الأول.

مع أن البناء على الصفتية يوجب الإشكال في كثير من الموارد التي استقرت السيرة فيها على الشهادة اعتماداً على أمارة أو قاعدة أو إقرار أو نحو ذلك، مثل الشهادة بالنسب اعتماداً على قاعدة الفراش، و الشهادة بالزوجية و بالملك اعتماداً على قاعدة الصحة في عقد النكاح و عقد البيع، و كذا الشهادة بالطلاق اعتماداً على قاعدة صحة الطلاق، و بالحرية اعتمادا على قاعدة صحة العتق، و الشهادة بالدين اعتماداً على الإقرار، أو قاعدة الصحة في عقد الضمان، و كذا الحال في أمثال ذلك مما هو كثير لا يحصى.

و دعوى: أن الشهادة إنما هي بالسبب، و هو معلوم، و القاعدة إنما يجريها المشهود عنده. مندفعة: بأنها خلاف‌

قوله (ع): «إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان» «1»

و يشير الى ذلك الصحيح الآتي، فإنه يدل على أن القاضي لا يستصحب، و إنما الذي يعمل بالاستصحاب هو الشاهد و القاضي إنما يعمل بشهادته.

و بالجملة فالتأمل قاض: بأن سيرة المتشرعة على الشهادة اعتماداً على الأمارة أو القاعدة التي هي بمنزلتها و لو بالإضافة إلى حيثية الشهادة- مثل قاعدة الصحة- مما لا مجال لإنكارها. فلا بد من التصرف في الحديثين المذكورين- لو تمَّ ظهورهما في اعتبار العلم على نحو الصفتية- بحملهما على ما لا ينافي ذلك، بأن يكون المراد منهما الردع عن الشهادة اعتمادا على الظن و الحدس و التخمين.

و يشهد بذلك ما ورد من جواز الشهادة بالملك اعتمادا على اليد، و هي‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث: 1.

211
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسته، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة ؛ ج‌1، ص : 209

.....

رواية حفص بن غياث عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال له: «إذا رأيت شيئاً في يد رجل يجوز لي أن أشهد أنه له؟ قال (ع): نعم. قال الرجل:

أشهد أنه في يده، و لا أشهد أنه له، فلعله لغيره. فقال أبو عبد اللّه (ع):

أ فيحل الشراء منه؟ قال: نعم. فقال أبو عبد اللّٰه (ع): فلعله لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه و يصير ملكا لك، ثمَّ تقول بعد الملك: هو لي. و تحلف عليه، و لا يجوز أن تنسبه الى من صار ملكه من قبله إليك.

ثمَّ قال أبو عبد اللّٰه (ع): لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق» «1»

، فإنها تدل على أن اليد لما كانت أمارة على الملك كانت بمنزلة العلم به فيترتب عليها أحكامه، و من تلك الاحكام جواز الشهادة به. و ما‌

رواه معاوية بن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (ع): الرجل يكون في داره، ثمَّ يغيب عنها ثلاثين سنة، و يدع فيها عياله، ثمَّ يأتينا هلاكه، و نحن لا ندري ما أحدث في داره. و لا ما أحدث له من الولد، إلا أنا لا نعلم أنه أحدث في داره شيئاً، و لا حدث له ولد، و لا تقسم هذه الدار على ورثته الذين ترك في الدار حتى يشهد شاهدا عدل أن هذه الدار دار فلان ابن فلان، مات و تركها ميراثا بين فلان و فلان، أو نشهد على هذا؟

قال (ع): نعم. قلت: الرجل يكون له العبد، و الأمة، فيقول أبق غلامي أو أبقت أمتي، فيؤخذ بالبلد فيكلفه القاضي البينة ان هذا غلام فلان، لم يبعه و لم يهبه، أ فنشهد على هذا إذا كلفناه؟ و نحن لم نعلم أنه أحدث شيئاً. فقال (ع): كلما غاب من يد المرء المسلم غلامه أو أمته أو غاب عنك لم تشهد به» «2»

و‌

روي في الصحيح أيضا قال: «قلت له: إن ابن أبي ليلى يسألني الشهادة عن هذه الدار مات فلان و تركها

______________________________
(1) الوسائل باب: 25 من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 17 من كتاب الشهادات حديث: 2.

212
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): إذا أخبر ذو اليد بنجاسته، و قامت البينة على الطهارة، قدمت البينة ؛ ج‌1، ص : 209

.....

ميراثا، و أنه ليس له وارث غير الذي شهدنا له. فقال: اشهد بما هو علمك. قلت: إن ابن أبي ليلى يحلفنا اليمين الغموس. فقال (ع):

احلف إنما هو على علمك» «1».

و‌

روي أيضاً في الموثق: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الرجل يكون له العبد و الأمة قد عرف ذلك فيقول: أبق غلامي أو أمتي، فيكلفونه القضاة شاهدين بأن هذا غلامه أو أمته لم يبع و لم يهب، أ نشهد على هذا إذا كلفنا؟ قال (ع): نعم» «2».

و ما في ذيل الأول محمول على بعض المحامل، أو مطروح، لترجح غيره عليه.

كما أن ما في الصحيح من جعله علماً مبني على الادعاء، كما هو ظاهر دليل الاستصحاب.

و كيف كان فالمراد من الأصل في عبارة المتن الاستصحاب، لا أصالة الطهارة، فإنها لا تكون مستنداً للشهادة بالطهارة الواقعية، لعدم كونها علماً بها لا حقيقة و لا تنزيلا، و الطهارة الظاهرية في حق الشاهد ليست موضوعا للحكم في حق المشهود عنده، بل هو إن كان شاكا كان موضوعا لها، لقيام الدليل الدال عليها عنده إن كان مجتهداً، أو لفتوى مجتهده إن كان مقلداً بلا توسط شهادة الشاهد.

ثمَّ إنه مما يتفرع على ذلك جواز الشهادة بالواقع اعتماداً على البينة إذا شهدت به، كما حكي عن الشيخ (ره). لكن المعروف بين الأصحاب عدم القبول و لعله لما ورد من عدم قبول شهادة الفرع إلا في موارد خاصة «3».

لكن عدم القبول لا يقتضي عدم جواز الشهادة نفسها. فلاحظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من كتاب الشهادات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 17 من كتاب الشهادات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 44، 45 من كتاب الشهادات.

213
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): إذا شهد اثنان بأحد الأمرين، و شهد أربعة بالآخر، يمكن ؛ ج‌1، ص : 214

[ (مسألة 8): إذا شهد اثنان بأحد الأمرين، و شهد أربعة بالآخر، يمكن]

(مسألة 8): إذا شهد اثنان بأحد الأمرين، و شهد أربعة بالآخر، يمكن- بل لا يبعد- تساقط الاثنين بالاثنين، و بقاء الآخرين (1).

[ (مسألة 9): الكرية تثبت بالعلم، و البينة]

(مسألة 9): الكرية تثبت بالعلم، و البينة (2). و في ثبوتها بقول صاحب اليد وجه، و ان كان لا يخلو عن إشكال (3).

هذا غير ظاهر، فان دليل حجية البينة كدليل حجية الخبر نسبته الى الواحد و الكثير نسبة واحدة، و انطباقه على الجميع في رتبة واحدة، فإذا امتنع انطباق الدليل على المتعارضين كان مقتضاه سقوط الطرفين عن الحجية، و ما في المتن من التبعيض في أحد الطرفين يحتاج إلى معين مفقود.

نعم لو كانت أبعاض أحد الطرفين مترتبة في انطباق الدليل، سقط ما يكون في الرتبة الأولى للمعارضة و انفرد المتأخر بالحجية، كما هو كذلك في الأصول المترتبة. لكن المقام ليس كذلك. نعم لو بني على الترجيح في البينات المتعارضة، كالترجيح في الاخبار المتعارضة، كان اللازم في الفرض ترجيح شهادة الأربعة على شهادة الاثنين، لا ما ذكر في المتن. و كذا ترجيح شهادة الثلاثة على شهادة الاثنين، لو فرض شهادة ثلاثة بأحد الأمرين، و شهادة اثنين بالآخر. لكن الترجيح غير واضح، لعدم الدليل عليه.

و الترجيح بالاشهرية مختص بالخبرين المتعارضين، و الترجيح بالأكثرية مختص ببعض صور تعارض البينتين عند القاضي في مقام المرافعة اليه، و التعدي إلى المقام محتاج الى دليل مفقود.

لما تقدم من عموم حجية البينة.

كأنه لندرة الابتلاء بالسؤال عن الكرية في عصر المعصومين (ع) فلم تحرز سيرة على قبول خبر ذي اليد فيه، أو لعدم دليل بالخصوص فيه. بخلاف السؤال عن النجاسة. فقد ورد فيه بعض النصوص، و ادعي‌

214
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس، إلا في الضرورة ؛ ج‌1، ص : 215

كما أن في إخبار العدل الواحد أيضاً اشكالا (1).

[ (مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس، إلا في الضرورة]

(مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس (2)، إلا في الضرورة. و يجوز سقيه للحيوانات (3)، الاتفاق عليه. و فيه: أن العمدة في الدليل على القبول في النجاسة هو السيرة- لما عرفت من الإشكال في دلالة النصوص عليه، و لم يثبت إجماع معتبر على القبول- و السيرة العملية في المقام و ان كانت غير ثابتة لندرة الابتلاء، لكن السيرة الارتكازية محققة، فإنه لا ريب عند المتشرعة في جواز الاعتماد على خبر ذي اليد في الكرية و النجاسة و غيرهما مما يتعلق بما في اليد، من دون فرق بين الجميع، و السيرة الارتكازية حجة كالعملية فلاحظ.

تقدم أن الاشكال قوي جدا.

إجماعا، نصا و فتوى، بل لعله من ضروريات الدين. نعم في حال الضرورة يجوز شربه بلا إشكال، لأدلة نفي الضرر «1» و الحرج [1] و غيرها.

يكفي فيه الأصل. و‌

في خبر أبي بصير عن الصادق (ع): «عن البهيمة البقرة و غيرها تسقى أو تطعم ما لا يحل للمسلم أكله أو شربه أ يكره ذلك؟ قال (ع) نعم يكره ذلك» «2».

و ظاهره الجواز على كراهية.

______________________________
[1] مثل قوله تعالى (يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة: 185 و قوله تعالى:

(مٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) المائدة: 6. و قوله تعالى (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج: 78. و قد يدل عليه خبر عبد الأعلى مولى آل سام (الوسائل باب: 39 من أبواب الوضوء حديث: 5).

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 17 من أبواب الخيار من كتاب البيع و باب: 5 من كتاب الشفعة و باب: 7 و 12 من كتاب احياء الموات.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.

215
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس، إلا في الضرورة ؛ ج‌1، ص : 215

بل و للأطفال أيضا (1). و يجوز بيعه (2).

لأصل. و ما ورد من تحريم سقي المسكر لهم «1» لا يمكن استفادة حكم المقام منه، لاحتمال خصوصية للمسكر. و ما تضمن الأمر بإراقة الماء المتنجس «2»، الظاهر في عدم الانتفاع به، لا يقتضي المنع في المقام أيضاً، بتوهم أنه لو جاز سقيه للأطفال لكان له منفعة معتد بها لكثرة الابتلاء بهم، بل ربما كانوا أكثر العيال. و ذلك لأن جواز سقيه لا يوجب كونه ذا منفعة معتد بها عرفا إذا كان يؤدي الى نجاسة الطفل و ثيابه غالبا، السارية إلى غيره، فان ذلك أمر مرغوب عنه. و لعله لذلك لم يذكر الطفل في بعض الروايات الآمرة بإراقة المرق المتنجس، أو إطعامه أهل الكتاب، أو الكلب.

و ما يقال: من أن أدلة المنع عن شرب النجس لما كانت عامة للصبي كانت دالة على وجود المفسدة في شربه، و أدلة رفع القلم عن الصبي ليست مخصصة لها، بل نافية لمحض الاستحقاق برفع الإلزام،- و لذا بنينا على شرعية عبادات الصبي لعموم أدلة الأحكام- فإذا كان شرب الصبي مشتملا على المفسدة كان سقيه إيقاعا له في المفسدة، فيحرم. (مندفع): بأن المفسدة التي يحرم إيقاع الصبي فيها من الولي و غيره لا تشمل مثل ذلك.

إذا كان له منفعة معتد بها. لعموم دليل صحة البيع [1]، و وجوب الوفاء بالعقود [2]. و أما‌

النبوي: «إذا حرم اللّٰه شيئاً حرم

______________________________
[1] مثل قوله تعالى (وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبٰا)- البقرة: 275 و قوله تعالى (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)- النساء: 29.

[2] مثل قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)- المائدة: 1.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المحرمة.

(2) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق.

216
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس، إلا في الضرورة ؛ ج‌1، ص : 215

مع الاعلام (1).

ثمنه» «1»

فظاهره التحريم المؤدي إلى سلب المنفعة المعتد بها، لا مطلقاً، و إلا لزم تخصيص الأكثر.

العمدة فيه‌

قول الصادق (ع) في صحيح معاوية الوارد في بيع الزيت المتنجس: «و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» «2»

، فإنه لما لم يكن ترتب بين الاعلام و الاستصباح، و إنما الترتب بين الاعلام و عدم أكل الزيت، بلحاظ أن الاعلام يستوجب حدوث الداعي إلى ترك الأكل لكن لأجل انحصار الفائدة بهما غالبا كان ترك الأكل ملازما للاستصباح، فالتعليل بالاستصباح يكون عرضياً و العلة الأصلية ترك الأكل. و يشير إلى ذلك أن الاستصباح ليس مأموراً به كي يمكن أن يترشح الأمر الغيري إلى مقدمته، و هو الاعلام و التنبيه.

هذا و لأجل حمل التعليل على التنبيه على أمر عرفي، لزم التعدي عن مورده الى غيره و إلا كان تعبدياً، و هو خلاف الأصل في التعليلات الشرعية فتكون العلة في وجوب الاعلام الفرار من الوقوع في الحرام، و هي حاصلة فيما نحن فيه و غيره. و على هذا فوجوب الاعلام مولوي، لا إرشادي الى شرطيته للبيع. كما أنه لو علم عدم شربه للنجس لم يجب الاعلام. و كذا لو علم عدم تأثير الاعلام في احداث الداعي، بأن كان مقدما على شربه على كل حال.

و قد يستدل على وجوب الإعلام: بأن تركه تسبيب الى فعل الحرام، كمن قدم الى غيره محرما، فإنه فاعل للحرام، لأن استناد الفعل الى السبب أقوى، فنسبة الفعل إليه أولى. و فيه: (أولا): أن مجرد ترك الاعلام لا يكون من قبيل السبب إلا إذا كان شرب النجس اعتمادا على فعل البائع‌

______________________________
(1) كتاب البيوع من كتاب الخلاف المسألة: 308، 310.

(2) الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث: 1.

217
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): يحرم شرب الماء النجس، إلا في الضرورة ؛ ج‌1، ص : 215

.....

ليكون من قبيل من قدم الى غيره محرما. أما لو كان اعتماداً على أصل الطهارة فلا تسبيب فيه أصلا، كما لو رأى نجسا في يد غيره يريد أكله، فإن ترك إعلامه من قبيل ترك إحداث الداعي إلى ترك الحرام، لا من قبيل فعل السبب الى الحرام. (و ثانياً): أنه لا دليل على تحريم التسبيب كلية. و نسبة الفعل الى السبب حقيقة ممنوعة، و مجازاً غير مجدية، و لذا كان التحقيق ضمان المباشر للأكل فيما لو قدم إلى غيره طعاماً، و أن رجوع الآكل عند الخسارة على من قدم الطعام له ليتدارك خسارته، لقاعدة الغرور لا لقاعدة: «من أتلف ..». و لذا لم يعرف قائل منا برجوع المالك على من قدم الطعام لا غير، و لو كان هو أولى بنسبة الإتلاف كان هو المتعين في الرجوع عليه بالبدل. (و ثالثا): أنه لو سلمت صحة النسبة في باب الضمان بالإتلاف أمكن الإشكال في صحة مقايسة المقام عليه، لأن الإتلاف المأخوذ موضوعا للضمان مطلق الإتلاف الحاصل و لو بواسطة غير المتلف، بأن يكون غيره كالآلة في الإتلاف، بخلاف شرب النجس المأخوذ موضوعا للحرمة، فإنه خصوص شرب المكلف نفسه، و إدخاله إلى جوفه، و هو غير حاصل في الفرض. و كذا لو أدخل الماء النجس الى جوف غيره قهرا. نعم يحرم ذلك من جهة التعدي على نفسه و بدنه، لا من جهة تحقق شرب النجس. (و بالجملة) التارك للاعلام لا يصدق عليه أنه شارب للنجس. نعم لو قام دليل على تحريم شرب النجس مطلقا و لو كان من غير من يقوم به الشرب، كان التحريم في المقام في محله.

ثمَّ إنه لو بني على وجوب الاعلام من هذا الوجه الأخير فهو مولوي أيضاً، لا إرشادي إلى شرطية الإعلام للبيع، فلو باع بلا إعلام صح البيع و ان أثم البائع بترك الاعلام المؤدي إلى الوقوع في النجس. لكن الذي يتراءى من عبارة المتن كون الاعلام شرطا في البيع، فلا يصح بدونه.

218
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

[فصل في الماء المستعمل]

فصل الماء المستعمل في الوضوء طاهر، مطهر من الحدث، و الخبث (1). و كذا المستعمل في الأغسال المندوبة (2). و أما المستعمل في الحدث الأكبر فمع طهارة البدن لا إشكال في طهارته (3) و لعله لأنه لو لا الاعلام لكان قصد المشتري الانتفاع المحرم، فيكون أكل الثمن بإزائه أكلا للمال بالباطل. و فيه- مع أن الجهل مانع من التحريم لحصول الرخصة معه-: أن قصد المشتري نفسه لا يكفي في صدق الأكل بالباطل بالنسبة إلى البائع مع عدم قصده ذلك، كما لا يخفى.

فصل في الماء المستعمل إجماعا، بل ادعي على الأول ضرورة المذهب. و يكفي فيه الأصل، و في الثاني إطلاقات مطهرية الماء «1»، و بعض النصوص، كما سيأتي. نعم في المستدرك عن أبي حنيفة: «إنه نجس نجاسة مغلظة».

إجماعا، كما في القواعد، و عن التذكرة، و ظاهر غيرهما، و في الحدائق: «نفى جملة من المتأخرين الخلاف فيها». لاشتراكه مع ما قبله فيما ذكر دليلا على حكمية.

اتفاقا نصا «2» و فتوى، بل لعله ضروري. و يكفي فيه الأصل نعم ظاهر عبارة الوسيلة عدم رفع الخبث به، بل قد يستظهر منها القول‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الماء المطلق.

(2) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف.

219
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

و رفعه للخبث (1). و الأقوى جواز استعماله في رفع الحدث أيضاً (2).

بنجاسته. و هو غريب.

إجماعا، كما عن غير واحد. للعمومات [1] و يقتضيه الأصل لكنه تعليقي.

كما هو الأشهر، بل نسب الى مشهور المتأخرين، و حكي عن السيدين و العلامة و الشهيدين و غيرهم. خلافا للمقنعة و المبسوط و الصدوقين و ابني حمزة و البراج، على ما حكي عنهم.

لخبر ابن سنان عن أبي عبد اللّه (ع): «قال: لا بأس بأن تتوضأ بالماء المستعمل. فقال (و قال خ ل): الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز أن يتوضأ منه و أشباهه. و أما الذي يتوضأ الرجل به، فيغسل به وجهه و يده في شي‌ء نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضأ به» «1».

لظهوره في عطف:

«و أشباهه»

على الضمير المجرور، فيدل على المنع من الوضوء بكل مستعمل في رفع الأكبر، جنابة كان أو غيرها.

و الطعن في السند باشتماله على أحمد بن هلال العبرتائي، الذي رجع عن التشيع الى النصب- كما عن سعد بن عبد اللّه الأشعري- و الملعون المذموم- كما عن الكشي- و الغالي المتهم في دينه- كما عن الفهرست- و الذي لا يعمل بما يختص بروايته- كما عن التهذيب- و روايته غير مقبولة- كما عن الخلاصة- (مدفوع): بأن اعتماد المشايخ الثلاثة و غيرهم على روايته كاف في جبر ضعفه و لا سيما بملاحظة أن الراوي عنه بواسطة الحسن ابن علي سعد بن عبد اللّٰه، و هو أحد الطاعنين عليه. و أن رواية أحمد للخبر‌

______________________________
[1] يعني. عمومات مطهرية الماء.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 13.

220
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

كانت عن الحسن بن محبوب، و الظاهر أنها عن كتابه. و عن ابن الغضائري:

أنه لم يتوقف في روايته عن ابن أبي عمير و الحسن بن محبوب، لأنه قد سمع كتابهما جل أصحاب الحديث و اعتمدوه فيهما. و أما رواية الحسن بن علي فإنما تصلح جابراً- كما قيل- لو كان هو ابن فضال كي تدخل في‌

قول العسكري (ع): «خذوا ما رووا» «1».

و لكنه بعيد، بل قيل:

«يكاد يقطع بخلافه»، لأن ابن فضال أعلى طبقة من العبرتائي، و لأنه لم تعرف رواية سعد عن ابن فضال بلا واسطة، بل يروي عنه بواسطتين.

على أن الظاهر من قوله (ع):

«خذوا ما رووا»

صحة رواياتهم، لا صحة رواية من يروون عنه.

و مثل ذلك الطعن في الدلالة، لاحتمال كون المنع من جهة نجاسة بدن الجنب، كما هو الغالب، كما يظهر مما ورد في كيفية غسل الجنابة «2» و غيره. إذ فيه: أن ذلك خلاف ظاهر العبارة المذكورة في الخبر. و لا سيما بملاحظة العطف على ما يغسل به الثوب. و مثله المناقشة باحتمال إرادة إزالة الوسخ من غسل الثوب لا النجاسة، فيتعين حمل النهي على مطلق المرجوحية المجامعة للكراهة. إذ فيها: أنه إن بني على الجمود على ما تحت العبارة فالمراد مجرد غسل الثوب و ان لم يكن عن وسخ، و ان أريد الغسل المشروع فليس الا الغسل لإزالة النجاسة.

و قد يستدل على المنع‌

بصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (ع): «سألته عن ماء الحمام، فقال (ع): ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر، الا أن يكون فيه جنب أو يكثر أهله فلا يدرى فيهم جنب أم لا» «3»

______________________________
(1) الوسائل باب 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 14.

(2) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.

(3) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 5.

221
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

و فيه: (أولا): ما عرفت آنفا «1» من إجمال المورد، للجهل بكيفية تمايز ماء الحمام عن الماء الآخر، و الجهل بما يكون وجها للمنع عن الاغتسال بماء الحمام عند ما يوجد الجنب فيه، و أنه من جهة اختلاط ماء غسله بماء الحمام أو غير ذلك. و لا سيما بملاحظة كثرة وجود الجنب فيه، و ندرة حصول العلم بعدمه، فلو منع من الاغتسال مع احتمال الجنب لزم الهرج.

و لعله لذلك يتعين حملها على ماء الخزانة المتعارف في زماننا، و حينئذ يتعين حملها على الكراهة، لعدم الخلاف في الجواز في الكثير إلا من شاذ، كما سيأتي (و ثانيا): أنها معارضة‌

بصحيحته الأخرى «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

الحمام يغتسل فيه الجنب و غيره اغتسل من مائه؟ قال (ع): نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب، و لقد اغتسلت فيه و جئت فغسلت رجلي، و ما غسلتهما الا مما لزق بهما من التراب» «2».

و مثله في الاشكال الاستدلال‌

بصحيح ابن مسكان: «حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق فيريد أن يغتسل، و ليس معه إناء، و الماء في وهدة، فإن هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع؟ قال (ع): ينزح بكف بين يديه، و كفا من خلفه، و كفا عن يمينه، و كفا عن شماله، ثمَّ يغتسل» «3»

بناء على ظهوره في كون محذور رجوع الغسل في الماء عدم صحة الغسل به. و لكنه غير ظاهر. مع أن نضح الأكف لا يمنع من رجوع الماء، فإطلاق الأمر بالغسل بعد النضح يدل على جواز الغسل بالماء و ان رجع اليه ماء الغسل، فيكون رادعا عما في ذهن السائل. فالرواية على الجواز أدل. و يؤيد ذلك‌

______________________________
(1) في أول فصل ماء الحمام.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

222
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

أنه ورد مثل هذا النضح في الوضوء من الماء القليل، لا من جهة منع رجوع الماء، بل تعبدا. و لعله من آداب الوضوء و الغسل من الماء القليل.

و أشكل من ذلك الاستدلال‌

بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (ع): «و سئل عن الماء تبول فيه الدواب، و تلغ فيه الكلاب، و يغتسل فيه الجنب قال (ع): إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1».

إذ ظاهرها نجاسة الماء باغتسال الجنب، و لا يقول به الخصم، فلتحمل على صورة تلوث بدنه بالمني.

فالعمدة في المنع الخبر الأول. و يؤيده ما ورد من النهي عن الاغتسال بغسالة الحمام «2»، معللا: بأن فيها غسالة الجنب، و ان كان قد يظهر من تلك الروايات أن المنع من جهة النجاسة لا من جهة الجنابة.

نعم يظهر الجواز من صحيح ابن جعفر عن أخيه (ع) الوارد في الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع أ يغتسل منه للجنابة أو يتوضأ منه للصلاة؟

قال (ع)- في ذيله-: «و ان كان في مكان واحد، و هو قليل لا يكفيه لغسله، فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه، فان ذلك يجزؤه» «3»

و هو في بدو النظر و ان كان مختصاً بصورة عدم وجدان غيره، لكن الظاهر منه بعد التأمل عموم الحكم، لأن الماء الذي يغسل فيه بعض الأعضاء و يرجع الى الساقية أو المستنقع، مما يكفي في تحصيل مسمى الغسل لجميع البدن، بأن يؤخذ قليلا قليلا، و يمسح به البدن بنحو يتحقق مسمى الغسل. و يؤيد ذلك قوله (ع)- في صدره-:

«فإن خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات»

فالمراد من عدم كفايته عدم كفايته إذا اغتسل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.

223
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

و ان كان الأحوط مع وجود غيره (1) التجنب عنه. و أما المستعمل في الاستنجاء، و لو من البول (2)، فمع الشروط به على نحو الصب على الأعضاء على ما هو المتعارف. و على هذا يكون قرينة على ارادة جواز الاغتسال به، و لو بعد رجوعه الى الموضع في صحيح ابن مسكان السابق، كما عرفت. و بهما يرفع اليد عن ظاهر خبر ابن سنان المتقدم، فيحمل على إرادة صورة نجاسة بدن الجنب، كما هو الغالب. و يشير اليه ما ورد في كيفية غسل الجنابة «1»، و ما ورد في اعتصام الكر «2» و غير ذلك. و هذا الجمع أقرب من الجمع بالحمل على الكراهة، أو على المنع عن اغتسال غير المغتسل لا عن اغتسال نفسه ثانيا، أو عن غير ذلك الغسل، أو إذا لم يقصد ذلك حين الاغتسال به أولا. فإن هذه الخصوصيات و ان اشتمل عليها صحيحا الرخصة، لكنها عرفا ملغية فلا يخص بها الدليل و يتعين في الجمع العرفي ما عرفت. و لذا يكون ما في المتن هو الأقوى.

لأن فرض عدم وجود غيره متيقن من صحيح ابن جعفر (ع) و ان كان هذا المقدار لا ينافي الاحتياط أيضاً فيه، خروجا عن شبهة خلاف القائلين بالمنع مطلقا. نعم الاحتياط فيه بالجمع بين استعماله و التيمم.

كما صرح به جماعة، بل لا يعرف فيه خلاف، و في جامع المقاصد نسبته إلى الأصحاب، و في المدارك و عن الذخيرة: أنه مقتضى النص و كلام الأصحاب، و لعل هذا المقدار كاف في الحجية عليه. و أما إطلاق النص فلا يخلو من تأمل، لأن الاستنجاء في الأصل غسل موضع النجو، و هو الغائط، كما قيل. اللهم إلا أن يكون تعميمهم الحكم شهادة بعموم معناه، و يساعده العرف اليوم. أو لأن الدليل لما كان واردا في جواب السؤال عن‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب الجنابة.

(2) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق.

224
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

الآتية طاهر (1)، و يرفع الخبث أيضاً لكن لا يجوز استعماله في القضية الخارجية، و كان لا ينفك ماء الاستنجاء من الغائط عن ماء الاستنجاء من البول إلا نادرا جدا، فالدليل يكون ظاهرا في طهارتهما معا، كما لا يخفى.

كما نص عليه جماعة كثيرة، و في بعض العبارات: أنه لا بأس به، و في آخر: أنه لا ينجس الثوب، و في ثالث: أنه معفو عنه. و لعل مراد الجميع الطهارة، كما قد يشهد به نقل الإجماع على كل واحد من التعبيرات الثلاثة الأول، فيكون الوجه في اختلاف التعبير اختلاف عبارات النصوص. و ان كان الظاهر من النصوص المفاد الأول و الثاني لا غير. فالمشتمل على المفاد الأول‌

رواية العلل عن يونس عن رجل عن العنزار عن الأحول أنه قال لأبي عبد اللّٰه (ع) في حديث: «الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به. فقال (ع): لا بأس. أ و تدري لم صار لا بأس به؟

قال: قلت: لا و اللّٰه. فقال (ع): إن الماء أكثر من القذر» «1».

فان الظاهر من التعليل طهارة الماء. و المشتمل على المفاد الثاني بقية النصوص مثل‌

صحيح عبد الكريم بن عتبة الهاشمي: «سألت أبا عبد اللّه (ع) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به أ ينجس ذلك ثوبه؟ فقال (ع):

لا» «2»

و‌

مصححة الأحول: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): أخرج من الخلاء فاستنجى بالماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به، فقال (ع):

لا بأس به» «3»

و نحوه مصححته الأخرى «4»، فإن الظاهر رجوع الضمير الى الثوب لا إلى الماء.

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 4.

225
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

نعم قد يشكل الاعتماد على المرسل و ان كان المرسل يونس الذي هو من أصحاب الإجماع، لعدم تحقق الإجماع على قبول روايتهم و لو مع الإرسال و لذا كان الخلاف في قبول مراسيل ابن أبي عمير معروفا، مع أنه ممن لا يرسل إلا عن ثقة- كما قيل- فكيف بمراسيل يونس؟!. مع أن العنزار مجهول. مضافا الى أن البناء على عدم التعدي عن مورد التعليل يستوجب البناء على إجماله، و عدم ارادة ظاهره. و أما بقية النصوص فدلالتها على طهارة الماء أو نفي البأس به غير ظاهرة، لعدم الملازمة، فعموم انفعال القليل- كعموم ما دل على تعدي نجاسة كل متنجس- المقتضي لنجاسة الماء محكم. اللهم إلا أن تستفاد الطهارة بالملازمة العرفية بين طهارة ملاقي الشي‌ء و طهارته، كالملازمة بين نجاسة الملاقي و نجاسته. و لذا بني على نجاسة بعض الأعيان لدلالة الدليل على نجاسة ملاقية، و على طهارة بعض الأعيان لدلالة الدليل على طهارة ملاقيه. و لهذه الدلالة الالتزامية اللفظية يخصص ما دل على انفعال القليل، كما يخصص ما دل على تنجيس النجس.

و من ذلك تعرف الإشكال في كلام شيخنا الأعظم (ره) حيث ذكر أولا: أن البناء على نجاسة الماء يقتضي تخصيص قاعدة نجاسة ملاقي المتنجس و البناء على طهارته يقتضي تخصيص عموم انفعال الماء القليل، و لأجل أن الثاني أولى تعين البناء على الطهارة. ثمَّ استشكل فيه: بأن قاعدة نجاسة ملاقي المتنجس ساقطة على كل حال، للعلم الإجمالي بتخصيصها إما بالنسبة إلى ملاقي الماء- بناء على نجاسته- أو بالنسبة إلى نفس الماء الملاقي البول أو الغائط، و بعد سقوطها عن الحجية، للعلم الإجمالي المذكور، يبقى عموم انفعال الماء القليل بلا معارض، فيتعين الحكم بنجاسة الماء.

و وجه الاشكال فيه (أولا): ما أشرنا إليه، من أن تخصيص عموم الانفعال ليس لتقديم قاعدة نجاسة ملاقي النجس عليه، بل للدلالة الالتزامية‌

226
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

العرفية. (و ثانيا): أن عموم انفعال الماء القليل في رتبة قاعدة نجاسة ملاقي النجس، فاذا فرض معارضة أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ملاقي ماء الاستنجاء مع أصالة العموم فيها بالنسبة إلى ماء الاستنجاء، فهذه المعارضة بعينها حاصلة بين أصالة العموم في القاعدة في الأول، و أصالة العموم في عموم انفعال الماء القليل في الثاني، فالعلم الإجمالي يوجب سقوط العمومين معاً عن الحجية. (و ثالثا): أن المعارضة بين أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى الفردين غير ظاهرة، لسقوط أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ملاقي ماء الاستنجاء جزما، للعلم الإجمالي بالتخصيص أو التخصيص فتبقى أصالة العموم في القاعدة بالنسبة إلى ماء الاستنجاء الملاقي للبول و الغائط بلا معارض. و كذا عموم انفعال الماء القليل. بل لو فرض ملاقاة ماء الاستنجاء لماء آخر فلا معارضة في عموم انفعال الماء القليل بالنسبة إلى تطبيقه لأن تطبيقه بالنسبة إلى الماء الثاني معلوم البطلان، أما للتخصيص أو للتخصص، على نحو ما عرفت في عموم نجاسة ملاقي النجس.

و مثله في الاشكال ما ذكره الفقيه المقدس الهمداني (قده) في مصباحه من أن البناء على طهارة ماء الاستنجاء، و تخصيص عموم انفعال الماء القليل أهون من البناء على نجاسته، و تخصيص ما دل على عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول و المشروب و الوضوء و الصلاة و غيرها. انتهى. وجه الاشكال: أن العموم الثاني ساقط عن الحجية، إما بالتخصيص أو التخصص، فيبقى العموم الأول بحاله بلا معارض.

و من هنا يظهر أن المتعين إما القول بالطهارة، و إما القول بالنجاسة مع طهارة الملاقي. فإن أريد من العفو في كلام بعض هذا المعنى فله وجه، و لو أريد منه كونه نجساً بحكم الطاهر مطلقا، أو في خصوص عدم وجوب الاجتناب عنه، مع ترتب بقية أحكام النجس عليه فغير ظاهر الوجه.

227
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

رفع الحدث و لا في الوضوء و الغسل المندوبين (1). و أما المستعمل في رفع الخبث غير الاستنجاء فلا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل (2). و في طهارته و نجاسته خلاف (3).

ثمَّ إنه حيث كان الأظهر الطهارة فمقتضى الإطلاقات جواز رفع الحدث و الخبث به. لكن يجب الخروج عنها بالإجماع المحكي عن المعتبر و المنتهى على عدم جواز رفع الحدث بما تزال به النجاسة مطلقا. و في مفتاح الكرامة:

«اعترف بهذا الإجماع جماعة كصاحب المدارك و المعالم و الذخيرة و غيرهم» بل عن المعالم دعواه في خصوص المقام. و يقتضيه خبر ابن سنان المتقدم في المستعمل في رفع الحدث الأكبر، بناء على جواز التعدي من مورده الى المقام، و لو بناء على نجاسة ماء الغسالة. فيبقى رفع الخبث به على مقتضى الإطلاقات السليمة عن المعارض.

و مما ذكرنا يظهر ضعف ما في الحدائق، من جواز رفع الحدث به لعدم حجية الإجماع المنقول على المنع. فإن الإجماع الذي يحكيه الفاضلان و يتلقاه الأعاظم بعدهما بالقبول، ليس من الإجماع المنقول. نعم ذكر في المدارك- في مبحث الغسالة- وجود القائل بكون ماء الغسالة باقيا على ما هو عليه من الطهورية. لكن هذا القائل غير معروف، كما في مفتاح الكرامة. نعم في الحدائق حكى ذلك عن المحقق الأردبيلي (قده) فليلحظ كلامه.

للإجماع و الخبر إذا كانا رافعين للحدث، و للخبر وحده إذا لم يكونا كذلك. فإن إطلاق الخبر شامل للواجب و المندوب. فتأمل.

لما تقدم من الإجماع و الخبر أيضاً. فتأمل.

هذا الخلاف بعد البناء على نجاسة القليل بملاقاة النجاسة. أما بناء على الطهارة فلا مجال للقول بالنجاسة هنا. و منه يظهر أن نسبة القول‌

228
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

و الأقوى أن ماء الغسلة المزيلة للعين نجس (1)، و في الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب.

بالطهارة في المقام الى مثل العماني في غير محلها. و كذا نسبته الى مثل السيد و الحلي (قدهما)، فإنهما قائلان بطهارة الوارد و لو على النجاسة العينية اللهم إلا أن يكون مفاد دليلهما الطهارة في المقام بالخصوص، كما تقدم.

كما هو المنسوب الى المشهور بين المتأخرين، و أشهر الأقوال و لا سيما بين المتأخرين، بل لعله إجماع في خصوص المورد. لإطلاق ما دل على انفعال القليل بملاقاة النجاسة، مثل‌

قولهم (ع): «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء» «1».

و المناقشة فيه: بأنه من تعليق العموم- لو سلمت- لم تقدح في الاستدلال به على المقام، لأن الكلام فيه بعد الفراغ عن انفعال الماء بتلك النجاسة. و يكفي في إثبات الانفعال حينئذ الإطلاق الاحوالي. على أنك عرفت في مبحث انفعال القليل ضعف المناقشة المذكورة، لوجود القرائن في نصوص المفهوم المذكور على ثبوت العموم الأفرادي له.

أما ما ذكره شيخنا الأعظم (ره) في طهارته، من تقريب العموم:

بأن السلب الكلي لما كان منحلا الى السلب عن كل واحد من الافراد، فإذا كان مفاد الشرطية كون الشرط علة منحصرة، رجع ذلك الى علية الشرط بالإضافة الى كل واحد من الافراد، و لازمه انتفاء الحكم عن كل واحد منها عند انتفاء الشرط. نعم لو استفيد من المنطوق كون الشرط علة للحكم العام بوصف العموم. و بعبارة أخرى: علة لعموم الحكم- كان المنفي في المفهوم هو ذلك الحكم بوصف العموم، فيكفي ثبوته لبعض الافراد.

لكن العموم في السالبة الكلية ليس من قيود السلب و لا من قيود المسلوب‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب 9 من أبواب الماء المطلق.

229
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

انتهى. (فيشكل): بأن ذلك خلاف ما ذكروه في محله، من أن نقيض السالبة الكلية موجبة جزئية، و أن مفهوم القضية الشرطية قضية شرطية شرطها نقيض الشرط و جزاؤها نقيض الجزاء. إذ- على هذا- يكون مفهوم قولنا: «إذا بلغ الماء كراً لم ينجسه شي‌ء» إذا لم يبلغ كراً ينجسه بعض الشي‌ء. و ما ذكره (قده) يبتني على تحليل القضية إلى قضايا شرطية متعددة بتعدد أفراد الشي‌ء، و هو غير واضح.

و مثله في الاشكال ما ذكره- ثانيا- بعد تسليم عدم دلالة المفهوم بمقتضى نفس التركيب على العموم، و حاصله: أن المراد من الشي‌ء في الجزاء ليس كل شي‌ء بل خصوص ما كان مقتضيا للتنجيس، فاذ فرض أن الشي‌ء مقتضيا للتنجيس و أن الكرية مانعة، لزم عند انتفاء الكرية المانعة ثبوت الحكم المنفي لكل فرد من الشي‌ء باقتضائه السليم من منع المانع. (وجه الاشكال): أنه إذا سلمنا كون الجزاء سالبة كلية، فمفاد القضية الشرطية ليس إلا انحصار علية السلب الكلي بالكريه فإذا انتفت انتفى، و قد عرفت أنه لا ملازمة بين انتفاء السلب الكلي و الإيجاب الكلي، بل اللازم له هو الإيجاب الجزئي لا غير. فإذاً العمدة في إثبات العموم الأفرادي القرائن الخاصة التي اشتملت عليها النصوص كما أشرنا إليه آنفا [1]. و قد عرفت أن استفادة نجاسة ماء الغسالة لا يتوقف عليه، بل على العموم الاحوالي، و لما لم يتعرض الشارع لكيفية التنجيس فلا بد أن يكون ذلك اتكالا منه على ما عند العرف، و لا ريب أنهم لا يفرقون في تنجيس النجاسات بين الوارد و المورود، و بين ما يكون مستعملا في مقام التطهير و بشرائطه و بين غيره، فيكون مقتضى الإطلاق ذلك أيضا.

و مما يدل على النجاسة‌

رواية العيص بن القاسم المروية في الخلاف و المعتبر و المنتهى و الذكرى: «سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت

______________________________
[1] في أوائل فصل الماء الراكد.

230
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

فيه وضوء. فقال (ع): إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه، و ان كان من وضوء الصلاة فلا بأس» [1].

و حملها على الطشت الذي يكون فيه عين البول و القذر خلاف الإطلاق. كما أن الطعن في السند من جهة عدم كونها مروية في كتب الحديث، و انما رويت في كتب الفقهاء المذكورة مرسلة عن العيص من دون ذكر طريقهم اليه، بل قيل: «من المقطوع به أن رواية المنتهى إنما كانت تبعا للخلاف» مع أن الرواية مضمرة. مندفع: بأن الظاهر من نسبة الرواية إلى العيص وجدانها في كتابه- كما ذكره شيخنا الأعظم (ره) و غيره- و طريق الشيخ اليه حسن، كما يظهر من الفهرست. و أما الإضمار فغير قادح، فإنه ناشئ من تقطيع الاخبار و تبويبها، و إلا فليس من شأن العيص أن يودع في كتابه الموضوع للرواية عن المعصوم (ع) رواية عن غيره، و لا من شأن الشيخ (ره) ذلك أيضاً. نعم ظهور رواية الشيخ و غيره في وجدانها في كتابه ليس على نحو يحصل الوثوق به، لتدخل الرواية في موضوع الحجية. و كأنه لذلك رماها في المعتبر بالضعف، و في الذكرى بالقطع، لاحتمال أن يكون الشيخ رواها من غير كتابه.

و قد يستدل أيضاً بموثق عمار «1» الوارد في الكوز و الإناء يكون قذراً كيف يغسل؟ و كم مرة يغسل؟ و أنه يغسل ثلاث مرات في كل مرة يصب فيه الماء، فيحرك فيه، ثمَّ يفرغ منه. و يشكل: بأن من الجائز أن يكون إفراغه لاعتبار انفصال ماء الغسالة في التطهير في جميع الغسلات لا لأجل النجاسة. و من الغريب استدلال المحقق في المعتبر على النجاسة‌

______________________________
[1] الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 14. و لم يذكرها بتمامها، و كذا في المعتبر و الذكرى. نعم رواها بتمامها في الخلاف مع اختلاف في الألفاظ في مسألة: 135.

______________________________
(1) الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات حديث: 1.

231
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

بخبر ابن سنان المتقدم في المستعمل في رفع الأكبر، فإن عدم جواز الوضوء به لا يدل على النجاسة بوجه. و مما ذكرنا تعرف أن العمدة في القول بالنجاسة الإطلاق الاحوالي لعموم انفعال الماء القليل.

و الظاهر أنه لا إشكال في وجوب العمل به في الغسلة المزيلة، بل في السرائر و المنتهى دعوى الإجماع عليه، و لعله ظاهر المعتبر أيضاً. أما في غيرها من الغسلات فقد يشكل العمل به فيها، بدعوى انصرافه الى النجاسات العينية، كما تقدم في مبحث انفعال القليل. و ما تقدم من النصوص الدالة على تنجسه بالمتنجس فإنما هو في موارد خاصة ليس منها المقام.

فيكون المتعين الرجوع الى الأصل المقتضي للطهارة. و كأنه لاحتمال هذا الانصراف قال المصنف (ره): «و في الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب».

بل قد يستدل على الطهارة فيها: بأن البناء على النجاسة يستلزم تخصيص ما دل على عدم مطهرية النجس، و ليس هو أولى من تخصيص ما دل على انفعال القليل، و حيث لا مرجح يسقطان معا و يرجع الى استصحاب الطهارة. و قد يرد بمنع هذه القاعدة، و المتيقن منها عدم مطهرية النجس قبل الاستعمال، لا ما صار نجساً به، لأن النجاسة بالاستعمال من اللوازم التي يكون اشتراط عدمها موجبا لتعذر التطهير بالقليل. بل يمكن منع كون المتيقن ذلك، لأن الماء يرد على بعض الموضع النجس ثمَّ يسري منه الى الباقي منه، فيكون تطهيره للباقي بعد انفعاله بملاقاة الأول، فيلزم مطهرية النجس قبل الاستعمال. بل يمكن أن يقال: إنه يلزم من القول بالنجاسة تخصيص ما دل على تنجيس المتنجس، فان الماء يسري من المحل النجس الى المحل الطاهر المتصل به، فاما أن ينجسه فيلزم سراية النجاسة إلى تمام الجسم المتنجس بعضه، أو لا فيلزم لمحذور من تخصيص قاعدة تنجيس المتنجس.

بل يلزم من القول بالنجاسة في الغسلة الأخيرة تخصيص قاعدة ثالثة،

232
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

و هي (إما) اختلاف حكم الماء الواحد لو كان المتخلف طاهراً قبل انفصال ما ينفصل، لأن الماء الوارد على المحل واحد بعضه نجس و هو المنفصل، و بعضه طاهر و هو المتخلف. (و إما) طهارة الماء بدون مطهر لو كان المتخلف يطهر بعد انفصال المنفصل. (و دعوى): أنه يطهر بالتبعية (فيها)- مع أن التبعية ليست من المطهرات- أنها ممنوعة، لأن المحل يطهر بمجرد انفصال الماء عنه. و المتخلف يطهر بعد انفصال الماء عن العضو و ان تأخر عن الانفصال عن المحل. مثلا إذا تنجس أعلى الكف فصب عليه الماء، و جرى عليه حتى انفصل من أطراف الأصابع، فهذا الانفصال من أعلى الكف متقدم على الانفصال من أطراف الأصابع، و طهارة المحل مقارنة للأول و طهارة المتخلف مقارنة للثاني.

و على هذا نقول: يلزم في المقام إما تخصيص قاعدة انفعال القليل، أو تخصيص هذه القواعد الثلاث كلها، و لا ريب أن تخصيص واحدة أولى من تخصيص جملة. و لا سيما مع ورود التخصيص على الواحدة بمثل ماء الاستنجاء، و ماء المطر، و ذي المادة، و لم يثبت تخصيص غيرها.

لا أقل من التساقط و الرجوع الى استصحاب الطهارة.

و لكن قد عرفت الإشكال في هذه المعارضة، من جهة أن القواعد المذكورة- غير قاعدة انفعال القليل- مما يعلم إجمالا بسقوطها عن الحجية، إما للتخصيص أو للتخصص، بخلاف قاعدة انفعال القليل، فإنها يشك في تخصيصها فيرجع فيها إلى أصالة عدم التخصيص بلا معارض. و استبعاد تخصيص هذه القواعد غير ظاهر، إذ هو الموافق للمرتكزات العرفية في القذارات العرفية، فإن بناءهم على استقذار الماء و ان لزم فيه المحاذير المذكورة.

ثمَّ إن هذه المعارضة على تقدير تماميتها، فإنما تقتضي الطهارة في غير الغسلة المزيلة، أما هي فيمكن الالتزام بالعمل بجميع القواعد فيها بلا تخصيص.

233
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

هذا و ربما يستدل للطهارة بالتعليل المتقدم في ماء الاستنجاء [1].

و فيه- مع ما عرفت من ضعف سند الرواية-: أن الأخذ بظاهر التعليل يستوجب البناء على عدم انفعال الماء القليل. و الكلام في المقام بعد البناء على انفعاله اللازم للبناء على إجمال التعليل، و الاقتصار به على مورده.

و قد يستدل أيضاً‌

بخبر عمر بن يزيد: «قلت لأبي عبد اللّه (ع):

أغتسل في مغتسل يبال فيه و يغتسل من الجنابة، فيقع في الإناء ما ينزو من الأرض، فقال (ع): لا بأس به» «1».

و فيه- مع ضعف السند، و احتمال كون السؤال من جهة احتمال إصابة القطرة الموضع الذي أصابه البول، لا صورة العلم بذلك. و ظهور السؤال في نجاسة ماء الغسل من الجنابة، و حمله على ما يستعمل في تطهير القبل من المني يستوجب البناء على نجاسة ماء الغسالة-: أنه مختص بالقطرة غير المستقرة مع النجاسة، و كونها مما نحن فيه غير معلوم. مع أن التعدي إلى غيرها غير ظاهر.

و قد يستدل بما ورد من تطهير النبي (ص) المسجد من بول الأعرابي بإلقاء ذنوب من الماء «2». و فيه: أنها رواية أبي هريرة لا يعول عليها.

مع أنها في واقعة مجملة.

و بما ورد في صحيح ابن مسلم «3» من غسل الثوب في المركن مرتين.

و فيه: أنه لا تعرض فيه للطهارة. نعم بناء على نجاسة الغسالة لا بد من الالتزام بعدم نجاسة الثوب بالماء المغسول به، و قد عرفت أنه لا ضير في الالتزام به.

______________________________
[1] تقدم في رواية العلل هناك، و هو التعليل بأن الماء أكثر من القذر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 7.

(2) مستدرك الوسائل باب: 52 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب النجاسات حديث: 1.

234
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 219

.....

و بما ورد‌

في صحيح الأحول: «قلت له: أستنجي ثمَّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب. فقال (ع): لا بأس به» «1»

بناء على ظهوره في الاستنجاء من المني، أو أنه محتمل لذلك، فيكون ترك الاستفصال دليلا على العموم. و فيه: أن ظاهر الرواية الاستنجاء من البول و الغائط في حال الحدث، و من المحتمل أن يكون السائل توهم دخل خصوصية الحدث الخاص في اختلاف حكم الاستنجاء. مع أنه لو سلم ما ذكر فغاية ما تدل عليه إلحاق الاستنجاء من المني بالاستنجاء من البول، لا طهارة ماء الغسالة كلية.

و بمنع شمول الإطلاق الاحوالي للغسلة المطهرة، لأن الماء فيها مزيل للنجاسة و غالب عليها، فلا يكون مغلوبا. و فيه: أن ذلك خلاف الارتكاز العرفي، فإن المرتكز عند العرف أن الماء المزيل للقذارة كأنه يحمل القذارة و ينقلها الى نفسه فلاحظ.

و مما ذكرنا تعرف الإشكال في استدلال السيد (ره) على عدم انفعال الماء الوارد: بأن البناء على نجاسته يؤدي الى انحصار التطهير بالكر، الراجع الى اعتبار طهارة ماء التطهير حتى بعد التطهير. إذ فيه: أنه لا دليل على ذلك عقلا و لا عرفا، و عموم انفعال الماء القليل قاض بخلافه.

و المحصل: من جميع ما ذكرنا: أن الأدلة المستدل بها على النجاسة مخدوشة، عدا عموم انفعال القليل. و الأدلة المستدل بها على الطهارة التي يخرج بها عن عموم الانفعال أيضاً غير سالمة عن الاشكال. و المناقشة في العموم الأفرادي قد عرفت ضعفها، كالمناقشة في العموم الاحوالي. نعم احتمال انصراف الشي‌ء في روايات الكر إلى نجس العين قريب. لكنه خلاف إطلاق الشي‌ء. فالعمل على الإطلاق متعين. و من هنا يظهر أن القول بالنجاسة في جميع الغسلات أقرب إلى ظاهر الأدلة الشرعية و الأذواق‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب الماء المضاف حديث: 4.

235
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل ؛ ج‌1، ص : 236

[ (مسألة 1): لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل]

(مسألة 1): لا إشكال في القطرات التي تقع في الإناء عند الغسل (1) و لو قلنا بعدم جواز استعمال غسالة الحدث الأكبر.

العرفية. و هو سبحانه ولي التوفيق.

كما نص عليه جماعة. و عن ظاهر المنتهى جريان الخلاف فيها.

و لكنه غير واضح، للنصوص للكثيرة النافية للبأس فيه، مثل‌

صحيح الفضيل عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء. فقال (ع): لا بأس، مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» «1»

و نحوه غيره «2» و الظاهر منه السؤال عن جواز الاغتسال مما في الإناء لا خصوص الطهارة. و لا سيما مع وضوح طهارة ماء الغسل، و مع عدم التنبيه على عدم جواز الاغتسال به مع كون الغالب في التقاطر كونه في أول الأمر. و من ذلك يظهر ضعف المناقشة في دلالة النصوص، من جهة احتمال كون الجهة المسؤول عنها الطهارة. نعم لا يبعد هذا الاحتمال في بعض نصوص الباب، كرواية عمر بن يزيد المتقدمة في ماء الغسالة.

ثمَّ إن مقتضى الجمود على مورد النصوص عدم التعدي الى غير القطرات من إجزاء ماء الغسل. اللهم إلا أن يدعى قصور الإطلاق المانع عن شموله فإن الأجزاء اليسيرة المنبثة في الماء لا يصدق الوضوء بها، كما ذكره شيخنا الأعظم (ره). بل احتمل (قده) الجواز مع تساويهما في المقدار. بدعوى ظهور دليل المنع في انحصار الغسل به. و لكنه يشكل بمنع ذلك، كما يظهر من ملاحظة نظائره من الأحكام، فإنها شاملة لصورة الامتزاج جزما، بل لا فرق فيها بين اليسير و الكثير، إذ لا اضمحلال للجزء اليسير، و لا استهلاك مع وحدة الجنس فكيف لا يشمله الإطلاق؟!. و لا سيما بملاحظة ما في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 5.

(2) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

236
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور ؛ ج‌1، ص : 237

[ (مسألة 2): يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور]

(مسألة 2): يشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور:

الأول: عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة (1).

الثاني: عدم وصول نجاسة إليه من خارج (2).

الثالث: عدم التعدي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء (3).

الرابع: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى مثل الدم (4). نعم الدم الذي يعد جزءاً من البول أو الغائط لا بأس به (5).

الصحيح السابق من تمسك الامام (ع) بآية نفي الحرج، الظاهر في وجود مقتضي المنع في القطرات كغيرها.

بلا خلاف ظاهر، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه، و منهم شيخنا الأعظم. و يقتضيه ما دل على نجاسة المتغير، و لا تصلح لمعارضته نصوص المقام، لقرب انصرافها إلى حيثية الملاقاة لا مطلقاً. و لو سلم إطلاقها فلا أقل من كون التصرف فيها بالحمل على ذلك أسهل من التصرف في عموم نجاسة المتغير. بل التعليل كالتصريح في الاختصاص بغير المتغير. لكن عرفت الإشكال في سنده.

لإهمال نصوص الطهارة بالإضافة الى ذلك، فيتعين الرجوع الى عموم الانفعال.

فلا يدخل في نصوص الباب، بل في عموم الانفعال.

كدم البواسير. لما سبق من إهمال نصوص الباب بالإضافة الى هذه الجهة، فيتعين الرجوع الى عموم الانفعال.

في خارجية الفرض إشكال، إذ البول و الغائط مغايران مفهوما‌

237
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد ؛ ج‌1، ص : 238

الخامس: أن لا يكون فيه الاجزاء من الغائط بحيث يتميز (1). أما إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء، أو شي‌ء آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به (2).

[ (مسألة 3): لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد]

(مسألة 3): لا يشترط في طهارة ماء الاستنجاء سبق الماء على اليد (3) و ان كان أحوط.

[ (مسألة 4): إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثمَّ أعرض، ثمَّ عاد لا بأس]

(مسألة 4): إذا سبق بيده بقصد الاستنجاء، ثمَّ أعرض، ثمَّ عاد لا بأس، إلا إذا عاد بعد مدة ينتفي معها للدم، فاذا خرج مع أحدهما، فإن كان مستهلكا فلا موضوع له، و ان لم يكن مستهلكا امتنع أن يكون جزءاً، بل يكون ممازجا لأحدهما، و ملاقاته موجبة لنجاسة ماء الاستنجاء، على ما عرفت.

إذ لو كانت فيه فهي بمنزلة النجاسة الخارجية في إهمال النصوص بالإضافة إليها، لكونها متعرضة لحكم الماء من حيث الملاقاة في المحل لا غير، فلا تشمل الملاقاة في خارجه، و المرجع حينئذ عموم الانفعال.

كما نص عليه بعض. و في الجواهر قوى النجاسة بعد أن ذكر أن فيه وجهين، و جزم بها شيخنا الأعظم، لأن المتنجس كالنجس الأجنبي الذي عرفت نجاسة الماء به، لقصور أدلة الطهارة عن شموله. لكنه يشكل: بأن غلبة وجود ذلك مع كونه مغفولا عنه، لكون نجاسته بالتبع، و عدم التنبيه على حكمه في النصوص، يوجب ظهورها في عموم الحكم.

نعم لو لاقاه بعد الانفصال عن المحل لم يبعد الحكم بالنجاسة، لقصور النصوص عن شمول ذلك.

لجريان العادة بسبق كل منهما، فترك الاستفصال يقتضي المساواة في الحكم.

238
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاولى و الثانية ؛ ج‌1، ص : 239

صدق التنجس بالاستنجاء (1)، فينتفي حينئذ حكمه.

[ (مسألة 5): لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاولى و الثانية]

(مسألة 5): لا فرق في ماء الاستنجاء بين الغسلة الاولى و الثانية في البول الذي يعتبر فيه التعدد (2).

[ (مسألة 6): إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي]

(مسألة 6): إذا خرج الغائط من غير المخرج الطبيعي فمع الاعتياد كالطبيعي، و مع عدمه حكمه حكم سائر النجاسات (3) في وجوب الاحتياط من غسالته (4).

[ (مسألة 7): إذا شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة]

(مسألة 7): إذا شك في ماء أنه غسالة الاستنجاء أو غسالة سائر النجاسات يحكم عليه بالطهارة (5)، و ان كان الأحوط الاجتناب.

فإنه موضوع نصوص الطهارة، فإذا انتفى انتفى حكمة.

للإطلاق.

لانصراف الأدلة عنه، فيرجع فيه الى عموم الانفعال. إلا أن يقال إن كان الموجب للانصراف الغلبة، فمع أن المحقق في محله أن الانصراف للغلبة بدوي لا يعتد به، أن لازمه النجاسة في غير الطبيعي و لو مع الاعتياد، و إن كان مجرد عدم الاعتياد مع قطع النظر عن الغلبة فغير ظاهر. فالأولى أن يقال: إن الاستنجاء يختص بغسل الموضع المعد لخروج النجو كان الاعداد أصليا أو عرضيا، فلو كان الموضع معدا لذلك كان غسله استنجاء سواء ا كان متكرراً خروجه ليكون عاديا أم لا، و إذا كان خروجه بلا اعداد بل بمحض الاتفاق، لم يكن غسله استنجاء.

يعني: غير المزيلة.

لاستصحاب الطهارة. اللهم إلا أن يبنى على الرجوع الى العام في الشبهة المصداقية. فيرجع حينئذ إلى عموم الانفعال. لكنه خلاف‌

239
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): إذا اغتسل في الكر كخزانة الحمام أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر ؛ ج‌1، ص : 240

[ (مسألة 8): إذا اغتسل في الكر كخزانة الحمام أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر]

(مسألة 8): إذا اغتسل في الكر كخزانة الحمام- أو استنجى فيه لا يصدق عليه غسالة الحدث الأكبر (1).

التحقيق. أو على أن مقتضى الجمع بين العام و الخاص كون موضوع حكم العام الفرد الذي ليس بخاص، فيكون موضوع الانفعال في المقام الماء الملاقي للنجاسة و ليس ماء الاستنجاء، و لما كان مقتضى الأصل عدم كون الماء مستعملا في الاستنجاء مع العلم بملاقاته للنجاسة، فقد أحرز موضوع الانفعال، بعضه بالوجدان و بعضه بالأصل. و ليس هذا الأصل من قبيل الأصل الجاري في العدم الأزلي، لأن عدم الاستعمال في الاستنجاء عدم في حال وجود الماء- كما لا يخفى- فلا إشكال في صحة استصحابه. أو يبنى على أن إناطة الرخصة بالأمر الوجودي يقتضي البناء على عدمها عند الشك في ثبوته. لكن عرفت الإشكال في هذه القاعدة.

قال في الحدائق: «يظهر الاختصاص بالقليل من كلمات جمع» و في الجواهر: «الظاهر أن النزاع مخصوص في المستعمل إذا كان قليلا، أما لو كان كثيراً فلا». و في طهارة شيخنا الأعظم (ره): «لا ينبغي الإشكال في الجواز في الماء الكثير و ان قلنا بالمنع في غيره، لاختصاص دليل المنع بما يغتسل به لا فيه. قال في المعتبر: و لو منع هنا لمنع و لو اغتسل في البحر».

أقول: الباء في قوله (ع)

في رواية ابن سنان: «يغتسل به الرجل من الجنابة» «1»

باء الاستعانة، و هي كما تصدق في القليل تصدق في الكثير و لو بني على انصرافها الى ما يصب على المحل لزم دخول الكثير إذا كان الاغتسال به بنحو الصب، و خروج القليل الذي يرتمس فيه الجنب، و لم يقل به أحد، و ان اختلفوا في صدق الاستعمال بمجرد النية مطلقاً، أو يتوقف على الخروج من الماء كذلك، أو يفصل بين نفسه و غيره على‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف حديث: 13.

240
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): إذا شك في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم ؛ ج‌1، ص : 241

أو غسالة الاستنجاء (1) أو الخبث.

[ (مسألة 9): إذا شك في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم]

(مسألة 9): إذا شك في وصول نجاسة من الخارج أو مع الغائط يبني على العدم (2).

أقول. فراجع. فالعمدة إذاً في خروج الكثير- مضافا الى الإجماع-

صحيح صفوان الجمال: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الحياض التي ما بين مكة و المدينة تردها السباع، و تلغ فيها الكلاب، و تشرب منها الحمير، و يغتسل فيها الجنب، و يتوضأ منه. قال (ع): و كم قدر الماء؟ قال:

إلى نصف الساق و إلى الركبة. فقال: توضأ منه» «1».

و‌

صحيح محمد ابن إسماعيل الوارد في الغدير الذي يستنجى فيه، أو يغتسل فيه الجنب.

فقال (ع): «لا تتوضأ من مثل هذا إلا من ضرورة» «2»

، بناء على الإجماع على عدم التفصيل في المنع بين الضرورة و غيرها. فيكون ذلك قرينة على الكراهة. و قد يستفاد أيضا مما ورد في الاغتسال في ماء الحمام.

لأن العمدة في المنع عن طهوريته الإجماع، و هو مفقود في الكثير و أما خبر ابن سنان، فقد تقدمت الإشارة إلى الإشكال في الاستدلال به على ذلك، بناء على طهارة ماء الاستنجاء و نجاسة الغسالة. و لو فرض ظهوره في مطلق ما يلاقي النجاسة وجب الخروج عنه بما ورد من جواز الوضوء من الماء الكثير الذي تكون فيه العذرة، أو البول، أو الجيفة، أو تلغ فيه الكلاب، أو نحو ذلك «3». و منه يظهر أيضاً عدم جريان حكم الغسالة على الكثير المغسول به الخبث. فلاحظ.

لاستصحاب العدم.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 15.

(3) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق.

241
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): سلب الطهارة و الطهورية عن الماء المستعمل ؛ ج‌1، ص : 242

[ (مسألة 10): سلب الطهارة و الطهورية عن الماء المستعمل]

(مسألة 10): سلب الطهارة و الطهورية عن الماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر أو الخبث استنجاء أو غيره، إنما يجري في الماء القليل دون الكر فما زاد، كخزانة الحمام و نحوها (1).

[ (مسألة 11): المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر]

(مسألة 11): المتخلف في الثوب بعد العصر من الماء طاهر (2)، فلو أخرج بعد ذلك لا يلحقه حكم الغسالة. و كذا ما يبقى في الإناء بعد إهراق ماء غسالته.

[ (مسألة 12): تطهر اليد تبعا بعد التطهير]

(مسألة 12): تطهر اليد تبعا بعد التطهير، فلا حاجة إلى غسلها. و كذا الظرف الذي يغسل فيه الثوب و نحوه.

[ (مسألة 13): لو أجرى الماء على المحل النجس]

(مسألة 13): لو أجرى الماء على المحل النجس زائداً على مقدار يكفي في طهارته، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر (3)، و ان عد تمامه غسلة واحدة و لو كان بمقدار ساعة. و لكن مراعاة الاحتياط أولى.

[ (مسألة 14): غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل كالبول مثلا- إذا لاقت شيئاً لا يعتبر فيها التعدد]

(مسألة 14): غسالة ما يحتاج الى تعدد الغسل كالبول- مثلا- إذا لاقت شيئاً لا يعتبر فيها التعدد (4)، و ان كان أحوط.

مضمون هذه المسألة متحد مع مضمون المسألة الثامنة.

يأتي الكلام في هذه المسألة و لاحقتها في مبحث الطهارة بالتبعية في مبحث المطهرات.

لأن ظاهر الدليل كون الغسل المطهر بنحو صرف الوجود الصادق على الحدوث، فاذا تحقق طهر المحل، فما يلاقيه من الماء المنصب طاهر، لعدم ملاقاته للنجس.

قد اختلفوا في ملاقي الغسالة بناء على نجاستها، و أنه كالمحل بعدها‌

242
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 15): غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها ؛ ج‌1، ص : 243

[ (مسألة 15): غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها]

(مسألة 15): غسالة الغسلة الاحتياطية استحبابا يستحب الاجتناب عنها (1).

أو كالمحل قبلها، أو كالمحل قبل الغسل. و قد ذكروا وجوهاً لا تخلو من تأمل، لكونها مبنية على ظن و تخمين. و ينبغي أن يكون مبنى هذا الخلاف وجود إطلاق يرجع اليه و عدمه، فعلى الأول يكتفى في تطهير الملاقي بالمرة و لو كانت من الغسلة الأولى فيما يجب فيه التعدد. و على الثاني يجب التعدد للاستصحاب حتى إذا كانت مما لا يجب فيه التعدد، أو كانت من الغسلة الأخيرة. هذا، و لا يحضرني إطلاق في خصوص ملاقي الغسالة يرجع اليه عدا رواية العيص المتقدمة [1]، و قد عرفت الإشكال في سندها. نعم يأتي في مبحث المطهرات- إن شاء اللّٰه تعالى- تقريب إطلاق مطهرية الماء من مثل‌

النبوي: «خلق اللّٰه الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء»

و أنه كما يرجع إلى العرف في كيفية التنجيس يرجع إليهم في كيفية التطهير. و من المعلوم أن الكيفية عند العرف هي الغسل مرة، و مقتضى ذلك الاكتفاء بالمرة في التطهير ما لم يقم دليل على التعدد، كما في البول و الأواني بناء على وجوب التعدد فيها. و سيأتي- إن شاء اللّه- ما له نفع في المقام.

لاشتراك المناط، و هو احتمال النجاسة مع كون الحجة على خلافه.

______________________________
[1] تقدمت في حكم ماء الغسالة.

243
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المشكوك ؛ ج‌1، ص : 244

[فصل في الماء المشكوك]

فصل الماء المشكوك نجاسته طاهر (1) إلا مع العلم بنجاسته سابقاً (2). و المشكوك إطلاقه لا يجري عليه حكم المطلق (3)، إلا مع سبق إطلاقه (4). و المشكوك إباحته محكوم بالإباحة (5) فصل في الماء المشكوك لقاعدة الطهارة الجارية في كل ما يحتمل أنه طاهر، المستفادة من‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع)- في حديث- قال (ع): «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فاذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك» «1».

و للقاعدة الجارية في خصوص الماء المشكوك، التي يدل عليها ما‌

رواه حماد بن عثمان عنه (ع): «الماء كله طاهر حتى تعلم أنه قذر» «2».

لاستصحاب النجاسة المقدم على قاعدة الطهارة، كما حقق في الأصول.

إذ لا قاعدة تقتضي ذلك. فلا بد من الرجوع الى الأصول الجارية في أحكامهما، و العمل بما يقتضيه الأصل في كل منهما.

فحينئذ يستصحب إطلاقه، كسائر العوارض المشكوكة الارتفاع فيجري عليه حكم المطلق.

لقاعدة الإباحة المستفادة من خبري مسعدة بن صدقة، و عبد اللّٰه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

244
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الماء المشكوك ؛ ج‌1، ص : 244

.....

ابن سنان «1». نعم‌

روى في الوسائل- في باب وجوب إيصاله حصة الإمام من الخمس اليه- عن الكافي عن محمد بن الحسن، و على بن محمد جميعا عن سهل بن زياد، عن أحمد بن المثنى، عن محمد بن زيد الطبري: «كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (ع) يسأله الاذن في الخمس. فكتب (ع): بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ+ إن اللّٰه واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، و على الضيق الهم. لا يحل مال إلا من وجه أحله اللّٰه ..» «2»

و مقتضاه أصالة الحرمة في الأموال إلا مع العلم بوجود السبب المحلل، لأنه مع الشك في السبب المحلل يرجع الى أصالة عدمه. و الأمر في سهل سهل. لكن أحمد بن المثنى مهمل و محمد بن زيد الطبري مجهول.

و لأجل ذلك يشكل الاعتماد على الخبر، و الخروج به عن قاعدة الحل.

و ما اشتهر من أصالة الحرمة في الأموال لا يصلح جابراً له، لعدم ثبوته بنحو الكلية الشاملة لما لم يكن أصل موضوعي يقتضي الحرمة، من استصحاب ملكية الغير، أو عدم إذن المالك في التصرف، أو نحو ذلك، كما لو شك في ثمر أنه ثمر شجرة أو ثمر شجر غيره، أو في ماء: أنه ماؤه المتولد في بئره، أو المتولد في بئر غيره، أو في حيوان: أنه متولد من حيوانه، أو من حيوان غيره، فان مقتضى أصالة الحل الحل في مثل ذلك، و لم يثبت ما يوجب الخروج عنها.

ثمَّ إنه لو بني على العمل بالخبر المذكور فذلك إذا لم يكن سابقاً من المباحات الأصلية و قد احتمل بقاؤه عليها، و إلا جرى استصحاب عدم ملك غيره له، المقتضي لحليته بالحيازة. و كذا لو كان مملوكا سابقاً لغير محترم المال و احتمل بقاؤه على ذلك، فإنه يجري فيه استصحاب ملكيته،

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4، 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام حديث: 2.

245
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور ؛ ج‌1، ص : 246

الا مع سبق ملكية الغير (1)، أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له (2).

[ (مسألة 1): إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور]

(مسألة 1): إذا اشتبه نجس أو مغصوب في محصور- كإناء في عشرة- يجب الاجتناب عن الجميع (3)، و ان اشتبه في غير المحصور- كواحد في ألف مثلا (4)- لا يجب الاجتناب عن شي‌ء منه.

السابقة، فيجوز تملكه و التصرف فيه بأي نحو.

فتستصحب الملكية، و لا يحل إلا بطيب نفس المالك، و لو شك فالأصل عدمه، كما عرفت.

فتكون اليد حجة على الملكية، فيجري عليه حكم معلوم ملكية الغير.

للعلم الإجمالي الذي تحقق في محله أنه حجة كالعلم التفصيلي.

الضابط في الفرق بين المحصور و غير المحصور يختلف باختلاف الوجه في عدم حجية العلم الإجمالي إذا كانت أطرافه غير محصورة. (و لأجل) أن المحقق في محله عدم الفرق في حجية العلم المردد متعلقه بين الكثير و القليل من حيث هما، و أن العبرة في سقوط العلم عن الحجية في الكثير وجود بعض الموانع عن تأثيره، و لو كان بين أفراد قليلة، من لزوم الحرج أو الضرر من الاحتياط، أو خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء (يكون) المدار في كون الشبهة غير محصورة كونها بالغة في الكثرة حداً يكون فيه أحد الموانع المذكورة. و ان كان الأظهر اختصاصها عند الأصحاب بالكثرة مع خروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، و ان اشتركت بقية الموانع معه في الحكم. فراجع كلماتهم.

و بعض الأعاظم جعل ضابط غير المحصور أن تبلغ الأطراف حداً من‌

246
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء ؛ ج‌1، ص : 247

[ (مسألة 2): لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء]

(مسألة 2): لو اشتبه مضاف في محصور يجوز أن يكرر الوضوء أو الغسل إلى عدد يعلم استعمال مطلق في ضمنه فاذا كانا اثنين يتوضأ بهما، و ان كانت ثلاثة أو أزيد يكفي التوضؤ باثنين إذا كان المضاف واحداً، و ان كان المضاف اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكل، و ان كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة. و المعيار أن يزاد على عدد المضاف المعلوم بواحد.

و ان اشتبه في غير المحصور جاز استعمال كل منها، كما إذا كان المضاف واحداً في ألف. و المعيار أن لا يعد العلم الإجمالي علما، و يجعل المضاف المشتبه بحكم العدم (1) فلا يجري عليه حكم الشبهة البدوية أيضاً. و لكن الاحتياط أولى.

الكثرة لا يتمكن المكلف عادة من جميعها و ان تمكن من كل واحد على البدل.

و فيه- مع أنه خلاف المصطلح عليه ظاهراً-: أن الترخيص في مثل ذلك لا يخلو من خفاء، فان العجز عن المخالفة القطعية لا يوجب سقوط العلم بالتكليف عن المنجزية عند العقلاء. كيف؟! و الاضطرار إلى المخالفة الاحتمالية- مع كونه منافيا لمقتضى العلم- لا يوجب سقوط العلم عن المنجزية كما لو اضطر الى ارتكاب أحد أطراف الشبهة، فأولى أن لا يوجب العجز عن المخالفة القطعية ذلك، لعدم منافاته لمقتضى العلم. فمن علم بغصبية أحد المكانين في زمان قصير يجب عليه اجتنابهما معا، و ان لم يمكنه التصرف فيهما معا في ذلك الزمان. (و بالجملة): العجز عن المخالفة القطعية لا ينافي مقتضى العلم، فلا يمنع من منجزيته.

كأنه لدعوى: أن كثرة الأطراف موجبة لبناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال انطباق المعلوم بالإجمال على كل واحد من الأطراف،

247
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يكن عنده الا ماء مشكوك إطلاقه و إضافته ؛ ج‌1، ص : 248

[ (مسألة 3): إذا لم يكن عنده الا ماء مشكوك إطلاقه و إضافته]

(مسألة 3): إذا لم يكن عنده الا ماء مشكوك إطلاقه و إضافته، و لم يتيقن أنه كان في السابق مطلقاً، يتيمم للصلاة (1) و نحوها. و الاولى الجمع بين التيمم و الوضوء به.

فكل طرف و ان كان يحتمل كونه مضافاً و مطلقاً، إلا أن العقلاء لا يعتنون باحتمال كونه مضافا فيجوز استعماله في كل ما يجوز استعمال المطلق فيه، و مرجع ذلك إلى حجية الغلبة. إلا أنه شي‌ء لا أصل له، و لا دليل عليه فالاحتياط في الفرض- عملا بقاعدة الاحتياط- متعين. فلو فرض إجماع على عدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة، فإنما هو بالنظر إلى العلم الإجمالي بالتكليف المتعلق بالمشتبه بين الأطراف، لا بالنظر إلى علم آخر، كالعلم بوجوب الوضوء بالماء، فان مقتضاه عقلا وجوب العلم بتحقق الوضوء بالماء، و لا يكفي الشك في ذلك، لأنه شك في الفراغ يجب فيه الاحتياط، كما لو كانت الشبهة بدوية ليست مقرونة بعلم إجمالي.

يعني: و لا يحتاج الى الوضوء، فان التردد في المائع بين كونه ماء مطلقاً و مضافا و ان كان يستلزم العلم الإجمالي بوجوب الوضوء أو التيمم إلا أن أصالة عدم وجدان الماء كافية في إثبات وجوب التيمم، فينحل بذلك العلم الإجمالي.

فإن قلت: إذا كان وجدان الماء شرطا في وجوب الوضوء، كما أن عدم الوجدان شرط في وجوب التيمم، يتم ما ذكر، لأن الأصل المذكور كما يثبت وجوب التيمم، ينفي وجوب الوضوء. أما إذا كان وجوب الوضوء مطلقاً غير مشروط بالوجدان- كما هو الظاهر حسبما يأتي في محله تحقيقه- فأصالة عدم الوجدان و ان اقتضت مشروعية التيمم و سقوط العلم الإجمالي، الا أنه لما كان ملاك وجوب الوضوء مطلقا، فالشك في الوجدان يوجب الشك في القدرة على امتثال وجوب الوضوء، فيجب، بناء على التحقيق من‌

248
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا علم إجمالا أن هذا الماء إما نجس أو مضاف، يجوز شربه ؛ ج‌1، ص : 249

[ (مسألة 4): إذا علم إجمالا أن هذا الماء إما نجس أو مضاف، يجوز شربه]

(مسألة 4): إذا علم إجمالا أن هذا الماء إما نجس أو مضاف، يجوز شربه (1)، و لكن لا يجوز التوضؤ به (2).

و كذا إذا علم أنه إما مضاف أو مغصوب (3). و إذا علم أنه إما نجس أو مغصوب، فلا يجوز شربه أيضاً (4) كما لا يجوز التوضؤ به (5).

وجوب الاحتياط عند الشك في القدرة.

قلت: أصالة عدم الوجدان إذا جرت و ثبتت مشروعية التيمم لا موجب للاحتياط، لحصول الأمن من جهة العلم بمشروعية البدل ظاهرا، فلا خوف كي يجب- عقلا و فطرة- تحصيل المؤمن، و هو الاحتياط. نعم قد يشكل إطلاق الاكتفاء بالتيمم: بأن أصالة عدم الوجدان إنما تجري مع اليقين بفقد الماء قبل الابتلاء بالمشكوك، فلو كان مسبوقا بوجود الماء المعلوم، ثمَّ فقد ذلك، لا مجال لجريانها. بل قد يقال بجريان استصحاب وجود الماء. و ان كان ذلك خلاف التحقيق، فإنه من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، و الأصل الجاري فيه استصحاب العدم.

لأصالة الطهارة.

للعلم التفصيلي بفساده، الناشئ من العلم الإجمالي بفوات الشرط اما الطهارة أو الإطلاق.

يعني: يجوز شربه، لأصالة الإباحة، و لا يجوز الوضوء به، إذ لا أصل يقتضي الإطلاق، و الشك فيه كاف في وجوب الاحتياط، لقاعدة الاشتغال.

للعلم بحرمته إما للنجاسة أو للغصبية.

للعلم إجمالا إما بفساد الوضوء به على تقدير النجاسة، أو بحرمة‌

249
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا علم إجمالا أن هذا الماء إما نجس أو مضاف، يجوز شربه ؛ ج‌1، ص : 249

و القول بأنه يجوز التوضؤ به ضعيف (1) جداً.

التصرف فيه على تقدير الغصبية، و كل منهما أثر شرعي. و جواز الوضوء بالماء النجس تكليفاً- بمعنى: عدم ترتب العقاب عليه- لا ينافي كون الفساد أثراً شرعياً، لأن مرجعة إلى بقاء الأمر بالوضوء، فمرجع العلم الإجمالي المذكور الى العلم بالأمر بالوضوء بغيره، أو بالنهي عن التصرف فيه، و كلاهما شرعي، فيكون العلم منجزاً للمعلوم، و لا مجال للرجوع الى الأصل في الأطراف كأصالة الطهارة. و لذا نقول لا يجوز رفع الخبث به أيضاً- بمعنى: عدم الحكم بطهارة ما يغسل به، بل مقتضى استصحاب النجاسة البناء على بقاء نجاسته.

نعم لا يبعد جواز التصرف فيه، لأن فساد الوضوء به مقتضى الأصل كاستصحاب بقاء الأمر أو بقاء الحدث، فينحل بذلك العلم الإجمالي- بناء على التحقيق من أن الأصل المثبت للتكليف في أحد الأطراف مانع من تنجيز العلم لمتعلقه- فيرجع في الطرف الآخر إلى أصالة البراءة، بعد سقوط أصالة الحل و أصالة الطهارة بالمعارضة.

نعم لو كان مقتضى الأصل الحرمة- كما لو كان الشك في إذن المالك أو في بقائه على ملك المالك- لم يجز التصرف به لا بالوضوء، و لا بالشرب و لا بغيرهما من أنواع التصرف. و لكن لو غسل به المتنجس يطهر، لعدم المانع من جريان أصالة الطهارة فيه بعد انحلال العلم الإجمالي بالأصل المانع من التصرف، لكونه مثبتاً للتكليف. و من هنا تعرف اختلاف الحكم باختلاف الفرض. فلاحظ.

لضعف وجهه، و هو (إما) عدم منجزية العلم الإجمالي مع عدم اتحاد سنخ التكليف. لكن المحقق في محله خلافه. (و اما) لأن فساد الوضوء لا يوجب حكما تكليفياً. و قد عرفت إشكاله. (و اما) لأن عدم‌

250
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر ؛ ج‌1، ص : 251

[ (مسألة 5): لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر]

(مسألة 5): لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر (1) و ان الغصبية ليست من الشرائط الواقعية لصحة الوضوء، و إنما هو شرط علمي فالعلم الإجمالي به لا أثر له. (و فيه): أنه كذلك، إلا أنه بالنسبة إلى حرمة التصرف شرط واقعي، كما يقتضيه‌

قولهم (ع): «لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة نفسه» [1]

و‌

قولهم (ع): «لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه» [2]

فيكون طرف المعلوم بالإجمال.

لأنه لا يخرج عن كونه طرفا للمعلوم بالإجمال المنجز بالعلم الإجمالي الحاصل بين التدريجيين، و هما الباقي بعد الإراقة،- و المراق قبل الإراقة.

نظير وجوب صوم أحد اليومين. فإنه بعد انتهاء اليوم الأول لا مجال للرجوع الى الأصل في اليوم الثاني، لأن العلم الإجمالي حين حدوثه لما كان متعلقاً بالتكليف نجزه، و هذا التنجز باق ببقاء العلم، فاذا انقلب شكا- كما في موارد الشك الساري- بطل التنجز، و إذا بقي على حاله بقي التنجز بحاله، و بعد إراقة أحد الأطراف فالطرف الآخر و ان لم يعلم بتعلق التكليف به، لكن يحتمل كونه موضوعا للتكليف المنجز، فيجب الاحتياط فيه، كما يجب الاحتياط فيه قبل اراقة صاحبه، لاطراد المناط في الحالين.

هذا على التحقيق من أن العلم الإجمالي مانع من جريان الأصول في‌

______________________________
[1] هذا النص لم نعثر عليه في كتب الحديث و ان اشتهر في كتب الفقهاء. نعم في الوسائل باب: 3 من أبواب مكان المصلي حديث: 1 «لا يحل دم امرء مسلم و لا ماله إلا بطيبة نفسه» و حديث: 4: «و لا يحل لمؤمن مال أخيه إلا عن طيب نفس منه».

[2] هذا النص- كسابقه- لم نعثر عليه في كتب الحديث. نعم في الوسائل في التوقيع المروي عن الحجة (ع)- باب: 3 من أبواب الأنفال و ما يختص بالإمام من كتاب الخمس حديث: 6-:

«.. فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه».

251
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): لو أريق أحد الإناءين المشتبهين من حيث النجاسة أو الغصبية لا يجوز التوضؤ بالآخر ؛ ج‌1، ص : 251

زال العلم الإجمالي (1). و لو أريق أحد المشتبهين من حيث الإضافة لا يكفي الوضوء بالآخر (2)، كل واحد من الأطراف مع قطع النظر عن معارضتها بحيث لو فرض عدم المعارضة لم تجر أيضا، للزوم التناقض و نقض الغرض. أما بناء على أن المانع هو المعارضة فيشكل وجوب الاجتناب عن الباقي، لعدم المعارضة بعد الإراقة، و المعارضة قبلها لا توجب سقوط الأصل في الفرد الباقي إلى الأبد، إذ لا دليل عليه، بل هو خلاف إطلاق أدلتها. و لعل ملاحظة المرتكز العقلائي في مثل هذا المورد من وجوب الاحتياط، و عدم جواز الرجوع الى الأصل، مما يدل على ضعف المبنى المذكور. و تحقيق المقام في الأصول.

لا يخفى أن العلم لم يزل باقيا، و لو زال لم يجب الاحتياط في الباقي، لارتفاع المنجز للمعلوم بالإجمال المحتمل الانطباق على الباقي، فلا يحتمل كون الباقي مورداً للتكليف المنجز، كي يجب فيه الاحتياط. فالمراد زوال العلم بالتكليف فعلا، لامتناع حصول هذا العلم مع احتمال كون المراق هو النجس، و زوال هذا العلم لا يقدح في وجوب الاحتياط، للوجه المتقدم.

و لذا لو علم تفصيلا بوجوب الصلاة، فإذا شك بعد ذلك في الوجوب، فان كان من قبيل الشك الساري لا يجب الاحتياط، لعدم احتمال التكليف المنجز، لما عرفت من أن التنجز منوط بالعلم حدوثا و بقاء فاذا زال زال التنجز، و ان كان من جهة الشك في الفراغ- بأن يكون الزائل العلم بالتكليف فعلا مع بقاء العلم بالتكليف سابقاً- وجب الاحتياط، لقاعدة الاشتغال.

لأن احتمال الإضافة كاف في المنع عن الوضوء به، و العلم الإجمالي بإضافة أحدهما لا أثر له. نعم لو كان كل من الطرفين مستصحب الإطلاق كان وجوب الاحتياط في الباقي من أجل العلم الإجمالي، كما في الفرض الأول.

252
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

بل الأحوط الجمع بينه و بين التيمم (1).

[ (مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة]

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة (2). لكن الأحوط الاجتناب.

يعني: حيث لا يجد ماء سواه. للعلم الإجمالي بوجوب الوضوء بالباقي أو وجوب التيمم، و أصالة وجدان الماء و ان كانت في نفسها صحيحة، لأنها من قبيل الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلي، إلا أنها لا تثبت كون الباقي ماء، فالوضوء به لا تحرز به الطهارة المعتبرة كما قبل اراقة صاحبه.

و كذا الإشكال في احتمال الاقتصار على التيمم، بدعوى: صدق عدم الوجدان في هذه الحال، لأن المراد منه عدم العلم، و لذا قيل: عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. إذ فيها: أن المراد من عدم الوجدان ما يساوق الفقدان، و هو مع احتمال كونه ماء غير محرز، فلا دليل على مشروعية التيمم. و من ذلك يظهر أن الأقوى الجمع، و ان احتمال كفاية الاقتصار على التيمم ضعيف، و أضعف منه احتمال كفاية الاقتصار على الوضوء.

هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه. إذ لا وجه له مع احتمال طهارة ما لاقاه، و مجرد وجوب الاجتناب عنه من باب المقدمة العلمية لا يوجب نجاسته و لا نجاسة ملاقية. نعم قيل بوجوب الاجتناب عنه كالأصل الذي لاقاه. و العمدة فيه: أنه طرف للمعلوم بالإجمال، فإنه يعلم إما بنجاسته أو نجاسة الطرف الآخر، فيكون الحال كما لو قسم أحد الإناءين إلى قسمين فإنه كما يعلم إجمالا بنجاسة القسمين أو الطرف الآخر، يعلم إجمالا إما بنجاسة المتلاقيين أو الطرف الآخر، فيجب الاجتناب عن الملاقي- بالكسر- كالملاقي- بالفتح.

و قد يدفع- كما في كلام شيخنا الأعظم (ره)-: بأن نجاسة الملاقي‌

253
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

.....

لما كانت متفرعة على نجاسة الملاقي- بالفتح- الذي هو طرف العلم الإجمالي فالأصل الجاري فيه مسببي، و الأصل الجاري في الملاقي- بالفتح- سببي و الأصل السببي مقدم رتبة على الأصل المسببي، ففي رتبة الأصل المسببي لا معارض له، لأن ما يتوهم معارضته له هو الأصل الجاري في طرف الملاقي- بالفتح- و هو الإناء الثالث، و المفروض سقوطه بالمعارضة في الرتبة السابقة مع الأصل الجاري في الملاقي- بالفتح- و إذ لا معارض له لا مانع من جريانه، و مقتضاه الطهارة و جواز الارتكاب.

لكن فيه: أن هذا مبني على أن المانع من جريان الأصل المرخص في طرف العلم الإجمالي هو المعارضة، و قد عرفت أنه خلاف التحقيق، بل المانع نفس العلم من جهة اقتضائه تنجيز متعلقه المردد بين الأطراف، فالترخيص في ارتكاب طرف منها مخالفة لمقتضى العلم، و ذلك يؤدي الى احتمال التناقض.

و قد يدفع أيضاً- كما في كلام غير واحد من الأعيان-: بأن العلم الإجمالي القائم بين الملاقي- بالكسر- و طرف الملاقي- بالفتح- ناشئ من العلم الإجمالي القائم بين الأصلين، ففي الرتبة السابقة يكون ذلك العلم منجزاً للطرفين، فيكون العلم الثاني قائماً بين طرفين أحدهما منجز بالعلم الأول، فينحل بذلك العلم الثاني، و يمتنع أن ينجز متعلقه لاحتمال انطباقه على ما هو متنجز بالعلم الأول، و إذا سقط العلم الثاني عن المنجزية كان الفرد الملاقي- بالكسر- بلا منجز، فلا مانع من الرجوع الى الأصل فيه.

لكن فيه: أن العلم بنجاسة الملاقي- بالكسر- و طرف الملاقي- بالفتح- ليس منجزاً، لعدم تعلقه بالحكم، بل بالموضوع، و كذلك العلم بنجاسة أحد الأصلين فإنه أيضا غير منجز لتعلقه بالموضوع، و انما المنجز العلم بوجوب الاجتناب عن أحد الأصلين المتولد من العلم بالنجاسة‌

254
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

.....

في أحدهما، و العلم بوجوب الاجتناب عن أحد الأمرين من الملاقي- بالكسر- و طرف الملاقي- بالفتح- المتولد من العلم بنجاسة أحدهما، و العلم بالوجوب في المورد الثاني ليس متولداً من العلم به في المورد الأول، فلا ترتب بينهما، و انما الترتب بين علتيهما و هما العلمان بالموضوع لكنهما لا أثر لهما، ترتبا أو لم يترتبا.

و قد يدفع أيضاً- كما في كلام الأستاذ (قده) في كفايته-: بأن العلم الذي أحد طرفيه الملاقي- بالكسر- متأخر عن العلم الذي أحد طرفيه الملاقي- بالفتح- فيكون حادثا بعد تنجز طرفي العلم السابق، فيكون أحد طرفيه متنجزاً قبل حدوثه، فينحل بذلك و يسقط عن التأثير.

و قد يشكل: بأنه إنما يتم لو بني على أن العلم بحدوثه يوجب تنجز المعلوم إلى الأبد، لكنه خلاف التحقيق، و الا لزم بقاء التنجز و لو ارتفع العلم، كما لو طرأ الشك الساري، أو علم بالخطإ، و لكنه خلاف المقطوع به، فلا بد أن يكون التنجز منوطاً بالعلم حدوثا و بقاء، فبحدوث العلم يتنجز المعلوم، و ببقائه يبقى التنجز- كما أشرنا الى ذلك كله آنفا- و حينئذ فلا أثر لسبق أحد العلمين، فان السابق إنما ينجز في الزمان السابق، فاذا حدث العلم الثاني يكون استناد التنجز في الأصلين- اللذين يكون أحدهما طرفا للعلم الثاني- إلى خصوص الأول ترجيحاً بلا مرجح، فلا بد أن ينجزا معا، و تكون الحال كما لو علم بنجاسة إناءين أو نجاسة إناء ثالث، فكما يجب الاجتناب عن الجميع هنا، كذلك يجب الاجتناب عن المتلاقيين و الطرف الثالث جميعا فيما نحن فيه.

هذا و يمكن دفع هذا الإشكال: بأن إناطة التنجز بالعلم حدوثا و بقاء غاية ما تقتضيه أن التنجز في حال حدوث العلم الثاني مستند الى وجود العلم في ذلك الآن، لكن هذا المقدار لا يوجب إلحاق الفرض بما لو علم بنجاسة‌

255
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

.....

إناءين أو إناء ثالث، إذ في هذا الفرض لما كان أحد العلمين سابقاً و الآخر لاحقاً، كان السابق موجبا لانحلال اللاحق به، و سقوطه عن التأثير، بخلاف فرض اقتران العلمين، فإنه يمتنع أن ينحل أحدهما بالآخر، لأنه ترجيح بلا مرجح، فان انحلال أحد العلمين بالعلم الآخر بحيث يسقط العلم المنحل عن التأثير ليس حقيقيا، بل هو حكمي- كما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة- و ليس عقلياً، بل هو عقلائي لأن البرهان المذكور في الاستدلال على كونه عقلياً مدخول فيه، إذ لا مانع من كون كل من العلمين منجزاً لمتعلقه. و احتمال انطباقهما على فرد واحد لا يقدح في ذلك، بل يكون من باب اجتماع علتين على معلول واحد، فيستند الأثر إليهما معا. كما لو اقترن العلمان.

و دعوى: أن التنجز في صورة الاقتران مستند الى علم ثالث و هو القائم بين طرفين و طرف ثالث. (فيها): أن هذا العلم عين العلمين لانحلاله إليهما، فيكون حاله بالنسبة إليهما حال الكل بالنسبة إلى أجزائه، كما يظهر بالتأمل. فالانحلال في جميع موارده ليس عقلياً، بل هو عقلائي بمعنى أن العقلاء لا يرون اللاحق حجة على مؤداه، بل يرون السابق هو الحجة لا غير. و لا مانع من الالتزام به في المقام، فإنه الذي بنى عليه العقلاء. فاذا كان العلم السابق هو المنجز للأصلين اللذين أحدهما طرف الملاقي- بالفتح- يكون العلم اللاحق حادثا، و أحد طرفيه منجزاً سابقاً، فينحل، و لا يجب الاحتياط في الطرف الآخر، و هو الملاقي- بالكسر- بل يرجع فيه الى أصل الطهارة. و لو بني على الإشكال في الانحلال فيما نحن فيه أشكل الأمر في موارد الانحلال الذي لا يكون بين العلم السابق و اللاحق ترتب عقلي.

و بالجملة: بعد ما كان الإناء الثالث الذي هو طرف الملاقي- بالفتح- متنجزاً بالعلم الإجمالي بالتكليف بينهما، و كان باقيا على تنجزه الى زمان‌

256
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

.....

حصول العلم الثاني القائم بينه و بين الملاقي- بالكسر- لا يكون العلم الثاني منجزاً له عند العقلاء، لا ضمناً و لا استقلالا، بل يستند بقاء تنجزه الى العلم الأول المنجز له سابقاً، فيكون الملاقي- بالكسر- بلا منجز.

و على هذا يتعين الفرق بين صورة حدوث العلم الذي أحد طرفيه الملاقي- بالكسر- بعد العلم الذي أحد طرفيه الملاقي- بالفتح- و بين صورة تقدمه عليه و بين صورة اقترانهما. ففي الأولى: لا يجب الاجتناب عن الملاقي- بالكسر- لما ذكر. و في الثانية: لا يجب الاجتناب عن الملاقي- بالفتح- لأن طرفه قد تنجز بالعلم السابق، فالعلم القائم به لا ينجز.

و في الثالثة: يجب الاجتناب عنهما، لأن استناد تنجز الطرف الثالث الى أحد العلمين دون الآخر بلا مرجح فيستند إليهما معا. و يكون الحال كما لو قسم أحد الإناءين قسمين.

و دعوى: الفرق بينهما بعدم الترتب بين العلمين في مثال القسمة.

بخلاف ما نحن فيه. فان العلمين فيه مترتبان، لأن نجاسة الملاقي- بالكسر- ناشئة من نجاسة الملاقي- بالفتح- (قد عرفت) اندفاعها، فإنه لا ترتب بين العلمين المتعلقين بوجوب الاجتناب عن المعلوم، إذ ليس وجوب الاجتناب عن الملاقي- بالكسر- مترتبا على وجوب الاجتناب عن الملاقي- بالفتح- و لما لم يكن بينهما ترتب لم يكن أحدهما موجباً لانحلال الآخر مع الاقتران، و الا كان بلا مرجح. نعم العلم بنجاسة أحد الأصلين متقدم رتبة على العلم بنجاسة الملاقي- بالكسر- أو طرف الملاقي- بالفتح- إلا أن كلا منهما لما كان علماً بالموضوع لم يكن منجزاً على كل حال.

فان قلت: إذا كان العلم الإجمالي الذي طرفه الملاقي- بالكسر- متقدما زماناً على العلم الذي طرفه الملاقي- بالفتح- فهذا العلم المتأخر و ان‌

257
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

.....

كان بوجوده متأخراً. إلا أن الميزان في منجزية العلم كونه طريقا و كاشفاً و مقتضى ذلك ملاحظة زمان المعلوم، فاذا كان سابقاً لزم ترتيب الأثر من ذلك الزمان. دون زمان حدوثه. فلو علم بنجاسة أحد الإناءين يوم السبت، ثمَّ يوم الأحد علم إجمالا بوقوع نجاسة يوم الجمعة في واحد معين من ذينك الاثنين، أو في إناء ثالث يكون التنجز في يوم السبت مستندا الى العلم الحاصل فيه، فاذا جاء يوم الأحد يستند التنجز الى العلم الحاصل فيه. و يجب الاحتياط في أطرافه لا غير. إذ به يخرج العلم الأول عن كونه علماً بالتكليف الفعلي.

قلت: سبق المعلوم إنما يقتضي سبق أثره، فيجب حين العلم ترتيب آثار وجوده سابقا. لا أنه يقتضي ترتيب آثار نفس العلم سابقا. لأن فرض تأخره يوجب تأخر أثره إلى زمان حدوثه، و التنجز من آثار نفس العلم. فلا وجه لأن يترتب سابقا في زمان ثبوت المعلوم، و إلا لزم ثبوت الحكم بلا موضوع.

و دعوى كون العلم اللاحق يخرج به العلم السابق عن كونه علما بالتكليف الفعلي، ليست بأولى من دعوى العكس، بل هيئ المتعينة. لما عرفت من استناد التنجز إلى أسبق العلمين. و قد عرفت أن انحلال اللاحق بالسابق ليس حقيقيا- بمعنى: أنه يخرج عن كونه علما بالتكليف الفعلي- بل هو حكمي عقلائي- بمعنى: أنه لا يكون حجة عند العقلاء- و إلا فالانحلال قد يكون بحجة غير العلم. من أمارة، أو أصل، فكيف ترفع العلم بالتكليف الفعلي؟! و كيف يكون العلم السابق رافعا للاحق دون العكس؟! و لم لا ينحل أحدهما بالآخر مع اقترانهما؟ كما لو علم بنجاسة إناءين معينين أو إناء ثالث. فإنه ينحل الى علمين اجماليين مشتركين في طرف. و مفترقين في طرف. (و بالجملة): العلم إنما يتعلق بالصور الذهنية. و لا يسري الى الخارج. فكيف يرفع أحد العلمين الآخر مع‌

258
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

.....

اختلاف الصورتين؟!. و من ذلك تعرف تمامية ما ذكره الأستاذ (قده) و ضعف المناقشات فيه.

ثمَّ إن مقتضى الوجه الثاني الذي ذكره غير واحد من الأعيان في تقريب جواز الرجوع الى الأصل في الملاقي: أنه لو كان العلم الإجمالي الذي أحد طرفيه الملاقي- بالفتح- ناشئا من العلم الإجمالي الذي أحد طرفيه الملاقي- بالكسر- لوجب الاجتناب عن الملاقي- بالكسر- دون الملاقي- بالفتح- كما لو علم بنجاسة أحد إناءين، ثمَّ علم أن نجاسة أحدهما المعين إن كانت فهي ناشئة من ملاقاته لاناء ثالث، فإنه حينئذ يحصل علم إجمالي بنجاسة ذلك الإناء الثالث، أو طرف الإناء الملاقي. لكنه لا ينجز، لتأخره رتبة عن العلم الأول، و ان كان المعلوم متقدما رتبة على المعلوم بالعلم الأول لأن العلم بالعلة، كما قد يكون علة للعلم بالمعلول، كذلك قد يحصل من العلم بالمعلول كالعلم بوجود النار الحاصل من العلم بوجود الدخان. كما أنه لو فرض عدم حصول أحد العلمين من الآخر، بأن حصلا من سبب آخر وجب الاجتناب عن المتلاقيين معاً، لعدم انحلال أحدهما بالآخر، كما لو علم بنجاسة إناءين أو إناء ثالث، ثمَّ علم بأن الإناءين على تقدير نجاستهما فهي من ملاقاة أحدهما للآخر. فهذا التفصيل يكون نظير التفصيل الذي ذكره الأستاذ (قده) في كفايته، غايته أن هذا تفصيل بين صور تقدم أحد العلمين رتبة على الآخر و تأخره عنه، و كونهما في رتبة واحدة، و ذلك تفصيل من حيث تقدم أحدهما على الآخر زمانا و تأخره و اقترانهما.

هذا و شيخنا الأعظم (ره) في رسائله فصل بين صورة حصول العلم بالملاقاة بعد فقد الملاقي- بالفتح- و بين صورة حصوله في حال وجوده ففي الثانية لا يجب الاجتناب عن الملاقي- بالكسر- لما تقدم من عدم معارضة أصل الطهارة الجاري فيه بأصل آخر، و في الأولى يجب الاجتناب‌

259
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ملاقي الشبهة المحصورة لا يحكم عليه بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 253

.....

عنه لمعارضة الأصل الجاري فيه بالأصل الجاري في الطرف الآخر.

و لكنه يشكل: بأن فقد الملاقي- بالفتح- لا يوجب عدم جريان أصل الطهارة فيه لإثبات طهارة الملاقي- بالكسر- بل يجري فيه، و يتعارض مع الأصل الجاري في الطرف الآخر، و بعد التعارض و التساقط يرجع الى الأصل في الملاقي- بالكسر- بلا معارض، و الفقدان لا يمنع من جريان الأصل في المفقود إذا كان الأثر المقصود منه ثابتا لموضوع موجود، فلو غسل ثوبه النجس بماء يعتقد نجاسته ثمَّ شك بعد الغسل في طهارة الماء المغسول به، جرى استصحاب الطهارة في الماء لإثبات طهارة الثوب و ان كان الماء معدوما حين إجراء الاستصحاب فيه. و كذا الحال في إجراء استصحاب الطهارة أو أصالة الطهارة في الإناء المفقود، بلحاظ أثره في الإناء الملاقي له، فلا فرق بين صورة فقد الملاقي- بالفتح- حال العلم بالملاقاة، و بين صورة وجوده في كون الأصل الجاري في الملاقي- بالكسر- بلا معارض فلو بني على جواز العمل بالأصل المرخص في أحد أطراف العلم الإجمالي كان اللازم البناء على طهارة الملاقي- بالكسر- مطلقاً.

هذا و الذي تحصل مما ذكرنا أمور: (الأول): أن العلم الإجمالي كما هو حاصل بين الملاقي- بالفتح- و طرفه كذلك هو قائم بين الملاقي- بالكسر- و طرف الملاقي (الثاني): أنه لا يجوز إجراء الأصل المرخص في الملاقي و لو لم يكن له معارض، لأن العلم الإجمالي مانع من إجرائه في كل واحد من الأطراف مع قطع النظر عن المعارض، لأنه علة لوجوب الموافقة القطعية (الثالث): أنه لو بني على جواز إجراء الأصل المرخص في كل واحد من الأطراف لم يكن فرق بين صورة فقد الملاقي- بالفتح- قبل العلم بالملاقاة و عدمه، لجواز إجراء الأصل في الفرد المفقود إذا كان يترتب عليه الأثر في ملاقيه الموجود (الرابع): أن ترتب أفراد العلم المتعلق بالموضوعات لا أثر‌

260
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم ؛ ج‌1، ص : 261

[ (مسألة 7): إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم]

(مسألة 7): إذا انحصر الماء في المشتبهين تعين التيمم (1) له في باب الانحلال ما لم يكن ترتب بين أفراد العلم المتعلق بالأحكام، و أن التنجز إنما يستند عقلا اليه لا الى العلم بالموضوع، فإنه علم بالصغرى و هو لا ينجز، كما أن العلم بالكبرى كذلك، و انما المنجز العلم بالنتيجة.

(الخامس): أن سبق زمان المعلوم على زمان العلم إنما يقتضي سبق أثر المعلوم لا سبق أثر العلم، فإن أثر العلم مقارن له زماناً و ان كان بينهما ترتب طبعي كما هو الحال في الموضوع و حكمه (السادس): أن الانحلال في جميع موارده حكمي، لا حقيقي (السابع): أن هذا الانحلال الحكمي عقلائي و لا يساعده برهان عقلي (الثامن): أن المدار في انحلال أحد العلمين بالآخر السبق و اللحوق الرتبيان، فان لم يكونا فالزمانيان، و أن السابق يوجب انحلال اللاحق، و أن مسألة الملاقاة لأحد أطراف العلم الإجمالي من موارد الثاني لا الأول.

هذا و ظاهر عبارة المتن التوقف في المسألة، لأن الاحتياط الذي ذكره لم يكن مسبوقا بالفتوى بالجواز، لأن عدم الحكم بالنجاسة لا يقتضي الطهارة. نعم لو كانت العبارة: أنه محكوم بالطهارة، كان الاحتياط استحبابيا.

و قد خرجنا في هذا الباب عن وضع الكتاب، لما رأيناه من رغبة بعض إخواننا الحاضرين في مجلس الدرس في ذلك. و منه سبحانه نستمد العناية و العصمة وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلّٰا بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.

لموثق سماعة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر و لا يدري أيهما هو؟ و ليس يقدر على ماء غيرهما. قال (ع): يهريقهما جميعا و يتيمم» «1».

و نحوه رواية عمار عنه (ع) «2». المعمول بهما عند الأصحاب- كما عن المعتبر- المقبولان‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق حديث: 14.

261
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس، و الآخر طاهر ؛ ج‌1، ص : 262

و هل يجب إراقتهما (1) أولا؟ الأحوط ذلك، و إن كان الأقوى العدم (2).

[ (مسألة 8): إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس، و الآخر طاهر]

(مسألة 8): إذا كان إناءان أحدهما المعين نجس، و الآخر طاهر، فأريق أحدهما، و لم يعلم أنه أيهما، فالباقي محكوم بالطهارة. و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين و أريق أحدهما، فإنه يجب الاجتناب عن الباقي. و الفرق: أن الشبهة في هذه الصورة بالنسبة إلى الباقي بدوية (3)، بخلاف الصورة الثانية. فإن الماء الباقي كان طرفا للشبهة من الأول، و قد حكم عليه بوجوب الاجتناب (4).

عندهم- كما عن المنتهى- بل ظاهر جماعة الإجماع على العمل بهما. قال شيخنا الأعظم (ره) في طهارته: «لا إشكال في وجوب التيمم مع انحصار الماء في المشتبهين، لأجل النص و الإجماع المتقدمين».

كما عن القواعد.

لأن الظاهر من الأمر بالإراقة الإرشاد إلى عدم الانتفاع بهما، كما هو كذلك في أمثاله من الموارد.

لأن العلم الإجمالي حدث بعد الإراقة و انعدام أحد الطرفين، فالشك في الطرف الباقي شبهة بدوية، و المرجع في الشبهة البدوية أصالة الطهارة.

فإنه طرف للعلم الإجمالي القائم بين التدريجيين، و هما الباقي بالإضافة الى كل واحد من الأزمنة اللاحقة، و المراق قبل زمان إراقته، فيكون الحال كما لو علم بوجوب صوم أحد اليومين، فإنه يجب الاحتياط بالصوم في اليوم الثاني و لو بعد انتهاء اليوم الأول و خروجه عن محل الابتلاء، كما أشرنا إليه آنفاً.

262
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو ؛ ج‌1، ص : 263

[ (مسألة 9): إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو]

(مسألة 9): إذا كان هناك إناء لا يعلم أنه لزيد أو لعمرو، و المفروض أنه مأذون من قبل زيد فقط في التصرف في ماله، لا يجوز له استعماله (1). و كذا إذا علم أنه لزيد- مثلا- لكن لا يعلم أنه مأذون من قبله أو من قبل عمرو.

[ (مسألة 10): في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل]

(مسألة 10): في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل، و غسل بدنه من الآخر، ثمَّ توضأ به أو اغتسل صح وضوؤه أو غسله على الأقوى (2) لكن الأحوط ترك هذا النحو مع وجدان ماء معلوم الطهارة، و مع الانحصار الأحوط ضم التيمم أيضاً.

لاستصحاب حرمة التصرف فيه. و أما أصالة عدم إذن المالك فهو من الأصل الجاري في الفرد المردد الذي هو محل الاشكال، كما أوضحناه في «حقائق الأصول»، و ليس كذلك في الفرع الآتي، فإن المرجع فيه أصالة عدم إذن زيد.

قد عرفت النص و الإجماع على خلافه. مع أنه خلاف ما تقدم منه في المسألة السابعة. نعم يقع الإشكال في أن النص على طبق القواعد فيتعدى من مورده إلى غيره، أولا، فيقتصر عليه و يرجع في غيره إليها.

ربما قيل بالأول: إما لأنه لو بني على العمل بما في المتن ابتلي باستصحاب النجاسة، للعلم بنجاسة أعضائه و الشك في ارتفاعها، و لأجل ذلك أمر بالتيمم، لأن الطهارة من النجاسة الخبثية- و لو ظاهرية- أهم من الطهارة المائية. و لا يعارضه استصحاب الطهارة، لأن الطهارة المستصحبة إن كان المراد بها الطهارة قبل الاستعمال، فهي زائلة قطعاً، و ان كان غيرها، فهي مشكوكة الثبوت لاحتمال كون الإناء النجس هو المستعمل ثانياً. و لذا كان‌

263
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل ؛ ج‌1، ص : 263

.....

المشهور بين المتأخرين الأخذ بضد الحالة السابقة فيمن تيقن الطهارة و الحدث و شك في المتقدم منهما، و فيه: أن الطهارة المستصحبة هي الطهارة الثابتة حال استعمال الطاهر المرددة بين بقاء الأولى و حدوث غيرها، و هي معلومة الثبوت مشكوكة البقاء. مضافا إلى أن جريان الاستصحاب ذاتاً مع الجهل بالتقدم و التأخر محل إشكال محرر في محله. و لعله يأتي في أواخر مبحث الوضوء، فكيف يكون مثل ذلك مانعاً من الطهارة المائية؟.

و إما لأنه بعد تطهير بعض الأعضاء يعلم إجمالا بنجاسة أحد العضوين، إما العضو المطهر لنجاسة الإناء الثاني، أو العضو الذي لم يطهر لنجاسة الإناء الأول، فتستصحب النجاسة إلى ما بعد تطهير الباقي. و فيه: أنه يتوقف على كون المانعية من آثار الكلي ليجري استصحابه، أما لو كانت من آثار الفرد، فقد عرفت أن استصحاب الفرد المردد محل إشكال.

و إما لأن ملاقاة الثاني للأعضاء عند تطهيرها به قبل حصول شرائط التطهير من الغلبة، و الانفصال، و التعدد. توجب العلم بالنجاسة حينئذ إما لملاقاتها للماء الأول، أو للماء الثاني قبل أن تحصل شرائط التطهير، فتستصحب النجاسة الى ما بعد حصول الشرائط. و لا يعارضه استصحاب الطهارة. للجهل بتاريخها بخلاف النجاسة، فإن تاريخها معلوم، و هو أول أزمنة مماسة الماء الثاني للأعضاء. و لا فرق في صحة الاستصحاب المذكور بين كون الأثر للفرد و الكلي، لصحة جريان استصحاب كل منهما.

نعم يشكل هذا التوجيه و ما قبله أيضاً- مع الغض عما تقدم-:

بأن غاية مقتضاهما ثبوت النجاسة ظاهراً بعد التطهير بالثاني، و هو إنما يمنع من الاجتزاء بالصلاة بعد ذلك، لكن لو كرر الصلاة عقيب كل من الوضوءين فقد أحرز الصلاة الصحيحة الواجدة لشرط الطهارة من الحدث و الخبث، فيكون الأمر بالإراقة و التيمم خلاف مقتضى القواعد.

264
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): في الماءين المشتبهين إذا توضأ بأحدهما أو اغتسل ؛ ج‌1، ص : 263

.....

هذا و لعل الوجه فيه أن تطهير الأعضاء و تطهير ما يترشح عليه ماء الوضوء من مواضع بدنه و ثيابه مما يتعسر غالبا. و تكرار الصلاة عقيب كل من الوضوءين و ان كان يوجب العلم بصحة الصلاة إجمالا، إلا أنه يبتلي بالنجاسة الظاهرية لأعضائه، و لكل ما يترشح عليه ماء الوضوء، المؤدي ذلك الى نجاسة ما يلاقيها، و الى عدم جواز الدخول فيما يعتبر فيه الطهارة من الخبث، و ذلك ضيق و مشقة غالبا. فلا يبعد إذاً حمل الأمر على الرخصة، و لا سيما و كون المورد مظنة الحظر، و الا فمن المستبعد جداً أن يكون مثل هذا الاشتباه مانعا من صحة الوضوء، أو من صحة التقرب به تعبدا، بحيث لو توضأ بأحدهما برجاء كونه طاهرا ثمَّ انكشف طهارة ما توضأ به كان وضوؤه باطلا. و عليه يكون المقام من قبيل الموارد التي يكون الوضوء فيها حرجيا، فان التحقيق- كما سيأتي في محله إن شاء اللّٰه- جواز التيمم فيها. لكن لو توضأ صح وضوؤه و اجتزأ به، و كذا في المقام يجوز التيمم. و لو توضأ على النحو المذكور في المتن، و كرر الصلاة عقيب كل من الوضوءين صحت صلاته، و ان كان محكوما عليه بالخبث ظاهراً، عملا بالاستصحاب.

و كذا الحال لو كان كل من الماءين كرا، و ان كان التوجيه الأخير لا يتأتى فيه، لأن الطهارة من الأول تحصل بمجرد ملاقاة الثاني بلا شرط فلا تكون النجاسة معلومة التاريخ كي يصح استصحابها. و من هنا يشكل التعدي الى هذا الفرض، فان لفظ الإناء في الموثقين لو سلم عمومه لمثل الكر فقول السائل:

«معه إناءان»

غير واضح الشمول له. و لا سيما بملاحظة قوله:

«وقع في أحدهما قذر»

الذي هو كناية عن النجاسة بملاقاة القذر، فان ذلك لا يشمل الكر. و لو سلم فلا يشمل النص ماء الغدير و نحوه مما لا يسمى إناء قطعاً، فالبناء في مثله علي وجوب تكرار‌

265
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل ؛ ج‌1، ص : 266

[ (مسألة 11): إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل]

(مسألة 11): إذا كان هناك ماءان توضأ بأحدهما أو اغتسل. و بعد الفراغ حصل له العلم بأن أحدهما كان نجساً و لا يدري أنه هو الذي توضأ به أو غيره، ففي صحة وضوئه أو غسله إشكال، إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محل اشكال (1) و أما إذا علم بنجاسة أحدهما المعين، و طهارة الأخر فتوضأ، و بعد الفراغ شك في أنه توضأ من الطاهر أو من النجس، فالظاهر صحة وضوئه لقاعدة الفراغ. نعم لو علم أنه كان حين التوضؤ غافلا عن نجاسة أحدهما يشكل جريانها.

الصلاة بعد كل من الوضوءين مع تطهير جميع ما أصابه بالثاني متعين إذا لم يكن حرجياً، و إطلاق معاقد الإجماع على لزوم التيمم على نحو يشمل ذلك كله غير ثابت.

ينشأ من ظهور بعض نصوص القاعدة في اعتبار الالتفات حال العمل مثل ما‌

في موثق بكير: «قلت له: الرجل يشك بعد ما يتوضأ.

قال (ع): هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك» «1».

و من أن النصوص الباقية «2» مطلقة و الارتكازيات العقلائية تساعد إطلاقها، فإن الظاهر بناؤهم على عدم الاعتناء مطلقا، بل ظاهر حسن الحسين بن أبي العلاء جواز المضي و لو مع النسيان‌

قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الخاتم إذا اغتسلت. قال (ع): حوله من مكانه. و قال في الوضوء:

تدره، فان نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة» «3»

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء حديث: 7 و بقية النصوص في الباب نفسه.

(2) ذكرها في الوسائل باب: 42 من أبواب الوضوء، و باب: 23 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(3) الوسائل باب: 41 من أبواب الوضوء حديث: 2.

266
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان ؛ ج‌1، ص : 267

[ (مسألة 12): إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان]

(مسألة 12): إذا استعمل أحد المشتبهين بالغصبية لا يحكم عليه بالضمان إلا بعد تبين أن المستعمل هو المغصوب (1).

و لأجل ذلك يتعين حمل ما في الموثق على الحكمة، لا العلة التي يطرد معها الحكم وجودا و عدما.

نعم يتم ما ذكر لو فقد الطرف الآخر، أما لو كان موجودا فالعلم الإجمالي بنجاسته أو وجوب الوضوء ثانيا يقتضي الاحتياط بإعادة الوضوء بالماء الطاهر، فان الوضوء بمنزلة الملاقي- بالكسر- الذي يمتنع جريان الأصل المرخص فيه إذا كان العلم الإجمالي القائم بينه و بين طرف الملاقي- بالفتح- حاصلا بعد العلم بالملاقاة. و من هنا يظهر أنه لا فرق بين أن يكون الماء المتوضأ به قد جمع في إناء، و بين أن يكون مفقوداً.

نعم- بناء على تفصيل شيخنا الأعظم (ره) المتقدم بيانه في المسألة السادسة- يجوز الرجوع الى قاعدة الفراغ في صورة جمع الماء، دون صورة فقده. كما أنه- بناء على أن ترتب العلمين القائمين بالموضوع، دون الحكم كاف في انحلال اللاحق بالسابق المتقدم بيانه في تلك المسألة- يكون التفصيل المذكور بين الصورتين أيضا في محله.

و أما التفصيل بين وجود بقية من الإناء المتوضأ منه، و عدمها، فلا وجه له، إذ لا سببية بين نجاسة تلك البقية و بطلان الوضوء، و إنما السببية بين نجاسة المقدار المتوضأ به و بطلان الوضوء. و لذلك أمكن التفصيلان المذكوران آنفا. لكن عرفت الإشكال في جميع ذلك فراجع.

ثمَّ إنه كما لا مجال لجريان قاعدة الفراغ في الوضوء في صورة وجدان الطرف الآخر، لا مجال أيضا لجريان أصالة الطهارة الخبثية في أعضاء الوضوء و جميع ما يترشح عليه ماؤه، لعين الوجه المتقدم.

هذا إذا كان العلم قبل التصرف، أما لو كان بعده حكم عليه بالضمان للعلم الإجمالي إما بالضمان أو بعدم جواز التصرف في الآخر. فهذه المسألة من قبيل مسألة الملاقاة، و الضمان بالتصرف حكمه حكم الملاقي في وجوب الاحتياط فيه إذا لم ينحل العلم الإجمالي القائم به، و عدمه إذا كان منحلا بعلم سابق عليه زماناً- أعني: العلم بالغصبية- فلاحظ. و اللّٰه سبحانه الهادي إلى سواء السبيل و هو حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

267
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الأسئار ؛ ج‌1، ص : 268

[فصل في الأسئار]

فصل سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير.

فصل في الأسئار جمع السؤر، و هو بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء أو الحوض- كما عن (المغرب) و غيره- أو البقية بعد الشرب- كما عن الجوهري- أو البقية من كل شي‌ء- كما عن القاموس- بل عن الأزهري: اتفاق أهل اللغة على أن سائر الشي‌ء باقيه قليلا كان أو كثيراً. انتهى. و عن الشهيد و من تأخر عنه: أنه ماء قليل لاقى جسم حيوان. و نسب في كلام غير واحد الى ظاهر الفقهاء. و كأن الوجه في ذلك ذكرهم له في باب المياه و حكمهم بنجاسة السؤر مع نجاسة ذي السؤر. لكنه لا يصلح قرينة على عموم الحكم لمطلق الملاقي لجسم الحيوان. و ان كان يشهد به بعض النصوص،

كرواية العيص عن الصادق (ع) عن سؤر الحائض: «قال (ع): لا تتوضأ منه، و توضأ من سؤر الجنب، إذا كانت مأمونة، و تغسل يديها، قبل

268
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الأسئار ؛ ج‌1، ص : 268

و الكافر نجس (1)، و سؤر طاهر العين طاهر، و ان كان حرام اللحم (2)،

أن تدخلهما الإناء» «1».

كما يشهد بعضها بعمومه للطعام، مثل ما‌

في صحيح زرارة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «قال (ع): في كتاب علي (ع): إن الهر سبع، و لا بأس بسؤره، و اني لأستحي من اللّٰه أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه» «2».

و في حديث المناهي «3»: النهي عن أكل سؤر الفأرة.

لما يأتي مما دل على نجاسة المذكورات، بضميمة عدم الخلاف في سراية النجاسة إلى الملاقي إلا في الماء القليل، و تقدم ضعفه، و أن الأقوى انفعاله بملاقاة النجاسة. و‌

في رواية معاوية بن شريح: «سأل عذافر أبا عبد اللّٰه (ع)- و أنا عنده- عن سؤر السنور، و الشاة، و البقرة و البعير، و الحمار و الفرس، و البغل، و السباع، يشرب منه أو يتوضأ منه؟

فقال (ع): نعم اشرب منه و توضأ منه. قلت له: الكلب. قال (ع):

لا. قلت: أ ليس هو سبع؟ قال (ع): لا و اللّٰه، إنه نجس. لا و اللّٰه إنه نجس» «4»

، و نحوه صحيح أبي العباس الآتي [1].

كما هو المشهور. و يقتضيه الأصل، و النصوص في جملة من الموارد و كذا رواية معاوية المتقدمة بناء على ظهورها- كما هو غير بعيد-

______________________________
[1] يأتي قريباً في سؤر طاهر العين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 7 من أبواب الأسئار حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب الأسئار حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 7 و لم يذكر منه الا مورد الاستشهاد.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 6 و باب: 12 من أبواب النجاسات حديث: 6.

269
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الأسئار ؛ ج‌1، ص : 268

.....

في دوران نجاسة السؤر مدار نجاسة ذي السؤر، و نحوها صحيح البقباق [1] فيدلان على الكلية المذكورة. و عن السرائر، نجاسة سؤر ما يمكن التحرز عنه من حيوان الحضر غير المأكول اللحم و الطير. و عن المبسوط: المنع من الاستعمال. و لا وجه له ظاهر عدا ما‌

في موثق عمار عن الصادق (ع): «سئل عما تشرب منه الحمامة، فقال (ع): كل ما أكل لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب. و عن ماء شرب منه باز أو صقر أو عقاب، فقال (ع):

كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه ..» «1»

و‌

مرسل الوشاء عنه (ع): «أنه كان يكره سؤر كل شي‌ء لا يؤكل لحمه» «2»

و‌

موثق سماعة: «هل يشرب سؤر شي‌ء من الدواب و يتوضأ منه؟ قال (ع):

أما الإبل و البقر و الغنم فلا بأس» «3».

لكن الجميع معارض بمثل خبر معاوية المتقدم. و‌

صحيح أبي العباس: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن فضل الهرة و الشاة و البقرة، و الإبل، و الحمار، و الخيل، و البغال، و الوحش، و السباع فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه، فقال (ع): لا بأس به. حتى انتهيت الى الكلب، فقال: رجس نجس، لا يتوضأ بفضله، و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أول مرة ثمَّ بالماء» «4».

مضافا الى قصور دلالته.

إذ الأول جملة خبرية ليس لها مفهوم. و اشتمال الخبر على الفاء لا يلقحها بالشرطية، فإن الظاهر أن الفاء في الجملة الخبرية إنما تدل على ترتب الخبر‌

______________________________
[1] و هو صحيح ابي العباس المتقدمة إليه الإشارة، و سيأتي قريباً.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب الأسئار حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب الأسئار حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4، و باب: 11 من أبواب النجاسات حديث: 1.

270
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الأسئار ؛ ج‌1، ص : 268

أو كان من المسوخ (1)، أو كان جلالا (2). نعم يكره سؤر حرام اللحم (3) ما عدا المؤمن (4)، و الهرة على قول (5).

على المبتدأ نحو ترتب المعلول على علته، في مقابل مفاد جميع الجمل الحملية الخالية عن الفاء، فإنها تدل على ترتب الخبر على المبتدأ ترتب العارض على معروضه، و لا تدل الفاء على انحصار العلة بالمبتدإ ليدل على المفهوم كالجملة الشرطية، و لفظ: «يكره» في الثاني أعم من الحرمة. و الحصر في الأخير لما لم يمكن الأخذ به، لوجوب تخصيصه بكثير من الافراد، كان الاولى عرفا حمله على الحصر الإضافي، أو حمل البأس المنفي فيه على ما يعم الكراهة.

بلا إشكال ظاهر، بناء على طهارتها كما يأتي إن شاء اللّٰه.

و إنما تعرض له المصنف (ره) لأجل الخلاف في طهارته و نجاسته، و إلا فعلى القول بالطهارة لا خلاف في طهارة سورة.

على المشهور. لإطلاق نصوص الطهارة المتقدمة و نحوها، الشامل لحال الجلل و غيره. و عن السيد و الشيخ و ابن الجنيد المنع من سؤره.

و استدل لهم بعدم خلو لعابه عن النجاسة. و هو- كما ترى- ممنوع. مع أنه يختص بملاقي الفم و لا يطرد فيما يلاقي بقية أجزاء الجسم.

لما تقدم دليلا لما في السرائر.

فقد ورد في النصوص «1»: أن سؤره شفاء، و في بعضها:

أنه شفاء من سبعين داء، و في آخر استحباب التبرك به.

اختاره في الوسائل و يشهد له جملة من النصوص‌

كصحيح زرارة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «قال في كتاب علي (ع): إن الهر سبع، و لا بأس بسؤره و اني لأستحي من اللّٰه تعالى أن أدع طعاما لأن الهر أكل

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 18 من أبواب الأشربة المباحة.

271
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في الأسئار ؛ ج‌1، ص : 268

و كذا يكره سؤر مكروه اللحم (1)، كالخيل، و البغال، و الحمير.

و كذا سؤر الحائض المتهمة (2)، بل مطلق المتهم.

منه» «1».

و به ترفع اليد عن إطلاق ما دل على كراهة سؤر ما لا يؤكل لحمه، [1] الموافق له إطلاق الفتاوى.

على المشهور. و ليس عليه دليل ظاهر. نعم تقدم ما في موثق سماعة. لكنه على تقدير حمله على الكراهة شامل لغير مكروه الأكل. و لذا أنكر هذا الحكم غير واحد. اللهم إلا أن يبنى على قاعدة التسامح في أمثال المقام.

و هي غير المأمونة،

لموثق ابن يقطين عن أبي الحسن (ع): «في الرجل يتوضأ بفضل الحائض؟ قال (ع): إذا كانت مأمونة فلا بأس» [2]

و نحوه غيره. و بها يقيد إطلاق ما دل على المنع من سؤرها [3] نعم‌

في صحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن سؤر الحائض، فقال (ع): لا تتوضأ منه و توضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة» «2»

و مقتضاه عموم الكراهة. نعم عن التهذيب روايته بإسقاط كلمة: «لا» من صدر الجواب، فيكون قيد الامانة راجعاً الى الحائض و الجنب معاً.

______________________________
[1] تقدم هنا قريباً عند الكلام في طهارة سؤر طاهر العين و ان حرم لحمه.

[2] الوسائل باب: 8 من أبواب الأسئار حديث: 5. و قد اشتمل الباب على أحاديث أخر قد تدل على ذلك.

[3] راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الأسئار. فإن فيه جملة من الروايات التي أطلق فيها النهي عن الوضوء بسؤر الحائض. لكنها مصرحة بالترخيص في الشرب منه. و سيأتي منه- قدس سره- الإشارة الى ذلك.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الأسئار حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 7 من أبواب الأسئار حديث: 1.

272
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في النجاسات ؛ ج‌1، ص : 273

 

لكن- مع أن الكليني أضبط- لا يناسب أفراد قيد المأمونة. فلاحظ.

و عليه يتعين الجمع بخفة الكراهة مع الأمانة.

ثمَّ إن‌

في خبر عنبسة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «اشرب من سؤر الحائض، و لا تتوضأ منه» «1»

و نحوه غيره. فتعميم الكراهة لغير الوضوء لا بد أن يكون مبنياً على قاعدة التسامح، أو على الإجماع- كما قيل- و إلا فلا دليل عليه ظاهراً. اللهم إلا أن يستفاد من تعليق الحكم على الأمانة عمومه لغير الوضوء، بل عمومه لكل متهم. و لعل من ذلك يستفاد أن في الحائض كراهتين. إحداهما خاصة بالوضوء ناشئة من حدث الحيض، و الأخرى عامة له و للشرب، مختصة بالاتهام و اللّٰه سبحانه العالم.

[فصل في النجاسات]

فصل النجاسات اثنتا عشرة:

[ (الأول و الثاني): البول، و الغائط]

(الأول و الثاني): البول، و الغائط، من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه (1)، إنسانا أو فصل في النجاسات إجماعا في الجملة حكاه جماعة كثيرة، و في بعض الكلمات: أنه إجماع علماء الإسلام. و يدل عليه جملة وافرة من النصوص،

كصحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «سألته عن البول يصيب الثوب قال (ع):

اغسله مرتين» «2»

، و نحوه صحاح كثيرة «3»، و‌

صحيح عبد اللّٰه بن سنان:

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الأسئار حديث: 1. و قد اشتمل الباب على جملة أحاديث تتضمن ذلك.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) راجع الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الخلوة، و باب: 1 من أبواب النجاسات و غيرهما من الأبواب المتفرقة.

 

273
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

.....

«قال أبو عبد اللّٰه (ع): اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «1»

، و‌

في خبره: «اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه» «2».

و يتم الحكم في الغائط بالإجماع على عدم الفصل بينه و بين البول، كما عن الناصريات.

و روض الجنان، و المدارك، و الذخيرة. مضافا الى الإجماع عليه بالخصوص.

و الى النصوص الواردة في الموارد الخاصة، مثل ما ورد في الاستنجاء من الغائط «3»، و في العذرة يطؤها الرجل، من الأمر بمسحها حتى يذهب أثرها «4»، أو بغسل ما أصابه «5»، و في خرء الفأر يصيب الدقيق، من الأمر بإلقائه «6»، و غير ذلك من الموارد مما هو كثير. و المنع:

من دلالة الأمر بالغسل على النجاسة- كما ترى- خلاف المنصرف اليه عرفا.

هذا و مقتضى إطلاق النصوص، و معاقد الإجماع، عدم الفرق بين أنواع ما لا يؤكل لحمه مما ذكر في المتن و غيره. نعم عن الإسكافي القول بطهارة بول الرضيع أو الصبي الذكر قبل اكله اللحم أو الطعام- على اختلاف النقل عنه- لما‌

في رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (ع): «و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل أن يطعم» «7».

و فيه- مع إمكان الجمع بينها و بين غيرها، بالحمل على عدم احتياج تطهيره الى الغسل المعتبر فيه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) راجع الوسائل باب: 9، 24، 28، 29، 30 من أبواب أحكام الخلوة.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 1، و باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 7 و باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 15.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 8 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(7) الوسائل باب: 3 من أبواب النجاسات حديث: 4.

274
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

غيره، بريا أو بحريا، صغيراً أو كبيراً. بشرط أن يكون له دم سائل حين الذبح (1). نعم في الطيور المحرمة الأقوى عدم النجاسة (2). لكن الأحوط فيها أيضاً الاجتناب، العصر أو نحوه، كما تضمنه غيرها من النصوص «1»-: أنها مهجورة عند الأصحاب، فلا مجال للاعتماد عليها، و لا سيما مع اشتمالها على نجاسة لبن الجارية.

سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- وجهه.

كما هو المحكي عن الجعفي. و العماني، و الصدوق في الفقيه، و الشيخ في المبسوط، مستثنيا بول الخشاف، و عليه جماعة من المتأخرين.

و مستندهم‌

مصحح أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع): «كل شي‌ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه» «2».

و‌

عن خط محمد بن علي الجبعي نقلا عن جامع البزنطي عن أبي بصير عنه (ع): «قال: خرء كل شي‌ء يطير و بوله لا بأس به» «3».

و‌

عن المقنع- مرسلا-: أنه لا بأس بخرء ما طار و بوله «4».

و دعوى: كون التعارض بينها و بين روايتي ابن سنان بالعموم من وجه، اللازم في مثله الرجوع في مورد المعارضة الى حجة أخرى، و هي في المقام الأخبار الآمرة بغسل الثوب من البول مرتين، الدالة على نجاسته مطلقا مضافا الى ما‌

عن المختلف عن كتاب عمار من قول الصادق (ع): «خرء الخطاف لا بأس به، هو مما يؤكل لحمه، و لكنه كره أكله ..» «5».

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 1، 2، 3 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(4) مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 20، و باب: 39 من أبواب الصيد حديث: 5.

275
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

.....

بناء على ظهوره في كون العلة في نفي البأس في خرء الخطاف كونه مما يؤكل لحمه، لا الطيران، إذ لو كان الطيران دخيلا في الطهارة كان اللازم التعليل به.

مندفعة: بأن الرجوع في مورد تعارض العامين من وجه إلى حجة أخرى موقوف على عدم إمكان الجمع العرفي بينهما، بأن لا يكون أحدهما أقوى دلالة من الآخر في مورد المعارضة، و ليس كذلك في المقام، فإن رواية أبي بصير أقوى فيه، لندرة الابتلاء ببول الطير المأكول اللحم لو فرض وجوده، و لاشعارها بكون وصف الطيران دخيلا في الحكم، فيكون حملها على الطير المأكول حملا على فرد نادر، أو غير معلوم التحقق، و موجباً لإلغاء خصوصية الطيران عن الدخل في الحكم بالمرة. بل ادعى السيد المحقق البغدادي (قده) العلم بعدم البول لغير الخفاش. و عليه فالرواية نص في الطير غير المأكول اللحم، و روايتا ابن سنان ظاهرتان فيه، فلا مجال لإعمال المعارضة بينهما فيه، بل لا بد من تخصيص الثانية بالأولى.

و أما رواية الخطاف- فمع أنها معارضة برواية الشيخ (ره) لها بإسقاط لفظ الخرء «1»- انها لم يظهر منها التعليل بمأكولية اللحم بنحو يصح الاعتماد عليه. و لو سلم فيمكن أن يكون تحريم الأكل مقتضيا للنجاسة، و الطيران مانعا عنها، و التعليل بعدم المقتضي في ظرف وجود المانع شائع في لسان العرف. بل ادعى بعض الأعاظم من مشايخنا، أن اعتبار المانعية إنما يكون في ظرف وجود المقتضي، فعدم المعلول يستند عقلا إلى عدم المقتضي لا الى وجود المانع. فتأمل.

و قد يخدش في رواية أبي بصير بما يوجب خروجها عن موضوع الحجية، فعن السرائر: «رويت رواية شاذة لا يعول عليها: أن ذرق الطائر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الصيد حديث: 5.

276
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

خصوصا الخفاش (1)، طاهر، سواء كان مأكول اللحم أو غير مأكوله. و المعول عند محققي أصحابنا و المحصلين منهم خلاف هذه الرواية، لأنه هو الذي تقتضيه أخبارهم المجمع عليها»، و في التذكرة: «و قول الشيخ (ره) في المبسوط بطهارة ذرق ما لا يؤكل لحمه من الطيور لرواية أبي بصير ضعيف، لأن أحداً لم يعمل بها». لكن صحة الرواية في نفسها و اعتماد الصدوق و الشيخ عليها، يمنع من وهنها بمثل ذلك. و ما ذكره في التذكرة ينافيه ما ذكره في المنتهى من نسبة القول بالطهارة إلى الشيخ و الصدوق، اعتماداً منهما على مصححة أبي بصير، و أنها حسنة، و مال الى العمل بها، لأنها و ان كانت معارضة برواية ابن سنان، إلا أنها أظهر، لأن دلالتها على الطهارة بالمنطوق، و دلالة رواية ابن سنان على النجاسة بالمفهوم، و دلالة المنطوق أقوى.

و ما في المعتبر: «إن الرواية حسنة و العامل بها قليل».

نعم مخالفة الرواية للمشهور محققة، و لكنه لا يقدح في حجيتها، لاحتمال كون الوجه في عدم اعتمادهم عليها ترجيح غيرها عليها سنداً أو دلالة أو نحو ذلك. فلاحظ كلماتهم. قال في روض الجنان: «أخرج جماعة من الأصحاب الطير، و ابن الجنيد بول الرضيع قبل اكله اللحم، استناداً الى روايات، معارضة بأشهر منها، أو قابلة للجمع». (و بالجملة): لا يظهر من المشهور أن الرواية المذكورة قامت القرينة القطعية عندهم على خلافها فوجب طرحها و الاعراض عنها، كي تسقط بذلك عن موضوع الحجية.

فإنه قال بنجاسة بوله من لا يقول بنجاسة غير المأكول من الطير و قد ورد فيه بالخصوص‌

رواية داود الرقي: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فاطلبه و لا أجده. قال (ع): اغسل

277
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

.....

ثوبك» «1».

و يظهر من المختلف الإجماع على نجاسته، فإنه أجاب عن رواية أبي بصير المتقدمة، بأنها مخصصة بالخفاش إجماعا، فتخصص بما يشاركه في العلة. نعم يعارضها‌

رواية غياث: «لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف» «2»

، و قريب منها ما عن الجعفريات و نوادر الراوندي عن موسى (ع) «3». لكن رماها الشيخ بالشذوذ، و كأنه لمخالفتها لما دل على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه. و لأجل ذلك حملها على التقية. نعم هي معتضدة بمصححة أبي بصير المتقدمة، بل لو ثبتت دعوى عدم البول للطير غير الخفاش كان التعارض محكماً بين رواية أبي بصير و رواية الرقي، و الجمع العرفي يقتضي حمل الثانية على الكراهة، و رواية الرقي في نفسها ضعيفة السند فلا تصلح لإثبات المنع لو سلمت عن المعارض. و جبرها بالعمل غير ظاهر، إذ بناء المشهور على نجاسة فضلة الخشاشيف كان عملا منهم بروايات نجاسة ما لا يؤكل لحمه، التي عرفت معارضتها في الطير، و الإجماع في المختلف على تخصيص رواية الطير بالخفاش لا يبعد أن يكون المراد منه الإجماع من الشيخ و خصمه، بقرينة أنه كان في مقام رد استدلال الشيخ على ما ذهب إليه في المبسوط، و ليس المراد إجماع العلماء على نجاسته بالخصوص، و إلا فلم يعرف مأخذ هذا الإجماع، إذ أن المشهور إنما ذهبوا الى النجاسة في الخشاف، لكونهم يرون النجاسة في كل ما لا يؤكل لحمه و لو كان طيرا، و أما غيرهم فلم ينص على النجاسة فيه إلا الشيخ، فالإجماع على خصوصية الخشاف غير ظاهر. هذا كله مضافا الى ما يأتي من الإجماع على طهارة الفضلتين مما لا نفس له سائلة، فإن منه الخشاف حسب ما اختبرناه و اختبره جماعة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(3) مستدرك الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 1.

278
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

و خصوصاً بوله (1). و لا فرق في غير المأكول بين أن يكون أصلياً كالسباع و نحوها أو عارضياً (2) فإنه مورد نص النجاسة، و ان عرفت حكاية الإجماع عن جماعة على عدم الفرق بينه و بين الخرء.

إجماعا، كما عن جماعة، على اختلاف منهم في معقده، فمنهم من حكاه على النجاسة في الجلال، و آخر: في الموطوء، و ثالث: فيهما، و رابع: في الدجاج الجلال، و خامس: فيما هو حرام بالعارض. و ذلك كله مما يقتضيه إطلاق مصححة ابن سنان المتقدمة، إذ ما لا يؤكل لحمه أعم مما كان بالعارض قطعاً.

و دعوى: معارضته بما دل على طهارة بول الغنم و البقر و نحوهما «1»، لشموله لحال الجلل أو الموطوئية، و المرجع في مورد المعارضة أصالة الطهارة.

مندفعة أولا: بأن موضوع دليل النجاسة من قبيل العنوان الثانوي، و موضوع دليل الطهارة من قبيل العنوان الأولي، و في مثل ذلك يكون دليل الأول- عرفا- مقدما على دليل الثاني، فيحمل الثاني في المقام على كون الطهارة لعدم المقتضي في العنوان الأولي، فلا ينافيه ثبوت النجاسة لوجود المقتضي في العنوان الثانوي، فيكون التصرف في دليل حكم العنوان الأولي في الحكم. و يحتمل أن لا يكون التصرف في الموضوع، لأن منافاته لدليل حكم العنوان الثانوي إنما هو بالإطلاق الاحوالي، أعني: إطلاق الغنم- مثلا- الشامل للمحلل و المحرم، فيحمل على خصوص المحلل و التصرف في هذا الإطلاق بالحمل على خصوص المحلل أهون من التصرف في الإطلاق الأفرادي لما لا يؤكل لحمه، بالحمل على ما كان محرم الأكل بالعنوان الأولي لأن نسبة الحكم إلى أفراد الإطلاق الثاني نسبة واحدة في مرتكز العرف،

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 5 و يستفاد من كثير من اخبار الباب المذكور.

279
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

كالجلال (1).

بخلاف نسبة الحكم إلى الأحوال التي يشملها الإطلاق الاحوالي، فإنها مختلفة في ارتكاز العرف، فإن النجاسة للغنم الحلال ليست كالنجاسة للغنم الحرام، فإن الأولى على خلاف الارتكاز و الثانية على طبقه، كما يظهر بأقل تأمل، و لأجل ذلك يكون التصرف في الإطلاق الاحوالي عند العرف أقرب من التصرف في الإطلاق الأفرادي عندهم.

و ثانيا: بأنه لو بني على تحقق التعارض بين الدليلين فالمرجع عموم ما دل على نجاسة البول مطلقاً، المقدم على أصل الطهارة.

فإن قلت: لو بني على العمل بإطلاق ما يحرم أكله و لو للعنوان الطارئ لأشكل الأمر فيما حرم للضرر أو الغصب أو النذر أو نحو ذلك من العناوين الثانوية، إذ لا مجال لتوهم النجاسة في أمثال ذلك. و لو ادعي أن الظاهر من حرمة الأكل النوعية اختص الاشكال بما كان حراما كذلك كالمضر نوعا، و غير المأذون فيه كذلك (قلت): الظاهر مما لا يؤكل ما يحرم اكله بما هو حيوان، على أن تكون الحيوانية دخيلة في الموضوعية للحكم، كالموطوء و الجلال، فلا يشمل ما يحرم لأنه مغصوب، أو مضر، أو منذور ترك أكله، لا من حيث كونه حيواناً، فلا مجال لهذا الإشكال.

فإن المشهور حرمة لحمه. و عن الإسكافي و الشيخ الكراهة، بل ظاهر عبارة الثاني نسبته إلى أصحابنا، إلا أن مورد كلامه ما كان أكثر علفه العذرة، و الظاهر أنه غير مورد كلام الأصحاب من الجلال الذي يكون تمام علفه العذرة. و من ذلك تشكل نسبة الخلاف اليه. نعم الظاهر تحقق الخلاف من الأول. و ان كان ظاهر النصوص الحرمة، من دون ظهور معارض يوجب حملها على الكراهة.

ففي صحيح هشام عن أبي عبد اللّٰه (ع):

280
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

و موطوء الإنسان (1)، و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة (2).

و أما البول و الغائط من حلال اللحم فطاهر (3) حتى الحمار

«لا تأكلوا لحوم الجلالة، و ان أصابك من عرقها فاغسله» «1»

، و نحوه غيره.

فان المعروف حرمة لحمه. و يقتضيه ظاهر النصوص،

ففي خبر مسمع عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إن أمير المؤمنين (ع) سئل عن البهيمة التي تنكح فقال (ع): حرام لحمها، و كذلك لبنها» «2».

بلا خلاف ظاهر. و يقتضيه جملة من النصوص، و فيها الموثق‌

عن أبي عبد اللّٰه (ع): «عن جدي رضع من لبن خنزيرة، حتى شب و كبر و اشتد عظمه، ثمَّ إن رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل.

فقال (ع): أما ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربه، و أما ما لم تعرفه فكله» «3».

و مورده أخص من فتوى الأصحاب، و غيره «4» أعم منها. فكأن العمدة الإجماع على اعتبار الاشتداد و كفايته.

عن الخلاف و الناصريات و الغنية و التذكرة و البيان: الإجماع على طهارة فضلة المأكول. و يقتضيه جملة من النصوص‌

كمصحح زرارة:

«أنهما (ع) قالا: لا تغسل ثوبك من بول شي‌ء يؤكل لحمه» «5».

و‌

في موثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما

______________________________
(1) الوسائل باب: 6 من أبواب الأسئار حديث: 1، و باب: 37 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1 و قد اشتمل الباب على بعض الاخبار الدالة على المطلوب.

(2) الوسائل باب: 30 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 25 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.

(4) راجع الوسائل باب: 25 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 4.

281
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

و البغل و الخيل (1).

يخرج منه» «1».

فان المشهور حلية لحمها و كراهته، و عن المفيد (ره) تحريم الأولين و الهجن من الثالث، و عن الحلبي تحريم الثاني. و يشهد لهما بعض النصوص «2». لكن حمله على الكراهة للنصوص الظاهرة في الحل، و المصرحة بالكراهة- جمعاً عرفياً- متعين. و المشهور أيضاً طهارة فضلة المذكورات. لعموم ما دل على طهارة فضلة ما يؤكل لحمه. و يشهد له جملة وافرة من النصوص بالخصوص،

كرواية أبي الأغر النخاس: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت و راثت، فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه. فقال (ع): ليس عليك شي‌ء» «3».

و‌

رواية المعلى و ابن أبي يعفور: «كنا خرجنا في جنازة و قدامنا حمار، فبال، فجاءت الريح ببوله حتى صكت وجوهنا و ثيابنا، فدخلنا على أبي عبد اللّٰه (ع) فأخبرناه فقال (ع): ليس عليكم بأس» «4».

و‌

صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): «لا بأس بروث الحمر، و اغسل أبوالها» «5».

و قريب منه رواية أبي مريم في الدواب «6» و رواية عبد الأعلى بن أعين في الحمير و البغال «7» ..

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 12.

(2) راجع الوسائل باب: 5 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 14.

(5) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 8.

(7) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 13.

282
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول و الثاني): البول، و الغائط ؛ ج‌1، ص : 273

و كذا من حرام اللحم الذي ليس له دم سائل (1)، كالسمك المحرم و نحوه.

إلى غير ذلك. و ضعف السند لو كان في جميعها فهو منجبر بعمل الأصحاب.

و عن الإسكافي و الشيخ و جماعة من متأخري المتأخرين كالأردبيلي و تلميذيه: القول بالنجاسة. و يشهد لهم كثير من النصوص-

كمصحح محمد ابن مسلم: «و سألته عن أبوال الدواب و البغال و الحمير. فقال: اغسله، فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله، فان شككت فانضحه» «1».

و‌

في رواية الحلبي: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن أبوال الخيل و البغال.

فقال (ع): اغسل ما أصابك منه» «2»

و نحوهما غيرهما. لكن يجب حمله على الكراهة جمعاً عرفيا. و أما ما ظاهره التفصيل بين البول و الروث فمحمول على اختلاف مراتب الكراهة بقرينة غيره.

بلا خلاف، كما عن الحدائق و شرح الدروس. للأصل. و قصور أدلة النجاسة عن شموله، لانصرافها الى غيره. و لطهارة ميتته و دمه، فصارت فضلاته كعصارة النبات. لكن الجميع كما ترى. و كأنه لذلك تردد في الشرائع- و كذا في المعتبر- في رجيع الذباب و الخنافس. لكن قال بعد ذلك: «و الأشبه الطهارة». بل عدم تقييد موضوع النجاسة بذي النفس السائلة في كلام جماعة ظاهر في عموم النجاسة له و لغيره. و من هنا يشكل الاعتماد على ظهور الإجماع المدعى. نعم يختص الاشكال بالبول مما له لحم، أما الخرء فقد عرفت أنه لا عموم يدل على نجاسته، و أن العمدة فيه الإجماع و هو منتف في غير ذي النفس، فالمرجع فيه أصل الطهارة و لذلك قال في المدارك: «أما الرجيع فلا أعرف للتردد في طهارته وجهاً».

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 11.

283
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة ؛ ج‌1، ص : 284

[ (مسألة 1): ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة]

(مسألة 1): ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة (1) كالنوى الخارج من الإنسان، أو الدود الخارج منه، إذا لم يكن معه شي‌ء من الغائط، و ان كان ملاقياً له في الباطن. نعم لو أدخل من الخارج شيئاً فلاقى الغائط في الباطن كشيشة الاحتقان. إن علم ملاقاتها له فالأحوط الاجتناب عنه. و أما إذا شك في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة، فلو خرج ماء الاحتقان و لم يعلم خلطه بالغائط و لا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته.

لأن الطهارة مقتضى الأصل، و لا معارض له. و كذا الحال في بول ما لا لحم له، فإنه لا يشمله عموم النجاسة، و الأصل فيه الطهارة.

ملاقاة النجاسة في الداخل (تارة): يكون المتلاقيان من الداخل كالدم الخارج من بين الأسنان الملاقي لها و للريق، و للّثة (و أخرى): يكون أحدهما من الخارج فيدخل الى الداخل، سواء ا كان الداخل النجاسة، كالماء النجس يتمضمض به، أم الملاقي لها، كالماء الطاهر يتمضمض به مع وجود أجزاء الدم في الفم.

ففي الصورة الأولى: لا إشكال عندنا في عدم الانفعال، و عن أبي حنيفة نجاسة جميع ما يخرج من القبل و الدبر، لأنه خرج من مجرى النجاسة قال في المعتبر: «و ليس بشي‌ء، لأن النجاسات لا يظهر حكمها إلا بعد خروجها عن المجرى». و ظاهره أن ذلك من المسلمات. و عن ظاهر شرح الروضة: نفي الخلاف فيه. و يشهد له ما ورد في طهارة المذي و الودي و بلل الفرج «1».

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء، و باب: 17، 55 من أبواب النجاسات.

284
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): ملاقاة الغائط في الباطن لا توجب النجاسة ؛ ج‌1، ص : 284

.....

و الظاهر أن الحكم في الصورة الثانية كذلك، و عن ظاهر شرح الروضة أيضاً نفي الخلاف فيه. و يشهد له ما ورد في طهارة بصاق شارب الخمر مثل‌

خبر عبد الحميد: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): رجل يشرب الخمر فيبصق، فأصاب ثوبي من بصاقه. فقال (ع): ليس بشي‌ء» «1»

، و في طهارة بلل الفرج مع كون المرأة جنباً،

كرواية إبراهيم بن أبي محمود: «سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن المرأة عليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب أ تصلي فيه؟ قال (ع) إذا اغتسلت صلت فيهما» «2»

، فإنه شامل لصورة كون جنابتها بالوطء، و إنزال الرجل في فرجها، بل هو الغالب. نعم يمكن الإشكال في الدلالة على عدم الانفعال لاحتمال كون زوال العين مطهراً. فالعمدة في إثبات عدم الانفعال ما يأتي من قصور الأدلة.

و أما الصورة الثالثة: فهي و ان كانت داخلة في كلام المعتبر المتقدم لكن لم أعثر على نص فيها. و كأنه لذلك كانت محلا للإشكال، من جهة قاعدة سراية النجاسة إلى الملاقي، و من أن القاعدة المذكورة ليس عليها دليل لفظي له إطلاق أحوالي يشمل صورة الملاقاة في الداخل، و إنما هي مستفادة من الحكم بالنجاسة في الموارد المتفرقة، التي كلها تكون الملاقاة فيها في الخارج، فالتعدي منها إلى الملاقاة في الداخل لا دليل عليه ظاهر إذ لا إجماع عليه. و الارتكاز العرفي و ان كان يقتضي التعدي، لعدم الفرق عند العرف بين الداخل و الخارج. لكنه معارض بالارتكاز الموجب للتعدي من المتكون في الجوف الى الداخل اليه، و من الصورة الأولى و الثانية، إلى الثالثة، فإن التفكيك بينهما خلاف الارتكاز، و بعد تعارض الارتكازين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 55 من أبواب النجاسات حديث: 1.

285
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لا مانع من بيع البول ؛ ج‌1، ص : 286

[ (مسألة 2): لا مانع من بيع البول]

(مسألة 2): لا مانع من بيع البول، و الغائط، من مأكول اللحم (1).

يبنى على الاقتصار على موارد الأدلة، و يرجع في غيره إلى أصالة الطهارة.

و مقتضى ذلك البناء على عدم نجاسة باطن الإنسان و ما يتكون فيه من الرطوبات كما سيأتي التعرض له من المصنف في المطهرات. بل لو لا ظهور التسالم على الحكم بنجاسة الأعيان النجسة في الداخل، لأمكن القول بطهارتها ما لم تخرج، لأن أدلة نجاستها لا إطلاق فيها يشمل حال كونها في الداخل.

و من ذلك يظهر الحكم بطهارة السن الصناعي الذي يوضع في الفم بدل السن الطبيعي، عند ملاقاته للدم الذي يخرج من اللثة أو اللهاة. بل لا يبعد الحكم بعدم سراية النجاسة في المتلاقيين إذا كانا معا من الخارج، و كانت الملاقاة في الداخل، كما في السن الصناعي عند المضمضة بالماء المتنجس.

و ان كان الحكم في هذه الصورة الرابعة أخفى، و حسن الاحتياط فيها و في الثالثة واضح.

أما البول: فلعدم دليل على المنع فيه، فعمومات صحة البيع بلا مخصص. نعم لا بد أن يكون مالا عرفا، بحيث يكون مما يتنافس عليه العقلاء، لئلا يكون أكل المال بإزائه أكلا للمال بالباطل. و مجرد الطهارة لا يوجب ذلك، بل يتوقف على وجود منفعة معتد بها عند العقلاء، مع عزة الوجود، فلو لم يكن له منفعة أو كان مبذولا- كالماء في شاطئ النهر- لم يجز بيعه. و البول الطاهر بعد كونه مستقذراً عند العرف، لا يكون له منفعة، و لا فيه غرض يوجب التنافس عليه، فلا يكون مالا و لأجل ذلك يشكل جواز بيع بول الإبل أيضاً و ان حكي الإجماع عليه.

لكنه غير ظاهر مطلقا. و جواز شربه للاستشفاء لا يوجب ماليته ما لم يكن الداعي إلى شربه عاما. و كذا بول البقر و الغنم الذي ورد جواز شربه للتداوي به.

286
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لا مانع من بيع البول ؛ ج‌1، ص : 286

و أما بيعهما من غير المأكول فلا يجوز (1). نعم يجوز الانتفاع بهما في التسميد و نحوه (2).

و أما الغائط: فالظاهر كونه مالا عرفا- غالبا- لكثرة الحاجة إليه في الإشعال، و التسميد، و نحوهما من الانتفاعات العامة، فهو من الأموال و لذا جرت السيرة على بذل الأموال الطائلة بإزائه، فلا مانع من بيعه من هذه الجهة، و العمومات الدالة على صحة البيع دالة على صحة بيعه.

أما البول: فالظاهر أنه لا إشكال في عدم جواز بيعه، و قد نفي الخلاف فيه. و يقتضيه النهي عنه في رواية تحف العقول «1». مضافا الى ما عرفت من عدم كونه مالا عرفا.

و أما الغائط: فنقل الإجماع عليه مستفيض. و تقتضيه رواية تحف العقول، و‌

خبر يعقوب بن شعيب: «ثمن العذرة سحت» «2».

نعم‌

في رواية محمد بن مضارب عن الصادق (ع): لا بأس ببيع العذرة» «3»

لكنها مهجورة، مخالفة للإجماع، فيتعين طرحها، أو تأويلها. و جمع بينهما بحملها على عذرة غير الإنسان، أو على بلاد ينتفع بها فيها. لكنه جمع بلا شاهد. و أما الجمع بحمل الأول على الكراهة، فبعيد جداً عن لفظ السحت. مع أنه موقوف على اجتماع شرائط الحجية في الثانية، و قد عرفت خلافه.

ظاهر جماعة كونه من المسلمات، و في محكي المبسوط: «سرجين ما لا يؤكل لحمه و عذرة الإنسان و خرء الكلب لا يجوز بيعها، و يجوز الانتفاع بها في الزروع و الكروم و أصول الشجر، بلا خلاف»، و قريب منه ما عن‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 40 من أبواب ما يكتسب به حديث: 3.

287
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

[ (مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه]

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه (1)، و ان كان لا يجوز أكل لحمه بمقتضى الأصل (2).

غيره. و‌

في رواية وهب بن وهب عن علي (ع): «انه كان لا يرى بأسا أن تطرح في المزارع العذرة» «1».

نعم في رواية تحف العقول «2»:

المنع من جميع التقلبات في النجس. و لعل المراد الانتفاع المحرم، أو ما يدل على عدم المبالاة في الدين كما عن الشيخ الأكبر (ره). و الأمر سهل بعد عدم ثبوت الجابر لها. و ان حكي عن فخر الدين و المقداد دعوى الإجماع على أصالة حرمة الانتفاع بالنجس مطلقاً، لكنه غير ظاهر، بل ظاهر كلمات جماعة خلافه. و الاستدلال له ببعض الآيات الكريمة و الروايات الشريفة أشكل، لقصور الدلالة أو السند. فراجع كلمات شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه. جزاه اللّٰه تعالى عن العلم و أهله خير جزاء المحسنين.

لأصالة الطهارة.

تردد الحيوان بين محلل الأكل و محرمه (تارة): يكون من جهة الشبهة الحكمية، كأن لا يعلم أن الأرنب محرم الأكل أو محلل الأكل (و أخرى): من جهة الشبهة الموضوعية، كأن لا يعلم أن الحيوان الخارجي شاة أو ذئب. و كل منهما (تارة): يعلم بقبوله للتذكية و طهارته على تقدير وقوعها عليه. (و أخرى): لا يعلم ذلك. فهنا مسائل:

الأولى: في حكم الحيوان المعلوم عنوانه، كالارنب غير المعلوم كونه محلل الأكل أو محرمة، مع العلم بقبوله للتذكية، فنقول: مقتضى استصحاب الحرمة الثابتة قبل وقوع التذكية عليه إلى ما بعدها هي حرمة أكله، و هو‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

288
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

.....

حاكم أو وارد على أصالة الإباحة.

و الاشكال على الاستصحاب المذكور من جهة عدم بقاء الموضوع، تارة: لأن موضوع الحرمة المعلومة الحيوان، و موضوع الحرمة المشكوكة اللحم، و هما متغايران عرفا. و أخرى: من جهة أن الحرمة الثابتة قبل التذكية موضوعها غير المذكى، و المشكوك ثبوتها بعد التذكية موضوعها المذكى. (مندفع): بأن المعيار في وحدة الموضوع المعتبرة في جريان الاستصحاب الوحدة في نظر العرف، بحيث يصدق الشك في البقاء عرفا، و الاختلاف بين الحيوان و اللحم لا يوجب التعدد في نظر العرف، و لا ينتفي لأجله صدق الشك في بقاء الحرمة. و لأجل ذلك نقول: لا مانع من جريان استصحاب نجاسة الكلب بعد موته، و لا من استصحاب جملة من أحكام الزوجية بعد موت الزوج أو الزوجة. و بذلك يندفع الاشكال من الجهة الثانية أيضاً، و لذا بني على استصحاب نجاسة الماء المتغير بالنجاسة بعد زوال تغيره، و استصحاب حكم الحاضر بعد سفره، و حكم المسافر بعد حضره، و أمثال ذلك.

و مثله في الاندفاع الإشكال أيضاً: بأن الحرمة الثابتة قبل التذكية معلولة لعدم التذكية، و المشكوك ثبوتها بعد التذكية ناشئة من خصوصية في الحيوان، و تعدد العلة يوجب تعدد المعلول عرفا. إذ فيه: المنع من ذلك أيضاً، فإن البقاء عين الحدوث وجوداً. مع أنه قد يختلف معه في العلة، كما في الأمور القارة التي يستند بقاؤها إلى استعداد ذاتها، و حدوثها إلى علة أخرى، كالجدار المبني، فان حدوثه بفعل البناء، و بقاؤه باستعداد ذاته، و صدق البقاء فيه من ضروريات العرف.

نعم يمكن أن يقال: إن الحرمة الناشئة من الخصوصية الذاتية لما لم تكن في رتبة الحرمة الناشئة من الجهة العرضية- أعني عدم التذكية- لترتب‌

289
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

.....

موضوعيهما امتنع أن تكون إحداهما مؤكدة للأخرى، و لا وجود إحداهما بقاء للأخرى، لأن البقاء عين الحدوث وجوداً، فلا يكون بينهما اختلاف رتبة. و حينئذ فالمعلوم وجودها حال الحياة الحرمة التي موضوعها اللامذكى و هي زائلة قطعاً بعد التذكية و المحتمل وجودها بعد التذكية هي الحرمة الثابتة للذات نفسها، و هو وجود آخر يحتمل مقارنته لوجود الحرمة الزائلة و بقاؤه بعد زوالها. فيكون الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، الذي ليس بحجة على التحقيق.

هذا و هذا التقريب يبتني على كون وصف اللامذكى مأخوذاً في موضوع الحرمة على نحو الجهة التقييدية عرفا، و وصف التغير في مسألة نجاسة المتغير مأخوذاً في موضوع النجاسة على نحو الجهة التعليلية عرفا. و لكنه غير واضح فالبناء على عدم جريان الاستصحاب لأجله غير ظاهر.

نعم لا بأس بالرجوع في إثبات الحل إلى عمومات الحل، مثل قوله تعالى: (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ..) «1» و قوله تعالى:

(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ) «2» و قوله تعالى (يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ) «3» و نحوها، الحاكم على الاستصحاب لو سلم جريانه. و استصحاب حكم المخصص في مثله غير جار، لكون التخصيص من أول الأمر، كما لا يخفى.

المسألة الثانية: في حكم الحيوان المعلوم العنوان مع الشك في حله و حرمته و في قبوله للتذكية و عدمه، فنقول: لا ينبغي التأمل في أن المستفاد من ملاحظة موارد استعمال لفظ التذكية أنها عبارة عن صفة خاصة تحدث‌

______________________________
(1) الانعام: 145.

(2) المائدة: 5.

(3) المائدة: 4.

290
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

.....

في الحيوان من أسباب معينة، مثل الذبح الخاص، و النحر كذلك، و غيرهما من الأسباب. و ما في القاموس و عن كاشف اللثام: من أنها الذبح. في غير محله، أو ليس على ظاهره. و حينئذ إذا شك في قبول الحيوان للتذكية كان مقتضى الأصل عدمها.

و ربما يتوهم أنها الطهارة فإذا شك في ثبوتها بعد الموت كان المرجع استصحاب الطهارة الثابتة حال الحياة. إذ فيه: أن التذكية و ان كانت هي الطهارة، لكنها طهارة خاصة، و لذا يحكم بطهارة ميتة ما لا نفس له سائلة مع أنها غير ذكية، و يحكم بطهارة الحيوان حال الحياة، و هو غير ذكي، فالمراد من التذكية طهارة خاصة، لا الطهارة مقابل النجاسة التي هي مفاد قاعدة الطهارة.

نعم ادعى غير واحد: أن الأصل قابلية كل حيوان للتذكية، بل في الحدائق: «لا خلاف بين الأصحاب (رض) فيما أعلم أن ما عدا الكلب و الخنزير و الإنسان من الحيوانات الطاهرة يقع عليه الذكاة». و قد استدلوا على ذلك بالآيات و النصوص المتضمنة لحلية ما أمسك الكلاب «1»، و ما ذكر اسم اللّٰه تعالى عليه «2» و لحلية ما يصطاد بالسيف أو الرمح أو نحوهما «3» و بما دل على حلية كل حيوان إلا ما خرج «4». مثل قوله تعالى: (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ..) «5» و ما‌

في موثق ابن بكير من قوله (ع): «ذكاه الذابح أو لم يذكه» «6».

______________________________
(1) المائدة: 4. و راجع الوسائل باب: 1، 2 من أبواب الصيد.

(2) الانعام: 118، 121، و راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الذبائح.

(3) راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الصيد.

(4) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الأطعمة المباحة.

(5) الأنعام: 145.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

291
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

.....

لكن الجميع كما ترى. إذ الأول في مقام بيان السبب الذي تكون به التذكية بعد المفروغية عن قابلية الحيوان لها. و الثاني مقيد بما دل على اعتبار التذكية في حل الحيوان. مع أن الآية الشريفة قد استثني فيها الميتة و هي غير المذكى، كما يفهم من جملة من النصوص [1]. و ما في الموثق غير ظاهر الدلالة على ذلك، لأن عدم تذكية الذابح أعم من عدم القابلية للتذكية، و لا سيما بناء على ما في بعض النسخ من قوله (ع):

«ذكاه الذبح»

بدل:

«ذكاه الذابح»

، فان الجمود على العبارة يقتضي أن يكون الذبح موجباً للذكاة تارة، و غير موجب لها أخرى.

و مثل ذلك في الاشكال الاستدلال- كما في الجواهر-

بصحيح علي ابن يقطين: «سألت أبا الحسن (ع) عن لباس الفراء، و السمور، و الفنك و الثعالب و جميع الجلود. قال (ع): لا بأس بذلك» «1»

إذ لو لم تقبل الجلود التذكية كانت ميتة لا يجوز لبسها، و نحوه صحيح الريان بن الصلت «2»، إذ فيه: أنه إن ثبت عدم جواز لبس الميتة كان ذلك مخصصاً للصحيح المذكور و نحوه بالمذكى، و العام المخصص بمخصص منفصل لا يدل على انتفاء الخاص، و اللازم الرجوع الى الأصل.

اللهم إلا أن يقال: إنما لا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذا لم يكن بيان المصداق من وظيفة الشارع، و إلا كان العام حجة في الفرد المشكوك، لأن دليل التخصيص إنما يعارض العام إذا كان عنوان الخاص منطبقاً على عنوان العام، و مقتضى العام عدم الانطباق، لأنه يدل بالمطابقة‌

______________________________
[1] و هي النصوص المقابلة للمذكى بالميتة، كما تعرض- قدس سره- الى ذلك في التنبيه الأول من تنبيهات البراءة من كتاب حقائق الأصول.

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

292
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

.....

على ثبوت حكم العام في كل فرد، و يدل بالالتزام على نفي عنوان الخاص عن كل فرد. و هذه الدلالة الالتزامية و ان لم تكن حجة في إثبات ذلك إذا كان خارجاً من وظيفة الشارع، لكنها حجة إذا كان النفي من وظائفه، فإن كان الشك في التذكية من جهة الشك في وجود السبب الشرعي يكون المرجع أصالة عدم التذكية، و ان كان من جهة وجود القابلية التي من وظائف الشارع بيانها، فالتمسك بعموم الصحيح و نحوه لإثباتها في محله.

نعم يختص الصحيح و نحوه بالحيوانات ذوات الجلود، فيبقى غيرها على مقتضى الأصل.

نعم يمكن أن يقال: إن الذكاة من المفاهيم العرفية، و هي في الحيوان من الأفعال التوليدية التي لها أسباب خاصة عندهم، فإطلاق أدلة أحكام التذكية من الطهارة و حل الأكل و جواز الانتفاع و غيرها ينزل- بمقتضى الإطلاق المقامي- على ما هو عند العرف. فاذا دل دليل على قيد أخذ به، و مع الشك فيه يرجع الى ما عند العرف، عملا بالإطلاق المقامي، و على هذا ما يكون قابلا عند العرف للتذكية محكوم بذلك شرعاً، و ما علم بعدم قابليته لها عندهم، أو شك فيها، يرجع فيه الى أصالة عدم التذكية.

و هذا نظير ما يقال في مثل (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) «1» و نحوه من أدلة العقود و الإيقاعات، من وجوب الحمل على المفاهيم العرفية و أسبابها و شرائطها- و منها قابلية المحل- فيكون تطبيق العرف حجة ما لم يرد عنه رادع.

و يشير إلى ما ذكرنا‌

خبر علي بن أبي حمزة قال: «سألت أبا عبد اللّٰه أو أبا الحسن (ع) عن لبس الفراء و الصلاة فيها. فقال: لا تصل فيها إلا فيما كان منه ذكياً. قال: قلت: أ و ليس الذكي ما ذكي بالحديد؟

قال: بلى، إذا كان مما يؤكل لحمه ..» «2».

فان ظاهره السؤال‌

______________________________
(1) البقرة: 275.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب لباس المصلي حديث: 3.

293
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

.....

عن صحة حمل المراد على المعنى العرفي، و لزوم العمل على تطبيقهم، و قوله (ع):

«إذا كان مما ..»

ليس لبيان اعتبار المأكولية في مفهوم التذكية، بل لبيان اعتبارها في جواز الصلاة بالمذكى كما يشهد به ما في ذيله. مضافا إلى النصوص و الإجماع على وقوع التذكية على غير مأكول اللحم.

هذا و لو بني على أن التذكية عبارة عن الأفعال الخاصة من فري الأوداج و غيرها مع القابلية- على أن تكون القابلية جزءاً لمفهومها- فلا مجال لجريان أصالة عدمها إذا شك فيها للشك في القابلية، إذ القابلية لم يحرز لعدمها حالة سابقة لأنها من لوازم الماهية، فلا يجري فيها أصل العدم، حتى لو بني على جريانه في إثبات العدم الأزلي، لاختصاص القول بجريانه بعوارض الوجود، و لا يجري في عوارض الماهية. و كذا الكلام لو قيل: بأن التذكية عبارة عن نفس الأفعال الخاصة بشرط القابلية، فإنه لو شك في التذكية للشك في القابلية- مع تحقق الأفعال الخاصة- لا مجال لجريان أصالة عدم الوجود الخاص، إذ لا شك في الوجود و إنما الشك في الخصوصية، و هي ليست مجرى لأصل العدم.

المسألة الثالثة: في حكم الحيوان المشكوك كونه محلل الأكل من جهة الشبهة الموضوعية، لتردده بين عنوانين، أحدهما محلل و الآخر محرم. مع العلم بقبوله للتذكية على كل حال. و الكلام فيها هو الكلام في المسألة الأولى بعينها. و ليس الفرق إلا من جهة عدم جواز التمسك هنا بعموم الحل، لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و لأجل أنك عرفت عدم وضوح المناقشات في استصحاب الحرمة، فالرجوع إليه في محله. فتأمل.

المسألة الرابعة: في حكم الحيوان المردد بين المحلل الأكل كالشاة، و المحرم- كالخنزير- الذي لا يقبل التذكية. و الكلام فيها هو الكلام في‌

294
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا لم يعلم كون حيوان معين أنه مأكول اللحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه ؛ ج‌1، ص : 288

و كذا إذا لم يعلم أن له دما سائلا أم لا (1)، كما أنه إذا شك في شي‌ء أنه من فضلة حلال اللحم أو حرامه (2)، أو شك في أنه من الحيوان الفلاني حتى يكون نجساً، أو من الفلاني المسألة الثانية، فيرجع فيه إلى أصالة عدم التذكية المقتضية للحرمة و النجاسة.

و كيف كان فالحرمة الثابتة للحيوان بالاستصحاب لا تقتضي نجاسة البول و الغائط، لأن حرمة الأكل المأخوذة موضوعا للنجاسة، هي ما كانت لخصوصية في الحيوان، و الاستصحاب لا يثبتها. و كذا لو ثبتت الحرمة بأصالة عدم التذكية، فإن الحرمة لعدم التذكية غير الحرمة المذكورة، كما هو ظاهر.

لأصالة الطهارة من دون معارض. نعم في الجواهر: هل يحكم بطهارة فضلته حتى يعلم أنه من ذي النفس، للأصل و استصحاب طهارة الملاقي. أو يتوقف الحكم بالطهارة على الاختبار. لتوقف امتثال الأمر بالاجتناب عليه، و لأنه كسائر الموضوعات التي علق الشارع عليها أحكاماً كالصلاة للوقت و القبلة. أو يفرق بين الحكم بطهارته و بين عدم تنجيسه للغير، فلا يحكم بالأول إلا بعد الاختبار، بخلاف الثاني؟ وجوه لم أعثر على تنقيح شي‌ء منها في كلمات الأصحاب. انتهى ملخصاً. و فيه: أن وجوب الاجتناب عن النجس لا يقتضي الاحتياط في موارد الشك، كما حرر في محله. و القياس على مثل القبلة و الوقت غير ظاهر، لكون الشك فيها شكا في الفراغ، و ما نحن فيه شك في التكليف.

لما تقدم من جريان أصالة الطهارة فيها. نعم يفترق هذا الفرض عن الفرض الأول، أنه في هذا الفرض لا مجال للرجوع الى استصحاب الحرمة، أو أصالة الحل، أو غيرهما في نفس الحيوان لأنه من الفرد المردد بين معلوم الحل و معلوم الحرمة، و المردد ليس مجرى للأصول.

295
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): لا يحكم بنجاسة فضلة الحية، لعدم العلم بأن دمها سائل ؛ ج‌1، ص : 296

 

حتى يكون طاهراً، كما إذا رأى شيئاً لا يدري أنه بعرة فار أو بعرة خنفساء. ففي جميع هذه الصور يبني على طهارته.

[ (مسألة 4): لا يحكم بنجاسة فضلة الحية، لعدم العلم بأن دمها سائل]

(مسألة 4): لا يحكم بنجاسة فضلة الحية، لعدم العلم بأن دمها سائل. نعم حكي عن بعض السادة (1): أن دمها سائل. و يمكن اختلاف الحيات في ذلك. و كذا لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح، للشك المذكور، و ان حكي عن الشهيد:

أن جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل إلا التمساح.

لكنه غير معلوم. و الكلية المذكورة أيضاً غير معلومة.

[الثالث: المني]

الثالث: المني من كل حيوان (2) له دم سائل، قد صرح في المعتبر في أحكام البئر: أن الحية دمها سائل، و أن ميتتها نجسة. انتهى. و نسب ذلك الى المعروف بين الأصحاب، و عن المبسوط دعوى الإجماع على نجاستها بالقتل. و في المدارك: «إن المتأخرين استبعدوا وجود النفس لها».

إجماعاً، حكاه جماعة كثيرة من القدماء و المتأخرين و متأخريهم، و في جملة من كلماتهم تقييد معقده بكونه من ذي النفس السائلة، و كأنه لقصور النصوص عن شمول غيره، لانصرافها إلى مني الإنسان- كما عن جماعة من الأعيان- بل عن بعض: أنها ظاهرة كالعيان. و إن منعها بعض من تأخر. و لكنه محل نظر، كما يظهر من ملاحظة سياقها، و كون مورد جميعها المني يصيب الثوب، فان عدم الابتلاء بغير مني الإنسان يوجب انصرافه إلى مني الإنسان. و لا سيما بملاحظة ما في القاموس: من أنه ماء الرجل و المرأة. و ما عن الصحاح: من أنه ماء الرجل، فلا يكون ترك الاستفصال فيه مقتضياً للعموم. و أما ما‌

في صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّٰه (ع):

 

296
مستمسک العروة الوثقی1

الثالث: المني ؛ ج‌1، ص : 296

حراماً كان أو حلالا بريا أو بحريا. و أما المذي، و الوذي، و الودي، فطاهر (1)

«قال: ذكر المني و شدده و جعله أشد من البول، ثمَّ قال: إن رأيت المني قبل ..» «1».

فالظاهر منه شدة النجاسة و تأكدها، لا عمومها.

و من ذلك يظهر أن التعدي إلى مطلق ذي النفس مأكولا أو غيره لأجل الإجماع. كما أن الظاهر انعقاده على طهارته من غير ذي النفس، و تردد المحقق في الشرائع و المعتبر غير قادح، لأنه اختار فيهما الطهارة بعد ذلك. و لأجل ذلك لا يكون للاهتمام في إثبات عموم النصوص مزيد فائدة.

و لأجله أيضاً يخرج عن إطلاق‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» «2»

، و إطلاق موثق ابن بكير الوارد في جواز الصلاة في كل ما يكون مما يؤكل لحمه أو يخرج منه. «3»

كما يجب الخروج عما قد يدل على طهارته،

كصحيح زرارة: «عن الرجل يجنب في ثوبه أ يتجفف فيه من غسله؟ فقال: نعم لا بأس به، إلا أن تكون النطفة فيه رطبة، فإن كانت جافة فلا بأس» «4».

كما هو المعروف، بل لا يعرف الخلاف في ذلك منا، و إنما حكي عن بعض العامة. نعم عن ابن الجنيد القول بنجاسة المذي الذي يخرج عقيب الشهوة. و يشهد له‌

حسن الحسين بن أبي العلاء: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن المذي يصيب الثوب. قال (ع): ان عرفت مكانه فاغسله، و ان خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله» «5»

، و‌

في خبره

______________________________
(1) الوسائل باب: 16 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 12.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب النجاسات ملحق حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 7.

(5) الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 3.

297
مستمسک العروة الوثقی1

الثالث: المني ؛ ج‌1، ص : 296

من كل حيوان إلا نجس العين (1).

الآخر: «يغسله و لا يتوضأ» «1».

لكن- مع عدم اختصاصهما بالشهوة و اعراض الأصحاب عنهما- يعارضهما كثير من النصوص،

كمصحح زرارة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إن سال من ذكرك شي‌ء من مذي أو وذي، و أنت في الصلاة فلا تغسله، و لا تقطع له الصلاة، و لا تنقض له الوضوء و ان بلغ عقبك، فإنما ذلك بمنزلة النخامة» «2»

، و نحوه غيره. فيتعين لذلك حملهما على الاستحباب. و يشهد به‌

صحيح محمد عن أحدهما: «سألته عن المذي يصيب الثوب. فقال (ع): ينضحه بالماء إن شاء» «3»

و‌

حسن الحسين بن أبي العلاء الآخر: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن المذي يصيب الثوب. قال (ع): لا بأس به. فلما رددنا عليه قال (ع): ينضحه بالماء» «4».

هذا و يكفي في طهارة الوذي و الودي- مضافا إلى الأصل- ظهور الإجماع و الاخبار الواردة في البلل المشتبه بالبول «5»، و‌

مرسل ابن رباط: «و أما الودي فهو الذي يخرج بعد البول، و أما الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء و لا شي‌ء فيه» «6».

لما دل على نجاسته الظاهر في نجاسة جميع ما يخرج منه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2. و يتضمن ذلك غيره من احاديث الباب.

(3) الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 17 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(5) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء.

(6) الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 6.

298
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

و كذا رطوبات (1) الفرج، و الدبر (2)، ما عدا البول و الغائط.

[الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل]

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل (3)، حلالا كان أو حراما.

بلا خلاف ظاهر. و يدل عليه‌

صحيح إبراهيم بن أبي محمود: «سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن المرأة عليها قميصها أو إزارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب أ تصلي فيه؟ قال (ع): إذا اغتسلت صلت فيهما» «1».

بلا خلاف ظاهر. و يقتضيه ما‌

في مصحح زرارة المتقدم من قوله (ع): «و كل شي‌ء خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل، أو من البواسير، و ليس بشي‌ء فلا تغسله من ثوبك، إلا أن تقذره» «2»

إجماعا محصلا و منقولا في الغنية، و المعتبر، و المنتهى، و الذكرى و كشف اللثام، و عن نهاية الاحكام، و التذكرة، و كشف الالتباس و غيرها بل في المعتبر و المنتهى: انه إجماع علماء الإسلام. كذا في الجواهر.

و يشهد له طوائف من النصوص (منها): ما ورد في نزح البئر لموت الدابة و الفأرة، و الطير و الحمامة، و الحمار، و الثور، و الجمل و السنور و الدجاجة، و الشاة و مطلق الميتة «3»

كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): «عن البئر تقع فيها الميتة. فقال: إن كان لها ريح نزح منها عشرون دلواً» «4»

و غيره.

نعم قد يشكل ذلك من جهة ما دل على عدم انفعال ماء البئر. لكنه يندفع: بأن الروايات المذكورة تدل على انفعاله و على نجاسة الميتة، فاذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 55 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 12 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 2.

(3) راجع الوسائل باب: 14، 15، 17، 18، 19، 21، 22، 23 من أبواب الماء المطلق.

(4) الوسائل باب: 22 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

299
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

.....

قام دليل على عدم الانفعال تعين رفع اليد عن إحدى الدلالتين، فتبقى الأخرى على حجيتها، و التلازم بين الدلالتين وجوداً لا يوجب التلازم بينهما في الحجية، فإن الخبرين المتعارضين مع سقوطهما عن الحجية في المدلول المطابقي باقيان على الحجية في نفي الدليل الثالث.

فان قلت إذا قام دليل على وجوب غسل الثوب عند ملاقاة البول- مثلا- و قام دليل آخر على عدم وجوب غسله عند ملاقاة البول، لا يحكم بنجاسة البول لو بني على الأخذ بظاهر الدليل الثاني، فما الفرق بينه و بين المقام؟! (قلت): الفرق أن التفكيك بين نجاسة البول و نجاسة الثوب ممتنع عرفا فانتفاء أحد المدلولين يلازمه انتفاء الآخر، فيكون التعارض في الدلالتين الالتزاميتين، و ليس كذلك في مثل ماء البئر، فإن دليل طهارته عند ملاقاة النجاسة إنما يدل على اعتصامه في نفسه من تأثير النجاسة فيه، فلا يدل بالالتزام على طهارة الشي‌ء الواقع في البئر، كي يقع التعارض بين الدلالتين.

نعم قد يشكل الاستدلال المذكور بعدم ظهور أوامر النزح في كونه مطهراً، لأن مطهرية النزح ليست موافقة للارتكاز العرفي، فدلالة النصوص على نجاسة الماء من هذه الجهة لا تكون ظاهرة كي تلازمها الدلالة على نجاسة الميتة. فتأمل جيداً.

و منها: ما ورد في السمن، أو العسل، أو الطعام، أو الشراب، تموت فيه الفأرة، أو الجرذ، أو الدابة، أو تقع فيه الميتة، من الأمر بإلقائها و ما يليها ان كان جامداً، و الاستصباح به ان كان ذائباً. و في المرق:

من الأمر بإهراقه و غسل اللحم. فلاحظ صحاح معاوية بن وهب، و زرارة ابن أعين، و الحلبي، و سعيد الأعرج، و موثق سماعة، و غيرها [1].

______________________________
[1] راجع الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة. و قد ذكر بعضها في باب: 5 من أبواب الماء المضاف، و بعضها في باب: 35 من أبواب النجاسات. و باب: 6 من أبواب ما يكتسب به.

و تعشر على أمثالها في نفس الأبواب.

300
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

.....

و منها: ما ورد في الماء القليل تكون فيه الفأرة الميتة، من الأمر بغسل الثوب منه و اعادة الوضوء «1». و في الجرذ يموت في الإناء، من الأمر بغسله «2»، و ما ورد في الماء تكون فيه الجيفة، من الأمر بالوضوء من الجانب الآخر «3»، و النهي عن الشرب و الوضوء إذا غلب ريحها على ريح الماء «4».

اللهم إلا أن يقال: إن كان المراد مطلق الجيفة كان موضوع الحكم الجيفة لا الميتة، و بينهما عموم من وجه، و ان أريد جيفة مخصوصة امتنع الاستدلال بذلك على ما نحن فيه، لإمكان اختصاصه بجيفة نجس العين. و فيه:

أن الحمل على نجس العين بعيد، فإنه خلاف إطلاق النصوص، و لا سيما مع ندرة جيفة نجس العين. و الجمود على معنى الجيفة و ان كان يقتضي العموم للمذكى، لكن الداعي إلى تذكية الحيوان داع الى الانتفاع به، و عدم وضعه في الماء كي يصير جيفة، كما لا يخفى. فالجيفة منصرفة في النصوص الى الميت من الحيوان.

و منها: ما ورد في أهل الكتاب، من النهي عن الأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيها الميتة و الدم و لحم الخنزير، كما في صحيح ابن مسلم «5» و منها: ما ورد في الثوب تصيبه أغماد السيوف المعمولة من جلود‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المطلق حديث: 11، 13.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الماء المطلق حديث: 1 و ربما تضمن ذلك بعض الاخبار الأخر في الباب و غيره.

(5) الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.

301
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

.....

الحمر الميتة، من الأمر باتخاذ غيره للصلاة «1». و ما ورد فيما لا نفس له سائلة، من‌

قول الصادق (ع) في موثق عمار لما سأله عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر و السمن و شبهه. قال (ع): «كل ما ليس له دم فلا بأس» «2».

فتأمل. و‌

قول أبي جعفر (ع): «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة» «3».

و منها: ما ورد في الاستصباح بأليات الغنم المقطوعة، من‌

قول أبي الحسن (ع): «أما علمت أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «4».

و منها: ما ورد فيما لا تحله الحياة المأخوذ من الميتة، من‌

قول أبي عبد اللّٰه (ع): لزرارة و محمد: «و إن أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صل فيه» «5».

و حمل الغسل على أنه لإزالة الأجزاء الملتصقة خلاف الظاهر من الأمر بالغسل تعييناً. و ما‌

في رواية تحف العقول: من قول الصادق (ع): «و البيع للميتة، أو الدم، أو لحم الخنزير، أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش و الطير، أو جلودها، أو الخمر، أو شي‌ء من وجوه النجس» «6».

و ما‌

في رواية جابر في فارة وقعت في خابية فيها سمن أو زيت. قال أبو جعفر (ع): «لا تأكله. فقال له الرجل:

الفأرة أهون علي من أن أترك طعامي من أجلها. فقال له أبو جعفر (ع) إنك لم تستخف بالفأرة إنما استخففت بدينك، إن اللّٰه تعالى حرم الميتة

______________________________
(1) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 35 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 30 من أبواب الذبائح حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

302
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

.....

من كل شي‌ء» «1».

و المناقشة في جميع ذلك في غير محلها. و لا سيما و قد عد الحكم بالنجاسة عداد الضروريات الدينية، فضلا عن الضروريات المذهبية، و ضروريات الفقه.

و من هنا أنكر جماعة من الأساطين على السيد في المدارك لما استشكل في النجاسة. إذ لم يجد عليها نصاً يعتد به و لا إجماعا محققاً عليها. و لأن الصدوق (ره)

روى مرسلا في الفقيه عن الصادق (ع): «سئل عن جلود الميتة يجعل فيها اللبن و الماء و السمن ما ترى فيه. فقال (ع): لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن و تتوضأ منه و تشرب، و لكن لا تصل فيها» «2».

و مقتضى ما ذكره في صدر كتابه من أنه لا يورد فيه إلا ما يفتي به و يكون حجة بينه و بين ربه، أنه يفتي بطهارة جلد الميتة.

إذ فيه (أولا): عدم تأتي المناقشات في جميع ما عرفت من النصوص التي فيها الصحيح و الموثق و معتبر الإسناد في نفسه، المعول عليه عند الأصحاب.

(و ثانيا): أنك عرفت حكاية الإجماعات الكثيرة على النجاسة المقبولة عند جميع الأصحاب، فإن الإجماع المنقول إذا كان مقبولا عند الأصحاب يخرج عن كونه منقولا و يكون متواتراً، فكيف بالإجماعات الكثيرة إذا كانت مقبولة عند الطائفة؟! بل عرفت دعوى الضرورة على النجاسة من بعضهم و إيراد الصدوق (ره) للمرسل في كتابه لا يدل على اعتقاده بمضمونه، لأنه عدل عما ذكر في صدر كتابه، كما عن المجلسي (ره). و إن كان يشكل ذلك: بأن الواجب التنبيه منه على ذلك، لئلا يكون تدليساً و هو بعيد عن مقامه الأقدس. مع أن حصول البداء له في ذلك مستبعد جداً، و لا سيما بالنسبة إلى هذه الرواية المذكورة في أوائل الكتاب. فالأولى حمل المرسل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب الماء المضاف حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 5.

303
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

.....

المذكور على ميتة ما لا نفس له سائلة لقرينة على ذلك اعتقدها الصدوق، فأورده في سلك الأخبار التي يجوز التعويل عليها. فلاحظ، و تأمل.

هذا كله في ميتة غير الآدمي من ذي النفس السائلة. إما ميتة الآدمي فالإجماعات المتقدمة محكية على نجاستها أيضاً. و يشهد لها‌

صحيح ابن ميمون: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع): عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت. قال (ع):

إن كان غسل الميت فلا تغسل ما أصاب ثوبك منه، و ان كان لم يغسل فاغسل ما أصاب ثوبك منه. يعني: إذا برد الميت» «1».

و‌

صحيح الحلبي عنه (ع): «عن الرجل يصيب ثوبه جسد الميت. قال (ع): يغسل ما أصاب الثوب» «2»

و‌

التوقيع في إمام حدثت عليه حادثة، قال:

«ليس على من مسه إلا غسل اليد» «3»

، و نحوه الآخر بتفاوت لا يضر في المقصود «4». و ما في موثقة عمار، من الأمر بنزح سبعين دلواً لموت الإنسان في البئر «5». هذا و الظاهر من الأمر بغسل الثوب و اليد في التوقيع هو النجاسة بالمعنى المعروف.

و ظاهر محكي المفاتيح أن النجاسة هنا بمعنى الخباثة، فلا تسري إلى الملاقي. و أن المراد من غسل الثوب غسل ما لصق به من رطوبة الميت و قذارته. و لكنه- كما ترى- خلاف الظاهر. و استدلاله: بأن الميت لو كان نجس العين لم يطهر بالتغسيل اجتهاد في مقابلة النص، كما في الجواهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 21 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

304
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

و كذا أجزاؤها المبانة منها (1)، و ان كانت صغاراً (2) عدا ما لا تحله الحياة منها (3) كالصوف، و الشعر، و الوبر، بلا خلاف يعرف، و عن المدارك: أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، و قريب منه ما عن غيره. لظهور الأدلة في ثبوت النجاسة للاجزاء بلا دخل للاتصال فيها، و من ذلك يظهر ضعف ما في المدارك، من أن الأدلة دلت على نجاسة الميتة، و هي لا تصدق على الاجزاء قطعا. نعم يمكن القول بنجاسة القطعة المبانة من الميت استصحابا لحكمها حال الاتصال.

و لا يخفى ما فيه. انتهى. و الاشكال على الاستصحاب غير ظاهر، لوحدة الموضوع عرفا. و لذا لم يوافقه في ذلك أحد إلا بعض تلامذته. مع أنه لم يلتزم به في غير المقام، فإن المحكي عنه القول بنجاسة أجزاء الكلب المنفصلة، لنفس أدلة نجاسة الكلب. مضافا إلى تعليل جواز الصلاة في صوف الميتة: بأنه ليس فيه روح، كما في صحيح الحلبي «1». و تعليل طهارة الإنفحة: بأنها ليس لها عرق و لا فيها دم و لا لها عظم، كما في خبر الثمالي «2». بل نصوص استثناء ما لا تحله الحياة ظاهرة في خصوصية له يمتاز بها عن بقية الاجزاء، كما لا يخفى.

لعدم الفرق في استفادة الحكم من الأدلة بين الصغير و الكبير.

بلا خلاف فيه، بل حكي الاتفاق عليه. و‌

في صحيح صفوان عن الحسين بن زرارة: «قال أبو عبد اللّٰه (ع): العظم و الشعر و الصوف و الريش، كل ذلك نابت لا يكون ميتاً» «3».

و‌

في صحيح حريز: «قال أبو عبد اللّٰه (ع) لزرارة و محمد: اللبن و اللبأ و البيضة و الشعر و الصوف و القرن

______________________________
(1) الوسائل باب: 68 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 12.

305
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

و العظم، و القرن، و المنقار، و الظفر و المخلب و الريش، و الظلف، و السن، و البيضة إذا اكتست القشر الأعلى (1)

و الناب و الحافر و كل شي‌ء يفصل من الشاة و الدابة فهو ذكي. و ان أخذته منه بعد أن يموت فاغسله و صل فيه» «1».

و‌

صحيح زرارة، و فيه: «قلت: و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة فقال (ع): كل هذا لا بأس به» «2».

و‌

مرسل الفقيه: «قال الصادق (ع): عشرة أشياء من الميتة ذكية: القرن و الحافر و العظم و السن و الأنفحة و اللبن و الشعر و الصوف و الريش و البيض» «3».

و في رواية الفتح بن يزيد «4»، أيضاً ذكر القرن فيها. و في رواية محمد بن جمهور ذكر الظفر و المخلب فيها «5». و لم أعثر على ذكر المنقار بالخصوص. لكن يستفاد حكمه من العموم في صحيح حريز، و من التعليل في صحيح الحلبي و خبر الثمالي المتقدمة.

باتفاق كما قيل و ان اختلف في التعبير عنه بما في المتن، و بالقشر الصلب و بالجلد الفوقاني، و بالجلد الغليظ، و هو المذكور‌

في رواية غياث عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة.

قال (ع): إن كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها» «6».

و بها يقيد إطلاق غيرها. و ضعف السند منجبر بالعمل. و عليه فلا وجه لاعتبار الصلابة. إلا أن يكون المراد بها الغلظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 8.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 17.

(6) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة: حديث: 5.

306
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

سواء كانت من الحيوان الحلال أو الحرام (1)، و سواء أخذ ذلك بجز أو نتف أو غيرهما (2). نعم يجب غسل المنتوف من خلافا للعلامة (ره) في المنتهى و محكي النهاية، فقد أفتى بنجاسة بيض ما لا يؤكل لحمه. و في المدارك: «هو مطالب بدليله»، و في الجواهر: «لم نعرف له دليلا و لا موافقا، كما اعترف بذلك بعض من تأخر عنه». أقول: كأن وجهه ما في جملة من النصوص من التنصيص على جواز الأكل، المختص بمأكول اللحم، فيحمل غيره عليه. و لكنه غير واضح، لعدم التنافي الموجب لحمل المطلق على المقيد.

خلافا للشيخ في محكي النهاية، فخص الطهارة بالجز. و كأنه لأن أصولها المتصلة باللحم من جملة أجزاء الميتة، و لا دليل على استثنائها، لعدم كونها شعراً أو صوفا أو غيرهما. و لما‌

في رواية الفتح بن يزيد الجرجاني: «و كل ما كان من السخال الصوف إن جز، و الشعر، و الوبر، و الانفحة، و القرن، و لا يتعدى إلى غيرها» «1».

و فيه: أنه لو سلم عدم صدق الشعر- مثلا- كفى في استثنائه ما‌

في صحيح حريز من قوله (ع) «و كل شي‌ء يفصل ..»

، لصدق ذلك عليه. و كذا التعليل في صحيح الحلبي و خبر الثمالي المتقدمين. و أما رواية الجرجاني فمع أنها ضعيفة السند، و أنها لا تخلو من اضطراب، لعدم ظهور خبر قوله (ع):

«كل ما كان ..»

مختصة بالصوف، و لا يخلو ما فيها من التخصيص بالسخال، و من عدم التعدي عن الأمور المذكورة فيها من الاشكال. و لعل مراد الشيخ (ره) عدم الانتفاع بالمنتوف إلا بعد غسله، كما تقدم في صحيح حريز. و لا بأس به حينئذ، عملا بالدليل، كما ذكر في المتن.

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.

307
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

رطوبات الميتة. و يلحق بالمذكورات الانفحة (1)، بكسر الهمزة و تشديد الحاء و قد تخفف، و بكسر الفاء و قد تفتح.

حكى جماعة الإجماع على طهارتها. و نفى الخلاف فيها آخرون، و انما نقلوا الخلاف عن الشافعي و أحمد، كما عن الذخيرة. و يشهد لذلك جملة من النصوص،

كصحيح زرارة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سألته عن الانفحة تخرج من الجدي الميت. قال (ع): لا بأس به. قلت: اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت قال (ع): لا بأس به» «1»

، و نحوه فيما تضمنه من طهارة الإنفحة خبر أبي حمزة «2»- معللا: بأن الإنفحة ليس لها عروق و لا فيها دم و لا لها عظم- و خبر يونس عنهم (ع) «3»، و خبر الفتح بن يزيد «4»، و موثق ابن بكير عن الحسين بن زرارة «5»، و مرسل الصدوق «6»، و قد تقدم بعضها.

هذا و المصرح به في كلام جماعة- منهم العلامة (ره) في القواعد-:

أن الإنفحة لبن مستحيل في جوف السخلة، كما لعله ظاهر رواية الثمالي، و في كشف اللثام: أنه المعروف. و عن السرائر و غيرها: أنها كرش الحمل أو الجدي ما لم يأكل فإذا أكل فهي كرش. و ظاهره أنها اسم للظرف لا للمظروف. و كلمات اللغويين لا تخلو من اضطراب، فعن الصحاح عن أبي زيد و عن غيره: انها كرش الحمل. و في القاموس: «و الانفحة ..

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 4.

(6) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 8.

308
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

.....

شي‌ء يستخرج من بطن الراضع أصفر، فيعصر في صوفة مبتلة، فيغلظ كالجبن. فإذا أكل الجدي فهو كرش. و تفسير الجوهري الإنفحة بالكرش سهو» و قال في مادة (كرش): «و استكرشت الانفحة صارت كرشاً، و ذلك إذا رعى الجدي النبات». و صريحه- كظاهر محكي المغرب- وقوع الخلاف في معناه، و أنه الكرش أو ما يكون فيه. و قوى في الجواهر اتحاد التفسيرين: بأن يراد بالشي‌ء الأصفر في التفسير الأول هو ما يصير كرشا للجدي بعد أن يأكل فهو قبل أكله إنفحة، و بعده كرش. و استشهد على ما ذكر بما تقدم عن المغرب. لكنه يشكل: بأن ما عن المغرب ظاهر في وقوع الخلاف في معناه، كما عرفت. مع أن ظاهر التفسير الأول أنه المظروف، و ليس هو ما يكون كرشاً، فان الكرش- كما عرفت- نفس الظرف.

و لذا قال في المدارك: «إن الأول أولى، اقتصاراً على موضع الوفاق و ان كان طهارة نفس الكرش غير بعيدة، تمسكا بمقتضى الأصل». و الظاهر أن مراده من كون الأول موضع الوفاق أن طهارته موضع وفاق، لأنه على تقدير كون الانفحة هي الكرش، فالمراد من طهارتها طهارتها بما فيها، لا أنه موضع وفاق من المفسرين، كي يتوجه عليه أنه لا وفاق بعد تباين التفسيرين. و على هذا فما ذكره (قده) في محله، لأن إجمال الأدلة الناشئ من اختلاف الفقهاء و اللغويين في معنى الكلمة يوجب الاقتصار على المتيقن في الخروج عن عموم نجاسة الميتة، ضرورة أن الكرش جزء منها. و من ذلك يشكل ما ذكره أخيراً- في المدارك- من طهارة الكرش عملا بالأصل فإنه لا مجال للأصل مع الدليل.

هذا و لو كانت هي اللبن المائع فهي طاهرة ذاتاً و عرضا، كما يقتضيه ظاهر النصوص. أما لو كانت هي الظرف فظاهر النصوص طهارتها ذاتا‌

309
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

و كذا اللبن في الضرع (1)، و لا ينجس بملاقاة الضرع النجس، لكن الأحوط في اللبن الاجتناب، خصوصاً إذا كان في قبال أجزاء الميتة، فلا ينافي ذلك نجاسة بعض سطوحها بملاقاة رطوبة الميتة، كما هو ظاهر ما تقدم في الصوف و الشعر.

ثمَّ إن صريح ما تقدم عن الفقهاء و اللغويين في معنى الانفحة اختصاصها بما قبل الأكل. لكن في الذكرى: «و الانفحة طاهرة من الميتة و المذبوحة و ان أكلت السخلة». و هو مشكل، إلا أن يرجع القيد إلى المذبوحة، أو يريد الأكل اليسير الذي لا يعتد به، كما في الجواهر.

و عليه فلو شك في مقداره بنحو الشبهة المفهومية كان اللازم البناء على النجاسة، لعموم نجاسة الميتة، و استصحاب الطهارة لا يدافع العموم، إذ ليس هذا من موارد العمل باستصحاب حكم الخاص، لكون التخصيص من أول الأمر. و أما استصحاب كونها إنفحة فهو من الاستصحاب الجاري في المفهوم المردد، و ليس هو بحجة. و لو كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية فاستصحاب الموضوع- أعني كونها إنفحة- في محله، فيترتب عليها حكمها و هو الطهارة.

على المشهور، كما عن البيان و اللمعة، بل عن الخلاف نقل الإجماع عليه. و هو المحكي عن الصدوق، و الشيخين، و القاضي، و ابن زهرة، و الطوسي و الشهيدين في الدروس، و المسالك، و الروضة، و غيرهم.

و يشهد له مصحح حريز المتقدم فيما لا تحله الحياة، و صحيح زرارة المتقدم في الإنفحة، و موثق ابن بكير عن الحسين بن زرارة، و مرسل الصدوق المتقدمان، و نحوه مسنده في الخصال إلى ابن أبي عمير مرفوعا إلى الصادق (ع) [1].

______________________________
[1] الخصال أبواب العشرة صفحة: 53 جزء 2 الطبعة القديمة. و يشير إليه في الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث: 8.

310
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل ؛ ج‌1، ص : 299

من غير مأكول اللحم. و لا بد من غسل ظاهر الانفحة الملاقي للميتة (1) و عن جماعة: القول بالنجاسة، بل عن السرائر نسبته إلى المحصلين، و ان ناقشه الآبي في كشف الرموز- على ما حكي-: بأن الشيخين مخالفان، و المرتضى و اتباعه غير ناطقين، فما أعرف من بقي معه من المحصلين. انتهى.

نعم في المنتهى و عن جامع المقاصد: أنه المشهور. و عن غاية المرام: أنه مذهب المتأخرين. و ليس له وجه ظاهر غير قاعدة نجاسة ملاقي النجس.

و‌

خبر وهب: «إن عليا (ع) سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن.

فقال (ع): ذلك الحرام محضاً» «1».

و مكاتبة الجرجاني المتقدمة في حكم النتف. و الجميع محل تأمل. إذ لا مجال للقواعد العامة مع وجود المخصص. و لا سيما مع ملاحظة كون الملاقاة في الداخل. فتأمل. و لضعف الخبر سنداً. و لما عرفت سابقاً من وجوه الإشكال في المكاتبة. فإذاً لا مانع من تخصيص القاعدة بما عرفت من النصوص، كتخصيصها في غير اللبن قطعاً. ثمَّ إن نصوص الطهارة بعضها خاص بالمأكول، و بعضها مطلق، و العمل بالأخير متعين، إذ لا تنافي بينهما لكونهما مثبتين. إلا أن يدعى الانصراف إلى المأكول. و لكنه بدوي، و ان كان لازم تخصيص البيض بالمأكول تخصيصه هنا.

نعم قد يتأمل في إطلاق الميتة على ميت الإنسان، فإنه يقال له:

ميت و ميتة- بالتشديد- و عليه فيشكل عموم النصوص له. و لكنه خلاف المتسالم عليه، فلا يبعد إذاً العموم، و لو لأجل بعض التعليلات و المناسبات العرفية الموجبة لإلغاء خصوصية المورد. فتأمل جيداً.

هذا بناء على أنها الجلد، إذ لو كانت هي اللبن فقد عرفت أن ظاهر كلماتهم أنه مائع، و ظاهر الأدلة طهارته عرضا كطهارته ذاتا. نعم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 10.

311
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الاجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة ؛ ج‌1، ص : 312

هذا في ميتة غير نجس العين، و أما فيها فلا يستثنى شي‌ء (1).

[ (مسألة 1): الاجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة]

(مسألة 1): الاجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة (2) لو كان جامدا- كما يتفق كثيراً- فلا يبعد طهارته أيضاً بلا حاجة الى تطهيره، لاتحاد ظاهر النصوص في الجميع، و هو الطهارة العرضية.

لأن ظاهر النصوص الاستثناء من نجاسة الميتة، لا من النجاسة الذاتية.

بلا خلاف ظاهر، و في المدارك: «انه مقطوع به في كلام الأصحاب» و يشهد له النصوص الواردة في باب الصيد، المتضمنة أن ما قطعت الحبالة فهو ميتة،

كصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع):

«قال أمير المؤمنين (ع): ما أخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يداً أو رجلا فذروه، فإنه ميت، و كلوا مما أدركتم حياً و ذكرتم اسم اللّٰه عليه» «1»

، و نحوه غيره.

و المناقشة في دلالتها: بأنه إن كان المراد أنها ميتة حكما فالمتبادر من التشبيه إرادة حرمة الأكل، و ان كان المراد أنها ميتة حقيقة فدلالتها على النجاسة تتوقف على وجود دليل عام يعم المورد، و هو غير ثابت. مندفعة:

بأن حمل التنزيل على ملاحظة خصوص الحرمة دون النجاسة خلاف إطلاق دليله، كما لا يخفى، فإن النجاسة ليست من الأحكام الخفية، كي يدعى انصراف لسان التنزيل عنها.

و من ذلك يظهر أنه لو بني على ارادة بيان الفرد الحقيقي يتعين البناء على عموم الحكم له و لو كان دليل الحكم قاصر الشمول له، لأن بيان الأفراد الحقيقية ليس من وظيفة الشارع، فتعرضه لذلك إنما يكون لأجل تعميم الحكم و ليس الحال كما لو علم بفردية فرد له لا من قبل الشارع، فإنه لا يعمه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من أبواب الصيد حديث: 1 و في الباب أحاديث أخر تتضمن ذلك.

312
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الاجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة ؛ ج‌1، ص : 312

.....

الحكم إلا إذا كان الدليل في نفسه عاما له، فبيان الشارع للفرد الحقيقي كبيانه الفرد التنزيلي يقتضي عموم الحكم له و لو كان الدليل قاصراً عن إثبات ذلك.

و من ذلك تعرف ما في كلمات المقدس الفقيه الهمداني (قده) في مصباحه من النظر. و أشكل من ذلك ما ذكره من الفرق بين النصوص المذكورة و النصوص الواردة في باب الأطعمة في أليات الغنم «1»، و أن هذه النصوص لا قصور في دلالتها على النجاسة بخلاف النصوص الأول، لما تقدم فإنه لم يتضح الفرق المذكور مع وحدة لسان الجميع،

ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع): «أنه قال (ع): في أليات الضأن تقطع و هي أحياء:

إنها ميتة» «2»

و نحوها غيرها فلاحظ.

هذا في العضو المقطوع من غير الآدمي. و أما المقطوع منه: فيدل على نجاسته- مضافا الى الاتفاق و نفي الخلاف المحكيين-

مرسلة أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسها إنسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه» «3».

و ضعف السند منجبر بالعمل. و الظاهر عدم الفرق بين ما خرجت منه الروح قبل القطع و بعده. و دعوى: الانصراف الى الثاني ممنوعة. فعضو المشلول إذا مات قبل الانفصال ثمَّ انفصل نجس. ثمَّ إنه قد يستدل على الحكم المذكور بصدق الميتة على العضو المقطوع، كما في المنتهى. و فيه: أنه غير واضح فإن الميتة- عرفا- نفس الحيوان ذي الأعضاء، فلا تصدق على كل عضو في نفسه.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 30 من أبواب الذبائح.

(2) الوسائل باب: 62 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب غسل المس حديث: 1.

313
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الاجزاء المبانة من الحي مما تحله الحياة كالمبانة من الميتة ؛ ج‌1، ص : 312

إلا الأجزاء الصغار (1)، كالثالول و البثور، و كالجلدة التي تنفصل من الشفعة، أو من بدن الأجرب عند الحك، و نحو ذلك.

فقد حكي الإجماع على طهارتها، و عن الحدائق: «الظاهر أنه لا خلاف فيها». و العمدة فيه انصراف النصوص إلى ما يعد جزءاً من البدن عرفا و ليست هي كذلك، فإنها بمنزلة الأوساخ المتولدة فيه. مضافا إلى دعوى السيرة على معاملتها معاملة الطاهر، و إلى لزوم الحرج لو لا ذلك.

و قد يستدل له تارة: بانصراف النصوص الى الجزء الكبير، و لكنه- كما ترى- انصراف بدوي لا يعول عليه في رفع اليد عن الإطلاق و لذا كان بناء الأصحاب على عدم الفرق بين الجزء الكبير من اللحم و الصغير.

و أخرى:

بصحيح ابن جعفر (ع): «عن الرجل يكون به الثالول و الجرح، هل يصلح له أن يقطع الثالول و هو في صلاته، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه؟ قال (ع): ان لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، و ان تخوف أن يسيل الدم فلا يفعل» «1».

و يشكل: بأن قطع الثالول لا يستلزم حمله آنا ما في الصلاة و لا مسه برطوبة، و ليس فيه إطلاق يشمل ذلك، لوروده لبيان قادحية الفعل المذكور في الصلاة لا غير.

اللهم إلا أن يكون تعرض الامام (ع) لسيلان الدم قرينة على كونه (ع) في مقام بيان الجواز من جميع الجهات التي هي في معرض الابتلاء، و منها نجاسة الجزء الموجبة لنجاسة اليد المماسة له مع الرطوبة. و لذلك استحسن شيخنا الأعظم (ره) الاستدلال به على المقام، كما عن نهاية الاحكام و المعالم و لأجل ذلك يظهر وجه طهارة الثالول، و إلا فالوجوه المتقدمة غير جارية فيه، لعدم الانصراف عن مثله من الاجزاء الصغيرة اللحمية، و لم تثبت سيرة فيه، و لا حرج يقتضي طهارته فلاحظ.

______________________________
(1) الوسائل باب: 63 من أبواب النجاسات حديث: 1.

314
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 315

[ (مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى]

(مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى (1)، مسك الفارة- على ما ذكر جماعة- دم يجتمع في أطراف سرة الظبي ثمَّ يعرض للموضع حكة يسقط بسببها الدم مع جلدة هي وعاء له.

و هذه الجلدة هي فأرة المسك. فان كان الظبي مذكى فلا إشكال و لا خلاف في طهارتها. أما إذا لم يكن مذكى، حيا كان حين سقطت منه أو ميتاً فقد اختلف الأصحاب في طهارتها و نجاستها، فالمعروف المشهور الطهارة مطلقا، و في كشف اللثام: أنها نجسة مطلقاً. و في المنتهى: الطهارة إذا انفصلت عن الحي و الأقرب النجاسة إذا انفصلت من الميت.

و كأن الوجه في الطهارة- على ما يظهر من كلماتهم- أحد الوجوه:

إما عدم كونها جزءاً من الظبي، أو عدم كونها مما تحله الحياة، أو الإجماع و النص «1» على طهارة المسك الدال على طهارة الجلدة بالالتزام، أو الإجماع المدعى على طهارتها- كما عن ظاهر التذكرة و الذكرى- أو‌

صحيح علي ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «سألته عن فأرة المسك تكون مع من يصلي و هي في جيبه أو ثيابه. فقال (ع): لا بأس بذلك» «2».

و الجميع لا يخلو من إشكال. إذ الأول ينافيه اتصالها بالبدن. و كذلك الثاني، فإن الجلد مما تحله الحياة، غاية الأمر أنها طرأ عليها الموت، فكيف تكون مما لا تحله الحياة؟!. و كذلك الثالث، لإمكان عدم سراية نجاستها إلى المسك، لعدم الرطوبة المسرية، من جهة انجماد الدم حين صيرورته مسكا. و أما الإجماع على طهارتها فلا مجال للاعتماد عليه بعد مخالفة حاكيه في المنتهى و ذهابه إلى التفصيل المتقدم، و حكي أيضاً عن غيره. و أما الصحيح فمع قصور دلالته على الطهارة، لأن جواز الحمل‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 95، 97 من أبواب آداب الحمام.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

315
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 315

.....

في الصلاة أعم منها. معارض‌

بمكاتبة عبد اللّٰه بن جعفر إلى أبي محمد (ع): «هل يجوز للرجل أن يصلي و معه فأرة مسك؟ قال (ع): لا بأس إذا كان ذكياً» «1».

و الجمع يقتضي تقييد الصحيح بها. و لأجل ذلك اختار في كشف اللثام النجاسة مع أخذها من غير المذكى.

اللهم إلا أن يقال: كما يحتمل في المكاتبة رجوع الضمير المذكر إلى الظبي المفهوم من الكلام، أو الى الفأرة بتقدير كونها مما مع المصلي، فيترتب على ذلك اعتبار الذكاة فيها، يحتمل أيضاً رجوع الضمير إلى المسك و هذا الاحتمال إن لم يكن أقرب- كما هو الظاهر- لأن التقدير اللازم للاحتمالين السابقين خلاف الأصل، فلا أقل من الاحتمال الموجب للإجمال المانع من الاستدلال بهما على التقييد، فإطلاق طهارة الفأرة المستفاد من الصحيح بلا مقيد. نعم دلالته على الطهارة تتوقف على عدم جواز حمل النجس في الصلاة كما عرفت، و هو و ان كان محل إشكال، لكن كفى بالمكاتبة دليلا عليه، بناء على ما هو الظاهر من رجوع الضمير إلى المسك و على أن المراد من كونه ذكياً أنه طاهر.

و الظاهر أن المراد طهارته الذاتية في قبال ما لا يكون كذلك، و هو المسك المعمول من دم الظبي على ما ذكره بعض، كما سيأتي، لا الطهارة العرضية. إذ لو كان المراد الطهارة العرضية لم يكن وجه لتخصيصه بالقيد المذكور، بل كان اللازم اعتبار الذكاة فيه و في الفأرة معاً.

و من ذلك يظهر لك وجه ما عن الذكرى من أن المراد طهارة المسك و الاشكال فيما ذكره بقوله: «و يحتمل أمرين، أحدهما: التحرز من نجاسة عارضة له، و الثاني: التحرز مما يؤخذ من الظبي في حال الحياة بجلده، لأن السؤال عن فارة المسك». فان الاحتمالين المذكورين كلاهما خلاف‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

316
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 315

و ان كان الأحوط الاجتناب عنها. نعم لا إشكال في طهارة ما فيها من المسك (1).

ظاهر إرجاع القيد إلى المسك فقط.

هذا و المتحصل مما ذكرنا: أن العمدة في البناء على طهارة الفأرة مطلقاً صحيح ابن جعفر الذي لم يثبت تقييده، و أنه لو بني على الغض عنه فالوجوه المذكورة للطهارة مطلقاً غير ظاهرة، بل اللازم العمل بالقواعد العامة. و لا يبعد أن مقتضاها التفصيل بين المأخوذة من الحي فطاهرة- للأصل. و ليس ما يتوهم عليه إلا ما دل على نجاسة القطعة المبانة من الحي لكن شموله للمقام غير ظاهر لانصرافه الى ما هو مستعد للاتصال، فلا يشمل ما هو مستعد للانفصال حتى انفصل و لعله ظاهر- و بين المأخوذة من الميت فنجسة، لعموم ما دل على نجاسة الميتة الشامل لجميع أجزائها. و قد عرفت الإشكال في نفي الجزئية عرفا، أو كونها مما لا تحله الحياة.

هذا كله مبني على ما نسب الى المشهور من كون الفارة ملتحمة بالظبي و متصلة به. قال الدميري: «المشهور انها ليست مودعة في الظبية، بل هي خارجة ملتحمة». أما بناء على غير المشهور من كونها مودعة فيها- كما عن كاشف الغطاء في شرح القواعد، من أنها تتكون في جوف الظبي فيلقيها كالبيضة، و حكي أيضاً ذلك عن ابن فهد الطبري، بل عن بعضهم: أن هذا القسم هو الشائع الغالب من المسك، و إطلاقه ينصرف اليه. انتهى- فلا إشكال في طهارتها، سواء أخذت من الحي أم من الميت. لعدم كونها جزءاً من الحيوان، فلا تشملها أدلة نجاسة القطعة المبانة من الحي، و لا أدلة نجاسة أجزاء الميتة، و الأصل فيها الطهارة. و كذا الحال لو شك في ذلك بنحو الشبهة الموضوعية.

إجماعا حكاه غير واحد، بل لعله ضروري. و تقتضيه سيرة‌

317
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 315

و أما المبانة من الميت ففيها إشكال (1) و كذا في مسكها (2).

النبي (ص) و المسلمين [1]، و‌

في صحيح ابن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «كانت لرسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله ممسكة إذا هو توضأ أخذها بيده و هي رطبة فكان إذا خرج عرفوا أنه رسول اللّٰه «1».

و ذلك إما لخروجه بالاستحالة عن مفهوم الدم عرفا أو لتخصيص ما دل على نجاسة الدم. و لو بني على كون الفارة تتكون في جوف الظبي فالطهارة أوضح، لاحتمال خروج الدم المتكون فيها عن كونه دم ذي النفس، و المرجع أصل الطهارة و قد عرفت أن المكاتبة محمولة على الذكاة الذاتية في مقابل النجاسة كذلك الناشئة عن كون المسك مغشوشاً بالمعمول النجس كما سيأتي.

قد عرفت وجهه و ضعفه.

كأنه لأنه دم ذي نفس، و لم تثبت استحالته. و لا إطلاق يدل على طهارة المسك، كي يتمسك به، و لذا قيل: «لا إشكال في نجاسة بعض أقسامه كالتركي و الهندي». نعم يظهر من كلماتهم الإجماع على طهارة المسك مطلقاً. قال في التذكرة: «المسك طاهر إجماعا، لأن رسول اللّٰه (ص) كان يتطيب به. و كذا فأرته عندنا، سواء أخذت من حي أو ميت».

و قال في نهاية الاحكام: «إن المسك طاهر و إن قلنا بنجاسة فأرته المأخوذة من الميتة» و قال في كشف اللثام: «و عندي أن فأرته نجسة إذا لم تؤخذ من المذكى، و كذا ما فيها من المسك مع رطوبته عند الانفصال». و لذا قال في الجواهر: «أطلق غير واحد حكاية الإجماع على طهارة المسك ثمَّ أعقبه بذكر حكم الفارة و ظاهره أيضاً بل كاد يكون صريحه طهارة المسك مطلقاً و ان قلنا بنجاسة الفأرة».

______________________________
[1] كما تدل عليه الاخبار الواردة في الوسائل باب: 95، 97 من أبواب آداب الحمام.

______________________________
(1) الوسائل باب: 58 من أبواب النجاسات حديث: 1.

318
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): فأرة المسك المبانة من الحي طاهرة على الأقوى ؛ ج‌1، ص : 315

نعم إذا أخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها (1)، و لو لم يعلم أنها مبانة من الحي أو الميت.

و بالجملة: السيرة و الإجماع يقتضيان طهارة المسك في نفسه مطلقاً.

نعم المتيقن من موردهما مسك الفارة، و أما غيره فمشكوك، فعموم نجاسة الدم فيه محكم، إلا إذا ثبت كونه مستحيلا.

هذا و لكن الذي حكاه بعض عن محققي الفن في هذه الأعصار:

أن المسك مفهوم مباين للدم، كالمني، و البول، و نحوهما من فضلات الحيوان و ان كانت المواد المسكية يحملها دم الظبي، فاذا وصلت إلى الفأرة أفرزت عن الاجزاء الدموية لاشتمال الفأرة على آلة الافراز، و هذا الافراز يكون تدريجيا الى أن تمتلئ الفارة من المسك. فالمسك ليس دما فعلا و لا كان أصله دما فاستحال مسكا، و قد حلل و جزء فكانت أجزاؤه أجنبية عن أجزاء الدم. و ما تقدم في كلماتهم من أن المسك دم حتى نظم في الشعر:

«فان المسك بعض دم الغزال»

مما لا أصل له كما يشهد بذلك العرف أيضاً.

هذا هو المسك الأصلي، و هو معقد الإجماع و السيرة على الطهارة.

و أما غيره- كالمعجون من دم الظبي و روثه و كبده، أو الدم الذي يخرج من الظبي كدم البواسير، أو غير ذلك، فليس مسكا حقيقة. و انما فيه أجزاء مسكية، و لأجلها كانت رائحته رائحة المسك- فليس موضوعا للإجماع على الطهارة، و لا للسيرة، و طهارته غير ظاهرة، لأنه دم فيه أجزاء مسكية، فعموم نجاسة الدم يكون فيه محكما. و استحالته- بنحو تمنع من استصحاب النجاسة- ممنوعة جداً. و هذا هو المشار إليه في مكاتبة الحميري المتقدمة [1].

و المتحصل مما ذكرنا: طهارة الفأرة مطلقاً، و طهارة مسكها كذلك.

كأنه لأجل أن يد المسلم أمارة على الطهارة، للنصوص الآتية في‌

______________________________
[1] و هي مكاتبة عبد اللّٰه بن جعفر الى أبي محمد (ع) المتقدمة في أول المسألة.

319
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): ميتة ما لا نفس له طاهرة ؛ ج‌1، ص : 320

[ (مسألة 3): ميتة ما لا نفس له طاهرة]

(مسألة 3): ميتة ما لا نفس له طاهرة (1)، كالوزغ مسألة الجلود المبيعة في أسواق المسلمين. لكن مورد تلك النصوص ما يعتبر في طهارته التذكية، بحيث لو لا يد المسلم كان المرجع فيه أصالة عدم التذكية المقتضية لنجاسته، و ما نحن فيه ليس من ذلك القبيل، فإن الفأرة المأخوذة من الحي طاهرة مع العلم بعدم التذكية، فلو بني على نجاسة المأخوذة من الميتة، فالمرددة بين المأخوذة من الحي الطاهرة. و بين المأخوذة من الميتة النجسة يكون المرجع فيها أصالة الطهارة، إذ لا أصل موضوعي يمكن إثبات أحد العنوانين فيه. و أصالة عدم الأخذ إلى حين الموت معارض بأصالة عدم الموت إلى حين الأخذ. مع أن الجهل بالتاريخ يستوجب الإشكال في جريان الأصل ذاتا. نعم لو علم تاريخ الأخذ و شك في تاريخ الموت، فأصالة عدم الموت إلى حين الأخذ يثبت موضوع الطهارة. و من هذه الجهة لا فرق بين المأخوذة من يد المسلم و الكافر، لعدم الفرق في جريان الأصول المذكورة و عدمه. كما لا فرق بين الأمرين في جريان أصالة الطهارة.

نعم لو بني على نجاسة الفأرة المأخوذة من غير المذكى- كما تقدم عن كشف اللثام- كان البناء على طهارة ما تؤخذ من المسلم دون الكافر في محله لأن يد المسلم أمارة على التذكية دون يد الكافر، بل يرجع فيما في يده إلى أصالة عدم التذكية.

إجماعا، كما عن جماعة، و في الذخيرة: «قد تكرر في كلام الأصحاب نقل الإجماع على طهارته». و يشهد له‌

موثق حفص عن جعفر ابن محمد عن أبيه عليهما السلام: «قال (ع): لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة» «1».

و‌

موثق عمار عنه (ع): «قال: سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك يموت في البئر، و الزيت

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الأسئار حديث: 2.

320
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): ميتة ما لا نفس له طاهرة ؛ ج‌1، ص : 320

.....

و السمن، و شبهه. قال (ع): كل ما ليس له دم فلا بأس به» «1».

(و الاشكال) في دلالة الأول بعدم التصريح فيه بالميتة و اختصاصه بالماء (يندفع) بانصرافه إلى الميتة، و بعدم القول بالفصل بين الماء و غيره.

كالإشكال على الثاني باختصاصه بما له ليس له دم. و بمعارضة مفهومه بمنطوق الأول بالعموم من وجه، الموجب للرجوع في مورد المعارضة- و هو ميتة ما له دم غير سائل- إلى عموم نجاسة الميتة. فإنه أيضاً يندفع بعدم الفصل بين ما لا دم له و ما له دم غير سائل. و المعارضة بالعموم من وجه إنما توجب الرجوع إلى دليل آخر، حيث لا يكون أحد الدليلين أقوى، و المنطوق في المقام أقوى، لأن تخصيصه بما لا دم له أصلا بعيد جداً. مضافا إلى ما عرفت سابقا من أن (الفاء) ظاهرة في مجرد ترتب الخبر على المبتدأ ترتب العلية و لا تدل على الانحصار فلا مفهوم للقضية الحملية المذكورة كي يكون معارضاً لغيره من الأدلة.

كما أن ما‌

في موثق سماعة «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن جرة وجد فيها خنفساء قد ماتت. قال (ع): القه و توضأ منه، و ان كان عقربا فارق الماء و توضأ من ماء غيره» «2».

محمول على التنزه من السم أو نحوه بشهادة‌

خبر ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن العقرب و الخنفساء و أشباههن تموت في الجرة أو الدن يتوضأ منه للصلاة. قال (ع): لا بأس به» «3».

و منه يظهر ضعف ما عن المهذب من استثنائه العقرب من الحكم المذكور كالوزغ أيضاً. لكن عن بعض عباراته نجاسة الثاني حياً، كما عن القواعد و النهاية ذلك فيه و في العقرب. و كأنه لظاهره- كما ذكر في العقرب-

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الأسئار حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب الأسئار حديث: 5.

321
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا شك في شي‌ء أنه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 322

و العقرب و الخنفساء، و السمك، و كذا الحية، و التمساح، و ان قيل بكونهما ذا نفس (1)، لعدم معلومية ذلك. مع أنه إذا كان بعض الحيات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك (2).

[ (مسألة 4): إذا شك في شي‌ء أنه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة]

(مسألة 4): إذا شك في شي‌ء أنه من أجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة (3). و كذا إذا علم أنه من الحيوان لكن شك في أنه مما له دم سائل أم لا.

[ (مسألة 5): المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي]

(مسألة 5): المراد من الميتة أعم مما مات حتف أنفه أو قتل أو ذبح على غير الوجه الشرعي (4).

و لرواية الغنوي في الوزغ «1»، فلا يكون مما نحن فيه من نجاسة الميتة.

تقدمت حكايته عن المعتبر و غيره في الحية، و عن الشهيد في التمساح في المسألة الرابعة.

لكون الشبهة موضوعية» و الأصل فيها الطهارة. بل لا يبعد جريان الأصل الموضوعي، و هو أصالة عدم كونها ذات نفس سائلة، و يثبت به موضوع الطهارة.

لأصالة الطهارة، و لا أصل موضوعي على خلافها، و لا حكمي و كذا الحال في الفرض الآتي. و الشبهة موضوعية في الفرضين.

الميتة (تارة): تستعمل صفة من الموت المقابل للحياة (و أخرى):

بمعنى ما مات حتف أنفه في مقابل المقتول بالأسباب الموجبة للتذكية و غيرها كما في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ ..) «2». و قوله‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 4.

(2) المائدة: 3.

322
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

[ (مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة]

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة و ان لم يعلم تذكيته (1).

تعالى: (أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ..) «1» (و ثالثة): بمعنى ما لم يذك ذكاة شرعية، كما ذكر شيخنا الأعظم (ره) و غيره مستشهداً عليه بجملة من النصوص،

كموثق سماعة: «إذا رميت و سميت فانتفع بجلده.

و أما الميتة فلا» «2».

و ما‌

في رواية علي بن أبي حمزة «قال (ع): و ما الكيمخت؟ قال: جلود دواب منه ما يكون ذكياً و منه ما يكون ميتة، فقال (ع): ما علمت أنه ميتة فلا تصل فيه» «3».

و ما‌

في رواية الصيقل: «إني أعمل أغماد السيوف من جلود الحمر الميتة

.. (إلى أن قال):

فصرت أعملها من جلود الحمر الوحشية الذكية» «4» ..

إلى غير ذلك. و بهذا المعنى صارت موضوعا للنجاسة و الحرمة و سائر الاحكام و لا يهم تحقيق ذلك، فان ما ليس بمذكى بحكم الميتة شرعا، إجماعا و نصوصاً سواء أ كان من معاني الميتة أم لا.

النصوص الواردة في هذا الباب طوائف.

منها: ما يدل على جواز ترتيب آثار التذكية مطلقاً ما لم يعلم بعدمها‌

كموثق سماعة: «سأل أبا عبد اللّٰه (ع): عن تقليد السيف في الصلاة و فيه الغراء [1] و الكيمخت، فقال (ع): لا بأس ما لم تعلم أنه ميتة» «5».

______________________________
[1] الغراء- بكسر الغين المعجمة- الذي يلصق به الشي‌ء. نهاية ابن الأثير.

______________________________
(1) آل عمران: 144.

(2) الوسائل باب: 49 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 49 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 12.

323
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

.....

و رواية علي بن أبي حمزة المتقدمة في المسألة السابقة، و نحوهما غيرهما.

و منها: ما يدل على المنع من ترتيب الأثر مطلقاً حتى يعلم أنه مذكى‌

كموثق ابن بكير الوارد في المنع عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، قال (ع) فيه: «فان كان مما يؤكل لحمه. فالصلاة في وبره، و بوله و شعره، و روثه و ألبانه و كل شي‌ء منه جائز إذا علمت أنه ذكي قد ذكاه الذبح» «1».

و منها: ما يدل على جواز ترتيب الأثر في موارد خاصة، مثل أن يباع في السوق،

كصحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع): عن الخفاف التي تباع في السوق، فقال (ع): اشتر و صل فيها حتى تعلم أنه ميتة بعينه» «2»

، و‌

صحيح البزنطي: «سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري أ ذكية هي أم غير ذكية، أ يصلي فيها؟ قال (ع): نعم ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر (ع) كان يقول: إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك» «3»

، و نحوه صحيحه الآخر «4»، و صحيح سليمان بن جعفر الجعفري «5»، و خبر الحسن بن الجهم «6». أو يكون مما صنعه المسلمون،

كمصحح إسحاق بن عمار عن العبد الصالح (ع): «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني و فيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فان كان فيها غير أهل الإسلام قال (ع): إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «7».

أو يبيعه المسلمون، أو يصلون‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي حديث: 1، و باب: 9 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(5) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات ملحق حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 9.

(7) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 5.

324
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

فيه،

كخبر إسماعيل بن عيسى: «سألت أبا الحسن (ع) عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل، أ يسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال (ع): عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك، و إذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه» «1».

أو ما كان مضمونا،

كخبر محمد بن الحسين الأشعري: «كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (ع): ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال (ع):

إذا كان مضموناً فلا بأس» «2».

و الجمع العرفي يقتضي حمل الطائفة الأولى على موارد الأخيرة، و حمل الثانية على غيرها. و المتحصل من ذلك: الحكم بعدم التذكية مع الشك فيها إلا مع قيام أمارة عليها، كبيع المسلم، أو صنعه، أو صلاته فيه، و نحوها من التصرفات الدالة على كونه مذكى، أو إخباره بالتذكية، كما هو الظاهر من الضمان في مكاتبة الأشعري. و الظاهر ان هذا هو المشهور.

نعم في التذكرة و عن المنتهى: المنع فيما يكون في يد المستحل للميتة بل نسب إليهما ذلك حتى لو أخبر ذو اليد بالتذكية، و عن الشيخ في النهاية.

«و لا يجوز شراؤها ممن يستحل ذلك أو كان متهما». علله في التذكرة بعدم حصول الظن بالتذكية، بخلاف من لا يستبيح الميتة، فإن إسلامه مانع عن الاقدام على الحرام غالبا. و استدل لهم أيضاً‌

بخبر أبي بصير: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الصلاة في الفراء. فقال (ع): كان علي بن الحسين (ع) رجلا صردا لا يدفؤه فراء الحجاز، لأن دباغها بالقرظ، فكان يبعث الى العراق فيؤتى مما قبلكم بالفرو فيلبسه، فاذا حضرت الصلاة ألقاه و القى القميص الذي يليه. فكان يسأل عن ذلك، فقال: إن أهل العراق يستحلون لباس

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 10.

325
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

.....

الجلود الميتة، و يزعمون أن دباغه ذكاته» «1».

و‌

خبر عبد الرحمن بن الحجاج: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): إني أدخل سوق المسلمين- أعني: هذا الخلق الذي يدعون الإسلام- فاشتري منهم الفراء للتجارة فأقول لصاحبها: أ ليس هي ذكية؟ فيقول: بلى. فهل يصلح لي أن أبيعها على أنها ذكية؟

فقال (ع): لا، و لكن لا بأس أن تبيعها و تقول: قد شرط لي الذي اشتريتها منه أنها ذكية. قلت: و ما أفسد ذلك؟ قال (ع): استحلال أهل العراق للميتة و زعموا أن دباغ جلد الميتة ذكاته ..» «2».

و يشكل الأول: بأنه إن بني على ملاحظة نصوص الباب المتقدمة فإطلاقها يقتضي الجواز مطلقاً، و ان بني على غض النظر عنها فالظن المستند إلى الغلبة لا دليل على حجيته. و أما الروايتان فمع ضعف سندهما قاصرا الدلالة. إذ الأولى واردة في مقام بيان جواز الصلاة في الفراء من حيث الشبهة الحكمية- كما يقتضيه ظاهر السؤال- و عليه فحكاية إلقاء الإمام (ع) الفرو حال الصلاة لا يدل على المنع، لجواز أن يكون للاحتياط الاستحبابي أو للكراهة، كما يشير اليه‌

مصحح الحلبي: «تكره الصلاة في الفراء إلا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاة» «3».

نعم لو كان السؤال من حيث الشبهة الموضوعية فحكاية الإلقاء عن الامام (ع) تدل على المنع.

لكنه خلاف الظاهر. و أما الثانية فلس فيها تعرض لما نحن فيه و إنما هي في مقام بيان عدم جواز الاخبار بالتذكية اعتماداً على اخبار البائع بها و ذلك أجنبي عما نحن فيه. مضافا إلى أن تضمنهما للبيع و الشراء دليل على الجواز لما يأتي من عدم جواز بيع الميتة إجماعا و نصوصا، و ان من البعيد جدا ان‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 61 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 61 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 61 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

326
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

.....

الامام (ع) كان يلبس الفراء و هو متحرز عن مساورته فلاحظ.

هذا و عن الذكرى و البيان: الجواز فيما في يد المستحل إذا أخبر بالتذكية، و يظهر من الدروس الميل اليه. و كأنه لرواية محمد بن الحسين الأشعري المتقدمة. لكن- مع عدم اختصاصها بالمستحل- ينافيها صحيحا البزنطي المتقدمان و غيرهما لقوله (ع) فيهما:

«ليس عليكم المسألة»

. فيتعين حمل الرواية على الاستحباب أو على ما إذا لم يكن البائع مسلما، كما يشهد للأخير رواية إسماعيل بن عيسى المتقدمة، لكن سندها لا يخلو من ضعف.

و يحتمل أن يكون وجه القول المذكور أن الاعتماد على خبر الكافر مقتضى قاعدة حجية خبر ذي اليد من دون معارض لها في خصوص الباب إذ لا تعرض فيها لنفي حجية أخبار الكافر بالتذكية. نعم‌

في رواية عيسى ابن عبد اللّٰه: «سألت أبا عبد اللّٰه عن صيد المجوس. فقال (ع): لا بأس إذا أعطوكه حيا و السمك أيضا، و الا فلا تجوز شهادتهم إلا أن تشهده» «1».

لكن سندها لا يخلو من اشكال، لاشتراك عيسى. و لأجل ذلك يشكل الخروج عن قاعدة حجية اخبار ذي اليد. لكن لو تمَّ ذلك فليس هو عملا برواية الأشعري، بل هو عمل بالقاعدة، و الرواية في موردها محمولة على الاستحباب.

هذا و مقتضى الجمود على لفظ السوق المذكور في النصوص البناء على تذكية ما يباع في السوق مطلقا و لو كان سوقا للكافرين. لكن المنصرف منه من فيه من المسلمين. و أوضح منه ما‌

في صحيح الفضيل و زرارة و محمد ابن مسلم: «أنهم سألوا أبا جعفر (ع): عن شراء اللحوم من الأسواق و لا يدرى ما صنع القصابون. فقال (ع): كل إذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه» «2»

، فقد قيد فيه السوق بسوق المسلمين‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 34 من أبواب الصيد حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 29 من أبواب الذبائح حديث: 1.

327
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

.....

بعناية كون البيع تصرفا من المسلم. و يشهد به ما تقدم من مصحح إسحاق المتضمن للحكم بتذكية ما صنعه المسلمون أو صنع في بلاد الإسلام، و أنه مع وجود غير المسلم يبنى على ذلك إذا كان الغالب المسلمين، فالمراد من السوق في هذه النصوص الإشارة إلى تصرف المسلم، و لو لم يكن في السوق.

و من ذلك يشكل القول بجواز البناء على تذكية ما في سوق المسلمين و لو كان مأخوذا من يد الكافر، كما يظهر من الجواهر وجود القائل به، و ان كان ظاهر المستند عدمه كما يأتي. و على ما ذكرنا يترتب أنه إذا كان البائع في السوق كافرا فالنصوص المذكورة قاصرة عن شموله، و المرجع فيه أصالة عدم التذكية. و كذا الحال في مجهول الحال إذا لم تقم أمارة على إسلامه.

و من ذلك تعرف ضعف ما في المستند من الحكم بتذكية ما أخذ من مجهول الحال إذا كان في سوق المسلمين، عملا منه بإطلاق نصوص السوق المقتصر في الخروج عنه بالإجماع. على ما أخذ من يد الكافر في سوق المسلمين، فيبقى المجهول داخلا في الإطلاق.

و أشكل من ذلك ما في الحدائق حيث حكى عن المشهور نجاسة الجلد المطروح، لأصالة عدم التذكية. و رده: بأنه خلاف القاعدة المتفق عليها نصا و فتوى، من أن كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال، و كل شي‌ء طاهر حتى تعلم أنه قذر. و قد ذكروا أنه يجب رفع اليد عن الأصل بالدليل، فترجيحهم العمل بالأصل المذكور على هذه القاعدة المنصوصة خروج عن القواعد. و يعضد هذه القاعدة جملة من النصوص، ثمَّ ذكر النصوص الواردة في الجلد المشترى من السوق. ثمَّ ذكر وجوها أخرى من الاشكال فيما حكاه، عن المشهور.

إذ فيه: أن قاعدتي الحل و الطهارة محكومتان لأصالة عدم التذكية.

328
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

.....

و الدليل الذي يجب الخروج عن الأصل لأجله لا يراد به مثل القاعدتين المذكورتين. و النصوص التي ذكرها ليس موردها الجلد المطروح. و كان الأولى له أن يذكر مثل موثق سماعة و خبر علي بن أبي حمزة الدالين على إلغاء أصالة عدم التذكية. لكن عرفت أنهما معارضتان أيضا بغيرهما، و أن الجمع العرفي يقتضي حملهما على خصوص ما كان فيه أمارة التذكية، و هو غير الجلد المطروح. و أما وجوه الإشكال الباقية في كلامه فيعلم حالها بمراجعة الحدائق و التأمل فيها فراجع.

و منه يظهر ما فيما في المدارك حيث بنى على طهارة الجلد المطروح و استشكل في أصالة عدم التذكية بعدم حجية الاستصحاب، و أنه يتعين الرجوع الى أصالة الطهارة. و استشهد له بصحيح الحلبي، و خبر علي بن أبي حمزة المتقدمين. إذ فيه- مع أن المحقق في محله حجية الاستصحاب-:

أن صحيح الحلبي مختص بالسوق، و رواية ابن أبي حمزة معارضة بغيرها، كموثق ابن بكير المتقدم، و الجمع العرفي يقتضي البناء على نجاسة الجلد المطروح، كما عرفت.

هذا و في الجواهر مال إلى كون يد الكافر أمارة على عدم التذكية مستظهرا له من روايتي إسحاق و إسماعيل بن عيسى. لكن دلالتهما لا تخلو من خفاء. لأن مجرد الحكم بكون ما في يد الكافر، أو المصنوع في أرض لا يكون الغالب عليها المسلمين، ميتة، أعم من ذلك و من كونه لأجل أصالة عدم التذكية.

و دعوى: أن أصالة عدم التذكية غير جارية في مورد الروايتين، لأن كون الجلد في أرض المسلمين أمارة على التذكية، فالحكم بعدم كون الجلد مذكى لا بد أن يكون من جهة يد الكافر لا غير. مندفعة: بأن مجرد كون الجلد في أرض المسلمين لم يثبت كونه أمارة على التذكية و لا دليل عليه، بل لعل الأمر بالسؤال في رواية ابن عيسى‌

329
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم أو الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 323

.....

ظاهر في خلاف ذلك، لأن السؤال إنما يناسب الجهل، لا العلم و لو تنزيلا.

و أما رواية السكوني الواردة في السفرة المطروحة في الطريق كثير لحمها و خبزها، و جبنها و بيضها» و فيها سكين، حيث‌

قيل له: يا أمير المؤمنين لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسي. فقال (ع): «هم في سعة حتى يعلموا» «1».

فالمحتمل- لو لم يكن ظاهراً- أن السؤال فيها من جهة النجاسة العرضية للأمور المذكورة من جهة مساورة المجوسي، لا من جهة الشك في التذكية، فلا تكون مما نحن فيه.

و المتحصل مما ذكرنا: لزوم الحكم بعدم التذكية، إلا في الموارد الخاصة، كبيع المسلم، و صنعه، و صلاته فيه، و نحو ذلك من التصرفات التي كان بناء المسلمين على عدم إيقاعها في الميتة. و عليه يلزم تقييد عبارة المتن بما إذا كانت يد المسلم عليه بما أنه معد لتصرفه الذي يكون أمارة- نوعا- على التذكية لا مجرد كونه تحت يده و لو بقصد الإلقاء في المزبلة، أو التصرف الذي لا يرتبط- بوجه- بالتذكية، كالقرب المعدة لنقل القذارات، فان ذلك لا يكون أمارة على التذكية شرعا.

هذا و لو كانت يد المسلم مسبوقة بيد الكافر- كما في الجلود المجلوبة في هذه الأزمنة من بلاد الكفار- فالظاهر كونها أمارة أيضاً، كما يقتضيه إطلاق كلماتهم، و صرح به غير واحد. قال في كشف الغطاء: «و ما يؤتى به من بلاد الكفار كالبرغال و القضاعي و نحوه لا بأس به إذا أخذ من أيدي المسلمين». و قال قبل ذلك: «و كل ما يوجد في أيدي المسلمين من الجلود مما لم يعلم حاله يبنى على تذكيته، علم بسبق يد الكفار عليه أو لا» و في الجواهر بعد أن ذكر النصوص المتقدمة: «يستفاد منها طهارة ما يؤخذ من يد المسلم و ان علم سبقها بيد كافر». و ما ذكره- قدس سره-

______________________________
(1) الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات حديث: 11.

330
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 331

و كذا ما يوجد في أرض المسلمين مطروحا إذا كان عليه أثر الاستعمال (1). لكن الأحوط الاجتناب.

[ (مسألة 7): ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في أرضهم محكوم بالنجاسة]

(مسألة 7): ما يؤخذ من يد الكافر أو يوجد في من الاستفادة في محله.

و دعوى: احتمال كون أيدي المسلمين في عصر صدور النصوص الشريفة مما لا يعلم بكونها مسبوقة بيد الكافر، و ترك الاستفصال إنما يفيد العموم حيث يمكن وقوع الواقعة المسؤول عنها على نحوين، أما إذا قامت القرينة على وقوعها على حال واحدة معينة فلا يكون ترك الاستفصال دليلا على العموم، لاحتمال كونه لوضوح الحال و عدم الحاجة إلى الاستفصال.

مندفعة: أولا: بأن ما ذكر لا يجري في النصوص الدالة على العموم بالإطلاق لا بترك الاستفصال، مثل موثق إسحاق، فإن ما صنع في أرض الإسلام أعم مما كان مجلوبا من بلاد الكفر أو مأخوذاً من الكافر. و ثانيا:

بأنه لا مجال للاحتمال المذكور، للعلم بوجود الكفار في بلاد المسلمين، و تداول ذبحهم للحيوانات، و أكلهم لها، و بيع جلودها، و لا سيما مع البناء على كفر الخوارج و النواصب و الغلاة، مع بناء المخالفين على استحلال ذبائح الكافرين و بنائهم على طهارة الميتة بالدبغ، فضلا عن استحلالهم شراء الجلود منهم مع احتمال كونها مذكاة، إذ بعد ذلك لا مجال لاحتمال عدم وجود صورة يعلم فيها بسبق يد الكافر على يد المسلم، بحيث لا يحسن التقييد بغير تلك الصورة، كما لعله ظاهر.

يعني: الأثر الظاهر في تحقق التذكية، كما عرفت آنفا. و يشهد له مصحح إسحاق المتقدم. و أما رواية السكوني الواردة في السفرة المطروحة فقد عرفت قصور دلالتها على ذلك، لعدم مناسبة السؤال و الجواب له، كما يظهر بالتأمل.

331
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): جلد الميتة لا يطهر بالدبغ ؛ ج‌1، ص : 332

أرضهم محكوم بالنجاسة (1) إلا إذا علم سبق يد المسلم عليه (3).

[ (مسألة 8): جلد الميتة لا يطهر بالدبغ]

(مسألة 8): جلد الميتة لا يطهر بالدبغ (3)، و لا يقبل الطهارة شي‌ء من الميتات (4) سوى ميت المسلم، فإنه يطهر بالغسل (5).

لأصالة عدم التذكية، لا لأن يد الكافر أمارة على عدمها.

فتكون يد المسلم أمارة على التذكية من دون معارض.

على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل قيل: تواتر نقل الإجماع عليه. بل عد من ضروريات المذهب، كما عن شرح المفاتيح نعم حكي القول بالطهارة عن ابن الجنيد، و عن المحدث الكاشاني الميل اليه. و يشهد للأول روايتا أبي بصير و ابن الحجاج المتقدمتان في المسألة السادسة، و لا دليل بالخصوص على النجاسة غيرهما. مع ما هما عليه من ضعف السند. و لكن حكي عن التذكرة دعوى تواتر الاخبار بذلك.

و كأنه أراد النصوص المتضمنة عدم الانتفاع بالميتة، فإن إطلاقها شامل لما بعد الدبغ. و يشهد لابن الجنيد‌

رواية الحسين بن زرارة: «جلد شاة ميتة يدبغ فيصب فيه اللبن و الماء أ فأشرب منه و أتوضأ؟ قال (ع): نعم و قال: يدبغ فينتفع به، و لا يصلى فيه» «1».

و مرسلة الصدوق «2» المتقدمة في طهارة الميتة، بناء على حملها على ما بعد الدبغ. لكن لا ينبغي التأمل في طرحهما بعد حكاية الإجماع على خلافهما. و كفى بالأصل دليلا على المشهور.

للإطلاق أو الأصل بعد عدم الدليل على الطهارة.

للروايات المتقدمة المفصلة في لزوم غسل الثوب الذي يلاقي جسد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 34 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 5.

332
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): السقط قبل ولوج الروح نجس، و كذا الفرخ في البيض ؛ ج‌1، ص : 333

[ (مسألة 9): السقط قبل ولوج الروح نجس، و كذا الفرخ في البيض]

(مسألة 9): السقط قبل ولوج الروح نجس، و كذا الفرخ في البيض (1).

الميت بين ما قبل الغسل و بعده.

اتفاقا، كما عن شرح المفاتيح، و بلا خلاف، كما عن لوامع النراقي. لكن الدليل عليه غير ظاهر، إذ هو إما لأنه ميتة، لأن الموت يقابل الحياة تقابل العدم و الملكة، و لا يعتبر في صدقه سبق الحياة. أو لأنه من قبيل القطعة المبانة من الحي، فيشمله دليل نجاستها. أو لأن‌

قوله (ع): «ذكاة الجنين ذكاة أمه» «1»

يقتضي كونه ميتة بموت أمه، فاذا ثبت نجاسته من الميتة ثبت نجاسته من الحية، لعدم القول بالفصل. أو لأنه قبل ولوج الروح فيه حي بحياة أمة لا بحياة مستقلة. فإذا انفصل عنها صار ميتة، فيلحقه حكمها.

و الجميع لا يخلو من نظر. إذ لو سلم كونه ميتة فلا إطلاق لأدلة نجاستها يشمله. و القطعة المبانة مختصة بالجزء، و ليس هو منه. و قوله (ع)

«ذكاة الجنين ..»

لا إطلاق له في موضوع الذكاة، لوروده في مقام بيان الاكتفاء بذكاة الأم في تحقق ذكاة الجنين، فيمكن اختصاصه بما ولجته الروح. و لأنه لا يصح تطبيق الحي و الميت على كل جزء من أجزاء البدن و لا على مثل الحمل، و لذا لا نقول بنجاسة العضو الميت في حال اتصاله بالبدن، و الحكم بنجاسته بعد الانفصال إنما كان للأخبار الخاصة المتضمنة أنه ميتة. و دعوى: الاتفاق و عدم الخلاف المتقدمة من شرح المفاتيح و اللوامع.

غير ظاهرة، لعدم تعرض الأكثر للحكم المذكور. اللهم إلا أن يستفاد من مذاق الأصحاب. و هو غير بعيد، و يساعده ارتكاز المتشرعة. و بذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب الذبائح حديث: 12.

333
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة ؛ ج‌1، ص : 334

[ (مسألة 10): ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة]

(مسألة 10): ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النجاسة، على الأقوى (1)، و ان كان الأحوط غسل الملاقي، يكون الخروج عن مقتضى قاعدة الطهارة.

كما هو المشهور. و عن العلامة و الشهيدين و غيرهما (رض) سراية نجاستها إلى الملاقي و لو مع اليبوسة. لإطلاق ما دل على نجاسة ملاقيها، الوارد بعضه في ميتة الإنسان، و بعضه في ميتة غيره. مثل التوقيع الوارد في إمام حدثت عليه حادثة، قال (ع): «ليس على من مسه إلا غسل اليد» «1». و‌

موثق عمار: «اغسل الإناء الذي تصيب فيه الجرذ ميتا سبع مرات» «2».

لكنه يشكل ذلك: بأن اعتبار الرطوبة في سراية النجاسة عند العرف مما يصلح أن يكون قرينة على صرف الإطلاق، فلا مجال للاعتماد عليه. مضافا إلى‌

موثق ابن بكير «كل شي‌ء يابس ذكي» «3»

الظاهر في الحكومة على إطلاق ما دل على سراية النجاسة مع الجفاف.

و لو بني على عدم ظهوره في الحكومة فبينه و بين إطلاقات المقام عموم من وجه، و المرجع في مورد المعارضة- و هو صورة الجفاف- إلى أصالة الطهارة.

و يشير الى ذلك ما‌

في الصحيح الوارد في الثوب الذي يقع على جسد الميت: «فاغسل ما أصاب ثوبك منه» «4»

، و‌

في الآخر: «يغسل ما أصاب الثوب» «5».

فان الظاهر من التعبير المذكور لزوم غسل الأثر الحاصل من ملاقاة الثوب للميت، الذي لا يكون إلا مع الرطوبة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 53 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 2.

334
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده ؛ ج‌1، ص : 335

خصوصا في ميتة الإنسان قبل الغسل (1).

[ (مسألة 11): يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده]

(مسألة 11): يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده، فلو مات بعض الجسد و لم تخرج الروح من تمامه لم ينجس (2).

هذا و‌

في صحيح علي بن جعفر (ع): عن أخيه موسى (ع): «سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت هل تصلح الصلاة فيه قبل أن يغسله؟ قال (ع): ليس عليه غسله و يصلي فيه و لا بأس» «1».

و لأجله قيل بتعين حمل الإطلاقات في ميت غير الإنسان على صورة الرطوبة، و حمله على صورة اليبوسة لكن الجمع بذلك ليس عرفيا، و لا شاهد له، فلو بني على العمل بالصحيح يتعين حمل أدلة لزوم الغسل على الاستحباب مطلقاً.

و ما أبعد ما بين هذا القول و بين القول المحكي عن الحلي (ره) من عدم نجاسة ملاقي الميت مطلقاً. و ضعفه ظاهر، لما عرفت من النصوص الآمرة بغسل الملاقي له. و لو بني على غض النظر عنها أو عن ظاهرها لم يبق دليل على نجاسة الميت، كما لا يخفى.

لأن الخلاف فيها أظهر.

كما هو المعروف. و عن شرح الدروس: التردد فيه، لاحتمال صدق الميتة عليه. لكنه ضعيف، لأن موضوع الموت و الحياة المأخوذ موضوعا للطهارة و النجاسة هو البدن بلحاظ اتصاله بالروح على نحو خاص و انفصاله عنها، فاتصاف الاجزاء بها بعين اتصاف البدن، لأنها عينه، و لا تتصف الاجزاء بهما مستقلا فلا يمكن تطبيق الميتة على الجزء مستقلا، و تطبيقها على الجزء المبان في النصوص مجاز بلحاظ الاحكام.

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 5.

335
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): مجرد خروج الروح يوجب النجاسة ؛ ج‌1، ص : 336

[ (مسألة 12): مجرد خروج الروح يوجب النجاسة]

(مسألة 12): مجرد خروج الروح يوجب النجاسة و إن كان قبل البرد (1)، من غير فرق بين الإنسان و غيره.

نعم وجوب غسل المس للميت الإنساني مخصوص بما بعد برده (2).

كما عن صريح المبسوط، و التذكرة، و الذخيرة، و ظاهر غيرها.

لإطلاق صحيح الحلبي، و خصوص التوقيعين، و قد تقدمت في مبحث نجاسة الميت. و لا معارض لها غير ما‌

في صحيح ابن ميمون من قوله: «يعني:

إذا برد الميت» «1»

، لكنه لم يثبت كونه من المعصوم، فلا يصلح للمعارضة و عن الجامع، و نهاية الاحكام، و الدروس، و الذكرى، و جامع المقاصد، و المدارك، و غيرها: الطهارة حينئذ، بل نسب إلى الأكثر، بل عن الشيخ الإجماع عليه. للاستصحاب. و للمنع من تحقق الموت قبل البرد. و للتلازم بين الغسل- بالضم- و الغسل- بالفتح- و الأول لا يكون قبل البرد فكذا الثاني. و لما دل على أنه لا بأس بالمس مع الحرارة،

كصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر (ع): «مس الميت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس» «2»

، و حمله على بيان الحكم التكليفي خلاف الظاهر.

لكن الاشكال فيما عدا الأخير ظاهر، و الأخير محمول على نفي الغسل- بالضم- جمعاً بينه و بين التوقيعين، حملا للمطلق على المقيد. اللهم إلا أن يشكل الاحتجاج بهما لعدم روايتهما إلا في كتاب الاحتجاج، و لا يخلو سندهما عن إرسال.

كما سيأتي في محله.

______________________________
(1) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 1، و قد تقدم بتمامه في نجاسة ميت الإنسان.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب غسل المس حديث: 1.

336
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 13): المضغة نجسة ؛ ج‌1، ص : 337

[ (مسألة 13): المضغة نجسة]

(مسألة 13): المضغة نجسة (1)، و كذا المشيمة، و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل.

[ (مسألة 14): إذا قطع عضو من الحي و بقي معلقاً متصلا به فهو طاهر ما دام الاتصال]

(مسألة 14): إذا قطع عضو من الحي و بقي معلقاً متصلا به فهو طاهر ما دام الاتصال (2)، و ينجس بعد الانفصال (3). نعم لو قطعت يده- مثلا- و كانت معلقة بجلدة رقيقة فالأحوط الاجتناب (4).

[ (مسألة 15): الجند المعروف كونه خصية كلب الماء]

(مسألة 15): الجند المعروف كونه خصية كلب الماء إن لم يعلم ذلك، و احتمل عدم كونه من أجزاء الحيوان فطاهر و حلال (5)، و ان علم كونه كذلك فلا إشكال في حرمته (6) لكنه محكوم بالطهارة، لعدم العلم بأن ذلك الحيوان مما له نفس.

[ (مسألة 16): إذا قلع سنة أو قص ظفره، فانقطع]

(مسألة 16): إذا قلع سنة أو قص ظفره، فانقطع الوجه في نجاستها، و نجاسة المشيمة، و قطعة اللحم، هو بعض ما أشرنا إليه في نجاسة السقط، و الفرخ، قبل ولوج الروح فيه، بل المضغة داخلة في إطلاق السقط الذي لم تلجه الروح. و في المنتهى: «المشيمة التي فيها الولد نجسة لأنها جزء حيوان أبين منه»، و في كشف الغطاء: «و ما يخرج من بطن المرأة أو الحيوان حين الولادة من لمم و نحوه محكوم بنجاسته».

للأصل. بل لما دل على طهارة الحيوان إذا فرض صدق الجزء عليه.

لما تقدم في القطعة المبانة من الحي.

لاحتمال دخولها في القطعة المبانة من الحي، و ان كان الشك كافياً في الرجوع إلى أصل الطهارة.

لأصالة الطهارة و الحل.

لحرمة حيوانه.

337
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 17): إذا وجد عظما مجردا و شك في أنه من نجس العين أو من غيره يحكم عليه بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 338

معه شي‌ء من اللحم فان كان قليلا جداً فهو طاهر (1)، و إلا فنجس.

[ (مسألة 17): إذا وجد عظما مجرداً و شك في أنه من نجس العين أو من غيره يحكم عليه بالطهارة]

(مسألة 17): إذا وجد عظما مجرداً و شك في أنه من نجس العين أو من غيره يحكم عليه بالطهارة (2) حتى لو علم أنه من الإنسان و لم يعلم أنه من كافر أو مسلم (3).

[ (مسألة 18): الجلد المطروح إن لم يعلم أنه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره- كالسمك مثلا- محكوم بالطهارة]

(مسألة 18): الجلد المطروح إن لم يعلم أنه من الحيوان الذي له نفس أو من غيره- كالسمك مثلا- محكوم بالطهارة (4).

[ (مسألة 19): يحرم بيع الميتة]

(مسألة 19): يحرم بيع الميتة (5).

إما لدعوى انصراف أدلة نجاسة القطعة المبانة من الحي عن الجزء الصغير، أو لدعوى سيرة المتشرعة عليه. و لكن كلتيهما محل إشكال.

لأصالة الطهارة.

إذا كان التقابل بين الكفر و الإسلام تقابل العدم و الملكة، فأصل عدم الإسلام الجاري في الإنسان يثبت الكفر، فيحكم بنجاسة العظم و هو- لكونه أصلا موضوعياً- حاكم على أصل الطهارة الذي هو أصل حكمي.

نعم لو تردد العظم بين كونه لمعلوم الإسلام (كزيد) و كونه لمعلوم الكفر (كعمرو) فأصالة عدم إسلام الإنسان المردد بين معلوم الوجدان و معلوم الفقدان غير جارية، كما عرفت ذلك غير مرة.

إما لأصالة عدم كون حيوانه ذا نفس سائلة، بناء على جريان أصالة العدم الأزلي في مثله مما كان من عوارض الوجود. أو لأصالة الطهارة بناء على عدم جريان أصل العدم الأزلي فيه.

على المعروف من مذهب الأصحاب، بل عن التذكرة و المنتهى‌

338
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 19): يحرم بيع الميتة ؛ ج‌1، ص : 338

.....

و التنقيح نقل الإجماع عليه، و عن الخلاف نقل الإجماع على عدم ملكيتها و‌

في رواية السكوني عن أبي عبد اللّٰه (ع): «السحت ثمن الميتة» «1»

و‌

عن جامع البزنطي عن الرضا (ع): «في الغنم يقطع من ألياتها و هي أحياء أ يصلح له أن ينتفع بما قطع؟ قال (ع): نعم يذيبها و يسرج بها، و لا يأكلها و لا يبيعها» «2»

، و نحوه رواية علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع)، «3» و‌

في روايته الأخرى «عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها، يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها قال (ع): لا، و لو لبسها فلا يصل فيها» «4»

، و في رواية تحف العقول «5»: النهى عن بيع الميتة. مضافا الى ما ذكر في محله من اعتبار المالية في كل من العوضين في البيع، و كون الميتة مالا موقوف على تحقق المنفعة لها المعتد بها، و هو غير حاصل، إما لحرمة الانتفاع بها كلية، أو لأن جواز الانتفاع بها في بعض الموارد ليس بنحو يعتد به في صدق المال لندرته.

نعم‌

في رواية أبي القاسم الصيقل و ولده: «كتبوا إلى الرجل: جعلنا اللّٰه تعالى فداك إنا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها، و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا (غلافها. ظ) جلود الميتة و البغال و الحمير الأهلية لا يجوز في أعمالنا غيرها، فيحل لنا عملها و شراؤها و بيعها و مسها بأيدينا و ثيابنا و نحن نصلي في ثيابنا؟ و نحن محتاجون إلى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا. فكتب (ع): اجعل ثوبا للصلاة ..» «6»

______________________________
(1) الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 6 من أبواب ما يكتسب به ملحق حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب ما يكتسب به حديث: 16.

(5) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 38 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

339
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 19): يحرم بيع الميتة ؛ ج‌1، ص : 338

لكن الأقوى جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة (1).

لكن- مع احتمال كون المبيع هو السيف و الغلاف تابع له بنحو الشرط- لا تصلح للخروج بها عن تلك النصوص، التي لا يبعد تواترها معنى، و مجمع على العمل بها، المعتضدة بقاعدة لزوم كون العوضين مالا في البيع فلاحظ.

فما عن المجلسي من الجواز ضعيف، بل في الجواهر: انه غريب.

كما يظهر من محكي عبارات جماعة منهم العلامة و الشهيدان. لعموم الحل الموافق لأصالة الحل. و لخبري البزنطي و علي بن جعفر (ع) المتقدمين و رواية زرارة في جلد الخنزير يجعل دلواً يستقى به «1»، و روايته الأخرى في شعر الخنزير يجعل حبلا يستقى به من البئر «2»- بناء على عدم الفرق بين أنواع نجس العين في الحكم- و رواية الصيقل المتقدمة، و‌

رواية الوشاء المتقدم إليها الإشارة في نجاسة الميتة عن أبي الحسن (ع) في أليات الغنم المقطوعة: «فقلت: جعلت فداك فيستصبح به؟ فقال (ع): أما علمت أنه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «3»

لظهورها في جواز الانتفاع بالميتة من حيث هو، و انما يمنع عنه إصابة الثوب و اليد، و قوله (ع):

«و هو حرام»

إما أن يراد به أنه نجس، فيكون المقصود الإرشاد الى ما يترتب على الاستصباح من نجاسة اليد و الثوب المؤدي إلى لزوم التطهير، أو بطلان الصلاة، أو أنه حرام تكليفاً مع تعاطيه تعاطي الطاهر، و على كل حال فالرواية دالة على جواز الانتفاع من حيث هو، و إلا فمن الضروري جواز مماسة النجس بنحو يؤدي إلى نجاسة الجسم المماس له.

و أما رواية ابن جعفر (ع) الثانية المتقدمة فالظاهر من قول السائل:

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 16.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب الذبائح حديث: 2.

340
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 19): يحرم بيع الميتة ؛ ج‌1، ص : 338

.....

«و دباغها و لبسها»

السؤال عن مطهرية الدبغ، فالمراد من لبسها اللبس على أنها طاهرة، فقول الامام (ع):

«لا»

ظاهر في عدم مطهرية الدبغ، لا النهي عن اللبس.

و أما ما‌

في صحيح الكاهلي في قطع أليات الغنم: «قال أبو عبد اللّٰه (ع)، إن في كتاب علي (ع): أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به» «1»

، و ما‌

في رواية علي بن المغيرة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع) الميتة ينتفع منها بشي‌ء فقال: لا» «2»

، و نحوهما ما في غيرهما. فالظاهر أن المقصود منها الإرشاد إلى النجاسة، كالأمر بإراقة الماء، أو المرق، عند ملاقاة النجاسة، و ليس المقصود منه بيان حكمه من عدم الانتفاع مطلقاً، و المصحح للكناية بمثل هذا التعبير عنها- و لو مع جواز الانتفاع بالنجس في الجملة- أن النجس مما يرغب عن الانتفاع به حتى الانتفاع الجائز، لما يترتب على الانتفاع به من الابتلاء بالنجاسة. و ليراجع الإنسان نفسه إذا أهدي إليه لباس نجس أو فراش، أو غطاء، أو سرج دابة، أو نحو ذلك، فإنه لا يرى من نفسه الاقدام على اللبس أو الافتراش أو التغطي أو الركوب، كما تقدم في رواية الوشاء. و لو سلم ثبوت عمومه لمطلق الانتفاع تعين حمله على نوع خاص جمعا بين النصوص. و رواية تحف العقول قد تقدم في مبحث الانتفاع بالعذرة محملها فراجع.

نعم قد يشكل ما ذكر: بأن النصوص المتقدمة الدالة على جواز الانتفاع بالميتة- مع عدم صحة أسانيدها- مهجورة عند قدماء الأصحاب. بل قد حكى الإجماع على عدم جواز الانتفاع بالميتة جماعة، حتى أن الحلي- بعد ما روى في مستطرفات السرائر رواية البزنطي المتقدمة- ذكر: «أنها من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 30 من أبواب الذبائح حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 61 من أبواب النجاسات حديث: 2.

341
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 19): يحرم بيع الميتة ؛ ج‌1، ص : 338

.....

نوادر الاخبار و الإجماع منعقد على تحريم الميتة و التصرف فيها على كل حال إلا أكلها للمضطر، مضافا إلى مخالفتها لقاعدة عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة المستدل عليها بالآيات و الروايات و الإجماع، فكيف يصح لأجلها التصرف في غيرها؟! بناء على ظهوره في المنع عن مطلق الانتفاع.

و يمكن أن يدفع: بأن النصوص المذكورة لا يخلو بعضها من الاعتبار و ان لم تكن صحيحة. و أما الهجر فلم يثبت على نحو يقدح في جواز العمل بها، لجواز أن يكون لبنائهم على قاعدة عدم جواز الانتفاع بالأعيان النجسة التي استفادوها من ظاهر بعض الآيات مثل قوله تعالى (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ) «1» و قوله تعالى (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ) «2» و قوله تعالى:

(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ) «3» و بعض الروايات مثل ما في رواية تحف العقول، من تعليل حرمة بيع وجوه النجس، بحرمة الأكل و الشرب و الإمساك و جميع التقلبات «4». لكن دلالتها على ذلك لا تخلو من إشكال- كما أوضح ذلك شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه- فلم يثبت الهجر الموجب للخروج عن الحجية. و عليه لو سلمت الدلالة لأمكن الخروج عنها بالنصوص المذكورة، إذ يجوز تخصيص العام و لو كان من الكتاب بالخاص و لو كان من السنة. و أما الإجماع المدعى على القاعدة فهو- و ان حكي عن جماعة من الأكابر- لا مجال للاعتماد عليه، بعد مخالفة جملة من أعيان المتأخرين فيها. مع تأتي المناقشة في كون مراد بعض الحاكين له ذلك. فراجع كلمات شيخنا الأعظم (قده).

______________________________
(1) المدثر: 5.

(2) المائدة: 90.

(3) المائدة: 3.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

342
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: الدم ؛ ج‌1، ص : 343

[الخامس: الدم]

الخامس: الدم من كل ما له نفس سائلة (1)، إنساناً و بالجملة: بعد عدم ثبوت قاعدة عدم جواز الانتفاع بالنجاسات- لقصور الأدلة المستدل بها عليها- ينحصر الاستدلال على عدم جواز الانتفاع بالميتة بالخصوص بمثل صحيح الكاهلي المتقدم، و تقدم الإشكال في دلالته، إذ من البعيد أن يكون المراد منه النهي عن كل انتفاع، و لو كان مثل إطعام جوارح الطير، أو تسميد الزرع، و نحوهما مما لا يعتبر فيه الطهارة بوجه، فان بيان هذا المعنى يحتاج إلى مزيد عناية، و لا يكفي فيه مثل هذا الكلام. بل هذا المعنى مقطوع بخلافه في مثل رواية علي بن المغيرة، فان السائل إنما عنى بقوله:

«الميتة ينتفع بها»

انها كما ينتفع بالمذكى، و ليس المراد ما يعم إطعام الجوارح. و لو سلم إطلاق في عدم الانتفاع، فهو مقيد بالنصوص المتقدمة، فيحمل على الانتفاع المؤدي إلى الوقوع في الحرام، كما أشير إليه في رواية الوشاء المتقدمة، على ما عرفت.

إجماعا، صريحاً و ظاهراً، محكياً عن جماعة كثيرة، و ان اختلفت عباراتهم في معقده. ففي بعضها: مطلق دم ذي النفس. و في بعضها: دم ذي العرق و هو راجع إلى الأول، و في بعضها: الدم المسفوح، و المسفوح هو المصبوب، و عليه يكون بين هذا العنوان و ما قبله عموم من وجه، لعمومه لمثل دم السمك و عدم شموله للمتخلف في اللحم و نحوه من أجزاء الحيوان.

و يجب تفسيره- كما في كلام بعضهم- بما ينصب من العرق، فيكون أخص مطلقا من الأول، و لا يشمل مثل دم السمك. و في المنتهى:

«الدم المسفوح من كل حيوان ذي نفس سائلة يكون خارجا بدفع من عرق نجس. و هو مذهب علماء الإسلام»، و نحوه كلام غيره من الأعاظم.

لكن ادعى غير واحد من الأجلاء أن المراد مطلق دم ذي النفس، بقرينة تعرضهم لطهارة دم غير ذي النفس، و المتخلف في الذبيحة، دون‌

343
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: الدم ؛ ج‌1، ص : 343

.....

ما عداهما من دم ذي النفس غير المسفوح، و لورود النصوص الكثيرة الظاهرة في نجاسة غير المسفوح من دم ذي النفس، كدم الرعاف [1]، أو ما يوجد في الأنف «1»، و عند قطع الثالول، و نتف لحم الجرح «2»، و حك الجلد «3»، و قلع السن «4» و دم الجروح، و القروح «5»، و الحيض، و النفاس، و الاستحاضة [2]. و غير ذلك، مع عدم تعرضهم لرد هذه النصوص، و بيان الوجه فيه، من ضعف دلالة أو سند أو غير ذلك، بل لا ريب في بنائهم على قبولها، فان ذلك كله شاهد بإرادة العموم، كما ادعاه جماعة.

لكنه لا يخلو من اشكال، لإباء كلماتهم عن الحمل على ذلك. و لا سيما بملاحظة تعليلهم طهارة المتخلف: بأنه ليس بمسفوح، و ان طهارته لعدم المقتضي للنجاسة، و البناء على نجاسة الدم في الموارد المذكورة المنصوصة يمكن أن يكون لبنائهم على أنه من المسفوح، لخروجه من العروق الدقاق أو لكون المراد منه مطلق الخارج من البدن، أو غير ذلك.

و بالجملة: ثبوت كلية نجاسة دم ذي النفس بالإجماع غير واضح، و إن كان يساعدها ارتكاز المتشرعة من غير فرق بين الإنسان الذي هو‌

______________________________
[1] الوسائل باب: 82 من أبواب النجاسات حديث: 1 و يوجد أيضاً من كثير من أبواب النجاسات و الماء المطلق.

[2] راجع الوسائل في أبواب أغسال الحيض و النفاس و الاستحاضة و النجاسات و الماء.

______________________________
(1) الوسائل باب: 24 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 63 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 27 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

(5) الوسائل باب: 24 من أبواب النجاسات حديث: 3.

344
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: الدم ؛ ج‌1، ص : 343

.....

مورد النصوص المتقدمة و غيره. لكن الرجوع الى هذا الارتكاز في موارد الخلاف و الاشكال محل تأمل و نظر.

و أما النصوص فدلالتها على عموم النجاسة لا تخلو من اشكال، لورودها في موارد خاصة، و إلغاء خصوصية موردها عرفا- لو تمَّ- معارض بمثله بالإضافة إلى ما تضمن نفي البأس عن دم البق و البراغيث و السمك. بل الإلغاء على نحو الكلية غير واضح. نعم قد ذكر لفظ الدم في بعض النصوص غير مقيد. لكن ذلك غير كاف في إطلاقه، لعدم كونه وارداً لبيان نجاسة الدم، و انما ورد في مقام بيان حكم آخر بعد الفراغ عن نجاسته‌

كموثق عمار: «كل شي‌ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه إلا أن ترى في منقاره دما، فإن رأيت في منقاره دما فلا تتوضأ و لا تشرب منه» «1»

فإنه وارد في مقام جعل الحكم الظاهري عند الشك في وجود الدم المفروغ عن نجاسته، لا في مقام تشريع نجاسة الدم.

و مثله في الاشكال الروايات الواردة في نزح البئر، لوقوع الدم فيها،

كصحيح ابن بزيع: «عن البئر تكون في المنزل للوضوء فيقطر فيها قطرات من بول أو دم ..» «2».

فإن الأمر بالنزح فيه و في أمثاله و ان دل على النجاسة- كما تقدم في مبحث نجاسة الميتة- لكن الظاهر من السؤال في جميع هذه النصوص علم السائل بالنجاسة، و السؤال إنما كان عن تأثيرها في البئر، فترك الاستفصال فيه لا يقتضي العموم. و كذا الاشكال فيما لو ورد الأمر بالنزح ابتداء من المعصوم فإنه أيضاً وارد في مقام بيان حكم آخر.

و أما‌

النبوي المروي في الذكرى و غيرها من كتب الفروع: «إنما

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: 2، و باب: 82 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 21.

345
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: الدم ؛ ج‌1، ص : 343

أو غيره كبيراً أو صغيراً، قليلا كان الدم، أو كثيراً (1).

يغسل الثوب من البول و الدم و المني» «1»

فالحصر فيه- على اشكاله- يحتمل قريباً وروده لبيان عقد النفي، لا مع عقد الإثبات، فلا إطلاق له.

مضافا الى ضعف الخبر، و عدم ثبوت الجابر له، لعدم ثبوت الاعتماد عليه. و كذا‌

خبر زكريا بن آدم: «سألت أبا الحسن (ع) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر

.. (الى أن قال):

قلت: فان قطر فيه الدم؟ قال (ع): الدم تأكله النار. قلت: فخمر أو نبيذ قطر في عجين أو دم قال (ع): فسد ..» «2»

. فان الظاهر وروده في مقام السؤال عن التأثير في القدر التي فيها اللحم الكثير، و المرق الكثير، و لذا سأل ثانيا عن وقوع الدم في العجين، فالسؤال فيه ليس عن النجاسة بل عن حال الملاقي.

هذا و يمكن أن يقرب عموم النجاسة: بأن الذي يظهر من النصوص الواردة في دم الإنسان و في دم الحيوان- على اختلاف مواردها- المفروغية عن نجاسته على وجه العموم. و لذا ورد نفي البأس عن دم البق و البراغيث و السمك، الظاهر كونه من قبيل الاستثناء من عموم النجاسة. لكن هذا المقدار من الاشعار لم يبلغ حد الحجية، الرافع لأصالة الطهارة مع الشك.

فيه إشارة إلى احتمال خلاف الشيخ (ره) فيما لا يدركه الطرف من الدم، حسب ما تقدم في مبحث المياه مع دليله [1]. و الى خلاف الصدوق (ره) فيما دون الحمصة الذي يشهد له‌

خبر المثنى بن عبد السلام عن الصادق (ع): «إني حككت جلدي فخرج منه دم. فقال (ع):

______________________________
[1] في أوائل فصل الراكد بلا مادة.

______________________________
(1) ذكره في الذكرى في الثالث و الرابع من النجاسات صفحة: 13 سطر: 13.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.

346
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: الدم ؛ ج‌1، ص : 343

و أما دم ما لا نفس له فطاهر (1) كبيراً كان أو صغيراً كالسمك

إذا اجتمع قدر حمصة فاغسله و إلا فلا» «1».

و الى خلاف ابن الجنيد فيما دون سعة الدرهم من الدم و غيره من النجاسات. و كأنه اعتمد في الدم على ما سيأتي من النصوص المتضمنة للعفو عما دون الدرهم، و في غيره على القياس عليه. و يحتمل أن يكون مرادهما مجرد العفو كظاهر دليل الثاني، و محمل دليل الأول، فلا يكون خلاف في المسألة.

إجماعا محكياً في كلام السيدين، و الحلي، و المحقق، و العلامة، في جملة من كتبه، و الشهيدين، و السيد في المدارك- على ما حكي عنهم- و كفى به دليلا على الطهارة. مع أنك عرفت أنها مقتضى الأصل، لفقد العموم الدال على نجاسة الدم الشامل لما نحن فيه.

أما‌

خبر السكوني عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إن علياً (ع) كان لا يرى بأسا بدم ما لم يذك يكون في الثوب فيصلي فيه الرجل. يعني دم السمك» «2»

و‌

مكاتبة محمد بن ريان: «قال كتبت الى الرجل: هل يجري دم البق مجرى دم البراغيث؟ و هل يجوز لأحد أن يقيس بدم البق على البراغيث فيصلي فيه؟ و أن يقيس على نحو هذا فيعمل به؟ فوقع (ع) يجوز الصلاة و الطهر منه أفضل» «3».

فالمستفاد منهما مجرد العفو في الصلاة. نعم ظاهر‌

خبر غياث عن جعفر (ع) عن أبيه:- «لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف» «4»

- الطهارة. لكن لا عموم فيه. و مثله صحيح ابن أبي يعفور في دم البراغيث «5».

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 23 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 23 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 23 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 23 من أبواب النجاسات حديث: 1.

347
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: الدم ؛ ج‌1، ص : 343

و البق، و البرغوث، و كذا ما كان من غير الحيوان (1) كالموجود تحت الأحجار عند قتل سيد الشهداء (2)، أرواحنا فداه.

و يستثنى من دم الحيوان المتخلف في الذبيحة بعد خروج المتعارف (3) سواء كان في العروق، أو في اللحم، أو في القلب، أو الكبد، فإنه طاهر (4). نعم إذا رجع دم المذبح إلى الجوف، لرد هذا و قد يوهم المحكي في مفتاح الكرامة من عبارات الجمل و المبسوط و المراسم نجاسة الدم المذكور و العفو عنه. و لعله محمول على الطهارة، و لا سيما ما في الأولين بقرينة ما في الخلاف من النص على طهارة دم السمك فلاحظ.

كما نص عليه في الجواهر و غيرها. و يقتضيه أصالة الطهارة بعد ما عرفت من عدم عموم يقتضي نجاسة الدم.

و مثله ما خلق آية لموسى بن عمران (ع).

إجماعا، كما عن المختلف، و آيات الجواد، و كنز العرفان، و الحدائق، و بلا خلاف، كما عن البحار، و الذخيرة، و الكفاية، و غيرها.

و قد يستدل عليه بما دل على نفي الحرج [1]. و بالسيرة، و بما دل على حل الذبيحة و بعدم المقتضي للنجاسة، لأنه ليس من المسفوح، و غير ذلك مما لا يخلو بعضه من المناقشة.

المذكور في بعض معاقد الإجماع على طهارة المتخلف خصوص العروق، و في بعض آخر: خصوص اللحم، و في ثالث: هما معاً. و كأن ذكر ذلك من باب المثال، إذ لا ينبغي التأمل في عموم الحكم لجميع ما في المتن و غيره من الشحم و العظم، و المخ. و عن شرح الدروس: إجماع الأصحاب ظاهراً على طهارة ذلك كله.

و ما عن أطعمة المدارك من قوله (ره): «و في إلحاق ما يتخلف في‌

______________________________
[1] تقدم التعرض له في المسألة العاشرة من فصل ماء البئر.

348
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: الدم ؛ ج‌1، ص : 343

النفس، أو لكون رأس الذبيحة في علو، كان نجساً (1).

و يشترط في طهارة المتخلف أن يكون مما يؤكل لحمه على القلب و الكبد وجهان» مما ظاهره التردد، في غير محله. و لذا جزم في الروضة بطهارته فيهما. و يشهد بذلك- مضافا الى ظهور الإجماع عليه، لعدم تعرضهم للخلاف فيه و الى اطراد الوجوه المذكورة آنفا فيه من السيرة و دليل نفي الحرج و غيرهما-: أنه مقتضى أصالة الطهارة بعد عدم وضوح دخوله في معقد الإجماع على النجاسة.

كما نص عليه جماعة، منهم المحقق و الشهيد الثانيان، و المقداد، و الصيمري على ما حكي عنهم.

و الوجه فيه: أما في صورة الرجوع من الخارج بالنفس و نحوه- كما هو ظاهر المفروض في المتن- فلأن الدم الخارج نجس قطعاً، فاذا رجع إلى الجوف بقي على نجاسته، بل ينجس به كل ما يلاقيه من دم و غيره.

و حينئذ فإن علم المتخلف بعينه، و لم تعلم ملاقاته للخارج الداخل اليه فهو طاهر، و لو علم بملاقاته له فهو نجس. و لو لم يعلم بعينه- فتردد بين كونه من المتخلف و كونه من الداخل إليه- فإن كان طرفا لعلم إجمالي جرى عليه حكم الشبهة المحصورة، و إلا جرى عليه حكم الشبهة البدوية الآتي في المسألة السابعة.

و أما في صورة الرجوع من الداخل فالمظنون أنه لا كلام في نجاسة الراجع. نعم عن شرح الدروس: أنه قد يقال: إنه إذا خرج منه دم يحكم بنجاسته، و إذا لم يخرج و لم يظهر فهو طاهر و إن كان في اللحم.

انتهى. و لكنه بعيد جداً، و ان كان مقتضى ما عرفت من الإشكال في ثبوت عموم نجاسة الدم الرجوع فيه إلى أصالة الطهارة. نعم‌

في صحيح

349
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): العلقة المستحيلة من المني نجسة ؛ ج‌1، ص : 350

الأحوط. فالمتخلف من غير المأكول نجس، على الأحوط (1).

[ (مسألة 1): العلقة المستحيلة من المني نجسة]

(مسألة 1): العلقة المستحيلة من المني نجسة (2)، من

الشحام: «إذا قطع الحلقوم و خرج الدم فلا بأس به» «1».

و مقتضى ظهوره في خروج الدم على النحو المتعارف حرمة الذبيحة في الفرض، و كونها ميتة.

بل عن الذخيرة، و الكفاية، و البحار، و شرح المفاتيح:

الظاهر اتفاق الأصحاب على النجاسة. و كأن وجه ذلك ما في محكي المعالم من إطلاقهم نجاسة الدم سوى المتخلف في الذبيحة، و ان المتبادر من الذبيحة خصوص المأكولة. لكن التبادر غير ظاهر، إلا أن يكون من جهة استدلال بعضهم على طهارة المتخلف بالسيرة، و أدلة نفي الحرج و حل الذبيحة. لعدم اطراد الوجوه المذكورة في غير المأكول، بل عدم اطرادها في الجزء غير المأكول كالطحال من الذبيحة المأكولة. لكنه معارض باستدلال بعضهم على طهارته بعدم كونه مسفوحا، لعدم الفرق في ذلك بين المأكول و غيره مطلقاً. و لذا نسب شيخنا الأعظم (ره) الطهارة في الجزء غير المأكول إلى ظاهر الأصحاب، فلا يبعد الحكم بالطهارة في المقام، كما عن كشف اللثام، و العلامة الطباطبائي (ره) في منظومته، بل فيها نسبة الطهارة فيه الى المعظم. لما عرفت من عدم ثبوت عموم نجاسة الدم، و الأصل الطهارة، المعتضد بخلو النصوص من التعرض للنجاسة مع أنها مما يغفل عنها، لكون المرتكز عرفا أن تذكيه غير المأكول بحكم تذكية المأكول في طهارة المتخلف، و أنهما سواء في ذلك.

إجماعا محكيا عن الخلاف، و تبعه عليه كثير ممن تأخر عنه، بل في الجواهر: «لم يعرف من جزم بالطهارة إلا صاحب الحدائق».

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الذبائح حديث: 3.

350
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): العلقة المستحيلة من المني نجسة ؛ ج‌1، ص : 350

.....

نعم تأمل فيه جماعة، كالشهيد في الذكرى، و الأردبيلي، و كاشف اللثام.

و في المعتبر استدل على النجاسة بأنها- يعني: العلقة- دم حيوان له نفس و رده جماعة: بأن تكونه في الحيوان لا يستلزم كونه جزءاً منه، بل في كشف اللثام: «منع بعضهم الدخول في اسم الدم عرفا، خصوصا التي في البيضة».

لكنه- كما ترى- خلاف النظر العرفي، غاية الأمر أنها عندهم دم غليظ و أما ما ذكره الجماعة فمبني على كون المراد من دم الحيوان ذي النفس ما يكون جزأه، فالإضافة من قبيل اضافة الجزء الى الكل. أما لو أريد ما يعم المتكون فيه فلا تتجه و المعنى الأول و ان كان أظهر من العبارة المذكورة، لكن إجماع الخلاف على النجاسة، و قبول من تأخر عنه له، يدل على أن المراد منه المعنى الثاني. و يشهد لذلك ما عن الخلاف من الاستدلال على النجاسة- مضافا الى إجماع الفرقة-: بأن ما دل على نجاسة الدم دل على نجاسة العلقة. فإنه لو لا أن يكون المراد ما ذكرنا من المعنى لم يكن الاستدلال متجهاً، كما لا يخفى.

لكن يشكل الحكم بالنجاسة بعدم ثبوت عموم النجاسة لدم ذي النفس فضلا عن الدم المتكون فيه، و إجماع الخلاف لا يبعد أن يكون مستنده دعوى عموم النجاسة له، كما يظهر من استدلاله عليه به.

و أشكل من ذلك ما في المعتبر، و التذكرة، و القواعد و عن النافع، و الجامع، و كشف الرموز، و غيرها، من الحكم بنجاسة علقة البيضة.

فإنه يتوقف على عموم النجاسة لما يكون مبدأ نش‌ء حيوان ذي نفس و ان لم يكن جزءاً منه، و لا متكوناً فيه، فان علقة البيضة تتكون فيها غالباً بعد خروج البيضة من الحيوان، فان ثبوت مثل هذا العموم كما ترى، و ان كان ظاهر استدلال المعتبر على النجاسة فيها بأنها من الدم النجس ظاهر في ذلك. و لكنه غير واضح.

351
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): العلقة المستحيلة من المني نجسة ؛ ج‌1، ص : 350

إنسان كان أو من غيره، حتى العلقة في البيض. و الأحوط الاجتناب عن النقطة من الدم الذي يوجد في البيض (1).

لكن إذا كانت في الصفار و عليه جلدة رقيقة لا ينجس معه البياض إلا إذا تمزقت الجلدة (2).

و بالجملة: الظاهر من دم الحيوان ذي النفس الذي هو موضوع النجاسة- بناء عليه- هو ما يعد جزءاً منه، و البناء على نجاسة العلقة المستحيلة من المني يتوقف على ارادة مطلق ما يتكون في الحيوان، و البناء على نجاسة علقة البيضة أيضاً يتوقف على إرادة الأعم منه و مما يكون مبدأ نش‌ء الحيوان و فتوى الشيخ بحل علقة البيضة الملزومة للقول بالطهارة فيها تنافي المعنى الأخير، و فتوى الجماعة بنجاستها تقتضي ارادته، فالقرائن على كل من المعنيين متدافعة، و أدلة النجاسة في نفسها قاصرة عن شمول ذلك كله، كما عرفت آنفاً. و عليه يشكل التمسك بها في كل من العلقتين.

و أما إجماع الخلاف فيشكل الاعتماد عليه، لما عرفت من الظن بمستنده الذي لم يثبت. و على هذا فالبناء على النجاسة في كل من العلقتين غير ظاهر و ان كان هو الموافق لمذاق المتشرعة.

فإنه و ان لم يتضح دليل على النجاسة من إجماع أو غيره، لقصور أدلة النجاسة عن شمولها، فان دم الحيوان ذي النفس- على أي معنى من المعاني الثلاثة المتقدمة حمل- لا يشملها، و لو أريد منه ما يكون منسوبا الى الحيوان و لو بلحاظ كون أصله متكوناً في جوف الحيوان و لو لم يكن جزءا منه- كان شاملا لها، إلا أنه مما لا يمكن الالتزام به. غير أن الطهارة خلاف ذوق المتشرعة و إلا فاصل الطهارة محكم بلا شبهة.

فينجس البياض من ملاقاة الصفار المتنجس بملاقاة الدم. لكن في المستند: استشكل في تنجس الصفار. و كأنه لأن الغلظ و الكثافة الموجودين‌

352
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): المتخلف في الذبيحة و ان كان طاهرا ؛ ج‌1، ص : 353

[ (مسألة 2): المتخلف في الذبيحة و ان كان طاهراً]

(مسألة 2): المتخلف في الذبيحة و ان كان طاهراً، لكنه حرام (1) فيه يمنعان من سراية النجاسة إلى تمام أجزائه. و سيأتي تحقيق ذلك في شرائط التنجيس. نعم من المحتمل أن يكون على النقطة غشاء يمنع من سراية نجاستها إلى الصفار فيتعين الرجوع الى أصالة الطهارة.

في الحدائق: انه طاهر حلال من غير خلاف يعرف، و استدل له- مضافا إلى اتفاق الأصحاب من غير خلاف ينقل- بما دل على حصر المحرمات في الآيات المستلزم للطهارة. لأنه متى كان حلالا كان طاهراً.

و بالروايات الدالة على عد محرمات الذبيحة «1» و لم تذكره منها، و ان كانت الدلالة لا تخلو من ضعف مع اعتضاد ذلك بأصالة الطهارة انتهى.

أقول: المراد من آية الحصر قوله تعالى (قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً ..) «2».

فان مقتضى الحصر حلية غير المسفوح، و منه المتخلف. و فيه: أنه لو تمَّ ذلك لحل كل دم غير مسفوح، و لا يختص بالمتخلف، و هو مما لم يقل به أحد. و الوجه فيه عموم تحريم الدم في الآيات «3» و الروايات «4»، و الحصر المذكور لا بد من توجيهه ضرورة كثرة المحرمات المطعومة من الحيوانات فضلا عن غيرها، فلو بني على عمومه لزم التخصيص المستهجن. فاما أن يحمل على الإضافي، أو على زمان نزول الآية- كما قيل- أو غير ذلك من وجوه الجمع.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 31 من أبواب الأطعمة المحرمة.

(2) الانعام: 145.

(3) البقرة: 173، و المائدة: 3، و النحل: 115.

(4) راجع الوسائل باب: 1، 48، 49، 59 من أبواب الأطعمة المحرمة.

353
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما نجس ؛ ج‌1، ص : 354

إلا ما كان في اللحم مما يعد جزءاً منه (1).

[ (مسألة 3): الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما نجس]

(مسألة 3): الدم الأبيض إذا فرض العلم بكونه دما نجس (2)، كما في خبر فصد العسكري (3) صلوات اللّٰه عليه و كذا إذا صب عليه دواء غير لونه إلى البياض.

و من ذلك يظهر الإشكال في التمسك بمفهوم الوصف. مع أن التحقيق عدم حجية مفهوم الوصف. و لعل النكتة في التقييد بالمسفوح كثرة الابتلاء به في الجاهلية. مضافا إلى النصوص الكثيرة المتضمنة لذكر محرمات الذبيحة و قد عد فيها الدم، و عقد لها في الوسائل بابا طويلا. فراجع. و حمل الدم فيها على ما يخرج بالذبح خلاف إطلاقها. و أشكل من ذلك ما ذكره في الفرع الأول من فروع المسألة من حلية العلقة حتى التي في البيضة، لعدم كونها من المسفوح.

بأن يكون مستهلكا عرفا في اللحم. و الأظهر حلية ما جرت السيرة على أكله مع اللحم تبعا، مما يحتاج في تخليصه من اللحم إلى عمل و عناية، من غسل و عصر و نحوهما، و إن لم يكن مستهلكا في اللحم.

كأنه لإطلاق بعض النصوص الواردة في بعض الموارد الخاصة، و ترك الاستفصال في بعض آخر، و بضميمة عدم القول بالفصل تثبت النجاسة على وجه العموم. مضافا الى إطلاق معاقد الإجماع على نجاسة الدم الشامل للأبيض و الأصفر و غيرهما.

روى في الوسائل «1» حديثاً في ذلك عن الكافي، و في البحار «2» حديثا آخر عن الخرائج و الجرائح، روى في الوسائل «3» بعضه، و في‌

______________________________
(1) باب: 10 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

(2) المجلد الثاني عشر في باب معجزات العسكري (ع).

(3) باب: 10 من أبواب ما يكتسب به حديث: 2.

354
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للبن ؛ ج‌1، ص : 355

[ (مسألة 4): الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للبن]

(مسألة 4): الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس (1) و منجس للبن.

[ (مسألة 5): الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح و يكون ذكاته بذكاة أمه تمام دمه طاهر]

(مسألة 5): الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح و يكون ذكاته بذكاة أمه تمام دمه طاهر (2). و لكنه لا يخلو عن إشكال.

[ (مسألة 6): الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه إشكال]

(مسألة 6): الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه إشكال، و ان كان لا يخلو عن وجه (3). و أما ما خرج منه فلا إشكال في نجاسته.

الأول:

«خرج دم أبيض كأنه الملح»

و في الثاني:

«مثل اللبن الحليب»

فراجع.

لأنه دم مسفوح من حيوان ذي نفس، غاية الأمر أنه لضعف آلة الافراز يحصل الاختلاط. و عليه ينجس اللبن بملاقاته له في الخارج.

كما لم يستبعده في الجواهر، و جزم به في كشف الغطاء. و لكنه غير ظاهر- كما قيل- فان دم الجنين لا يدخل في المتخلف في الذبيحة المستثنى من الدم النجس. و كون المراد من الذبيحة مطلق المذكى، و لذا يشمل المذكى بالنحر مسلم، و لا يجدي في المقام، لأن طهارة المتخلف موضوعها المتخلف بعد خروج الدم من المذكى، و هو مفقود في الجنين إلا بعد ذبحه و خروج دمه. و لذا قال المصنف (ره). «و لكنه لا يخلو عن إشكال». إلا أن يدفع بفقد العموم الدال على نجاسته. و الإجماع عليها غير ثابت بنحو يشمل المقام، الذي نص بعضهم على طهارته.

و الأصل يقتضي الطهارة. و لأنه لو بني على نجاسة دمه المتخلف بطل الانتفاع به غالبا، و هو خلاف ظاهر الأدلة، بل خلاف المقطوع به منها.

الكلام فيه هو الكلام في دم الجنين.

355
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 356

[ (مسألة 7): الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا محكوم بالطهارة]

(مسألة 7): الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا محكوم بالطهارة (1) كما أن الشي‌ء الأحمر الذي يشك في أنه دم أم لا كذلك. و كذا إذا علم أنه من الحيوان الفلاني، و لكن لا يعلم أنه مما له نفس أم لا، كدم الحية و التمساح، و كذا إذا لم يعلم أنه دم شاة أو سمك. فإذا رأى في ثوبه دما لا يدري أنه منه أو من البق أو البرغوث يحكم بالطهارة. و أما الدم قد عرفت أنه لا عموم لفظي يدل على عموم نجاسة الدم، و أن العمدة فيه الإجماعات المدعاة على عموم نجاسة دم الحيوان من ذي النفس السائلة في الجملة، فإذا شك في الدم أنه دم حيوان أو غيره، أو علم أنه دم حيوان و شك في أنه دم ذي نفس سائلة أو غيره، فلما لم يحرز عنوان العام الذي هو شرط في التمسك به- إجماعا- كان المرجع فيه أصالة الطهارة.

و أولى منه بذلك ما شك في كونه دما أو صبغاً. و قد يدعى كون الأصل النجاسة فيما أحرز أنه دم و ان لم يعلم أنه من حيوان أو من ذي النفس، لما‌

في موثقة عمار المتقدمة من قوله (ع): «فإن رأيت في منقاره دما فلا تشرب و لا تتوضأ» «1».

لكن عرفت في أول المبحث أن الرواية في مقام جعل الحكم الظاهري للسؤر عند الشك في نجاسته و طهارته للشك في وجود الدم على منقار الطائر و عدمه، بعد المفروغية عن نجاسة الدم. كما يشهد به كون السؤال فيها عن سؤر السباع من الطير التي تأكل الميتة، و ليست في مقام جعل الحكم الظاهري بنجاسة الدم الذي يكون على منقار الطير مع الشك في كونه من الدم الطاهر أو النجس.

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب الأسئار حديث: 2 و قد تقدمت في أول مبحث نجاسة الدم.

356
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): الدم المشكوك في كونه من الحيوان أو لا محكوم بالطهارة ؛ ج‌1، ص : 356

المتخلف في الذبيحة إذا شك في أنه من القسم الطاهر أو النجس فالظاهر الحكم بنجاسته، عملا بالاستصحاب (1)، و إن كان لا يخلو عن إشكال (2). و يحتمل التفصيل بين ما إذا كان هذا مضافا إلى معارضتها بذيلها المروي في الاستبصار، بل و في الفقيه- كما قيل-

في ماء شربت منه دجاجة: «إن كان في منقارها قذر لم يتوضأ منه و لم يشرب، و ان لم يعلم أن في منقارها قذراً توضأ منه و اشرب»

و كما يمكن تخصيص الثانية بغير الدم، يمكن تقييد الأولى بصورة العلم بنجاسة الدم، و حيث لا مرجح يكون الصدر بمنزلة المجمل، و المرجع عموم قاعدة الطهارة. بل لعل تقييد إطلاق الصدر لكونه أحوالياً أولى من تقييد إطلاق الذيل، لكونه افراديا.

كأنه يريد استصحاب النجاسة الثابتة قبل التذكية، إذ الشك يكون في ارتفاع النجاسة بصيرورة الدم من المتخلف.

لعدم وضوح الدليل على نجاسة الدم الموجود في الجسد قبل التذكية، و كذا نجاسة بقية الأعيان من البول و المني و الغائط، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الأولى من مبحث نجاسة البول. نعم قد يظهر من كلماتهم الإجماع عليها. و لكن الاعتماد عليه مشكل، لاحتمال كون مستنده عدم الفرق في مرتكز العرف بين الخارج و الداخل، فيتعدى من مورد الأدلة- و هو الخارج- إلى الآخر. لكنه غير ظاهر، و لا سيما في مثل الدم الذي هو ما دام في الباطن له نحو من الحياة، و به قوام الحياة البشرية، و أنه غذاء الجنين في بطن أمه، و لأن البناء على ذلك يستلزم البناء على مطهرية التخلف، و هو مما لا يوافق الارتكاز العرفي، و كذا لا يوافق الارتكاز بناؤهم على عدم نجاسة ما يلاقيه من الداخل، فالارتكاز متدافع، فلا مجال للعمل به. بل ما في كشف الغطاء:- من قوله (ره): «و الأقوى‌

357
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): إذا خرج من الجرح أو الدمل شي‌ء ؛ ج‌1، ص : 358

الشك من جهة احتمال رد النفس، فيحكم بالطهارة، لأصالة عدم الرد (1) و بين ما كان لأجل احتمال كون رأسه على علو فيحكم بالنجاسة، عملا بأصالة عدم خروج المقدار المتعارف

[ (مسألة 8): إذا خرج من الجرح أو الدمل شي‌ء]

(مسألة 8): إذا خرج من الجرح أو الدمل شي‌ء أن المني، و الدم، و البول، و الغائط، محكوم بنجاستها مع استمرارها في الباطن انتقلت عن محالها أولا، لكنها لا تؤثر تنجيساً في الباطن ..»-

يشعر بوجود الخلاف في نجاستها في الداخل. اللهم إلا أن يكون نظره في قوله: «الأقوى» إلى الحكم الأخير.

و يحتمل أن يكون وجه الإشكال في المتن احتمال تبدل الموضوع المانع من جريان الاستصحاب. و يحتمل أن يكون وجه الاشكال لزوم الرجوع إلى الأصول الموضوعية، كما سيذكره (ره). و هذا الاحتمال هو الأظهر في العبارة.

لا يخفى أن اشتراط خروج الدم في طهارة الدم المتخلف ليس على حد اشتراط عدم رد النفس. فإن الأول إذا انتفى انتفت طهارة المتخلف بالمرة، بخلاف الثاني، فإنه لو انتفى بقي المتخلف على طهارته، و يكون النجس الدم الراجع لا غير. و عليه إذا شك في نجاسة الدم للشك في تحقق الخروج فالشبهة بدوية، للشك في تحقق شرط الطهارة، فأصالة عدم الخروج محكمة، لأنها أصل سببي موضوعي فيقدم على قاعدة الطهارة، أو استصحاب النجاسة المتقدم، لأنه أصل حكمي مسببي. و إذا شك في نجاسة الدم للشك في تحقق الرد، فقد علم بوجود الدم الطاهر، و احتمل وجود الدم النجس، فالشك في نجاسة دم معين ناشئ من الشك في أنه الدم الطاهر المعلوم، أو النجس المشكوك، و أصالة عدم الرد لا تصلح لتعيين حال الدم المعين إلا بناء على الأصل المثبت، فيتعين الرجوع الى‌

358
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر ؛ ج‌1، ص : 359

أصفر يشك في أنه دم أم لا محكوم بالطهارة (1). و كذا إذا شك من جهة الظلمة أنه دم أم قيح و لا يجب عليه الاستعلام (2).

[ (مسألة 9): إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنها دم أو ماء أصفر يحكم عليها بالطهارة]

(مسألة 9): إذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في أنها دم أو ماء أصفر يحكم عليها بالطهارة (3).

[ (مسألة 10): الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر]

(مسألة 10): الماء الأصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر إلا إذا علم كونه دما، أو مخلوطا به (4)، فإنه نجس إلا إذا استحال جلداً.

الأصل الحكمي، و هو إما استصحاب النجاسة المتقدم، أو أصالة الطهارة.

ثمَّ إنه قد يشكل جريان أصالة عدم الخروج في الفرض الأول: بأن الخروج لم يذكر في القضية الشرعية شرطا للطهارة، كي يكون مجرى للأصل الشرعي. بل القدر الثابت من الإجماع و السيرة، و غيرهما، طهارة المتخلف بعد خروج الدم على النحو المتعارف، أما كون الخروج شرطا شرعيا، أو أنه ملازم للشرط فغير معلوم. و من ذلك يظهر أنه إن تمَّ استصحاب النجاسة، فهو المرجع في الفرضين، و يتعين البناء على النجاسة فيهما، و ان أشكل بما سبق، فالمتعين البناء على الطهارة، لقاعدة الطهارة.

لقاعدة الطهارة، كما تقدم.

كما في سائر الشبهات الموضوعية، لإطلاق أدلة الأصول الجارية فيها. نعم قيل بوجوبه في موارد خاصة، لقيام دليل عليه بالخصوص.

لما سبق.

يعني: بنحو يكون ماء و دما، لا بنحو يكون الدم مستهلكا عرفا فيصدق عليه أنه ماء أصفر، و ان كان حدوث الصفرة فيه لملاقاته للدم، فان الملاقاة في الداخل لا توجب النجاسة، و في الخارج لا ملاقاة للدم‌

359
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الدم المراق في الامراق حال غليانها نجس ؛ ج‌1، ص : 360

[ (مسألة 11): الدم المراق في الامراق حال غليانها نجس]

(مسألة 11): الدم المراق في الامراق حال غليانها نجس، منجس (1) و ان كان قليلا مستهلكا، و القول بطهارته (2) بالنار- لرواية ضعيفة- (3) ضعيف.

- عرفا- كما هو المفروض و مجرد تغير المائع بلون الدم لا دليل على أنه يوجب النجاسة في أمثال المقام مما كانت الملاقاة في الباطن. و كذا تغيره بريحه أو طعمه أو بغيره من النجاسات الداخلية مع كون الملاقاة في الداخل.

لقاعدة سراية النجاسة إلى الملاقي للنجس. مع شهادة بعض النصوص «1» بها في خصوص الدم في الجملة.

كما عن المفيد، و الشيخ في النهاية، و القاضي، و الديلمي.

مع التقييد بالقليل في كلام النهاية، و القاضي.

رواها الشيخ (ره) عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن يزيد عن الحسن بن المبارك، عن زكريا بن آدم قال: «سألت أبا الحسن (ع): عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير. قال (ع): يهراق المرق أو يطعمه أهل الذمة، أو الكلب، و اللحم اغسله و كله. قلت: فان قطر فيه الدم؟ قال (ع):

الدم تأكله النار إن شاء اللّٰه» «2» و رواها الكليني عن محمد بن يحيى، عن محمد بن موسى، عن الحسين بن المبارك، عن زكريا بن آدم «3».

و ضعف الطريقين كان بابن المبارك سواء أ كان الحسن- كما في بعض نسخ التهذيب- أم الحسين- كما في بعض آخر و في الكافي- فإن الأول مهمل، و الثاني لم يتعرض له بمدح أو قدح، غير أن له كتابا رواه البرقي عن‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 82 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 26 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

360
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الدم المراق في الامراق حال غليانها نجس ؛ ج‌1، ص : 360

.....

أبيه عنه. و في المختلف طعن في سند الرواية:: بأن محمد بن موسى، إن كان ابن عيسى السمان فقد طعن فيه القميون، و تكلموا فأكثروا فيه قاله ابن الغضائري. انتهى. لكن طريق الشيخ (ره) ليس فيه محمد بن موسى.

و‌

روى الكليني عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن النعمان، عن سعيد الأعرج قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع): عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أ يؤكل؟ قال (ع): نعم، فان النار تأكل الدم» و رواه الصدوق بإسناده عن سعيد الأعرج «1».

و في المختلف: «إن سعيد الأعرج لا أعرف حاله، و الاحتجاج يتوقف على معرفة عدالته». و كأنه إلى ذاك أشار في الدروس قال: «و لو وقع دم نجس في قدر تغلي على النار غسل الجامد و حرم المائع عند الحليين. و قال الشيخان بحل المائع إذا علم زوال عينه بالنار، و شرط الشيخ قلة الدم. و بذلك روايتان لم يثبت صحة سندهما مع مخالفتهما للأصل».

أقول: قد نص النجاشي و الروضة على وثاقة سعيد بن عبد الرحمن الأعرج، و الذي يظهر من جملة من القرائن أنهما واحد، فان الفهرست اقتصر على ذكر سعيد الأعرج، و رجال الشيخ على ذكر سعيد بن عبد الرحمن و لو كانا متغايرين لزم ذكرهما معا في كل من الكتابين. مضافا إلى وحدة الراوي عنهما، و هو صفوان، و المروي عنه، و هو أبو عبد اللّٰه (ع) و إلى أن الصدوق روى هذه الرواية عن سعيد الأعرج، و لم يذكر طريقه اليه و إنما ذكر طريقه الى سعيد بن عبد اللّٰه الأعرج، و هو ابن عبد الرحمن، كما ذكره النجاشي و العلامة و ابن داود و غيرهم. و لأجل ذلك صحح الرواية المذكورة جمع كثير من الأعاظم، بل من ذلك تظهر صحة حديث سعيد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 44 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.

361
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): إذا غرز إبرة أو أدخل سكينا، في بدنه أو بدن حيوان ؛ ج‌1، ص : 362

[ (مسألة 12): إذا غرز إبرة أو أدخل سكينا، في بدنه أو بدن حيوان]

(مسألة 12): إذا غرز إبرة أو أدخل سكينا، في بدنه أو بدن حيوان فان لم يعلم ملاقاته للدم في الباطن فطاهر و ان علم ملاقاته لكنه خرج نظيفا فالأحوط الاجتناب عنه (1).

[ (مسألة 13): إذا استهلك الدم الخارج]

(مسألة 13): إذا استهلك الدم الخارج من بين الأعرج. و‌

في كتاب علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع) قال: «سألته عن قدر فيها ألف رطل ماء يطبخ فيها لحم وقع فيها أوقية دم. هل يصلح أكله؟ فقال (ع): إذا طبخ فكل فلا بأس» «1».

فالرواية الدالة على هذا القول ليست ضعيفة.

نعم يمكن المناقشة في دلالة الصحيح المذكور بعدم ظهوره في كون السؤال عن الدم النجس، و أنه ينجس ما في القدر إذا كان يغلي، بل من الجائز أن يكون السؤال من حيث حرمة أكل الدم الطاهر، و مثلها رواية ابن جعفر. نعم لا مجال لهذه المناقشة في رواية زكريا بن آدم، لأن قرينة السياق فيها تأبى ذلك. كما أن الظاهر أنها هي المعتمد للشيخ و القاضي، لا الصحيح، بقرينة تقييد الحكم بالدم القليل المفهوم من قول السائل:

«قطرة فيه الدم»

الذي لا يصدق على الأوقية.

و كيف كان فالروايات المذكورة- لو صح سندها و تمت دلالتها- لا مجال للعمل بها، لأن مضمونها من المستنكرات الواضحة عند المتشرعة و هذا هو العمدة في سقوطها عن الحجية، لا إعراض المتأخرين عنها، لأن عمل القدماء أولى بالعناية من إعراض المتأخرين، و لا سيما مع بيان وجه الاعراض من ضعف السند، و ظهور الخطأ فيه، كما عرفت.

تقدم الكلام فيه في المسألة الأولى من نجاسة البول. و كذا الكلام في المسألة الآتية. و لو قلنا بعدم نجاسة الدم في الداخل فلا إشكال.

______________________________
(1) الوسائل باب: 44 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

362
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن ان لم يستحل و صدق عليه الدم، نجس، ؛ ج‌1، ص : 363

 

الأسنان في ماء الفم فالظاهر طهارته، بل جواز بلعه. نعم لو دخل من الخارج دم في الفم فاستهلك فالأحوط الاجتناب عنه. و الاولى غسل الفم بالمضمضة أو نحوها.

[ (مسألة 14): الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن ان لم يستحل و صدق عليه الدم، نجس،]

(مسألة 14): الدم المنجمد تحت الأظفار أو تحت الجلد من البدن ان لم يستحل و صدق عليه الدم، نجس، فلو انخرق الجلد و وصل الماء اليه تنجس. و يشكل معه الوضوء أو الغسل (1)، فيجب إخراجه إن لم يكن حرج، و معه يجب أن يجعل عليه شيئا مثل الجبيرة (2) فيتوضأ أو يغتسل.

هذا إذا علم أنه دم منجمد، و ان احتمل كونه لحماً صار كالدم من جهة الرض- كما يكون كذلك غالباً- فهو طاهر (3).

[ (السادس، و السابع): الكلب و الخنزير البريان]

(السادس، و السابع): الكلب و الخنزير البريان (4)، لاحتمال وجوب غسل ما تحته و هو حائل.

يأتي- إن شاء اللّٰه- في وضوء الجبائر الإشكال في الاجتزاء بذلك إذا كانت الخرقة الموضوعة لا تعد جزءاً من الحاجب الذي لا تمكن إزالته.

لكن إذا بني على ما تقدم من وجوب وضع شي‌ء عليه إذا كان دما يجب عليه الجمع بين غسله في الوضوء أو الغسل، و بين وضع شي‌ء عليه و المسح على الجبيرة، للعلم الإجمالي بوجوب أحد الأمرين.

إجماعا، كما عن الغنية، و المعتبر، و المنتهى، و التذكرة، و الذكرى و الدلائل، و كشف اللثام، و غيرها. و النصوص به مستفيضة، بل لعلها في الأول متواترة، ففي بعضها: الأمر بغسل الثوب الملاقي له برطوبة.

و في آخر: أنه رجس نجس. و في ثالث: «هو نجس» يقولها ثلاثا- و في رابع: الأمر بغسل الإناء الذي يشرب منه. و‌

في خامس: «لا و اللّٰه

 

363
مستمسک العروة الوثقی1

(السادس، و السابع): الكلب و الخنزير البريان ؛ ج‌1، ص : 363

دون البحري منهما (1). و كذا رطوباتهما، و أجزاؤهما (2)،

إنه نجس لا و اللّٰه إنه نجس»

. و في سادس: النهي عن الشرب من سؤره و في سابع: الأمر بغسل اليد عند مسه .. الى غير ذلك «1». و في الثاني ورد الأمر بغسل الإناء الذي يشرب منه سبع مرات. و الأمر بغسل الثوب الذي يصيبه فيكون فيه أثر. و الأمر بغسل اليد عند مس شعره ..

إلى غير ذلك «2» و ما يظهر من بعض النصوص «3» من طهارتهما مؤل أو مطروح، لمخالفته للإجماعات السابقة.

و ما عن الصدوق (ره): من التفصيل بين كلب الصيد و غيره، فيجب غسل الملاقي للثاني برطوبة، و يجب رشه بالماء في الأول. ضعيف، فإنه- مع كونه خلاف إطلاق الأدلة- خلاف‌

حسنة ابن مسلم: «عن الكلب السلوقي. قال (ع): إذا مسسته فاغسل يدك» «4».

عن المشهور. إما لكونهما حقيقة في خصوص البري منهما- كما عن جماعة- و هو الأظهر، فيجب حمل النصوص عليه. و إما للانصراف اليه دون البحري و ان كان حقيقة فيهما على الاشتراك اللفظي- كما في المنتهى في الكلب- أو على الاشتراك المعنوي، كما هو المنسوب إلى المشهور فيهما و ما عن الحلي من عموم النجاسة للبحري ضعيف.

لدخولهما في معاقد الإجماعات، و ظاهر النصوص.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 12 من أبواب النجاسات تجد جميع ذلك.

(2) راجع الوسائل باب: 13 من أبواب النجاسات تجد جميع ذلك.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 2، 3، 16. و في باب: 2 من أبواب الأسئار حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 12 من أبواب الماء المطلق حديث: 9.

364
مستمسک العروة الوثقی1

(السادس، و السابع): الكلب و الخنزير البريان ؛ ج‌1، ص : 363

و ان كانت مما لا تحله الحياة (1) كالشعر، و العظم، و نحوهما.

و لو اجتمع أحدهما مع الآخر أو مع آخر، فتولد منهما ولد، فان صدق عليه اسم أحدهما تبعه (2)، و ان صدق عليه اسم أحد الحيوانات الأخر، أو كان مما ليس له مثل في الخارج كان طاهراً (3)، و ان كان الأحوط الاجتناب عن المتولد منهما، إذا لم يصدق عليه اسم أحد الحيوانات الطاهرة (4).

على المشهور. بل لم يعرف الخلاف فيه إلا عن السيد. وجده الناصر فذهبا إلى طهارتهما، و عن البحار متابعتهما في ذلك.

لصحيح زرارة: «عن الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر أ يتوضأ من ذلك الماء؟ قال (ع): لا بأس» «1»

، و قريب منه موثق ابنه «2» و لعمومات طهارتها من الميتة الشاملة لها منهما. و لما عن الأول من حكاية الإجماع على الطهارة. و من دعوى نفي الجزئية (و فيه): أن الصحيح و الموثق- مع أنهما غير ظاهرين في المدعى- أخص منه. و عمومات طهارتها من الميتة ظاهرة في نفي نجاسة الموت لا مطلقاً. و نفي الجزئية و الإجماع ممنوعان.

لإطلاق دليل نجاسة المتبوع منهما.

لإطلاق دليل طهارة المتبوع لو كان، و لأصالة الطهارة لو لم يكن أو لم يكن له مثل أصلا.

لإمكان دعوى كون المرجع فيه استصحاب النجاسة الثابتة له قبل ولوج الروح فيه، باعتبار كونه جزءاً من الأم و هو مقدم على أصالة الطهارة، و مجرد ولوج الروح فيه لا يوجب تعدد الموضوع- عرفا- كما تقدم نظيره. و منه يظهر الاكتفاء في نجاسة الولد بنجاسة الأم. كما يظهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب الماء المطلق حديث: 3.

365
مستمسک العروة الوثقی1

(السادس، و السابع): الكلب و الخنزير البريان ؛ ج‌1، ص : 363

بل الأحوط الاجتناب عن المتولد من أحدهما مع طاهر إذا لم يصدق عليه اسم ذلك الطاهر (1)، فلو نزى كلب على شاة، أيضاً اطراد الحكم فيما لو صدق عليه أحد الحيوانات الطاهرة، إذا لم يكن لدليل طهارته إطلاق يشمل الولد المذكور. هذا و لكن عرفت الإشكال في جزئية الجنين للأم، فدليل نجاستها لا يقتضي نجاسته، فلا مجال للاستصحاب ليحكم على أصالة الطهارة.

و عن جماعة- منهم الشهيدان و المحقق الثاني- نجاسة المتولد منهما معا مطلقاً، و مال اليه شيخنا الأعظم (ره)، لعدم خروجه عن حقيقتهما و إن كان مباينا لهما في الصورة، أو للعلم بوجود مناط النجاسة فيه. و فيه: أن الأول- لو سلم- لا يقتضي ثبوت النجاسة، لأنها ليست تابعة للحقيقة في نظر العقل، و لذا بني على الفرق بين البول و البخار المتصاعد منه مع اتحادهما في الحقيقة، كما لا يظن أيضاً الالتزام بطهارة الكلب المتولد من طاهرين. و العلم بوجود مناط النجاسة ممنوع جداً.

وجه الاحتياط ظاهر لو كان أحدهما الأم، لاحتمال الجزئية منها كما تقدم، بل بالنسبة إلى السطح الظاهر قد يجري استصحاب النجاسة- بناء على نجاسة بدن الحيوان- لأنه يخرج متلوثاً برطوبة الأم، و يشك في طهارته بزوال عين النجاسة، فيرجع الى استصحاب النجاسة. لكنه بناء على ثبوت النجاسة العرضية للنجس بالذات يكون من استصحاب الكلي من القسم الثالث، و بناء على عدمها، يكون من القسم الثاني، و يتوقف جريانه على ثبوت الحكم للكلي لا للفرد، و إلا كان من استصحاب الفرد المردد.

فتأمل جيدا. أما لو كان الأب فالاحتياط غير ظاهر، إلا من جهة احتمال جريان استصحاب النجاسة الثابتة له حين كان علقة. لكنه لو تمَّ لم يفرق بين أن يصدق عليه الطاهر و عدمه.

366
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

أو خروف على كلبة، و لم يصدق على المتولد منهما اسم الشاة، فالأحوط الاجتناب عنه، و ان لم يصدق عليه اسم الكلب.

[الثامن الكافر]

الثامن: الكافر بأقسامه (1)، نعم يمكن الفرق بين أن يكون الطاهر الصادق عليه مما ثبتت طهارته بدليل مطلق و غيره، ففي الأول يرجع الى إطلاق الطهارة، و في الثاني إلى استصحاب النجاسة. و كيف كان يشكل الاستصحاب المذكور بتعدد الموضوع عرفا، للاستحالة.

إجماعا محكيا في جملة من كتب الأعيان، كالناصريات، و الانتصار و الغنية، و السرائر، و المعتبر، و المنتهى، و البحار، و الدلائل، و كشف اللثام و ظاهر التذكرة، و نهاية الاحكام- على ما حكي عنها- بل عن التهذيب إجماع المسلمين- لكن القول بالطهارة هو المعروف عند المخالفين.

و كيف كان فاستدل للنجاسة بقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ ..) «1». لكن استشكل فيه (تارة):

بأن النجس مصدر، و لا يصح حمله على العين إلا بتقدير (ذو) و يكفي في الإضافة التي تحكيها (ذو) أدنى ملابسة، و لو من جهة النجاسة العرضية الحاصلة لهم من مباشرتهم للأعيان النجسة. فلا تدل على النجاسة الذاتية. و فيه- كما في المعتبر و غيره-: أنه يصح حمل المصدر على العين للمبالغة نحو: «زيد عدل» و هو و ان كان مجازاً، لكنه أقرب من التقدير مضافا الى أن المحكي عن جماعة من أهل اللغة- كما صرح به في القاموس- أن النجس- بالفتح- وصف كالنجس- بالكسر- و هو ضد الطاهر، فيصح حمله على العين على الحقيقة، بدون شائبة تجوز، و لو سلم أن المراد «ذو نجاسة» أمكن الاستدلال بإطلاقه على النجاسة الذاتية، إذ النجاسة‌

______________________________
(1) التوبة: 28.

367
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

العرضية إنما تكون بملاقاة الأعيان النجسة مع عدم استعمال المطهر، فإطلاق كونهم ذا نجاسة- حتى مع عدم ملاقاة الأعيان النجسة، و مع استعمال المطهر- يدل على كون النجاسة ذاتية بالالتزام.

و أخرى: بأن لفظ النجس- بالفتح- لم يثبت كون المراد منه النجس بالمعنى الذي هو محل الكلام، لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية، فمن الجائز أن يكون المراد منه معنى آخر غيره، بل ذكر بعض أهل اللغة:

أن النجس المستقذر، و بعضهم: أنه ضد الطاهر. و مرادهم من الطهارة المعنى اللغوي، و هو غير الطهارة الشرعية.

و هذا الاشكال ذكره جماعة منهم الأردبيلي في شرح الإرشاد، و تلميذه في المدارك، و تلميذه في الذخيرة، و غيرهم. و أجيب عنه: بأن الحمل على النجس العرفي- مع أنه خلاف وظيفة الشارع، و أنه مخالف للواقع في كثير من المشركين، و أنه لا يختص بهم بل يشاركهم فيه غيرهم من المسلمين- لا يناسب الحكم المفرع عليه. و مثله حمله على الخباثة النفسانية- كالحدث- فإنها و ان صح التعبير عنها بالقذارة و عبر عن ضدها بالطهارة، لكنها قائمة بالنفس، فإنها منقصة في النفس، و ظاهر الآية الشريفة نجاسة البدن- أعني: الهيكل الخاص- فيتعين حملها على ثبوت القذارة في البدن على نحو ما ورد في الكلب و غيره من النجاسات العينية الجعلية.

و احتمال إرادة معنى آخر غير ما ذكر، فيراد منه نوع خاص من الخباثة قائم بالبدن غير النجاسة، و غير الخباثة المرادة من قوله تعالى:

(وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبٰائِثَ) «1»- مع أنه خلاف أصالة وجوب حمل اللفظ على أقرب المعاني المجازية بعد تعذر الحقيقة- (بعيد جداً) لعدم معهودية ذلك، و لو جاز التشكيك المذكور في الآية لجاز مثله فيما ورد في الكلب‌

______________________________
(1) الأعراف: 157.

368
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

من أنه نجس، لعين ما ذكر في تقريب الاشكال، و لم يحتمله أحد، بل عد التعبير المذكور من أصرح التعبيرات عن النجاسة. و العمدة في ذلك:

أن الحقيقة الشرعية و ان لم تثبت، لكن الاستعمال الشرعي في تلك المفاهيم ثابت، و لأجله جرت الاستعمالات عند المتشرعة عليه حتى صارت حقيقة عند المتشرعة، فيكون المفهوم عند المتشرعة هو المراد من اللفظ. و كذا الكلام في أمثال المقام من الألفاظ المستعملة في لسان الشارع، إذا تعذر حملها على المعنى العرفي، فإنها تحمل على المفهوم عند المتشرعة، و ان كان في الأزمنة المتأخرة. و لو لا ذلك كان الحمل على الخباثة النفسانية أقرب.

و استشكل فيه ثالثا: بأن مفاد الآية أخص من المدعى، لاختصاصه بالمشرك. و أجيب: بأن الدليل يتم بضميمة عدم القول بالفصل. لكنه خروج عن التمسك بالآية. أو بضميمة ما دل على كون اليهود و النصارى مشركين، من قوله تعالى: (وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ .. (إلى قوله تعالى):

سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ) «1».

و يشكل: بأن نسبة الإشراك إليهم ليست على الحقيقة، فإن ذلك خلاف الآيات، و الروايات، و خلاف المفهوم منها عند المتشرعة و العرف فيتعين حمله على التجوز في الاسناد، و ليس الكلام واردا في مقام جعل الحكم، ليؤخذ بإطلاق التنزيل كي يثبت حكم المشركين لهم. مع أنه لا يطرد في من لا يقول منهم بذلك، و لا في المجوس، و لا في غيرهم من الكفار غير المشركين.

و استدل أيضاً على النجاسة بالنصوص الظاهرة في ذلك، و هي جملة وافرة. منها‌

مصحح سعيد الأعرج: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن سؤر

______________________________
(1) التوبة: 30، 31.

369
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

اليهودي و النصراني. فقال (ع): لا» «1».

و‌

خبر أبي بصير عن أحدهما (ع): في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني. فقال (ع):

«من وراء الثوب، فان صافحك بيده فاغسل يدك» «2».

و‌

صحيح ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة و أرقد معه على فراش واحد و أصافحه. قال (ع): لا» «3».

و‌

رواية هارون بن خارجة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): إني أخالط المجوس فآكل من طعامهم؟ قال (ع): لا» «4»

.. إلى غير ذلك. و هي و إن كانت واردة في المجوسي و اليهودي و النصراني، لكن يمكن إثبات الحكم في غيرهم بعدم القول بالفصل، أو بالأولوية. و إن كانت قد تشكل في المحكوم بكفره من فرق المسلمين.

هذا و لكن يعارض النصوص المذكورة نصوص أخرى (منها):

ما ورد في جواز الصلاة في الثياب التي يعملها المجوس، و أهل الكتاب،

كصحيح معاوية «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الثياب السابرية يعملها المجوس و هم أخباث يشربون الخمر و نساؤهم على تلك الحال، ألبسها و لا أغسلها و أصلي فيها؟ قال (ع): نعم. قال معاوية: فقطعت له قميصا و خطته و فتلت له أزرارا و رداء من السابري، ثمَّ بعثت بها إليه في يوم الجمعة حين ارتفع النهار، فكأنه عرف ما أريد فخرج بها إلى الجمعة»

و نحوه غيره.

و قد عقد لها في الوسائل بابا في كتاب الطهارة «5» لكن حملها (قده)

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأسئار حديث: 1، و باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 8.

(2) الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 7.

(5) و هي الباب: 73 من أبواب النجاسات.

370
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

على صورة عدم العلم بتنجيسهم لها. و هو غير بعيد، كما يشهد به ما ذكر في جملة منها من أنهم يشربون الخمر، و يأكلون الميتة و لا إشكال في نجاستهما فلو كانت شاملة لصورة العلم بالملاقاة برطوبة كانت دالة على طهارة الميتة و الخمر أيضاً. و يشير الى ذلك ما‌

في صحيح ابن سنان: «سأل أبي أبا عبد اللّٰه (ع) و أنا حاضر: إني أعير الذمي ثوبا، و أنا أعلم أنه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير، فيرده علي فاغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه (ع) صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه و هو طاهر، و لم تستيقن أنه نجسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه» «1».

و من ذلك يظهر عدم دلالة ما تضمن جواز الصلاة في الثوب الذي يشترى من اليهود و النصارى و المجوس قبل أن يغسل «2» على طهارتهم.

و منها: ما تضمن جواز مؤاكلتهم مثل‌

صحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن مؤاكلة اليهود و النصارى و المجوس. فقال (ع):

إذا كان من طعامك و توضأ فلا بأس» «3»

، و نحوه غيره. و دلالتها على الطهارة أيضاً غير ظاهرة، لقرب احتمال كون الملحوظ في جهة السؤال مجرد المؤاكلة، لا المساورة. و لا ينافيه ما ذكر من غسل اليد، لاحتمال كونه دخيلا في ذلك بما أنه من آداب الجلوس على المائدة، لا من حيث كونه دخيلا في طهارة السؤر.

و منها: ما دل على جواز الأكل من طعام أهل الكتاب، و آنيتهم و الوضوء من سؤرهم،

كصحيح إسماعيل بن جابر: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال (ع): لا تأكله. ثمَّ سكت هنيئة،

______________________________
(1) الوسائل باب: 74 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 74 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 54 من أبواب النجاسات حديث: 1.

371
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

ثمَّ قال: لا تأكله. ثمَّ سكت هنيئة، ثمَّ قال: لا تأكله و لا تتركه تقول إنه حرام، و لكن تتركه تنزهاً عنه، إن في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير» «1»

و‌

خبر زكريا بن إبراهيم: «دخلت على أبي عبد اللّٰه (ع) فقلت: إني رجل من أهل الكتاب، و إني أسلمت و بقي أهلي كلهم على النصرانية، و أنا معهم في بيت واحد لم أفارقهم بعد، فآكل من طعامهم؟ فقال (ع) لي يأكلون الخنزير؟ فقلت: لا و لكنهم يشربون الخمر. فقال (ع) لي:

كل معهم و اشرب» «2».

و‌

صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «سألته عن آنية أهل الكتاب فقال (ع): لا تأكل في آنيتهم إذا كانوا يأكلون فيه الميتة و الدم و لحم الخنزير» «3».

و‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): «عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه يهودي؟ فقال (ع): نعم. فقلت: من ذلك الماء الذي شرب منه؟

قال (ع): نعم» «4».

و‌

صحيحة إبراهيم بن أبي محمود: «قلت للرضا (ع):

الجارية النصرانية تخدمك و أنت تعلم أنها نصرانية، لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة. قال (ع): لا بأس تغسل يديها» «5».

و‌

صحيحته الأخرى: «قلت للرضا (ع): الخياط أو القصار يكون يهوديا أو نصرانياً و أنت تعلم أنه يبول و لا يتوضأ، ما تقول في عمله؟ قال (ع): لا بأس» «6».

و صحيحة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 54 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الأسئار حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 11.

(6) الوافي باب التطهير من مس الحيوانات حديث: 21 من كتاب الطهارة، و التهذيب باب المكاسب الجزء: 6 حديث: 263.

372
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

علي بن جعفر (ع) عن أخيه موسى (ع) و فيها: «و سألته عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء، أ يتوضأ منه للصلاة؟ قال (ع): لا، إلا أن يضطر اليه» «1».

و لكن يمكن أن يناقش في صحيح إسماعيل: بأن تكرار النهي عن الأكل الدال على مزيد الاهتمام به، لا يناسبه كونه تنزيهياً، فبيانه (ع) أن النهي تنزيهي مما يوجب الارتياب في وجه الحكم، و معه يشكل العمل به.

و في خبر زكريا بضعف السند و عدم الجابر. و في صحيح ابن مسلم: بأن الشرطية فيه ليست لها مفهوم. و في موثق عمار: بأن الحكم فيه يمكن أن يكون مبنيا على عدم انفعال الماء القليل، فيكون كغيره مما ورد في سائر النجاسات- كما تقدم في ذلك المبحث- فتأمل. و في صحيحة إبراهيم الأولى:

بأن الظاهر أن مورد السؤال فيها قضية خارجية، لأن الظاهر من قول السائل‌

«الجارية النصرانية تخدمك»

، خصوص الجارية المعينة التي كانت تخدم الرضا (ع) و لم يعلم أن هذا الاستخدام كان باختياره، أو باختيار سلطان الجور بأن كان- سلام اللّٰه عليه- مجبوراً على ذلك، فيكون السؤال عن حاله مع هذه الجارية في ظرف اضطراره الى خدمتها، و لو كان المراد السؤال عن القضية الكلية لكان المناسب التعبير بقوله: الجارية تخدم الإنسان، أو تخدمني كما لعله ظاهر. و حينئذ يشكل الاستدلال بها على ما نحن فيه، لإجمال الواقعة التي هي موضوع السؤال. و في الصحيحة الثانية: أنه لا يظهر منها أن السؤال من حيث النجاسة أو من حيث جواز العمل. و صحيح ابن جعفر (ع) قد تقدم نظيره منه في مبحث انفعال القليل، و مورده اليد المتنجسة بالجنابة، و لعل المراد من الضرورة فيهما خصوص التقية التي ترفع الوضع كما ترفع التكليف، فيكون اليهودي و النصراني طاهرين في حال التقية، و لا بأس بالالتزام به.

______________________________
(1) الوسائل باب: 14 من أبواب النجاسات حديث: 9.

373
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

نعم تشكل موثقة عمار المتضمنة تغسيل النصراني للمسلم إذا لم يوجد مسلم أو مسلمة ذات رحم، و تغسيل النصرانية للمسلمة كذلك، فان البناء على وجوب التغسيل بالماء النجس بعيد جداً، لأنه يزيد الميت نجاسة، و حمله على التغسيل بالكثير أبعد. و لأجل ذلك رد الموثقة المذكورة بعضهم لمخالفتها للقواعد. لكن المشهور بين القدماء و المتأخرين العمل بها، و ان كان الاشكال فيها لا يختص بهذه الجهة، لأن عبادة الكافر أيضاً باطلة بالإجماع.

و كيف كان نقول: إن أمكن البناء على المناقشات المذكورة في هذه النصوص- و لو للجمع بينها و بين ما دل على النجاسة- فهو المتعين، و إن لم يمكن ذلك- لبعد المحامل المذكورة، و إباء أكثر النصوص عنها- فالعمل بنصوص الطهارة غير ممكن، لمخالفتها للإجماعات المستفيضة النقل- كما عرفت- بل للإجماع المحقق- كما قيل- فإن مخالفة ابن الجنيد- لو تمت- لا تقدح في الإجماع، فكم لها منه (ره) من نظير محكي عنه؟! و ما عن ابن أبي عقيل من طهارة سؤر الذمي لعله مبني على مذهبه من عدم انفعال الماء القليل و ما عن المفيد (ره) من التعبير بكراهة سؤري اليهودي و النصراني لعل مراده منه الحرمة، كما يشهد به- كما قيل- عدم نسبة الخلاف اليه من أحد أتباعه الذين هم أعرف بمذهبه من غيرهم. و ما عن الشيخ (ره) في النهاية من أنه يكره للإنسان أن يدعو أحداً من الكفار الى طعامه فيأكل معه فان دعاه فليأمره بغسل يده، لعل المراد منه مجرد المؤاكلة، لا مع المساورة، كما تقدم احتماله في النصوص. و يشهد لذلك- مضافا إلى ما هو المعروف من أن النهاية مؤلفة من متون الاخبار لا كتاب فتوى- أنه حكي عنه أنه ذكر قبل ذلك بقليل: أنه لا تجوز مؤاكلة الكفار .. الى أن قال:

«لأنهم أنجاس ينجسون الطعام بمباشرتهم إياه».

و دعوى: أن مخالفة الإجماع إنما تقدح في نصوص الطهارة إذا كانت‌

374
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

كاشفة عن خلل فيها، من جهة السند، أو جهة الصدور، و هو غير ظاهر في المقام، فان المذكور في كلام غير واحد أن الوجه في إعراضهم عنها ترجيح نصوص النجاسة عليها، لموافقتها للاحتياط و للكتاب و مخالفتها العامة فإذا تبين الخطأ في ذلك لأن الرجوع الى المرجحات يكون مع تعذر الجمع العرفي مع أنه ممكن هنا، بحمل نصوص النجاسة على الكراهة، كما تقدم في صحيح إسماعيل بن جابر.

مندفعة: بأن ذلك الخطأ لو جاز على بعضهم فلا يجوز على جميعهم كيف؟ و لم يزل بناؤهم على الجمع العرفي في أمثال المقام، كما يظهر بأدنى تتبع في المسائل الفقهية. فالأشبه أن يكون التعليل بما ذكر من قبيل التعليل بعد الورود. و العمدة في الحكم عندهم الإجماع. و احتمال ان هذا الإجماع حدث في العصر المتأخر عن عصر المعصومين (ع)، فلا يقدح بالعمل بنصوص الطهارة. بعيد جداً، فإن كثرة الابتلاء بموضوع الحكم مما يمنع التفكيك بين الأزمنة في وضوحه و خفائه، بحيث يكون بناء أصحاب الأئمة (ع) على الطهارة، و خفي ذلك على من تأخر عنهم فتوهموا بناءهم على النجاسة فبنوا عليها تبعا لهم. (و بالجملة): الوثوق النوعي المعتبر في حجية الخبر لا يحصل في أخبار الطهارة بعد هذا الإجماع.

و أما آية حل طعام أهل الكتاب [1] فلا مجال للاستدلال بها على الطهارة، بعد ورود النصوص الصحيحة المفسرة له بالحبوب «1». مع أن ظهورها في الطهارة غير ظاهر، لأن الظاهر من الحل فيها الحل التكليفي بقرينة السياق مع قوله تعالى (وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) و هذا الحل كما لا يعارض ما دل على حرمة المغصوب لا يعارض ما دل على حرمة النجس. و الظاهر‌

______________________________
[1] و هي قوله تعالى (وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) المائدة: 5.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 51 من أبواب الأطعمة المحرمة.

375
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

من الإضافة إضافة الملك لا اضافة العمل و المباشرة المؤدية إلى سراية النجاسة و لعل الوجه في إنشاء التحليل المذكور دفع توهم الحرمة من جهة عدم حجية أيديهم على الملكية، لأنهم يستحلون الأموال بالمعاملات الفاسدة التي لم يشرعها الإسلام، أو لعدم مبالاتهم في الأسباب المملكة فالتحليل المذكور ظاهري، لحجية اليد، لا واقعي، فمع العلم بالبطلان و عدم صحة اليد لا تحليل بل يجب العمل على العلم.

اللهم الا أن يقال: إن الحل و ان كان تكليفا الا أن إطلاق الحل الظاهر في الفعلية يقتضي الطهارة، بل الظاهر منه كون النظر فيه الى ذلك.

إذ لا فرق في حجية اليد بين الكتابيين و غيرهم. فتخصيص الحل بهم لا بد أن يكون من هذه الجهة. و أما الرواية المفسرة للطعام بالحبوب فالظاهر من الحبوب فيها ما يقابل اللحوم لا خصوص الحبوب الجافة. فإن ذلك بعيد جدا، إذ لا خصوصية لأهل الكتاب في ذلك و ملاحظة التبيان و مجمع البيان في تفسير الآية شاهد بما ذكرنا. فلاحظ.

هذا و قد يستشكل في القول بالنجاسة: بأن كثرة اختلاط الكتابيين مع المخالفين مع اعتقاد أكثرهم طهارتهم، الموجب ذلك لمساورتهم، يوجب سراية النجاسة، و ذلك حرج عظيم. و فيه: أن حال الكتابيين حال سائر الأعيان النجسة التي كان بناؤهم على طهارتها، و لا حرج يلزم من البناء على نجاستها. و لا سيما مع البناء على مطهرية غيبة المسلم ظاهراً- مطلقا- كما سيأتي.

و من ذلك تعرف أن الأقوى ما عليه الأصحاب من النجاسة، لو لا ما يقتضيه النظر في روايات نكاح الكتابية متعة أو مطلقا «1»، فإنها على كثرتها و اشتهارها و عمل الأصحاب بها لم تتعرض للتنبيه على نجاستها، فان‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 الى 8 من أبواب ما يحرم بالكفر من كتاب النكاح و باب: 13 من أبواب المتعة.

376
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

حتى المرتد (1) بقسميه، و اليهود، و النصارى، و المجوس.

و كذا رطوباته و أجزاؤه، سواء كانت مما تحله الحياة أو لا (2).

الملابسات و الملامسات التي تكون بين الزوج و الزوجة لا تمكن مع نجاسة الزوجة و لم يتعرض في تلك النصوص للإشارة إلى ذلك فلاحظها و تدبر.

بل الذي يظهر من مجمع البيان المفروغية عن حل طعام الكتابي إذا لم يكن محتاجا إلى التذكية، و أن الخلاف في طهارة ما هو محتاج إلى التذكية من اللحوم و الشحوم فراجع. و اللّٰه سبحانه ولي التوفيق.

قال شيخنا الأعظم (ره) في طهارته: «ربما يتأمل في تحقق الإجماع على نجاسة كل كافر، بناء على انصراف معاقد الإجماع إلى غير المرتد، فتقوى لذلك طهارته. و هو ضعيف». لكن الأدلة اللفظية التي قد عرفت دلالتها على النجاسة شاملة له أيضاً كغيره.

كما هو المعروف، بل لم يعرف الخلاف من أحد فيه صريحاً.

نعم لازم خلاف السيد (ره) المتقدم فيما لا تحله الحياة من أجزاء الكلب و الخنزير الخلاف هنا أيضاً، لاطراد دليله في المقامين. لكن عرفت ضعفه نعم عن المعالم الاستشكال في تعميم الحكم لها في المقام، للاستشكال في دلالة الآية، و قصور النصوص عن إثباته في مثل الشعر، لأن موردها السؤر، و المؤاكلة و المصافحة و نحو ذلك مما لا يشمل المقام. لكن يكفي في عموم الحكم إطلاق معاقد الإجماع. مضافا إلى أن التفكيك في النجاسة الذاتية بين أجزاء الإنسان خلاف المرتكز العرفي، و لذا تعرضت نصوص طهارة الأجزاء المذكورة من الميتة «1» لبيان وجه التفكيك بينها و بين غيرها من الاجزاء في النجاسة. فلاحظ.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 33 من أبواب الأطعمة المحرمة.

377
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

و المراد بالكافر من كان منكرا للألوهية، أو التوحيد، أو الرسالة (1)، أو ضروريا من ضروريات الدين (2) مع الالتفات الى كونه ضروريا، بحيث يرجع إنكاره إلى إنكار بلا خلاف و لا إشكال، فإن الجميع داخل في معاقد الإجماعات و لكون الثاني هو المشرك، و الأول أسوأ منه، و أكثر أفراد الثالث موضوع نصوص النجاسة.

بلا خلاف ظاهر فيه- في الجملة- بل ظاهر جماعة من الأعيان كونه من المسلمات، و ظاهر مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه في كثير من كتب القدماء و المتأخرين، بل عن التحرير: «الكافر كل من جحد ما يعلمه من الدين ضرورة، سواء كانوا حربيين أو أهل كتاب أو مرتدين و كذا النواصب و الغلاة و الخوارج».

نعم الإشكال في أنه سبب مستقل للكفر تعبدا، أو أنه راجع إلى إنكار النبوة في الجملة. ظاهر الأصحاب- كما في مفتاح الكرامة- الأول، و تبعه في الجواهر، لعطفه في كلامهم على من خرج عن الإسلام، و ظاهر العطف المغايرة و لعدم تقييده بالعلم. و لتقييدهم إياه بالضروري، إذ لو كان راجعا إلى إنكار الرسالة لجرى في كل ما علم أنه من الدين و ان لم يكن ضروريا. و لتمثيلهم له بالخوارج و النواصب مع عدم علم أكثرهم بمخالفتهم في ذلك للدين، بل يعتقدون أنه من الدين، فيتقربون به إلى اللّٰه سبحانه.

و استشهد له بجملة من النصوص‌

كمكاتبة عبد الرحيم القصير: «قال (ع):

و لا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود و الاستحلال، بأن يقول للحلال: هذا حرام، و للحرام: هذا حلال» «1».

و نحوها‌

صحيح الكناني عن أبي

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 50، و باب: 2 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 18. لكن مع اختلاف المتن.

378
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

.....

جعفر (ع) قال (ع) فيه: «فما بال من جحد الفرائض كان كافراً؟» «1».

و‌

صحيح عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع) «قال (ع): من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك عن الإسلام» «2».

و‌

صحيحة بريد العجلي عن أبي جعفر (ع): «سألته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا. قال (ع): من قال للنواة انها حصاة، و للحصاة إنها نواة، ثمَّ دان به» «3»

و نحوها غيرها.

و يمكن أن يخدش في جميع ذلك: بأن الظاهر من الخارج عن الإسلام في كلامهم الخارج عنه بالكلية، و بذلك تحصل المغايرة التي يقتضيها العطف و عدم التقييد بالعلم في كلامهم، لعله للاكتفاء منهم بتقييده بالضروري، لأن المراد به المعلوم. و منه يظهر احتمال أن ذكر الضرورة باعتبار كونها سبباً للعلم، لا لخصوصية فيها. و التمثيل و الاستدلال إنما كانا من بعض، فيجوز أن يكون ناشئاً عن اعتقاده السببية المستقلة، أو بالإضافة إلى بعض كل من الفرقتين، لا جميعهم.

و أما النصوص فهي ما بين مشتمل على الجحود المحتمل الاختصاص بصورة العلم، و مطلق لا يمكن الأخذ بإطلاقه، لعمومه للضروري و غيره، و تخصيصه بالضروري ليس بأولى من تخصيصه بصورة العلم، بل لعل الثاني أولى بقرينة ما اشتمل منها على التعبير بالجحود المختص بالعلم. و لو فرض التساوي فالمتيقن الثاني. هذا مع إمكان معارضة ذلك كله- على تقدير تماميته- بالتعبير بالجحود في كلام كثير أو الأكثر، المختص بصورة العلم. و مثله التعبير بالإنكار، بناء على ارادة الجحود منه، كما استظهره في الجواهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 13.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 10.

(3) الكافي باب الشرك من كتاب الايمان و الكفر حديث: 1.

379
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

الرسالة، و الأحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا، و ان لم يكن ملتفتاً الى كونه ضروريا. و ولد الكافر يتبعه في و بما اشتهر- كما قيل- من استثناء صورة الشبهة. و بعدم التعرض له من كثير من القدماء الظاهر في اكتفائهم عنه بذكر الكفر. و كأنه لذلك قال المحقق الأردبيلي (قده): «الضروري الذي يكفر منكره الذي ثبت عنده يقيناً كونه من الدين و لو بالبرهان، و لو لم يكن مجمعاً عليه، إذ الظاهر أن دليل كفره هو إنكار الشريعة. و إنكار صدق النبي (ص) في ذلك ..»،

و نحوه ما عن جماعة ممن تأخر عنه.

هذا و شيخنا الأعظم (قده) فصل بين المقصر و القاصر، فبنى على الكفر في المقصر إذا أنكر بعض الأحكام الضرورية، عملا بإطلاق النصوص و الفتاوى في كفر منكر الضروري، و على عدمه في القاصر، لعدم الدليل على سببيته للكفر، مع فرض عدم التكليف بالتدين بذلك الحكم، و لا بالعمل بمقتضاه- كما هو المفروض- و يبعد أن لا يحرم على الشخص شرب الخمر و يكفر بترك التدين بحرمته. لكن عرفت الإشكال في إطلاق النصوص و الفتاوى في ذلك. و لو سلم فعدم التكليف به- عقلا- لا يمنع من سببية ترك التدين به للكفر، و لو لم يكن فرق ظاهر بين الأمور الاعتقادية و العملية من حيث التكليف.

هذا كله في الأحكام العملية التي يجب فيها العمل و لا يجب فيها الاعتقاد. و أما الأمور الاعتقادية التي يجب فيها الاعتقاد لا غير فالحكم بكفر منكرها- ضرورية كانت أو نظرية- يتوقف على قيام دليل على وجوب الاعتقاد بها تفصيلا، على نحو يكون تركه كفراً. و مجرد كونه ضروريا لا يوجب كفر منكره، إلا بناء على كون إنكار الضروري سبباً مستقلا للكفر، و قد عرفت عدم ثبوته، فالمتبع الدليل الوارد فيه بالخصوص.

380
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

النجاسة (1) إلا إذا أسلم بعد البلوغ، أو قبله مع فرض كونه على المشهور- كما عن الكفاية- بل لم يعرف مخالف صريح فيه. نعم قد يشعر قول العلامة (ره) في النهاية: «الأقرب تبعية أولاد الكفار لهم» بوجود الخلاف فيه، أو بعدم انعقاد الإجماع عليه. لكن عن جملة من الكتب دعواه صريحاً على تبعية الولد المسبي مع أبويه لهما في الكفر و النجاسة، و في الجواهر في كتاب الجهاد: «و حكم الطفل ذكرا و أنثى تابع لأبويه في الإسلام و الكفر، و ما يتبعهما من الأحكام. كالطهارة و النجاسة و غيرهما، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه»، و في وسائل المحقق الكاظمي (ره): «لا كلام في جريان أحكام آبائهم في الدنيا من نجاسة و غيرها عليهم، و هو إجماع».

و قد يستدل لذلك (تارة): باستصحاب نجاسة الولد الثابتة قبل ولوج الروح فيه، بناء على كونه جزءا من الأم (و اخرى): بتنقيح المناط عند المتشرعة، فإنهم يتعدون من نجاسة الأبوين إلى نجاسة الولد، نظير ما تقدم في المتولد بين الكلب و الخنزير. و قد تقدم الاشكال فيهما (و ثالثة):

بصحيحة ابن سنان: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع): عن أولاد المشركين يموتون قبل أن يبلغوا الحنث. قال (ع): كفار. و اللّٰه أعلم بما كانوا عاملين. يدخلون مداخل آبائهم» «1»

، و نحوه غيره. لكن الظاهر منها حكمهم في الآخرة، و مضمونها مخالف لقواعد العدلية، فلا بد من حملها على بعض المحامل الموافقة للقواعد.

و يمكن الاستدلال له‌

بخبر حفص بن غياث «سألت أبا عبد اللّٰه (ع):

عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك. فقال (ع): إسلامه إسلام لنفسه و لولده الصغار، و هم أحرار

______________________________
(1) الفقيه باب: 151 جزء: 3 صفحة 317 الطبعة الحديثة.

381
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

عاقلا مميزاً، و كان إسلامه عن بصيرة، على الأقوى (1).

و ولده و متاعه و رقيقه له. فاما الولد الكبار فهم في‌ء للمسلمين، إلا أن يكونوا أسلموا قبل ذلك «1»».

مضافا الى أن تقابل الكفر و الإسلام تقابل العدم و الملكة، فعدم الإسلام يكفي في صدق الكفر. لكن هذا الوجه يختص بالولد المميز الذي لم يسلم، لأن غير المميز لا شأنية فيه للإسلام، فلا يصدق عليه الكافر و لا المسلم، فالتبعية للوالد فيه تحتاج إلى دليل بالخصوص و كفى بالإجماع المحقق و الخبر دليلا عليها. مضافا إلى السيرة القطعية على معاملتهم معاملة آبائهم. و بذلك كله يخرج عن أصالة الطهارة، المقتضية للحكم بطهارة الولد مطلقاً و لو لم يكن مميزا.

لإطلاق الأدلة الشارحة لمفهوم الإسلام، الشامل للبالغ و الصبي بنحو واحد. و مقتضاه ثبوت أحكام الإسلام لإسلام الصبي- كثبوتها لإسلام البالغ- و ان لم يكن عن بصيرة. بل قيل بوجوبه عليه كوجوبه على البالغ. و حديث رفع القلم «2» لا مجال له، لأن وجوب الإسلام عقلي أو فطري بمناط وجوب دفع الضرر المحتمل، و مثله لا يرتفع بحديث رفع القلم، لاختصاصه بما يكون رفعه و وضعه بيد الشارع. (و فيه): أن احتمال الضرر الذي هو موضوع الحكم العقلي أو الفطري يرتفع بالحديث المذكور. و كذا الحال في بقية المعارف الدينية، سواء أ كان وجوبه عقليا أم شرعيا، فإنه يمكن رفع وجوبه بحديث رفع القلم. إلا أن الرفع بحديث رفع القلم لا يمنع من صحة وقوعه من الصبي، لأنه يرفع الإلزام لا الصحة كما لا يخفى.

و من ذلك يظهر لك أنه لا حاجة في إثبات نجاسة ولد الكافر- إذا‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب جهاد العدو حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 11.

382
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

و لا فرق في نجاسته بين كونه من حلال أو من الزنا (1)، و لو في مذهبه. و لو كان أحد الأبوين مسلماً فالولد تابع له (2) كان متدينا بدين والده- إلى دليل على النجاسة بالخصوص. بل تكفي فيها الأدلة العامة لنجاسة الكافر، التي لا فرق فيها بين الصبي و البالغ. و حديث رفع القلم عن الصبي لا يرفع النجاسة، لوضوح اختصاصه برفع المؤاخذة.

و ليس هو مثل حديث رفع التسعة «1»، كي يتوهم عمومه لرفع النجاسة حتى ادعى بعضهم عمومه لرفع التكليف و الوضع. و ذلك لاختلاف لساني الحديثين، فان حديث رفع القلم إنما رفع فيه القلم، و المراد قلم السيئات، بخلاف حديث رفع التسعة، فإن المرفوع فيه نفس الفعل، و يمكن توهم رفع جميع أحكامه، كما لا يخفى بأقل تأمل.

كما قواه في كشف الغطاء. و يقتضيه إطلاق معاقد الإجماعات.

و في الجواهر: «قد يمنع الإجماع فيه، و ان كان لا يخلو من إشكال».

و كأن وجه الاشكال: عدم تعرضهم لاستثناء ولد الزنا. و احتمال الاجتزاء بما ذكروه في محل آخر، من نفي ولد الزنا. بعيد، و لا سيما مع عدم وضوح دليل على نفي ولديته مطلقاً، و الثابت إنما هو في موارد خاصة، كالتوارث و غيره، و المرجع في غيرها إطلاق أدلة حكم الولد، و ان كان هذا المقدار غير كاف في وضوح الإجماع على الإلحاق في المقام. و عليه يشكل الحكم بالنجاسة. إلا أن يتمسك لها بالسيرة و الخبر المتقدم. هذا لو لم يكن مميزاً، أما المميز غير المتدين بالإسلام، فلا إشكال في نجاسته كما عرفت.

كما هو المعروف. لأصالة الطهارة بعد عدم دليل على النجاسة من إجماع أو غيره، لو لم يكن إجماع على الطهارة، كما قد يظهر من‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 56 من أبواب جهاد النفس حديث: 1.

383
مستمسک العروة الوثقی1

الثامن الكافر ؛ ج‌1، ص : 367

إذا لم يكن عن زنا، بل مطلقاً على وجه مطابق لأصل الطهارة (1).

نسبته إلى الأصحاب في محكي شرح المفاتيح. مع أنه مقتضى خبر حفص المتقدم في خصوص إسلام الأب. لكن الخروج في غير مورد الخبر عن عموم ما دل على نجاسة الكافر، الصادق على الولد المميز، غير ظاهر.

لكن جزم في كشف الغطاء و غيره بالكفر لو كان الزنا من طرف المسلم و الحل من طرف الكافر، لإلحاقه بالكافر دون المسلم، لنفي ولديته له. لكن عرفت الإشكال في ذلك، لا أقل من عدم ثبوت الإجماع على النجاسة في غير مورد الكفر من الطرفين، و الأصل الطهارة. نعم يتم ما ذكره في الولد المميز لما عرفت من العموم.

هذا و لو بلغ ولد الكافر مجنوناً كان مقتضى الاستصحاب النجاسة، و كذا لو بلغ عاقلا، و كان في فسحة النظر. (و الاشكال) فيه بتعدد الموضوع، لتبدل الصبا بالبلوغ، و التبعية بالاستقلال (مندفع): بعدم قدح مثل ذلك في وحدة الموضوع عرفا. مع أن الظاهر صدق الكافر عليه حقيقة، فتشمله معاقد الإجماعات على النجاسة، فلو جن بعد ذلك بقي على النجاسة، للاستصحاب.

و لو سبي ولد الكافر، فان كان مع أبويه أو أحدهما فهو على النجاسة إجماعا محكيا عن جملة من كتب الأصحاب. و يقتضيها الأصل المتقدم.

و لو سبي منفردا فالمعروف الطهارة، بل عن المعالم و شرح المفاتيح:

أنها ظاهر الأصحاب. نعم قد يظهر من الشهيد في محكي الذكرى وجود الخلاف، بل عن التلخيص و شرح الروضة: الجزم ببقاء التبعية لأبويه، و مال إليه في المسالك. لعدم الدليل القاطع، للأصل الحاكم على أصالة الطهارة، و قد عرفت أن الاشكال في الأصل بتعدد الموضوع في غير محله، و ان صدر عن جماعة من الأعيان.

384
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين ؛ ج‌1، ص : 385

[ (مسألة 1): الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين]

(مسألة 1): الأقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين (1) سواء كان من طرف أو طرفين. بل و ان كان أحد الأبوين مسلماً، كما مر.

نعم تمسك للطهارة شيخنا الأعظم (ره)- تبعا لكاشف الغطاء- بالسيرة القطعية على معاملتهم معاملة المسلمين من حيث الطهارة. لكن في ثبوتها- بنحو يعتمد عليها- إشكالا. و التمسك بأدلة الحرج «1» أشكل و سيأتي- إن شاء اللّٰه- في مبحث الطهارة بالتبعية بعض الكلام في المقام.

كما هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يعرف الخلاف فيها إلا من الصدوق و السيد و الحلي- بناء منهم على كفره- بل عن الأخير نفي الخلاف فيه. و كأنه للنصوص المتضمنة للنهي عن الاغتسال من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام «2». معللا: بأنه يسيل منها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرهم. و في بعضها: أنه لا يطهر إلى سبعة آباء «3». و‌

لمرسلة الوشاء: «أنه (ع): كره سؤر ولد الزنا، و اليهودي، و النصراني، و المشرك، و كل من خالف الإسلام» «4»

و لما تضمن: أنه رجس «5»، و أنه شر «6» و أنه لا خير فيه، و لا في بشره، و لا في شعره، و لا في لحمه، و لا في دمه «7»، و أن لبن اليهودية و النصرانية و المجوسية أحب الي من لبن الزنا «8». لكن الجميع قاصر‌

______________________________
(1) تقدمت الإشارة إليها في تعاليق المسألة: 10 من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

(2) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

(3) الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 3 من أبواب الأسئار حديث: 2.

(5) البحار. جزء: 5 صفحة: 285 الطبع الجديد.

(6) البحار. جزء: 5 صفحة: 285 الطبع الجديد.

(7) الوسائل باب: 14 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة حديث: 7.

(8) الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام الأولاد من كتاب النكاح حديث: 2.

385
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة ؛ ج‌1، ص : 386

[ (مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة]

(مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة (1)، عن إثبات النجاسة، فضلا عن الكفر. فان نصوص النهي غير ظاهرة فيها بقرينة اشتمالها على الجنب، و على التعبير بقوله (ع):

«و هو شرهم»

، و أنه لا يطهر إلى سبعة آباء، فان الشريعة تناسب الخباثة النفسية، و كذلك عدم طهر أبنائه، للإجماع على عدم تعدي نجاسته- على تقدير ثبوتها- إليهم، فيتعين حملها على نفي الطهارة النفسية. و الكراهة أعم من الحرمة.

و السياق غير كاف في إثبات الحرمة، لجواز ثبوت الخباثة النفسية في الجميع و يكون السياق بلحاظها. و قصور الباقي ظاهر. فأصالة الإسلام و الطهارة محكمة.

بلا كلام- كما عن جامع المقاصد- و عن ظاهر جماعة، و صريح روض الجنان و الدلائل، الإجماع عليه. و هو واضح جداً لو أريد منهم من يعتقد الربوبية لأمير المؤمنين (ع) أو أحد الأئمة (ع)- كما في كشف الغطاء- لأنه إنكار للّٰه تعالى، و إثبات لغيره، فيكون كفرا بالذات، فيلحقه حكمه من النجاسة.

أما لو أريد منهم من يعتقد حلوله تعالى فيهم، أو في أحدهم- كما هو الأظهر عند شيخنا الأعظم (ره)- فالنجاسة مبنية على أن إنكار الضروري كفر تعبدي، فان لم يثبت أشكل الحكم بها. و دعوى الإجماع لعلها مبنية على ذلك المبنى، فيشكل الاعتماد عليها.

و كذا الحال لو أريد من الغلو تجاوز الحد في صفات الأنبياء و الأئمة (ع) مثل اعتقاد أنهم خالقون، أو رازقون أو لا يغفلون، أو لا يشغلهم شأن عن شأن، أو نحو ذلك من الصفات. و لذا حكي عن ابن الوليد أن نفي السهو عن النبي (ص) أول درجة الغلو. فالنجاسة في مثل ذلك أيضاً مبنية على الكفر بإنكار الضروري. و دعوى القطع بعدم الكفر بمثل ذلك غير واضحة. و كأن وجهها إنكار كون مثل ذلك إنكارا للضروري. و لكنها‌

386
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة ؛ ج‌1، ص : 386

و الخوارج (1)، و النواصب (2). و أما المجسمة، و المجبرة، كما ترى، لوضوح كون اختصاص الصفات المذكورة به جل شأنه ضروريا في الدين. نعم ما لم يبلغ اختصاصه حد الضرورة فالدعوى المذكورة فيه في محلها.

و قد يستدل للنجاسة في الغلاة بما ورد في فارس بن حاتم «1» الغالي عن الهادي (ع): من الأمر بتوقي مساورته. لكن فيه- مع إجمال غلوه لعنه اللّٰه-: أن النسخة الصحيحة:

«مشاورته»

بالشين المعجمة، لا بالسين المهملة، فلا يكون مما نحن فيه.

بلا كلام- كما عن جامع المقاصد- و عن ظاهر جماعة، و صريح روض الجنان، و الدلائل: الإجماع عليه. و المراد بهم من يعتقد ما تعتقده الطائفة الملعونة التي خرجت على أمير المؤمنين (ع) في صفين، فاعتقدت كفره و استحلت قتاله. و استدل له‌

برواية الفضيل: «دخلت على أبي جعفر (ع) و عنده رجل فلما قعدت قام الرجل فخرج. فقال (ع) لي يا فضيل ما هذا عندك. قلت: كافر قال (ع): أي و اللّٰه مشرك» «2»

لإطلاق التنزيل الشامل للنجاسة. و لأنهم من النواصب، فيدل على نجاستهم ما دل على نجاستهم.

بلا كلام- كما عن جامع المقاصد و الدلائل- و لا خلاف- على الظاهر- فيه، كما عن شرح المفاتيح. و عن الحدائق و الأنوار للجزائري:

الإجماع صريحا عليه. و يشهد له ما‌

رواه الفضيل عن الباقر (ع): «عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال (ع): لا، لأن الناصب كافر» «3»

______________________________
(1) تراجع ترجمته في تنقيح المقال جزء: 2 صفحة: 1.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 55.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب ما يحرم من النكاح بالكفر حديث: 15.

387
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة ؛ ج‌1، ص : 386

و القائلون بوحدة الوجود من الصوفية إذا التزموا بأحكام الإسلام، فالأقوى عدم نجاستهم (1) و ما‌

في رواية ابن أبي يعفور «إن اللّٰه تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب و ان الناصب لنا- أهل البيت- لأنجس منه» «1».

و الخدشة في الدلالة:

و أن النجاسة القابلة للزيادة و النقيصة هي الباطنية. مندفعة: بمنع ذلك ضرورة كالخدشة بأنه مسوق مساق ولد الزنا و الجنب ممن كانت الخباثة فيه باطنية وجه الاندفاع: أنه لا مانع من كون النجاسة الخارجية العينية أيضاً موجبة للخباثة المعنوية، فيكون الجميع بنحو واحد و ان اختلفت الموارد، فالسياق المذكور لا يوجب رفع اليد عن ظاهر الفقرة في النجاسة العينية الخارجية.

فتأمل. هذا و سيجي‌ء الكلام في المراد من الناصب. فانتظر.

لعدم الدليل عليها، فيرجع فيها إلى أصالة الطهارة، و إن حكي القول بالنجاسة مطلقا عن المبسوط، و المنتهى، و الدروس، و ظاهر القواعد و غيرها. بل عن جامع المقاصد: لا كلام فيها. أو في خصوص المجسمة بالحقيقة، كما عن البيان و المسالك و غيرهما، و عن روض الجنان: لا ريب في نجاستهم. إذ المستند إن كان هو الإجماع فهو ممنوع جدا، فقد حكي عن ظاهر المعتبر، و التذكرة و صريح النهاية، و الذكرى: الطهارة. و ان كان إنكارهم للضروري، ففيه- مع أنه مختص بالمجسمة بالحقيقة، و مبني على الاكتفاء في تحقق إنكار اللازم بإنكار الملزوم، إذ عدم التجسيم ليس ضروريا من الدين، لإبهام كثير من الآيات و الاخبار له، و إنما الضروري القدم و عدم الحاجة، اللذان يكون إنكارهما لازما لاعتقاد الجسمية-: أنك قد عرفت عدم ثبوت الإجماع على كون الإنكار سبباً مطلقا، و لو مع عدم العلم بكون المنكر من الدين.

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 5.

388
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة ؛ ج‌1، ص : 386

.....

نعم استدل على نجاستهم‌

بخبر ياسر الخادم عن الرضا (ع): «من شبه اللّٰه بخلقه فهو مشرك، و من نسب اليه ما نهى عنه فهو كافر» «1»

و‌

خبر الحسين بن خالد عنه (ع): «من قال بالتشبيه و الجبر فهو كافر مشرك» «2»

و‌

خبر داود بن القاسم عنه (ع): «من شبه اللّٰه بخلقه فهو مشرك، و من وصفه بالمكان فهو كافر، و من نسب اليه ما نهى عنه فهو كاذب» «3»

و‌

خبر محمد بن أبي عمير عن غير واحد عن الصادق (ع): «من شبه اللّٰه بخلقه فهو مشرك، و من أنكر قدرته فهو كافر» «4»

، بناء على أن التجسيم نوع من التشبيه. لكن دلالتها لا تخلو من خدش، لأن الظاهر من التنزيل فيها- بقرينة التفصيل بين المشرك و الكافر- كونه بلحاظ الأحكام الخاصة، لا المشتركة، كما لعله ظاهر. نعم‌

في رواية الهروي عن الرضا (ع): «من وصف اللّٰه بوجه كالوجوه فقد كفر» «5»

دلالة على ذلك، لإطلاق التنزيل. لكن التجسيم غير التشبيه، إذ بينهما عموم من وجه.

و أما المجبرة فالنجاسة فيهم محكية عن المبسوط، و كاشف اللثام، و اختاره في كشف الغطاء و إذ لا إجماع مدعى هنا، و لا إنكار لضروري- إلا بناء على تحقق إنكار اللازم بإنكار الملزوم، فيكون إنكار الاختيار إنكارا للثواب و العقاب، و هو ممنوع- فالبناء على النجاسة ضعيف. نعم استدل عليها ببعض النصوص المتقدمة في المجسمة، و مثلها‌

خبر يزيد بن عمر الشامي عن الرضا (ع): «و القائل بالجبر كافر، و القائل بالتفويض مشرك» «6»

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 16.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 17.

(5) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 4.

389
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لا إشكال في نجاسة الغلاة ؛ ج‌1، ص : 386

.....

و قد عرفت الإشكال في دلالتها على النجاسة. نعم‌

في رواية حريز عن أبي عبد اللّٰه (ع): «الناس في القدر على ثلاثة أوجه: رجل زعم أن اللّٰه أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم اللّٰه تعالى في حكمه، فهو كافر. و رجل يزعم أن الأمر مفوض إليهم، فهذا قد وهن اللّٰه تعالى في سلطانه، فهو كافر» «1».

و دلالتها على النجاسة بإطلاق التنزيل ظاهرة، فالبناء على النجاسة في المشبهة، و المجبرة، قوي. و كذا في المفوضة- كما في كشف الغطاء- للرواية المذكورة.

نعم قد يشكل ذلك بما عن شرح المفاتيح، من أن ظاهر الفقهاء طهارتهم، فتكون الرواية مخالفة للمشهور. لكنه لم يثبت بنحو تسقط به الرواية عن الحجية. و لا سيما بناء على اندفاع المناقشة في نصوص التفصيل لكثرة الروايات الدالة على نجاسة المفوضة «2» حينئذ. (و دعوى): أن ذلك خلاف سيرة الأئمة (ع): و أصحابهم من معاشرة المخالفين، و أكثرهم في جملة من العصور مجبرة أو مفوضة (يدفعها)- مع ورود ذلك في النواصب في زمان الأمويين المعلنين بسب أمير المؤمنين (ع): على منابرهم في جميع الآفاق الإسلامية-: أن وضوح بطلان الجبر و التفويض مما يوجب بناء العامة على خلافهما، إذ من البعيد اعتقاد متعارف الناس عدم الاختيار في العبد، ضرورة ثبوت القدرة له، كضرورة ثبوت الإرادة، و لا نعني من الاختيار إلا هذا المقدار، فالاختيار في العبد ضروري، و كذا بطلان التفويض، بمعنى استقلال العبد في القدرة في قبال قدرته سبحانه، فان كل شي‌ء تحت قدرته تعالى، و منه قدرة العبد، و إذا كان الأمر بين الأمرين ضروريا وجدانيا يبعد بناء عامة الناس على خلافه، إلا على نحو التقليد‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 10

(2) تراجع الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد.

390
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون ؛ ج‌1، ص : 391

إلا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد (1).

[ (مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون]

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة، إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون (2).

الأعمى، و الانتساب إلى مثل هذه المذاهب الفاسدة بمجرد اللسان لا بالجنان و إن كان الظاهر أن النصوص واردة بالإضافة إليهم، فيشكل دفع الدعوى المذكورة. و كذا الإشكال في النواصب و الخوارج.

أما القائلون بوحدة الوجود من الصوفية فقد ذكرهم جماعة، و منهم السبزواري في تعليقته على الاسفار، قال: «و القائل بالتوحيد إما أن يقول بكثرة الوجود و الموجود جميعاً مع التكلم بكلمة التوحيد لساناً، و اعتقاداً بها إجمالا، و أكثر الناس في هذا المقام. و إما أن يقول بوحدة الوجود و الموجود جميعا، و هو مذهب بعض الصوفية. و إما أن يقول بوحدة الوجود و كثرة الموجود، و هو المنسوب إلى أذواق المتألهين. و عكسه باطل. و إما أن يقول بوحدة الوجود و الموجود في عين كثرتهما، و هو مذهب المصنف و العرفاء الشامخين. و الأول: توحيد عامي، و الثالث: توحيد خاصي، و الثاني:

توحيد خاص الخاص، و الرابع: توحيد أخص الخواص».

أقول: حسن الظن بهؤلاء القائلين بالتوحيد الخاص و الحمل على الصحة المأمور به شرعا، يوجبان حمل هذه الأقوال على خلاف ظاهرها، و إلا فكيف يصح على هذه الأقوال وجود الخالق و المخلوق، و الآمر و المأمور و الراحم و المرحوم؟! وَ مٰا تَوْفِيقِي إِلّٰا بِاللّٰهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ.

مطلقا، أو مع العلم بكون خلافها من الدين، على ما تقدم من القولين من كون إنكار الضروري مكفرا تعبداً، أو لرجوعه إلى إنكار الرسالة فلاحظ.

أما الفرق المخالفة للشيعة فالمشهور طهارتهم. و يحكى عن السيد‌

391
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون ؛ ج‌1، ص : 391

.....

القول بنجاستهم، و عليه بعض متأخري المتأخرين، كصاحب الحدائق، و حكاه عن المشهور في كلمات أصحابنا المتقدمين. و ستشهد لذلك بما في كتاب فص الياقوت للشيخ الجليل ابن نوبخت (ره) من قوله: «دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا، و من أصحابنا من يفسقهم». و بما في المقنعة من أنه لا يجوز تغسيل المخالف للحق في الولاية، و لا الصلاة عليه، و نحوه ما عن ابن البراج. و بما في التهذيب- بعد نقل ما في المقنعة-:

«الوجه فيه أن المخالف لأهل الحق كافر فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار، إلا ما خرج بالدليل». و بما في السرائر من الاستدلال على ذلك:

بأن المخالف لأهل الحق كافر بلا خلاف بيننا. انتهى. ثمَّ حكى عن الصالح المازندراني (ره) في شرح أصول الكافي التصريح بكفرهم. و كذا عن الشريف القاضي في إحقاق الحق و أبي الحسن الشريف في شرح الكفاية.

لكن جميع العبارات المذكورة إنما تضمنت التصريح بكفرهم، من دون تعرض فيها لنجاستهم. فلاحظ. نعم في بعضها الاستدلال على ذلك بإنكار الضروري الموجب للكفر و النجاسة.

و كيف كان فالاستدلال على النجاسة (تارة): بالإجماع المحكي عن الحلي على كفرهم، المؤيد بنسبته الى جمهور أصحابنا في كتاب فص الياقوت للشيخ الجليل ابن نوبخت- كما عرفت- و الى أكثر أصحابنا في شرحه للعلامة (ره) و بإرساله في التهذيب إرسال المسلمات، كما تقدم. (و أخرى) بالنصوص المتجاوزة حد الاستفاضة، بل قيل: إنها متواترة، المتضمنة كفرهم،

كرواية أبي حمزة: «سمعت أبا جعفر (ع) يقول: إن عليا (ع) باب فتحه اللّٰه تعالى من دخله كان مؤمنا، و من خرج عنه كان كافرا»

، و نحوها روايات مروان بن مسلم، و سدير و يحيى بن القاسم، و أبي خالد‌

392
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون ؛ ج‌1، ص : 391

.....

الكابلي، و أبي سلمة. و الفضيل بن يسار، و غيرها فلاحظ حدود الوسائل [1] (و ثالثة): بأنهم ممن أنكر ضروري الدين كما في محكي المنتهى في مسألة اعتبار الايمان في مستحق الزكاة، و في شرح كتاب فص الياقوت و غيرهما، فيعمهم ما دل على كفر منكر الضروري (و رابعة): بما دل على نجاسة الناصب من الإجماع المتقدم و غيره، بضميمة ما دل على أنهم نواصب،

كخبر معلى بن خنيس: «سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد أحداً يقول: إني أبغض آل محمد (ص). و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنكم تتولوننا، و تبرؤون من أعدائنا» «1»

، و نحوه خبر عبد اللّٰه بن سنان «2» مع تفاوت يسير. و‌

مكاتبة محمد بن علي بن عيسى إلى الهادي (ع) يسأله عن الناصب هل يحتاج في امتحانه الى أكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاد إمامتهما؟

فرجع الجواب: «من كان على هذا فهو ناصب» «3»

و هذه الروايات مذكورة في الوسائل في كتابي الخمس و الحدود. و‌

خبر عبد اللّٰه بن المغيرة المحكي عن الروضة- كما في طهارة شيخنا الأعظم (ره)- «قلت لأبي الحسن (ع): إني ابتليت برجلين، أحدهما ناصب، و الآخر زيدي و لا بد لي من معاشرتهما، فمن أعاشر؟ فقال (ع): هما سيان

.. (الى أن قال):

هذا نصب لك، و هذا الزيدي نصب لنا» «4»

.

______________________________
[1] راجع الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد، لكن بعض ما أشير إليه مشتمل على البغض، فيكون أخص.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس ملحق الحديث الثالث.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس حديث: 3.

(3) الوافي باب: 23 من أبواب وجوب الحجة حديث: 4.

(4) الوافي باب: 23 من أبواب وجوب الحجة حديث: 3.

393
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون ؛ ج‌1، ص : 391

.....

و في الجميع خدش ظاهر، إذ الكفر المدعى عليه الإجماع في كلام الحلي و غيره، إن كان المراد منه ما يقابل الإسلام، فهو معلوم الانتفاء، فان المعروف بين أصحابنا إسلام المخالفين، و ان كان المراد به ما يقابل الايمان- كما هو الظاهر، بقرينة نسبة القول بفسق المخالفين إلى بعض أصحابنا في كتاب فص الياقوت في قبال نسبة الكفر الى جمهورهم- لم يجد في إثبات النجاسة، لأن الكافر الذي انعقد الإجماع، و دلت الأدلة على نجاسته ما كان بالمعنى الأول، كما تشهد به الفتوى بالطهارة هنا من كثير من نقلة الإجماع على نجاسة الكافر.

و أما النصوص فالذي يظهر منها أنها في مقام إثبات الكفر للمخالفين بالمعنى المقابل للايمان، كما يظهر من المقابلة فيها بين الكافر و المؤمن.

فراجعها. و قد ذكر في الحدائق كثيراً منها. و يشهد لذلك النصوص الكثيرة الشارحة لحقيقة الإسلام،

كموثق سماعة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع):

أخبرني عن الإسلام و الايمان أ هما مختلفان؟ فقال (ع): إن الايمان يشارك الإسلام، و الإسلام لا يشارك الايمان. فقلت: فصفهما لي. فقال (ع):

الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللّٰه و التصديق برسول اللّٰه (ص)، به حقنت الدماء، و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة الناس. و الايمان الهدى، و ما يثبت في القلوب من صفة الإسلام و ما ظهر من العمل به» «1».

و‌

صحيح حمران عن أبي جعفر (ع): «سمعته يقول: الايمان ما استقر في القلب، و أفضي به إلى اللّٰه تعالى، و صدقه العمل بالطاعة و التسليم لأمره، و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلها، و به حقنت الدماء و عليه جرت المواريث و جاز النكاح ..» «2».

______________________________
(1) الوافي باب: 1 من أبواب تفسير الايمان و الكفر من الفصل الثاني من كتاب الايمان و الكفر.

(2) الوافي باب: 1 من أبواب تفسير الايمان و الكفر من الفصل الثاني من كتاب الايمان و الكفر.

394
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون ؛ ج‌1، ص : 391

.....

و‌

خبر سفيان بن السمط: «سأل رجل أبا عبد اللّٰه (ع) عن الإسلام و الايمان ما الفرق بينهما؟

.. (الى أن قال):

فقال (ع): الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس، شهادة أن لا إله إلا اللّٰه، و أن محمداً رسول اللّٰه و إقام الصلاة، و إيتاء الزكاة، و حج البيت، و صيام شهر رمضان، فهذا الإسلام و قال (ع): الإيمان معرفة هذا الأمر مع هذا، فإن أقر بها و لم يعرف هذا الأمر كان مسلماً، و كان ضالا» «1».

و يشهد لذلك أيضاً النصوص الكثيرة الواردة في طهارة ما يؤخذ من أيديهم من المائعات و الجامدات التي يعلم مباشرتهم لها كالأدهان، و الألبان، و العصير الذي قد ذهب ثلثاه، و الجبن، و الجلود، و اللحوم و غير ذلك مما يتجاوز حد التواتر (و بالجملة): فالقرائن الداخلية و الخارجية قاضية بكون المراد من الكفر في النصوص السابقة ما لا يكون موضوعا للنجاسة. و الظاهر أنه هو المراد من الكفر في كلمات أصحابنا (رض).

و حينئذ لا وجه لنسبة القول بالنجاسة إليها.

نعم يأبى ذلك التعليل بإنكار الضروري في كلام بعضهم، كالعلامة في شرح فص الياقوت و المنتهى، و غيره. لكن لا بد من توجيه ذلك، إذ من البعيد جدا بناء مثل العلامة (ره) على النجاسة. و لا سيما مع وضوح منعه. نعم هو من إنكار ضروري المذهب. لكن إنكار مثل ذلك لا يقتضي النجاسة. و من ذلك يظهر لك الإشكال في الاستدلال به على النجاسة، و لا سيما بناء على ما عرفت من عدم كون إنكار الضروري مكفرا مطلقاً.

و أما النصوص الدالة على نصبهم- فمع عدم صحة أسانيدها، و مخالفتها للمشهور بين الأصحاب. و تعارضها فيما بينها، لدلالة المكاتبة على كون النصب مجرد الاعتقاد بامامة الجبت و الطاغوت، و دلالة غيرها على كونه‌

______________________________
(1) الوافي باب: 1 من أبواب تفسير الايمان و الكفر من الفصل الثاني من كتاب الايمان و الكفر.

395
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون ؛ ج‌1، ص : 391

.....

معاداة الشيعة. و لإشكال مضامينها في نفسها، فان قوله (ع) في الخبرين‌

«لأنك لا تجد ..»

مخالف للواقع، لكثرة المبغضين لهم و المستحلين لقتلهم و قتالهم، و مخالف للنصوص المشتملة على حكم الناصب لهم أهل البيت.

فلاحظ ما ورد في غسالة الحمام «1» و غيرها- أن قوله (ع):

في رواية ابن المغيرة: «هذا نصب لك ..»

غير ظاهر، إذ لا فرق بين الزيدي و غيره، فإن الزيدي قد ينصب لهم (ع): لاعتقاده تقصيرهم (ع) في أداء ما يجب عليهم من الأمر بالمعروف، و قد لا ينصب لهم لاعتقاده عذرهم و انما ينصب للشيعة لاعتقاده خطأهم في اعتقاد إمامتهم (ع)، و كذلك الحال في المخالف، فقد يكون ناصبا لهم (ع): لادعائهم الإمامة الخاصة التي يعتقد بطلانها، و قد لا يكون ناصباً لهم، لاعتقاده عدم ادعائهم ذلك، و إنما ينصب لشيعتهم لاعتقاده بطلان مذهبهم. (و بالجملة): لا يظهر وجه الفرق بين الزيدي و الناصب.

و أما المكاتبة فيحتمل قريباً فيها- لو لم يكن هو الظاهر- أنها واردة في مقام الشك في تحقق النصب و عدمه، فهي في مقام جعل الحكم الظاهري لا في مقام بيان معنى للناصب غير ما هو المعروف. ثمَّ لو سلم ذلك كله فغاية مدلولها أن المخالف ناصب، و لكن هذا المقدار لا يقتضي ثبوت النجاسة إذ لا دليل على نجاسة كل ناصب، إذ الأدلة المتقدمة على نجاسة الناصب منحصرة بالإجماع و النص، و الموضوع فيهما لا يشمل المخالف، ضرورة اختصاص النص المتضمن لنجاسة الناصب بالناصب لهم (ع) لا مطلق الناصب. فراجعه. و رواية الفضيل الدالة على أنه كافر موردها التزويج، و لا بد أن تحمل على غير المخالف للنصوص الدالة على جواز تزويج المخالف. و كلمات‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل. و قد تقدم بعضها في نجاسة النواصب.

396
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): غير الاثنا عشرية من فرق الشيعة إذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الأئمة، و لا سابين لهم، طاهرون ؛ ج‌1، ص : 391

.....

الأصحاب المدعين للإجماع و غيرهم في تفسير الناصب مختلفة، و مع ذلك ليس فيها ما يشمل المخالف، فان المنسوب الى أكثر الأصحاب: أنه من نصب العداوة لأهل البيت (ع)، بل ظاهر الحدائق: أنه لا خلاف فيه. و عن المعتبر و المنتهى: أنه الذي يقدح في علي (ع)، و عن القاموس: أنه المتدين ببغض علي (ع). و عن شرح المقداد: «الناصب يطلق على خمسة وجوه:

(الأول): القادح في علي (ع) (الثاني): من ينسب إلى أحدهم (ع) ما يسقط العدالة. (الثالث): من ينكر فضيلتهم لو سمعها (الرابع):

من يعتقد فضيلة غير علي (ع) (الخامس): من أنكر النص على علي (ع) بعد سماعه، أو وصوله اليه بوجه يصدقه» فلو بني في نجاسة الناصب على الاعتماد على الإجماع كان اللازم الاقتصار على المتيقن، و هو المعادي لعلي (ع) متدينا به. و لو بني على الاعتماد على النص فالموضوع مطلق المعادي لهم (ع).

هذا و لأجل أن دلالة النص لا تخلو من شبهة و اشكال- كما سبق- و أن العمدة الإجماع، يسهل الخطب في حال كثير من المعادين لهم (ع) الذين علم بمساورة النبي (ص) لهم، و مساورة من بعده من الأئمة (ع) و شيعتهم لهم. (و دعوى): أن ذكر علي (ع) في كلام القاموس و المعتبر و المنتهى لأنه (ع) سيد الأئمة (ع)، لا لخصوصية لبغضه في صدق مفهوم الناصب عرفا (غير ظاهرة).

اللهم إلا أن يقال: بعد البناء على نجاسة الناصب- و لو للإجماع- يكون الاختلاف في مفهومه من قبيل اختلاف اللغويين في مفهوم اللفظ، و يتعين الرجوع فيه إلى الأوثق، و هو ما عن المشهور، من أنه المعادي لهم (ع) فيكون هو موضوع النجاسة، و لا سيما و كونه الموافق لموثقة ابن أبي يعفور- لو تمت دلالتها على النجاسة- و لروايتي ابن خنيس و سنان المتقدمتين بعد حملهما على ما عليه المشهور: بأن يراد منهما بيان الفرد الخفي للناصب‌

397
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): من شك في إسلامه و كفره طاهر ؛ ج‌1، ص : 398

و أما مع النصب، أو السب للأئمة الذين لا يعتقدون بإمامتهم فهم مثل سائر النواصب (1).

[ (مسألة 4): من شك في إسلامه و كفره طاهر]

(مسألة 4): من شك في إسلامه و كفره طاهر (2)، لهم (ع) و هو الناصب لشيعتهم (ع) من حيث كونهم شيعة لهم من باب:

صديق العدو عدو. و هذا هو المتعين. فلاحظ و تأمل.

و مما ذكرنا يظهر حكم فرق الشيعة غير الاثنا عشرية كالكيسانية، و الزيدية و الفطحية، و الإسماعيلية، و الواقفية و غيرهم، و أن مقتضى الأصل طهارتهم و لا دليل يقتضي الخروج عنه، إلا أن ينطبق عليه أحد العناوين النجسة المتقدمة، و ما عن الجواد (ع)، من أن الزيدية و الواقفة و النصاب بمنزلة واحدة «1». محمول على وحدة المنزلة في الآخرة، و مثله ما‌

عن الكشي عن عمر بن يزيد من قول الصادق (ع): «إن من شيعتنا بعدنا من هم شر من النصاب

.. (إلى أن قال) (ع):

إنهم قوم يفتنون بزيد و يفتنون بموسى (ع)» «2»

. و ما‌

في الخرائج عمن كتب إلى أبي محمد (ع):

يسأله عن الواقفة، من قوله (ع): «من جحد إماما من اللّٰه تعالى، أو زاد إماما ليست إمامته من اللّٰه تعالى، كان كمن قال: إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ ..» «3».

كما في كشف الغطاء. و كأنه لكون السب طريقا الى تحقق النصب- بناء على ما عرفت من عموم نجاسة الناصب للناصب لهم (ع)- و إلا فليس في الأدلة ما يدل على نجاسة الساب من حيث صدور السب منه.

لقاعدة الطهارة. و لا مجال لاستصحاب عدم الإسلام الثابت حال الصغر، لأن ذلك العدم ليس كفراً، سواء ا كان الكفر وصفا وجوديا‌

______________________________
(1) كتاب الكشي ج: 6 في الواقفة صفحة: 287.

(2) كتاب الكشي ج: 6 في الواقفة صفحة: 286.

(3) الوسائل باب: 10 من أبواب حد المرتد حديث: 40.

398
مستمسک العروة الوثقی1

التاسع: الخمر ؛ ج‌1، ص : 399

و إن لم يجر عليه سائر أحكام الإسلام (1).

[التاسع: الخمر]

التاسع: الخمر، بل كل مسكر مائع بالأصالة (2) أم عدميا، إذ على الثاني يكون من قبيل عدم الملكة- أعني: العدم عما من شأنه أن يكون مسلماً- و هذا المعنى من العدم ليس له حالة سابقة حال الصغر.

للشك في موضوعها، و لا طريق إلى إحرازه من أمارة أو أصل.

نعم تقدم في مبحث الجلد المشكوك الحكم بإسلام المشكوك إذا كان في بلد يكون الغالب عليها المسلمين. لكن التعدي عن مورده إلى غيره لا يخلو من اشكال.

على المشهور شهرة عظيمة، بل عن جماعة الإجماع عليه صريحاً أو ظاهراً، منهم السيدان، و الشيخ، و المحقق. بل الظاهر أنه إجماع في جملة من الطبقات، إذ لم ينقل الخلاف إلا عن جماعة من القدماء، كالصدوق و أبيه في الرسالة، و الجعفي، و العماني، و جماعة من متأخري المتأخرين، أولهم المقدس الأردبيلي، و تبعه عليه جماعة ممن تأخر عنه. و عن الحبل المتين، أنه قال: «أطبق علماء الخاصة و العامة على نجاسة الخمر، إلا شرذمة منا و منهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم».

و تدل على النجاسة جملة وافرة من النصوص، قيل: تقرب من عشرين حديثاً. منها‌

صحيح ابن سنان: «سأل أبي أبا عبد اللّٰه (ع):

- و أنا حاضر- إني أعير الذمي ثوبي، و أنا أعلم أنه يشرب الخمر، و يأكل لحم الخنزير، فيرده علي فاغسله قبل أن أصلي فيه؟ فقال أبو عبد اللّٰه (ع):

صل فيه و لا تغسله من أجل ذلك، فإنك أعرته إياه و هو طاهر و لم تستيقن أنه نجسه، فلا بأس أن تصلي فيه حتى تستيقن أنه نجسه» «1».

و صحيحه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 74 من أبواب النجاسات حديث: 1.

399
مستمسک العروة الوثقی1

التاسع: الخمر ؛ ج‌1، ص : 399

.....

الآخر:

«سألت أبا عبد اللّٰه (ع): عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر فيرده، أ يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال (ع):

لا يصلي فيه حتى يغسله» «1».

فإن الأمر فيه و ان كان محمولا على الاستحباب، لكنه يدل بالتقرير على نجاسة الخمر. و‌

صحيح ابن حنظلة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته و يذهب سكره؟ فقال (ع): لا و اللّٰه و لا قطرة قطرت في حب إلا أهريق ذلك الحب» «2».

و ما ورد في نزح البئر من وقوعه فيها «3». و ما ورد في النهي عن استعمال أواني الكافرين لو كانوا يشربون فيها الخمر «4». و ما‌

في موثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع) من قوله: «و لا تصل في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل» «5».

و موثقه الآخر عنه (ع) من الأمر بغسل القدح، أو الإناء الذي يشرب فيه الخمر ثلاث مرات، و أنه لا يجزؤه حتى يدلكه بيده «6». و‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع) في النبيذ: «ما يبل الميل ينجس حبا من ماء. يقولها ثلاثا» «7».

و‌

خبر زكريا بن آدم: «سألت أبا الحسن (ع) عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير. قال (ع):

يهراق المرق، أو يطعمه أهل الذمة، أو الكلب و اللحم اغسله و كله» «8»

..

______________________________
(1) الوسائل باب: 74 من أبواب النجاسات حديث: 1، و باب: 38 منها حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 18 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(3) راجع الوسائل باب: 15 من أبواب الماء المطلق.

(4) راجع الوسائل باب: 72 من أبواب النجاسات.

(5) الوسائل باب: 35 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(7) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(8) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.

400
مستمسک العروة الوثقی1

التاسع: الخمر ؛ ج‌1، ص : 399

.....

الى غير ذلك.

نعم يدل على الطهارة جملة أخرى قيل: تزيد على عشرين حديثا.

كصحيح علي بن رئاب: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلي فيه؟ قال (ع): صل فيه، إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر إن اللّٰه تعالى إنما حرم شربها» «1»

، و نحوه مرسل الصدوق في الفقيه، و مسنده في العلل- بطريق صحيح- عن بكير عن أبي جعفر (ع)، و عن أبي الصباح و أبي سعيد، و الحسن النبال، عن أبي عبد اللّٰه (ع) «2». و كذا مصحح الحسن ابن أبي سارة، معللا: بأن الثوب لا يسكر «3». و‌

صحيح الحسن بن موسى الحناط: «عن الرجل يشرب الخمر، ثمَّ يمجه من فيه، فيصيب ثوبي. قال (ع): لا بأس» «4»

و‌

موثق الحسن بن أبي سارة: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): إنا نخالط اليهود و النصارى، و المجوس، و هم يأكلون و يشربون فيمر ساقيهم فينصب على ثيابي الخمر. فقال (ع): لا بأس به، إلا أن تشتهي أن تغسله لأثره» «5».

. إلى غير ذلك.

و الجمع العرفي يقتضي حمل الأولى على الاستحباب. و لو فرض تعذره فالترجيح مع نصوص الطهارة، لمخالفتها للمشهور بين العامة، كما قيل، و قد تقدم عن البهائي (ره).

و أما معارضة ذلك بموافقة نصوص النجاسة للكتاب العزيز لقوله تعالى فيه «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ» «6»

______________________________
(1) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 14.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 13.

(3) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 10.

(4) الوسائل باب: 39 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 12.

(6) المائدة: 90.

401
مستمسک العروة الوثقی1

التاسع: الخمر ؛ ج‌1، ص : 399

.....

فمندفعة. بأنه لو تمَّ كون الرجس بمعنى النجاسة العينية، فلا يناسبه السياق و لا قوله تعالى (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ). و الشهرة الفتوائية و إن كانت مع نصوص النجاسة لكنها ليست من المرجحات. و حمل نصوص الطهارة على التقية من سلاطين ذلك الوقت غير ظاهر إذا كان القول بالنجاسة مشهوراً عند المخالفين، لأن مخالفة العامة- التي هي من المرجحات- يراد منها المخالفة للمذهب، لا للعمل- و لو كان عمل السلطان- بل للمذهب العام لا الخاص، و إن كان الخاص يسوغ التقية في القول و العمل، لكنه لا يكفي في كون المخالفة له مرجحاً تعبداً. و من ذلك يظهر وهن ترجيح أخبار الطهارة بمخالفتها لمذهب ربيعة الرأي، كما قيل.

نعم تشكل نصوص الطهارة باشتمال مصحح ابن أبي سارة على التعليل:

بأن الثوب لا يسكر، الظاهر في نجاسة الخمر المسكر و حينئذ يكون دالا على نجاسة الخمر لا على طهارته. نعم يدل على طهارة الثوب الملاقي له، و هو مما لم يقل به أحد، و ليس محلا للكلام هنا، فان الكلام هنا في نجاسة الخمر لا في سراية نجاسته إلى الملاقي.

و بكون مورد موثقه الخمر الواقع على الثوب من الكأس الذي شرب منه اليهودي و النصراني و المجوسي، فيدل على طهارة الخمر و طهارة الأصناف المذكورة من الكفار.

و باشتمال مرسل الفقيه و مسنده في العلل على طهارة ودك الخنزير، و جواز الصلاة فيه، مع الاتفاق على نجاسته و على عدم جواز الصلاة فيه و إن قلنا بطهارته، لأنه غير مأكول اللحم.

و بأن‌

الكليني روى في الصحيح عن علي ابن مهزيار: «قال: قرأت في كتاب عبد اللّٰه بن محمد إلى أبي الحسن (ع): جعلت فداك، روى زرارة عن أبي جعفر (ع) و أبي عبد اللّٰه (ع) في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما

402
مستمسک العروة الوثقی1

التاسع: الخمر ؛ ج‌1، ص : 399

.....

قالا: لا بأس بأن يصلي فيه إنما حرم شربها. و روى (غير. خ ل) زرارة عن أبي عبد اللّٰه (ع) أنه قال: إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ- يعني المسكر- فاغسله إن عرفت موضعه، و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله، و ان صليت فيه فأعد صلاتك. فأعلمني ما آخذ به. فوقع (ع): بخطه و قرأته: خذ بقول أبي عبد اللّٰه (ع)» «1».

و‌

روى أيضا عن خيران الخادم: «قال كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه. فقال بعضهم: صل فيه فان اللّٰه تعالى إنما حرم شربها، و قال بعضهم: لا تصل فيه. فكتب (ع):

لا تصل فيه، فإنه رجس» «2».

و لا ريب في دلالة الروايتين المذكورتين على أن التعارض بين روايتي الطهارة و النجاسة مستحكم على نحو لا مجال للجمع العرفي بينهما، و ان الترجيح لرواية النجاسة، فلو اقتضت عمومات الترجيح ترجيح رواية الطهارة كانت الروايتان المذكورتان إما مخصصتين لها أو حاكمتين عليها. و من ذلك يظهر وهن الجمع العرفي المتقدم، كوهن الترجيح لأخبار الطهارة (و معارضة) ذلك باحتمال كون ترجيح رواية النجاسة في هاتين الروايتين لأجل التقية (مندفعة): بأن ذلك خلاف الأصل. مضافا الى ما قيل من اشتهار العفو عن قليلها عندهم، الذي هو مورد أكثر نصوص النجاسة. فلاحظ.

هذا و مورد نصوص النجاسة و ان كان هو الخمر و النبيذ، لكن يتعدى منهما إلى كل مسكر، للتنصيص على العموم في معاقد الإجماعات الصريحة و الظاهرة. فعن الناصريات: «كل من قال: بأنه محرم الشرب ذهب الى أنه نجس كالخمر .. (الى أن قال): لا خلاف في نجاسته تابعة لتحريم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 4.

403
مستمسک العروة الوثقی1

التاسع: الخمر ؛ ج‌1، ص : 399

و ان صار جامداً بالعرض (1) لا الجامد كالبنج (2) و ان صار مائعا بالعرض.

شربه». و نحوه كلام غيره. مضافا الى بعض النصوص الواردة في مطلق المسكر، كموثق عمار، و صحيحة ابن حنظلة المتقدمين، أو في خصوص النبيذ «1» الذي قيل: انه يعمل من عامة الأشربة. و ما ورد من أن الخمر كل مسكر من الشراب. و ان كل مسكر خمر «2». و يساعده كلام جماعة من اللغويين. و‌

صحيح ابن الحجاج قال رسول اللّٰه (ص): «الخمر من خمسة: العصير من الكرم، و النقيع من الزبيب، و البتع من العسل، و المرز من الشعير، و النبيذ من التمر» «3»

و نحوه غيره. فاذا لا فرق بين الخمر و سائر المسكرات في الحكم، و لا في الخلاف و الوفاق. و اللّٰه سبحانه العالم.

كما نص عليه العلامة و الشهيد و غيرهما. بل الظاهر التسالم عليه كما يظهر من عدم عد الجمود من المطهرات. و يقتضيه إطلاق أدلة النجاسة و لو فرض الشك في صدق الموضوع مع الجمود، أو انصراف الأدلة عنه فالاستصحاب كاف في إثبات النجاسة.

إجماعا صريحا و ظاهرا عن جماعة. قيل: للأصل بعد اختصاص أدلة النجاسة بالمائع. و لكن يشكل: بأن بعض تلك الأدلة شامل للجامد كموثق عمار و خبر ابن حنظلة المشتملين على التعبير بالمسكر. مضافا الى مثل‌

قوله (ع): «كل مسكر خمر».

(و دعوى): انصراف مثل الأولين الى غير الجامد، و الأخير إلى التنزيل بلحاظ حرمة الشرب. (غير ظاهرة) فالعمدة في الطهارة الإجماع، كما اعترف به في محكي شرح الدروس.

______________________________
(1) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 2، 3، 5، 6، 8، 15.

(2) راجع الوسائل باب: 1، 19 من أبواب الأشربة المحرمة.

(3) الوسائل باب: 15 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.

404
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

[ (مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي]

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي (1) حكى الشهرة المذكورة جماعة. بل عن كنز العرفان دعوى الإجماع و في مجمع البحرين: «هو نجس حرام. نقل عليه الإجماع». و عن أطعمة التنقيح الاتفاق على أنه بحكم المسكر، و كيف كان فمستند النجاسة. إما الإجماعات المذكورة. أو ما دل على نجاسة المسكر «1»- بناء على أنه منه- كما عن العلامة الطباطبائي و غيره. أو الاخبار الدالة على أن الخمر من خمسة أو ستة «2»- و عد منها العصير من الكرم- بضميمة ما دل على نجاسة الخمر. أو الأخبار المتضمنة لنزاع آدم و نوح عليهما السلام: مع إبليس لعنه اللّٰه تعالى «3»- كما عن التنقيح الاستدلال بها على النجاسة- و قد تضمنت هذه أن الثلث لآدم و نوح عليهما السلام: و الثلاثين لإبليس لعنه اللّٰه أو‌

مصححة معاوية بن عمار المروية في التهذيب. قال: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع): عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج و يقول:

قد طبخ على الثلث. و أنا أعرف أنه يشربه على النصف أ فاشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال (ع): خمر لا تشربه ..» [1].

لكن الجميع لا يخلو من اشكال. أما الإجماعات، فهي معارضة بما عن الذكرى، فإنه- بعد ما حكى القول بالنجاسة عن ابن حمزة و المحقق، و حكى توقف العلامة في النهاية- قال (ره): «و لم نقف لغيرهم على قول بالنجاسة» و في مفتاح الكرامة فإنه- بعد ما حكى عن المختلف نسبة‌

______________________________
[1] الوسائل باب: 7 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4 فقد رواه عن الكافي خال عن كلمة: «خمر» و عن التهذيب مشتملا عليها، كما سيصرح به الشارح قدس سره.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات فإن أكثر أحاديثها دالة على نجاسته.

(2) راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الأشربة المحرمة.

(3) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة.

405
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

النجاسة الى أكثر علمائنا، كالمفيد، و الشيخ، و السيد، و أبي الصلاح، و سلار، و ابن إدريس- قال (ره): «و لعله ظفر به في كتبهم، و لم نظفر به»، و في المستند قال: «الذي يظهر لي أن المشهور بين الطبقة الثالثة- يعني: طبقة متأخري المتأخرين- الطهارة، و بين الثانية- أي:

المتأخرين- النجاسة. و أما الأولى- يعني: القدماء- فالمصرح منهم بالنجاسة أما قليل أو معدوم.

و كيف كان فلا مجال للاعتماد على دعوى الإجماع مع شهرة الخلاف.

و لا سيما و أن المحكي عن كنز العرفان: دعوى الإجماع على النجاسة بعد غليانه و اشتداده، و أما بعد غليانه و قبل اشتداده فحرام، إجماعا منا. و أما النجاسة فعند بعضنا: أنه نجس، و عند آخرين: أنه طاهر. انتهى. و من المحتمل أن المراد بالاشتداد ما يساوق الإسكار، كما يظهر من محكي كلامه في تفسير الخمر، قال (ره): «الخمر في الأصل مصدر خمره إذا ستره، سمي به عصير العنب و التمر إذا غلى و اشتد، لأنه يخمر العقل- أي يستره- كما سمي مسكراً، لأنه يسكره أي يحجزه». فحينئذ لا يكون مدعيا للإجماع فيما نحن فيه.

و أما كونه مسكراً، فهو خلاف ظاهر القائلين بالطهارة و النجاسة حيث جعلوه مقابلا للخمر و سائر المسكرات، و مع الشك في الإسكار به لا مجال للرجوع إلى عموم نجاسة المسكر.

و أما عد العصير من أنواع الخمر فلا يجدي، لإجمال المراد به، و ليس المراد به مطلق المفهوم اللغوي، و لذا لا يتوهم التمسك بإطلاقه من حيث الغليان و عدمه، فالمقصود بهذه الروايات الإشارة إلى أصول الأنواع في الجملة.

و أما الاخبار المتضمنة لنزاع آدم و نوح عليهما السلام مع إبليس، فهي أجنبية عن الدلالة على النجاسة، و ليس فيها أقل إشارة الى ذلك، و إنما‌

406
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

تدل على الحرمة التكليفية- في الجملة- و ليست في مقام بيان حدود الموضوع و قيوده فلاحظها.

و أما مصححة معاوية فهي مروية في الكافي خالية عن ذكر الخمر، و هو أضبط كما اشتهر، و التحقيق لزوم إجراء حكم تعارض الخبرين في أمثال المقام فيؤخذ برواية الأوثق. و ليس المقام من باب معارضة أصالة عدم الزيادة بأصالة عدم النقيصة، ليبنى على ترجيح الأولى على الثانية- كما هو كذلك عند العقلاء حيث يتعين الترجيح- و لا من باب اشتباه الحجة بغير الحجة- كي يسقط الخبران معا عن الحجية- و ان كان البناء عليه في المقام أيضاً يكفي في البناء على الطهارة، للأصل. لكنه خلاف التحقيق، فيتعين البناء على ثبوت رواية الكليني و سقوط لفظ الخمر. و لا سيما بملاحظة ما في الوسائل و الوافي عن التهذيب حيث رويا عنه سقوط لفظ الخمر، الدال على أن بعض نسخ التهذيب يوافق نسخة الكافي، و حينئذ كيف يجوز الاستدلال ببعض نسخ التهذيب في مقابل بعضها الآخر، و نسخة الكافي؟ و لا سيما بملاحظة كون المناسب للسؤال تركه في الجواب، كما يظهر بأدنى ملاحظة.

هذا مضافا الى أنه لو سلم وجود لفظ الخمر في الرواية، فلا مجال للتمسك بإطلاق التنزيل فيه لأنه ليس وارداً في مقام بيان الحكم الواقعي.

بل في مقام بيان الحكم الظاهري بعد فراغ السائل عن معرفة حكمه لو كان بحيث لم يذهب ثلثاه، فقوله (ع):

«خمر»

ليس المراد أنه بمنزلة الخمر- كي يكون إطلاقه مقتضيا لثبوت النجاسة- بل المراد أنه لما كان قبل أن يذهب ثلثاه بمنزلة الخمر، فاذا شك في ذهاب ثلثيه كان مقتضى الاستصحاب بقاءه على حكمه قبل ذهاب ثلثيه من أنه خمر تنزيلا فهو خمر تعبدا ظاهرا، و كونه كذلك أعم من النجاسة، لأن الكلام ليس في مقام البيان من هذه الجهة- كي يؤخذ بإطلاقه- بل في مقام إثبات الخمرية التنزيلية الواقعية له‌

407
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

إذا غلى (1) قبل أن يذهب ثلثاه، و هو الأحوط، و ان كان ظاهراً تعبدا. و ثبوت الخمرية التنزيلية الواقعية لم يعلم انه كان على أي نحو هل كان على نحو عموم الاحكام، أو على نحو خصوصها؟ فلاحظ و تأمل، فإنه دقيق.

مضافا الى أن إطلاق التنزيل منزلة الخمر و إن كان يقتضي النجاسة، إلا أنه كذلك لو لم يكن مقرونا بما يصلح للقرينية، و قوله (ع):

«لا تشربه»

صالح للقرينية، فيكون المتيقن هو الحرمة لا غير فتأمل و أيضاً فإن لفظ «البختج» لم يعلم أنه مطلق العصير المطبوخ، فمن الجائز أن يكون نوعا خاصا منه بحيث يسكر بمجرد غليانه. و قول بعضهم: أنه العصير المطبوخ. غير ظاهر في التعريف المساوي.

و أما‌

مرسل محمد بن الهيثم عن رجل عن أبي عبد اللّٰه (ع) قال: «سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلي من ساعته، أ يشربه صاحبه؟

فقال: إذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه، حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

و‌

موثق أبي بصير قال: «سمعت أبا عبد اللّٰه (ع)- و سئل عن الطلا- فقال (ع): إن طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال، و ما كان دون ذلك فليس فيه خير» «2».

فلا دلالة فيه على النجاسة. و المتحصل من جميع ذلك: عدم ثبوت ما يوجب الخروج عن استصحاب الطهارة.

كما عن التحرير، و المختلف، و النزهة و غيرها، أو إذا غلى أو اشتد، كما في القواعد، و الإرشاد، و غيرهما. و يرجع أحدهما إلى الآخر، بناء على كون المراد من الاشتداد الغليان- كما في محكي شرح الإرشاد للفخر- بل ظاهر قوله: «و عندنا أن يصير أسفله أعلاه بالغليان» الإجماع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.

408
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

الأقوى طهارته. نعم لا إشكال في حرمته، سواء غلى بالنار أو بالشمس، أو بنفسه (1). و إذا ذهب ثلثاه صار حلالا.

عليه. لكن عن روض الجنان و غيره: تفسيره بالقوام، أو الثخانة.

و كيف كان فاعتبار أمر زائد على الغليان في النجاسة تابع لدليلها، فان كان هو الإجماع، أو مثل مصححة معاوية، اعتبر ذلك، لإجمالها من هذه الجهة. و ان كان مثل خبري ابن الهيثم و أبي بصير لم يعتبر لاطلاقهما. و ان كان دليل نجاسة المسكر، توقف اعتباره على دخله في الإسكار.

هذا و أما الاكتفاء بمجرد الغليان في التحريم فالظاهر أنه لا إشكال فيه، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه. و النصوص به مستفيضة،

كمصحح حماد عن أبي عبد اللّٰه (ع): «لا يحرم العصير حتى يغلي» «1»

و‌

في خبره عنه (ع): «تشرب ما لم يغل فاذا غلى فلا تشربه» «2».

. إلى غير ذلك.

لإطلاق النص و الفتوى- كما قيل- بل لم يحك الخلاف فيه صريحاً، و اختلاف بعض العبارات في ذلك غير ظاهر في الخلاف. نعم عن ابن حمزة في الوسيلة: تخصيص النجاسة بالغليان بنفسه لا بالنار. و كأن الوجه فيه بناؤه على صيرورته خمرا في الأول، كما يشهد به قوله (ره):

«إلا أن يصير خلا». لكن عهدة ذلك عليه، و ان كان يشهد له الرضوي:

«فإن نش من غير أن تصيبه النار فدعه حتى يصير خلا» «3».

لكنه لم تثبت حجيته. و يشير اليه موثق عمار الوارد في العصير المطبوخ «4»،

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

(3) مستدرك الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5

(4) الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

409
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

سواء كان بالنار، أو بالشمس، أو بالهواء (1)، بل الأقوى حرمته بمجرد النشيش (2) و ان لم يصل الى حد الغليان.

الظاهر في قدح نشيش عصير الزبيب و لو كان من جهة أنه يقتضي الحرمة- فقط- لم يضر في المقصود للأمر بإذهاب ثلثيه بعد ذلك، فلا بد أن يكون من جهة النجاسة، التي لا يجدي في رفعها ذهاب الثلاثين، كما سيأتي.

نعم يحتمل أن يكون الوجه في الخشية من النشيش عدم حصول المقصود منه- أعني العلاج به- و قوله في السؤال:

«كيف يطبخ حتى يصير حلالا؟»

و ان كان ظاهراً في السؤال عما يعتبر في الحل لا غير، لكن الخصوصيات المذكورة في الجواب لما لم يمكن البناء على اعتبار أكثرها في الحل، يتعين البناء على كون الامام (ع) في مقام بيان ما يعتبر في الحل و ما يعتبر في حصول المقصود. فتأمل جيدا.

للإطلاق أيضاً.

كما تقتضيه‌

موثقة ذريح: «سمعت أبا عبد اللّٰه (ع) يقول: إذا نش العصير أو غلى حرم» «1».

و الظاهر من النشيش الأثر الحاصل قبل الغليان- كما يقتضيه العطف ب‍ (أو)- و كأنه المراد لمن فسره بصوت الغليان كما يظهر من القاموس و غيره، يعني: الصوت الذي يكون قبل الغليان. نعم تشكل الرواية: بأن التحريم بالنشيش قبل الغليان يوجب استدراك عطف الغليان عليه، لحصول التحريم قبله دائما، بل يكون تعليق التحريم على الغليان في سائر الاخبار في غير محله، فاللازم حمل النشيش على ما يكون بغير مورد الغليان، و لا يبعد حمله على النشيش بغير النار بقرينة مرسل محمد بن الهيثم المتقدم في الحاشية الأولى، لاختصاصه بالغليان بالنار. و لعله الظاهر أيضاً من‌

خبر حماد عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سألته عن شرب العصير. قال (ع): تشرب ما لم يغل، فاذا غلى فلا تشربه

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

410
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

و لا فرق بين العصير و نفس العنب، فاذا غلى نفس العنب من غير أن يعصر كان حراما (1). و أما التمر و الزبيب و عصيرهما،

قلت: أي شي‌ء الغليان؟ قال (ع): القلب» «1»

فان الظاهر ادارة الغليان بالنار، لعدم حصول القلب بغيرها- غالبا- فالروايتان المذكورتان تدلان على الحل قبل الغليان بالنار، و لو مع النشيش، فتحمل رواية الحرمة بالنشيش على النشيش بغيرها. و يشهد بذلك الرضوي و الموثق المتقدمان في كلام ابن حمزة. لكن عرفت أن مقتضاهما النجاسة، لا مجرد الحرمة.

قال المحقق الأردبيلي (ره) في محكي شرح الإرشاد: «و ظاهر النصوص اشتراط كونه معصورا، فلو غلى ماء العنب في حبه لم يصدق عليه أنه عصير غلى، ففي تحريمه تأمل. و لكن صرحوا به. فتأمل. و الأصل و العمومات و حصر المحرمات دليل الحل حتى يعلم الناقل». و أشكل عليه جماعة ممن تأخر عنه- منهم شيخنا الأعظم (ره)-: بأن التعبير بالعصير من باب التعبير بالغالب، و إلا فلا بد أن لا يحكم بالحرمة إذا استخرج ماء العنب لا بالعصر، بل بالغليان و هو واضح الفساد. انتهى. و فيه: أن التعدي من الخارج بالعصر الى الخارج بغيره لا يقتضي التعدي في المقام، للفرق بينهما بالوضوح و الخفاء، فما لم تكن قرينة على العموم لا مجال للتعميم، و الارتكاز العرفي لا يساعد على الإلحاق لاختلاف الخارج و الداخل في طروء الفساد و عدمه، اختلافا واضحا. و هذا بخلاف التعدي من الخارج بالعصر الى الخارج بغيره، فان العرف يأبى عن دخل العصر، فالتعدي يكون في محله. ثمَّ الظاهر أن محل الكلام فيما إذا كان داخل حبة العنب ماء، أما إذا كان رطوبة كرطوبة الخيار و البطيخ، فغليان مثلها لا إشكال فيه، لعدم كونها ماء عنب فتأمل جيداً.

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

411
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

فالأقوى عدم حرمتهما أيضاً بالغليان (1).

على المشهور شهرة عظيمة في الأول، و في الحدائق: «كاد أن يكون إجماعا، بل هو إجماع في الحقيقة»، و عن غير واحد حكاية نفي الخلاف فيه عن بعضهم. نعم في حدود الشرائع: «و أما التمر إذا غلى و لم يبلغ حد الإسكار ففي تحريمه تردد، و الأشبه بقاؤه على التحليل حتى يبلغ»، و نحوه عن القواعد، و هذا قد يشعر بوجود الخلاف. و في الدروس «أما عصير التمر فقد أحله بعض الأصحاب ما لم يسكر، و في رواية عمار ..»‌

ثمَّ ذكر رواية عمار الآتية، و ظاهره الميل إلى الحرمة. و في الحدائق: أنه حدث القول بالحرمة في الأعصار المتأخرة. انتهى. و هو ظاهر الوسائل، و حكي عن ظاهر التهذيب و الشيخ سليمان البحراني، و السيد الجزائري، و الشيخ أبي الحسن، و الأستاذ الأكبر، فإنهم اعتبروا في حله ذهاب الثلاثين.

و قد يستدل له بمثل‌

صحيح ابن سنان عن الصادق (ع): «كل عصير أصابته النار فهو حرام، حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

و‌

موثقة عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): «أنه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل؟ قال (ع): خذ ماء التمر فأغله حتى يذهب ثلثا ماء التمر» «2».

و موثقته الأخرى المروية عن الدروس رواها عن الدروس في الحدائق ج 5 ص 149: الطبعة الحديثة. و الموجود في الدروس قريب من الموثقة الأولى. فراجع الأمر الخامس من كتاب الأطعمة و الأشربة.

عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سألته عن النضوح. قال (ع): يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثمَّ يمتشطن» «3».

و لكنه يشكل: بأن الصحيح لم يثبت عمومه لما نحن فيه، لاختصاص العصير بماء العنب، كما يظهر من النصوص، و كلمات أهل اللغة، و أوضحه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 37 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

412
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

في الحدائق- شكر اللّٰه سعيه- فراجعه. مع أنه لو فرض عمومه في نفسه فليس بمراد في المقام، للزوم تخصيص الأكثر المستهجن، فلا بد من حمله على عصير العنب. و يكون المقصود من كلمة: «كل» التعميم بلحاظ الافراد أو الأحوال. و أما موثقة عمار الأولى فهي مجملة بإجمال النضوح إذ من المحتمل أن يكون فيه من الاجزاء ما يوجب صيرورة النبيذ مسكرا لو لم يذهب ثلثاه، كما قد يشهد به‌

خبر عيثمة قال: «دخلت على أبي عبد اللّٰه (ع)، و عنده نساؤه، فشم رائحة النضوح فقال (ع): ما هذا؟

قالوا: نضوح يجعل فيه الضياح. قال: فأمر به فأهريق في البالوعة» «1»

مع أن وصفه بالمعتق كاف في إجماله، إذ من المحتمل أن يصير خمراً بمرور مدة طويلة عليه لو لم يذهب ثلثاه.

و من هنا يشكل الاستدلال أيضاً بما ورد في حرمة النبيذ الذي فيه القعوة «2» أو العكر «3». و لا سيما و في بعضها «4» الاستدلال‌

بقول النبي (ص): «كل مسكر حرام»

. مضافا إلى أن ظاهرها اعتبار الغليان في حل ماء التمر، و أنه لا يحل بدونه، و هذا خلاف الضرورة، فضلا عن أنه خلاف الإجماع و النصوص. فتعين توجيهها بالحمل على ما يصير مسكرا لو لم يغل حتى يذهب ثلثاه، و ليس هو محل الكلام.

و من ذلك يظهر الإشكال في الاستدلال بالموثقة الثانية، و ان خلت عن التوصيف بالمعتق، و سلمت من الاشكال اللازم من التوصيف به، كما تقدم. نعم قد تشكل أيضاً: بأن الأخذ بحاق العبارة يقتضي كون السؤال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 32 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 24 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 24 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.

413
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

فيها عن مفهوم النضوح، فلا تكون في مقام بيان الحكم. و ان شئت قلت:

إن كان السؤال فيها عن الموضوع، فهي أجنبية عما نحن فيه. و إن كان عن الحكم- كما هو الظاهر منها و صريح الموثقة الأولى- فالموضوع فيها مجمل، و الحكم المذكور فيها من لزوم بقاء الثلث، لا أقل، مما لم يقل به أحد، إلا أن يكون اعتبار بقاء الثلث للتبعية لذهاب الثلاثين، فالمدار يكون على ذهاب الثلاثين مطلقاً. لكن لو تمَّ ذلك فإجمال الموضوع كاف في سقوط الحجية. هذا مضافا إلى أن المسؤول عنه في الرواية حل التمشط بالنضوح و حرمته، فان دلت الروايات على حرمته قبل ذهاب الثلاثين فذلك مما لم يقل به أحد، سواء أ كانت حرمة التمشط تعبدية أم من جهة النجاسة، للإجماع على الطهارة، و على جواز الانتفاع به بالتمشط و نحوه، و المدعى إنما هو حرمة شربه، و هو مما لا تدل عليه و لا تشعر به. فالمدعى لا تدل عليه الرواية، و ما تدل عليه الرواية لم يقل به أحد، كما لا يخفى.

و يشهد للحل روايات. منها‌

صحيح صفوان: «كنت مبتلى بالنبيذ معجبا به، فقلت لأبي عبد اللّٰه (ع): أصف لك النبيذ. فقال (ع):

بل أنا أصفه لك قال رسول اللّٰه (ص): كل مسكر حرام» «1».

و نحوه صحيح معاوية بن وهب «2». و دلالتهما على كون المدار في الحل و الحرمة الإسكار و عدمه ظاهرة. و‌

في خبر محمد بن جعفر الوارد في وفد من اليمن: «سألوا النبي (ص) عن النبيذ فقال (ص) لهم: و ما النبيذ؟ صفوه لي.

قال: يؤخذ التمر فينبذ في الماء

.. (إلى أن قال:)

فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله: يا هذا قد أكثرت علي أ فيسكر؟ قال: نعم. فقال:

كل مسكر حرام» «3».

و دلالته على حلية النبيذ مع عدم الإسكار واضحة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 17 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 17 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 24 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 6.

414
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

و نحوها في ذلك غيرها. فلاحظ باب ما أسكر كثيره فقليله حرام «1»، و باب تحريم النبيذ «2» من الوسائل.

و أما عصير الزبيب فالمعروف فيه الحل، و في الحدائق: «الظاهر أنه لا خلاف فيه، و عن جماعة حكاية الشهرة على ذلك، بل قيل: لم نعثر على قائل بالتحريم. و إن نسبه الشهيد إلى بعض مشايخه، و إلى بعض فضلائنا المتقدمين. لكنه غير معروف. و عن جماعة من المتأخرين الحرمة قبل ذهاب الثلاثين، و اختاره العلامة الطباطبائي (قده) في مصابيحه، ناسبا ذلك إلى الشهرة بين الأصحاب، و أنها بين القدماء كشهرة الحل بين المتأخرين. و لكن في الجواهر: «فيه نظر و تأمل».

و استدل له بالاستصحاب، لأنه- حين كان عنباً- كان يحرم على تقدير الغليان، فهو- حين صار زبيباً- باق على ما كان. و استشكل فيه (تارة): بأن موضوع الحرمة- حال العنبية- الماء المتكون فيه، و هو معدوم حال صيرورته زبيباً، و انما يقصد إثبات الحرمة للماء المختلط باجزائه و مع تعدد الموضوع لا يجري الاستصحاب (و أخرى): بأنه من الاستصحاب التعليقي و ليس هو بحجة.

و لا بأس بالإشارة إلى بعض الجهات الموجبة لصحة جريان الاستصحاب المذكور و عدمها، (فنقول) إذا ورد في لسان الشارع الأقدس:

«العنب إذا غلى ينجس»- مثلا- فهناك أمور. (أحدها): سببية الغليان للنجاسة و لزوال الطهارة الثابتة للعنب قبل الغليان (و ثانيها): الملازمة بين الغليان و النجاسة. (و ثالثها): نفس النجاسة المعلقة على الغليان.

فان كان مرجع الاستصحاب التعليقي في المقام- مثلا- الى استصحاب‌

______________________________
(1) و هو الباب: 17 من أبواب الأشربة المحرمة.

(2) و هو الباب: 24 من أبواب الأشربة المحرمة.

415
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

نفس سببية الغليان للنجاسة، فهو من الاستصحاب التنجيزي. و توقفت صحته على كون السببية من المجعولات الشرعية المتأصلة ذوات الآثار، مثل الطهارة، و النجاسة، و الملكية، و نحوها. و لكنه خلاف التحقيق، كما حرر في محله. و كذا الكلام لو كان مرجعه الى استصحاب الملازمة، فإنه من الاستصحاب التنجيزي أيضاً، كما أن الملازمة غير مجعولة شرعا، و إنما هي منتزعة من جعل الحكم الشرعي على تقدير وجود الشرط.

و ان كان مرجعه الى استصحاب نفس الحكم الشرعي، المعلق على الغليان- كما هو الظاهر- فان قلنا بأن المنوط به الحكم وجود الشرط خارجا، فلا حكم قبل وجوده، فلا مجال للاستصحاب، لعدم اليقين بالمستصحب، بل المتيقن عدمه. أما إذا كان الحكم منوطا بوجود الشرط اللحاظي- كما هو التحقيق- لئلا يلزم التفكيك بين الجعل و المجعول، الذي هو أوضح فساداً من التفكيك بين العلة و المعلول، لأن الجعل عين المجعول حقيقة، و انما يختلف معه اعتبارا فيلزم من وجود الجعل بدون المجعول التناقض، و اجتماع الوجود و العدم، فعليه لا مانع من الاستصحاب، لليقين بثبوت الحكم، و الشك في ارتفاعه، و كون المجعول حكما منوطا بشي‌ء لا يقدح في جواز استصحابه بعد ما كان حكما شرعياً و مجعولا مولويا، و ان كان منوطا.

نعم استشكل فيه بعض الأعاظم من مشايخنا: بأن الشرط المنوط به الحكم- كالغليان في المثال المذكور- راجع في الحقيقة إلى قيد الموضوع، و مرجع قولنا: «العنب إذا غلى ينجس» الى قولنا: «العنب الغالي ينجس» فاذا وجد العنب، و لم يغل فلا وجود للحكم لانتفاء موضوعه بانتفاء قيده فلا مجال لاستصحابه. نعم يمكن فرض قضية تعليقية- حينئذ- فيقال: «العنب لو انضم اليه قيده- و هو الغليان- تنجس» لكن ذلك- مع أنه لازم عقلي- مقطوع البقاء، في كل مركب وجد أحد جزئية، لا أنه مشكوك‌

416
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

كي يجري فيه الاستصحاب.

و قد يشكل ما ذكره. بأن إرجاع القضايا الشرطية إلى القضايا الحملية، للبرهان القائم على أن موضوعات الاحكام علل تامة لها- لو تمَّ في نفسه- لا يتضح ارتباطه بما نحن فيه، ضرورة أن المدار في صحة جريان الاستصحاب على المفاهيم التي هي مفاد القضايا الشرعية، سواء أ كانت نفس الأمر الواقعي، أم لازمه، أم ملازمه، أم ملزومه، و لذلك يختلف الحال في جريان الاستصحاب و عدمه، باختلاف ذلك الأمر المتحصل. مثلا: لو كان الدليل قد تضمن أنه إذا وجد شهر رمضان وجب الصوم، جرى استصحاب رمضان عند الشك في هلال شوال، و كفى في وجوب الصوم يوم الشك. و لو كان الدليل تضمن وجوب الصوم في رمضان، لم يجد استصحاب شهر رمضان في وجوب صوم يوم الشك، لأنه لا يثبت كون الزمان المعين من شهر رمضان، فهذا المقدار من الاختلاف في مفهوم الدليل كاف في تحقق الفرق في جريان الاستصحاب و عدمه، مع أنه- في لب الواقع و نفس الأمر- لا بد أن يرجع المفاد الأول الى الثاني لأنه مع وجود شهر رمضان لا يكون الصوم في غيره، و لا بد أن يكون فيه. و كذلك مثل: «إذا وجد كر في الحوض» و: «إذا كان ما في الحوض كراً» فإن الأول راجع الى الثاني، و مع ذلك يختلف الحكم في جريان الاستصحاب باختلاف كون أحدهما مفاد الدليل دون الآخر. فالمدار في صحة الاستصحاب على ما هو مفاد القضية الشرعية، سواء ا كان هو الموافق للقضية النفس الأمرية أم اللازم لها أم الملازم.

نعم لو كان المراد من الإرجاع إلى القضية الحملية، كون المراد من القضية الشرطية هو القضية الحملية- مجازاً أو كناية- على نحو لا يكون المراد من الكلام إلا مفاد القضية الحملية، كان لما ذكر وجه. لكن هذا خلاف‌

417
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

الظاهر. و كيف تمكن دعوى أن معنى قولنا: «العنب إذا غلى ينجس» هو معنى قولنا: «العنب الغالي ينجس»؟! مع وضوح الفرق بين العبارتين مفهوما.

و بالجملة: إن كان المدعى أن معنى القضية الشرطية هو معنى القضية الحملية فذلك خلاف الظاهر. و ان كان المدعى أن مفاد القضية اللبية هو المطابق لمفاد القضية الحملية، و ان مفاد القضية الشرطية لازم له- كما يظهر من بعض عبارات تقرير الاشكال- فالمدار في جريان الاستصحاب على مفاد القضية الشرعية، و ان كان لازماً للقضية اللبية، أو ملازما له. و لو كان المدار على ما في لب الواقع لأشكل الأمر في جريان الأصول في موضوعات الأحكام، و قيودها- غالباً- للعلم بأنها ليست موضوعا للقضية اللبية. مثلا:

المذكور في لسان الأدلة الشرعية أن النجاسة منوطة بالغليان، و لكن إذا تدبرنا قليلا علمنا أن الغليان ليس هو المنوط به النجاسة، بل الإسكار- و لو الاستعدادي- ثمَّ إذا تدبرنا قليلا علمنا أن مناط النجاسة شي‌ء وراء الإسكار الاستعدادي، مثل الخباثة النفسانية، و ربما نتدبر قليلا فنعلم أن المناط شي‌ء وراء ذلك، و مع ذلك لا يصح رفع اليد عن ظاهر الدليل في قضية جريان الأصل، بل يكون هو المدار في جريانه، لأن أدلة الاستصحاب ناظرة إلى تنقيح مفاد الأدلة الشرعية لا غير. و بذلك افترق الأصل المثبت عن غيره، فإن الأصل المثبت هو الذي يتعرض لغير مفاد الدليل الشرعي، و غير المثبت ما يتعرض لمفاد الدليل الشرعي، من حكمه، و موضوعه، و قيودهما، و قيود قيودهما، و سائر ما يتعلق بهما، مما كان مذكوراً في الدليل.

و أما عدم جريان الأصل التعليقي فيما لو حدث في أثناء المركب ما يحتمل قطعه، أو رفعه، أو منعه، فيقال: كان المقدار المأتي به من الاجزاء بحيث لو انضم إليه الباقي لأجزأ. فلأن القضية التعليقية المذكورة، و ان‌

418
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

كانت مستفادة من الدليل بنحو الدلالة الالتزامية، فهي قضية شرعية، إلا أن الملازمة لما كانت عقلية، و العقل لا يحكم بها مطلقاً، و إنما يحكم بها بشرط أن لا يحدث ما يحتمل قدحه، فإن أريد استصحاب هذا المعنى، فلا مجال له، للعلم ببقائه، و ان أريد استصحاب مضمون القضية التعليقية من دون الشرط المذكور، فلا حالة له سابقة إذ لا يحكم به العقل، و لا طريق اليه غيره.

هذا كله مضافا إلى أن إرجاع شرط الحكم الى شرط الموضوع غير ظاهر، فان شرط الحكم دخله في الحكم من قبيل دخل المقتضي في الأثر، و دخل شرط الموضوع فيه من قبيل دخل المعروض في العارض، و الفرق بينهما نظير الفرق في باب الحكم التكليفي بين شرط الوجوب، و شرط الواجب فان شرط الوجوب دخيل في كون الواجب مصلحة، و شرط الواجب دخيل في وجود تلك المصلحة خارجا. نظير الفرق بين المرض و شرب المنضج، بالإضافة إلى شرب المسهل، فان المرض دخيل في كون شرب المسهل مصلحة- بمعنى أنه لو لا المرض كان شرب المسهل بلا مصلحة- بخلاف شرب المنضج قبل المسهل، فإنه دخيل في ترتب المصلحة المقصودة من شرب المسهل. فما ذكره بعض الأعاظم من مشايخنا في درسه: من رجوع شرط الحكم إلى شرط الموضوع غير واضح. و هو نظير ما صدر من شيخنا الأعظم (قده) حيث التزم برجوع الواجب المشروط إلى الواجب المعلق، و ان قيد الهيئة راجع إلى قيد المادة. و تحقيق ذلك يطلب من مباحث الواجب المشروط من الأصول. فراجع.

هذا و قد يشكل الاستصحاب التعليقي بمعارضته بالاستصحاب التنجيزي، فإنه كما يجري استصحاب النجاسة للزبيب على تقدير الغليان، لثبوتها حال العنبية، كذلك يجري استصحاب الطهارة الثابتة قبل الغليان، فيقال: الزبيب‌

419
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

قبل أن يغلي كان حلالا طاهراً، فهو كذلك بعد أن يغلي. و بعد ابتلائه بالمعارض دائما يسقط عن الحجية.

و أجاب عنه شيخنا الأعظم (ره) في رسائله، بحكومته على الاستصحاب التنجيزي. و لم يتضح وجه الحكومة المذكورة، فإن الشك في الحرمة على تقدير الغليان عين الشك في الحلية على تقدير الغليان، لأن الشك يتقوم بطرفين هما الحرمة و الحل، فالشك في الحرمة معناه الشك في الحل، كما أن الشك في الحركة عين الشك في السكون، فيمتنع أن يكون الاستصحاب الجاري لإثبات أحد طرفي الشك حاكما على الاستصحاب الجاري لإثبات الطرف الآخر. و هذا معنى التعارض بين استصحاب الحل التنجيزي، و استصحاب الحرمة التعليقية.

فإن قلت: إن من القطعيات أصالة عدم النسخ، الذي لا فرق فيه بين الحكم التنجيزي و التعليقي، و لو تمت المعارضة المذكورة، كان استصحاب عدم النسخ في الأحكام التعليقية معارضا باستصحاب الحكم التنجيزي، الذي هو خلاف الحكم التعليقي، و يسقط حينئذ عن الحجية.

قلت: أصالة عدم النسخ ليست من قبيل الاستصحاب، بل هي أصل لنفسه حجيته لبناء العقلاء عليه. و لو كان من باب الاستصحاب لم يجر لو شك في نسخ الاستصحاب، و لجاء فيه الخلاف الجاري في حجية الاستصحاب، كما لا يخفى.

و ربما يظهر من بعض عبارات شيخنا الأعظم (ره) في رسائله: أن الوجه في الحكومة هو أن الشك في الحل و الحرمة ناشئ من الشك في بقاء الملازمة بين الغليان و النجاسة و الحرمة، فالاستصحاب المثبت لبقاء الملازمة حاكم على استصحاب الحل. و فيه: ما عرفت من أن الملازمة ليست مجعولا شرعيا، و إنما هي متفرعة من الحكم بالحرمة و النجاسة- على تقدير الغليان-

420
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

فلا يجري الاستصحاب فيها. مضافا إلى أن الكلام في الاستصحاب التعليقي و الاستصحاب الجاري في الملازمة تنجيزي، و لو جرى كان حاكما على استصحاب الحكم التعليقي و التنجيزي معا.

و قد ذكر بعض الأعاظم في درسه في توجيه الحكومة ما لا يخلو من إشكال و نظر، و حاصل ما ذكر: أن الشك في الحل و الطهارة بعد الغليان و ان كان عين الشك في الحرمة و النجاسة على تقدير الغليان، لكن الشك المذكور ناشئ من الشك في كيفية جعل النجاسة و الحرمة، و أنه هل يختص بحال العنبية، أو يعمها و سائر الأحوال الطارية عليها كالزبيبية،- مثلا- و لما كان الاستصحاب التعليقي يقتضي كون الجعل على النحو الثاني، كان حاكما على استصحاب الحل و الطهارة، لأنه معه لا يبقى مجال للشك في الحل و الطهارة (فإن قلت): كيف يكون حاكما على الاستصحاب المذكور مع أن الشرط في الأصل الحاكم أن يكون مجراه موضوعا لمجرى الأصل المحكوم، كما في استصحاب طهارة الماء، الحاكم على استصحاب نجاسة الثوب المغسول به، و ليس الحل و الطهارة التنجيزيان في المقام من أحكام الحرمة و النجاسة التعليقيتين (قلت): هذا يختص بالأصول الجارية في الشبهات الموضوعية، و أما الشبهات الحكمية فيكفي فيها أن يكون التعبد بالأصل السببي مقتضيا لرفع الشك المسبب، إذ لا معنى للتعبد بالحرمة و النجاسة التعليقيتين إلا إلغاء احتمال الحلية و الطهارة، فاستصحاب الحرمة و النجاسة يكون حاكما على استصحاب الحلية و الطهارة.

هذا و لكن يشكل: بأنه لم يتضح الوجه في كون الاستصحاب التعليقي مقتضياً لكون جعل الشارع للحرمة و النجاسة في العنب إذا غلى شاملا لحال الزبيبية، و لا يكون استصحاب الحل و الطهارة التنجيزي مقتضياً لكون الجعل على نحو يختص بالعنب، و لا يشمل الزبيب. كما لم يتضح الوجه في كون‌

421
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

الشك في الحل و الحرمة، ناشئاً من الشك في عموم الجعل و شموله لحال الزبيبية و عدمه، و لم لا يكون العكس؟ بأن يكون الشك في العموم ناشئاً من الشك في ثبوت الحرمة على تقدير الغليان. و أيضاً فهذا النش‌ء عقلي، فكيف يكون الأصل الجاري في الناشئ مثبتاً للمنشإ؟!. مع أن المنشأ ليس موضوعا لأثر عملي و انما الأثر للناشئ لا غير. كما لم يتضح الوجه في الفرق بين الشبهات الحكمية و الموضوعية في شرط الحكومة، و لا في كون الأصل التعليقي رافعاً للشك في الطهارة و الحلية، و لا يكون الاستصحاب الجاري فيهما رافعاً للشك في الحرمة و النجاسة التعليقيتين، مع كون مجريي الأصلين في رتبة واحدة، و مقومين لشك واحد، و كيف يكون الأصل مثبتاً لحكم ليس هو مجرى له و لا أثراً لمجراه؟! و هل الأصل المثبت إلا هذا؟!. مع أنه لو سلم فهو مطرد في كل من الأصلين. فما الوجه المميز لأحدهما عن الآخر؟! بحيث يكون الأصل التعليقي موجباً للتعبد بخلاف الأصل التنجيزي، و لا يكون الأصل التنجيزي موجباً للتعبد بخلاف الأصل التعليقي، مع أن دليلهما واحد، و مورديهما طرفا شك واحد، متقوم بهما على نحو واحد. فما ذكره مما لم يتضح وجهه، على نحو يصح الخروج به عن القواعد المقررة بينهم، المبرهن عليها عندهم.

هذا و الأستاذ (قده) في الكفاية أجاب عن إشكال المعارضة: بأن الحلية الثابتة قبل الغليان، كانت مغياة بالغليان، لأن الغليان في حال العنبية كما كان سبباً للحرمة كان رافعاً للحلية، فبعد حدوث وصف الزبيبية يشك في بقاء الحرمة المعلقة على الغليان، و في بقاء الحلية المغياة بالغليان، و بقاء الحلية المغياة بالغليان لا ينافي الحرمة المعلقة عليه، بل هما متلازمان، فلا يكون الأصلان الجاريان فيهما متعارضين، فان قوام المعارضة في الأصول أن يعلم بكذب أحدهما إجمالا، و هو غير حاصل في المتلازمين.

422
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

و لكنه يشكل: بأن ذلك يتم بالإضافة إلى حلية العنب التي كانت قبل صيرورته زبيباً، لا بالإضافة إلى الحلية الشخصية الموجودة في عصير الزبيب قبل غليانه، فإنها معلومة التحقق حينئذ، فإذا غلى يشك في ارتفاعها، و مقتضى الاستصحاب بقاؤها، فيتعارض هو و استصحاب الحرمة التعليقية و كذا مع استصحاب الحلية المغياة، إذ هو لا يثبت كون هذه الحلية مغياة كما أن استصحاب بقاء الكر في الحوض لا يثبت أن ماء الحوض كر، فان استصحاب مفاد كان التامة لا يثبت مفاد كان الناقصة، كما لا يخفي.

و قد يستشكل في الأصل التعليقي: بأن غاية مفاده إثبات الحرمة على تقدير الغليان، و هذا لا يثبت الحرمة الفعلية إلا بناء على القول بالأصل المثبت. و فيه: أن فعلية الحرمة لازمة لثبوت الخطاب التعليقي عند ثبوت المعلق عليه، أعم من أن يكون ثبوته بالوجدان، أو بالأصل، فهي من اللوازم العقلية التي تترتب على الأعم من الواقع و الظاهر، كوجوب الإطاعة و حرمة المعصية، فلا يحتاج في إثباته بالأصل إلى إثبات كونه من اللوازم الشرعية لمجرى الأصل.

هذا و قد يستدل على الحرمة بجملة من النصوص.

كصحيح ابن سنان- المتقدم- [1]: «كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه»

لكن عرفت الإشكال في شموله للمقام. و‌

كرواية ابن جعفر (ع):

«عن الزبيب هل يصلح أن يطبخ حتى يخرج طعمه، ثمَّ يؤخذ الماء فيطبخ حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه، ثمَّ يرفع فيشرب منه السنة؟ فقال (ع):

لا بأس به» «1».

لكن لو دلت على ثبوت البأس لو لم يذهب ثلثاه، فهي في ظرف بقائه سنة، و من المحتمل قريباً أنه يختمر في أثناء السنة.

______________________________
[1] عند الكلام في العصير التمري.

______________________________
(1) الوسائل باب: 8 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

423
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

و كموثقي عمار الواردين في الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالا؟

و قد ذكرهما في الوسائل في باب حكم ماء الزبيب و غيره و كيفية طبخه من أبواب الأشربة المحرمة «1».

و لكن يشكل- مضافا إلى أن الخصوصيات المذكورة فيهما مما لا يحتمل دخلها في الحل-: بأنه لم يظهر من السؤال إرادة الحل في قبال التحريم الحاصل بالغليان- كما هو المدعى- أو في قبال التحريم الحاصل بالنشيش و التغير، الملازم للبقاء غالبا، الذي هو موردهما، بقرينة المقادير المذكورة فيهما، و ما في ذيل أحدهما من‌

قوله (ع): «فإذا أردت أن يطول مكثه عندك فروقه».

بل الثاني أقرب، بقرينة ما‌

في رواية إسماعيل بن الفضل من قول الصادق (ع): «و هو شراب طيب لا يتغير إذا بقي إن شاء اللّٰه تعالى» «2».

و‌

برواية زيد النرسي في أصله: «سئل أبو عبد اللّٰه (ع) عن الزبيب يدق و يلقى في القدر، ثمَّ يصب عليه الماء و يوقد تحته. فقال (ع):

لا تأكله حتى يذهب الثلثان و يبقى الثلث، فان النار قد أصابته. قلت:

فالزبيب كما هو يلقى في القدر، و يصب عليه الماء، ثمَّ يطبخ و يصفي عنه الماء. فقال (ع): كذلك هو سواء، إذ أدت الحلاوة إلى الماء، و صار حلوا بمنزلة العصير، ثمَّ نش من غير أن تصيبه النار فقد حرم، و كذلك إذا أصابته النار فأغلاه فقد فسد» «3».

لكن استشكل فيها (أولا): بعدم ثبوت وثاقة زيد النرسي.

و رواية محمد بن أبي عمير عنه لا توجب ذلك، و إن قيل: انه لا يروي إلا‌

______________________________
(1) و هي باب: 5 و قد ذكر الحديثان برقم: 2، 3.

(2) الوسائل باب: 5 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

(3) مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

424
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

عن ثقة. إذ لا يبعد كون المراد منه الوثاقة في خصوص الخبر الذي رواه- و لو من جهة القرائن الخارجية- لا كون الراوي ثقة في نفسه. و إلا لأشكل الأمر في كثير من الموارد التي روى فيها محمد بن أبي عمير عن المضعفين. مضافا إلى بنائهم على عدم كفاية روايته في توثيق المروي عنه، كما يظهر من ملاحظة الموارد التي لا تحصى، و منها المقام، فإنهم لم ينصوا على وثاقة زيد بمجرد رواية محمد بن أبي عمير عنه. و أيضاً فإن الظاهر أن عدم الرواية إلا عن الثقة ليس مختصا بمحمد و البزنطي و صفوان، الذين قيل فيهم ذلك بالخصوص، فقد قال الشيخ (ره) في عدته في مبحث الخبر المرسل: «سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير و صفوان بن يحيى، و أحمد بن محمد بن أبي نصر، و غيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون و لا يرسلون إلا عمن يوثق به، و بين ما أسنده غيرهم، و لذلك عملوا بمراسيلهم». بل الظاهر أن كثيراً من رواه الحديث كذلك، لاختصاص الحجية عندهم بخبر الثقة، و ليس نقلهم للروايات من قبيل نقل القضايا التاريخية، و انما كان للعمل و الفتوى، فما لم يحصل لهم الوثوق بالرواية لا ينقلونها، بل يطعنون على من ينقلها. فلاحظ ما حكي عن أحمد بن محمد بن عيسى من إخراجه البرقي من قم، لأنه يروي عن الضعفاء و يعتمد المراسيل، فلو كان هذا المقدار كافيا في البناء على وثاقة الراوي لم يبق لنا رأو إلا و هو ثقة إلا نادرا. نعم الرواية عن شخص تدل على الوثوق بروايته لكن ذلك قد لا يوجب الوثوق لغيره.

و بذلك اتضح الفرق بين الشهادة بوثاقة الراوي و الرواية عنه، فتكفي الأولى في قبول خبره، و لا تكفي الثانية في قبوله، فضلا عن إثبات وثاقة الراوي في نفسه، لأن الظاهر في الأولى الاستناد إلى الحس أو ما يقرب منه، فيكون حجة و لا يظهر من الثانية ذلك. و لذلك نجد أكثر الروايات‌

425
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

الضعيفة غير مقبولة عند الأصحاب و في سندها الثقات و الأجلاء، لعدم حصول الوثوق لهم من مجرد ذلك، لاحتمال كون وثوق رجال السند حاصلا من مقدمات بعيدة يكثر فيها الخطأ. و من ذلك يظهر الإشكال في إثبات وثاقة زيد النرسي برواية جماعة من الأجلاء لكتابة، كما قيل.

و مثله في الاشكال ما قيل من أن محمد بن أبي عمير من أصحاب الإجماع، و المعروف بينهم أن المراد به الإجماع على قبول الرواية، إذا كان أحدهم في سندها، و ان رواها بواسطة المجهول، كما يدل على ذلك عبارة العدة المتقدمة، فإن المراد من غيرهم من الثقات ما يشمل أصحاب الإجماع قطعاً. و لأجلها يضعف احتمال أن المراد من الإجماع المتقدم صحة روايتهم فقط. و على هذا فرواية النرسي يجب العمل بها، لرواية محمد بن أبي عمير إياها و ان لم تثبت وثاقة النرسي.

وجه الاشكال: أن الإجماع المذكور و إن حكاه الكشي (ره) و تلقاه من بعده بالقبول، لكن ثبوته و حجيته بهذا المقدار محل تأمل. كيف و جماعة من الأكابر توقفوا عن العمل بمراسيل ابن أبي عمير؟! و أما غيره من أصحاب الإجماع فلم يعرف القول بالاعتماد على مراسيله، حتى استشكل بعضهم في وجه الفرق بينه و بين غيره في ذلك، و ما ذكره الشيخ (ره) في عبارته المتقدمة غير ظاهر عندهم. و أيضاً فإن الظاهر أن الوجه في الإجماع المذكور ما علم من حال الجماعة من مزيد التثبت، و الإتقان، و الضبط، بنحو لا ينقلون إلا عن الثقات- و لو في خصوص الخبر الذي ينقلونه- فيجي‌ء فيه الكلام السابق من أن الوثوق الحاصل من جهة القرائن الاتفاقية غير كاف في حصول الوثوق لنا على نحو يدخل الخبر في موضوع الحجية كلية (و بالجملة): لو كان الإجماع المدعى ظاهرا في ذلك، فكفايته في وجوب العمل بالخبر الذي يرويه أصحاب الإجماع، مع عدم‌

426
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

ثبوت وثاقة المروي عنه، أو ثبوت ضعفه، لا يخلو من إشكال. فلاحظ و تأمل.

و مثل ذلك دعوى ثبوت وثاقة النرسي بعد كتابه من الأصول، كما في الفهرست و غيره. إذ فيه عدم وضوح كون المراد بالأصل الكتاب الذي يجوز الاعتماد عليه و العمل بما فيه، لاحتمال كون المراد معنى آخر.

فلاحظ كلماتهم في الفرق بين الكتاب و الأصل، فقد ذكروا فيه وجوهاً و احتمالات ليس على واحد منها شاهد واضح. و أيضاً فإن المحكي عن الصدوق في فهرسته- تبعاً لشيخه محمد بن الحسن بن الوليد- أن أصل زيد النرسي، و أصل زيد الزراد، و كتاب خالد بن عبد اللّٰه بن سدير، موضوعات، وضعها محمد بن موسى الهمداني. و هذه الدعوى و ان غلطهما فيها ابن الغضائري و غيره بأن الأصلين الأولين قد رواهما محمد بن أبي عمير، لكنها توجب الارتياب، إذ من البعيد أن يكون الصدوق و شيخه مما خفي عليهما ذلك، فجزما بالوضع. و مما يزيد الارتياب أن الشيخ (ره) في الفهرست- مع اعترافه بأن زيدا النرسي له أصل، و أنه رواه محمد بن أبي عمير عنه- لم يرو عن زيد النرسي في كتابي الاخبار- على ما قيل- إلا حديثا واحدا في باب وصية الإنسان لعبده، رواه عن علي بن الحسن بن فضال عن معاوية بن حكيم، و يعقوب الكاتب عن ابن أبي عمير عنه، و الظاهر من عادته أنه أخذ الحديث المذكور من كتاب ابن فضال لا من الأصل المذكور. و كذلك الكليني (ره) فإنه لم يرو عنه إلا حديثين أحدهما في باب التقبيل‌

عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي بن مزيد صاحب السابري. قال: «دخلت على أبي عبد اللّٰه (ع) ..»

، و الثاني في كتاب الصوم في صوم يوم عاشوراء‌

عن الحسن بن علي الهاشمي، عن محمد بن عيسى، قال: حدثنا محمد ابن أبي عمير عن زيد النرسي. قال: «سمعت عبيد بن زرارة يسأل أبا عبد اللّٰه

427
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1) ألحق المشهور بالخمر العصير العنبي ؛ ج‌1، ص : 405

.....

عليه السلام ..»

. و لا يظهر منه أنه أخذ الحديثين المذكورين من أصل النرسي، أو من أصل غيره ممن روى عنه. فلو كان كتاب النرسي من الأصول المعول و المعتمد عليها عنده لما كان وجه للاعراض عن الرواية عنه، كما لا يخفى.

و استشكل فيها (ثانيا): بعدم صحتها عن أصل النرسي، لأن العلامة المجلسي (قده)- و هو الذي رواها في باب العصير من أواخر كتاب السماء و العالم- ذكر في مقدمة البحار أن كتاب زيد النرسي أخذه من نسخة عتيقة مصححة بخط الشيخ منصور بن الحسن الآبي، و هو نقله من خط الشيخ الجليل محمد بن الحسن القمي، و كان تاريخ كتابتها سنة أربع و سبعين و ثلاثمائة، و منصور بن الحسن الآبي غير معلوم الحال. نعم ذكر المامقاني (قده) في كتابه تنقيح المقال منصور بن الحسين الآبي، و حكى عن منتجب الدين أنه فاضل عالم فقيه، و له نظم حسن، قرأ على شيخنا المحقق أبي جعفر الطوسي. و احتمال أنه صاحب النسخة ينفيه أن تاريخها لا يناسب ذلك، فان المذكور في ترجمة الشيخ الطوسي (قده) أن ولادته كانت في خمس و ثمانين و ثلاثمائة، و ذلك لا يناسب تاريخ كتابة النسخة المتقدم. و كأنه لذلك توقف في الوسائل عن النقل عنه، و إلا فالمعلوم من طريقته- كغيره من المحدثين- جواز النقل عنه لو صحت النسخة، و إن كان المحكي عن السيد صدر الدين العاملي في تعليقته على منتهى المقال في ترجمة زيد النرسي: أنه وجد بخط الحر العاملي ما صورته: «زيد النرسي روى عن أبي عبد اللّٰه (ع) و أبي الحسن (ع): له كتاب يرويه جماعة. أخبرنا علي بن أحمد بن علي بن نوح، قال: حدثنا محمد بن أحمد الصفواني.

قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي بكتابه. قاله النجاشي». اللهم إلا أن يكون المانع عن‌

428
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): إذا صار العصير دبسا بعد الغليان، قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط حرمته ؛ ج‌1، ص : 429

و ان كان الأحوط الاجتناب عنهما أكلا، بل من حيث النجاسة أيضاً (1).

[ (مسألة 2): إذا صار العصير دبساً بعد الغليان، قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط حرمته]

(مسألة 2): إذا صار العصير دبساً بعد الغليان، قبل أن يذهب ثلثاه فالأحوط حرمته، و إن كان لحليته وجه (2).

و على هذا فاذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه، فالأولى أن يصب عليه مقدار من الماء، فاذا ذهب ثلثاه، حل بلا إشكال.

النقل عدم العثور على الأصل المذكور.

هذا و لو فرض الغض عما ذكرنا كله كفى في وهن الرواية، و عدم صلاحيتها للحجية، إعراض المشهور عنها، و ما تقدم عن العلامة الطباطبائي (قده) من دعوى شهرة الحرمة عند القدماء مبني- كما قيل- على أن رواية القدماء لأخبار التحريم تدل على اعتقادهم بمضمونها. و هو كما ترى، لما عرفت من منع دلالة الاخبار على التحريم. و لو سلمت فمجرد الرواية أعم من اعتقاد مضمونها، لجواز عدم وضوح دلالتها على ذلك في نظر الراوي، كما لا يخفى.

و من ذلك كله يظهر لك أن القول بحرمة عصير الزبيب إذا غلى ضعيف، لمخالفته لاستصحاب الحل أو قاعدته، أو عموم ما دل على حل ما ليس بمسكر، و عموم الحل المطلق، بلا موجب ظاهر. و اللّٰه سبحانه أعلم.

فإن ظاهر من ألحقه بالعصير العنبي إلحاقه حتى في النجاسة، بناء عليها فيه. كما أن مقتضى الاستدلال على الحرمة بالاستصحاب ذلك أيضاً، بناء على نجاسة العصير العنبي.

قال في المسالك: «لا فرق مع عدم ذهاب ثلثيه في تحريمه بين أن يصير دبساً و عدمه، لإطلاق النصوص باشتراط ذهاب الثلاثين ..

429
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): يجوز أكل الزبيب، و الكشمش، و التمر، في الامراق و الطبيخ، و ان غلت ؛ ج‌1، ص : 430

 

[ (مسألة 3): يجوز أكل الزبيب، و الكشمش، و التمر، في الامراق و الطبيخ، و ان غلت]

(مسألة 3): يجوز أكل الزبيب، و الكشمش، و التمر، في الامراق و الطبيخ، و ان غلت (1)، فيجوز أكلها بأي كيفية كانت على الأقوى.

[العاشر: الفقاع]

العاشر: الفقاع (2).

(الى أن قال) و يحتمل الاكتفاء بصيرورته دبساً قبل ذلك- على تقدير إمكانه- لانتقاله عن اسم العصير، كما يطهر بصيرورته خلا لذلك».

و فيه: أن الطهارة بالانقلاب خلاف الإطلاق، و ثبوتها بالانقلاب خلا كان بالإجماع، و هو غير حاصل هنا. و يحتمل أن يكون الوجه دعوى كون المقصود من ذهاب الثلاثين حاصلا بصيرورته دبساً. و ضعفها ظاهر، لعدم وضوح ذلك، و إطلاق الأدلة ينفيه. و أما دعوى انصراف مطهرية ذهاب الثلاثين الى ما لم يصر دبساً، فلا تجدي في إثبات الطهارة بصيرورته دبساً، لأن الانصراف المذكور و ان أوجب سقوط الإطلاق الدال على النجاسة عن الحجية، لكن الاستصحاب كاف في إثبات النجاسة.

هذا ظاهر بناء على القول بحل عصير الزبيب و التمر إذا غلى.

بل و كذا بناء على حرمته، لعدم صدق العصير على المرق و الطبيخ و الدهن الذي يغلي فيه المذكورات. نعم لو كان غليانها يؤدي الى صدق العصير على قليل مما حولها من المرق أو الدهن تنجس، و سرت نجاسته إلى جميع المائع. و حينئذ لا يطهر بذهاب ثلثيه، لعدم الدليل عليه، بل تبقى نجاسته إلى أن يستهلك، كما في سائر المائعات المتنجسة.

إجماعا، كما عن جماعة، كالسيدين، و الشيخ، و العلامة، و المقداد و غيرهم (قدهم). و يدل على ذلك‌

موثق ابن فضال: «كتبت الى أبي الحسن (ع) أسأله عن الفقاع. فقال: هو الخمر، و فيه حد شارب

 

430
مستمسک العروة الوثقی1

العاشر: الفقاع ؛ ج‌1، ص : 430

.....

الخمر» «1».

و‌

موثق عمار: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الفقاع.

فقال (ع): هو خمر» «2»

، و نحوه روايات الوشاء، و حسين القلانسي، و محمد بن سنان، و هشام بن الحكم، و غيرهم «3». و في خبر الحسن بن الجهم و ابن فضال: أنه خمر مجهول. و ظاهره أنه خمر حقيقي، فالتنزيل حقيقي، و ثبوت النجاسة عليه ظاهر. و كذا لو كان التنزيل ادعائياً فإنها مقتضى إطلاقه. بل‌

في خبر هشام: «و إذا أصاب ثوبك فاغسله» «4».

و لا ينافيه ما‌

في خبر زكريا بن آدم: «قلت: و الفقاع هو بتلك المنزلة إذا قطر في شي‌ء من ذلك؟ قال (ع): أكره أن آكله إذا قطر في شي‌ء من طعامي» «5».

لإمكان حمل الكراهة على الحرمة، و ان كان اختلاف التعبير فيه مع التعبير في الخمر و النبيذ و الدم بالفساد ربما يوجب الظهور في الكراهة الاصطلاحية، و لكن لا مجال للأخذ به في قبال ما عرفت من النصوص و الإجماعات، مع ما هو عليه من ضعف السند.

هذا و المحكي عن غير واحد اعتبار النشيش في التحريم و النجاسة، و في محكي كلام بعضهم اعتبار الغليان، بل عن حاشية المدارك: «صرحوا- يعني: الأصحاب- بأن الحرمة و النجاسة يدوران مع الاسم و الغليان دون الإسكار». و يشهد له‌

مصحح ابن أبي عمير عن مرازم، «قال: كان يعمل لأبي الحسن (ع): الفقاع في منزله. قال ابن أبي عمير: و لم يعمل فقاع يغلي» «6».

فإن قول مرازم‌

«كان يعمل ..»

. ظاهر في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 4.

(3) راجع الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة.

(4) الوسائل باب: 27 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 9.

(5) الوسائل باب: 26 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(6) الوسائل باب: 39 من أبواب النجاسات حديث: 1.

431
مستمسک العروة الوثقی1

العاشر: الفقاع ؛ ج‌1، ص : 430

و هو شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص (1)، الاستمرار، فيدل على الحل، لبعد الضرورة المقتضية للجواز لو كانت ممكنة في حقه (ع). و يشهد له اعتذار ابن أبي عمير الذي هو حجة.

و ما‌

رواه عثمان بن عيسى قال: «كتب عبد اللّٰه بن محمد الرازي الى أبي جعفر الثاني (ع): إن رأيت أن تفسر لي الفقاع، فإنه قد اشتبه علينا، أ مكروه هو بعد غليانه أم قبله؟ فكتب (ع): لا تقرب الفقاع إلا ما لم تضر آنيته، أو كان جديدا. فأعاد الكتاب اليه: كتبت أسأل عن الفقاع ما لم يغل. فأتاني أن أشربه ما كان في إناء جديد أو غير ضار، و لم أعرف حد الضراوة و الجديد، و سأل أن يفسر ذلك له، و هل يجوز شرب ما يعمل في الغضارة و الزجاج و الخشب و نحوه من الأواني؟ فكتب (ع) يفعل الفقاع في الزجاج و في الفخار الجديد إلى قدر ثلاث عملات، ثمَّ لا يعد منه بعد ثلاث عملات إلا في إناء جديد، و الخشب مثل ذلك» «1».

و‌

في مصحح علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي (ع): «سألته عن شرب الفقاع الذي يعمل في السوق و يباع و لا أدري كيف عمل، أ يحل أن أشربه؟

قال (ع): لا أحبه» «2».

كما صرح به جماعة، منهم السيد في الانتصار، و حكاه عن أبي هاشم الواسطي، و في مجمع البحرين: «الفقاع كرمان شي‌ء يشرب يتخذ من ماء الشعير فقط»، و نحوه ما عن غيرهم. نعم في سؤال المهنا بن سنان: أن أهل بلاد الشام يعملون من الشعير، و من الزبيب، و من الرمان و من الدبس، و يسمون الجميع فقاعا. و ظاهره كونه حقيقة في الجميع.

إلا أن يحكم بحدوث هذا الاصطلاح جمعا بينه و بين ما سبق. بل لعل ظاهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 39 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 39 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 3.

432
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع ؛ ج‌1، ص : 433

و يقال: إن فيه سكراً خفيا (1). و إذا كان متخذا من غير الشعير فلا حرمة، و لا نجاسة، إلا إذا كان مسكراً.

[ (مسألة 4): ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع]

(مسألة 4): ماء الشعير الذي يستعمله الأطباء في العبارة حدوث الاصطلاح في خصوص بلاد الشام، فلا إشكال حينئذ، لكن في كشف الغطاء: «الفقاع كرمان و هو شراب مخصوص غير مسكر يتخذ من الشعير غالبا، و أدنى منه في الغلبة ما يكون من الحنطة، و دونهما ما يكون من الزبيب، و دونهما ما يكون من غيرها»، و في روض الجنان:

«و الأصل في الفقاع ما يتخذ من ماء الشعير كما ذكره المرتضى في الانتصار لكن لما ورد النهي عنه معلقا على التسمية ثبت له ذلك سواء عمل منه أم من غيره، إذا حصل فيه خاصيته، و هي النشيش»، و نحوه عن الروضة و المسالك. و يشكل: بأنه يتم لو كان المسمى لوحظ فيه معنى وصفي- و هو النشيش- و هو غير ظاهر، بل ممنوع، لا أقل من الشك الموجب للرجوع إلى أصالة الحل و الطهارة. و نقل العموم ضعيف في مقابل نقل الخصوص لأنه أشهر. و قد يشهد لذلك ما في الانتصار: «‌

روى أصحاب الحديث بطرق معروفة إن قوما من العرب سألوا رسول اللّٰه (ص) عن الشراب المتخذ من القمح. فقال رسول اللّٰه (ص): يسكر؟ قالوا: نعم فقال (ص): لا تقربوه، و لم يسأل (ص) في الشراب المتخذ من الشعير عن الإسكار، بل حرم ذلك على الإطلاق»

. كما قد يظهر من بعض النصوص المتضمنة أنه خمر، أو خمر مجهول، أو خمرة استصغرها الناس. لكن عن جماعة: أنه ليس بمسكر بل لعله ظاهر من عطفه على الخمر و المسكرات في النجاسة. و لعل ذلك لخفاء إسكاره، و عدم ظهوره كغيره.

433
مستمسک العروة الوثقی1

الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام ؛ ج‌1، ص : 434

معالجاتهم ليس من الفقاع، فهو طاهر حلال (1).

[الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام]

الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام (2)، كما صرح به جماعة، منهم كاشف الغطاء معللا له: بأن الظاهر أنه يحصل منه فتور لا يبلغ حد السكر، و ليس ذلك في ماء الشعير. انتهى.

و العمدة أن الفقاع متخذ على نحو خاص من العمل، لا مجرد غليان الشعير كما في ماء الشعير.

على المشهور بين المتقدمين- كما قيل- و حكي عن الصدوقين و المفيد في المقنعة، و الشيخ في الخلاف و النهاية و القاضي و غيرهم، بل عن الأمالي: «من دين الإمامية الإقرار بأنه إذا عرق الجنب في ثوبه و كانت من حلال حلت الصلاة فيه، و من حرام حرمت»، و عن الخلاف نقل الإجماع على النجاسة. و يدل عليه مرسل المبسوط حيث قال فيه: «و ان كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه، على ما رواه بعض أصحابنا» [1]. و ما‌

في الذكرى من رواية محمد بن همام بإسناده إلى إدريس ابن زياد الكفرثوثي: أنه كان يقول بالوقف، فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن (ع) و أراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلي فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره (ع) إذ حركه أبو الحسن (ع): بمقرعة، و قال- مبتدئاً-: «إن كان من حلال فصل فيه. و ان كان من حرام فلا تصل فيه» «1»

، و نحوه ما في مناقب ابن‌

______________________________
[1] ذكر في المبسوط في الفصل السابع من كتاب الصلاة في التطهير، قبيل فصل الأذان و الإقامة، صفحة: 27 ما نصه: «فان عرق فيه و كانت الجنابة عن حرام روى أصحابنا انه لا تجوز الصلاة فيه». و لم نعثر على العبارة التي نقلها الشارح قدس سره. و لعله أخذها من بعض المصادر التي نقلتها بالمعنى.

______________________________
(1) ذكره في الذكرى في ملحقات النجاسات صفحة: 14 و في الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات حديث: 12.

434
مستمسک العروة الوثقی1

الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام ؛ ج‌1، ص : 434

.....

شهر اشوب عن كتاب المعتمد في الأصول للشيخ المفيد عن علي بن مهزيار «1» و ما في البحار عن كتاب يظنه مجمع الدعوات لمحمد بن موسى بن هارون التلعكبري، عن أبي الفتح غازي بن محمد الطرائفي، عن علي بن عبد اللّٰه الميموني، عن محمد بن علي بن معمر، عن علي بن يقطين بن موسى الأهوازي، عنه (ع) «2». و ضعف السند منجبر بالعمل.

لكن المنسوب إلى أكثر المتأخرين- بل المشهور بينهم- الطهارة، بل عن الحلي دعوى الإجماع عليها، و أن من قال بالنجاسة في كتاب رجع عنه في كتاب آخر. انتهى. و كأنه لقصور سند الروايات المذكورة عن الحجية بنحو يجوز لأجلها رفع اليد عن عموم ما دل على طهارة عرق الجنب. (و فيه): ما عرفت من انجبار الضعف بالعمل. نعم هي قاصرة الدلالة على النجاسة، إذ هي إنما تضمنت المنع من الصلاة في الثوب الذي أصابه عرق الجنب من الحرام، و هو أعم من النجاسة، بل ذلك ظاهر عبارة الأمالي المتقدمة، و عبارة الفقيه، و رسالة ابن بابويه، على ما حكي و حينئذ تشكل نسبة القول بالنجاسة إليهم. نعم عبارة المبسوط المتقدمة ظاهرة في النجاسة، و نحوها عبارة النهاية، و مختصر ابن الجنيد.

اللهم إلا أن يقال: ظاهر الروايات المتقدمة المنع من الصلاة في الثوب الذي أصابه عرق الجنب من الحرام و ان جف و ذهبت عينه، و مقتضى الجمود على ذلك المنع من الصلاة في الثوب المذكور دائما و إن غسل، لعدم الدليل على زوال الحكم المذكور بالغسل، و لأجل عدم إمكان الالتزام بذلك تعين إما الحمل على صورة وجود العرق حال الصلاة، أو الحمل على عدم الغسل بالماء. و الثاني أقرب، بقرينة أن الظاهر من السؤال- بمناسبة الارتكاز‌

______________________________
(1) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(2) مستدرك الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات ملحق حديث: 5.

435
مستمسک العروة الوثقی1

الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام ؛ ج‌1، ص : 434

سواء خرج حين الجماع أو بعده من الرجل أو المرأة، سواء كان من زنا، أو غيره، كوطء البهيمة، أو الاستمناء، أو نحوهما مما حرمته ذاتية (1). بل الأقوى ذلك في وطء الحائض و الجماع في يوم الصوم الواجب المعين، أو في الظهار قبل التكفير (2).

العرفي- السؤال عن النجاسة و الطهارة لعرق الجنب، كما يظهر ذلك من الروايات الواردة في نفي البأس عن عرق الجنب «1». و على هذا فالروايات تكون دالة على النجاسة. و كأنه لذلك لم يفرقوا في نسبة القول بالنجاسة بين التعبيرين المتقدمين.

هذا و أما ما ورد في النهي عن غسالة الحمام، معللا بأنه يغتسل فيه من الزنا و ولد الزنا و الناصب «2». فهي أجنبية عن المقام، لأنها إن دلت على النجاسة فهي نجاسة بدن الزاني، لا عرقه، و ليست هي محل كلام.

كل ذلك للإطلاق. نعم لو كان خارجا قبل الجماع فهو طاهر، لخروجه عن الإطلاق.

في المنتهى: «أما الوطء في الحيض و الصوم فالأقرب الطهارة و في المظاهرة إشكال»، و في طهارة شيخنا الأعظم (ره): «لعل وجه الحكم بالطهارة في الوطء في الصوم و الحيض: أن المتبادر من الجنابة من الحرام كون الحرمة من جهة الفاعل، أو القابل، لا من جهة نفس الفعل».

و يشكل: بأن الحرمة في الحيض من جهة القابل، و في الصوم من جهة الفاعل، و الحرمة من جهة الفعل تختص بصورة نذر ترك الوطء، أو كونه مضرا أو نحوهما. و لعل منه وطء المظاهرة، لأن الظهار نحو من العهد أمضاه الشارع على نحو خاص. و من ذلك يظهر أن وطء المظاهرة‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 27 من أبواب النجاسات.

(2) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل.

436
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس ؛ ج‌1، ص : 437

[ (مسألة 1): العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس]

(مسألة 1): العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس (1). و على هذا فليغتسل في الماء البارد، و ان لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار، و ينوي الغسل حال الخروج (2)، أو يحرك بدنه تحت الماء بقصد الغسل.

[ (مسألة 2): إذا أجنب من حرام ثمَّ من حلال]

(مسألة 2): إذا أجنب من حرام ثمَّ من حلال، أو من حلال ثمَّ من حرام، فالظاهر نجاسة عرقه (3) أيضا، خصوصا في الصورة الأولى.

[ (مسألة 3): المجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه]

(مسألة 3): المجنب من حرام إذا تيمم لعدم التمكن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه (4)، و إن كان الأحوط أظهر في الطهارة من الوطء في الحيض و الصوم، لا العكس، كما تقدم في المنتهى. و كيف كان فمقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين الحرمة من جهة الفاعل و القابل و نفس الفعل، و إن كانت دعوى الانصراف إلى خصوص الزنا لا تخلو من وجه. فتأمل.

لكونه جنباً حينئذ، و إنما ترتفع جنابته بتمام الغسل.

سيأتي في مبحث الغسل أن الغسل الارتماسي إنما يكون في حال التغطية تحت الماء، و لا يكون حال الخروج.

لا يخلو من إشكال في الصورة الثانية، لعدم الدليل على تحقق الجنابة من الحرام بالوطء الحرام، و ظاهر أدلة تحقق الجنابة بالوطء أو الإنزال كونهما ملحوظين بنحو صرف الوجود، لا الطبيعة السارية، و لذا لا يظن الالتزام بتحقق جنابتين من حلال أو من حرام. اللهم إلا أن يتمسك بإطلاق أدلة السببية مع الاختلاف في الآثار و الاحكام، كما في المقام.

لإطلاق دليل بدلية التيمم.

437
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال ؛ ج‌1، ص : 438

 

الاجتناب عنه ما لم يغتسل. و إذا وجد الماء و لم يغتسل بعد فعرقه نجس، لبطلان تيممه بالوجدان.

[ (مسألة 4): الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال]

(مسألة 4): الصبي غير البالغ إذا أجنب من حرام ففي نجاسة عرقه إشكال (1) و الأحوط أمره بالغسل، إذ يصح منه قبل البلوغ، على الأقوى (2).

[الثاني عشر: عرق الإبل الجلالة (3)، بل مطلق، الحيوان الجلال على الأحوط]

الثاني عشر: عرق الإبل الجلالة (3)، بل مطلق، الحيوان الجلال على الأحوط.

كما في الجواهر و عن المنتهى. ينشأ من عدم الحرمة في حقه، لحديث رفع القلم عن الصبي، و من ثبوت الحرمة في حد ذاته. لكن الأقوى الطهارة، و ارادة الحرمة في حد ذاته ممنوعة جدا. و لذا لا يظن الالتزام في مثل وطء الشبهة. بل لازمه النجاسة في وطء الزوجة، لأنه حرام في حد ذاته، و إنما صار حلالا بالعرض بطروء عنوان الزوجية. فتأمل.

لأن مقتضى أدلة التكاليف ثبوت المناطات في فعل الصبي كفعل البالغ و حديث رفع القلم إنما يقتضي رفع الإلزام، فيبقى المناط الموجب للمشروعية بحاله كما تقدم غير مرة.

كما عن الشيخين و القاضي و المنتهى، و عن الأردبيلي، و تلميذه في المدارك، و تلميذه في الذخيرة: الميل اليه، بل نسب إلى مشهور القدماء.

لمصحح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّٰه (ع): «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة و ان أصابك شي‌ء من عرقها فاغسله» «1».

و‌

صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّٰه (ع): «لا تأكلوا لحوم الجلالة، و أن أصابك من عرقها شي‌ء فاغسله» «2»

و المحكي عن المتأخرين الكراهة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 15 من أبواب النجاسات حديث: 1.

 

438
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني عشر: عرق الإبل الجلالة(3)، بل مطلق، الحيوان الجلال على الأحوط ؛ ج‌1، ص : 438

.....

لما دل على طهارتها و طهارة سؤرها، الملازم لطهارة عرقها. المؤيد باستبعاد الفرق بينها و بين سائر ما لا يؤكل لحمه، بل بين سائر الحيوانات الجلالة، لعدم الخلاف في طهارة عرقها، إلا ما حكي عن نزهة ابن سعيد. بل بين باقي فضلات نفسه عدا البول و الغائط. هذا و لكن العموم مخصص، و الاستبعاد لا يدخل في أدلة الأحكام الشرعية. نعم الإجماع على طهارة غير الإبل من الجلال ربما يوجب حمل الأمر في الصحيح على الاستحباب، حتى في الإبل، لوحدة السياق، فيحمل الأمر في المصحح عليه. لكنه ليس بلازم، إذ من الممكن حمل الأمر في الصحيح على الأعم من الوجوب و الاستحباب، فلا ينافي الأخذ بظاهر الأمر في المصحح. مضافا إلى إمكان حمل الجلالة في الصحيح على العهد، و يكون المعهود خصوص الإبل الجلالة أو أن الجلالة كما تستعمل وصفاً مؤنت الجلال، تستعمل اسماً بمعنى الإبل الجلالة أيضاً. و هذا و ان كان خلاف الظاهر، لكن احتماله كاف في عدم جواز رفع اليد عن ظاهر المصحح فالعمل به متعين.

هذا مضافا إلى أن الإجماع المذكور مما لم يتضح جواز رفع اليد به عن ظاهر الصحيح المقتضي لنجاسة عرق الجلال مطلقاً، فإن القائلين بالطهارة مطلقاً- كأكثر المتأخرين- قد عرفنا خطأهم، كما سبق. و القائلون بالنجاسة في الإبل لم يتضح لنا وجه تخصيصهم الحكم بالإبل، و الخطأ جائز عليهم فلا يكون تخصيصهم حجة. نعم لو ثبت إجماع تقديري- بأن كان القائلون بالطهارة مطلقاً يقولون بتخصيص النجاسة بالإبل على تقدير عدولهم عن الطهارة- أمكن حينئذ لزوم رفع اليد عن ظاهر الصحيح. لكنه غير ثابت. اللهم إلا أن يقال: يكفي في وهن الصحيح اعراض القدماء عن ظاهره، لأنه يوجب ارتفاع الوثوق المعتبر في حجيته. و كأنه لعدم وضوح ذلك لم يجزم المصنف (ره) بالطهارة في غير الإبل.

439
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب و الوزغ و العقرب، و الفأر ؛ ج‌1، ص : 440

[ (مسألة 1): الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب و الوزغ و العقرب، و الفأر]

(مسألة 1): الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب و الوزغ و العقرب، و الفأر (1).

ظاهر المحكي عن المقنعة في باب لباس المصلي و مكانه: نجاسة الثعلب و الأرنب، و في موضع آخر منها: نجاسة الفأرة و الوزغة. و كذا عن النهاية و الوسيلة في الأربعة كلها. و عن مصباح السيد: النجاسة في الأرنب.

و عن الحلبيين ذلك فيه و في الثعلب. و عن القاضي ذلك فيهما و في الوزغ.

و عن موضع من الفقيه و المقنع ذلك في الفأرة. و يشهد للنجاسة في الأولين و عامة السباع‌

مرسل يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سألته هل يحل أن يمس الثعلب و الأرنب أو شيئاً من السباع حيا أو ميتاً؟ قال (ع):

لا يضره، و لكن يغسل يده» «1».

و للنجاسة في الفأرة‌

صحيح ابن جعفر في الفأرة تقع في الماء و تمشي على الثياب. قال (ع): «اغسل ما رأيت من أثرها» «2».

و‌

في صحيحه الآخر في الفارة و الكلب إذا أكلا من الخبز أو شماه، قال (ع): «يطرح ما شماه» «3»

، و‌

في خبره فيما إذا أكلا من الخبز، قال (ع): «يطرح منه ما أكل» «4»

، و نحوه حديث عمار «5». و للنجاسة في الوزغ‌

خبر هارون بن حمزة الغنوي، قال (ع) فيه: «لا ينتفع بما يقع فيه» «6».

و‌

صحيح معاوية بن عمار في الفأرة و الوزغة تقع في البئر، قال (ع): «ينزح منها ثلاث دلاء» «7».

______________________________
(1) الوسائل باب: 34 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(2) الوسائل باب: 33 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 36 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 45 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 2.

(5) الوسائل باب: 36 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(6) الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 4.

(7) الوسائل باب: 19 من أبواب الماء المطلق حديث: 2.

440
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): الأحوط الاجتناب عن الثعلب، و الأرنب و الوزغ و العقرب، و الفأر ؛ ج‌1، ص : 440

بل مطلق المسوخات (1). و ان كان الأقوى طهارة الجميع (2) و للنجاسة في العقرب‌

موثق سماعة الوارد في الخنفساء تقع في الماء. قال (ع):

«و ان كان عقربا فارق الماء و توضأ من ماء غيره» «1».

فعن أطعمة الخلاف نجاستها كلها، و كذا عن بيعه، و بيع المبسوط و في الجواهر: «لم نعرف له دليلا على النجاسة بالمعنى المعروف».

كما هو المشهور، بل الظاهر إجماع المتأخرين عليه. و يشهد له‌

صحيح أبي العباس البقباق عن الصادق (ع): «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن فضل الهرة و الشاة، و البقر، و الإبل، و الحمار، و الخيل، و البغال و الوحش و السباع فلم أترك شيئاً إلا سألته عنه. فقال (ع): لا بأس. حتى انتهيت إلى الكلب فقال (ع): رجس نجس ..» «2».

و غيره من النصوص، المتقدم بعضها في الأسئار، و خصوص ما ورد في الفأرة التي تقع في السمن و الزيت، أو الدهن أو الماء «3»، مما دل على طهارة ما تقع فيه، و ما ورد في الوزغ يقع في الماء، كصحيح ابن جعفر، و العقرب، كخبر هارون بن حمزة الغنوي، و غيرهما مما ورد في كثير من المسوخات.

نعم لم أعثر عاجلا على ما يدل على طهارة الأولين صريحاً. و عموم صحيح البقباق المتقدم قابل للتخصيص بغيرهما قبوله للتخصيص بغير الخنزير.

نعم يمكن استفادة طهارتهما مما دل على قبولهما للتذكية من النصوص الواردة في الصلاة في جلدهما منعاً و جوازاً، لعدم وقوع التذكية على نجس العين قطعاً. إلا أن الذي يهون الخطب عدم حجية مرسل يونس، لضعفه في نفسه، و اعراض الأصحاب عن العمل به. فالمرجع فيهما أصل الطهارة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.

(3) راجع الوسائل باب: 9 من أبواب الأسئار.

441
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): كل مشكوك طاهر ؛ ج‌1، ص : 442

[ (مسألة 2): كل مشكوك طاهر]

(مسألة 2): كل مشكوك طاهر (1)، سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الأعيان النجسة، أو لاحتمال تنجسه و كذا في عامة المسوخات. مع ورود النص بطهارة كثير منها، و كون الطهارة في بعضها ضرورية. و قد وردت جملة من النصوص في تعدادها.

فلاحظ أول أطعمة الوسائل.

بلا خلاف ظاهر.

لموثق عمار المروي في أبواب النجاسات من الوسائل عن التهذيب عن أبي عبد اللّٰه (ع): «كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنه قذر، فاذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك» «1».

و‌

في خبر حفص بن غياث عن جعفر (ع): عن أبيه (ع): عن علي (ع): «ما أبالي أ بول أصابني أو ماء إذا لم أعلم» «2».

و‌

في موثق عمار فيمن رأى في إنائه فأرة، و قد توضأ منه مراراً أو اغتسل أو غسل ثيابه، فقال (ع): «إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه، ثمَّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه، و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء، و يعيد الوضوء و الصلاة. و إن كان إنما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله، فلا يمس من الماء شيئاً، و ليس عليه شي‌ء، لأنه لا يعلم متى سقط فيه. ثمَّ قال (ع): لعله أن يكون إنما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها» «3».

فان المورد و ان كان مورد قاعدة الفراغ، لكن التعليل يشهد بأن احتمال الطهارة كاف في البناء عليها مع قطع النظر عن القاعدة. هذا و مقتضى إطلاق الأول عدم الفرق بين الشبهة الموضوعية و الحكمية، و بين النجاسة الذاتية و العرضية، كما أشار إليه في المتن.

______________________________
(1) الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

442
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): الأقوى طهارة غسالة الحمام ؛ ج‌1، ص : 443

مع كونه من الأعيان الطاهرة. و القول: بأن الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر أو النجس محكوم بالنجاسة، ضعيف (1) نعم يستثنى مما ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات، أو بعد خروج المني قبل الاستبراء بالبول، فإنها- مع الشك- محكومة بالنجاسة (2).

[ (مسألة 3): الأقوى طهارة غسالة الحمام]

(مسألة 3): الأقوى طهارة غسالة الحمام، و إن ظن نجاستها (3). لكن الأحوط الاجتناب عنها.

كما تقدم هو و وجهه و ضعفه في المسألة السابعة من بحث الدم.

لظهور النصوص الآتي ذكرها في محله، في كونه بولا، أو منياً تعبداً فيترتب عليه جميع آثاره، و ان كان مقتضى الأصل فيه الطهارة.

كما عن المنتهى، و جامع المقاصد، و مجمع البرهان، و المعالم، و الدلائل، بل عن روض الجنان ذلك، إلا أنه قال: «إن لم يثبت إجماع على خلافه». و عن الإرشاد النجاسة، و عن حاشيته للكركي: أنه المشهور و كذا عن روض الجنان، و في الكفاية، و عن الصدوقين: المنع من جواز التطهير بها، و عن النهاية و السرائر: «لا يجوز استعمالها على حال»، بل عن السرائر: أنه إجماع، و قد وردت به عن الأئمة آثار معتمدة، قد أجمع الأصحاب عليها لا أجد من خالف فيها انتهى. و قد استظهر من عبارتي النهاية و السرائر الطهارة. كما أن عبارات المعتبر لا تخلو من اضطراب، فبعضها ظاهر في النجاسة، إلا أن يعلم بخلوها عن النجاسة، و بعضها ظاهر في الطهارة إلا أن يعلم بملاقاة النجاسة. و كيف كان فلا ينبغي التأمل في النجاسة إذا علم بملاقاتها للنجاسة، كما لا ينبغي التأمل في الطهارة مع العلم بعدم ملاقاتها لها. و ما في عبارة النهاية و السرائر من قولهما: «لا يجوز‌

443
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): الأقوى طهارة غسالة الحمام ؛ ج‌1، ص : 443

.....

استعمالها على حال» غير ظاهر في المنع، حتى مع العلم بعدم الملاقاة للنجاسة و ان كان ظاهر المعتبر أنه فهم ذلك، لكنه ينافيه تمسك السرائر بالرواية و ليس في الروايات ما يدل على ذلك. فكأن المراد من قولهما: «على حال» يعني: حال الاختيار و الضرورة، أو نحو ذلك.

و كيف كان فالروايات الواردة في الباب-

كرواية حمزة بن أحمد، عن أبي الحسن الأول (ع) و فيها: «و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فإنه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا- أهل البيت- و هو شرهم»

و نحوها رواية محمد بن علي بن جعفر، و رواية علي بن الحكم عن رجل عن أبي الحسن (ع): و مرسلة الكافي عن ابن جمهور عن محمد بن القاسم عن ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّٰه (ع): و موثقة ابن أبي يعفور عنه (ع) «1»- مع اشتمال بعضها على الجنب من الحرام، أو من الزنا، و بعضها على غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي- غير صالحة لإثبات النجاسة، للاقتصار فيها على النهي عن الاغتسال. و هو أعم من النجاسة. و لا سيما بملاحظة أن ماء غسل الجنب- حتى من الحرام- طاهر. و لا سيما أيضاً بملاحظة اشتمالها على التعليل: بأن ولد الزنا لا يطهر إلى سبعة آباء، فان ذلك كله شاهد على الخبث المعنوي لا النجاسة. و لا ينافي ذلك ذكر الناصب و اليهودي و النصراني و المجوسي فيها لإمكان طهارة الماء المجتمع، لاتصاله بما يجري عليه من أرض الحمام المتصل بما في الحياض المتصل بالمادة.

و لو بني على الغض عن ذلك، كانت الروايات مختصة بصورة الملاقاة للنجاسة، فالاستدلال بها على النجاسة في صورة الشك في ملاقاة النجاسة غير ظاهر، فضلا عن صورة العلم بعدم الملاقاة لها. و لو فرض كون‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل، تجدها بأجمعها هناك.

444
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): الأقوى طهارة غسالة الحمام ؛ ج‌1، ص : 443

.....

موردها صورة مظنة الملاقاة- كما لا يبعد- اختصت الدلالة على النجاسة بالصورة المذكورة، فلا تشمل صورة الاحتمال البعيد، فضلا عن صورة العلم بالعدم.

هذا كله مضافا إلى معارضتها‌

بمرسلة أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن الماضي (ع): «سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال (ع) لا بأس» «1»

اللهم إلا أن يشكل بضعف السند بالإرسال، و عدم ثبوت الجابر. فالعمدة حينئذ مفاد النصوص المتقدمة.

و المتحصل مما ذكرنا: أن مقتضى الجمود على ما تحت عبارة النصوص أنها في مقام جعل حكم واقعي للماء الذي يغتسل به الجنب من الحرام و غيره من الموارد المذكورة فيها، و هو النهي عن الاغتسال به، و لو مزج بغيره و اتصل بالمادة. لخباثته المعنوية. و نجاسة بعض الموارد المذكورة فيها لا تقدح لاحتمال طهارة الماء المجتمع منها، لاتصاله بالمادة، فإن الاحتمال كاف في ذلك، لإجمال حال الحمامات الكائنة في زمان صدور النصوص الشريفة المذكورة، التي هي الملحوظة ظاهراً في هذه النصوص- كما تقدم ذلك في مباحث ماء الحمام- و لا سيما مع جريان العادة بذلك، فإنها قاضية باتصال ماء الغسالة بالمادة غالباً. و قد يظهر ذلك من بعض النصوص أيضاً. و يشهد بذلك أنه قد تقدم عدم جواز الاغتسال بما يغتسل به الجنب مطلقاً، و لو كان من الأولياء الصالحين، فتعليل النهى عن الاغتسال بما ذكر من الجهة العرضية، يقتضي عدم وجود الجهة الذاتية، لخلو مورد النصوص عنها.

و بالجملة: لو كان المانع هو النجاسة لم يكن وجه لذكر الجنب و لو من الحرام، فان غسالته طاهرة إجماعا، و لو كان من جهة أنه ماء غسل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 9.

445
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلي في معابد اليهود و النصارى ؛ ج‌1، ص : 446

[ (مسألة 4): يستحب رش الماء إذا أراد أن يصلي في معابد اليهود و النصارى]

(مسألة 4): يستحب رش الماء (1) إذا أراد أن يصلي في معابد اليهود و النصارى الجنابة، لم يكن وجه للتعليل بكونه غسالة الناصب و اليهودي و نحوهما، فلا بد أن يكون المنع لجهة أخرى، و لا يكون ذلك إلا لخروجها عن مورد الحكمين المذكورين- أعنى: عدم جواز الاغتسال بالنجس، و عدم جواز الاغتسال بغسالة الجنب- بأن تكون الغسالة متصلة بالمادة معتصمة، فلا تكون مورداً للحكمين المذكورين. و لو بني على ملاحظة المناسبات الخارجية العرفية المقتضية لصرف الكلام عن صورة العلم، و أن موردها صورة المعرضية لذلك، فمفادها حكم ظاهري، و هو أيضاً مجرد المنع عن الاغتسال ظاهراً فالاستدلال بها على النجاسة غير واضح.

و يحتمل- قويا- أن يكون المراد من الاغتسال مجرد غسل البدن و يكون المقصود من النهي الردع عما كان عليه بناء المخالفين، من الاستشفاء بذلك الماء المجتمع، كما ذكر في بعض الروايات «1». و يؤيد ذلك أن من البعيد جداً أن يحصل داع إلى الاغتسال العبادي بذلك الماء المجتمع، مع ما هو عليه من الاستقذار و الاستنفار مع تهيؤ الماء النزيه كما هو الغالب، لو لم يكن دائما، فليس الغسل بهذا الماء إلا لدواع أخرى من العلاج، أو الاستشفاء. و قد شاهدنا كثيراً من الناس في الأيام القريبة يعتقدون أن في ماء خزانة الحمام علاج القروح و الجروح، فالمظنون- قويا- أن النصوص المذكورة واردة للزجر عن هذا التوهم، و ليست في مقام جعل حكم شرعي. فلاحظ.

في صحيح ابن سنان عن الصادق (ع): «سألته عن الصلاة في البيع، و الكنائس، و بيوت المجوس. فقال (ع): رش و صل» «2»

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب مكان المصلي حديث: 4.

446
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص ؛ ج‌1، ص : 447

 

(1) مع الشك في نجاستها، و ان كانت محكومة بالطهارة.

[ (مسألة 5): في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص]

(مسألة 5): في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص (2)، بل يبنى على الطهارة إذا لم يكن مسبوقا بالنجاسة و لو أمكن حصول العلم بالحال في الحال.

[فصل في طريق ثبوت النجاسة]

فصل طريق ثبوت النجاسة أو التنجس العلم الوجداني، أو البينة العادلة (3) و في كفاية العدل الواحد إشكال (4). فلا و نحوه غيره. و الظاهر التسالم على استحباب الرش، كاختصاصه بصورة توهم النجاسة.

و بيوت المجوس، كما في النص المتقدم.

الظاهر أنه إجماع لإطلاق موثق عمار المتقدم [1]، و نحوه مما دل على قاعدة الطهارة، من دون ما يوجب تخصيصه بما بعد الفحص كما ثبت في بعض الموارد.

فصل بناء على عموم حجيتها للمقام، كما تقدم تقريبه في مباحث المياه [2].

تقدم وجهه هناك أيضاً.

______________________________
[1] تقدم في المسألة الثانية من مبحث نجاسة عرق الإبل الجلالة.

[2] تقدم الكلام في جميع الطرق في مسألة: 6 من الفصل المتعرض فيه لأحكام البئر.

 

447
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في طريق ثبوت النجاسة ؛ ج‌1، ص : 447

يترك مراعاة الاحتياط. و تثبت أيضاً بقول صاحب اليد (1)، بملك، أو إجارة، أو إعارة، أو أمانة، بل أو غصب، و لا اعتبار بمطلق الظن (2)، و ان كان قويا، فالدهن، و اللبن و الجبن المأخوذ من أهل البوادي، محكوم بالطهارة (3)، و ان حصل الظن بنجاستها. بل قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها (4)، تقدم في مباحث المياه الكلام في وجهه. و أن العمدة فيه السيرة.

مضافا في بعض الموارد إلى بعض النصوص الواردة فيه، كالنصوص الواردة في البختج، و الواردة في إقرار ذي اليد، بأن ما في يده لغيره فراجع.

لأصالة عدم الحجية. و قد تقدم في مباحث المياه نقل القول باعتباره عن النهاية و الحلبي. و تقدم وجه ذلك و ضعفه.

لاستصحاب الطهارة.

لا إشكال في رجحان الاحتياط عقلا، لأنه انقياد الى المولى سبحانه. نعم قد يزاحم الاحتياط من جهة الاحتياط من جهة أخرى، مساو له، فلا يكون الاحتياط راجحاً عقلا، أو أهم، فيكون الأول مرجوحا عقلا. و قد ينطبق عليه عنوان مكروه أو يؤدي الاحتياط اليه، فيكون مكروها شرعا. أو ينطبق عليه عنوان محرم، أو يؤدي إليه، فيكون حراما شرعا. و منه أن يؤدي الى الوسواس المؤدي إلى العمل على طبقه، فان الظاهر أنه لا إشكال في حرمة العمل على طبق الوسواس، فيحرم الوسواس نفسه إذا كان يؤدي الى العمل على طبقه كما هو القاعدة في كل فعل يعلم بترتب الحرام عليه و لو بالاختيار. مثل ما إذا علم أنه إذا دخل مجلس الشراب يختار شرب المسكر، فإنه يحرم الدخول إلى المجلس حينئذ. و كذلك في المقام إذا علم أنه إذا حصل له الوسواس عمل‌

448
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): لا اعتبار بعلم الوسواسي ؛ ج‌1، ص : 449

بل قد يكره، أو يحرم إذا كان في معرض حصول الوسواس (1).

[ (مسألة 1): لا اعتبار بعلم الوسواسي]

(مسألة 1): لا اعتبار بعلم الوسواسي في الطهارة و النجاسة (2).

على طبقه فيحرم عليه حصول الوسواس، فيحرم ما يؤدي إليه.

مجرد المعرضية للمقدمية للحرام لا توجب حرمة المقدمة، إلا أن يكون الحرام بالغا في الاهتمام حدا يستوجب الحذر من الوقوع فيه، و منه الضرر في النفس، فان الظاهر التسالم على حرمة ما يظن ترتب الضرر عليه فلاحظ كلماتهم في كتاب الصوم. بل ظاهر‌

صحيحة حريز: «الصائم إذا خاف على عينه من الرمد أفطر» «1»

وجوب الإفطار بمجرد احتمال الضرر، احتمالا معتدا به، بنحو يصدق معه الخوف. اللهم إلا أن يكون الأمر بالإفطار للرخصة، لكون المورد من موارد توهم الحرمة، فلا تدل الصحيحة على الوجوب. هذا و ثبوت الأهمية لحرمة الوسواس على نحو يستوجب الحذر غير ظاهر. كما أن كون الوسواس من قبيل الضرر على النفس الذي يحرم الوقوع فيه لا يخلو من تأمل.

الوسواس من الحالات النفسانية ذات المراتب المختلفة. و الظاهر أن أول مراتبه يمنع من إذعان النفس بالمعلومات مع حصول العلم بها، و أعلى منه أن يمنع من حصول العلم من أسبابه الحاصل له في المتعارف، و أعلى منه أن يوجب حصول العلم بالخلاف من أسباب خيالية غير حاصلة في الخارج، مثل ما يحكى عن بعض أهل الوسواس من أنه يطهر يده من فوق السطح إلى أرض الدار، فيعلم أن الماء النازل من يده الى الأرض قد نزى فأصاب بعض جسده. و مثل هذا العلم هو محل الكلام في هذه المسألة، فنقول:

قد تحقق في محله أن العلم بذاته حجة- عقلا- تستوجب مخالفته‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 19 من أبواب ما يصح منه الصوم حديث: 1.

449
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): العلم الإجمالي كالتفصيلي ؛ ج‌1، ص : 450

[ (مسألة 2): العلم الإجمالي كالتفصيلي]

(مسألة 2): العلم الإجمالي كالتفصيلي (1)، فاذا علم استحقاق العقاب في نظر العقل، و يمتنع الردع عنه في نظر العالم، و ان كان مخالفاً للواقع في نظر الرادع، فالردع عن العمل بعلم الوسواسي بالنسبة إلى عمل نفسه لا بد أن يكون من جهة طروء عنوان يستوجب تبدل الواقع عن حكمه إلى حكم آخر، فيكون الواقع موضوعا للحكم إلا في حال الوسواس، فيكون له حكم آخر، نظير العناوين المأخوذة موضوعات للأحكام الثانوية. فشرب النجس- مثلا- في نفسه حرام، لكن كما أنه إذا اضطر اليه يجب، كذلك إذا كان المكلف وسواسيا، فإنه يجب عليه أن يشرب النجس، و ان علم أنه نجس. و أما بالنسبة إلى عمل غيره فمرجع عدم اعتبار علمه الى عدم اعتبار شهادته، فاذا شهد بالنجاسة- مثلا- لم تكن شهادته حجة. و العمدة في الأول- مضافا الى ظهور الإجماع- ما ورد من النصوص المتضمنة‌

لقولهم (ع): «لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة»

و هي مذكورة في حكم كثير الشك من مباحث الخلل «1» و‌

في صحيح ابن سنان: «ذكرت لأبي عبد اللّٰه (ع): رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة، و قلت: هو رجل عاقل. فقال أبو عبد اللّٰه (ع): و أي عقل له و هو يطيع الشيطان؟! فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟! فقال (ع):

سله هذا الذي يأتيه من أي شي‌ء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان» «2»

و الوجه في الثاني انصراف دليل حجية الشهادة عن مثل ذلك.

يعني: في كونه طريقاً عند العقلاء لإثبات متعلقه، بنحو تكون مخالفته معصية موجبة لاستحقاق العقاب عندهم، و الترخيص فيها ترخيصاً في المخالفة للواقع المنجز فيمتنع للزوم التناقض، و نقض الغرض. بل الظاهر‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 16 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب مقدمة العبادات حديث: 1.

450
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): العلم الإجمالي كالتفصيلي ؛ ج‌1، ص : 450

بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما، إلا إذا لم يكن أحدهما محلا لابتلائه، فلا يجب الاجتناب عما هو محل الابتلاء أيضاً (1).

كونه علة تامة في وجوب الموافقة القطعية، و التفكيك بينه و بين حرمة المخالفة القطعية في غير محله، لأن الترخيص في أحد الأطراف ترخيص في محتمل الواقع المنجز و هو ممتنع، كالترخيص في معلوم الواقع كذلك. غاية الأمر أن الثاني مناف لذات الخطاب، و الأول مناف لإطلاق الخطاب المعلوم كذات الخطاب، كما هو موضح في محله من كتابنا حقائق الأصول فراجع.

قد ذكر في محله أن من شرائط تنجيز العلم الإجمالي للتكليف أن يكون كل من الأطراف في محل الابتلاء، فاذا كان أحدهما خارجا عن محل الابتلاء، لا يكون المعلوم بالإجمال متنجزاً، و لا يجب الاحتياط في الطرف الذي هو محل الابتلاء.

و الوجه فيه: أن الموضوع الخارج عن محل الابتلاء مما لا يصح اعتبار التكليف و التحميل من الخطاب بالاجتناب عنه، و لأجل ذلك لا يحسن أن يخاطب به لأن الغرض من الخطاب إحداث الداعي العقلي في نفس العبد، على نحو يرى نفسه لأجل الخطاب بالاجتناب مكلفاً و مثقلا به، و مشغول الذمة و العهدة، و هذه الاعتبارات غير حاصلة بالنسبة إلى ما هو خارج عن الابتلاء. فهذا الشرط في الحقيقة راجع إلى كونه شرطا في اشتغال الذمة لا شرطا للتكليف.

و توضيح ذلك: أن انتفاء التكليف (تارة): لعدم المقتضي، كما في المباحات الخالية عن المفسدة. (و اخرى): لوجود المانع، كما إذا كان الشي‌ء فيه مفسدة، و لكن فيه مصلحة مزاحمة لها و تشترك الجهتان في أن انتفاء التكليف لقصور فيه و في ملاكه، و لا فرق في المصلحة‌

451
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): العلم الإجمالي كالتفصيلي ؛ ج‌1، ص : 450

.....

المزاحمة بين أن تكون نفسية، بأن كان ينطبق على الحرم عنوان واجب و أن تكون غيرية، بأن كان الحرام مقدمة لواجب، كما في موارد الاضطرار الى الحرام. أما إذا كانت المصلحة ليست موجودة في نفس الحرام، بل كانت في ضده، كان المورد من موارد التزاحم، و دخل في حكم مسألة الضد التي لا قصور في حصول الملاك في كل من الطرفين فيها.

(و ثالثة): لقصور في المكلف كما في موارد انتفاء القدرة، فإن الموضوع و ان كان مشتملا على مفسدة بلا مزاحم، إلا أن العجز عنه مانع عن حدوث التكليف به و ان كان التكليف واجدا لملاكه. (و رابعة): يكون لقصور في المكلف به لخروجه عن محل الابتلاء. و تشترك هاتان الجهتان الأخيرتان في أن دخلهما في الحقيقة في باعثية التكليف لا في ذاته، و بخلافهما الجهتان الأولتان، فان دخلهما في ذاته. فالدخول في محل الابتلاء و القدرة ليس لهما دخل في ذات التكليف، و إنما دخلهما في الاشتغال و الثبوت في العهدة فينتفي ذلك عند انتفاء أحدهما، و ان كان التكليف بحاله. نظير وجود الحجة على التكليف، فكما أنه لا يتوقف عليه التكليف نفسه، و انما يتوقف عليه اشتغال الذمة به، كذلك الدخول في محل الابتلاء و القدرة، فالخطاب بالاجتناب عن النجس نسبته الى الداخل في الابتلاء و غيره و المقدور و غيره، نسبة واحدة، و كما أنه حاك عن الكراهة في الأول منهما حاك عنها في الثاني أيضاً، فهما لا يختلفان من حيث تعلق التكليف، و انما يختلفان من حيث أن العلم بالتكليف موجب في الأول منهما للاشتغال، بحيث يرى المكلف نفسه في كلفة و عهدة مشغولة، و ليس كذلك في الثاني بل يكون حاله بعد العلم حاله قبل العلم.

فان قلت: الخارج عن الابتلاء خارج عن القدرة، فشرطية عدم الخروج عن الابتلاء في تنجيز العلم الإجمالي راجع الى شرطية القدرة على كل‌

452
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): العلم الإجمالي كالتفصيلي ؛ ج‌1، ص : 450

.....

من الطرفين، فما الوجه في جعله مقابلا له؟ (قلت): ما ذكر ممنوع فان البعد الموجب لخروج الشي‌ء عن محل الابتلاء للمكلف لا يوجب سلب قدرته عليه، لأن المقدور بالواسطة مقدور. و لذا صح التكليف بالحج لأهل الصين، و لا يصح نهيهم عن استعمال الإناء الذي في مكة، إذا لم يكونوا في مقام السفر الى الحج. أما إذا كانوا في مقام السفر الى الحج كان الإناء الذي في مكة محل ابتلائهم، فيصح نهيهم عنه.

هذا و إذا عرفت أن خروج بعض أطراف المعلوم بالإجمال عن محل الابتلاء مانع من تنجيز العلم لذلك المعلوم بالإجمال، يكون الطرف الآخر المعلوم بالإجمال من قبيل الشبهة البدوية، فيتعين الرجوع فيه الى الأصل الموضوعي أو الحكمي.

ثمَّ إنه إذا شك في حصول شرط القدرة أو كونه محل الابتلاء، فإطلاق الخطاب لا يصلح لنفي الشك المذكور، لأن منع العجز و الخروج عن محل الابتلاء عن التكليف ليس شرعيا بل هو عقلي، فالخطاب الشرعي لا ينفيه و لا يتعرض له بوجه، فمع الشك في المانعين المذكورين و نحوهما، لا مجال للرجوع إلى إطلاق الخطاب. نعم الأصل العقلائي يقتضي الاحتياط حينئذ.

فإن قلت: إذا خرج بعض أطراف الشبهة عن محل الابتلاء فقد شك في خروج المعلوم بالإجمال عن محل الابتلاء، و يجب الاحتياط حينئذ في الفرد الذي هو محل الابتلاء (قلت): الشك في مثل الفرض ليس موضوعا لأصالة الاحتياط العقلائية المتقدمة، لاختصاصها بصورة الشك البدوي في الخروج عن محل الابتلاء، فلا تشمل مثل الفرض فلاحظ.

نعم بناء على أن المرجع الإطلاق يشكل الفرق بين الفرضين. و مثله الكلام مع خروج بعض الأطراف عن القدرة. اللهم إلا أن يقال: الإطلاق حجة عند الشك في أصل التخصيص بنحو الشبهة البدوية، لا في مثل الفرض‌

453
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها ؛ ج‌1، ص : 454

[ (مسألة 3): لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها]

(مسألة 3): لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها (1).

نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها (2).

[ (مسألة 4): لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة]

(مسألة 4): لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة (3).

مما علم فيه بوجود الخاص و شك في انطباقه على المورد.

لإطلاق دليل الحجية.

لامتناع عموم الدليل للمتعارضين، لتكاذبهما، فيكون جعل الحجية لهما موجبا للتعبد بالنقيضين، و هو ممتنع. و لأجل ذلك كان الأصل في المتعارضين التساقط، إلا أن يقوم دليل على خلافه، كما ورد في الخبرين المتعارضين، حيث دلت الأدلة الخاصة على الترجيح مع وجود المرجح، و على التخيير مع عدمه.

كما هو ظاهر كل من أطلق اعتبار البينة. و في التذكرة: «لا تقبل إلا بالسبب لجواز أن يعتقد أن سؤر المسوخ نجس» و عن أبي العباس و الصيمري ذلك أيضاً. (و فيه): أن احتمال الخطأ في المستند ملغى بأصالة عدم الخطأ المعول عليها عند العقلاء في مقام العمل بالخبر، كما يشهد به استقرار سيرة العقلاء و المتشرعة على عدم الفحص و السؤال عن مستند الخبر، بينة كان أو خبر واحد، و موضوعا كان المخبر به أو حكما.

فان قلت: أصالة عدم الخطأ في الحدسيات لا يعول عليها عندهم إلا في موارد خاصة، كباب رجوع العامي إلى المجتهد في الأحكام الكلية، و باب الرجوع الى أهل الخبرة في التقويم. و نحو ذلك، و ليس منه المقام.

(قلت): أصالة عدم الخطأ في الحدس (تارة): يرجع إليها لإثبات الواقع المجهول، فتكون طريقاً اليه. (و أخرى): يرجع إليها لإثبات أن ما يعتقده المخبر هو الواقع مع العلم بالواقع. (فتارة): تكون طريقاً إلى معرفة الواقع المجهول مع العلم بالمعتقد. (و أخرى): تكون طريقا‌

454
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا لم يشهدا بالنجاسة، بل بموجبها كفى ؛ ج‌1، ص : 455

نعم لو ذكرا مستندها، و علم عدم صحته، لم يحكم بالنجاسة (1).

[ (مسألة 5): إذا لم يشهدا بالنجاسة، بل بموجبها كفى]

(مسألة 5): إذا لم يشهدا بالنجاسة، بل بموجبها كفى، و ان لم يكن موجباً عندهما أو عند أحدهما. فلو قالا:

إن هذا الثوب لاقى عرق المجنب من حرام أو ماء الغسالة، كفى عند من يقول بنجاستهما (2) و ان لم يكن مذهبهما النجاسة.

[ (مسألة 6): إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها]

(مسألة 6): إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها (3) و ان لم تثبت الخصوصية، كما إذا قال إلى معرفة المعتقد المجهول مع العلم بالواقع. و التي لا تكون حجة إلا في الموارد المخصوصة هي الأولى، أما الثانية فهي حجة مطلقاً، كما عرفت من سيرة العقلاء و المتشرعة.

لأن العلم بالخطإ مانع من الرجوع إلى أصالة عدم الخطأ، كما أنه مانع من عموم دليل الحجية لو كان متكفلا لإلغاء احتمال الخطأ. كما هو متكفل لإلغاء احتمال تعمد الكذب.

لأنه يكفي في وجوب العمل بالحجية كون مؤداها ذا أثر شرعي في نظر من قامت عنده الحجة. بل في الأمارات يكفي ثبوت مدلول التزامي يترتب عليه الأثر الشرعي و ان كانت الدلالة الالتزامية بنظر من قامت عنده لا غير، فعدم الأثر الشرعي للمشهود به في نظر الشاهد، و عدم الدلالة الالتزامية في نظره لا يقدح في وجوب العمل بالشهادة، إذا كان المشهود عنده يرى ذلك.

المراد من البينة التي هي موضوع الحجية شهادتا العدلين، و يعتبر فيها أن تكون كل منهما حاكية عن الواقع الذي تحكيه الشهادة الأخرى، فلا بد أن تكون قضية واقعية محكية بكل من الشهادتين، فاذا تحقق ذلك‌

455
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها ؛ ج‌1، ص : 455

.....

وجب العمل بالشهادة. سواء ا كان هناك اختلاف بين الشاهدين في بعض الخصوصيات الخارجية الزائدة على ما به الاتفاق بينهما أم لا. فاذا اتفقا على وقوع قطرة من الدم في الإناء، و اختلفا في كون ذلك الدم أسود أو أصفر أو أنه كان من الرعاف أو من الأسنان. أو في الليل كان وقوعه أو في النهار، أو في غير ذلك من الخصوصيات. لم يضر هذا الاختلاف في وجوب العمل على ما به الاتفاق، لكون القضية الخارجية الواقعية- أعنى ملاقاة الماء للدم- تحكيها كل من شهادة الشاهدين، فتكون مؤدى البينة التي هي حجة.

و أما إذا كان الوقع الذي يحكيه أحدهما و يشهد به غير ما كان يحكيه الآخر و يشهد به، فلم يكن الواقع محكيا بالبينة، بل كان واقعان، أحدهما يشهد به أحد الشاهدين، و ثانيهما يشهد به الشاهد الآخر، فلا يجوز العمل بالشهادتين حينئذ، لعدم قيام البينة على شي‌ء. و مجرد جواز انتزاع أمر واحد من ذينك الواقعين المحكيين غير كاف في تحقق البينة على شي‌ء، لأن ذلك الأمر الانتزاعي ليس مشهودا به، و لا مخبرا عنه. فلو شهد أحدهما بوقوع قطرة من رعافه في إناء، و شهد الآخر بوقوع قطرة من رعاف نفسه أيضاً في ذلك الإناء لا يحكم بنجاسة الإناء، لعدم حكاية الشهادتين عن أمر واحد، إذ شخص النجاسة الذي يشهد به أحدهما غير الشخص الذي يشهد به الآخر، و القضية الواقعية التي تحكيها إحدى الشهادتين غير القضية التي تحكيها الشهادة الأخرى، و الأمر الانتزاعي من القضيتين الخارجيتين غير مشهود به. فالشهادات المختلفة (تارة): تنحل إلى قضيتين إحداهما متفق عليها بين الشهود، و تحكيها الشهادتان جميعاً، و ثانيتهما مختلف فيها (و اخرى):

لا تنحل إلى ذلك، بل ليس المحكي بها إلا قضية واحدة وقع الاختلاف فيها فأحد الشاهدين يشهد بواقع لها، و الآخر يشهد بواقع آخر، و كل واحد‌

456
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها ؛ ج‌1، ص : 455

أحدهما: إن هذا الشي‌ء لاقى البول، و قال الآخر: إنه لاقى الدم، فيحكم بنجاسته. لكن لا تثبت النجاسة البولية و لا الدمية، بل القدر المشترك بينهما. لكن هذا إذا لم ينف كل منهما قول الآخر (1) بأن اتفقا على أصل النجاسة. و أما إذا نفاه- كما إذا قال أحدهما انه لاقى البول، و قال الآخر:

لا بل لاقى الدم- ففي الحكم بالنجاسة إشكال.

من الواقعين ليس موردا لشهادتين، بل هو مورد لشهادة واحدة لا غير.

و من ذلك تعرف تعين التفصيل في الفرض المذكور، و انه إن كان الاختلاف على النحو الأول حكم بالنجاسة، و إن كان على النحو الثاني لا يحكم بها.

قد عرفت المعيار في القبول و عدمه، و لا دخل للنفي و عدمه فيه نعم إذا كان الاختلاف على النحو الأول فلا بد أن يكون كل من الشاهدين نافيا لما يشهد به الآخر، لأن الواقعة الواحدة لا تقبل اجتماع الخصوصيتين المتنافيتين، فاذا شهدا بوقوع قطرة من دم زيد في الإناء، و اختلفا في أنها غليظة أو رقيقة، فالشهادة بالأول شهادة بنفي الثاني بالالتزام، كما أن الشهادة بالثاني كذلك. فنفي الأول (تارة): يكون مصرحا به، بأن يقول أحدهما: القطرة ليست غليظة بل رقيقة (و أخرى): يكون مدلولا عليه بالالتزام لا غير، فان لازم كونها غليظة أنها ليست رقيقة. و أما إذا كان الاختلاف على النحو الثاني، فقد يكون أحدهما نافيا لقول الآخر بأن يحصل لأحد الشاهدين من باب الإنفاق العلم بخطإ صاحبه، و قد لا يحصل بأن يحتمل صدقه و كذبه.

و من ذلك يظهر أن قول المصنف (ره): «هذا إذا لم ينف ..»‌

قرينة على كون الاختلاف المفروض في هذه المسألة ما هو من النحو الثاني‌

457
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): الشهادة بالإجمال كافية أيضا ؛ ج‌1، ص : 458

[ (مسألة 7): الشهادة بالإجمال كافية أيضا]

(مسألة 7): الشهادة بالإجمال كافية أيضا (1)، كما إذا قالا: أحد هذين نجس، فيجب الاجتناب عنهما. و أما لو شهد أحدهما بالإجمال و الآخر بالتعيين- كما إذا قال أحدهما:

أحد هذين نجس، و قال الآخر هذا معينا نجس- ففي المسألة وجوه: وجوب الاجتناب عنهما، و وجوبه عن المعين فقط، و عدم الوجوب أصلا (2).

الذي لا تقبل فيه شهادة الشاهدين.

مع اتحاد الواقعة، كما إذا كانا حاضرين في مكان- مثلا- و وقعت قطرة بول في إناء مردد عندهما بين إناءين. أما مع تعدد الواقعة، كما إذا كان أحد الشاهدين في مكان و علم بوقوع قطرة من البول في أحدهما المردد ثمَّ حضر الآخر في ذلك المكان، و اعتقد وقوع قطرة من البول في أحدهما المردد أيضاً، فالظاهر عدم قبول الشهادتين، لعدم تصادقهما كما عرفت.

و كذا لو علم أحدهما بنجاسة إناء زيد، و علم الآخر بنجاسة إناء عمرو، و اشتبه كل من الإناءين بالآخر في نظر كل منهما، فشهادة كل منهما بأن أحد الإناءين نجس لا أثر لها لعدم الاتفاق بينهما.

كأن وجه الأول: أن خصوصية المعين لما لم تثبت بخبر الواحد اقتصر على غير المعين، فيجب الاحتياط. و وجه الثاني: أن الطرف الآخر لم يقم ما يوجب تنجزه، لأن الشهادة بالمعين لا تقتضيه، و الشهادة بالمردد واحدة، لا بينة. و وجه الثالث: عدم قيام الحجة لا على المعين و لا على المردد، و ما تقدم من أن عدم ثبوت التعيين يقتضي الاقتصار على غير المعين غير ظاهر. لكن هذه الوجوه كلها ضعيفة، و المتعين التفصيل بين أن تكون الشهادتان حاكيتين عن واقعة واحدة- بأن يكون الشاهدان في مكان واحد مثلا، فتقع قطرة من الدم في أحد الإناءين، و يكون أحد الشاهدين‌

458
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا ؛ ج‌1، ص : 459

[ (مسألة 8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقاً مع الجهل بحاله فعلا]

(مسألة 8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقاً مع الجهل بحاله فعلا، فالظاهر وجوب الاجتناب (1).

جاهلا بالتعيين و الآخر عالما به- فيجب الاحتياط حينئذ، و الاجتناب عن جميع الأطراف، لرجوع شهادة الثاني إلى تعيين ما يشهد به الأول مع موافقته في الشهادة به، فقد تحقق قيام البينة على الواحد المردد و لم يثبت تعيينه. و ان كانتا حاكيتين عن واقعتين- بأن شهد أحدهما بأنه وقع من دم رعافه قطرة في إناء معين من دون علم الشاهد الآخر بذلك، بل هو يشهد بأنه وقع من دم رعاف نفسه قطرة في أحد الإناءين المردد عنده بينهما، و الشاهد الأول لا يعلم بهذه الواقعة- فلا يجب الاحتياط، لعدم قيام حجة على واقعة من إحدى الواقعتين.

كأن وجهه: أن لازم شهادة الثاني نجاسته فعلا بالاستصحاب و مؤدى شهادة الأول نجاسته واقعاً فعلا، فيكون مجموع الشهادتين حاكيا عن أحد الأمرين من النجاسة الفعلية الواقعية و الظاهرية، و اللازم المشترك بينهما وجوب الاجتناب. هذا إذا لم يعلم ببقاء نجاسته فعلا على تقدير ثبوت نجاسته سابقاً، و إلا كان لازم شهادة الثاني نجاسته فعلا، فتكون النجاسة في الحال مشهوداً بها لهما، لأحدهما بالمطابقة، و للآخر بالالتزام.

و فيه: أن شهادة كل من الشاهدين لما كانت حاكية عن واقعة لا تحكيها شهادة الآخر لم تكن كل من الواقعتين محكية بالبينة، بل كانت محكية بخبر الواحد، فلم تقم عليها حجة. نعم لو كانت كل من الشهادتين منحلة إلى الشهادة بأمرين، بأن اتفقا على نجاسة الإناء و اختلفا في تعيين الزمان، فأحدهما يشهد بأنها في الزمان السابق، و الآخر بأنها في الزمان الحالي، فقد علم تعبداً بنجاسة الإناء سابقاً أو فعلا، و حينئذ يجري الاستصحاب في إثباته فعلا. و إن كان‌

459
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا ؛ ج‌1، ص : 459

و كذا إذا شهدا معاً بالنجاسة السابقة، لجريان الاستصحاب (1) يشكل ذلك بعدم اليقين بالثبوت سابقاً، كي يستصحب. إلا أن يقال:

يكفي اليقين الإجمالي به و فيه تأمل ظاهر، لأن اليقين الإجمالي إنما يصحح الاستصحاب في الأمر الإجمالي إذا كان مشكوك البقاء على كل من احتمالاته و لا يصحح الاستصحاب بالنسبة إلى أحد الاحتمالات بعينه، لعدم اليقين بالإضافة اليه. أما لو كان الشاهد بالنجاسة فعلا يشهد بالنجاسة سابقاً أيضاً كان المورد من قبيل الفرض الآتي. كما أنه في صورة العلم بالبقاء على تقدير الثبوت سابقاً التي ذكرناها آنفاً، لا يبعد القبول من جهة انضمام الشهادة الالتزامية إلى الشهادة من الآخر بالمطابقة، كما عرفت. و ان كان لا يخلو من إشكال، لاحتمال اختصاص الحجية في المدلول الالتزامي بصورة تحقق الحجية و هي مفقودة في شهادة الواحد.

لأن البينة بمنزلة اليقين، فيتحقق ركنا الاستصحاب، أعني:

اليقين بالثبوت، و الشك في البقاء. و كذا لو بني على أن مفاد أدلة الاستصحاب إثبات الملازمة بين الحدوث و البقاء، و ان لم يحصل اليقين بالحدوث- كما ذكره الأستاذ (قده) في الكفاية- فإذا قامت البينة على النجاسة سابقاً فقد دلت بالالتزام على النجاسة ظاهراً فعلا، فتكون حجة في إثبات النجاسة الظاهرية فعلا. لكنه خلاف ظاهر أدلة الاستصحاب المستفاد منها اعتبار اليقين بالثبوت في جريانه، فما لم يحصل اليقين لا تكون ملازمة بين الحدوث و البقاء كما أنه لا إشكال في جريانه لو قيل: بأن مفاد أدلة الحجية ثبوت أحكام ظاهرية هي عين الواقع على تقدير المصادفة للواقع، فان قيام البينة على النجاسة السابقة يستدعي ثبوت نجاسة ظاهرية هي عين الواقع على تقدير المصادفة و غيره على تقدير المخالفة، فإن كانت غيره فهي مرتفعة، لعدم قيام الحجة في الزمان اللاحق، و إن كانت عينه فهي باقية قطعاً، أو محتملة البقاء‌

460
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): لو شهد أحدهما بنجاسة الشي‌ء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا ؛ ج‌1، ص : 459

.....

و الارتفاع، و حينئذ يجري الاستصحاب الجاري في القسم الثاني من أقسام الاستصحاب الكلي. لكن في كون الأثر للكلي إشكالا، لأن التنزيل يقتضي كون الأثر لخصوص ذي المنزلة و لخصوص المنزل منزلته، إذ لا معنى للتنزيل فيما إذا كان الأثر للجامع بين ذي المنزلة و المنزل منزلته، فيكون المقام من استصحاب الفرد المردد بين فردين أحدهما معلوم الزوال، و الآخر معلوم البقاء أو محتمله، و قد تحقق في محله عدم جريانه.

هذا و لو قيل: بأن الأحكام الظاهرية مجعولة في قبال الأحكام الواقعية على تقدير المخالفة و المصادفة. امتنع جريان الاستصحاب، لأن استصحاب الحكم الواقعي ممتنع، لعدم اليقين بالثبوت، و استصحاب الحكم الظاهري ممتنع، للعلم بالارتفاع، لما عرفت من أن المجعول الظاهري موافق لمفاد الحجة و المفروض أن الحجة- أعني البينة- إنما تضمنت الثبوت سابقاً لا أكثر، فالمجعول ظاهراً هو الثبوت سابقاً لا أكثر، ففي الحال لا جعل فلا مجعول فالحكم الظاهري معلوم الارتفاع، فإجراء الاستصحاب يكون من قبيل إجرائه في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، المحقق في محله عدم جريانه.

مضافاً الى الإشكال المتقدم في كون الأثر للكلي.

و المتحصل مما ذكر: أن جريان الاستصحاب فيما لو قامت البينة على الحدوث سابقاً يتوقف إما على القول بكون دليل حجية البينة يدل على كونها بمنزلة العلم، أو على القول بكون مفاد دليل الاستصحاب محض الملازمة بين الحدوث و البقاء و إن لم يعلم الحدوث. أو على جريان الاستصحاب في الفرد المردد. أو على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، بناء على أن الأثر في المقام للكلي، على اختلاف المباني في ثبوت الأحكام الظاهرية و كيفية جعلها. هذا و المحقق في محله أن أدلة حجية الامارات تدل على كونها بمنزلة العلم. و يشهد به قول العسكري (ع)

461
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): لو قال أحدهما: إنه نجس، و قال الآخر: إنه كان نجسا و الآن طاهر ؛ ج‌1، ص : 462

[ (مسألة 9): لو قال أحدهما: إنه نجس، و قال الآخر: إنه كان نجساً و الآن طاهر]

(مسألة 9): لو قال أحدهما: إنه نجس، و قال الآخر:

إنه كان نجساً و الآن طاهر، فالظاهر عدم الكفاية (1)، و عدم الحكم بالنجاسة.

حينما سئل عن العمري و ابنه (قدهما): «ما أديا إليك عني فعني يؤديان، و ما قالا لك عني فعني يقولان» «1»

، فإنه ظاهر في تنزيل نفس الأداء و القول، زائداً على تنزيل المؤدى و المقول. مضافاً الى كونه الموافق للمرتكزات العقلائية المنزل عليها الخطاب، فان الطرق عندهم بمنزلة العلم. فيتعين الوجه الأول في تصحيح جريان الاستصحاب، و الوجوه الأخر كلها محل نظر و اشكال. و اللّٰه سبحانه ولي التوفيق.

لازم ما ذكره سابقاً هو الحكم بالنجاسة، و مجرد إخبار أحدهما بالطهارة فعلا لا أثر له في الفرق، لأنه ليس بحجة لأنه خبر واحد، فيكون كما لو كان الشاهد جاهلا بحاله فعلا الذي تقدم منه (قده) الحكم بنجاسته. نعم يفترق الفرضان: بأن الجاهل يجري في حقه الاستصحاب، و العالم لا يجري في حقه لانتفاء الشك. لكنه ليس بفارق، لأن الاستصحاب جار في حق المشهود عنده في الفرضين، و هو المدار في قبول الشهادة بالتقريب المتقدم في المسألة الماضية فالفرق بين المسألتين غير ظاهر. فاذا التحقيق ما عرفت، من أنه إن كانا حاكيين عن واقعة واحدة، و قد اختلفا في زمانها، فأحدهما يقول: أمس و هو اليوم طاهر، و الآخر يقول:

اليوم، كانت شهادتهما حجة على ثبوت النجاسة في أحد الزمانين، كما لو شهدا بأنه نجس إما اليوم أو أمس. و قد تقدم الاشكال فيه في المسألة السابقة. و لو كان مرجع شهادة الشاهد بنجاسته فعلا إلى الشهادة بنجاسته سابقاً و بقائها فعلا، فهما معاً يشهدان بالنجاسة سابقاً، و يختلفان في بقائها‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 11 من أبواب صفات القاضي حديث: 5.

462
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة ؛ ج‌1، ص : 463

[ (مسألة 10): إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة]

(مسألة 10): إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة (1). و كذا إذا أخبرت المربية للطفل أو المجنون بنجاسته أو نجاسة ثيابه. بل و كذا لو أخبر المولى بنجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته (2).

[ (مسألة 11): إذا كان الشي‌ء بيد شخصين كالشريكين]

(مسألة 11): إذا كان الشي‌ء بيد شخصين كالشريكين فعلا و ارتفاعها، فالحكم فيه النجاسة، كما لو شهدا بها سابقاً و جهلا معاً ببقائها، كما تقدم أيضاً في المسألة السابقة، و الاختلاف في البقاء و الارتفاع لا أثر له في الفرق لعدم الحجية فيما به الاختلاف. و لو كانا حاكيين عن واقعتين فقد عرفت أنه لا ينبغي التأمل في عدم الكفاية، و عدم الحجية على النجاسة.

لما عرفت في مبحث المياه من الدليل على حجية إخبار ذي اليد بما في يده. و منه تعرف الحكم في ما بعده الذي نص عليه في الجواهر. و الظاهر أنه لا فرق بين المربية و غيرها من أمه و أبيه و سائر من في البيت الذي هو فيه.

لا يخلو من إشكال، إذ مجرد الملكية لا يكفي في صدق اليد التي هي موضوع حجية الخبر، لاعتبار التابعية و المتبوعية، و هو غير حاصل في مثل العبد و الجارية العاقلين، و لو كانا في بيته، فهما نظير زوجته و سائر عياله. نعم لا يبعد ذلك بالنسبة إلى ثوبهما و نحوه إذا كان في بيته، كثوب زوجته و سائر عياله، فان الظاهر أنه في يده، كما أنه أيضاً في يد غيره من ذوي الأيدي في البيت، من غير فرق بين ما أعده للبسه و غيره. نعم لو كان الثوب ملبوساً فهو في يد لابسه لا غير، لاستقلال يده عليه حين لبسه إياه، كما تقدم في الطفل.

463
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): لا فرق في اعتبار قول ذي اليد ؛ ج‌1، ص : 464

يسمع قول كل منهما في نجاسته (1). نعم لو قال أحدهما:

إنه طاهر. و قال الآخر: إنه نجس، تساقطا (2). كما أن البينة تسقط مع التعارض، و مع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه (3).

[ (مسألة 12): لا فرق في اعتبار قول ذي اليد]

(مسألة 12): لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقاً أو عادلا، بل مسلما أو كافراً (4).

[ (مسألة 13): في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبياً]

(مسألة 13): في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبياً لأن اليد المأخوذة موضوعا لحجية خبر صاحبها أعم من الضمنية و الاستقلالية، و مع الاشتراك تكون اليد لكل من الشريكين ضمنية، بمعنى أن مجموع المال يكون تحت مجموع اليدين اللتين هما بمنزلة اليد الواحدة.

لأصالة التساقط في المتعارضين، التي عرفت الإشارة إلى وجهها آنفاً.

كما تقدم في مبحث المياه، و تقدم فيه لزوم التفصيل بين الصور فراجع لعموم دليل الاعتبار. نعم قد يشكل ذلك في الكافر، لما في بعض نصوص البختج من اعتبار الإسلام. و كأنه لذلك جعل في الجواهر حجية قول الكافر أحد الوجهين. و إن كان يشهد له‌

خبر إسماعيل: «عليكم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك»

، بناء على ظهوره في قبول خبر البائع تعبداً و قد تقدم ما يعارضه، بما دل على عدم قبول خبر الكافر بالتذكية في السمك. كما قد يشكل الحكم أيضاً فيما لو كان الخبر محفوفا بما يوجب اتهام المخبر، و قد تقدم الكلام في ذلك كله في مبحث المياه «1» فراجع ما تقدم هناك.

______________________________
(1) تقدم في مسألة: 4 من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

464
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال ؛ ج‌1، ص : 465

اشكال (1)، و ان كان لا يبعد إذا كان مراهقا.

[ (مسألة 14): لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال]

(مسألة 14): لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال كما قد يقال (2)- فلو توضأ شخص بماء مثلا، و بعده أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه.

و كذا لا يعتبر أن يكون ذلك حين كونه في يده (3) فلو أخبر لا يبعد القبول إذا كان مميزا كاملا، لعموم السيرة التي بها يخرج عن أصالة عدم الحجية.

نسبه في الجواهر إلى التذكرة، و مال اليه، و في وسائل المقدس البغدادي إلى جماعة. و كأنه لخروجه بالاستعمال عن اليد. أو لأنه خارج عن المتيقن من مورد السيرة. أو‌

لصحيحة العيص: «سئل الصادق (ع) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثمَّ إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه. فقال (ع): لا يعيد شيئاً من صلاته» «1»

لكن الأول- مع أنه يختص بمثل الماء و نحوه مما تذهب عينه بالاستعمال، و لا يشمل مثل الثوب و نحوه- يشكل: بأن المراد من ذي اليد ذو اليد حال النسبة المحكية، لا حال الحكاية. و الثاني غير ظاهر، لعدم الفرق في السيرة بينه و بين غيره و أما الصحيحة فنفي الإعادة فيها أعم من عدم الحجية، لاحتمال كون عدم الإعادة لسقوط الشرطية في حال الجهل. مع أنها معارضة بموثقة ابن بكير الآمرة بالإعادة في فرض السؤال، و قد تقدم الإشكال في الاستدلال بها على الحجية في مبحث المياه «2». فراجع.

الكلام فيه هو الكلام في ما قبله. غير أن قيام السيرة العملية على الحجية فيه غير واضح، لندرة الابتلاء بمثل ذلك. نعم السيرة الارتكازية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(2) تقدم في مسألة: 6 من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

465
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في كيفية تنجس المتنجسات ؛ ج‌1، ص : 466

بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده، يحكم عليه بالنجاسة في ذلك الزمان، و مع الشك في زوالها تستصحب (1).

[فصل في كيفية تنجس المتنجسات]

فصل في كيفية تنجس المتنجسات يشترط في تنجس الملاقي للنجس أو المتنجس أن يكون فيهما، أو في أحدهما، رطوبة مسرية. فاذا كان جافين لم ينجس (2)، غير بعيدة، و لا سيما في اليد القريبة، كما لو دفع المبيع إلى المشتري ثمَّ أخبره بنجاسته، و نحوه.

الاستصحاب هنا كاستصحاب ما قامت عليه البينة في الزمان السابق الذي عرفت وجهه في المسألة الثامنة.

فصل في كيفية تنجس المتنجسات إجماعا محكياً عن المختلف، و كشف اللثام، و الذخيرة، و الدلائل و في الجواهر. بل قد يدعى تحصيله. و يشهد به جملة من النصوص،

كموثق عبد اللّٰه بن بكير: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط. قال (ع): كل شي‌ء يابس ذكي» «1»

و‌

صحيح البقباق «قال أبو عبد اللّٰه (ع): إذا أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله، و ان مسه جافا فاصبب عليه الماء»

. و‌

مصحح ابن مسلم: «إن أبا جعفر (ع) وطئ على عذرة يابسة فأصاب ثوبه، فلما أخبره قال (ع):

______________________________
(1) الوسائل باب: 31 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 5.

466
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في كيفية تنجس المتنجسات ؛ ج‌1، ص : 466

و إن كان ملاقياً للميتة (1). لكن الأحوط غسل ملاقي ميت الإنسان قبل الغسل و إن كانا جافين. و كذا لا ينجس إذا كان فيهما أو في أحدهما رطوبة غير مسرية (2). ثمَّ إن كان الملاقي

أ ليس هي يابسة؟ قال: بلى. فقال: لا بأس»

، و نحوها غيرها مما ورد في الخنزير، و الكلب، و العذرة، و المني و البول. فلاحظ الباب المعقود له في الوسائل [1]. مضافا الى الارتكاز العرفي المنزل عليه الخطابات و الإطلاقات المقامية.

كما تقدم الكلام فيه في نجاسة الميتة «1». فراجع.

قال في الجواهر: «و المراد باليابس في المتن و غيره ما يشمل الندي الذي لا تنتقل منه رطوبة بملاقاته، لعدم حصول وصف التنجيس به- كما صرح به العلامة الطباطبائي (ره) في منظومته- للأصل، و صدق الجاف عليه- يعني المذكور في بعض النصوص- و مفهوم صحيح البقباق السابق» و العمدة: أن الارتكاز العرفي قرينة على ذلك، فلا يمكن الأخذ بإطلاق اليابس و الرطب. و من ذلك يظهر أن الرطوبة قسمان مسرية و سارية (فالأولى):

هي التي يحصل بها التنجيس بالملاقاة، و هي التي يكون لها وجود ممتاز ينتقل من أحد المتلاقيين إلى الآخر بمجرد الملاقاة. و يقابلها الجفاف (و الثانية):

ما لا تكون كذلك و ان انتقلت من أحد المتلاقيين إلى الآخر، كالرطوبة التي تكون في الأرض الندية التي تنتقل الى الفراش الموضوع عليه، و لا يكون لها وجود ممتاز يظهر للعيان بل تكون منبثة في الجسم، فمثل هذه لا تكون منجسة. و من ذلك يظهر أن جدران المساجد التي تكون مجاورة لمثل الكنيف‌

______________________________
[1] و هي باب: 26 من أبواب النجاسات و صحيح البقباق هو الحديث الثاني، و مصحح ابن مسلم هو الحديث الرابع عشر، من الباب المذكور.

______________________________
(1) تقدم الكلام فيه في المسألة: 10 من فصل النجاسات.

467
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في كيفية تنجس المتنجسات ؛ ج‌1، ص : 466

للنجس أو المتنجس مائعاً تنجس كله (1)، كالماء القليل المطلق و المضاف مطلقاً (2)، و الدهن المائع، و نحوه من المائعات.

نعم لا ينجس العالي بملاقاة السافل إذا كان جاريا من العالي (3)، بل لا ينجس السافل بملاقاة العالي إذا كان جاريا من السافل، و البالوعة ليست نجسة و ان سرت رطوبة الكنيف إليها، و كذا الحال في أمثال ذلك. و يقابل هذه الرطوبة اليبوسة. فلاحظ.

بلا خلاف و لا إشكال. للنصوص الواردة في الماء القليل الملاقي للنجاسة «1»، و في المرق الذي وقعت فيه قطرة خمر أو نبيذ مسكر «2».

و‌

صحيح زرارة عن أبي جعفر (ع): «إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه، فان كان جامداً فألقها و ما يليها، و كل ما بقي، و إن كان ذائباً فلا تأكله، و استصبح به. و الزيت مثل ذلك» «3»

، و نحوه صحيح الحلبي «4» و موثق سماعة «5»، و غيرهما، الموافق ذلك للارتكاز العرفي.

يعني: و لو كان كثيراً. و قد تقدم التأمل في عموم الحكم للكثير البالغ في الكثرة حداً يمنع من تحقق الاستقذار، مثل البحيرات النفطية التي تكون تحت الأرض. لقصور الأدلة اللفظية عن شمولها. و في عموم الإجماع على الانفعال لمثله تأمل.

كما تقدم وجهه في المياه.

______________________________
(1) تقدم التعرض لها في شرح أوائل فصل الماء الراكد.

(2) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 8.

(3) الوسائل باب: 5 من أبواب المضاف و المستعمل حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 5 و قد اشتملت الباب المذكورة على أحاديث أخر.

468
مستمسک العروة الوثقی1

فصل في كيفية تنجس المتنجسات ؛ ج‌1، ص : 466

كالفوارة، من غير فرق في ذلك بين الماء و غيره من المائعات.

و ان كان الملاقي جامداً اختصت النجاسة بموضع الملاقاة (1) سواء كان يابسا، كالثوب اليابس إذا لاقت النجاسة جزءا منه، أو رطبا كما في الثوب المرطوب، أو الأرض المرطوبة فإنه إذا وصلت النجاسة إلى جزء من الأرض أو الثوب لا يتنجس ما يتصل به (2)، و ان كان فيه رطوبة مسرية، بل النجاسة مختصة بموضع الملاقاة. و من هذا القبيل الدهن و الدبس الجامدان. نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثمَّ اتصل تنجس موضع الملاقاة منه (3)، فالاتصال قبل الملاقاة بلا إشكال كما تقدم في صحيح زرارة و غيره.

لعدم ملاقاته للنجاسة. و الرطوبة- لضعفها- لا تصلح في نظر العرف لسراية النجاسة. و الأدلة اللفظية في نفسها قاصرة عن إثباتها. و لم يقم دليل عقلي على السراية في المائعات، كي يعتمد عليه في المقام، إذ لا طريق عقلي إلى سراية النجاسة من السطح الملاقي إلى السطح الآخر غير الملاقي. و بالجملة:

لا مخرج عن أصالة الطهارة من عقل أو شرع أو عرف، فالعمل بها متعين مضافا الى أنه لو بني على سراية النجاسة الى جميع أجزاء الجسم بتوسط الرطوبة لزم نجاسة جميع الأرض المبتلة بنزول المطر بمجرد ملاقاة جزء منها للنجس، فتنجس أرض جزيرة العرب- مثلا- بمجرد وقوع قطرة من البول في موضع منها. و هو كما ترى. مضافا الى النصوص الواردة في السمن و الزيت و العسل إذا كانت جامدة، الدالة على اختصاص النجاسة بموضع الملاقاة منها لا غير.

يعني: بتوسط تلاقي الرطوبتين، فإن الرطوبة التي على الجزء‌

469
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين ؛ ج‌1، ص : 470

لا يؤثر في النجاسة و السراية بخلاف الاتصال بعد الملاقاة.

و على ما ذكر فالبطيخ و الخيار و نحوهما مما فيه رطوبة مسرية، إذا لاقت النجاسة جزءا منها، لا تتنجس البقية، بل يكفي غسل موضع الملاقاة، إلا إذا انفصل بعد الملاقاة ثمَّ اتصل.

[ (مسألة 1): إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين]

(مسألة 1): إذا شك في رطوبة أحد المتلاقيين، أو علم وجودها و شك في سرايتها، لم يحكم بالنجاسة. و أما إذا علم سبق وجود المسرية و شك في بقائها فالأحوط الاجتناب (1)، الطاهر الطاهرة قبل الاتصال تنجس بملاقاة الرطوبة التي على الجزء النجس فينجس محلها من الجسم، و ليس ذلك بتوسط تلاقي الجسمين، إذ السطح الطاهر لم يلاق السطح النجس أصلا، إذ التلاقي إنما كان بين السطحين الحادثين بالانفصال، و هما معاً طاهران. و الوجه في هذه النجاسة عموم ما دل على نجاسة الجزء الملاقي للنجس.

و مما ذكرنا يندفع الإشكال في الفرق بين الاتصال بين الرطوبتين قبل ملاقاة النجاسة، و بينه بعد ملاقاة النجاسة، في عدم اقتضاء الأول سراية النجاسة و اقتضاء الثاني سرايتها. و حاصل وجه الفرق: أن سراية النجاسة من الرطوبة النجسة إلى الطاهرة لا دليل عليها في الأول، بل الدليل على خلافها- كما عرفت- بخلاف السراية في الثاني، إذ يدل عليها ما دل على النجاسة بملاقاة النجس، و العمدة اختلاف نظر العرف في الصورتين.

لكن قد يشكل الحكم فيما لو كانت الرطوبة التي على الجسم قليلة، فان صدق التلاقي عرفا بينها و بين رطوبة الجزء الموصول بعد الانفصال غير ظاهر، لكونها في نظر العرف بمنزلة العرض.

لاستصحاب بقاء الرطوبة التي هي شرط التنجيس، كاستصحاب‌

470
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الذباب الواقع على النجس الرطب ؛ ج‌1، ص : 471

و ان كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو عن وجه (1).

[ (مسألة 2): الذباب الواقع على النجس الرطب]

(مسألة 2): الذباب الواقع على النجس الرطب إذا وقع على ثوب أو بدن شخص، و ان كان فيهما رطوبة مسرية لا يحكم بنجاسته إذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس (2). و مجرد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله، لاحتمال كونها مما لا تقبلها، و على فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات (3).

طهارة الماء التي هي شرط التطهير به، فكما أن أثر الثاني طهارة المغسول به تعبداً، كذلك أثر الأول نجاسة الملاقي له تعبداً.

مبني على أن الشرط ليس وجود الرطوبة، بل سرايتها من أحد المتلاقيين الى الآخر، و استصحاب بقاء الرطوبة لا يصلح لإثبات سرايتها إلى الملاقي إلا بناء على الأصل المثبت. و قد يحتمل التفصيل بين كون المشكوك الرطوبة في النجس فالثاني، لما ذكر، و الرطوبة في الطاهر الملاقي له فالأول، لعدم اعتبار سرايتها من الطاهر الى النجس في تنجيس الطاهر به، لعدم الدليل على ذلك. نعم لا بد فيها أن تكون قابلة للانتقال إلى الملاقي بمجرد الملاقاة، و لا يعتبر الانتقال الفعلي، فإذا شك في بقاء الرطوبة القابلة للانتقال يبنى على بقائها بالاستصحاب، و يترتب عليه أثره و هو الانفعال. (و فيه): أنه خلاف ما دل على اعتبار الرطوبة المسرية- بمعنى المنتقلة- بمجرد الملاقاة. و لذا لا نقول بالنجاسة إذا كانت عين النجاسة لا تقبل التلوث بالرطوبة التي على العين الطاهرة.

للاستصحاب.

لما سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- في المطهر العاشر من المطهرات نعم لو شك في زوال عين النجاسة فقد شك في طهارة عضو الحيوان،

471
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين يكفي إلقاؤه و إلقاء ما حوله ؛ ج‌1، ص : 472

[ (مسألة 3): إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين يكفي إلقاؤه و إلقاء ما حوله]

(مسألة 3): إذا وقع بعر الفأر في الدهن أو الدبس الجامدين يكفي إلقاؤه و إلقاء ما حوله (1)، و لا يجب الاجتناب عن البقية. و كذا إذا مشى الكلب على الطين، فإنه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله، إلا إذا كان وحلا و المناط في الجمود و الميعان أنه لو أخذ منه شي‌ء فان بقي مكانه خالياً حين الأخذ. و ان امتلأ بعد ذلك- فهو جامد، و ان لم يبق خاليا أصلا فهو مائع (2).

و استصحابها لإثبات نجاسته، ليترتب عليها نجاسة ملاقية، محكم. إلا أن يقال: لا أثر لنجاسة عضو الحيوان في الفرض، لاستناد نجاسة الملاقي له إلى ملاقاة عين النجاسة التي عليه، لأنها أسبق زماناً من الملاقاة لنفس العضو، و مع تعدد العلل و اختلافها في الزمان يكون الأثر للسابق مستقلا، فلا أثر لنجاسة العضو نفسه كي يجري الاستصحاب لإثباتها.

كما عرفت.

قد ذكر الجمود و الذوبان موضوعين لسراية النجاسة الى جميع أجزاء الجسم في صحيح زرارة المتقدم [1]. و لكن‌

في صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّٰه (ع): «قلت: جرذ مات في زيت أو سمن أو عسل فقال: أما السمن و العسل فيؤخذ الجرذ و ما حوله، و الزيت يستصبح به»

و نحوه صحيح سعيد الأعرج، و موثق سماعة. و‌

في صحيح الحلبي في الفأرة و الدابة تموت في الطعام و الشراب. قال (ع): «إن كان سمناً أو عسلا أو زيتاً- فإنه ربما يكون بعض هذا- فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله، و إن كان الصيف فارفعه حتى تسرج به. و إن كان برداً فاطرح الذي

______________________________
[1] تقدم في أوائل هذا الفصل.

472
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا لاقت النجاسة جزءا من البدن المتعرق لا يسري الى سائر إجزائه ؛ ج‌1، ص : 473

[ (مسألة 4): إذا لاقت النجاسة جزءاً من البدن المتعرق لا يسري الى سائر إجزائه]

(مسألة 4): إذا لاقت النجاسة جزءاً من البدن المتعرق لا يسري الى سائر إجزائه، إلا مع جريان العرق (1).

[ (مسألة 5): إذا وضع إبريق مملوء ماء على الأرض النجسة]

(مسألة 5): إذا وضع إبريق مملوء ماء على الأرض النجسة، و كان في أسفله ثقب يخرج منه الماء، فان كان لا يقف تحته، بل ينفذ في الأرض أو يجري عليها فلا يتنجس ما في الإبريق من الماء (2)، و ان وقف الماء بحيث يصدق

كان عليه و لا تترك طعامك من أجل دابة ماتت عليه» «1».

و يمكن إرجاع الأخير إلى الأول، لغلبة الجمود في أيام الشتاء و الذوبان في أيام الصيف. كما لعل الوجه في مثل صحيح معاوية: أن السمن و العسل يغلب فيهما الغلظة و الثخانة، بخلاف الزيت. فان الغالب فيه الرقة. و على هذا يكون هو المعيار في السراية و عدمها لا الجمود و الذوبان. و الظاهر أن ذلك هو المرتكز العرفي في سراية القذارة و عدمها، و حينئذ يتعين حمل الأول عليه. و يشير اليه ما في صحيح الحلبي من ذكر الشتاء و البرد، فإنهما لا يوجبان مطلقاً الجمود في العسل، بل و لا في السمن، و إنما يوجبان الغلظة و الكثافة (و بالجملة): اختلاف النصوص يستوجب حملها- بقرينة الارتكاز العرفي- على كون المعيار مرتبة خاصة من الغلظة و الكثافة، فإن حصلت انتفت السراية و ان انتفت حصلت السراية.

هذا و تفسير الميعان و الجمود بما ذكر المصنف لا يخلو من إشكال، بل الظاهر من المائع لغة و عرفا ما اقتضى بطبعه استواء سطحه، و ان لم يحصل إلا بعد حين، و الجامد بخلافه. فلاحظ.

يعني: العرق المتنجس، فينجس ما جرى عليه العرق لا غير.

لأن التدافع الحاصل من الجريان من العلو الى السفل مانع من‌

______________________________
(1) تراجع هذه الأحاديث في باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة حديث: 1، 4، 3 من الوسائل.

473
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة ؛ ج‌1، ص : 474

اتحاده مع ما في الإبريق بسبب الثقب تنجس (1)، و هكذا الكوز و الكأس و الحب و نحوها.

[ (مسألة 6): إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة]

(مسألة 6): إذا خرج من أنفه نخاعة غليظة، و كان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محله من سائر أجزائها (2). فاذا شك في ملاقاة تلك النقطة لظاهر الأنف سراية النجاسة، كما تقدم في المياه. و هذا مما لا ينبغي الإشكال فيه هنا، إذا كان سمك الإبريق ضخماً بحيث يكون الماء المتدافع في فضاء نفس الثقب حائلا بين الأرض النجسة، و بين الماء الواقف الواقع في فضاء الإبريق.

أما إذا كان السمك رقيقا بنحو يكون الماء الواقف في فضاء الإبريق متصلا بالأرض النجسة، و ان كان الخارج منه متدافعا في عمق الأرض أو جاريا عليها، فيشكل الحكم بالطهارة، لاتصال الماء الواقف بالأرض النجسة فتنجسه، و مجرد كون الجزء المتصل بالأرض متدافعاً غير كاف- عرفا- في عدم سراية النجاسة. و لكنه يندفع: بأن الأجزاء المتصلة بالأرض هي الأجزاء الخارجة من الثقب، فاذا كانت متدافعة لم تسر نجاستها إلى ما في الإبريق، و ان كانت متصلة به.

لا يخلو من اشكال إذا كان الخروج بقوة بواسطة الضغط الدافع، فإنه مانع من سراية النجاسة الى ما في الإبريق، نظير ما في الفوارة المندفع على النجاسة. نعم لو تقارب سطح ما في الإبريق مع سطح الواقف يضعف الاندفاع، فحينئذ تسري النجاسة مع صدق الاتصال بين الماءين عرفا لسعة الثقب، أما مع ضيقه المانع من صدق الاتصال عرفا، و إن كان حاصلا عقلا فلا سراية. و ليس المدار على اتحاد الماءين و تعددهما، بل على ما ذكرنا. فلاحظ.

لما عرفت.

474
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضة ؛ ج‌1، ص : 475

لا يجب غسله. و كذا الحال في البلغم الخارج من الحلق.

[ (مسألة 7): الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضة]

(مسألة 7): الثوب أو الفراش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضة (1) و لا يجب غسله، و لا يضر احتمال بقاء شي‌ء منه (2). بعد العلم بزوال القدر المتيقن.

[ (مسألة 8): لا يكفي مجرد الميعان في التنجس]

(مسألة 8): لا يكفي مجرد الميعان في التنجس، بل يعتبر أن يكون مما يقبل التأثر. و بعبارة أخرى: يعتبر وجود الرطوبة في أحد المتلاقيين (3). فالزيبق إذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة له لا ينجس، و ان كان مائعاً. و كذا إذا يعني: في معاملته معاملة الطاهر. و يدل عليه- مضافا الى ما دل على عدم سراية النجاسة مع الجفاف «1»- ما‌

رواه علي بن جعفر (ع):

في كتابه عن أخيه (ع): «عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة، فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة، فيصيب ثوبه و رأسه، أ يصلي قبل أن يغسله؟ قال (ع): نعم ينفضه و يصلي فلا بأس» «2».

هذا إذا كان ما علم وجوده في الثوب قد علم زواله بالنفض، و الزائد عليه مشكوك الوجود، فيرجع الى أصالة عدمه. و أما إذا شك في زوال ما علم وجوده في الثوب، بأن رأى في الثوب أجزاء النجاسة.

و شك في زوالها بالنفض فالمرجع استصحاب وجودها.

و المراد بها مطلق ما ينتقل من أحد المتلاقيين الى الآخر، بحيث يتلوث به، كما في مثل السمن، و العسل، و الزيت، و النفط، و نحوها من المائعات و الجامدات. و قد عرفت أن الوجه في اعتبار ذلك الارتكاز العرفي المنزل عليه الخطابات الشرعية.

______________________________
(1) تقدم التعرض لذلك في أوائل هذا الفصل.

(2) الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 12.

475
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): المتنجس لا يتنجس ثانيا و لو بنجاسة أخرى ؛ ج‌1، ص : 476

أذيب الذهب أو غيره من الفلزات في بوتقة نجسة، أو صب بعد الذوب في ظرف نجس، لا ينجس، إلا مع رطوبة الظرف، أو وصول رطوبة نجسة إليه من الخارج (1).

[ (مسألة 9): المتنجس لا يتنجس ثانياً و لو بنجاسة أخرى]

(مسألة 9): المتنجس لا يتنجس ثانياً و لو بنجاسة أخرى (2)، لكن إذا اختلف حكمهما يرتب كلاهما، فلو و حينئذ يتنجس السطح الملاقي للرطوبة لا غير.

يعني: و لو بنجاسة أخرى من غير نوع النجاسة الأولى. و هذا الحكم على خلاف أصالة عدم التداخل المعول عليها عند أكثر المحققين، إذ مقتضاها أن تكون ملاقاة كل فرد من النجاسة موجبة لتنجس الملاقي بنجاسة غير ما تقتضيها ملاقاة الفرد الآخر. كما أن مقتضاها أيضاً وجوب تعدد المطهر في حصول الطهارة له من جميعها. و ليس الوجه فيه امتناع اجتماع نجاستين لمحل واحد، فان ذلك في النجاستين المحدودتين بحدين، لا في المرتبتين المحدودتين بحد واحد، على نحو تتأكد إحداهما بالأخرى، و تكون فرداً واحدا شديداً اكيداً. بل العمدة فيه ظهور الاتفاق عليه، ففي المدارك: أنه قطع به الأصحاب، و لا أعلم في ذلك مخالفاً. و في الذخيرة: «لا أعلم مصرحا بخلافه»، و عن اللوامع: «الظاهر أنه وفاقي» و ظاهر كلام شيخنا في الجواهر في أحكام البئر، و في مبحث الولوغ، و شيخنا الأعظم (ره) في أحكام البئر: المفروغية عنه، بل في المستند:

أنه إجماع. نعم معقد الإجماعات المذكورة هو التداخل في الأثر المشترك، لا في الخصوصية الممتاز بها بعض النجاسات عن بعض. قال في المنتهى- في الفرع الحادي عشر من مبحث الولوغ-: «و بالجملة: إذا تعددت النجاسة فإن تساوت في الحكم تداخلت، و ان اختلفت فالحكم لأغلظها» و نحوه محكي كلام غيره. و ظاهر عبارة المتن عدم ترتب النجاسة التي هي‌

476
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): المتنجس لا يتنجس ثانيا و لو بنجاسة أخرى ؛ ج‌1، ص : 476

كان لملاقي البول حكم، و لملاقي العذرة حكم آخر، يجب ترتيبهما معاً. و لذا لو لاقى الثوب دم، ثمَّ لاقاه البول، يجب غسله مرتين، و ان لم يتنجس بالبول بعد تنجسه بالدم، و قلنا بكفاية المرة في الدم. و كذا إذا كان في إناء ماء نجس، ثمَّ ولغ فيه الكلب، يجب تعفيره و ان لم يتنجس بالولوغ. و يحتمل أن يكون للنجاسة مراتب في الشدة و الضعف (1). و عليه فيكون كل منهما مؤثراً و لا إشكال (2).

أشد، و حينئذ فترتب حكمها غير ظاهر، لأنه يكون بلا موضوع.

كلمات الأصحاب في المقام مختلفة المفاد. فظاهر بعضها- كالمدارك و الذخيرة و غيرهما- أن التداخل في الحكم، لاستدلالهم عليه بصدق الامتثال و أصالة البراءة. و ظاهر الجواهر- في مبحث الولوغ- و غيرها أن التداخل في نفس النجاسة، فلا تأكد و لا اشتداد، لاستدلالهم عليه بظهور الدليل في الجنسية، بلا تفاوت بين القليل و الكثير. و على هذا ينبغي البناء على التداخل في خصوص الحكم، لأن البناء على التداخل في كل من النجاسة و الحكم، و ان كان خلاف الأصل، لكن حيث يتردد الأمر بينهما يتعين البناء على الثاني، للعلم بسقوط القاعدة فيه، إما للتخصيص أو للتخصص، فتبقى أصالة عدم التداخل في النجاسة بلا معارض، كما هو الحكم في أمثاله من موارد الدوران بين التخصيص في الموضوع، و التخصيص في الحكم. و لازم ذلك أنه لو اضطر الى ارتكاب النجس و دار الأمر بين ارتكاب ما هو مورد السبب الواحد و ما هو مورد السببين تعين- بحكم العقل- ارتكاب الأول لأنه أقل المحذورين.

بل الإشكال بحاله، فإن التداخل في النجاسة ليس بأشكل من‌

477
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة ؛ ج‌1، ص : 478

[ (مسألة 10): إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة]

(مسألة 10): إذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة، و شك في ملاقاته للبول أيضاً مما يحتاج الى التعدد، يكتفى فيه بالمرة، و يبنى على عدم ملاقاته للبول (1).

و كذا إذا علم نجاسة إناء و شك في أنه ولغ فيه الكلب أيضا أم لا، لا يجب فيه التعفير، و يبنى على عدم تحقق الولوغ. نعم لو علم تنجسه إما بالبول أو الدم، أو إما بالولوغ أو بغيره التداخل في المطهر، بل هما سواء في مخالفة أصالة عدم التداخل الجارية في المقامين. و لعل مراده نفي الاشكال اللازم مما ذكره سابقاً، و هو ما أشرنا إليه من ثبوت الحكم بلا موضوع، فإنه على هذا الاحتمال يثبت حكم الأشد بتبع ثبوت الأشد، و ان كان يدخل حكم أحدهما في حكم الآخر إذا اختلفا بالشدة و الضعف.

لأصالة عدمها. و لا مجال لاستصحاب النجاسة الثابتة قبل الغسل مرة، لأنه من الاستصحاب الجاري في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلي، للعلم بارتفاع النجاسة المعلومة الثبوت- و هي المستندة إلى ملاقاة الدم- و الشك في مقارنة نجاسة أخرى لها، و المحقق في محله عدم جريانه.

فان قلت: إذا غسل مرة لا يعلم بزوال النجاسة المستندة إلى ملاقاة الدم، إذ مع احتمال طروء نجاسة البول يحتمل أن يكون الغسل مرة مزيلا للشدة الآتية من ملاقاة البول لا لنجاسة الدم، و أصالة عدم ملاقاة البول لا تصلح لإثبات ذلك، فيكون الاستصحاب من قبيل الجاري في القسم الأول من أقسام استصحاب الكلي (قلت): بعد ما كان المستفاد من الأدلة أن نجاسة الدم تزول بالغسل مرة، لا بد من البناء على زوالها في المقام بالغسل مرة، فيكون الشك في ثبوت غيرها و الأصل يقتضي عدمه.

478
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

يجب إجراء حكم الأشد (1) من التعدد في البول، و التعفير في الولوغ.

[ (مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس]

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس (2) لاستصحاب بقاء النجاسة حتى يعلم بارتفاعها بإجراء حكم الأشد.

نعم لو كان الأثر في المقام للفرد امتنع جريان الاستصحاب، بناء على التحقيق من عدم جريانه في الفرد المردد بين فردين أحدهما معلوم الارتفاع و الآخر معلوم البقاء. و سيأتي إن شاء اللّٰه تحقيق المبنى المذكور في أحكام النجاسة.

على المشهور شهرة عظيمة، بل لا خلاف يعرف فيه إلا من الكاشاني و ان كان قد يظهر أيضاً من محكي السرائر. بل عن جماعة نقل الإجماع عليه، منهم القاضي في الجواهر، و المحقق في المعتبر، و الفاضل الهندي في كشف اللثام و الوحيد البهبهاني، و العلامة بحر العلوم، و السيد المقدس الكاظمي و المحدث البحراني، و المحقق القمي، و الشيخ الأكبر، و نجله الحسن في أنوار الفقاهة، و الشيخ محسن الأعسم في كشف الظلام، و شيخنا المعظم في الجواهر و السيد المتبحر القزويني في البصائر، و شيخنا الأعظم في طهارته- قدس اللّٰه تعالى أرواحهم- على ما حكي عن جملة منهم. بل صريح المحكي من كلام جماعة منهم دعوى الضرورة عليه كما سيأتي إن شاء اللّٰه.

و يشهد به- مضافاً الى استفادته مما دل على سراية نجاسة الأعيان النجسة إلى ملاقيها، فان المرتكز في ذهن العرف أن السراية عرفاً من أحكام مطلق النجاسة لا النجاسة الذاتية خاصة، و كما لا نحتاج الى دليل على السراية في كل واحدة من النجاسات بالخصوص، بل يكتفى بما دل على السراية في بعضها، إلغاء لخصوصية المورد عرفاً، كذلك في المقام- جملة من النصوص.

منها: النصوص المتقدمة «1» في رفع التفصيل في انفعال القليل بين‌

______________________________
(1) تقدمت في أوائل فصل الماء الراكد.

479
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

.....

ملاقاة النجس و المتنجس، الظاهرة في نجاسة الإناء إذا أدخل يده في الإناء و قد أصابها القذر. و مثلها الروايات المانعة من إدخال الجنب أو المحدث يده في الإناء إلا أن تكون نظيفة «1».

و منها: رواية العيص المتقدمة في مبحث الغسالة المتضمنة للأمر بغسل ما أصابه قطرة من طشت فيه وضوء من بول أو غائط «2».

و منها:

موثقة عمار: «أنه سأل أبا عبد اللّٰه (ع): عن رجل يجد في إنائه فأرة، و قد توضأ من ذلك الماء مراراً أو اغتسل أو غسل ثيابه، و قد كانت الفأرة متسلخة. فقال (ع): إن كان رآها في الإناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثمَّ فعل ذلك بعد ما رآها في الإناء فعليه أن يغسل ثيابه و يغسل كل ما أصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصلاة .. «3»

. و‌

موثقته الأخرى عنه (ع): «في البارية يبل قصبها بماء قذر هل تجوز الصلاة عليها قال (ع): إذا جفت فلا بأس بالصلاة عليها» «4».

و نحوها غيرها.

و منها:

رواية المعلى عنه (ع): «في الخنزير يخرج من الماء فيمر على الطريق فيسيل منه الماء أمر عليه حافيا. قال (ع): أ ليس وراءه شي‌ء جاف؟ قلت بلى. قال (ع): لا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضاً» «5».

و منها: ما تضمن الأمر بتطهير الإناء الذي ولغ فيه كلب «6»، فإنه يدل على سراية النجاسة من الماء المتنجس إلى الإناء. و لا سيما بملاحظة‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 8 من أبواب الماء المطلق، و باب: 27 من أبواب الوضوء.

(2) الوسائل باب: 9 من أبواب الماء المضاف و المستعمل حديث: 14.

(3) الوسائل باب: 4 من أبواب الماء المطلق حديث: 1.

(4) الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(5) الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(6) الوسائل باب: 1 من أبواب الأسئار حديث: 4.

480
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

.....

التعليل بأنه نجس، الظاهر في سراية نجاسة النجس مطلقاً إلى الملاقي و ان تكثرت الوسائط.

و منها: ما تضمن كيفية تطهير الأواني و الفرش مما لا يستعمل في شي‌ء يعتبر فيه الطهارة «1»، إذ لا موجب لتطهيرها ارتكازاً إلا الفرار عن سراية نجاستها إلى ما يلاقيها .. و غير ذلك مما لا يسع استقصاؤه في هذا المختصر، و فيما ذكرنا كفاية في الدلالة على ما عليه الأصحاب.

نعم قد يستشهد لمذهب الكاشاني بروايات منها:

موثقة حنان بن سدير «سمعت رجلا يسأل أبا عبد اللّٰه (ع) فقال: إني ربما بلت فلا أقدر على الماء و يشتد ذلك علي. فقال (ع): إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئاً فقل هذا من ذاك» «2».

و فيه: أن قول السائل:

«و يشتد ذلك علي»

إن كان من جهة خروج البول منه، فلا دخل لعدم القدرة على الماء المذكور في السؤال في ذلك، و ان كان من جهة خروج بلل آخر فليس الوجه في الاشتداد إلا أنه إذا خرج يتنجس بمخرج البول، و حينئذ تكون الرواية دالة على تنجيس المتنجس. و أيضاً فإن قوله (ع):

«امسح ذكرك بريقك»

ليس ظاهرا في مسح خصوص مخرج البول لا غير. مع أن الرواية لا تخلو من اشكال، إذ الريق الذي يمسح به الذكر لقلته ليس بنحو يوجب دفع العلم بخروج الخارج، فان الخروج قد يكون محسوسا وجدانا مهما كان الريق الموضوع على الذكر و لو كثيراً، كما لا يخفى.

و منها:

صحيحة العيص: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع): عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء، فمسح ذكره بحجر، و قد عرق ذكره و فخذاه قال (ع): يغسل ذكره و فخذيه. و سألته عمن مسح ذكره بيده ثمَّ عرقت

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 5، 51، 52، 53، 70، 72 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 7.

481
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

.....

يده، فأصاب ثوبه يغسل ثوبه؟ قال (ع): لا» «1»

و فيه: أنه لو سلم ظهور ذيلها في مسح البول الذي على ذكره بيده، و ان العرق كان في موضع المسح من اليد، فصدرها ظاهر في تنجيس المتنجس، و التنافي بين الصدر و الذيل مانع من الأخذ بالذيل، لأن التنافي يدل على وجود قرينة صارفة عن ظاهر أحدهما الى ما يوافق ظاهر الآخر، و مع هذا العلم الإجمالي يسقط ظهور كل منهما عن الحجية.

و منها:

صحيحة حكم بن حكيم: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): أبول فلا أصيب الماء، و قد أصاب يدي شي‌ء من البول فأمسحه بالحائط و بالتراب ثمَّ تعرق يدي فامسح وجهي أو بعض جسدي، أو يصيب ثوبي. فقال (ع):

لا بأس به» «2»

بناء على أن المسح بالموضع الذي فيه العرق الذي أصابه البول من اليد و أن نفي البأس بمعنى نفي نجاسة الممسوح، لا مجرد الجواز التكليفي.

و منها:

رواية سماعة: «قلت لأبي الحسن موسى (ع): إني أبول فأتمسح بالأحجار فيجي‌ء مني البلل ما يفسد سراويلي. قال (ع): ليس به بأس» «3»

بناء على أن المراد نفي النجاسة لا نفي انتقاض الوضوء به، و على أن خروج البلل الطاهر من الذكر يستوجب ملاقاته لحافة الذكر النجسة لكن لو سلم ذلك فظاهرها الاجتزاء بالأحجار في الاستنجاء من البول، من دون ضرورة، كما هو المنسوب الى جمهور المخالفين، فلا بد أن تحمل على التقية. و حينئذ يكون عدم تنجس البلل الخارج لعدم نجاسة مخرج البول، فلا تدل على عدم تنجيس المتنجس. مع أن سند الرواية لا يخلو‌

______________________________
(1) ذكر في الوسائل صدر الحديث في باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 1، و ذيله في باب 6 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 6 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 4.

482
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

.....

من إشكال، لأن فيه الحكم بن مسكين، و لم ينص أحد على توثيقه. فلاحظ.

و منها:

رواية حفص الأعور: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الدن يكون فيه الخمر، ثمَّ يجفف فيجعل عليه الخل؟ قال (ع): نعم» «1»

بناء على أن المراد أنه يجفف على نحو تذهب منه الأجزاء الخمرية. و لكنه بعيد.

فالرواية ظاهرة في طهارة الأجزاء الخمرية المتخلفة في الدن. و لذا حملها الشيخ- كما في الوسائل- على التجفيف بعد أن تغسل ثلاثاً.

و منها:

رواية علي بن جعفر (ع): عن أخيه (ع): «سألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينتضح على الثياب ما حاله؟ قال (ع): إذا كان جافا فلا بأس» «2».

و فيه: أن من المحتمل أن يكون المراد من الكنيف الجاف ما لا يجتمع ما يقع فيه من قذر، في مقابل ما يجتمع فيه القذر- كما هو الغالب في بلادنا- و الأول مورد توارد الحالتين من الطهارة و النجاسة، لأنه كما ينجس بملاقاة القذر، كذلك يطهر بالماء المستعمل في الاستنجاء و نحوه من المياه الطاهرة.

و لأجل ذلك يحكم على ملاقيه بالطهارة للأصل، و مع هذا الاحتمال لا مجال للاستدلال بها على المدعى. مع أن الاستدلال بها موقوف على القول بانفعال الماء الوارد على النجاسة غير المستقر معها، و البناء على عدمه أولى من البناء على عدم تنجيس المتنجس. و هناك روايات استدل بها على مذهب الكاشاني (ره) لم نذكرها، لوضوح المناقشة في دلالتها.

و على هذا فالعمدة صحيحة حكم، بناء على عدم تمامية المناقشات المتقدمة إليها الإشارة، كما هو الظاهر. إلا أن الخروج بها عن ظاهر تلك النصوص الكثيرة القريبة من التواتر، بل المدعى تواترها، الواردة في موارد متفرقة مع احتمال ورودها في مقام الاجتزاء بإزالة العين في الطهارة- كما هو المنسوب‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 51 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 60 من أبواب النجاسات حديث: 2.

483
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

.....

الى السيد المرتضى (قده)- فلا تكون منافية لقاعدة تنجيس المتنجس.

بعيد عرفاً.

بل لا يمكن بعد دعوى الإجماع صريحاً أو ظاهرا، بل و الضرورة من كثير من الأجلاء على خلافها، منهم الوحيد (ره) في شرح المفاتيح، و منهم المقدس الكاظمي في وسائله، حيث قال: «إن استباح بسوء رأيه (يعني: صاحب المفاتيح) مخالفة الإجماع، فما الذي أباح له الاقدام على مخالفة الضرورة و هو قاض بالخروج عن المذهب؟! بل ان كان إجماعاً في المسلمين و ضرورة- كما هو الظاهر- خرج عن الدين ..». و منهم الشيخ الأكبر في محكي شرح القواعد قال- بعد دعوى الإجماع و الضرورة على تنجيس المتنجس-: «و قال في المفاتيح، و استعيذ باللّه من هذه المقالة» ثمَّ حكى كلام الكاشاني و رواياته التي تشبث بها .. (الى أن قال): «ثمَّ على تقدير ظهورهن فيما قال، كيف يمكن الاستناد إليهن في مقابلة إجماع الشيعة، بل المسلمين، بل الضرورة .. (الى أن قال):

فسلام على الفقه و على الفقهاء بعد ظهور مثل هذه الأقوال، و لا قوة إلا باللّه). و قال في الجواهر في مسألة الاستنجاء من البول بالماء: «و قد تفرد الكاشاني بشي‌ء خالف به إجماع الفرقة الناجية، بل إجماع المسلمين، بل الضرورة من الدين مستنداً إلى هاتين الروايتين (يعني روايتي حنان و سماعة المتقدمتين) و نحوهما .. (إلى أن قال): و هو بالاعراض عنه حقيق، و لا يليق بالفقيه التصدي لرد مثل ذلك بعد ما عرفت أنه مخالف لإجماع المسلمين و ضرورة الدين» و نحو ذلك كلام غيرهم.

و من ذلك تعرف الاشكال فيما ادعاه بعض الأكابر من مشايخنا (قدهم) في كتاب مصباح الفقيه، من استقرار سيرة المتشرعة خلفاً عن سلف على المسامحة في الاجتناب عن ملاقيات المتنجس في مقام العمل، بحيث لو‌

484
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

.....

تعدى أحد عن الطريقة المألوفة عندهم في اجتناب النجاسات، بأن اجتنب مثلا عن أبنية البلاد معللا: بأن من عمرها استعمل في تعميرها الآلات و الأدوات التي لا زال يستعملها في تعمير الكنيف من غير أن يطهرها، يطعنه جميع المتشرعة بالوسواس و يرونه منحرفاً عن الطريقة المعروفة عندهم في اجتناب النجاسات .. إلخ كلامه (قده).

وجه الاشكال: أن الاجتناب في أمثال المقام ليس عن علم بالنجاسة و انما هو عن الظن و التخمين، و ترتيب مقدمات عقيمة عن الإنتاج، لكثرة الأسباب الموجبة لقيام الاحتمال، و انتفاء العلم بالسراية. و لذا لو سئل (قده) عن طهارة طعامه، و شرابه و فراشه، لم يشهد بالنجاسة، و لم يدع العلم بملاقاته للمتنجس، و كذا أكثر الناس.

و منه يظهر الاشكال فيما ذكره (قده) أيضاً، من أنه لو كان المتنجس منجساً لزم نجاسة جميع ما في أيدي المسلمين و أسواقهم، لأنا نعلم أن أغلب الناس لا يتحرزون عن النجاسات. و يخالطون غيرهم، فيستوي حال الجميع إذ لا يخفى أنه كما نعلم ذلك نعلم أيضاً بطروء الأسباب الموجبة للطهارة، و لو من باب الاتفاق و ذلك يوجب ارتفاع العلم بنجاسة ما يكون محل الابتلاء لكل مكلف، و المرجع حينئذ أصالة الطهارة. نعم يعلم إجمالا بكذب أصالة الطهارة في كثير من الموارد المتعلقة بالمكلف و غيره، أو المتعلقة به في وقائع بعضها صار خارجا عن محل الابتلاء. لكن مثل هذا العلم الإجمالي غير قادح في الرجوع الى الأصل.

و نظير هذا الاشكال وارد في النقود التي يأخذها السلطان الجائر ثمَّ يعطيها في كل سنة مرات متعددة، أو تؤخذ بالمعاملات الفاسدة أو بالسرقة أو الغيلة أو بدون دفع الخمس أو الزكاة، و يجري عليها الأخذ و الإعطاء في كل سنة أو في كل شهر مرة أو مرات، و اختلاط بعضها بالمملوك يوجب قصور سلطنة المالك عن القسمة، و عدم جواز التصرف في الجميع إلا بمراجعة‌

485
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): الأقوى أن المتنجس منجس ؛ ج‌1، ص : 479

كالنجس، لكن لا يجري عليه جميع أحكام النجس (1)، فاذا تنجس الإناء بالولوغ يجب تعفيره، لكن إذا تنجس إناء آخر بملاقاة هذا الإناء، أو صب ماء الولوغ في إناء آخر لا يجب المالك أو الحاكم الشرعي عند جهل المالك، فالصراف الذي يأخذ هذه النقود في كل يوم يخلطها مع أمواله و لا يزال يختلط بعضها ببعض. و هكذا الحال في الاملاك القديمة الثابتة من الدور و البساتين، فان تهاون الناس في أموال القاصرين و الضعفاء و الغائبين و غيرهم و العمل بحكم قضاة الجور أمر معلوم، و ذلك يستوجب العلم- في الجملة- بتحريم تلك الأموال بعد مضي مدة طويلة قد توارد فيها هذه الطوارئ و أمثالها مما يستوجب حرمة المال فلو استوجب مثل ذلك رفع اليد عن القواعد الشرعية لاستوجب رفع اليد عن جملة من القواعد المسلمة في باب تحليل المال. و الوجه في دفع الإشكال في ذلك ما عرفت، من أن ذلك لا يوجب خروج مورد الابتلاء عن مجرى أصالة الحل أو اليد أو نحوهما. فلاحظ و تأمل.

هذا و قد كتب بعض الأجلاء المعاصرين قدس سره [1] رسالة في هذه المسألة رد فيها على بعض الأجلة من المعاصرين قدس سره [2] حيث ذهب الى عدم تنجيس المتنجس الجاف. و قد اشتملت الرسالة المذكورة على مطالب مهمة و فوائد جمة. جزاه اللّٰه تعالى خير جزاء المحسنين، كما نسأله الهداية و التوفيق إنه حسبنا وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ.

يعني: النجس الذي تنجس به، لأن أدلة تلك الاحكام جعلت موضوعها النجس الخاص، فلا موجب لثبوتها لما تنجس به، لعدم ثبوت انطباقه عليه.

______________________________
[1] المتبحر الشيخ محمد جواد البلاغي.

[2] الشيخ محمد مهدي الخالصي.

486
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): قد مر أنه يشترط في تنجس الشي‌ء بالملاقاة تأثره ؛ ج‌1، ص : 487

فيه التعفير (1) و ان كان الأحوط، خصوصا في الفرض الثاني (2). و كذا إذا تنجس الثوب بالبول وجب تعدد الغسل (3)، لكن إذا تنجس ثوب آخر بملاقاة هذا الثوب لا يجب فيه التعدد (4). و كذا إذا تنجس شي‌ء بغسالة البول- بناء على نجاسة الغسالة- لا يجب فيه التعدد.

[ (مسألة 12): قد مر أنه يشترط في تنجس الشي‌ء بالملاقاة تأثره]

(مسألة 12): قد مر أنه يشترط في تنجس الشي‌ء بالملاقاة تأثره (5)، فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة أصلا، كما إذا دهن على نحو إذا غمس في الإناء لا يتبلل أصلا، يمكن أن يقال: إنه لا يتنجس بالملاقاة و لو مع الرطوبة المسرية.

و يحتمل أن تكون رجل الزنبور، و الذباب، و البق من هذا القبيل.

[ (مسألة 13): الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس]

(مسألة 13): الملاقاة في الباطن لا توجب التنجيس.

فالنخامة الخارجة من الأنف طاهرة و إن لاقت الدم في باطن لأنه حكم للإناء الذي تنجس بالولوغ، و لا ينطبق ذلك على الإناء الذي تنجس بإناء الولوغ، و هو واضح.

بل لعله الأقوى كما عن العلامة في النهاية، و المحقق الثاني. لظهور دليل وجوب التعفير في كون موضوعه الإناء الذي هو ظرف لماء الولوغ و خصوصية كونه ظرفا لنفس الولوغ أيضاً ملغاة عرفا. فلاحظ صحيح الفضل، و تأمل.

كما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

لما سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- من عدم لزومه في تطهير المتنجس بغير البول.

مر ذلك في أول الفصل فراجع.

487
مستمسک العروة الوثقی1

فصل شرط إزالة النجاسة في الصلاة عن البدن ؛ ج‌1، ص : 488

الأنف. نعم لو أدخل فيه شي‌ء من الخارج، و لاقى الدم في الباطن، فالأحوط فيه الاجتناب (1).

[فصل شرط إزالة النجاسة في الصلاة عن البدن]

فصل يشترط في صحة الصلاة (2) واجبة كانت أو مندوبة (3) إزالة النجاسة عن البدن حتى الظفر، و الشعر (4)، و اللباس (5)، تقدم الكلام في هاتين الصورتين و غيرهما في أول مسألة من مبحث نجاسة البول و الغائط.

فصل إجماعا محققا، و النصوص به متجاوزة حد التواتر [1]. و سيذكر بعضها في شرح المسائل الآتية إن شاء اللّٰه تعالى.

لإطلاق الأدلة.

بلا إشكال ظاهر. و يستفاد مما دل على مانعية نجاسة الثوب لو فرض قصور أدلة مانعية نجاسة البدن عن إفادته.

و كأنه المراد من الثوب المذكور في كثير من الفتاوى، إما لأنه مرادف اللباس- كما يظهر من القاموس- أو لأن ذكر الثوب بالخصوص من باب المثال، لأنه الغالب. و يشير الى ذلك استثناء مالا تتم به الصلاة‌

______________________________
[1] راجع الوسائل في الأبواب الآتية من: 18 الى: 22، و 30، 31، و من 40 الى:

47 و 61 من أبواب النجاسات و يوجد في كثير من الأبواب الأخر و في أبواب لباس المصلى و مكانه و غيرها ما يدل عليه و لو بالالتزام.

488
مستمسک العروة الوثقی1

فصل شرط إزالة النجاسة في الصلاة عن البدن ؛ ج‌1، ص : 488

ساتراً كان أو غير ساتر (1) عدا ما سيجي‌ء (2) من مثل الجورب و نحوه مما لا تتم الصلاة فيه. و كذا يشترط في توابعها من صلاة الاحتياط (3) و قضاء التشهد و السجدة المنسيين (4).

و كذا في سجدتي السهو على الأحوط (5). و لا يشترط في ما يتقدمها من الأذان و الإقامة، و الأدعية التي قبل تكبيرة فإنه ليس من الثياب عرفا. و يشهد لذلك من النصوص ما ورد في المنع عن الصلاة في جلد الميتة و الصلاة في النجس، كما سيأتي في مبحث المحمول النجس. فلا فرق بين الثوب و بين الفرو و الدرع و غيرهما من أصناف الملبوس.

إجماعا. لإطلاق النص و الفتوى.

و سيجي‌ء دليله.

إجماعا. لإطلاق النص و الفتوى.

إجماعا، فإن القضاء متحد مع المقضي في جميع الخصوصيات، جزءاً كانت، أو شرطا، وجودياً، أو عدميا. و انما الاختلاف في الزمان لا غير، و كون الطهارة شرطا للصلاة ليس معناه إلا كونها شرطا لاجزائها و منها التشهد و السجدة.

بل عن السرائر و النهاية و الألفية و غيرها: أنه الأقوى، للاحتياط و انصراف دليلهما الى ذلك، و أنها جابرة لما يعتبر فيه الطهارة، و لغير ذلك مما لا يخفى ضعفه. و لذا حكي عن التحرير و جواهر القاضي العدم، بل لعله ظاهر كل من لم يتعرض لذكرها في شرائطها، كالمحقق و غيره. نعم قد يستفاد مما دل على أنهما قبل الكلام قدح جميع منافيات الصلاة فيهما، و منها الحدث. و ان كان لا يخلو من تأمل و اشكال. و تمام الكلام في مباحث خلل الصلاة فراجع.

489
مستمسک العروة الوثقی1

فصل شرط إزالة النجاسة في الصلاة عن البدن ؛ ج‌1، ص : 488

الإحرام (1)، و لا في ما يتأخرها من التعقيب. و يلحق باللباس- على الأحوط- اللحاف الذي يتغطى به المصلي مضطجعاً إيماء، سواء كان متستراً به أولا، و إن كان الأقوى في صورة عدم التستر به- بأن كان ساتره غيره- عدم الاشتراط (2).

و يشترط في صحة الصلاة أيضا إزالتها عن موضع السجود (3).

لإطلاق أدلتها، و كذا ما يتأخر. نعم يشكل ذلك في الإقامة، كما سيأتي في محله.

حيثية التستر ليس لها دخل في اشتراط الطهارة، لما سبق من عدم الفرق بين الساتر و غيره. و حينئذ فإذا لم يكن في صورة عدم التستر به داخلا في اللباس الواجب فيه الطهارة، لم يكن داخلا فيه في صورة التستر به أيضاً، كما هو الظاهر. نعم إذا كان ملتفاً فيه بنحو يصدق أنه صلى فيه وجبت طهارته و إلا فلا، للأصل.

إجماعا، كما عن ابن زهرة، و الفاضلين، و الشهيد، و المحقق الثاني و الأردبيلي، و غيرهم. و لا يقدح فيه ما عن الوسيلة و الراوندي من الخلاف فيه فان نسخ الوسيلة مختلفة. ففي بعضها ما هو ظاهر في موافقة الأصحاب، كما حكاه في مفتاح الكرامة، و في الجواهر في مبحث مطهرية الشمس، و حكياه عن نسخة الذخيرة. و النسخة التي يظهر منها المخالفة ظاهرة في اعتبار تجفيف الشمس، و لعله لكون التجفيف بمنزلة التيمم بدلا عن الطهارة. و من هذا يظهر لك حال المحكي عن الراوندي. و يشهد للمشهور من النصوص‌

صحيح زرارة: «سألت أبا جعفر (ع): عن البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلى فيه. فقال (ع): إذا جففته الشمس فصل عليه فهو طاهر» «1».

لكن في كون المسجد مما يصلى فيه إشكال‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 1.

490
مستمسک العروة الوثقی1

فصل شرط إزالة النجاسة في الصلاة عن البدن ؛ ج‌1، ص : 488

دون المواضع الأخر (1)، فلا بأس بنجاستها إلا إذا كانت ظاهر. و‌

صحيح ابن محبوب عن الرضا (ع): «أنه كتب إليه يسأله عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى يجصص به المسجد أ يسجد عليه؟

فكتب (ع) اليه: إن الماء و النار قد طهراه» «1».

لكن العمل بظاهره متعذر. و سيأتي- إن شاء اللّٰه تعالى- في مبحث مطهرية الشمس، و مبحث السجود، ما له نفع في المقام.

على المشهور، كما عن جماعة. و عن السيد (ره) اعتبار طهارة ما يلاقيه بدن المصلي. و عن الحلبي اعتبار طهارة مساقط الأعضاء السبعة.

و يشهد للأول‌

موثق ابن بكير: «عن الشاذكونة «2» يصيبها الاحتلام أ يصلى عليها؟ قال (ع): لا» «3».

و‌

موثق عمار: «عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره، فلا تصيبه الشمس، و لكنه قد يبس الموضع القذر. قال (ع): لا يصلى عليه» «4».

لكن الأول معارض بصحيح زرارة عن أبي جعفر (ع)، و بخبر محمد بن أبي عمير عن أبي عبد اللّٰه (ع) «5» المتضمنين نفي البأس في الصلاة على (الشاذكونة) تصيبها الجنابة. و الثاني معارض‌

بصحيح ابن جعفر (ع): «عن البيت و الدار لا يصيبهما الشمس و يصيبهما البول و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلى فيهما إذا جفا؟ قال (ع):

نعم» «6».

فيتعين إما الحمل على الكراهة، أو على خصوص موضع السجود بقرينة الإجماع.

______________________________
(1) الوسائل باب: 81 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) بفتح الذال ثياب غلاظ مضربة تعمل في اليمن. القاموس.

(3) الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 29 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(5) الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 3، 4.

(6) الوسائل باب: 30 من أبواب النجاسات حديث: 1.

491
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس صح ؛ ج‌1، ص : 492

مسرية الى بدنه (1). أو لباسه (2).

[ (مسألة 1): إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس صح]

(مسألة 1): إذا وضع جبهته على محل بعضه طاهر و بعضه نجس صح إذا كان الطاهر بمقدار الواجب، فلا يضر كون البعض الآخر نجساً، و ان كان الأحوط طهارة جميع ما يقع عليه (3). و يكفي كون السطح الظاهر من المسجد طاهراً، و ان كان باطنه أو سطحه الآخر أو ما تحته نجساً، فلو وضع التربة على محل نجس، و كانت طاهرة و لو سطحها الظاهر، صحت صلاته (4).

و أما القول الثاني فلم نجد له شاهدا سوى ما يتوهم من كون المراد من طهارة المسجد في معاقد الإجماعات ما يعم مواضع سائر المساجد.

و لكنه كما ترى بعد كون العدم فيها هو المعروف.

إجماعا مستفيض النقل. و الظاهر- كما اعترف به جماعة- كون المورد من صغريات قاعدة وجوب إزالة النجاسة عن الثوب و البدن، فلا بأس بالنجاسة المتعدية إذا كانت معفوا عنها. نعم عن الإيضاح حكاية الإجماع عن والده (ره) على المنع حتى في المعفو عنها، و أن ذلك شرط في مكان المصلي. لكن ظاهر المحكي عن النهاية و التذكرة من أنه يشترط طهارة المكان من النجاسات المتعدية ما لم يعف عنها إجماعا، خلاف ذلك.

إذا كان مما تتم به الصلاة، حسب ما عرفت.

لإطلاق معاقد الإجماعات على اشتراط طهارة محل الجبهة، و ان كان الظاهر منها المقدار المعتبر، إذ المقام نظير وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه.

كما في الجواهر، و عن كشف الغطاء. و الظاهر أنه من المسلمات‌

492
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج‌1، ص : 493

[ (مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد]

(مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد (1) لاختصاص دليل الطهارة بالسطح الماس للجبهة.

عن جماعة نقل الإجماع عليه، كالشيخ، و الحلي، و الفاضلين، و الشهيد و غيرهم. و يشهد له قوله تعالى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ) «1» بضميمة عدم الفصل بين المسجد الحرام و غيره من المساجد. و المناقشة في دلالة الآية الشريفة على النجاسة تقدم دفعها في مبحث نجاسة الكافر. و قد يستدل أيضاً بما‌

رواه في السرائر، عن نوادر البزنطي، عن محمد الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): «قلت له (ع): إن طريقي الى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه و ليس علي حذاء فيلصق برجلي من نداوته. فقال (ع): أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت بلى. قال (ع): فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضاً» «2».

لكنه يشكل باحتمال كون المقصود نفي البأس من حيث الصلاة كما قد يظهر ذلك من ذيل الرواية. و كذا الكلام في موثقته الأخرى «3».

و أما النبوي المروي في كتب أصحابنا- كما‌

في الوسائل-: «جنبوا مساجدكم النجاسة» «4».

فيشكل: بأن من المحتمل أن يكون المراد منه مسجد الجبهة، كما قد يشهد به إضافته إلى ضمير الجمع. مع ضعف سنده و انجباره بالعمل غير معلوم. هذا و مقتضى إطلاق الآية عدم الفرق بين الدفع و الرفع. كما أن مقتضاه عدم الفرق بين أرض المسجد و سقفه، و جدرانه، و غيرها مما يعد جزءاً منه.

______________________________
(1) التوبة: 28.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 9.

(3) الوسائل باب: 32 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 24 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

493
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج‌1، ص : 493

داخلها، و سقفها و سطحها، و طرف الداخل من جدرانها، بل و الطرف الخارج على الأحوط (1). إلا أن لا يجعلها الواقف جزاء من المسجد. بل لو لم يجعل مكانا مخصوصا منها جزاء لا يلحقه الحكم (2). و وجوب الإزالة فوري (3) فلا يجوز التأخير بمقدار ينافي الفور العرفي. و يحرم تنجيسها أيضاً (4). بل لا يجوز إدخال عين النجاسة فيها، و ان لم تكن منجسة، إذا كانت موجبة لهتك حرمتها (5)، بل مطلقا على الأحوط (6).

كأنه لدعوى الانصراف عنه. لكنه بدوي لا يجوز لأجله رفع اليد عن الإطلاق.

للأصل.

كما نص عليه غير واحد، بل عن المدارك و الذخيرة نسبته إلى الأصحاب. و يقتضيه ظاهر النهي. بل و ظاهر معاقد الإجماعات على وجوب الإزالة، إذ ليس المقصود وجوب الإزالة و لو بعد حين، و في وقت من الأوقات بل الإزالة على الفور، و لو بقرينة مناسبة الاحترام و التعظيم، كما لا يخفى. نعم ظاهر النهي في الآية الفور الحقيقي. إلا أن يكون إجماع على خلافه.

لما عرفت من ظهور الأدلة فيما هو أعم من الرفع و الدفع.

لحرمة هتكها إجماعاً و لو بغير التنجيس.

بل عند جماعة أنه الأقوى، و عن اللوامع نسبته الى الحلبيين، و عن الكفاية نسبته إلى المشهور. لظاهر الآية الشريفة. و عن الشهيدين و المحقق الثاني و غيرهم- بل عن روض الجنان نسبته إلى الأكثر- الاختصاص‌

494
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): تجب إزالة النجاسة عن المساجد ؛ ج‌1، ص : 493

و أما إدخال المتنجس فلا بأس به (1) ما لم يستلزم الهتك.

بالمتعدية للإجماع على جواز دخول الصبيان و الحائض مع عدم انفكاكهم عن النجاسة- غالباً و قد ذكر الأصحاب (قدهم) جواز دخول المسلوس و المستحاضة مع أمن التلويث، و جواز القصاص في المسجد للمصلحة مع فرش ما يمنع التلويث بل دخول الحائض و المستحاضة مورد النصوص «1»، بل السيرة على دخول المجروح و المقروح و نحوهما ممن تلوث بدنه أو لباسه بشي‌ء من عين النجاسة. لكن إن تمَّ دليل على ذلك أمكن الاقتصار عليه، و الرجوع في مورد الشك الى عموم الآية الشريفة المانع عن المتعدية و غيرها، لا تخصيص النجاسة بالمتعدية، لأنه من غير مخصص. و مجرد ثبوت الجواز في الموارد المذكورة و نحوهما مما كانت النجاسة من توابع الداخل، و كونها قليلة غير ملتفت إليها، لا يقتضي التخصيص المذكور و لا يقتضي حمل النهي في الآية على العرضي، لأجل ما يترتب على دخول المشرك من تلويث المسجد، فان ذلك خلاف الظاهر.

عند جماعة. لاختصاص الدليل بعين النجاسة، و الأصل في غيره الجواز. (فان قلت): مورد الآية الشريفة و ان كان المشرك، و هو نجس ذاتا لا متنجس لكن قوله تعالى (نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا) ظاهر في كون موضوع الحكم النجس، و هو أعم من النجس بالعرض و هو المتنجس.

(قلت): النجس لما كان مصدراً و حمله على العين لا يصح إلا على وجه المبالغة، فالموضوع للحكم هو النجس على نحو المبالغة، و صدقه على المتنجس غير واضح. بل لو أمكن الفرق بين النجاسات أشكل الاستدلال بالآية الشريفة على المنع من كل نجاسة. نعم ظاهر السرائر الإجماع على عموم الحكم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 15، 17 من أبواب الجنابة، و باب: 35 من أبواب الحيض و باب:

91 من أبواب الطواف.

495
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي ؛ ج‌1، ص : 496

[ (مسألة 3): وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي]

(مسألة 3): وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي (1). و لا اختصاص له بمن نجسها (2) أو صار سببا، فيجب على كل أحد.

[ (مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها]

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدما على الصلاة مع سعة وقتها، و مع الضيق قدمها. و لو ترك الإزالة مع السعة، و اشتغل بالصلاة، عصى لترك الإزالة. لكن في بطلان صلاته اشكال (3)، للمتنجس حيث قال (ره): «لا خلاف بين الأمة كافة في أن المساجد يجب أن تنزه و تجنب النجاسات العينية، و قد أجمعنا بلا خلاف في ذلك بيننا على أن من غسل ميتاً له أن يدخل المسجد و يجلس فيه، فضلا عن دخوله و مروره، فلو كان نجس العين لم يجز له ذلك» و كذلك ظاهر المعتبر فإنه- بعد ما حكى ذلك- أقره على الإجماع الأول و أنكر عليه الإجماع الثاني.

فقال: «فانا لا نوافقك على ذلك، بل نمنع الاستيطان، كما نمنع من على جسده نجاسة»، لكن العمل بمثل هذا الإجماع بعد ما تقدم عن روض الجنان من مخالفة الأكثر غير ظاهر. لكن بناء على الإشكال في دلالة الآية على عموم الحكم للمتنجس يشكل الأمر في دلالتها على حرمة تلويث المسجد بالمتنجس، فلا بد أن يكون الوجه فيه الإجماع. و أما الرواية فقد عرفت الإشكال في دلالتها.

فان ظاهر الآية الشريفة عموم الخطاب للجميع، و لما لم يمكن فيه التكرار تعين كونه كفائيا.

و عن الذكرى الاختصاص به. و هو غير ظاهر، و لا سيما مع عجزه عن الامتثال، فإنه يلزم سقوط الخطاب رأساً.

الكلام في هذه المسألة يقع في أمور: (الأول): وجوب المبادرة‌

496
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها ؛ ج‌1، ص : 496

.....

إلى الإزالة، على نحو لو تركها و اشتغل بالصلاة عصى في ترك المبادرة إلى الإزالة. (الثاني): أن الأمر بالإزالة فوراً هل يقتضي النهي عن الصلاة أو لا؟ (الثالث) أنه على تقدير اقتضائه النهي هل يقتضي مثل هذا النهي الفساد أو لا؟ (الرابع): أنه على تقدير عدم اقتضائه النهي فهل يمنع من الأمر بالصلاة على نحو الترتب أو لا؟ (الخامس): أنه على تقدير المنع من ذلك فهل تصح الصلاة بفعلها بداعي الملاك أم لا؟.

أما الكلام في الأول: فالظاهر أنه لا إشكال عندهم في حصول العصيان بترك الإزالة و لو مع الاشتغال بالصلاة، لأن ذلك مخالفة لدليل الفورية.

لكن يظهر من كلام المستند: العدم، حيث قال: «و لا يبطل واجب موسع أو مضيق لو فعله قبل الإزالة، و لو قلنا باقتضاء الأمر بالشي‌ء للنهي عن ضده. بل لم يثبت الإجماع على الوجوب الفوري حين دخول واجب موسع أو مستحب كذلك فلا يحكم ببطلانه إذا فعله على القول بالاقتضاء المذكور أيضاً. و لا يختص ذلك بما إذا كان دليل وجوب الإزالة الإجماع، بل و كذا لو كان دليله الآية و الاخبار لاستناد الفورية معهما إلى الإجماع، لعدم دلالة الأمر بنفسه على الفور. بل و كذا لو قلنا بدلالته على الفور أيضاً، لحصول التعارض بين دليل وجوب الإزالة المستلزم للنهي عن غيرها، و بين تلك العبادة بالعموم من وجه، و لو فقد المرجح يحكم بالتخيير المستلزم للصحة ..».

و فيه: أنك عرفت ظهور الإجماع في الوجوب الفوري، و أن دلالة الآية على الفورية من باب دلالة النهي على الفور التي لا خلاف فيها، لا من باب دلالة الأمر على الفور التي هي محل الخلاف. بل الأمر بالإزالة الذي هو مفاد النبوي المتقدم مما لا ريب في أن المراد به الفور- و ان قلنا بأن الأمر لا يدل على الفور لأن الدلالة في المقام بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع. و على تقدير الدلالة فالمقام من باب تزاحم الواجبين، لإحراز‌

497
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها ؛ ج‌1، ص : 496

.....

مناط الوجوب فيهما معاً، فلا بد من إعمال قواعد التزاحم، المقتضية لترجيح المقتضي التعييني على المقتضي التخييري، كما في جميع موارد تزاحم الواجبين إذا كان أحدهما مضيقاً و الآخر موسعاً. لا من باب التعارض الذي لا يحرز فيه المناط في الطرفين، كي يرجع الى المرجح أو التخيير مع عدمه.

مع أنه لو سلم ذلك فالظاهر تعين الجمع العرفي بينهما بتقديم دليل الفورية على دليل التوسعة، نظير موارد تعارض دليل الاقتضاء و اللااقتضاء فان العرف في مثل ذلك يقدم الأول على الثاني. مع أن المرجع في مورد المعارضة بين العامين من وجه الأصل، و هو يقتضي البطلان و عدم المشروعية مع أنه لو بني على الرجوع الى التخيير فالتخيير المذكور تخيير في المسألة الأصولية، فلا يحكم بصحة العبادة إلا إذا اختير دليل التوسعة، لا تخيير في المسألة الفرعية كي تصح العبادة مطلقاً.

و كيف كان فلا ينبغي التأمل في وجوب المبادرة إلى الإزالة في الفرض و في حصول العصيان بتركها، بناء على ما عرفت من كون المقام من باب التزاحم لأن مقتضي الإزالة في الزمان الأول تعييني، و مقتضي الصلاة في الزمان الأول تخييري و المقتضي التخييري لا يصلح لمعارضة المقتضي التعييني، لأنه لا اقتضاء له في التعيين، و ما لا اقتضاء له لا يصلح لمزاحمة ماله الاقتضاء.

و أما الكلام في الأمر الثاني: فهو أنه لا موجب لاقتضاء الأمر بالشي‌ء النهي عن ضده، إذ ليس فعل الضد مانعاً عن ضده، و لا عدمه شرطاً لضده لأن الضدين في رتبة واحدة، فيمتنع أن يكون كل منهما مانعاً عن الآخر، لأن المانع يكون في رتبة سابقة على الممنوع، لأنه نقيض عدمه، الذي هو شرط وجود الممنوع، المقدم رتبة على المشروط، و النقيضان في رتبة واحدة، فلو كان الضد مانعاً عن وجود الضد الآخر كان متقدما عليه رتبة و متأخراً عنه، و هو ممتنع.

498
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها ؛ ج‌1، ص : 496

.....

و أما الكلام في الأمر الثالث: فهو أنه لا فرق بين النهي النفسي و الغيري في كون مخالفته مبعدة عن المولى، فمن سل سيفه ليقتل مولاه كان سل سيفه بقصد قتل المولى مبعداً عنه، لأنه تمرد عليه، كما لا يخفى. و حينئذ يمتنع أن يكون عبادة، لأن العبادية متقومة بصلاحية الفعل للمقربية، و المبعد لا يصلح لذلك.

و أما الكلام في الأمر الرابع: فهو أن الأمر بالضدين إنما يمتنع إذا كان الأمر بأحدهما مدافعاً و مطارداً للأمر بالآخر، و ذلك يختص بما إذا كان الأمران في عرض واحد. لأنهما لما لم تسعهما قدرة المكلف و انما تسع واحداً منهما، فالأمر المتعلق بأحدهما يستوجب صرف قدرة المكلف الى متعلقه، و الأمر المتعلق بالآخر يستوجب صرف قدرته اليه، و المفروض أن القدرة لا تسعهما معاً، فيلزم محذور المدافعة بينهما. أما لو كانا على نحو الترتب: بأن كان الأمر بأحدهما مطلقاً و الآخر مشروطاً بعدم امتثال الأول فلا يلزم المحذور، لأن الثاني لا يستوجب صرف القدرة من متعلق الأول إلى متعلقه، لأن الأمر المشروط لا يقتضي حفظ شرطه، و انما يقتضي صرف القدرة إلى متعلقه على تقدير حصول شرطه، فلا يكون منافيا للأول كما أن الأول و إن كان يقتضي صرف القدرة من متعلق الثاني إلى متعلقه، لكن صرفها على النحو المذكور ليس إبطالا لمقتضي الثاني، بل هو رفع لشرط وجوده، و قد عرفت أنه لا يقتضي حفظ شرطه، فلا يكون أحد الأمرين منافياً لمقتضي الآخر و لا مدافعاً له.

و لأجل ذلك لا يبنى على سقوط الأمر بالمهم بالمرة إذا زاحمه الأمر بالأهم، لأن ذاته لا تزاحم ذلك الأمر، و انما المزاحم إطلاقه، فيسقط و تبقى ذات الأمر بالمهم مقيدة. و بذلك يجمع العقل بين الأمرين.

و مثله ما لو كان الضدان في مرتبة واحدة في الاهتمام، فان تزاحمهما‌

499
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا رأى نجاسة في المسجد و قد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها ؛ ج‌1، ص : 496

.....

لا يوجب سقوط أمريهما معاً، لعدم التدافع بين ذاتي الأمرين، و انما التدافع بين اطلاقيهما فيسقطان معا، و تبقى ذاتا الأمرين مقيدتين، فيجمع العقل بينهما بتقييد كل من الأمرين بعدم امتثال الآخر، و لازم ذلك سقوط الأمرين عند فعل أحد الضدين. أما سقوط أمر الضد المأتي به فبالامتثال و أما سقوط أمر الآخر فبانتفاء شرطه، و ثبوت الأمرين معا بترك الضدين معاً، لحصول شرط كل من الأمرين، و لازم ذلك استحقاق عقابين عليهما معاً.

و أما الكلام في الأمر الخامس: فهو أن الملاك (تارة): يراد به المصلحة الموجبة لترجح الوجود على العدم، أو المفسدة الموجبة لترجيح العدم على الوجود. (و أخرى): يراد به نفس الترجح النفساني الموجب للميل الى الوجود أو النفرة عنه، و ان لم يكن هناك ارادة و لا كراهة، إما لعدم الالتفات إلى الشي‌ء، أو لوجود المانع عن تعلقهما به. فان كان المراد به الأول فالظاهر أنه لا يوجب عبادية العبادة فلو جي‌ء بالعبادة لأجل المصلحة، لم تكن عبادة للمولى، و لا إطاعة له و لا منشأ لاستحقاق الثواب، كما سيجي‌ء- إن شاء اللّٰه تعالى- في مباحث نية الوضوء و ان كان المراد به الثاني، فالظاهر صحة العبادة لو كان هو الداعي إلى فعلها. بل الظاهر أن عبادية العبادات كلية إنما تكون لذلك، و قصد الأمر إنما يصحح العبادة بلحاظ طريقيته الى الملاك المذكور، لا من حيث هو هو. و لذا لو علم بخلو الأمر عن الملاك لم يكن أمرا حقيقياً، بل كان صورياً، و لم تجب موافقته. و لو علم بوجود الملاك بالمعنى المذكور وجب الفعل و ان علم بعدم الأمر لمانع منه. فلو علم العبد أن ولد المولى قد غرق وجب إنقاذه و ان لم يعلم المولى بذلك، أو علم و لم يأمره بإنقاذه لجهله بوجود من يقدر على إنقاذه. فهذا الدوران دليل على كون المعيار في صحة العبادات هو الملاك- بالمعنى المذكور- من دون دخل فيها للأمر. و تحقيق هذه المباحث موكول الى مبحث الضد. و قد‌

500
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا صلى ثم تبين له كون المسجد نجسا ؛ ج‌1، ص : 501

و الأقوى الصحة. هذا إذا أمكنه الإزالة و أما مع عدم قدرته مطلقاً أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته (1).

و لا فرق في الاشكال في الصورة الأولى بين أن يصلي في ذلك المسجد أو في مسجد آخر (2). و إذا اشتغل غيره بالإزالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقق الإزالة (3).

[ (مسألة 5): إذا صلى ثمَّ تبين له كون المسجد نجساً]

(مسألة 5): إذا صلى ثمَّ تبين له كون المسجد نجساً كانت صلاته صحيحة (4). و كذا إذا كان عالما بالنجاسة، ثمَّ غفل، و صلى. و أما إذا علمها أو التفت إليها في أثناء أوضحناها في تعليقتنا حقائق الأصول. فراجع.

لأن العجز مانع عن الأمر بالمبادرة إلى الإزالة، فلا مجال لتوهم المنع عن الصلاة.

لتحقق التضاد، الموجب لورود الاشكال السابق.

لتحقق امتثال الواجب الكفائي بفعل غيره فلا مزاحمة. نعم لو كان ترك المعاونة له مفوتاً للفورية العرفية جاء الاشكال السابق، لتحقق التزاحم حينئذ بين وجوب المعاونة و وجوب الصلاة.

لا اشكال فيه ظاهراً. إذ لا قصور في صلاته لتماميتها في نفسها و وقوعها على وجه العبادة. و مجرد وجود المفسدة فيها- بناء على كونها منهياً عنها- لا يمنع من صحة التعبد بها، و استحقاق الثواب على فعلها، بعد جهله بالنهي المانع من حصول البعد بمخالفته (و بالجملة): بعد ما كانت الصلاة تامة الاجزاء و الشرائط و مأتيا بها على وجه العبادة، و صلاحية الفعل للمقربية، و صلاحية الفاعل للتقرب، لا موجب للبطلان.

فان قلت: إذا كان مبنى القول بالبطلان على تقدير الالتفات‌

501
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا صلى ثم تبين له كون المسجد نجسا ؛ ج‌1، ص : 501

الصلاة، فهل يجب إتمامها ثمَّ الإزالة، أو إبطالها و المبادرة إلى الإزالة؟! وجهان، أو وجوه، و الأقوى وجوب الإتمام (1).

هو تقديم جانب النهي، فلازم ذلك كون ترك الصلاة أرجح من فعلها، و عدمها أولى من وجودها، فكيف يمكن التقرب بفعلها؟ و هل يمكن التقرب بالمرجوح؟ (قلت): لا ريب في بناء العقلاء على استحقاق الثواب بمجرد الانقياد الى المولى بفعل ما يعتقد محبوبيته، و ان كان مبغوضاً، فالبغض الواقعي لا يكون مانعاً من الانقياد، الذي هو سبب القرب إلى المولى، و استحقاق ثوابه. و إنما يكون مانعاً إذا كان معلوما للعبد، على نحو يكون الفعل مبعداً عن المولى، لكونه تمردا عليه. و لذا أفتوا بصحة الصلاة مع الجهل بالغصب، حتى بناء على القول بالامتناع و تقديم جانب النهي. و كذا مع النسيان و سائر الأعذار المانعة من صحة العقاب على الفعل المبغوض.

و تحقيق ذلك في مبحث جواز اجتماع الأمر و النهي و امتناعه. فراجع.

علله المصنف (ره) في مبحث عدم جواز قطع الفريضة: بأن دليل الفورية قاصر الشمول عن مثل المقام، فدليل حرمة القطع بلا مزاحم و يشكل: بأن دليل الفورية عين دليل وجوب الإزالة، لأن دليل وجوب الإزالة مرجعه إلى النهي عن وجود النجاسة في المسجد بنحو الطبيعة السارية التي لا فرق فيها بين زمان و آخر. نظير ما دل على وجوب الاجتناب عن النجس و غيره من المحرمات فاذا كان دليل الإزالة شاملا للمقام، كان دليلا على الفورية أيضاً.

و قد يعلل ما في المتن: بأنه مقتضى استصحاب وجوب الإتمام و حرمة القطع. و فيه: أن الشك في المقام ليس في وجوب الإتمام، للعلم بتحقق مناطه، و انما الشك في تقديمه في نظر العقل على وجوب الإزالة لأهمية ملاكه أو تأخيره عنه لضعف ملاكه، أو التخيير بينهما لتساويهما في الملاك، فالشك‌

502
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا كان موضع من المسجد نجسا، لا يجوز تنجيسه ثانيا بما يوجب تلويثه ؛ ج‌1، ص : 503

[ (مسألة 6): إذا كان موضع من المسجد نجساً، لا يجوز تنجيسه ثانياً بما يوجب تلويثه]

(مسألة 6): إذا كان موضع من المسجد نجساً، لا يجوز تنجيسه ثانياً بما يوجب تلويثه (1). بل و كذا مع في الحكم العقلي للشك في مناطه. نعم كان الإتمام واجباً تعيينياً في نظر العقل قبل الالتفات إلى النجاسة. لكن مثل هذا الحكم العقلي ليس مجرى للاستصحاب.

و لا فرق في ذلك بين صورة وقوعها في الأثناء و الالتفات إليها، و صورة وقوعها قبل الصلاة و الالتفات إليها قبل الصلاة ثمَّ الغفلة و الشروع في الصلاة ثمَّ الالتفات إليها في الأثناء، و صورة وقوعها قبل الصلاة و عدم الالتفات إليها إلا في الأثناء، فإن الجميع مشتركة في توقف العقل عن الحكم بوجوب القطع و الإزالة أو وجوب الإتمام، أو التخيير بينهما حين الالتفات إليها في الأثناء و الابتلاء بالمزاحم. و مثلها صورة الالتفات إليها قبل الصلاة و الشروع فيها عمدا، فإنه بعد البناء على صحة الصلاة يقع الإشكال في وظيفة المكلف أيضاً عقلا من حيث وجوب الإتمام و ترك الإزالة، أو القطع و الإزالة، أو التخيير بينهما لعدم علمه بالمناط.

و قد يعلل أيضاً: بأن مناط حرمة القطع أقوى من مناط وجوب الفورية في الإزالة. و فيه: أنه غير ظاهر.

هذا و المتعين وجوب الإزالة و ترك الإتمام، لأن العمدة في الدليل على حرمة قطع الفريضة هو الإجماع، و القدر المتيقن منه غير مثل المقام، مما كان القطع فيه بداعي فعل واجب.

قد تقدم- في مسألة أن المتنجس لا يتنجس ثانيا- احتمال كون المتنجس يتنجس ثانياً، و أن التداخل في المزيل لا في المزال. و عليه فحرمت التلويث في محلها. أما بناء على ما هو ظاهرهم من كون التداخل في المزال، فلا يظهر وجه لحرمة التلويث، إلا بناء على حرمة إدخال النجاسة‌

503
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز، بل وجب ؛ ج‌1، ص : 504

عدم التلويث إذا كانت الثانية أشد و أغلظ من الأولى (1).

و إلا ففي تحريمه تأمل، بل منع (2)، إذا لم يستلزم تنجيسه ما يجاوره من الموضع الطاهر. لكنه أحوط.

[ (مسألة 7): لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز، بل وجب]

(مسألة 7): لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز، بل وجب (3). و كذا لو توقف على تخريب شي‌ء غير المتعدية إلى المسجد إذا كانت ملوثة، كما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة مع عدم مخرج عنها من سيرة أو نحوها، و ان لم يحصل الهتك من مجرد التلويث. لكنه على إطلاقه ممنوع.

لأن التنجيس المحرم ملحوظ بنحو الطبيعة السارية في الافراد و المراتب بقرينة الارتكاز العرفي.

هذا إذا بنينا على ما هو ظاهرهم من كون التداخل في الأثر لا في المزيل، و إلا- كما تقدم احتماله- فالبناء على التحريم في الفرض في محله.

كأنه لإطلاق دليل وجوب إزالة النجاسة عن المسجد. لكن يزاحمه ما دل على حرمة تخريب المسجد. اللهم إلا أن يقال: حرمة تخريب المسجد تختص بما إذا لم يكن لمصلحة المسجد، كالتوسعة، و احداث باب و نحوهما مما يترتب عليه مصلحة عامة، و في الجواهر: أنه لا ريب في جواز ذلك. و تطهير المسجد من هذا القبيل، فلا مزاحم لما دل على وجوب إزالة النجاسة عنه. (و فيه): أن المراد بالمصلحة المسوغة للتخريب الفائدة العائدة إلى المترددين، و الطهارة ليست منها، و مجرد الوجوب لا يقتضي ذلك فالتزاحم بحاله. و حينئذ فالبناء على وجوب التخريب- بحفر الأرض، و هدم العمارة، و نحوهما- يتوقف على إحراز أهمية الإزالة بالنسبة اليه، أو احتمال أهميتها من دون احتمال أهمية مفسدة التخريب، و هو غير ظاهر كلية، و مقتضى ذلك جواز كل من الأمرين. نعم تمكن دعوى أهمية الإزالة‌

504
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 7): لو توقف تطهير المسجد على حفر أرضه جاز، بل وجب ؛ ج‌1، ص : 504

منه. و لا يجب طم الحفر و تعمير الخراب (1). نعم لو كان مثل الآجر مما يمكن رده (2) بعد التطهير وجب (3).

في الحفر و الهدم إذا كانا يسيرين.

هذا مع الغض عن المناقشة في إطلاق دليل وجوب الإزالة الشامل للنجس و المتنجس، و إلا فقد عرفت المناقشة في ذلك، و أن العمدة الإجماع و عليه إذا شك يرجع إلى أصالة البراءة، و يكون دليل حرمة التخريب بلا مزاحم و لا معارض.

هذا كله إذا لم يوجد باذل لتعميره. و أما لو وجد الباذل فلا ينبغي التأمل في وجوب الإزالة و التخريب، لأهمية وجوب الإزالة. و احتمال عدم وجوب الإزالة في الفرض، و انتفاء ملاكه، بعيد جدا، لا يعتد به في قبال إطلاق معاقد الإجماع.

لأصالة البراءة. و قاعدة الضمان بالإتلاف غير جارية في المقام، لا من جهة أن الوجوب ينافي الضمان، لمنع ذلك، و لذا يجب أكل طعام غيره عند المخمصة مع الضمان، بل لاختصاص الضمان بصورة الإتلاف لا لمصلحة ذي المال، و في المقام إنما يكون الإتلاف لمصلحة المسجد.

يعني: الى المسجد.

كأنه لما ورد في وجوب رد ما أخذ من الحصى و التراب من البيت.

ففي رواية معاوية: «أخذت سكا من سكاك المقام، و ترابا من تراب البيت و سبع حصيات. فقال (ع): بئس ما صنعت أما التراب و الحصى فرده» «1»

و قريب منها غيرها. لكن استفادة المقام منها غير ظاهرة، فان موردها الأخذ المحرم، بخلاف المقام، فاحتمال عدم وجوب رده إذا لم يستلزم تضييعاً للوقف أنسب بالقواعد. إلا أن يكون إجماع.

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب أحكام المساجد حديث: 2.

505
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره ؛ ج‌1، ص : 506

[ (مسألة 8): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره]

(مسألة 8): إذا تنجس حصير المسجد وجب تطهيره (1)، أو قطع موضع النجس منه، إذا كان ذلك أصلح من إخراجه و تطهيره (2)، كما هو الغالب.

[ (مسألة 9): إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع]

(مسألة 9): إذا توقف تطهير المسجد على تخريبه أجمع كما إذا كان الجص الذي عمر به نجساً، أو كان المباشر للبناء كافرا- فان وجد متبرع بالتعمير بعد الخراب جاز، و إلا فمشكل (3).

[ (مسألة 10): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و ان لم يصل فيه أحد]

(مسألة 10): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا (4) و ان لم يصل فيه أحد، و يجب تطهيره إذا تنجس.

و كذا آلاته. ذكره كثير، و لم ينقل فيه خلاف، بل عن مجمع البرهان و المدارك ما يشعر بالاتفاق عليه. و كأنه للبناء على المنع من إدخال النجاسة غير المتعدية إذا كانت من هذا القبيل، كما يقتضيه إطلاق الآية الشريفة من دون مخرج عنه، من سيرة أو غيرها، لاختصاصهما- على تقدير ثبوتهما- بغير ذلك. لكن يشكل ذلك هنا بما عرفت من اختصاص الآية بالنجاسة العينية فلا تشمل المتنجس. مضافا الى أن غاية ما تقتضيه الآية حرمة التنجيس ما دام في المسجد فإذا أخرج من المسجد لا يجب تطهيره. نعم لو ثبت وجوب رده وجب تطهيره حينئذ، فرارا من لزوم إدخال النجاسة الى المسجد.

و حينئذ يتعين.

قد عرفت أن المنع أظهر.

فإن المعروف عدم بطلان مسجديته بالخراب. بل الظاهر أنه لا خلاف فيه بيننا. نعم عن بعض العامة: أنه يرجع ملكا للواقف، قياساً‌

506
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): لا يجوز تنجيس المسجد الذي صار خرابا و ان لم يصل فيه أحد ؛ ج‌1، ص : 506

.....

على ما لو أخذ السيل ميتا. فإنه يرجع كفنه الى ملك الوارث. لكنه قياس مع الفارق، فإن الثاني تكليف يسقط بذهاب موضوعه، و الثاني وضع باق ببقاء موضوعه، و هو الأرض و ان خربت. و قد ذكرنا في كتابنا نهج الفقاهة أقسام الوقف، و اختلاف أحكامها، و أن وقف المساجد قسم برأسه ليس الوقف فيه على غاية معينة من صلاة أو عبادة، حتى يبطل بالخراب، لفوات الجهة المقصودة، و انما الوقف فيه لحفظ عنوان خاص، و هو عنوان المسجدية، و الخراب لا يستوجب فواته، لعدم الدليل عليه، و الأصل يقتضي بقاءه.

لكن في المسالك: «هذا في غير المبنى في الأرض المفتوحة عنوة، حيث يجوز وقفها تبعاً لآثار التصرف، فإنه ينبغي حينئذ بطلان الوقف بزوال الآثار، لزوال المقتضي للاختصاص، و خروجه عن حكم الأصل ..»‌

و فيه: أن الملك آناً ما- و لو تبعاً للآثار- يكفي في صحة الوقف، و إذا صح كان مؤبدا و لو للاستصحاب. نعم يقع الإشكال في ثبوت الملكية.

و لو تبعا للآثار، فإنه لا دليل عليه، كما أشرنا الى ذلك في نهج الفقاهة.

و حينئذ يشكل أصل وقفها مسجدا، لعدم الدليل على صحة التصرف فيها بذلك، و ان ادعى شيخنا في الجواهر في كتاب الوقف السيرة القطعية على اتخاذ المساجد فيها. بل المعلوم من الشرع جريان أحكام المساجد على مساجد العراق و نحوه من البلاد المفتوحة عنوة، و ان كان (قده) في كتاب البيع حكى عن المبسوط و غيره المنع من التصرف فيها، حتى ببنائها مساجد و سقايات، و أنه لو تصرف بذلك أو غيره كان باطلا، و هو الذي تقتضيه القواعد الأولية. و السيرة لم تثبت في مورد علم بأن أرض المسجد مما كان عامرا حين الفتح، و أنه لم يخرج عن ملك المسلمين و لو ببيع السلطان، و أنه لم يكن ذلك التصرف بإذنه. و ليس التصرف فيها بجعلها مسجداً إلا‌

507
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 11): إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك ؛ ج‌1، ص : 508

[ (مسألة 11): إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك]

(مسألة 11): إذا توقف تطهيره على تنجيس بعض المواضع الطاهرة لا مانع منه إن أمكن إزالته بعد ذلك (1)، كما إذا أراد تطهيره بصب الماء و استلزم ما ذكر.

[ (مسألة 12): إذا توقف التطهير على بذل مال وجب]

(مسألة 12): إذا توقف التطهير على بذل مال وجب (2). و هل يضمن من صار سبباً للتنجس؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوة (3).

كسائر التصرفات التي ذكروا أنها لا تجوز في أرض المسلمين إلا بالاذن من وليهم، كبنائها دورا و منازل و سقايات و نحو ذلك، و السيرة في جميع ذلك لم تثبت بنحو يخرج بها عن القواعد.

لوجوب ارتكاب أقل المحذورين عند التزاحم.

لإطلاق الدليل. إلا أن يكون ضرراً أو حرجا، فيرتفع بما دل على نفي الضرر، أو الحرج [1].

لأن التسبيب الموجب للضمان يختص بما يكون الإتلاف فيه مستنداً- عرفا- الى السبب، لا الى المباشر، بأن كان المباشر غير مختار في الإتلاف. كما لو وضع كأس غيره الى جنب نائم فانقلب عليه فكسره، فان الضمان على واضع الكأس لا على النائم المباشر، و ليس المقام من هذا القبيل، بل من باب إحداث الداعي إلى بذل المال بإزاء عمل مقصود، و ان كان قصده بتوسط السبب، و في مثله لا مجال للضمان، كما يظهر من ملاحظة النظائر. فإذا وجد الشخص الزاد و الراحلة و كان مديوناً بدين مانع من الاستطاعة، فإذا أبرأه الدائن من الدين لا يكون ضامناً لما يصرفه في طريق الحج.

______________________________
[1] تقدمت الإشارة إليه في تعاليق مسألة: 43 من مباحث الاجتهاد و التقليد، و مسألة:

10 من الفصل المتعرض فيه لأحكام ماء البئر.

508
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 13): إذا تغير عنوان المسجد، بأن غصب و جعل دارا أو صار خرابا، بحيث لا يمكن تعميره ؛ ج‌1، ص : 509

[ (مسألة 13): إذا تغير عنوان المسجد، بأن غصب و جعل داراً أو صار خراباً، بحيث لا يمكن تعميره]

(مسألة 13): إذا تغير عنوان المسجد، بأن غصب و جعل داراً أو صار خراباً، بحيث لا يمكن تعميره و لا الصلاة فيه، و قلنا بجواز جعله مكاناً للزرع (1)، ففي جواز حكى شيخنا الأعظم (ره) في مكاسبه عن بعض الأساطين «1»:

أنه مع اليأس من الانتفاع به يؤجره الحاكم، و يصرف منفعته فيما يماثله من الأوقاف، مقدما للأقرب و الأحوج و الأفضل احتياطا .. إلخ، و ذكر (ره) في كشف الغطاء: «أن جميع الأوقاف العامة- من مساجد و مدارس و مقابر و ربط- إذا خربت و تعطلت جاز للحاكم إيجارها لوضع آخر».

و فيه: أنه يتم في مثل المدارس و نحوها مما يكون الخراب فيه موجباً لبطلان الوقف، فإنه إذا بطل بقي أصل التصدق بها على حاله، فتكون تحت ولاية الولي العام ذاتاً و منفعة، و تكون منفعتها معنونة بعنوان الصدقة تبعاً لها، فيصح للحاكم الشرعي إيجارها كما يصح له بيعها. أما مثل المساجد مما لا يكون الخراب موجباً لبطلان وقفها فيشكل: بأن منافعها قد أهملها الواقف، و لم يجعلها معنونة بعنوان الصدقة تبعاً لها كي تكون تحت ولاية الحاكم. و لذا لا يصح له إجارتها في حال عمرانها، إذا لم تكن الإجارة مزاحمة للوقف، كأن يؤجرها في الليل أو في غيره من الأوقات التي لا ينتفع بها في الجهة المقصودة، إذ لو كانت المنفعة مقصودة للواقف وجب على الحاكم الشرعي استيفاؤها، و الاحتفاظ بها، كغيرها مما يكون تحت ولايته.

و من ذلك يظهر أنه لا تجوز إجارة مثل المدارس العامرة المشغولة بأهل العلم في الأوقات التي لا ينتفع بها، مثل أيام التعطيل أو في أيام الاشتغال بنحو لا يزاحم الطلبة.

كما أن من ذلك يظهر أنه لو غصب المسجد أو بعض المدارس العامرة‌

______________________________
(1) كاشف الغطاء (قدس سره).

509
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 13): إذا تغير عنوان المسجد، بأن غصب و جعل دارا أو صار خرابا، بحيث لا يمكن تعميره ؛ ج‌1، ص : 509

تنجيسه و عدم وجوب تطهيره- كما قيل- إشكال (1)، و الأظهر عدم جواز الأول (2)، بل وجوب الثاني أيضاً (3).

أو خانات الزوار غاصب لا يكون ضامناً، لأن الضمان يتوقف على اعتبار مضمون له، و المنافع المستوفاة للغاصب لم تكن ذات عنوان، مثل كونها ملكا لمالك، أو صدقة، أو نحو ذلك، كي يقوم البدل مقامها في ذلك، و يصح اعتبار الضمان لها. و قد أشرنا في نهج الفقاهة إلى أقسام الوقف، و اختلافها في الاحكام من حيث إرث الوارث، و جواز المعاوضة عليها، و ثبوت الضمان باستيفائها على غير وجهها و غير ذلك. فراجع.

هذا كله في إجارة الحاكم الشرعي. و أما جواز نفس التصرف فيه يجعله مزرعة أو نحو ذلك مما لا يعلم منافاته للمسجدية فالظاهر أنه لا بأس به لأصالة البراءة. اللهم إلا أن يبني على أصالة حرمة التصرف في الأموال إلا أن تعلم الاذن فيه، كما تدل عليه بعض الروايات «1» الضعيفة السند غير المجبورة بعمل. بل لو لا ذلك لم يبعد القول بذلك في المساجد العامرة مع عدم المزاحمة للمترددين. فلاحظ.

كأنه ينشأ من أن تعذر الصلاة فيه مانع من صدق المسجدية، فإن المسجدية و إن كانت من الملكات، إلا أن صدقها يتوقف على الاعداد و هو لا يكون مع تعذر الفعلية.

لما عرفت من أن المسجدية من الاعتبارات القائمة بالمكان، التي يكفي فيها مجرد الصلاحية، و لا تتوقف على الاعداد بوجه. فهي كالزوجية التي لا يتوقف اعتبارها على اعداد الاستمتاع.

لما عرفت من اتحاد الدليل على الحكمين، فإطلاقه يقتضي ثبوتهما معاً. اللهم إلا أن يدعى الانصراف عن مثل المقام، فيتعين الرجوع الى‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الأنفال حديث: 2.

510
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 14): إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد ؛ ج‌1، ص : 511

[ (مسألة 14): إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد]

(مسألة 14): إذا رأى الجنب نجاسة في المسجد، فإن أمكنه إزالتها بدون المكث في حال المرور وجب المبادرة إليها (1)، و إلا فالظاهر وجوب التأخير إلى ما بعد الغسل (2).

الأصول، و مقتضى الاستصحاب حرمة التنجيس. و أما وجوب التطهير فلما كان استصحابه من الاستصحاب التعليقي، و حجيته محل إشكال- كما عرفت في مبحث حرمة العصير الزبيبي- فالمرجع فيه أصالة البراءة. لكنه لا يتم فيما لو كانت النجاسة موجودة فيه قبل طروء الخراب، فان استصحاب وجوب التطهير منها تنجيزي. و لا فيما لو كان الخراب قبل البلوغ، فان استصحاب عدم حرمة التنجيس فيه محكم، و الانصاف يقتضي تعين الرجوع الى الأصول، إذ لا إطلاق واضح الشمول للمورد، لاختصاص الآية الشريفة بالمسجد الحرام، و العموم لغيره كان بالإجماع و المتيقن من معقده غير المقام.

بلا إشكال فيه في غير المسجدين. أما فيهما فالحكم كما لو توقف التطهير على المكث في غيرهما.

فان المقام من باب تزاحم حرمة المكث و وجوب الإزالة، و الحكم في باب التزاحم لزوم العمل على الأهم لو كان، و التخيير مع التساوي.

و الظاهر أهمية حرمة المكث بملاحظة أدلة حرمته، لا أقل من احتمال الأهمية الذي هو كالعلم بالأهمية في لزوم الترجيح عقلا، للدوران بين التعيين و التخيير الموجب للاحتياط عقلا، فلا يجوز التطهير و هو جنب. بل تجب عقلا المبادرة إلى الغسل لغاية من غاياته. ثمَّ التطهير. و لا يجب شرعا، لأن التطهير لا يتوقف على الغسل، لإمكان تحقق التطهير من الجنب، و إنما يجب الغسل عقلا من باب لزوم الجمع بين الغرضين. و نظيره وجوب استيجار الراحلة للمستطيع، فان وجوبه ليس غيرياً، لعدم كونه مقدمة للحج، فان‌

511
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 15): في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى اشكال ؛ ج‌1، ص : 512

لكن يجب المبادرة إليه حفظا للفورية بقدر الإمكان. و ان لم يمكن التطهير إلا بالمكث جنباً فلا يبعد جوازه، بل وجوبه (1).

و كذا إذا استلزم التأخير الى أن يغتسل هتك حرمته.

[ (مسألة 15): في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى اشكال]

(مسألة 15): في جواز تنجيس مساجد اليهود و النصارى اشكال (2) الحج يصح من قاطع المسافة و لو بنحو الغصب، و انما يجب عقلا من باب لزوم الجمع بين غرضي الشارع الأقدس في تحريم الغصب و وجوب الحج.

و لو فقد الماء وجبت المبادرة إلى التيمم لغاية يشرع لها، ثمَّ التطهير.

هذا و ربما يقال: إن الكون في المسجد لما كان مستحبا في كل آن فاذا لم يمكن الغسل في الآن الأول، لاحتياج إيقاعه إلى زمان أكثر من زمان التيمم، يشرع التيمم لغاية الكون في الآن الأول، و إن كان واجدا للماء، فاذا تيمم وجب عليه الدخول في المسجد و تطهيره، فلا يتوقف جواز التطهير على الغسل بل يجب فيه التيمم إذا كان زمانه أقصر (و فيه): أن مشروعية التيمم في مثل ذلك غير ثابتة، بل معلومة الانتفاء، و إلا لجاز التيمم للجنب، و دخول المساجد مع وجود الماء في خارج المساجد و التمكن من استعماله.

كأنه لأهمية إزالة النجاسة الباقية لو لم تزل بالنسبة إلى المكث.

و مثله ما بعده.

ينشأ من كونها مساجد حقيقية و ان سميت عندهم باسم آخر.

و من عدم إطلاق لدليل الحكم، كي يتمسك به لتعميم الحكم لها، لاختصاص الآية الشريفة بالمسجد الحرام، و الإجماع على التعدي منه غير ثابت فيما نحن فيه. اللهم إلا أن يقال: إن المسجد الحرام، و المسجد الأقصى، و مسجد الكوفة، ليست من المساجد الحادثة في زمان شريعتنا المقدسة، بل هي قديمة، و لا مجال للتفكيك بينها و بين غيرها من المساجد القديمة المستحدثة‌

512
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 16): إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءا من المسجد لا يلحقه الحكم ؛ ج‌1، ص : 513

و أما مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فرقهم (1).

[ (مسألة 16): إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءاً من المسجد لا يلحقه الحكم]

(مسألة 16): إذا علم عدم جعل الواقف صحن المسجد أو سقفه أو جدرانه جزءاً من المسجد لا يلحقه الحكم، من وجوب التطهير، و حرمة التنجيس (2). بل و كذا لو شك في شريعة موسى و عيسى عليهما السلام فيلزم تعميم الحكم للجميع (و فيه):

أنه لا يراد التفكيك بين الافراد، و انما يراد التفكيك بين الأحوال، يعني حال كونها مساجد و كونها بيعاً أو كنائس أو نحو ذلك، فإنه لا إطلاق في الدليل يشمل الحالين، فالرجوع في الثانية إلى الأصل النافي متعين و أوضح في ذلك المساجد المستحدثة لليهود في زمان شريعة عيسى عليه السلام و للنصارى في أيام شريعتنا، لإمكان كون وقفها باطلا، لأنها موقوفة على العبادة الباطلة. لكن عرفت أن وقف مثل ذلك ليس على العبادة بل لمجرد حفظ عنوان خاص، و ملاحظة العبادة- صحيحة كانت أو باطلة- أمر خارج عنه.

اللهم إلا أن يقال إثبات هذا المعنى في وقف البيع و الكنائس كلية غير واضح، لإمكان كونها من قبيل وقف الحسينيات في هذا العصر، أو وقف المصلى. و لو كانت موقوفة بقصد المسجدية لكان اللازم على المسلمين ترتيب أحكام المساجد عليها في جميع البلاد المفتوحة. و الظاهر خلاف ذلك إلا في موارد خاصة معدودة لا غيرها.

بلا إشكال.

لعدم المقتضي، و عدم الدليل، بل الظاهر أنه إجماع. و الفرق بين المقام و فراش المسجد: أن تنجيس الفراش إدخال للنجاسة الى المسجد لأن الفضاء الذي يشغله الفراش جزء من المسجد، و ليس كذلك المقام، لأن خرجها عن المسجدية بمعنى خروج الفضاء الذي تشغله عن المسجدية.

513
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 17): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين ؛ ج‌1، ص : 514

في ذلك (1)، و ان كان الأحوط اللحوق.

[ (مسألة 17): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين]

(مسألة 17): إذا علم إجمالا بنجاسة أحد المسجدين، أو أحد المكانين من مسجد، وجب تطهيرهما (2).

[ (مسألة 18): لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصاً]

(مسألة 18): لا فرق بين كون المسجد عاما أو خاصاً.

و أما المكان الذي أعده للصلاة في داره فلا يلحقه الحكم (3).

[ (مسألة 19): هل يجب اعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟]

(مسألة 19): هل يجب اعلام الغير إذا لم يتمكن من الإزالة؟ الظاهر العدم (4) إذا كان مما لا يوجب الهتك، و إلا فهو الأحوط.

للأصل. إلا إذا علم أو احتمل منع المالك عن التنجيس على تقدير كونه ملكا. لكن يبقى وجوب التطهير بلا مقتض، إذ الأصل البراءة. هذا إذا لم تكن أمارة على المسجدية، و إلا تعين العمل عليها.

لقاعدة الاحتياط اللازم، من جهة العلم الإجمالي بالتكليف.

لعدم كونه مسجداً، و لا خارجاً عن الملكية. و‌

في خبر علي ابن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح له أن يجعله كنيفاً؟ قال (ع): لا بأس» «1»

، و نحوه صحيح البزنطي «2» المروي في مستطرفات السرائر.

كأنه للأصل. لكن مقتضى إطلاق النهي في الآية الشريفة وجوب الإزالة و لو بنحو التسبيب، فاذا علم بترتب الإزالة على الاعلام وجب مقدمة لها، و قد سبق منه (قده) وجوب بذل المال إذا توقف عليه تطهير المسجد، و لو كان من قبيل الأجرة على التطهير، فكيف لا يجب الاعلام إذا علم بالإزالة على تقدير الاعلام؟ (و بالجملة): بعد ما كان تطهير‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام المساجد حديث: 6.

(2) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام المساجد حديث: 4.

514
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 20): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس ؛ ج‌1، ص : 515

[ (مسألة 20): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس]

(مسألة 20): المشاهد المشرفة كالمساجد في حرمة التنجيس (1)، بل وجوب الإزالة إذا كان تركها هتكا، بل مطلقاً على الأحوط. لكن الأقوى عدم وجوبها مع عدمه (2).

المسجد لا تجب فيه المباشرة، و أنه يجب فيه الاستنابة، لا مجال للتشكيك في وجوب الاعلام إذا علم بترتب الإزالة عليه. و كذا الحكم لو احتمل ذلك لأن الشك في القدرة على الامتثال موجب للاحتياط عقلا. نعم لو علم بعدم ازالة غيره للنجاسة على تقدير اعلامه، فلا موجب للاعلام، للأصل. و كذا الحكم فيما يوجب الهتك.

كذا ذكر جماعة، بل لعله لا خلاف فيه ظاهراً، لوجوب تعظيمها و عدم وجوب جمع افراد التعظيم لا ينافي ذلك، إذ التنجيس مناف للتعظيم بجميع أفراده. إلا أن يمنع وجوب التعظيم- و لو في الجملة- لعدم وضوح دليل عليه. بل السيرة القطعية على خلافه في الجملة فالعمدة إذاً ما دل على حرمة المهانة لها، كما تقتضيه مرتكزات المتشرعة التي هي نظير السيرة العملية لهم، يصح الاعتماد عليها في إثبات الحكم الشرعي. لكن عليه يدور الحكم في حرمة التنجيس، و وجوب التطهير مدار صدق المهانة و عدمها، و من ذلك يشكل الفرق بين حرمة التنجيس و وجوب التطهير، لأن ما يكون إحداثه مهانة يكون بقاؤه كذلك، لعدم الفارق بين الحدوث و البقاء. إلا أن يكون التشكيك في حرمة مهانتها و مبغوضيتها مطلقاً، و المتيقن خصوص الاحداث دون البقاء، فإنه الذي يساعده مرتكزات المتشرعة، و هذا هو الأقرب. ثمَّ إن حصول المهانة في النجاسة اليسيرة لا يخلو من اشكال، فعموم الحكم حينئذ مشكل.

أما معه فلا اشكال، للعلم بمبغوضيته، و لزوم صيانتها عنه، من غير فرق بين الحدوث و البقاء.

515
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 21): تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف ؛ ج‌1، ص : 516

و لا فرق فيها بين الضرائح و ما عليها من الثياب، و سائر مواضعها (1)، إلا في التأكد و عدمه (2).

[ (مسألة 21): تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف]

(مسألة 21): تجب الإزالة عن ورق المصحف الشريف، و خطه بل عن جلده و غلافه، مع الهتك (3). كما أنه معه يحرم مس خطه أو ورقه بالعضو المتنجس، و ان كان لاطراد الدليل في الجميع على نهج واحد.

فان الحكم فيما هو أقرب آكد منه في الأبعد.

بلا إشكال، إذ من المعلوم ضرورة لدى المتشرعة وجوب صيانته عن ذلك، و‌

في خبر إسحاق بن غالب في القرآن «فيقول الجبار عز و جل: و عزتي و جلالي و ارتفاع مكاني، لأكرمن اليوم من أكرمك، و لأهينن من أهانك» «1»

و‌

في رواية أبي الجارود: «قال رسول اللّٰه (ص): أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة، و كتابه، و أهل بيتي ثمَّ أمتي ثمَّ أسألهم ما فعلتم بكتاب اللّٰه تعالى و أهل بيتي» «2».

فتأمل.

و أما إذا لم يحصل الهتك ففي وجوب ذلك إشكال. إلا أن يستفاد من قوله تعالى (لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) «3» فإنه و ان كان مورده الطهارة من الحدث- بقرينة نسبتها الى الماس، لا العضو الممسوس به- إلا أنه يمكن استفادة المقام بالأولوية (و توهم): اختصاص الآية بفعل الإنسان نفسه، و لا تقتضي المنع من تحقق المس من غيره، فلا تدل على وجوب الإزالة لو تحققت النجاسة (مندفع): بأن الظاهر من إطلاق الآية عموم المنع، لعدم تقييد موضوع الخطاب بفعل المخاطب نفسه. لكن ذلك‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب قراءة القرآن حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 2 من أبواب قراءة القرآن حديث: 2.

(3) الواقعة: 79.

516
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 22): يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس ؛ ج‌1، ص : 517

متطهراً من الحدث. و أما إذا كان أحد هذه بقصد الإهانة فلا إشكال في حرمته (1).

[ (مسألة 22): يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس]

(مسألة 22): يحرم كتابة القرآن بالمركب النجس (2)، و لو كتب جهلا أو عمداً وجب محوه. كما أنه إذا تنجس خطه، و لم يمكن تطهيره، يجب محوه.

[ (مسألة 23): لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر]

(مسألة 23): لا يجوز إعطاؤه بيد الكافر (3)، و إن كان في يده يجب أخذه منه.

[ (مسألة 24): يحرم وضع القرآن على العين النجسة]

(مسألة 24): يحرم وضع القرآن على العين النجسة (4)، يجري بالنسبة إلى خطه. و منه يظهر الوجه في حرمة مس خطه بالعضو المتنجس. و أما مس ورقه فغير ظاهر، إذ لا يستفاد من الآية، و لا فيه هتك و لا فيه مهانة.

هذا و لكن في ثبوت الأولوية بالنسبة إلى الخبث إشكال، و مقتضى الأصل العدم. و الحال في الورق أوضح.

بل قد يؤدي الى الارتداد إذا كان عن استهانة بالدين. أما إذا كان بقصد الإهانة لخصوص الشخص المعين من القرآن لا غير، فليس إلا الحرمة.

لما تقدم من إمكان استفادته من الآية الشريفة، فإنه و ان لم يكن فيه ماس و ممسوس، لكن المناط موجود فيه بنحو آكد، و ان كان لا يخلو من إشكال، كما عرفت. و كذا الحكم في الفرع الآتي.

لا يخلو من اشكال إذا لم يستلزم هتكا، و لا مهانة. و كذا وجوب أخذه منه. نعم إذا كان وضع يده عليه يقتضي مس خطه بعضو منه، كان تحريم إعطائه و وجوب أخذه مبنيا على ما عرفت من حرمة مماسة النجس له.

الكلام فيه هو الكلام في المسألة السابقة.

517
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 25): يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية ؛ ج‌1، ص : 518

كما أنه يجب رفعها عنه إذا وضعت عليه و إن كانت يابسة.

[ (مسألة 25): يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية]

(مسألة 25): يجب إزالة النجاسة عن التربة الحسينية (1)، بل عن تربة الرسول و سائر الأئمة- صلوات اللّٰه عليهم- المأخوذة من قبورهم، و يحرم تنجيسها. و لا فرق في التربة الحسينية بين المأخوذة من القبر الشريف أو من الخارج إذا وضعت عليه بقصد التبرك، و الاستشفاء (2). و كذا السبحة و التربة المأخوذة بقصد التبرك لأجل الصلاة.

[ (مسألة 26): إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء]

(مسألة 26): إذا وقع ورق القرآن أو غيره من المحترمات في بيت الخلاء أو بالوعته وجب إخراجه و لو بأجرة (3).

و ان لم يمكن فالأحوط و الاولى سد بابه. و ترك التخلي فيه لما عن التنقيح من أنه ورد متواتراً وجوب تعظيمها و ترك الإزالة مناف للتعظيم. هذا و لكن الذي عثرنا عليه من النصوص «1» مما تضمن الأمر بتعظيمها و النهي عن الاستخفاف بها، ظاهر- بقرينة السياق و المقام- في اعتبار ذلك في الانتفاع بها في الاستشفاء و غيره، من فوائدها الجليلة، و ليس فيها دلالة على أن ذلك من أحكامها مطلقاً. نعم لا مجال للإشكال في حرمة إهانتها و مبغوضية هتكها، فيكون حكمها حكم المشاهد الشريفة، لا المصحف.

لاطراد الدليل في الجميع. نعم يختص ذلك بما أخذ على وجه التبرك. أما ما أخذ على وجه آخر- مثل أن يصنع آجراً، أو خزفاً، أو نحوهما- فليس مورداً للكلام، و لا تجري عليه تلك الاحكام.

لعدم الفرق في صيانته عن الهتك بين التوقف عن الأجرة و عدمه‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 72 من أبواب المزار، و باب: 59 من أبواب الأطعمة المحرمة.

518
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 27): تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره ؛ ج‌1، ص : 519

الى أن يضمحل (1).

[ (مسألة 27): تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره]

(مسألة 27): تنجيس مصحف الغير موجب لضمان نقصه الحاصل بتطهيره (2).

[ (مسألة 28): وجوب تطهير المصحف كفائي، لا يختص بمن نجسه]

(مسألة 28): وجوب تطهير المصحف كفائي، لا يختص بمن نجسه (3) و لو استلزم صرف المال وجب، و لا يضمنه من نجسة إذا لم يكن لغيره (4) و ان صار هو السبب بل الأقوى، لوجوب دفع الإهانة الزائدة على المقدار الحاصل أولا.

لم يظهر الفرق بينه و بين ما مضى و يأتي في كون النقص إنما يكون بفعل المباشر بداعي امتثال التكليف، و الإتلاف إنما ينسب اليه لا إلى السبب.

نعم بينهما فرق من جهة أخرى. و هي أن تنجيس المصحف يوجب نقصان ماليته غالباً، بلحاظ وجوب تطهيره، فالمضمون ينبغي أن يكون ذلك المقدار من المالية، و ان لم يحصل التطهير، و الضمان يكون على المسبب. هذا و قد عرفت في المسألة السابعة أن التطهير و ان كان موجباً لنقص المسجد، لا يكون مضموناً على المطهر و إن كان هو المباشر، لأنه كان لمصلحة المسجد، و كذا في المقام. فالضمان الذي يكون على المنجس ضمان التفاوت بين قيمته طاهراً و قيمته نجساً يجب تطهيره، بلا ضمان النقص الحاصل به، لا ما بين قيمته طاهراً و قيمته نجساً يجب تطهيره على نحو يضمن النقص الحاصل به. فلاحظ.

لإطلاق النهي في الآية، و لأن وجوب صيانته عن الهتك لا يختص بمكلف دون آخر، و قد عرفت أن مقتضاهما لا يختص بصورة عدم الحاجة الى المال.

يعني: إذا لم يكن المصحف لغير من نجسه، بل كان له. لكن‌

519
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 29): إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال ؛ ج‌1، ص : 520

للتكليف بصرف المال (1). و كذا لو ألقاه في البالوعة فان مئونة الإخراج الواجب على كل أحد ليس عليه، لأن الضرر إنما جاء من قبل التكليف الشرعي (2). و يحتمل ضمان المسبب، كما قيل، بل قيل باختصاص الوجوب به، و يجبره الحاكم عليه لو امتنع، أو يستأجر آخر و لكن يأخذ الأجرة منه.

[ (مسألة 29): إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال]

(مسألة 29): إذا كان المصحف للغير ففي جواز تطهيره بغير إذنه إشكال (3)، التخصيص بهذه الصورة غير ظاهر، فان المصحف لو كان لغير من نجسه أمكن أيضاً أن يكون ضامناً للمال المبذول من غيره، مقدمة للتطهير، بناء على الضمان بالتسبيب. و كذا الاشكال لو كان أصل العبارة: «إذا كان لغيره» فإنه- بناء على الضمان بالتسبيب- يكون المنجس ضامناً للمال المذكور و ان كان المصحف لنفس المنجس. اللهم إلا أن يكون الضمير في «كان» راجعاً الى المال لا المصحف.

لأن ذلك لا يوجب صحة نسبة الإتلاف إليه.

قد يقال: إن الضرر و إن جاء من قبل التكليف، لكن التكليف إنما جاء من قبل المسبب، فيكون الضرر ناشئاً منه بالواسطة. فالعمدة في عدم الضمان: أن موجب الضمان صحة نسبة الإتلاف، و هو غير حاصل بالنسبة إلى المسبب بعد كون الباذل باذلا باختياره، الموجب لصحة نسبة الإتلاف إليه عرفاً، لا الى المسبب، كما عرفت.

ينشأ من الإشكال في أهمية وجوب التطهير من حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه. بل مقتضى كثرة الاهتمام في بيان الحرمة المستفادة من كثرة الأدلة عليها أنها أهم، فلا يجوز التطهير حينئذ بلا إذن. اللهم إلا أن يقال: إذا كان الاذن واجباً على المالك مقدمة للتطهير، لا دليل‌

520
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 30) يجب إزالة النجاسة عن المأكول ؛ ج‌1، ص : 521

إلا إذا كان تركه هتكا (1)، و لم يمكن الاستيذان منه، فإنه حينئذ لا يبعد وجوبه.

[ (مسألة 30) يجب إزالة النجاسة عن المأكول]

(مسألة 30) يجب إزالة النجاسة عن المأكول (2)، و عن ظروف الأكل و الشرب، إذا استلزم استعمالها تنجس على توقف جواز التصرف عليه، لانصراف أدلة الحرمة عن مثل ذلك.

و لا سيما و كون التطهير لمصلحة المصحف. و فيه أن الانصراف ممنوع، فالإطلاق محكم.

ثمَّ إن الاشكال يختص بما إذا لم يكن المالك في مقام التطهير، و لا الاذن لمن هو مقدم عليه، و لا كان يأذن لو استؤذن، و الا فلا تزاحم حينئذ بين وجوب التطهير و حرمة التصرف بلا إذن، فلا مقتضي لرفع اليد عن الحرمة المذكورة، فلا يجوز التطهير بلا إذن. ثمَّ إن الكلام المذكور بعينه جار فيما لو توقف التطهير على استعمال الماء المغصوب أو الآلة المغصوبة فإن التزاحم و الترجيح جار هنا أيضاً.

فلا ريب حينئذ في أهمية التطهير، فيجب و لو بلا إذن المالك.

لكن ذلك حيث لا يمكن الاستيذان، أو كان ممتنعاً عن التطهير و عن الاذن فيه. أما لو كان مقدماً على التطهير، أو على الاذن فيه، و أمكن الاستيذان منه، فلا بد من الاستيذان منه.

و كذا المشروب: يعني: لا يجوز أكله أو شربه مع النجاسة.

و لعل هذا الحكم من الضروريات. و يستفاد من النصوص المتقدمة في الماء القليل و المضاف، و في الزيت و السمن و العسل إذا مات فيها جرذ أو فأرة [1] و غير ذلك.

______________________________
[1] تقدمت الإشارة إلى بعضها في أوائل فصل كيفية تنجس المتنجسات، و أشرنا هناك الى مصادرها.

521
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 31): الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة ؛ ج‌1، ص : 522

المأكول و المشروب.

[ (مسألة 31): الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة]

(مسألة 31): الأحوط ترك الانتفاع بالأعيان النجسة (1)، خصوصاً الميتة، بل و المتنجسة إذا لم تقبل التطهير، إلا ما جرت السيرة عليه من الانتفاع بالعذرات و غيرها، للتسميد و الاستصباح بالدهن المتنجس. لكن الأقوى جواز الانتفاع بالجميع، حتى الميتة، مطلقاً في غير ما يشترط فيه الطهارة.

نعم لا يجوز بيعها للاستعمال المحرم، و في بعضها لا يجوز بيعه مطلقا كالميتة و العذرات.

[ (مسألة 32): كما يحرم الأكل و الشرب للشي‌ء النجس كذا يحرم التسبيب لأكل الغير أو شربه]

(مسألة 32): كما يحرم الأكل و الشرب للشي‌ء النجس كذا يحرم التسبيب لأكل الغير أو شربه (2). و كذا التسبب خروجاً عن شبهة الخلاف، كما تقدمت الإشارة الى ذلك في مبحث نجاسة الميتة، فراجعه يتضح لك وجه الأحكام المذكورة في هذه المسألة. و تفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله من المكاسب المحرمة.

التسبب إلى الشي‌ء عبارة عن فعل الشي‌ء بواسطة السبب، فيعتبر فيه القصد الى المسبب، بخلاف التسبيب، فإنه مجرد فعل السبب، و لو مع الغفلة عن ترتب المسبب عليه. و كيف كان فدليل الحرام ان كان ظاهرا في توجه الخطاب بتركه الى خصوص من قام به الفعل، لم يحرم التسبب اليه من غيره، فضلا عن التسبيب. و ان كان ظاهراً في توجه الخطاب بتركه الى كل أحد حرم التسبب اليه، و التسبيب مع الالتفات الى ترتبه على السبب، بل يجب على كل أحد دفع وقوعه و ان لم يكن على وجه التسبيب و لو لم يكن ظاهرا في أحد الوجهين كان مقتضى الأصل جواز التسبب اليه و التسبيب. و على هذا فحرمة التسبب إلى أكل النجس و شربه من غير‌

522
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 32): كما يحرم الأكل و الشرب للشي‌ء النجس كذا يحرم التسبيب لأكل الغير أو شربه ؛ ج‌1، ص : 522

.....

المتسبب تتوقف على ظهور الدليل في كون الخطاب بالحرمة على النحو الثاني، و هو غير ظاهر. نعم قد يستفاد من صحيح معاوية الوارد في بيع الزيت المتنجس‌

لقوله (ع) فيه: «و يبينه لمن اشتراه ليستصبح به» «1»

من جهة أن الاستصباح ليس محبوباً و مأموراً به، و لا مما يترتب على التنبيه و الاعلام، فلا بد أن يكون التعليل به عرضياً، و العلة في الحقيقة هي ترك الأكل، فيكون ترك أكل المشتري واجباً على البائع، كما تقدم بيان ذلك في مبحث الماء المتنجس. و تقدم أيضاً الاستدلال على حرمة التسبب الى فعل غيره للحرام: بأن استناد الفعل الى السبب أقوى. فنسبة الفعل إليه أولى، كما تقدم الاشكال فيه فراجع.

ثمَّ إن الصحيح المتقدم و ان كان مورده الزيت المتنجس، لكن يجب التعدي عنه الى مطلق المأكول و المشروب، بقرينة التعليل، المحمول على الارتكاز العرفي، فإن مقتضاه عدم الفرق بين الزيت و غيره. نعم يشكل التعدي عن المأكول و المشروب الى غيرهما من المحرمات. لعدم مساعدة الارتكاز عليه. فالاقتصار عليهما متعين. و يشير الى ذلك موثق ابن بكير «2» المتضمن للنهي عن اعلام المستعير إذا أعاره ثوباً لا يصلي فيه. و عليه فلا يجب الاعلام إذا كان يتوقف ترك استعمال النجس في غير الأكل و الشرب عليه، و كذا في سائر المحرمات غير النجس إذا كان يتوقف تركها عليه.

و من ذلك يظهر لك الفرق بين مقتضى الصحيح المذكور و مقتضى الاستدلال المتقدم على حرمة التسبيب، فان بينهما عموماً من وجه، إذ مقتضى الصحيح وجوب الاعلام و ان لم يكن هناك تسبيب. و لكنه يختص بالنجس من حيث استعماله في الأكل و الشرب، فلا يشمل غير النجس،

______________________________
(1) الوسائل باب: 43 من أبواب الأطعمة المحرمة ملحق حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 47 من أبواب النجاسات حديث: 3.

523
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 33): لا يجوز سقي المسكرات للأطفال ؛ ج‌1، ص : 524

لاستعماله فيما يشترط فيه الطهارة، فلو باع أو أعار شيئاً نجساً قابلا للتطهير يجب الاعلام بنجاسته (1) و أما إذا لم يكن هو السبب في استعماله بأن رأى أن ما يأكله شخص أو يشربه أو يصلي فيه نجس، فلا يجب إعلامه (2).

[ (مسألة 33): لا يجوز سقي المسكرات للأطفال]

(مسألة 33): لا يجوز سقي المسكرات للأطفال (3).

و لا النجس بلحاظ استعماله فيما يعتبر فيه الطهارة غير الأكل و الشرب.

و مقتضى الاستدلال حرمة التسبيب مطلقاً الى فعل الحرام، سواء أ كان مورده النجس أم غيره، و سواء أ كان الحرام الأكل و الشرب أم غيرهما، لكنه يختص بصورة التسبيب الموجب لقوة إسناد الفعل الى السبب، و لا يشمل غيرها.

هذا و قد يستدل على حرمة التسبيب: بأن فيه تفويتاً لغرض الشارع و إيقاعاً في المفسدة. و فيه- مع أن لازم ذلك عدم الفرق بين التسبيب و غيره-: أن تفويت الغرض إنما يكون حراماً على من توجه اليه الخطاب بحفظه، لا على من لم يتوجه اليه الخطاب به، كما هو محل الكلام.

تفريع وجوب الاعلام على حرمة التسبب باعتبار أن تمكين البائع أو المعير من العين للمشتري أو المستعير فعل وجودي يترتب عليه استعمال النجس، و إن كان الاعتماد في طهارة المأخوذ من البائع أو المعير لم يكن على فعله، و إنما كان اعتمادا على أصالة الطهارة. هذا و لكن في كون هذا المقدار من فعل الفاعل كافياً في صدق التسبب اشكالا. نعم يتضح ذلك في مثل الجلد و نحوه مما كان الأصل فيه النجاسة لو لا أخذه من المسلم. فتأمل جيداً.

قد عرفت أن مقتضى الصحيح وجوب الاعلام فيما يؤكل و يشرب الظاهر أنه مما لا إشكال فيه، كما استفاضت به النصوص. ففي‌

524
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 33): لا يجوز سقي المسكرات للأطفال ؛ ج‌1، ص : 524

بل يجب ردعهم و كذا سائر الأعيان النجسة إذا كانت مضرة لهم (1)، بل مطلقا (2). و أما المتنجسات فان كان التنجس من جهة كون أيديهم نجسة فالظاهر عدم البأس به (3) و ان كان من جهة تنجس سابق فالأقوى جواز التسبب لأكلهم (4)، و ان كان الأحوط تركه. و أما ردعهم عن الأكل أو الشرب

خبر أبي الربيع الشامي: «سئل أبو عبد اللّٰه (ع) عن الخمر

.. (الى أن قال) (ع):

و لا يسقيها عبد لي صبيا صغيرا أو مملوكا إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة» «1»

، و نحوه خبر العجلان، و غيرهما.

وجوب الردع على الولي عن مثل ذلك ظاهر، فإنه مقتضى ولايته.

أما وجوبه على غيره فغير ظاهر، لعدم الدليل على وجوب دفع الضرر عن كل أحد و لو كان صبياً. و كأنه لذلك خص الوجوب بالولي في مبحث قضاء الصلاة. نعم يجوز لغيره ردعهم، لأنه إحسان محض. و أما حرمة التسبب الى أكلهم و شربهم فأولى من وجوب الردع، من غير فرق بين الولي و غيره، لحرمة الإضرار بهم.

دليله غير ظاهر. بل النصوص الدالة على جواز استرضاع اليهودية و النصرانية و المجوسية و المشركة و الناصبية «2» تأباه. و ان كان ظاهر المحكي عن الأردبيلي (ره) من قوله: «و الناس مكلفون بإجراء أحكام المكلفين عليهم» يقتضي المفروغية عنه، بل عدم الفرق بين النجس و المتنجس.

للأصل، بل السيرة.

للأصل، كما تقدم في المياه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 10 من أبواب الأشربة المحرمة حديث: 1.

(2) راجع الوسائل باب: 76، 77 من أبواب أحكام الأولاد.

525
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 34): إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا ؛ ج‌1، ص : 526

مع عدم التسبب فلا يجب من غير إشكال (1).

[ (مسألة 34): إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا]

(مسألة 34): إذا كان موضع من بيته أو فرشه نجسا فورد عليه ضيف و باشره بالرطوبة المسرية، ففي وجوب إعلامه إشكال، و ان كان أحوط، بل لا يخلو عن قوة (2).

و كذا إذا أحضر عنده طعاما ثمَّ علم بنجاسته. بل و كذا إذا كان الطعام للغير و جماعة مشغولون بالأكل فرأى واحد منهم فيه نجاسة، و ان كان عدم الوجوب في هذه الصورة لا يخلو عن قوة، لعدم كونه سبباً لأكل الغير (4)، بخلاف الصورة السابقة.

[ (مسألة 35): إذا استعار ظرفا أو فرشا أو غيرهما من جاره فتنجس عنده هل يجب عليه اعلامه عند الرد؟]

(مسألة 35): إذا استعار ظرفا أو فرشا أو غيرهما من جاره فتنجس عنده هل يجب عليه اعلامه عند الرد؟ فيه اشكال، و الأحوط الأعلام، بل لا يخلو عن قوة إذا كان مما يستعمله المالك فيما يشترط فيه الطهارة (4).

لعدم الدليل على الوجوب، بل السيرة تنفيه. لكن كلام الأردبيلي المتقدم يقتضي ثبوت الاشكال.

لكونه من التسبيب باعتبار أن إذن المالك للضيف مقدمة لحصول الحرام. و ان كان لا يخلو من اشكال، و لا سيما في فرض نجاسة موضع من بيته بخلاف الفرض الذي بعده، فإنه من فروض التسبيب باعتبار أن إحضار الطعام طلب منه للأكل منه، و إن كان معذورا فيه قبل العلم، لكنه لا يعذر فيه بعده.

لكن عرفت أن صحيح معاوية «1» ظاهر في وجوب الاعلام في الفرض.

لأنه من التسبيب. و مجرد الفرق بكونه معيرا أو مرجعاً للعارية‌

______________________________
(1) تقدم في مسألة: 22 و أشرنا إلى مصدره.

526
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

[فصل إذا صلى في النجس]

فصل إذا صلى في النجس فان كان عن علم و عمد بطلت صلاته (1). و كذا إذا كان عن جهل بالنجاسة من حيث الحكم (2) لا يوجب الفرق في تحقق التسبيب. لكن عرفت الإشكال في وجوب الاعلام إذا لم يتعلق بالأكل أو الشرب.

فصل إذا صلى في النجس إجماعاً محكياً نقله عن جماعة، منهم الشيخ، و الفاضلان، و الشهيدان و غيرهم. و تقتضيه نصوص المانعية البالغة حد التواتر الآمرة بغسل الثياب و البدن من النجاسات للصلاة، و المانعة عن الصلاة فيها «1». و قد تقدم بعضها في أدلة النجاسة. مضافا إلى النصوص الخاصة بالعلم،

كصحيح ابن سنان: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم قال (ع): إن كان علم أنه أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي، ثمَّ صلى فيه و لم يغسله، فعليه أن يعيد ما صلى» «2»

، و نحوه غيره، و يأتي بعضه.

على المشهور. لإطلاق الأدلة المتقدمة من معقد الإجماع و النصوص و التشكيك فيهما في غير محله، بل لعل الجاهل هو المتيقن، إذ من البعيد كون العالم موضوعا للسؤال، لوضوح وجوب الإعادة عليه.

و دعوى: انتفاء التكليف بالطهارة في حقه، لقبح تكليف الغافل‌

______________________________
(1) تقدم في أول الفصل السابق الإشارة إليها و الى مصادرها.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 3.

527
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

.....

عقلا، و أن المأتي به مع النجاسة لا بد أن يكون مجزيا، لأنه مأمور به شرعا، بشهادة استحقاق العقاب على تركه اختيارا. مدفوعة- و ان حكيت عن المحقق الأردبيلي (قده) و بعض من تأخر عنه-: بأن الغفلة إنما تمنع عقلا عن باعثية التكليف و تنجزه، لا عن ملاكه. و لذا ذهب المشهور الى تكليف الكفار بالفروع مع غفلتهم عنها. فالمأتي به مع النجاسة ليس مأمورا به، و لا فردا للواجب الشرعي. و لا ينافي ذلك استحقاق العقاب على تركه، لأن تركه ترك للواجب الواقعي اختيارا مع الالتفات الى وجوبه- و لو في الجملة- فإذا التفت في أثناء الوقت الى الوجوب الواقعي وجب عقلا امتثاله بالإعادة، كما أنه لو التفت بعد خروج الوقت وجب القضاء لصدق الفوت. مع أنه لو سلم منع الغفلة عن ملاك التكليف، فاقتضاء ذلك لنفي الإعادة و القضاء إنما يكون لو استمرت في تمام الوقت، أما لو التفت في أثنائه فاللازم الحكم بوجوب الإعادة أو القضاء، لتحقق شرط التكليف. و بمنع أجزاء المأتي به الناقص و منع كونه مأموراً به، إما لمنع العقاب على تركه من أصله، أو للبناء على كونه للتجرؤ. مع أن البناء على صحة المأمور به الناقص و كونه مأمورا به لا يقتضي الاجزاء، و لا ينافي وجوب الإعادة، لجواز كون الوجوب على نحو تعدد المطلوب و لا دليل فيه على الاجزاء، بل إطلاق دليل الوجوب الأولي ينفي الاجزاء، و يقتضي الإعادة، كما لعله ظاهر بالتأمل.

نعم يمكن أن يقال: مقتضى إطلاق‌

حديث: «لا تعاد الصلاة ..» «1»

عدم وجوب الإعادة، و هو حاكم على أدلة الجزئية و الشرطية (و فيه): أنه يتوقف على كون المراد من الطهور فيه الذي هو أحد الخمسة، خصوص‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 3 من أبواب الوضوء حديث: 8. و ينقله بتمامه في باب: 1 من أبواب أفعال الصلاة، و باب: 29 من أبواب القراءة بأسانيد متعددة.

528
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

بأن لم يعلم أن الشي‌ء الفلاني مثل عرق الجنب من الحرام- نجس، أو عن جهل بشرطية الطهارة للصلاة. و أما إذا كان جاهلا بالموضوع- بأن لم يعلم أن ثوبه أو بدنه لاقى البول مثلا- فان لم يلتفت أصلا، أو التفت بعد الفراغ من الصلاة.

الطهارة من الحدث، لا ما يعم الطهارة من الخبث، و الا كان مقتضاه الإعادة، بل و يتوقف على عمومه للجاهل بالحكم، و إلا فلا مجال له في المقام مضافاً الى أن حكومته إنما هي بالإضافة إلى أدلة تشريع الجزئية و الشرطية لا بالإضافة إلى ما دل على وجوب الإعادة في المقام، كصحيح ابن سنان المتقدم و نحوه، لوحدة اللسان فيهما، بل تكون نسبة مثل الصحيح اليه نسبة العام الى الخاص، فيختص به.

اللهم إلا أن يقال: حديث:

«لا تعاد ..»

لما لم يشمل العالم بالحكم يكون بينه و بين الصحيح عموم من وجه، لعموم الحديث لغير الطهارة من الخبث و عموم الصحيح للعالم بالحكم. لكن عليه يكون المرجع في الجاهل بالحكم إطلاقات الشرطية المقتضية للإعادة. مع أن خروج العالم عن حديث:

«لا تعاد ..»

لا يوجب انقلاب النسبة، إذ المدار في تعيينها على ما هو ظاهر الكلامين مع قطع النظر عن دليل آخر، كما حقق في محله.

إلا أن يقال: خروج العالم بالحكم عن حديث:

«لا تعاد ..»

ليس لدليل آخر، و انما هو لقصوره عن شموله لأن قوله (ع):

«لا تعاد ..»

يراد منه نفي الإعادة في مقابل حدوث الداعي إليها، و هذا لا يصدق في حق العالم، لتحقق الداعي إلى الإعادة فيه من أول الأمر. لكن هذا جار بعينه في الصحيح، فيكون غير شامل للعالم، و يكون أخص من الحديث.

ثمَّ إنه لا فرق فيما ذكرنا كله بين صورتي الجهل عن قصور أو تقصير.

529
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

صحت صلاته، و لا يجب عليه القضاء (1)، بل و لا الإعادة في الوقت (2)، و ان كان أحوط (3).

إجماعا محكياً صريحاً و ظاهراً، عن جماعة كثيرة. و يدل عليه‌

خبر علي بن جعفر (ع) عن أخيه (ع): «عن الرجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ فقال (ع): إن كان رآه فلم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلي و لا ينقص منه شي‌ء، و ان كان رآه و قد صلى فليعتد بتلك الصلاة، ثمَّ ليغسله» «1».

و‌

صحيح العيص: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل صلى في ثوب رجل أياما، ثمَّ إن صاحب الثوب أخبره أنه لا يصلي فيه. قال (ع): لا يعيد شيئاً من صلاته» «2».

فتأمل. مضافا إلى نصوص نفي الإعادة الآتية، فإنها دالة على نفي القضاء، إما بإطلاقها، أو بضميمة عدم القول بالفصل أو بالأولوية.

على المشهور للنصوص الكثيرة،

كصحيح عبد الرحمن: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يصلي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب أ يعيد صلاته؟ قال (ع) إن كان لم يعلم فلا يعيد» «3»

، و نحوه غيره و يأتي بعضه.

لذهاب جماعة كثيرة اليه، كالشيخ في مياه النهاية، و ابن زهرة في الغنية، و المحقق في النافع. و العلامة في القواعد، و غيرهم في غيرها على ما حكي.

لصحيح وهب بن عبد ربه عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في الجنابة تصيب الثوب و لا يعلم بها صاحبه، فيصلي فيه ثمَّ يعلم بعد.

قال (ع): يعيد إذا لم يكن علم» «4».

و‌

خبر أبي بصير عنه (ع):

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 10.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 8.

530
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

.....

«عن رجل صلى و في ثوبه بول أو جنابة. فقال (ع): علم به أو لم يعلم فعليه الإعادة إعادة الصلاة إذا علم» «1».

و لأجلهما حملوا الأخبار المتقدمة على نفي القضاء. و ما قيل من أنه جمع بلا شاهد. مدفوع: بأنه بعد تقييدهما بالإجماع، و الروايتين المتقدمتين في نفي القضاء يدور الأمر بين طرحهما و تقييد الأخبار السابقة بهما، بحملها على خصوص نفي القضاء، و التقييد أولى من الطرح- كما هو محقق في محله- و لا يتوقف شاهد الجمع على كونه موجباً للتصرف في الدليلين معاً، كما في الجواهر.

نعم يشكل ذلك لإباء نصوص نفي الإعادة مطلقاً عن حملها على خصوص نفي القضاء. فلاحظ‌

صحيح محمد بن مسلم: «في الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلي. قال (ع): لا يؤذنه حتى ينصرف» «2».

و‌

رواية أبي بصير: «في رجل صلى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمَّ علم.

قال (ع): عليه أن يبتدئ الصلاة. قال: و سألته عن رجل صلى و في ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثمَّ علم. قال (ع): مضت صلاته» «3»

و صحيح زرارة المعلل عدم الإعادة: بأنه كان على يقين فشك .. «4»

فإنك تجد أن حمل نصوص الإعادة على الاستحباب أولى من حمل هذه النصوص و غيرها على خصوص نفي القضاء.

بل من التعليل في الصحيح الأخير، و ما فيه أيضاً من‌

قوله (ع) «قلت: فهل علي إن شككت أنه أصابه شي‌ء أن أنظر فيه؟ قال (ع):

لا، و لكنك إنما تريد أن تذهب بالشك الذي وقع من نفسك»

يظهر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 9.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 37 من أبواب النجاسات حديث: 1.

531
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

و ان التفت في أثناء الصلاة، فإن علم سبقها و أن بعض صلاته وقع مع النجاسة، بطلت مع سعة الوقت للإعادة (1)، ضعف ما عن الذكرى احتماله من التفصيل بين من اجتهد في البحث عن طهارة ثوبه فلا يعيد و غيره فيعيد. و عن الحدائق تقويته، و حكايته عن ظاهر الشيخين في المقنعة و التهذيب، و ظاهر الصدوق في الفقيه. للمرسل في الأخير: «‌

روي في المني أنه إن كان الرجل حين قام فنظر و طلب و لم يجد شيئاً فلا شي‌ء عليه، و إن كان لم ينظر و لم يطلب فعليه أن يغسله و يعيد الصلاة» «1»

، و نحوه خبر منصور (ميمون. خ ل) الصيقل «2».

و لعله هو المرسل بعينه. و قد يظهر أيضاً من‌

صحيح ابن مسلم عن الصادق (ع): «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك الإعادة إعادة الصلاة و ان أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمَّ صليت فيه ثمَّ رأيته بعد فلا اعادة عليك. و كذلك البول» «3»

فان التعليل المذكور يستوجب التصرف فيها بالحمل على الاستحباب. مضافا الى إباء بعض نصوص نفي الإعادة عن التقييد بذلك. مع ضعف الأولين و اعراض الأصحاب عن الجميع. فالعمل بإطلاق نفي الإعادة متعين.

كما عن جماعة. لصحيح ابن مسلم، و لرواية أبي بصير، المتقدمين في الجاهل الى ما بعد الفراغ. و لصحيح زرارة الطويل و‌

فيه: «قلت:

ان رأيته في ثوبي و أنا في الصلاة. قال (ع): تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه، ثمَّ رأيته، و ان لم تشك ثمَّ رأيته رطباً قطعت الصلاة و غسلته، ثمَّ بنيت على الصلاة، لأنك لا تدري لعله شي‌ء أوقع

______________________________
(1) الوسائل باب: 41 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 41 من أبواب النجاسات حديث: 2.

532
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

.....

عليك ..» «1».

و بها يخرج عما دل على نفي الإعادة في الجاهل، سواء ا كان دالا على حكم المقام بالإطلاق أم بالأولوية.

نعم يعارضها ما‌

عن مستطرفات السرائر من رواية عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إن رأيت في ثوبك دما و أنت تصلي و لم تكن رأيته قبل ذلك، فأتم صلاتك، فاذا انصرفت فاغسله. قال (ع): و ان كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثمَّ رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و أعد صلاتك» «2».

و‌

موثقة ابن سرحان عنه (ع): «في الرجل يصلي فأبصر في ثوبه دما. قال (ع): يتم» «3».

لكن الجمع العرفي بينها يقتضي حمل الأخيرتين على صورة ما لو احتمل وقوع النجاسة في الأثناء حين الرؤية، كما تشير إليه الفقرة الثانية من صحيح زرارة المتقدم. مضافاً الى أن ظاهرهما جواز الإتمام بلا تبديل و لا تطهير و هو مما لم يقل به أحد.

هذا و المشهور تخصيص وجوب الإعادة بما إذا لم يمكن نزع الثوب أو تطهيره أو تبديله، و إلا فعل ذلك و أنتم صلاته، حملا للنصوص الأول على الأول، و الأخيرة على الأخير، بشهادة‌

حسن بن مسلم: «قلت له: الدم يكون في الثوب علي و أنا في الصلاة. قال (ع): إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره، و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره ..» «4»

، فيقيد بمنطوق الشرطية الأولى- الدالة على صحة الصلاة مع إمكان الطرح- الروايات الأول و بمفهومها-

______________________________
(1) الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 6.

533
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

و ان كان الأحوط الإتمام ثمَّ الإعادة (1). و مع ضيق الوقت الدال على البطلان مع عدم إمكان الطرح- الروايتان الأخيرتان.

بل يكفي في ثبوت الجمع العرفي تقييد الروايات الأول، لأنه بعد حملها على صورة عدم مكان الطرح تكون أخص مطلقاً من الروايتين الأخيرتين، فيجب تقييدهما بها لئلا يلزم الطرح، كما عرفت.

هذا و لكنه يتوقف على كون مورد الشرطية الأولى الدم الكثير، و كون مورد الثانية مطلق الدم، الأعم من القليل و الكثير و جعل قوله (ع):

«ما لم يزد ..»

قيداً للثانية لا غير، و يكون (ع) قد اكتفى عن بيان مفهوم الشرطية بالمفهوم المستفاد من القيد، حيث يدل التقييد على وجوب الإعادة إذا لم يكن عليه غيره، و قد زاد الدم على مقدار الدرهم. و ذلك كله خلاف الظاهر، فان الظاهر كون الشرطية الثانية تصريحاً بمفهوم الأولى و القيد راجع إليهما معاً، فيتعين حمل الأمر بالطرح في الشرطية على الاستحباب بقرينة قوله (ع):

«و ما كان أقل ..»

، فتكون الرواية أجنبية عما نحن فيه، لأن موردها الدم المعفو عنه. مضافاً الى رواية الشيخ (ره) لها عن الكليني (ره) بزيادة الواو فيها قبل القيد، و إسقاط قوله (ع):

«و ما كان أقل من ذلك»

[1] فيكون قوله (ع):

«و ما لم يزد ..»

كلاما مستقلا، و ما قبله من الشرطيتين اللتين ثانيتهما تصريح بمفهوم أولاهما موضوعهما الدم الكثير. و عليه فمحمل الشرطية الأولى محمل روايتي ابني سنان و سرحان. و أما الشرطية الثانية فقد حكي الاتفاق على خلافها و سيأتي إن شاء اللّٰه.

لاحتمال صحة الصلاة و حرمة قطعها و احتمال بطلانها، و بالإتمام‌

______________________________
[1] كما ذكره في الوافي في ذيل الحديث الأول من باب التطهير من الدم من أبواب الطهارة من الخبث.

534
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

إن أمكن التطهير أو التبديل- و هو في الصلاة من غير لزوم المنافي- فليفعل ذلك و يتم، و كانت صحيحة (1)، و ان لم يمكن أتمها و كانت صحيحة. و ان علم حدوثها في الأثناء مع و الإعادة يحصل العمل بكل المحتملات.

لانصراف نصوص وجوب الإعادة في الجاهل إذا التفت في الأثناء المتقدمة، عن المورد، و الأصل يقتضي عذرية الجهل. أو لما دل على أهمية الوقت من الطهارة الخبثية، فيسقط اعتبار الطهارة إذا أدى الى فوات الصلاة في الوقت. لكن دعوى انصراف نصوص الإعادة بنحو يعتد به ممنوعة، و لذا لا يظن الالتزام به في غير الفرض من موارد الجزئية و الشرطية.

و لأجل ذلك لا مجال للرجوع إلى أصالة عذرية الجهل. على أن مجرد عذرية الجهل لا تقتضي الصحة. و التزاحم في أول الصلاة غير ثابت، لإمكان الصلاة حينئذ بالثوب الطاهر، و التزاحم حين الالتفات و ان كان حاصلا بالإضافة الى ما وقع من الاجزاء، لكنه إنما يقتضي الاجتزاء بالبدل الاضطراري لا تصحيح الجزء الباطل و الاجتزاء به.

فان قلت: الجهل بالنجاسة موجب لانتفاء القدرة على الطهارة من الخبث، فلا مانع من اعمال التزاحم من أول الأمر (قلت): موضوع التزاحم الذي يقدم فيه الوقت العجز لا من جهة الجهل، كمرض أو برد أو غيرهما، فيبقى العجز من جهة الجهل باقياً تحت القاعدة المقتضية للبطلان معه عملا بعموم الشرطية. اللهم إلا أن يقال: التعدي عن الأعذار المذكورة إلى المقام مما يساعده المذاق العرفي فالبناء على اجراء حكم التزاحم من أول الأمر أظهر. و من ذلك تعرف الوجه أيضاً في قول المصنف (ره):

«أتمها و كانت صحيحة».

نعم بناء على وجوب الصلاة عاريا إذا لم يتمكن من التستر إلا بالنجس‌

535
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

عدم إتيان شي‌ء من أجزائها مع النجاسة، أو علم بها و شك في أنها كانت سابقاً أو حدثت فعلا، فمع سعة الوقت و إمكان التطهير أو التبديل يتمها بعدهما (1)، و مع عدم الإمكان يستأنف (2) ينبغي تقييد الحكم في المقام بما إذا لم يمكن النزع و الصلاة عاريا، و إلا تعين عليه ذلك إذا لم يمكن التبديل أو التطهير.

إذا الطهارة من الخبث ليست شرطاً في المصلي، بحيث يقدح انتفاؤها في أثناء الصلاة و لو مع عدم الاشتغال بفعل من أفعالها، إذ لا دليل على ذلك بل الدليل على خلافه، كالنصوص الواردة في الرعاف في أثناء الصلاة «1». مضافاً الى صحيح زرارة المتقدم [1] الآمر بغسل الثوب و البناء على ما مضى من الصلاة.

كما يستفاد من الأمر بتطهير الثوب في صحيح زرارة [2]، و التطهير من الرعاف في النصوص الكثيرة «2»، فإن ظاهر الأمر الإرشاد إلى اعتبار التطهير في صحة الأجزاء اللاحقة. بل هو مقتضى إطلاق أدلة مانعية النجاسة. مضافاً إلى ما دل على وجوب الاستيناف مع عدم التمكن من التطهير من الرعاف.

ففي مصحح الحلبي: «و ان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته «3»».

و‌

في صحيح ابن أذينة: «فان لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة» «4»

و نحوهما غيرهما.

______________________________
[1] تقدم قريبا في أول الكلام فيمن رأى النجاسة في أثناء الصلاة.

[2] تقدم قريباً في أول الكلام فيمن رأى النجاسة في أثناء الصلاة.

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة.

(2) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 6.

(4) الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة حديث: 1.

536
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

و مع ضيق الوقت يتمها مع النجاسة و لا شي‌ء عليه (1). و أما إذا كان ناسيا فالأقوى وجوب الإعادة (2)، هذا بناء على صحة الصلاة في الثوب النجس مع عدم التمكن من غيره، أما بناء على وجوب الصلاة عاريا يتعين إلقاء النجس و الصلاة عاريا إن أمكن.

على المشهور، بل حكي عليه الإجماع عن الغنية، و شرح الجمل للقاضي. و عن السرائر: نفي الخلاف فيه ممن عدا الشيخ في الاستبصار خاصة.

و النصوص به مستفيضة.

كصحيح زرارة الطويل عن أبي جعفر (ع): «أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من المني فعلمت أثره إلى أن أصيب له الماء، فأصبت و حضرت الصلاة، و نسيت أن بثوبي شيئاً و صليت ثمَّ إني ذكرت بعد ذلك. قال (ع): تعيد الصلاة و تغسله ..» «1».

و‌

خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا إعادة عليه و ان هو علم قبل أن يصلي فنسي و صلى فيه فعليه الإعادة» «2».

و‌

موثق سماعة عنه (ع): «عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتى يصلي. قال (ع): يعيد صلاته كي يهتم بالشي‌ء إذا كان في ثوبه، عقوبة لنسيانه» «3»

، و نحوها صحيح ابن سنان «4»، و خبر الحسن بن زياد، و ابن مسكان «5». و منه ما ورد في ناسي الاستنجاء حتى صلى، المتضمن للأمر بالإعادة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 2.

(2) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(4) الوسائل باب: 40 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(5) الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 6، 4.

537
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

أو القضاء (1) مطلقا، هذا و ربما نسب إلى الشيخ القول بالصحة و نفي الإعادة، و ظاهر المعتبر الميل اليه، و في المدارك الجزم به، و وافقه عليه غيره.

لصحيح العلاء عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سألته عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجسه، فينسى أن يغسله فيصلي فيه، ثمَّ يذكر أنه لم يكن غسله، أ يعيد الصلاة؟ قال (ع):

لا يعيد. قد مضت الصلاة و كتبت له» «1»

، و نحوه جملة واردة في ناسي الاستنجاء «2»، فان مقتضى الجمع العرفي حمل النصوص السابقة على الاستحباب، كما تقدم نظيره.

و يشكل بإباء تلك النصوص عن الحمل على ذلك، كما يظهر من ملاحظة التعليل في الموثق، إذ العقوبة لا تكون بالأمر الاستحبابي. و كذا التفصيل بين الجاهل و الناسي، فإنه لا يناسب الاستحباب أيضاً، إذ الجاهل أيضاً تستحب له الإعادة كما تقدم. و إعمال قواعد التعارض بينها يوجب الأخذ بالنصوص السابقة، لأنها أصح سنداً و أشهر مضموناً. و كأنه لذلك قال في محكي التهذيب: «إن رواية العلاء شاذة لا تعارض الأخبار التي ذكرناها».

و عن الشيخ في الاستبصار، و الفاضل في بعض كتبه، نفيه. حملا لنصوص نفي الإعادة عليه، بشهادة‌

صحيح ابن مهزيار: «كتب اليه سليمان بن رشيد يخبره أنه بال في ظلمة الليل و أنه أصاب كفه برد نقطة من البول، لم يشك أنه أصابه و لم يره، و أنه مسحه بخرقة، ثمَّ نسي أن يغسله، و تمسح بدهن فمسح به كفيه و وجهه و رأسه، ثمَّ توضأ وضوء الصلاة فصلى. فأجاب بجواب قرأته بخطه: أما ما توهمت مما أصاب يدك

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(2) راجع الوسائل باب: 18 من أبواب نواقض الوضوء، و باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة.

538
مستمسک العروة الوثقی1

فصل إذا صلى في النجس ؛ ج‌1، ص : 527

سواء تذكر بعد الصلاة أو في أثنائها (1)

فليس بشي‌ء إلا ما تحقق، فان حققت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها، و ما فات وقتها فلا اعادة عليك لها من قبل، إن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يعد الصلاة إلا ما كان في وقت، و إذ كان جنباً أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته، لأن الثوب خلاف الجسد. فاعمل على ذلك إن شاء اللّٰه» «1».

لكن يشكل: بأن ذيله و إن كان صريحاً في التفصيل بين الوقت و خارجه، لكنه غير ظاهر في الناسي، و مورده و ان كان هو الناسي، لكنه لا يظهر منه كون الذيل حكما له، لما فيه من الاضطراب في المتن، فان ظاهر صدره أن الخلل كان من الوضوء، لا من مجرد النجاسة، و ذيله ظاهر في كون الخلل من جهة النجاسة، و مع هذا الاضطراب لا يحصل الوثوق النوعي بعدم طروء الخلل من جهة الزيادة أو النقيصة. بل قيل:

إنه يشبه أن يكون وقع فيه غلط من النساخ. و حينئذ يشكل الاعتماد عليه في الشهادة على التفصيل المذكور.

ففي صحيح ابن سنان في الدم: «و ان كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله، ثمَّ رأيته بعد و أنت في صلاتك فانصرف فاغسله و أعد صلاتك» «2».

و مثله في ذلك صحيح ابن جعفر (ع) «3»، و خبره «4» الواردان في ناسي الاستنجاء. و يمكن أيضاً استفادته مما دل على الإعادة في‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 44 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 9 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 10 من أبواب أحكام الخلوة حديث: 4.

539
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): ناسي الحكم تكليفا أو وضعا كجاهله في وجوب الإعادة و القضاء ؛ ج‌1، ص : 540

أمكن التطهير أو التبديل أم لا (1).

[ (مسألة 1): ناسي الحكم تكليفاً أو وضعاً كجاهله في وجوب الإعادة و القضاء]

(مسألة 1): ناسي الحكم تكليفاً أو وضعاً كجاهله في وجوب الإعادة و القضاء (2).

[ (مسألة 2): لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته]

(مسألة 2): لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته، ثمَّ صلى فيه، و بعد ذلك تبين له بقاء نجاسته، فالظاهر أنه من باب الجهل بالموضوع (3)، فلا يجب عليه الإعادة أو القضاء.

و كذا لو شك في نجاسته ثمَّ تبين بعد الصلاة أنه كان نجساً (4).

و كذا لو علم بنجاسته فأخبره الوكيل في تطهيره بطهارته (5) الجاهل إذا علم في الأثناء.

للإطلاق.

لإطلاق دليل الإعادة على العالم. و قد تقدم الكلام في عموم‌

حديث: «لا تعاد ..»

للجاهل بالحكم. و مثله الكلام في ناسي الحكم.

لصدق كونه لا يعلم بالنجاسة، الذي أخذ موضوعا لنفي وجوب الإعادة في النصوص. و مجرد العلم بها قبل الغسل لا يجدي في دخوله تحت‌

قوله (ع): «إن كان علم.»

لأن المراد به العلم حين الصلاة. و لا ينافيه وجوب الإعادة على الناسي، لأنه من أفراد العالم أو لقيام الدليل عليه بالخصوص. و مثل الفرض من علم بالنجاسة، ثمَّ تردد بنحو الشك الساري فصلى، فانكشف ثبوت النجاسة.

فإن صدق عدم العلم فيه واضح. نعم لو علم نجاسته سابقا كان استصحابها بمنزلة العلم، و لذا يقوم مقام العلم المأخوذ موضوعا في الحكم على نحو الطريقية.

فان حجية خبر الوكيل و كونه بمنزلة العلم يستوجب كون الفرض‌

540
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): لو غسل ثوبه النجس و علم بطهارته ؛ ج‌1، ص : 540

أو شهدت البينة بتطهيره، ثمَّ تبين الخلاف. و كذا لو وقعت قطرة بول أو دم- مثلا- و شك في أنها وقعت على ثوبه أو على الأرض، ثمَّ تبين أنها وقعت على ثوبه (1). و كذا لو رأى في بدنه أو ثوبه دما، و قطع بأنه دم البق أو دم القروح المعفو، أو أنه أقل من الدرهم، أو نحو ذلك، ثمَّ تبين أنه مما لا يجوز الصلاة فيه. و كذا لو شك في شي‌ء من ذلك ثمَّ من قبيل الفرض الأول. و كذا الكلام في البينة. نعم‌

في حسنة ميسر: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله، فأصلي فيه فاذا هو يابس. قال (ع): أعد صلاتك. أما انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء» «1».

و موردها صورة العلم بوقوع الغسل، و كون الحكم بالطهارة اعتمادا على أصالة الصحة، فكأن الرواية واردة للردع عن العمل بها فلا تنافي شيئاً مما في المتن.

العلم المأخوذ في النصوص وجودا و عدما موضوعا للإعادة و عدمها (تارة): يراد به العلم التفصيلي (و اخرى): الأعم من الإجمالي مطلقاً (و ثالثة): بشرط كونه منجزاً. و لازم الأول صحة الصلاة مع العلم بنجاسة أحد الثياب التي عليه. و لازم الثاني البطلان إذا صلى في أحد أطراف الشبهة غير المحصورة أو كان بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء. و ذلك كله- مع أنه خلاف ظاهر النصوص- مما لا يظن إمكان الالتزام به.

و لأجل ذلك يتعين المصير الى الثالث، و لازمه التفصيل في الفرض المذكور بين كون الأرض مورداً لابتلاء المكلف و عدمه، و اختصاص الصحة بالثاني دون الأول. إلا أن يدعى انصراف النصوص إلى خصوص العلم بنجاسة الثوب أو البدن و لو إجمالا لا غير. و لكنه غير ظاهر.

______________________________
(1) الوسائل باب: 18 من أبواب النجاسات حديث: 1.

541
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): لو علم بنجاسة شي‌ء، فنسي ؛ ج‌1، ص : 542

تبين أنه مما لا يجوز، فجميع هذه من الجهل بالنجاسة (1) لا يجب فيها الإعادة أو القضاء.

[ (مسألة 3): لو علم بنجاسة شي‌ء، فنسي]

(مسألة 3): لو علم بنجاسة شي‌ء، فنسي و لاقاه بالرطوبة، و صلى، ثمَّ تذكر أنه كان نجسا، و أن يده تنجست بملاقاته، فالظاهر أنه أيضاً من باب الجهل بالموضوع، لا النسيان، لأنه لم يعلم نجاسة يده سابقا، و النسيان إنما هو في نجاسة شي‌ء آخر غير ما صلى فيه. نعم لو توضأ أو اغتسل قبل تطهير يده و صلى، كانت باطلة من جهة بطلان وضوئه أو غسله (2).

[ (مسألة 4): إذا انحصر ثوبه في نجس]

(مسألة 4): إذا انحصر ثوبه في نجس فان لم يمكن نزعه حال الصلاة لبرد أو نحوه صلى فيه (3)، لأن موضوع النصوص النجاسة التي يجب إزالتها على تقدير العلم و هي مما لم تعلم في الأمثلة المذكورة. لكن قال في كشف الغطاء:

«و في إلحاق الجهل بموضوع العفو- لزعم القلة فيما يعفى عن قليله، أو زعم أنه مما يعفى عن قليله، أو مما يعفى عن أصله، أو يعفى عن محله، أو عن أهله، كالمربية، أو لزعم اضطراره، أو لزعم أنه من بول الطفل مع الإتيان بالصب عليه، أو في تغذيته كذلك- أو الجهل بالمحصورية- بزعم أنه من غير المحصور، أو أنه من المشتبه الخارج بعد أحد الاستبراءين- إشكال. و يقوى الإفساد، عملا بأصل بقاء شغل الذمة». و يظهر ضعفه مما عرفت من عموم أدلة العفو، فلا مجال لقاعدة الاشتغال.

بناء على اشتراط طهارة محال الوضوء و الغسل في صحتهما، و سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى.

بلا خلاف و لا إشكال، بل قولا واحداً، كما في الجواهر.

542
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا انحصر ثوبه في نجس ؛ ج‌1، ص : 542

و لا يجب عليه الإعادة أو القضاء (1)، و ان تمكن من نزعه لإطلاق جملة من النصوص الآتية. و خصوص ما‌

رواه محمد الحلبي: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره. قال (ع): يصلي فيه إذا اضطر اليه» «1»

، بناء على حمل الضرورة فيه على ما نحن فيه.

على المشهور شهرة عظيمة. و عن الشيخ و ابن الجنيد وجوب الإعادة و ربما حكي عن جمع.

لموثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): «أنه سئل عن رجل ليس عليه إلا ثوب، و لا تحل الصلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟ قال (ع): يتيمم و يصلي، فإذا أصاب ماء غسله و أعاد الصلاة» «2».

و خلو النصوص الآمرة بالصلاة فيه «3» عن الأمر بالإعادة لا يصلح قرينة على حمله على الاستحباب. كما أن إعراض المشهور عنه لا يوجب سقوطه عن الحجية، لإمكان كونه لبنائهم على تعارض النصوص في الباب، و وجوب ترجيح غيره عليه. نعم لا يظهر منه كون الإعادة لأجل الصلاة في النجاسة، أو لأجل التيمم الذي قد أمر في جملة من النصوص «4» بالإعادة من أجله، المحمولة على الاستحباب، حسب ما يأتي في محله، فلعل ذلك موجب لحمله على الاستحباب لذلك، بقرينة خلو النصوص عن الأمر بالإعادة. فتأمل.

ثمَّ إن عدم وجوب الإعادة مبني على مشروعية البدار لذوي الأعذار كما يقتضيه إطلاق دليل البدلية، لصدق عدم القدرة على الطبيعة المطلقة مع‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 7.

(2) الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 8.

(3) راجع الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات.

(4) راجع الوسائل باب: 14 من أبواب التيمم.

543
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا انحصر ثوبه في نجس ؛ ج‌1، ص : 542

ففي وجوب الصلاة فيه، أو عاريا، أو التخيير وجوه الأقوى الأول (1)، و الأحوط تكرار الصلاة.

عدم القدرة عليها في أول الوقت، و ان علم بالقدرة على بعض الافراد في أثناء الوقت أو آخره، إذ القدرة في الأثناء لا تنافي العجز أول الوقت. نعم في ثبوت الإطلاق لنصوص المقام تأمل، لظهور كونها مسوقة مساق جعل البدل في ظرف عدم القدرة في قبال سقوطه، لا في مقام جعل البدلية بلحاظ جميع الأزمنة، و حينئذ يجوز البدار منوطاً بعدم القدرة في تمام الوقت واقعاً فاذا انكشف ثبوت القدرة في أثناء الوقت انكشف فساد البدل من أول الأمر. و لعله يأتي توضيح ذلك إن شاء اللّٰه.

كما عن البيان و المدارك ترجيحه، و عن المعالم و كشف اللثام تقويته للأخبار الآمرة بذلك،

كصحيح الحلبي: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن رجل أجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره. قال (ع): يصلي فيه، فاذا وجد الماء غسله» «1»

، و نحوه صحيحه الآخر في الثوب الواحد الذي فيه البول «2»، و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه في الثوب الذي يجنب فيه «3». و‌

في صحيح ابن جعفر (ع): «عن رجل عريان و حضرت الصلاة، فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم يصلي فيه أو يصلي عريانا؟

قال (ع): إن وجد ماء غسله، و ان لم يجد ماء صلى فيه، و لم يصل عريانا» «4».

التي يجب ترجيحها على معارضها-

كرواية محمد الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في رجل أصابته جنابة، و هو في الفلاة، و ليس

______________________________
(1) الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(3) الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 45 من أبواب النجاسات حديث: 5.

544
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): إذا انحصر ثوبه في نجس ؛ ج‌1، ص : 542

.....

عليه إلا ثوب واحد و أصاب ثوبه مني. قال (ع): يتيمم و يطرح ثوبه، فيجلس مجتمعاً فيصلي، و يومئ إيماء» «1»

، و نحوها موثق سماعة، و موثقه الآخر «2»، لكن فيه أنه يصلي عريانا قائماً يومئ إيماء- لأنها أصح سنداً، و أكثر عدداً. مع أن تفويت شرط الساتر أولى من تفويت نفسه.

و لا سيما و يلزم من الصلاة عاريا الإخلال بالأركان، لابدال الركوع و السجود فيها بالإيماء.

و لكنه يشكل ذلك: بأن الترجيح يتوقف على عدم إمكان الجمع بحمل الأول على صورة الاضطرار و الأخيرة على غيرها، بشهادة رواية الحلبي المتقدمة في المسألة السابقة. و حمل‌

«إذا اضطر»

فيها على معنى عدم التمكن من ثوب آخر طاهر، خلاف الظاهر، لأن ذلك مفروض في السؤال، فذكره في الجواب يكون تأكيداً لا تأسيساً، و هو خلاف الأصل. مع أن النجاسة مانعة عن الصلاة و لو كانت في غير الساتر أو في البدن، فالدوران يكون بين شرطية الساتر و مانعية النجاسة، و الانتقال الى البدل لا بأس به إذا دل على بدليته الدليل.

و لأجل ذلك حكي عن المشهور وجوب الصلاة عارياً في مفروض المسألة، أعني: صورة عدم الاضطرار إلى لبس الثوب (و دعوى): إباء النصوص عنه و لا سيما صحيح ابن جعفر (ع)، لأن قول السائل فيه:

«أو يصلي عريانا؟»

ظاهر في إمكان الصلاة عريانا (ممنوعة) إذ المراد من الاضطرار هو العرفي، الذي لا ينافي الإمكان العقلي. بل قيل: ربما يومئ إلى التفصيل المذكور كون مورد النصوص الثانية الفلاة التي لا تكون من موارد الاضطرار إلى لبس الثوب.

______________________________
(1) الوسائل باب: 46 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 46 من أبواب النجاسات حديث: 1.

545
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة ؛ ج‌1، ص : 546

[ (مسألة 5): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة]

(مسألة 5): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة (1) و ان لم يتمكن إلا من صلاة واحدة، و من هذا كله يظهر لك ضعف القول بالتخيير- كما هو المحكي عن المعتبر، و المنتهى، و المختلف، و الدروس، و الذكرى، و جامع المقاصد، و غيرها- جمعاً بين النصوص بالحمل عليه. فإنه بلا شاهد، و لا مما يساعده العرف في مثلها مما ظاهره السؤال عن كيفية الصلاة في ظرف المفروغية عن وجوبها، إذ- على هذا- لا معنى للوجوب التخييري، لامتناعه بين الضدين اللذين لا ثالث لهما. نعم لو كان السؤال عن أصل وجوب الصلاة أمكن الوجوب التخييري لوجود الواسطة و هي ترك الصلاة. لكنه خلاف ظاهر النصوص، و لا سيما مثل صحيح ابن جعفر (ع)، فان الجواب كالصريح في نفي الوجوب التخييري. مع أن ارتكابه فرع عدم إمكان الجمع بالتفصيل المتقدم، و قد عرفت إمكانه و قيام الشاهد عليه.

هذا و لكن يشكل التفصيل: بأن الاضطرار في رواية الحلبي غير ظاهر في كونه من جهة البرد و نحوه، بل من الجائز أن يكون من جهة الصلاة، و مع إجماله من هذه الجهة لا يصلح للشهادة على الجمع. و لا سيما و أن نصوص الصلاة فيه لو كان موردها الاضطرار بالمعنى المذكور كان المتعين ذكره في السؤال، فإنه مما له مزيد دخل في الحكم، فإهماله يدل على خلاف ذلك. و لا سيما مثل صحيح ابن جعفر، فان قول السائل:

«أو يصلي عريانا»

كالصريح في عدم الاضطرار إلى ذلك، لا عرفاً و لا شرعاً. و أيضاً فإن أحد موثقي سماعة المتضمن للإيماء قاعداً لا بد أن يكون مورده عدم الأمن من الناظر، و هو من موارد الاضطرار، فكيف يمكن حملها على غير الاضطرار؟!.

فالأقوى إذاً ما في المتن، ترجيحاً لنصوصه على معارضها، كما سبق.

كما هو المشهور. و هو الذي تقتضيه قاعدة الاحتياط فيما علم‌

546
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة ؛ ج‌1، ص : 546

يصلي في أحدهما (1) لا عاريا. و الأحوط القضاء خارج الوقت في الآخر أيضاً إن أمكن، و الا عاريا.

التكليف به إجمالا. و يدل عليه‌

صحيح صفوان: «أنه كتب إلى أبي الحسن (ع) يسأله عن الرجل معه ثوبان، فأصاب أحدهما بول و لم يدر أيهما هو، و حضرت الصلاة و خاف فوتها، و ليس عنده ماء، كيف يصنع؟ قال (ع): يصلي فيهما جميعاً» «1».

و عن ابني إدريس و سعيد: وجوب الصلاة عارياً، لأن اعتبار الساتر الطاهر يوجب تعذر الجزم بالنية المعتبر في الإطاعة الواجبة في العبادات، فيجب إما رفع اليد عن اعتبار الطهارة فيكتفى بالصلاة في واحد منهما، أو رفع اليد عن اعتبار الساتر مع البناء على اعتبار الطهارة، و الثاني هو المتعين، لأن مانعية النجاسة أهم من شرطية الساتر، بشهادة وجوب الصلاة عاريا لو دار الأمر بينهما و بين الصلاة في النجس. و لمرسلة المبسوط «‌

روي أنه يتركهما و يصلي عارياً

» «2». و فيه: أنه لا دليل على اعتبار الجزم بالنية عند عدم التمكن منه، بل مطلقاً. مع أنه اجتهاد في مقابلة النص الصحيح. و مرسلة المبسوط ضعيفة و مهجورة.

أما بناء على وجوب الصلاة في النجس لو انحصر الساتر فيه- كما تقدم من المصنف- فالحكم المذكور واضح، لأنه إذا بني على تقديم الموافقة القطعية لوجوب التستر و ان لزم المخالفة القطعية لمانعية النجاسة، فأولى أن يبنى على تقديمها إذا لزم المخالفة الاحتمالية. و أما بناء على وجوب الصلاة عارياً مع الانحصار فمشكل، لاحتمال أهمية مانعية النجاسة على نحو تحريم المخالفة الاحتمالية لها و ان حصلت الموافقة القطعية لشرطية التستر، كما يحتمل أهمية حرمة المخالفة القطعية لشرطية التستر و ان حصلت الموافقة القطعية لمانعية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 64 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) ذكر ذلك في آخر فصل تطهير الثياب و الأبدان من النجاسات، آخر صفحة: 12.

547
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة ؛ ج‌1، ص : 546

.....

النجاسة، و مع احتمال الأهمية من الطرفين يتخير بينهما عقلا.

و من ذلك يظهر أن القائل بوجوب الصلاة في النجس مع الانحصار يتعين عليه القول بوجوب الصلاة فيه هنا، و القائل بوجوب الصلاة عاريا هناك يتعين عليه القول هنا بالتخيير بين الصلاة فيه و الصلاة عاريا. و كون لازم القول بوجوب الصلاة عاريا أهمية مانعية النجاسة من شرطية التستر، لا يجدي في تعين الصلاة عاريا، لما عرفت من أنه مع الانحصار فيه تكون الصلاة فيه مخالفة قطعية لمانعية النجاسة، و موافقة قطعية لشرطية التستر، و من الجائز أن تكون أهمية المانعية من الشرطية إنما تقتضي رعايتها في ظرف لزوم المخالفة القطعية لها، لا في ظرف لزوم المخالفة الاحتمالية لها- كما في الفرض- إذ يحتمل أن لا يكون لها من شدة الاهتمام ما يستوجب رعايتها في ظرف الاحتمال، بل تكون الأهمية لشرطية التستر، و مع احتمال الأهمية لكل من الطرفين يتخير في نظر العقل. فالقائل بوجوب الصلاة عاريا مع الانحصار، يلزمه القول بالتخيير هنا بين ذلك و بين الصلاة فيه.

هذا كله بالنظر إلى وظيفة المكلف في الوقت، و أما بالنظر الى الاجزاء و عدم وجوب الإعادة، فمقتضى القاعدة عدم الاجزاء، لعدم الدليل عليه و قيام الدليل على الاجزاء في صورة الانحصار لو صلى فيه أو عاريا، لا يقتضي البناء على الاجزاء هنا، للفرق بينهما بالعجز عن امتثال الواجب الأولي هناك، و لا كذلك هنا، لوجود الثوب الطاهر عنده، فالعجز إنما هو عن العلم بالامتثال لا غير.

548
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): إذا كان عنده ثوبان يعلم بنجاسة أحدهما يكرر الصلاة ؛ ج‌1، ص : 546

.....

تنبيه إجراء قواعد التزاحم في المقام- من الترجيح بالأهمية، أو احتمال الأهمية، و التخيير مع التساوي في الاهتمام، أو لكون احتمال الأهمية موجوداً في الطرفين- إنما يتم مع تعذر الجمع بين الأمرين، لضيق الوقت أو نحوه أما مع إمكان الجمع فاجراؤه كلية غير ظاهر، لاختصاص ذلك بما إذا كانت الملاكات موجودة في الطرفين، بأن كان هناك واجبان تعذر الجمع بينهما، مثل أن يدور الأمر بين إنقاذ الغريق، و تطهير المسجد، أو فعل الصلاة، أو ترك التصرف في المغصوب، أو نحو ذلك من موارد الدوران فإنه لا قصور في وجود الملاك في إنقاذ الغريق، كما لا قصور في وجوده أيضاً في فعل الصلاة، و في تطهير المسجد و في ترك التصرف في المغصوب، و لما لم يمكن العمل بهما معا، يرجع الى القواعد العقلية الموجبة للتخيير أو الترجيح في الموافقة و المخالفة. أما إذا علم كون التكليف واحداً و كون الملاك موجوداً في أحد الطرفين لا غير، و كان الشك في موضوعه، فاللازم الجمع بين المحتملين، عملا بالعلم الإجمالي.

نعم العلم بأهمية أحد الأمرين يكون موجباً للعلم بوجود الملاك فيه لا غير فلا يجب الآخر. كما أنه مع التساوي في الاهتمام يعلم بوجود الملاك في كل منهما تخييرا، فيجب أحدهما على التخيير دون الآخر. كما أنه مع احتمال الأهمية في أحد الطرفين بعينه يعلم بوجود الملاك في محتمل الأهمية، إما تعييناً أو تخييرا بينه و بين الآخر، فيجب بعينه عقلا دون الآخر.

أما إذا كان احتمال الأهمية موجودا في كل من الطرفين فلم يحرز وجود الملاك في كل منهما تخييرا، فلا طريق للحكم بوجوب أحدهما تخييرا مع إمكان‌

549
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر ؛ ج‌1، ص : 550

[ (مسألة 6): إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر]

(مسألة 6): إذا كان عنده مع الثوبين المشتبهين ثوب طاهر، لا يجوز أن يصلي فيهما بالتكرار (1)، بل يصلي فيه.

نعم لو كان له غرض عقلائي في عدم الصلاة فيه لا بأس بها فيهما مكررا.

[ (مسألة 7): إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة يكفي تكرار الصلاة في اثنين]

(مسألة 7): إذا كان أطراف الشبهة ثلاثة يكفي تكرار الصلاة في اثنين، سواء علم بنجاسة واحد و بطهارة الاثنين، أو علم بنجاسة واحد و شك في نجاسة الآخرين، أو في نجاسة أحدهما، لأن الزائد على المعلوم محكوم بالطهارة و ان الجمع، بل يجب الجمع بينهما عقلا، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما المردد بينهما.

و ما ذكرناه مطرد في جميع موارد الدوران بين ترك شرط و شرط آخر، و بين ترك جزء و جزء آخر، و بين ترك شرط و ترك جزء، مع العلم بوجوب الواجب و عدم سقوط وجوبه بتعذر جزئه أو شرطه. مثل أن يدور الأمر بين ترك الطمأنينة في الصلاة و ترك القيام، و بين ترك القيام في الصلاة و ترك الركوع، و بين ترك القيام و ترك الاستقبال .. الى غير ذلك من موارد الدوران. و الحكم فيه ما ذكرناه، من أنه إن علم بتساوي الأمرين في نظر الشارع فقد علم بوجود ذلك الملاك في كل منهما تخييراً، فيتخير المكلف بينهما، و ان علم بأهمية أحدهما بعينه فقد علم بوجود الملاك فيه لا غير، و إن علم بأهمية أحدهما بعينه أو مساواته للآخر فقد علم بوجود الملاك في محتمل الأهمية و شك في وجوده في الآخر، و ان احتمل الأهمية في كل من الطرفين فلا طريق إلى إحراز الملاك في أحدهما تعييناً، و مع تردده بينهما يجب الاحتياط بالجمع مع إمكانه و مع عدم إمكانه يتخير بينهما. لكن في الحكم بالاجزاء و سقوط القضاء إشكال، لعدم الدليل عليه.

قد تقدم في صدر مسائل التقليد تقريب المنع عن الامتثال الإجمالي‌

550
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 8): إذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا، و لم يكن له من الماء إلا ما يكفي أحدهما فلا يبعد التخيير ؛ ج‌1، ص : 551

لم يكن مميزا (1)، و إن علم في الفرض بنجاسة الاثنين يجب التكرار بإتيان الثلاث، و ان علم بنجاسة الاثنين في أربع يكفي الثلاث. و المعيار- كما تقدم سابقاً- التكرار الى حد يعلم وقوع أحدها في الطاهر.

[ (مسألة 8): إذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا، و لم يكن له من الماء إلا ما يكفي أحدهما فلا يبعد التخيير]

(مسألة 8): إذا كان كل من بدنه و ثوبه نجسا، و لم يكن له من الماء إلا ما يكفي أحدهما فلا يبعد التخيير. و الأحوط تطهير البدن (2). و ان كانت نجاسة أحدهما أكثر أو أشد مع التمكن من الامتثال التفصيلي، و تقدم الاشكال عليه. فراجع.

قد يشكل: بأن غير المميز لا يجري فيه الأصل، كما أشرنا إليه في بعض المباحث السابقة، و حقق في محله، من عدم جريان الأصل في الفرد المردد (و فيه): أن الفرد المردد الذي لا يجري فيه الأصل ليس مطلق غير المتميز، بل خصوص المردد بين المعلوم ثبوت الحكم له و المعلوم انتفاؤه عنه. أما المردد بين فردين إذا كان حاكياً عن فرد معين في الواقع، و هو مشكوك، مثل الثوب الذي لم يلاق النجاسة المعلومة- كما في الفرض- فلا مانع من جريان الأصل فيه.

إن قلنا بوجوب الصلاة عاريا مع الانحصار، فلا ينبغي الإشكال في وجوب تطهير البدن- عملا بمانعية النجاسة- لأنه إذا طهر بدنه و صلى عاريا لم يصل في النجاسة، بخلاف ما لو طهر الثوب و صلى فيه لأنه صلى و بدنه نجس قطعاً. أما بناء على وجوب الصلاة في الثوب رعاية لشرطية التستر و ان لزمت المخالفة لمانعية النجاسة، فلأجل أن النجاسة المأخوذة موضوعا للمانعية ملحوظة بنحو الطبيعة السارية، فكما أن نجاسة البدن مانعة كذلك نجاسة الثوب، فيجب عليه رفع إحداهما مع الإمكان، فيتخير بينهما.

إلا أن يقال: نجاسة البدن مما يحتمل أولويتها في المانعية، فيدور‌

551
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 9): إذا تنجس موضعان من بدنه أو لباسه، و لم يمكن إزالتهما فلا يسقط الوجوب ؛ ج‌1، ص : 552

لا يبعد ترجيحه (1).

[ (مسألة 9): إذا تنجس موضعان من بدنه أو لباسه، و لم يمكن إزالتهما فلا يسقط الوجوب]

(مسألة 9): إذا تنجس موضعان من بدنه أو لباسه، و لم يمكن إزالتهما فلا يسقط الوجوب (2)، و يتخير إلا مع الدوران بين الأقل و الأكثر أو بين الأخف و الأشد، أو بين متحد العنوان و متعددة، فيتعين الثاني في الجميع (3). بل إذا كان موضع النجس واحداً و أمكن تطهير بعضه لا يسقط الميسور. بل إذا لم يمكن التطهير، لكن أمكن إزالة العين الأمر بين التعيين و التخيير، و الأصل يقتضي التعيين هنا، و ان قلنا بالتخيير إذا دار الواجب بين التعيين و التخيير، لأن الشك في المقام في السقوط، للعلم بمانعية نجاسة البدن، و الشك في كون العجز المفروض مسقطاً، بخلاف ذلك المقام، فان الشك فيه في الثبوت. و من هذا يظهر وجوب تطهير البدن على كل من القولين.

إذا كان الأكثر أو الأشد في البدن فلا إشكال. أما إذا كان في الثوب فالأكثرية أو الأشدية، و ان كانت توجب الأهمية، أو احتمال الأهمية، لكن عرفت أن كون النجاسة في البدن أيضاً من المرجحات، فيكون احتمال الأهمية في كل من الطرفين، و مقتضاه التخيير. اللهم إلا أن يكون احتمال الأهمية فيها أقرب فيتعين عقلا.

ثمَّ إن المصنف (ره) لم يتعرض لاحتمال وجوب القضاء هنا، لأنه على تقدير صرف الماء في التطهير يتحقق العجز، الموجب للاجزاء جزماً.

لأن الظاهر من دليل مانعية النجاسة كونها ملحوظة بنحو الطبيعة السارية، فكل ما يفرض من وجود النجاسة مانع مستقل، فإذا أمكن رفع البعض تعين.

للأهمية في غير الأخير و احتمالها فيه.

552
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 10): إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث ؛ ج‌1، ص : 553

وجبت (1). بل إذا كانت محتاجة إلى تعدد الغسل، و تمكن من غسلة واحدة، فالأحوط عدم تركها، لأنها توجب خفة النجاسة (2)، إلا أن يستلزم خلاف الاحتياط من جهة أخرى، بأن استلزم وصول الغسالة إلى المحل الطاهر (3).

[ (مسألة 10): إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث]

(مسألة 10): إذا كان عنده مقدار من الماء لا يكفي إلا لرفع الحدث أو لرفع الخبث من الثوب أو البدن، تعين رفع الخبث (4).

و يتيمم بدلا عن الوضوء أو الغسل. و الاولى أن يستعمل في إزالة الخبث أولا ثمَّ التيمم ليتحقق عدم الوجدان حينه.

[ (مسألة 11): إذا صلى مع النجاسة اضطرارا لا يجب عليه الإعادة بعد التمكن من التطهير]

(مسألة 11): إذا صلى مع النجاسة اضطرارا لا يجب عليه الإعادة بعد التمكن من التطهير (5). نعم لو حصل كما يستفاد مما ورد من الأمر بنفض الثوب إذا هبت الريح فسفت عليه العذرة «1» مع أن احتمال الأهمية كاف في الوجوب.

إن كان الأمر كذلك تعين الغسل مرة. لكن يحتمل أن تكون الغسلة الأولى من قبيل شرط تأثير الغسلة الثانية في الرفع.

إن كان وصول ماء الغسالة إلى المحل الطاهر بنحو ينجسه، و إلا- بأن كان يمر عليه و يتساقط عنه- فلا يضر، و لا يلزم خلاف الاحتياط، لأن ماء الغسالة لا ينجس ملاقيه الا بعد الانفصال.

هذا مما لا إشكال فيه عندهم، و العمدة فيه أنه يستفاد من الأدلة الدالة على بدلية التيمم عن الوضوء أو الغسل مشروعية البدلية في كل مورد يلزم محذور من الطهارة المائية، و سيأتي ان اللّٰه شاء في مبحث التيمم توضيح ذلك.

قد عرفت أن هذا يتوقف على جواز البدار لذوي الأعذار.

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 12.

553
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 12): إذا اضطر الى السجود على محل نجس لا يجب اعادتها بعد التمكن من الطاهر ؛ ج‌1، ص : 554

التمكن في أثناء الصلاة استأنف في سعة الوقت. و الأحوط الإتمام و الإعادة.

[ (مسألة 12): إذا اضطر الى السجود على محل نجس لا يجب اعادتها بعد التمكن من الطاهر]

(مسألة 12): إذا اضطر الى السجود على محل نجس لا يجب اعادتها بعد التمكن من الطاهر (1).

[ (مسألة 13): إذا سجد على الموضع النجس جهلا أو نسياناً لا يجب عليه الإعادة]

(مسألة 13): إذا سجد على الموضع النجس جهلا أو نسياناً لا يجب عليه الإعادة (2)، و ان كانت أحوط.

و لكنه خلاف التحقيق. فراجع ما تقدم في المسألة الرابعة. و لا فرق بين ارتفاع العذر في الأثناء و بعد الفراغ.

لأن العمدة في دليل اعتبار طهارة المسجد الإجماع، و المتيقن منه حال الاختيار، فالمرجع في حال الاضطرار أصل البراءة. و عليه فلا مانع من جواز البدار.

لما تقدم في المسألة السابقة من عدم إطلاق لدليل الشرطية، و المرجع أصل البراءة. نعم لو بني على ثبوت الإطلاق أشكل وجه الصحة لأن الطهارة إذا كانت من شرائط السجود لزم من فواتها فواته، و حينئذ تكون الصلاة المفروضة فاقدة للركن، فتبطل. نعم لو قيل إن الطهارة ليست شرطاً في السجود بل هي واجب صلاتي في حال السجود، أمكنت دعوى الصحة، لعموم‌

حديث «لا تعاد الصلاة ..»

بناء على كون المراد من الطهور في المستثنى الطهارة من الحدث، لا ما يعم الطهارة من الخبث حتى طهارة المسجد. و لازم ذلك أن لو سجد على النجس و التفت بعد رفع رأسه من السجدة لا يجب عليه تدارك السجدة لفوات المحل الموجب للمضي‌

بحديث: «لا تعاد الصلاة ..»

و تحقيق ذلك في مباحث الخلل.

554
مستمسک العروة الوثقی1

فصل فيما يعفى عنه في الصلاة ؛ ج‌1، ص : 555

 

[فصل فيما يعفى عنه في الصلاة]

فصل فيما يعفى عنه في الصلاة و هو أمور:

[ (الأول): دم الجروح و القروح، ما لم تبرأ]

(الأول): دم الجروح و القروح، ما لم تبرأ (1)، في الثوب أو البدن قليلا كان أو كثيرا (2)، أمكن الإزالة أو التبديل بلا مشقة أم لا (3).

فصل فيما يعفى عنه في الصلاة كما‌

في مصححة أبي بصير: «دخلت على أبي جعفر (ع): و هو يصلي فقال لي قائدي: إن في ثوبه دما، فلما انصرف (ع) قلت له:

إن قائدي أخبرني أن بثوبك دما. فقال (ع): إن بي دماميل، و لست أغسل ثوبي حتى تبرأ» «1».

و‌

مرسل سماعة عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إذا كان بالرجل جرح سائل، فأصاب ثوبه من دمه، فلا يغسله حتى يبرأ و ينقطع الدم» «2».

و من الأخير يظهر أن المراد بالبرء انقطاع الدم انقطاع برء.

لإطلاق بعض النصوص، و صريح بعضها، كصحيح ليث «3» و غيره، كما يأتي.

المذكور في عبارات جماعة تقييد القروح و الجروح بالدامية، أو‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 1. رواه في الوسائل عن ابن أبي عمير عن سماعة عن أبي عبد الله (ع).

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 7.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 5. و سيأتي في أواخر هذا البحث من كلام الشارح قدس سره.

 

555
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول): دم الجروح و القروح، ما لم تبرأ ؛ ج‌1، ص : 555

.....

التي لا ترقأ، أو اللازمة، أو السائلة، أو نحو ذلك، و تقييد الحكم بالعفو بمشقة الإزالة، بل المنسوب إلى الأكثر أو المشهور اعتبار قيدين في العفو (أحدهما): استمرار الدم بنحو لا تكون له فترة تسع الصلاة (و ثانيهما):

المشقة في التطهير.

و كأن الوجه في اعتبار القيد الأول ما في مرسل سماعة المتقدم من وصف الجرح بالسائل. و‌

صحيح ابن مسلم عن أحدهما (ع): «عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟ فقال (ع): يصلي و ان كانت الدماء تسيل» «1»

، و نحوه ما في مستطرفات السرائر، عن نوادر البزنطي، عن عبد اللّٰه بن عجلان، عن أبي جعفر «2».

و يشكل: بأن الظاهر من التوصيف بالسيلان التوطئة، لأن يترتب عليه إصابة الدم للثوب الذي هو موضوع الشرطية، فالشرطية مسوقة لتحقيق الموضوع. مع أنه غير ظاهر في الاستمرار بحيث لا تكون له فترة تسع الصلاة، لصدق كون الجرح سائلا، و لو مع الفترة المذكورة، و إلا لكان ظاهراً فيما لا فترة له أصلا، إذ لا موجب للفرق في الظهور بين الفترة التي تسع و التي لا تسع. و يشير الى ما ذكرنا‌

قوله (ع): «حتى تبرأ و ينقطع الدم»

، فإنه لو كان المراد من السائل المستمر بلا فترة كان المناسب جعل الغاية الفترة.

و أما صحيح ابن مسلم و نحوه فالقيد فيه مذكور في كلام السائل، و غاية ما يقتضيه قصور الرواية عن شمول صورة الفترة. نعم لو كان مذكورا في كلام الامام (ع) أمكن أن يكون له مفهوم يدل على انتفائه الحكم بانتفائه، بناء على حجية مفهوم القيد. مع أنه خلاف التحقيق.

و أما وجه القيد الثاني، فالظاهر أنه‌

موثق سماعة: «سألته عن الرجل

______________________________
(1) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات ملحق حديث: 4.

556
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول): دم الجروح و القروح، ما لم تبرأ ؛ ج‌1، ص : 555

.....

به القرح و الجرح و لا يستطيع أن يربطه و لا يغسل دمه. قال (ع): يصلي و لا يغسل ثوبه كل يوم إلا مرة، فإنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة» «1»

و‌

رواية ابن مسلم المروية عن مستطرفات السرائر: «إن صاحب القرحة التي لا يستطيع ربطها، و لا حبس دمها، يصلي و لا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرة» [1].

و فيه: أن الظاهر من قوله في الموثق:

«و لا يغسل دمه»

أنه معطوف على قوله:

«يربطه»

و يكون التقدير: «و لا يستطيع أن يغسل دمه».

و لكنه ينافيه الأمر بغسل الثوب في كل يوم مرة، لامتناع التكليف بغير المستطاع، فلا بد أن تحمل على ارادة نفي الاستطاعة على غسل الدم في تمام المدة، على نحو العموم المجموعي، فلا ينافي الاستطاعة على الغسل في كل يوم مرة. و يشهد به التعليل بقوله (ع):

«فإنه لا يستطيع ..»

، فتدل الرواية على العفو عن الدم إذا كان التطهير في مجموع المدة غير مستطاع، و هذا أجنبي عن اعتبار المشقة في كلامهم، حتى لو حمل نفي الاستطاعة على المشقة، لأن المشقة في تمام المدة غير ما يظهر من المشقة في كلامهم، التي هي المشقة في كل وقت من أوقات الابتلاء مع قطع النظر عن غيره.

و أما رواية ابن مسلم فلا دلالة لها على اعتبار المشقة بوجه. نعم لو قيل بثبوت مفهوم الوصف دلت على اختصاص العفو بصورة عدم إمكان ربط الجرح و حبس دمه، من دون فرق بين صورة المشقة في التطهير و غيرها، و هذا شي‌ء لا يقول به أحد. و كأنه لذلك كان المحكي عن جامع المقاصد، و حاشية الشرائع و المسالك و الروضة و المدارك، و غيرها: عدم اعتبار المشقة و عن غيرهم عدم اعتبار الاستمرار و انتفاء الفترة أيضاً. بل من المحتمل‌

______________________________
[1] فيما استطرفه من نوادر البزنطي.

______________________________
(1) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 2.

557
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول): دم الجروح و القروح، ما لم تبرأ ؛ ج‌1، ص : 555

نعم يعتبر أن يكون مما فيه مشقة نوعية (1)، فان كان مما قريباً أن يكون المراد من السيلان في كلام جماعة ما يقابل الانقطاع للبرء، عملا بإطلاق غير واحد من النصوص، كرواية أبي بصير المتقدمة، و‌

صحيح ليث المرادي: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الرجل تكون به الدماميل و القروح فجلده و ثيابه مملوءة دما وقيحا، و ثيابه بمنزلة جلده. فقال (ع): يصلي في ثيابه و لا يغسلها و لا شي‌ء عليه» «1».

و‌

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم و القيح فيصيب ثوبي. فقال (ع): دعه فلا يضرك أن لا تغسله» «2».

و‌

موثق عمار عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة. قال (ع): يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة» «3».

كأنه للتعليل المتقدم في موثق سماعة. لكن ظاهره كون المحذور الموجب للعفو تكرار الغسل في كل ساعة، فإن أريد من المشقة النوعية هذا المعنى فهو، و يكون المدار في العفو و عدمه لزوم التكرار و عدمه، و إلا فلا دليل عليه.

ثمَّ إن وجه توقف المصنف (ره) عن الجزم باعتبار المشقة بالمعنى المذكور احتمال أن يكون التعليل المذكور من قبيل الحكمة. لكنه خلاف الظاهر.

أو احتمال كونه تعليلا لخصوص الحكم في مورد السؤال، فلا ينافي ثبوته في غيره لوجه آخر. و هذا غير بعيد في أمثاله مما كان ظاهرا في تطبيق الكبرى على المورد، لا تعليل حكمه. و قد ذكرنا في مبحث قضاء المغمى عليه‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(3) الوسائل باب: 22 من أبواب النجاسات حديث: 8.

558
مستمسک العروة الوثقی1

(الأول): دم الجروح و القروح، ما لم تبرأ ؛ ج‌1، ص : 555

لا مشقة في تطهيره أو تبديله على نوع الناس، فالأحوط إزالته أو تبديل الثوب. و كذا يعتبر أن يكون الجرح مما يعتد به (1) و له ثبات و استقرار، فالجروح الجزئية يجب تطهير دمها. و لا يجب فيما يعفى عنه منعه عن التنجيس (2). نعم يجب شده إذا كان في موضع يتعارف شده (3). و لا يختص العفو بما في محل الجرح، فلو تعدى عن البدن الى اللباس أو الى أطراف المحل كان معفواً. لكن بالمقدار المتعارف في مثل فرقا بين التعليل بمثل: «لأنه كذا» و بين قوله: «فإنه كذا»، و ان الأول ظاهر في انتفاء الحكم بانتفائه، دون الثاني. فتأمل جيدا.

لقصور الإطلاقات عن شمول غيره. لكن التعليل في الموثق لا قصور فيه فإجراء الحكم فيه في محله.

لإطلاق الأدلة.

كما عن بعض، اقتصاراً على المتيقن من النصوص. و للانصراف إلى المتعارف. و لمفهوم رواية ابن مسلم المروية في المستطرفات. و للتعليل في موثق سماعة. و يشكل: بأن الأول إنما يجوز إذا لم يكن إطلاق يقتضي العموم، و إلا تعين العمل عليه. و الانصراف المعتد به ممنوع، و لو بني عليه لوجب الاقتصار على المتعارف في الجرح، و في سببه، و في علاجه، و في منعه عن التنجيس، و غير ذلك من الجهات المتعارفة، و لم يلتزم به المصنف (ره) و لا غيره في بعضها. و مفهوم الوصف غير ثابت، و لا سيما في مثل المقام مما أمكن أن يكون مسوقاً لتنقيح الموضوع. و التعليل لو دل فإنما يدل على انتفاء العفو إذا لم يلزم تكرار الغسل من عدم العفو في مورده، و هو فرض الاضطرار إلى سراية الدم، و لا يقتضي المنع عن السراية، و لذا لم يجب المنع عن التنجيس، فلو قال: «الخمر حرام لأنها مسكرة»‌

559
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): كما يعفى عن دم الجروح، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه ؛ ج‌1، ص : 560

ذلك الجرح (1)، و يختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر و الصغر، و من حيث المحل، فقد يكون في محل لازمه بحسب المتعارف التعدي إلى الأطراف كثيراً، أو في محل لا يمكن شده، فالمناط المتعارف بحسب ذلك الجرح.

[ (مسألة 1): كما يعفى عن دم الجروح، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه]

(مسألة 1): كما يعفى عن دم الجروح، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه (2)، و الدواء المتنجس الموضوع عليه (3)، و العرق المتصل به في المتعارف. أما الرطوبة الخارجية إذا وصلت اليه و تعدت إلى الأطراف فالعفو عنها مشكل (4)، فيجب غسلها إذا لم يكن فيه حرج.

دل على حلية الخمر غير المسكرة، لا حلية كل ما ليس بمسكر.

قد عرفت أن التعارف لا يوجب الانصراف المعتد به في رفع اليد عن الإطلاق، بل العموم ظاهر موثق عمار المتقدم.

كما هو صريح صحيحي ليث و عبد الرحمن المتقدمين، و ظاهر غيرهما.

لتعارف الابتلاء به. مع إهمال النصوص لبيان حكمه الدال على العفو. اللهم إلا أن يقال: يمكن أن يكون عدم التعرض لحكمه للاتكال على القواعد المانعة عنه. اللهم إلا أن يقال: لما لم تنفك عنه غالب الجروح التي لا ترقأ و يستمر سيلان الدم منها- كما هو مورد النصوص- فلو لم يعف عنه لزم أن يكون العفو عن الدم اقتضائيا، أو محمولا على غير الغالب و كلاهما خلاف الظاهر. و كذا الكلام في الدواء الموضوع على القروح.

و في العرق الذي لا ينفك عنه المقروح و المجروح غالبا في كثير من البلاد الذي هو مورد النصوص. و حملها على الشتاء دون الصيف بعيد في الغاية.

بل مقتضى عموم المنع عن النجاسة عدم العفو.

560
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها، و لا عفو ؛ ج‌1، ص : 561

[ (مسألة 2): إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها، و لا عفو]

(مسألة 2): إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها، و لا عفو. كما أنه كذلك إذا كان الجرح مما لا يتعدى، فتلوثت أطرافه بالمسح عليها بيده أو بالخرقة الملوثتين، على خلاف المتعارف.

[ (مسألة 3): يعفى عن دم البواسير]

(مسألة 3): يعفى عن دم البواسير (1) خارجة كانت أو داخلة. و كذا كل قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى الظاهر.

[ (مسألة 4): لا يعفى عن دم الرعاف]

(مسألة 4): لا يعفى عن دم الرعاف (2)، و لا يكون من الجروح.

[ (مسألة 5):: يستحب لصاحب القروح و الجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كل يوم مرة]

(مسألة 5):: يستحب لصاحب القروح و الجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كل يوم مرة (3).

عموم الحكم للجروح الباطنة غير ظاهر، فإن إطلاق لفظ الجرح ظاهر في الجرح الظاهر، و الجرح الباطن يحتاج الى التقييد بالباطن، و لا يفهم من قول القائل: «زيد فيه جرح أو قرح» إلا الجرح و القرح الظاهران، و لا يتوهم عموم الأدلة للدم الخارج من الصدر، أو المعدة، أو دم الاستحاضة، أو نحوها مما يكون من الجروح أو القروح الباطنية.

مع أن في دخول البواسير في القرح اشكالا، فإنها منابع للدم. فتأمل.

للأخبار الكثيرة الآمرة بالتطهير منه إذا حدث في أثناء الصلاة، و بقطعها ان لم يمكن «1»، و لصحيح زرارة الطويل «2» و غيره. مضافاً الى قصور نصوص العفو عن شموله.

على المشهور بين من تعرض له، بل لم يحك الخلاف فيه. لموثق‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 2 من أبواب قواطع الصلاة.

(2) الوسائل باب: 42 من أبواب النجاسات حديث: 2. و قد تقدم ذكر ما يناسب المقام منه فيمن صلى في النجاسة نسياناً.

561
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 6): إذا شك في دم أنه من الجروح أو القروح أم لا ؛ ج‌1، ص : 562

[ (مسألة 6): إذا شك في دم أنه من الجروح أو القروح أم لا]

(مسألة 6): إذا شك في دم أنه من الجروح أو القروح أم لا، فالأحوط عدم العفو عنه (1).

[ (مسألة 7): إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة]

(مسألة 7): إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة، بحيث تعد جرحا واحدا عرفا، جرى عليه حكم الواحد، فلو برئ بعضها لم يجب غسله، بل معفو عنه حتى يبرأ الجميع. و ان كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة سماعة و رواية ابن مسلم المتقدمين «1»، المحمولين على الاستحباب، بقرينة غيرهما من النصوص التي هي ما بين ناف له مطلقاً، أو الى أن يبرأ، فإنها- و لا سيما الثاني منها- مما يأبى التصرف فيه بالتقييد بالغسل أكثر من مرة في اليوم، كما لا يخفى. و من ذلك يظهر ضعف ما في الحدائق من الميل إلى الوجوب، أخذاً بظاهر الروايتين.

و جزم به بعضهم. لأصالة عدم كون الدم من الجروح أو القروح بناء على ما هو الظاهر من أن نفي عنوان الخاص بالأصل يكفي في ثبوت حكم العام له. و جزم بعضهم بالعفو. و كأنه لأن الأصل المذكور من قبيل الأصل الجاري في العدم الأزلي، الممنوع حجيته عند جماعة من المحققين، كما تقدم التعرض لذلك في الشك في وجود المادة. و لما كانت الشبهة مصداقية لا يجوز الرجوع فيها الى العام، كان المرجع أصل البراءة من المانعية.

و فيه: أن كون الدم من جرح أو قرح ليس من عوارض الوجود حال حدوثه، بل من عوارضه حال بقائه، فإن الدم الموجود في بدن الإنسان إن خرج من الجرح أو القرح كان دم الجرح أو القرح المعفو عنه و إلا فلا، فأصالة عدم الخروج من الجرح أو القرح بلا مانع، و كأنه لعدم‌

______________________________
(1) تقدم ذكرهما في أوائل هذا الفصل.

562
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

العرفية، فلكل حكم نفسه، فلو برئ البعض وجب غسله، و لا يعفى عنه إلى أن يبرأ الجميع (1).

[الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم]

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم (2)، وضوح ما ذكرنا في نظر المصنف توقف عن الجزم.

لكن مقتضى مصححة أبي بصير «1» العفو عن الجميع حتى يبرأ الجميع دون ما يساويه، على المشهور، و عن الخلاف الإجماع عليه، و عن كشف الحق نسبته إلى الإمامية (رض). و يدل عليه‌

صحيح ابن أبي يعفور: «قلت لأبي عبد اللّٰه (ع): الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمَّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلي، ثمَّ يذكر بعد ما صلى، أ يعيد صلاته؟

قال (ع): يغسله و لا يعيد صلاته، إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله و يعيد الصلاة» «2»

و نحو مرسل جميل «3». و‌

في صحيح إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر (ع): «قال في الدم يكون في الثوب: إن كان أقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة، و ان أكثر من قدر الدرهم، و كان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته» «4».

و تقريب الاستدلال به أن عدم ذكر المساوي إما أن يكون إهمالا لبيان حكمه، أو لاستفادته من مفهوم الشرطية الأولى، أو لاستفادته من مفهوم الشرطية الثانية. و الأول خلاف ظاهر الجواب عن السؤال و إذا دار الأمر بين الثاني- بحمل الشرطية الثانية على كونها تصريحاً بمفهوم الاولى- و بين الثالث- بحمل الشرطية الأولى على كونها تصريحاً بمفهوم الثانية- يتعين‌

______________________________
(1) تقدمت في أول هذا الفصل.

(2) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(4) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 2.

563
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

سواء كان في البدن أو اللباس (1)، الثاني لأنه أقرب من الثالث، لأن ترتيب البيان على حسب ترتيب الذكر أولى من عكسه. ثمَّ إنه لو لم يتم هذا التقريب فالرواية تكون مجملة، و العمل على غيرها متعين.

و عن المراسم العفو عن المساوي، و نسب إلى الانتصار أيضاً. لكن عبارته توافق المشهور. و يشهد للعفو‌

صحيح ابن مسلم: «قلت له: الدم يكون في الثوب علي و أنا في الصلاة. قال (ع): إن رأيته و عليك ثوب غيره فاطرحه و صل في غيره، و ان لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك و لا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم، و ما كان أقل من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره. و إذا كنت قد رأيته و هو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله و صليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه» «1».

فإنه يدل عليه بالمفهوم أو المنطوق في الفقرات الثلاث. و الجمع بينها بالتخصيص، بحمل ما لم يزد على ما دون الدرهم، أو كون المراد منه درهما فما زاد، نظير قوله تعالى: (فَإِنْ كُنَّ نِسٰاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ ..) «2» أو بغير ذلك. بعيد. عن مقام الجمع العرفي بين الاخبار الواردة في مقام التحديد جوازاً أو منعاً. فلا بد من المصير إلى أحكام التعارض، و الترجيح يقتضي الأخذ بأخبار المنع، لتعددها، و موافقتها لعموم المنع.

اللباس مورد النصوص. لكن يجب إلحاق البدن به، للإجماع المحكي عليه عن الانتصار، و التحرير، و التذكرة، و كشف الالتباس، و بعض نسخ الخلاف، بل و إطلاق معقد الإجماع على العفو المحكي عن المعتبر و المختلف و المنتهى و الدروس، و المدارك، و الدلائل، و الذخيرة. و لعل‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 6.

(2) النساء: 11.

564
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

من نفسه أو غيره (1). عدا الدماء الثلاثة من الحيض و النفاس و الاستحاضة (2)، الاقتصار على الثوب في جملة من كتب الصدوق و الشيخ و غيرهما كان تبعاً للنصوص، أو من باب المثال. و أما الاستدلال عليه‌

برواية المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد اللّٰه (ع): «إني حككت جلدي فخرج منه دم.

قال (ع): ان اجتمع قدر حمصة فاغسله، و الا فلا» «1».

فضعيف لقصور دلالتها على ذلك، على أن سندها لا يخلو عن إشكال.

لإطلاق النصوص.

للإجماع المحكي نقله عن جماعة- صريحاً و ظاهراً- في الأول.

و‌

لرواية أبي بصير: «لا تعاد الصلاة من دم لا (لم. خ ل) تبصره، غير دم الحيض، فإن قليله و كثيره في الثوب إن رآه أو لم يره سواء» «2»

بناء على ظهور القليل فيما دون الدرهم، كما هو الظاهر، بملاحظة ظهوره في خصوصية لدم الحيض، لا أنه مطلق كي يمكن تقييده بالدرهم فما زاد.

ثمَّ إنه لو منع الظهور المذكور كان بينه و بين إطلاق العفو عما دون الدرهم عموم من وجه، و بعد التعارض يرجع الى عموم المنع عن الدم. (و دعوى):

أن الرواية موقوفة «3» لم يروها أبو بصير عن المعصوم (ع). (مدفوعة):

بأن ذكرها في الكافي و التهذيب مما يأبى ذلك، كما تقدم في نظيره. على أنها مروية في النسخ الموجودة بين أيدينا من الكافي و التهذيب عن المعصوم (ع) و أما وجه الحكم في الأخيرين، فاستدل عليه بما دل على أن النفاس حيض و بما دل على لزوم تبديل القطنة. لكن الأول لم يثبت كونه رواية‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 20 من أبواب النجاسات حديث: 5.

(2) الوسائل باب: 21 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(3) هذه الدعوى مذكورة في المعتبر و المدارك و حكيت عن المعالم. منه قدس سره.

565
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

أو من نجس العين (1)، أو الميتة (2). بل أو غير المأكول (3)، مما عدا الإنسان (4) على الأحوط بل لا يخلو من قوة. و إذا كان متفرقا في البدن أو اللباس أو فيهما، و كان المجموع بقدر معتبرة. مع أنه غير ظاهر في وروده مورد التنزيل الموجب لثبوت الأحكام و الثاني لم يكن بناؤهم على التعدي من مورده الى موضع القطنة، فكيف يتعدى عن مورده الى المقام؟. فتأمل. و أضعف من ذلك الاستدلال عليه في الذكرى: بأن أصل النفاس حيض، و الاستحاضة مشتقة منه، و بتساويهما في إيجاب الغسل، و هو يشعر بالتغليظ. فالعمدة فيه ظاهر الإجماع المحكي عن جماعة.

كما ذكره جماعة. لأن أدلة العفو إنما دلت على العفو عن النجاسة الدموية، لا عن النجاسة من حيث كونه من نجس العين، فيرجع من هذه الجهة إلى عموم المنع، و قد عرفت في مبحث نجاسة المتنجس أن مقتضى القاعدة الالتزام باجتماع نجاستين في محل واحد، و لا دليل على امتناعه.

مضافاً الى كونه مما لا يؤكل لحمه، فيدخل تحت ما دل على مانعية ما لا يؤكل لحمه، و لو لم يكن نجساً و لا دماً. هذا و عن الحلي: أنه أنكر هذا الاستثناء كل الإنكار، و ادعى أنه خلاف مذهب الإمامية (رض). و كأنه أخذه من عدم تعرض القدماء له. لكن الظاهر أن كلامهم كالنصوص مسوق للعفو عن الدم من حيث هو لا غير. فراجع.

لما تقدم في نجس العين.

لما تقدم أيضا في نجس العين.

لاستثناء الإنسان عن حكم ما لا يؤكل لحمه. كما سيأتي في محله إن شاء اللّٰه.

566
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

الدرهم، فالأحوط عدم العفو (1). و المناط سعة الدرهم (2) لا وزنه. و حده سعة أخمص الراحة (3).

و جزم بالعدم جماعة، و عن كشف الالتباس نسبته الى المشهور لأن الظاهر من قوله (ع):

«مجتمعا»

في صحيح ابن أبي يعفور و مرسل جميل المتقدمين، كونه حالا من الضمير في:

«كان»

و المعنى: الا أن يكون الدم في حال كونه مجتمعا مقدار الدرهم. و لو بني على إجماله كفى إطلاق صحيح ابن مسلم و إسماعيل الجعفي المتقدمين، أو عموم المنع عن الصلاة في الدم.

و عن جماعة العفو عنه، بل في الذكرى نسبته الى المشهور، بدعوى ظهور قوله (ع):

«مجتمعا»

في الصحيح و المرسل في كونه خبرا ثانياً في الصحيح، و أولا في المرسل، و المعنى: إلا أن يكون مقدار الدرهم و مجتمعا، فالشرط في عدم العفو أمران: الاجتماع و كونه مقدار الدرهم.

و فيه: أن الظاهر و ان كان ذلك في نفسه، إلا أن استثناءه مما كان في الثوب متفرقا شبه النضح في الصحيح و تقييدا لما كان نقطا في الثوب، يقتضي كون الاستثناء منقطعا. أو يكون تقييدا بأمر أجنبي، و هو خلاف الظاهر جدا، فيتعين حمله على كونه حالا لا خبرا. و لا أقل من الاجمال الموجب للرجوع إلى إطلاق صحيح ابن مسلم، أو عموم المنع من الدم، كما عرفت.

بلا خلاف كما عن لوامع النراقي، لأن الظاهر من التقدير ذلك.

المحكي عن المتقدمين تفسير الدرهم المعفو عما دونه بالوافي، و عن الانتصار و الخلاف و الغنية: الإجماع عليه. و عن كثير تفسيره بالبغلي، و عن كشف الحق: نسبته إلى الإمامية، و عن بعض الأساطين في شرحه أن كون الدرهم هو البغلي من العلميات، و الإجماعات عليه لا تحصر. و هو إما بفتح الباء و الغين المعجمة و تشديد اللام، كما نسب إلى المتأخرين و أنه الذي سمع‌

567
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

.....

من الشيوخ- كما عن المهذب البارع- و إما بإسكان الغين و تخفيف اللام، كما عن جماعة التصريح به. و الظاهر رجوع التفسيرين إلى أمر واحد. و يشهد به- مضافا الى دعوى الإجماع من كل من الطرفين على ما فسره به- عدم تعرضهم للخلاف في التفسير، بل عن بعض دعوى الاتفاق على الاتحاد.

و لذا قال في المعتبر: «و الدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم و ثلث، و سمي البغلي نسبة الى قرية بالجامعين». و في الذكرى: «عفى عن الدم في الثوب و البدن عما نقص عن سعة الدرهم الوافي و هو البغلي بإسكان الغين، و هو منسوب الى رأس البغل، ضربه للثاني في ولايته بسكة كسروية، وزنه ثمانية دوانيق. (و البغلية) كانت تسمى قبل الإسلام (الكسروية) فحدث لها هذا الإسلام في الإسلام ..». نعم في السرائر- بعد أن فسر الدرهم بالوافي المضروب من درهم و ثلث- قال: «و بعضهم يقولون دون الدرهم البغلي ..» لكن حكاية ذلك بعد كلامه المتقدم يدل على تضعيفه.

و يحتمل أن يكون مقصوده ذكر اختلاف العبارة لا اختلاف المراد، يعني أن المعفو عنه بعضهم يعبر عنه بما دون الدرهم الوافي، و بعضهم يعبر بما دون الدرهم البغلي. و بالجملة: رجوع التفسيرين إلى أمر واحد مما لا ينبغي الإشكال فيه.

و إنما الإشكال في وجه حمل الدرهم المذكور في النصوص على ذلك مع اختلاف الدراهم. بل مقتضى ما ذكروه من هجر الدرهم المذكور في زمن عبد الملك- حيث اتخذ الدرهم المتوسط بين الوافي و الطبري الذي هو أربعة دوانيق فجعل وزنه ستة دوانيق، و استقر أمر الإسلام عليه- وجوب حمل الدرهم المذكور في الروايات عن الصادقين (ع)- المتأخر زمنهما عن زمن عبد الملك- على ما كان وزنه ستة دوانيق، لأنه شائع، و الشياع قرينة الحمل عليه، إذ الدرهم المذكور ليس من قبيل المطلق الصالح للانطباق‌

568
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

.....

على كل فرد، لأن وروده مورد التحديد ينافي ذلك، لامتناع التحديد بما كان صالحا للانطباق على القليل و الكثير، كما لا يخفى.

و من الغريب ما استوضحه في مصباح الفقيه، من أن موضوع المانعية إن كان ما زاد على الدرهم- كما في صحيح ابن مسلم- فالعبرة في عدم العفو بالزيادة عن جنسها على الإطلاق، فلا تضر زيادته عن بعض المصاديق دون بعض. و ان كان الدرهم فما زاد، فالعبرة بالعفو عما نقص عن جميع الافراد، فلا يجدي نقصانه عن بعض مصاديقه. انتهى. و بالجملة: لا ينبغي التأمل في إرادة التقدير بدرهم معين، و الشياع قرينة على التقدير بالشائع.

فاذاً العمدة في تعيين الوافي المسمى بالبغلي هو الإجماع.

ثمَّ إن في سعة الدرهم- المحمول عليه التقدير- خلافا، فالمحكي عن أكثر عبارات الأصحاب تحديدها بأخمص الراحة، و عن المناهج السوية:

أنه الأشهر، بل لا يعرف قول بخلافه، لأن التحديد الآتي المحكي عن الإسكافي ليس تحديدا للدرهم البغلي الوافي، و انما هو تحديد للدرهم المعفو عن مقداره. و كذلك التحديدان الآخران، كما يظهر ذلك من محكي عباراتهم جميعا. فراجعها. فلم يعرف تحديد للدرهم الوافي إلا بذلك لكن الإشكال في مأخذ هذا التحديد، و لم أجد له أثرا في كلام أحد ممن تتبعت كلماتهم نعم في السرائر: «إن الدرهم البغلي منسوب إلى مدينة قديمة من (بابل) يقال لها: (بغل) متصلة ببلد الجامعين، يجد فيها الحفرة دراهم واسعة و أنه شاهد واحدا منها، فوجده يقرب من سعة أخمص الراحة».

و الذي يظهر من كلمات جماعة أن التقدير المشهور كان اعتمادا على شهادته (ره) لكن كان المناسب أن يجعل التقدير المشهور قريبا من أخمص الراحة لا مساويا لها. مع أن الاعتماد على شهادته لا يخلو من إشكال، لاختلافهم في وجه نسبة البغلي- كما تقدم عن الذكرى- و حكي في السرائر قولا:

569
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

.....

بأنه منسوب الى رجل من كبار أهل الكوفة يسمى: (ابن أبي البغل) ضربه للثاني في أيام خلافته، ورده: بأن الدرهم البغلي موجود قبل الإسلام و قبل الكوفة. لكن تقدم في الذكرى: أن التسمية إسلامية، و أنها قبل الإسلام كانت تسمى (كسروية)، و في مجمع البحرين: أنه منسوب الى ملك يسمى (رأس البغل). و مع هذا الاختلاف كيف يحصل الوثوق بشهادته؟! و لا سيما بعد ملاحظة ما في المعتبر، فإنه بعد كلامه السابق قال: «و قال ابن أبي عقيل: ما كان سعة الدينار. و قال ابن الجنيد:

ما كان سعته سعة العقد الأعلى من الإبهام و الكل متقارب» فان أخمص الراحة يبعد عن العقد الأعلى من الإبهام كثيراً، فلا بد أن يكون الدرهم الوافي أقل من سعة أخمص الراحة. و ان كان هذا الاشكال وارد أيضاً في تقدير الدينار، فان الدينار الذي شاهدته أقل من ذلك كثيرا، لأنه بقدر الفلس العراقي المسكوك في هذا العصر، الذي يساوي نصف عقد الإبهام تقريبا، فكيف يكون مقاربا لعقد الإبهام؟! فكأن المراد من التقارب ما يشمل مثل هذا التفاوت.

و قد أطلعني بعض من يقتني الآثار القديمة القيمة- مع خبرة كاملة، و اطلاع وافر على خمسة دراهم قديمة إسلامية. و درهمين غير اسلاميين، قد كتب في واحد من الدراهم الإسلامية في دائرة أحد وجهيه: «بسم اللّٰه ضرب هذا الدرهم بالبصرة في سنة ثمانين» و في وسطه: «لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له» و في دائرة وجهه الآخر: «محمد رسول اللّٰه أرسله بِالْهُدىٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ+» و في وسطه: «اللّٰهُ أَحَدٌ اللّٰهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ». و كتب في آخر منها: «بسم اللّٰه ضرب هذا الدرهم بدمشق سنة تسع و ثمانين» و تمام ما كتب في الدرهم السابق. و كتب في ثالث منها في دائرة أحد وجهيه: «بسم اللّٰه‌

570
مستمسک العروة الوثقی1

الثاني مما يعفى عنه في الصلاة: الدم الأقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 563

.....

ضرب هذا الدرهم بالبصرة سنة مائة» و تمام ما كتب على وجهي الدرهمين السابقين. و كتب في رابع منها في دائرة أحد وجهيه: «بسم اللّٰه ضرب هذا الدرهم بالكوفة سنة إحدى و أربعين و مائة» و على وسطه: «لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له» و على دائرة وجهه الآخر: «محمد رسول اللّٰه». و كتب في الخامس منها في دائرة أحد وجهيه: «بسم اللّٰه ضرب هذا الدرهم بمدينة السلام سنة أربع و سبعين و مائة»، و تمام ما كتب على الدرهم الرابع. كل ذلك بالخط الكوفي.

كما أطلعني على دينارين اسلاميين قد كتب بالكوفي أيضاً في أحدهما في دائرة أحد وجهيه: «بسم اللّٰه ضرب هذا الدينار سنة تسع و سبعين» و على وسطه «اللّٰهُ أَحَدٌ اللّٰهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ» و على دائرة وجهه الآخر: «محمد رسول اللّٰه أرسله بِالْهُدىٰ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ+» و على وسطه: «لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له». و كتب في الآخر في دائرة أحد وجهيه»: «بسم اللّٰه ضرب هذا الدينار سنة ثلاثين و مائة» و تمام ما كتب على الدينار السابق.

ثمَّ إن الدراهم الأربعة- و هي عدا ما ضرب في البصرة بتاريخ سنة مائة- لا يظهر تفاوتها بحسب المساحة إلا بالمداقة بمقدار يسير، كما ترى صورها في الصفحة المقابلة. و ما ضرب في سنة مائة يزيد عليها مساحة بقليل، كما ترى صورته «1» و قد كان وزن الأول و مثله الأخير أربع عشرة حبة، التي يساوي الأربع و العشرون منها مثقالا صيرفياً، و الثلاثة الأخرى وزن كل‌

______________________________
(1) هذا ما ذكره- قدس سره- اعتمادا على ما شاهده من الدراهم و عليه جرى أخذ مساحة الدراهم في الطبعة الأولى. و لكن الذي عثرنا عليه في المتحف العراقي أن الدرهم المضروب في دمشق سنة: 89 هو أكبر الدراهم الخمسة التي أشار إليها قدس سره، كما أثبتت صورها و مساحاتها في الورقة الملحقة هنا.

571
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): إذا تفشي من أحد طرفي الثوب ؛ ج‌1، ص : 572

و لما حده بعضهم بسعة عقد الإبهام من اليد (1) و آخر بعقد الوسطى و آخر بعقد السبابة، فالأحوط الاقتصار على الأقل (2) و هو الأخير.

[ (مسألة 1): إذا تفشي من أحد طرفي الثوب]

(مسألة 1): إذا تفشي من أحد طرفي الثوب الى واحد منها خمس عشرة حبة.

أما الدرهمان غير الاسلاميين فوزن أحدهما ثلاث عشرة حبة و نصف حبة تقريباً، و هو يساوي الدرهم المضروب سنة مائة مساحة أو يزيد عليه يسيرا. و قد ذكر الخبير المذكور- وفقه اللّٰه تعالى- أنه المسمى بالطبري.

لكن ينافيه ما ذكره الجماعة- قدس سرهم- من أن الطبري وزنه ثلثا المضروب في سنة ثمانين. و وزن الآخر منهما تسع عشرة حبة و مساحته تزيد على مساحة هذين الدرهمين الأخيرين بمقدار العشر أو أكثر، و هو المسمى بالوافي و البغلي، على ما ادعاه الخبير المذكور، و هو قريب لزيادته على الدراهم المتقدمة أجمع مساحة و وزنا. و لا يقدح فيه عدم المطابقة لما ذكروه في الوزن بحسب المداقة، لإمكان أن يكون هذا التفاوت طارئاً من كثرة الاستعمال، أو عدم الإتقان في الموازين. و اللّٰه سبحانه العالم.

قد تقدمت حكاية هذا التحديد عن الإسكافي، كما تقدم أنه ليس غرضه تحديد الدرهم البغلي أو الوافي، و انما غرضه تحديد الدرهم المعفو عنه. و كذلك التحديدان الآخران، و القائل بهما غير معروف- كما اعترف بذلك جماعة- و التفاوت بينهما يسير جداً.

لا ريب أنه مع إجمال التقدير يقتصر على القدر المتيقن في الخروج عن عموم مانعية الدم. كما هو الشأن في العام المخصص بالمخصص المجمل. لكن عرفت ما يمكن الركون إليه في تقريب القول المشهور.

572
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): إذا تفشي من أحد طرفي الثوب ؛ ج‌1، ص : 572

الآخر فدم واحد (1) و المناط في ملاحظة الدرهم أوسع الطرفين (2). نعم لو كان الثوب طبقات فتفشى من طبقة إلى أخرى، فالظاهر التعدد (3)، و ان كانتا من قبيل الظهارة و البطانة. كما أنه لو وصل الى الطرف الآخر دم آخر لا بالتفشي، يحكم عليه بالتعدد (4) و ان لم يكن طبقتين.

كما هو الأشهر. و عن الذكرى و البيان: أنه اثنان. و ربما يفصل بين الصفيق فالثاني، و الرقيق فالأول، و المراد من الوحدة في كلامهم ليس وحدة الوجود، إذ لا مجال لتوهم كون الدم المتفشي الى الجانب الآخر وجودين بل المراد أن ظاهر نصوص التقدير ملاحظة السطح الظاهر، فإذا تفشي كان له سطحان ظاهران، فيكون مجموعهما ملحوظاً للتقدير المعفو عنه، فاذا زاد عن ذلك لم يكن موضوعاً للعفو. و لكنه مشكل، إذ الدم لا بد أن يكون له سطوح متعددة، غاية الأمر قد يظهر السطح على ظاهر الثوب، و قد لا يظهر فيكون في عمقه، و هذا المقدار من الفرق لا يوجب الفرق في الحكم فإذاً الأول أقوى.

للإطلاق. و تأمل فيه في الجواهر. و كأنه لاحتمال الانصراف الى الوجه الملاقي له أولا. و لكنه ممنوع.

هذا يتم مع انفصال الطبقات بعضها عن بعض الموجب لتعددها عرفاً، إذ لا أقل من الشك في شمول أدلة العفو له الموجب للرجوع الى عموم المنع. أما مع الاتصال- كالملبد- فلا يبعد عدم الضم، للإطلاق.

لظهور النص في وجوب ملاحظة المجموع في مثله، لصدق أن فيه نقط الدم المذكور في صحيحة ابن أبي يعفور «1» لا أقل من الشك الموجب للرجوع الى عموم المنع. نعم يشكل ذلك لو تفشي إلى الجانب‌

______________________________
(1) تقدم في أول الكلام في العفو عن الدم دون الدرهم.

573
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج ؛ ج‌1، ص : 574

[ (مسألة 2): الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج]

(مسألة 2): الدم الأقل إذا وصل إليه رطوبة من الخارج، فصار المجموع بقدر الدرهم أو أزيد، لا إشكال في عدم العفو عنه (1)، و ان لم يبلغ الدرهم، فان لم يتنجس بها شي‌ء من المحل- بأن لم تتعدد عن محل الدم- فالظاهر بقاء العفو (2)، و ان تعدى عنه و لكن لم يكن المجموع بقدر الدرهم، ففيه إشكال، و الأحوط عدم العفو.

الآخر، ثمَّ وقع عليه من الجانب الآخر دم آخر فان المتفشي بعد ما كان محكوماً بأنه دم واحد، فاذا وقع عليه دم آخر يكون من قبيل وقوع الدم على الدم، الذي لا يوجب التعدد. فتأمل.

لأنه إما غير معفو عن الرطوبة و ان كانت دون الدرهم، لاختصاص أدلة العفو بالدم، و أما لأنها بحكم الدم لا يعفى عنها مع مساواة المجموع للدرهم. لكن استظهر من قول الشهيد في الذكرى:- «و ان أصابه مائع طاهر فالعفو قوي»- عدم اعتبار النصاب في المتنجس بالدم. اللهم الا أن يكون نظره الى الحكم في الجملة.

يشكل العفو، من جهة أن الرطوبة النجسة لما لم تكن بحكم الدم في العفو فالصلاة معها صلاة في النجس، و ان لم يتنجس بها الثوب.

نعم لو قلنا بالعفو عما تنجس بالدم- كما عن الذكرى، و روض الجنان، و المعالم، و المدارك- لأن الفرع لا يزيد على أصله كان العفو عنها في الفرض في محله. لكن القاعدة المذكورة لا دليل عليها، فعدم العفو- كما عن المنتهى و البيان و الذخيرة و غيرها- في محله. و من ذلك تعرف الوجه في قوله (ره)- في صورة التعدي-: «و الأحوط عدم العفو» فإنه الأقوى لتنجس الثوب بها، فصدق الصلاة في النجس حينئذ ظاهر.

574
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا علم كون الدم أقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 575

[ (مسألة 3): إذا علم كون الدم أقل من الدرهم]

(مسألة 3): إذا علم كون الدم أقل من الدرهم، و شك في أنه من المستثنيات أم لا، يبنى على العفو (1). و أما كما عن الدروس، و الموجز، و شرحه، و غيرها، بل قيل: إن عليه بناء الفقهاء. لا لعموم العفو عما دون الدرهم، لأنه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و التحقيق عدم جوازه. بل إما لأصالة عدم كون الدم من غير المعفو عنه- دم حيض أو نفاس أو غيرهما- بناء على صحة جريان الأصل في العدم الأزلي، كما تقدم في المياه، فاذا ثبت أنه ليس بحيض مثلا ثبت العفو عنه، لأن موضوعه الدم الذي ليس بحيض، فيثبت الموضوع- و هو الدم- بالوجدان و وصفه بالأصل، و قد عرفت أن الجمع بين الخاص و العام يقتضي- عرفا- كون موضوع حكم العام عنوان العام الذي ليس بخاص و إما لأصالة البراءة عن مانعية الدم المشكوك المانعية (و دعوى):

أن المرجع في مشكوك الحيضية أو النفاسية- مثلا- عموم مانعية الدم الحاكم على أصالة البراءة، أو الوارد عليها (مندفعة): بأن عموم المنع مخصص بعموم العفو عما دون الدرهم، مما لم يكن حيضاً أو نفاسا- مثلا- فان بني على جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، كان المرجع عموم العفو لأنه أخص من عموم المنع عن الدم، و ان لم يبن على ذلك، لا يجوز الرجوع الى كل واحد منهما، بل يرجع الى الأصل المقتضي للبراءة.

ثمَّ إنه يختص الدم المشكوك كونه من نجس العين، أو من محرم الأكل بأصل موضوعي غير ما ذكر، و هو أصالة الطهارة أو الحل في حيوانه فيثبت أنه دم حيوان طاهر أو محلل الأكل. لكنه يختص ذلك بما إذا لم يكن الحيوان مردداً بين فردين أحدهما معلوم النجاسة أو الحرمة، و الثاني معلوم الطهارة أو الحل، و الا امتنع جريان الأصل، لما ذكرنا غير مرة‌

575
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 3): إذا علم كون الدم أقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 575

إذا شك في أنه بقدر الدرهم، أو أقل فالأحوط عدم العفو (1) من عدم جريان الأصل في الفرد المردد. بل قد يستشكل في جريان أصالة الحل المذكورة: بأن حلية الحيوان المأخوذة شرطا في صحة الصلاة في بعض أجزائه هي الحلية الواقعية، و لا يجدي في إحرازها أصالة الحل الثابتة حال الشك، فان مفادها مجرد الترخيص الظاهري بلا نظر الى إثبات آثار الحلية الواقعية، كما ذكره استاذنا الأعظم (ره) لكنه يندفع:

بأنه خلاف ظاهر دليل أصالة الحل. فان ظاهره إثبات الحلية المشكوكة حال الشك، و ليس الحلية المشكوكة إلا الحلية الواقعية (و ان شئت قلت):

ظاهر‌

قوله (ع): «كل شي‌ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال» «1»

و‌

قوله (ع): «كل شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام» «2»

هو جعل الحلية المقابلة للحرمة المحتملة، و ليس المقابل للحرمة المحتملة إلا الحلية الواقعية.

نعم هنا إشكال آخر و هو أن جواز الصلاة و عدمه ليس من آثار الحلية الواقعية و عدمها بل من آثار الأصناف الخاصة التي لوحظت موضوعا للحلية و الحرمة، فالمراد من‌

قوله (ع). «لا تجوز الصلاة في شعر و وبر ما لا يؤكل لحمه» «3»

الأصناف الخاصة من الحيوان، و حرمة الأكل لوحظت مرآة إلى تلك الأصناف، لا موضوعا للمانعية، فأصالة الحل لا تجدي في إثبات جواز الصلاة في اجزائه. و لكنه يندفع- أيضا-: بأنه خلاف الظاهر و لعله يأتي التعرض لذلك في لباس المصلي إن شاء اللّٰه.

لا يظهر الفرق بين هذا الفرض و ما قبله، في جريان أصالة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي حديث: 7.

576
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 4): المتنجس بالدم ليس كالدم، في العفو عنه إذا كان أقل من الدرهم ؛ ج‌1، ص : 577

إلا أن يكون مسبوقا بالاقلية، و شك في زيادته (1).

[ (مسألة 4): المتنجس بالدم ليس كالدم، في العفو عنه إذا كان أقل من الدرهم]

(مسألة 4): المتنجس بالدم ليس كالدم، في العفو عنه إذا كان أقل من الدرهم (2).

البراءة من مانعية المشكوك، المقتضية للعفو ظاهرا. نعم يفترق عنه في جريان الأصل الموضوعي، و هو أصالة عدم كون الدم درهما، نظير أصالة عدم كون الدم من دم الحيض، فإنه لو قلنا بجريان الأصل في الفرض السابق- بناء على جريانه في العدم الأزلي- لا يجري في المقام، لأن زيادة الدم ليست من قبيل عوارض الوجود المسبوقة بالعدم الأزلي، بل هي منتزعة من نفس تكثر حصص الماهية، فهذه الكثرة كثرة قبل وجودها و بعده، لا أنها قبل الوجود لا كثرة، و بعد الوجود صارت كثرة. و قد أشرنا الى ذلك في مسألة الشك في كرية الماء. فراجع. كما أنه يفترق هذا الفرض عما قبله بعدم إمكان التمسك بعموم العفو فيه، و ان قلنا بجوازه في الفرض السابق، لأن موضوع العام هنا قد أخذ معنوناً بما دون الدرهم، و مع الشك في عنوان العام لا يجوز الرجوع إليه إجماعا. و في صحيح ابن أبي يعفور «1» و ان لم يؤخذ معنوناً بعنوان إلا أن الاستثناء فيه مانع عن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بلا كلام، و كذا كل مخصص متصل. و كيف كان يكفي في الحكم بالعفو أصالة البراءة من المانعية.

لاستصحاب عدم الزيادة.

كما عن المنتهى، و البيان، و الذخيرة و غيرها. خلافاً لما عن الذكرى و روض الجنان، و المعالم، و المدارك. لأن الفرع لا يزيد على أصله.

و قد تقدم أنه لا دليل على هذه القاعدة.

______________________________
(1) تقدم في أول الكلام في العفو عن الدم دون الدرهم.

577
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 5): الدم الأقل إذا أزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه ؛ ج‌1، ص : 578

[ (مسألة 5): الدم الأقل إذا أزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه]

(مسألة 5): الدم الأقل إذا أزيل عينه فالظاهر بقاء حكمه (1).

[ (مسألة 6): الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل]

(مسألة 6): الدم الأقل إذا وقع عليه دم آخر أقل، و لم يتعد عنه، أو تعدى و كان المجموع أقل، لم يزل حكم العفو عنه (2).

[ (مسألة 7): الدم الغليظ الذي سعته أقل عفو]

(مسألة 7): الدم الغليظ الذي سعته أقل عفو (3)، و إن كان بحيث لو كان رقيقاً صار بقدره أو أكثر.

[ (مسألة 8): إذا وقعت نجاسة أخرى كقطرة من البول]

(مسألة 8): إذا وقعت نجاسة أخرى كقطرة من البول مثلا- على الدم الأقل، بحيث لم تتعدد عنه إلى المحل الطاهر، و لم يصل الى الثوب أيضا، هل يبقى العفو أم لا؟

إشكال (4) فلا يترك الاحتياط.

كما عن شرح الموجز، و النهاية، و المدارك. لاستصحاب العفو عنه الثابت له حال وجود الدم. لكنه- مع أنه من الاستصحاب التعليقي- مبني على جواز الرجوع الى الاستصحاب في مثله، لا عموم العام- أعني:

عموم المنع عن الصلاة في النجس- و التحقيق الرجوع الى العام مع كون التخصيص من أول الأمر- كما في المقام- بل و لو كان في الأثناء، على تفصيل ذكرناه في محله من تعليقتنا (حقائق الأصول). و أما دعوى العفو في المقام للأولوية فغير ظاهرة.

لإطلاق الأدلة.

للإطلاق، و قد عرفت أن منصرف النص التحديد بالسعة.

ينشأ أولا من الإشكال في تنجس الدم بالنجاسة الطارية عليه، و ثانياً من جهة صدق الصلاة في النجس. و قد عرفت في مسألة تنجس‌

578
مستمسک العروة الوثقی1

الثالث مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة ؛ ج‌1، ص : 579

[الثالث مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة]

الثالث مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة (1) من الملابس كالقلنسوة و العرقجين، و التكة، و الجورب، و النعل، و الخاتم، و الخلخال (2) و نحوها بشرط أن لا يكون من الميتة (3)، المتنجس أن الأول مقتضى القاعدة. كما أن الثاني غير بعيد. فعدم العفو أقرب.

إجماعا صريحاً، و ظاهراً، محكياً عن الانتصار، و الخلاف، و السرائر و التذكرة، و الكفاية، و الذخيرة، و غيرها. و به استفاضت النصوص.

مثل ما‌

رواه زرارة عن أحدهما (ع): «كل ما كان لا تجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء. مثل القلنسوة، و التكة، و الجورب» «1»

و نحوه مرسل إبراهيم بن أبي البلاد «2». و‌

في مرسل حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه القذر.

فقال (ع): إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس» «3».

و‌

مرسل عبد اللّٰه بن سنان عن أبي عبد اللّٰه (ع): «أنه قال: كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس أن يصلي فيه و ان كان فيه قذر. مثل القلنسوة و التكة و الكمرة و النعل و الخفين و ما أشبه ذلك» «4».

و قريب منها غيرها.

و نحوهما، و ان لم يكن من جنس الساتر، لأن العفو عنه مقتضى إطلاق النصوص. و لا ينافيه التمثيل بما ذكر، فإنه لا يصلح للتقييد. و لذا نص عليه جماعة. بل عن الحلي الإجماع عليه.

لأن مورد النصوص المتقدمة المتنجس، و التعدي إلى النجس محتاج‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 1.

(2) الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(3) الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 3.

(4) الوسائل باب: 31 من أبواب النجاسات حديث: 5.

579
مستمسک العروة الوثقی1

الثالث مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة ؛ ج‌1، ص : 579

.....

إلى دليل مفقود، فعموم المنع من الصلاة في النجس محكم. مضافاً إلى النصوص الواردة في المنع عن الصلاة في الخف إذا كان من الميتة، و في السيف إذا كان فيه الميتة «1». و‌

في صحيح ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله (ع): «في الميتة قال (ع): لا تصل في شي‌ء منه و لا شسع» «2».

نعم يعارضها‌

خبر الحلبي عن أبي عبد اللّٰه (ع): «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التكة الإبريسم، و القلنسوة، و الخف، و الزنار، يكون في السراويل و يصلى فيه» «3».

و‌

موثقة إسماعيل بن الفضل: «سألت أبا عبد اللّٰه (ع) عن لباس الجلود و الخفاف و النعال و الصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المصلين. فقال (ع):

أما النعال و الخفاف فلا بأس بهما» «4».

لكن الأول مطلق شامل للنجس و المتنجس، و الجمع بينه و بين النصوص المتقدمة يقتضي تقييده بها، فيحمل على خصوص المتنجس. و لا يبعد جريان ذلك في الموثقة، فإن قول السائل:

«إذا لم تكن من أرض المصلين»

يعني المسلمين- كما هو الظاهر- محتمل للسؤال من حيث النجاسة الذاتية، لعدم التذكية، و للنجاسة العرضية من جهة أن عملها في أرض الكفار يلازم غالباً نجاستها عرضا، و ترك الاستفصال و ان كان يقتضي العموم، لكنه مقيد بما تقدم من النصوص، فيحمل على النجاسة العرضية.

و هذا الجمع و ان كان خلاف الظاهر، لكن ارتكابه أهون من حمل نصوص المنع على الكراهة مع كثرتها، و تأكد دلالتها. فلاحظ صحيح‌

______________________________
(1) راجع الوسائل باب: 50 من أبواب النجاسات.

(2) الوسائل باب: 1 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 14 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

(4) الوسائل باب: 38 من أبواب لباس المصلي حديث: 3.

580
مستمسک العروة الوثقی1

الثالث مما يعفى عنه: ما لا تتم فيه الصلاة ؛ ج‌1، ص : 579

و لا من أجزاء نجس العين كالكلب و أخويه. و المناط عدم إمكان (1) الستر (2) بلا علاج، فان تعمم أو تحزم بمثل الدستمال مما لا يستر العورة بلا علاج، لكن يمكن الستر به بشدة بحبل أو بجعله خرقا، لا مانع من الصلاة فيه. و أما مثل العمامة الملفوفة التي تستر العورة إذا فلت فلا يكون معفواً (3) ابن أبي عمير السابق. و‌

صحيح البزنطي عن الرضا (ع): «سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أ ذكي هو أم لا؟ ما تقول في الصلاة فيه و هو لا يدري؟ أ يصلي فيه؟ قال (ع): نعم. أنا اشتري الخف من السوق و يصنع لي و أصلي فيه، و ليس عليكم المسألة» «1»

فإن حمل مثل هذه الرواية على الكراهة بعيد جداً، و نحوها غيرها، فراجع.

و لو أبيت عن إمكان الجمع العرفي بين هذه النصوص و الموثقة. فطرح الموثقة متعين. و من هذا يظهر لك وضوح استثناء ما كان من نجس العين، فإنه- مع أنه ميتة. لعدم قبول نجس العين للتذكية- نجس أيضاً قبل الموت فأولى بالمانعية.

فإنه ظاهر النصوص، بل قيل إنه ظاهر إطلاق الفقهاء.

يعني: لصغره، لا لأنه يحكي ما تحته، كما نص عليه بعض الأعلام خلافاً للمحكي عن الصدوقين، و يوافقهما الرضوي:

«إن أصاب قلنسوتك أو عمامتك أو التكة أو الجورب أو الخف مني أو بول أو دم أو غائط فلا بأس بالصلاة فيه، و ذلك ان الصلاة لا تتم في شي‌ء من هذه وحد» «2».

لكن الرضوي لا يصلح للخروج به عن أدلة المنع. و لذا حكي عن الراوندي و غيره، حملها على العمامة الصغيرة التي لا تستر العورتين، كالعصابة.

______________________________
(1) الوسائل باب: 38 من أبواب لباس المصلي حديث: 6.

(2) مستدرك الوسائل باب: 23 من أبواب النجاسات حديث: 1.

581
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة ؛ ج‌1، ص : 582

إلا إذا خيطت بعد اللف بحيث تصير مثل القلنسوة (1).

[الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة]

الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة (2)، مثل السكين و الدرهم و الدينار و نحوها. و أما إذا كان مما تتم فيه و لعل ذيل الرضوي شاهد بذلك، و إلا فالعمامة المتعارفة معدودة من الثياب قطعاً- كما في الجوهر- و مجرد اللف لا يخرجها عن كونها مما تتم بها الصلاة.

و من ذلك يظهر ما في المدارك من احتمال العفو عن العمامة، لاختصاص الدليل بالثوب، و ليس منه العمامة إذا كانت على الكيفية المخصوصة.

في ارتفاع استعدادها العرفي للتستر بها، و لا يكفي مجرد الخياطة في الجملة إذا لم تكن رافعة للاستعداد المذكور.

كما عن الذكرى، و الدروس و جامع المقاصد، و المسالك، و المدارك و الذخيرة و غيرها. و نسبه في المدارك و غيرها الى المعتبر، و ظاهر الشرائع.

إما لعدم ثبوت المنع عن المحمول الذي تتم فيه الصلاة، فضلا عما لا تتم فيه و الأصل البراءة. و إما لاستفادة العفو عنه من النصوص المتقدمة، لإطلاقها الشامل للحمل و اللبس. و عن السرائر و النهاية و المنتهى و البيان و الموجز: عدم العفو. و نسب إلى ظاهر الأكثر. لعموم ما دل على المنع عن الصلاة في النجس الشامل للمحمول،

كرواية خيران الخادم: «كتبت الى الرجل (ع) أسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: صل فيه فان اللّٰه تعالى إنما حرم شربها.

و قال بعضهم: لا تصل فيه. فكتب (ع): لا تصل فيه فإنه رجس» «1»

و‌

خبر موسى بن أكيل عن أبي عبد اللّٰه (ع): «لا تجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنه نجس ممسوخ» «2».

فان مقتضى التعليل فيها عموم الحكم‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 38 من أبواب النجاسات حديث: 4.

(2) الوسائل باب: 32 من أبواب لباس المصلي حديث: 6.

582
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة ؛ ج‌1، ص : 582

الصلاة- كما إذا جعل ثوبه المتنجس في جيبه مثلا- ففيه إشكال (1)، و الأحوط الاجتناب. و كذا إذا كان من الأعيان النجسة، كالميتة و الدم و شعر الكلب و الخنزير، فإن الأحوط للمحمول. و لانصراف النصوص المتقدمة في العفو الى خصوص الملبوس بل خصوص ما كان في محله، كما عن التذكرة و التحرير و المنتهى و البيان و غيرها هذا و لكن استفادة عموم المنع للمحمول المحض من مثل الروايتين محل إشكال، فإن الظرفية في قول القائل: «الصلاة في الشي‌ء» بعد امتناع حملها على الظرفية المكانية يتعين جعلها حالا للمصلي، و ظرفية المتنجس للمصلي لا بد أن تكون من جهة اشتمال الشي‌ء عليه، و لو لاشتماله على بعضه مثل الخاتم و القلادة، و كذا الخرقة المشدودة على العضو المجروح أو المكسور أو على عين الأرمد، و نحوها مما لا يكون ملبوسا، و لا يشمل ما لو كان المتنجس معه بأن يكون في جيبه أو في قبضته أو مغروزاً في عمامته أو نحو ذلك مما لا يكون مشتملا على بعض المصلي، أو معدودا جزءا مما اشتمل عليه. و‌

قوله (ع) في موثق ابن بكير الوارد في ما لا يؤكل لحمه: «و بوله و روثه و كل شي‌ء منه» «1»

باعتبار تلوث اللباس بها الموجب عدها جزءا منه. و ما في كلام بعض الأعاظم من وجوب حمل: (في) على معنى (مع) غير ظاهر بعد إمكان الحمل على الظرفية بلحاظ المصلي. هذا و لو سلم العموم فدعوى انصراف نصوص استثناء ما لا تتم به الصلاة إلى خصوص الملبوس ممنوعة، كدعوى انصرافها الى خصوص ما كان في محله.

بل المنع ظاهر من عرفت. و وجهه عموم المنع من الصلاة في النجس. لكن عرفت الاشكال فيه، و مقتضى أصالة البراءة عن مانعيته العفو عنه.

______________________________
(1) الوسائل باب: 2 من أبواب لباس المصلي حديث: 1.

583
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة ؛ ج‌1، ص : 582

اجتناب حملها في الصلاة (1).

و عن المبسوط، و الإصباح، و الجواهر، و السرائر، و الجامع و جملة من كتب العلامة (ره) و غيره: المنع. لما‌

عن كتاب علي بن جعفر (ع): «عن الرجل يمر بالمكان فيه العذرة، فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و رأسه أ يصلي فيه قبل أن يغسله؟ قال (ع): نعم ينفضه و يصلي فلا بأس» «1»

و‌

صحيح عبد اللّٰه بن جعفر الحميري: «كتبت إليه- يعني أبا محمد (ع)-: يجوز للرجل أن يصلي و معه فارة المسك؟

فكتب (ع): لا بأس به إذا كان ذكيا» «2».

و‌

صحيح علي بن جعفر (ع): «عن الرجل يصلي و معه دابة من جلد حمار أو بغل. قال (ع): لا يصلح أن يصلي و هي معه إلا أن يتخوف ذهابها فلا بأس أن يصلي و هي معه» «3»

بناء على حمله على الميت.

لكن تشكل النصوص المذكورة- مضافا الى اختصاص الأول بالأعيان الملتصقة ببدن المصلي و لباسه على نحو تعد كجزء منه، فلا يشمل المحمول المحض. و أن الأخير غير ظاهر في الميتة، و لا في المنع عنها-: بأنها معارضة بما اشتمل من نصوص العفو عما لا تتم به الصلاة على مثل قوله (ع):

«عليه الشي‌ء»

أو:

«فيه القذر»

. مما هو ظاهر في وجود عين النجاسة و الاختلاف في المورد لا يقدح في تحقق المعارضة، لإلغاء خصوصية المورد عرفا، فان الجمود في كل على مورده بعيد عن الأذواق العرفية، و لو سلم فغاية ما يقتضي الصحيح البناء على المنع عن حمل فأرة المسك إذا لم يكن ذكياً، لا المنع عن حمل نجس العين مطلقا. و قد عرفت في مبحث الميتة‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 26 من أبواب النجاسات حديث: 12.

(2) الوسائل باب: 41 من أبواب لباس المصلي حديث: 2.

(3) الوسائل باب: 60 من أبواب لباس المصلي حديث: 3.

584
مستمسک العروة الوثقی1

الرابع: المحمول المتنجس الذي لا تتم فيه الصلاة ؛ ج‌1، ص : 582

.....

أن ظاهر الصحيح اعتبار ذكاة المسك، لا ذكاة الفأرة، في مقابل المأخوذة من الظبي الميت، و ان كان صريح بعض و ظاهر آخر حمله على ذكاة الفارة و لذا منعوا من حمل الميتة في الصلاة دون غيرها من النجاسات، لكنه خلاف الظاهر.

و المتحصل: أنه إن بني على إلغاء خصوصية مورد الصحيح و مورد روايات العفو عما لا تتم به الصلاة كانت متعارضة في جواز حمل النجاسة و عدمه، و الجمع العرفي يقتضي الحمل على الكراهة. و ان لم يبن على ذلك وجب الأخذ بالصحيح في مورده و الرجوع في غيره من موارد الحمل إلى أصالة البراءة من المانعية بعد ما عرفت، من منع العموم الدال على المنع عن حمل النجس.

هذا كله بالنسبة إلى حمل نجس العين. و أما بالنسبة إلى لبسه إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فالظاهر أنه لا إشكال في عدم جوازه، لعموم ما دل على عدم جواز لبس النجس في الصلاة، و أدلة العفو فيما لا تتم فيه الصلاة مختصة بالمتنجس فلا تشمله. ثمَّ انه لو قلنا بمانعية غير مأكول اللحم بالنسبة الى ما لا تتم به الصلاة- كما هو أحد القولين في المسألة- ففي جواز كون النجاسة فيما لا تتم به الصلاة من فضلات غير مأكول اللحم إشكال، ينشأ من إطلاق الشي‌ء‌

في رواية زرارة: «كل ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشي‌ء» [1]

الشامل لفضلة المأكول و غيره، فيعارض ما دل على المنع عن الصلاة في غير مأكول اللحم الشامل للمقام و غيره بالعموم من وجه، فيرجع في مورد المعارضة إلى أصالة البراءة من المانعية. و من انصرافه إلى حيثية النجاسة، كما يشهد به التصريح في غيرها من النصوص بالقذر، فان الظاهر كون النصوص جارية بمساق واحد. فتأمل:

______________________________
[1] تقدم في أول الكلام في العفو عما لا تتم به الصلاة من الملابس.

585
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة): الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعد من المحمول ؛ ج‌1، ص : 586

 

[ (مسألة): الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعد من المحمول]

(مسألة): الخيط المتنجس الذي خيط به الجرح يعد من المحمول (1)، بخلاف ما خيط به الثوب و القياطين و الزرور و السفائف، فإنها تعد من أجزاء اللباس، لا عفو عن نجاستها (2).

[الخامس: ثوب المربية للصبي]

الخامس: ثوب المربية للصبي (3)، قد جزم في الجواهر بعدم كونه من المحمول، و لا مما تجب إزالته في الصلاة، و كذا الدم الذي أدخله تحت جلده، و الخمر الذي شربه، و الميتة التي أكلها. ثمَّ استشكل في الفرق بينها و بين العظم النجس إذا جبر به مع عدم ظهور الخلاف في عدم العفو عنه. و حكي عن المبسوط نفي الخلاف فيه، و عن الذكرى و الدروس الإجماع عليه، و ما جزم به (ره) أولا في محله بالنسبة إلى الخمر و الميتة أو الدم، لصيرورتها من البواطن، لكنه غير ظاهر في الخيط، فإنه و ان كان من المحمول، لكن المنع عن مثله مستفاد من رواية ابن جعفر المتقدمة. و من هنا كان الظاهر الحاقه بالعظم النجس الذي جبر به، كما عن الذكرى و جامع المقاصد التصريح بذلك. و لو اكتسى العظم المذكور اللحم فهو معفو عنه- كما استوجهه في الجواهر، حاكياً عن المدارك و الذخيرة- لالتحاقه بالبواطن.

إلا أن يكون جزءا مما لا تتم به الصلاة.

بلا خلاف يعرف كما في الحدائق، و عن الدلائل، و نسبه إلى المشهور جماعة.

لرواية أبي حفص عن أبي عبد اللّٰه (ع): «سئل عن امرأة ليس لها إلا قميص واحد و لها مولود فيبول عليها، كيف تصنع؟ قال (ع):

تغسل القميص في اليوم مرة» «1».

و ضعف سندها بمحمد بن يحيى المعاذي- الذي ضعفه العلامة (ره)، و استثناه القميون من كتاب نوادر‌

______________________________
(1) الوسائل باب: 4 من أبواب النجاسات حديث: 1.

 

586
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: ثوب المربية للصبي ؛ ج‌1، ص : 586

أماً كانت أو غيرها (1)، متبرعة أو مستأجرة، ذكرا كان الصبي أو أنثى (2). و ان كان الأحوط الاقتصار على الذكر (3).

فنجاسته معفوة بشرط غسله في كل يوم مرة (4)، مخيرة بين ساعاته (5)، و ان كان الأولى غسله آخر النهار (6)، الحكمة- لا يقدح بعد جبره بعمل الأصحاب. فتوقف الأردبيلي و المدارك و المعالم و الذخيرة- كما حكي- كأنه في غير محله.

كما هو ظاهر الفتوى، للتعبير فيها بالمربية. لكن الظاهر من قوله: «لها مولود» أنها أمه، و ليست اللام للاختصاص بلحاظ التربية كي تشمل غير الأم. و القطع بعدم الفرق- كما حكاه في الجواهر عن جماعة- غير ظاهر.

كما عن المعالم و الذخيرة نسبته إلى أكثر المتأخرين. لشمول المولود للذكر و الأنثى، و عن الذكرى و المسالك التصريح به.

كما عن الشيخ و الأكثر، بل نسب إلى فهم الأصحاب، للشك في الشمول للأنثى أو منعه. و للفرق بين بول الذكر و الأنثى. و الجميع كما ترى.

لظاهر النص المتقدم.

كما عن غير واحد. للإطلاق.

كما صرح به جماعة، منهم المحقق في الشرائع، لما ذكر في المتن و عن التذكرة احتمال الوجوب لذلك. لكنه تقييد للإطلاق من دون مقيد ظاهر. و عن جامع المقاصد: «الظاهر اعتبار كونه في وقت الصلاة، لأن الأمر بالغسل للوجوب، و لا وجوب في غير وقت الصلاة». و فيه:

منع كونه للوجوب، و لذا يجوز ترك الغسل و الصلاة في ثوب آخر، بإجارة أو عارية أو غيرهما، فالأمر بالغسل في المقام إرشادي إلى الشرطية، كالأمر به في أمثال المقام من موارد الأمر بغسل الثوب أو البدن.

587
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: ثوب المربية للصبي ؛ ج‌1، ص : 586

.....

هذا و الذي ينبغي أن يقال: إن الكلام في المسألة يقع في أمور:

الأول: أنه يجب إيقاع الغسل في النهار (إما) لأن اليوم ظاهر فيه و لا ينافيه الاكتفاء بالغسل الواحد له، و لليل، لأن ذلك كان بقرينة عدم التعرض لليل، لا لظهور اليوم فيما يعمه و الليل، كما في المنتهى. (و إما) لإجمال اليوم الموجب لحمله على النهار، لأنه القدر المتيقن في جواز الخروج عن القواعد العامة المقتضية لتكرار الغسل. و من ذلك يظهر ضعف ما جزم به في الجواهر في أول كلامه، من أن المراد باليوم ما يشمل الليل، و ان تأمل فيه بعد ذلك.

الثاني: ان ظاهر الرواية أن الغسل المذكور شرطاً في الرواية ملحوظ من حيث كونه يترتب عليه الطهارة في الجملة، سواء أبقيت الى حال الصلاة أم لا، و ليس المراد منه شرطية الطهارة حال الصلاة، و ان كان هو الظاهر منه في غيره من الموارد، فان الظاهر من قول القائل: «اغسل ثوبك و صل» اعتبار الطهارة حال الصلاة، و لا يكفي في امتثاله مجرد الغسل، و ان تنجس قبل الصلاة، و هذا بخلاف المقام، فان الظاهر أن المراد منه مجرد حصول طهارة الثوب في الجملة. و الظاهر أن ما ذكرنا مما لا إشكال فيه عندهم.

نعم في المدارك وجوب المبادرة إلى الصلاة بعد الغسل مع الإمكان. لكنه غير محل الكلام، لظهوره في صحة الصلاة و لو مع نجاسة الثوب إذا بادرت إلى الصلاة فيه. و كيف كان فظاهره الاجتزاء بالغسل و ان تنجس قبل الصلاة. و كأن الوجه في الفرق بين المقام و غيره مما كان ظاهر الأمر بالغسل فيه اعتبار الطهارة حال الصلاة: أن المقام مقام تخفيف و رفع اليد عن اعتبار الطهارة.

الثالث: ان الغسل المذكور هل هو شرط في جميع صلوات اليوم أو شرط لواحدة منها على التخيير؟ يتعين البناء على الأول. إما لأنه الظاهر أو لأن الرواية مجملة فيقتصر في الخروج عن القواعد الأولية المقتضية لشرطية‌

588
مستمسک العروة الوثقی1

الخامس: ثوب المربية للصبي ؛ ج‌1، ص : 586

.....

الطهارة للجميع على القدر المتيقن. و مقتضى ذلك وجوب تقديم الغسل على صلاة الصبح، لأن إطلاق الشرطية يقتضي الحمل على كونها بنحو الشرط المتقدم، فيجب تقديمه على جميع صلوات اليوم. لكن لا أعرف قائلا بذلك.

نعم في الجواهر مال الى أنه شرط على نحو الشرط المتقدم بالنسبة إلى صلوات اليوم في الجملة. إما بأن يراد من اليوم نفس الزمان، فإذا أوقعته في زمان من اليوم يكون شرطاً في جميع الصلوات المشروعة من ذلك الزمان الى مثله من اليوم الثاني. أو يراد من اليوم الصلوات الخمس، فإذا أوقعته قبل الصبح كان شرطاً للخمس التي آخرها العشاء، و إذا أوقعته بعد الصبح، كان شرطاً للخمس التي آخرها الصبح، و إذا أوقعته بعد الظهر كان شرطاً للخمس التي آخرها الظهر .. و هكذا. فهو مع التزامه بأنه على نحو الشرط المتقدم بالنسبة إلى تمام الخمس اللاحقة التزم بالتخيير، بناء منه على أن المراد بالخمس كلي الخمس المنطبقة على الخمس في الصور المذكورة و غيرها و لكنه فيه أنه خلاف ظاهر اليوم، فإنه ظاهر في غير الملفق. و بالجملة:

إطلاق الشرطية يقتضي كونها بنحو الشرط المتقدم، فالبناء عليها بالنسبة الى جميع صلوات اليوم مع البناء على التخيير بين آنات اليوم غير ظاهر، و حمل اليوم على الملفق بعيد جدا. فلا بد إما من رفع اليد عن الإطلاق المقتضي للتخيير بين آنات اليوم، أو رفع اليد عن ظهور الشرطية في كونها على نحو الشرط المتقدم، أو رفع اليد عن ظهور اليوم في غير الملفق، أو رفع اليد عن الظهور في الشرطية بالنسبة الى جميع الصلوات. و لا يبعد كون الأخير أهون. و لذا اختار في المدارك كون الشرطية على نحو التخيير بين الصلوات على نحو الشرط المتقدم، و تبعه عليه في الذخيرة. لقوة الإطلاق المقتضي للتخيير بين آنات الزمان، إذ لو كان المراد الشرطية بالنسبة إلى جميع صلوات اليوم كان المناسب أن يقال: «تغسل القميص عند الصبح» فإهمال القيد المذكور‌

589
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 1): إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته ؛ ج‌1، ص : 590

لتصلي الظهرين و العشاءين مع الطهارة، أو مع خفة النجاسة.

و ان لم يغسل كل يوم مرة، فالصلوات الواقعة فيه مع النجاسة باطلة (1). و يشترط انحصار ثوبها في واحد (2) أو احتياجها الى لبس جميع ما عندها و ان كان متعددا (3) و لا فرق في العفو بين أن تكون متمكنة من تحصيل الثوب الطاهر بشراء أو استيجار أو استعارة أم لا (4). و ان كان الأحوط الاقتصار على صورة عدم التمكن (5).

[ (مسألة 1): إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته]

(مسألة 1): إلحاق بدنها بالثوب في العفو عن نجاسته يقوي التخيير بين آنات الزمان، الموجب للشرطية التخييرية على نحو الشرط المتقدم، بل هو قريب جداً. و ان كان إيقاع الغسل عند الصبح أحوط.

هذا يتوقف على كون الغسل الواحد شرطاً لجميع الصلوات، إذ لو كان شرطاً لواحدة منها على التخيير كان اللازم قضاء ما تختارها منها دون غيرها. اللهم إلا أن يكون اختيارها عملا شرطاً في صحة غيرها.

فاذا لم تختر واحدة منها أو اختارت واحدة، و لم تغسل ثوبها لها، لم تصح بقية صلواتها. و هذا هو الذي يقتضيه الاقتصار على القدر المتيقن دلالة الدليل عليه في الخروج عن عموم شرطية الطهارة، المقتضي لوجوب القضاء إذا لم تغسل ثوبها.

كما هو المتيقن من النص.

كما هو الظاهر من النص، فان ظاهره عدم وجود ما يكون به التبديل، و لا سيما و كون الغالب احتياج المرأة في صلواتها إلى أكثر من ثوب واحد.

لإطلاق النص، المؤيد بغلبة إمكان الاستيجار و الاستعارة و نحوهما.

لاحتمال انصراف النص اليه.

590
مستمسک العروة الوثقی1

(مسألة 2): في إلحاق المربي بالمربية إشكال ؛ ج‌1، ص : 591

 

محل إشكال (1) و ان كان لا يخلو عن وجه (2).

[ (مسألة 2): في إلحاق المربي بالمربية إشكال]

(مسألة 2): في إلحاق المربي بالمربية إشكال (3) و كذا من تواتر بوله (4).

[السادس: يعفى عن كل نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار]

السادس: يعفى عن كل نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار.

لاختصاص النص بالثوب. و حكي عن بعض المتأخرين التعميم للبدن لغبة التعدي إلى البدن مع خلو النص عن الأمر بتطهيره لكل صلاة. كذا في الجواهر. و لعل لازمه عدم وجوب تطهيره أصلا حتى مرة لخلو النص عن ذلك، و الاتكال فيه على الأمر بغسل الثوب ليس بأولى من الاتكال فيه على أدلة مانعية النجاسة مطلقاً، و مع الاحتمال لا مجال للاستدلال فالرجوع إلى مقتضى تلك الأدلة متعين.

بل المنع منسوب الى ظاهر الأكثر، اقتصاراً على مورد النص.

و عن العلامة و الشهيدين الإلحاق، للقطع بعدم الفرق. لكنه لنا غير حاصل أو لقاعدة الاشتراك. و لكنها غير ثابتة إذا كان الخطاب متوجهاً الى الإناث و كذا لو كان موجهاً الى صنف خاص من الذكور. مثلا إذا ثبت للأب حكم لا يتعدى إلى الأم، و القدر الثابت من القاعدة ما لو كان الخطاب موجها الى مطلق الذكور، فإنه يتعدى منهم إلى الإناث، و في غير ذلك لا دليل على القاعدة.

و ان الحقه به جماعة.

لمكاتبة عبد الرحيم القصير المحكية روايتها عن التهذيب مسندة، و عن الفقيه مرسلة أبي الحسن (ع): «يسأله عن خصي يبول، فيلقى من ذلك شدة و يرى البلل، بعد البلل. فقال (ع):

يتوضأ و ينضح ثيابه في النهار مرة واحدة» «1»

لكنها ضعيفة السند،

______________________________
(1) الوسائل باب: 13 من أبواب نواقض الوضوء حديث: 8.

 

591
مستمسک العروة الوثقی1

السادس: يعفى عن كل نجاسة في البدن أو الثوب في حال الاضطرار ؛ ج‌1، ص : 591

.....

لعدم توثيق عبد الرحيم، و لا سعدان بن مسلم الراوي عنه، كما اعترف بذلك جماعة ممن نسب إليهم القول المذكور، فاعتمدوا على قاعدة الحرج دونها، منهم العلامة، و الشهيد في المنتهى، و الذكرى و الدروس، و ان أمكنت مناقشتهم. أولا: من جهة أن الحرج لا يطرد في جميع فروع المسألة. و ثانيا: من جهة إمكان استفادة وثوق الرجلين المذكورين من القرائن كاعتماد جماعة من أصحاب الإجماع- و منهم صفوان و محمد بن أبي عمير- على الأول منهما، و كثير من الأجلاء و الأعيان عليهما جميعاً. نعم هي قاصرة الدلالة، لعدم التصريح بكون البلل بولا، و عدم اشتمالها عى الأمر بغسل الثوب، و لا على التقييد بوحدة الثوب كما يدعيه مدعي الإلحاق. وَ الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ+.

592