×
☰ فهرست و مشخصات
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

الجزء السادس و الستون‏
تتمة كتاب الإيمان و الكفر
أبواب الإيمان و الإسلام و التشيع و معانيها و فضلها و صفاتها
باب 28 الدين الذي لا يقبل الله أعمال العباد إلا به‏
الآيات البقرة قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ وَ ما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ «1» أقول قد مر تفسيرها في الباب الأول «2».
1- ك، إكمال الدين لي، الأمالي للصدوق ابْنُ مُوسَى وَ الْوَرَّاقُ مَعاً عَنِ الصُّوفِيِّ عَنِ الرُّويَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْحَسَنِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ ع فَلَمَّا بَصُرَ بِي قَالَ لِي مَرْحَباً بِكَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَنْتَ وَلِيُّنَا حَقّاً قَالَ فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ دِينِي فَإِنْ كَانَ مَرْضِيّاً ثَبَتُّ عَلَيْهِ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ هَاتِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَقُلْتُ إِنِّي أَقُولُ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَاحِدٌ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ خَارِجٌ مِنَ الْحَدَّيْنِ حَدِّ الْإِبْطَالِ وَ حَدِّ التَّشْبِيهِ وَ إِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَ لَا صُورَةٍ وَ لَا عَرَضٍ وَ لَا جَوْهَرٍ بَلْ هُوَ مُجَسِّمُ الْأَجْسَامِ وَ مُصَوِّرُ الصُّوَرِ وَ خَالِقُ الْأَعْرَاضِ وَ الْجَوَاهِرِ وَ رَبُّ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ مَالِكُهُ وَ جَاعِلُهُ وَ مُحْدِثُهُ وَ إِنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ إِلَى‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 136- 137.
 (2) راجع ج 67 ص 20- 21.

001
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ إِنَّ شَرِيعَتَهُ خَاتِمَةُ الشَّرَائِعِ فَلَا شَرِيعَةَ بَعْدَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ أَقُولُ إِنَّ الْإِمَامَ وَ الْخَلِيفَةَ وَ وَلِيَّ الْأَمْرِ بَعْدَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع ثُمَّ الْحَسَنُ ثُمَّ الْحُسَيْنُ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ثُمَّ أَنْتَ يَا مَوْلَايَ فَقَالَ ع وَ مِنْ بَعْدُ الْحَسَنُ ابْنِي فَكَيْفَ لِلنَّاسِ بِالْخَلَفِ مِنْ بَعْدِهِ قَالَ فَقُلْتُ وَ كَيْفَ ذَاكَ يَا مَوْلَايَ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يُرَى شَخْصُهُ وَ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ حَتَّى يَخْرُجَ فَيَمْلَأَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَ ظُلْماً قَالَ فَقُلْتُ أَقْرَرْتُ وَ أَقُولُ إِنَّ وَلِيَّهُمْ وَلِيُّ اللَّهِ وَ عَدُوَّهُمْ عَدُوُّ اللَّهِ وَ طَاعَتَهُمْ طَاعَةُ اللَّهِ وَ مَعْصِيَتَهُمْ مَعْصِيَةُ اللَّهِ وَ أَقُولُ إِنَّ الْمِعْرَاجَ حَقٌّ وَ الْمُسَاءَلَةَ فِي الْقَبْرِ حَقٌّ وَ إِنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَ النَّارَ حَقٌّ وَ الصِّرَاطَ حَقٌّ وَ الْمِيزَانَ حَقٌّ وَ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَ أَقُولُ إِنَّ الْفَرَائِضَ الْوَاجِبَةَ بَعْدَ الْوَلَايَةِ الصَّلَاةُ وَ الزَّكَاةُ وَ الصَّوْمُ وَ الْحَجُّ وَ الْجِهَادُ وَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ ع يَا أَبَا الْقَاسِمِ هَذَا وَ اللَّهِ دِينُ اللَّهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ فَاثْبُتْ عَلَيْهِ ثَبَّتَكَ اللَّهُ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ «1».
بيان: حدّ الإبطال هو أن لا تثبت له صفة و حدّ التشبيه أن تثبت له على وجه يتضمن التشبيه بالمخلوقين كما مر تحقيقه في كتاب التوحيد.
2- ما، الأمالي للشيخ الطوسي عَنِ الْمُفِيدِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيِّ قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ع وَ مَعَهُ صَحِيفَةُ مَسَائِلِ شِبْهِ الْخُصُومَةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ ع هَذِهِ صَحِيفَةُ مُخَاصِمٍ عَلَى الدِّينِ الَّذِي يَقْبَلُ اللَّهُ فِيهِ الْعَمَلَ فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ هَذَا الَّذِي أُرِيدُ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع اشْهَدْ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ تُقِرُّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ الْوَلَايَةِ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ عَدُوِّنَا وَ التَّسْلِيمِ لَنَا وَ التَّوَاضُعِ وَ الطُّمَأْنِينَةِ وَ انْتِظَارِ أَمْرِنَا فَإِنَ‏
__________________________________________________
 (1) كمال الدين ط اسلامية ج 2 ص 51 أمالي الصدوق: 204.

002
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

لَنَا دَوْلَةً إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَاءَ بِهَا «1».
كا، الكافي عن الحسين بن محمد عن المعلى عن الوشاء عن أبان مثله «2» بيان في الكافي مخاصم سائل أي مناظر مجادل و ما قيل إنه اسم بعيد اشهد بصيغة الأمر و في الكافي شهادة و تقر أي و أن تقر و على ما في الأمالي يحتمل الحالية و في الكافي و التسليم لنا و الورع و التواضع و ليس فيه و الطمأنينة و لعل المراد بها اطمئنان القلب و عدم الاضطراب عند الفتن و بالتواضع التواضع لله و لأوليائه أو الأعم و انتظار أمرنا و في الكافي قائمنا و هذا يتضمن الإقرار بوجوده و حياته و ظهوره و عدم الشك فيه و التسليم لغيبته و عدم الاعتراض فيها و الصبر على ما يلقى من الأذى فيها و التمسك بما في يده من آثارهم و الرجوع إلى رواة أخبارهم ع و في الكافي إذا شاء و هو أظهر.
3- ما، الأمالي للشيخ الطوسي عَنِ الْمُفِيدِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ حَيْدَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْكَشِّيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ عَنْ نُوحِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْمُخَارِقِيِّ قَالَ: وَصَفْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع دِينِي فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً ص رَسُولُ اللَّهِ وَ أَنَّ عَلِيّاً إِمَامٌ عَدْلٌ بَعْدَهُ ثُمَّ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ ثُمَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ثُمَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ثُمَّ أَنْتَ فَقَالَ رَحِمَكَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ اتَّقُوا اللَّهَ اتَّقُوا اللَّهَ عَلَيْكُمْ بِالْوَرَعِ وَ صِدْقِ الْحَدِيثِ وَ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَ عِفَّةِ الْبَطْنِ وَ الْفَرْجِ تَكُونُوا مَعَنَا فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى «3».
4- مع، معاني الأخبار عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ حَمْزَةَ وَ مُحَمَّدٍ ابْنَيْ حُمْرَانَ قَالا اجْتَمَعْنَا عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَجِلَّةِ مَوَالِيهِ وَ فِينَا حُمْرَانُ بْنُ أَعْيَنَ فَخُضْنَا فِي الْمُنَاظَرَةِ وَ حُمْرَانُ سَاكِتٌ فَقَالَ لَهُ‏
__________________________________________________
 (1) أمالي الطوسيّ ج 1 ص 182.
 (2) الكافي: ج 2 ص 23، و فيه: صحيفة مخاصم يسأل عن الدين.
 (3) أمالي الطوسيّ ج 2: 226.

003
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ يَا حُمْرَانُ فَقَالَ يَا سَيِّدِي آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي «1» أَنْ لَا أَتَكَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ تَكُونُ فِيهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع- إِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكَ فِي الْكَلَامِ فَتَكَلَّمْ فَقَالَ حُمْرَانُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَ لَا وَلَداً خَارِجٌ مِنَ الْحَدَّيْنِ حَدِّ التَّعْطِيلِ وَ حَدِّ التَّشْبِيهِ وَ أَنَّ الْحَقَّ الْقَوْلُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَ أَنَّ النَّارَ حَقٌّ وَ أَنَّ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ وَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ لَا يَسَعُ النَّاسَ جَهْلُهُ وَ أَنَّ حَسَناً بَعْدَهُ وَ أَنَّ الْحُسَيْنَ مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ ثُمَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ثُمَّ أَنْتَ يَا سَيِّدِي مِنْ بَعْدِهِمْ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع التُّرُّ تُرُّ حُمْرَانَ ثُمَّ قَالَ يَا حُمْرَانُ مُدَّ الْمِطْمَرَ بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الْعَالِمِ قُلْتُ يَا سَيِّدِي وَ مَا الْمِطْمَرُ فَقَالَ أَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ خَيْطَ الْبَنَّاءِ فَمَنْ خَالَفَكَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ فَهُوَ زِنْدِيقٌ فَقَالَ حُمْرَانُ وَ إِنْ كَانَ عَلَوِيّاً فَاطِمِيّاً فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ إِنْ كَانَ مُحَمَّدِيّاً عَلَوِيّاً فَاطِمِيّاً «2».
بيان: فخضنا أي شرعنا و دخلنا و في القاموس التر بالضم الخيط يقدر به البناء و قال المطمار خيط للبناء يقدر به كالمطمر انتهى و هذا الخبر ينفي الواسطة بين الإيمان و الكفر فمن لم يكن إماميا صحيح العقيدة فهو كافر.
5- سن، المحاسن عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ سَيْفٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: أَدْخَلْتُ عُمَرَ أَخِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقُلْتُ لَهُ هَذَا عُمَرُ أَخِي وَ هُوَ يُرِيدُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْكَ شَيْئاً فَقَالَ لَهُ سَلْ مَا شِئْتَ فَقَالَ أَسْأَلُكَ عَنِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادِ غَيْرَهُ وَ لَا يَعْذِرُهُمْ عَلَى جَهْلِهِ فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَ صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَ حِجُّ الْبَيْتِ وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جُمْلَةً وَ الِايتِمَامُ بِأَئِمَّةِ الْحَقِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ عُمَرُ سَمِّهِمْ لِي أَصْلَحَكَ اللَّهُ فَقَالَ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ وَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ مُحَمَّدُ
__________________________________________________
 (1) أي حكمت عليها و ألزمتها.
 (2) معاني الأخبار ص 212.

004
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

بْنُ عَلِيٍّ وَ الْخَيْرُ يُعْطِيهِ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ فَقَالَ لَهُ فَأَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ يَجْرِي لِآخِرِنَا مَا يَجْرِي لِأَوَّلِنَا وَ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ فَضْلُهُمَا قَالَ لَهُ فَأَنْتَ قَالَ هَذَا الْأَمْرُ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ قَالَ فَأَنْتَ قَالَ هَذَا الْأَمْرُ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي حَدُّ الزَّانِي وَ السَّارِقِ قَالَ فَأَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ الْقُرْآنُ نَزَلَ فِي أَقْوَامٍ وَ هِيَ تَجْرِي فِي النَّاسِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَنْتَ لَتَزِيدُنِي عَلَى أَمْرٍ «1».
6- شي، تفسير العياشي عَنْ هِشَامِ بْنِ عَجْلَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع- أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْ‏ءٍ لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَداً بَعْدَكَ أَسْأَلُكَ عَنِ الْإِيمَانِ الَّذِي لَا يَسَعُ النَّاسَ جَهْلُهُ فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَ حِجُّ الْبَيْتِ وَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَ الْوَلَايَةُ لَنَا وَ الْبَرَاءَةُ مِنْ عَدُوِّنَا وَ تَكُونُ مَعَ الصِّدِّيقِينَ «2».
بيان: و تكون مع الصديقين أي إذا فعلت جميع ذلك تكون الآخرة مع الصديقين كما قال تعالى فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ «3» أو المعنى و من الإيمان الكون معهم و متابعتهم كما قال تعالى وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «4».
7- كش، رجال الكشي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ صَفْوَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَ هُوَ فِي مَنْزِلِ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا حَقَّ لَكَ جعلت فداك ما حق لك إِلَى هَذَا الْمَنْزِلِ قَالَ طَلَبُ النُّزْهَةِ قَالَ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَ لَا أَقُصُّ عَلَيْكَ دِينِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ قَالَ بَلَى يَا عَمْرُو قُلْتُ إِنِّي أَدِينُ اللَّهَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ حِجِّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ الْوَلَايَةِ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‏
__________________________________________________
 (1) المحاسن: ص 288. و فيه: هذا الامر يجرى لآخرنا كما يجرى لأولنا.
 (2) تفسير العيّاشيّ ج 2 ص 117.
 (3) النساء: 69.
 (4) براءة: 120.

005
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَ الْوَلَايَةِ لِلْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ الْوَلَايَةِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَ الْوَلَايَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ أَئِمَّتِي عَلَيْهِ أَحْيَا وَ عَلَيْهِ أَمُوتُ وَ أَدِينُ اللَّهَ بِهِ قَالَ يَا عَمْرُو هَذَا وَ اللَّهِ دِينِي وَ دِينُ آبَائِيَ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ فَاتَّقِ اللَّهَ وَ كُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ وَ لَا تَقُلْ إِنِّي هَدَيْتُ نَفْسِي بَلْ هَدَاكَ اللَّهُ فَاشْكُرْ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَ لَا تَكُنْ مِمَّنْ إِذَا أَقْبَلَ طُعِنَ فِي عَيْنَيْهِ وَ إِذَا أَدْبَرَ طُعِنَ فِي قَفَاهُ وَ لَا تَحْمِلِ النَّاسَ عَلَى كَاهِلِكَ فَإِنَّهُ يُوشِكُ إِنْ حَمَلْتَ النَّاسَ عَلَى كَاهِلِكَ أَنْ يُصَدِّعُوا شَعَبَ كَاهِلِكَ «1».
كا، الكافي عن علي عن أبيه و أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار جميعا عن صفوان مثله «2» بيان في القاموس التنزه التباعد و الاسم النزهة بالضم و مكان نزه ككتف و نزيه و أرض نزهة بكسر الزاي و نزيهة بعيدة عن الريف و غمق المياه و ذبان القرى و مد البحار و فساد الهواء نزه ككرم و ضرب نزاهة و نزاهية و الرحل تباعد عن كل مكروه فهو نزيه و استعمال التنزه في الخروج إلى البساتين و الخضر و الرياض غلط قبيح و هو بنزهة من الماء بالضم ببعد «3».
و أقول كفى باستعماله ع في هذا المعنى شاهدا على صحته و فصاحته و إن أمكن حمله على بعض المعاني التي ذكرها مع أنهم ع قد كانوا يتكلمون بعرف المخاطبين و مصطلحاتهم تقريبا إلى أفهامهم و قال في المصباح قال ابن السكيت في فصل ما تضعه العامة في غير موضعه خرجنا نتنزه إذا خرجوا إلى البساتين و إنما
__________________________________________________
 (1) رجال الكشّيّ ص 356.
 (2) الكافي: ج 2 ص 23. مع اختلاف يسير.
 (3) القاموس ج 4: 294. و الريف: أرض فيها زرع و خصب، و قيل: حيث تكون الخضر و المياه، و غمق البحار: نداه يعنى رطوبة الهواء، و ذبان جمع ذباب و هى في القرى لقذارة أرضها و هوائها أكثر منها في المدن، و مد البحار: نداها في صميم الحر تقع على الناس ليلا.

006
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

التنزه التباعد من المياه و الأرياف و قال ابن قتيبة ذهب أهل العلم في قول الناس خرجوا يتنزهون إلى البساتين أنه غلط و هو عندي ليس بغلط لأن البساتين في كل بلد إنما تكون خارج البلد فإذا أراد أحد أن يأتيها فقد أراد البعد عن المنازل و البيوت ثم كثر هذا حتى استعملت النزهة في الخضر و الجنان.
قوله أدين به في الكافي أدين الله به أي أعبد الله و أطيعه بتلك العقائد و الأعمال و في الكافي لمحمد بن علي و لك من بعده و أنكم أئمتي قوله ع في السر و العلانية أي بالقلب و اللسان و الجوارح أو في الخلوة و المجامع مع عدم التقية و كف لسانك تخصيص كف اللسان بالذكر بعد الأمر بالتقوى مطلقا لكون أكثر الشرور منه و فيه إشعار بالتقية أيضا و لا تقل إني هديت نفسي أي لا تفسد دينك بالعجب و اعلم أن الهداية من الله كما قال تعالى قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ «1» و في الكافي بل الله هداك فأد شكر ما أنعم الله عز و جل به عليك و لا تكن ممن إذا أقبل أي كن من الأخيار ليمدحك الناس في وجهك و قفاك و لا تكن من الأشرار الذين يذمهم الناس في حضورهم و غيبتهم أو أمر بالتقية من المخالفين أو بحسن المعاشرة مطلقا و لا تحمل الناس على كاهلك أي لا تسلط الناس على نفسك بترك التقية أو لا تحملهم على نفسك بكثرة المداهنة و المداراة معهم بحيث تتضرر بذلك كأن يضمن لهم أو يتحمل عنهم ما لا يطيق أو يطمعهم في أن يحكم بخلاف الحق أو يوافقهم فيما لا يحل و هذا أفيد و إن كان الأول أظهر في القاموس الكاهل كصاحب الحارك أو مقدم أعلى الظهر مما يلي العنق و هو الثلث الأعلى و فيه ست فقر أو ما بين الكتفين أو موصل العنق في الصلب و قال الصدع الشق في شي‏ء صلب و قال الشعب بالتحريك بعد ما بين المنكبين.
8- كش، رجال الكشي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْجَمَّالِ قَالَ: دَخَلَ خَالِدٌ الْبَجَلِيُّ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع وَ أَنَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي‏
__________________________________________________
 (1) الحجرات: 18.

007
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

أُرِيدُ أَنْ أَصِفَ لَكَ دِينِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ وَ قَدْ قَالَ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ فَقَالَ لَهُ سَلْنِي فَوَ اللَّهِ لَا تَسْأَلُنِي عَنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا حَدَّثْتُكَ بِهِ عَلَى حِدَةٍ لَا أَكْتُمُهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا أُبْدِي أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ إِلَهٌ غَيْرَهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كَذَلِكَ رَبُّنَا لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع كَذَلِكَ مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ مُقِرٌّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ وَ رَسُولُهُ إِلَى خَلْقِهِ ثُمَّ قَالَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيّاً كَانَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى الْعِبَادِ مِثْلُ مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ ص عَلَى النَّاسِ فَقَالَ كَذَلِكَ كَانَ عَلِيٌّ ع قَالَ وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ع مِنَ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْخَلْقِ مِثْلُ مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ ص قَالَ فَقَالَ كَذَلِكَ كَانَ الْحَسَنُ قَالَ وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ لِلْحُسَيْنِ مِنَ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْخَلْقِ بَعْدَ الْحَسَنِ مَا كَانَ لِمُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ الْحَسَنِ قَالَ فَكَذَلِكَ كَانَ الْحُسَيْنُ قَالَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ كَانَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ كَمَا كَانَ لِلْحُسَيْنِ ع قَالَ فَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ ع كَانَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى الْخَلْقِ مِثْلُ مَا كَانَ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ فَقَالَ كَذَلِكَ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ أَوْرَثَكَ اللَّهُ ذَلِكَ كُلَّهُ قَالَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَسْبُكَ اسْكُتِ الْآنَ فَقَدْ قُلْتَ حَقّاً فَسَكَتُّ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيّاً لَهُ عَقِبٌ وَ ذُرِّيَّةٌ إِلَّا أَجْرَى لِآخِرِهِمْ مِثْلَ مَا أَجْرَى لِأَوَّلِهِمْ وَ إِنَّا نَحْنُ ذُرِّيَّةُ مُحَمَّدٍ ص- وَ قَدْ أَجْرَى لِآخِرِنَا مِثْلَ مَا أَجْرَى لِأَوَّلِنَا وَ نَحْنُ عَلَى مِنْهَاجِ نَبِيِّنَا ص- لَنَا مِثْلُ مَا لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ «1».
9- كش، رجال الكشي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ دَاوُدَ عَنْ يُوسُفَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَصِفُ لَكَ دِينِيَ الَّذِي أَدِينُ اللَّهَ بِهِ فَإِنْ أَكُنْ عَلَى حَقٍّ فَثَبِّتْنِي وَ إِنْ أَكُنْ عَلَى غَيْرِ الْحَقِّ فَرُدَّنِي إِلَى الْحَقِّ قَالَ هَاتِ قَالَ قُلْتُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَنَّ عَلِيّاً كَانَ إِمَامِي‏
__________________________________________________
 (1) رجال الكشّيّ ص 359.

008
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

أُوَ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ إِمَامِي وَ أَنَّ الْحُسَيْنَ كَانَ إِمَامِي وَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ كَانَ إِمَامِي وَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ إِمَامِي وَ أَنْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ عَلَى مِنْهَاجِ آبَائِكَ قَالَ فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ مِرَاراً رَحِمَكَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ هَذَا وَ اللَّهِ دِينُ اللَّهِ وَ دِينُ مَلَائِكَتِهِ وَ دِينِي وَ دِينُ آبَائِيَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ غَيْرَهُ «1».
10- كش، رجال الكشي عَنْ جَعْفَرٍ وَ فَضَالَةَ عَنْ أَبَانٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْعَطَّارِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكَ دِينِي وَ إِنْ كُنْتُ فِي حَسَنَاتِي مِمَّنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ هَذَا قَالَ فَآتِهِ قَالَ قُلْتُ إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص وَ أُقِرُّ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قُلْتُ وَ أَنَّ عَلِيّاً إِمَامِي فَرَضَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مَنْ عَرَفَهُ كَانَ مُؤْمِناً وَ مَنْ جَهِلَهُ كَانَ ضَالًّا وَ مَنْ رَدَّ عَلَيْهِ كَانَ كَافِراً ثُمَّ وَصَفْتُ الْأَئِمَّةَ ع حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ مَا الَّذِي تُرِيدُ أَ تُرِيدُ أَنْ أَتَوَلَّاكَ عَلَى هَذَا فَإِنِّي أَتَوَلَّاكَ عَلَى هَذَا «2».
بيان: و إن كنت في حسناتي أي بسبب أفعالي الحسنة و متابعتي إياكم فيها و اطمئناني بها محسوبا ممن فرغ من تصحيح أصول عقائده و فرغ منها و الظاهر أنه كان حسباني أي ظني.
11- كِتَابُ صِفَاتِ الشِّيعَةِ، لِلصَّدُوقِ رَحِمَهُ اللَّهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ الصَّادِقُ ع لَيْسَ مِنْ شِيعَتِنَا مَنْ أَنْكَرَ أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ الْمِعْرَاجَ وَ الْمُسَاءَلَةَ فِي الْقَبْرِ وَ خَلْقَ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ وَ الشَّفَاعَةَ.
وَ عَنِ ابْنِ عُبْدُوسٍ عَنِ ابْنِ قُتَيْبَةَ عَنِ الْفَضْلِ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ وَ نَفَى التَّشْبِيهَ عَنْهُ وَ نَزَّهَهُ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ وَ أَقَرَّ أَنَّ لَهُ الْحَوْلَ وَ الْقُوَّةَ وَ الْإِرَادَةَ وَ الْمَشِيَّةَ وَ الْخَلْقَ وَ الْأَمْرَ وَ الْقَضَاءَ وَ الْقَدَرَ وَ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ خَلْقَ تَقْدِيرٍ لَا خَلْقَ تَكْوِينٍ وَ شَهِدَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص وَ أَنَّ عَلِيّاً وَ الْأَئِمَّةَ بَعْدَهُ حُجَجُ اللَّهِ وَ وَالَى أَوْلِيَاءَهُمْ وَ عَادَى أَعْدَاءَهُمْ وَ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ وَ أَقَرَّ بِالرَّجْعَةِ
__________________________________________________
 (1) رجال الكشّيّ ص 360.
 (2) رجال الكشّيّ ص 361 و فيه في حسبانى:

009
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

وَ الْمُتْعَتَيْنِ وَ آمَنَ بِالْمِعْرَاجِ وَ الْمُسَاءَلَةِ فِي الْقَبْرِ وَ الْحَوْضِ وَ الشَّفَاعَةِ وَ خَلْقِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ وَ الصِّرَاطِ وَ الْمِيزَانِ وَ الْبَعْثِ وَ النُّشُورِ وَ الْجَزَاءِ وَ الْحِسَابِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ حَقّاً وَ هُوَ مِنْ شِيعَتِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ «1».
12- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ صَالِحِينَ حَتَّى تَعْرِفُوا وَ لَا تَعْرِفُونَ حَتَّى تُصَدِّقُوا وَ لَا تُصَدِّقُونَ حَتَّى تُسَلِّمُوا أَبْوَاباً أَرْبَعَةً لَا يَصْلُحُ أَوَّلُهَا إِلَّا بِآخِرِهَا ضَلَّ أَصْحَابُ الثَّلَاثَةِ وَ تَاهُوا تَيْهاً بَعِيداً إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَ لَا يَتَقَبَّلُ إِلَّا بِالْوَفَاءِ بِالشُّرُوطِ وَ الْعُهُودِ وَ مَنْ وَفَى لِلَّهِ بِشُرُوطِهِ وَ اسْتَكْمَلَ مَا وَصَفَ فِي عَهْدِهِ نَالَ مِمَّا عِنْدَهُ وَ اسْتَكْمَلَ وَعْدَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَخْبَرَ الْعِبَادَ بِطُرُقِ الْهُدَى وَ شَرَعَ لَهُمْ فِيهَا الْمَنَارَ وَ أَخْبَرَهُمْ كَيْفَ يَسْلُكُونَ فَقَالَ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ وَ قَالَ إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «2» فَمَنِ اتَّقَى عَزَّ وَ جَلَّ فِيمَا أَمَرَهُ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ مُؤْمِناً بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ص هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ فَاتَ قَوْمٌ وَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يَهْتَدُوا فَظَنُّوا أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ أَشْرَكُوا مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُ مَنْ أَتَى الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا اهْتَدَى وَ مَنْ أَخَذَ فِي غَيْرِهَا سَلَكَ طَرِيقَ الرَّدَى وَصَلَ اللَّهُ طَاعَةَ وَلِيِّ أَمْرِهِ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ وَ طَاعَةَ رَسُولِهِ بِطَاعَتِهِ فَمَنْ تَرَكَ طَاعَةَ وُلَاةِ الْأَمْرِ لَمْ يُطِعِ اللَّهَ وَ لَا رَسُولَهُ وَ هُوَ الْإِقْرَارُ بِمَا نَزَلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ «3» وَ الْتَمِسُوا الْبُيُوتَ الَّتِي أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ فَإِنَّهُ قَدْ خَبَّرَكُمْ أَنَّهُمْ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ «4» إِنَّ اللَّهَ قَدِ اسْتَخْلَصَ الرُّسُلَ لِأَمْرِهِ ثُمَّ اسْتَخْلَصَهُمْ مُصَدِّقِينَ لِذَلِكَ فِي نُذُرِهِ‏
__________________________________________________
 (1) صفات الشيعة ص 189.
 (2) طه: 82، و المائدة: 37 على الترتيب.
 (3) الأعراف: 31.
 (4) النور: 36 و 37.

010
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

فَقَالَ وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ «1» تَاهَ مَنْ جَهِلَ وَ اهْتَدَى مَنْ أَبْصَرَ وَ عَقَلَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «2» وَ كَيْفَ يَهْتَدِي مَنْ لَمْ يُبْصِرْ وَ كَيْفَ يُبْصِرُ مَنْ لَمْ يُنْذَرْ اتَّبِعُوا رَسُولَ اللَّهِ ص وَ أَقِرُّوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ اتَّبِعُوا آثَارَ الْهُدَى فَإِنَّهَا عَلَامَاتُ الْأَمَانَةِ وَ التُّقَى وَ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ رَجُلٌ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ وَ أَقَرَّ بِمَنْ سِوَاهُ مِنَ الرُّسُلِ لَمْ يُؤْمِنْ اقْتَصُّوا الطَّرِيقَ بِالْتِمَاسِ الْمَنَارِ وَ الْتَمِسُوا مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ الْآثَارَ تَسْتَكْمِلُوا أَمْرَ دِينِكُمْ وَ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ «3».
بيان: قد مضى الخبر في كتاب الإمامة «4» و شرحناه هناك و نوضح هنا بعض التوضيح حتى تعرفوا قيل أي إمام الزمان حتى تصدقوا أي الإمام و تعده صادقا فيما يقول حتى تسلموا أبوابا أربعة قد مضى الكلام في الأبواب مفصلا و قال المحدث الأسترآبادي رحمه الله إشارة إلى الإقرار بالله و الإقرار برسوله و الإقرار بما جاء به الرسول ص و الإقرار بتراجمة ما جاء به الرسول ص و التيه التحير و الذهاب عن الطريق القصد يقال تاه في الأرض إذا ذهب متحيرا كما في القاموس إن الله أخبر العباد تفصيل لما أجمل ع سابقا و بيان للأبواب و الشروط و العهود المذكورة و المنار جمع منارة على غير قياس يعني موضع النور و محله.
و قيل كنى بالمنار عن الأئمة فإنها صيغة جمع على ما صرح به ابن الأثير في نهايته و بتقوى الله فيما أمره عن الاهتداء إلى الإمام و الاقتداء به و بإتيان أبوابها عن الدخول في المعرفة من جهة الإمام ع انتهى.
و استكمل وعده أي استحق وعده كاملا كما قال تعالى أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ «5» مات قوم فيما مضى فات قوم و هو أظهر أي فاتوا عنا و لم‏
__________________________________________________
 (1) فاطر 28.
 (2) الحجّ: 46.
 (3) الكافي: ج 2 ص 47.
 (4) مضى شطر منه في ج 23 ص 96 من هذه الطبعة.
 (5) البقرة: 40.

011
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

يبايعونا أو ماتوا فالثاني تأكيد من أتى البيوت أي بيوت الإيمان و العلم و الحكمة من أبوابها و هم الأئمة إشارة إلى تأويل قوله تعالى وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها «1» وصل الله إشارة إلى قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2» و قوله أَطِيعُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ «3» و قوله مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «4» خُذُوا زِينَتَكُمْ إما بيان لما نزل أو استئناف و أول ع الزينة بمعرفة الإمام و المسجد بمطلق العبادة و البيوت ببيوت أهل العصمة سلام الله عليهم و الرجال بهم ع و المراد بعدم إلهائهم التجارة و البيع عن ذكر الله أنهم يجمعون بين ذين و ذاك لا أنهم يتركونهما رأسا كما ورد النص عليه في خبر آخر.
قوله ع ثم استخلصهم الضمير راجع إلى ولاة الأمر و ذلك إشارة إلى الأمر أي استخلص و اصطفى الأوصياء حال كونهم مصدقين لأمر الرسالة في النذر و هم الرسل فقوله في نذره متعلق بقوله مصدقين و يحتمل أن يكون في نذره أيضا حالا أي حال كونهم مندرجين في النذر و يمكن أن يكون ضمير استخلصهم راجعا إلى الرسل أي ثم بعد إرسال الرسل استخلصهم و أمرهم بأن يصدقوا أمر الخلافة في النذر بعدهم و هم الأوصياء ع و قيل ثم للتراخي في الرتبة دون الزمان يعني وقع ذلك الاستخلاص لهم حال كونهم مصدقين لذلك الاستخلاص في سائر نذره أيضا بمعنى تصديق كل منهم لذلك في الباقين و استشهد على استمرارهم في الإنذار بقوله تعالى وَ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ثم بين وجوب النذير و وجوب معرفته بتوقف الاهتداء على الإبصار و توقف الإبصار على الإنذار و توقف الإنذار على وجوب النذير و معرفته و أشار بآثار الهدى إلى الأئمة ع.
و في بعض النسخ ابتغوا آثار الهدى بتقديم الموحدة على المثناة و الغين المعجمة و نبه بقوله لو أنكر رجل عيسى ع على وجوب الإيمان بهم جميعا من غير تخلف‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 182.
 (2) النساء: 59.
 (3) الأنفال: 20.
 (4) النساء: 80.

012
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

عن أحد منهم ثم كرر الوصية بالاقتداء بهم معللا بأنهم منار طريق الله و أمر بالتماس آثارهم إن لم يتيسر الوصول إليهم ..
13- محص، التمحيص عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ افْتَرَضْتُ عَلَى عِبَادِي عَشَرَةَ فَرَائِضَ إِذَا عَرَفُوهَا أَسْكَنْتُهُمْ مَلَكُوتِي وَ أَبَحْتُهُمْ جِنَانِي أَوَّلُهَا مَعْرِفَتِي وَ الثَّانِيَةُ مَعْرِفَةُ رَسُولِي إِلَى خَلْقِي وَ الْإِقْرَارُ بِهِ وَ التَّصْدِيقُ لَهُ وَ الثَّالِثَةُ مَعْرِفَةُ أَوْلِيَائِي وَ أَنَّهُمُ الْحُجَجُ عَلَى خَلْقِي مَنْ وَالاهُمْ فَقَدْ وَالانِي وَ مَنْ عَادَاهُمْ فَقَدْ عَادَانِي وَ هُمُ الْعَلَمُ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَ خَلْقِي وَ مَنْ أَنْكَرَهُمْ أَصْلَيْتُهُ نَارِي وَ ضَاعَفْتُ عَلَيْهِ عَذَابِي وَ الرَّابِعَةُ مَعْرِفَةُ الْأَشْخَاصِ الَّذِينَ أُقِيمُوا مِنْ ضِيَاءِ قُدْسِي وَ هُمْ قُوَّامُ قِسْطِي وَ الْخَامِسَةُ مَعْرِفَةُ الْقُوَّامِ بِفَضْلِهِمْ وَ التَّصْدِيقُ لَهُمْ وَ السَّادِسَةُ مَعْرِفَةُ عَدُوِّي إِبْلِيسَ وَ مَا كَانَ مِنْ ذَاتِهِ وَ أَعْوَانِهِ وَ السَّابِعَةُ قَبُولُ أَمْرِي وَ التَّصْدِيقُ لِرُسُلِي وَ الثَّامِنَةُ كِتْمَانُ سِرِّي وَ سِرِّ أَوْلِيَائِي وَ التَّاسِعَةُ تَعْظِيمُ أَهْلِ صَفْوَتِي وَ الْقَبُولُ عَنْهُمْ وَ الرَّدُّ إِلَيْهِمْ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ الشَّرْحُ مِنْهُمْ وَ الْعَاشِرَةُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَ أَخُوهُ فِي الدِّينِ وَ الدُّنْيَا شَرَعاً سَوَاءً فَإِذَا كَانُوا كَذَلِكَ أَدْخَلْتُهُمْ مَلَكُوتِي وَ آمَنْتُهُمْ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَ كَانُوا عِنْدِي فِي عِلِّيِّينَ.
بيان: كأن الفرق بين الثالثة و الرابعة أن الأولى في الحجج الموجودين وقت الخطاب كعلي و السبطين ع و الثانية في الأئمة بعدهم أو الأولى في سائر الأنبياء و الأوصياء و الثانية في أئمتنا ع.
14 دَعَوَاتُ الرَّاوَنْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع إِنِّي امْرُؤٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ كَبِيرُ السِّنِّ وَ الشُّقَّةُ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ بَعِيدَةٌ وَ أَنَا أُرِيدُ أَمْراً أَدِينُ اللَّهَ بِهِ وَ أَحْتَجُّ بِهِ وَ أَتَمَسَّكُ بِهِ وَ أُبَلِّغُهُ مَنْ خَلَّفْتُ قَالَ فَأَعْجَبَ بِقَوْلِي وَ اسْتَوَى جَالِساً فَقَالَ كَيْفَ قُلْتَ يَا أَبَا الْجَارُودِ رُدَّ عَلَيَّ قَالَ فَرَدَدْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ يَا أَبَا الْجَارُودِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ حِجُّ الْبَيْت‏

013
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

وَ وَلَايَةُ وَلِيِّنَا وَ عَدَاوَةُ عَدُوِّنَا وَ التَّسْلِيمُ لِأَمْرِنَا وَ انْتِظَارُ قَائِمِنَا وَ الْوَرَعُ وَ الِاجْتِهَادُ.
15- كا، الكافي بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ هَلْ تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ وَ انْقِطَاعِي إِلَيْكُمْ وَ مُوَالاتِي إِيَّاكُمْ قَالَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقُلْتُ فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً تُجِيبُنِي فِيهَا فَإِنِّي مَكْفُوفُ الْبَصَرِ قَلِيلُ الْمَشْيِ لَا أَسْتَطِيعُ زِيَارَتَكُمْ كُلَّ حِينٍ قَالَ هَاتِ حَاجَتَكَ قُلْتُ أَخْبِرْنِي بِدِينِكَ الَّذِي تَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ أَنْتَ وَ أَهْلُ بَيْتِكَ لِأَدِينَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ قَالَ إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ فَقَدْ أَعْظَمْتَ الْمَسْأَلَةَ وَ اللَّهِ لَأُعْطِيَنَّكَ دِينِي وَ دِينَ آبَائِيَ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْإِقْرَارَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ الْوَلَايَةَ لِوَلِيِّنَا وَ الْبَرَاءَةَ مِنْ عَدُوِّنَا وَ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِنَا وَ انْتِظَارَ قَائِمِنَا وَ الِاجْتِهَادَ وَ الْوَرَعَ «1».
بيان: أقصرت الخطبة الظاهر أن الخطبة بضم الخاء أي ما يتقدم من الكلام المناسب قبل إظهار المطلوب و كأنه ع عد خطبته قصيرة مع طولها إعظاما للمسألة و إيذانا بأن هذا المقصود الجليل يستدعي أطول من ذلك من الخطبة و قيل إقصاره إياها اكتفاؤه بالاستفهام من غير بيان و إعلام و منهم من قرأ الخطبة بالكسر مستعارة من خطبة النساء و هو تكلف قال في النهاية في الحديث أن أعرابيا جاءه فقال علمني عملا يدخلني الجنة فقال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أي جئت بالخطبة قصيرة و بالمسألة عريضة يعني قللت الخطبة و أعظمت المسألة.
و التسليم لأمرنا أي الرضا قلبا بما يصدر عنهم قولا و فعلا من اختيارهم المهادنة أو القتال أو الظهور أو الغيبة و سائر ما يصدر عنهم مما تعجز العقول عن إدراكه و الأفهام عن استنباط علته كما قال تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «2»
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 21.
 (2) النساء: 65.

014
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

و الاجتهاد بذل الجهد في الطاعات و الورع الاجتناب عن المعاصي بل الشبهات و المكروهات.
16- كا، الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فَقَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِي عَنِ الدِّينِ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى الْعِبَادِ مَا لَا يَسَعُهُمْ جَهْلُهُ وَ لَا يَقْبَلُ مِنْهُمْ غَيْرَهُ مَا هُوَ فَقَالَ أَعِدْ عَلَيَّ فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ وَ الْوَلَايَةُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى الْعِبَادِ لَا يَسْأَلُ الرَّبُّ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولَ أَلَّا زِدْتَنِي عَلَى مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكُمْ وَ لَكِنْ مَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ سَنَّ سُنَناً حَسَنَةً جَمِيلَةً يَنْبَغِي لِلنَّاسِ الْأَخْذُ بِهَا «1».
توضيح قوله ما لا يسعهم عطف بيان للدين أو مبتدأ و ما هو خبره قوله أعد علي كان الأمر بالإعادة لسماع الحاضرين و إقبالهم إليه أو لإظهار حسن الكلام و التلذذ بسماعه و كأنه يدخل في شهادة التوحيد ما يتعلق بمعرفة الله من صفات ذاته و صفات فعله و في شهادة الرسالة ما يتعلق بمعرفة الأنبياء و صفاتهم و كذا الإقرار بالمعاد داخل في الأولى أو في الثانية لإخبار النبي بذلك و إقام الصلاة حذفت التاء للاختصار و قيل المراد بإقامتها إدامتها و قيل فعلها على ما ينبغي و قيل فعلها في أفضل أوقاتها و قيل جاء على عرف القرآن في التعبير من فعل الصلاة بلفظ الإقامة دون أخواتها و ذلك لما اختصت به من كثرة ما يتوقف عليه من الشرائط و الفرائض و السنن و الفضائل و إقامتها إدامة فعلها مستوفاة جميع ذلك.
أقول و يمكن أن تكون ذكر الإقامة لتشبيه الصلاة من الإيمان بمنزلة العمود من الفسطاط كما ورد في الخبر و إنما لم يذكر الجهاد لأنه لا يجب‏
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2: 22.

015
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 28 الدین الذی لا یقبل الله أعمال العباد إلا به ص 1

إلا مع الإمام فهو تابع للولاية مندرج تحتها أو لعدم تحقق شرط وجوبه في ذلك الزمان قوله مرتين أي كرر الولاية تأكيدا قوله ع هذا الذي فرض الله على العباد أي علم فرضها ضرورة من الدين فيقول ألا زدتني ألا بالتشديد حرف تحضيض و إذا دخل على الماضي يكون للتعيير و التنديم و كأن المعنى أنه لا يسأل عن شي‏ء سوى هذه من جنسها كما أنه من أتى بالصلوات الخمس لا يسأل الله عن النوافل و من أتى بالزكاة الواجبة لا يسأل عن الصدقات المستحبة و هكذا.
باب 29 أدنى ما يكون به العبد مؤمنا و أدنى ما يخرجه عنه‏
1- مع، معاني الأخبار عَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ جَعْفَرٍ الْكُنَاسِيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ الْعَبْدُ مُؤْمِناً قَالَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ يُقِرُّ بِالطَّاعَةِ وَ يَعْرِفُ إِمَامَ زَمَانِهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مُؤْمِنٌ «1».
2- مع، معاني الأخبار بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ حَرِيزٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ: قُلْتُ مَا أَدْنَى مَا يَخْرُجُ بِهِ الرَّجُلُ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ الرَّأْيُ يَرَاهُ مُخَالِفاً لِلْحَقِّ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ «2».
بيان: الرأي يراه أي في أصول الدين أو الأعم عمدا أو الأعم مع تقصير و على كل تقدير يحمل الإيمان على معنى من المعاني المتقدمة.
3- كِتَابُ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ الرَّجُلُ مُؤْمِناً وَ أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ كَافِراً وَ
__________________________________________________
 (1) معاني الأخبار: 393.
 (2) معاني الأخبار: 393.

016
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 29 أدنى ما یکون به العبد مؤمنا و أدنى ما یخرجه عنه ص 16

أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ ضَالًّا قَالَ سَأَلْتَ فَاسْمَعِ الْجَوَابَ أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ مُؤْمِناً أَنْ يُعَرِّفَهُ اللَّهُ نَفْسَهُ فَيُقِرَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَ أَنْ يُعَرِّفَهُ نَبِيَّهُ فَيُقِرَّ لَهُ بِالنُّبُوَّةِ وَ بِالْبَلَاغَةِ وَ أَنْ يُعَرِّفَهُ حُجَّتَهُ فِي أَرْضِهِ وَ شَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ فَيُقِرَّ لَهُ بِالطَّاعَةِ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنْ جَهِلَ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مَا وَصَفْتَ قَالَ نَعَمْ إِذَا أُمِرَ أَطَاعَ وَ إِذَا نُهِيَ انْتَهَى وَ أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ كَافِراً أَنْ يَتَدَيَّنَ بِشَيْ‏ءٍ فَيَزْعُمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ بِهِ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ يَنْصِبَهُ فَيَتَبَرَّأَ وَ يَتَوَلَّى وَ يَزْعُمَ أَنَّهُ يَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ «1» وَ أَدْنَى مَا يَكُونُ بِهِ ضَالًّا أَنْ لَا يَعْرِفَ حُجَّةَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ شَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ وَ فَرَضَ وَلَايَتَهُ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِّهِمْ لِي قَالَ الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللَّهُ بِنَفْسِهِ وَ نَبِيِّهِ فَقَالَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «2» قَالَ أَوْضِحْهُمْ لِي قَالَ الَّذِينَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فِي آخِرِ خُطْبَةٍ خَطَبَهَا ثُمَّ قُبِضَ مِنْ يَوْمِهِ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَ أَهْلَ بَيْتِي فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَهَاتَيْنِ إِصْبَعَيَّ فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا لَا تَضِلُّوا وَ لَا تَقَدَّمُوهُمْ فَتَهْلِكُوا وَ لَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَفَرَّقُوا وَ لَا تُعَلِّمُوهُمْ فَهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ «3».
كا، الكافي عن علي عن أبيه عن حماد بن عيسى عن إبراهيم بن عمر اليماني عن ابن أذينة عن أبان بن أبي عياش عن سليم «4»
 مثله بأدنى تغيير ..
__________________________________________________
 (1) زاد في الكافي بعده: و انما يعبد الشيطان.
 (2) النساء: 59.
 (3) كتاب سليم: 86.
 (4) الكافي ج 2 ص 414.

017
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

باب 30 أن العمل جزء الإيمان و أن الإيمان مبثوث على الجوارح‏
الآيات البقرة وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ و قال تعالى لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ الْكِتابِ وَ النَّبِيِّينَ وَ آتَى الْمالَ عَلى‏ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى‏ إلى قوله أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ «1» آل عمران وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ «2» فاطر إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ «3» تفسير وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أي صلاتكم كما سيأتي و استدل به على أن العمل جزء الإيمان و قال البيضاوي أي ثباتكم على الإيمان و قيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة أو صلاتكم إليها لما روي أنه ع لما وجه إلى الكعبة قالوا كيف بمن مات يا رسول الله قبل التحويل من إخواننا فنزلت «4» وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ أي بر من آمن أو المراد بالبر البار و مقابلة الإيمان بالأعمال تدل على المغايرة و آخرها حيث قال أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا أي في دعوى الإيمان أو فيما التزموه و تمسكوا به يومئ إلى الجزئية أو الاشتراط و الآيات الدالة على الطرفين كثيرة مفرقة على الأبواب و سنتكلم عليها إن شاء الله. و قوله‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 143 و 176.
 (2) آل عمران: 97.
 (3) فاطر: 10.
 (4) تفسير البيضاوى ص 44.

018
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

سبحانه وَ مَنْ كَفَرَ يدل على دخول الأعمال في الإيمان حيث عد ترك الحج كفرا و إن أوله بعضهم بحمله على جحد فرض الحج أو حمل الكفر على كفران النعمة فإن ترك المأمور به كفران لنعمة الأمر.
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قيل المراد به العقائد الحقة و قيل كلمة التوحيد و قيل كل قول حسن و الصعود كناية عن القبول من صاحبه و الإثابة عليه وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ يحتمل وجهين أحدهما إرجاع المرفوع إلى العمل و المنصوب إلى الكلم أي العمل الصالح يوجب رفع العقائد و صحتها أو كمالها و قبولها و ثانيهما العكس أي العقائد الحقة شرائط لصحة الأعمال و على الوجه الأول يناسب الباب و قد يقال المرفوع راجع إلى الله و المنصوب إلى العمل.
1 كَنْزُ الْكَرَاجُكِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ قَالَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ.
2- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص كَانَ مُؤْمِناً قَالَ فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللَّهِ قَالَ وَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَانَ عَلِيٌّ ع يَقُولُ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ كَلَاماً لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ صَوْمٌ وَ لَا صَلَاةٌ وَ لَا حَلَالٌ وَ لَا حَرَامٌ قَالَ وَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع إِنَّ عِنْدَنَا قَوْماً يَقُولُونَ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ص فَهُوَ مُؤْمِنٌ قَالَ فَلِمَ يُضْرَبُونَ الْحُدُودَ وَ لِمَ يُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ مُؤْمِنٍ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنَّ جِوَارَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ أَنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً «1».
بيان قوله ع فأين فرائض الله أقول حاصله أن الإيمان الذي هو سبب لرفع الدرجات و التخلص من العقوبات في الدنيا و الآخرة ليس محض العقائد
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 33.

019
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

و إلا لم يفرض الله الفرائض و لم يتوعد على المعاصي و أيضا ما ورد في الآيات و الأخبار من كرامة المؤمنين و درجاتهم و منازلهم ينافي إجراء الحدود عليهم و إذلالهم و إهانتهم فلا بد من خروجهم عن الإيمان حين استحقاقهم تلك العقوبات قوله فما بال من جحد لعل المعنى أنه لو كان الإيمان محض التكلم بالشهادتين أو الاعتقاد بهما كما تزعمون لم يكن جحد الفرائض موجبا للكفر مع أنكم توافقوننا في ذلك لورود الأخبار فيه فلم لا تقولون بعدم إيمان تاركي الفرائض و مرتكبي الكبائر أيضا مع ورود الأخبار الكثيرة فيها أيضا و قيل المراد بجحد الفرائض تركها عمدا من غير عذر فإنه يؤذن بالاستخفاف و الجحد.
قال الشهيد الثاني رفع الله درجته في بيان حقيقة الكفر عرفه جماعة بأنه عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون مؤمنا سواء كان ذلك العدم بضد أو لا بضد فبالضد كأن يعتقد عدم الأصول التي بمعرفتها يتحقق الإيمان أو عدم شي‏ء منها و بغير الضد كالخالي من الاعتقادين أي اعتقاد ما به يتحقق الإيمان و اعتقاد عدمه و ذلك كالشاك أو الخالي بالكلية كالذي لم يقرع سمعه شي‏ء من الأمور التي يتحقق الإيمان بها و يمكن إدخال الشاك في القسم الأول إذ الضد يخطر بباله و إلا لما صار شاكا.
و اعترض عليه بأن الكفر قد يتحقق مع التصديق بالأصول المعتبرة في الإيمان كما إذا ألقى إنسان المصحف في القاذورات عامدا أو وطئه كذلك أو ترك الإقرار باللسان جحدا و حينئذ فينتقض حد الإيمان منعا و حد الكفر جمعا.
و أجيب تارة بأنا لا نسلم بقاء التصديق لفاعل ذلك و لو سلمنا يجوز أن يكون الشارع جعل وقوع شي‏ء من ذلك علامة و أمارة على تكذيب فاعل ذلك و عدم تصديقه فيحكم بكفره عند صدور ذلك منه و هذا كما جعل الإقرار باللسان علامة على الحكم بالإيمان مع أنه قد يكون كافرا في نفس الأمر و تارة بأنه يجوز أن يكون الشارع حكم بكفره ظاهرا عند صدور شي‏ء من ذلك حسما لمادة جرأة المكلفين على انتهاك حرماته و تعدي حدوده و إن كان التصديق في نفس‏

020
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الأمر حاصلا و غاية ما يلزم من ذلك جواز الحكم بكون شخص واحد مؤمنا و كافرا و هذا لا محذور فيه لأنا نحكم بكفره ظاهرا و إمكان إيمانه باطنا فالموضوع مختلف فلم يتحقق اجتماع المتقابلين ليكون محالا و نظير ذلك ما ذكرناه من دلالة الإقرار على الإيمان فيحكم به مع جواز كونه كافرا في نفس الأمر.
و أقول أيضا إن النقض المذكور لا يرد على جامعية تعريف الكفر و ذلك لأنه قد تبين أن العدم المأخوذ فيه أعم من أن يكون بالضد أو غيره و ما ذكر من موارد النقض داخل في غير الضد كما لا يخفى و حينئذ فجامعيته سالمة لصدقه على الموارد المذكورة و الناقض و المجيب غفلا عن ذلك.
و يمكن الجواب عن مانعية تعريف الإيمان أيضا بأن نقول من عرف الإيمان بالتصديق المذكور جعل عدم الإتيان بشي‏ء من موارد النقض شرطا في اعتبار ذلك التصديق شرعا و تحقق حقيقة الإيمان و الحاصل أنا لما وجدنا الشارع حكم بإيمان المصدق و حكم بكفر من ارتكب شيئا من الأمور المذكورة مطلقا علمنا أن ذلك التصديق إنما يعتبر في نظر الشارع إذا كان مجردا عن ارتكاب شي‏ء من موارد النقض و أمثالها الموجبة للكفر فكان عدم الأمور المذكورة شرطا في حصول الإيمان و لا ريب أن المشروط عدم عند عدم شرطه و شروط المعرف التي يتوقف عليها وجود ماهيته ملحوظة في التعريف و إن لم يصرح بها فيه للعلم باعتبارها عقلا لما تقرر في بداهة العقول أنه بدون العلة لا يوجب المعلول و الشرط من أجزاء العلة كما صرحوا به في بحثها و الكل لا يوجد بدون جزئه و هذا الجواب و اللذان قبله لم نجدها لغيرنا بل هي من هبات الواهب تعالى و تقدس و لم نعدم لذلك مثلا و إن لم نكن له أهلا انتهى كلامه قدس سره.
و أقول هذه التكلفات إنما يحتاج إليها إذا جعل الإيمان نفس العقائد و لم يدخل فيها الأعمال و مع القول بدخول الأعمال لا حاجة إليها مع أن هذا التحقيق يهدم ما أسسه سابقا إذ يجري هذه الوجوه في سائر الأعمال و التروك التي نفى كونها داخلة في الإيمان و ما ذكره ع في آخر الحديث من الالتزام على‏

021
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

المخالفين يومي إلى هذا التحقيق فتأمل.
3- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ الْبَرْقِيِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى جَمِيعاً عَنْ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا قَالَ يُسْأَلُ السَّمْعُ عَمَّا سَمِعَ وَ الْبَصَرُ عَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ وَ الْفُؤَادُ عَمَّا عُقِدَ عَلَيْهِ «1».
4- كا، الكافي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ أَوْ غَيْرِهِ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ مَا اسْتَقَرَّ فِي الْقُلُوبِ مِنَ التَّصْدِيقِ بِذَلِكَ قَالَ قُلْتُ الشَّهَادَةُ أَ لَيْسَتْ عَمَلًا قَالَ بَلَى قُلْتُ الْعَمَلُ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ نَعَمْ الْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَمَلٍ وَ الْعَمَلُ مِنْهُ وَ لَا يَثْبُتُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِعَمَلٍ «2».
بيان: شهادة أن لا إله إلا الله أي التكلم بكلمة التوحيد و الإقرار به ظاهرا و إنما اكتفى بها عن الإقرار بالرسالة لتلازمهما أو هو داخل في قوله و الإقرار بما جاء من عند الله و الضمير في جاء راجع إلى الموصول أي الإقرار بكل ما أرسله الله من نبي أو كتاب أو حكم ما علم تفصيلا و ما لم يعلم إجمالا و كل ذلك الإقرار الظاهري و قوله ما استقر في القلوب الإقرار القلبي بجميع ذلك و هذا أحد معاني الإيمان كما ستعرف و لا يدخل فيه أعمال الجوارح سوى الإقرار الظاهري بما صدق به قلبا.
و لما كان عند السائل أن الإيمان محض العلوم و العقائد و لا يدخل فيه الأعمال استبعد كون الشهادة التي هي من عمل الجوارح من الإيمان فأجاب ع بأن العمل جزء الإيمان و لا يثبت الإيمان أي لا يتحقق واقعا أو لا يثبت‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 37، و الآية في أسرى: 36.
 (2) الكافي ج 2 ص 38.

022
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الإيمان عند الناس إلا بالإقرار و الشهادة التي هي عمل الجوارح أو لا يستقر الإيمان إلا بأعمال الجوارح فإن التصديق الذي لم يكن معه عمل يزول و لا يبقى.
5- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ أَ لَيْسَ هَذَا عَمَلٌ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَالْعَمَلُ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِالْعَمَلِ وَ الْعَمَلُ مِنْهُ «1».
بيان: أ ليس هذا عمل كذا في النسخ بالرفع و لعله من النساخ و يمكن أن يقدر فيه ضمير الشأن أو يكون مبنيا على لغة بني تميم حيث ذهبوا إلى أن ليس إذا انتقض نفيه يحمل على ما في الإهمال و النفي هنا منتقض بالاستفهام الإنكاري قوله ع لا يثبت له الإيمان الضمير راجع إلى المؤمن المدلول عليه بالإيمان ..
6- كا، الكافي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ أَيُّهَا الْعَالِمُ أَخْبِرْنِي أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ مَا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ شَيْئاً إِلَّا بِهِ قُلْتُ وَ مَا هُوَ قَالَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَعْلَى الْأَعْمَالِ دَرَجَةً وَ أَشْرَفُهَا مَنْزِلَةً وَ أَسْنَاهَا حَظّاً قَالَ قُلْتُ أَ لَا تُخْبِرُنِي عَنِ الْإِيمَانِ أَ قَوْلٌ هُوَ وَ عَمَلٌ أَمْ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَقَالَ الْإِيمَانُ عَمَلٌ كُلُّهُ وَ الْقَوْلُ بَعْضُ ذَلِكَ الْعَمَلِ بِفَرْضٍ مِنَ اللَّهِ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ وَاضِحٌ نُورُهُ ثَابِتَةٌ حُجَّتُهُ يَشْهَدُ لَهُ بِهِ الْكِتَابُ وَ يَدْعُوهُ إِلَيْهِ قَالَ قُلْتُ صِفْهُ لِي جُعِلْتُ فِدَاكَ حَتَّى أَفْهَمَهُ قَالَ الْإِيمَانُ حَالاتٌ وَ دَرَجَاتٌ وَ طَبَقَاتٌ وَ مَنَازِلُ فَمِنْهُ التَّامُّ الْمُنْتَهَى تَمَامُهُ وَ مِنْهُ النَّاقِصُ الْبَيِّنُ نُقْصَانُهُ وَ مِنْهُ الرَّاجِحُ الزَّائِدُ رُجْحَانُهُ قُلْتُ إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَتِمُّ وَ يَنْقُصُ وَ يَزِيدُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى فَرَضَ الْإِيمَانَ عَلَى جَوَارِحِ ابْنِ آدَمَ وَ قَسَمَهُ عَلَيْهَا وَ فَرَّقَهُ‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 38.

023
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ جَوَارِحِهِ جَارِحَةٌ إِلَّا وَ قَدْ وُكِلَتْ مِنَ الْإِيمَانِ بِغَيْرِ مَا وُكِلَتْ بِهِ أُخْتُهَا فَمِنْهَا قَلْبُهُ الَّذِي بِهِ يَعْقِلُ وَ يَفْقَهُ وَ يَفْهَمُ وَ هُوَ أَمِيرُ بَدَنِهِ الَّذِي لَا تَرِدُ الْجَوَارِحُ وَ لَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَ أَمْرِهِ وَ مِنْهَا عَيْنَاهُ اللَّتَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَ أُذُنَاهُ اللَّتَانِ يَسْمَعُ بِهِمَا وَ يَدَاهُ اللَّتَانِ يَبْطُشُ بِهِمَا وَ رِجْلَاهُ اللَّتَانِ يَمْشِي بِهِمَا وَ فَرْجُهُ الَّذِي الْبَاهُ مِنْ قِبَلِهِ وَ لِسَانُهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَ رَأْسُهُ الَّذِي فِيهِ وَجْهُهُ فَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ جَارِحَةٌ إِلَّا وَ قَدْ وُكِلَتْ مِنَ الْإِيمَانِ بِغَيْرِ مَا وُكِلَتْ بِهِ أُخْتُهَا بِفَرْضٍ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اسْمُهُ يَنْطِقُ بِهِ الْكِتَابُ لَهَا وَ يَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهَا فَفَرَضَ عَلَى الْقَلْبِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ وَ فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْعَيْنَيْنِ وَ فَرَضَ عَلَى الْعَيْنَيْنِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى اللِّسَانِ وَ فَرَضَ عَلَى اللِّسَانِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْيَدَيْنِ وَ فَرَضَ عَلَى الْيَدَيْنِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَ فَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْفَرْجِ وَ فَرَضَ عَلَى الْفَرْجِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْوَجْهِ فَأَمَّا مَا فَرَضَ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ فَالْإِقْرَارُ وَ الْمَعْرِفَةُ وَ الْعَقْدُ وَ الرِّضَا وَ التَّسْلِيمُ بِأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَهاً وَاحِداً لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَ لَا وَلَداً وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنْ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ فَذَلِكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِقْرَارِ وَ الْمَعْرِفَةِ وَ هُوَ عَمَلُهُ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً «1» وَ قَالَ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ «2» وَ قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ «3» وَ قَالَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ «4» فَذَلِكَ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِقْرَارِ وَ الْمَعْرِفَةِ وَ هُوَ عَمَلُهُ وَ هُوَ رَأْسُ الْإِيمَانِ‏
__________________________________________________
 (1) النحل: 106.
 (2) الرعد: 28.
 (3) المائدة: 41، و نصه يا ايها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم، الآية.
 (4) البقرة: 264.

024
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

وَ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى اللِّسَانِ الْقَوْلَ وَ التَّعْبِيرَ عَنِ الْقَلْبِ بِمَا عُقِدَ عَلَيْهِ وَ أَقَرَّ بِهِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى اسْمُهُ وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «1» وَ قَالَ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ «2» فَهَذَا مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى اللِّسَانِ وَ هُوَ عَمَلُهُ وَ فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنِ الِاسْتِمَاعِ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ أَنْ يُعْرِضَ عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهُ وَ الْإِصْغَاءِ إِلَى مَا أَسْخَطَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ فِي ذَلِكَ وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ «3» ثُمَّ اسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مَوْضِعَ النِّسْيَانِ فَقَالَ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ «4» وَ قَالَ فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ «5» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ «6» وَ قَالَ وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ «7» وَ قَالَ وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً «8» فَهَذَا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى السَّمْعِ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ لَا يُصْغِيَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ وَ هُوَ عَمَلُهُ وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ فَرَضَ عَلَى الْبَصَرِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْ يُعْرِضَ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ وَ هُوَ عَمَلُهُ وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ «9» فَنَهَاهُمْ مِنْ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 83.
 (2) صدر الآية في البقرة: 135 و ذيلها في العنكبوت: 46، فالآية مختلطة.
 (3) النساء: 140.
 (4) الأنعام: 68.
 (5) الزمر: 18.
 (6) المؤمنون: 1- 4.
 (7) القصص: 55.
 (8) الفرقان: 72.
 (9) النور: 30 و 31.

025
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

عَوْرَاتِهِمْ وَ أَنْ يَنْظُرَ الْمَرْءُ إِلَى فَرْجِ أَخِيهِ وَ يَحْفَظَ فَرْجَهُ مِنْ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ وَ قَالَ وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ إِحْدَاهُنَّ إِلَى فَرْجِ أُخْتِهَا وَ تَحْفَظَ فَرْجَهَا مِنْ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهَا وَ قَالَ كُلُّ شَيْ‏ءٍ فِي الْقُرْآنِ مِنْ حِفْظِ الْفَرْجِ فَهُوَ مِنَ الزِّنَا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ فَإِنَّهَا مِنَ النَّظَرِ «1» ثُمَّ نَظَمَ مَا فَرَضَ عَلَى الْقَلْبِ وَ اللِّسَانِ وَ السَّمْعِ وَ الْبَصَرِ فِي آيَةٍ أُخْرَى فَقَالَ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ «2» يَعْنِي بِالْجُلُودِ الْفُرُوجَ وَ الْأَفْخَاذَ وَ قَالَ وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «3» فَهَذَا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعَيْنَيْنِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَ هُوَ عَمَلُهُمَا وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْيَدَيْنِ أَنْ لَا يُبْطَشَ بِهِمَا إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ أَنْ يُبْطَشَ بِهِمَا إِلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ فَرَضَ عَلَيْهِمَا مِنَ الصَّدَقَةِ وَ صِلَةِ الرَّحِمِ وَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ الطَّهُورِ لِلصَّلَوَاتِ فَقَالَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «4» وَ قَالَ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها «5» فَهَذَا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْيَدَيْنِ‏
__________________________________________________
 (1) و ذلك لان حفظ الفرج هاهنا قد قرن بغض البصر، فصار كل واحد منهما قرينة متممة للمراد من الآخر نافية لاطلاقه، على حدّ صنعة الاحتباك كما في قوله تعالى:
اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً (غافر: 61) و مثله قوله تعالى:
 «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً» (يونس: 67) فان تقدير الآيتين:
جعل لكم الليل مظلما لتسكنوا فيه و النهار مبصرا لتبتغوا فيه من فضله.
و هكذا هنا تقدير الآية: قل للمؤمنين يغضوا أبصارهم من فروج المؤمنين و يحفظوا فروجهم من أبصار المؤمنين.
 (2) فصّلت: 22.
 (3) أسرى: 36.
 (4) المائدة: 6.
 (5) القتال: 4.

026
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

لِأَنَّ الضَّرْبَ مِنْ عِلَاجِهِمَا وَ فَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ أَنْ لَا يَمْشِيَ بِهِمَا إِلَى شَيْ‏ءٍ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَ فَرَضَ عَلَيْهِمَا الْمَشْيَ إِلَى مَا يَرْضَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا وَ قَالَ وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ «1» وَ قَالَ فِيمَا شَهِدَتِ الْأَيْدِي وَ الْأَرْجُلُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَ عَلَى أَرْبَابِهِمَا مِنْ تَضْيِيعِهِمَا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ وَ فَرَضَهُ عَلَيْهِمَا الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ «2» فَهَذَا أَيْضاً مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَ هُوَ عَمَلُهُمَا وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ فَرَضَ عَلَى الْوَجْهِ السُّجُودَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهَارِ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ «3» فَهَذِهِ فَرِيضَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى الْوَجْهِ وَ الْيَدَيْنِ وَ الرِّجْلَيْنِ وَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً «4» وَ قَالَ فِيمَا فَرَضَ عَلَى الْجَوَارِحِ مِنَ الطَّهُورِ وَ الصَّلَاةِ بِهَا وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ لَمَّا صَرَفَ نَبِيَّهُ ص إِلَى الْكَعْبَةِ عَنِ الْبَيْتِ الْمُقَدَّسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ «5» فَسَمَّى الصَّلَاةَ إِيمَاناً فَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَافِظاً لِجَوَارِحِهِ مُوفِياً كُلَّ جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِهِ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَكْمِلًا لِإِيمَانِهِ وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَنْ خَانَ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْهَا أَوْ تَعَدَّى مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهَا لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ نَاقِصَ الْإِيمَانِ قُلْتُ قَدْ فَهِمْتُ نُقْصَانَ الْإِيمَانِ وَ تَمَامَهُ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ زِيَادَتُهُ فَقَالَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ‏

__________________________________________________
 (1) لقمان: 18 و 19.
 (2) يس: 65.
 (3) الحجّ: 77.
 (4) الجن: 18.
 (5) البقرة: 143.

027
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ «1» وَ قَالَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً «2» وَ لَوْ كَانَ كُلُّهُ وَاحِداً لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَ لَا نُقْصَانَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ وَ لَاسْتَوَتِ النِّعَمُ فِيهِ وَ لَاسْتَوَى النَّاسُ وَ بَطَلَ التَّفْضِيلُ وَ لَكِنْ بِتَمَامِ الْإِيمَانِ دَخَلَ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ وَ بِالزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ تَفَاضَلَ الْمُؤْمِنُونَ بِالدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ وَ بِالنُّقْصَانِ دَخَلَ الْمُفَرِّطُونَ النَّارَ «3» قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ لِلْإِيمَانِ دَرَجَاتٍ وَ مَنَازِلَ وَ يَتَفَاضَلُ الْمُؤْمِنُونَ فِيهَا عِنْدَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ صِفْهُ لِي رَحِمَكَ اللَّهُ حَتَّى أَفْهَمَهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ سَبَّقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا يُسَبَّقُ بَيْنَ الْخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ ثُمَّ فَضَّلَهُمْ عَلَى دَرَجَاتِهِمْ فِي السَّبْقِ إِلَيْهِ فَجَعَلَ كُلَّ امْرِئٍ مِنْهُمْ عَلَى دَرَجَةِ سَبْقِهِ لَا يَنْقُصُهُ فِيهَا مِنْ حَقِّهِ وَ لَا يَتَقَدَّمُ مَسْبُوقٌ سَابِقاً وَ لَا مَفْضُولٌ فَاضِلًا تَفَاضَلَ بِذَلِكَ أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَ أَوَاخِرُهَا وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّابِقِ إِلَى الْإِيمَانِ فَضْلٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ إِذَنْ لَلَحِقَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا نَعَمْ وَ لَتَقَدَّمُوهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ سَبَقَ إِلَى الْإِيمَانِ الْفَضْلُ عَلَى مَنْ أَبْطَأَ عَنْهُ وَ لَكِنْ بِدَرَجَاتِ الْإِيمَانِ قَدَّمَ اللَّهُ السَّابِقِينَ وَ بِالْإِبْطَاءِ عَنِ الْإِيمَانِ أَخَّرَ اللَّهُ الْمُقَصِّرِينَ لِأَنَّا نَجِدُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْآخِرِينَ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ عَمَلًا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ أَكْثَرُهُمْ صَلَاةً وَ صَوْماً وَ حَجّاً وَ زَكَاةً وَ جِهَاداً وَ إِنْفَاقاً وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَوَابِقُ يَفْضُلُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ الْآخِرُونَ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ مُقَدَّمِينَ عَلَى الْأَوَّلِينَ وَ لَكِنْ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يُدْرِكَ آخِرَ دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ أَوَّلُهَا وَ يُقَدَّمَ فِيهَا مَنْ أَخَّرَ اللَّهُ أَوْ يُؤَخَّرَ فِيهَا مَنْ قَدَّمَ اللَّهُ قُلْتُ أَخْبِرْنِي عَمَّا نَدَبَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْمُؤْمِنِينَ إِلَيْهِ إِلَى الِاسْتِبَاقِ فَقَالَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ «4» وَ قَالَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ «5» وَ قَالَ وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ‏

__________________________________________________
 (1) براءة: 124 و 125.
 (2) الكهف: 13.
 (3) الكافي ج 2: 33- 37.
 (4) الحديد: 21.
 (5) الواقعة: 10- 11.

028
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ «1» فَبَدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ عَلَى دَرَجَةِ سَبْقِهِمْ ثُمَّ ثَنَّى بِالْأَنْصَارِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فَوَضَعَ كُلَّ قَوْمٍ عَلَى قَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَا فَضَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ «2» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَ قَالَ وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى‏ بَعْضٍ «3» وَ قَالَ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا «4» وَ قَالَ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ «5» وَ قَالَ وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ «6» وَ قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ «7» وَ قَالَ وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً «8» وَ قَالَ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا «9» وَ قَالَ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ «10» وَ قَالَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ «11» وَ قَالَ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ «12» وَ قَالَ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «13» فَهَذَا ذِكْرُ دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ وَ مَنَازِلِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ «14».
تبيين اعلم أن العياشي ذكر في التفسير أكثر أجزاء هذا الخبر متفرقا
__________________________________________________
 (1) براءة: 100.
 (2) البقرة: 253.
 (3) أسرى: 55.
 (4) أسرى: 21.
 (5) آل عمران: 163.
 (6) هود: 3.
 (7) براءة: 20.
 (8) النساء 95 و 96.
 (9) الحديد: 10.
 (10) المجادلة: 11.
 (11) براءة: 120.
 (12) البقرة: 110، المزّمّل: 20.
 (13) الزلزال: 7 و 8.
 (14) الكافي ج 2 ص 40- 42.

029
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

و لما كان ما في الكافي أجمع و أصح اكتفينا به و في الكافي أيضا كان فرقه على بابين «1» فجمعتهما لاتصالهما معنى و اتصال سندهما و رواه الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن قولويه عن سعد بن عبد الله بإسناده عن الصادق ع عن أمير المؤمنين ص فيما ذكر من أنواع آيات القرآن بأدنى تفاوت و سيأتي مثله برواية النعماني أيضا عن أمير المؤمنين ع فهذا المضمون مستفيض مؤيد بأخبار أخر أيضا.
قوله ع الإيمان بالله هو مبتدأ و أعلى خبره و يحتمل أن يكون المراد به جميع العقائد الإيمانية اكتفى بذكر أشرفها و أعظمها للزومها لسائرها مع أن كون التوحيد أشرف لا ينافي وجوب البقية و اشتراطه بها و السنا الضوء و بالمد الرفعة و الحظ النصيب و المراد بالقول التصديق القلبي أو هو مع الإقرار اللساني بالعقائد الإيمانية و قيل هو الذي يعبر عنه بالكلام النفسي و قد يستدل بقوله عمل كله على أن التصديق المكلف به ليس محض العلم إذ هو من قبيل الانفعال بل هو فعل قلبي.
قال شارح المقاصد و المذهب أنه غير العلم و المعرفة لأن من الكفار من كان يعرف الحق و لا يصدق به عنادا و استكبارا قال الله تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ «2» و قال وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «3» و قال تعالى حكاية عن موسى ع لفرعون لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «4» فاحتيج إلى الفرق بين العلم بما جاء به النبي ص و هو معرفته و بين التصديق ليصح كون الأول حاصلا للمعاندين دون الثاني و كون الثاني إيمانا دون الأول فاقتصر بعضهم على أن ضد التصديق هو الإنكار و التكذيب و ضد المعرفة النكارة و الجهالة و إليه أشار الغزالي حيث فسر التصديق بالتسليم فإنه لا يكون مع الإنكار و الاستكبار بخلاف‏
__________________________________________________
 (1) باب أن الايمان مبثوت لجوارح البدن كلها، و باب السبق الى الايمان.
 (2) البقرة: 146.
 (3) البقرة: 144.
 (4) أسرى 102.

030
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

العلم و المعرفة.
و فصل بعضهم زيادة التفصيل و قال التصديق عبارة عن ربط القلب بما علم من إخبار المخبر و هو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق و لهذا يؤجر و يثاب عليه بل يجعل رأس العبادات بخلاف المعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب كمن وقع بصره على جسم فحصل له معرفة أنه جدار أو حجر و حققه بعض المتأخرين زيادة تحقيق فقال المعتبر في الإيمان هو التصديق الاختياري و معناه نسبة التصديق إلى المتكلم اختيارا و بهذا القيد يمتاز عن التصديق المنطقي المقابل للتصور فإنه قد يخلو عن الاختيار كما إذا ادعى النبي النبوة و أظهر المعجزة فوقع في القلب صدقه ضرورة من غير أن ينسب إليه اختيارا فإنه لا يقال في اللغة إنه صدقه فلا يكون إيمانا شرعيا كيف و التصديق مأمور به فيكون فعلا اختياريا زائدا على العلم لكونه كيفية نفسانية أو انفعالا و هو حصول المعنى في القلب و الفعل القلبي ليس كذلك بل هو إيقاع النسبة اختيارا الذي هو كلام النفس و يسمى عقد القلب فالسوفسطائي عالم بوجود النهار و كذا بعض الكفار بنبوة النبي ص لكنهم ليسوا بمصدقين لأنهم لا يحكمون اختيارا بل ينكرون.
و كلام هذا القائل متردد يميل تارة إلى أن التصديق المعتبر في الإيمان نوع من التصديق المنطقي لكونه مقيدا بالاختيار و كون التصديق العلمي أعم لا فرق بينهما إلا بلزوم الاختيار و عدمه و تارة إلى أنه ليس من جنس العلم أصلا لكونه فعلا اختياريا و كون العلم كيفية أو انفعالا و على هذا الأخير أصر بعض المعتنين بتحقيق الإيمان و جزم بأن التسليم الذي فسر به الغزالي التصديق ليس من جنس العلم بل أمر وراءه معناه گردن دادن و گرويدن و حق دانستن مر آنرا كه حق دانسته باشى.
و يؤيده ما ذكره إمام الحرمين أن التصديق على التحقيق كلام النفس لكن لا يثبت كلام النفس إلا مع العلم و نحن نقول لا شك أن التصديق المعتبر في الإيمان هو ما يعبر عنه في الفارسية بگرويدن و باور كردن و راست گوى دانستن إذا

031
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

أضيف إلى الحاكم و راست دانستن و حق دانستن إذا أضيف إلى الحكم و لا يكفي مجرد العلم و المعرفة الخالي عن هذا المعنى ثم أطال الكلام في ذلك و آل تحقيقه إلى أنه ليس شي‏ء وراء العلم و المعرفة.
و قال المحقق الدواني في شرح العقائد اعلم أنه لو فسر التصديق المعتبر في الإيمان بما هو أحد قسمي العلم فلا بد من اعتبار قيد آخر ليخرج الكفر العنادي و قد عبر عنه بعض المتأخرين بالتسليم و الانقياد و جعله ركنا من الإيمان و الأقرب أن يفسر التصديق بالتسليم الباطني و الانقياد القلبي و يقرب منه ما قيل إن التصديق أن تنسب باختيارك الصدق إلى أحد و هو يحوم حول ذلك و إن لم يصب المنحر انتهى.
و أقول الحق أن إثبات معنى آخر غير العلم و المعرفة مشكل و كون بعض أفراده حاصلا بغير اختيار لا ينافي التكليف به لمن لم يحصل له ذلك و ترتب الثواب على ما حصل بغير الاختيار إما تفضل أو هو على الثبات عليه و إظهاره و العمل بمقتضاه و الكلام النفسي الذي ذكروه ليس وراء التصور و التصديق شيئا نعم المعنى الذي نفهمه هاهنا زائدا على العلم هو العزم على إظهار ما اعتقده أو على عدم إنكاره ظاهرا بغير ضرورة تدعو إليه و يمكن عده من لوازم الإيمان أو شرائطه كما يومئ إليه بعض الآيات و الأخبار و العلم لو سلم أنه من قبيل الانفعال فعده عملا على سبيل التوسع باعتبار أسبابه و مباديه.
قوله ع بفرض الباء للسببية و ضميرا نوره و حجته راجعان إلى الفرض و كذا ضميرا به و إليه راجعان إليه و ضمير له إلى العامل و قيل إلى كونه عملا و قيل إلى الله و الأول أظهر و من أرجع ضمير به إلى الفرض و ضمير له إلى كونه عملا لو عكس كان أنسب و ضمير يدعوه المستتر راجع إلى الكتاب و البارز إلى العامل و قيل الظاهر أن يشهد و يدعوه حال عن فرض و أن ضمير له و إليه راجع إلى الله و ضمير به و البارز في يدعوه للفرض و المراد بدعاء الكتاب ذلك الفرض إليه سبحانه نسبته إليه و بيانه أنه منه و يحتمل أن يكون‏

032
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

حالا عن الإيمان و أن يكون ضمير له و يدعوه راجعا إليه و ضمير به و إليه للعمل أي يشهد الكتاب للإيمان بأنه عمل و يدعو الكتاب الإيمان إلى أنه عمل انتهى و لا يخفى بعدهما و في تفسير العياشي يشهد له بها الكتاب و يدعو إليه فضمير بها راجع إلى الحجة «1» و قوله واضح و ثابتة نعتان للفرض.
للإيمان حالات كأنه إشارة إلى الحالات الثلاث الآتية أي التام و الناقص و الراجح و الدرجات مراتب الرجحان فإنها كثيرة بحسب الكمية و الكيفية و الطبقات مراتب النقصان و المنازل ما يلزم تلك الدرجات و الطبقات من القرب إليه سبحانه و البعد عنه و المثوبات و العقوبات المترتبة عليها.
و قيل إشارة إلى أن للإيمان مراتب متكثرة و هي حالات الإنسان باعتبار قيامها به و درجات باعتبار ترقيه من بعضها إلى بعض و طبقات باعتبار تفاوت مراتبها في نفسها و كون بعضها فوق بعض و منازل باعتبار أن الإنسان ينزل فيها و يأوي إليها.
فمنه التام و هو إيمان الأنبياء و الأوصياء ع لاشتماله على جميع أجزاء الإيمان من فعل الفرائض و ترك الكبائر و إن تفاوتت بانضمام سائر المكملات من المستحبات و ترك المكروهات زيادة و نقصانا أو المراد بالتام المنتهى تمامه درجة النبي ص و أوصيائه ع و منه الناقص البين نقصانه و هو أقل مراتب الإيمان الذي بعده الكفر و منه الراجح و فيه أفراد غير متناهية باعتبار التفاوت في الكمية و الكيفية.
ثم إنه يحتمل الكلام وجهين أحدهما أن يكون الإيمان المشتمل على فعل الفرائض و ترك الكبائر حاصلا في الجميع لعدم صدق الإيمان بدون ذلك و يكون الدرجات و المنازل باعتبار تلك الأعمال و نقصها و انضمام فعل سائر الواجبات و ترك سائر المحرمات و فعل المندوبات و ترك المكروهات بل المباحات و الاتصاف بالأخلاق السنية و الملكات العلية و ثانيهما أن يكون القدر المشترك حصول‏
__________________________________________________
 (1) في طبعة الكمبانيّ تقديم و تأخير بين الجملتين.

033
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الإيمان في الجملة و الكامل ما يكون مشتملا على جميع الأجزاء و هو الإيمان حقيقة و الناقص التام ما لم يكن فيه سوى العقائد الحقة و الدرجات المتوسطة تختلف باعتبار كثرة أجزاء الإيمان و قلتها فالمؤمن حقيقة هو الفرد الأول و إطلاقه على البواقي على التوسع لانتفاء الكل بانتفاء أحد الأجزاء و لكل منهما شواهد لفظا و معنى فتأمل فلما عسر فهمه على السائل لألفته بمصطلحات المتكلمين أعاد السؤال لمزيد التوضيح.
قوله ع به يعقل و يفقه و يفهم قيل العقل العلم بالقضايا الضرورية و الفقه ترتيبها لإنتاج القضايا النظرية و الفهم العلم بالنتيجة أقول و يحتمل أن يكون العقل معرفة الأصول العقلية و الفقه العلم بالأحكام الشرعية و الفهم معرفة سائر الأمور المتعلقة بالمعاش و غيره و المراد بالقلب النفس الناطقة سميت به لتعلقها أولا بالروح الحيواني المنبعث منه أو القلب الصنوبري من حيث تعلق النفس به و قيل محل الإدراك هذا الشكل الصنوبري عملا بظواهر الآيات و الأخبار و سيأتي تحقيقه في محله إن شاء الله.
قال الراغب في المفردات قال بعض الحكماء حيث ما ذكر الله القلب فإشارة إلى العقل و العلم نحو إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ «1» و حيث ما ذكر الصدر فإشارة إلى ذلك و إلى سائر القوى من الشهوة و الهوى و الغضب و نحوها و قوله رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي «2» فسؤال لإصلاح قواه و كذا قوله وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ «3» إشارة إلى إشفائهم و قوله وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «4» أي العقول التي هي مندرجة بين سائر القوى و ليست بمهتديه و الله أعلم بذلك «5» و قال قلب الإنسان قيل سمي به لكثرة تقلبه و يعبر بالقلب عن المعاني التي تختص به من الروح و العلم و الشجاعة و سائر ذلك فقوله‏
__________________________________________________
 (1) ق: 37.
 (2) طه: 25.
 (3) براءة: 14.
 (4) الحجّ: 46.
 (5) مفردات غريب القرآن ص 276.

034
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ «1» أي الأرواح إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أي علم و فهم و كذلك وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ «2» و قوله وَ طُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ «3» و قوله وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ «4» أي تثبت به شجاعتكم و يزول خوفكم و على عكسه وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ «5» و قوله هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ «6» و قوله وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى «7» أي متفرقة و قوله وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ قيل العقل و قيل الروح فأما العقل فلا يصح عليه ذلك و مجازه مجاز قوله تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ و الأنهار لا تجري و إنما يجري الماء الذي فيه انتهى «8».
و الورود حضور الماء للشرب و الصدر و الصدور الانصراف عنه و هذا مثل في أنها لا تفعل شيئا إلا بأمره كما يقال في الفارسية لا يشرب الماء إلا بأمره و إذنه و البطش تناول الشي‏ء بصولة و قوة و الباه في بعض النسخ بدون الهمزة و في بعضها بها قال الجوهري الباه مثل الجاه لغة في الباءة و هو الجماع «9» ينطق به الجملة نعت للفرض و ضمير به في الموضعين للفرض و ضميرا لها و عليها للجارحة و اللام للانتفاع و على للإضرار و إرجاع ضمير به إلى الإيمان كما قيل يقتضي خلو الجملة عن العائد و إرجاع ضمير لها هنا إلى الجارحة يؤيد إرجاع ضمير له سابقا إلى العامل.
قوله فالإقرار أي الإقرار القلبي لأن الكلام في فعل القلب و إن احتمل أن يكون المراد الإقرار اللساني لأنه إخبار عن القلب لكن ذكره بعد ذلك في عمل اللسان ربما يأبى عن ذلك و إن احتمل توجيهه و المعطوفات عليه على‏
__________________________________________________
 (1) الأحزاب: ص 33.
 (2) الأنعام: 25.
 (3) المنافقون: 3.
 (4) الأنفال: 10.
 (5) الأحزاب: 26.
 (6) الفتح: 4.
 (7) الحشر: 14.
 (8) مفردات غريب القرآن: 411.
 (9) الصحاح: 2228.

035
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الأول عطف تفسير له و كأنها إشارة إلى مراتب اليقين و الإيمان القلبي فإن أقل مراتبه الإذعان القلبي و لو عن تقليد أو دليل خطابي و المعرفة ما كان عن برهان قطعي و العقد هو العزم على الإقرار اللساني و ما يتبعه و يلزمه عن العمل بالأركان و الرضا هو عدم إنكار قضاء الله و أوامره و نواهيه و أن لا يثقل عليه شي‏ء من ذلك لمخالفته لهوى نفسه و التسليم هو الانقياد التام للرسول فيما يأتي به لا سيما ما ذكر في أمر أوصيائه و ما يحكم به بينهم كما قال تعالى فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً «1» فظهر أن الإقرار بالولاية أيضا داخل في ذلك بل جميع ما جاء به النبي و قوله بأن لا إله متعلق بالإقرار لأن ما ذكر بعده تفسير و مكمل له و الصاحبة الزوجة و الإقرار عطف على الإقرار و المراد الإقرار بسائر أنبياء الله و كتبه و المستتر في جاء راجع إلى الموصول و ما قيل إن قوله بأن لا إله إلا الله إلخ متعلق بالإقرار و المعرفة و العقد و قوله و الإقرار بما جاء من عند الله معطوف على أن لا إله فيكون الأولان بيانا للأخيرين و الأخير بيانا للأول فلا يخفى ما فيه من أنواع الفساد.
و قال المحدث الأسترآبادي ره المعرفة جاء في كلامهم لمعان أحدها التصور مطلقا و هو المراد من قولهم على الله التعريف و البيان أي ذكر المدعى و التنبيه عليها إذ لا يجب خلق الإذعان كما يفهم من باب الشك و غير ذلك من الأبواب و ثانيها الإذعان القلبي و هو المراد من قولهم أقروا بالشهادتين و لم يدخل معرفة أن محمدا رسول الله ص في قلوبهم و ثالثها عقد القضية الإجمالية مثل نعم و بلى و هذا العقد ليس من باب التصور و لا من باب التصديق و رابعها العلم الشامل للتصور و التصديق و هو المراد من قولهم العلم و الجهل من صنع الله في القلوب انتهى و فيه ما فيه.
__________________________________________________
 (1) النساء: 65.

036
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

و الآية الأولى من سورة النحل مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ «1» قيل بدل من الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ و ما بينهما اعتراض أو من أولئك أو من الكاذبون أو مبتدأ خبره محذوف دل عليه قوله فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ و يجوز أن ينتصب بالذم و أن تكون من شرطية محذوفة الجواب إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ على الافتراء أو كلمة الكفر استثناء متصل لأن الكفر لغة يعم القول و العقد كالإيمان كذا ذكره البيضاوي «2» و الظاهر أنه منقطع وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ لم يتغير عقيدته وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً أي اعتقده و طاب به نفسا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ و قد ورد في أخبار كثيرة من طرق الخاصة و العامة أنها نزلت في عمار بن ياسر حيث أكرهه و أبويه ياسرا و سمية كفار مكة على الارتداد فأبى أبواه فقتلوهما و هما أول قتيلين في الإسلام و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل يا رسول الله إن عمارا كفر فقال كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الإيمان بلحمه و دمه فأتى عمار رسول الله ص و هو يبكي فجعل النبي ص يمسح عينيه و قال ما لك إن عادوا لك فعد لهم بما قلت و عن الصادق ع فأنزل الله فيه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ الآية فقال له النبي ص عندها يا عمار إن عادوا فعد فقد أنزل الله عذرك و أمرك أن تعود إن عادوا و بالجملة الآية تدل على أن بعض أجزاء الإيمان متعلق بالقلب و إن استدل القوم بها على أن الإيمان ليس إلا التصديق القلبي و الآية الثانية الَّذِينَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ «3» قيل أي أنسا به و اعتمادا عليه و رجاء منه أو بذكر رحمته بعد القلق من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده و وحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ أي تسكن إليه و قال في المجمع معناه الذين اعترفوا بتوحيد الله على جميع صفاته و بنبوة نبيه و قبول ما جاء به من عند الله و تسكن قلوبهم بذكر الله و تأنس إليه و الذكر حضور المعنى للنفس و قد يسمى العلم ذكرا و القول الذي فيه المعنى الحاضر للنفس أيضا
__________________________________________________
 (1) النحل: 106.
 (2) أنوار التنزيل: 233.
 (3) الرعد: 28.

037
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

يسمى ذكرا أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ إلخ هذا حث للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد الله به من النعيم و الثواب انتهى «1» و كان استدلاله ع بالآية مبني على أن المراد بذكر الله العقائد الإيمانية و الدلائل المفضية إليها إذ بها تطمئن القلب من الشك و الاضطراب و يؤيده قوله في الآية السابقة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ قوله الذين آمنوا بأفواههم كأنه نقل لمضمون الآية إن لم يكن من النساخ أو الرواة و في المائدة هكذا يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ و في رواية النعماني الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ «2» و هو أظهر.
قوله سبحانه إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ «3» قال الطبرسي رحمه الله أي تظهروها و تعلنوها من الطاعة و المعصية أو العقائد أَوْ تُخْفُوهُ أي تكتموه يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ أي يعلم الله ذلك فيجازيكم عليه و قيل معناه أن تظهروا الشهادة أو تكتموها و إن الله يعلم ذلك و يجازيكم به عن ابن عباس و جماعة و قيل إنها عامة في الأحكام التي تقدم ذكرها في السورة خوفهم الله تعالى من العمل بخلافها.
و قال قوم إن هذه الآية منسوخة بقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها «4» و رووا في ذلك خبرا ضعيفا و هذا لا يصح لأن تكليف ما ليس في الوسع غير جائز فكيف ينسخ و إنما المراد بالآية ما يتناوله الأمر و النهي من الاعتقادات و الإرادات و غير ذلك مما هو مستور عنا و أما ما لا يدخل في التكليف من الوساوس و الهواجس مما لا يمكن التحفظ عنه من الخواطر فخارج عنه لدلالة العقل و لقوله ع يعفى لهذه الأمة عن نسيانها و ما حدثت به أنفسها و على هذا يجوز أن تكون الآية الثانية بينت الأولى و أزالت توهم من صرف ذلك إلى غير وجه المراد و ظن أن ما يخطر بالبال أو تتحدث به النفس مما لا يتعلق بالتكليف فإن الله يؤاخذ به و الأمر بخلاف ذلك فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ منهم رحمة و تفضلا وَ يُعَذِّبُ مَنْ‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 6 ص 291.
 (2) كما سيجي‏ء تحت الرقم 29.
 (3) البقرة: 284.
 (4) البقرة: 286.
                       

038
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

يَشاءُ منهم ممن استحق العقاب عدلا وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ من المغفرة و العذاب عن ابن عباس.
و لفظ الآية عام في جميع الأشياء و القول فيما يخطر بالبال من المعاصي إن الله سبحانه لا يؤاخذ به و إنما يؤاخذ بما يعزم الإنسان و يعقد قلبه عليه مع إمكان التحفظ عنه فيصير من أفعال القلب فيجازيه به كما يجازيه على أفعال الجوارح و إنما يجازيه جزاء العزم لا جزاء عين تلك المعصية لأنه لم يباشرها و هذا بخلاف العزم على الطاعة فإن العازم على فعل الطاعة يجازى على عزمه ذلك جزاء تلك الطاعة كما جاء في الأخبار أن المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها و هذا من لطائف نعم الله على عباده انتهى «1».
و الظاهر من الأخبار الكثيرة التي يأتي بعضها في هذا الكتاب عدم مؤاخذة هذه الأمة على الخواطر و العزم على المعاصي فيمكن تخصيص هذه الآية بالعقائد كما هو ظاهر هذه الرواية و إن أمكن أن تكون نية المعصية و العزم عليها معصية يغفرها الله للمؤمنين فالمراد بقوله لِمَنْ يَشاءُ المؤمنون و يؤيده ما ذكره المحقق الطوسي و غيره أن إرادة القبيح قبيحة فتأمل و يظهر من بعض الأخبار أن هذه الآية منسوخة و قد خففها الله عن هذه الأمة
كَمَا رَوَى الدَّيْلَمِيُّ فِي إِرْشَادِ الْقُلُوبِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ آبَائِهِ ع فِي خَبَرٍ طَوِيلٍ فِي مِعْرَاجِ النَّبِيِّ ص قَالَ: ثُمَّ عُرِجَ بِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَ نَاجَاهُ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ قَالَ تَعَالَى لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَدْ عُرِضَتْ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى بَعْثِ مُحَمَّدٍ ص فَأَبَوْا جَمِيعاً أَنْ يَقْبَلُوهَا مِنْ ثِقَلِهَا وَ قَبِلَهَا مُحَمَّدٌ ص فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْهُ وَ مِنْ أُمَّتِهِ الْقَبُولَ خَفَّفَ عَنْهُ ثِقَلَهَا فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ تَكَرَّمَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَشْفَقَ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ تَشْدِيدِ الْآيَةِ الَّتِي قَبِلَهَا هُوَ وَ أُمَّتُهُ فَأَجَابَ عَنْ نَفْسِهِ وَ أُمَّتِهِ‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 2 ص 401.

039
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

فَقَالَ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَهُمُ الْمَغْفِرَةُ وَ الْجَنَّةُ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ يَعْنِي الْمَرْجِعَ فِي الْآخِرَةِ فَأَجَابَهُ قَدْ فَعَلْتُ ذَلِكَ بِتَائِبِي أُمَّتِكَ قَدْ أَوْجَبْتُ لَهُمُ الْمَغْفِرَةَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إِذَا قَبِلْتَهَا أَنْتَ وَ أُمَّتُكَ وَ قَدْ كَانَتْ عُرِضَتْ مِنْ قَبْلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَ الْأُمَمِ فَلَمْ يَقْبَلُوهَا فَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَهَا عَنْ أُمَّتِكَ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ مِنْ خَيْرٍ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ مِنْ شَرٍّ أَلْهَمَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّهُ أَنْ قَالَ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا فَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْطَيْتُكَ لِكَرَامَتِكَ إِلَى آخِرِ الْخَبَرِ «1».
و أما المخالفون فهم اختلفوا في ذلك قال الرازي في تفسير هذه الآية يروى عن ابن عباس أنه قال لما نزلت هذه الآية جاء أبو بكر و عمر و عبد الرحمن بن عوف و معاذ و ناس إلى النبي ص فقالوا يا رسول الله كلفنا من العمل ما لا نطيق إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه و إنه لذنب فقال النبي ص فلعلكم تقولون كما قال بنو إسرائيل سمعنا و عصينا فقولوا سمعنا و أطعنا فقالوا سمعنا و أطعنا و اشتد ذلك عليهم فمكثوا في ذلك حولا فأنزل الله تعالى لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها فنسخت هذه الآية فقال النبي ص إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو تكلموا به.
و اعلم أن محل البحث في هذه الآية أن قوله إِنْ تُبْدُوا إلخ يتناول حديث النفس و الخواطر الفاسدة التي ترد على القلب و لا يتمكن من دفعها فالمؤاخذة بها تجري مجرى تكليف ما لا يطاق و العلماء أجابوا عنه من وجوه.
الأول أن الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين فمنها ما يوطن الإنسان نفسه عليه و العزم على إدخاله في الوجود و منها ما لا يكون كذلك بل يكون أمورا خاطرة بالبال مع أن الإنسان يكرهها و لكنه لا يمكنه دفعها عن نفسه فالقسم الأول يكون مؤاخذا به و الثاني لا يكون مؤاخذا به أ لا ترى إلى قوله تعالى‏
__________________________________________________
 (1) إرشاد القلوب المجلد الثاني.

040
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ «1» و قال في آخر هذه السورة لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ «2» و قال إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ «3» هذا و هو الجواب المعتمد.
الوجه الثاني أن كل ما كان في القلب مما لا يدخل في العمل فإنه في محل العفو و قوله وَ إِنْ تُبْدُوا إلى آخرها فالمراد منه أن يدخل ذلك العمل في الوجود إما ظاهرا أو على سبيل الخفية و أما ما يوجد في القلب من العزائم و الإرادات و لم يتصل بالعمل فكل ذلك في محل العفو و هذا الجواب ضعيف لأن أكثر المؤاخذات إنما يكون بأفعال القلوب أ لا ترى أن اعتقاد الكفر و البدع ليس إلا من أعمال القلوب و أعظم أنواع العقاب مرتب عليه أيضا و أفعال الجوارح إذا خلت من أعمال القلوب لا يترتب عليها عقاب كأفعال النائم و الساهي فثبت ضعف هذا الجواب.
و الوجه الثالث أنه تعالى يؤاخذ بها و مؤاخذتها من الغموم في الدنيا و روي في ذلك خبرا عن عائشة عن النبي ص.
الوجه الرابع أنه تعالى قال يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ و لم يقل يؤاخذكم به الله و قد ذكرنا في معنى كونه حسيبا و محاسبا وجوها منها كونه عالما بها فرجع المعنى إلى كونه تعالى عالما بالضمائر و السرائر و روي عن ابن عباس أنه تعالى إذا جمع الخلائق يخبرهم بما كان في نفوسهم فالمؤمن يخبره و يعفو عنه و أهل الذنوب يخبرهم بما أخفوا من التكذيب و الذنب.
الوجه الخامس أنه تعالى ذكر بعد هذه الآية فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ فيكون الغفران نصيبا لمن كان كارها لورود تلك الخواطر و العذاب لمن كان مصرا عليها مستحسنا لها.
الوجه السادس قال بعضهم المراد بهذه الآية كتمان الشهادة و هو ضعيف و إن كان واردا عقيبه.
__________________________________________________
 (1) البقرة: 225 و 286.
 (2) البقرة: 225 و 286.
 (3) النور: 19.      

041
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الوجه السابع ما مر أنها منسوخة بقوله لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها و هذا أيضا ضعيف لوجوه أحدها أن هذا النسخ إنما يصح لو قلنا إنهم كانوا قبل هذا النسخ مأمورين بالاحتراز عن تلك الخواطر التي كانوا عاجزين عن دفعها و ذلك باطل لأن التكليف قط ما ورد إلا بما في القدرة و لذلك قال ص بعثت بالحنيفية السمحة السهلة و الثاني أن النسخ إنما يحتاج إليه لو دلت الآية على حصول العقاب على تلك الخواطر و قد بينا أنها لا تدل على ذلك الثالث أن نسخ الخبر لا يجوز و إنما يجوز نسخ الأوامر و النواهي و اختلفوا في أن الخبر هل ينسخ أم لا انتهى.
و قال أبو المعين النسفي قال أهل السنة و الجماعة العبد مؤاخذ بما عقد بقلبه نحو الزنا و اللواطة و غير ذلك أما إذا خطر بباله و لم يقصد فلا يؤاخذ به و قال بعضهم لا يؤاخذ في الصورتين جميعا
وَ حُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ ص عُفِيَ عَنْ أُمَّتِي مَا خَطَرَ بِبَالِهِمْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا وَ يَفْعَلُوا.
و حجتنا قوله تعالى وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الآية فثبت أنه مؤاخذ بقصده و ما ذكرتم من الحديث فمحمول على ما خطر بباله و لم يقصد أما إذا قصد فلا انتهى.
و هو رأس الإيمان كان التشبيه بالرأس باعتبار أن بانتفائه ينتفي الإيمان رأسا كما أن بانتفاء الرأس لا تبقى الحياة و يفسد جميع البدن قوله ع القول أي ما يجب التكلم به من الأقوال كإظهار الحق و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و القراءة و الأذكار في الصلاة و أمثالها فيكون قوله و التعبير تخصيصا بعد التعميم لمزيد الاهتمام.
وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً «1» قال البيضاوي أي قولا حسنا و سماه حسنا للمبالغة و قرأ حمزة و يعقوب و الكسائي حسنا بفتحتين انتهى‏
أَقُولُ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ: يَعْنِي قُولُوا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ ع‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 83، راجع تفسير البيضاوى: 35. ط ايران.

042
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «1» الْآيَةَ.
و في بعض الروايات أنه حسن المعاشرة و القول الجميل و في بعضها أنه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و كان التعميم أولى فيناسب التعميم في القول أولا و يؤيده ما سيأتي نقلا من تفسير النعماني.
ثم إن الآية الثانية ليست في المصاحف هكذا ففي سورة البقرة قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ و في سورة العنكبوت وَ قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فالظاهر أن التغيير من النساخ أو نقل الآيتين بالمعنى و في النعماني موافق للأولى و لعله كان في الخبر الآيتان فأسقطوا عجز الأولى و صدر الثانية و التنزه الاجتناب و أن يعرض عطف على أن يتنزه و الإصغاء عطف على الموصول في قوله عما لا يحل.
وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ «2» هذه الآية في سورة النساء و في تفسير علي بن إبراهيم «3» أن آيات الله هم الأئمة ع و روى العياشي «4» في تفسيرها إذا سمعت الرجل يجحد الحق و يكذب به و يقع في أهله فقم من عنده و لا تقاعده قال الراغب و الخوض الشروع في الماء و المرور فيه و يستعار في الأمور و أكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذم الشروع فيه و تتمة الآية إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً و الاستثناء في سورة الأنعام حيث قال وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ «5» الآية و يحتمل أن يكون قوله تعالى وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي‏
__________________________________________________
 (1) براءة: 290.
 (2) النساء: 136.
 (3) تفسير القمّيّ ص 469- 467.
 (4) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 281.
 (5) الأنعام: 68.

043
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الْكِتابِ إشارة إلى ما نزل في سورة الأنعام فهذه الآية كالتفسير لتلك الآية فذكره ع آية النساء لبيان أن الخوض في الآيات المذكور في الأنعام هو الكفر و الاستهزاء بها و إلا كان المناسب ذكر الآية المتصلة بالاستثناء فتفطن و روى العياشي عن الباقر ع في هذه الآية «1» قال الكلام في الله و الجدال في القرآن و قال منه القصاص وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ أي النهي فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ أي بعد أن تذكره مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي معهم فوضع الظاهر موضعه تنبيها على أنهم ظلموا بوضع التكذيب و الاستهزاء موضع التصديق و الاستعظام و في الحديث عن النبي ص من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يجلس في مجلس يسب فيه إمام أو يغتاب فيه مسلم إن الله تعالى يقول في كتابه وَ إِذا رَأَيْتَ الآية «2».
ثم إن الخطاب في الآية إما خطاب عام أو الخطاب ظاهرا للرسول و المراد به الأمة لأن النسيان لا يجوز عليه ص لا سيما إذا كان من الشيطان فإن من جوز السهو و النسيان عليه ص كالصدوق إنما جوز الإسهاء من الله تعالى للمصلحة لا من الشيطان فبشر عبادي الإضافة للتشريف و أحسن القول ما فيه رضا الله أو أشد رضاه و ما هو أشق على النفس و هذه كلمة جامعة يندرج فيها القول في أصول الدين و فروعه و الإصلاح بين الناس و التمييز بين الحق و الباطل و إيثار الأفضل فالأفضل و في رواية هو الرجل يسمع الحديث فيحدث به كما سمع لا يزيد فيه و لا ينقص منه.
أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ لدينه وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ «3» أي العقول السليمة عن منازعة الهوى و الوهم و العادات و عبادي في النسخ بإثبات الياء موافقا لرواية أبي عمرو برواية موسى حيث قرأ في الوصل بفتح الياء و في‏
__________________________________________________
 (1) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 362.
 (2) راجع تفسير القمّيّ ص 192.
 (3) الزمر: 18.

044
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الوقف بإسكانها و قرأ الباقون بإسقاط الياء و الاكتفاء بالكسرة.
الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ قيل أي خائفون من الله متذللون له يلزمون أبصارهم مساجدهم و في تفسير علي بن إبراهيم «1» غضك بصرك في صلاتك و إقبالك علينا و سيأتي تفسيره في كتاب الصلاة إن شاء الله وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ قيل اللغو ما لا يعنيهم من قول أو فعل و في تفسير علي بن إبراهيم يعني عن الغناء و الملاهي‏
وَ فِي إِرْشَادِ الْمُفِيدِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع كُلُّ قَوْلٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرٌ فَهُوَ لَغْوٌ.
وَ فِي الْمَجْمَعِ عَنِ الصَّادِقِ ع قَالَ: أَنْ يَتَقَوَّلَ الرَّجُلُ عَلَيْكَ بِالْبَاطِلِ أَوْ يَأْتِيَكَ بِمَا لَيْسَ فِيكَ فَتُعْرِضُ عَنْهُ لِلَّهِ.
قَالَ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ الْغِنَاءُ وَ الْمَلَاهِي.
وَ فِي الْإِعْتِقَادَاتِ عَنْهُ ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقُصَّاصِ أَ يَحِلُّ الِاسْتِمَاعُ لَهُمْ فَقَالَ لَا.
و الحاصل أن اللغو كل ما لا خير فيه من الكلام و الأصوات و يكفي في الاستشهاد كون بعض أفراده حراما مثل الغناء و الدف و الصنج و الطنبور و الأكاذيب و غيرها و قال في سورة القصص وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ قال علي بن إبراهيم «2» اللغو الكذب و اللهو و الغناء و قال في الفرقان وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً «3» أي معرضين عنه مكرمين أنفسهم عن الوقوف عليه و الخوض فيه و في أخبار كثيرة تفسير اللغو في هذه الآية بالغناء و الملاهي قوله من الإيمان من تبعيضية و أن لا يصغي عطف بيان لهذا و قيل من الإيمان مبتدأ و أن لا يصغي خبره «4» و فيه ما فيه.
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا «5» الخطاب للرسول ص و يغضوا مجزوم بتقدير اللام أي ليغضوا فالمقصود تبليغهم أمر ربهم أو حكاية لمضمون أمره ع أو منصوب بتقدير أن أي مرهم أن يغضوا فإن قل لهم في معنى مرهم و قيل إنه جواب الأمر أي قل لهم غضوا يغضوا و اعترض بأنه حينئذ ينبغي الفاء أي فيغضوا
__________________________________________________
 (1) تفسير القمّيّ ص 444، و هكذا ما بعده، و الآية صدر سورة المؤمنون.
 (2) تفسير القمّيّ ص 490 و الآية في القصص: 55.
 (3) الفرقان: 72.
 (4) بل بالعكس.
 (5) النور: 30.

045
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

و فيه أنه سهل ليكن محذوفا و أبعد منه ما يقال إن التقدير قل لهم غضوا فإنك إن تقل لهم يغضوا و أصل الغض النقصان و الخفض كما في قوله وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ «1» و أجاز الأخفش أن تكون من زائدة و أباه سيبويه و قال إنه للتبعيض و لعله الوجه و ليس المراد نقص المبصرات و تبعيضها و لا الأبصار بل النظر بها و هو المراد مما قيل المراد غض البصر و خفضه عما يحرم النظر إليه و الاقتصار به على ما يحل و كذا قوله وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أي إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فلما كان المستثنى هنا كالشاذ النادر مع كونه معروفا معلوما بخلافه في غض الأبصار أطلق الحفظ هنا و قيد الغض بحرف التبعيض و في الكشاف و يجوز أن يراد مع حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحل حفظها عن الإبداء و هذه الرواية و غيرها تدل على أن المراد بحفظ الفرج هنا ستره عن أن ينظر إليه أحد و كذا ظاهر الرواية تخصيص غض البصر بترك النظر إلى العورة.
قوله ع ثم نظم أقول في تفسير النعماني ثم نظم تعالى ما فرض على السمع و البصر و الفرج في آية واحدة فقال وَ ما كُنْتُمْ و هو أظهر و ما هنا يحتاج إلى تكلف في إدخال اللسان و القلب فقيل المراد بالاستتار ترك ذكر الأعمال القبيحة في المجالس و أَنْ يَشْهَدَ بتقدير من أن يشهد متعلقا بالاستتار بتضمين معنى الخوف فقوله تَسْتَتِرُونَ إشارة إلى فرض القلب و اللسان معا و يحتمل أن يكون المراد بالآية الأخرى الجنس أي الآيتين و الفؤاد داخل في الآية الثانية و كذا اللسان لأن قوله لا تَقْفُ عبارة عن عدم متابعة غير المعلوم بعدم التصديق به بالقلب و عدم إظهار العلم به باللسان وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ قبل هذه الآية في حم تنزيل وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ «2» قال الطبرسي قدس سره أي شهد عليهم سمعهم بما قرعه من الدعاء
__________________________________________________
 (1) لقمان: 19.
 (2) فصّلت: 20.

046
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

إلى الحق فأعرضوا عنه و لم يقبلوه و أبصارهم بما رأوا من الآيات الدالة على وحدانية الله فلم يؤمنوا و سائر جلودهم بما باشروه من المعاصي و الأعمال القبيحة و قيل في شهادة الجوارح قولان أحدهما أن الله تعالى يبنيها بنية الحي «1» و يلجئها إلى الاعتراف و الشهادة بما فعله أصحابها و الآخر أن الله تعالى تفعل الشهادة فيها و إنما أضاف الشهادة إليها مجازا و قيل في ذلك أيضا وجه ثالث و هو أنه يظهر فيه أماراته الدالة على كون أصحابها مستحقين للنار فسمي ذلك شهادة مجازا كما يقال عيناك تشهدان بسهرك و قيل إن المراد بالجلود هنا الفروج على طريق الكناية عن ابن عباس و المفسرين «2» ثم قال وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ أي من أن يشهد عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ معناه و ما كنتم تستخفون أي لم يكن مهيئا لكم أن تستتروا أعمالكم عن هذه الأعضاء لأنكم كنتم بها تعملون فجعلها الله شاهدة عليكم في القيامة و قيل معناه و ما كنتم تتركون المعاصي حذرا أن تشهد عليكم جوارحكم بها لأنكم ما كنتم تظنون ذلك وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا كنتم تَعْمَلُونَ لجهلكم بالله تعالى فهان عليكم ارتكاب المعاصي لذلك و روي عن ابن مسعود أنها نزلت في ثلاثة نفر تساروا فقالوا أ ترى أن الله تعالى يسمع تسارنا و يجوز أن يكون المعنى أنكم عملتم عمل من ظن أن عمله يخفى على الله كما يقال أهلكت نفسي أي عملت عمل من أهلك النفس و قيل إن الكفار كانوا يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا لكنه يعلم ما نظر عن ابن عباس وَ ذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ ذلِكُمْ مبتدأ و ظَنُّكُمُ خبره و أَرْداكُمْ خبر ثان و يجوز أن يكون ظَنُّكُمُ بدلا من ذلِكُمْ و يكون المعنى و ظنكم الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون أهلككم إذ هون عليكم أمر المعاصي و أدى بكم إلى الكفر فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ أي فظللتم من جملة من‏
__________________________________________________
 (1) و في نسخة من المصدر: ينبهها تنبيه الحى.
 (2) مجمع البيان ج 9 ص 9.

047
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

خسرت تجارته لأنكم خسرتم الجنة و خضتم في النار انتهى «1».
فإن قيل هذه الآيات في السور المكية و كذا قوله وَ لا تَقْفُ إلخ كما يدل عليه خبر محمد بن سالم أيضا فكيف صارت أعمال الجوارح فيها أجزاء من الإيمان و كيف توعد عليها قلت لعل الوعيد فيها باعتبار كفرهم و شركهم لا أنها تدل على أنهم إنما فعلوا ذلك كفرا بالله و استهانة بأمره و ظنهم أنه سبحانه لا يعلم كثيرا مما يعملون فالوعيد على شركهم و إتيانهم بتلك الأعمال من جهة الاستخفاف و الاستحلال و قفو ما ليس لهم به علم كان في أصول الدين مع أنه قد مر أنه ليس فيها وعيد بالنار و كون جميع آيات حم مكية لم يثبت لعدم الاعتماد على قول المفسرين من العامة و يحتمل أن يكون الغرض هنا محض كون الأعمال متعلقة بالجوارح و أن لها مدخلا في الإيمان و إن كان مدخليتها في كماله و المقصود في هذا الخبر أمر آخر و كذا الكلام في قوله وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً فإنها أيضا مكية.
قوله إلى ما حرم الله مثل القتل و الضرب و النهب و السرقة و كتابة الجور و الكذب و الظلم و مس الأجانب و نحوها و فرض عليهما من الصدقة و صلة الرحم إذ إيصال الصدقة إلى الفقراء و الخير إلى الأقرباء و الضرب و البطش و القتل في الجهاد و الطهور للصلاة من فروض اليد و قيل يفهم منه وجوب استعمال اليد في غسل الوجه و هو إما لأنه الفرد الغالب أو لأنه فرد الواجب التخييري.
و أقول يمكن أن يكون غسل الوجه داخلا فيما سيأتي من قوله و قال فيما فرض الله.
فَضَرْبَ الرِّقابِ «2» ضرب الرقاب عبارة عن القتل بضرب العنق و أصله فاضربوا الرقاب ضربا حذف الفعل و أقيم المصدر مقامه و أضيف إلى المفعول و الإثخان إكثار القتل أو الجراح بحيث لا يقدر على النهوض و الوثاق بالفتح و الكسر ما يوثق به و شده كناية عن الأسر و مَنًّا و فِداءً مفعول مطلق لفعل محذوف أي فإما
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 9 ص 10 و فيه: حصلتم في النار.
 (2) القتال: 4.

048
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

تمنون منا و إما تفدون فداء و أوزار الحرب أثقالها و آلاتها كالسيف و السنان و غيرهما و هو كناية عن انقضاء أمرها و المروي و مذهب الأصحاب أن الأسير إن أخذ و الحرب قائمة تعين قتله إما بضرب عنقه أو بقطع يده و رجله من خلاف و تركه حتى ينزف و يموت و إن أخذ بعد انقضاء الحرب تخير الإمام بين المن و الفداء و الاسترقاق و لا يجوز القتل و الاسترقاق علم من السنة و العلاج المزاولة.
أن لا يمشي بصيغة المجهول و الباء في بهما للآلة و الظرف نائب الفاعل و قوله ع فقال لعله ليس لتفسير ما تقدم و الاستدلال عليه بل لبيان نوع آخر من تكليف الرجلين و هو نوع المشي و ما ذكر سابقا كان غاية المشي و سيأتي ما هو أوفق بالمراد في رواية النعماني و قال البيضاوي وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ «1» توسط فيه بين الدبيب و الإسراع و عنه ص سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ و انقص منه و أقصر إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ أوحشها لَصَوْتُ الْحَمِيرِ و الحمار مثل في الذم سيما نهاقه و لذلك يكنى عنه فيقال طويل الأذنين و في تمثيل الصوت المرتفع بصوته ثم إخراجه مخرج الاستعارة مبالغة شديدة و توحيد الصوت لأن المراد تفضيل الجنس في النكير دون الآحاد أو لأنه مصدر.
و قال في قوله سبحانه الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ «2» بأن نمنعها عن كلامهم وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ إلخ بظهور آثار المعاصي عليها و دلالتها على أفعالها أو بإنطاق الله إياها و في الحديث أنهم يجحدون و يخاصمون فيختم على أفواههم و تكلمهم أيديهم و أرجلهم انتهى و قيل هذا لا ينافي ما روي أن الناس في هذا اليوم يحتجون لأنفسهم و يسعى كل منهم في فكاك رقبته كما قال سبحانه يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها «3» و الله يلقن من يشاء حجته كما في دعاء الوضوء اللهم لقني حجتي يوم ألقاك لأن الختم مخصوص بالكفار كما قاله بعض المفسرين أو أن الختم‏
__________________________________________________
 (1) لقمان: 18، راجع البيضاوى: 335.
 (2) يس: 65.
 (3) النحل: 111.

049
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

يكون بعد الاحتجاج و المجادلة كما في الرواية السابقة و بالجملة الختم يقع في مقام و المجادلة في مقام آخر قوله فهذا أيضا كأنه إشارة إلى ما تشهد به الجوارح فمن في قوله مما تبعيضية أو إلى التكليم و الشهادة فمن تعليلية و يحتمل أن يكون إشارة إلى جميع ما تقدم.
و قال البيضاوي في قوله تعالى ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا «1» أي في صلاتكم أمرهم بهما لأنهم ما كانوا يفعلونهما أول الإسلام أو صلوا و عبر عن الصلاة بهما لأنهما أعظم أركانهما أو اخضعوا لله و خروا له سجدا وَ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ بسائر ما تعبدكم به وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ و تحروا ما هو خير و أصلح فيما تأتون و تذرون كنوافل الطاعات و صلة الأرحام و مكارم الأخلاق لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي افعلوا هذه كلها و أنتم راجون الفلاح غير متيقنين له واثقين على أعمالكم و أقول لعل من الله موجبة و هذه فريضة جامعة أي ما ذكر في هذه الآية من الركوع و السجود و العبادة و فعل الخير و مدخلية الأعضاء المذكورة في تلك الأعمال في الجملة ظاهرة وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ «2» ظاهره أنه ع فسر المساجد بالأعضاء السبعة التي يسجد عليها أي خلقت لأن يعبد الله بها فلا تشركوا معه غيره في سجودكم عليها و هذا التفسير هو المشهور بين المفسرين و المذكور في صحيحة حماد «3» و المروي عن أبي جعفر الثاني ع حين سأله المعتصم عنها و به قال ابن جبير و الزجاج و الفراء «4» فلا عبرة بقول من قال إن المراد بها المساجد المعروفة و لا بقول من قال هي بقاع الأرض كلها و لا بقول من قال هي المسجد الحرام و الجمع باعتبار أنه قبلة لجميع المساجد و لا بقول من قال هي السجدات جمع مسجد بالفتح مصدرا أي السجودات لله فلا تفعل لغيره‏
وَ قَالَ فِي الْفَقِيهِ «5» قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع‏

__________________________________________________
 (1) الحجّ: 77، راجع البيضاوى: 274.
 (2) الجن: 18.
 (3) راجع الكافي ج 3 ص 312.
 (4) راجع مجمع البيان ج 10 ص 372.
 (5) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 381.

050
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

فِي وَصِيَّتِهِ لِابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ يَا بُنَيَّ لَا تَقُلْ مَا لَا تَعْلَمُ بَلْ لَا تَقُلْ كُلَّ مَا تَعْلَمُ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ فَرَضَ عَلَى جَوَارِحِكَ كُلِّهَا فَرَائِضَ يَحْتَجُّ بِهَا عَلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ يَسْأَلُكَ عَنْهَا وَ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ اسْتَعْبَدَهَا بِطَاعَتِهِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا إِلَى قَوْلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فَهَذِهِ فَرِيضَةٌ جَامِعَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الْجَوَارِحِ وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَنَّ الْمَساجِدَ إلخ يَعْنِي بِالْمَسَاجِدِ الْوَجْهَ وَ الْيَدَيْنِ وَ الرُّكْبَتَيْنِ وَ الْإِبْهَامَيْنِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ.
قوله و قال فيما فرض على الجوارح من الطهور و الصلاة بها أي بالجوارح و كأن مفعول القول محذوف أي ما قال أو من الطهور مفعوله بزيادة من أو بتقدير شيئا أو كثيرا أو المراد قال ذلك أي آية المساجد فيما فرض الله على هذه الجوارح من الطهور و الصلاة لأن الطهور أيضا يتعلق بالمساجد و على التقادير قوله و ذلك إشارة إلى كون الآيات السابقة دليلا على كون الإيمان مبثوثا على الجوارح لأنها إنما دلت على أن الله تعالى فرض أعمالا متعلقة بتلك الجوارح و لم تدل على أنها إيمان فاستدل على ذلك بأن الله تعالى سمى الصلاة المتعلقة بجميع الجوارح إيمانا فتم به الاستدلال بالآيات المذكورة على المطلوب و الظاهر أن في العبارة سقطا أو تحريفا أو اختصارا مخلا من الرواة أو من المصنف كما يدل عليه ما سيأتي نقلا من النعماني‏
وَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ قُولَوَيْهِ وَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَ أَنَّ الْمَساجِدَ الْآيَةَ فَرَوَى أَصْحَابُنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ عَنَى عَزَّ وَ جَلَّ بِذَلِكَ هَذِهِ الْجَوَارِحَ الْخَمْسَ وَ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِيمَا فَرَضَ عَلَى هَذِهِ الْجَوَارِحِ مِنَ الطَّهُورِ وَ الصَّلَاةِ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى لَمَّا صَرَفَ نَبِيَّهُ ص إِلَى الْكَعْبَةِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلنَّبِيِّ ص يَا رَسُولَ اللَّهِ أَ رَأَيْتَ صَلَاتَنَا الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا حَالُهَا وَ حَالُنَا فِيهَا وَ حَالُ مَنْ مَضَى مِنْ أَمْوَاتِنَا وَ هُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ ما كانَ اللَّهُ الْآيَةَ.
و يحتمل أن يكون مفعول القول وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ أو مبهما يفسره ذلك حذف لدلالة التعليل عليه و قوله و ذلك تعليل للقول أي النزول و قوله فأنزل الله‏

051
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

ليس جواب لما لعدم جواز دخول الفاء عليه بل الجواب محذوف بتقدير أنزل وجه الحكمة في الصرف فأنزل.
قوله فمن لقي الله عند الموت أو في القيامة أو الأعم حافظا لجوارحه عن المحرمات موفيا كل جارحة التوفية إعطاء الحق وافيا تاما و يمكن أن يقرأ كل بالرفع و بالنصب مستكملا لإيمانه أي مكملا له في القاموس أكمله و استكمله و كمله أتمه و جملة «1» و من خان في شي‏ء منها أي من الجوارح بفعل المنهيات أو تعدى ما أمر الله عز و جل في الجوارح و يحتمل أن تكون الخيانة أعم من ترك المأمورات و فعل المنهيات و التعدي بإيقاع الفرائض على وجه البدعة و مخالفا لما أمر الله و أقول حكم ع في الأول بدخول الجنة أي من غير عقاب و في الثاني لم يحكم بدخول النار و لا بعدم دخول الجنة لأنه يدخل الجنة و لو بعد حين و ليس دخوله النار مجزوما به لاحتمال عفو الله تعالى و غفرانه.
قوله فمن أين جاءت زيادته يفهم منه أن السائل فهم من الزيادة كون ما يشترط في الإيمان متحققا و زائدا عليه لا أنه يكون الزائد بالنسبة إلى الناقص و إلا فلم يحتج إلى السؤال لأن كل نقص إذا سلب كان زائدا بالنسبة إليه فالأفراد ثلاثة تام الإيمان و هو الذي اعتقد العقائد الحقة كلها و عمل بالفرائض و اجتنب الكبائر و إن أتى بشي‏ء منها تاب بعده و لم يصر على الصغائر و ناقص الإيمان و هو الذي أتى مع العقائد الحقة بشي‏ء من الكبائر و لم يتب منها أو ترك شيئا من الفرائض و لم يتداركها أو أصر على الصغائر و زائد الإيمان و هو الذي زاد في العقائد على ما يجب كما و كيفا كما سيأتي و في الأعمال بإتيانه بسائر الواجبات و المستحبات و ترك الصغائر و المكروهات و كلما زادت العقائد و الأعمال كما و كيفا زاد الإيمان.
فإذا عرفت هذا فلم تحتج إلى ما تكلفه بعضهم أنه لما ذكر ع أن الإيمان مفروض على الجوارح و أنه يزيد و ينقص و علم السائل الأول صريحا من‏
__________________________________________________
 (1) القاموس ج 4 ص 46.

052
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الآيات المذكورة و الثاني ضمنا أو التزاما منها للعلم الضروري بأن العلم يزيد و ينقص سأل عن الآيات الدالة على الثاني صريحا أو قصده من السؤال أني قد فهمت مما ذكر من نقصان الإيمان العملي و تمامه باعتبار أن العمل يزيد و ينقص فمن أين جاءت زيادة الإيمان التصديقي و أية آية تدل عليها و فيه حينئذ استخدام إذ أراد بلفظ الإيمان الإيمان العملي و بضميره الإيمان التصديقي و على التقديرين لا يرد أنه إذا علم نقصان الإيمان و تمامه فقد علم زيادته لأن في التام زيادة ليست في الناقص انتهى.
فَمِنْهُمْ «1» قال البيضاوي فمن المنافقين مَنْ يَقُولُ إنكارا و استهزاء أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً و قرئ أيكم بالنصب على إضمار فعل يفسره زادته فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة و انضمام الإيمان بها و بما فيها إلى إيمانهم وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بنزولها لأنها سبب لزيادة كمالهم و ارتفاع درجاتهم وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كفر فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ كفرا بها مضموما إلى الكفر بغيرها وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ و استحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه.
وَ زِدْناهُمْ هُدىً «2» أي هداية إلى الإيمان أو زدناهم بسبب الإيمان ثباتا و شدة يقين و صبر على المكاره في الدين كما قال وَ رَبَطْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فهذه الهداية الخاصة الربانية زيادة على الإيمان الذي كانوا به متصفين حيث قال تعالى أولا إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ و لو كان كله واحدا أي كل الإيمان واحدا لا زيادة فيه و لا نقصان لم يكن لأحد من المؤمنين فضل على الآخر لأن الفضل إنما هو بالإيمان فلا فضل مع مساواتهم فيه و لا استوت النعم أي نعم الله بالهدايات الخاصة في الإيمان و لاستوى الناس في دخول الجنة أو في الخير و الشر و بطل تفضيل بعضهم على بعض بالدرجات و الكمالات و اللوازم كلها باطلة بالكتاب و
__________________________________________________
 (1) براءة: 126، راجع البيضاوى: 181.
 (2) الكهف: 13 و ما ذكر بعدها ذيلها.

053
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

السنة و لكن بتمام الإيمان باعتبار أصل التصديق و العمل بالفرائض أو بالواجبات و ترك الكبائر أو المنهيات دخل المؤمنون المتصفون به الجنة و بالزيادة في الإيمان بضم سائر الواجبات مع المندوبات أو المندوبات و ترك الصغائر مع المكروهات أو المكروهات و تحصيل الآداب المرغوبة و الأخلاق المطلوبة تفاضل المؤمنون المتصفون بها بدرجات الجنة العالية و المنازل الرفيعة في قربه تعالى و بالنقصان في التصديق أو التقصير في الأعمال الواجبة و ارتكاب المحرمات دخل المفرطون في النار إن لم ينجو بفضله و عفوه سبحانه.
قوله درجات أي ذو درجات أو نفسه باعتبار إضافة درجات «1» و قيل الدرجات مراتب الترقيات و المنازل مراتب التنزلات و يحتمل أن يكون المقصود منهما واحدا أطلق عليهما اللفظان باعتبارين إن الله سبق على بناء التفعيل المعلوم و يسبق على بناء التفعيل المجهول أي قرر السبق و قدره بينهم في الإيمان و ندبهم إليه كما يسابق بين الخيل يوم الرهان و الخيل جماعة الأفراس لا واحد له و قيل واحده خائل لأنه يختال و جمعه أخيال و خيول و يطلق الخيل على الفرسان أيضا و المراهنة و الرهان بالكسر المسابقة على الخيل و كأنه ع شبه مدة الحياة بالمضمار و الأرواح بالفرسان و الأبدان بالخيول و العلم الذي يسبق إليه منتهى مراتب الإيمان و السبق الذي يراهن عليه الجنة فمنهم من سبق الكل و بلغ الغاية و هو رسول الله ص و منهم من تأخر عن الكل و منهم من بقي في وسط الميدان و منازلهم بحسب العقائد و الأعمال كما و كيفا لا يتناهى.
قوله ع فجعل كل امرئ منهم أي أعطاه ما يستحقه من الكرامة و الأجر و الذكر الجميل قيل في الاقتصار بنفي النقص دون الزيادة إيماء إلى جوازها من باب التفضل و إن لم يستحق و لا يتقدم أي في الفضل و الثواب مسبوق في الإيمان سابقا فيه و لا مفضول في الكمالات و الأعمال الصالحة فاضلا فيها.
تفاضل استئناف بياني بذلك أي بالسبق أوائل هذه الأمة أي من تقدم‏
__________________________________________________
 (1) لا يحتاج الى هذا التوجيه، فان لفظ الحديث هكذا: «ان للايمان درجات».

054
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

إيمانه من الصحابة أواخرها منهم أو الأعم من الصحابة و غيرهم أو الصحابة على التابعين و التابعين على غيرهم و ظاهره السبق الزماني إشعارا بأن الغاصبين للخلافة و إن فرض منهم تحقق إسلام و عمل صالح فلا يجوز تقديمهم على أمير المؤمنين ع و قد كان أولهم إيمانا و أسبقهم مع قطع النظر من سائر الكمالات و الفضائل التي استحق بها التقديم و يحتمل أن يكون المراد أعم من السبق الزماني و السبق بحسب الرتبة و كمال اليقين فالأكثرية بحسب الأعمال المذكورة بعد ذلك الأكثرية بحسب الكمية لا الكيفية فإنها تابعة للكمالات النفسانية و الحقائق الإيمانية التي هي من الأعمال القلبية لكنه بعيد عن السياق.
و قوله نعم تأكيد لقوله للحق و قوله و لتقدموهم عطف على قوله نعم أو على قوله للحق و قوله إذا لم يكن إعادة للشرط السابق تأكيدا أو المعنى أنه لو لم يكن للسبق الزماني مدخل في الفضل للزم أن يجوز لحوق المتأخرين السابقين أو تقدمهم عليهم مع عدم تحقق فضل في أصل الإيمان و شرائطه و مكملاته للسابقين على اللاحقين فاللحوق في صورة المساواة و التقدم في صورة زيادة إيمان اللاحقين على إيمان السابقين و الحال أنه ليس كذلك فإن لهم بالتقدم الزماني فضلا عليهم فالمراد بالفضل ما هو غير السبق الزماني و قوله و لكن إضراب عن قوله نعم و لتقدموهم إلخ و المراد بالدرجات ما هو باعتبار السبق الزماني من الأولين أي من بعضهم مقدمين على الأولين أي مطلقا و لكن ليس كذلك بل ربما كان بعض الأولين باعتبار السبق أفضل من كثير من الآخرين و إن كانوا أقل منهم عملا باعتبار تقدمهم و سبقهم و صعوبة الإيمان في ذلك الزمان و بسبب أن لهم مدخلا عظيما في إيمان الآخرين.
و الحاصل أن المسابقة تكون بحسب الرتبة و الزمان فمن اجتمعا فيه كأمير المؤمنين ص فهو الكامل حق الكمال و السابق على كل حال و من انتفى عنه الأمران فهو الناقص المستحق للخذلان و الوبال و أما إذا تعارض الأمران فظاهر الخبر أن السابق زمانا أفضل و أعلى درجة من الآخر.

055
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

و قال بعض المحققين الغرض من هذا الحديث أن يبين أن تفاضل درجات الإيمان بقدر السبق و المبادرة إلى إجابة الدعوة إلى الإيمان و هذا يحتمل عدة معان.
أحدها أن يكون المراد بالسبق السبق في الذر و عند الميثاق‏
كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ص بِأَيِّ شَيْ‏ءٍ سَبَقْتَ وُلْدَ آدَمَ قَالَ إِنَّنِي أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِرَبِّي إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ أَجَابَ «1».
و على هذا يكون المراد بأوائل هذه الأمة و أواخرها أوائلها و أواخرها في الإقرار و الإجابة هناك فالفضل للمتقدم في قوله بلى و المبادر إلى ذلك ثم المتقدم و المبادر.
و المعنى الثاني أن يكون المراد بالسبق السبق في الشرف و الرتبة و العلم و الحكمة و زيادة العقل و البصيرة في الدين و وفور سهام الإيمان الآتي ذكرها «2» و لا سيما اليقين كما يستفاد من الأخبار الآتية و على هذا يكون المراد بأوائل هذه الأمة و أواخر أوائلها و أواخرها في مراتب الشرف و العقل و العلم فالفضل للأعقل و الأعلم و الأجمع للكمالات و هذا المعنى يرجع إلى المعنى الأول لتلازمهما و وحدة ما لهما و اتحاد محصلهما و الوجه في أن الفضل للسابق على هذين المعنيين ظاهر لا مرية فيه و مما يدل على إرادة هذين المعنيين اللذين مرجعهما إلى واحد قوله ع و لو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون إلى قوله من قدم الله و لا سيما قوله أبى الله أن يدرك آخر درجات الإيمان أولها و من تأمل في تتمة الحديث أيضا حق التأمل يظهر له أنه المراد إن شاء الله تعالى.
و المعنى الثالث أن يكون المراد بالسبق السبق الزماني في الدنيا عند دعوة
__________________________________________________
 (1) راجع الكافي ج 2 ص 10، باب أن رسول اللّه ص أول من أجاب، و الآية في الأعراف: 171.
 (2) يعني في الكافي ج 2 ص 42 باب درجات الإيمان، و انما قال هذا- و هو صدر الدين الشيرازى- فانه من شراح الكافي.

056
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

النبي ص إياهم إلى الإيمان و على هذا يكون المراد بأوائل هذه الأمة و أواخرها أوائلها و أواخرها في الإجابة للنبي ص و قبول الإسلام و التسليم بالقلب و الانقياد للتكاليف الشرعية طوعا و يعرف الحكم في سائر الأزمنة بالمقايسة و سبب فضل السابق على هذا المعنى أن السبق في الإجابة للحق دليل على زيادة البصيرة و العقل و الشرف التي هي الفضيلة و الكمال.
و المعنى الرابع أن يراد بالسبق السبق الزماني عند بلوغ الدعوة فيعم الأزمنة المتأخرة عن زمن النبي ص و هذا المعنى يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد بالأوائل و الأواخر ما ذكرناه أخيرا و كذا السبب في الفضل و الآخر أن يكون المراد بالأوائل من كان زمن النبي ص و بالأواخر من كان بعد ذلك و يكون سبب فضل الأوائل صعوبة قبول الإسلام و ترك ما نشئوا عليه في تلك الزمن و سهولته فيما بعد استقرار الأمر و ظهور الإسلام و انتشاره في البلاد مع أن الأوائل سبب لاهتداء الأواخر إذ بهم و بنصرتهم استقر ما استقر و قوي ما قوي و بان من استبان و الله المستعان انتهى.
قوله أخبرني عما ندب الله لما دل كلامه ع سابقا على أنه تعالى طلب منهم الاستباق إلى الإيمان سأله الراوي عن الآيات الدالة عليه سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ كذا في سورة الحديد و في سورة آل عمران وَ سارِعُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ «1» و كان مقتضى الجمع بين الآيتين أن المراد بالمسارعة المسابقة أي سارعوا مسابقين إلى سبب مغفرة من ربكم من الإيمان و الأعمال الصالحة وَ جَنَّةٍ أي إلى جنة عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ و في آل عمران عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ قال المحقق الأردبيلي قدس سره كنى بالعرض عن مطلق المقدار و هو متعارف و نقل على ذلك الأشعار في مجمع البيان أو أنه لما علم عرضه الذي هو أقل من الطول عرفا في غير المساوي علم أن طوله أيضا يكون أما أكثر أو مثله «2» و قال القاضي ذكر العرض للمبالغة في وصفها بالسعة على طريق التمثيل لأنه دون الطول و عن ابن عباس كسبع سماوات و سبع أرضين‏
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 133.
 (2) زبدة البيان في أحكام القرآن: 181 ط حجر.

057
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

لو وصل بعضها ببعض «1» و ظاهر الآية وجوب المسارعة أو رجحانها إلى الطاعة الموجبة للدخول إلى الجنة و أعظمها الإيمان بالله و كتبه و رسله و اليوم الآخر و الترقي إلى مقاماتها العالية أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ ظاهر هذه الآية و غيرها من الآيات و الروايات أن الجنة مخلوقة الآن و كذا النار و قال به الأصحاب و صرح به الشيخ المفيد في بعض رسائله و قال إن الجنة مخلوقة الآن مسكونة سكنتها الملائكة و ظاهر الآية أنها في السماء و الظاهر أن المراد أنه يكون بعضها في السماء و يكون البعض الآخر فوقها أو يكون أبوابها فيها أو فوق الكل و ما ذكره الحكماء غير مسموع شرعا و هو ظاهر كما قيل إن النار تحت الأرض فتكون الآية دليلا على بطلان ما قالوه.
و قال البيضاوي فيه دلالة على أن الجنة مخلوقة و أنها خارجة عن هذا العالم «2» و ذهب جماعة من المعتزلة إلى أنهما غير مخلوقتين و أنهما تخلقان يوم القيامة و قال البيضاوي في الواقعة وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ «3» قال أي الذين سبقوا إلى الإيمان و الطاعة بعد ظهور الحق من غير تلعثم و توان أو سبقوا إلى حيازة الفضائل و الكمالات أو الأنبياء فإنهم مقدمو أهل الأديان هم الذين عرفت حالهم و عرفت مآلهم كقول أبي النجم أنا أبو النجم و شعري شعري أو الذين سبقوا إلى الجنة أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ أي الذين قربت درجاتهم في الجنة و أعليت مراتبهم.
و قال أي في التوبة وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ «4» و قد مر الكلام في ذلك مستوفى في كتاب المعاد في المجمع أي السابقون إلى الإيمان أو إلى الطاعات و إنما مدحهم بالسبق لأن السابق إلى الشي‏ء يتبعه غيره فيكون متبوعا و غيره تابع له فهو إمام فيه و داع له إلى الخير بسبقه إليه و كذلك من سبق إلى الشر يكون أسوأ حالا
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل: 81.
 (2) أنوار التنزيل: 81.
 (3) الواقعة: 10 و 11، راجع البيضاوى ص 420، و التلعثم: الابطاء.
 (4) براءة: 100.

058
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

لهذه العلة مِنَ الْمُهاجِرِينَ الذين هاجروا من مكة إلى المدينة و إلى الحبشة وَ الْأَنْصارِ أي و من الأنصار الذين سبقوا نظراءهم من أهل المدينة إلى الإسلام و قرأ يعقوب و الأنصار بالرفع فلم يجعلهم من السابقين و جعل السبق للمهاجرين خاصة وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ أي بأفعال الخير و الدخول في الإسلام بعدهم و سلوك منهاجهم و يدخل في ذلك من بعدهم إلى يوم القيامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ قال و في هذه الآية دلالة على فضل السابقين و مزيتهم على غيرهم لما لحقهم من أنواع المشقة في نصرة الدين فمنها مفارقة العشائر و الأقربين و منها مباينة المألوف من الدين و منها نصرة الإسلام مع قلة العدد و كثرة العدو و منها السبق إلى الإيمان و الدعاء إليه انتهى «1».
و قال بعضهم السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ هم الذين صلوا إلى القبلتين و شهدوا بدرا و أسلموا قبل الهجرة و من الأنصار أهل بيعة العقبة الأولى و كانوا سبعة نفر و أهل بيعة العقبة الثانية و كانوا سبعون و قال بعض المخالفين كلمة من للتبيين فيتناول المدح جميع الصحابة.
قوله ع ثم ذكر كلمة ثم للتراخي بحسب المرتبة إذ سورة البقرة نزلت قبل سورتي التوبة و الحديد فقال الله عز و جل أي في سورة البقرة تِلْكَ الرُّسُلُ قيل إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة أو المعلومة للرسول أو جماعة الرسل و اللام للاستغراق فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ تفصيل له و هو موسى و قيل موسى و محمد ص كلم موسى ليلة الحيرة و في الطور و محمدا ليلة المعراج حين فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ و بينهما بون بعيد و في المصاحف وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ و ليس فيها فوق بعض «2» فالزيادة إما من الرواة أو النساخ و يؤيده عدمها في رواية النعماني‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 5 ص: 64.
 (2) راجع سورة البقرة: 253.

059
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

أو منه ع زاده للبيان و التفسير و هذه الزيادة مذكورة في سورة الزخرف حيث قال نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ «1» فيحتمل أن تكون الزيادة للإشارة إلى الآيتين.
قيل و رفع بعضهم درجات بأن فضله على غيره من وجوه متعددة و بمراتب متباعدة و هو محمد ص فإنه خص بالدعوة العامة و الحجج المتكاثرة و المعجزات المستمرة و الآيات المترتبة المتعاقبة بتعاقب الدهر و الفضائل العلمية و العملية الفائتة للحصر و الإبهام لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن التعيين و قيل إبراهيم خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب و قيل إدريس لقوله تعالى وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا «2» و قيل أولو العزم من الرسل و بعد ذلك وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ و قال أي في سورة أسرى وَ لَقَدْ فَضَّلْنا إلخ «3» قال البيضاوي أي بالفضائل النفسانية و التبري عن العلائق الجسمانية لا بكثرة الأموال و الأتباع حتى داود فإن شرفه بما أوحي إليه من الكتاب لا بما أوتي من الملك و قيل هو إشارة إلى تفضيل رسول الله ص و قوله وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً تنبيه على وجه تفضيله و هو أنه خاتم الأنبياء و أمته خير الأمم المدلول عليه بما كتب في الزبور من أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ «4» و قال أي في سورة أسرى أيضا قيل هو عطف على ثم ذكر لا على قوله فقال لعدم اختصاص ما يذكر بعده بالأولياء بل هو في مطلق المؤمنين كَيْفَ فَضَّلْنا قيل أي في الرزق و في المجمع بأن جعلنا بعضهم أغنياء و بعضهم فقراء و بعضهم موالي و بعضهم عبيدا و بعضهم أصحاء و بعضهم مرضى على حسب‏
__________________________________________________
 (1) الزخرف: 32.
 (2) مريم: 57.
 (3) أسرى: 55، راجع البيضاوى: 239.
 (4) الأنبياء: 105.

060
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

ما علمناه من المصالح وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ أي درجاتها و مراتبها أعلى و أفضل فينبغي أن تكون رغبتهم فيها و سعيهم لها أكثر «1».
و قال أي في آل عمران هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ قيل شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب و العقاب أو هم ذو درجات فقال وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ «2» و قال أي في هود وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ أي في دينه فَضْلَهُ «3» أي جزاء فضله في الدنيا و الآخرة و يدل على عدم تفضيل المفضول و قال أي في التوبة وَ هاجَرُوا أي إلى الرسول ص و فارقوا الأوطان و تركوا الأقارب و الجيران و طلبوا مرضاة الرحمن وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ بصرفها وَ أَنْفُسِهِمْ ببذلها أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ أي أعلى رتبة و أكثر كرامة ممن لم يستجمع هذه الصفات أو من أهل السقاية و العمارة عندكم إذ قبلها أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ «4» و قال أي في سورة النساء و قبل الآية لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً «5» قال البيضاوي نصب على المصدر لأن فضل بمعنى آجر أو المفعول الثاني له لتضمنه معنى الإعطاء كأنه قال و أعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً كل واحد منها بدل من أجرا و يجوز أن ينتصب درجات على المصدر كقولك ضربته أسواطا و أجرا على الحال عنها تقدمت عليها لأنها نكرة و مغفرة و رحمة على المصدر بإضمار
__________________________________________________
 (1) راجع مجمع البيان ج 6 ص 407، و الآية في أسرى: 21.
 (2) الآيات في آل عمران: 163، هود: 3. براءة: 19 و 20، كما مرّ سابقا.
 (3) الآيات في آل عمران: 163، هود: 3. براءة: 19 و 20، كما مرّ سابقا.
 (4) الآيات في آل عمران: 163، هود: 3. براءة: 19 و 20، كما مرّ سابقا.
 (5) النساء: 95.

061
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

فعلهما «1» و تتمة الآية وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً و قال أي في سورة الحديد لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ قال البيضاوي بيان لتفاوت المنفقين باختلاف أحوالهم من السبق و قوة اليقين و تحري الحاجات حثا على تحري الأفضل منها بعد الحث على الإنفاق و ذكر القتال للاستطراد و قسيم من أنفق محذوف لوضوحه و دلالة ما بعده عليه و الفتح فتح مكة إذ عز الإسلام به و كثر أهله و قلت الحاجة إلى المقاتلة و الإنفاق مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا أي من بعد الفتح «2» و التتمة وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ و قال أي في سورة المجادلة و الآية هكذا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ و التفسح التوسع وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا أي انهضوا للتوسعة أو لما أمرتم به كصلاة أو جهاد أو ارتفعوا في المجلس يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ بالنصر و حسن الذكر في الدنيا و إيوائهم غرف الجنان في الآخرة وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ و يرفع العلماء منهم خاصة دَرَجاتٍ بما جمعوا من العلم و العمل و قد مر تفسيرهم بالأئمة ع.
و قال أي في سورة التوبة حيث قال ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَ لا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ قيل إشارة إلى ما دل عليه قوله ما كانَ من النهي عن التخلف أو وجوب المتابعة بِأَنَّهُمْ بسبب أنهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ أي شي‏ء من العطش وَ لا نَصَبٌ أي تعب وَ لا مَخْمَصَةٌ أي مجاعة فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ أي لا يدوسون مَوْطِئاً أي مكانا يَغِيظُ الْكُفَّارَ أي يغضبهم وطؤه وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا كالقتل و الأسر و النهب إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ أي إلا استوجبوا الثواب و ذلك مما يوجب المسابقة إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ «3»
__________________________________________________
 (1) تفسير البيضاوى: 204.
 (2) تفسير البيضاوى: 424، و الآية في الحديد: 10.
 (3) براءة: 120.

062
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

و قال أي في المزمل وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ يمكن أن يكون عدم ذكر تتمة الكلام للاختصار فإن التتمة هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً أي من الذي تؤخرونه إلى الوصية عند الموت و خيرا ثاني مفعولي تجدوه و هو تأكيد أو فصل أو هو مبني على قراءة هو خير بالرفع كما قرئ في الشواذ فالكلام إلى قوله عِنْدَ اللَّهِ تمام و قوله هو مبتدأ و خير خبره و هي جملة أخرى مؤكدة للأولى وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ الذرة هي النملة الصغيرة أو الهباء المنبث في الجو.
و بالجملة هذه الآيات كلها تدل على اختلاف مراتب المؤمنين في الثواب و الدرجات عند الله تعالى و المنازل في الجنة كما لا يخفى.
7- كا، الكافي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع الْكَبَائِرُ تُخْرِجُ مِنَ الْإِيمَانِ فَقَالَ نَعَمْ وَ مَا دُونَ الْكَبَائِرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ «1».
8- كا، الكافي بِالْإِسْنَادِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ الزَّيَّاتِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ قَيْسٍ الْمَاصِرُ وَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ وَ أَظُنُّ مَعَهُمَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ع فَتَكَلَّمَ ابْنُ قَيْسٍ الْمَاصِرُ فَقَالَ إِنَّا لَا نُخْرِجُ أَهْلَ دَعْوَتِنَا وَ أَهْلَ مِلَّتِنَا مِنَ الْإِيمَانِ فِي الْمَعَاصِي وَ الذُّنُوبِ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَا ابْنَ قَيْسٍ أَمَّا رَسُولُ اللَّهِ ص فَقَدْ قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ حَيْثُ شِئْتَ «2».
9- ل، الخصال ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام لي، الأمالي للصدوق عَنْ حَمْزَةَ الْعَلَوِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَزَّازِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْفَرَّاءِ قَالَ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا ع عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 284.
 (2) الكافي ج 2 ص 285.

063
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْإِيمَانُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ.
قال حمزة بن محمد و سمعت عبد الرحمن بن أبي حاتم يقول سمعت أبي يقول و قد روي هذا الحديث عن أبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح عن علي بن موسى الرضا ع بإسناده مثله قال أبو حاتم لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لبرأ «1» ..
10- فس، تفسير القمي إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ قَالَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ وَ الْإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَ الْوَلَايَةُ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ إِلَى اللَّهِ.
وَ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ قَالَ: الْكَلِمُ الطَّيِّبُ قَوْلُ الْمُؤْمِنِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ عَلِيٌّ وَلِيُّ اللَّهِ وَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ وَ قَالَ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ إِنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْجَارُودِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ مِصْدَاقاً مِنْ عَمَلٍ يُصَدِّقُهُ أَوْ يُكَذِّبُهُ فَإِذَا قَالَ ابْنُ آدَمَ وَ صَدَّقَ قَوْلَهُ بِعَمَلِهِ رَفَعَ قَوْلَهُ بِعَمَلِهِ إِلَى اللَّهِ وَ إِذَا قَالَ وَ خَالَفَ عَمَلُهُ قَوْلَهُ رَدَّ قَوْلَهُ عَلَى عَمَلِهِ الْخَبِيثِ وَ هَوِيَ بِهِ إِلَى النَّارِ «2».
11- ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْإِيمَانُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ «3».
ل، الخصال ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام عن سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي عن علي بن عبد العزيز و معاذ بن المثنى عن الهروي بالإسناد مثله «4»
__________________________________________________
 (1) الخصال ج 1: 84، عيون الأخبار ج 1: 227، الأمالي: 160.
 (2) تفسير القمّيّ: ... و الآية في فاطر: 10.
 (3) عيون الأخبار ج 1 ص 226.
 (4) الخصال ج 1 ص 84، عيون الأخبار ج 1 ص 227.

064
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

- نهج، نهج البلاغة عن أمير المؤمنين ع مثله «1»- ل، الخصال ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام عن ابن بندار عن محمد بن محمد بن جمهور عن محمد بن عمر بن منصور عن أحمد بن محمد بن يزيد الجمحي عن الهروي مثله «2».
12- ل، الخصال ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْقِلٍ الْقِرْمِيسِينِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ قَالَ كُنْتُ وَاقِفاً عَلَى أَبِي وَ عِنْدَهُ أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ وَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ أَبِي لِيُحَدِّثْنِي كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِحَدِيثٍ فَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ الْهَرَوِيُّ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا ع وَ كَانَ وَ اللَّهِ رِضًا كَمَا سُمِّيَ عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَ عَمَلٌ فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا هَذَا الْإِسْنَادُ فَقَالَ لَهُ أَبِي هَذَا سَعُوطُ الْمَجَانِينِ إِذَا سُعِطَ بِهِ الْمَجْنُونُ أَفَاقَ «3».
بيان: كان و الله رضا أي مرضيا عند الله و عند الخلق سعوط المجانين أي هذا السند لاشتماله على الأسماء الشريفة المكرمة كأنه دعاء ينبغي أن يستشفى به للمجنون حتى يفيق أو كناية عن قوته و وثاقته بحيث إذا سمع مجنون يذعن بحقيته فكيف العاقل و الأول أظهر.
13- ل، الخصال ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام عَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا ع عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ الْإِيمَانُ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَ لَفْظٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ الْإِيمَانُ إِلَّا هَكَذَا «4».
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة عبده ج 2 ص 194، تحت الرقم 227 من الحكم.
 (2) الخصال ج 1 ص 84 عيون الأخبار ج 1 ص 228.
 (3) الخصال ج 1 ص 84، عيون الأخبار ج 1 ص 228.
 (4) الخصال ج 1 ص 84، عيون الأخبار ج 1 ص 227.

065
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

مع، معاني الأخبار عن أبيه عن سعد عن ابن عيسى مثله «1».
14- ب، قرب الإسناد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْقَدَّاحِ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ع قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَ عَمَلٌ أَخَوَانِ شَرِيكَانِ «2».
مع، معاني الأخبار عن أبيه عن علي عن أبيه عن القداح مثله «3».
15- ب، قرب الإسناد عَنْ هَارُونَ عَنِ ابْنِ صَدَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع وَ سُئِلَ مَا بَالُ الزَّانِي لَا تُسَمِّيهِ كَافِراً وَ تَارِكُ الصَّلَاةِ قَدْ تُسَمِّيهِ كَافِراً وَ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ الزَّانِيَ وَ مَا أَشْبَهَهُ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِمَكَانِ الشَّهْوَةِ وَ إِنَّهَا تَغْلِبُهُ وَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لَا يَتْرُكُهَا إِلَّا اسْتِخْفَافاً بِهَا وَ ذَلِكَ أَنَّكَ لَا تَجِدُ الزَّانِيَ يَأْتِي الْمَرْأَةَ إِلَّا وَ هُوَ مُسْتَلِذٌّ لِإِتْيَانِهِ إِيَّاهَا قَاصِداً إِلَيْهَا وَ كُلُّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ قَاصِداً إِلَيْهَا فَلَيْسَ يَكُونُ قَصْدُهُ لِتَرْكِهَا اللَّذَّةَ فَإِذَا انْتَفَتِ اللَّذَّةُ وَقَعَ الِاسْتِخْفَافُ وَ إِذَا وَقَعَ الِاسْتِخْفَافُ وَقَعَ الْكُفْرُ «4».
16- ب، قرب الإسناد عَنْ هَارُونَ عَنِ ابْنِ صَدَقَةَ قَالَ: وَ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع مَا فَرْقٌ بَيْنَ مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ فَزَنَى بِهَا أَوْ خمرا [خَمْرٍ] فَشَرِبَهَا وَ بَيْنَ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ حَيْثُ لَا يَكُونُ الزَّانِي وَ شَارِبُ الْخَمْرِ مُسْتَخِفّاً كَمَا اسْتَخَفَّ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَ مَا الْعِلَّةُ الَّتِي تَفْرُقُ بَيْنَهُمَا قَالَ ع الْحُجَّةُ أَنَّ كُلَّ مَا أَدْخَلْتَ نَفْسَكَ فِيهِ لَمْ يَدْعُكَ إِلَيْهِ دَاعٍ وَ لَمْ يَغْلِبْكَ عَلَيْهِ غَالِبُ شَهْوَةٍ مِثْلُ الزِّنَا وَ شُرْبِ الْخَمْرِ فَأَنْتَ دَعَوْتَ نَفْسَكَ إِلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَ لَيْسَ ثَمَّ شَهْوَةٌ فَهُوَ الِاسْتِخْفَافُ بِعَيْنِهِ وَ هَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا «5».
بيان قوله ع أن كل ما أدخلت كأن خبر أن محذوف أي هو
__________________________________________________
 (1) معاني الأخبار: 186.
 (2) قرب الإسناد: 13.
 (3) معاني الأخبار: 187.
 (4) قرب الإسناد: 22.
 (5) قرب الإسناد: 23.

066
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الاستخفاف بقرينة قوله فأنت دعوت و يحتمل أن يكون الخبر لم يدعك و قيل المراد بالحجة المعيار لا الدليل و المراد بالداعي الباعث القوي و إلا فلا يكون فعل اختياري بغير داع و قوله مثل الزنا تشبيه للمنفي.
17- ب، قُرْبُ الْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَخِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ «1».
18- ل، الخصال عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ النَّهْدِيِّ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنِ الْحَلَبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكُونُ سَجِيَّتُهُ الْكَذِبَ وَ لَا الْبُخْلَ وَ لَا الْفُجُورَ وَ لَكِنْ رُبَّمَا أَلَمَّ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ هَذَا لَا يَدُومُ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ أَ فَيَزْنِي قَالَ نَعَمْ هُوَ مُفَتَّنٌ تَوَّابٌ وَ لَكِنْ لَا يُولَدُ لَهُ مِنْ تِلْكَ النُّطْفَةِ «2».
بيان: ربما ألم أي نزل أو قارب في النهاية و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله أي قاربت و قيل اللمم مقاربة المعصية من غير إيقاع فعل و قيل هو من اللمم صغار الذنوب و قال الفتنة الامتحان و الاختبار و منه الحديث المؤمن خلق مفتنا أي ممتحنا يمتحنه الله بالذنب ثم يتوب ثم يعود ثم يتوب يقال فتنته أفتنه فتنا و فتونا إذا امتحنته و يقال فيها افتتنه أيضا.
19- ن، عيون أخبار الرضا عليه السلام بِالْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْإِيمَانُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ «3».
صح، صحيفة الرضا عليه السلام عن الرضا عن آبائه ع مثله «4».
20- جا، المجالس للمفيد ما، الأمالي للشيخ الطوسي عَنِ الْمُفِيدِ عَنِ الْجِعَابِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَالِكِيِّ عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ عَنِ الرِّضَا عَلِيِّ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص‏
__________________________________________________
 (1) قرب الإسناد ط النجف ص 149 و 165.
 (2) الخصال ج 1 ص 64.
 (3) عيون الأخبار ج 1 ص 227، و تراه في ج 2: 28.
 (4) صحيفة الرضا عليه السلام: 2.

067
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الْإِيمَانُ قَوْلٌ مَقُولٌ وَ عَمَلٌ مَعْمُولٌ وَ عِرْفَانُ الْعُقُولِ قَالَ أَبُو الصَّلْتِ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَجْلِسِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فَقَالَ لِي أَحْمَدُ يَا أَبَا الصَّلْتِ لَوْ قُرِئَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَلَى الْمَجَانِينِ لَأَفَاقُوا «1».
21- ما، الأمالي للشيخ الطوسي عَنِ الْفَحَّامِ عَنِ الْمَنْصُورِيِّ عَنْ عَمِّ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ ص عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ «2».
22- ما، الأمالي للشيخ الطوسي بِإِسْنَادِ أَخِي دِعْبِلٍ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع الْإِيمَانُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ «3».
23- ما، الأمالي للشيخ الطوسي عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي الْمُفَضَّلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْرَوَيْهِ وَ جَعْفَرِ بْنِ إِدْرِيسَ الْقَزْوِينِيَّيْنِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْغَازِي عَنِ الرِّضَا وَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي وَ جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْدِيِّ بْنِ صَدَقَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ غَالِبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالُوا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ ص عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ص يَقُولُ الْإِيمَانُ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ وَ لَفْظُ الْحَدِيثِ لِدَاوُدَ.
قَالَ أَبُو الْمُفَضَّلِ وَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ رَجَاءٍ الْأَسْتَرْآبَادِيِّ وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ الرَّازِيِّ وَ أبو [أَبِي‏] حَاتِمٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الْحَنْظَلِيِّ وَ غَيْرِهِمْ جَمِيعاً عَنْ أَبِي الصَّلْتِ الْهَرَوِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِاللِّسَانِ وَ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ‏
__________________________________________________
 (1) مجالس المفيد: 169، أمالي الطوسيّ ج 1 ص 35.
 (2) أمالي الطوسيّ: ج 1 ص 290.
 (3) أمالي الطوسيّ ج 1 ص 379.

068
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ أَبُو الصَّلْتِ لَوْ قُرِئَ هَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى مَجْنُونٍ لَبَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَبُو الْمُفَضَّلِ وَ هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُحَدِّثْهُ عَنِ النَّبِيِّ ص إِلَّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع مِنْ رِوَايَةِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ ع أَجْمَعَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَئِمَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَ احْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمُرْجِئَةِ وَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ فِيمَا أَعْلَمُ إِلَّا مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ- عَنْ أَبِيهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَ كُنْتُ لَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَداً رَوَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ إِلَّا ابْنَهُ الرِّضَا حَتَّى حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَعْمَرٍ الْكُوفِيُّ وَ مَا كَتَبْتُهُ إِلَّا عَنْهُ.
قال حدثنا عبد الله بن سعيد البصري العابد بسورا قال حدثنا محمد بن صدقة و محمد بن تميم قالا حدثنا موسى بن جعفر عن أبيه بإسناده مثله سواء «1».
24- ما، الأمالي للشيخ الطوسي أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُصْعَبِيُّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ أَخِي طَاهِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ بِخُرَاسَانَ وَ فِي الْمَجْلِسِ يَوْمَئِذٍ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ الْحَنْظَلِيُّ وَ أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ وَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ فَتَذَاكَرُوا الْإِيمَانَ فَابْتَدَأَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فَتَحَدَّثَ فِيهِ بِعِدَّةِ أَحَادِيثَ وَ خَاضَ الْفُقَهَاءُ وَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَ أَبُو الصَّلْتِ سَاكِتٌ فَقِيلَ لَهُ يَا بَا الصَّلْتِ أَ لَا تُحَدِّثُنَا فَقَالَ حَدَّثَنِي الرِّضَا عَلِيُّ بْنُ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ص وَ كَانَ وَ اللَّهِ رِضًى كَمَا وُسِمَ بِالرِّضَا قَالَ حَدَّثَنَا الْكَاظِمُ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي الصَّادِقُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي الْبَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي السَّجَّادُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ- قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ سِبْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي الْوَصِيُّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ص قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْإِيمَانُ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَ نُطْقٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ قَالَ فَخَرِسَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ كُلُّهُمْ وَ نَهَضَ أَبُو الصَّلْتِ فَنَهَضَ مَعَهُ إِسْحَاقَ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَ الْفُقَهَاءُ فَأَقْبَلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَلَى أَبِي الصَّلْتِ فَقَالَ لَهُ وَ نَحْنُ نَسْمَعُ يَا بَا الصَّلْتِ أَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا فَقَالَ يَا ابْنَ رَاهَوَيْهِ‏
__________________________________________________
 (1) أمالي الطوسيّ ج 2 ص 63.

069
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

هَذَا سَعُوطُ الْمَجَانِينِ هَذَا عِطْرُ الرِّجَالِ ذَوِي الْأَلْبَابِ «1».
25- ما، الأمالي للشيخ الطوسي أَخْبَرَنَا جَمَاعَةٌ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الطَّاهِرِيُّ الْكَاتِبُ فِي دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَ بِحَضْرَتِهِ إِمْلَاءً يَوْمَ الثَّلَاثَاءِ لِتِسْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ أَرْبَعٍ وَ عِشْرِينَ وَ ثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ: حَمَلَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ بِرّاً وَاسِعاً إِلَى أَبِي أَحْمَدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ فَأَوْصَلْتُهُ وَ وَجَدْتُهُ عَلَى إِضَاقَةٍ شَدِيدَةٍ فَقَبِلَهُ وَ كَتَبَ فِي الْوَقْتِ بَدِيهَةً
أَيَادِيكَ عِنْدِي مُعْظَمَاتٌ جَلَائِلُ-             طِوَالُ الْمَدَى شُكْرِي لَهُنَّ قَصِيرٌ-
فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شُكْرِي غَنِيّاً فَإِنَّنِي-             إِلَى شُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي لَفَقِيرٌ
قَالَ فَقُلْتُ أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ هَذَا حَسَنٌ قَالَ أَحْسَنُ مِنْهُ مَا سَرِقْتُهُ مِنْهُ فَقُلْتُ وَ مَا هُوَ قَالَ حَدِيثَانِ حَدَّثَنِي بِهِمَا أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ الْهَرَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص أَسْرَعُ الذُّنُوبِ عُقُوبَةً كُفْرَانُ النِّعْمَةِ.
وَ حَدَّثَنِي أَبُو الصَّلْتِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُؤْتَى بِعَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَيَأْمُرُ بِهِ إِلَى النَّارِ فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَمَرْتَ بِي إِلَى النَّارِ وَ قَدْ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فَيَقُولُ اللَّهُ أَيْ عَبْدِي إِنِّي أَنْعَمْتُ عَلَيْكَ وَ لَمْ تَشْكُرْ نِعْمَتِي فَيَقُولُ أَيْ رَبِّ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بِكَذَا فَشَكَرْتُكَ بِكَذَا وَ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بِكَذَا فَشَكَرْتُكَ بِكَذَا فَلَا يَزَالُ يُحْصِي النِّعَمَ وَ يُعَدِّدُ الشُّكْرَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى صَدَقْتَ عَبْدِي إِلَّا أَنَّكَ لَمْ تَشْكُرْ مَنْ أَجْرَيْتُ لَكَ نِعْمَتِي عَلَى يَدَيْهِ وَ إِنِّي قَدْ آلَيْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَقْبَلَ شُكْرَ عَبْدٍ لِنِعْمَةٍ أَنْعَمْتُهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَشْكُرَ مَنْ سَاقَهَا مِنْ خَلْقِي إِلَيْهِ قَالَ فَانْصَرَفْتُ بِالْخَبَرِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْفُرَاتِ وَ هُوَ فِي مَجْلِسِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ وَ ذَكَرْتُ مَا جَرَى فَاسْتَحْسَنَ الْخَبَرَ وَ انْتَسَخَهُ وَ رَدَّنِي فِي الْوَقْتِ إِلَى أَبِي أَحْمَدَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِبِرٍّ وَاسِعٍ مِنْ بِرِّ أَخِيهِ فَأَوْصَلْتُهُ إِلَيْهِ فَقَبِلَهُ وَ سُرَّ بِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ‏
__________________________________________________
 (1) أمالي الطوسيّ ج 2 ص 64.

070
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

شُكْرَاكَ مَعْقُودٌ بِإِيمَانِي-             حَكَمٌ فِي سِرِّي وَ إِعْلَانيِ-
عَقْدُ ضَمِيرٍ وَ فَمُّ نَاطِقٍ-             وَ فِعْلُ أَعْضَاءٍ وَ أَرْكَانٍ‏
 فَقُلْتُ هَذَا أَعَزَّ اللَّهُ الْأَمِيرَ أَحْسَنُ مِنَ الْأَوَّلِ فَقَالَ أَحْسَنُ مِنْهُ مَا سَرِقْتُهُ مِنْهُ قُلْتُ وَ مَا هُوَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الصَّلْتِ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ صَالِحٍ بِنَيْسَابُورَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا ع قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى الْكَاظِمُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي جَعْفَرٌ الصَّادِقُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَلِيٌّ السَّجَّادُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي الْحُسَيْنُ السِّبْطُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ص الْإِيمَانُ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَ نُطْقٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ قَالَ فَعُدْتُ إِلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْفُرَاتِ فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيثَ فَانْتَسَخَهُ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ فَكَانَ أَبُو الصَّلْتِ فِي مَجْلِسِ أَخِي بِنَيْشَابُورَ وَ حَضَرَ مَجْلِسَهُ مُتَفَقِّهَةُ نَيْشَابُورَ وَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ مِنْهُمْ وَ فِيهِمْ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فَأَقْبَلَ إِسْحَاقُ عَلَى أَبِي الصَّلْتِ فَقَالَ يَا أَبَا الصَّلْتِ أَيُّ إِسْنَادٍ هَذَا مَا أَغْرَبَهُ وَ أَعْجَبَهُ قَالَ هَذَا سَعُوطُ الْمَجَانِينِ الَّذِي إِذَا سُعِطَ بِهِ الْمَجْنُونُ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَبُو الْمُفَضَّلِ حَدَّثْتُ عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ هَمَّامٍ عَمَّا تَقَدَّمَهُ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ وَ سَأَلَنِي فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنْ أُمْلِيَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَ الشِّعْرِ فَأَمْلَيْتُهُ عَلَيْهِ «1».
بيان: قوله برا يمكن أن يقرأ بضم الباء و كسرها على إضافة أي ضيافة و المعنى كان عنده أضياف كثيرون «2» قوله ما سرقته منه كأن المعنى ما أخفيته منه و لم أذكره له و الآن أذكره و كأنه سماه سرقة إشارة إلى أنه لما كان قابلا لسماع هذا الحديث و لم أذكره له فكأني سرقته منه و يمكن أن‏
__________________________________________________
 (1) أمالي الطوسيّ ج 2 ص 65 و 66.
 (2) في المصدر «على اضاقة» و هو المناسب لما بعده، يقال: أضاق الرجل اضاقة: ذهب ماله و افتقر.

071
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

يقرأ ما سر على بناء المفعول من السرور قنه بكسر القاف و تشديد النون أي عبده و الضمير لابن الفرات منه أي من استماعه و يمكن أن يقرأ سر على بناء الفاعل أيضا أي يسر القن المرسل إليه بسببه و الأصوب أنه من السرقة «1» و المعنى ما سرقت هذا الشعر منه لأن الشعر تضمن افتقاره إلى الشكر و الحديث دل عليه.
قوله شكراك كأن التثنية باعتبار النعمتين و إفراد الخبر باعتبار كل واحد أو الشكرى مصدر كذكرى و إن لم يرد في كتب اللغة و على الأول يحتمل أن يكون المراد مطلق التكرير كلبيك و في بعض النسخ شكريك بالياء أي شكري لك معقود بأيماني أي ألزمته على نفسي بالأيمان كقوله تعالى بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ هذا على فتح همزة الأيمان و كأن كسرها أنسب بالحديث الذي سرقه منه حكم بالتحريك أي حاكم أو محكم و يحتمل الضم و الفم هنا بالتشديد في القاموس الفم مثلثة أصله فوه و قد تشدد الميم مثلثة و قوله حدثت إلخ إشارة إلى الحديث المروي عنه قبل هذا الخبر و كأن الأظهر ما تقدمه.
26- مع، معاني الأخبار عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ يَزِيدَ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّحَلِّي وَ لَا بِالتَّمَنِّي وَ لَكِنَّ الْإِيمَانَ مَا خَلَصَ فِي الْقَلْبِ وَ صَدَّقَهُ الْأَعْمَالُ «2».
بيان: بالتحلي أي بأن يتزين به ظاهرا من غير يقين بالقلب و لا بالتمني بأن يتمنى النجاة بمحض العقائد من غير عمل.
27- مع، معاني الأخبار عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدٍ الْعَطَّارِ عَنْ سَهْلٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ الْعَطَّارِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَنَا أَ مُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ فَنَقُولُ نَعَمْ «3» فَيَقُولُونَ أَ لَيْسَ الْمُؤْمِنُونَ فِي الْجَنَّةِ فَنَقُولُ بَلَى فَيَقُولُونَ أَ فَأَنْتُمْ فِي الْجَنَّةِ فَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا ضَعُفْنَا وَ انْكَسَرْنَا عَنِ الْجَوَابِ قَالَ‏
__________________________________________________
 (1) و لعلها كانت في مجموعة بعثت إليه مع الرجل فسرقها من تلك المجموعة.
 (2) معاني الأخبار ص 187.
 (3) في النسخ هنا زيادة [ان شاء اللّه تعالى‏] و هو سهو ظاهر.

072
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

فَقَالَ ع إِذَا قَالُوا لَكُمْ أَ مُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ فَقُولُوا نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ قُلْتُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا اسْتَثْنَيْتُمْ لِأَنَّكُمْ شُكَّاكٌ قَالَ فَقُولُوا لَهُمْ وَ اللَّهِ مَا نَحْنُ بِشُكَّاكٍ وَ لَكِنِ اسْتَثْنَيْنَا كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ «1» وَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهُ أَوَّلًا وَ قَدْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الْمُؤْمِنِينَ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ مُؤْمِنِينَ وَ لَمْ يُسَمِّ مَنْ رَكِبَ الْكَبَائِرَ وَ مَا وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَلَيْهِ النَّارَ فِي قُرْآنٍ وَ لَا أَثَرٍ وَ لَا نُسَمِّيهِمْ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ ذَلِكَ الْفِعْلِ «2».
بيان: قوله بالإيمان متعلق بقوله لم يسم و لا نسميهم معا على التنازع.
28- يد، التوحيد عَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنِ ابْنِ مَعْرُوفٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ قَالَ: كَتَبْتُ عَلَى يَدَيْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَسْأَلُهُ عَنِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ فَكَتَبَ الْإِيمَانُ هُوَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَقْدٌ بِالْقَلْبِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ فَالْإِيمَانُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَ قَدْ يَكُونُ الْعَبْدُ مُسْلِماً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِناً وَ لَا يَكُونُ مُؤْمِناً حَتَّى يَكُونَ مُسْلِماً فَالْإِسْلَامُ قَبْلَ الْإِيمَانِ وَ هُوَ يُشَارِكُ الْإِيمَانَ فَإِذَا أَتَى الْعَبْدُ بِكَبِيرَةٍ مِنْ كَبَائِرِ الْمَعَاصِي أَوْ صَغِيرَةٍ مِنْ صَغَائِرِ الْمَعَاصِي الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ عَنْهَا كَانَ خَارِجاً مِنَ الْإِيمَانِ وَ سَاقِطاً عَنْهُ اسْمُ الْإِيمَانِ وَ ثَابِتاً عَلَيْهِ اسْمُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ تَابَ وَ اسْتَغْفَرَ عَادَ إِلَى الْإِيمَانِ وَ لَمْ يُخْرِجْهُ إِلَى الْكُفْرِ إِلَّا الْجُحُودُ وَ الِاسْتِحْلَالُ إِذَا قَالَ لِلْحَلَالِ هَذَا حَرَامٌ وَ لِلْحَرَامِ هَذَا حَلَالٌ وَ دَانَ بِذَلِكَ فَعِنْدَهَا يَكُونُ خَارِجاً مِنَ الْإِيمَانِ وَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ وَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ دَخَلَ الْحَرَمَ ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَأَحْدَثَ فِي الْكَعْبَةِ حَدَثاً فَأُخْرِجَ عَنِ الْكَعْبَةِ وَ عَنِ الْحَرَمِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَ صَارَ إِلَى النَّارِ الْخَبَرَ «3».
1. 14- 29- تَفْسِيرُ النُّعْمَانِيِّ، بِالْإِسْنَادِ الْآتِي فِي كِتَابِ الْقُرْآنِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: وَ أَمَّا الْإِيمَانُ وَ الْكُفْرُ وَ الشِّرْكُ وَ زِيَادَتُهُ وَ نُقْصَانُهُ فَالْإِيمَانُ بِاللَّهِ‏
__________________________________________________
 (1) الفتح: 27.
 (2) معاني الأخبار ص 413 آخر أحاديث الكتاب.
 (3) توحيد الصدوق ص 230.

073
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

تَعَالَى هُوَ أَعْلَى الْأَعْمَالِ دَرَجَةً وَ أَشْرَفُهَا مَنْزِلَةً وَ أَسْنَاهَا حَظّاً فَقِيلَ لَهُ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَ عَمَلٌ أَمْ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَقَالَ الْإِيمَانُ تَصْدِيقٌ بِالْجَنَانِ وَ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَ عَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ وَ هُوَ عَمَلٌ كُلُّهُ وَ مِنْهُ التَّامُّ وَ مِنْهُ الْكَامِلُ تَمَامُهُ وَ مِنْهُ النَّاقِصُ الْبَيِّنُ نُقْصَانُهُ وَ مِنْهُ الزَّائِدُ الْبَيِّنُ زِيَادَتُهُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا فَرَضَ الْإِيمَانَ عَلَى جَارِحَةٍ مِنْ جَوَارِحِ الْإِنْسَانِ إِلَّا وَ قَدْ وُكِلَتْ بِغَيْرِ مَا وُكِلَتْ بِهِ الْأُخْرَى فَمِنْهَا قَلْبُهُ الَّذِي يَعْقِلُ بِهِ وَ يَفْقَهُ وَ يَفْهَمُ وَ يَحِلُّ وَ يَعْقِدُ وَ يُرِيدُ وَ هُوَ أَمِيرُ الْبَدَنِ وَ إِمَامُ الْجَسَدِ الَّذِي لَا تُورَدُ الْجَوَارِحُ وَ لَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِهِ وَ أَمْرِهِ وَ نَهْيِهِ وَ مِنْهَا لِسَانُهُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ وَ مِنْهَا أُذُنَاهُ اللَّتَانِ يَسْمَعُ بِهِمَا وَ مِنْهَا عَيْنَاهُ اللَّتَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَ مِنْهَا يَدَاهُ اللَّتَانِ يَبْطِشُ بِهِمَا وَ مِنْهَا رِجْلَاهُ اللَّتَانِ يَسْعَى بِهِمَا وَ مِنْهَا فَرْجُهُ الَّذِي الْبَاهُ مِنْ قِبَلِهِ وَ مِنْهَا رَأْسُهُ الَّذِي فِيهِ وَجْهُهُ وَ لَيْسَ جَارِحَةٌ مِنْ جَوَارِحِهِ إِلَّا وَ هِيَ مَخْصُوصَةٌ بِفَرْضِهِ وَ فَرَضَ عَلَى الْقَلْبِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ وَ فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْبَصَرِ وَ فَرَضَ عَلَى الْبَصَرِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْيَدَيْنِ وَ فَرَضَ عَلَى الْيَدَيْنِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ وَ فَرَضَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْفَرْجِ وَ فَرَضَ عَلَى الْفَرْجِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى الْوَجْهِ وَ فَرَضَ عَلَى الْوَجْهِ غَيْرَ مَا فَرَضَ عَلَى اللِّسَانِ فَأَمَّا مَا فَرَضَ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الْإِيمَانِ فَالْإِقْرَارُ وَ الْمَعْرِفَةُ وَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَ الرِّضَا بِمَا فَرَضَهُ عَلَيْهِ وَ التَّسْلِيمُ لِأَمْرِهِ وَ الذِّكْرُ وَ التَّفَكُّرُ وَ الِانْقِيَادُ إِلَى كُلِّ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي كِتَابِهِ مَعَ حُصُولِ الْمُعْجِزِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ اعْتِقَادُهُ وَ أَنْ يُظْهِرَ مِثْلَ مَا أَبْطَنَ إِلَّا لِلضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ «1» وَ قَوْلِهِ تَعَالَى لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ «2» وَ قَالَ سُبْحَانَهُ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ «3» وَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَلا

__________________________________________________
 (1) النحل: 106.
 (2) البقرة: 225.
 (3) المائدة: 41.

074
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ «1» وَ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا «2» وَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها «3» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «4» وَ مِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَ هُوَ رَأْسُ الْإِيمَانِ وَ أَمَّا مَا فَرَضَهُ عَلَى اللِّسَانِ فِي مَعْنَى التَّعْبِيرِ لِمَا عُقِدَ بِهِ الْقَلْبُ وَ أَقَرَّ بِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ الْآيَةَ «5» وَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ «6» وَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ «7» فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِ الْحَقِّ وَ نَهَى عَنْ قَوْلِ الْبَاطِلِ وَ أَمَّا مَا فَرَضَهُ عَلَى الْأُذُنَيْنِ فَالاسْتِمَاعُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَ الْإِنْصَاتُ إِلَى مَا يُتْلَى مِنْ كِتَابِهِ وَ تَرْكُ الْإِصْغَاءِ إِلَى مَا يُسْخِطُهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ «8» وَ قَالَ تَعَالَى وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ «9» الْآيَةَ ثُمَّ اسْتَثْنَى بِرَحْمَتِهِ لِمَوْضِعِ النِّسْيَانِ فَقَالَ وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ «10» وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ «11» وَ قَالَ تَعَالَى وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ «12» وَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا مَعْنَاهُ‏
__________________________________________________
 (1) الرعد: 30.
 (2) آل عمران: 191.
 (3) القتال: 24.
 (4) الحجّ: 46.
 (5) البقرة: 136.
 (6) البقرة: 83.
 (7) النساء: 171.
 (8) الأعراف: 204.
 (9) النساء: 134.
 (10) الأنعام: 68.
 (11) الزمر: 18.
 (12) القصص: 55.

075
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

مَعْنَى مَا فَرَضَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى السَّمْعِ وَ هُوَ الْإِيمَانُ وَ أَمَّا مَا فَرَضَهُ عَلَى الْعَيْنَيْنِ فَمِنْهُ النَّظَرُ إِلَى آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ وَ إِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ «1» وَ قَالَ تَعَالَى أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ «2» وَ قَالَ سُبْحَانَهُ انْظُرُوا إِلى‏ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ «3» وَ قَالَ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها «4» وَ هَذِهِ الْآيَةُ جَامِعَةٌ لِأَبْصَارِ الْعُيُونِ وَ أَبْصَارِ الْقُلُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ «5» وَ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى‏ لَهُمْ «6» مَعْنَاهُ لَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى فَرْجِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ أَوْ يُمَكِّنُهُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ أَيْ مِمَّنْ يُلْحِقُهُنَّ النَّظَرَ كَمَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْفَرْجِ وَ النَّظَرُ سَبَبُ إِيقَاعِ الْفِعْلِ مِنَ الزِّنَا وَ غَيْرِهِ ثُمَّ نَظَمَ تَعَالَى مَا فَرَضَ عَلَى السَّمْعِ وَ الْبَصَرِ وَ الْفَرْجِ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَالَ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ «7» يَعْنِي بِالْجُلُودِ هُنَا الْفُرُوجَ وَ الْأَفْخَاذَ وَ قَالَ تَعَالَى وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا «8» فَهَذَا مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعَيْنَيْنِ مِنْ تَأَمُّلِ الْآيَاتِ وَ الْغَضِّ عَنْ تَأَمُّلِ الْمُنْكَرَاتِ وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ أَمَّا مَا فَرَضَهُ سُبْحَانَهُ عَلَى الْيَدَيْنِ فَالطَّهُورُ وَ هُوَ قَوْلُهُ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا

__________________________________________________
 (1) الغاشية: 16- 19.
 (2) الأعراف: 185.
 (3) الأنعام: 99.
 (4) الأنعام: 104.
 (5) الحجّ: 46.
 (6) النور: 31 و 30.
 (7) فصّلت: 22.
 (8) أسرى: 36.

076
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ «1» وَ فَرَضَ عَلَى الْيَدَيْنِ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ «2» وَ فَرَضَ تَعَالَى عَلَى الْيَدَيْنِ الْجِهَادَ لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِهِمَا وَ عِلَاجِهِمَا فَقَالَ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ «3» وَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَ أَمَّا مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ فَالسَّعْيُ بِهِمَا فِيمَا يُرْضِيهِ وَ اجْتِنَابُ السَّعْيِ فِيمَا يُسْخِطُهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ «4» وَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً «5» وَ قَوْلُهُ وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ «6» وَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا الْقِيَامَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ «7» ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الرِّجْلَيْنِ مِنَ الْجَوَارِحِ الَّتِي تَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ تُسْتَنْطَقُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ «8» وَ هَذَا مِمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الرِّجْلَيْنِ فِي كِتَابِهِ وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ أَمَّا مَا افْتَرَضَهُ عَلَى الرَّأْسِ فَهُوَ أَنْ يُمْسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ بِالْمَاءِ فِي وَقْتِ الطَّهُورِ لِلصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ «9» وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ فَرَضَ عَلَى الْوَجْهِ الْغَسْلَ بِالْمَاءِ عِنْدَ الطَّهُورِ وَ قَالَ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «10» وَ فَرَضَ عَلَيْهِ السُّجُودَ وَ عَلَى الْيَدَيْنِ وَ الرُّكْبَتَيْنِ وَ الرِّجْلَيْنِ الرُّكُوعَ وَ هُوَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ قَالَ فِيمَا فَرَضَ عَلَى هَذِهِ الْجَوَارِحِ مِنَ الطَّهُورِ وَ الصَّلَاةِ وَ سَمَّاهُ فِي كِتَابِهِ إِيمَاناً حِينَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَتْ صَلَاتُنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ طَهُورُنَا ضَيَاعاً فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى‏ عَقِبَيْهِ وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ‏

__________________________________________________
 (1) المائدة: 6.
 (2) البقرة: 267.
 (3) القتال: 4.
 (4) الجمعة: 9.
 (5) لقمان: 18 و 19.
 (6) لقمان: 18 و 19.
 (7) البقرة: 238.
 (8) يس: 65.
 (9) المائدة: 6.
 (10) المائدة: 6.

077
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

رَحِيمٌ «1» فَسَمَّى الصَّلَاةَ وَ الطَّهُورَ إِيمَاناً.
وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ لَقِيَ اللَّهَ كَامِلَ الْإِيمَانِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَ مَنْ كَانَ مُضَيِّعاً لِشَيْ‏ءٍ مِمَّا فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ وَ تَعَدَّى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَ ارْتَكَبَ مَا نَهَاهُ عَنْهُ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى نَاقِصَ الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ «2» وَ قَالَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ «3»- وَ قَالَ سُبْحَانَهُ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً «4» وَ قَالَ وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ «5» وَ قَالَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ الْآيَةَ «6» فَلَوْ كَانَ الْإِيمَانُ كُلُّهُ وَاحِداً لَا زِيَادَةَ فِيهِ وَ لَا نُقْصَانَ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فَضْلٌ عَلَى أَحَدٍ وَ لَتَسَاوَى النَّاسُ فَبِتَمَامِ الْإِيمَانِ وَ كَمَالِهِ دَخَلَ الْمُؤْمِنُونَ الْجَنَّةَ وَ نَالُوا الدَّرَجَاتِ فِيهَا وَ بِذَهَابِهِ وَ نُقْصَانِهِ دَخَلَ الْآخَرُونَ النَّارَ وَ كَذَلِكَ السَّبْقُ إِلَى الْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ «7» وَ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ «8» وَ ثُلُثٌ بِالتَّابِعِينَ وَ قَالَ عَزَّ وَ جَلَّ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ «9» وَ قَالَ وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى‏ بَعْضٍ وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً «10» وَ قَالَ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ

__________________________________________________
 (1) البقرة: 143.
 (2) براءة: 124 و 125.
 (3) الأنفال: 2.
 (4) الكهف: 13.
 (5) القتال: 17.
 (6) الفتح: 4.
 (7) الواقعة: 10 و 11.
 (8) براءة: 100.
 (9) البقرة: 253.
 (10) أسرى: 55.

078
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا «1» وَ قَالَ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ «2» وَ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ «3» وَ قَالَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ «4» وَ قَالَ تَعَالَى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ «5» وَ قَالَ تَعَالَى وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً «6» وَ قَالَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَ لا نَصَبٌ وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ «7» فَهَذِهِ دَرَجَاتُ الْإِيمَانِ وَ مَنَازِلُهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَ لَنْ يُؤْمِنَ بِاللَّهِ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِرَسُولِهِ وَ حُجَجِهِ فِي أَرْضِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ «8» وَ مَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ لِيَجْعَلَ لِجَوَارِحِ الْإِنْسَانِ إِمَاماً فِي جَسَدِهِ يَنْفِي عَنْهَا الشُّكُوكَ وَ يُثْبِتُ لَهَا الْيَقِينَ وَ هُوَ الْقَلْبُ وَ يُهْمِلُ ذَلِكَ فِي الْحُجَجِ وَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ «9» وَ قَالَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ «10» وَ قَالَ تَعَالَى أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ «11» وَ قَالَ سُبْحَانَهُ وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا «12» الْآيَةَ ثُمَّ فَرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ طَاعَةَ وُلَاةِ أَمْرِهِ الْقُوَّامِ بِدِينِهِ كَمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَقَالَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «13»

__________________________________________________
 (1) أسرى: 21.
 (2) آل عمران: 163.
 (3) هود: 3.
 (4) براءة: 20.
 (5) الحديد: 10.
 (6) النساء: 96.
 (7) براءة: 120.
 (8) النساء: 80.
 (9) الأنعام: 149.
 (10) النساء: 165.
 (11) المائدة: 19.
 (12) السجدة: 24.
 (13) النساء: 59.

079
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

ثُمَّ بَيَّنَ مَحَلَّ وُلَاةِ أَمْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتَأْوِيلِ كِتَابِهِ فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ «1» وَ عَجَزَ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ تَأْوِيلِ كِتَابِهِ غَيْرَهُمْ لِأَنَّهُمْ هُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الْمَأْمُونُونَ عَلَى تَأْوِيلِ التَّنْزِيلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ «2» إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَ قَالَ سُبْحَانَهُ بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ «3» وَ طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ «4» وَ بِالْعِلْمِ اسْتَحَقُّوا عِنْدَ اللَّهِ اسْمَ الصِّدْقِ وَ سَمَّاهُمْ بِهِ صَادِقِينَ وَ فَرَضَ طَاعَتَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْعِبَادِ بِقَوْلِهِ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «5» فَجَعَلَهُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَ جَعَلَ وَلَايَتَهُمْ وَلَايَتَهُ وَ حِزْبَهُمْ حِزْبَهُ فَقَالَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ «6» وَ قَالَ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ «7» وَ اعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِنَّمَا هَلَكَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ وَ ارْتَدَّتْ عَلَى أَعْقَابِهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا ص بِرُكُوبِهَا طَرِيقَ مَنْ خَلَا مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَ الْقُرُونِ السَّالِفَةِ الَّذِينَ آثَرُوا عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ عَلَى طَاعَةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ تَقْدِيمِهِمْ مَنْ يَجْهَلُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُ فَعَقَّبَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ «8» وَ قَالَ فِي الَّذِينَ اسْتَوْلَوْا عَلَى تُرَاثِ رَسُولِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ‏

__________________________________________________
 (1) النساء: 83.
 (2) آل عمران: 13.
 (3) العنكبوت: 49.
 (4) فاطر: 28.
 (5) براءة: 119.
 (6) المائدة: 56 و 55.
 (7) المائدة: 56 و 55.
 (8) الزمر: 9.

080
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

يُهْدى‏ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ «1» فَلَوْ جَازَ لِلْأُمَّةِ الِايتِمَامُ بِمَنْ لَا يَعْلَمُ أَوْ بِمَنْ يَجْهَلُ لَمْ يَقُلْ إِبْرَاهِيمُ ع لِأَبِيهِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً «2» فَالنَّاسُ أَتْبَاعُ مَنِ اتَّبَعُوهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَقِّ وَ أَئِمَّةِ الْبَاطِلِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا «3» فَمَنِ ائْتَمَّ بِالصَّادِقِينَ حُشِرَ مَعَهُمْ وَ مَنِ ائْتَمَّ بِالْمُنَافِقِينَ حُشِرَ مَعَهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُحْشَرُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ع فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي «4» وَ أَصْلُ الْإِيمَانِ الْعِلْمُ وَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَهْلًا نَدَبَ إِلَى طَاعَتِهِمْ وَ مَسْأَلَتِهِمْ فَقَالَ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ «5» وَ قَالَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها «6» وَ الْبُيُوتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اللَّاتِي عَظَّمَ اللَّهُ بِنَاءَهَا بِقَوْلِهِ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ «7» ثُمَّ بَيَّنَ مَعْنَاهَا لِكَيْلَا يَظُنَّ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّهَا بُيُوتٌ مَبْنِيَّةٌ فَقَالَ تَعَالَى رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَمَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ أَدْرَكَهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَا مَدِينَةُ الْحِكْمَةِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا فَمَنْ أَرَادَ الْحِكْمَةَ فَلْيَأْتِهَا مِنْ بَابِهَا وَ كُلُّ هَذَا مَنْصُوصٌ فِي كِتَابِهِ تَعَالَى إِلَّا أَنَّ لَهُ أَهْلًا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ فَمَنْ عَدَلَ مِنْهُمْ إِلَى الَّذِينَ يَنْتَحِلُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ وَ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ هُوَ تَأْوِيلُهُ بِلَا بُرْهَانٍ وَ لَا دَلِيلٍ وَ لَا هُدًى هَلَكَ وَ أَهْلَكَ وَ خَسِرَتْ صَفْقَتُهُ وَ ضَلَّ سَعْيُهُ يَوْمَ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ «8» وَ إِنَّمَا هُوَ حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ إِيمَانٌ وَ كُفْرٌ وَ عِلْمٌ وَ جَهْلٌ وَ سَعَادَةٌ
__________________________________________________
 (1) يونس: 35.
 (2) مريم: 42.
 (3) أسرى: 71.
 (4) إبراهيم: 36.
 (5) النحل: 43.
 (6) البقرة: 189.
 (7) النور: 36 و 37.
 (8) البقرة: 166.

081
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

وَ شِقْوَةٌ وَ جَنَّةٌ وَ نَارٌ لَنْ يَجْتَمِعَ الْحَقُّ وَ الْبَاطِلُ فِي قَلْبِ امْرِئٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ «1» وَ إِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ حِينَ سَاوَوْا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْهُدَى وَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ وَ قَالُوا إِنَّ الطَّاعَةَ مَفْرُوضَةٌ لِكُلِّ مَنْ قَامَ مَقَامَ النَّبِيِّ ص بَرّاً كَانَ أَوْ فَاجِراً فَأْتُوا مِنْ قِبَلِ ذَلِكَ «2» قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ «3» وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى‏ وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ «4» فَقَالَ فِيمَنْ سَمَّوْهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ بِأَسْمَاءِ أَئِمَّةِ الْهُدَى مِمَّنْ غَصَبَ أَهْلَ الْحَقِّ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ وَ فِيمَنْ أَعَانَ أَئِمَّةَ الضَّلَالِ عَلَى ظُلْمِهِمْ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ «5» فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِعَظِيمِ افْتِرَائِهِمْ عَلَى جُمْلَةِ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ «6» وَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ «7» وَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ «8» وَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ هُوَ أَعْمى‏ «9» فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْعِبَادِ عُذْراً فِي مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ بَعْدَ الْبَيَانِ وَ الْبُرْهَانِ وَ لَمْ يَتْرُكْهُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ أَمْرِهِمْ وَ لَقَدْ رَكِبَ الْقَوْمُ الظُّلْمَ وَ الْكُفْرَ
__________________________________________________
 (1) الأحزاب: 4.
 (2) أي أتى هلاكهم من قبل ذلك، يقال: اتى- كعنى- فلان من مأمنه: أى جاءه الهلاك من جهة أمنه.
 (3) القلم: 35.
 (4) الرعد: 16.
 (5) الأعراف: 71.
 (6) النحل: 105.
 (7) القصص: 50.
 (8) السجدة: 18.
 (9) صدر الآية في سورة القتال: 14 و نصها: «أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَ اتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ» و ذيله في سورة الرعد: 19 و نصها: أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى‏ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ» و الظاهر أن ما بينهما سقط من النسخ.

082
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

فِي اخْتِلَافِهِمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ وَ تَفْرِيقِهِمُ الْأُمَّةَ وَ تَشْتِيتِ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَ اعْتِدَائِهِمْ عَلَى أَوْصِيَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ص بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُمْ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَ الْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِالْمُخَالَفَةِ فَاتَّبِعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَ تَرَكُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ وَ رَسُولُهُ قَالَ تَعَالَى وَ ما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ «1» ثُمَّ أَبَانَ فَضْلَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ «2» ثُمَّ وَصَفَ مَا أَعَدَّهُ مِنْ كَرَامَتِهِ تَعَالَى لَهُمْ وَ مَا أَعَدَّهُ لِمَنْ أَشْرَكَ بِهِ وَ خَالَفَ أَمْرَهُ وَ عَصَى وَلِيَّهُ مِنَ النَّقِمَةِ وَ الْعَذَابِ فَفَرَّقَ بَيْنَ صِفَاتِ الْمُهْتَدِينَ وَ صِفَاتِ الْمُعْتَدِينَ فَجَعَلَ ذَلِكَ مَسْطُوراً فِي كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ كِتَابِهِ وَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها «3» فَتَرَى مَنْ هُوَ الْإِمَامُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الصِّفَةَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الْمَفْرُوضُ عَلَى الْأُمَّةِ طَاعَتُهُ مَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ تَعَالَى طَرْفَةَ عَيْنٍ وَ لَمْ يَعْصِهِ فِي دَقِيقَةٍ وَ لَا جَلِيلَةٍ قَطُّ أَمْ مَنْ أَنْفَدَ عُمُرَهُ وَ أَكْثَرَ أَيَّامِهِ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِيمَانَ وَ أَبْطَنَ النِّفَاقَ وَ هَلْ مِنْ صِفَةِ الْحَكِيمِ أَنْ يُطَهِّرَ الْخَبِيثَ بِالْخَبِيثِ وَ يُقِيمَ الْحُدُودَ عَلَى الْأُمَّةِ مَنْ فِي جَنْبِهِ الْحُدُودُ الْكَثِيرَةُ وَ هُوَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ أَ تَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَ أَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَ فَلا تَعْقِلُونَ «4» أَ وَ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ نَبِيَّهُ ص بِتَبْلِيغِ مَا عَهِدَهُ إِلَيْهِ فِي وَصِيِّهِ وَ إِظْهَارِ إِمَامَتِهِ وَ وَلَايَتِهِ بِقَوْلِهِ يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ «5» فَبَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَا قَدْ سَمِعَ وَ عَلِمَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ اجْتَمَعُوا إِلَى إِبْلِيسَ فَقَالُوا لَهُ أَ لَمْ تَكُنْ أَخْبَرْتَنَا أَنَّ مُحَمَّداً إِذَا مَضَى نَكَثَتْ أُمَّتُهُ عَهْدَهُ وَ نَقَضَتْ سُنَّتَهُ وَ أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ وَ هُوَ قَوْلُهُ وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ «6» فَكَيْفَ‏
__________________________________________________
 (1) البينة: 4 و 7.
 (2) البينة: 4 و 7.
 (3) القتال: 24.
 (4) البقرة: 44.
 (5) المائدة: 67.
 (6) آل عمران: 144.

083
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

يَتِمُّ هَذَا وَ قَدْ نَصَبَ لِأُمَّتِهِ عَلَماً وَ أَقَامَ لَهُمْ إِمَاماً فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيسُ لَا تَجْزَعُوا مِنْ هَذَا فَإِنَّ أُمَّتَهُ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُ وَ يَغْدِرُونَ بِوَصِيِّهِ مِنْ بَعْدِهِ وَ يَظْلِمُونَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَ يُهْمِلُونَ ذَلِكَ لِغَلَبَةِ حُبِّ الدُّنْيَا عَلَى قُلُوبِهِمْ وَ تَمَكُّنِ الْحَمِيَّةِ وَ الضَّغَائِنِ فِي نُفُوسِهِمْ وَ اسْتِكْبَارِهِمْ وَ عِزِّهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَ لَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «1».
بيان بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ قال في المجمع هو ما يجري على عادة الناس من قول لا و الله و بلى و الله من غير عقد على يمين يقتطع بها مال أو يظلم بها أحد و هو المروي عن أبي جعفر و أبي عبد الله ع و قيل هو أن يحلف و هو يرى أنه صادق ثم تبين أنه كاذب فلا إثم عليه و لا كفارة و قيل هو يمين الغضب لا يؤاخذ بالحنث فيها و قال مسروق كل يمين ليس له الوفاء بها فهي لغو و لا تجب فيها كفارة بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ أي بما عزمتم و قصدتم لأن كسب القلب العقد و النية و فيه حذف أي من أيمانكم و قيل بأن تحلفوا كاذبين أو على باطل انتهى «2».
و الاستدلال بآية التفكر لأنه من فعل القلب و كذا التدبر فإن قوله تعالى أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أي أ فلا يتصفحونه و ما فيه من المواعظ و الزواجر حتى لا يجسروا على المعاصي و ما فيه من الدلائل و البراهين على جميع أصول الدين فيرتدعوا عن الكفر بها أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها لا يصل إليها ذكر و لا ينكشف لها أمر و قيل أم منقطعة و معنى الهمزة فيه التقرير و تنكير القلوب لأن المراد قلوب بعض منهم أو للإشعار بأنها لإبهام أمرها في القساوة أو لفرط جهالتها و نكرها كأنها مبهمة منكورة و إضافة الأقفال إليها للدلالة على أقفال مناسبة لها مختصة بها لا تجانس الأقفال المعهودة.
وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ أي عن الاعتبار و المعنى ليس الخلل في مشاعرهم‏
__________________________________________________
 (1) سبأ: 20.
 (2) مجمع البيان ج 2 ص 323.

084
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

و إنما إيفت عقولهم «1» باتباع الهوى و الانهماك في التقليد و ذكر الصدور للتأكيد سَلامٌ عَلَيْكُمْ قيل متاركة لهم و توديع و دعاء لهم بالسلامة عما هم فيه لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ أي لا نطلب صحبتهم و لا نريدها قوله وَ يَنْعِهِ أي نضجه يقال ينع الثمر كمنع و ضرب ينعا و ينعا و ينوعا حان قطافه قوله ع قال الله تعالى فَإِنَّها لا تَعْمَى ذكر الآية هنا بعد ذكرها سابقا للاستشهاد بأن الإبصار و العمى يطلقان في أبصار الرءوس و أبصار القلوب.
قوله من تأمل الآيات أي آيات القرآن أو آياته في الآفاق و الأنفس زادَهُمْ هُدىً قيل أي زادهم الله بالتوفيق و الإلهام أو قول الرسول وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ أي بين لهم ما يتقون أو أعانهم على تقواهم أو أعطاهم جزاءها ..
30- كا، الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ آدَمَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ مِهْرَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: إِنَّ أُنَاساً تَكَلَّمُوا فِي هَذَا الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى يَقُولُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ «2» الْآيَةَ فَالْمَنْسُوخَاتُ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ وَ الْمُحْكَمَاتُ مِنَ النَّاسِخَاتِ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ بَعَثَ نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اتَّقُوهُ وَ أَطِيعُونِ «3» ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَحْدَهُ وَ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ثُمَّ بَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ بَلَغُوا مُحَمَّداً ص فَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ وَ لَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ قَالَ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي‏

__________________________________________________
 (1) يقال: آف القوم و أوفوا و ايفوا: دخلت عليهم آفة و هو مئوف.
 (2) آل عمران: 7.
 (3) نوح: 3.

085
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ «1» فَبَعَثَ الْأَنْبِيَاءَ إِلَى قَوْمِهِمْ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ الْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَنْ آمَنَ مُخْلِصاً وَ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِذَلِكَ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ وَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ يُعَذِّبُ عَبْداً حَتَّى يُغَلِّظَ عَلَيْهِ فِي الْقَتْلِ وَ الْمَعَاصِي الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا النَّارَ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا فَلَمَّا اسْتَجَابَ لِكُلِّ نَبِيٍّ مَنِ اسْتَجَابَ لَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ جَعَلَ لِكُلِّ نَبِيٍّ مِنْهُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهَاجاً وَ الشِّرْعَةُ وَ الْمِنْهَاجُ سَبِيلٌ وَ سُنَّةٌ وَ قَالَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ص إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ «2» وَ أَمَرَ كُلَّ نَبِيٍّ بِالْأَخْذِ بِالسَّبِيلِ وَ السُّنَّةِ وَ كَانَ مِنَ السَّبِيلِ وَ السُّنَّةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهَا مُوسَى ع أَنْ جَعَلَ عَلَيْهِمُ السَّبْتَ وَ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ السَّبْتِ وَ لَمْ يَسْتَحِلَّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَ مَنِ اسْتَخَفَّ بِحَقِّهِ وَ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ الَّذِي نَهَاهُ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ النَّارَ وَ ذَلِكَ حَيْثُ اسْتَحَلُّوا الْحِيتَانَ وَ احْتَبَسُوهَا وَ أَكَلُوهَا يَوْمَ السَّبْتِ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَشْرَكُوا بِالرَّحْمَنِ وَ لَا شَكُّوا فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ مُوسَى ع قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ «3» ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عِيسَى ع بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ الْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ جَعَلَ لَهُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهَاجاً فَهَدَمَتِ السَّبْتَ الَّذِي أُمِرُوا بِهِ أَنْ يُعَظِّمُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَ عَامَّةَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ السَّبِيلِ وَ السُّنَّةِ الَّتِي جَاءَ بِهَا مُوسَى فَمَنْ لَمْ يَتَّبِعْ سَبِيلَ عِيسَى أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ وَ إِنْ كَانَ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ جَمِيعاً أَنْ لَا يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئاً ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مُحَمَّداً ص وَ هُوَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ يَمُتْ بِمَكَّةَ فِي تِلْكَ الْعَشْرِ سِنِينَ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِإِقْرَارِهِ وَ هُوَ إِيمَانُ التَّصْدِيقِ وَ لَمْ يُعَذِّبِ اللَّهُ أَحَداً مِمَّنْ مَاتَ وَ هُوَ
__________________________________________________
 (1) الشورى: 13.
 (2) النساء: 163.
 (3) البقرة: 62.

086
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

مُتَّبِعٌ لِمُحَمَّدٍ ص عَلَى ذَلِكَ إِلَّا مَنْ أَشْرَكَ بِالرَّحْمَنِ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَكَّةَ وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً «1» أَدَبٌ وَ عِظَةٌ وَ تَعْلِيمٌ وَ نَهْيٌ خَفِيفٌ وَ لَمْ يَعِدْ عَلَيْهِ وَ لَمْ يَتَوَاعَدْ عَلَى اجْتِرَاحِ شَيْ‏ءٍ مِمَّا نَهَى عَنْهُ وَ أَنْزَلَ نَهْياً عَنْ أَشْيَاءَ حَذَّرَ عَلَيْهَا وَ لَمْ يُغَلِّظْ فِيهَا وَ لَمْ يَتَوَاعَدْ عَلَيْهَا وَ قَالَ وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبِيلًا وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً ذلِكَ مِمَّا أَوْحى‏ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى‏ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً «2» وَ أَنْزَلَ فِي وَ اللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى «3» فَهَذَا مُشْرِكٌ وَ أَنْزَلَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً وَ يَصْلى‏ سَعِيراً إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ بَلى«4» فَهَذَا مُشْرِكٌ وَ أَنْزَلَ فِي تَبَارَكَ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى‏ قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَ قُلْنا ما نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ «5» فَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ وَ أَنْزَلَ فِي الْوَاقِعَةِ وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ‏

__________________________________________________
 (1) أسرى: 23- 30.
 (2) أسرى: 31- 39.
 (3) الليل: 14- 16.
 (4) الانشقاق: 10- 14.
 (5) الملك: 8- 9.

087
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ «1» فَهَؤُلَاءِ مُشْرِكُونَ وَ أَنْزَلَ فِي الْحَاقَّةِ وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ «2» فَهَذَا مُشْرِكٌ وَ أَنْزَلَ فِي طسم وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ وَ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ «3» جُنُودُ إِبْلِيسَ ذُرِّيَّتُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ وَ قَوْلُهُ وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ «4» يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِمْ هَؤُلَاءِ فَاتَّبَعُوهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ وَ هُمْ قَوْمُ مُحَمَّدٍ ص لَيْسَ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى أَحَدٌ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ «5» كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ «6» كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ «7» لَيْسَ هُمُ الْيَهُودُ الَّذِينَ قَالُوا عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَ لَا النَّصَارَى الَّذِينَ قَالُوا الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ سَيُدْخِلُ اللَّهُ الْيَهُودَ وَ النَّصَارَى النَّارَ وَ يُدْخِلُ كُلَّ قَوْمٍ بِأَعْمَالِهِمْ وَ قَوْلُهُمْ وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ إِذْ دَعَوْنَا إِلَى سَبِيلِهِمْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِمْ حِينَ جَمَعَهُمْ إِلَى النَّارِ قالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ وَ قَوْلُهُ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً «8» بَرِئَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَ لَعَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً يُرِيدُ بَعْضُهُمْ أَنْ يُحَجِّجَ بَعْضاً رَجَاءَ الْفَلْجِ فَيُفْلِتُوا مِنْ عَظِيمِ مَا نَزَلَ بِهِمْ وَ لَيْسَ بِأَوَانِ بَلْوَى وَ لَا اخْتِبَارٍ وَ لَا قَبُولِ مَعْذِرَةٍ وَ لَا حِينَ نَجَاةٍ وَ الْآيَاتُ وَ أَشْبَاهُهُنَّ مِمَّا نَزَلَ بِهِ بِمَكَّةَ وَ لَا يُدْخِلُ اللَّهُ النَّارَ إِلَّا مُشْرِكاً
__________________________________________________
 (1) الواقعة: 92- 94.
 (2) الحاقّة: 25- 33.
 (3) الشعراء: 91- 95.
 (4) الشعراء: 99.
 (5) ص: 12.
 (6) الشعراء: 176.
 (7) الشعراء: 160.
 (8) الأعراف: 38، مع تقديم و تأخير.

088
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ ص فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَنَى الْإِسْلَامَ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ وَ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَ إِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَ حِجِّ الْبَيْتِ وَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْحُدُودَ وَ قِسْمَةَ الْفَرَائِضِ وَ أَخْبَرَهُ بِالْمَعَاصِي الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهَا وَ بِهَا النَّارُ لِمَنْ عَمِلَ بِهَا وَ أَنْزَلَ فِي بَيَانِ الْقَاتِلِ وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً «1» وَ لَا يَلْعَنُ اللَّهُ مُؤْمِناً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً «2» وَ كَيْفَ يَكُونُ فِي الْمَشِيَّةِ وَ قَدْ أَلْحَقَ بِهِ حِينَ جَزَاهُ جَهَنَّمَ الْغَضَبَ وَ اللَّعْنَةَ وَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ مَنِ الْمَلْعُونُونَ فِي كِتَابِهِ وَ أَنْزَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مَنْ أَكَلَهُ ظُلْماً إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً «3» وَ ذَلِكَ أَنَّ آكِلَ مَالِ الْيَتِيمِ يَجِي‏ءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَ النَّارُ تَلْتَهِبُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى يَخْرُجَ لَهَبُ النَّارِ مِنْ فِيهِ يَعْرِفُ أَهْلُ الْجَمْعِ أَنَّهُ آكِلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَ أَنْزَلَ فِي الْكَيْلِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَ لَمْ يَجْعَلِ الْوَيْلَ لِأَحَدٍ حَتَّى يُسَمِّيَهُ كَافِراً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ «4» وَ أَنْزَلَ فِي الْعَهْدِ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ «5» وَ الْخَلَاقُ النَّصِيبُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْآخِرَةِ فَبِأَيِّ شَيْ‏ءٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَ أَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «6» فَلَمْ يُسَمِّ اللَّهُ الزَّانِيَ مُؤْمِناً وَ لَا الزَّانِيَةَ مُؤْمِنَةً وَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَيْسَ يَمْتَرِي فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ خُلِعَ عَنْهُ الْإِيمَانُ‏
__________________________________________________
 (1) النساء: 93.
 (2) الأحزاب: 64 و 65.
 (3) النساء: 169.
 (4) مريم: 37.
 (5) آل عمران: 77.
 (6) النور: 3.

089
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 30 أن العمل جزء الإیمان و أن الإیمان مبثوث على الجوارح ص 18

كَخَلْعِ الْقَمِيصِ وَ أَنْزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «1» فَبَرَأَ اللَّهُ مَا كَانَ مُقِيماً عَلَى الْفِرْيَةِ مِنْ أَنْ يُسَمَّى بِالْإِيمَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ «2» وَ جَعَلَهُ اللَّهُ مُنَافِقاً قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ «3» وَ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ أَوْلِيَاءِ إِبْلِيسَ قَالَ إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ «4» وَ جَعَلَهُ اللَّهُ مَلْعُوناً فَقَالَ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ «5» وَ لَيْسَتْ تَشْهَدُ الْجَوَارِحُ عَلَى مُؤْمِنٍ إِنَّمَا تَشْهَدُ عَلَى مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا «6» وَ سُورَةُ النُّورِ أُنْزِلَتْ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا «7» وَ السَّبِيلُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ «8» سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ

__________________________________________________
 (1) النور: 4.
 (2) السجدة: 18.
 (3) براءة: 67.
 (4) الكهف: 50.
 (5) النور: 23 و 24.
 (6) أسرى: 71 و صدره: فمن أوتى كتابه إلخ.
 (7) النساء: 14.
 (8) النور: 1 و 2.

090
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «1».
تبيين و تحقيق‏
قوله و ذلك أن تعليل لتكلمهم فيه بغير علم لأنهم تكلموا في متشابهه أيضا مع أنه لا يعلم تأويله إلا الله و الراسخون في العلم و المحكم في اللغة المتقن و في العرف يطلق على ما له معنى لا يحتمل غيره و على ما اتضحت دلالته و على ما كان محفوظا من النسخ أو التخصيص أو منهما جميعا و على ما لا يحتمل من التأويل إلا وجها واحدا و المتشابه يقابله بكل من هذه المعاني و قال الراغب المحكم ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ و لا من حيث المعنى و المتشابه من القرآن ما أشكل تفسيره لمشابهة غيره إما من حيث اللفظ أو من حيث المعنى و قال الفقهاء المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده.
و حقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب محكم على الإطلاق و متشابه على الإطلاق و محكم من وجه متشابه من وجه فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب متشابه من جهة اللفظ فقط و متشابه من جهة المعنى فقط و متشابه من جهتهما فالمتشابه من جهة اللفظ ضربان أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة و ذلك إما من جهة غرابته نحو الأب و يزفون و إما من جهة مشاركة في اللفظ كاليد و العين و الثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب و ذلك ثلاثة أضرب ضرب لاختصار الكلام نحو وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ «2» و ضرب لبسط الكلام نحو لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ «3» لأنه لو قيل ليس مثله شي‏ء كان أظهر للسامع و ضرب لنظم الكلام نحو أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً «4» تقديره الكتاب قيما و لم يجعل له عوجا و المتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى و أوصاف القيامة فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذ كان لا تحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو لم يكن من جنس ما نحسه.
__________________________________________________
 (1) الكافي: ج 2 ص 28- 33.
 (2) النساء: 3.
 (3) الشورى: 11.
 (4) الكهف: 1.

091
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

و المتشابه من جهة المعنى و اللفظ جميعا خمسة أضرب الأول من جهة الكمية كالعموم و الخصوص نحو فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ «1» و الثاني من جهة الكيفية كالوجوب و الندب نحو فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و الثالث من جهة الزمان كالناسخ و المنسوخ نحو اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ «2» و الرابع من جهة المكان و الأمور التي نزلت فيها نحو لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها «3» و قوله عز و جل إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ «4» فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية و الخامس من جهة الشروط التي بها يصح الفعل أو يفسد كشروط الصلاة و النكاح و هذه الجملة إذا تصورت علم أن كل ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم نحو قول من قال المتشابه الم و قول قتادة المحكم الناسخ و المتشابه المنسوخ و قول الأصم المحكم ما أجمع على تأويله و المتشابه ما اختلف فيه.
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة و خروج دابة الأرض و كيفية الدابة و نحو ذلك و ضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة و الأحكام المغلقة و ضرب متردد بين الأمرين يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم و يخفى على من دونهم و هو الضرب المشار إليه بقوله ص في علي ع اللهم فقهه في الدين و علمه التأويل و إذا عرفت هذه الجملة علم أن الوقوف على قوله إلا الله و وصله بقوله و الراسخون في العلم جائزان و أن لكل واحد منهما وجها حسب ما يدل عليه التفصيل المتقدم انتهى «5».
قوله تعالى مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ قيل أي أحكمت عباراتها بأن حفظت عن الإجمال هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصله يرد إليها غيرها وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ‏
__________________________________________________
 (1) براءة: 6.
 (2) آل عمران: 102.
 (3) البقرة: 189.
 (4) براءة: 38.
 (5) مفردات غريب القرآن 128 و 224

092
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

قيل أي محتملات لا يتضح مقصودها إلا بالفحص و النظر ليظهر فيها فضل العلماء الربانيين في استنباط معانيها و ردها إلى المحكمات و ليتوصلوا بها إلى معرفة الله و توحيده و أقول بل ليعلموا عدم استقلالهم في علم القرآن و احتياجهم في تفسيره إلى الإمام المنصوب من قبل الله و هم الراسخون في العلم‏
وَ رَوَى الْعَيَّاشِيُّ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمُحْكَمِ وَ الْمُتَشَابِهِ فَقَالَ الْمُحْكَمُ مَا يُعْمَلُ بِهِ وَ الْمُتَشَابِهُ مَا اشْتَبَهَ عَلَى جَاهِلِهِ.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَ الْمُتَشَابِهُ الَّذِي يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَتُؤْمِنُ بِهِ وَ تَعْمَلُ بِهِ وَ تَدِينُ بِهِ وَ أَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَتُؤْمِنُ بِهِ وَ لَا تَعْمَلُ بِهِ «1».
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أي ميل عن الحق كالمبتدعة فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ فيتعلقون بظاهره أو بتأويل باطل ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ أي طلب أن يفتنوا الناس عن دينهم بالتشكيك و التلبيس و مناقضة المحكم بالمتشابه‏
وَ فِي مَجْمَعِ الْبَيَانِ عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ الْفِتْنَةَ هُنَا الْكُفْرُ.
وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ أي و طلب أن يأولوه على ما يشتهونه وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الذي يجب أن يحمل عليه إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ الذين تثبتوا و تمكثوا فيه.
و أقول قد مر الكلام منا في تأويل هذه الآية في كتاب الإمامة في باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة ع «2».
قوله ع فالمنسوخات من المتشابهات كأن هذا الكلام تمهيد لما سيأتي من اختلاف الإيمان المأمور به في مكة قبل الهجرة و في المدينة بعدها و اختلاف التكاليف فيهما كما و كيفا ردا على من استدل ببعض الآيات على أن الإيمان نفس الاعتقاد بالتوحيد و النبوة فقط بلا مدخلية للأعمال أو الولاية فيه بأن تلك الآيات أكثرها نزلت في مكة و كان الإيمان فيها نفس الاعتقاد بالشهادتين أو التكلم بهما ثم نسخ ذلك في المدينة بعد وجوب الواجبات و تحريم المحرمات‏
__________________________________________________
 (1) العيّاشيّ ج 1: 162.
 (2) راجع ج 23 ص 188- 205 من هذه الطبعة.

093
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

و نصب الوالي و الأمر بولايته و يحتمل أن لا يكون ذلك من قبيل النسخ و يكون ذكر النسخ لبيان عجزهم عن فهم معاني الآيات و خطائهم في الاستدلال بها كما أنهم لا يعرفون الناسخ من المنسوخ و يستدلون بالآيات المنسوخة على الأحكام مع عدم علمهم بنسخها و عد المنسوخات التي لا يعلم نسخها من المتشابهات فالمنسوخة أخص مطلقا من المتشابهة.
و لما كان المحكم غير المتشابه و الناسخ غير المنسوخ و نقيض الأخص أعم من نقيض الأعم غير الأسلوب في الفقرة الثانية فقال و المحكمات من الناسخات للإشارة إلى ذلك و تسمية غير المنسوخ مطلقا ناسخا إما على التوسع و إطلاق لفظ الجزء على الكل أو لكونها ناسخة للشرائع السالفة أو للإباحة الأصلية التي كانوا متمسكين بها قبلها و يمكن حمل الناسخ على معناه و حمل الكلام على القلب بأن يكون الناسخ أيضا أخص من المحكم و لا فساد فيه لعدم انحصار الآيات حينئذ في الناسخة و المنسوخة.
22 و قيل لما كان بعض المحكمات مقصور الحكم على الأزمنة السابقة منسوخا بآيات أخر و نسخها خافيا على أكثر الناس فيزعمون بقاء حكمها صارت متشابهة من هذه الجهة و لهذا قال ع فالمنسوخات من المتشابهات و في بعض النسخ من المشتبهات و إنما غير الأسلوب في أختها لأن المحكم أخص من الناسخ من وجه بخلاف المتشابه فإنه أعم من المنسوخ مطلقا انتهى و فيه أن كون المتشابه أعم من مطلق المنسوخ مطلقا لا وجه له إلا أن يخص بمنسوخ لم يعلم نسخه كما أومأنا إليه و قيل الظاهر أن الفاء للتفسير لزيادة تفظيع حالهم بأنهم يتبعون المنسوخات و المتشابهات دون المحكمات و الناسخات لأن المنسوخات من باب المتشابهات في التشابه إذ يشتبه عليهم ثباتها و بقاؤها و المحكمات من قبيل الناسخات في الثبات و البقاء فإذا اتبعوا المتشابهات اتبعوا المنسوخات لأنهما من باب واحد و إذا اتبعوا المنسوخات لم يتبعوا الناسخات و إذا لم يتبعوا الناسخات لم يتبعوا المحكمات لأنهما أيضا من باب واحد.

 

094
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

قوله ع إن الله عز و جل بعث نوحا هذا شروع في المقصود و حاصله أن الإيمان في بداية بعثة كل رسول كان مجرد التصديق بالتوحيد و الرسالة و من مات عليه حينئذ كان مؤمنا و وجبت له الجنة فلما استجابوا لهم ذلك و كثرت أتباعهم وضعوا أعمالا و شرائع و أوجبوها عليهم و أوعدوا على تركها النار فصارت تلك الأعمال أجزاء للإيمان.
فأول أولي العزم من الأنبياء كان نوحا ع فحين بعثه أمرهم أولا بالتوحيد و الإقرار بنبوته فقط و كان ذلك الإيمان حيث قال في سورة نوح إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى‏ قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ «1» أي مخلصا من غير شرك وَ اتَّقُوهُ أي اتقوا عذابه الذي قرره على الشرك وَ أَطِيعُونِ فيما آمركم به و أذعنوا لنبوتي فلم يذكر فيما أنذرهم به إلا هذين الأمرين ثم دعاهم أي ثم بعد ذلك استمر على هذه الدعوة زمانا طويلا فكانت دعوته منحصرة في التوحيد و نفي الشريك و كان قبولهم ذلك منه مستلزما للإذعان بنبوته.
ثم بعث الأنبياء أي ثم بعث سائر أولي العزم في أول بعثتهم على هذا الأمر فقط إلى أن انتهت سلسلة أولي العزم و سائر الأنبياء إلى محمد ص فكان ص في أول بعثته بمكة يدعوهم إلى التوحيد و ما يتبعه من الإقرار بالنبوة بل المعاد أيضا فإنه أيضا من الأمور التي نزلت الآيات المشتملة على التهديدات العظيمة فيها قبل الهجرة فالمراد جميع أصول الدين سوى الإمامة و ذكر التوحيد على المثال أو على أن الإقرار به مستلزم للإقرار بسائر الأصول و يؤيده قوله ع بعد ذلك الإقرار بما جاء به من عند الله.
قوله ع و قال أي في سورة الشورى و هي مكية على ما ذكره المفسرون إلا قوله وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ إلى قوله لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ «2» عن الحسن و على قول ابن عباس و قتادة إلا أربع آيات منها نزلت‏
__________________________________________________
 (1) نوح: 1- 3.
 (2) الآيات 38- 40.

095
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

بالمدينة قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلى قوله لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ «1» و على التقادير الآيات المذكورة «2» مكية و الاستشهاد بالآية لأن الدين المشترك بين جميع الأنبياء هي الأصول الدينية التي لا تختلف باختلاف الشرائع مع أن قوله سبحانه كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ يشعر بأن الدين في ذلك الوقت كانت التوحيد و نفي الشرك مع الإقرار بالنبوة لقوله تعالى اللَّهُ يَجْتَبِي قال الطبرسي رحمه الله شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً أي بين لكم و نهج و أوضح من الدين و التوحيد و البراءة من الشرك ما وصى به نوحا وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي و هو الذي أوحينا إليك يا محمد وَ هو ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ ثم بين ذلك بقوله أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ و إقامة الدين التمسك به و العمل بموجبه و الدوام عليه و الدعاء إليه وَ لا تَتَفَرَّقُوا أي لا تختلفوا فِيهِ و ائتلفوا فيه و اتفقوا و كونوا عباد الله إخوانا كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ من توحيد الله و الإخلاص له و رفض الأوثان و ترك دين الآباء لأنهم قالوا أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً و قيل معناه ثقل عليهم و عظم اختيارنا لك بما تدعوهم إليه و تخصيصك بالوحي و النبوة دونهم اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ أي ليس لهم الاختيار لأن الله يصطفي لرسالته من يشاء على حسب ما يعلم من قيامه بأعباء الرسالة و قيل.
معناه الله يصطفي من عباده لدينه من يشاء وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ أي و يرشد إلى دينه من يقبل إلى طاعته أو يهدي إلى جنته و ثوابه من يرجع إليه بالنية و الإخلاص «3».
قوله ع فمن آمن مخلصا أي بقلبه و لسانه دون لسانه فقط و لم يخلطه بشرك و ذلك أن الله كأنه إشارة إلى إدخاله الجنة بمجرد الشهادة و الإقرار و إن لم يعمل من الطاعات شيئا و لم يترك سائر المحرمات لأنه كان‏
__________________________________________________
 (1) الآيات: 23- 26.
 (2) يعني الآيات: 13- 14.
 (3) مجمع البيان ج 9 ص 24.
                       

096
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

بذلك مؤمنا في ذلك الزمان و إدخال المؤمن النار ظلم و ذلك أن الله المشار إليه بذلك إما عدم تعذيب من ترك العمل بالنار أو أنه إن لم يدخله الجنة و أدخله النار كان ظالما.
و هذا الكلام يحتمل وجهين أحدهما أن تكون المعاصي التي نهي عنها في مكة من المكروهات و يكون النهي عنها نهي تنزيه و الطاعات التي أمر بها فيها من المستحبات فالتعليل حينئذ ظاهر لأن التعذيب على ترك المستحبات و فعل المكروهات في الآخرة ظلم و ثانيهما أن يكون النهي عن المعاصي نهي تحريم و الأمر بالطاعات أمر وجوب لكن لم يوعد على فعل المعاصي و ترك الطاعات النار و لم يغلظ فيهما و إنما أوعد النار على الشرك و الإخلال بالعقائد و إنكار النبوة و المعاد فهي كانت بمنزلة الفرائض و الكبائر و غيرها بمنزلة الصغائر و سائر الواجبات و قد أوجب الله تعالى على نفسه لسعة كرمه و رحمته أن لا يؤاخذ مجتنب الكبائر بفعل الصغائر فلو عذبهم بها كان ظلما من حيث الإخلال بما أوجب على نفسه من العفو عنهم.
أو يقال التعذيب بالنار مع ترك الإيعاد بها ظلم أو يقال التعذيب بالنار العظيم الأليم أبدا أو مدة طويلة بمحض النهي من غير تهديد و وعيد و تغليظ لا سيما ممن كملت قدرته و وسعت رحمته ظلم أو يقال اللطف على الله تعالى واجب و أعظم الألطاف التهديد و الوعيد بالنار فتركه ظلم أو يقال أطلق الظلم على خلاف الأولى مجازا و الكل مبني على أن الأعمال و التروك التي هي أجزاء الإيمان إنما هي ما يستحق بتركه الدخول في النار و في مكة سوى العقائد لم تكن كذلك و لما شرع في المدينة شرائع و جعل فيها فرائض و كبائر يستحق بترك الأولى و فعل الثانية دخول النار جعلتا من أجزاء الإيمان.
جعل لكل نبي إشارة إلى قوله تعالى في المائدة و هي مدنية لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً قال البيضاوي «1» شِرْعَةً شريعة و هي الطريقة إلى الماء
__________________________________________________
 (1) تفسير البيضاوى ص 119 و الآية في المائدة: 51.

097
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

شبه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية و قرئ بفتح الشين وَ مِنْهاجاً و طريقا واضحا في الدين من نهج الأمر إذا وضح و استدل به على أنا غير متعبدين بالشرائع المتقدمة انتهى.
و قال الراغب الشرع نهج الطريق الواضح يقال شرعت له طريقا و الشرع مصدر ثم جعل اسما للطريق النهج فقيل له شرع و شرعة و شريعة و استعير ذلك للطريقة الإلهية من الدين قال تعالى لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً «1» فذلك إشارة إلى أمرين أحدهما ما سخر الله تعالى عليه كل إنسان من طريق يتحراه مما يعود إلى مصالح عباده و عمارة بلاده و ذلك المشار إليه بقوله وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا «2» الثاني ما قيض له من الدين و أمره به ليتحراه اختيارا مما يختلف فيه الشرائع و يعترضه النسخ و دل عليه قوله ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى‏ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها «3» قال ابن عباس الشرعة ما ورد به القرآن و المنهاج ما ورد به السنة و قوله شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً الآية فإشارة إلى الأصول التي تتساوى فيها الملل و لا يصح عليها النسخ كمعرفة الله و نحو ذلك من نحو ما دل عليه قوله وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ «4» قال بعضهم سميت الشريعة شريعة تشبيها بشريعة الماء من حيث إن من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة روي و تطهر قال و أعني بالري ما قال بعض الحكماء كنت أشرب فلا أروى فلما عرفت الله رويت بلا شرب و بالتطهر ما قال تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً «5» انتهى.
و الشرعة و المنهاج متقاربان في المعنى كما أن اللفظين اللذين فسرهما ع بهما أيضا متقاربان فيحتمل أن يكونا تفسيرين لكل منهما أو يكون‏
__________________________________________________
 (1) المائدة: 51.
 (2) الزخرف: 32.
 (3) الجاثية: 18.
 (4) النساء: 136.
 (5) مفردات غريب القرآن ص 258.

098
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

على اللف و النشر فعلى الأول أطلق على أعمال الدين و أحكامه الشرعة لإيصالها العامل بها إلى الحياة الأبدية و التطهر من الأدناس الردية و المنهاج لأنها كالطريق الواضح الموصل إلى المقصود من الجنة الباقية و الدرجات العالية و على الثاني المراد بالأول الواجبات و بالثاني المستحبات و لذا عبر ع عن الثاني بالسنة أو بالأول العبادات و بالثاني سائر الأحكام و الوجه الأول أوفق بقوله و كان من السبيل و السنة و إن أمكن أن يكون المراد من مجموعهما و إن كان من أحدهما.
قال الطبرسي رحمه الله الشرعة و الشريعة واحدة و هي الطريقة الظاهرة و الشريعة هي الطريقة التي يوصل منه إلى الماء الذي فيه الحياة فقيل الشريعة في الدين للطريق الذي يوصل منه إلى الحياة في النعيم و هي الأمور التي يعبد الله بها من جهة السمع و الأصل فيه الظهور و المنهاج الطريق المستمر يقال طريق نهج و منهج أي بين و قال المبرد الشرعة ابتداء الطريق و المنهاج الطريق المستقيم قال و هذه الألفاظ إذا تكررت فلزيادة فائدة فيه و قد جاء أيضا لمعنى واحد كقول الشاعر أقوى و أقفر «1» و هما بمعنى انتهى «2».
قوله أن جعل عليهم السبت قال الراغب أصل السبت قطع العمل و منه سبت السير أي قطعه و سبت شعره حلقه و قيل سمي يوم السبت لأن الله تعالى ابتداء بخلق السماوات و الأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكره فقطع عمله يوم السبت فسمي بذلك و سبت فلان صار في السبت و قوله عز و جل يَوْمَ سَبْتِهِمْ قيل يوم قطعهم للعمل وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ قيل معناه لا يقطعون العمل و قيل يوم لا يكونون في السبت و كلاهما إشارة إلى حالة واحدة و قوله إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ أي ترك العمل فيه انتهى «3».
__________________________________________________
(1) نصه:
حييت من طلل تقادم عهده             أقوى و أقفر بعد أم الهيثم.

(2) راجع مجمع البيان ج 3 ص 202.
(3) مفردات غريب القرآن ص 220، و الآيات في الأعراف: 163، النحل: 124.

099
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

قوله ع و لم يستحل الظاهر أن المراد بالاستحلال هنا الجرأة على الله و انتهاك ما حرم الله فكأنه عده حلالا لقوله بعد ذلك و لا شكوا في شي‏ء مما جاء به موسى و ما قيل دل على أن مخالفة الأحكام كفر يوجب دخول النار مع الاستحلال و الظاهر أنه لا خلاف فيه بين الأمة و ما ذلك إلا لأن الإقرار بها و العمل بها داخلان في الإيمان و إذا كان كذلك كان تاركها و إن لم يستحل كافرا يعذب بالنار أيضا فلا يخفى وهنه.
حيث استحلوا الحيتان أي استحلوا صيدها أو أكلها أو حبسها أيضا و قوله يوم السبت ظرف لكل من احتبسوها و أكلوها أو لاستحلوا أيضا أي استحلوا أولا حبسها يوم السبت ثم استحلوا صيدها و أكلها فيه و قيل يوم السبت ظرف لاحتبسوها لا لأكلوها أي احتبسوا يوم السبت في مضيق بسد الطريق عليها ثم اصطادوها يوم الأحد و أكلوها فعلوا ذلك حيلة و لم تنفعهم لأن احتباسها فيه هتك لحرمته فخرجوا بذلك من الإيمان إلى الكفر و لذلك غضب الله عليهم من غير أن يشركوا بالرحمن و أن يشكوا في رسالة موسى و ما جاء به و لذلك لم يصطادوا يوم السبت فعلم أن الإيمان ليس مجرد التصديق بل هو مع العمل لأن المؤمن لا يغضب و لا يدخل النار و فيه شي‏ء لأن استحلالهم الحيتان ينافي ظاهرا عدم شكهم بما جاء به موسى و يمكن دفعه بأن ما جاء به موسى تحريم الحيتان يوم السبت و هم استحلوها يوم الأحد و لحق بهم ما لحق بسبب احتباسهم يوم السبت انتهى.
و أقول قد عرفت معنى الاستحلال و هو معنى شائع في المحاورات فلا يرد ما أورده و أما الجواب الذي ذكره فهو أيضا لا يسمن و لا يغني من جوع لأن الاحتباس إذا لم يكن منهيا عنه فكيف عذبوا عليه و إن كان داخلا فيما نهوا عنه عاد الإشكال مع أن ظاهر أكثر الروايات المعتبرة أنهم بعد تلك الحيلة تعدى أكثرهم إلى الصيد و الأكل يوم السبت فاعتزلت طائفة منهم فلم يمسخوا و بقيت طائفة منهم فمسخوا أيضا لتركهم النهي عن المنكر و إن اختلف المفسرون‏

100
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

في ذلك.
قال في مجمع البيان اختلف في أنهم كيف اصطادوا فقيل إنهم ألقوا الشبكة في الماء يوم السبت حتى كان يقع فيها السمك ثم كانوا لا يخرجون الشبكة من الماء إلى يوم الأحد و هذا السبب محظور و في رواية ابن عباس اتخذوا الحياض فكانوا يسوقون الحيتان إليها و لا يمكنها الخروج منها فيأخذونها يوم الأحد و قيل إنهم اصطادوها و تناولوها باليد يوم السبت عن الحسن «1».
وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ «2» قال البيضاوي السبت مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت و أصله القطع أمروا أن يجردوه للعبادة فاعتدى فيه ناس منهم في زمن داود ع و اشتغلوا بالصيد و ذلك أنهم كانوا يسكنون قرية على الساحل يقال لها أيلة و إذا كان يوم السبت لم يبق حوت في البحر إلا حضر هناك و أخرج خرطومه و إذا مضى تفرقت فحفروا حياضا و شرعوا إليها الجداول و كانت الحيتان تدخلها يوم السبت فيصطادونها يوم الأحد فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ جامعين بين صورة القردة و الخسوء و هو الصغار و الطرد قال مجاهد ما مسخت صورهم و لكن قلوبهم فمثلوا بالقردة كما مثلوا بالحمار في قوله كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً «3» و قوله كُونُوا ليس بأمر إذ لا قدرة لهم عليه و إنما المراد به سرعة التكوين و أنهم صاروا كذلك كما أراد بهم انتهى.
قوله ع فهدمت أي الشرعة و المنهاج أيضا لكونه بمعنى الطريق يجوز فيه التأنيث و يمكن أن يقرأ على بناء المجهول بإضمار السنة في السبت و قوله أن يعظموه بدل اشتمال للضمير و عامة عطف على السبت سبيل عيسى أي شرائعه المختصة به قوله ع و إن كان الذي جاء به النبيون أي هدمت‏
__________________________________________________
(1) مجمع البيان ج 4 ص 491.
(2) البقرة: 62، راجع البيضاوى 32.
(3) الجمعة: 5.

101
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

شريعة عيسى عامة ما كانوا عليه و إن كان الذي جاء به النبيون من التوحيد و سائر الأصول باقيا لم يتغير أو المعنى أدخله الله النار و إن كان منه الإقرار بما جاء به النبيون و هو التوحيد و نفي الشرك و قوله أن لا يشركوا عطف بيان أو بدل للموصول و على الوجهين يحتمل كون كان تامة و ناقصة و قيل الموصول اسم كان و أن لا يشركوا خبره و له أيضا وجه و إن كان بعيدا.
قوله ع عشر سنين أقول هذا مخالف لما مر في تاريخ النبي ص و لما هو المشهور من أنه ص أقام بعد البعثة بمكة ثلاث عشرة سنة فقيل هو مبني على إسقاط الكسور بين العددين و هو بعيد في مثل هذا الكسر و الذي سنح لي أنه مبني على ما يظهر من الأخبار أنه لما نزل وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ «1» و كان أول بعثته دعا بني عبد المطلب و أظهر لهم رسالته و دعاهم إلى بيعته و الإيمان به فلم يؤمن به إلا علي ع ثم خديجة رضي الله عنها ثم جعفر رضي الله عنه و كان على ذلك ثلاث سنين حتى نزل فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ «2» فدعا الناس إلى الإسلام فلذا لم يعد ع تلك الثلاث سنين من أيام البعثة لأنها لم تكن بعثة عامة مؤكدة و قد مرت الأخبار في المجلد الثالث «3» في ذلك و يحتمل أن يكون مبنيا على إسقاط سني الهجرة إلى شعب أبي طالب أو إسقاط الثلاث سنين بعد وفاة أبي طالب رضي الله عنه لعدم تمكنه في هاتين المدتين من التبليغ كما ينبغي لكنهما بعيدان و الأظهر ما ذكرنا أولا.
قوله ع يشهد أن لا إله إلا الله الظاهر أن المراد به الشهادة القلبية بالتوحيد و الرسالة و ما يلزمهما فقط أو مع الإقرار باللسان أو عدم الإنكار الظاهري لا مجرد الإقرار باللسان بقرينة قوله و هو إيمان التصديق و قد عرفت أن الإيمان الظاهري فقط لا ينفع في الآخرة و إن احتمل التعميم و يكون قوله إلا من أشرك بالرحمن أي قلبا استثناء منه فيرجع إلى ما ذكرنا أولا و على الأول‏
__________________________________________________
 (1) الشعراء: 214.
 (2) الحجر: 94.
 (3) يعني كتاب المرآة.

102
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

يكون الاستثناء منقطعا و على التقديرين يكون المراد بقوله و هو إيمان التصديق أنه الإيمان بمعنى التصديق فقط و لا يدخل فيه الأعمال لا شرطا و لا شطرا و إن كانت سببا لكماله بخلاف الإيمان بعد الهجرة فإن الأعمال قد دخلت فيه على أحد الوجهين و ذلك لأنهم لم يكلفوا بعد إلا بالشهادتين فحسب و إنما نهوا عن أشياء نهي أدب و عظة و تخفيف ثم نسخ ذلك بالتغليظ في الكبائر و التواعد عليها و لم يكن التغليظ و التواعد يومئذ إلا في الشرك خاصة فلما جاء التغليظ و الإيعاد بالنار في الكبائر ثبت الكفر و العذاب بالمخالفة فيها.
و تصديق ذلك أي دليل ما ذكرنا من التفاوت في التكاليف و معنى الإيمان قبل الهجرة و بعدها و قال الفاضل الأسترآبادي بيان لأول الواجبات على المكلفين و أن تكاليف الله تعالى ينزل على التدريج و في كتاب الأطعمة من تهذيب الأحكام أحاديث صريحة في التدريج في التكاليف انتهى.
و لنذكر تفسير الآيات التي أسقطت اختصارا إما من الإمام ع أو من الراوي قال تعالى قبل تلك الآيات «1» لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولًا ثم قال وَ قَضى‏ رَبُّكَ قيل أي أمر أمرا مقطوعا به أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ لأن غاية التعظيم لا تحق إلا لمن له غاية العظمة و نهاية الإنعام وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً أي بأن تحسنوا أو أحسنوا بالوالدين إحسانا لأنهما السبب الظاهر للوجود و التعيش إِمَّا يَبْلُغَنَّ إما إن الشرطية زيدت عليها ما للتأكيد عِنْدَكَ الْكِبَرَ في كنف و كفالتك أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ إن أضجراك وَ لا تَنْهَرْهُما أي و لا تزجرهما إن ضرباك وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً أي حسنا جميلا وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ أي تذلل لهما و تواضع مِنَ الرَّحْمَةِ أي من فرط رحمتك عليهما وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً جزاء لرحمتهما علي و تربيتهما و إرشادهما لي في صغري.
رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً
__________________________________________________
 (1) أسرى: 22- 25.

103
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

عَنِ الصَّادِقِ ع الْأَوَّابُونَ التَّوَّابُونَ الْمُتَعَبِّدُونَ «1».
وَ آتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً و هو صرف المال فيما لا ينبغي و إنفاقه على وجه الإسراف إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي أمثالهم وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً أي مبالغا في الكفر وَ إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً أي فتصير ملوما عند الله و عند الناس بالإسراف و سوء التدبير مَحْسُوراً أي نادما أو منقطعا بك لا شي‏ء عندك إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ أي يوسعه و يضيقه بمشيته التابعة للحكمة إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً يعلم سرهم و علانيتهم.
قوله أدب و عظة أي كلما ذكر في تلك الآيات سوى صدر الأولى و هو قوله وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ تأديب و موعظة و هذا مبني على أن قوله وَ بِالْوالِدَيْنِ بتقدير و أحسنوا عطفا على جملة قَضى‏ رَبُّكَ لأن فيها تأكيدا و تهديدا في الجملة و يحتمل أن يكون المراد جميعها لكن وقع التهديد على الشرك فيما مر و فيما سيأتي من الآيات كقوله لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فإن قيل قوله وَ آتِ ذَا الْقُرْبى‏ حَقَّهُ إلى قوله كَفُوراً فيه وعيد و تهديد قلنا ليس محض كونهم إخوان الشياطين تهديدا و وعيدا صريحا بالنار بل قيل قوله كانُوا يدل على أن في أواخر شرائع سائر أولي العزم كانت كذلك فلا يدل صريحا على أن في تلك الشريعة أيضا كذلك و الاجتراح الاكتساب.
وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ قيل أي مخافة الفاقة و قتلهم أولادهم وأدهم بناتهم مخافة الفقر فنهاهم عنه و ضمن لهم أرزاقهم فقال نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً أي ذنبا كبيرا لما فيه من قطع التناسل و انقطاع النوع و الخطء الإثم يقال خطأ خطأ كأثم إثما و قرأ ابن عامر خطأ بالتحريك و هو اسم من أخطأ يضاد الثواب و قيل لغة فيه كمثل و مثل و حذر و حذر و قرأ ابن كثير
__________________________________________________
 (1) راجع تفسير العيّاشيّ ج 2 ص 286، عن أبي بصير.

104
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

خطاء بالمد و الكسر و هو إما لغة أو مصدر خاطأ و قرئ خطاء بالفتح و المد و خطأ بحذف الهمزة مفتوحا و مكسورا و على التقادير ليس فيه تصريح بكونه ذنبا و لا ترتب العقوبة عليه.
وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ بالقصد و إتيان المقدمات فضلا أن تباشروه إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً فعلة ظاهرة القبح زائدته وَ ساءَ سَبِيلًا أي و بئس طريقا طريقه و هو الغصب على الأبضاع المؤدي إلى قطع الأنساب و هيج الفتن وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ قيل أي إلا بإحدى ثلاث خصال كفر بعد إيمان و زنا بعد إحصان و قتل مؤمن معصوم عمدا وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً غير مستوجب للقتل فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ للذي يلي أمره بعد وفاته و هو الوارث سُلْطاناً أي تسلطا بالمؤاخذة بمقتضى القتل فَلا يُسْرِفْ أي القاتل فِي الْقَتْلِ بأن يقتل من لا يحق قتله فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك أو الولي بالمثلة أو قتل غير القاتل إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً علة النهي على الاستئناف و الضمير إما للمقتول فإنه منصور في الدنيا بثبوت القصاص بقتله و في الآخرة بالثواب و إما لوليه فإن الله نصره حيث أوجب القصاص له و أمر الولاة بمعونته و إما للذي يقتله الولي إسرافا بإيجاب القصاص و التعزير و الوزر على المسرف.
وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فضلا أن تتصرفوا فيه إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي إلا بالطريقة التي هي أحسن حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ غاية لجواز التصرف الذي يدل عليه الاستثناء وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ بما عاهدكم الله من تكاليفه أو ما عاهدتموه و غيره إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه و يفي به أو مسئولا عنه يسأل الناكث و يعاتب عليه أو يسأل العهد لم نكثت تبكيتا للناكث كما يقال للموئودة بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ و يجوز أن يراد أن صاحب العهد كان مسئولا وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ و لا تبخسوا فيه وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ بالميزان السوي و هو رومي عرب و قرأ حمزة و الكسائي و حفص بكسر القاف «1» ذلِكَ خَيْرٌ
__________________________________________________
 (1) يعني و قرأ الباقون بضمها.

105
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي و أحسن عاقبة تفعيل من آل إذا رجع.
وَ لا تَقْفُ و لا تتبع ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ما لم يتعلق به علمك تقليدا أو رجما بالغيب قيل و احتج به من منع من اتباع الظن و جوابه أن المراد بالعلم هو الاعتقاد الراجح المستفاد من سند سواء كان قطعا أو ظنا و استعماله بهذا المعنى شائع و قيل إنه مخصوص بالعقائد و قيل بالرمي و شهادة الزور إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ أي كل هذه الأعضاء فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على صاحبها هذا و إن أولاء و إن غلب على العقلاء لكنه من حيث إنه اسم جمع لذا و هو يعم القبيلين جاء لغيرهم كقوله و العيش بعد أولئك الأيام «1» كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا في ثلاثتها ضمير كل أي كان كل واحد منها مسئولا عن نفسه يعني عما فعل به صاحبه و يجوز أن يكون الضمير في عَنْهُ لمصدر وَ لا تَقْفُ أو لصاحب السمع و البصر و قيل مَسْؤُلًا مسند إلى عَنْهُ كقوله غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ و المعنى يسأل صاحبه عنه و هو خطاء لأن الفاعل و ما يقوم مقامه لا يتقدم و قيل المراد بسؤال الجوارح إما سؤال نفسها أو سؤال أصحابها كما يظهر من أُولئِكَ أو جعلت بمنزلة ذوي العقول أو هم ذوو العقول مع الله تعالى.
وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً أي ذا مرح و هو الاختيال و في القاموس المرح شدة الفرح و النشاط إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ لن تجعل فيها خرقا بشدة وطأتك وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا بتطاولك و مد عنقك و هو تهكم بالمختال و تعليل للنهي بأن الاختيال حماقة مجردة لا تعود بجدوى ليس في التذلل كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ قيل يعني المنهي عنه فإن المذكور مأمورات و مناهي و قرأ الحجازيان و البصريان «2» سيئة على أنها خبر كان و الاسم ضمير كُلُّ و ذلِكَ إشارة إلى‏
__________________________________________________
 (1) عجز بيت صدره: ذم المنازل بعد منزلة اللوى، راجع الصحاح ج 6 ص 2544.
 (2) الحجازيان: عبد اللّه بن كثير المكى، و نافع بن عبد الرحمن المدنيّ، و البصريان:
أحدهما أبو عمرو بن العلاء، من السبعة، و الثاني يعقوب من غيرهم.

106
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

ما نهي عنه خاصة و على هذا قوله عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً بدل من سيئه أو صفة لها محمولة على المعنى.
ذلِكَ إشارة إلى الأحكام المتقدمة مِمَّا أَوْحى‏ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ التي هي معرفة الحق لذاته و الخير للعمل به وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ كرره للتنبيه على أن التوحيد مبدأ الأمر و منتهاه و رأس الحكمة و ملاكها مَلُوماً تلوم نفسك مَدْحُوراً مطرودا مبعدا من رحمة الله.
و أقول هذا شروع في ذكر الآيات التي نزلت بمكة مشتملة على الوعيد بالنار و التهديد في الشرك و نحوه بخلاف ما ورد في غيره مما مضى فإن كونه خطأ كبيرا و فاحشة و مسئولا و مسئولا عنه و مكروها ليس في شي‏ء منها تصريح بالعذاب و النكال الأخروي و لا يحتاج إلى ما يتكلف بأن كانَ خِطْأً و كانَ فاحِشَةً و كانَ مَسْؤُلًا و كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا و كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً محمولة على أنها كانت في أواخر الأمم السابقة كذلك و ستصير في هذه الأمة أيضا بعد ذلك كذلك فإنه في غاية البعد و زيادة كان في هذه المقامات كثيرة في الذكر الحميد كقوله وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً و كانَ غَفُوراً رَحِيماً بل الوجه ما ذكرنا فتفطن.
ناراً تَلَظَّى أي تتلهب لا يَصْلاها أي لا يلزمها مقاسيا شدتها إِلَّا الْأَشْقَى قيل أي إلا الكافر فإن الفاسق و إن دخلها لم يلزمها و لكن سماه أشقى و وصفه بقوله الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى أي كذب بالحق و أعرض عن الطاعة كذا ذكره البيضاوي «1» و قال في قوله تعالى بعد ذلك وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى أي الذي اتقى الشرك و المعاصي فإنه لا يدخلها فضلا أن يدخلها و يصلاها و مفهوم ذلك أن من اتقى الشرك دون المعصية لا يجنبها و لا يلزم ذلك صليها فلا يخالف الحصر السابق انتهى.
و قال الطبرسي رحمه الله لا يَصْلاها أي لا يدخل تلك النار و لا يلزمها إِلَّا
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل ص 463، و الآية في سورة الليل: 14- 21.

107
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

الْأَشْقَى و هو الكافر بالله الَّذِي كَذَّبَ بآيات الله و رسله وَ تَوَلَّى أي أعرض عن الإيمان وَ سَيُجَنَّبُهَا أي سيجنب النار و يجعل منها على جانب الْأَتْقَى المبالغ في التقوى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ أي ينفقه في سبيل الله يَتَزَكَّى أي يكون عند الله زكيا لا يطلب بذلك رياء و لا سمعة.
قال القاضي قوله لا يَصْلاها الآية لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلا الكافر على ما تقوله الخوارج و بعض المرجئة و ذلك لأنه نكر النار المذكورة و لم يعرفها فالمراد بذلك أن نارا من جملة النيران لا يصليها إلا من هذه حاله و النيران دركات على ما بينه سبحانه في سورة النساء في شأن المنافقين «1» فمن أين عرف أن غير هذه النار لا يصليها قوم آخرون و بعد فإن الظاهر من الآية يوجب أن لا يدخل النار إلا من كذب و تولى و جمع بين الأمرين فلا بد للقوم من القول بخلافه لأنهم يوجبون النار لمن يتولى عن كثير من الواجبات و إن لم يكذب و قيل إن الأتقى و الأشقى المراد بهما التقي و الشقي «2» انتهى.
ثم اعلم أنه ع استدل بالآيات الأول على أن وعيد النار في مكة إنما كان على الكفار لأنه سبحانه حصر الصلي بالنار على الأشقى الذي كذب الرسول و تولى عن قبول قوله في التوحيد أو الأعم و من كذب الرسول و أعرض عما جاء به كافر مشرك فظهر أنه لم يكن يومئذ يستحق النار غير المشركين و الكفار من الفساق و إليه أشار ع بقوله فهذا مشرك و هذا وجه حسن و استدلال متين لكن كيف يستقيم على هذا الآيات التالية و هي قوله وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى إلخ فإنها تدل على أن غير الأتقى لا يجنب النار.
و يمكن الجواب عنه بوجوه.
الأول أن المضارع في قوله تعالى لا يَصْلاها للحال و استعمل الصلي في‏
__________________________________________________
 (1) كانه يريد قوله تعالى: «إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً» النساء: 144.
 (2) مجمع البيان ج 10 ص 502.

108
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

سببه مجازا أي الحكم في الحال قبل الهجرة أنه لا يدخلها إلا المشرك و في قوله سَيُجَنَّبُهَا للاستقبال القريب إخبارا عن التكاليف المدنية بعد دخول الأعمال في الإيمان فلا تنافي بينهما و تكون الآيات جمع دالة على الحكمين صريحا.
الثاني أن يقال إن الآيات التالية نزلت بالمدينة كما روي في تفسير علي بن إبراهيم أنها نزلت في أبي الدحداح بالمدينة لكن ظاهر الرواية أن الآيات الأول أيضا نزلت بالمدينة الثالث أن يقال إن الآيات الأخيرة و إن كانت دالة على عدم تجنب الفساق النار لكنها دلالة ضعيفة بالمفهوم فما يدل صريحا على دخول النار إنما هو في الكفار و ما يدل على حكم الفجار فليس فيه وعيد صريح و تهديد عظيم بل يدل دلالة ضعيفة على عدم الحكم بأنهم لا يدخلونها لا سيما مع الحصر المتقدم و لعل السر في هذا الإجمال عدم اجترائهم على المعاصي.
وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ «1» أي يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره قيل يغل يمناه إلى عنقه و يجعل يسراه وراء ظهره فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً أي يتمنى الثبور و يقول وا ثبوراه و هو الهلاك وَ يَصْلى‏ سَعِيراً أي نارا مسعرة إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ أي في الدنيا مَسْرُوراً بطرا بالمال و الجاه فارغا عن ذكر الآخرة إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أي لن يرجع بعد أن يموت بَلى‏ يرجع إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً أي عالما بأعماله فلا يهمله بل يرجعه و يجازيه فهذا مشرك لأنه أنكر البعث و إنكاره كفر أو كان لا ينكره حينئذ إلا المشركون.
كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ «2» أي جماعة من الكفرة سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أي خزنة جهنم أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ يخوفكم هذا العذاب و هو توبيخ و تبكيت قالُوا بَلى‏ قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا أي الرسل و أفرطنا في التكذيب حتى نفينا الإنزال رأسا و بالغنا في نسبتهم إلى الضلال حيث قالوا بعد ذلك إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ فهؤلاء مشركون لتكذيبهم بكتب الله و رسله.
__________________________________________________
 (1) الانشقاق: 10.
 (2) الملك: 8.

109
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ «1» بالبعث و الرسل و آيات الله الضَّالِّينَ عن الهدى الذاهبين عن الصواب و الحق فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ أي فنزلهم الذي أعد لهم من الطعام و الشراب من حميم جهنم وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أي إدخال نار عظيمة فهؤلاء مشركون للتصريح بأنهم كانوا من المكذبين الضالين.
وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ «2» فَيَقُولُ لما رأى من قبح العمل و سوء العاقبة يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ الهاء فيهما و فيما بعدهما للسكت تثبت في الوقف و تسقط في الوصل و قالوا استحب الوقف لثباتها في الإمام «3» و لذلك قرئ بإثباتها في الوصل يا لَيْتَها أي يا ليت الموتة التي متها كانَتِ الْقاضِيَةَ أي القاطعة لأمري فلم أبعث بعدها أو يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت علي أو يا ليت حياة الدنيا كانت الموتة و لم أخلق حيا ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ أي ما لي من المال و التبع أو ما نفي و المفعول محذوف أو استفهام إنكار مفعول لأغنى و بعد ذلك هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ أي ملكي و تسلطي على الناس أو حجتي التي كنت أحتج بها في الدنيا خُذُوهُ يقوله الله لخزنة جهنم فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ أي ثم لا تصلوه إلا الجحيم و هي النار العظمى لأنه كان يتعظم على الناس ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ أي فأدخلوه فيها بأن تلقوه على جسده إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ فدل على أن هذا الوعيد بالنار لمن لا يؤمن بالله من الكفار فهذا مشرك.
قوله في طسم أي في الشعراء وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ «4» فيرونها مكشوفة و يتحسرون على أنهم المسوقون إليها وَ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أي أين آلهتكم الذين تزعمون أنهم شفعاؤكم هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ بدفع العذاب عنكم أَوْ يَنْتَصِرُونَ بدفعه عن أنفسهم لأنهم و آلهتهم يدخلون النار كما
__________________________________________________
 (1) الواقعة: 92.
 (2) الحاقّة: 25.
 (3) يعني مصحف عثمان، المسمى بامام المصاحف.
 (4) الشعراء: 91.

110
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

قال فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ أي الآلهة و عبدتهم و الكبكبة تكرير الكب لتكرير معناه كأن من ألقي في النار ينكب مرة بعد أخرى حتى يستقر في قعرها وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ قيل متبعوه من عتاة الثقلين أو شياطينه أَجْمَعُونَ تأكيد للجنود إن جعل مبتدأ خبره ما بعده أو للضمير و ما عطف عليه و كذا الضمير المنفصل و ما يعود إليه في قوله قالُوا وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ على أن الله ينطق الأصنام فتخاصم العبدة و يؤيده الخطاب في قوله إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ أي في استحقاق العبادة و يجوز أن تكون الضمائر للعبدة كما في قالوا و الخطاب للمبالغة في التحسر و الندامة و المعنى أنهم مع تخاصمهم في مبدإ ضلالهم معترفون بانهماكهم في الضلالة متحسرون عليها كذا ذكره البيضاوي في تفسير تلك الآيات «1» فقوله ع يعني المشركين هو خبر لقوله قوله بحذف العائد أي يعني به و المعنى أن المراد بالمجرمين المشركون الذين اتبعتهم هؤلاء القائلون على شركهم و كلاهما من أمة محمد ص و تصديق ذلك أي تصديق أن المراد بهم المشركون من هذه الأمة أن الله تعالى ذكر بعد تلك الآيات أحوال المشركين و عبدة الأوثان من كل أمة و لم يدخل فيهم اليهود و النصارى فالظاهر أن يكون المراد هنا أيضا طائفة مخصوصة و ليس هم اليهود و النصارى لقوله تعالى سابقا فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ لدلالته على أن معبوديهم في النار فلم يبق إلا أن يكونوا من هذه الأمة أو يكتفى بالوجه الأول و يقال لما كان الظاهر من الآيات اللاحقة اختصاص الكلام بعبدة الأوثان فالظاهر هنا أيضا أن يكون المراد به من هو من جنسهم و لم يبق من الأمم المشهورة الذين تعرض الله لذكرهم في القرآن إلا هذه الأمة فهم المرادون به.
و قوله كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ «2» كأنه نقل بالمعنى لأن تلك الآيات‏
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل ص 309.
 (2) الشعراء: 105.

111
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

في سورة الشعراء و ليس فيها قبلهم و إنما هو في ص و المؤمن «1» و يحتمل أن يكون في مصحفهم ع هكذا هذا ما خطر بالبال و قيل لعل المراد أن القائلين بهذا القول أعني قولهم وَ ما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ هم مشركو قوم نبينا ص الذين اتبعوا آباءهم المكذبين للأنبياء بدليل أن الله سبحانه ذكر عقيب ذلك في مقام التفصيل المكذبين للأنبياء طائفة بعد طائفة و ليس المراد بهم أحدا من اليهود و النصارى الذين صدقوا نبيهم و إنما أشركوا من جهة أخرى و إن كان الفريقان يدخلان النار أيضا فقوله سيدخل الله استدراك لدفع توهم عدم دخولهما النار و عدم دخول غيرهما ممن أساء العمل انتهى.
قوله ع ليس هم اليهود تأكيد لقوله ليس فيهم أو المراد بالأول أنه ليس في القائلين و المجرمين و بالثاني أنه ليس في هؤلاء المكذبين من الأمم السابقة و قيل الأول نفي للتشريك و الثاني نفي للاختصاص و الأوسط أظهر و قولهم مبتدأ إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك من كلامه ع ذكره تفسيرا للآية و قول الله خبر للمبتدإ و يحتمل أن يكون ذلك مبتدأ ثانيا إشارة إلى قولهم و قول الله خبره و المجموع خبرا للمبتدإ الأول و حاصله أن القولين حكايتان عن قصة واحدة و قيل حين ظرف لقول الله مجازا من قبيل وضع الدال موضع المدلول.
ثم اعلم أن الآيات في سورة الأعراف هكذا حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَ شَهِدُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَ لكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ «2» فظهر أن قوله و قالت أوليهم لأخريهم من سهو النساخ‏
__________________________________________________
 (1) ص: 12، المؤمن: 5.
 (2) الأعراف: 37- 39.

112
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

أو الرواة و أن قوله كُلَّما دَخَلَتْ مقدم على السابق في الترتيب فالواو في قوله و قوله بمعنى مع مع أنه لا يدل على الترتيب.
كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ أي في النار لَعَنَتْ أُخْتَها التي ضلت بالاقتداء بها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها أصل ادَّارَكُوا تداركوا فأدغم و معناه تلاحقوا أي لحق آخرهم أولهم في النار قالَتْ أُخْراهُمْ دخولا و منزلة و هم الأتباع لِأُولاهُمْ أي لأجل أوليهم إذا الخطاب مع الله لا معهم رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا أي سنوا لنا الضلال فاقتدينا بهم فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ أي مضاعفا لأنهم ضلوا و أضلوا قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ أما القادة فبكفرهم و تضليلهم و أما الأتباع فبكفرهم و تقليدهم وَ لكِنْ لا تَعْلَمُونَ ما لكم أو ما لكل فريق وَ قالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ عطفوا كلامهم على جواب الله لأخريهم و بنوه عليه أي فقد ثبت أن لا فضل لكم علينا و إنا و إياكم متساوون في الضلال و استحقاق العذاب فَذُوقُوا الْعَذابَ من قول القادة أو من قول الفريقين.
أن يحج بعضا بضم الحاء أي يغلبه بالحجة في القاموس الحج الغلبة بالحجة و في المصباح حاجه محاجة فحجه بحجة من باب قتل إذا غلبه في الحجة و قال فلج فلوجا من باب قعد ظفر بما طلب و فلج بحجته أثبتها و أفلج الله حجته أظهرها و قال أفلت الطائر و غيره إفلاتا تخلص و أفلته أنا إذا أطلقته و خلصته يستعمل لازما و متعديا و فلت فلتا من باب ضرب لغة و فلته يستعمل أيضا لازما و متعديا و انفلت خرج بسرعة.
و ليس بأوان بلوى و لا اختبار يعني أنهم يطمعون في غير مطمع فإن الاحتجاج و طلب الدليل إنما ينفع في دار التكليف و الاختبار لا في دار الجزاء بعد ظهور الأمر و دخول النار و لا حين نجاة أي ليس هذا الزمان حين نجاة يمكن التخلص من العذاب بالتوبة و غيرها.
و في بعض النسخ و لات حين نجاة مقتسبا من قوله تعالى وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ «1»
__________________________________________________
 (1) ص: 3.

113
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

قال البيضاوي أي ليس الحين حين مناص و لا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب و ثم و خصت بلزوم الأحيان و حذف أحد المعمولين و قيل هي النافية للجنس أي و لا حين مناص لهم و قيل للفعل و النصب بإضماره أي و لا أرى حين مناص و قيل إن التاء مزيدة على حين لاتصالها به في الإمام «1» انتهى.
و الآيات أي تلك الآيات المتقدمة و لا يدخل الله الجملة حالية أي نزلت تلك الآيات في حال كان الحكم فيها أن لا يدخل الله النار إلا مشركا قوله ع فلما أذن الله قال المحدث الأسترآبادي تصريح بأن مصداق الإسلام في مكة أقل من مصداقه في المدينة انتهى و عد الشهادتين واحدة لتلازمهما و كأن الولاية أيضا داخلة فيهما كما عرفت و عدم التصريح للتقية أو أنه ع استدل بهذا الخبر المشهور بين العامة إلزاما عليهم و كأن ذكر العبادات الأربع و تخصيصها لكونها أهم الفرائض أو لأنها صرحت بها في القرآن و أكدت عليها دون غيرها أو أنه بني عليها أولا ثم زيد سائر الفرائض.
وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً «2» استدل به من قال بخلود أصحاب الكبائر في النار و أول بوجوه.
الأول أن المراد بالمتعمد من قتله لإيمانه كما ورد في أخبار كثيرة فيكون كافرا الثاني أن المراد بالخلود المكث الطويل الثالث أن المراد أن هذا جزاؤه إن جازاه لكنه سبحانه لا يجازيه كما ورد في بعض أخبارنا الرابع أن المراد بالمتعمد المستحل الخامس أنه يفعل فعلا يستحق به دخول النار و استدل ع على عدم إيمانه بأن الله لعنه و لا يلعن مؤمنا لقوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ و كأنه ع استدل بمفهوم الوصف فيدل على حجيته و يمكن أن يكون لخصوص سياق الآية أيضا مدخل فيه.
و كيف يكون في المشية أي كيف يكون أمر القاتل في مشية الله إن شاء
__________________________________________________
 (1) يعني مصحف عثمان.
 (2) النساء: 93.

114
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

عذبه و إن شاء غفر له و الحال أنه قد ألحق به بعد أن جزاه جهنم الغضب و اللعنة المختصين بالكفار.
أقول كونه في المشية إما مبني على ما ذكره أكثر المتكلمين من أن خلف الوعد قبيح و على الله محال و أما خلف الوعيد فهو حسن و يجوز على الله تعالى و ليس بكذب قال الطبرسي قدس سره و روى عاصم بن أبي النجود عن ابن عباس في قوله فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ قال هي جزاؤه فإن شاء عذبه و إن شاء غفر له و روي عن أبي صالح و بكر بن عبد الله و غيره أنه كما يقول الإنسان لمن يزجره عن أمر إن فعلت فجزاؤك القتل و الضرب ثم إن لم يجازه بذلك لم يكن ذلك منه كذبا انتهى «1».
أو إشارة إلى قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ «2» فيدل على أن ما دون الشرك مما يغفره الله لمن يشاء و القتل داخل في ذلك فيكون داخلا في المشية كما قال في مجمع البيان قال جماعة من التابعين الآية اللينة و هي إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ الآية نزلت بعد الشديدة و هي وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً الآية «3» و على الأول فكان جوابه مبني على أن آية القتل ليست مشتملة على الوعيد فقط بل على أنه ممن غضب الله عليه و لعنه فإذا دخل الجنة من غير توبة أو غيرها مما يكفره يكون كذبا و لم يكن مغضوبا و لا ملعونا مبعدا من رحمة الله و على الثاني مبني على وجهين الأول أن القتل المذكور داخل في الشرك و الكفر حيث لعنه الله و لا يلعن إلا الكافر و الثاني أنه لا يكون داخلا فيمن يشاء مغفرته حيث أخبر بأنه مغضوب و ملعون و هذا صريح في عدم المغفرة و الوجوه كأنها متقاربة و قد بين ذلك المشار إليه آية الأحزاب أي إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ و أنزل أي في سورة النساء أيضا من أكله بدل اشتمال لمال اليتيم‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 3 ص 93.
 (2) النساء: 47.
 (3) مجمع البيان ج 3 ص 93.

115
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً قال في المجمع أي ينتفعون بأموال اليتامى و يأخذونها ظلما بغير حق و لم يرد به قصر الحكم على الأكل و إنما خص لأنه معظم منافع المال المقصودة إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً قيل فيه وجهان أحدهما أن النار تلتهب من أفواههم و أسماعهم و آنافهم يوم القيامة ليعلم أهل الموقف أنهم آكلة أموال اليتامى عن السدي‏
وَ رُوِيَ عَنِ الْبَاقِرِ ع أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص يُبْعَثُ نَاسٌ مِنْ قُبُورِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَأَجَّجُ أَفْوَاهُهُمْ نَاراً فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ.
و الآخر أنه ذكر ذلك على وجه المثل من حيث إن من فعل ذلك يصير إلى جهنم فيمتلئ بالنار أجوافهم عقابا على أكلهم مال اليتيم وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً أي يلزمون النار المسعرة للإحراق و إنما ذكر البطون تأكيدا كما يقال نظرت بعيني و قلت بلساني و أخذت بيدي و مشيت برجلي انتهى «1».
و أنزل في الكيل فإن قيل سورة المطففين من السور المكية و الغرض هنا بيان التكاليف المتجددة بالمدينة قلنا لا عبرة بما ذكره المفسرون في ذلك مع أنهم اختلفوا في هذه السورة قال في مجمع البيان مكية و قال المعدل مدنية عن الحسن و الضحاك و عكرمة قال و قال ابن عباس و قتادة إلا ثماني آيات منها و هي إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا إلى آخر السورة انتهى «2» فالخبر يؤيد قول هؤلاء الجماعة و يؤيده ما رواه في مجمع البيان في سبب نزول صدر السورة عن عكرمة عن ابن عباس أنه لما قدم رسول الله ص المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله عز و جل وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فأحسنوا الكيل بعد ذلك و روي عن السدي أنه ص قدم المدينة و بها رجل يقال له أبو جهينة و معه صاعان يكيل بأحدهما و يكتال بالآخر فنزلت الآيات «3» و يؤنسه أن الطبرسي رحمه الله ذكرها
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 3 ص 12 و 13.
 (2) المصدر ج 10 ص 450.
 (3) المصدر ج 10 ص 452.

116
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

في ترتيب نزول السور آخر السور المكية «1» فيمكن أن يكون نزولها بعد الهجرة و قبل نزول المدينة.
و في القاموس الويل حلول الشر و ويل كلمة عذاب و واد في جهنم أو بئر أو باب لها انتهى و استدل ع بأن الويل لم يطلق في القرآن إلا للكافرين كقوله فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ «2» وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ «3» فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ «4» وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا «5» يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ «6» و في المجمع وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ هم الذين ينقصون المكيال و الميزان و يبخسون الناس حقوقهم في الكيل و الوزن قال الزجاج و إنما قيل له مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال و الميزان إلا الشي‏ء اليسير الطفيف.
و أنزل في العهد أي في سورة آل عمران و هي مدنية إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ «7» لعل المراد بالعهد هنا على ظاهر سياق الحديث ما عاهدوا الله عليه فخالفوه و باليمين الأيمان التي يحلفون بها على المستقبل ثم يخالفونها و يحتمل شموله لليمين الغموس الكاذبة و يحتمل أن يكون العهد شاملا للبيعة و ما عاهدوا رسول الله ص ثم نقضوه و قال الراغب العهد حفظ الشي‏ء و مراعاته حالا بعد حال و سمي الموثق الذي يلزم مراعاته عهدا قال عز و جل وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا «8» أي أوفوا بحفظ الأيمان و عهد فلان إلى فلان أي ألقى العهد إليه و أوصاه بحفظه قال عز و جل وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ «9» و عهد الله تارة يكون بما ركزه في عقولنا و تارة يكون بما أمرنا به بكتابه و بسنة
__________________________________________________
 (1) المصدر ج 10 ص 405، نقلا عن الحاكم الحسكانى.
 (2) البقرة: 79.
 (3) إبراهيم: 2.
 (4) الزخرف: 65.
 (5) يس: 52.
 (6) القلم: 31.
 (7) آل عمران: 77.
 (8) أسرى: 34.
 (9) طه: 115.

117
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

رسله و تارة بما نلتزمه و ليس بلازم في أصل الشرع كالنذور و ما يجري مجراها انتهى «1».
و أما ما ذكره المفسرون في تلك الآية فقال الطبرسي قدس سره نزلت في جماعة من أحبار اليهود كتموا ما في التوراة من أمر محمد ص و كتبوا بأيديهم غيره و حلفوا أنه من عند الله لئلا تفوتهم الرئاسة و ما كان لهم على أتباعهم عن عكرمة و قيل نزلت في الأشعث بن قيس و خصم له في أرض قام ليحلف عند رسول الله ص فلما نزلت الآية نكل الأشعث و اعترف بالحق عن ابن جريح و قيل نزلت في رجل حلف يمينا فاجرة في تنفيق سلعته عن مجاهد و الشعبي ثم قال إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ أي يستبدلون بأمر الله سبحانه ما يلزمهم الوفاء به و قيل معناه أن الذين يحصلون بنكث عهد الله و نقضه وَ أَيْمانِهِمْ أي و بالأيمان الكاذبة ثَمَناً قَلِيلًا أي عوضا نزرا لأنه قليل في جنب ما يفوتهم من الثواب و يحصل لهم من العقاب و قيل العهد ما أوجبه الله تعالى على الإنسان من الطاعة و الكف عن المعصية و قيل هو ما في عقل الإنسان من الزجر عن الباطل و الانقياد للحق أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ أي لا نصيب وافر لهم فِي نعيم الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ أي بما يسرهم أو لا يكلمهم أصلا و تكون المحاسبة بكلام الملائكة استهانة لهم وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي لا يعطف عليهم و لا يرحمهم كما يقول القائل للغير انظر إلي يريد ارحمني وَ لا يُزَكِّيهِمْ أي لا يطهرهم و قيل لا ينزلهم منزلة الأزكياء و قيل لا يطهرهم من دنس الذنوب و الأوزار بالمغفرة بل يعاقبهم و قيل لا يحكم بأنهم أزكياء و لا يسميهم بذلك بل يحكم بأنهم كفرة فجرة وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ مولم موجع «2» انتهى.
و قال البيضاوي أي يستبدلون بما عاهدوا عليه من الإيمان بالرسول و الوفاء بالأمانات و بأيمانهم و بما حلفوا به من قولهم و الله لنؤمنن به و لننصرنه ثَمَناً
__________________________________________________
 (1) مفردات غريب القرآن ص 350.
 (2) مجمع البيان ج 2 ص 462 و 463.

118
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

قَلِيلًا متاع الدنيا وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ الظاهر أنه كناية عن غضبه عليهم لقوله وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فإن من سخط على غيره و استهان به أعرض عنه و عن التكلم معه و الالتفات نحوه كما أن من اعتد بغيره يقاوله و يكثر النظر إليه وَ لا يُزَكِّيهِمْ و لا يثني عليهم انتهى «1» و ظاهر الخبر أن ناقض العهد و اليمين لا يدخل الجنة أصلا فيمكن حمله على الاستحلال أو على أنه لا يدخل الجنة ابتداء و حمله على المشركين و الكافرين كما هو ظاهر المفسرين ينافي سياق الحديث و يمكن حمله على أنهم لا يستحقون دخول الجنة و لا يلزم على الله ذلك لعدم الوعد إلا أن يدخلهم الجنة بفضله.
و أنزل بالمدينة أي في سورة النور و هي مدنية الزَّانِي لا يَنْكِحُ قال في مجمع البيان اختلف في تفسيره على وجوه أحدها أن يكون المراد بالنكاح العقد و نزلت الآية على سبب و هو أن رجلا من المسلمين استأذن النبي ص في أن يتزوج أم مهزول و هي امرأة كانت تسافح و لها راية على بابها تعرف بها فنزلت الآية عن ابن عباس و غيره و المراد بالآية النهي و إن كان ظاهره الخبر و ثانيها أن النكاح هاهنا الجماع و المعنى أنهما اشتركا في الزنا فهي مثله فيكون نظير قوله الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ «2» في أنه خرج مخرج الأغلب الأعم و ثالثها أن هذا الحكم كان في كل زان و زانية ثم نسخ بقوله وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ الآية «3» عن سعيد بن المسيب و جماعة و رابعها أن المراد به العقد و ذلك الحكم ثابت فيمن زنى بامرأة فإنه لا يجوز له أن يتزوج بها روي ذلك عن جماعة من الصحابة و إنما قرن الله سبحانه بين الزاني و المشرك تعظيما لأمر الزنا و تفخيما لشأنه و لا يجوز أن تكون هذه الآية خبرا لأنا نجد الزاني يتزوج غير زانية و لكن المراد هنا الحكم في كل زان أو النهي سواء كان المراد بالنكاح الوطء أو العقد و حقيقة النكاح في اللغة الوطء وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي حرم‏
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل: 70.
 (2) النور: 26.
 (3) النور: 32.

119
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

نكاح الزانيات أو حرم الزنا على المؤمنين فلا يتزوج بهن و لا يطؤهن إلا زان أو مشرك انتهى «1».
ثم المشهور بين الأصحاب كراهة نكاح المشهورات بالزنا و ذهب الشيخان و جماعة إلى اشتراط التوبة في الحل سواء زنى بها من أراد نكاحها أو غيره للآية المتقدمة و بعض الأخبار و أجيب عن الآية تارة بأن المراد بالنكاح الوطء و أخرى بأنها منسوخة بقوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ «2» و بقوله فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ «3» أو قوله وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ «4» و في الأول أنه خلاف الظاهر فإنه إن أريد الوطء لم يظهر للكلام فائدة ظاهرة و في الثاني أنه خلاف الأصل مع أن الظاهر من طابَ حل و من وَراءَ ذلِكُمْ سائر أصناف النساء و لا ينافيه عروض الحرمة لعروض زنا و نحوه.
و الظاهر أنه ع استدل بالآية على أن الله تعالى أخرج الزناة و الزواني في هذه الآية من عداد المؤمنين حيث قابل بين المؤمنين و بينهما إذ الظاهر من سياق الآية أن المراد أنه لا يليق نكاح الزاني إلا بزانية أو مشركة و لا نكاح الزانية إلا بزان أو مشرك و أما المؤمن فإنه لا يليق به هذا الفعل و هو محرم عليه إما بمعناه أو بمعنى الكراهة الشديدة أو بمعنى المحرومية كما في قوله سبحانه وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ «5» فظهر أنه لم يسمهما بالإيمان لما عرفت من المقابلة مع أنه جمع بينهما و بين المشرك و المشركة ففيه أيضا إيماء بعدم إيمانهما.
و هذا وجه حسن خطر بالبال للآية و الخبر معا فإن حمل الآية على وجه آخر لا يستقيم ظاهرا فإنه إذا حمل النكاح على الوطء فالكلام إما في قوة النهي أو الخبر فعلى الأول المعنى النهي عن أن يطأ الزاني سوى الزانية و المشركة و جواز وطئه لهما و فيه ما لا يخفى و كذا العكس و على الثاني يكون كذبا إن أراد
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 7 ص 125.
 (2) النور: 32.
 (3) النساء: 3.
 (4) النساء: 23.
 (5) القصص: 12.

120
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

بالوطء غير الزنا أو الأعم و إن أريد به الزنا كان الكلام خاليا عن الفائدة و إذا حمل على العقد فلو كان في قوة النهي كان مفادها النهي عن أن ينكح الزاني سوى الزانية و المشركة و تجويز نكاحه إياهما و تجويز نكاح الزانية بالزاني و المشرك و لم يقل به أحد و لو كان خبرا لزم الكذب فلا بد من حمل الآية على ما ذكرنا فيتضح استدلاله ع غاية الوضوح و يظهر منه عدم تمام الاستدلال بها على تحريم نكاحهما نعم قوله سبحانه وَ حُرِّمَ ذلِكَ فيه دلالة على التحريم إن لم نحمله على معنى الحرمان و حمله على الكراهة الشديدة مع وجود المعارض غير بعيد مع أنه يحتمل أن يكون ذلِكَ إشارة إلى الزنا بكون الجملة حالية أو تعليلية.
قوله ع ليس يمتري الامتراء الشك و الجملة إلى قوله إنه قال معترضة و ضمير فيه راجع إلى الرسول و قوله إنه قال بدل اشتمال للضمير و قوله لا يزني مفعول قال أولا و الاعتراض لبيان أن الخبر معلوم متواتر بين الفريقين و كأن المراد بقوله حين يزني و حين يسرق حين يصر عليهما و لم يتب و لا فساد في مفارقة الإيمان بالمعنى الذي ذكرناه حيث اشتمل على الفرائض و ترك الكبائر عنه و بها يستحق العذاب في الجملة لا الخلود في النار و من لم يقل بذلك أوله بتأويلات بعيدة.
قال في النهاية في الحديث لا يزني الزاني و هو مؤمن قيل معناه النهي و إن كان في صورة الخبر و الأصل حذف الياء من يزني أن لا يزن المؤمن و لا يسرق و لا يشرب فإن هذه الأفعال لا يليق بالمؤمن و قيل هو وعيد يقصد به الردع كقوله لا إيمان لمن لا أمانة له و المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده و قيل معناه لا يزني و هو كامل الإيمان و قيل معناه أن الهوى يغطي الإيمان فصاحب الهوى لا يرى إلا هواه و لا ينظر إلى إيمانه الناهي له عن ارتكاب الفاحشة فكأن الإيمان في تلك الحالة قد انعدم و قال ابن عباس الإيمان نزه فإذا أذنب العبد فارقه و منه الحديث الآخر إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فوق رأسه كالظلة

121
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

فإذا أقلع رجع إليه الإيمان و كل هذا محمول على المجاز و نفي الكمال دون الحقيقة في رفع الإيمان و إبطاله انتهى.
و قيل إنه ليس بمؤمن إذا كان مستحلا و قيل ليس بمؤمن من العقاب و قيل المقصود نفي المدح أي لا يقال له مؤمن بل يقال زان أو سارق و قيل إنه لنفي البصيرة أي ليس هو ذا بصيرة و قال ابن عباس أي ليس ذا نور و قيل أي ليس بمستحضر الإيمان و قيل أي ليس بعاقل لأن المعصية مع استحضار العقوبة مرجوحة و الحكم بالمرجوح بخلاف العقول و قيل المقصود نفي الحياء و الحياء شعبة من الإيمان أي ليس بمستحي من الله سبحانه و لا يخفى ما في أكثر هذه الوجوه من البعد و الركاكة.
و أنزل بالمدينة أي في سورة النور أيضا وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ «1» أي يقذفون العفائف من النساء بالزنا ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ أي بأربعة عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن من رموهن به من الزنا فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً خبر الذين بتأويل وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً خبر ثان و تنكير شهادة للعموم أي في أي أمر من الأمور كان أَبَداً تأكيد للعموم أي ما لم يتب وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي هم في أعلى مراتب الفسق حتى كأنه لا فاسق غيرهم فقد عبر عنهم باسم الإشارة و عرف الخبر و أتى بضمير الفصل مبالغة في ادعاء حصر الفسق فيهم و قصره عليهم قيل و يمكن أن يكون حالا أو اعتراضا يجري مجرى التعليل لعدم قبول الشهادة إِلَّا الَّذِينَ تابُوا عن القذف و ندموا و رجعوا بالتدارك مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أي من بعد إقامة الحد و قيل من بعد الرمي وَ أَصْلَحُوا سرائرهم و أعمالهم فاستقاموا على مقتضى التوبة قالوا و منه الاستسلام للحد و الاستحلال من المقذوف و العزم على عدم العود إلى ذلك و على ترك جميع المناهي على قول و في المجمع و من شرط توبة القاذف أن يكذب نفسه فيما قاله فإن لم يفعل ذلك لم يجز قبول شهادته «2»
__________________________________________________
 (1) النور: 4.
 (2) مجمع البيان ج 7 ص 126.

122
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ علة للاستثناء.
قوله ع فبرأه الله الظاهر أنه ع استدل على عدم وصفهم بالإيمان بوصفهم بالفسق لأن في عرف القرآن الفسق لازم للكفر و لم يطلق فيه الفاسق إلا على الكافر كقوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً «1» فقابل بين الإيمان و الفسق فدل على أن الفاسق ليس بمؤمن و قال إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ «2» فحصر الفاسق في المنافق فجعله الله منافقا و جعله من أولياء إبليس حيث أطلق الفسق عليهما و أيضا إذا نظرت في الآيات الكريمة و سبرتها لم تر الفاسق أطلق فيها إلا على الكافر قال الراغب فسق فلان خرج من حد الشرع و ذلك من قولهم فسق الرطب إذا خرج عن قشره و هو أعم من الكفر و الفسق يقع بالقليل من الذنوب و بالكثير لكن تعورف فيما كان كثيرا و أكثر ما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع و أقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه و إذا قيل للكافر الأصلي فاسق فلأنه أخل بحكم ما ألزمه العقل و اقتضاه الفطرة قال عز و جل فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ «3» فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ «4» وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ «5» و أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «6» أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ و قال وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «7» و قال تعالى وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ «8» وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ «9» وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ «10» إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ «11» كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ انتهى «12».
__________________________________________________
 (1) السجدة: 18.
 (2) براءة: 67.
 (3) الكهف: 50.
 (4) أسرى: 16.
 (5) آل عمران: 110.
 (6) المائدة: 47.
 (7) النور: 55.
 (8) السجدة: 20.
 (9) الأنعام: 49.
 (10) براءة: 25.
 (11) براءة: 68.
 (12) يونس: 33 راجع المفردات ص 380.

123
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

و جعله أي الرامي الْمُحْصَناتِ أي العفائف الْغافِلاتِ مما قذفن به الْمُؤْمِناتِ بالله و رسوله و ما جاء به لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ بما طعنوا فيهن وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ لعظم ذنوبهم يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ ظرف لما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ «1» يعترفون بها بإنطاق الله إياها بغير اختيارهم أو بظهور آثاره عليها قوله ع و ليست تشهد يدل على أن شهادة الجوارح إنما هي للكفار كما ذكره جماعة من المفسرين و ذكره الشيخ البهائي رحمه الله في الأربعين.
قوله ع فيعطى كتابه بيمينه أي فيقرؤه و من تنطق جوارحه يختم على فيه لقوله تعالى الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ أو لأن سياق آيات شهادة الجوارح تدل على غاية الغضب و الآيات النازلة في المؤمنين مشتملة على نهاية اللطف كقوله سبحانه يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ أي من المدعوين كِتابَهُ بِيَمِينِهِ أي كتاب عمله فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ ابتهاجا بما يرون فيه وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا «2» أي و لا ينقصون من أجورهم أدنى شي‏ء و الفتيل المفتول و سمي ما يكون في شق النواة فتيلا لكونه على هيئته و قيل هو ما تفتله بين أصابعك من خيط أو وسخ و يضرب به المثل في الشي‏ء الحقير.
ثم اعلم أن هذا المضمون وقع في مواضع من القرآن المجيد أولها في بني إسرائيل فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ إلى آخر ما في الحديث و ثانيها في الحاقة فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ «3» و ثالثها في الإنشقاق فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً «4» و ما في الحديث لا يوافق شيئا منها و إن كان بالأول أنسب فكأنه من تصحيف النساخ أو كان في قراءتهم ع هكذا أو نقل بالمعنى جمعا بين الآيات.
و سورة النور أنزلت كأن هذا جواب عن اعتراض مقدر و هو أنه لما
__________________________________________________
 (1) يس: 65.
 (2) أسرى: 71.
 (3) الحاقّة: 19.
 (4) الانشقاق: 8.

124
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تبیین و تحقیق ص 91

أنزل الله في سورة النساء مرتين إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ و هي تدل على عدم ترتب العذاب على غير الشرك فيمكن كونها ناسخة للآيات الدالة على عقوبات أصحاب الكبائر و عدم كونهم من المؤمنين.
فأجاب ع بعد التنزل عن عدم المخالفة بين هذه الآية و تلك الآيات لأن تجويز المغفرة لمن شاء الله لا ينافي استحقاقهم للعذاب و العقاب و خروجهم عن الإيمان بأحد معانيه بأن أكثر ما أوردنا من الآيات و استدللنا بها إنما هي في سورة النور و هي نزلت بعد سورة النساء فكيف تكون آية النساء ناسخة لها فلو احتاج التوفيق إلى القول بالنسخ لكان الأمر بعكس ما قلتم مع أنه لا قائل بالفصل ثم استدل ع على ذلك بأن الله تعالى قال في سورة النساء أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا و السبيل هو الذي ذكره من الحد في سورة النور و يحتمل أن يكون الغرض إفادة دليل آخر على ما سبق من نزول الأحكام مدرجا و نسخ الأشد للأضعف لكن الأول أظهر.
وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ «1» ذهب الأكثر إلى أن المراد بالفاحشة الزنا و قيل هي المساحقة فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ الخطاب للأئمة و الحكام بطلب أربعة رجال من المسلمين شهودا عليهن و قيل الخطاب للأزواج فَإِنْ شَهِدُوا أي الأربعة فَأَمْسِكُوهُنَّ أي فاحبسوهن فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ أي يدركهن الْمَوْتُ قيل أريد به صيانتهن عن مثل فعلهن و الأكثر على أنه على وجه الحد على الزنا.
قالوا كان في بدو الإسلام إن فجرت المرأة و قام عليها أربعة شهود حبست في البيت أبدا حتى تموت ثم نسخ ذلك بالرجم في المحصنين و الجلد في البكرين أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا أي ببيان الحكم كما مر و قيل بالتوبة أو بالنكاح المغني عن السفاح و قالوا لما نزل قوله تعالى الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا
__________________________________________________
 (1) النساء: 15.

125
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

قال النبي ص خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا «1» سُورَةٌ أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة أَنْزَلْناها صفة وَ فَرَضْناها أي فرضنا ما فيها من الأحكام لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فتتقون الحرام الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي قيل أي فيما فرضنا أو أنزلنا حكمهما و هو الجلد و يجوز أن يرفعا بالابتداء و الخبر فَاجْلِدُوا إلى قوله رَأْفَةٌ أي رحمة فِي دِينِ اللَّهِ أي في طاعته و إقامة حده فتعطلوه أو تسامحوا فيه إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ فإن الإيمان يقتضي الجد في طاعة الله.
ثم اعلم أن عدم ذكر الولاية في هذا الخبر مع أنه الغرض الأصلي منه لنوع من التقية لأنه ع ذكره إلزاما عليهم حيث أنكروا كون الولاية جزءا من الإيمان ..
تذييل نفعه جليل‏
اعلم أن الذي ظهر لنا من مجموع الآيات المتضافرة و الأخبار المتكاثرة الواردة في الإيمان و الإسلام و حقائقهما و شرائطهما أن لكل منهما إطلاقات كثيرة في الكتاب و السنة و لكل منها فوائد و ثمرات تترتب عليه.
فالأول من معاني الإيمان مجموع العقائد الحقة و الأصول الخمسة و الثمرة المترتبة عليه في الدنيا الأمان من القتل و نهب الأموال و الإهانة إلا أن يأتي بقتل أو فاحشة يوجب القتل أو الحد أو التعزير و في الآخرة صحة أعماله و استحقاق الثواب عليها في الجملة و عدم الخلود في النار و استحقاق العفو و الشفاعة و يدخل في الكفر المقابل لهذا الإيمان من سوى الفرقة الناجية الإمامية من فرق الإسلام و غيرهم فإنهم مخلدون في النار سوى المستضعفين منهم كما سيأتي.
الثاني الاعتقادات المذكورة مع الإتيان بالفرائض التي ظهر وجوبها من‏
__________________________________________________
 (1) و بعده: البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام، و الثيب بالثيب جلد مائة و الرجم راجع مجمع البيان ج 3 ص 21.

126
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

القرآن و ترك الكبائر التي أوعد الله عليها النار و على هذا المعنى أطلق الكافر على تارك الصلاة و تارك الزكاة و أشباههم و ورد لا يزني الزاني و هو مؤمن و لا يسرق السارق و هو مؤمن و ثمرة هذا الإيمان عدم استحقاق الإذلال و الإهانة و العذاب في الدنيا و الآخرة.
الثالث العقائد المذكورة مع فعل جميع الواجبات و ترك جميع المحرمات و ثمرته اللحوق بالمقربين و الحشر مع الصديقين و تضاعف المثوبات و رفع الدرجات.
الرابع ما ذكر مع ضم فعل المندوبات و ترك المكروهات بل المباحات كما ورد في أخبار صفات المؤمن و بهذا المعنى يختص بالأنبياء و الأوصياء كما ورد في الأخبار الكثيرة تفسير المؤمنين في الآيات بالأئمة الطاهرين ع و قد ورد في تفسير قوله سبحانه وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ «1» أن جميع معاصي الله بل التوسل بغيره تعالى داخلة في الشرك المذكور في هذه الآية و ثمرة هذا الإيمان أنه يؤمن على الله فيجيز أمانه و أنه لا يرد الله دعوته و سائر ما ورد في درجاتهم ع و منازلهم عند الله تعالى.
و أما الإسلام فيطلق غالبا على التكلم بالشهادتين و الإقرار الظاهري و إن لم يقترن بالإذعان القلبي و لا بالإقرار بالولاية كما عرفت سابقا و ثمرته إنما تظهر في الدنيا من حقن دمه و ماله و جواز نكاحه و استحقاقه الميراث و سائر الأحكام الظاهرة للمسلمين و ليس له في الآخرة من خلاق و قد يطلق على كل‏
__________________________________________________
 (1) يوسف: 106، و ما ورد من الحديث في ذلك، رواه القمّيّ بإسناده عن الفضيل عن أبي جعفر عليه السلام و العيّاشيّ ج 2 ص 200 عن زرارة عنه عليه السلام في هذه الآية قال: شرك طاعة و ليس شرك عبادة و المعاصى التي يرتكبون فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا باللّه الطاعة لغيره، و ليس باشراك عبادة أن يعبدوا غير اللّه و روى العيّاشيّ عن مالك بن عطية، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: هو الرجل يقول: لو لا فلان لهلكت و لو لا فلان لاصبت كذا و كذا، لو لا فلان لضاع عيالى، الحديث.

127
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

من معاني الإيمان حتى المعنى الأخير فيكون بمعنى الاستسلام و الانقياد التام.
ثم إن الآيات و الأخبار الدالة على دخول الأعمال في الإيمان يحتمل وجوها الأول أن يحمل على ظواهرها و يقال إن العمل داخل في حقيقة الإيمان على بعض المعاني الثاني أن يكون الإيمان أصل العقائد لكن يكون تسميتها إيمانا مشروطة بالأعمال الثالث أن يقال بزيادة الإيمان و تفاوته شدة و ضعفا و تكون الأعمال كثرة و قلة كاشفة عن حصول كل مرتبة من تلك المراتب فإنه لا شك أن لشدة اليقين مدخلا في كثرة الأعمال الصالحة و ترك المناهي و قد بسطنا الكلام في ذلك قليلا في كتاب عين الحيوة و سيتضح لك بعض ما ذكرنا في تضاعيف الأخبار الآتية و لنذكر هنا بعض ما ذكره أصحابنا في حقيقة الإيمان و الإسلام و معانيهما و شرائطهما.
قال المحقق الطوسي قدس سره القدوسي في قواعد العقائد المسألة الخامسة فيما به يحصل استحقاق الثواب و العقاب قالوا الإسلام أعم في الحكم من الإيمان و هما في الحقيقة شي‏ء واحد أما كونه أعم فلأن من أقر بالشهادتين كان حكمه حكم المسلمين قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا «1» و أما كون الإسلام في الحقيقة هو الإيمان فلقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «2» و اختلفوا في معناه فقال بعض السلف الإيمان إقرار باللسان و تصديق بالقلب و عمل صالح بالجوارح و قالت المعتزلة أصول الإيمان خمسة التوحيد و العدل و الإقرار بالنبوة و بالوعد و الوعيد و القيام بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و قال الشيعة أصول الإيمان ثلاثة التصديق بوحدانية الله تعالى في ذاته و العدل في أفعاله و التصديق بنبوة الأنبياء و التصديق بإمامة الأئمة المعصومين و التصديق بالأحكام التي يعلم يقينا أنه ص حكم بها دون ما فيه الخلاف و الاستتار.
و الكفر يقابل الإيمان و الذنب يقابل العمل الصالح و ينقسم إلى كبائر
__________________________________________________
 (1) الحجرات: 13.
 (2) آل عمران: 19.

128
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

و صغائر و يستحق المؤمن بالإجماع الخلود في الجنة و يستحق الكافر الخلود في العذاب و صاحب الكبيرة عند الخوارج كافر لأنهم جعلوا العمل الصالح جزءا من الإيمان و عند غيرهم خارج فاسق و المؤمن عند المعتزلة و الوعيدية لا يكون فاسقا و جعلوا الفاسق الذي لا يكون كافرا منزلة بين المنزلتين الإيمان و الكفر و هو عندهم يكون في النار خالدا و عند غيرهم المؤمن قد يكون فاسقا و قد لا يكون و تكون عاقبة الأمر على التقديرين الخلود في الجنة.
و قال ره في التجريد الإيمان التصديق بالقلب و اللسان و لا يكفي الأول لقوله تعالى وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ «1» و نحوه و لا الثاني لقوله تعالى قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا و الكفر عدم الإيمان إما مع الضد أو بدونه و الفسق الخروج عن طاعة الله تعالى مع الإيمان به و النفاق إظهار الإيمان به و إخفاء الكفر و الفاسق مؤمن لوجود حده فيه.
و قال العلامة نور الله ضريحه في الشرح اختلف الناس في الإيمان على وجوه كثيرة و ليس هنا موضع ذكرها و الذي اختاره المصنف رضوان الله أنه عبارة عن التصديق بالقلب و اللسان معا و لا يكفي أحدهما فيه أما التصديق القلبي فإنه غير كاف لقوله تعالى وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ و قوله تعالى فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ «2» فأثبت لهم المعرفة و الكفر و أما التصديق اللساني فإنه غير كاف أيضا لقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا الآية و لا شك في أن أولئك الأعراب صدقوا بألسنتهم.
و قال ره الكفر في اللغة هو التغطية و في العرف الشرعي هو عدم الإيمان إما مع الضد بأن يعتقد فساد ما هو شرط في الإيمان أو بدون الضد كالشاك الخالي من الاعتقاد الصحيح و الباطل و الفسق لغة الخروج مطلقا و في الشرع عبارة عن الخروج عن طاعة الله تعالى فيما دون الكفر و النفاق في اللغة هو إظهار خلاف الباطن و في الشرع إظهار الإيمان و إبطان الكفر.
__________________________________________________
 (1) النمل: 14.
 (2) البقرة: 89.

129
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

و اختلف الناس في الفاسق فقالت المعتزلة إن الفاسق لا مؤمن و لا كافر و أثبتوا له منزلة بين المنزلتين و قال الحسن البصري إنه منافق و قالت الزيدية إنه كافر نعمة و قالت الخوارج إنه كافر و الحق ما ذهب إليه المصنف و هو مذهب الإمامية و المرجئة و أصحاب الحديث و جماعة الأشعرية أنه مؤمن و الدليل عليه أن حد المؤمن و هو المصدق بقلبه و لسانه في جميع ما جاء به النبي ص موجود فيه فيكون مؤمنا انتهى.
و قال الشيخ المفيد قدس الله روحه في كتاب المسائل اتفقت الإمامية على أن مرتكب الكبائر من أهل المعرفة و الإقرار لا يخرج بذلك عن الإسلام و أنه مسلم و إن كان فاسقا بما معه من الكبائر و الآثام و وافقهم على هذا القول المرجئة كافة و أصحاب الحديث قاطبة و نفر من الزيدية و أجمعت المعتزلة على خلاف ذلك و زعموا أن مرتكب الكبائر ممن ذكرناه فاسق ليس بمؤمن و لا مسلم.
و قال قدس سره اتفقت الإمامية على أن الإسلام غير الإيمان و أن كل مؤمن فهو مسلم و ليس كل مسلم مؤمنا و أن الفرق بين هذين المعنيين في الدين كما كان في اللسان و وافقهم على هذا القول المرجئة و أصحاب الحديث و أجمعت المعتزلة على عدم الفرق بينهما.
و قال الشهيد الثاني قدس سره في رسالة حقائق الإيمان اعلم أن الإيمان لغة التصديق كما نص عليه أهلها و هو إفعال من الأمن بمعنى سكون النفس و اطمئنانها لعدم ما يوجب الخوف لها و حينئذ فكان حقيقة آمن به سكنت نفسه و اطمأنت بسبب قبول قوله و امتثال أمره فتكون الباء للسببية و يحتمل أن يكون بمعنى أمنه التكذيب و المخالفة كما ذكره بعضهم فتكون الباء فيه زائدة و الأول أولى كما لا يخفى و أوفق لمعنى التصديق و هو يتعدى باللام كقوله تعالى وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا «1» و فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ «2» و بالباء كقوله تعالى آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ «3»
__________________________________________________
 (1) يوسف: 17.
 (2) العنكبوت: 26.
 (3) آل عمران: 53.

130
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

و أما التصديق فقد قيل إنه القبول و الإذعان بالقلب كما ذكره أهل الميزان و يمكن أن يقال معناه قبول الخبر أعم من أن يكون بالجنان أو باللسان و يدل عليه قوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا فأخبروا عن أنفسهم بالإيمان و هم من أهل اللسان مع أن الواقع منهم هو الاعتراف باللسان دون الجنان لنفيه عنهم بقوله تعالى قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا و إثبات الاعتراف بقوله تعالى وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا «1» الدال على كونه إقرارا بالشهادتين و قد سموه إيمانا بحسب عرفهم و الذي نفاه الله عنهم إنما هو الإيمان في عرف الشرع.
و أما الإيمان الشرعي فقد اختلف في بيان حقيقته العبارات بسبب اختلاف الاعتبارات و بيان ذلك أن الإيمان شرعا إما أن يكون من أفعال القلوب فقط أو من أفعال الجوارح فقط أو منهما معا.
فإن كان الأول فهو التصديق بالقلب فقط و هو مذهب الأشاعرة و جمع من متقدمي الإمامية و متأخريهم و منهم المحقق الطوسي رحمه الله في فصوله لكن اختلفوا في معنى التصديق فقال أصحابنا هو العلم و قال الأشعرية هو التصديق النفساني و عنوا به أنه عبارة عن ربط القلب على ما علم من إخبار المخبر فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق و لذا يثاب عليه بخلاف العلم و المعرفة فإنها ربما تحصل بلا كسب كما في الضروريات و قد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين فقال التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر حتى لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقا و إن كان معرفة و سنبين إن شاء الله تعالى قصور ذلك.
و إن كان الثاني فإما أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط و هو مذهب الكرامية أو عن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضا و نفلا و هو مذهب الخوارج و قدماء المعتزلة و العلاف و القاضي عبد الجبار أو عن جميعها من الواجبات و ترك المحظورات دون النوافل و هو مذهب أبي علي الجبائي و ابنه أبي هاشم و أكثر معتزلة البصرة.
__________________________________________________
 (1) الحجرات: 13.

131
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

و إن كان الثالث فهو إما أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح من الطاعات و هو قول المحدثين و جمع من السلف كابن مجاهد و غيره فإنهم قالوا إن الإيمان تصديق بالجنان و إقرار باللسان و عمل بالأركان أو يكون عبارة عن التصديق مع كلمتي الشهادة و نسب إلى طائفة منهم أبو حنيفة أو يكون عبارة عن التصديق بالقلب مع الإقرار باللسان و هو مذهب المحقق نصير الدين الطوسي رحمه الله في تجريده فهذه سبعة مذاهب ذكرت في الشرح الجديد للتجريد و غيره.
و اعلم أن مفهوم الإيمان على المذهب الأول يكون تخصيصا للمعنى اللغوي و أما على المذاهب الباقية فهو منقول و التخصيص خير من النقل و هنا بحث و هو أن القائلين بأن الإيمان عبارة عن فعل الطاعات كقدماء المعتزلة و العلاف و الخوارج لا ريب أنهم يوجبون اعتقاد مسائل الأصول و حينئذ فما الفرق بينهم و بين القائلين بأنه عبارة عن أفعال القلوب و الجوارح و يمكن الجواب بأن اعتقاد المعارف شرط عند الأولين و شطر عند الآخرين.
ثم قال اعلم أن المحقق الطوسي رحمه الله ذكر في قواعد العقائد أن أصول الإيمان عند الشيعة ثلاثة ثم ذكر ما نقلنا عنه سابقا ثم قال ذكر في الشرح الجديد للتجريد أن الإيمان في الشرع عند الأشاعرة هو التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة فتفصيلا فيما علم تفصيلا و إجمالا فيما علم إجمالا فهو في الشرع تصديق خاص انتهى فهؤلاء اتفقوا على أن حقيقة الإيمان هي التصديق فقط و إن اختلفوا في مقدار المصدق به و الكلام هاهنا في مقامين الأول في أن التصديق الذي هو الإيمان المراد به اليقيني الجازم الثابت كما يظهر من كلام من حكينا عنه و الثاني في أن الأعمال ليست جزءا من حقيقة الإيمان الحقيقي بل هي جزء من الإيمان الكمالي.
أما الدليل على الأول فآيات بينات منها قوله تعالى إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً «1» و الإيمان حق بالنص و الإجماع فلا يكفي في حصوله و تحققه‏
__________________________________________________
 (1) النجم: 28.

132
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

الظن و منها إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ «1» إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ «2» إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ «3» فهذه قد اشتركت في التوبيخ على اتباع الظن و الإيمان لا يوبخ من حصل له بالإجماع فلا يكون ظنا و منها قوله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا «4» فنفى عنهم الريب فيكون الثابت هو اليقين و في العرف يطلق عدم الريب على اليقين و من السنة المطهرة قوله ص يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي على دينك و الثبات هو الجزم و المطابقة و فيه منع لم لا يجوز أن يكون طلبه ع لأنه الفرد الأكمل.
و من الدلائل أيضا الإجماع حيث ادعى بعضهم أنه يجب معرفة الله تعالى التي لا يتحقق الإيمان إلا بها بالدليل إجماعا من العلماء كافة و الدليل ما أفاد العلم و الظن لا يفيده و في صحة دعوى الإجماع بحث لوقوع الخلاف في جواز التقليد في المعارف الأصولية كما سنذكره إن شاء الله تعالى. و اعلم أن جميع ما ذكرنا من الأدلة لا يفيد شي‏ء منه العلم بأن الجزم و الثبات معتبر في التصديق الذي هو الإيمان إنما يفيد الظن باعتبارهما لأن الآيات قابلة للتأويل و غيرها كذلك مع كونها من الآحاد.
ثم قال رفع الله درجته اعلم أن العلماء أطبقوا على وجوب معرفة الله بالنظر و أنها لا تحصل بالتقليد إلا من شذ منهم كعبد الله بن الحسن العنبري و الحشوية و التعليمية حيث ذهبوا إلى جواز التقليد في العقائد الأصولية كوجود الصانع و ما يجب له و يمتنع و النبوة و العدل و غيرها بل ذهب بعضهم إلى وجوبه لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة أنه عقلي أو سمعي فالإمامية و المعتزلة على الأول و الأشعرية على الثاني و لا غرض لنا هنا ببيان ذلك بل ببيان أصل الوجوب المتفق عليه.
ثم استدل بوجوب شكر المنعم عقلا و شكره على وجه يليق بكمال ذاته‏
__________________________________________________
 (1) النجم: 28.
 (2) البقرة: 78.
 (3) الحجرات: 12.
 (4) الحجرات: 15.

133
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

يتوقف على معرفته و هي لا تحصل بالظنيات كالتقليد و غيره لاحتمال كذب المخبر و خطإ الأمارة فلا بد من النظر المفيد للعلم ثم قال و هذا الدليل إنما يستقيم على قاعدة الحسن و القبح و الأشاعرة ينكرون ذلك لكن كما يدل على وجوب المعرفة بالدليل يدل أيضا على كون الوجوب عقليا و اعترض أيضا بأنه مبني على وجوب ما لا يتم الواجب المطلق إلا به و فيه أيضا منوع للأشاعرة.

و من ذلك أن الأمة أجمعت على وجوب المعرفة و التقليد و ما في حكمه لا يوجب العلم إن أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد حدوث العالم و يعتقد قدمه و قد اعترض على هذا بمنع الإجماع كيف و المخالف معروف بل عورض بوقوع الإجماع على خلافه و ذلك لتقرير النبي ص و أصحابه العوام على إيمانهم و هم الأكثرون في كل عصر مع عدم الاستفسار عن الدلائل الدالة على الصانع و صفاته مع أنهم كانوا لا يعلمونها و إنما كانوا مقرين باللسان و مقلدين في المعارف و لو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم على ذلك مع الحكم بإيمانهم و أجيب عن هذا بأنهم كانوا يعلمون الأدلة إجمالا كدليل الأعرابي حيث قال البعرة تدل على البعير و أثر الأقدام على المسير أ فسماء ذات أبراج و أرض ذات فجاج لا تدلان على اللطيف الخبير فلذا أقروا و لم يسألوا عن اعتقاداتهم أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين.

و من ذلك الإجماع على أنه لا يجوز تقليد غير المحق و إنما يعلم المحق من غيره بالنظر في أن ما يقوله حق أم لا و حينئذ فلا يجوز له التقليد إلا بعد النظر و الاستدلال و إذا صار مستدلا امتنع كونه مقلدا فامتنع التقليد في المعارف الإلهية و نقض ذلك بلزوم مثله في الشرعيات فإنه لا يجوز تقليد المفتي إلا إذا كانت فتياه عن دليل شرعي فإن اكتفى في الاطلاع على ذلك بالظن و إن كان مخطئا في نفس الأمر لحط ذلك عنه فليجز مثله في مسائل الأصول و أجيب بالفرق بأن الخطأ

134
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

في مسائل الأصول يقتضي الكفر بخلافه في الفروع فساغ في الثانية ما لم يسغ في الأولى.
احتج من أوجب التقليد في مسائل الأصول بأن العلم بالله تعالى غير ممكن لأن المكلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون عالما بأمره و حال امتناع كونه عالما بأمره يمتنع كونه مأمورا من قبله و إلا لزم تكليف ما لا يطاق و إن كان عالما به استحال أيضا أمره بالعلم به لاستحالة تحصيل الحاصل و الجواب عن ذلك على قواعد الإمامية و المعتزلة ظاهر فإن وجوب النظر و المعرفة عندهم عقلي لا سمعي نعم يلزم ذلك على قواعد الأشاعرة إذ الوجوب عندهم سمعي.
أقول و يجاب أيضا معارضة بأن هذا الدليل كما يدل على امتناع العلم بالمعارف الأصولية يدل على امتناع التقليد فيها أيضا فينسد باب المعرفة بالله تعالى فكل من يرجع إليه في التقليد لا بد و أن يكون عالما بالمسائل الأصولية ليصح تقليده ثم يجري الدليل فيه فيقال علم هذا الشخص بالله تعالى غير ممكن لأنه حين كلف به إن لم يكن عالما به تعالى استحال أن يكون عالما بأمره بالمقدمات و كل ما أجابوا به فهو جوابنا و لا مخلص لهم إلا أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلي فيبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالى غير ممكن أو سمعي فكذلك.
فإن قيل ربما يحصل العلم لبعض الناس بتصفية النفس أو إلهامه إلى غير ذلك فيقلده الباقون قلنا هذا أيضا يبطل قولكم إن العلم بالله تعالى غير ممكن نعم ما ذكروه يصلح أن يكون دليلا على امتناع المعرفة بما يسمع فيكون حجة على الأشاعرة لا دليلا على وجوب التقليد.
و احتجوا أيضا بأن النهي عن النظر قد ورد في قوله تعالى ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا «1» و النظر يفتح باب الجدال فيحرم و لأنه ع رأى الصحابة يتكلمون في مسألة القدر فنهاهم عن الكلام فيها و قال إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم في هذا و لقوله ع عليكم بدين العجائز و المراد ترك النظر فلو كان‏
__________________________________________________
 (1) غافر: 4.

135
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

واجبا لم يكن منهيا عنه و أجيب عن الأول بأن المراد الجدال بالباطل كما في قوله تعالى وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ «1» لا الجدال بالحق لقوله تعالى وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «2» فالأمر بذلك يدل على أن الجدال مطلقا ليس منهيا عنه و عن الثاني بأن نهيهم عن الكلام في مسألة القدر على تقدير تسليمه لا يدل على النهي عن مطلق النظر بل عنه في مسألة القدر كيف و قد ورد الإنكار على تارك النظر في قوله تعالى أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ «3» و قد أثنى على فاعله في قوله وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «4» على أن نهيهم عن الخوض في القدر لعله لكونه أمرا غيبيا و بحرا عميقا كما أشار إليه علي ع بقوله بحر عميق فلا تلجه بل كان مراد النبي ص التفويض في مثل ذلك إلى الله تعالى لأن ذلك ليس من الأصول التي يجب اعتقادها و البحث عنها مفصلة.
و هاهنا جواب آخر عنهما معا و هو أن النهي في الآية و الحديث مع قطع النظر عما ذكرناه إنما يدل على النهي عن الجدال الذي لا يكون إلا عن متعدد بخلاف النظر فإنه يكون من واحد فهو نصب الدليل على غير المدعى و عن الثالث بالمنع من صحة نسبته إلى النبي ص فإن بعضهم ذكر أنه من مصنوعات سفيان الثوري فإنه روي أن عمر بن عبد الله المعتزلي قال إن بين الكفر و الإيمان منزلة بين المنزلتين فقالت عجوز قال الله تعالى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ «5» فلم يجعل من عباده إلا الكافر و المؤمن فسمع سفيان كلامها فقال عليكم بدين العجائز على أنه لو سلم فالمراد به التفويض إلى الله تعالى في قضائه و حكمه و الانقياد له في أمره و نهيه.
__________________________________________________
 (1) غافر: 5.
 (2) النحل: 125.
 (3) الروم: 8 و تمامه: ما خلق اللّه السموات و الأرض و ما بينهما الا بالحق.
 (4) آل عمران: 191.
 (5) التغابن: 2.

136
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

و احتج من جوز التقليد بأنه لو وجب النظر في المعارف الإلهية لوجد من الصحابة إذ هم أولى به من غيرهم لكنه لم يوجد و إلا لنقل كما نقل عنهم النظر و المناظرة في المسائل الفقهية فحيث لم ينقل لم يقع فلم يجب.
و أجيب بالتزام كونهم أولى به لكنهم نظروا و إلا لزم نسبتهم إلى الجهل بمعرفة الله تعالى و كون الواحد منا أفضل منهم و هو باطل إجماعا إذا كانوا عالمين و ليس بالضرورة فهو بالنظر و الاستدلال و أما أنه لم ينقل النظر و المناظرة فلاتفاقهم على العقائد الحقة لوضوح الأمر عندهم حيث كانوا ينقلون عقائدهم عمن لا ينطق عن الهوى فلم يحتاجوا إلى كثرة البحث و النظر بخلاف الأخلاف بعدهم فإنهم لما كثرت شبه الضالين و اختلفت أنظار طالبي اليقين لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق احتاجوا إلى النظر و المناظرة ليدفعوا بذلك شبه المضلين و يقفوا على اليقين أما مسائل الفروع لما كانت أمورا ظنية اجتهادية خفية لكثرة تعارض الأمارات فيها وقع بينهم الخلاف فيها و المناظرة و التخطئة لبعضهم من بعض فلذا نقل.
و احتجوا أيضا بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات و التورط في الضلالات بخلاف التقليد فإنه أبعد عن ذلك و أقرب إلى السلامة فيكون أولى و لأن الأصول أغمض أدلة من الفروغ و أخفى فإذا جاز التقليد في الأسهل جاز في الأصعب بطريق أولى و لأنهما سواء في التكليف بهما فإذا جاز في الفروغ فليجز في الأصول.
و أجيب عن الأول بأن اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد لزم إما التسلسل أو الانتهاء إلى من يعتقد عن نظر لانتفاء الضرورة فيلزم ما ذكرتم من المحذور مع زيادة و هي احتمال كذب المخبر بخلاف الناظر مع نفسه فإنه لا يكابر نفسه فيما أدى إليه نظره على أنه لو اتفق الانتهاء إلى من اتفق له العلم بغير النظر كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم أو بالإلهام أو بخلق العلم فيه ضرورة فهو إنما يكون لأفراد نادرة لأنه على خلاف العادة فلا يتيسر لكل أحد الوصول إليه مشافهة بل بالوسائط فيكثر احتمال الكذب بخلاف الناظر فإنه لا يكابر نفسه‏

137
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

و لأنه أقرب إلى الوقوع على الصواب و أما الجواب عن العلاوة فلأنه لما كان الطريق إلى العمل بالفروع إنما هو النقل ساغ لنا التقليد فيها و لم يقدح احتمال كذب المخبر و إلا لانسد باب العلم و العمل بها بخلاف الاعتقاديات فإن الطريق إليها بالنظر ميسر.
ثم قال رحمه الله بعد إطالة الكلام في الجواب عن حجة الخصام و أما المقام الثاني و هو أن الأعمال ليست جزءا من الإيمان و لا نفسه فالدليل عليه من الكتاب العزيز و السنة المطهرة و الإجماع أما الكتاب فمن قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ «1» فإن العطف يقتضي المغايرة و عدم دخول المعطوف في المعطوف عليه فلو كان عمل الصالحات جزءا من الإيمان أو نفسه لزم خلو العطف عن الفائدة لكونه تكرارا و رد بأن الصالحات جمع معرف يشمل الفرض و النفل و القائل بكون الطاعات جزءا من الإيمان يريد بها فعل الواجبات و اجتناب المحرمات و حينئذ فيصح العطف لحصول المغايرة المفيدة لعموم المعطوف فلم يدخل كله في المعطوف عليه نعم يصلح دليلا على إبطال مذهب القائلين بكون المندوب داخلا في حقيقة الإيمان كالخوارج.
و منه قوله تعالى وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ «2» أي حالة إيمانه و هذا يقتضي المغايرة و منه قوله تعالى وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا «3» فإنه أثبت الإيمان لمن ارتكب بعض المعاصي فلا يكون ترك المنهيات جزءا من الإيمان و منه قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ «4» فإن أمرهم بالتقوى الذي لا تحصل إلا بفعل الطاعات و الانزجار عن المنهيات مع وصفهم بالإيمان يدل على عدم حصول التقوى لهم و إلا لكان أمرا بتحصيل‏
__________________________________________________
 (1) ترى نصه في آيات كثيرة منها: البقرة: 277.
 (2) طه: 112.
 (3) الحجرات: 9.
 (4) براءة: 119.

138
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

الحاصل و منه الآيات الدالة على كون القلب محلا للإيمان من دون ضميمة شي‏ء آخر كقوله تعالى أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ «1» و لو كان الإقرار أو غيره من الأعمال نفس الإيمان أو جزءه لما كان القلب محل جميعه و قوله تعالى وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ «2» و قوله تعالى وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ «3» و كذا آيات الطبع و الختم تشعر بأن محل الإيمان القلب كقوله تعالى أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ «4» وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ «5» وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ «6» و أما السنة فكقوله ص يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي على دينك و روي أن النبي ص سأل جبرئيل عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله و رسله و اليوم الآخر.
و أما الإجماع فهو أن الأمة أجمعت على أن الإيمان شرط لسائر العبادات و الشي‏ء لا يكون شرطا لنفسه فلا يكون الإيمان هو العبادات.
و أما أهل الثاني و هم الكرامية «7» فقد استدلوا على مذهبهم بأن النبي ص و الصحابة كانوا يكتفون في الخروج عن الكفر بكلمتي الشهادتين فتكون هي الإيمان إذ لا واسطة بين الكفر و الإيمان لأن الكفر عدم الإيمان و لقوله تعالى فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ «8» و بقوله ص أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله و بقوله ص لأسامة حين قتل من تكلم بالشهادتين.
__________________________________________________
 (1) المجادلة: 22.
 (2) الحجرات: 13.
 (3) النحل: 106.
 (4) النحل: 108.
 (5) براءة: 93.
 (6) الجاثية: 23، و صححنا الآيات بعرضها على المصحف الشريف.
 (7) أتباع محمّد بن كرام- كشداد- و من اعتقاده أن معبوده مستقر على العرش و أنّه جوهر تعالى اللّه عن ذلك.
 (8) التغابن: 2.

139
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

هلا شققت قلبه أو هل شققت قلبه على بعض النسخ يريد بذلك الإنكار عليه حيث لم يكتف بالشهادتين منه.
و الجواب عن الأول أن الخروج عن الكفر بكلمة الشهادة إن أرادوا به الخروج في نفس الأمر بحيث يصير مؤمنا عند الله سبحانه بمجرد ذلك من دون تصديق فهو ممنوع لم لا يجوز أن يكون اكتفاؤهم بذلك للترغيب في الإسلام لا للحكم بالإيمان و إن أرادوا به الخروج بحسب الظاهر فهو مسلم لكن لا ينفعهم إذ الكلام فيما يتحقق به الإيمان عند الله تعالى بحيث يصير المتصف به مؤمنا في نفس الأمر لا فيما يتحقق به الإسلام في ظاهر الشرع حيث لا يمكن الاطلاع على الباطن أ لا ترى أنهم كانوا يحكمون بكفر من ظهر منه النفاق بعد الحكم بإسلامه و لو كان مؤمنا في نفس الأمر لما جاز ذلك و أما نفي الواسطة «1» فهو مستقيم على أخذ الحكم في نفس الأمر فإن حال المكلف في نفس الأمر لا يخلو عن أحدهما و أما جعل لا إله إلا الله غاية للقتال فلا يدل على أكثر من كونه للترغيب في الإسلام أيضا بسبب حقن الدماء على أن النبي ص ربما لا يطلع على بواطن الناس فكيف يؤمر بالقتال على ما لا يطلع عليه.
و أما أهل الثالث و هم قدماء المعتزلة القائلون بأنه جميع الطاعات فرضا و نفلا فمن أمتن دلائلهم على ذلك قوله تعالى وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ «2» و المشار إليه بذلك هو جميع ما حصر بإلا و ما عطف عليه و الدين هو الإسلام لقوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «3» و الإسلام هو الإيمان لقوله تعالى وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ «4» و لا ريب أن الإيمان مقبول من مبتغيه للنص و الإجماع فيكون إسلاما فيكون دينا فيعتبر فيه الطاعات كما دلت عليه الآيات‏
__________________________________________________
 (1) يعني في قوله تعالى: فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ.
 (2) البينة: 5.
 (3) آل عمران: 1.
 (4) آل عمران: 85.
                       

140
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

و الجواب المنع من اتحاد الدينين في الآيتين فلا يتكرر الوسط و لو سلم اتحادهما فلا نسلم أن الإيمان هو الإسلام ليكون هو الدين فيعتبر فيه الطاعات لم لا يجوز أن يكون الإيمان شرطا للإسلام أو جزءا منه أو بالعكس و شرط الشي‏ء و جزؤه يقبل مع كونه غيره و لا يلزم من ذلك أن يكون الإيمان هو الدين بل شرطه أو جزؤه على أنا لو قطعنا النظر عن جميع ذلك فالآية الكريمة إنما تدل على أن من ابتغى و طلب غير دين الإسلام دينا له فلن يقبل منه ذلك المطلوب و لم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع عليه لكنه ترك فعل بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين الإسلام إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه لعدم المنافاة بينهما فإن الشخص قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها لكنه تركها إهمالا و تقصيرا و لا يخرج بذلك عن ابتغائهما.
و استدلوا أيضا بقوله تعالى وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ «1» أي صلاتكم إلى بيت المقدس و اعترض عليه بأنه لم لا يجوز أن يكون المراد به تصديقكم بتلك الصلاة سلمنا ذلك لكن لا دلالة لهم في الآية و ذلك لأنهم زعموا أن الإيمان جميع الطاعات و الصلاة إنما هي جزء من الطاعات و جزء الشي‏ء لا يكون ذلك الشي‏ء.
و أما أهل الرابع و هم القائلون بكونه عبارة عن جميع الواجبات و ترك المحظورات دون النوافل فقد يستدل لهم بقوله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ «2» و التقوى لا يتحقق إلا بفعل المأمور به و ترك المنهي عنه فلا يكون التصديق مقبولا ما لم يحصل التقوى و بما روي أن الزاني لا يزني و هو مؤمن و بقوله ع لا إيمان لمن لا أمانة له و بقوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ «3» و قد لا يحكم بما أنزل الله أو يحكم بما لم‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 143.
 (2) المائدة: 27.
 (3) المائدة: 47.

141
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

ينزل الله مصدقا فلو تحقق الإيمان بالتصديق لزم اجتماع الكفر و الإيمان في محل واحد و هو محال لتقابلهما بالعدم و الملكة.
و الجواب عن الأول أنه يجوز أن يكون المراد و الله أعلم الأعمال الندبية على أنا نقول إن ظاهر الآية الكريمة متروك فإنها تدل ظاهرا على أن من أخلص في جميع أفعاله و كان قد سبق منه معصية واحدة لم يثب عليها و يكون جميع أعمال الطاعات اللاحقة غير مقبولة و القول بذلك مع بعده عن حكمة الله تعالى من أفظع الفظائع فلا يكون مرادا بل المراد و الله أعلم أن من عمل عملا إنما يكون مقبولا إذا كان متقيا فيه بأن يكون مخلصا فيه لله تعالى و حينئذ فلا دلالة لهم في الآية الكريمة مع أنا لو تنزلنا عن ذلك و قلنا بدلالتها على عدم قبول التصديق من دون التقوى فلا يحصل بذلك مدعاهم الذي هو كون الإيمان عبارة عن جميع الواجبات إلخ و لقائل أن يقول لم لا يجوز أن يكون الإيمان عبارة عما ذكرتم مع التصديق بالمعارف الأصولية و عدم قبول الجزء إنما هو لعدم قبول الكل.
و أما الحديث الأول على تقدير تسليمه فيمكن حمله على المبالغة في الزجر أو تخصيصه بمن استحل و دليل التخصيص في أحاديث أخر أو على نفي الكمال في الإيمان و كذا الحديث الثاني و أما الاستدلال بالآية فقد تعارض بقوله تعالى وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ «1» و الفاسق مؤمن على المذهب الحق و بين المنزلتين على غيره و يمكن أن يقال الفسق لا ينافي الكفر إذ الكافر فاسق لغة و إن كان في العرف يباينه لكنه لم يتحقق كونه عرف الشارع بل المعلوم كونه لأهل الشرع و الأصول فلا تعارض حينئذ.
أقول و الحق في الجواب أن المراد و الله أعلم و من لم يحكم بما أنزل أي بما علم قطعا أن الله سبحانه أنزله فإن العدول عنه إلى غيره مستحلا أو الوقوف عنه كذلك لا ريب في كونه كفرا لأنه إنكار لما علم ثبوته ضرورة فلا يكون‏
__________________________________________________
 (1) المائدة: 48.

142
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

التصديق حاصلا و حينئذ فلا دلالة فيها على أن من ارتكب معصية غير مستحل أو مستحلا مع كون تحريمها لم يعلم من الدين ضرورة يكون كافرا و إنما ارتكبنا هذا الإضمار في الآية لما دل عليه النص و الإجماع من أن الحاكم لو أخطأ في حكمه لم يكفر مع أنه يصدق عليه أنه لم يحكم بما أنزل الله.
و اعلم أنه قد ظهر من هذا الجواب وجه آخر للجمع بين الآيتين و رفع التعارض بين ظاهرهما بأن يراد من إحداهما ما ذكرناه في الجواب و من الأخرى و من لم يحكم غير مستحل مع علمه بالتحريم فهو فاسق و الحاصل أنه يقال لهم إن أردتم بالطاعات و التروك ما علم ثبوته من الدين ضرورة فنحن نقول بموجب ذلك لكن لا يلزم منه مدعاكم لجواز كون الحكم بكفره إما لجحده ما علم من الدين ضرورة فيكون قد أخل بما هو شرط الإيمان و هو عدم الجحد على ما قدمناه أو لكون المذكورات جزء الإيمان على ما ذهب إليه بعضهم و إن أردتم الأعم فلا دلالة لكم فيها أيضا و هو ظاهر.
و أما أهل الخامس القائلون بأنه تصديق بالجنان و إقرار باللسان و عمل بالأركان فيستدل لهم بما استدل به أهل التصديق مع ما استدل به أهل الأعمال و من أضاف الإقرار باللسان إلى الجنان و قد علمت تزييف ما سوى الأول و سيجي‏ء إن شاء الله تعالى تزييف أدلة من أضاف الإقرار فلم يبق لمذهبهم قرار.
نعم في أحاديث أهل البيت ع ما يشهد لهم و قد ذكر في الكافي و غيره منها جملة فمنها ما رواه عن عبد الرحيم القصير قال كتبت مع عبد الملك بن أعين إلى أبي عبد الله ع أسأله عن الإيمان ما هو إلى آخر الخبر «1» و منها ما رواه عن عجلان أبي صالح قال قلت لأبي عبد الله ع أوقفني على حدود الإيمان الخبر «2» و منها عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ع قال سألته عن الإيمان الخبر «3».
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 27. و قد مر في ج 68 ص 256 تحت الرقم 15 من الباب 24.
 (2) الكافي ج 2 ص 18 و قد مر في باب دعائم الإسلام، راجع ج 68 ص 330.
 (3) راجع الرقم 4 من هذا الباب ص 22.

143
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

ثم قال قدس سره و اعلم أن هذه الأحاديث منها ما سنده غير نقي كالأول فإن في سنده عبد الرحيم و هو مجهول مع كونه مكاتبة و أما الثاني فإن سنده و إن كان جيدا إلا أن دلالته غير صريحة فإن كون المذكورات حدود الإيمان لا يقتضي كونها نفس حقيقته إذ حد الشي‏ء نهايته و ما لا يجوز تجاوزه فإن تجاوزه خرج عنه و نحن نقول بموجب ذلك فإن من تجاوز هذه المذكورات بأن تركها جاحدا لا ريب في خروجه عن الإيمان لكن لعل ذلك لكونها شروطا للإيمان لا لكونها نفسه و أما الثالث فإن دلالته و إن كانت جيدة إلا أن في سنده إرسالا مع كون العلاء مشتركا بين المقبول و المجهول و بالجملة فهذه الرواية معارضة بما هو أمتن منها دلالة و قد تقدم ذلك فليراجع نعم لا ريب في كونها مؤيدة لما قالوه.
و أما أهل السادس القائلون بأنه التصديق مع كلمتي الشهادة ففيما مر من الأحاديث ما يصلح شاهدا لهم و كذا ما ذكره الكرامية مع ما ذكره أهل التصديق يصلح شاهدا لهم و قد عرفت ما في الأولين فلا نعيده.
و أما السابع فإنه مذهب جماعة من المتأخرين منهم المحقق الطوسي ره في تجريده فإنه اعتبر في حقيقة الإيمان مع التصديق الإقرار باللسان قال و لا يكفي الأول لقوله تعالى وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ «1» أثبت للكفار الاستيقان النفسي و هو التصديق القلبي فلو كان الإيمان هو التصديق القلبي فقط لزم اجتماع الكفر و الإيمان و هو باطل لتقابلهما تقابل العدم و الملكة و لا الثاني يعني الإقرار باللسان لقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا الآية و لقوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ «2» فأثبت لهم تعالى في الآيتين التصديق باللسان و نفى عنهم الإيمان.
أقول الاستدلال على عدم الاكتفاء بالثاني مسلم موجه و كذا على عدم الاكتفاء بالأول أما على اعتبار الإقرار ففيه بحث فإن الدليل أخص من المدعى‏
__________________________________________________
 (1) النمل: 14.
 (2) الحجرات: 13، البقرة: 8.

144
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

إذ المدعى أن الإيمان لا يتحقق إلا بالتصديق مع الإقرار و بدون ذلك يتحقق الكفر و الآية الكريمة إنما دلت على ثبوت الكفر لمن جحد أي أنكر الآيات مع علمه بحقيتها و بينهما واسطة فإن من حصل له التصديق اليقيني في أول الأمر و لم يكن تلفظ بكلمات الإيمان لا يقال إنه منكر و لا جاحد و حينئذ فلا يلزم اجتماع الكفر و الإيمان في مثل هذه الصورة مع أنه غير مقر و لا تارك للإقرار جحدا كما هو المفروض هذا إن قصد بالآية الدلالة على اعتبار الإقرار أيضا و إلا لكان اعتبار الإقرار دعوى مجردة و قد علمت ما عليه.
و أما دلالة الآية الكريمة على كفره في صورة جحده و استيقانه فنقول بموجبه لكن ليس لعدم إقراره فقط بل لأنه ضم إنكارا إلى استيقان و بالجملة فهو من جملة العلامات على الحكم بالكفر كما جعل الاستخفاف بالشارع أو الشرع و وطء المصحف علامة على الحكم بالكفر مع أنه قد يكون مصدقا كما سبقت الإشارة إليه نعم غاية ما يلزم أن يكون إقرار المصدق شرطا لحكمنا بإيمانه ظاهرا و أما قبل ذلك و بعد التصديق فهو مؤمن عند الله تعالى إذا لم يكن تركه للإقرار عن جحد على أنه يلزمه قدس سره أن من حصل له التصديق بالمعارف الإلهية ثم عرض له الموت فجأة قبل الإقرار يموت كافرا و يستحق العذاب الدائم مع اعتقاده وحدة الصانع و حقية ما جاء به النبي ص و لا أظن أن مثل هذا المحقق يلتزم ذلك.
و الحاصل أنه إن أراد رحمه الله أن كون الإنسان مؤمنا عند الله سبحانه كما هو ظاهر كلامه لا يتحقق إلا بمجموع الأمرين فالواسطة و الالتزام لازمان عليه و إن أراد أن كونه مؤمنا في ظاهر الشرع لا يتحقق إلا بالأمرين معا فالنزاع لفظي فإن من اكتفى فيه بالتصديق يريد به كونه مؤمنا عند الله تعالى فقط و أما عند الناس فلا بد في العلم بذلك من الإقرار و نحوه.
و اعلم أنه استدل بعضهم على هذا المذهب أيضا بأنا نعلم بالضرورة أن الإيمان في اللغة هو التصديق و الدلائل عليه كثيرة فإما أن يكون في الشرع‏

145
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

كذلك أو يكون منقولا عن معناه في اللغة و الثاني باطل لأن أكثر الألفاظ تكرارا في القرآن و كلام الرسول ص لفظ الإيمان فلو كان منقولا عن معناه اللغوي لوجب أن يكون حاله كحال سائر العبادات الظاهرة في وجوب العلم به فلما لم يكن كذلك علمنا أنه باق على وضع اللغة.
إذا ثبت هذه فنقول ذلك التصديق إما أن يكون هو التصديق القلبي أو اللساني أو مجموعهما و الأول باطل لقوله تعالى فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ «1» فأثبت لهم المعرفة مع أنه حكم بكفرهم و لو كان مجرد المعرفة إيمانا لما صح ذلك و أيضا قوله تعالى فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا «2» و لا يصح أن يكون جحدهم لها بقلوبهم حيث أثبت لهم الاستيقان بها فلا بد أن يكون بألسنتهم حيث لم يقروا بها و إذا كان الجحد باللسان موجبا للكفر كان الإقرار به مع التصديق القلبي موجبا للإيمان فيكون الإقرار من محققات الإيمان و أيضا قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا و آله و عليه السلام إذ يقول لفرعون لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ «3» فأثبت كونه عالما بأن الله تعالى هو الذي أنزل الآيات التي جاء بها موسى ع فلو كان مجرد العلم هو الإيمان لكان فرعون مؤمنا و هو باطل بنص القرآن العزيز و إجماع الأنبياء ع من لدن موسى ع إلى محمد ص و أيضا قوله تعالى فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ «4» و معنى ذلك و الله أعلم أنهم يجحدون ذلك بألسنتهم و لا يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون نبوتك و لا يستقيم أن يكون المعنى لا يكذبونك بألسنتهم لمنافاة يجحدون‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 89.
 (2) النمل: 14، و في نسخة الكمبانيّ بين صدر الآية و ذيلها تقديم و تأخير، و الظاهر أن النسّاخ نقلوا السقط من الهامش الى المتن في غير موضعه.
 (3) اسرى: 102.
 (4) الأنعام: 33.

146
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

بألسنتهم له فيلزم أن يكونوا كذبوا بألسنتهم و لم يكذبوا بها و بطلانه ظاهر فيجب تنزيه القرآن العزيز عنه.
و لك أن تقول لم لا يجوز أن يكون المعنى لا يكذبونك بألسنتهم و لكن يجحدون نبوتك بقلوبهم كما أخبر الله تعالى عن المنافقين في سورتهم حيث قالوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ «1» و كذبهم الله تعالى حيث شهد سبحانه و تعالى بكذبهم فقال وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ و المراد في شهادتهم أي فيما تضمنته من أنها عن صميم القلب و خلوص الاعتقاد كما ذكره جماعة من المفسرين حيث لم توافق عقيدتهم فقد علم من ذلك أنهم لم يكذبوه بألسنتهم بل شهدوا له بها و لكنهم جحدوا ذلك بقلوبهم حيث كذبهم الله تعالى في شهادتهم و الجواب التكذيب لهم ورد على نفس شهادتهم التي هي باللسان لا على نفس عقيدتهم و بالجملة فهذا لا يصلح نظيرا لما نحن فيه على أن معنى الجحد كما قرروه هو الإنكار باللسان مع تصديق القلب و ما ذكر من الاحتمال عكس هذا المعنى.
ثم قال و الثاني باطل أما أولا فبالاتفاق من الإمامية و أما ثانيا فلقوله تعالى قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا «2» و لا شك أنهم كانوا صدقوا بألسنتهم و حيث لم يكن كافيا نفى الله تعالى عنهم الإيمان مع تحصله و قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ «3» فأثبت لهم الإقرار و التصديق باللسان و نفي إيمانهم فثبت بذلك أن الإيمان هو التصديق مع الإقرار.
ثم قال لا يقال لو كان الإقرار باللسان جزء الإيمان للزم كفر الساكت لأنا نقول لو كان الإيمان هو العلم أي التصديق لكان النائم غير مؤمن لكن لما كان النوم لا يخرجه عن كونه مؤمنا بالإجماع مع كونه أولى بأن يخرج النائم عن‏
__________________________________________________
 (1) المنافقون: 1 و هكذا ما بعده.
 (2) الحجرات: 13.
 (3) البقرة: 8.

147
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

الإيمان لأنه لا يبقى معه معنى من الإيمان بخلاف الساكت فإنه قد بقي معه معنى منه و هو العلم لم يكن السكوت مخرجا بطريق أولى نعم لو كان الخروج عن التصديق و الإقرار أو عن أحدهما على جهة الإنكار و الجحد لخرج بذلك عن الإيمان و لذلك قلنا إن الإيمان هو التصديق بالقلب و الإقرار باللسان أو ما في حكمهما انتهى محصل ما ذكره.
أقول قوله إن النائم ينتفي عنه العلم أي التصديق غير مسلم و إنما المنفي شعوره بذلك العلم و هو غير العلم فالتصديق حينئذ باق لكونه من الكيفيات النفسية فلا يزيله النوم و حينئذ فلا يلزم من عدم الحكم بانتفاء الإيمان عن النائم عدم الحكم بانتفائه عن الساكت بطريق أولى نعم الحكم بعدم انتفائه عن الساكت على مذهب من جعل الإقرار جزءا إما للزوم الحرج العظيم بدوام الإقرار في كل وقت أو أن يكون المراد من كون الإقرار جزءا للإيمان الإقرار في الجملة أو في وقت ما مع البقاء عليه فلا ينافيه السكوت المجرد و إنما ينافيه مع الجحد لعدم بقاء الإقرار حينئذ.
و أقول الذي ذكره من الدليل على عدم النقل لا يدل وحده على كون الإقرار جزءا و هو ظاهر بل قصد به الدلالة على بطلان ما عدا مذهب أهل التصديق.
ثم استدل على بطلان مذهب التصديق بما ذكره من الآيات الدالة على اعتبار الإقرار في الإيمان فيكون الإيمان الشرعي تخصيصا للغوي كما هو عند أهل التصديق و هذا جيد لكن دلالة الآيات على اعتبار الإقرار ممنوعة و قد بينا ذلك سابقا أن تكفيرهم إنما كان لجحدهم الإقرار و هو أخص من عدم الإقرار فتكفيرهم بالجحد لا يستلزم تكفيرهم بمطلق عدم الإقرار ليكون الإقرار معتبرا نعم اللازم من الآيات اعتبار عدم الجحد مع التصديق و هو أعم من الإقرار و اعتبار الأعم لا يستلزم اعتبار الأخص و هو ظاهر.
و هذا جواب عن استدلاله بجميع الآيات و نزيد في الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى في الحكاية عن موسى عليه و على نبينا و آله الصلاة و السلام‏

148
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل نفعه جلیل ص 126

لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ «1» الآية أنه يجوز أن يكون نسب إلى فرعون العلم على طريق الملاطفة و الملاءمة حيث كان مأمورا ع بذلك بقوله فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى«2» و هذا شائع في الاستعمال كما يقال في المحاورات كثيرا و أنت خبير بأنه كذا و كذا مع أن المخاطب بذلك قد لا يكون عارفا بذلك المعنى أصلا بل قد لا يكون هناك مخاطب أصلا كما يقع في المؤلفات كثيرا و على هذا فلا تدل الآية على ثبوت العلم لفرعون و لو سلم ثبوته كان الحكم بكفره للجحد لا لعدم الإقرار مطلقا كما سبق بيانه.
و اعلم أن المحقق الطوسي قدس سره اختار في فصوله الاكتفاء بالتصديق القلبي في تحقق الإيمان فكأنه رحمه الله لحظ ما ذكرناه و قد استدل له بعض الشارحين بقوله تعالى أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ «3» و بقوله تعالى وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ «4» فيكون حقيقة فيه فلو أطلق على غيره لزم الاشتراك أو المجاز و هما خلاف الأصل و الإقرار باللسان كاشف عنه و الأعمال الصالحة ثمراته.
أقول الذي ظهر مما قررناه أن الإيمان هو التصديق بالله وحده و صفاته و عدله و حكمته و بالنبوة و بكل ما علم بالضرورة مجي‏ء النبي ص به مع الإقرار بذلك و على هذا أكثر المسلمين بل ادعى بعضهم إجماعهم على ذلك و التصديق بإمامة الأئمة الاثني عشر ع و بإمام الزمان و هذا عند الإمامية.
__________________________________________________
 (1) أسرى: 102.
 (2) طه: 44.
 (3) المجادلة: 22.
 (4) الحجرات: 13.

149
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 31 فی عدم لبس الإیمان بالظلم ص 150

باب 31 في عدم لبس الإيمان بالظلم‏
الآية الأنعام الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ «1» تفسير الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قال الطبرسي رحمه الله معناه الذين عرفوا الله تعالى و صدقوا به و بما أوجبه عليهم و لم يخلطوا ذلك بظلم و الشرك هو الظلم عن ابن عباس و ابن المسيب و أكثر المفسرين و روي عن أبي بن كعب أنه قال أ لم تسمع قوله سبحانه إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ «2» و هو المروي عن سلمان و حذيفة
وَ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّ عَلَى النَّاسِ وَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ فَقَالَ ع إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ أَ لَمْ تَسْمَعُوا إِلَى مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.
و قال الجبائي يدخل في الظلم كل كبيرة تحبط ثواب الطاعة قال البلخي و لو اختص الشرك على ما قالوه لوجب أن يكون مرتكب الكبيرة إذا كان مؤمنا كان آمنا و ذلك خلاف القول بالإرجاء و هذا لا يلزم لأنه قول بدليل الخطاب و مرتكب الكبيرة غير آمن و إن كان ذلك معلوما بدليل آخر أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ من الله بحصول الثواب و الأمان من العقاب وَ هُمْ مُهْتَدُونَ أي محكوم لهم بالاهتداء إلى الحق و الدين و قيل إلى الجنة ثم إنه قيل إن هذه الآية من تمام قول إبراهيم ع و روي ذلك عن علي ع و قيل إنها من الله على جهة فصل القضاء بين إبراهيم و قومه انتهى «3».
__________________________________________________
 (1) الأنعام: 82.
 (2) لقمان: 13.
 (3) مجمع البيان ج 4: 327.

150
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 31 فی عدم لبس الإیمان بالظلم ص 150

و في الكافي عن الصادق ع أن الظلم هنا الشك «1» و عنه ع قال آمنوا بما جاء به محمد ص من الولاية و لم يخلطوها بولاية فلان و فلان «2» و يمكن أن يقال الأمن المطلق و الاهتداء الكامل لمن لم يلبس إيمانه بشي‏ء من الظلم و المعاصي و الأمن من الخلود من النار و الاهتداء في الجملة لمن صحت عقائده ثم بينهما مراتب كثيرة يختلف بحسبها الأمن و الاهتداء.
1- ج، الإحتجاج بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع عَنِ النَّبِيِّ ص فِي خُطْبَةِ الْغَدِيرِ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ عَلِيّاً ع وَ أَوْصِيَاءَهُ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَهُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ «3».
2- ج، الإحتجاج عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فِي جَوَابِ الزِّنْدِيقِ الْمُدَّعِي لِلتَّنَاقُضِ فِي الْقُرْآنِ «4» قَالَ ع وَ أَمَّا قَوْلُهُ فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا

__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 399.
 (2) الكافي ج 1 ص 413.
 (3) الاحتجاج: ص 39، و الآية في الانعام: 82.
 (4) يعني: [حيث قال: و أجده يقول: «فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ» و يقول: «وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏» أعلم في الآية الأولى أن الاعمال الصالحة لا تكفر، و أعلم في الثانية أن الايمان و الاعمال الصالحات لا تنفع الا بعد الاهتداء] راجع الاحتجاج: ص 128 و الظاهر أن هذه العبارة التي جعلناه بين المعقوفتين كان في أصل المصنّف قدّس سرّه ملحقا بالمتن لكنه كان مكتوبا في الهامش، فنقلها الكتاب في غير موضعه مع اسقاط، كما ترى شطرا من هذه العبارة في نسخة الكمبانيّ بعد حديث العيّاشيّ ج 15 ص 257.
و قد مر الحديث في ج 68 ص 264 و 265، باب الفرق بين الإيمان و الإسلام تحت الرقم 23 و لفظه هكذا:
في خبر الزنديق الذي سأل أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه عما زعم من التناقض في القرآن حيث قال: أجد اللّه يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ و يقول: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ، فقال عليه السلام و أمّا قوله فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ الحديث.

151
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 31 فی عدم لبس الإیمان بالظلم ص 150

كُفْرانَ لِسَعْيِهِ «1» وَ قَوْلُهُ وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى«2» فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يُغْنِي إِلَّا مَعَ الِاهْتِدَاءِ وَ لَيْسَ كُلُّ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ كَانَ حَقِيقاً بِالنَّجَاةِ مِمَّا هَلَكَ بِهِ الْغُوَاةُ وَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَنَجَتِ الْيَهُودُ مَعَ اعْتِرَافِهَا بِالتَّوْحِيدِ وَ إِقْرَارِهَا بِاللَّهِ وَ نَجَا سَائِرُ الْمُقِرِّينَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ مِنْ إِبْلِيسَ فَمَنْ دُونَهُ فِي الْكُفْرِ وَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ وَ بِقَوْلِهِ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ «3».
3- شي، تفسير العياشي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي‏قَوْلِ اللَّهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ مِنْهُ مَا أَحْدَثَ زُرَارَةُ وَ أَصْحَابُهُ «4».
بيان: منه ما أحدث أي من الظلم المذكور في الآية القول الباطل الذي أحدثه و ابتدعه زرارة و كأنه قال بمذهب باطل ثم رجع عنه.
4- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لَهُ إِنَّهُ قَدْ أَلَحَّ عَلَيَّ الشَّيْطَانُ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّي يَقْنَطُنِي قَالَ قُلْ كَذَبْتَ يَا كَافِرُ يَا مُشْرِكُ إِنِّي أُومِنُ بِرَبِّي وَ أُصَلِّي لَهُ وَ أَصُومُ وَ أُثْنِي عَلَيْهِ وَ لَا أَلْبِسُ إِيمَانِي بِظُلْمٍ «5».
5- شي، تفسير العياشي عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ص فِي مَسِيرٍ لَهُ إِذْ رَأَى سَوَاداً مِنْ بَعِيدٍ فَقَالَ هَذَا سَوَادٌ لَا عَهْدَ لَهُ بِأَنِيسٍ فَلَمَّا دَنَا سَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ص أَيْنَ أَرَادَ الرَّجُلُ قَالَ أَرَادَ يَثْرِبَ قَالَ وَ مَا أَرَدْتَ بِهَا قَالَ أَرَدْتُ مُحَمَّداً قَالَ فَأَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ وَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ إِنْسَاناً مُذْ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَ لَا
__________________________________________________
 (1) الأنبياء: 94.
 (2) طه: 82.
 (3) الاحتجاج: ص 130 و الآية الأخيرة في المائدة: 41.
 (4) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 365.
 (5) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 365، و في طبعة الكمبانيّ بعد تمام الخبر هكذا من دون فصل: [وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ أعلم في الآية الأولى ...] الى آخر ما نقلناه عن الاحتجاج في الحاشية السابقة و الظاهر أنّه سهو و تخليط.

152
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 31 فی عدم لبس الإیمان بالظلم ص 150

طَعِمْتُ طَعَاماً إِلَّا مَا تَنَاوَلَ مِنْهُ دَابَّتِي قَالَ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَ قَالَ فَعَضَّتْهُ رَاحِلَتُهُ «1» فَمَاتَ وَ أَمَرَ بِهِ فَغُسِّلَ وَ كُفِّنَ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ وَ آلِهِ السَّلَامُ قَالَ فَلَمَّا وُضِعَ فِي اللَّحَدِ قَالَ هَذَا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ «2».
6- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: قُلْتُ لَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ الزِّنَا مِنْهُ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أُولَئِكَ لَا وَ لَكِنَّهُ ذَنْبٌ إِذَا تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ قَالَ مُدْمِنُ الزِّنَا وَ السَّرِقَةِ وَ شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ الْوَثَنِ «3».
7- شي، تفسير العياشي عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ الضَّلَالُ فَمَا فَوْقَهُ «4».
8- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْهُ ع بِظُلْمٍ قَالَ بِشَكٍّ «5».
9- شي، تفسير العياشي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي‏قَوْلِهِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ آمَنُوا بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ ص مِنَ الْوَلَايَةِ وَ لَمْ يَخْلِطُوهَا بِوَلَايَةِ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ فَهُوَ اللَّبْسُ بِظُلْمٍ وَ قَالَ أَمَّا الْإِيمَانُ فَلَيْسَ يَنْتَقِضُ كُلُّهُ وَ لَكِنْ يَنْتَقِضُ قَلِيلًا قَلِيلًا قُلْتُ بَيْنَ الضَّلَالِ وَ الْكُفْرِ مَنْزِلَةٌ قَالَ مَا أَكْثَرَ عُرَى الْإِيمَانِ «6».
بيان: أما الإيمان لعله ع ذكر أولا بعض أفراد الظلم ثم بين أن كل ظلم ينقض الإيمان و ينقصه لكن لا يذهبه بالكلية كل ظلم فإن بين الكفر و الإيمان الكامل منازل كثيرة.
10- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ‏قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ نَعُوذُ بِاللَّهِ يَا بَا بَصِيرٍ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ لَبَسَ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ‏
__________________________________________________
 (1) العض معروف، و منه عضاض الدابّة يقال: برئت إليك من العضاض و العضيض، اذا باع دابة و برى‏ء الى مشتريها من عضها الناس.
 (2) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 366.
 (3) المصدر ج 1 ص 366.
 (4) المصدر ج 1 ص 366.
 (5) المصدر ج 1 ص 366.
 (6) المصدر ج 1 ص 366.

153
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 31 فی عدم لبس الإیمان بالظلم ص 150

ثُمَّ قَالَ أُولَئِكَ الْخَوَارِجُ وَ أَصْحَابُهُمْ «1».
11- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّضْرِ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ هَارُونَ بْنِ خَارِجَةَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ‏قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ بِشَكٍّ «2».
باب 32 درجات الإيمان و حقائقه‏
الآيات آل عمران هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ «3» الأنعام نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ و قال تعالى وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ «4» يوسف نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ «5» إسراء انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَ أَكْبَرُ تَفْضِيلًا «6» الأحقاف وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ «7» الواقعة وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ إلى قوله لِأَصْحابِ الْيَمِينِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ «8»
__________________________________________________
 (1) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 367.
 (2) الكافي ج 2 ص 399، و قد مر الإشارة إليه.
 (3) آل عمران: 162.
 (4) الأنعام: 83 و 132.
 (5) يوسف: 76.
 (6) أسرى: 21.
 (7) الأحقاف: 19.
 (8) الواقعة: 7- 39.

154
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

و قال تعالى فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ «1» الحديد لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ الآية «2» المجادلة يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ «3» الحشر لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ إلى قوله إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ «4» تفسير هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب و العقاب أو هم ذو درجات وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ عالم بأعمالهم و درجاتها فيجازيهم على حسبها نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ أي في العلم و العمل وَ لِكُلٍّ أي من المكلفين دَرَجاتٌ أي مراتب مما عملوا وَ ما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب و قرئ بالخطاب.
نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بالعلم و الحكمة كما رفعنا درجة يوسف وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ أرفع درجة منه في علمه و استدل به على أنه علمه سبحانه عين ذاته كَيْفَ فَضَّلْنا أي في الدنيا وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ أي التفاوت في الآخرة أكثر و في المجمع روي أن ما بين أعلى درجات الجنة و أسفلها مثل ما بين السماء و الأرض «5»
وَ رَوَى الْعَيَّاشِيُّ عَنِ الصَّادِقِ ع لَا تَقُولُنَّ الْجَنَّةُ وَاحِدَةٌ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ «6» وَ لَا تَقُولُنَّ درجة [الدَّرَجَةُ] وَاحِدَةٌ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِنَّمَا تَفَاضَلَ الْقَوْمُ بِالْأَعْمَالِ «7».
وَ عَنِ النَّبِيِّ ص إِنَّمَا يَرْتَفِعُ‏
__________________________________________________
 (1) الواقعة: 88- 94.
 (2) الحديد: 10.
 (3) المجادلة: 11.
 (4) الحشر: 8- 10.
 (5) مجمع البيان ج 6 ص 407 و الآية في أسرى: 21.
 (6) الرحمن: 63.
 (7) ترى ذيله في تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 388، و أخرجه الطبرسيّ في مجمع البيان ج 9 ص 210، مع زيادة، و قوله «درجات بعضها فوق بعض» اقتباس من القرآن و ليس بنص.

155
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

الْعِبَادُ غَداً فِي الدَّرَجَاتِ وَ يَنَالُونَ الزُّلْفَى مِنْ رَبِّهِمْ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ.
وَ فِي الْكَافِي عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ الثَّوَابَ عَلَى قَدْرِ الْعَقْلِ.
وَ لِكُلٍّ أي من الجن و الإنس دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أي مراتب مما عملوا من الخير و الشر أو من أجل ما عملوا قيل و الدرجات غالبة في المثوبة و هنا جاءت على التغليب وَ لِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ أي جزاءها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص ثواب و زيادة عقاب.
وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً أي أصنافا فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ قيل أي اليمين و هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم أو يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة أو أصحاب اليمن و البركة على أنفسهم ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ أي أي شي‏ء هم على التعجيب من حالهم وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ و هم الذين يعطون كتبهم بشمالهم أو يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار أو المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية ثم عجب سبحانه من حالهم تفخيما لشأنهم في العذاب فقال ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ثم بين الصنف الثالث فقال وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أي السابقون إلى اتباع الأنبياء الذين صاروا أئمة الهدى فهم السابقون إلى جزيل الثواب عند الله أو السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمته أو الثاني تأكيد للأول و الخبر أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ أي السابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة الله في أعلى المراتب و قيل في السابقين إنهم السابقون إلى الإيمان و قيل إلى الهجرة و قيل إلى الصلوات الخمس و قيل إلى الجهاد و قيل إلى التوبة و أعمال البر و قيل إلى كل ما دعا الله إليه و هذا أولى.
وَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: السَّابِقُونَ أَرْبَعَةٌ ابْنُ آدَمَ الْمَقْتُولُ وَ السَّابِقُ فِي أُمَّةِ مُوسَى وَ هُوَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَ السَّابِقُ فِي أُمَّةِ عِيسَى وَ هُوَ حَبِيبٌ النَّجَّارُ وَ السَّابِقُ فِي أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص وَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ع «1».
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ أي هم ثلة أي جماعة كثيرة العدد من الأمم الماضية وَ
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 9 ص 215.

156
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ من أمة محمد ص لأن من سبق إلى إجابة نبينا ص قليل بالإضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله و قيل معناه جماعة من أوائل هذه الأمة و قليل من أواخرهم ممن قرب حالهم من حال أولئك و قيل على الوجه الأول لا يخالف ذلك قوله ع إن أمتي يكثرون سائر الأمم لجواز أن يكون سابقو سائر الأمم أكثر من سابقي هذه الأمة و تابعو هذه أكثر من تابعيهم و لا يرده قوله تعالى في أصحاب اليمين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ لأن كثرة الفريقين لا ينافي أكثرية أحدهما انتهى «1».
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ أي ما ذكر جزاء لأصحاب اليمين ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ أي جماعة من الأمم الماضية و جماعة من مؤمني هذه الأمة و قيل هنا أيضا إن الثلتين من هذه الأمة.
فَأَمَّا إِنْ كانَ أي المتوفى مِنَ الْمُقَرَّبِينَ أي السابقين فَرَوْحٌ أي فله استراحة و قيل هواء تستلذه النفس و يزيل عنها الهم وَ رَيْحانٌ قيل أي رزق طيب و قيل الريحان المشموم من ريحان الجنة يؤتى به عند الموت فيشمه و قيل الروح الرحمة و الريحان كل نباهة و شرف و قيل روح في القبر و ريحان في الجنة وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ أي ذات تنعم فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ قيل أي فترى فيهم ما تحب لهم من السلامة من المكاره و الخوف و قيل أي فسلام لك أيها الإنسان الذي هو من أصحاب اليمين من عذاب الله و سلمت عليك ملائكة الله و قيل معناه فسلام لك منهم في الجنة لأنهم يكونون معك فقوله لَكَ بمعنى عليك.
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ أي نزلهم الذي أعد لهم من الطعام و الشراب حميم جهنم وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ أي إدخال نار عظيمة.
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا «2» بين سبحانه أن الإنفاق قبل فتح مكة إذا انضم إليه الجهاد
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل: 420.
 (2) الحديد: 10.

157
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

أكثر ثوابا عند الله من النفقة و الجهاد بعد ذلك و ذلك أن القتال قبل الفتح كان أشد و الحاجة إلى النفقة و إلى الجهاد كان أكثر و أمس و قسيم من أنفق محذوف لوضوحه و دلالة ما بعده عليه و الفتح فتح مكة إذ عز الإسلام به و كثر أهله و قلت الحاجة إلى المقاتلة و الإنفاق مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَ قاتَلُوا أي من بعد الفتح وَ كُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏ أي كلا من المنفقين وعد الله المثوبة الحسنى و هي الجنة وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ عالم بظاهره و باطنه فمجازيكم على حسبه.
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ «1» قال ابن عباس يرفع الله الذين أوتوا العلم من المؤمنين درجات على الذين لم يؤتوا العلم درجات و قيل معناه لكي يرفع الله الذين آمنوا منكم بطاعتهم للرسول ص درجة و الذين أوتوا العلم بفضل علمهم و سابقتهم درجات في الجنة و قيل في مجلس الرسول ص.
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ «2» فإن كفار مكة أخرجوهم و أخذوا أموالهم يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً حال مقيدة لإخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم وَ يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ بأنفسهم و أموالهم أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ الذين ظهر صدقهم في إيمانهم وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ عطف على المهاجرين و المراد بهم الأنصار فإنهم لزموا المدينة و تمكنوا فيهما و قيل المعنى تبوؤا دار الهجرة و دار الإيمان فحذف المضاف من الثاني و المضاف إليه من الأول و عوض عنه اللام أو تبوؤا الدار و أخلصوا الإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ أي من قبل هجرة المهاجرين و قيل تقدير الكلام و الذين تبوؤا الدار من قبلهم و الإيمان «3» يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ و لا يثقل عليهم وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ أي في أنفسهم حاجَةً أي ما يحمل عليه الحاجة كالطلب و الحزازة و الحسد و الغيظ مِمَّا أُوتُوا أي مما أعطي المهاجرون و غيرهم وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أي‏
__________________________________________________
 (1) المجادلة: 11.
 (2) الحشر: 8.
 (3) أنوار التنزيل: 427.

158
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

يقدمون المهاجرين على أنفسهم وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ أي حاجة وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال و بغض الإنفاق فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون بالثناء العاجل و الثواب الآجل.
وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ قيل هم الذين هاجروا من بعد حين قوي الإسلام أو التابعون بإحسان و هم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة و لذلك قيل إن الآية قد استوعبت جميع المؤمنين يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ أي يدعون و يستغفرون لأنفسهم و لمن سبقهم بالإيمان وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا حقدا و غشا و عداوة رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ أي متعطف على العباد منعم عليهم.
و أقول إنما أوردناها لدلالتها من جهة الترتيب الذكرى على فضل المهاجرين من الصحابة على الأنصار و فضلهما على التابعين لهم بإحسان ..
1- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ وَضَعَ الْإِيمَانَ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ عَلَى الْبِرِّ وَ الصِّدْقِ وَ الْيَقِينِ وَ الرِّضَا وَ الْوَفَاءِ وَ الْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ ثُمَّ قَسَمَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنْ جَعَلَ فِيهِ هَذِهِ السَّبْعَةَ الْأَسْهُمِ فَهُوَ كَامِلٌ مُحْتَمِلٌ وَ قَسَمَ لِبَعْضِ النَّاسِ السَّهْمَ وَ لِبَعْضٍ السَّهْمَيْنِ وَ لِبَعْضٍ الثَّلَاثَةَ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى السَّبْعَةِ ثُمَّ قَالَ لَا تَحْمِلُوا عَلَى صَاحِبِ السَّهْمِ سَهْمَيْنِ وَ لَا عَلَى صَاحِبِ السَّهْمَيْنِ ثَلَاثَةً فَتَبْهَظُوهُمْ ثُمَّ قَالَ كَذَلِكَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى السَّبْعَةِ «1».
توضيح البر الإحسان إلى نفسه و إلى غيره و يطلق غالبا على الإحسان بالوالدين و الأقربين و الإخوان من المؤمنين كما ورد من خالص الإيمان البر بالإخوان و الصدق هو القول المطابق للواقع و يطلق أيضا على مطابقة العمل للقول و الاعتقاد و على فعل القلب و الجوارح المطابقين للقوانين الشرعية و الموازين العقلية و منه الصديق و هو من حصل له ملكة الصدق في جميع هذه الأمور و لا
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 42.

159
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

يصدر منه خلاف المطلوب عقلا و نقلا كما صرح به المحقق الطوسي ره في أوصاف الأشراف.
و اليقين الاعتقاد الجازم المطابق للواقع و في عرف الأخبار هو مرتبة من اليقين يصير سببا لظهور آثاره على الجوارح و يطلق غالبا على ما يتعلق بأمور الآخرة و بالقضاء و القدر كما ستعرف و له مراتب أشير إليها في القرآن العزيز و هي علم اليقين و عين اليقين و حق اليقين كما قال تعالى لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ «1» و قال سبحانه وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ «2» و قالوا الأول مرتبة أرباب الاستدلال كمن لم ير النار و استدل بالدخان عليه و الثاني مرتبة أصحاب المشاهدة و العيان كمن رأى النار بعينها بعينه و الثالث مرتبة أرباب اليقين كمن كان في وسط النار و اتصف بصفاتها و إن لم يصر عينها كالحديدة المحماة في النار فإنك تظنها نارا و ليست بنار و هذا هي التي زلت فيها الأقدام و ضلت العقول و الأحلام و ليس محل تحقيقها هذا المقام.
و الرضا هو اطمئنان النفس بقضاء الله تعالى عند البلاء و الرخاء و عدم الاعتراض عليه سبحانه قولا و فعلا في شي‏ء من الأشياء و الوفاء هو العمل بعهود الله تعالى من التكاليف الشرعية و ما عاهد الله تعالى عليه و ألزم على نفسه من الطاعات و الوفاء ببيعة النبي و الأئمة صلوات الله عليهم و الوفاء بعهود الخلق ما لم تكن في معصية و العلم هو معرفة الله و رسوله و حججه و ما أمر به و نهى عنه و علم الشرائع و الأحكام و الحلال و الحرام و الأخلاق و مقدماتها و الحلم هو ملكة حاصلة للنفس مانعة لها عن المبادرة إلى الانتقام و طلب التسلط و الترفع و الغلبة.
فهو كامل أي في الإيمان محتمل لشرائطه و أركانه قابل لها كما ينبغي لا تحملوا على صاحب السهم سهمين أي لما كانت القابليات و الاستعدادات متفاوتة
__________________________________________________
 (1) التكاثر 5- 7.
 (2) الواقعة: 94.

160
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

و لم يكلف الله كل امرئ إلا على قدر قابليته فلا تحملوا في العلوم و الأعمال و الأخلاق على كل امرئ إلا بحسب طاقته و وسعه كما مر إنما يداق الله العباد في الحساب على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا «1» نعم للأعلى أن ينقل الأدنى إلى درجته بالتعليم و التدريج و الرفق حتى يصل إلى درجته إن كان قابلا لذلك كما سيأتي إن شاء الله و على الأدنى أن يسعى و يتضرع إلى الله تعالى لأن يوفقه للصعود إلى الدرجة العليا فتبهضوهم في بعض النسخ بالضاد و في بعضها بالظاء و هما معجمتان متقاربان معنى قال في القاموس بهضني الأمر كمنع و أبهضني أي فدحني و بالظاء أكثر و قال بهضه الأمر كمنع غلبه و ثقل عليه و بلغ به مشقة و الراحلة أوقرها فأتعبها.
2- كا، الكافي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى جَمِيعاً عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا سَرَّاجٍ وَ كَانَ خَادِماً لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع فِي حَاجَةٍ وَ هُوَ بِالْحِيرَةِ أَنَا وَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوَالِيهِ قَالَ فَانْطَلَقْنَا فِيهَا ثُمَّ رَجَعْنَا مُغْتَمِّينَ «2» قَالَ وَ كَانَ فِرَاشِي فِي الْحَائِرِ الَّذِي كُنَّا فِيهِ نُزُولًا فَجِئْتُ وَ أَنَا بِحَالٍ فَرَمَيْتُ بِنَفْسِي فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ إِذَا أَنَا بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَدْ أَقْبَلَ قَالَ فَقَالَ قَدْ أَتَيْنَاكَ أَوْ قَالَ جِئْنَاكَ فَاسْتَوَيْتُ جَالِساً وَ جَلَسَ عَلَى صَدْرِ فِرَاشِي فَسَأَلَنِي عَمَّا بَعَثَنِي لَهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ جَرَى ذِكْرُ قَوْمٍ فَقُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنَّا نَبْرَأُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ مَا نَقُولُ فَقَالَ يَتَوَلَّوْنَا وَ لَا يَقُولُونَ مَا تَقُولُونَ تَبْرَءُونَ مِنْهُمْ‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 1 ص 11، كتاب العقل و الجهل تحت الرقم 7.
 (2) معتمين خ ل، و قوله «مغتمين» اسم مفعول من باب الافعال، و أصله من الغتم و هو شدة الحرّ الذي يكاد يأخذ بالنفس، و المغتوم: الذي يجد الحرّ و هو جائع، و عبارة التاج: المغتوم الذي لفحه الحر. و هذا المعنى هو المناسب لما بعده: فجئت و أنا بحال فرميت بنفسى. و أمّا إذا رجع و هو معتم من الدخول في العتمة، فان وقت العتمة وقت البرد و هبوب الارياح فلا يناسب ما بعده.

161
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَهُوَ ذَا عِنْدَنَا مَا لَيْسَ عِنْدَكُمْ فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَبْرَأَ مِنْكُمْ قَالَ قُلْتُ لَا جُعِلْتُ فِدَاكَ قَالَ وَ هُوَ ذَا عِنْدَ اللَّهِ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا أَ فَتَرَاهُ اطَّرَحَنَا قَالَ قُلْتُ لَا وَ اللَّهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا نَفْعَلُ قَالَ فَتَوَلَّوْهُمْ وَ لَا تَبْرَءُوا مِنْهُمْ إِنَّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لَهُ سَهْمٌ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ سَهْمَانِ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ سِتَّةُ أَسْهُمٍ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَهُ سَبْعَةُ أَسْهُمٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ صَاحِبُ السَّهْمِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّهْمَيْنِ وَ لَا صَاحِبُ السَّهْمَيْنِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ وَ لَا صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْأَرْبَعَةِ وَ لَا صَاحِبُ الْأَرْبَعَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ الْخَمْسَةِ وَ لَا صَاحِبُ الْخَمْسَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ السِّتَّةِ وَ لَا صَاحِبُ السِّتَّةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ صَاحِبُ السَّبْعَةِ وَ سَأَضْرِبُ لَكَ مَثَلًا إِنَّ رَجُلًا كَانَ لَهُ جَارٌ وَ كَانَ نَصْرَانِيّاً فَدَعَاهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَ زَيَّنَهُ لَهُ فَأَجَابَهُ فَأَتَاهُ سُحَيْراً فَقَرَعَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا قَالَ أَنَا فُلَانٌ قَالَ وَ مَا حَاجَتُكَ قَالَ تَوَضَّأْ وَ الْبَسْ ثَوْبَيْكَ وَ مُرَّ بِنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَتَوَضَّأَ وَ لَبِسَ ثَوْبَيْهِ وَ خَرَجَ مَعَهُ قَالَ فَصَلَّيَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ صَلَّيَا الْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَا حَتَّى أَصْبَحَا فَقَامَ الَّذِي كَانَ نَصْرَانِيّاً يُرِيدُ مَنْزِلَهُ قَالَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ أَيْنَ تَذْهَبُ النَّهَارُ قَصِيرٌ وَ الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الظُّهْرِ قَلِيلٌ قَالَ فَجَلَسَ مَعَهُ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ «1» ثُمَّ قَالَ وَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَ الْعَصْرِ قَلِيلٌ فَاحْتَبَسَهُ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ قَالَ ثُمَّ قَامَ وَ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّ هَذَا آخِرُ النَّهَارِ وَ أَقَلُّ مِنْ أَوَّلِهِ فَاحْتَبَسَهُ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَقَالَ لَهُ إِنَّمَا بَقِيَتْ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ فَمَكَثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمَّ تَفَرَّقَا فَلَمَّا كَانَ سحيرا [سُحَيْرٌ] غَدَا عَلَيْهِ فَضَرَبَ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقَالَ أَنَا فُلَانٌ قَالَ وَ مَا حَاجَتُكَ قَالَ تَوَضَّأْ وَ الْبَسْ ثَوْبَيْكَ وَ اخْرُجْ بِنَا فَصَلِّ قَالَ اطْلُبْ لِهَذَا الدِّينِ مَنْ هُوَ أَفْرَغُ مِنِّي وَ أَنَا إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ وَ عَلَيَّ عِيَالٌ فَقَالَ‏
__________________________________________________
 (1) الى أن صلى الظهر خ ل، كما في المصدر.

162
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع أَدْخَلَهُ فِي شَيْ‏ءٍ أَخْرَجَهُ مِنْهُ أَوْ قَالَ أَدْخَلَهُ فِي مِثْلِ ذِهِ وَ أَخْرَجَهُ مِنْ مِثْلِ هَذَا «1».
بيان الحيرة بالكسر بلد كان قرب الكوفة و أنا تأكيد للضمير المنصوب في بعثني و تأكيد المنصوب و المجرور بالمرفوع جائز و جماعة عطف على الضمير أو الواو بمعنى مع معتمين الظاهر أنه بالعين المهملة على بناء الإفعال و التفعيل في القاموس العتمة محركة ثلث الليل الأول بعد غيبوبة الشفق أو وقت صلاة العشاء الآخرة و أعتم و عتم سار فيها أو أورد و أصدر فيها و ظلمة الليل و رجوع الإبل من المرعى بعد ما تمسي انتهى «2» أي رجعنا داخلين في وقت العتمة و في أكثر النسخ بالغين المعجمة من الغم «3» و كأنه تصحيف و ربما يقرأ مغتنمين من الغنيمة و هو تحريف.
و الحائر المكان المطمئن و البستان و أنا بحال أي بحال سوء من الضعف و الكلال إنهم لا يقولون ما نقول أي من مراتب فضائل الأئمة ع و كمالاتهم و مراتب معرفة الله تعالى و دقائق مسائل القضاء و القدر و أمثال ذلك مما يختلف تكاليف العباد فيها بحسب أفهامهم و استعداداتهم لا في أصل المسائل الأصولية أو المراد اختلافهم في المسائل الفروعية و الأول أظهر و أما حمله على أدعية الصلاة و غيرها من المستحبات كما قيل فهو في غاية البعد و إن كان يوافقه التمثيل المذكور في آخر الخبر.
يتولونا و لا يقولون إلى آخره استفهام على الإنكار فهو ذا عندنا أي من المعارف و العلوم و الأخلاق و الأعمال ما ليس عندكم فينبغي لنا على الاستفهام اطرحنا أي عن الإيمان و الثواب أو عن درجة الاعتبار.
قوله ما نفعل لما فهم من كلامه ع نفي التبري تردد في أنه هل‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 43 و 44.
 (2) القاموس ج 4: 147.
 (3) بل من الغتم كما عرفت.

163
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

يلزمه التولي أو عدم ارتكاب شي‏ء من الأمرين فإن نفي أحدهما لا يستلزم ثبوت الآخر.
أن يحمل صاحب السهم على ما عليه صاحب السهمين أي يقاس حاله بحاله و يتوقع منه ما يتوقع من الثاني من الفهم و المعرفة و العمل و زينه له أي حسن الإسلام في نظره فأتاه سحيرا و هو تصغير و هو سدس آخر الليل أو ساعة آخر الليل و قيل قبيل الصبح و التصغير لبيان أنه كان قريبا من الصبح أو بعيدا منه و مر بنا أي معنا و خرج معه أي إلى المسجد ما شاء الله أي كثيرا حتى أصبحا أي دخلا في الصباح و المراد الإسفار و انتشار ضوء النهار و ظهور الحمرة في الأفق قال في المفردات الصبح و الصباح أول النهار و هو وقت ما أحمر الأفق بحاجب الشمس قوله و أقل من أوله أي مما انتظرت بعد الفجر لصلاة الظهر أدخله في شي‏ء أي من الإسلام صار سببا لخروجه من الإسلام رأسا أو المراد بالشي‏ء الكفر أي أدخله بجهله في الكفر الذي أخرجه منه أو قال أدخله في مثل هذا أي العمل الشديد و أخرجه من مثل هذا أي هذا الدين القويم ..
3- كا، الكافي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ عَنْ شِهَابٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ لَوْ عَلِمَ النَّاسُ كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى هَذَا الْخَلْقَ لَمْ يَلُمْ أَحَدٌ أَحَداً فَقُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ وَ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى خَلَقَ أَجْزَاءً بَلَغَ بِهَا تِسْعَةً وَ أَرْبَعِينَ جُزْءاً ثُمَّ جَعَلَ الْأَجْزَاءَ أَعْشَاراً فَجَعَلَ الْجُزْءَ عَشَرَةَ أَعْشَارٍ ثُمَّ قَسَمَهُ بَيْنَ الْخَلْقِ فَجَعَلَ فِي رَجُلٍ عُشْرَ جُزْءٍ وَ فِي آخَرَ عُشْرَيْ جُزْءٍ حَتَّى بَلَغَ بِهِ جُزْءاً تَامّاً وَ فِي آخَرَ جُزْءاً وَ عُشْرَ جُزْءٍ وَ فِي آخَرَ جُزْءاً وَ عُشْرَيْ جُزْءٍ وَ فِي آخَرَ جُزْءاً وَ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِ جُزْءٍ حَتَّى بَلَغَ بِهِ جُزْءَيْنِ تَامَّيْنِ ثُمَّ بِحِسَابِ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَ بِأَرْفَعِهِمْ تِسْعَةً وَ أَرْبَعِينَ جُزْءاً فَمَنْ لَمْ يُجْعَلْ فِيهِ إِلَّا عُشْرُ جُزْءٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِثْلَ صَاحِبِ الْعُشْرَيْنِ وَ كَذَلِكَ صَاحِبُ الْعُشْرَيْنِ لَا يَكُونُ مِثْلَ صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ الْأَعْشَارِ وَ كَذَلِكَ مَنْ تَمَّ لَهُ جُزْءٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِثْلَ صَاحِبِ الْجُزْءَيْنِ وَ لَوْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ هَذَا الْخَلْقَ عَلَى هَذَا

164
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

لَمْ يَلُمْ أَحَدٌ أَحَداً «1».
بيان: لم يلم أحد أحدا أي في عدم فهم الدقائق و القصور عن بعض المعارف أو في عدم اكتساب الفضائل و الأخلاق الحسنة و ترك الإتيان بالنوافل و المستحبات و إلا فكيف يستقيم عدم الملامة على ترك الفرائض و الواجبات و فعل الكبائر و المحرمات و قد مر أن الله تعالى لا يكلف الناس إلا بقدر وسعهم و ليسوا بمجبورين في فعل المعاصي و لا في ترك الواجبات لكن يمكن أن لا يكون في وسع بعضهم معرفة دقائق الأمور و غوامض الأسرار فلم يكلفوا بها و كذا عن تحصيل بعض مراتب الإخلاص و اليقين و غيرها من المكارم فليسوا بملومين بتركها فالتكاليف بالنسبة إلى العباد مختلفة بحسب اختلاف قابلياتهم و استعداداتهم و لا يستحق من لم يكن قابلا لمرتبة من المراتب المذكورة أن يلام لم لا تفهم هذا المعنى و لم لا تفعل الصلاة كما كان أمير المؤمنين ع يفعله مثلا و هكذا.
قوله ع بلغ بها كأنه جعل كل جزء من السهام السبعة المتقدمة سبعة قوله ع فجعل الجزء عشرة أعشار كأن هذا للتأكيد و التوضيح و دفع توهم أن المراد جعل كل جزء عشرا من مرتبة فوقه فيصير المجموع أربعمائة و تسعين عشرا حتى بلغ به الباء للتعدية و الضمير راجع إلى الإيمان أو إلى الرجل المطلق المفهوم من رجل لا إلى الرجل المذكور و لا إلى آخر لاختلال المعنى و هذا أظهر لقوله حتى بلغ بأرفعهم إلا عشر جزء أي من القابلية أو قابلية عشر جزء من الإيمان و هكذا في البواقي.
4- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ الْخَزَّازِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَرَاطِيسِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ إِنَّ الْإِيمَانَ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ يُصْعَدُ مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ فَلَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الِاثْنَيْنِ لِصَاحِبِ الْوَاحِدِ لَسْتَ عَلَى شَيْ‏ءٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْعَاشِرَةِ فَلَا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2: 44.

165
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

وَ إِذَا رَأَيْتَ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكَ بِدَرَجَةٍ فَارْفَعْهُ إِلَيْكَ بِرِفْقٍ وَ لَا تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لَا يُطِيقُ فَتَكْسِرَهُ فَإِنَّ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ «1».
5- ل، الخصال عَنِ ابْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ «2»
 مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّ فِيهِ فَلَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الْوَاحِدِ لِصَاحِبِ الِاثْنَيْنِ وَ زَادَ فِي آخِرِهِ وَ كَانَ الْمِقْدَادُ فِي الثَّامِنَةِ وَ أَبُو ذَرٍّ فِي التَّاسِعَةِ وَ سَلْمَانُ فِي الْعَاشِرَةِ «3».
بيان: القراطيسي بائع القراطيس عشر درجات كأنه ع عد كل تسعة و أربعين جزءا من السابق درجة أو هذه الدرجات لبعض مراتب الإيمان لا لكلها و قيل يجوز أن يراد بالإيمان هنا التصديق أو الكامل المركب منه و من العمل يصعد على بناء المجهول و منه نائب مناب الفاعل و قيل من بمعنى في و الضمير راجع إلى السلم و المرقاة بالفتح و الكسر اسم مكان أو آلة و هي الدرجة و في المصباح المرقى و المرتقى موضع الرقي و المرقاة مثله و يجوز فيها فتح الميم على أنه موضع الارتقاء و يجوز الكسر تشبيها باسم الآلة كالمطهرة و أنكر أبو عبيد الكسر انتهى و هي منصوبة على الظرفية للمكان.
لست على شي‏ء أي من الإيمان أو الكمال و الظاهر ما في الكافي و على ما في الخصال المعنى أنه إذا سمع ممن هو فوقه في المعرفة شيئا لا يصل إليه عقله لا يقدح فيه و لا يكفره فلا تسقط أي من الإيمان أو من درجة الاعتبار من هو دونك أي أسفل منك بدرجة أو أكثر.
فارفعه إليك فإن قلت كيف يرفعه إليه مع أنه لا يطيقه كما مر في الخبر السابق قلت يمكن أن تكون الدرجات المذكورة في الخبر السابق درجات القابليات و الاستعدادات و لذا نسبها إلى أصل الخلق‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2: 44 و 45.
 (2) هو حسن بن عليّ بن أبي عثمان المعروف بسجادة غال، يروى عنه أبو عبد اللّه الرازيّ و هو الحسين بن عبيد اللّه بن سهل في حال استقامته.
 (3) الخصال ج 2: 59.

166
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

و الدرجات المذكورة في هذا الخبر درجات الفعلية و التحقق فيمكن أن يكون رجلان في درجة واحدة من القابلية فسعى أحدهما و حصل ما كان قابلا له و الآخر لم يسع و بقي في درجة أسفل منه فلو كلفه أن يفهم دفعة ما فهمه في أزمنة متطاولة يعسر الأمر عليه بل يصير سببا لضلالته و حيرته فينبغي أن يرفق به و يكمله تدريجا حتى يبلغ إلى تلك الدرجة كما أن الكاتب الجيد الخط إذا كلف أميا لم يكتب قط أن يكتب مثله في يوم أو شهر أو سنة لكان تكليفا لما لا يطاق بل يجب أن يرقيه تدريجا حتى يصل إلى مرتبته و كذا في المراتب العقلية من لم يحصل شيئا منها لا يمكن إفهامه دفعة جميع المسائل الغامضة و لو ألقيت إليه لتحير بل لم يطق فهمها و ضل عن السبيل و المعلم الأديب الكامل يرقيه أولا من البديهيات إلى أوائل النظريات و منها إلى أوساطها و منها إلى غوامضها فلا ينكسر و لا يتحير.
و يمكن أن تحمل القدرة المذكورة في الخبر السابق على الوسع أي الإمكان بسهولة فلا ينافي المذكور في هذا الخبر و لكن الأول أظهر و ربما يجاب بأنه لما لم يكن معلوما لصاحب الدرجة العليا عدم قابلية صاحب الدرجة السفلى بل ربما يظن أنه قابل للترقي فهو مأمور بهذا رجاء لتحقق مظنونه و لا يخفى ما فيه.
فتكسره أي تكسر إيمانه و تضله لأنه يرفع يده عما هو فيه و لا يصل إلى الدرجة الأخرى فيتحير في دينه أو يكلفه من الطاعات ما لا يطيقها فيسوء ظنه بما كان يعمله فيتركهما جميعا كما مر في الباب السابق فعليه جبره أي يجب عليه جبره و ربما لا ينجبر و يلزمه إصلاح ما أفسد من إيمانه و ربما لم يصلح.
6- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ سَدِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ ع إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَنَازِلَ مِنْهُمْ عَلَى وَاحِدَةٍ وَ مِنْهُمْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَ مِنْهُمْ عَلَى ثَلَاثٍ وَ مِنْهُمْ عَلَى أَرْبَعٍ وَ مِنْهُمْ عَلَى خَمْسٍ وَ مِنْهُمْ عَلَى سِتٍّ وَ مِنْهُمْ عَلَى سَبْعٍ فَلَوْ ذَهَبْتَ تَحْمِلُ عَلَى صَاحِبِ الْوَاحِدَةِ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَقْوَ وَ عَلَى صَاحِبِ الثِّنْتَيْنِ ثَلَاثاً لَمْ يَقْوَ وَ عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثِ أَرْبَعاً لَمْ يَقْو

167
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

وَ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِ خَمْساً لَمْ يَقْوَ وَ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسِ سِتّاً لَمْ يَقْوَ وَ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّ سَبْعاً لَمْ يَقْوَ وَ عَلَى هَذِهِ الدَّرَجَاتِ «1».
توضيح المراد بالمنازل الدرجات قوله ع على هذه الدرجات كأن المعنى و على هذا القياس الدرجات التي تنقسم هذه المنازل إليها فإن كلا منها ينقسم إلى سبعين درجة كما مر في الخبر الأول و قيل أي بقية الدرجات إلى العشر المذكور في الخبر الثاني أو المراد بالدرجات المنازل أي على هذا الوجه الذي ذكرنا تنقسم الدرجات فيكون تأكيدا و الأول أظهر.
7- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَا أَنْتُمْ وَ الْبَرَاءَةَ يَبْرَأُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ وَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرُ صَلَاةً مِنْ بَعْضٍ وَ بَعْضُهُمْ أَنْفَذُ بَصِيرَةً مِنْ بَعْضٍ وَ هِيَ الدَّرَجَاتُ «2».
8- لي، الأمالي للصدوق عَنِ الْهَمْدَانِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَضْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ أَسْبَغَ وُضُوءَهُ وَ أَحْسَنَ صَلَاتَهُ وَ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ وَ خَزَنَ لِسَانَهُ وَ كَفَّ غَضَبَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِذَنْبِهِ وَ أَدَّى النَّصِيحَةَ لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ حَقَائِقَ الْإِيمَانِ وَ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ مُفَتَّحَةٌ لَهُ «3».
9- ل، الخصال ابْنُ الْوَلِيدِ عَنِ الصَّفَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَذَكَرْتُ لَهُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الشِّيعَةِ وَ مِنْ أَقَاوِيلِهِمْ فَقَالَ يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ الْإِيمَانُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ بِمَنْزِلَةِ السُّلَّمِ لَهُ عَشْرُ مَرَاقِيَ وَ تَرْتَقِي مِنْهُ مِرْقَاةً بَعْدَ مِرْقَاةٍ فَلَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الْوَاحِدَةِ لِصَاحِبِ الثَّانِيَةِ لَسْتَ عَلَى شَيْ‏ءٍ وَ لَا يَقُولَنَّ صَاحِبُ الثَّانِيَةِ لِصَاحِبِ الثَّالِثَةِ لَسْتَ عَلَى شَيْ‏ءٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْعَاشِرَةِ ثُمَّ قَالَ‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2: 45.
 (2) المصدر ج 2 ص 45.
 (3) أمالي الصدوق: 200.

168
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

وَ كَانَ سَلْمَانُ فِي الْعَاشِرَةِ وَ أَبُو ذَرٍّ فِي التَّاسِعَةِ وَ الْمِقْدَادُ فِي الثَّامِنَةِ يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ لَا تُسْقِطْ مَنْ هُوَ دُونَكَ فَيُسْقِطَكَ مَنْ هُوَ فَوْقَكَ وَ إِذَا رَأَيْتَ الَّذِي هُوَ دُونَكَ فَقَدَرْتَ أَنْ تَرْفَعَهُ إِلَى دَرَجَتِكَ رَفْعاً رَفِيقاً فَافْعَلْ وَ لَا تَحْمِلَنَّ عَلَيْهِ مَا لَا يُطِيقُهُ فَتَكْسِرَهُ فَإِنَّهُ مَنْ كَسَرَ مُؤْمِناً فَعَلَيْهِ جَبْرُهُ لِأَنَّكَ إِذَا ذَهَبْتَ تَحْمِلُ الْفَصِيلَ حَمْلَ الْبَازِلِ فَسَخْتَهُ «1».
بيان: الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه و البازل اسم البعير إذا طلع نابه و ذلك في تاسع سنيه و الفسخ النقض.
10- ل، الخصال ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: الْمُؤْمِنُونَ عَلَى سَبْعِ دَرَجَاتٍ صَاحِبُ دَرَجَةٍ مِنْهُمْ فِي مَزِيدٍ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ لَا يُخْرِجُهُ ذَلِكَ الْمَزِيدُ مِنْ دَرَجَتِهِ إِلَى دَرَجَةِ غَيْرِهِ وَ مِنْهُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَ مِنْهُمُ النُّجَبَاءُ وَ مِنْهُمُ الْمُمْتَحَنَةُ وَ مِنْهُمُ النُّجَدَاءُ وَ مِنْهُمْ أَهْلُ الصَّبْرِ وَ مِنْهُمْ أَهْلُ التَّقْوَى وَ مِنْهُمْ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ «2».
11- ل، الخصال عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي الْأَحْوَصِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ عِنْدَنَا أَقْوَاماً يَقُولُونَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ يُفَضِّلُونَهُ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ وَ لَيْسَ يَصِفُونَ مَا نَصِفُ مِنْ فَضْلِكُمْ أَ نَتَوَلَّاهُمْ فَقَالَ لِي نَعَمْ فِي الْجُمْلَةِ أَ لَيْسَ عِنْدَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ وَ لِرَسُولِ اللَّهِ ص مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مَا لَيْسَ لَنَا وَ عِنْدَنَا مَا لَيْسَ عِنْدَكُمْ وَ عِنْدَكُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَضَعَ الْإِسْلَامَ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ عَلَى الصَّبْرِ وَ الصِّدْقِ وَ الْيَقِينِ وَ الرِّضَا وَ الْوَفَاءِ وَ الْعِلْمِ وَ الْحِلْمِ ثُمَّ قَسَمَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ فَمَنْ جَعَلَ فِيهِ هَذِهِ السَّبْعَةَ الْأَسْهُمِ فَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ مُحْتَمِلٌ ثُمَّ قَسَمَ لِبَعْضِ النَّاسِ السَّهْمَ وَ لِبَعْضٍ السَّهْمَيْنِ وَ لِبَعْضٍ الثَّلَاثَةَ الْأَسْهُمِ وَ لِبَعْضٍ الْأَرْبَعَةَ الْأَسْهُمِ وَ لِبَعْضٍ الْخَمْسَةَ الْأَسْهُمِ وَ لِبَعْضٍ السِّتَّةَ الْأَسْهُمِ وَ لِبَعْضٍ السَّبْعَةَ الْأَسْهُمِ‏
__________________________________________________
 (1) الخصال ج 2: 60.
 (2) الخصال ج 2: 7.

169
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

فَلَا تَحْمِلُوا عَلَى صَاحِبِ السَّهْمِ سَهْمَيْنِ وَ لَا عَلَى صَاحِبِ السَّهْمَيْنِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَ لَا عَلَى صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَ لَا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعَةِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَ لَا عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَةِ سِتَّةَ أَسْهُمٍ وَ لَا عَلَى صَاحِبِ السِّتَّةِ سَبْعَةَ أَسْهُمٍ فَتُثَقِّلُوهُمْ وَ تُنَفِّرُوهُمْ وَ لَكِنْ تَرَفَّقُوا بِهِمْ وَ سَهِّلُوا لَهُمُ الْمَدْخَلَ وَ سَأَضْرِبُ لَكَ مَثَلًا تَعْتَبِرُ بِهِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ وَ كَانَ لَهُ جَارٌ كَافِرٌ وَ كَانَ الْكَافِرُ يَرْفُقُ الْمُؤْمِنَ فَأَحَبَّ الْمُؤْمِنُ لِلْكَافِرِ الْإِسْلَامَ وَ لَمْ يَزَلْ يُزَيِّنُ لَهُ الْإِسْلَامَ وَ يُحَبِّبُهُ إِلَى الْكَافِرِ حَتَّى أَسْلَمَ فَغَدَا عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ فَاسْتَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ فَذَهَبَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ لَهُ لَوْ قَعَدْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَعَدَ مَعَهُ فَقَالَ لَوْ تَعَلَّمْتَ الْقُرْآنَ إِلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ وَ صُمْتَ الْيَوْمَ كَانَ أَفْضَلَ فَقَعَدَ مَعَهُ وَ صَامَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ فَقَالَ لَوْ صَبَرْتَ حَتَّى تُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ كَانَ أَفْضَلَ فَقَعَدَ مَعَهُ حَتَّى صَلَّى الْمَغْرِبَ وَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ ثُمَّ نَهَضَا وَ قَدْ بَلَغَ مَجْهُودَهُ وَ حَمَلَ عَلَيْهِ مَا لَا يُطِيقُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا عَلَيْهِ وَ هُوَ يُرِيدُ بِهِ مِثْلَ مَا صَنَعَ بِالْأَمْسِ فَدَقَّ عَلَيْهِ بَابَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ اخْرُجْ حَتَّى نَذْهَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَجَابَ أَنِ انْصَرِفْ عَنِّي فَإِنَّ هَذَا دِينٌ شَدِيدٌ لَا أُطِيقُهُ فَلَا تَخْرَقُوا بِهِمْ أَ مَا عَلِمْتَ أَنَّ إِمَارَةَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَتْ بِالسَّيْفِ وَ الْعَسْفِ وَ الْجَوْرِ وَ أَنَّ إِمَامَتَنَا بِالرِّفْقِ وَ التَّأَلُّفِ وَ الْوَقَارِ وَ التَّقِيَّةِ وَ حُسْنِ الْخِلْطَةِ وَ الْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ فَرَغِّبُوا النَّاسَ فِي دِينِكُمْ وَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ «1».
بيان: الخرق بالضم و بالتحريك ضد الرفق و أن لا يحسن الرجل العمل و التصرف في الأمور ذكره الفيروزآبادي.
12- ل، الخصال فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ ص لِعَلِيٍّ ع يَا عَلِيُّ سَبْعَةٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ مُفَتَّحَةٌ لَهُ مَنْ أَسْبَغَ وُضُوءَهُ وَ أَحْسَنَ صَلَاتَهُ وَ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ وَ كَفَّ غَضَبَهُ وَ سَجَنَ لِسَانَهُ وَ اسْتَغْفَرَ لِذَنْبِهِ وَ أَدَّى النَّصِيحَةَ لِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ «2».
__________________________________________________
 (1) الخصال ج 2: 8.
 (2) الخصال ج 2: 4 راجع الرقم 8 في ص 168.

170
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

13- شي، تفسير العياشي عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ «1» فَقَالَ هُمْ الْأَئِمَّةُ وَ اللَّهِ يَا عَمَّارُ دَرَجاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ اللَّهِ وَ بِمُوَالاتِهِمْ وَ بِمَعْرِفَتِهِمْ إِيَّانَا يُضَاعِفُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ حَسَنَاتِهِمْ وَ يَرْفَعُ لَهُمُ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَ أَمَّا قَوْلُهُ يَا عَمَّارُ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ الْمَصِيرُ فَهُمْ وَ اللَّهِ الَّذِينَ جَحَدُوا حَقَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع- وَ حَقَّ الْأَئِمَّةِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ فَبَاءُوا لِذَلِكَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا ع أَنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ اللَّهِ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ الدَّرَجَةُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ «2».
14- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: بِالزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ تَفَاضَلَ الْمُؤْمِنُونَ بِالدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ قُلْتُ وَ إِنَّ لِلْإِيمَانِ دَرَجَاتٍ وَ مَنَازِلَ يَتَفَاضَلُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ نَعَمْ قُلْتُ صِفْ لِي ذَلِكَ رَحِمَكَ اللَّهُ حَتَّى أَفْهَمَهُ قَالَ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ «3» الْآيَةَ وَ قَالَ وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى‏ بَعْضٍ «4» وَ قَالَ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ «5» وَ قَالَ هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ «6» فَهَذَا ذِكْرُ دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ وَ مَنَازِلِهِ عِنْدَ اللَّهِ «7».
__________________________________________________
 (1) آل عمران: 162 و ما بعدها ذيلها.
 (2) تفسير العيّاشيّ ج 1: 205.
 (3) البقرة: 253.
 (4) أسرى: 55.
 (5) أسرى: 21.
 (6) آل عمران: 163.
 (7) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 135، و هي قطعة من الحديث الذي مر تحت الرقم 6 من الباب 30 ص 28.

171
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

15- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: لَا نَقُولُ درجة [الدَّرَجَةُ] وَاحِدَةٌ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِنَّمَا تَفَاضَلَ الْقَوْمُ بِالْأَعْمَالِ «1».
16- شي، تفسير العياشي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ شِيعَتُنَا وَ اللَّهِ لَا يُتِيحُهُمُ الذُّنُوبُ وَ الْخَطَايَا هُمْ صَفْوَةُ اللَّهِ الَّذِينَ اخْتَارَهُمْ لِدِينِهِ وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ «2».
17- شي، تفسير العياشي عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ‏قَوْلِ اللَّهِ وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ «3» أَ يُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ نَعَمْ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ يُثَابُونَ عَلَيْهِ قَالَ نَعَمْ «4».
18- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي عَمْرٍو الزُّبَيْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ سَبَّقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا سُبِّقَ بَيْنَ الْخَيْلِ يَوْمَ الرِّهَانِ قُلْتُ أَخْبِرْنِي عَمَّا نَدَبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الِاسْتِبَاقِ إِلَى الْإِيمَانِ قَالَ قَوْلُ اللَّهِ سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ «5» وَ قَالَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ وَ قَالَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ فَبَدَأَ بِالْمُهَاجِرِينَ عَلَى دَرَجَةِ سَبْقِهِمْ ثُمَّ ثَنَّى بِالْأَنْصَارِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فَوَضَعَ كُلَّ قَوْمٍ عَلَى دَرَجَاتِهِمْ وَ مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ «6».
19- شي، تفسير العياشي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكَرْخِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ رَفَعَهُ‏
__________________________________________________
 (1) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 388، و قد مر في أول الباب ص 155.
 (2) تفسير العيّاشيّ ج 2: 105، و الآية في براءة: 91.
 (3) براءة: 99.
 (4) تفسير العيّاشيّ ج 1 ص 105.
 (5) قد مرت الإشارة الى مواضيع الآيات، راجع ص 28 و 29 فيما سبق.
 (6) تفسير العيّاشيّ ج 2: 105.

172
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

إِلَى خَيْثَمَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وَ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ وَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي شِيعَتِنَا الْمُؤْمِنِينَ «1».
20- شي، تفسير العياشي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ رَفَعَهُ إِلَى الشَّيْخِ فِي‏قَوْلِهِ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً قَالَ قَوْمٌ اجْتَرَحُوا ذُنُوباً مِثْلَ قَتْلِ حَمْزَةَ وَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارِ ثُمَّ تَابُوا ثُمَّ قَالَ وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً لَمْ يُوَفَّقْ لِلتَّوْبَةِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْطَعُ طَمَعَ الْعِبَادِ فِيهِ وَ رَجَاءَهُمْ مِنْهُ وَ قَالَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ إِنَّ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ «2».
21- شي، تفسير العياشي عَنِ الْحَلَبِيِّ عَنْ زُرَارَةَ وَ حُمْرَانَ وَ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَحَدِهِمَا قَالَ: الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ قَوْمٌ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً «3».
22- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ قَالَ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ سَلْ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع فَاعْرِضْ عَلَيْهِ كَلَامِي وَ قُلْ لَهُ إِنِّي أَتَوَلَّاكُمْ وَ أَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ أَقُولُ بِالْقَدَرِ أَ قَوْلِي فِيهِ قَوْلُكَ «4» قَالَ فَعَرَضْتُ كَلَامَهُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع- فَحَرَّكَ يَدَهُ ثُمَّ قَالَ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ قَالَ ثُمَّ قَالَ مَا أَعْرِفُهُ مِنْ مَوَالِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قُلْتُ يَزْعُمُ «5» أَنَّ سُلْطَانَ هِشَامٍ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ فَقَالَ وَيْلَهُ مَا لَهُ وَيْلَهُ أَ مَا عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لآِدَمَ دَوْلَةً وَ لِإِبْلِيسَ دَوْلَةً «6».
__________________________________________________
 (1) تفسير العيّاشيّ ج 2 ص 105 نفسه و فيه: فى شيعتنا المذنبين، و الآية في براءة: 102.
 (2) تفسير العيّاشيّ ج 2 ص 106.
 (3) المصدر ج 2: 106.
 (4) في نسخة الكمبانيّ و هكذا المصدر: «و قولي فيه قولك» و هو تصحيف ظاهر فانه سائل يعرض كلامه و عقيدته مستفهما عن صحته و بطلانه، لا متحكما يحكم بأن ما يقوله هو قوله عليه السلام، و قول الراوي: «فحرك يده» معناه أن: ليس هذا قولي، فكانه حرك يده يمينا و شمالا كما يحرك النافى يده منكرا.
 (5) في المصدر: يزعم ابن عمر، خ.
 (6) تفسير العيّاشيّ ج 2: 106.

173
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 32 درجات الإیمان و حقائقه ص 154

بيان: كأن ابن سعيد كان يقول بالتفويض و كان لا يقول بمدخلية هداية الله تعالى و توفيقه و خذلانه في أعمال العباد و هذا هو مراده بالقول بالقدر فلذا عده ع من الذين خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً و حرك يده مترددا في قبوله و رده و قال ما أعرفه من موالي أمير المؤمنين لهذا القول و يحتمل أن يكون من موالي أمير المؤمنين استفهاما من السائل فقال أبو بكر إنه يزعم أنه ليس لله مدخل أصلا في سلطنة هشام بن عبد الملك و كان من خلفاء بني أمية فأنكر ع هذا القول و قال إن الله جعل لإبليس دولة و لخذلانه تعالى و ترك ألطافه بالنسبة إلى العباد لعدم استحقاقهم بسوء أعمالهم مدخل في ذلك كذا خطر بالبال و الله أعلم بحقيقة المقال.
23- شي، تفسير العياشي عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع فِي‏قَوْلِ اللَّهِ وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً قَالَ أُولَئِكَ قَوْمٌ مُذْنِبُونَ يُحْدِثُونَ فِي إِيمَانِهِمْ مِنَ الذُّنُوبِ الَّتِي يَعِيبُهَا الْمُؤْمِنُونَ وَ يَكْرَهُهَا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ «1».
24- شي، تفسير العياشي عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُلْنَا لَهُ مَنْ وَافَقَنَا مِنْ عَلَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ تَوَلَّيْنَاهُ وَ مَنْ خَالَفَنَا بَرِئْنَا مِنْهُ مِنْ عَلَوِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ يَا زُرَارَةُ قَوْلُ اللَّهِ أَصْدَقُ مِنْ قَوْلِكَ أَيْنَ الَّذِينَ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً «2».
25- شي، تفسير العياشي عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَ لَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ قَالَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ «3».
26- كش، رجال الكشي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَ حَمْدَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ الْقَاسِمِ الصَّيْقَلِ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَهُ فَتَذَاكَرْنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ بَعْضُنَا ذَلِكَ ضَعِيفٌ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِمَّنْ دُونَكُمْ حَتَّى يَكُونَ مِثْلَكُمْ لَمْ يُقْبَلْ مِنْكُمْ حَتَّى تَكُونُوا مِثْلَنَا «4».
__________________________________________________
 (1) تفسير العيّاشيّ ج 2: 106.
 (2) تفسير العيّاشيّ ج 2: 106.
 (3) المصدر نفسه و الآية في الحجر: 24.
 (4) رجال الكشّيّ ص، و لم تجده.

174
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

27- ما، الأمالي للشيخ الطوسي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ التَّلَّعُكْبَرِيِّ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً ع وَفَدَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ ع هَلْ فِي بِلَادِكَ قَوْمٌ قَدْ شَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخَيْرِ لَا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ فِي بِلَادِكَ قَوْمٌ قَدْ شَهَرُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشَّرِّ لَا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَهَلْ فِي بِلَادِكَ قَوْمٌ يَجْتَرِحُونَ السَّيِّئَاتِ وَ يَكْتَسِبُونَ الْحَسَنَاتِ قَالَ نَعَمْ قَالَ تِلْكَ خِيَارُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ص النُّمْرُقَةُ الْوُسْطَى يَرْجِعُ إِلَيْهِمُ الْغَالِي وَ يَنْتَهِي إِلَيْهِمُ الْمُقَصِّرُ «1».
بيان: لعل المراد بالفرقة الأولى قوم من أرباب البدع و المراءين شهروا أنفسهم بالخير فلذا فضل عليهم الفرقة الأخيرة أو المراد أن تلك أيضا من الخيار.
28 كَنْزُ الْكَرَاجُكِيِّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص الْإِيمَانُ فِي عَشَرَةٍ الْمَعْرِفَةِ وَ الطَّاعَةِ وَ الْعِلْمِ وَ الْعَمَلِ وَ الْوَرَعِ وَ الِاجْتِهَادِ وَ الصَّبْرِ وَ الْيَقِينِ وَ الرِّضَا وَ التَّسْلِيمِ فَأَيَّهَا فَقَدَ صَاحِبُهُ بَطَلَ نِظَامُهُ.
باب 33 السكينة و روح الإيمان و زيادته و نقصانه‏
الآيات البقرة قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «2» الأنفال وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً «3» التوبة وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏
__________________________________________________
 (1) أمالي الطوسيّ ج 2: 262.
 (2) البقرة: 260.
 (3) الأنفال: 2.

175
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ «1» الكهف إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً وَ رَبَطْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ «2» الأحزاب وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً «3» الفتح هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ «4» المجادلة لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «5» تفسير قوله تعالى قالَ بَلى‏ وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي أقول يدل على أن الإيمان و اليقين قابلان للشدة و الضعف قال الطبرسي ره أي بلى أنا مؤمن و لكن سألت ذاك لأزداد يقينا إلى يقيني و قيل لأعاين ذلك و يسكن قلبي إلى علم العيان بعد علم الاستدلال و قيل ليطمئن قلبي بأنك قد أجبت مسألتي و اتخذتني خليلا كما وعدتني «6».
و قال في قوله تعالى وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً معناه و إذا قرئ عليهم القرآن زادتهم آياته تبصرة و يقينا على يقين و قيل زادتهم تصديقا مع تصديقهم بما أنزل إليهم قبل ذلك عن ابن عباس و المعنى أنهم يصدقون بالأولى و الثانية و الثالثة و كلما يأتي من عند الله فيزداد تصديقهم «7».
و قال القاضي زادتهم إيمانا لزيادة المؤمن به أو لاطمينان النفس و رسوخ اليقين بتظاهر الأدلة أو بالعمل بموجبها و هو قول من قال الإيمان يزيد بالطاعة
__________________________________________________
 (1) براءة: 124 و 125.
 (2) الكهف: 13- 14.
 (3) الأحزاب: 22.
 (4) الفتح: 4.
 (5) المجادلة: 22.
 (6) مجمع البيان ج 2: 373.
 (7) المصدر ج 4: 519.

176
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

و ينقص بالمعصية بناء على أن العمل داخل فيه «1».
قوله تعالى فَمِنْهُمْ قال الطبرسي رحمه الله «2» أي من المنافقين مَنْ يَقُولُ على وجه الإنكار أي يقول بعضهم لبعض أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ السورة إِيماناً و قيل معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف أيكم زادته هذه السورة إيمانا أي يقينا و بصيرة فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً قال القاضي بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة و انضمام الإيمان بها و بما فيها إلى إيمانهم وَ هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بنزولها لأنه سبب لزيادة كمالهم و ارتفاع درجاتهم فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ أي كفرا بها مضموما إلى كفرهم بغيرها وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ أي استحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه «3».
وَ زِدْناهُمْ هُدىً في المجمع أي بصيرة في الدين و رغبة في الثبات عليه بالألطاف المقوية لدواعيهم إلى الإيمان وَ رَبَطْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أي شددنا عليها بالألطاف و الخواطر المقوية للإيمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق و الثبات على الدين و الصبر على المشاق و مفارقة الوطن «4».
وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ أي و لما عاين المصدقون بالله و رسوله الجماعة الذين تحزبت على قتال النبي ص مع كثرتهم قالُوا إلخ فيه قولان.
أحدهما أن النبي ص كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الأحزاب و يقاتلونهم و وعدهم الظفر بهم فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله و كان ذلك معجزا له وَ ما زادَهُمْ مشاهدة عدوهم إِلَّا إِيماناً أي تصديقا بالله و رسوله وَ تَسْلِيماً لأمره و الآخر أن الله وعدهم بقوله أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا إلى قوله إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ما سيكون من الشدة التي تلحقهم من‏
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل: 161.
 (2) مجمع البيان ج 5: 84 و الآية في براءة: 124.
 (3) أنوار التنزيل: 182.
 (4) مجمع البيان ج 6: 454 و الآية في الكهف: 13.

177
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

عدوهم فلما رأوا الأحزاب قالوا هذه المقالة «1».
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ هي أن يفعل الله بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحق ما تسكن إليه نفوسهم و ذلك بكثرة ما ينصب لهم من الأدلة الدالة عليه فهذه النعمة التامة للمؤمنين خاصة و أما غيرهم فتضطرب نفوسهم لأول عارض من شبهة ترد عليهم إذ لا يجدون برد اليقين و روح الطمأنينة في قلوبهم و قيل هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم و يثبتوا في القتال و قيل هي ما أسكن قلوبهم من التعظيم لله و لرسوله لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح و علو كلمة الإسلام على وفق ما وعدوا و قيل ليزدادوا تصديقا بشرائع الإسلام و هو أنهم كلما أمروا بشي‏ء من الشرائع صدقوا به و ذلك بالسكينة التي أنزلها الله في قلوبهم عن ابن عباس و المعنى ليزدادوا معارف على المعرفة الحاصلة عندهم «2».
أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أي ثبته في قلوبهم بما فعل بهم من الألطاف فصار كالمكتوب و قيل كتب في قلوبهم علامة الإيمان و معنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ أي قواهم بنور الإيمان و قيل قواهم بنور الحجج و البرهان حتى اهتدوا للحق و عملوا به و قيل قواهم بالقرآن الذي هو حياة للقلوب من الجهل و قيل أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن ينصرهم و يدفع عنهم «3».
أقول سيأتي في الأخبار أن السكينة هي الإيمان و معنى روح الإيمان.
1- ب، قرب الإسناد ابْنُ سَعْدٍ عَنِ الْأَزْدِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ لِلْقَلْبِ أُذُنَيْنِ رُوحُ الْإِيمَانِ يُسَارُّهُ بِالْخَيْرِ وَ الشَّيْطَانُ يُسَارُّهُ بِالشَّرِّ فَأَيُّهُمَا ظَهَرَ عَلَى صَاحِبِهِ غَلَبَهُ قَالَ وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع- إِذَا زَنَى الرَّجُلُ أَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهُ رُوحَ الْإِيمَانِ‏
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 8: 349 و الآية في الأحزاب: 22.
 (2) مجمع البيان ج 9: 111، و الآية في الفتح: 4.
 (3) مجمع البيان ج 9: 254: و الآية في المجادلة: 22.

178
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

فَقُلْنَا الرُّوحُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ وَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ السَّارِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ إِنَّمَا أَعْنِي مَا دَامَ عَلَى بَطْنِهَا فَإِذَا تَوَضَّأَ وَ تَابَ كَانَ فِي حَالٍ غَيْرِ ذَلِكَ «1».
بيان: فإذا توضأ أي تطهر و اغتسل.
2- فس، تفسير القمي وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَزِيدُ وَ لَا يَنْقُصُ «2».
3- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ الْغَنَوِيِّ عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ نَاساً زَعَمُوا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَزْنِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَأْكُلُ الرِّبَا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْفِكُ الدَّمَ الْحَرَامَ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَقَدْ ثَقُلَ عَلَيَّ هَذَا وَ حَرِجَ مِنْهُ صَدْرِي حِينَ أَزْعُمُ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ يُصَلِّي صَلَاتِي وَ يَدْعُو دُعَائِي وَ يُنَاكِحُنِي وَ أُنَاكِحُهُ وَ يُوَارِثُنِي وَ أُوَارِثُهُ وَ قَدْ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ مِنْ أَجْلِ ذَنْبٍ يَسِيرٍ أَصَابَهُ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ص صَدَقْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَقُولُ وَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ خَلَقَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ وَ أَنْزَلَهُمْ ثَلَاثَ مَنَازِلَ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فِي الْكِتَابِ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ «3» فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ السَّابِقِينَ فَإِنَّهُمْ أَنْبِيَاءُ مُرْسَلُونَ وَ غَيْرُ مُرْسَلِينَ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْقُدُسِ وَ رُوحَ الْإِيمَانِ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ وَ رُوحَ الْبَدَنِ فَبِرُوحِ الْقُدُسِ بُعِثُوا أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَ غَيْرَ مُرْسَلِينَ وَ بِهَا عَلِمُوا الْأَشْيَاءَ وَ بِرُوحِ الْإِيمَانِ عَبَدُوا اللَّهَ وَ لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِرُوحِ الْقُوَّةِ جَاهَدُوا عَدُوَّهُمْ وَ عَالَجُوا مَعَاشَهُمْ وَ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ أَصَابُوا لَذِيذَ الطَّعَامِ وَ نَكَحُوا الْحَلَالَ مِنْ شَبَابِ النِّسَاءِ وَ بِرُوحِ الْبَدَنِ دَبُّوا وَ دَرَجُوا
__________________________________________________
 (1) قرب الإسناد: 17 ط حجر، ص 25 ط النجف.
 (2) تفسير القمّيّ: 413، و الآية في مريم: 76.
 (3) راجع الواقعة: 8- 10.

179
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

فَهَؤُلَاءِ مَغْفُورٌ لَهُمْ مَصْفُوحٌ عَنْ ذُنُوبِهِمْ ثُمَّ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ «1» ثُمَّ قَالَ فِي جَمَاعَتِهِمْ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ يَقُولُ أَكْرَمَهُمْ بِهَا فَفَضَّلَهُمْ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ فَهَؤُلَاءِ مَغْفُورٌ لَهُمْ مَصْفُوحٌ عَنْ ذُنُوبِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْمَيْمَنَةِ وَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً بِأَعْيَانِهِمْ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ أَرْبَعَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْإِيمَانِ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ وَ رُوحَ الْبَدَنِ فَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَسْتَكْمِلُ هَذِهِ الْأَرْوَاحَ الْأَرْبَعَةَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيْهِ حَالاتٌ فَقَالَ الرَّجُلُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذِهِ الْحَالاتُ فَقَالَ أَمَّا أَوَّلُهُنَّ فَهُوَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً «2» فَهَذَا يَنْتَقِصُ مِنْهُ جَمِيعُ الْأَرْوَاحِ وَ لَيْسَ بِالَّذِي يَخْرُجُ مِنْ دِينِ اللَّهِ لِأَنَّ الْفَاعِلَ بِهِ رَدَّهُ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ فَهُوَ لَا يَعْرِفُ لِلصَّلَاةِ وَقْتاً وَ لَا يَسْتَطِيعُ التَّهَجُّدَ بِاللَّيْلِ وَ لَا بِالنَّهَارِ وَ لَا الْقِيَامَ فِي الصَّفِّ مَعَ النَّاسِ فَهَذَا نُقْصَانٌ مِنْ رُوحِ الْإِيمَانِ وَ لَيْسَ يَضُرُّهُ شَيْئاً وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَقِصُ مِنْهُ رُوحُ الْقُوَّةِ وَ لَا يَسْتَطِيعُ جِهَادَ عَدُوِّهِ وَ لَا يَسْتَطِيعُ طَلَبَ الْمَعِيشَةِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَقِصُ مِنْهُ رُوحُ الشَّهْوَةِ فَلَوْ مَرَّتْ بِهِ أَصْبَحُ بَنَاتِ آدَمَ لَمْ يَحِنَّ إِلَيْهَا وَ لَمْ يَقُمْ وَ تَبْقَى رُوحُ الْبَدَنِ فِيهِ فَهُوَ يَدِبُّ وَ يَدْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَهَذَا بِحَالٍ خَيْرٍ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الْفَاعِلُ بِهِ وَ قَدْ يَأْتِي عَلَيْهِ حَالاتٌ فِي قُوَّتِهِ وَ شَبَابِهِ فَيَهُمُّ بِالْخَطِيئَةِ فَيُشَجِّعُهُ رُوحُ الْقُوَّةِ وَ يُزَيِّنُ لَهُ رُوحُ الشَّهْوَةِ وَ تَقُودُهُ رُوحُ الْبَدَنِ حَتَّى تُوقِعَهُ فِي الْخَطِيئَةِ فَإِذَا لَامَسَهَا نَقَصَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ تَفَصَّى مِنْهُ فَلَيْسَ يَعُودُ فِيهِ حَتَّى يَتُوبَ فَإِذَا تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ إِنْ عَادَ أَدْخَلَهُ اللَّهُ نَارَ جَهَنَّمَ فَأَمَّا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ فَهُمُ الْيَهُودُ وَ النَّصَارَى يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ «3» يَعْرِفُونَ مُحَمَّداً وَ الْوَلَايَةَ فِي التَّوْرَاةِ وَ الْإِنْجِيلِ‏
__________________________________________________
 (1) البقرة: 253.
 (2) النحل: 70.
 (3) البقرة: 146.

180
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ إِنَّكَ الرَّسُولُ إِلَيْهِمْ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ «1» فَلَمَّا جَحَدُوا مَا عَرَفُوا ابْتَلَاهُمْ بِذَلِكَ فَسَلَبَهُمْ رُوحَ الْإِيمَانِ وَ أَسْكَنَ أَبْدَانَهُمْ ثَلَاثَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْقُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ وَ رُوحَ الْبَدَنِ ثُمَّ أَضَافَهُمْ إِلَى الْأَنْعَامِ فَقَالَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ «2» لِأَنَّ الدَّابَّةَ إِنَّمَا تَحْمِلُ بِرُوحِ الْقُوَّةِ وَ تَعْتَلِفُ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ وَ تَسِيرُ بِرُوحِ الْبَدَنِ فَقَالَ السَّائِلُ أَحْيَيْتَ قَلْبِي بِإِذْنِ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ «3».
ف «4»، تحف العقول أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ إِنَّ أُنَاساً يَزْعُمُونَ وَ ذَكَرَ نَحْوَهُ «5».
- ير، بصائر الدرجات عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن محمد بن داود عن أبي هارون العبدي عن محمد عن ابن نباتة مثله «6».
بيان و حرج منه أي ضاق حين أزعم أي أعتقد و أدعي موافقا لدعواهم يصلي صلاتي كأن صلاتي مفعول مطلق للنوع و كذا دعائي و المراد الدعوة إلى الدين أو دعاء الرب و طلب الحاجة منه في الصلاة و غيرها و الأول أنسب و يناكحني أي يعطيني زوجة كبنته و أخته و قيل المفاعلة في تلك الأفعال بمعنى الإفعال و يوارثني كأن في الإسناد مجازا أي جعل الله له في ميراثي و لي في ميراثه نصيبا «7» و عد الذنب يسيرا بالنسبة إلى الخلل في العقائد أو اليسير في مقابل الكثير و في البصائر يصلي إلى قبلتي و يدعو دعوتي إلى قوله أخرجه من الإيمان و فيه فقال صدقك أخوك إني سمعت رسول الله ص يقول خلق الله الخلق ثم ذكر الآية بتمامها إلى قوله أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ و على ما
__________________________________________________
 (1) البقرة: 147.
 (2) الفرقان: 44.
 (3) الكافي ج 2: 281 و 282.
 (4) في نسخة الكمبانيّ برمز قرب الإسناد، و هو سهو.
 (5) تحف العقول: 185.
 (6) بصائر الدرجات: 449 و 450.
 (7) و في تحف العقول ط اسلامية: يوارينى و اواريه.

181
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

في الكافي يمكن أن يقرأ صدقت على بناء المعلوم المخاطب أي القول الذي ذكرت عنهم صدق و حق أو صدقت في أنهم لا يخرجون من الإيمان رأسا بحيث تنتفي المناكحة و الموارثة و أمثالهما أو في أنهم لا يخرجون بمحض ارتكاب الذنب بل بالإصرار عليه أو المعلوم الغائب و الضمير للناس بتأويل أو المجهول المخاطب أي صدقوك فيما أخبروك.
و الاستدلال بالكتاب إما بالآيات المذكورة أو غيرها من الآيات الدالة على حصر المؤمن في جماعة موصوفين بصفات مخصوصة و على الأول كما هو الظاهر الاستدلال بأن الظاهر من التقسيم و ما يأتي بعده أن يكون التقسيم إلى الأنبياء و الأوصياء و إلى المؤمنين و إلى الكافرين و وصف أصحاب اليمين و جزاءهم بأوصاف لا تليق إلا بمن لم يستحق عقوبة و لم يرتكب كبيرة موجبة للنار فلا بد من دخول المصرين على الكبائر في أصحاب الشمال أو بأنه تعالى ذكر في وصف أصحاب الشمال الذين يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ «1» فالإصرار على الذنب العظيم يخرج من الإيمان.
قوله ع جعل الله فيهم خمسة أرواح أقول الروح يطلق على النفس الناطقة و على الروح الحيوانية السارية في البدن و على خلق عظيم إما من جنس الملائكة أو أعظم منهم كما قال تعالى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا «2» و الأرواح المذكورة هنا يمكن أن تكون أرواحا مختلفة متباينة بعضها في البدن و بعضها خارجة عنه أو يكون المراد بالجميع النفس الناطقة الإنسانيه باعتبار أعمالها و درجاتها و مراتبها أو أطلقت على تلك الأحوال و الدرجات كما أنه يطلق عليها النفس الأمارة و اللوامة و المطمئنة و الملهمة بحسب درجاتها و مراتبها في الطاعة و العقل الهيولائي و بالملكة و بالفعل و المستفاد بحسب مراتبها في العلم و المعرفة و يحتمل أن تكون روح القوة و الشهوة و المدرج كلها الروح الحيوانية و روح الإيمان و روح القدس النفس الناطقة
__________________________________________________
 (1) الواقعة: 46.
 (2) النبأ: 38.

182
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

بحسب كمالاتها أو تكون الأربعة سوى روح القدس مراتب النفس و روح القدس الخلق الأعظم فإن ظاهر أكثر الأخبار مباينة روح القدس للنفس.
و يحتمل أن يكون ارتباط روح القدس متفرعا على حصول تلك الحالة القدسية للنفس فتطلق روح القدس على النفس في تلك الحالة و على تلك الحالة و على الجوهر القدسي الذي يحصل له الارتباط بالنفس في تلك الحالة كما أن الحكماء يقولون إن النفس بعد تخليها عن الملكات الردية و تحليها بالصفات العلية و كشف الغواشي الهيولانية و نقض العلائق الجسمانية يحصل لها ارتباط خاص بالعقل الفعال كارتباط البدن بالروح فتطالع الأشياء فيها و تفيض المعارف منه عليها آنا فآنا و ساعة فساعة و به يؤولون علم ما يحدث بالليل و النهار و هذا و إن كان مبتنيا على أصول فاسدة لا نقول بها لكن إنما ذكرناه للتشبيه و التنظير و علم جميع ذلك عند العليم الخبير.
قوله ع خلق الله الناس على ثلاث طبقات قيل الخلق بمعنى الإيجاد أو التقدير و وجه الحصر أن الناس إما كافر أو مؤمن و المؤمن إما أن تكون له قوة قدسية مقتضية للعصمة أو لم تكن و الأول أصحاب المشأمة و الأخير أصحاب الميمنة و الثاني السابقون و ذلك قول الله إشارة إلى قوله سبحانه في سورة الواقعة وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ قَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ إلى آخر الآيات و قد مر تفسير الآيات في باب درجات الإيمان فإنهم بكسر الهمزة و قد يقرأ بفتحها أي فلأنهم أنبياء كأنه ع غلب الأنبياء على الأوصياء لأن الأوصياء في الأمم السابقة كان أكثرهم أو كلهم أنبياء فهذا يشمل الأئمة ع.
وَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ الصَّادِقِ ع فَالسَّابِقُونَ هُمْ رُسُلُ اللَّهِ وَ خَاصَّةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ «1».
و في رواية أخرى الأنبياء و الأوصياء و يمكن عطف غير مرسلين‏
__________________________________________________
 (1) راجع بصائر الدرجات: 447، و هو يشبه حديث ابن نباتة.

183
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

على الأنبياء لكنه أبعد و كأن فيه نوع تقية و في البصائر مرسلين و غير مرسلين و في القاموس عالجه علاجا و معالجة زاوله و داواه و قال الشباب الفتاء كالشبيبة و جمع شاب كالشبان و قال دب يدب دبا و دبيبا مشى على هينته و قال درج دروجا مشى و في الصحاح دب الشيخ مشى مشيا رويدا فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم و هاتان الفقرتان ليستا في البصائر في شي‏ء من الروايتين في الموضعين «1» و على ما في الكافي كأن الذنب مؤول بترك الأولى كما مر مرارا أو كنايتان عن عدم صدورها عنهم.
تلك الرسل قال البيضاوي إشارة إلى الجماعة المذكورة قصصها في السورة أو المعلومة للرسول أو جماعة الرسل و اللام للاستغراق فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ بأن خصصناه بمنقبة ليست لغيره مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ و هو موسى و قيل موسى و محمد ع كلم موسى ليلة الحيرة و في الطور و محمدا ليلة المعراج حين فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ و بينهما بون بعيد وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ بأن فضله على غيره من وجوه متعددة و بمراتب متباعدة و هو محمد ص فإنه خص بالدعوة العامة و الحجج المتكاثرة و المعجزات المستمرة و الآيات المتراقية المتعاقبة بتعاقب الدهر و الفضائل العلمية و العملية الفائتة للحصر و الإبهام لتفخيم شأنه كأنه العلم المتعين لهذا الوصف المستغني عن التعيين و قيل إبراهيم خصصه بالخلة التي هي أعلى المراتب و قيل إدريس لقوله تعالى وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا و قيل أولو العزم من الرسل «2».
وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ المعجزات الواضحات كإحياء الموتى و إبراء الأكمه و الأبرص و الإخبار بالمغيبات أو الإنجيل وَ أَيَّدْناهُ و قويناه بِرُوحِ الْقُدُسِ بالروح المقدسة كقولك حاتم الجود و رجل صدق أراد به جبرئيل أو روح عيسى و وصفها به لطهارته عن مس الشيطان أو لكرامته على الله و لذلك‏
__________________________________________________
 (1) يعني رواية جابر عن الصادق عليه السلام، و رواية الأصبغ عن أمير المؤمنين عليه السلام.
 (2) أنوار التنزيل: 61.

184
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

أضافها إلى نفسه أو لأنه لم تضمها الأصلاب و الأرحام الطوامث أو الإنجيل أو اسم الله الأعظم الذي كان يحيي به الموتى و خص عيسى ع بالتعيين لإفراط اليهود و النصارى في تحقيره و تعظيمه و جعل معجزاته سبب تفضيله لأنها آيات واضحة و معجزات عظيمة لم يستجمعها غيره.
ثم قال في جماعتهم ظاهره أن المراد أنه قال ذلك في عموم الأنبياء و الرسل و هو مخالف لظاهر سياق الآيات و المشهور بين المفسرين و الآيات هكذا كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ و قال البيضاوي أُولئِكَ أي الذين لم يوادوهم «1» و أقول يمكن توجيهه بوجوه.
الأول أن يكون أولئك إشارة إلى الرسل في قوله وَ رُسُلِي و هو و إن كان بعيدا لفظا فليس ببعيد معنى و لا ينافي ما مر في بعض الأخبار أنه الروح الذي في المؤمنين جميعا و يفارقهم في وقت المعصية لأنهم أكمل المؤمنين و فيهم هذا الروح أيضا على وجه الكمال و إن كان في سائر المؤمنين صنف منه و هذا غير روح القدس كما مر في الخمسة.
الثاني أن يكون إشارة إلى المؤمنين و ذكره ع هذه الآية لبيان أنهم أيضا مؤيدون بهذا الروح لأنهم أكمل المؤمنين كما عرفت.
الثالث أن يكون المراد بجماعتهم الجماعة المخصوصين بالرسل من خواص أممهم و أتباعهم و كونه في خواص أتباعهم يستلزم كونه فيهم أيضا و في البصائر في حديث جابر بعد قوله و روح البدن و بين ذلك في كتابه حيث قال تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا الآية و بعدها ثم قال في جميعهم وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ و هذا يأبى عن هذا الحمل بل عن الثاني أيضا إلا بتكلف.
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل: 426.

185
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

و هم المؤمنون حقا أي يكون إيمانهم واقعيا و لا يكون باطنهم مخالفا لظاهرهم فيكونون منافقين على بعض الاحتمالات السابقة أو المراد بهم المؤمنون الذين لا يتركون الفرائض و لا يرتكبون الكبائر إلا اللمم فالذين يفعلون ذلك و لا يتوبون داخلون في أصحاب الشمال لكنه يأبى عنه ما سيأتي من التخصيص بأهل الكتاب و سيأتي القول فيه و قوله بأعيانهم ليس في رواية جابر و كأن المعنى بخصوصهم أو بأنفسهم من غير أن يلحق بهم أتباعهم يستكمل هذه الأرواح أي يطلب كمالها و تمامها أو يتصف بها كاملة و في البصائر بهذه الأرواح و في رواية جابر مستكملا بهذه الأرواح و هما أظهر و هما على بناء المفعول في القاموس استكمله و كمله أتمه و جمله.
إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ في مجمع البيان أي أدون العمر و أوضعه أي يبقيه حتى يصير إلى حال الهرم و الخرف فيظهر النقصان في جوارحه و حواسه و عقله و روي عن علي ع أن أرذل العمر خمس و سبعون سنة و روي مثل ذلك عن النبي ص و عن قتادة تسعون سنة لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً أي ليرجع إلى حال الطفولية لنسيان ما كان علمه لأجل الكبر فكأنه لا يعلم شيئا مما كان عليه و قيل ليقل علمه بخلاف ما كان عليه في حال شبابه انتهى «1» و قال البيضاوي و قيل هو خمس و تسعون سنة «2» و أقول في روضة الكافي أنه مائة سنة و قيل الكاف في قوله كما قال الله لبيان أن القريب من أرذل العمر أيضا داخل في المراد و ليس بالذي يخرج من دين الله.
قال بعض المحققين إن قيل قد ثبت أن الإنسان إنما يبعث على ما مات عليه فإذا مات الكبير على غير معرفة فكيف يبعث عارفا قلنا لما كان مانعه عن الالتفات إلى معارفه أمرا عارضا و هو اشتغاله بتدبير البدن فلما زال ذلك بالموت برزت له معارفه التي كانت كامنة في ذاته بخلاف من لم يحصل المعرفة أصلا
__________________________________________________
 (1) مجمع البيان ج 6: 372.
 (2) أنوار التنزيل: 230.

186
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

فإنه ليس في ذاته شي‏ء ليبرز له.
لأن الفاعل به رده أي إن الله الفاعل به المدبر لأمره رده أو الرب الفاعل به القوى الأربع و خالقها فيه رده أو فاعل آخر غير نفسه رده و لا تقصير له فيه و الأول أظهر و في البصائر لأن الله الفاعل ذلك به و هو أصوب و لا يستطيع التهجد بالليل و لا بالنهار كأنه استعمل التهجد هنا في مطلق العبادة أو يقدر فعل آخر كقولهم‏
          علفتها تبنا و ماء باردا

 و قيل المراد بالتهجد هنا التيقظ من نوم الغفلة و أصل التهجد مجانبة الهجود في الليل للصلاة و في القاموس الهجود النوم كالتهجد و بالفتح المصلي بالليل و الجمع بالضم و هجد و تهجد استيقظ كهجد ضد و في البصائر و لا الصيام بالنهار و هو أصوب.
و لا القيام في الصف أي لصلاة الجماعة و يحتمل الجهاد و ليس يضره شيئا لأن ترك الأفعال مع القدرة عليها يوجب نقص الإيمان لا مع العذر و لا يوجب نقص ثوابه أيضا لما ورد في الأخبار أنه يكتب له مثل ما كان يعمله في حال شبابه و قوته و صحته و فيهم أي في أصحاب الميمنة أو في أصحاب تلك الحالات من ينتقص منه روح القوة أي هي فقط أو بسبب غير الكبر في السن و منهم يحتمل الوجهين المتقدمين و ثالثا و هو إرجاع الضمير إلى الذين ينتقص منهم روح القوة و على الوجهين الآخرين كان المراد مع نقص الروح السابقة لقوله و يبقى روح البدن.
لم يحن إليها أي لا يشتاق إليها و لم يقم أي إليها لطلبها و مراودتها و قيل أي لم تقم آلته لها و لا يخفى بعده و في رواية جابر و قد يأتي على العبد تارات ينقص منه بعض هذه الأربعة و ذلك قول الله تعالى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً «1» فينتقص روح القوة و لا يستطيع مجاهدة العدو و لا معالجة المعيشة و ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أحسن بنات‏
__________________________________________________
 (1) النحل: 70.

187
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

بني آدم لم يحن إليها و تبقى فيه روح الإيمان و روح البدن فبروح الإيمان يعبد الله و بروح البدن يدب و يدرج حتى يأتيه ملك الموت إلى آخر الخبر و كأنه أظهر.
فهذا بحال خير أي لا يضره هذا النقص في الأرواح و قيل المعنى أنه يسقط عنه بعض التكاليف الشرعية كالجماع في كل أربعة أشهر و القسمة بين النساء و لا يخفى ما فيه في قوته كلمة في للسببية أو للظرفية أي وقت قوته نقص النقص يكون لازما و متعديا و هنا يحتملهما فعلى الأول المعنى نقص بعض الإيمان فمن بمعنى البعض أو نقص شي‏ء منه فيكون فاعلا و على الثاني يكون مفعولا و تفصى منه بالفاء أي خرج من الإيمان أو خرج الإيمان منه في القاموس أفصى تخلص من خير أو شر كتفصى و في النهاية يقال تفصيت من الأمر تفصيا إذا خرجت منه و تخلصت و ربما يقرأ بالقاف أي بعد منه و هو تصحيف.
و إن عاد أي من غير توبة على وجه الإصرار و قيل هو من العادة أدخله الله نار جهنم أي يستحق ذلك و يدخله إن لم يعف عنه لكن يخرجه بعد ذلك إلا أن يصير مستحلا أو تاركا لولاية أهل البيت ع و يؤيده أن في البصائر هكذا فإذا مسها انتقص من الإيمان و نقصانه من الإيمان ليس بعائد فيه أبدا أو يتوب فإن تاب و عرف الولاية تاب الله عليه و إن عاد و هو تارك الولاية أدخله الله نار جهنم.
و أقول كأنه لم يذكر العود مع الولاية و أبهم ذلك إما لعدم اجتراء الشيعة على المعصية أو لأن الإصرار يصير سببا لترك الولاية غالبا أو أحيانا.
فهم اليهود و النصارى كأن ذكرهما على المثال و المراد جميع الكفار و المنكرين للعقائد الإيمانية الذين تمت عليهم الحجة و يؤيده ما في رواية جابر حيث قال و أما ما ذكرت من أصحاب المشأمة فمنهم أهل الكتاب الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ قال البيضاوي يعني علماءهم يَعْرِفُونَهُ الضمير لرسول الله ص‏

188
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

و إن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه و قيل للعلم أو القرآن أو التحويل يعني تحويل القبلة كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ يشهد للأول أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم و لا يلتبسون عليهم بغيرهم وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ تخصيص لمن عاند و استثناء لمن آمن الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ كلام مستأنف و الْحَقُّ إما مبتدأ خبره مِنْ رَبِّكَ و اللام للعهد و الإشارة إلى ما عليه الرسول أو الحق الذي يكتمونه أو للجنس و المعنى أن الحق ما ثبت أنه من الله كالذي أنت عليه لا ما لم يثبت كالذي عليه أهل الكتاب و إما خبر مبتدإ محذوف أي هو الحق و مِنْ رَبِّكَ حال أو خبر بعد خبر و قرئ بالنصب على أنه بدل من الأول أو مفعول يعلمون فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين في أنه من ربك أو في كتمانهم الحق عالمين به و ليس المراد به نهي رسول الله ص عن الشك فيه لأنه غير متوقع منه و ليس بقصد و اختيار بل إما تحقيق الأمر و أنه بحيث لا يشك فيه ناظر أو أمر الأمة باكتساب المعارف المزيحة للشك على الوجه الأبلغ «1».
قوله و الولاية أي يعرفون محمدا بالنبوة و أوصياءهم بالإمامة و الولاية و إنما اكتفى بذكر محمد ص لأن معرفته على وجه الكمال يستلزم معرفة أوصيائه أو لأنه الأصل و العمدة أنك الرسول إليهم بيان للحق و في البصائر الحق من ربك الرسول من الله إليهم بالحق و الظاهر أن قراءتهم ع كان على النصب ابتلاهم الله بذلك أي بسبب ذلك الجحود و قوله فسلبهم بيان للابتلاء.
و أقول يحتمل أن يكون الغرض من ذكر الآية بيان سلب روح الإيمان من هؤلاء بقوله تعالى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فإن الظاهر أن هذا تعريض لهم بأنهم من الشاكين على أحد وجهين أحدهما أنه لما جحدوا ما عرفوا سلب الله منهم التوفيق و اللطف فصاروا شاكين و مع الشك لا يبقى الإيمان فسلب منهم روحه لأنه لا يكون مع عدم الإيمان أو سلب منهم أولا الروح المقوي للإيمان‏
__________________________________________________
 (1) أنوار التنزيل: 44 و الآية في البقرة: 136.

189
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

فصاروا شاكين و ثانيهما أنهم لما أنكروا ظاهرا ما عرفوا يقينا نسبهم إلى الامتراء و ألحقهم بالشاكين لأن اليقين إنما يكون إيمانا إذا لم يقارن الإنكار الظاهري فلذا سلبهم الروح الذي هو لازم الإيمان و يؤيده أن في البصائر ابتلاهم الله بذلك الذم و هذان الوجهان مما خطر بالبال في غاية المتانة.
و أسكن أبدانهم تخصيص تلك الأرواح بالأبدان لأن الروحين الآخرين ليسا مما يسكن البدن و إن كانا متعلقين به.
و اعلم أن الروح يذكر و يؤنث و إنما بسطنا الكلام في شرح هذا الخبر لأنه لم يتعرض أحد لإيضاح الدقائق المستنبطة منه.
4- ثو، ثواب الأعمال عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ صَبَّاحِ بْنِ سَيَابَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَقِيلَ لَهُ تَرَى الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ قَالَ لَا إِذَا كَانَ عَلَى بَطْنِهَا سُلِبَ الْإِيمَانُ مِنْهُ فَإِذَا قَامَ رُدَّ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ قَالَ مَا أَكْثَرَ مَنْ يَهُمُّ أَنْ يَعُودَ ثُمَّ لَا يَعُودُ «1».
5- ثو، ثواب الأعمال عَنِ ابْنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذَا زَنَى الرَّجُلُ فَارَقَهُ رُوحُ الْإِيمَانِ قَالَ هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ذَلِكَ الَّذِي يُفَارِقُهُ «2».
كا، الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال مثله «3» بيان حاصله أن يفارقه كمال الإيمان و نوره و ما به يترتب عليه آثاره إذ الإيمان و التصديق بدون تأثيره في فعل الطاعات و ترك المناهي كبدن بلا روح و قد عرفت أنه قد يطلق على ملك موكل بقلب المؤمن يهديه في مقابلة شيطان يغويه و على نصرة ذلك الملك و لا ريب في أن المؤمن إذا زنى فارقه روح الإيمان‏
__________________________________________________
 (1) ثواب الأعمال: 234، و سيأتي مثله عن الكافي ج 2: 281.
 (2) ثواب الأعمال: 235. و الآية في المجادلة: 22.
 (3) الكافي ج 2 ص 280.

190
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

بتلك المعاني فإذا فرغ من العمل فإن تاب يعود إليه الروح كاملا و إلا يعود إليه في الجملة و الضمير المجرور في قوله بِرُوحٍ مِنْهُ راجع إلى الله أو إلى الإيمان و الأول أظهر.
6- ير، بصائر الدرجات عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيِّ عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَنِ الرُّوحِ قَالَ يَا جَابِرُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ وَ أَنْزَلَهُمْ ثَلَاثَ مَنَازِلَ وَ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ «1» فَأَمَّا مَا ذَكَرَ مِنَ السَّابِقِينَ فَهُمْ أَنْبِيَاءُ مُرْسَلُونَ وَ غَيْرُ مُرْسَلِينَ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمْ خَمْسَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْقُدُسِ وَ رُوحَ الْإِيمَانِ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ وَ رُوحَ الْبَدَنِ وَ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ «2» ثُمَّ قَالَ فِي جَمِيعِهِمْ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «3» فَبِرُوحِ الْقُدُسِ بُعِثُوا أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَ غَيْرَ مُرْسَلِينَ وَ بِرُوحِ الْقُدُسِ عَلِمُوا جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ وَ بِرُوحِ الْإِيمَانِ عَبَدُوا اللَّهَ وَ لَمْ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِرُوحِ الْقُوَّةِ جَاهَدُوا عَدُوَّهُمْ وَ عَالَجُوا مَعَايِشَهُمْ وَ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ أَصَابُوا لَذَّةَ الطَّعَامِ وَ نَكَحُوا الْحَلَالَ مِنَ النِّسَاءِ وَ بِرُوحِ الْبَدَنِ يَدِبُّ وَ يَدْرُجُ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً جَعَلَ فِيهِمْ أَرْبَعَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْإِيمَانِ وَ رُوحَ الْقُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ وَ رُوحَ الْبَدَنِ وَ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ مُسْتَكْمِلًا بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْأَرْبَعَةِ حَتَّى يَهُمَّ بِالْخَطِيئَةِ فَإِذَا هَمَّ بِالْخَطِيئَةِ تَزَيَّنَ لَهُ رُوحُ الشَّهْوَةِ وَ شَجَّعَهُ رُوحُ الْقُوَّةِ وَ قَادَهُ رُوحُ الْبَدَنِ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي‏
__________________________________________________
 (1) الواقعة: 8- 11.
 (2) البقرة: 253.
 (3) المجادلة: 22.

191
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

تِلْكَ الْخَطِيئَةِ فَإِذَا لَامَسَ الْخَطِيئَةَ انْتَقَصَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ انْتَقَصَ الْإِيمَانُ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ قَدْ تَأْتِي عَلَى الْعَبْدِ تَارَاتٌ يَنْقُصُ مِنْهُ بَعْضُ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً «1» فَتَنْتَقِصُ رُوحُ الْقُوَّةِ وَ لَا يَسْتَطِيعُ مُجَاهَدَةَ الْعَدُوِّ وَ لَا مُعَالَجَةَ الْمَعِيشَةِ وَ تَنْتَقِصُ مِنْهُ رُوحُ الشَّهْوَةِ فَلَوْ مَرَّتْ بِهِ أَحْسَنُ بَنَاتِ آدَمَ لَمْ يَحِنَّ إِلَيْهَا وَ تَبْقَى فِيهِ رُوحُ الْإِيمَانِ وَ رُوحُ الْبَدَنِ فَبِرُوحِ الْإِيمَانِ يَعْبُدُ اللَّهَ وَ بِرُوحِ الْبَدَنِ يَدِبُّ وَ يَدْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ وَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَشْأَمَةِ فَمِنْهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ «2» عَرَفُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ الْوَصِيَّ مِنْ بَعْدِهِ وَ كَتَمُوا مَا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ بَغْياً وَ حَسَداً فَسَلَبَهُمْ رُوحَ الْإِيمَانِ وَ جَعَلَ لَهُمْ ثَلَاثَةَ أَرْوَاحٍ رُوحَ الْقُوَّةِ وَ رُوحَ الشَّهْوَةِ وَ رُوحَ الْبَدَنِ ثُمَّ أَضَافَهُمْ إِلَى الْأَنْعَامِ فَقَالَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا «3» لِأَنَّ الدَّابَّةَ إِنَّمَا تَحْمِلُ بِرُوحِ الْقُوَّةِ وَ تَعْتَلِفُ بِرُوحِ الشَّهْوَةِ وَ تَسِيرُ بِرُوحِ الْبَدَنِ «4».
7- سر، السرائر مِنْ كِتَابِ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ عَنْ زُرَارَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَ رَأَيْتَ قَوْلَ النَّبِيِّ ص لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ قَالَ يُنْزَعُ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ قَالَ يُنْزَعُ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ قَالَ قُلْتُ فَحَدِّثْنِي بِرُوحِ الْإِيمَانِ قَالَ هُوَ شَيْ‏ءٌ ثُمَّ قَالَ هَذَا أَجْدَرُ أَنْ تَفْهَمَهُ أَ مَا رَأَيْتَ الْإِنْسَانَ يَهُمُّ بِالشَّيْ‏ءِ فَيَعْرِضُ بِنَفْسِهِ الشَّيْ‏ءَ يَزْجُرُهُ عَنْ ذَلِكَ وَ يَنْهَاهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هُوَ ذَاكَ.
جا، المجالس للمفيد عَنِ الْجِعَابِيِّ عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى وَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فِي آخَرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ خَالِهِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ
__________________________________________________
 (1) النحل: 70.
 (2) البقرة: 146 و 147.
 (3) الفرقان: 44.
 (4) بصائر الدرجات: 447- 449.

192
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

الْعَطَّارِ وَ كَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُنْذِرِ بْنِ جَيْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بُرَيْدٍ الْبَانِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ع فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمَاصِرُ وَ أَبُو حَنِيفَةَ وَ عُمَرُ بْنُ زِرٍّ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِمْ فَسَأَلُوهُ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص لَا يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَسْرِقُ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ وَ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ زِرٍّ بِمَ نُسَمِّيهِمْ فَقَالَ بِمَا سَمَّاهُمُ اللَّهُ وَ بِأَعْمَالِهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما «1» وَ قَالَ الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ «2» فَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَنْظُرُ إِلَى بَعْضٍ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ وَ أَخْبَرَنِي بِشْرُ بْنُ عُمَرَ بْنِ زِرٍّ وَ كَانَ مَعَهُمْ قَالَ لَمَّا خَرَجْنَا قَالَ عُمَرُ بْنُ زِرٍّ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَلَّا قُلْتَ مَنْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ مَا أَقُولُ لِرَجُلٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص «3».
بيان: بم نسميهم بناء سؤاله على أنه لا واسطة بين الإيمان و الكفر فإذا لم يكونوا مؤمنين فهم كفار و بناء الجواب على الواسطة كما عرفت من عن رسول الله أي لم لم تسأله من أخبرك بهذا الحديث عن رسول الله فأجاب بأنه إذا ادعى العلم و نسب القول إليه كيف أستطيع أن أسأله من أخبرك.
9- ختص، الإختصاص عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّ رُوحَ الْإِيمَانِ وَاحِدَةٌ خَرَجَتْ مِنْ عِنْدِ وَاحِدٍ وَ يَتَفَرَّقُ فِي أَبْدَانٍ شَتَّى فَعَلَيْهِ ائْتَلَفَتْ وَ بِهِ تَحَابَّتْ وَ سَيَخْرُجُ مِنْ شَتَّى وَ يَعُودُ وَاحِداً وَ يَرْجِعُ إِلَى عِنْدِ وَاحِدٍ «4».
بيان: فيه إيماء إلى أن روح الإيمان هي قوة الإيمان و الملكة الداعية إلى الخير فهي معنى واحد و حقيقة واحدة اتصفت بأفرادها النفوس و بعد ذهاب النفوس ترد إلى الله و إلى علمه فيجازيهم بحسبها و يحتمل أن تكون خلقا واحدا
__________________________________________________
 (1) المائدة: 38.
 (2) النور: 2.
 (3) مجالس المفيد: 20.
 (4) الاختصاص: 249.

193
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

تعين جميع النفوس على الطاعة بحسب إيمانهم و قابليتهم و استعدادهم كما تقول الحكماء في العقل الفعال و أومأنا إليه.
10- كا، الكافي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى جَمِيعاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ ع فَقَالَ لِي إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَيَّدَ الْمُؤْمِنَ بِرُوحٍ مِنْهُ تَحْضُرُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُحْسِنُ فِيهِ وَ يَتَّقِي وَ تَغِيبُ عَنْهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُذْنِبُ فِيهِ وَ يَعْتَدِي فَهِيَ مَعَهُ تَهْتَزُّ سُرُوراً عِنْدَ إِحْسَانِهِ وَ تَسِيخُ فِي الثَّرَى عِنْدَ إِسَاءَتِهِ فَتَعَاهَدُوا عِبَادَ اللَّهِ نِعَمَهُ بِإِصْلَاحِكُمْ أَنْفُسَكُمْ تَزْدَادُوا يَقِيناً وَ تَرْبَحُوا نَفِيساً ثَمِيناً رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً هَمَّ بِخَيْرٍ فَعَمِلَهُ أَوْ هَمَّ بِشَرٍّ فَارْتَدَعَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ نَحْنُ نُؤَيِّدُ الرُّوحَ بِالطَّاعَةِ لِلَّهِ وَ الْعَمَلِ لَهُ «1».
بيان: قد مر تفسير الروح و الأظهر أن المراد هنا أيضا الملك و المراد بالإحسان الإتيان بالطاعات و بالاتقاء الاجتناب عن المنهيات و الاعتداء التجاوز عن حدود الشريعة أو الظلم على غيره بل على نفسه أيضا تهتز أي تتحرك سرورا و في القاموس هزه و به حركه و الحادي الإبل هزيزا نشطها بحدائه و الهزة بالكسر النشاط و الارتياح و تهزهز إليه قلبي ارتاح للسرور و اهتز عرش الرحمن لموت سعد أي ارتاح بروحه و استبشر لكرامته على ربه «2».
و قال ساخت قوائمه أي خاضت و الشي‏ء رسب و الأرض بهم انخسفت و الثرى قيل هو التراب الندي و هو الذي تحت الظاهر من وجه الأرض فإن لم يكن نديا فهو تراب و لا يقال ثرى و أقول يظهر من الأخبار أنه منتهى المخلوقات السفلية و عند ذلك ضل علم العلماء و قال الفيروزآبادي الثرى الندي و التراب الندي أو الذي إذا بل لم يصر طينا و الأرض و قال تعهده و تعاهده تفقده و أحدث العهد به و في المصباح عهدت الشي‏ء ترددت إليه و أصلحته و حقيقته‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 268.
 (2) القاموس ج 2: 196.

194
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

تجديد العهد به و تعهدته حفظته و قال ابن فارس و لا يقال تعاهدته لأن التفاعل لا يكون إلا من اثنين و قال الفارابي تعهدته أصلح من تعاهدته انتهى.
و الظاهر أن المراد هنا حفظ نعم الله و استبقاؤها و استعمال ما يوجب دوامها و بقاءها و المراد بالنعم هنا النعم الروحانية من الإيمان و اليقين و التأييد بالروح و التوفيقات الربانية و تعاهدها إنما يكون بترك الذنوب و المعاصي و الأخلاق الدنية التي توجب نقصها أو زوالها كما قال ع بإصلاحكم أنفسكم و يقينا تميز و زيادة اليقين لقوله تعالى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ «1» و أيضا إصلاح النفس يوجب الترقي في الإيمان و اليقين و ما يوجب الفلاح في الآخرة كما قال سبحانه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها «2» و النفيس الكريم الشريف الذي يتنافس فيه و في المصباح نفس الشي‏ء نفاسا كرم فهو نفيس و نفست به مثل ضننت لنفاسته وزنا و معنى و الثمين العظيم الثمن و المراد بهما هنا الجنة و درجاتها العالية و نعمها الباقية هم بخير أي أراده و قصده فارتدع عنه أي انزجر عنه و تركه و نحن نؤيد الروح أي نقويه و في بعض النسخ نزيد فيرجع إلى التأييد أيضا فإنه يتقوى بالطاعة كأنه يزيد.
11- كا، الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ دَاوُدَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ص إِذَا زَنَى الرَّجُلُ فَارَقَهُ رُوحُ الْإِيمَانِ قَالَ فَقَالَ هُوَ مِثْلُ‏قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ «3» ثُمَّ قَالَ غَيْرُ هَذَا أَبْيَنُ مِنْهُ وَ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ هُوَ الَّذِي فَارَقَهُ «4».
__________________________________________________
 (1) إبراهيم: 7.
 (2) الشمس: 9 و 10.
 (3) البقرة: 268.
 (4) الكافي ج 2 ص 284، و الآية في المجادلة: 22.

195
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

بيان: لم يكن في بعض النسخ من قول الله إلى قول الله فهو على قياس سائر الأخبار و على تقديره فصدر الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ أي من حلاله أو من جياده وَ مِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي و من طيبات ما أخرجنا من الحبوب و الثمر و المعادن فحذف المضاف لتقدم ذكره وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ أي و لا تقصدوا الردي مِنْهُ أي من المال أو مما أخرجنا و تخصيصه بذلك لأن التفاوت فيه أكثر تُنْفِقُونَ حال مقدرة من فاعل تَيَمَّمُوا و يجوز أن يتعلق به مِنْهُ و يكون الضمير للخبيث و الجملة حالا منه و روي عن ابن عباس أنهم كانوا يتصدقون بحشف التمر و شراره فنهوا عنه و كان وجه التشبيه أن الأعمال الصالحة إنفاق من النفس و إذا فارقها روح الإيمان بسبب الأعمال السيئة تصير خبيثا فلا يصلح الإنفاق منها إلا بعد تطهيرها بالتوبة و الأعمال الصالحة أو يقال الإنفاق من الإيمان و الإيمان المشوب بالكبائر خبيث كالمال الردي الذي كانوا يخرجونها في الزكوات و لا يقبل الله إلا الطيب كما قال تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ و قيل وجه المماثلة أن إيمان الزاني ناقص لا أنه معدوم بكله كما أن الإنفاق من مال الخبيث ناقص لا أنه ليس بإنفاق أصلا.
12- نهج، نهج البلاغة فِي حَدِيثِهِ ع إِنَّ الْإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ كُلَّمَا ازْدَادَ الْإِيمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ «1».
بيان: قال السيد ره بعد هذا الكلام اللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض و منه قيل فرس ألمظ إذا كان بجحفلته شي‏ء من البياض انتهى.
و قال ابن أبي الحديد قال أبو عبيد هي لمظة بضم اللام و المحدثون يقولون لمظة بالفتح و المعروف من كلام العرب الضم و قال و في الحديث حجة على من أنكر أن يكون الإيمان يزيد و ينقص و الجحفلة للبهائم بمنزلة الشفة للإنسان.
__________________________________________________
 (1) نهج البلاغة ج 2 ص 204.

196
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

13- كا، الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ نُعْمَانَ الرَّازِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ مَنْ زَنَى خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ مَنْ أَفْطَرَ يَوْماً مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مُتَعَمِّداً خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ «1».
14- كا، الكافي بِالْإِسْنَادِ عَنْ يُونُسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أَ يَزْنِي الزَّانِي وَ هُوَ مُؤْمِنٌ قَالَ لَا إِذَا كَانَ عَلَى بَطْنِهَا سُلِبَ الْإِيمَانَ فَإِذَا قَامَ رُدَّ إِلَيْهِ فَإِنْ عَادَ سُلِبَ قُلْتُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ فَقَالَ مَا أَكْثَرَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَعُودَ فَلَا يَعُودُ إِلَيْهِ أَبَداً «2».
بيان: سلب الإيمان الإيمان إما مرفوع بنيابة الفاعل أو منصوب بكونه ثاني مفعول سلب و المفعول الأول النائب للفاعل الضمير الراجع إلى الزاني فقال ما أكثر من يريد الحاصل أنه ليس لإرادة العود حكم العود كما أن إرادة أصل المعصية ليست كنفس المعصية فإنها صغيرة مكفرة و لو لم تكن مكفرة بعد الفعل باعتبار ترك التوبة و الإصرار على الذنب فلا ريب أن أصل الفعل أشد.
15- كا، الكافي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: يُسْلَبُ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ مَا دَامَ عَلَى بَطْنِهَا فَإِذَا نَزَلَ عَادَ الْإِيمَانُ قَالَ قُلْتُ أَ رَأَيْتَ إِنْ هَمَّ قَالَ لَا أَ رَأَيْتَ إِنْ هَمَّ أَنْ يَسْرِقَ أَ تُقْطَعُ يَدُهُ «3».
بيان: عاد الإيمان أي إليه فالمراد به الإيمان الكامل أو الإيمان الذي معه الروح فاللام للعهد و فيه إشارة إلى أن الإيمان الذي فارقه الروح ليس بإيمان كما أن الجسد الذي فارقه الروح ليس بإنسان مع أنه يحتمل أن تكون إضافة الروح إلى الإيمان بيانية و يحتمل أن يكون المراد عاد الإيمان إلى كماله أو إلى حالة التي كان عليها قبل الزنا أي كما أنه قبل الزنا كان إيمانه قابلا للشدة و الضعف‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2: 278.
 (2) الكافي ج 2: 278.
 (3) الكافي ج 2 ص 281.

197
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

فكذا بعد الزناء قابل لهما بالتوبة و عدمها فلا ينافي ما روي من عدم العود إليه إلا بعد التوبة.
و قيل لعل المراد أنه يسلب منه شعبة من شعب الإيمان و هي إيمان أيضا فإن المؤمن يعلم أن الزناء مهلك و يزهر نور هذا العلم في قلبه و يبعثه على كف الألة عن الفعل المخصوص و كل واحد منهما أعني العلم و الكف إيمان و شعبة من الإيمان أيضا فإذا غلبت الشهوة على العقل و أحاطت ظلمتها بالقلب زال عنه نور ذلك العلم و اشتغلت الآلة بذلك الفعل فانتقصت عن الإيمان شعبتان فإذا انقضت الشهوة و عاد العقل إلى ممالكه و علم وقوع الفساد فيها و شرع في إصلاحها بالندامة عن الغفلة صار ذلك الفعل كالعدم و زالت تلك الظلمة عن القلب و يعود نور ذلك العلم فيعود إيمانه و يصير كاملا بعد ما صار ناقصا انتهى.
قوله أ رأيت إن هم أي قصد الزنا هل يفارقه روح الإيمان أو إن كان بعد الزنا قاصدا للعود هل يمنع ذلك عود الإيمان قال لا و الأول أظهر أ رأيت إن هم أقول المعنى أنه كما أن قصد السرقة ليس كنفسها في المفاسد و العقوبات فكذا قصد الزنا ليس كنفسها في المفاسد أو يقال لما كان ذكر الزنا على سبيل المثال و الحكم شاملا للسرقة و غيرها فالغرض التنبيه بالأحكام الظاهرة على الأحكام الباطنة.
فإن قيل على الوجهين هذا قياس فقهي و هو ليس بحجة عند الإمامية قلت ليس الغرض الاستدلال بالقياس فإنه ع لا يحتاج إلى ذلك و قوله في نفسه حجة بل هو تنبيه بذكر نظير للتوضيح و رفع استبعاد السائل أو إلزام على المخالفين على أن القياس الفقهي إنما لا يكون حجة لاستنباط العلة و عدم العلم بها أما مع العلم بها فيرجع إلى القياس المنطقي لكن يرد عليه أنه لما كان العلم بالعلة من جهة قوله ع فقوله يكفي لثبوت أصل الحكم فيرجع إلى الوجه الأول ..
16- كا، الكافي عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ سَعْدَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ لِلْقَلْبِ أُذُنَيْنِ فَإِذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِذَنْبٍ قَالَ لَهُ رُوحُ الْإِيمَان‏

198
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

لَا تَفْعَلْ وَ قَالَ لَهُ الشَّيْطَانُ افْعَلْ وَ إِذَا كَانَ عَلَى بَطْنِهَا نُزِعَ مِنْهُ رُوحُ الْإِيمَانِ «1».
بيان: على بطنها أي المرأة المزني بها كما في سائر الأخبار.
17- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَ لِقَلْبِهِ أُذُنَانِ فِي جَوْفِهِ أُذُنٌ يَنْفُثُ فِيهَا الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ وَ أُذُنٌ يَنْفُثُ فِيهَا الْمَلَكُ فَيُؤَيِّدُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ بِالْمَلَكِ وَ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ «2».
18- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ «3» قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ قَالَ وَ سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ «4».
بيان: كأن المراد بالسكينة الثبات و طمأنينة النفس و شدة اليقين بحيث لا يتزلزل عند الفتن و عروض الشبهات بل هذا إيمان موهبي يتفرع على الأعمال الصالحة و المجاهدات الدينية سوى الإيمان الحاصل بالدليل و البرهان و لذا قال لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ و الحاصل أن تفسيره ع السكينة بالإيمان إما لكون هذا اليقين كمال الإيمان أو إيمانا موهبيا ينضم إلى الإيمان الاستدلالي و هذا مما يدل على أن اليقين يقبل الشدة و الضعف كما سيأتي تحقيقه إن شاء الله و كأن المراد بالروح أيضا الإيمان الموهبي لأنه قال ذلك بعد قوله كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ أو المراد به قوة الإيمان و كماله و يحتمل أن يكون المراد به‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2: 267.
 (2) الكافي ج 2: 267 و الآية في المجادلة: 22، و في نسخة الكمبانيّ بعد هذا الحديث حديث آخر من الكافي مر تحت الرقم 10، مع شرحها نقلا عن المرآة، و لذلك حذفناه.
 (3) الزيادة من المصدر، و الآية في سورة الفتح: 4.
 (4) الكافي ج 2: 15، و الآية الأخيرة في المجادلة: 22.

199
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 33 السکینة و روح الإیمان و زیادته و نقصانه ص 175

أنه سبب الإيمان و قوته و كماله لما مر في الأخبار.
19- كا، الكافي عَنِ الْعِدَّةِ عَنْ أَحْمَدَ الْبَرْقِيِّ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: السَّكِينَةُ هِيَ الْإِيمَانُ «1».
20- كا، الكافي عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ ابْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ وَ غَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ «2».
21- كا، الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ جَمِيلٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ قَالَ قُلْتُ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ وَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى‏ قَالَ هُوَ الْإِيمَانُ «3».
بيان: فسر أكثر المفسرين كَلِمَةَ التَّقْوى‏ بكلمة التوحيد فإنه يتقى بها من عذاب الله و ما فسرها ع به أظهر إذ بجميع العقائد الإيمانية و اجتماعها يتقى من عذاب الله و فسرت في كثير من الأخبار بالولاية لاستلزامها لسائر العقائد و في بعضها بأمير المؤمنين و في بعضها بجميع الأئمة ع أي ولايتهم و الإقرار بإمامتهم كلمة التقوى أو أنهم يعبرون عن الله تعالى و ما يتقى به من عذابه.
22- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ عَنْ أَبَانٍ عَنِ الْفُضَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ هَلْ لَهُمْ فِيمَا كُتِبَ فِي قُلُوبِهِمْ صُنْعٌ قَالَ لَا «4».
بيان: يدل على أن الإيمان من الله و ليس للعباد فيها صنع و عمل و اختيار و إنما كلف العباد بعدم الجحد ظاهرا أو بإخراج التعصب و الأغراض الباطلة عن النفس أو مع السعي في الجملة أيضا و يمكن تخصيصه بمعرفة الصانع تعالى‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2: 15.
 (2) الكافي ج 2: 15.
 (3) الكافي ج 2: 15.
 (4) الكافي ج 2: 15.

200
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

كما مر «1» أو بكمال المعرفة و قد مر تمام القول فيه في كتاب العدل و في بعض النسخ صبغ بالباء الموحدة و الغين المعجمة أي هل لهذه الكتابة صبغ و لون و كأنه تصحيف.
تذييل‏
اعلم أن المتكلمين من الخاصة و العامة اختلفوا في أن الإيمان هل يقبل الزيادة و النقصان أم لا و منهم من جعل هذا الخلاف فرع الخلاف في أن الأعمال داخلة فيه أم لا قال إمامهم الرازي في المحصل الإيمان عندنا لا يزيد و لا ينقص لأنه لما كان اسما لتصديق الرسول في كل ما علم بالضرورة مجيئه به و هذا لا يقبل التفاوت فسمي الإيمان لا يقبل الزيادة و النقصان و عند المعتزلة لما كان اسما لأداء العبادات كان قابلا لهما و عند السلف لما كان اسما للإقرار و الاعتقاد و العمل فكذلك و البحث لغوي و لكل واحد من الفرق نصوص و التوفيق أن يقال الأعمال من ثمرات التصديق فما دل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة و النقصان كان مصروفا إلى أصل الإيمان و ما دل على كونه قابلا لهما فهو مصروف إلى الإيمان الكامل انتهى.
و قال الشهيد الثاني قدس سره في رسالة العقائد حقيقة الإيمان بعد الاتصاف بها بحيث يكون المتصف بها مؤمنا عند الله تعالى هل تقبل الزيادة أم لا فقيل بالثاني لما تقدم من أنه التصديق القلبي الذي بلغ الجزم و الثبات فلا تتصور فيه الزيادة عن ذلك سواء أتى بالطاعات و ترك المعاصي أم لا و كذا لا تعرض له النقيصة و إلا لما كان ثابتا و قد فرضناه كذلك هذا خلف و أيضا حقيقة الشي‏ء لو قبلت الزيادة و النقصان لكانت حقائق متعددة و قد فرضناها واحدة و هذا خلف.
__________________________________________________
 (1) مر في شرحه للكافى راجع كتاب التوحيد باب البيان و لزوم الحجة و باب الهداية أنها من اللّه عزّ و جلّ.

201
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

إن قلت حقيقة الإيمان من الأمور الاعتبارية للشارع و حينئذ فيجوز أن يعتبر الشارع للإيمان حقائق متعددة متفاوتة زيادة و نقصانا بحسب مراتب المكلفين في قوة الإدراك و ضعفه فإنا نقطع بتفاوت المكلفين في العلم و الإدراك قلت لو جاز ذلك و كان واقعا لوجب على الشارع بيان حقيقة إيمان كل فرقة يتفاوتون في قوة الإدراك مع أنه لم يبين و ما ورد من جهة الشارع فيما به يتحقق الإيمان من حديث جبرئيل للنبي ص و غيره من الأحاديث قد مر ذكره و ليس فيه شي‏ء يدل على تعدد الحقائق بحسب تفاوت قوى المكلفين و أما ما ورد في الكتاب العزيز و السنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة و النقصان كقوله تعالى وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً «1» و قوله تعالى لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ «2» و قوله تعالى لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَ آمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ «3» و كذا ما ورد من أمثال ذلك في القرآن العزيز فمحمول على زيادة الكمال و هو أمر خارج عن أصل الحقيقة الذي هو محل النزاع و الآية الثانية صريحة في ذلك فإن قوله تعالى مَعَ إِيمانِهِمْ يدل على أن أصل الإيمان ثابت أو على من كان في عصر النبي ص حيث كانوا يسمعون فرضا بعد فرض منه ع فيزداد إيمانهم به لأنهم لم يكونوا مصدقين به قبل أن يسمعوه و حاصله أن الحقيقة الشرعية للإيمان لم تكن حصلت بتمامها في ذلك الوقت فكان كلما حصل منها شي‏ء صدقوا به.
و اعترض بأن من كان بعد عصر النبي ص يمكن في حقه تجدد الاطلاع على تفاصيل الفرائض المتوقف عليها الإيمان فإنه يجب الاعتقاد إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا و لا ريب أن اعتقاد الأمور المتعددة تفصيلا
__________________________________________________
 (1) الأنفال: 2.
 (2) الفتح: 4.
 (3) المائدة: 93.

202
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

أزيد و أظهر عند النفس من اعتقادها إجمالا فعلم من ذلك قبول حقيقة الإيمان الزيادة.
أقول فيه بحث فإن الجازم بحقيقة الجملة جازم بحقيقة كل جزء منها و إن لم يعلمه بعينه أ لا ترى أنا بعد علمنا بصدق النبي ص جازمون بصدق كل ما يخبر به و إن لم نعلم تفصيل ذلك جزءا جزءا حتى لو فصل ذلك علينا واحدا واحدا لما ازداد ذلك الجزم نعم الزائد في التفصيل إنما هو إدراك الصور المتعددة من حيث التعدد و التشخص و هو لا يوجب زيادة في التصديق الإجمالي الجازم فإن هذه الصور قد كانت مجزوما بها على تقدير دخولها في الهيئة الإجمالية و إنما الشاذ عن النفس إدراك خصوصياتها و هو أمر خارج عن تحقق الحقيقة المجزوم بها نعم لا ريب في حصول الأكملية به و ليس الكلام فيها.
و قد أجاب بعض المفسرين عن الآية الثالثة بأن تكرار الإيمان فيها ليس فيه دلالة على الزيادة بل إما أن يكون باعتبار الأزمنة الثلاثة أو باعتبار الأحوال الثلاث حال المؤمن مع نفسه و حاله مع الناس و حاله مع الله تعالى و لذا بدل الإيمان بالإحسان كما يرشد إليه قوله ص في تفسيره الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك أو باعتبار المراتب الثلاث المبدأ و الوسط و المنتهى أو باعتبار ما ينبغي فإنه ينبغي ترك المحرمات حذرا عن العقاب و ترك الشبهات تباعدا عن الوقوع في المحرمات و هو مرتبة الورع و ترك بعض المباحات المؤذنة بالنقص حفظا للنفس عنه الخسة و تهذيبا لها عن دنس الطبيعة أو يكون هذا التكرار كناية عن أنه ينبغي للمؤمن أن يجدد الإيمان في كل وقت بقلبه و لسانه و أعماله الصالحة و عبر به حرصا منه على بقائه و الثبات عليه عند الذهول ليصير الإيمان ملكة للنفس فلا يزلزله عروض شبهة انتهى.
قيل في بيان قبول الإيمان الزيادة إن الثبات و الدوام على الإيمان أمر زائد عليه في كل زمان و حاصل ذلك يرجع إلى أن الإيمان عرض لأنه من الكيفيات النفسانية و العرض لا يبقى زمانين بل بقاؤه إنما يكون بتجدد الأمثال.
أقول و هذا مع بنائه على ما لم يثبت حقيته بل نفيه فليس من الزيادة في شي‏ء إذ لا يقال‏

203
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

للمماثل الحاصل بعد انعدام مثله أنه زائد و هذا ظاهر.
و قيل في توجيه قبوله الزيادة أنه بمعنى زيادة ثمرته من الطاعات و إشراق نوره و ضيائه في القلب فإنه يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي.
أقول هذا التوجيه وجيه لو كان النزاع في مطلق الزيادة لكنه ليس كذلك بل النزاع إنما هو في أصل حقيقته لا في كمالها.
و استدل بعض المحققين على أن حقيقة التصديق الجازم الثابت يقبل الزيادة و النقصان بأنا نقطع أن تصديقنا ليس كتصديق النبي ص.
أقول لا ريب في أنا قاطعون بأن تصديق النبي ص أقوى من تصديقنا و أكمل لكن هذا لا يدل على اختلاف أصل حقيقة الإيمان التي قدرها الشارع باعتقاد أمور مخصوصة على وجه الجزم و الثبات فإن تلك الحقيقة إنما هي من اعتبارات الشارع و لم يعهد من الشارع اختلاف حقيقة الإيمان باختلاف المكلفين في قوة الإدراك بحيث يحكم بكفر قوى الإدراك لو كان جزمه بالمعارف الإلهية كجزم من هو أضعف إدراكا منه نعم الذي تفاوت فيه المكلفون إنما هو مراتب كماله بعد تحقق أصل حقيقته التي يخاطب بتحصيلها كل مكلف و يعتبر بها مؤمنا عند الله تعالى و يستحق الثواب الدائم و بدونها العقاب الدائم.
و أما تلك الكمالات الزائدة فإنما تكون باعتبار قرب المكلف إلى الله تعالى بسبب استشعاره لعظمة الله و كبريائه و شمول قدرته و علمه و ذلك لإشراق نفسه و اطلاعها على ما في مصنوعات الله تعالى من الإحكام و الإتقان و الحكم و المصالح فإن النفس إذا لاحظت هذه البدائع الغريبة العظيمة التي تحار في تعلقها مع علمها بأنها تشرك في الإمكان و الافتقار إلى صانع يبدعها و يبديها متوحد في ذاته بذاته انكشف عليها كبرياء ذلك الصانع و عظمته و جلاله و إحاطته بكل شي‏ء فيكثر خوفها و خشيتها و احترامها لذلك الصانع حتى كأنها لا تشاهد سواه و لا تخشى غيره فتنقطع عن غيره إليه و تسلم أزمة أمورها إليه حيث علمت أن لا رب غيره و أن المبدأ منه و المعاد إليه فلا تزال شاخصة منتظرة لأمره حتى تأتيها فتفر

204
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

إليه من ضيق الجهالة إلى سعة معرفته «1» و رحمته و لطفه و في ذلك فليتنافس المتنافسون.
و كذا ما ورد من السنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة و النقصان يمكن حمله على ما ذكرناه كحديث الجوارح ذكره في الكافي بإسناده عن أبي عمرو الزبيري‏
عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع «2» قَالَ: قُلْتُ صِفْهُ لِي يَعْنِي الْإِيمَانَ جُعِلْتُ فِدَاكَ حَتَّى أَفْهَمَهُ فَقَالَ الْإِيمَانُ حَالاتٌ وَ دَرَجَاتٌ إِلَى قَوْلِهِ وَ بِالنُّقْصَانِ دَخَلَ الْمُفَرِّطُونَ النَّارَ.
انتهى.
ثم قال رحمه الله اعلم أن سند هذا الحديث ضعيف لأن في طريقه بكر بن صالح الرازي و هو ضعيف جدا كثير التفرد بالغرائب و أبو عمرو الزبيري و هو مجهول فسقط الاستدلال به و لو سلم سنده فلا دلالة فيه على اختلاف نفس حقيقة الإيمان أ لا ترى أنه قال ع و لكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة فأشار بذلك إلى نفس حقيقة الإيمان التي يترتب عليها النجاة و جعل الناقص عنها مما يترتب عليه دخول النار فلم يكن إيمانا و إلا لم يدخل صاحبه النار لقوله تعالى وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ «3» و جعل الزيادة في الإيمان مما يوجب التفاضل في الدرجات و لا ريب أن هذه الزيادة لو تركت و اقتصر المكلف على ما يحصل به التمام لم يعاقب على ترك هذه الزيادة و لأنه ع جعل التمام موجبا للجنة فكيف يوجب العقاب ترك الزيادة مع أن ما دونه و هو التمام يوجب الجنة و على هذا فتكون الزيادة غير مكلف بها فلم تكن داخلة في أصل حقيقة الإيمان لأنه مكلف به بالنص و الإجماع فيكون من الكمال فظهر بذلك كون هذا الحديث دليلا على عدم قبول حقيقة الإيمان للزيادة و النقصان لا دليلا على قبولهما.
__________________________________________________
 (1) مغفرته خ ل.
 (2) مر تحت الرقم 6 ص 23 فراجع.
 (3) براءة: 72.

205
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

و هذا استخراج لم نسبق إليه و بيان لم يعثر غيرنا عليه على أن هذا الحديث لو قطعنا النظر عما ذكرناه و حملناه على ظاهره لكان معارضا بما سبق من حديث جبرئيل للنبي ص حيث سأله عن الإيمان فقال أن تؤمن بالله و رسله و اليوم الآخر أي تصدق بذلك و لو بقي من حقيقته شي‏ء سوى ما ذكره له لبينه له فدل على أن حقيقته تتم بما أجابه بالقياس إلى كل مكلف أما للنبي ص فلأنه المجاب به حين سأله و أما لغيره فللتأسي به و طريق الجمع بينهما حينئذ حمل ما في حديث الجوارح من الزيادة عن ذلك على مرتبة الكمال كما بيناه سابقا.
و هاهنا بحث و هو أن حقيقة الإيمان لما كانت من الأمور الاعتبارية للشارع كان تحديدها إنما هو بجعل الشارع و تقريره لها فلا يعلم حينئذ مقداره و حقيقته إلا منه و حيث رأينا ما وصل إلينا من خطاباته تعالى غير قاطع في الدلالة على تعيين قدر مخصوص من أنواع الاعتقاد أو الأعمال بحيث تشترك الكل في التكليف به من غير تفاوت بين قوى الإدراك و ضعيفه بل رأيناها متفاوتة في الدلالة على ذلك يعلم ذلك من تتبع آيات الكتاب العزيز و السنة المطهرة و قد سبق نبذة من ذلك و لا يجوز الاختلاف في خطاباته و لا أن يكلف عباده بأمر لا يبين لهم مراده تعالى منه لاستحالة تكليف ما لا يطاق و إخلاله باللطف و رأينا الأكثر ورودا في كتابه بذلك الأمر بالاعتقاد القلبي من غير تعيين مقدار مخصوص منه بقاطع يوقفنا على اعتباره أمكن حينئذ أن يكون مراده منه مطلق الاعتقاد العلمي سواء كان علم الطمأنينة أو علم اليقين أو حق اليقين أو عين اليقين فتكون حقيقة واحدة و هو الإذعان القلبي و الاعتقاد العلمي و التفاوت بالزيادة و النقصان إنما هو في أفراد تلك الحقيقة و من مشخصاتها فلا يكون داخلا في الحقيقة المذكورة.
و ما ورد مما ظاهره الاختلاف في الدلالة على مراد الشارع منه يمكن تنزيله على تفاوت الأفراد المذكورة كعلم الطمأنينة و علم اليقين و غيرهما فيكون كل واحد منها مرادا و كافيا في امتثال أمر الشارع و هذا هو المناسب لسهولة التكليف و اختلاف طبقات المكلفين في الإدراك كما لا يخفى.

206
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

و بذلك يسهل الخطب في الحكم بإيمان أكثر العوام الذين لا يتيسر لأنفسهم الاتصاف بالعلم الذي لا يقبل تشكيك المشكك فإن علم الطمأنينة متيسر لكل واحد و على هذا فيكون ما تشعر النفس به من الازدياد في التصديق و الاطمئنان عند ما تشاهده من برهان أو عيان إنما هو انتقال في أفراد تلك الحقيقة و تبدل واحد بآخر و الحقيقة واحدة.
لا يقال أفراد الحقيقة الواحدة لا تنافي الاجتماع في القوة العاقلة فإن أفراد الحيوان و الإنسان يصلح اجتماعهما في القوة العاقلة و ما نحن فيه ليس كذلك إذ لا يمكن اتصاف النفس بحصول علم الطمأنينة و علم اليقين في حالة واحدة لتضادهما و لهذا يزول الأول بحصول الثاني فلا يكون ما ذكرت أفراد حقيقة واحدة بل حقائق.
قلت لا نسلم أن أفراد كل حقيقة يصح اجتماعها في الحصول عند القوة العاقلة بل قد لا يصح ذلك لما بينها من التضاد كما في البياض و السواد فإنهما فردان لحقيقة واحدة هي اللون مع عدم صحة اجتماعهما في محل واحد لا خارجا و لا ذهنا.
بقي هاهنا شي‏ء و هو أنه لا ريب في تحقق الإيمان الشرعي بالتصديق الجازم الثابت و إن أخل المتصف به ببعض الطاعات و قارف بعض المنهيات عند من يكتفي في حصول الإيمان بإذعان الجنان و إذا كان الأمر كذلك فلا معنى للنزاع عند هؤلاء في أن حقيقة الإيمان هل تقبل الزيادة و النقصان إذ لو قبلت شيئا منهما لم تكن واحدة بل متعددة لأن القابل غير المقبول و العارض غير المعروض فإن دخل الزائد في مفهوم الحقيقة بحيث صار ذاتيا لها تعددت و تبدلت و كذا الناقص إذا خرج عنها فلا تكون واحدة و قد فرضناها كذلك هذا خلف و إن لم يدخل و لم يخرج شي‏ء منهما كانت واحدة من غير نقصان و زيادة فيها بل هما راجعان إلى الكمال و عدمه و حينئذ فيبقى محل النزاع هل يقبل كمالها الزيادة

207
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

و النقصان و أنت خبير بأن هذا مما لا يختلف في صحته اثنان.
و قد ذكر بعض العلماء أن هذا النزاع إنما يتمشى على قول من جعل الطاعات من الإيمان و أقول الذي يقتضيه النظر أنه لا يتمشى على قولهم أيضا و ذلك أن ما اعتبروه في الإيمان من الطاعات إما أن يريدوا به توقف حصول الإيمان على جميع ما اعتبروه أو عليه في الجملة و على الأول يلزم كون حقيقته واحدة فإذا ترك فرضا من تلك الطاعات يخرج من الإيمان و على الثاني يلزم كون ما يتحقق به الإيمان من تلك الطاعات داخلا في حقيقته و ما زاد عليه خارجا فتكون واحدة على التقديرين فليس الزيادة و النقصان إلا في الكمال على جميع الأقوال انتهى كلامه رفع الله مقامه.
و قال شارح المقاصد ظاهر الكتاب و السنة و هو مذهب الأشاعرة و المعتزلة و المحكي عن الشافعي و كثير من العلماء أن الإيمان يزيد و ينقص و عند أبي حنيفة و أصحابه و كثير من العلماء و هو اختيار إمام الحرمين أنه لا يزيد و لا ينقص لأنه اسم للتصديق البالغ حد الجزم و الإذعان و لا يتصور فيه الزيادة و النقصان و المصدق إذا ضم الطاعات إليه أو ارتكب المعاصي فتصديقه بحاله لم يتغير أصلا و إنما يتفاوت إذا كان اسما للطاعات المتفاوتة قلة و كثرة و لهذا قال الإمام الرازي و غيره إن هذا الخلاف فرع تفسير الإيمان فإن قلنا هو التصديق فلا تتفاوت و إن قلنا هو الأعمال فمتفاوت و قال إمام الحرمين إذا حملنا الإيمان على التصديق فلا يفضل تصديق تصديقا كما لا يفضل علم علما و من حمله على الطاعة سرا و علنا و قد مال إليه القلانسي فلا يبعد إطلاق القول بأنه يزيد بالطاعة و ينقص بالمعصية و نحن لا نؤثر هذا.
ثم قال و لقائل أن يقول لا نسلم أن التصديق لا يتفاوت بل يتفاوت قوة و ضعفا كما في التصديق بطلوع الشمس و التصديق بحدوث العالم لأنه إما نفس الاعتقاد القابل للتفاوت أو مبني عليه قلة و كثرة كما في التصديق الإجمالي و التفصيلي الملاحظ لبعض التفاصيل و أكثر فإن ذلك من الإيمان لكونه تصديقا

208
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

بما جاء به النبي ص إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا.
لا يقال الواجب تصديق يبلغ حد اليقين و هو لا يتفاوت لأن التفاوت لا يتصور إلا باحتمال النقيض لأنا نقول اليقين من باب العلم و المعرفة و قد سبق أنه غير التصديق و لو سلم أنه التصديق و أن المراد به ما يبلغ حد الإذعان و القبول و يصدق عليه المعنى المسمى بگرويدن ليكون تصديقا قطعا فلا نسلم أنه لا يقبل التفاوت بل لليقين مراتب من أجلى البديهيات إلى أخفى النظريات و كون التفاوت راجعا إلى مجرد الجلاء و الخفاء غير مسلم بل عند الحصول و زوال التردد التفاوت بحاله و كفاك قول الخليل وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي «1»
وَ عَنْ عَلِيٍّ ع لَوْ كُشِفَ الْغِطَاءُ مَا ازْدَدْتُ يَقِيناً.
على أن القول بأن المعتبر في حق الكل هو اليقين و أن ليس للظن الغالب الذي لا يخطر معه النقيض بالبال حكم اليقين محل نظر.
احتج القائلون بالزيادة و النقصان بالعقل و النقل أما العقل فلأنه لو لم يتفاوت لكان إيمان آحاد الأمة بل المنهمك في الفسق مساويا لتصديق الأنبياء و اللازم باطل قطعا و أما النقل فلكثرة النصوص الواردة في هذا المعنى قال الله وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً «2» لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ «3» وَ يَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً «4» وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً «5» فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً «6» و عن ابن عمر قلنا يا رسول الله إن الإيمان يزيد و ينقص قال نعم يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة و ينقص حتى يدخل صاحبه النار.
__________________________________________________
 (1) البقرة: 260.
 (2) الأنفال: 2.
 (3) الفتح: 4.
 (4) المدّثّر: 31.
 (5) الأحزاب: 22.
 (6) براءة: 124.

209
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

و أجيب بوجوه الأول أن المراد الزيادة بحسب الدوام و الثبات و كثرة الأزمان و الساعات و هذا ما قال إمام الحرمين النبي ص يفضل من عداه باستمرار تصديقه و عصمة الله إياه من مخامرة الشكوك و التصديق عرض لا يبقى فيقع للنبي ص متواليا و لغيره على الفترات فثبت للنبي ص أعداد من الإيمان لا يثبت لغيره إلا بعضها فيكون إيمانه أكثر و الزيادة بهذا المعنى مما لا نزاع فيه و ما يقال من أن حصول المثل بعد انعدام الشي‏ء لا يكون زيادة مدفوع بأن المراد زيادة أعداد حصلت و عدم البقاء لا ينافي ذلك.
الثاني أن المراد الزيادة بحسب زيادة المؤمن به و الصحابة كانوا آمنوا في الجملة و كان يأتي فرض بعد فرض و كانوا يؤمنون بكل فرض خاص و حاصله أن الإيمان واجب إجمالا فيما علم إجمالا و تفصيلا فيما علم تفصيلا و الناس متفاوتون في ملاحظة التفاصيل كثرة و قلة فيتفاوت إيمانهم زيادة و نقصانا و لا يختص ذلك بعصر النبي ص على ما يتوهم.
الثالث أن المراد زيادة ثمرته و إشراق نوره في القلب فإنه يزيد بالطاعات و ينقص بالمعاصي و هذا مما لا خفاء فيه و هذه الوجوه جيدة في التأويل لو ثبت لهم أن التصديق في نفسه لا يقبل التفاوت و الكلام فيه انتهى.
و الحق أن الإيمان يقبل الزيادة و النقصان سواء كانت الأعمال أجزاءه أو شرائطه أو آثاره الدالة عليه فإن التصديق القلبي بأي معنى فسر لا ريب أنه يزيد و كلما زاد زادت آثاره على الأعضاء و الجوارح فهي كثرة و قلة تدل على مراتب الإيمان زيادة و نقصانا و كل منهما يتفرع على الآخر فإن كل مرتبة من مراتب الإيمان تصير سببا لقدر من الأعمال يناسبها فإذا أتى بها قوي الإيمان القلبي و حصلت مرتبة أعلى تقتضي عملا أكثر و هكذا.
و جملة القول في ذلك أن للإيمان و لكل من الأعمال الإيمانية أفرادا كثيرة و حقيقة و نورا و روحا كالصلاة فإن لها روحا هي الإخلاص مثلا فإذا فارقها كانت جسدا بلا روح لا يترتب عليه أثر و لا ينهى عن الفحشاء و المنكر فللإيمان‏

210
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

تذییل ص 201

أيضا مراتب يترتب على كل مرتبة منها آثار فإذا ارتكب المؤمن الكبائر نقص إيمانه و فارقه روح الإيمان و حقيقته و كيف يؤمن بالله و بالمعاد و بالجنة و النار و يرتكب ما أخبر الله بأنه موجب لدخول النار فلا يكون ذلك إلا لضعف في اليقين كما ورد في أخبار كثيرة أنهم ع سألوا عند ادعاء الإيمان أو اليقين ما حقيقة إيمانك و ما حقيقة يقينك فظهر لهما حقائق مختلفة تظهر بآثارهما.
و روح الإيمان الواردة في الأخبار يمكن حملها على ذلك فإن الإيمان إذا ضعف حتى غلب عليه الشهوات البدنية فكأنه لا روح له و لا يترتب عليه أثر بل لا بقاء له فإن غلب عليه الشهوة و عاد إلى التوبة قوي الإيمان و عاد إليه الروح و ترتب عليه الآثار و عاد إليه الملك المؤيد له و لذا أطلق الروح في بعض الأخبار على ذلك الملك أيضا و قد يعود إليه بعد انقضاء الشهوة و قوة العقل و الإيمان و تصرف العقل في ممالكه بعد ما صار مغلوبا مقهورا بالشهوات الدنية فيتذكر قبح فعله فيعود إليه الملك المؤيد أو شي‏ء من نور الإيمان و إن لم تكمل له التوبة و لم يقدر على العزم التام على تركها فيما سيأتي و لذا ورد في بعض الأخبار أنه يعود إليه روح الإيمان بدون التوبة أيضا و قد مر بعض القول في ذلك و سيأتي إن شاء الله تعالى.

211
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

باب 34 أن الإيمان مستقر و مستودع و إمكان زوال الإيمان‏
الآيات الأنعام وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ «1» تفسير قال الطبرسي رحمه الله وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ أي أبدعكم و خلقكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ أي من آدم ع لأن الله تعالى خلقنا جميعا منه و خلق أمنا حواء من ضلع من أضلاعه انتهى «2».
أقول و قد مر أن خلقهم من أب واحد لا يقتضي عدم مدخلية الأم و لا يكون الأم مخلوقة منه لما مر نفي ذلك في الأخبار فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قال المفسرون فيه وجوها الأول مستقر في الرحم إلى أن يولد و مستودع في القبر إلى أن يبعث و الثاني مستقر في بطن الأمهات و مستودع في أصلاب الآباء الثالث مستقر على ظهر الأرض في الدنيا و مستودع عند الله في الآخرة الرابع مستقر في القبر و مستودع في الدنيا و قيل مستقرها أيام حياتها و مستودعها حيث يموت.
و أقول قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب بكسر القاف و الباقون بالفتح و على ما سيأتي من التأويل في الأخبار تستقيم القراءتان فبالفتح أي فلكم استقرار في الإيمان و استيداع فيه أو فمنكم من هو محل استقرار الإيمان و منكم من هو محل استيداعه ففيه حذف و إيصال أي مستقر فيه و بالكسر أي فمنكم مستقر في الإيمان و منكم مستودع فيه أو فإيمان بعضكم مستقر و إيمان بعضكم مستودع على القراءتين.
1- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ‏
__________________________________________________
 (1) الأنعام: 98.
 (2) مجمع البيان ج 4: 339.

212
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع لِمَ يَكُونُ الرَّجُلُ عِنْدَ اللَّهِ مُؤْمِناً قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْإِيمَانُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَنْقُلُهُ اللَّهُ بَعْدُ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ قَالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ هُوَ الْعَدْلُ إِنَّمَا دَعَا الْعِبَادَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ لَا إِلَى الْكُفْرِ وَ لَا يَدْعُو أَحَداً إِلَى الْكُفْرِ بِهِ فَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الْإِيمَانُ عِنْدَ اللَّهِ لَمْ يَنْقُلْهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْكُفْرِ قُلْتُ لَهُ فَيَكُونُ الرَّجُلُ كَافِراً قَدْ ثَبَتَ لَهُ الْكُفْرُ عِنْدَ اللَّهِ ثُمَّ يَنْقُلُهُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ قَالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ خَلَقَ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَعْرِفُونَ إِيمَاناً بِشَرِيعَةٍ وَ لَا كُفْراً بِجُحُودٍ ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ الرُّسُلَ تَدْعُو الْعِبَادَ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ «1».
بيان: يمكن أن يكون بناء الجوابين على أمر واحد و هو أن هدايته تعالى و خذلانه المعبر عنه بالإضلال ليسا علتين مستقلتين للنقل من الكفر إلى الإيمان و من الإيمان إلى الكفر بل كل منهما باختيار العبد و الهدايات الخاصة لبعض لا تصيره مجبورا على الإيمان و ترك تلك الهدايات لبعض لعدم استحقاقه لها لا يصيره مجبورا على الكفر كما مر تحقيقه.
و يحتمل أن يكون بناؤها على الفرق بينهما فحاصل الجواب الأول أن المؤمن الواقعي الذي ثبت إيمانه عند الله و لم يكن منافقا و مستودعا لا يسلب الله منه توفيقه و هدايته و لا يرجع عن الإيمان أبدا و من تراه يرجع فليس بمؤمن واقعي بل هو ممن يظهر الإيمان و لم يستقر في قلبه كما اختاره بعض المتكلمين و حاصل الثاني أن الكفر لما كان أمرا عدميا و الناس في بدو الفطرة لم يتصفوا بالإيمان لكنهم على الفطرة القابلة للإيمان و للكفر بمعنى الجحود لا الكفر بمعنى عدم الإيمان فإنه متصف به قبل التصديق و الإذعان فبعث الله الرسل لإتمام الحجة عليهم ثم بعد ذلك بعضهم يستحق الهدايات و الألطاف الخاصة بحسن اختياره و عدم إبطاله الفطرة الأصلية فتشمله تلك الألطاف فيختار الإيمان‏
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 416.

213
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

و بعضهم لم يستحق ذلك فيخذله الله فيختار الكفر بمعنى الجحود.
و كأن هذا أظهر من الخبر لكن فيه أنه لم يظهر منه أنه هل يمكن أن ينقله الله من كفر الجحود إلى الإيمان و الظاهر أن مراد السائل كان استعلام ذلك و يمكن الجواب بوجهين الأول أن نحمل كلام السائل ثانيا على الإخبار أو التعجب لا الاستفهام و لما كان كلامه موهما لكون ذلك على الجبر أفاد ع أن هدايته سبحانه و خذلاته لا يوجبان سلب الاختيار فإنهم على الفطرة القابلة لهما و الثاني أن يقال إنه أفاد ع قاعدة كلية يظهر منه جواب ذلك و هو أنه يمكن ذلك لكن بهذا النحو المذكور لا بالجبر.
فإذا عرفت ذلك فاعلم أن المتكلمين اختلفوا في أن المؤمن بعد اتصافه بالإيمان الحقيقي في نفس الأمر هل يمكن أن يكفر أم لا و لا خلاف في أنه لا يمكن ما دام الوصف و إنما النزاع في إمكان زواله بضد أو غيره فذهب أكثرهم إلى جواز ذلك بل إلى وقوعه و ذلك لأن زوال الضد بطريان ضده أو مثله على القول بعدم اجتماع الأمثال ممكن لأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال و ظاهر كثير من الآيات الكريمة دال عليه كقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً «1» و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ «2» و ذهب بعضهم إلى عدم جواز زوال الإيمان الحقيقي بضد أو غيره و قال الشهيد الثاني قدس الله روحه و نسب ذلك إلى السيد المرتضى رضي الله عنه مستدلا بأن ثواب الإيمان دائم و عقاب الكفر دائم و الإحباط و الموافاة عنده باطلان أما الإحباط فلاستلزام أن يكون الجامع بين الإحسان و الإساءة بمنزلة من لم يفعلهما مع تساويهما أو بمنزلة من لم يحسن إن زادت الإساءة و بمنزلة من لم يسئ مع العكس و اللازم بقسميه باطل قطعا فالملزوم مثله و أما الموافاة فليست‏
__________________________________________________
 (1) النساء: 137 و تصحيح الآية من المصحف الشريف.
 (2) آل عمران: 100.

214
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

عندنا شرطا في استحقاق الثواب بالإيمان لأن وجوه الأفعال و شروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن تكون منفصلة عنها و لا متأخرة عن وقت حدوثها و الموافاة منفصلة عن وقت حدوث الإيمان فلا يكون وجها و لا شرطا في استحقاق الثواب.
لا يقال الثواب إنما يستحقه العبد على الفعل كما هو مذهب العدلية و الإيمان ليس فعلا للعبد و إلا لما صح الشكر عليه لكن التالي باطل إذ الأمة مجتمعة على وجوب شكر الله تعالى على نعمة الإيمان فيكون الإيمان من فعل الله تعالى إذ لا يشكر على فعل غيره و إذا لم يكن من فعل العبد فلا يستحق عليه ثوابا فلا يتم دليله على أنه لا يتعقبه كفر لأن مبناه على استحقاق الثواب على الإيمان.
لأنا نقول بل هو من فعل العبد و نلتزم عدم صحة الشكر عليه و نمنع بطلانه قولك في إثباته الأمة مجتمعة إلخ قلنا الشكر إنما هو على مقدمات الإيمان و هي تمكين العبد من فعله و إقداره عليه و توفيقه على تحصيل أسبابه و توفيق ذلك له لا على نفس الإيمان الذي هو فعل العبد فإن ادعى الإجماع على ذلك سلمناه و لا يضرنا و إن ادعى الإجماع على غيره منعناه فلا ينفعهم.
و الاعتراض عليه رحمه الله من وجوه أحدها توجه المنع إلى المقدمة القابلة بأن الموافاة ليست شرطا في استحقاق الثواب و ما ذكره في إثباتها من أن وجوه الأفعال و شروطها التي يستحق بها ما يستحق لا يجوز أن تكون منفصلة عنها و الموافاة منفصلة عن وقت الحدوث فلا يكون وجها لا دلالة له على ذلك بل إن دل فإنما يدل على أن الموافاة ليست من وجوه الأفعال لكن لا يلزم من ذلك أن لا يكون شرطا لاستحقاق الثواب فلم لا يجوز أن يكون استحقاق الثواب مشروطا بوجوه الأفعال مع الموافاة أيضا لا بد لنفي ذلك من دليل.
ثانيها الآيات الكريمة التي مر بعضها فإنها تدل على إمكان عروض الكفر بعد الإيمان بل بعضها على وقوعه و أجاب السيد عن ذلك بأن المراد و الله أعلم من وصفهم بالإيمان الإيمان اللساني دون القلبي و قد وقع مثله كثيرا في القرآن‏

215
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

العزيز كقوله تعالى آمنوا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ «1» و حيث أمكن صحة هذا الإطلاق و لو مجازا سقط الاستدلال بها.
ثالثها أن الشارع جعل للمرتد أحكاما خاصة به لا يشاركه فيها الكافر الأصلي كما هو مذكور في كتب الفروع و هذا أمر لا يمكن دفعه و لا مدخل للطعن فيه فإن الكتاب العزيز و السنة المطهرة ناطقان بذلك و الإجماع واقع عليه كذلك و لا ريب أن الارتداد هو الكفر المتعقب للإيمان كما دل عليه قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ «2» وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ «3» الآية فقد دل على ما ذكرناه على أن المؤمن يمكن أن يكفر أقول و للسيد رحمه الله أن يجيب عن ذلك بأن ما ذكر إنما يدل على أن من اتصف في ظاهر الشرع بالارتداد فحكمه كذا و كذا و لا يدل على أنه صار مرتدا بذلك في نفس الأمر فلعله كان كافرا في الأصل و حكمنا بإيمانه ظاهرا للإقرار بما يوجب الإيمان مع بقائه على كفره عند الله تعالى و بفعله ما يوجب الارتداد ظاهرا حكمنا بارتداده أو كان مؤمنا في الأصل و هو باق على إيمانه عند الله تعالى لكن لاقتحامه حرمات الشارع و تعديه هذه الحدود العظيمة جعل الشارع الحكم بالارتداد عليه عقوبة له لتنحسم بذلك مادة الاقتحام و التعدي من المكلفين فيتم نظام النواميس الإلهية.
و أقول الحق أن المعلومات التي يتحقق الإيمان بالعلم بها أمور متحققة ثابتة لا تقبل التغير و التبدل إذ لا يخفى أن وحدة الصانع تعالى و وجوده و أزليته و أبديته و علمه و قدرته و حياته إلى غير ذلك من الصفات أمور تستحيل تغيرها و كذا كونه تعالى عدلا لا يفعل قبيحا و لا يخل بواجب و كذا النبوة و المعاد فإذا علمها الشخص على وجه اليقين و الثبات صار علمه بها كعلمه بوجود نفسه غير
__________________________________________________
 (1) المائدة: 41.
 (2) المائدة: 54.
 (3) البقرة: 217، و قد اختلطت الآيتان عليه.

216
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

أن الأول نظري و الثاني بديهي لكن لما كان النظري إنما يصير يقينيا بانتهائه إلى البديهي و لم يبق فرق بين العلمين امتنع تغير ذلك العلم و تبدله كما يمتنع تغير علمه بوجود نفسه.
و الحاصل أن العلم إذا انطبق على المعلوم الحقيقي الذي لا يتغير أصلا فمحال تغيره و إلا لما كان منطبقا فعلم أن ما يحصل لبعض الناس من تغيير عقيدة الإيمان لم يكن بعد اتصاف أنفسهم بما ذكرناه من العلم بل كان الحاصل لهم ظنا غالبا بتلك المعلومات لا العلم بها و الظن يمكن تبدله و تغيره و إن كان المظنون لا يمكن تبدله لأن الانطباق غير حاصل و إلا لصار علما.
إن قلت يتصور زوال الإيمان بصدور بعض الأفعال الموجبة للكفر كما تقدم و إن بقي التصديق اليقيني بالمعارف المذكورة فقد صح أن المؤمن قد يكفر بعد اتصافه بالإيمان.
قلت لا نسلم إمكان صدور فعل يوجب الكفر ممن اتصف بالعلم المذكور بل صار ذلك الفعل ممتنعا بالغير الذي هو العلم اليقيني و إن أمكن بالذات و حينئذ فصدور بعض الأفعال المذكورة إنما كان لعدم حصول العلم المذكور و بالجملة فكلام علم الهدى و مذهبه هنا رضي الله عنه في غاية القوة و المتانة بعد تدقيق النظر و قد ظهر مما حررناه أن القائلين بإمكان زوال الإيمان بعروض الكفر إن أرادوا به إمكان زوال العلم بالأمور المذكورة فظاهر أنه ممتنع بالذات كانقلاب الحقائق و إن أرادوا به إمكان انتفاء الإيمان بعروض شي‏ء من الأفعال و إن بقي العلم فقد بينا أنه ممتنع بالغير فإن أرادوا بالإمكان على هذا التقدير الإمكان الذاتي فلا نزاع لأحد فيه و إن أرادوا به عدم الامتناع و لو بالغير فقد بينا منعه و امتناعه.
و بالجملة فظواهر كثير من الآيات الكريمة و السنة المطهرة تدل على إمكان طروء الكفر على الإيمان و على هذا بناء أحكام المرتدين و هو مذهب أكثر المسلمين نعم في الاعتبار ما يدل على عدم جواز طروئه عليه كما أشرنا إليه إن جعلنا الإيمان عبارة عن التصديق مع الإقرار أو حكمه لكن الأول هو الأرجح‏

217
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

في النفس انتهى.
و أقول إذا اكتفي في الإيمان بالظن الحاصل من التقليد أو غيره فلا ريب في أنه يجوز تبدل الإيمان بالكفر و إن اشترط فيه العلم القطعي ففي جواز زواله إشكال و لما لم يقم دليل تام على عدم الجواز مع أن ظواهر الآيات و الأخبار تدل على الجواز فالجواز أقوى مع أن كثيرا ما يعرض للإنسان أنه يقطع بأمر بحيث لا يحتمل عنده خلاف ثم يتزلزل لشبهة قوية تعرض له و القول بأنه ظن قوي يتوهم قطعا بعيد نعم إن اعتبر في الإيمان اليقين و فسر بأنه اعتقاد جازم ثابت مطابق للواقع يمتنع زواله فبعد زواله انكشف أنه لم يكن مؤمنا لكن اعتبار ذلك أول الكلام و قد شرحنا الخبر في مرآة العقول و حققنا ذلك بوجه آخر فإن أردت الاطلاع عليه فارجع إليه.
2- سن، المحاسن عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنِ الْمُفَضَّلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ الْحَسْرَةَ وَ النَّدَامَةَ وَ الْوَيْلَ كُلَّهُ لِمَنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا أَبْصَرَ وَ مَنْ لَمْ يَدْرِ الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ مُقِيمٌ أَ نَفْعٌ هُوَ لَهُ أَمْ ضَرَرٌ قَالَ قُلْتُ فَبِمَا يُعْرَفُ النَّاجِي قَالَ مَنْ كَانَ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقاً فَأُثْبِتَ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالنَّجَاةِ وَ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ لِقَوْلِهِ مُوَافِقاً فَإِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَوْدَعٌ «1».
كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ فَبِمَا يُعْرَفُ النَّاجِي مِنْ هَؤُلَاءِ جُعِلْتُ فِدَاكَ إِلَى قَوْلِهِ فَأُثْبِتَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ «2».
بيان إن الحسرة و الندامة و الويل الحسرة اسم من حسرت على الشي‏ء حسرا من باب تعب و هي التلهف و التأسف على فوات أمر مرغوب و الندامة الحزن على فعل شي‏ء مكروه و الويل العذاب و واد في جهنم يعني هذا كله لمن لم ينتفع بما أبصره و علمه من العقائد و الأحكام و الأعمال و الأخلاق و الآداب و عدم الانتفاع بها بأن لا يعمل بمقتضى علمه بها و لم يدر ما الأمر الذي هو عليه مقيم من العقائد
__________________________________________________
 (1) المحاسن: ص 252.
 (2) الكافي ج 2: 419.

218
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

و الأعمال و الأخلاق أ نفع بصيغة المصدر أي نافع و يحتمل الماضي و كذا أو ضر يحتملهما و الأول أظهر فيهما و فيه حث على مراقبة النفس في جميع الحالات و محاسبتها في جميع الحركات و السكنات ليعلم ما ينفعها فيجلبها و يزيد منها و ما يضرها فيجتنبها.
فبما يعرف الناجي من هؤلاء أي من يكون أمره آئلا إلى النجاة من المهالك و عقوبات الآخرة فقال من كان فعله لقوله موافقا أي لقوله الحق و هو ما يأمر الناس به من الخيرات و الطاعات و ترك المنكرات أو لما يدعيه من الإيمان بالله و اليوم الآخر و الأنبياء و الأوصياء ع فإن مقتضى ذلك العمل بما يأمره الله تعالى و يوجب الوصول إلى مثوباته و النجاة من عقوباته و متابعة أئمة الدين في أقوالهم و أفعالهم أو لما يدعي لنفسه من الكمالات و ما نصب نفسه له من الحالات و الدرجات أو الجميع.
فأثبتت له الشهادة على صيغة المجهول أي يشهد الله تعالى و ملائكته و حججه ع و كمل المؤمنين بأنه من الناجين لاتصافه بكمال الحكمة النظرية لقوله الحق و كمال الحكمة العملية لعمله بأقواله الحقة و في بعض النسخ فأتت و من لم يكن فعله لقوله موافقا أي بأن يكون قوله حقا و فعله باطلا كما هو شأن أكثر الخلق فإنما ذلك مستودع إيمانه غير ثابت فيه فيحتمل أن يبقى على الحق و يثبت له الإيمان و تحصل له النجاة و أن يزول عن الحق و يعود إلى الشقاوة و يستحق الويل و الحسرة و الندامة.
3- كا، الكافي عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ وَ غَيْرِهِ عَنْ عِيسَى شَلَقَانَ قَالَ: كُنْتُ قَاعِداً فَمَرَّ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى ع وَ مَعَهُ بَهْمَةٌ قَالَ فَقُلْتُ يَا غُلَامُ مَا تَرَى مَا يَصْنَعُ أَبُوكَ يَأْمُرُنَا بِالشَّيْ‏ءِ ثُمَّ يَنْهَانَا عَنْهُ أَمَرَنَا أَنْ نَتَوَلَّى أَبَا الْخَطَّابِ ثُمَّ أَمَرَنَا أَنْ نَلْعَنَهُ وَ نَتَبَرَّأَ مِنْهُ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع وَ هُوَ غُلَامٌ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقاً لِلْإِيمَانِ لَا زَوَالَ لَهُ وَ خَلَقَ خَلْقاً لِلْكُفْرِ لَا زَوَالَ لَهُ وَ خَلَقَ خَلْقاً بَيْنَ ذَلِكَ أَعَارَهُمُ الْإِيمَانَ يُسَمَّوْنَ الْمُعَارِينَ إِذَا

219
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

شَاءَ سَلَبَهُمْ وَ كَانَ أَبُو الْخَطَّابِ مِمَّنْ أُعِيرَ الْإِيمَانَ قَالَ فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع وَ مَا قَالَ لِي فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع إِنَّهُ نَبْعَةُ نُبُوَّةٍ «1».
بيان: في المصباح البهمة ولد الضأن يطلق على الذكر و الأنثى و الجمع بهم مثل تمرة و تمر و جمع البهم بهام مثل سهم و سهام و تطلق البهام على أولاد الضأن و المعز إذا اجتمعت تغليبا فإذا انفردت قيل لأولاد الضأن بهام و لأولاد المعز سخال و قال ابن فارس البهم صغار الغنم و قال أبو زيد يقال لأولاد الغنم ساعة تضعها الضأن و المعز ذكرا كان الولد أو أنثى سخلة ثم هي بهمة و الجمع بهم و قال الغلام الابن الصغير و أبو الخطاب هو محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي و كان في أول الحال ظاهرا من أجلاء أصحاب الصادق ع ثم ارتد و ابتدع مذاهب باطلة و لعنه الصادق ع و تبرأ منه و روى الكشي روايات كثيرة تدل على كفره و لعنه «2» و اختلف الأصحاب فيما رواه في حال استقامته و الأكثر على جواز العمل بها و كأنه متفرع على المسألة السابقة فمن ادعى جواز تحقق الإيمان و زواله يجوز العمل بروايته لأنه حينئذ كان مؤمنا و من زعم أنه كاشف من عدم كونه مؤمنا لا يجوز العمل بها.
إنه نبعة نبوة أي علمه من ينبوع النبوة أو هو غصن من شجرة النبوة و الرسالة في القاموس نبع الماء ينبع مثلثة نبعا و نبوعا خرج من العين و النبع شجر للقسي و للسهام ينبت في قلة الجبل «3» ..
4- كا، الكافي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ ابْنِ عِيسَى عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَبَلَ النَّبِيِّينَ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ فَلَا يَرْتَدُّونَ أَبَداً وَ جَبَلَ الْأَوْصِيَاءَ عَلَى وَصَايَاهُمْ فَلَا يَرْتَدُّونَ أَبَداً وَ
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2: 418.
 (2) راجع رجال الكشّيّ ص 246- 260 تحت الرقم 135.
 (3) القاموس ج 3 87.

220
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

جَبَلَ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِيمَانِ فَلَا يَرْتَدُّونَ أَبَداً وَ مِنْهُمْ مَنْ يُعِيرُ الْإِيمَانَ عَارِيَّةً فَإِذَا هُوَ دَعَا وَ أَلَحَّ فِي الدُّعَاءِ مَاتَ عَلَى الْإِيمَانِ «1».
بيان: في القاموس جبلهم الله يجبل و يجبل خلقهم و على الشي‏ء طبعه و جبره كأجبله «2» فإذا هو دعا فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة و عدم الزيغ كما كان دأب الصالحين قبلنا و فيه دلالة أيضا على أن الإتمام و السلب مسببان عن فعل الإنسان لأنه يصير بذلك مستحقا للتوفيق و الخذلان.
و جملة القول في ذلك أن كل واحد من الإيمان و الكفر قد يكون ثابتا و قد يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده لأن القلب إذا اشتد ضياؤه و كمل صفاؤه استقر الإيمان و كل ما هو حق فيه و إذا اشتدت ظلمته و كملت كدورته استقر الكفر و كل ما هو باطل فيه و إذا كان بين ذلك باختلاط الضياء و الظلمة فيه كان مترددا بين الإقبال و الإدبار و مذبذبا بين الإيمان و الكفر فإن غلب الأول دخل الإيمان فيه من غير استقرار و إن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك و ربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الإيمان إلى الكفر و من الكفر إلى الإيمان فلا بد للعبد من مراعاة قلبه فإن رآه مقبلا إلى الله عز و جل شكره و بذل جهده و طلب منه الزيادة لئلا يستدبر و ينقلب و يزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه عن قوم صالحين رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ «3» و إن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب و استدرك ما فرط فيه و توكل على الله و توسل إليه بالدعاء و التضرع لتدركه العناية الربانية فتخرجه من الظلمات إلى النور و إن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان و استحق من ربه الخذلان فيموت مسلوب الإيمان كما قال سبحانه فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ «4» أعاذنا الله من ذلك و سائر أهل الإيمان.
__________________________________________________
 (1) الكافي ج 2 ص 419.
 (2) القاموس ج 3 ص 345.
 (3) آل عمران: 8.
 (4) الصف: 5.

221
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار66 (ط - بيروت)

باب 34 أن الإیمان مستقر و مستودع و إمکان زوال الإیمان ص 212

7. 6- 5- كش، رجال الكشي عَنْ حَمْدَوَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ عِيسَى شَلَقَانَ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع وَ هُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ قَبْلَ أَوَانِ بُلُوغِهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا هَذَا الَّذِي يَسْمَعُ مِنْ أَبِيكَ إِنَّهُ أَمَرَنَا بِوَلَايَةِ أَبِي الْخَطَّابِ ثُمَّ أَمَرَنَا بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ قَالَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ ع مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْأَنْبِيَاءَ عَلَى النُّبُوَّةِ فَلَا يَكُونُونَ إِلَّا أَنْبِيَاءَ وَ خَلَقَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْإِيمَانِ فَلَا يَكُونُونَ إِلَّا مُؤْمِنِينَ وَ اسْتَوْدَعَ قَوْماً إِيمَاناً فَإِنْ شَاءَ أَتَمَّهُ وَ إِنْ شَاءَ سَلَبَهُمْ إِيَّاهُ وَ إِنَّ أَبَا الْخَطَّابِ كَانَ مِمَّنْ أَعَارَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ فَلَمَّا كَذَبَ عَلَى أَبِي سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ قَالَ فَعَرَضْتُ هَذَا الْكَلَامَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ فَقَالَ لَوْ سَأَلْتَنَا عَنْ ذَلِكَ مَا كَانَ لِيَكُونَ عِنْدَنَا غَيْرُ مَا قَالَ «1».
6- ب، قرب الإسناد عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ عَنِ الْبَزَنْطِيِّ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: إِنَّ جَعْفَراً ع كَانَ يَقُولُ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ فَالْمُسْتَقَرُّ مَا ثَبَتَ مِنَ الْإِيمَانِ وَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمُعَارُ وَ قَدْ هَدَاكُمُ اللَّهُ لِأَمْرٍ جَهِلَهُ النَّاسُ فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا مَنَّ عَلَيْكُمْ بِهِ «2».
7- ب، قرب الإسناد عَنِ ابْنِ أَبِي الْخَطَّابِ عَنِ الْبَزَنْطِيِّ عَنِ الرِّضَا ع قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ قَدْ هَدَاكُمْ وَ نَوَّرَ لَكُمْ وَ قَدْ كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ إِنَّمَا هُوَ مُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ فَالْمُسْتَقَرُّ الْإِيمَانُ الثَّابِتُ وَ الْمُسْتَوْدَعُ الْمُعَارُ أَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَهْدِيَ مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ «3».
8- شي، تفسير العياشي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: قُلْتُ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ قَالَ مَا يَقُولُ أَهْلُ بَلَدِكَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ قَالَ قُلْتُ يَقُولُونَ مُسْتَقَرٌّ فِي الرَّحِمِ وَ مُسْتَوْدَعٌ فِي الصُّلْبِ فَقَالَ كَذَبُوا الْمُسْتَقَرُّ مَا اسْتَقَرَّ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ فَلَا يُنْزَعُ مِنْهُ أَبَداً وَ الْمُسْتَوْدَعُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ الْإِيمَانَ زَمَاناً
__________________________________________________
 (1) رجال الكشّيّ: 251.
&n