×
☰ فهرست و مشخصات
تفسير القمي (مقدمة)

المقدمات للمحقّق‏

الجزء الأول‏

[مقدمات التحقيق‏]

هو من اقدم التفاسير الّتى كشفت القناع عن الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السّلام‏

3
تفسير القمي (مقدمة)

المقدمات للمحقّق‏

النسخة الممتازة بدقة النظر في صحتها متنا و باضافات مفيدة تعليقا فجاءت بحمد اللّه احسنها صورة و اكملها مادة و متداركة لمافات من النسخ القديمة و الحديثة- و ذلك اجابة الى رغبة الطالبين، و حفاظا لتراث الماضين و اللّه الموفق و خير معين‏

الرموز

1- «م» اشارة الى نسخة مكتبة آية اللّه الحكيم‏

2- «ك» اشارة الى نسخة مكتبة آية اللّه كاشف الغطاء

3- «ط» اشارة الى نسخة مطبوعة في ايران سنة 1313 ه

4- «خ» او «خ ل» اشارة الى «نسخة بدل»

5- ق: لقاموس اللغة

6- «ج. ز» مخفف «الجزائريّ» المحشى‏

4
تفسير القمي (مقدمة)

مقدمة آقا بزرك الطهراني ص 5

مقدمة آقا بزرك الطهرانيّ‏

هذا ما سمح به سماحة العلامة المجاهد حجّة الإسلام الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ دام ظله العالي، في هذا الكتاب.

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏ الحمد لوليه و الصلاة و السلام على سيدنا و مولانا ابي القاسم محمّد نبيه و علي الاثنى عشر المعصومين اوصياء نبيه (و بعد) فقد عرض علي العالم الفاضل الكامل ثقة الإسلام السيّد طيب الجزائريّ حفظه اللّه تعالى و زاد في توفيقاته بعض الملازم من كتاب (تفسير القمّيّ) الذي قصد نشره ثالثا و طلب منى تقريظه و الادلاء برأيي في الاعتماد إليه، و لقد سررت بنشره و اعتذرت إليه من اطراء الكتاب و ابداء رائي فيه لعجزي و الضعف المستولى علي و رعشة اليد التي صارت العائق عن كثير الأعمال، إلّا انه رعاه اللّه لم يقنع بذلك و ألح في الطلب فعز علي ان ألح في الامتناع فاكتفيت بهذا القدر الذي لم تسمح الحال باكثر منه فعلى كل من يريد الاطلاع التام على مزايا الكتاب ان يراجع كتابنا (الذريعة الى تصانيف الشيعة) ج 4 ص 302 ليجد تفصيل ما كتبناه و خلاصة ما عرفناه عن هذا الاثر النفيس و السفر الخالد المأثور عن الامامين الهمامين ابي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السّلام من طريق ابي الجارود و ابي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام‏

5
تفسير القمي (مقدمة)

مقدمة آقا بزرك الطهراني ص 5

من طريق عليّ بن إبراهيم القمّيّ رضوان اللّه عليهم و ارجو للسيّد حفظ اللّه تعالى و لامثاله من أهل العلم النابهين مزيد التوفيق لنشر آثار الأئمة الاطهار عليهم السلام و احياء مآثر السلف الصالح، كتبه بانامله المرتعشة في مكتبته العامّة في النجف الأشرف في السبت غرة ربيع المولود (1387).

الفانى‏ آقا بزرك الطهرانيّ‏

عفي عنه‏

6
تفسير القمي (مقدمة)

المقدمة من حجة الإسلام العلامة السيد طيب الموسوي الجزائري دام ظله ص 7

المقدّمة من حجّة الإسلام العلامة السيّد طيب الموسوي الجزائريّ دام ظله‏

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

[لفت نظر]

نحمدك يا ربّ علي ما منحتنا من قوة فكرية جوالة في الاذهان، و فتحت مغالقها بمفاتح القرآن الذي هو أكبر آياته و تبيان، و أحسن دليل و برهان، و نصلي و نسلم على من انزله عليه فجاء به أحسن الأديان، الذي ازدهر على الارجاء و الاركان، و اشتهر في الآفاق و الازمان، و علي آله الذين جعل قولهم و فعلهم مفسر القرآن، فلولاهم لم يكن الفرقان بين ما شان و ما زان، و لا بين الطاعة و العدوان، بهم عبد الرحمن و منهم يئس الشيطان (اما بعد) فاني منذ اليوم الذي بدأت المطالعة في تفاسير القرآن التي وردت عن أهل بيت العصمة صلوات اللّه عليهم أجمعين، كنت معجبا بتفسير القمّيّ و مشتاقا إليه لاجل الاسرار المودعة فيه و احتياج التفاسير الكثيرة إليه، و تقدم مؤلّفه زمانا و شرفا، فكان ينمو هذا الشوق في بالي شيئا فشيئا الى ان صادفت الكتاب في النجف فابتهجت لحسن الحظ و الشرف، و لكن ما تمّ سروري به إذ أخذ مكانه اسف، لانى وجدت كثيرا من عبارات هذه النسخة ملحونة، و بالاغلاط و السقطات مشحونة، بحيث لم تخل الاستفادة منها من التعب، و كانت مع هذه الحالة اغلى من الذهب، فاشرت بعض من اثق به من الاحباب ان يدخر له الاجر بطبع هذا الكتاب و لما كان الرأي قريبا الى الصواب قبله و لبانى، و رحّب بي علي هذا و حيّاني، و كلفني بتصحيحه و ان اكتب شيئا مقدّمة للكتاب‏

7
تفسير القمي (مقدمة)

لفت نظر ص 7

ليكون تبصرة لاولي الالباب فقبلت مسؤله فتوكلا على اللّه و مستمدا به و هو حسبي و إليه انيب.
صاحب التفسير:
هو الثقة الجليل أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن هاشم القمّيّ، قال النجاشيّ (علي ما حكاه صاحب التنقيح) «ثقة في الحديث، ثبت، معتمد، صحيح المذهب سمع فاكثر» و مثله في الخلاصة وعده في القسم الأوّل منها، و عنونه ابن داود في الباب الأوّل و وثقه في الوجيزة و البلغة، و عن إعلام الورى انه من اجل رواة أصحابنا، كان في عصر الامام العسكريّ عليه السّلام و عاش الى سنة 307- و قد أكثر ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني رحمه اللّه الرواية عنه في الكافي-
و ممّا يدلّ علي جلالته ان الأدعية و الاعمال الشائعة في مسجد السهلة المتداولة المتلقاة بالقبول المذكورة في المزار الكبير و غيره ممّا ينتهي سندها إليه لا غير رضوان اللّه عليه- اما مؤلّفاته غير هذا التفسير فهي-
 (1) كتاب الناسخ و المنسوخ (2) كتاب قرب الإسناد (3) كتاب الشرائع. (4) كتاب الحيض. (5) كتاب التوحيد و الشرك. (6) كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السّلام. (7) كتاب المغازي. (8) كتاب الأنبياء. (9) كتاب المشذر. (10) كتاب المناقب. (11) كتاب اختيار القرآن «1».
و أكثر ما يرويه عليّ بن إبراهيم فعن ابيه إبراهيم بن هاشم كما هو دأبه في هذا التفسير و غيره من كتبه فيجدر بنا الإشارة الى ترجمته مختصرا.
ترجمة إبراهيم بن هاشم القمّيّ:
لا يخفى على أرباب النهى ما ورد من الثناء على القميين و ما هي مرتبتهم‏
__________________________________________________
 (1) تنقيح المقال 260/ 2.

8
تفسير القمي (مقدمة)

صاحب التفسير ص 8

باعتبار خدمتهم للدين المبين- فعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ (ره) ان الامام الصادق الناطق بالحق يقول- قم بلدنا و بلد شيعتنا مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا اهل البيت لا يريدهم أحد بسوء إلّا عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم فاذا فعلوا ذلك سلط اللّه عليهم جبابرة سوء، اما انهم انصار قائمنا و رعاة حقنا، ثم رفع رأسه الى السماء و قال اللّهمّ اعصمهم من كل فتنة و نجهم من هلكة «1».
ففضل أهل قم لا ينكر لانه ابهر من الشمس و أشهر من القمر و كيف لا يكون كذلك و قد خرج منها جهابذة العلوم الجعفرية و عباقرة البحور الباقرية كابي جرير و زكريا بن إدريس و زكريا بن آدم و عيسي بن عبد اللّه إلّا ان منهم من نال حظه أزيد و أكثر كابراهيم ابي علي هذا فانه شيخ القميين و وجههم، فضله علي القميين باعتبار تقدمه في رواية الكوفيين، قد حكى الشيخ و النجاشيّ و غيرهما من الاصحاب انه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم- قال السيّد الداماد في محكي الرواشح ان مدحهم إيّاه بانه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم كلمة جامعة (و كل الصيد في جنب القرا) و قال أيضا الصحيح و الصريح عندي ان الطريق من جهته صحيح فامره اجلّ و حاله أعظم من ان يتعدل و يتوثق بمعدل و موثق غيره بل غيره يتعدل و يتوثق بتعديله و توثيقه اياه، كيف و أعاظم أشياخنا الفخام كرئيس المحدثين و الصدوق و المفيد و شيخ الطائفة و نظرائهم و من في طبقتهم و درجتهم و رتبتهم من الاقدمين و الاحدثين شأنهم اجل و خطبهم أكبر من ان يظن باحد منهم قد احتاج الى تنصيص ناص و توثيق موثق و هو شيخ الشيوخ و قطب الاشياخ و وتد الاوتاد و سند الاسناد فهو أحق و أجدر بان يستغنى عن ذلك (انتهى).
__________________________________________________
 (1) الكنى و الألقاب 76/ 3

9
تفسير القمي (مقدمة)

صاحب التفسير ص 8

و قال في الفهرست «إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمّيّ اصله من الكوفة و انتقل الى قم و أصحابنا يقولون انه اول من نشر حديث الكوفيين بقم و ذكروا انه لقي الرضا عليه السّلام. و الذي اعرف من كتبه كتاب النوادر و كتاب القضاء لأمير المؤمنين عليه السّلام».

و قال في التنقيح ما لفظه: انه شيخ من مشائخ الاجازة فقيه، محدث من اعيان الطائفة و كبرائهم و اعاظمهم و انه كثير الرواية سديد النقل قد روى عنه ثقات الاصحاب و اجلاؤهم و قد اعتنوا بحديثه و أكثروا النقل عنه كما لا يخفى علي من راجع الكتب الأربعة للمشائخ الثلاثة رضي اللّه عنهم فانها مشحونة بالنقل عنه اصولا و فروعا (انتهى).

و لاجل كونه راويا في أكثر رواياته عن محمّد بن أبي عمير لا بأس في تحرير نبذة من ترجمته.

[نبذة من ترجمة] محمّد بن أبي عمير:

[كلمات الرجاليين حوله‏]

قال في التنقيخ محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى الأزديّ أبو احمد الذي اجمع الاصحاب علي تصحيح ما يصحّ عنه وعد مراسيله مسانيد، عاصر مولانا الكاظم و الرضا و الجواد عليهم السلام.

و قال النجاشيّ انه من موالى المهلب بن أبي صفرة و قيل مولى بني أميّة و الأول اصح، بغدادي الأصل و المقام لقي ابا الحسن موسى و سمع منه أحاديث كناه في بعضها فقال يا أبا محمّد و روى عن الرضا عليه السّلام، جليل القدر، عظيم المنزلة فينا و عند المخالفين، ذكره الجاحظ يحكي عنه في كتبه و قد ذكره في المفاخرة بين العدنانية و القحطانية و قال في البيان و التبيين حدّثني إبراهيم بن داحية عن ابن أبي عمير و كان وجها من وجوه الرافضة و كان حبس في أيّام الرشيد فقيل ليلي القضاء و قيل انه ولى بعد ذلك و قيل ليدل مواضع الشيعة و أصحاب موسى بن‏

10
تفسير القمي (مقدمة)

نبذة من ترجمة محمد بن أبي عمير ص 10

جعفر عليه السّلام، و روي انه ضرب اسواطا بلغت منه مائة فكاد ان يقر لعظيم الالم فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن و هو يقول اتق اللّه يا محمّد بن أبي عمير ففرج اللّه عنه، و روي انه حبسه المأمون حتّى ولاه قضاء بعض البلاد (انتهى).

و عن الفهرست- محمّد بن أبي عمير يكنى أبا محمّد من مولى الازد و اسم ابى عمير زياد رحمه اللّه، و كان من أوثق الناس عند الخاصّة و العامّة و انسكهم نسكا و اعبدهم و أورعهم و قد ذكره الجاحظ في كتابه في فخر قحطان علي عدنان بهذه الصفة التي وصفناه و ذكر انه كان اوحد أهل زمانه في الأشياء كلها ادرك من الأئمة عليهم السلام ثلاثة ابا إبراهيم موسى بن جعفر عليه السّلام و لم يرو عنه، و روى عن ابي الحسن الرضا و الجواد عليهما السلام، و روي عنه أحمد بن محمّد عيسى انه كتب مائة رجل من رجال ابي عبد اللّه الصادق عليه السّلام و له مصنّفات كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة و تسعين كتابا (انتهى) و عن الكشّيّ في عنوان تسمية الفقهاء من أصحاب ابي إبراهيم و ابي الحسن الرضا عليهما السلام: اجتمع أصحابنا علي تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء و تصديقهم و اقروا لهم بالفقه و العلم و هم ستة نفر آخر دون الستة النفر الذين ذكرناهم في أصحاب ابي عبد اللّه عليه السّلام منهم يونس بن عبد الرحمن و صفوان بن يحيى بياع السابري و محمّد بن أبي عمير و عبد اللّه بن المغيرة و الحسن بن المحبوب و أحمد بن محمّد ابى نصر.

و كان من خصائص ابن أبي عمير انه لم يرو عن العامّة ابدا مع رواياتهم عنه فلذا كانت مروياته خالصة محضة غير مشوبة برواياتهم كما يظهر من سؤال شاذان بن الخليل النيسابوريّ إيّاه فقال له انك قد لقيت مشائخ العامّة فكيف لم تسمع منهم؟ فقال قد سمعت منهم غير أنّي رأيت كثيرا من أصحابنا قد سمعوا علم العامّة و علم الخاصّة فاختلط عليهم حتّى كانوا يروون حديث العامّة عن الخاصّة

11
تفسير القمي (مقدمة)

نبذة من ترجمة محمد بن أبي عمير ص 10

باعتبار خدمتهم للدين المبين- فعن كتاب الغيبة للشيخ الطوسيّ (ره) ان الامام الصادق الناطق بالحق يقول- قم بلدنا و بلد شيعتنا مطهرة مقدسة قبلت ولايتنا اهل البيت لا يريدهم أحد بسوء إلّا عجلت عقوبته ما لم يخونوا اخوانهم فاذا فعلوا ذلك سلط اللّه عليهم جبابرة سوء، اما انهم انصار قائمنا و رعاة حقنا، ثم رفع رأسه الى السماء و قال اللّهمّ اعصمهم من كل فتنة و نجهم من هلكة «1».
ففضل أهل قم لا ينكر لانه ابهر من الشمس و أشهر من القمر و كيف لا يكون كذلك و قد خرج منها جهابذة العلوم الجعفرية و عباقرة البحور الباقرية كابي جرير و زكريا بن إدريس و زكريا بن آدم و عيسي بن عبد اللّه إلّا ان منهم من نال حظه أزيد و أكثر كابراهيم ابي علي هذا فانه شيخ القميين و وجههم، فضله علي القميين باعتبار تقدمه في رواية الكوفيين، قد حكى الشيخ و النجاشيّ و غيرهما من الاصحاب انه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم- قال السيّد الداماد في محكي الرواشح ان مدحهم إيّاه بانه اول من نشر أحاديث الكوفيين بقم كلمة جامعة (و كل الصيد في جنب القرا) و قال أيضا الصحيح و الصريح عندي ان الطريق من جهته صحيح فامره اجلّ و حاله أعظم من ان يتعدل و يتوثق بمعدل و موثق غيره بل غيره يتعدل و يتوثق بتعديله و توثيقه اياه، كيف و أعاظم أشياخنا الفخام كرئيس المحدثين و الصدوق و المفيد و شيخ الطائفة و نظرائهم و من في طبقتهم و درجتهم و رتبتهم من الاقدمين و الاحدثين شأنهم اجل و خطبهم أكبر من ان يظن باحد منهم قد احتاج الى تنصيص ناص و توثيق موثق و هو شيخ الشيوخ و قطب الاشياخ و وتد الاوتاد و سند الاسناد فهو أحق و أجدر بان يستغنى عن ذلك (انتهى).
__________________________________________________
 (1) الكنى و الألقاب 76/ 3و حديث الخاصّة عن العامّة فكرهت ان يختلط علي فتركت ذلك و اقبلت على هذا «1».
عبادته:
 (قال الفضل بن شاذان) دخلت العراق فرأيت واحدا يعاتب صاحبه و يقول له انت رجل عليك عيال و تحتاج ان تكسب عليهم و ما آمن من ان تذهب عيناك لطول سجودك (قال) فلما أكثر عليه قال أكثرت علي ويحك لو ذهبت عين أحد من السجود لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما يرفع رأسه إلّا عند الزوال (و سمعته يقول) اخذ يوما شيخي بيدي و ذهب بي الي ابن أبي عمير فصعدنا إليه في غرفة و حوله مشائخ له يعظمونه و يبجلونه فقلت لابي من هذا؟ فقال هذا ابن أبي عمير قلت الرجل الصالح العابد؟ قال: نعم «2».
سخاؤه:
اما سخاؤه فقد بلغ الى مرتبة لم يكن في ذلك العصر من يفضل عليه في هذه المنقبة العليا غير مواليه الكرام عليهم السلام الذين اقتدى بقدوتهم و اقتبس من جذوتهم فانه يذكر في جوده و كرمه و ايثاره على نفسه ما يجمد في قباله بحر متلاطم و ينسى دونه جود حاتم.
روى الشيخ و الصدوق رضوان اللّه عليهما ان محمّد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله و افتقر و كان له على رجل عشرة آلاف درهم فباع دارا له كان يسكنها بعشرة آلاف درهم و حمل المال الى بابه فخرج إليه محمّد بن أبي عمير فقال ما هذا؟ قال هذا مالك الذي علي، قال ورثته؟ قال لا، قال وهب‏
__________________________________________________
 (1) التنقيح 62/ 2
 (2) التنقيح 62 باب محمد

12
تفسير القمي (مقدمة)

نبذة من ترجمة محمد بن أبي عمير ص 10

لك؟ قال لا بل هو من ثمن ضيعة بعتها، قال ما هو؟ فقال بعت داري التي اسكنها لاقضي ديني فقال محمّد بن أبي عمير حدّثني ذريح المحاربى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: (لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين) ارفعها فلا حاجة لي فيها و انى و اللّه لمحتاج في وقتي هذا الى درهم و لا يدخل في ملكي من هذا درهم واحد «1».
جهاده:
اما جهاده في سبيل الحق و احتمال الشدائد له فهو حسب ما روي عن الكشّيّ انه قال وجدت بخط أبي عبد اللّه الشاذاني سمعت أبا محمّد الفضل بن شاذان يقول سعي بمحمّد بن أبي عمير (و اسم ابي عمير زياد) الى السلطان انه يعرف اسامي الشيعة بالعراق فامره السلطان ان يسميهم فامتنع فجرد و علق بين القفازين فضرب مائة سوط (قال الفضل سمعت ابن أبي عمير) لما ضربت فبلغ الضرب مائة سوط ابلغ الضرب الالم إلي فكدت ان اسمي فسمعت نداء محمّد بن يونس يقول يا محمّد بن أبي عمير اذكر موقفك بين يدي اللّه تعالى فتقويت بقوله و صبرت و لم اخبر و الحمد للّه «2».
و روي انه تولى ضربه السندي بن شاهك امام هارون الرشيد فادى مائة و واحدا و عشرين الف درهم حتّى خلى عنه و كان ربّ خمسمائة الف درهم «3».
و يظهر من سير التاريخ و الحديث انه رحمه اللّه قاسى من الجهد و البلاء في عصري الهارون و المأمون فان المأمون حبسه في سجنه أربع سنين و كان ذلك بعد وفاة الرضا عليه السّلام و اختلفت الأقوال في ذهاب كتبه فقيل ان أخته دفنتها حال‏
__________________________________________________
 (1) التنقيح 421/ 1.
 (2) 62 باب محمد
 (3) التنقيح 63 باب محمد

13
تفسير القمي (مقدمة)

نبذة من ترجمة محمد بن أبي عمير ص 10

استتاره في السجن خوفا عليه كما ذكره جدي الامجد السيّد الجزائريّ رحمه اللّه في شرحه على التهذيب «1» و قيل تركها في غرفة فسال عليها المطر فلما اطلق من حبسه حدثهم من حفظه و كان يحفظ ما يبلغ من أربعين جلدا فسماه نوادر فلذلك توجد أحاديثه منقطعة الأسانيد الا ان الاصحاب سكنوا إليها و عاملوها معاملة الصحاح ثقة به.
مؤلّفاته:
انه صنف كتبا كثيرة ذكر ابن بطة ان له أربعة و تسعين كتابا منها كتاب النوادر، كتاب الاستطاعة و الافعال و الرد على أهل القدر و الجبر، كتاب المبدأ، كتاب الإمامة، كتاب المنعة، كتاب المغازي، كتاب الكفر و الايمان، كتاب البداء، كتاب الإحتجاج في الإمامة، كتاب الحجّ، كتاب فضائل الحجّ، كتاب الملاحم، كتاب يوم و ليلة، كتاب الصلاة، كتاب مناسك الحجّ، كتاب الصيام، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المعارف، كتاب التوحيد، كتاب النكاح، كتاب الرضاع.
توفي رحمه اللّه سنة 217 «2».
الثناء على التفسير:
لا ريب في ان هذا التفسير الذي بين ايدينا من اقدم التفاسير التي وصلت الينا و لو لا هذا لما كان متنا متينا في هذا الفن و لما سكن إليه جهابذة الزمن، فكم من تفسير قيم مقتبس من اخباره و لم تره إلّا منورا بانواره كالصافي و المجمع و البرهان، إلّا ان هذا الأصل لم يكن متيسرا في زماننا هذا لانه لم يطبع منه في الأخير إلّا نسختان، طبعتا في ايران احديهما طبعت سنة 1313 و ثانيتهما التي‏
__________________________________________________
 (1) النسخة موجودة عندي بخطي.
 (2) التنقيح 62 باب محمد

14
تفسير القمي (مقدمة)

الثناء على التفسير ص 14

عندي طبعت سنة 1315 مع تفسير الإمام العسكريّ على هامشه و كلتا النسختين مع كثرة الخطأ و الاشتباهات فيهما كانتا نادرتين جدا حتّى لم نجدهما في أكثر مكتبات النجف الأشرف حتّى مكتبة أمير المؤمنين عليه السّلام التي اسسها العلامة المجاهد الأميني مد ظله مع اتساعها و طول باعها في حيازة الكتب القيمة كانت فاقدة لها فاحتيج الى طباعته لئلا يندرس هذا الاثر الاثري و التأليف الزهري فشمرت الباع لرفع القناع عن هذه المؤلّفة المألوفة ليرى محياها كل من احبها و حياها فانها تحفة عصرية و نخبة اثرية لأنّها مشتملة على خصائص شتّى قلما تجدها في غيرها فمنها:

(1) ان هذا التفسير أصل أصول للتفاسير الكثيرة كما تقدم.

(2) ان رواياته مروية عن الصادقين عليهما السلام مع قلة الوسائط و الاسناد و لهذا قال في الذريعة: انه في الحقيقة تفسير الصادقين عليهما السلام.

(3) مؤلّفه كان في زمن الامام العسكريّ عليه السّلام.

(4) ابوه الذي روى هذه الأخبار لابنه كان صحابيا للامام الرضا عليه السلام.

(5) ان فيه علما جما من فضائل أهل البيت عليهم السلام التي سعى اعداؤهم لاخراجها من القرآن الكريم.

(6) انه متكفل لبيان كثير من الآيات القرآنية التي لم يفهم مرادها تماما إلّا بمعونة ارشاد أهل البيت عليهم السلام التالين للقرآن.

بقي شي‏ء:

و هو ان الراوي الأول الذي املا عليه عليّ بن إبراهيم القمّيّ هذا التفسير على ما يتضمنه بعض نسخ هذا التفسير (كما في نسختي) هو أبو الفضل العباس ابن محمّد بن قاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر عليه السّلام، تلميذ عليّ بن إبراهيم،

15
تفسير القمي (مقدمة)

بقي شي‏ء ص 15

و هذا الشخص و ان لم يوجد له ذكر في الأصول الرجالية كما ذكره صاحب الذريعة إلّا ان ما يدلّ على علو شأنه و سمو مكانه كونه من أولاد الامام موسى ابن جعفر عليه السّلام و منتهيا إليه بثلاث وسائط فقط، و قد ذكره غير واحد من كتب الأنساب كبحر الأنساب و المجدي و عمدة الطالب، و ممّا يرفع غبار الريب عن اعتبار الراوي ركون الاصحاب الى هذا الكتاب و عملهم به بلا ارتياب فلو كان فيه ضعف لما ركنوا إليه، و لذا قال الحرّ العامليّ رحمه اللّه في الوسائل. و هو من الذين اخذوا من هذا الكتاب ما لفظه.

«و لم اقتصر فيه على كتب الحديث الأربعة و ان كانت أشهر ممّا سواها بين العلماء، لوجود كتب كثيرة معتمدة من مؤلّفات الثقات الاجلاء، و كلها متواترة النسبة الى مؤلّفيها، لا يختلف العلماء و لا يشك الفضلاء فيها» (الوسائل 1/ 5)

و قد عرضت هذا الكتاب قبل نشره على الشيخ الكبير و المجاهد الشهير سماحة العلامة آقا بزرك الطهرانيّ (صاحب الذريعة) دام ظله فابدى سروره على طبعه و دعا لي على هذا المجهود و كتب التقريظ عليه مع ضعف حاله و ارتعاش يده الشريفة، حيث عبر عن هذا الكتاب ب «الاثر النفيس و السفر الخالد المأثور عن الامامين عليهما السلام».

و لا ريب في انه عريف هذا الفن و غطريف من غطارفة الزمن فقليله في مقام الاطراء كثير.

و بالجملة انه تفسير رباني، و تنوير شعشعاني، عميق المعاني، قوي المبانى عجيب في طوره، بعيد في غوره، لا يخرج مثله إلّا من العالم عليه السّلام و لا يعقله إلّا العالمون، و لم آل جهدا في تصحيحه و تنظيفة من الأغلاط المشحونة فيه فاعتمدت في تصحيحه على أربع نسخ منه:

16
تفسير القمي (مقدمة)

بقي شي‏ء ص 15

(الأولى) نسخة مطبوعة 1315 هج على هامشها تفسير الإمام العسكريّ عليه السّلام، و هي التي كانت عندي.

(الثانية) نسخة مطبوعة 1313 هج و جعلت رمزها في هذا الكتاب (ط).

(الثالثة) نسخة خطية من مكتبة آية اللّه الحكيم مد ظله و جعلت رمزها (م).

(الرابعة) نسخة خطية نادرة من مكتبة الشيخ كاشف الغطاء طلب ثراه، و جعلت رمزها (ك) و اسأل اللّه ان يوفقنا لذلك فان بلغت فيه مناي فهو شفائى، و ان بقي شي‏ء منها فانى معتذر الى مولاي فانه ذو الصفح الجسيم و المن القديم و ما توفيقي إلّا باللّه العلي العظيم.

تنبيه يتعلق بهذا التفسير

لا بدّ لقارئ هذا التفسير من الالتفات الى امر بدونه يصعب فهم المراد بل ربما ينفتح للعنود و المستضعف باب اللجاج و العناد، فيورد على هذا التفسير و ما شاكله بان كثيرا من مطالبه بعيد عن ظاهر اللفظ و قريب الى التأويلات التي يستنكف العقل منها- مثلا- اي ربط للآيات النازلة في اقوام بائدة كقوم عاد و ثمود باعداء أهل البيت عليهم السّلام حيث فسرت بانها نزلت فيهم و نحو ذلك.

و جوابه يتوقف على بيان امور:

(الأول) انه قد ظهر من الأدلة الباهرة و الاخبار المتضافرة من الفريقين ان ذوات محمّد و آله الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين هي علة ايجاد هذا الكون كما يظهر من الحديث المعروف «لولاك لما خلقت الافلاك» المشهور بين الفريقين و حديث «اول ما خلق اللّه نوري» المؤيد بقوله تعالى «قل ان كان للرحمن ولد فانا اول العابدين» فهذه الآية تدلّ على ان محمّدا صلّى اللّه عليه و آله اول الكل وجودا

17
تفسير القمي (مقدمة)

تنبيه يتعلق بهذا التفسير ص 17

و ان كان خاتم الرسل زمانا و عليّ بن أبي طالب اما نفسه كما تدلّ على آية المباهلة او قسيم نوره كما يدلّ عليه قوله صلّى اللّه عليه و آله «انا و علي من نور واحد» و أولاده المعصومون كلهم مظاهر جماله و كماله صلّى اللّه عليه و آله كما قال صلّى اللّه عليه و آله: فيهم «اولنا محمّد و اوسطنا محمّد و آخرنا محمّد و كلنا محمد» و تدلّ على هذا المقصد روايات كثيرة من السنة من شاء فليراجع معارج النبوّة و مدارج النبوّة و ينابيع المودة و نحو ذلك.

و كذا وردت روايات كثيرة معتبرة أيضا كحديث الكساء المتسالم عليه بين العلماء الأعلام و المعمول به بين الخواص و العوام و فيه: «و عزتي و جلالي اني ما خلقت سماءا مبنية و لا ارضا مدحية و لا قمرا منيرا و لا شمسا مضيئا ... إلا في محبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء».

و في اكمال الدين و العيون و العلل عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام انه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما خلق اللّه خلقا أفضل مني و لا اكرم عليه مني، فقلت يا رسول اللّه فانت أفضل او جبرئيل؟ فقال يا علي ان اللّه فضل انبيائه المرسلين علي ملائكته المقربين و فضلني علي جميع النبيين و المرسلين و الفضل من بعدي لك يا علي و للائمة من بعدك و ان الملائكة لخدامنا و خدام محبينا، يا علي! الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يستغفرون للذين آمنوا بولايتنا يا علي! لو لا نحن ما خلق اللّه آدم و لا حواء و لا الجنة و لا النار و لا السماء و لا الأرض فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم الى معرفة ربّنا و تسبيحه و تقديسه لان اول ما خلق اللّه خلق ارواحنا فانطقنا بتوحيده و بتمجيده ثمّ خلق الملائكة فلما شاهدوا ارواحنا نورا واحدا استعظموا امرنا فسبحنا لتعلم الملائكة، فسبحت الملائكة بتسبيحنا.

(الثاني) لما ثبت ان ذواتهم المقدّسة هي اول الخلق و غرض الحق فبدليل العقل يجب علي اللّه تعالى لطفا ان يعرفهم جميع خلقه و يعرض محبتهم علي جميع‏

18
تفسير القمي (مقدمة)

تنبيه يتعلق بهذا التفسير ص 17

عباده و إلّا ليلزم الانفكاك بين الغاية و المغي فهم غرض الخلق و غرض خلقهم ذات الحق و ان شئت فقل ان اللّه لم يخلق الخلق إلّا للعبادة و لا يعبد إلّا بعد المعرفة و هي إنّما تحصل بقبول الايمان باللّه كما هو، و هو موقوف علي الإقرار بالرسول المخبر عن اللّه، و هو موقوف على الإقرار بالامام المخبر عن الرسول فعلى اللّه ان يرشد إليه و يدلّ عليه فلا بعد ان ينزل القرآن فيهم و لهم.
 (الثالث) ان اللّه تعالى كان عالما باعمال امة نبيه صلّى اللّه عليه و آله بعد وفاته صلّى اللّه عليه و آله بانهم يلعبون بالدين و يهتكون بنو اميس حماته في كل حين، كما ظهر من شنائع بني أميّة و بني العباس و قد نبأ به النبيّ الصادق كما في صحيحي البخاري و مسلم فقال صلّى اللّه عليه و آله: لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرا بشبر و ذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه، قالوا يا رسول اللّه اليهود و النصارى؟ قال فمن؟ «1» و كما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السّلام في قوله تعالي «لتركبن طبقا عن طبق» اي لتسلكن سبل من كان قبلكم من الأمم في الغدر بالأوصياء بعد الأنبياء، و في هذا المعنى روايات كثيرة من الفريقين فحينئذ لم يؤمن منهم ان لا يبقوا اسامي الأئمة او فضائلهم في القرآن فلذا لم يكن بد إلّا ان يبينها اللّه تعالي بالكناية و الاستعارة كما هو دأب القرآن و أسلوبه في أكثر آياته فان له ظاهرا يتعلق بشي‏ء و باطنا بشي‏ء آخر، روى العيّاشيّ و غيره عن جابر قال سألت ابا جعفر عليه السّلام عن شي‏ء من تفسير القرآن فاجابني، ثمّ سألت ثانيا فاجابني بجواب آخر، فقلت جعلت فداك كنت اجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم! فقال لي يا جابر ان للقرآن بطنا و للبطن بطنا و ظهرا و للظهر ظهرا، يا جابر و ليس شي‏ء ابعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ان الآية لتكون اولها في‏
__________________________________________________
 (1) صحيح البخاريّ 4/ 176

19
تفسير القمي (مقدمة)

تنبيه يتعلق بهذا التفسير ص 17

شي‏ء و آخرها في شي‏ء و هو كلام متصل ينصرف على وجوه».
و عن الغزالي في احياء العلوم و الحافظ ابي نعيم في حلية الأولياء عن ابن مسعود قال: ان القرآن نزل علي سبعة احرف ما منها حرف إلّا و له ظهر و بطن و ان عليّ بن أبي طالب عنده منه علم الظاهر و الباطن و المراد من بطن القرآن تأويله كما قال: و لا يعلم تأويله إلّا اللّه و الراسخون في العلم.
و مثال ذلك آية الشجرة حيث قال: ألم تر كيف ضرب اللّه مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة- الى قوله- مالها من قرار «1» فالمراد من «الشجرة الطيبة» شجرة محمّد و آله صلوات اللّه عليهم و المراد من «الشجرة الخبيثة» و «الشجرة الملعونة» في سورة بني إسرائيل هم بنو أميّة «2» فهذا تأويله فمن الذي له علم بهذا التأويل بمجرد اللفظ غير الذين انزل القرآن في بيتهم و هم أهل البيت سلام اللّه عليهم الملقبون في القرآن ب «الراسخون في العلم» مرة و ب «الذين اوتوا العلم» مرة اخرى، فانهم العرفاء بوجوه القرآن و معانيه و العلماء بناسخه و منسوخه، محكمه و متشابهه، عامه و خاصه، مطلقه و مقيده، مجمله و مبينه، كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام: و اللّه ما نزلت آية إلّا و قد علمت فيما نزلت و اين نزلت و على من نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا ناطقا «3».
فانقدح من ذلك كله انه إذا ورد منهم معنى آية من الآيات القرآنية في مقام التأويل و التعبير عن بطن القرآن فلا مجال لانكاره او استغرا به و ان كان خلافا للظاهر و هل هبط الروح الأمين بالقرآن إلّا في بيتهم، و هل استنارت آياته إلا من زيتهم، فهم أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مهبط الوحي و التنزيل و منبت‏
__________________________________________________
 (1) إبراهيم 24.
 (2) الطبريّ 3/ 4
 (3) تاريخ الخلفاء ص 142.

20
تفسير القمي (مقدمة)

تنبيه يتعلق بهذا التفسير ص 17

التفسير و التأويل كما قال أبو عبد اللّه الحسين عليه السّلام قدام جمهور من الناس حين خروجه من المدينة «نحن أهل بيت النبوّة و معدن الرسالة و مختلف الملائكة» «1»
فالقرآن ظاهره انيق و باطنه عميق و ان ظاهره و ان كان مخصوصا بفرد خاص او زمان خاصّ لكن باطنه ينطبق علي كل من كان اهلا له الي يوم القيامة و من هنا قال أبو جعفر عليه السّلام: ان القرآن نزل أثلاثا: ثلث فينا و في احبائنا و ثلث في اعدائنا و عدو من كان قبلنا و ثلث سنة و مثل، و لو ان الآية إذا نزلت في قوم ثمّ مات اولئك ماتت الآية لما بقي من القرآن شي‏ء، و لكن القرآن يجرى على آخره ما دامت السماوات و الأرض «2».
و من هنا علم سر ذكر الأمم السابقة كآل فرعون و نمرود، و امة موسى و هود، و قصص النصارى و اليهود، و تكرير اعمالهم القبيحة و اطوارهم الشنيعة مع ان اللّه تعالى ستار العيوب و غفار الذنوب فلا حكمة في نشر فضائحهم و ذكر شنائعهم بعد ما حقت عليهم كلمة العقاب و تمت فيهم مواعيد العذاب، فليس المقصود منه إلّا اعتبار المعتبرين و تنبيه من لحقهم من الفاسقين الذين شابهوهم بسوء اعمالهم و لهذا عبر عن بعضهم في لسان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله بيهود هذه الأمة و مجوسها.
فانكشف ممّا ذكرنا ان كل ما ورد في القرآن من المدح كناية و صراحة فهو راجع الى محمّد و آله الطاهرين، و كل ما ورد فيه من القدح كذلك فهو لاعدائهم أجمعين السابقين منهم و اللاحقين و يحمل عليه جميع الآيات من هذا القبيل و ان كان خلافا للظاهر لان أسلوب البيان و حفظه عن النقصان يقتضي الكناية و هي ابلغ من التصريح و الطف، فلا مشاحة فيها بعد ورود دليل قاطع من العقل‏
__________________________________________________
 (1) ناسخ التواريخ 6/ 119.
 (2) تفسير فرات.

21
تفسير القمي (مقدمة)

تنبيه يتعلق بهذا التفسير ص 17

و النقل، و لا ينكره إلّا من كان دأبه علي المكابرة و الدجل، و اللّه ولي التوفيق يهدي من يشاء الى صراط مستقيم.
تحريف القرآن:
بقى شي‏ء يهمنا ذكره و هو ان هذا التفسير كغيره من التفاسير القديمة يشتمل علي روايات مفادها ان المصحف الذي بين ايدينا لم يسلم من التحريف و التغيير
و جوابه انه لم ينفرد المصنّف (ر ح) بذكرها بل وافقه فيه غيره من المحدثين المتقدمين و المتأخرين عامة و خاصّة اما العامّة فقد صنفوا فيه كتبا كالسجستانيّ حيث صنف «كتاب المصاحف» و الشعرانى حيث قال:
و لو لا ما يسبق للقلوب الضعيفة و وضع الحكمة في غير أهلها لبينت جميع ما سقط من مصحف عثمان «1».
و الآلوسي حيث اعترف بعد سرد الاخبار التي تدلّ علي التحريف قائلا:
و الروايات في هذا الباب أكثر من ان تحصى «2».
و قال فخر الدين الرازيّ في تفسيره:
نقل في الكتب القديمة ان ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن و كان ينكر كون المعوذتين من القرآن «3».
و نقل السيوطي عن ابن عبّاس و ابن مسعود انه كان يحك المعوذتين من المصحف و يقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه، انهما ليستا من كتاب اللّه، انما امر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ان يتعوذ بهما، و كان ابن مسعود لا يقرأ بهما «4».
__________________________________________________
 (1) الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت و الجواهر ص 143.
 (2) روح المعاني 1/ 24
 (3) مفاتيح الغيب 1/ 169.
 (4) الدّر المنثور 6/ 416.

22
تفسير القمي (مقدمة)

تحريف القرآن ص 22

و قال الصبحي الصالحي:
 «اما القراءات المختلفة المشهورة بزيادة لا يحتملها الرسم و نحوها نحو أوصى و وصى، و تجري تحتها و من تحتها، و سيقولون اللّه و للّه، و ما عملت ايديهم و ما عملته فكتابته على نحو قراءته و كل ذلك وجد في مصحف الامام «1»» و هذا اعتراف منه بان مصحف الامام مشتمل على زيادة لوضوح ان هذه القراءات كلها لم تنزل من اللّه تعالى لان الافصح و الابلغ في المقام واحدة منها، و كلام الخالق لا يكون إلّا بالافصح و الابلغ، فإذا وجد كل ذلك في مصحف الامام فيحصل لنا العلم و لو اجمالا بزيادة ما ليس من اللّه في القرآن.
و كذلك ذهب كثير منهم الى عدم كون البسملة من القرآن، و من هنا لا يقرؤنها في الصلاة، قال السيّد الخوئي دام ظله في البيان: «فالبسملة مثلا مما تسالم المسلمون على ان النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قرأها قبل كل سورة غير التوبة، و قد وقع الخلاف في كونها من القرآن بل ذهبت المالكية الى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصلاة المفروضة» «2».
اما الخاصّة فقد تسالموا على عدم الزيادة في القرآن بل ادعى الإجماع عليه، اما النقيصة فان ذهب جماعة من العلماء الإماميّة الى عدمها أيضا و انكروها غاية الإنكار كالصدوق و السيّد مرتضى و ابي علي الطبرسيّ في «مجمع البيان» و الشيخ الطوسيّ في «التبيان» و لكن الظاهر من كلمات غيرهم من العلماء و المحدثين المتقدمين منهم و المتأخرين القول بالنقيصة كالكليني و البرقي، و العيّاشيّ و النعمانيّ، و فرات بن إبراهيم، و أحمد بن أبي طالب الطبرسيّ صاحب الاحتجاج و المجلسيّ، و السيّد الجزائريّ، و الحرّ العامليّ، و العلامة الفتوني، و السيّد البحرانيّ‏
__________________________________________________
 (1) مباحث في علوم القرآن ص 98.
 (2) البيان ص 138

23
تفسير القمي (مقدمة)

تحريف القرآن ص 22

و قد تمسكوا في اثبات مذهبهم بالآيات و الروايات التي لا يمكن الاغماض عنها.
و الذي يهون الخطب ان التحريف اللازم على قولهم يسير جدا مخصوص بآيات الولاية فهو غير مغير للاحكام و لا للمفهوم الجامع الذي هو روح القرآن، فهو ليس بتحريف في الحقيقة فلا ينال لغير الشيعة ان يشنع عليهم من هذه الجهة.
و تفصيل ذلك ان غيرهم الذي يمكن ان يورد عليهم فهو اما من جمهور المسلمين او أهل الكتاب كالنصارى و اليهود و كلاهما لا يقدر ان علي ذلك اما جمهور المسلمين فلكون كتبهم مملوءة من الاخبار الدالة على التحريف الذي هو ازيد بمراتب من التحريف المستفاد من روايات الإماميّة، إذ هو عند اولئك بمعنى النقيصة و الزيادة و في سائر مواضيع القرآن حتّى قد روي عن عمر انه قال:
 (1) لا يقولن احدكم قد اخذت القرآن كله و ما يدريه ما كله؟ قد ذهب منه قرآن كثير، و لكن ليقل قد اخذت منه ما ظهر «1».
 (2) و عنه أيضا كنا نقرأ الولد للفراش و للعاهر الحجر فيما فقدنا من كتاب اللّه «2».
 (3) و أيضا روي عنه: فكان فيما انزل عليه آية الرجم فرجم و رجمنا بعده «3».
 (4) و عن ابي موسى الأشعريّ: انا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول و الشدة بالبراءة فانسيتها، غير أنّي قد حفظت منها: لو كان لابن آدم و أديان من المال لابتغى و اديا ثالثا و لا يملأ جوف ابن آدم الا تراب «4» و مثله كثير ممّا يظهر منه ذهاب كثير من القرآن عندهم من آيات الأحكام و السور
__________________________________________________
 (1) الاتقان 2/ 40.
 (2) الدّر المنثور 1/ 106.
 (3) سنن ابن ماجة ص 141.
 (4) صحيح مسلم 3/ 100

24
تفسير القمي (مقدمة)

تحريف القرآن ص 22

كسورتي الخلع و الحفد «1» و اين هذا من القول بان الساقط منه آيات تتعلق بالولاية فقط مع بقاء جميع آيات الاحكام.
و هذا هو السر في ان الأئمة الطاهرين سلام اللّه عليهم أجمعين امروا بالتشبث بالقرآن الكريم و امروا بارجاع الأحاديث المشكوكة علي القرآن و الأخذ بما وافقه ورد ما خالفه و إنّما هو نص واضح على ان التحريف و التغيير لم يقع فيها و ما وقع منه يسيرا فانما هو بالنسبة الى الآيات الراجعة الى آل بيت النبيّ صلوات اللّه عليهم مع بقاء كثيرة منها على حالها لم تحرف مع كفايتها في مقام استعلام فضائلهم مع احتمال كون الساقط من قبيل الشرح لا المتن كما ذهب إليه الكاشانى‏
اما أهل الكتاب فانهم أيضا لا يقدرون علي الايراد المذكور لوروده على انفسهم حقيقة لذهاب التوراة و الإنجيل من البين كما يشهد به مطالعة هذين الكتابين، و قد اعترف علماؤهم اجمع بحدوث الاناجيل الأربعة بعد وفاة عيسى حتى سموها New. Testament اعني «العهد الجديد».
و هذه الاناجيل عبارة عن: 1- انجيل متى. 2- انجيل مرقس.
3- انجيل لوقا. 4- انجيل يوحنا، و ليس واحد منها من كلام عيسى و لا حواريه بل انها نسبت الى متى و لوقا لتحصيل الاشتهار و جلب رغبة الناس إليها، و قد جرت هذه الاناجيل في الناس دهرا طويلا تقرأ مسودة فحدثت فيها التغييرات و الإضافات حينا بعد حين و اضيفت فيها الاساطير التي كان بناء أكثرها علي المبالغة و انها كانت علي السنة ضعفة العقول في ذلك الزمان حتّى حسبت بعد
__________________________________________________
 (1) روح المعاني 1/ 24.

25
تفسير القمي (مقدمة)

تحريف القرآن ص 22

مدة حقائق تاريخية و حوادث واقعية. قد صرّح بذلك كله علماؤهم المعروفون في كتبهم «1».
و قال القسيس المعروف ارنست وليام Earnest William ان مرقس اقدم الاناجيل كما سنذكره في الباب الثامن كتب حين انتشرت النصرانية في الارجاء، و كانت الفترة بين صلب عيسى و كتابته أربعين سنة او ازيد «1».
و هذا بخلاف القرآن الحكيم فانه كان مكتوبا مدونا في زمان الرسول صلّى اللّه عليه و آله عند أمير المؤمنين عليه السّلام على قول او كان مكتوبا متفرقا على الواح و عسب و الفه الخلفاء على قول آخر مع اجماع الفريقين على ان ما بين الدفتين كله من اللّه تعالى فهو باق علي اعجازه منزه عن الدخل في حقيقته و مجازه لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، متحدّ علي اعلانه القويم القديم.
 «قل لئن اجتمعت الانس و الجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا».
طيب الموسوي الجزائريّ النجف الأشرف 8 رجب المرجب سنة 1386
__________________________________________________
 (1) و هذه اساميهم مع اسامى كتبهم:
 (1) The Rise Of Christanity By Earnest William.
 (2) History Of Syria By Philip. K. Hitti.
 (3) The Life Of Juses By Earnest. (2) the Rise Of Christanity p. 48

26