×
☰ فهرست و مشخصات
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

سورة آل عمران ص : 23

الجزء الثالث‏

سورة آل عمران‏

23
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 6] ص : 25

سورة آل عمران‏ «1»

في كتاب ثواب الأعمال‏ «2»: بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: من قرأ البقرة و آل عمران جاء «3» يوم القيامة يضلّانه‏ «4» على رأسه مثل الغمامتين، أو مثل الغيابتين.

[مدنيّة و آيها مائتان.] «5» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الم‏ (1): قد مرّ بعض إشاراته في أوّل سورة البقرة.

و في كتاب معاني الأخبار «6»: بإسناده إلى سفيان بن سعيد الثّوريّ، عن الصادق- عليه السّلام-، في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: و أمّا «الم» في أوّل آل عمران فمعناه أنا اللّه المجيد.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7» خيثمة الجعفيّ، عن أبي لبيد «8» المخزوميّ قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يا أبا لبيد انّه يملك من ولد عبّاس‏ «9» اثنا عشر «10»، يقتل بعد الثّامن منهم أربعة،

______________________________
(1) يوجد في أبعد «سورة آل عمران»: مدنية و آيتها مائتان.

(2) ثواب الأعمال/ 130، ح 1.

(3) المصدر: جاءتا.

(4) المصدر: تضلانه.

(5) ليس في أ.

(6) معاني الأخبار/ 22 ضمن ح 1. و في أ: ثواب الأعمال.

(7) تفسير العياشي 2/ 3.

(8) النسخ: «خيثمة الجعفري حدثني أبو لبيد» و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(9) المصدر: ولد العباس.

(10) النسخ: «اثنى عشرة.» و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

25
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 6] ص : 25

يصيب‏ «1» أحدهم الذّبحة فتذبحه، هم فئة «2» قصيرة أعمارهم قليلة مدّتهم خبيثة سيرتهم [منهم‏] «3» الفويسق الملقّب بالهادي، و النّاطق و الغاوي، يا أبا لبيد إنّ في حروف القرآن المقطّعة لعلما جمّا، إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أنزل‏ الم ذلِكَ الْكِتابُ‏ فقام محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- حتّى ظهر نوره و ثبتت كلمته و ولد «4» يوم ولد و قد مضى من الألف السّابع مائة سنة و ثلاث سنين، ثمّ قال: و تبيانه في كتاب اللّه في الحروف المقطّعة، إذا عدّدتها من غير تكرار، و ليس من حروف مقطّعة حرف تنقضي أيّام إلّا و قائم من بني هاشم عند انقضائه، ثمّ قال: الألف واحد، و اللّام ثلاثون، و الميم أربعون، و الصّاد تسعون، فذلك مائة و إحدى و ستّون، ثمّ كان بدء «5» خروج الحسين بن عليّ- عليه السّلام- الم اللّه، فلمّا بلغت مدّته قام قائم ولد العبّاس عبد «المص» و يقوم قائمنا عند انقضائها «بالر» فافهم ذلك و عه و اكتمه.

و إنّما فتح الميم في المشهورة، و كان حقّها أن يوقف عليها، لإلقاء حركة الهمزة عليها ليدلّ على أنّها في حكم الثّابت، لأنّها أسقطت للتّخفيف لا للدّرج، فإنّ الميم في حكم الوقف، كقولهم: واحد اثنان، لا لالتقاء السّاكنين، فإنّه غير محذور في باب الوقف، و لذلك لم يحرّك في لام.

و قرئ بكسرها، على توهّم التّحريك لالتقاء السّاكنين. و قرأ أبو بكر بسكونها، و الابتداء بما بعدها على الأصل‏ «6».

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏ (2): «7»: قد مرّ تفسيره فلا حاجة إلى تكريره.

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ‏، أي: القرآن منجما، بِالْحَقِ‏: بالعدل، أو بالصّدق في أخباره، أو بالحجج المحقّقة أنّه من عند اللّه. و هو في موضع الحال عن المفعول.

مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ‏: من الكتب.

______________________________
(1) المصدر: فتصيب.

(2) النسخ: «فتنة». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) يوجد في المصدر.

(4) النسخ: «ولده». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) هكذا في أ. و في الأصل و رو المصدر: بدو.

(6) ر. أنوار التنزيل 1/ 148.

(7) البقرة 255.

26
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 6] ص : 25

وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ‏ (3) «1» جملة على موسى و عيسى.

في أصول الكافي‏ «2»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و محمّد بن القاسم، عن محمّد بن سليمان، عن داود، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: [سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏، و إنّما أنزل في عشرين سنة بين أوّله و آخره.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:] «3» نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور، ثمّ نزل‏ «4» في طول عشرين سنة، ثمّ قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله:

نزلت‏ «5» صحف إبراهيم في أوّل ليلة من شهر رمضان، و أنزلت التّوراة لستّ مضين من شهر رمضان، و أنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت‏ «6» من شهر رمضان، و أنزل الزّبور لثمان عشرة خلون من شهر رمضان، [و أنزل القرآن في ثلاث و عشرين من شهر رمضان.

و في الكافي‏ «7»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: أنزلت‏ «8» التّوراة في ستّ مضت من شهر رمضان، و نزل‏ «9» الإنجيل في اثنا عشر «10» ليلة من شهر رمضان، و أنزل‏ «11» الزّبور في ليلة ثمانية عشرة مضت من شهر رمضان‏] «12» و أنزل‏ «13» القرآن في ليلة القدر.

قيل‏ «14»: التّوراة مشتقّة من الورى، الّذي هو إخراج النار من الزناد، سمّي بها لإخراج نور العلم منه. و الإنجيل من النّجل، بمعنى: الولد، سمّي به لأنّه يتولّد منه النّجاة.

و وزنهما تفعلة و إفعيل، و هو تعسّف لأنّهما اسمان أعجميّان، يؤيّد ذلك أنّه قرئ الإنجيل بفتح الهمزة، و هو ليس من أبنية العرب.

______________________________
(1) آل عمران، 3.

(2) الكافي 2/ 628، ح 6.

(3) ما بين المعقوفتين يوجد في المصدر.

(4) النسخ: «نزلت». و ما في المتن موافق المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: نزل.

(6) ليس في ر.

(7) نفس المصدر 4/ 157، ح 5.

(8) المصدر: نزلت.

(9) هكذا في النسخ و المصدر. و الظاهر: أنزل.

(10) هكذا في النسخ و المصدر. و الظاهر: اثنتي عشرة.

(11) المصدر: نزل.

(12) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(13) المصدر: نزل.

(14) أنوار التنزيل 1/ 148.

27
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 6] ص : 25

مِنْ قَبْلُ‏: تنزيل القرآن.

هُدىً لِلنَّاسِ‏، أي: لكلّ من أنزل عليه‏ وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ‏:

قيل‏ «1»: يريد به جنس الكتب الإلهيّة، فإنّها فارقة بين الحقّ و الباطل، ذكر ذلك بعد [ذكر] «2» الكتب الثّلاثة ليعمّ ما عداها [كأنّه قال: و أنزل سائر ما يفرّق به بين الحقّ و الباطل، أو الزّبور] «3» أو القرآن. و كرّر ذكره بما هو نعت له مدحا و تعظيما و إظهارا لفضله، من حيث أنّه يشركهما في كونه وحيا منزّلا، و يتميّز بأنّه معجز، يفرّق به بين المحقّ و المبطل أو المعجزات.

و يحتمل أن يكون المراد به محكمات القرآن، أفردها لزيادة شرفها و نفعها.

و في أصول الكافي‏ «4»: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن سنان أو غيره، عمّن ذكره قال‏: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن القرآن و الفرقان أ هما شيئان أو شي‏ء واحد.

فقال- عليه السّلام-: القرآن جملة الكتاب، و الفرقان المحكم الواجب العمل به.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته‏ «6» عن قول اللّه: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ أَنْزَلَ الْفُرْقانَ‏.

قال: هو كلّ أمر محكم، و الكتاب هو جملة القرآن الّذي يصدّق فيه من كان‏ «7» قبله [من‏] «8» الأنبياء.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «9»: حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و روى مثل ما في تفسير العيّاشيّ.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «10»: بإسناده إلى أبي عبد اللّه [بن يزيد قال: حدّثني يزيد] «11»

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 148.

2 و 3- يوجد في المصدر.

(4) الكافي 2/ 630، ح 11.

(5) تفسير العياشي 1/ 162، ح 1.

(6) «قال سألته» ليس في المصدر.

(7) المصدر: «كتاب» بدل «كان».

(8) يوجد في المصدر.

(9) تفسير القمي 1/ 96.

(10) علل الشرائع/ 470، صدر ح 33.

(11) يوجد في المصدر.

 

28
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 6] ص : 25

ابن سلام‏ أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال له: لم سمّي الفرقان فرقانا؟

[قال:] «1» لأنّه متفرّق الآيات و السّور أنزلت في غير الألواح، و غيره من الصّحف‏ «2» و التّوراة و الإنجيل و الزّبور أنزلت‏ «3» كلّها جملة في الألواح و الورق.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في الصّحيفة السّجّاديّة في دعائه- عليه السّلام- عند ختم القرآن‏ «4»: و فرقانا فرقت به بين حلالك و حرامك، و قرآنا أعربت به عن شرائع أحكامك.

] «5» إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ‏: من كتب منزلة كانت أو غيرها، لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ: بسبب كفرهم. و لا شك أنّ أمير المؤمنين من أعظم آيات اللّه، و الكافرين به و المنكرين لحقّه لهم عذاب شديد.

وَ اللَّهُ عَزِيزٌ: غالب، لا يمنع من التّعذيب، ذُو انْتِقامٍ‏ (4):

تنكيره للتّعظيم، أي: انتقام لا يقدر مثله أحد و لا يعرف كنهه أحد. و النّقمة، عقوبة المجرم. و الفعل منه، نقم- بالفتح و الكسر- و هو وعيد جي‏ء به بعد تقرير التّوحيد، و إنزال الكتب و الآيات لمن أعرض عنها.

إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى‏ عَلَيْهِ شَيْ‏ءٌ: كلّيّا كان أو جزئيّا، إيمانا أو كفرا، فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ (5):

خصّصهما، إذ الحسّ لا يتجاوزهما، و قدّم الأرض ترقّيا من الأدنى إلى الأعلى، و لأنّ المقصود ما اقترف فيها.

هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ‏:

و هو ردّ على ما ذهب إليه بعض الحكماء من وجود القوّة المصوّرة.

و قرئ: تصوّركم، أي: صوّركم لنفسه و عبادته‏ «6».

كَيْفَ يَشاءُ: من الصّور المختلفة، مشابها لصورة أبيه أولا.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) الأصل: «غير الصحف» بدل «غيره من الصحف». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) المصدر: نزلت.

(4) الصحيفة السجادية/ 211، الدعاء 42.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) أنوار التنزيل 1/ 149.

29
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 6] ص : 25

و في كتاب علل الشّرائع‏ «1»: بإسناده إلى جعفر بن بشير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- إذا أراد أن يخلق خلقا جمع كلّ صورة بينه و بين أبيه إلى آدم، ثمّ خلقه على صورة أحدهم، فلا يقولنّ أحد: هذا لا يشبهني و لا يشبه شيئا من آبائي.

و في الكافي‏ «2»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن نوح بن شعيب رفعه، عن عبد اللّه بن سنان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: اتى رجل من الأنصار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: هذه ابنة عمّي و امرأتي، لا أعلم منها «3» إلّا خيرا، و قد أتتني بولد شديد السّواد، منتشر المنخرين، جعد، قطط، أفطس الأنف، لا أعرف شبهه في أخوالي و لا في أجدادي.

فقال- صلّى اللّه عليه و آله- لامرأته: ما تقولين؟

قالت: لا و الّذي بعثك بالحقّ نبيّا ما أقعدت مقعده منّي‏ «4» منذ ملكني أحدا غيره.

قال: فنكس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [برأسه‏] «5» مليّا، ثمّ رفع بصره إلى السّماء، ثمّ أقبل على الرجل فقال: يا هذا، إنّه ليس من أحد إلّا بينه و بين آدم تسعة و تسعون‏ «6» عرقا كلّها تضرب في النّسب، فإذا وقعت النّطفة في الرّحم اضطربت تلك العروق تسأل الشّبه‏ «7» لها، فهذا من تلك العروق الّتي لم يدركها أجدادك و لا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك.

فقالت المرأة: فرجت عنّي يا رسول اللّه.

محمّد بن يحيى و غيره‏ «8»، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن إسماعيل بن عمرو، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ للرحم أربعة «9» سبل، في أيّ سبيل سلك فيه الماء كان منه الولد واحد و اثنان و ثلاثة و أربعة، «10»

______________________________
(1) علل الشرائع/ 103، ح 1.

(2) الكافي 5/ 561، ح 23.

(3) ليس في المصدر.

(4) أ: مقعدته أعنى.

(5) يوجد في المصدر.

(6) النسخ: تسعة و تسعين. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(7) المصدر: تسأل اللّه الشبهة.

(8) الكافي 6/ 17، ح 2.

(9) النسخ: أربع. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(10) النسخ: ثلث أربع. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

30
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

و لا يكون إلى سبيل أكثر من واحد.

عليّ بن محمّد رفعه‏ «1»، عن محمّد بن حمران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- خلق للرّحم أربعة أوعية، فما كان في الأوّل فللأب، و ما كان في الثّاني فللأم، و ما كان في الثّالث‏ «2» فللعمومة، و ما كان في الرّابع‏ «3» فللخئولة. و ذلك التّصوير بعد مكث النّطفة في الرّحم أربعين يوما.

يدلّ عليه‏

ما رواه في كتاب علل الشّرائع‏ «4»: بإسناده إلى محمّد بن عبد اللّه بن زرارة، عن عليّ بن عبد اللّه، عن أبيه، عن جدّه، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال‏:

تعتلج النطفتان في الرّحم فأيّتهما كانت أكثر جاءت تشبهها، فإن كانت نطفة المرأة أكثر جاءت يشبه‏ «5» أخواله، و ان كانت نطفة الرّجل أكثر جاءت يشبه‏ «6» أعمامه.

و قال: تحول النّطفة في الرّحم أربعين يوما، فمن أراد أن يدعو اللّه- عزّ و جلّ- ففي تلك الأربعين قبل أن يخلق‏ «7»، ثمّ يبعث اللّه- عزّ و جلّ- ملك الأرحام، فيأخذها فيصعد بها إلى اللّه- عزّ و جلّ- فيقف منه ما شاء «8» اللّه، فيقول: يا إلهي أ ذكر أم أنثى؟ فيوحي اللّه- عزّ و جلّ- ما يشاء.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: إذ لا يعلم و لا يفعل جملة ما يعلمه، و لا يقدر أن يفعل مثل ما يفعله غيره.

الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ (6): إشارة إلى كمال قدرته، و تناهي حكمته.

قال البيضاويّ‏ «9»: قيل: هذا حجاج‏ «10» على من زعم أنّ عيسى كان ربّا، فإنّ وفد نجران لمّا حاجّوا فيه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نزلت السّورة من أوّلها إلى نيف و ثمانين آية، تقريرا لما احتجّ به عليهم و أجاب عن شبههم.

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ‏: أُحكمت عبارتها، بأن‏

______________________________
(1) نفس المصدر 6/ 17، ح 2.

(2) النسخ: للثالث. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) النسخ: للرابع. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(4) علل الشرائع/ 95، ح 4.

5 و 6- المصدر: تشبه.

(7) المصدر: تخلق.

(8) المصدر: «حيث يشاء» بدل «ما شاء».

(9) أنوار التنزيل 1/ 149.

(10) النسخ: احتجاج. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

31
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

حفظت من الإجمال و الاشتباه.

هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ‏: أصله، يردّ إليها غيرها. و القياس أمّهات، فأفرد على تأويل واحدة، أو على أنّ الكلّ بمنزلة آية واحدة.

وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ‏: محتملات، لا يتضح مقصودها لإجمال أو مخالفة ظاهر.

و العلّة في ذلك‏

ما رواه في كتاب الاحتجاج‏ «1»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل و فيه يقول‏: ثمّ إنّ اللّه- جلّ ذكره- لسبقة «2» رحمته و رأفته بخلقه، و علمه بما يحدثه المبدّلون من تغيير كلامه، قسّم كلامه ثلاثة أقسام: فجعل قسما منه يعرفه‏ «3» العالم و الجاهل، و قسما لا يعرفه إلّا من صفا ذهنه و لطف حسّه و صحّ تميّزه ممّن شرح اللّه صدره للإسلام، و قسما لا يعرفه إلّا اللّه و أنبياؤه‏ «4» و الرّاسخون في العلم. و إنّما فعل ذلك، لئلّا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من علم الكتاب ما لم يجعله‏ «5» اللّه‏ «6» لهم، و ليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن‏ «7» و لاه أمرهم، فاستكبروا عن طاعته تعزّزا «8» و افتراء على اللّه، و اغترارا بكثرة من ظاهرهم و عاونهم و عاند «9» اللّه- جل اسمه- و رسوله- صلّى اللّه عليه و آله-.

و اعلم أنّ قسمين ممّا ذكر في الخبر داخل في المحكم المذكور في الآية. و أمّا قوله:

كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ‏، فمعناه: أنّها حفظت من فساد المعنى، و ركاكة اللّفظ. و قوله:

كِتاباً مُتَشابِهاً. فمعناه: يشبه بعضه بعضا في صحّة المعنى، و جزالة اللّفظ. «و أخر» جمع أخرى، و لم ينصرف لأنّه وصف معدول من «الآخر» و لا يلزم معرفته، لأنّ معناه أنّ القياس أن يعرّف، و لم يعرّف لأنّه‏ «10» معرّف في المعنى‏ «11» أو من آخر من بهذا المعنى‏ «12».

في أصول الكافي‏ «13»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله‏

______________________________
(1) الاحتجاج 1/ 376.

(2) المصدر: لسعة.

(3) أ: معرفة.

(4) المصدر: أمناؤه.

(5) المصدر: يجعل.

(6) ليس في أ.

(7) النسخ: بمن و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(8) النسخ: تفررا. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(9) الأصل: عاندا. و ما أثبتناه في المتن موافق أ.

(10) الأصل: لا أنّه. و ما أثبتناه في المتن موافق ر.

11 و 12- أ: الحق.

(13) الكافي 1/ 414، ح 14.

 

32
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ‏، قال: أمير المؤمنين- عليه السّلام- و الائمّة- عليهم السّلام- وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ‏، قال: فلان و فلان.

و للحديث تتمّة، أخذت منه موضع الحاجة.

فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ‏: ميل عن الحقّ و عدول.

فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ‏: بظاهره، أو بتأويل غير منقول عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و الأئمّة- عليهم السّلام- أو فلان و فلان.

ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ طلب أن يفتنوا أنفسهم و الناس عن دينهم.

و في مجمع البيان‏ «1»: قيل: المراد بالفتنة هنا الكفر، و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ‏: طلب أن يأوّلوه‏ «2» على ما يشتهونه.

قيل‏ «3»: يحتمل أن يكون الدّاعي إلى الاتّباع مجموع الطّلبتين، أو كل‏ «4» واحدة منهما على التّعاقب، و الأوّل يناسب المعاند و الثّاني يلائم الجاهل.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة «6»، عن وهيب بن حفص‏ «7»،] «8» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول‏: إنّ القرآن زاجر و آمر يأمر بالجنّة «9» و يزجر عن النّار.

و فيه محكم و متشابه. فأمّا المحكم فيؤمن به و يعمل به. و أمّا المتشابه فيؤمن به و لا يعمل به و هو قول اللّه: فَأَمَّا الَّذِينَ‏- و قرأ الى- كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، و قال‏ «10»: آل محمّد الرّاسخون في العلم.

وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ‏، أي: الّذي يجب أن يحمل عليه.

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 410.

(2) الأصل: يألوه. و ما أثبتناه في المتن موافق أ.

(3) أنوار التنزيل 1/ 149.

(4) ر: لكل. (ظ)

(5) تفسير القمي 2/ 451.

(6) الأصل: الحسن بن أحمد بن سماعة. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(7) الأصل: وهب بن حفص. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(9) أ: بالخير.

(10) ليس في المصدر.

33
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏، أي: الّذين ثبتوا و تمكّنوا فيه.

و في تتّمة الحديث السّابق‏، أنّ الرّاسخين في العلم أمير المؤمنين و الأئمّة- عليهم السّلام‏ «1»-.

و في كتاب معاني الأخبار «2»: بإسناده إلى محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يحدّث‏: أنّ حييّا و أبا ياسر أبني أخطب و نفرا من يهود اهل نجران أتوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقالوا «3» له: أليس فيما تذكر فيما أنزل اللّه عليك الم؟

قال: بلى.

قالوا: أتاك بها جبرئيل من عند اللّه؟

قال: نعم.

قالوا: لقد بعثت أنبياء قبلك و ما نعلم نبيّا منهم أخبر ما «4» مدّة ملكه و ما أجل أمّته غيرك.

قال: فأقبل حييّ بن أخطب‏ «5» على أصحابه فقال لهم: الألف واحد، و اللّام ثلاثون، و الميم أربعون، فهذه إحدى و سبعون سنة، فعجب ممّن يدخل في دين مدّة ملكه و أجل أمّته إحدى و سبعون سنة.

قال: ثمّ أقبل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال له: يا محمّد هل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: فهاته‏ «6».

قال: المص.

قال: هذه أثقل و أطول، الألف واحد، و اللّام ثلاثون‏ «7»، و الميم أربعون، و الصّاد تسعون، فهذه مائة و واحد و ستّون سنة «8».

______________________________
(1) لا يوجد هكذا تتمة في الحديث السابق، كما أنّ الحديث السابق قد نقل هنا بتمامه و لم تبق له تتّمة لم تنقل.

(2) معاني الأخبار/ 23- 24، ح 3.

(3) كذا في المصدر و في النسخ: فقال.

(4) المصدر: أخبرنا.

(5) أ: حيّ بن أخطب.

(6) المصدر: هاته.

(7) يوجد في أبعد هذه العبارة: «و الراء مائتان.» و وجودها خطأ أو زائدة.

(8) النسخ: «فهذه مائة و واحد و أربعون». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

34
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

ثمّ قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: فهل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: هاته.

قال: الر.

قال: هذه أثقل و أطول، الألف واحد، و اللّام ثلاثون‏ «1»، و الرّاء مائتان.

[ثمّ قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:] «2» فهل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: هاته.

قال: المر.

قال: هذه أثقل و أطول، الألف واحد، و اللام ثلاثون و الميم أربعون و الرّاء مائتان.

ثمّ قال له: هل مع هذا غيره؟

قال: نعم.

قال: قد التبس علينا أمرك فما ندري ما أعطيت. ثمّ قاموا عنه، ثمّ قال أبو ياسر لحييّ‏ «3» أخيه: ما يدريك، لعل محمّدا قد جمع له هذا كلّه و أكثر منه.

قال: فذكر أبو جعفر- عليه السّلام- أنّ هذه الآيات أنزلت فيهم: منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب و أخر متشابهات.

قال: و هي تجري في وجه آخر [على‏] «4» غير تأويل حييّ و أبي ياسر و أصحابهما.

أقول: و هذا الوجه هو ما مرّ، من أنّ المراد بالمحكمات و المتشابهات الأئمّة و أعداؤهم، و بعضهم وقفوا على اللّه و فسّروا المتشابه بما استأثره بعلمه.

يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ‏: استئناف موضح. لحال الرّاسخين، أو حال منهم، أو خبر إن جعلته مبتدأ.

كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا، أي: كلّ من المحكم و المتشابه من عنده، و على كون المراد بالمتشابه فلان و فلان كونه من عنده، بمعنى: خلقه له و عدم جبره على الاهتداء، كما هو

______________________________
(1) يوجد في أبعد هذه العبارة: «و الميم أربعون و الصاد تسعون هذه». و هي زائدة.

(2) يوجد في المصدر.

(3) أ: لحيّ. المصدر: للحيي.

(4) يوجد في المصدر.

35
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

طريقة الابتلاء و التّكليف.

وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ‏ (7): مدح للرّاسخين، أو لمن يتذكّر أنّ العالم بالمتشابه لا يكون غير الرّاسخين، الّذين هم الأئمّة- عليهم السّلام-.

[و في شرح الآيات الباهرة «1»] «2» روى محمّد بن يعقوب‏ «3»، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن أيّوب‏ «4» بن الحرّ [و عمران بن عليّ، عن أبي بصير] «5» عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: نحن الرّاسخون في العلم، و نحن نعلم تأويله.

و يؤيّده‏

ما رواه أيضا، عن عليّ بن محمّد «6»، عن عبد اللّه بن عليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.

قال: فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أفضل الرّاسخين في العلم، قد علّمه اللّه- عزّ و جلّ- علم جميع ما أنزل [اللّه‏] «7» عليه من التّنزيل و التّأويل، و ما كان [اللّه‏] «8» لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، و أوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه [و كيف لا يعلمونه؟! و منهم مبدأ العلم، و إليهم منتهاه، و هم معدنه و قراره و مأواه.

] «9» و بيان ذلك‏

ما رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم‏ «10»، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن عبد اللّه بن سليمان، عن حمران بن أعين [عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-] «11» قال‏: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- أتى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- برمّانتين، فأكل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إحداهما و كسر الأخرى بنصفين،

______________________________
(1) تأويل الآيات الباهرة/ 35- 37.

(2) ليس في أ.

(3) الكافي 1/ 213، ح 1.

(4) أ: أبو أيوب.

(5) ليس في النسخ.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 2.

7 و 8- يوجد في الكافي.

(9) يوجد في الكافي بدل ما بين المعقوفتين: و الذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم اللّه بقوله: يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و القرآن خاصّ و عامّ و محكم و متشابه و ناسخ و منسوخ.

فالراسخون في العلم يعلمونه.

(10) الكافي 1/ 263، ح 1.

(11) يوجد في الكافي.

 

36
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

فأكل نصفا و أطعم عليّا نصفا.

ثمّ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يا أخي هل تدري ما هاتان الرّمّانتان؟

قال: لا.

قال: أمّا الأولى فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، و أمّا الأخرى فالعلم أنت شريكي فيه.

فقلت: أصلحك اللّه كيف يكون‏ «1» شريكه فيه؟

قال: لم يعلّم اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- [علما] «2» إلّا و أمره أن يعلّمه عليّا- عليه السّلام-.

و يؤيّده‏

ما رواه أيضا، عن محمّد بن يحيى‏ «3»، عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن عبد الحميد، عن منصور بن يونس، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول‏: نزل جبرئيل- عليه السّلام- على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- برمّانتين من الجنّة، فلقيه عليّ- عليه السّلام- فقال له: ما هاتان الرّمّانتان الّتي في يدك؟

فقال: أمّا هذه فالنّبوّة ليس لك فيها نصيب، و أمّا هذه فالعلم. ثمّ فلقها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نصفين‏ «4» فأعطاه نصفها و أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نصفها، ثمّ قال: أنت شريكي فيه و أنا شريكك فيه.

قال: فلم يعلّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- حرفا ممّا علّمه اللّه- عزّ و جلّ- إلّا و قد علّمه عليّا، ثمّ انتهى العلم إلينا، ثمّ وضع يده على صدره.

و أوضح من هذا بيانا

ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد «5»، عن عبد اللّه [بن‏] «6» الحجّال، عن أحمد بن عمر الحلبيّ‏ «7»، عن أبي بصير قال‏: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت: جعلت فداك إنّي أسألك عن مسألة، فههنا «8» أحد يسمع كلامي؟

______________________________
(1) الكافي: كان يكون.

(2) يوجد في الكافي.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

(4) الكافي: بنصفين.

(5) نفس المصدر 1/ 238- 239، ح 1.

(6) يوجد في الكافي.

(7) كذا في الكافي. و في النسخ و شرح الآيات: أحمد بن محمد الحلبي‏

(8) الكافي: هاهنا.

 

37
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

قال: فرفع أبو عبد اللّه- عليه السّلام- سترا بينه و بين بيت آخر فاطّلع فيه. ثمّ قال: يا أبا محمّد سل عمّا بدا لك.

قال: قلت: جعلت فداك إنّ شيعتك يتحدّثون أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- علّم عليّا بابا، يفتح [له‏] «1» منه ألف باب.

قال: فقال: يا أبا محمّد، علّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عليّا- عليه السّلام- ألف باب، يفتح [اللّه‏] «2» كلّ باب ألف باب.

قال: قلت: هذا- و اللّه- العلم.

قال: فنكت‏ «3» ساعة في الأرض، ثمّ قال: إنّه لعلم و ما هو بذاك.

قال: ثمّ قال: يا أبا محمّد انّ عندنا الجامعة و ما يدريهم ما الجامعة.

قال: قلت: جعلت فداك و ما الجامعة؟

قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول اللّه، و «4» إملائه من مل‏ء «5» فيه، و خطّ عليّ بيمينه، فيها كلّ حلال و حرام، و كلّ شي‏ء يحتاج إليه النّاس حتّى الأرش في الخدش، و ضرب بيده إليّ فقال لي: أ تأذن‏ «6» لي يا أبا محمّد.

قال: قلت: جعلت فداك إنّما أنا لك، فاصنع ما شئت.

قال: فغمزني بيده، قال: حتّى أرش هذا- كأنّه مغضب-.

قال: قلت: هذا- و اللّه- العلم.

قال: إنّه لعلم و ليس‏ «7» بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: إنّ‏ «8» عندنا الجفر.

و ما يدريهم ما الجفر.

[قال:] «9» قلت: و ما الجفر؟

قال: وعاء من أدم، فيه علم النّبيّين و الوصيّين و علم العلماء «10» الّذين مضوا من بني‏

______________________________
(1) يوجد في الكافي.

(2) يوجد في شرح الآيات. و في الكافي: «من» بدل «اللّه».

(3) أو شرح الآيات: فسكت.

(4) النسخ: من.

(5) الكافي: فلق.

(6) الكافي: تأذن.

(7) هكذا في أو الكافي. و في الأصل ور: فليس.

(8) ليس في الأصل ور.

(9) يوجد في الكافي.

(10) النسخ: علماء

 

38
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

إسرائيل.

قال: قلت: إنّ هذا هو العلم.

قال: إنّه لعلم‏ «1» و ليس بذاك. ثمّ سكت ساعة، ثمّ قال: و إنّ عندنا لمصحف فاطمة- عليها السّلام-. و ما يدريهم ما مصحف فاطمة.

قال: قلت: و ما مصحف فاطمة؟

قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا- ثلاث مرّات- و اللّه ما فيه من قرآنكم حرف واحد.

قال: قلت: هذا- و اللّه- هو العلم.

قال: إنّه العلم‏ «2» و ليس بذاك. ثمّ سكت ساعة. ثمّ قال: و إنّ عندنا علم ما كان و علم ما هو كائن إلى أن تقوم السّاعة.

قال: قلت: جعلت فداك هذا- و اللّه- هو العلم.

قال: إنّه لعلم و ليس بذاك.

قال: قلت: جعلت فداك فأيّ شي‏ء العلم؟

قال: ما يحدث باللّيل و النّهار، و الأمر بعد الأمر، و الشي‏ء بعد الشي‏ء إلى يوم القيامة.

و ممّا ورد في غزارة علمهم- صلوات اللّه عليهم-

ما رواه أيضا- رحمه اللّه- قال‏ «3»: روى عدّة من أصحابنا [عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب، عن الحارث بن مغيرة و عدّة من أصحابنا] «4» منهم: عبد الأعلى [و أبو عبيدة] «5» و عبد اللّه بن بشير الخثعميّ‏ «6»، أنّهم سمعوا أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: إنّي لأعلم ما في السّموات و ما في الأرض، و أعلم ما في الجنّة، و أعلم ما في النّار، و أعلم ما كان و ما يكون، ثمّ سكت هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه. فقال: علمت ذلك من كتاب اللّه- عزّ و جلّ- [إنّه- عزّ و جلّ-] «7» يقول: فيه‏ «8» فيه تبيان كلّ شي‏ء.

______________________________
1 و 2- النسخ: العلم. و ما أثبتناه في المتن موافق «الكافي».

(3) الكافي 1/ 261، ح 2.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(5) يوجد في الكافي.

(6) الكافي: «عبد اللّه بن بشر الخثعمي». و الظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال 2/ 170. و ما أثبتناه في المتن موافق الأصل.

(7) يوجد في المصدر.

(8) النحل/ 89. و فيها: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ. و هنا إمّا نقل بالمعنى، او كان في قراءتهم- عليهم السّلام- كما تذكّر بهذين في هامش المصدر.

39
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

و ممّا ورد في غزارة علمهم- صلوات اللّه عليهم-

ما رواه أيضا، عن أحمد بن محمّد و محمّد بن يحيى، «1» عن محمّد بن الحسين، عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن سيف التّمّار قال‏: كنّا مع أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و «2» جماعة من الشّيعة في الحجر، فقال: علينا عين، فالتفتنا يمنة و يسرة فلم نر أحدا.

فقلنا ليس علينا عين.

فقال: و ربّ الكعبة و ربّ البيّنة- ثلاث مرّات- لو كنت بين موسى و الخضر لأخبرتهما أنّي أعلم منهما، و لأنبأتهما بما ليس في أيديهما، لأنّ موسى و الخضر- عليهما السّلام- أعطيا علم ما كان و لم يعطيا علم ما يكون و ما هو كائن حتّى تقوم السّاعة، و قد ورثناه من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- وراثة.

و يؤيّد هذا و يطابقه،

ما رواه أصحابنا من رواة الحديث، من كتاب الأربعين، رواية أسعد الأربلىّ‏ «3»، عن عمّار بن خالد، عن إسحاق الأزرق‏ «4»، عن عبد الملك بن‏

______________________________
(1) الكافي 1/ 260- 261، ح 1.

(2) «واو» ليس في الكافي.

(3) هو أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الأربلي وله كتاب الأربعين في الفضائل و المناقب يرويها عن مشايخه من العامّة في مجلس واحد سنة 610، ألّفه في بغداد. توجد من الأربعين هذا نسخ في المكتبة المركزية لجامعة طهران، رقم 1/ 2130، 2/ 2140. و أمّا ما ذكره في فهرس هذه المكتبة أنّه يوجد من الأربعين هذا في مجموعة رقم 3/ 2117 و هم. بل هو أربعين حافظ أبو نعيم الاصبهاني الّذي نقله ابو الحسن على بن عيسى الاربلي في كتابه كشف الغمة في معرفة الائمة، عند ذكر صاحب الأمر- صلوات اللّه عليه-. فراجع.

و الحديث الذي نقل في المتن، الحديث الثاني من هذا الأربعين. و أورده العلامة المجلسي- رحمه اللّه- في البحار 13/ 312- 313، ح 52، نقلا عن رياض الجنان بعين السند المذكور في «الأربعين». و لكن بين البحار و نسخ الأربعين و تفسير تأويل الآيات (مصدر المتن) إختلاف كثير في الألفاظ و العبارات. و قال- رحمه اللّه- في نفس المصدر و الموضع، بعد نقل الحديث: «كنز: ذكر بعض أصحابنا من رواة الحديث في كتاب الأربعين رواية أسعد الاربليّ عن عمّار بن خالد مثله.» و «كنز» المذكور في البحار رمز لكنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة معا (على ما قيل في «رموز الكتاب».) و أيضا أورده العلامة- رحمه اللّه- في نفس المصدر 40/ 186، ح 71، نقلا عن البرسيّ في مشارق الأنوار، بسند آخر مع تفاوت في المتن.

و في تصحيح الرواية اختصرنا بالنسخ التفسير، إلّا في موارد ما.

(4) الأصل: الأورق. أ: الأورق. و ما أثبتناه في المتن موافق ر، المصدر، الأربعين و البحار (13/ 312)

 

40
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

سليمان قال‏: وجد في ذخيرة حواري عيسى رقّ، فيه مكتوب بالقلم السّريانيّ، منقول من التّوراة، و ذلك لمّا تشاجر موسى و الخضر- عليهما السّلام-. في قصّة السّفينة و الجدار و الغلام، و رجع موسى إلى قومه، فسأله أخوه هارون عمّا استعمله من الخضر و شاهده من عجائب البحر.

فقال موسى- عليه السّلام-: بينا أنا و الخضر على شاطي البحر، إذ سقط بين أيدينا طائر، فأخذ في منقاره قطرة من ماء البحر و رمى بها نحو المشرق، و أخذ منه ثانية و رمى بها نحو المغرب، ثمّ أخذ ثالثة و رمى بها نحو السّماء، ثمّ أخذ رابعة و رمى بها نحو الأرض، ثمّ أخذ خامسة و ألقاها في البحر، فبهتنا «1» أنا و الخضر من ذلك، و سألته عنه.

فقال: لا أعلم. فبينا نحن كذلك و إذا بصيّاد يصيد في البحر، فنظر إلينا.

فقال: ما لي أراكما في فكرة من أمر الطّائر؟

فقلنا له: هو ذاك.

فقال: أنا رجل صيّاد و قد علمت إشارته، و أنتما نبيّان لا تعلمان! فقلنا: لا نعلم إلّا ما علّمنا اللّه- عزّ و جلّ-.

فقال: هذا طائر في البحر يسمّى مسلما، لأنّه إذا صاح يقول في صياحه: مسلم مسلم، فإشارته برمي الماء من منقاره نحو المشرق و المغرب و السّماء و الأرض و البحر يقول: إنّه يأتي في آخر الزّمان نبيّ، يكون علم أهل المشرق و المغرب و أهل السّماء و الأرض عند علمه، مثل هذه القطرة الملقاة في البحر، و يرث علمه ابن عمّه و وصيّه. فعند ذلك سكن ما كنّا فيه من المشاجرة، و استقلّ كلّ واحد منّا علمه بعد أن كنّا معجبين بأنفسنا، ثمّ غاب عنّا، فعلمنا أنّه ملك، بعثه اللّه إلينا ليعرّفنا نقصنا، حيث ادّعينا الكمال.

و ممّا ذكر في معنى فضلهم- عليهم صلوات اللّه-

ما ذكر الشّيخ أبو جعفر

______________________________
(1) النسخ و المصدر: فبهتّ. و ما أثبتناه في المتن موافق البحار و النسختين 2130 و 2140 من الأربعين.

 

41
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

الطّوسيّ- رحمه اللّه- في كتابه مصباح الأنوار، بإسناده إلى رجاله قال: و روي عن جعفر بن محمّد الصّادق، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أنا ميزان العلم، و عليّ كفّتاه، و الحسن و الحسين حباله، و فاطمة علاقته، و الأئمّة من بعدهم يزنون المحبّين و المبغضين.

و في كتاب الاحتجاج‏ «1»: روي عن أمير المؤمنين، في حديث طويل يقول فيه‏: و قد جعل اللّه للعلم أهلا، و فرض على العباد طاعتهم بقوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏.

و في نهج البلاغة «2»: قال- عليه السّلام-: أين الّذين زعموا أنّهم الرّاسخون في العلم دوننا كذبا و بغيا علينا، أن رفعنا اللّه و وضعهم، و أعطانا و حرمهم، و أدخلنا و أخرجهم.

[و في روضة الكافي‏ «3»: ابن محبوب، عن جميل بن صالح، عن أبي عبيدة قال‏:

سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ ذكره‏ «4»-: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ.

قال: فقال: يا أبا عبيدة، إنّ لهذا تأويلا، لا يعلمه إلّا اللّه و الرّاسخون في العلم من آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: حدّثني أبي، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ‏.

قال: يا أبا عبيدة، إنّ لهذا تأويلا، لا يعلمه إلّا اللّه و الرّاسخون في العلم من الأئمّة- عليهم السّلام-.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

حدّثنا محمّد بن أحمد بن ثابت‏ «6» قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سماعة، عن‏

______________________________
(1) الاحتجاج 1/ 369.

(2) نهج البلاغة/ 201، ضمن خطبة 144.

(3) الكافي 8/ 269، صدر حديث 397.

(4) الروم/ 1- 3.

(5) تفسير القمي 2/ 152.

(6) نفس المصدر 2/ 451.

 

42
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

وهيب بن حفص‏ «1»، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: إنّ القرآن زاجر و آمر، يأمر بالجنّة و يزجر عن النّار، و فيه محكم و متشابه، فأمّا المحكم فيؤمن به و يعمل به، و أمّا المتشابه فيؤمن به و لا يعمل به، و هو قول اللّه: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا و آل محمّد- عليهم السّلام- الرّاسخون في العلم.

حدّثني أبي‏ «2»، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد بن معاوية «3»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أفضل الرّاسخين في العلم، قد علم جميع ما أنزل اللّه عليه من التّنزيل و التّأويل، و ما كان اللّه لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله‏ «4»، و أوصياؤه من بعده يعلمونه‏ «5» كلّه قال: قلت: جعلت فداك إنّ أبا الخطّاب كان يقول فيكم قولا عظيما.

قال: و ما كان يقول؟

قلت: قال: إنّكم تعلمون علم الحلال و الحرام و القرآن.

[قال: علم الحلال و الحرام و القرآن‏] «6» يسير «7» في جنب العلم الّذي يحدث في اللّيل و النّهار «8».

و في أصول الكافي‏ «9»: عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن داود بن فرقد، عمّن حدّثه، عن ابن شبرمة قال: ما ذكرت حديثا سمعته من جعفر بن محمّد

______________________________
(1) الأصل ور: وهب بن حفص. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(2) نفس المصدر 1/ 96- 97.

(3) المصدر: يزيد بن معاوية. و ما أثبتناه في المتن موافق الأصل ور.

(4) الأصل ور: التأويل. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) الأصل ور: يعلمون. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(6) يوجد في المصدر.

(7) الأصل ور: لسير. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(8) الأصل ور: «بالليل» بدل «في الليل النهار».

(9) الكافي 1/ 43، ح 9.

 

43
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

- عليه السّلام- إلّا كان يتصدّع قلبي.

قال: حدّثني أبي، عن جدّي، عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [- قال ابن شبرمة: و أقسم باللّه ما كذب أبوه على جدّه و لا جدّه على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-] «1» قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من عمل بالمقاييس فقد هلك و أهلك، و من أفتى للنّاس‏ «2» بغير علم- و هو لا يعلم النّاسخ من المنسوخ و المحكم من المتشابه- فقد هلك و أهلك.

بعض أصحابنا «3» رفعه، عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر- عليه السّلام-: يا هشام، إنّ اللّه ذكر أولي الألباب بأحسن الذّكر، و حلاهم بأحسن الحلية، و قال‏ «4»: [وَ] «5» الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ.

أحمد بن محمّد «6»، عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نحن الرّاسخون في العلم.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا «7»، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضّر بن سويد، عن أيّوب بن الحرّ و عمران بن عليّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: نحن الرّاسخون في العلم، و نحن نعلم تأويله.

عليّ بن محمّد «8»، عن عبد اللّه بن عليّ، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد اللّه بن حمّاد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ. فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أفضل الرّاسخين في العلم، و قد علّمه اللّه- عزّ و جلّ- جميع ما أنزل عليه من التّنزيل و التّأويل، و ما كان اللّه لينزل عليه شيئا لم يعلّمه تأويله، و أوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه، و الّذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم فأجابهم اللّه بقوله:

______________________________
(1) يوجد في المصدر.

(2) المصدر: الناس. (ظ.)

(3) نفس المصدر 1/ 15، ضمن ح 11.

(4) المصدر: فقال و قال.

(5) يوجد في المصدر.

(6) نفس المصدر 1/ 186، ضمن ح 6.

(7) نفس المصدر 1/ 213، ح 1.

(8) نفس المصدر و الموضع، ح 2.

 

44
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 7] ص : 31

يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا. و القرآن خاصّ و عامّ و محكم و متشابه و ناسخ و منسوخ، فالرّاسخون في العلم يعلمونه.

الحسين بن محمّد «1»، عن معلّى بن محمّد [عن محمّد] «2» بن أورمة، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال‏:] «3» الرّاسخون في العلم أمير المؤمنين و الأئمّة من بعده- عليهم السّلام-.

] «4»

و بإسناده‏ «5» إلى أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: فإن قالوا: من الرّاسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه، فإن قالوا: فمن هو ذاك؟ فقل: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- صاحب ذلك، فهل بلّغ أولا؟ فإن قالوا: قد بلّغ، فقل: هل مات- صلّى اللّه عليه و آله- و الخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل: إنّ خليفة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مؤيّد، و لا يستخلف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلّا «6» من يحكم‏ «7» بحكمه و إلّا من يكون مثله إلّا النّبوّة، و إن كان‏ «8» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيّع من في أصلاب الرّجال ممّن يكون بعده.

و في كتاب كمال الدّين‏ «9» و تمام النّعمة: بإسناده إلى سليم بن قيس الهلاليّ قال:

سمعت عليّا- عليه السّلام- يقول‏: ما نزلت على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- آية من القرآن إلّا أقرأنيها، و املاها عليّ، و أكتبها «10» بخطّي، و علّمني تأويلها و تفسيرها و ناسخها و منسوخها و محكمها و متشابهها، و دعا اللّه- عزّ و جلّ‏ «11»- أن يعلّمني فهمها و حفظها. فما نسيت آية من كتاب اللّه و لا علما أملاه [عليّ‏] «12» فكتبته. و ما ترك‏ «13» شيئا علّمه اللّه- عزّ و جلّ- من حلال و لا حرام و لا أمر و لا نهي و ما كان و ما يكون من طاعته او

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

2 و 3- يوجد في المصدر.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) نفس المصدر/ 1/ 245، ضمن ح 1. و في أ: و في أصول الكافي و بإسناده.

(6) ليس في أور.

(7) ر: لم يحكم.

(8) أ: لن كان.

(9) كمال الدين و تمام النعمة/ 284- 285، ح 37.

(10) المصدر: كتبتها.

(11) المصدر: و دعا- عزّ و جلّ- لي.

(12) يوجد في المصدر.

(13) النسخ: و ما ترك اللّه. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

45
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

معصيته‏ «1» إلّا علّمنيه و حفظته، فلم أنس منه حرفا واحدا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و اعلم أنّ التّفسير بالرّأي للمتشابه‏ «2» حرام، و من فسّره برأيه كافر، يدلّ عليه‏

ما رواه في كتاب كمال الدّين و تمام النعمة، «3» بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سمرة، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: من‏ «4» فسّر القرآن برأيه فقد افترى على اللّه الكذب.

و ما رواه في كتاب التّوحيد «5»، بإسناده إلى الرّيّان بن الصّلت‏ «6»، عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: قال اللّه- جلّ جلاله-: ما آمن بى من فسّر برأيه كلامي.

و لا خفاء أنّ المراد تفسير المتشابه، و تأويل المحكم بالرّأي، بغير ما يدلّ عليه ظاهره، و بذلك يظهر عدم إيمان اكثر المفسّرين، ممّن يفسّرون القرآن برأيهم و يأوّلونه على مذاقهم، ممّن نقلنا بعض تأويلاتهم في أوائل التّفسير تقدمة لهذا التّصريح، فإنه لا ربة «7»، لأحد في أنّهم لا يردّون المتشابهات إلى الرّاسخين الّذين هم الأئمّة- عليهم السّلام- و يفسّرون الرّاسخين أيضا برأيهم، و لا يعنون منه النّبيّ و الأئمّة- عليهم السّلام-. فتبصّر.

رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا: من مقالة الرّاسخين.

و قيل‏ «8»: استئناف، و المعنى: لا تزغ قلوبنا عن نهج الحقّ، و هو من الرّاسخين خضوع في مقام العبوديّة.

و قيل: لا تبلنا ببلايا تزيغ فيها قلوبنا.

بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إلى الحقّ و «بعد» نصب على الظّرف و «إذ» في محلّ الجرّ

______________________________
(1) أ: من طاعة أو معصية.

(2) ر: فالمتشابه.

(3) نفس المصدر/ 257، ضمن ح 1.

(4) أو المصدر: و من.

(5) التوحيد/ 68، صدر ح 23.

(6) أ: الريّان بن أبي الصلت.

(7) أ: «فأديته» بدل فانّه لا ربة.

(8) أنوار التنزيل 1/ 150.

46
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

بإضافته إليه.

و قيل‏ «1»: إنّه بمعنى: إن.

وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً: تزلّفنا إليك و نفوز بها عندك، أو توفيقا للثّبات على الحقّ، أو مغفرة للذّنوب أو الأعمّ.

إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ‏ (8): لكلّ سؤل.

في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

أكثروا من أن تقولوا: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا، و لا تأمنوا الزّيغ.

و في تهذيب الأحكام‏ «3»: في الدّعاء بعد صلاة الغدير المسند إلى الصّادق- عليه السّلام-: ربّنا إنّك أمرتنا بطاعة ولاة أمرك، و أمرتنا أن نكون مع الصّادقين فقلت: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏، و قلت: اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏، فسمعنا و أطعنا، ربّنا فثبّت أقدامنا و توفّنا مسلمين مصدّقين لأوليائك، و لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.

و في هذا الخبر دلالة على أنّ المراد بالدّعاء بعدم الإزاغة، عدم الإزاغة عن الولاية.

رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ‏: لحساب يوم، أو جزائه.

لا رَيْبَ فِيهِ‏ في وقوعه، و وقوع ما أخبر بوقوعه فيه.

إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (9): فإنّ الإلهيّة تنافيه، و للإشعار به و تعظيم الموعود به لوّن الخطاب.

قال البيضاويّ‏ «4»: و استدلّ به الوعيديّة، و أجيب بأنّ وعيد الفسّاق مشروط بعدم العفو لدلائل منفصلة، كما هو مشروط بعدم التّوبة وفاقا.

و يردّ على هذا الجواب أنّ العفو بالتّوبة موعود بخلاف العفو بدونه، و اشتراط وعيد الفسّاق بعدم العفو لا معنى له، إذ لا يسمّى أضربك إن لم أعف وعيدا، كما يسمّى أعطيك إن جئتني وعدا، فتأمّل يظهر الفرق.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا:

الظّاهر أنّه عامّ في الكفرة.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) تفسير العيّاشي 1/ 164، ح 9.

(3) تهذيب الأحكام 3/ 147، ضمن ح 317.

(4) أنوار التنزيل 1/ 150.

47
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

و قيل‏ «1»: المراد و فد نجران، أو اليهود، أو مشركو العرب.

لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً، أي: من رحمته، أو طاعته على معنى البدليّة، أو من عذابه.

وَ أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10): حطبها.

و قرئ بالضّمّ، بمعنى: أهل وقودها.

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ‏: متّصل بما قبله، أي: لن تغني عنهم أموالهم كما لم تغن عن أولئك، أو توقّد بهم كما توقّد بأولئك، أو استئناف مرفوع المحلّ، و تقديره: إنّ دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر و العذاب. و هو مصدر دأب في العمل، كدح فيه. فنقل إلى معنى الشّأن.

وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏: عطف على آل فرعون، أو استئناف.

كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ‏: حال بتقدير «قد» أو استئناف بتفسير حالهم على التّقدير الأوّل، و خبر على التّقدير الثّاني.

وَ اللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ‏ (11): تهويل للمؤاخذة، و زيادة تخويف‏ «2» للكفرة. و في الآية دلالة على أنّ الكفّار طريقتهم واحدة في الكفر و العذاب‏ «3» و الخلود فيه، سواء فيه الّذين كفروا بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و الّذين كفروا قبله.

و يظهر منه أنّ المنكرين للولاية «4» المحكوم عليهم بكفرهم دأبهم كدأب آل فرعون في ذلك، لا يجوز إطلاق اسم الإسلام بالمعنى المقصود منه عليهم كما لا يجوز إطلاقه على آل فرعون، و إن جاز إطلاقه عليهم بمعنى آخر كما جاز إطلاقه على فرعون أيضا، بمعنى: أنّه أسلم لإبليس، أو أسلم لهواه، أو غير ذلك.

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى‏ جَهَنَّمَ‏:

في مجمع البيان‏ «5»: روى محمّد بن إسحاق بن يسار، عن رجاله قال: لمّا أصاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قريشا ببدر و قدم المدينة، جمع اليهود في سوق بني‏ «6» قينقاع، فقال: يا معشر اليهود احذروا من اللّه مثل ما نزل بقريش يوم بدر، و أسلموا قبل أن ينزل‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) أ: تخفيف.

(3) ر: العقاب.

(4) «المنكرين للولاية» ليس في أ.

(5) مجمع البيان 1/ 413.

(6) في المصدر ليس «بني»

 

48
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

بكم ما أنزل اللّه بهم، فقد عرفتم‏ «1» أنّي نبيّ مرسل، تجدون ذلك في كتابكم.

فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك أنّك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما «2» و اللّه لو قاتلتنا «3» لعرفت إنّا نحن النّاس. فأنزل اللّه هذه الآية.

و روي أيضا عن عكرمة و سعيد بن جبير «4» عن ابن عبّاس، و رواه أصحابنا أيضا.

و قال البيضاويّ‏ «5»، أي: قل لمشركي مكّة: ستغلبون، يعني: يوم بدر.

و قرأ حمزة و الكسائيّ بالياء فيهما، على أن الأمر للنّبيّ‏ «6» [صلّى اللّه عليه و آله‏] بأن يحكي لهم ما أخبره به من وعيدهم بلفظه‏ «7».

وَ بِئْسَ الْمِهادُ (12): تمام ما يقال لهم، أو استئناف، و تقديره، بئس المهاد جهنم، أو ما مهّدوه لأنفسهم.

قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ:

قيل‏ «8»: الخطاب لقريش [أو اليهود] «9» و قيل: للمؤمنين.

فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا: يوم بدر.

في مجمع البيان‏ «10»: ان الآية نزلت في قصّة بدر، و كان المسلمون ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا على عدّة أصحاب طالوت الّذين جاوزوا معه النّهر، سبعة و سبعون رجلا من المهاجرين و مائتان و ستّة و ثلاثون من الأنصار. و اختلف في عدد المشركين،

فروي عن عليّ و ابن مسعود: أنّهم كانوا ألفا.

فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏: و هم المؤمنون، وَ أُخْرى‏ كافِرَةٌ: و هم مشركو قريش.

يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ‏، أي: يرى المشركون المؤمنين مثليهم، أو يرى المؤمنون المشركين مثلي المؤمنين. و كانوا ثلاثة أمثال لهم، ليثبتوا لهم و يتيقّنوا بالنّصر الّذي وعدهم في قوله:

______________________________
(1) المصدر: «نزل بهم و قد عرفتم» بدل «أنزل اللّه بهم فقد عرفتم».

(2) المصدر: إنا.

(3) المصدر: قاتلناك.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) أنوار التنزيل 1/ 150.

(6) «للنبي» ليس في المصدر.

(7) نفس المصدر: 1/ 151.

(8) نفس المصدر و الموضع.

(9) يوجد في المصدر.

(10) مجمع البيان 1/ 415.

49
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

إن يكن منكم مائة يغلبوا مأتين.

و «1» يؤيّده قراءة نافع و يعقوب بالتاء، و قرئ بهما بالبناء للمفعول، أي: يريهم اللّه، أو يريكهم ذلك بقدرته. و «فئة» بالجرّ على البدل من فئتين، و النّصب على الاختصاص، أو الحال من فاعل «التقتا.» رَأْيَ الْعَيْنِ‏: رؤية ظاهرة معاينة.

وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ: كما أيّد أهل بدر.

إِنَّ فِي ذلِكَ‏: أي: في التّقليل و التّكثير، أو غلبة القليل، أو وقوع الأمر على ما أخبر به الرّسول- صلّى اللّه عليه و آله-.

لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (13): لعظة لذوي البصائر.

و قيل‏ «2»: لمن أبصرهم.

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ‏، أي: المشهّيات. سمّاها شهوات مبالغة، و إيماء إلى أنّهم انهمكوا في محبّتها حتّى أحبّوا شهوتها، كقوله تعالى‏ «3»: أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ.

و ذهب الأشعريّ إلى أنّ المزيّن هو اللّه تعالى لأنّه الخالق للأفعال و الدّواعي كلّها عندهم، و يقولون: زينة ابتلاء، أو لأنّه يكون وسيلة إلى السّعادة الأخرويّة إذا كان على وجه يرتضيه اللّه، أو لأنّه من أسباب التّعيّش و بقاء النّوع.

و المعتزلة إلى أنّه الشّيطان، و الجبّائيّ فرّق بين المباح و المحرّم، و هو الصّواب.

مِنَ النِّساءِ:

و في الكافي‏ «4»: عدّة من أصحابنا، عن احمد بن محمّد «5» عن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن الحسن بن أبي قتادة، عن رجل، عن جميل بن درّاج قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

ما تلّذذ «6» النّاس في الدّنيا و الآخرة بلذّة أكثر لهم من لذّة النّساء، و هو قول اللّه- عزّ و جلّ-:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ‏- إلى آخر الآية- ثمّ قال: و إنّ أهل الجنّة ما يتلذّون بشي‏ء من الجنّة أشهى عندهم من النّكاح، لا طعام و لا شراب.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 151.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) ص/ 32.

(4) الكافي 5/ 321، ح 10.

(5) «محمد عن» ليس في المصدر.

(6) النسخ: يتلذذ. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

50
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ:

قناطير، جمع قنطار.

و في مجمع البيان‏ «1»: اختلف في مقدار القنطار «2» [...] قيل: هو مل‏ء مسك ثور ذهبا [...] و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السّلام- (انتهى.)

و اختلف في أنّه فعلال، أو فنعال. و المقنطرة مأخوذة منه للتّأكيد، كقولهم: بدرة مبدّرة.

مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ: صفة للقناطير، و يحتمل التّعلّق بالمقنطرة على تضمين معنى المملوءة.

و في كتاب الخصال‏ «3»: عن محمّد بن يحيى العطّار- رفع الحديث- قال‏ الذّهب و الفضّة حجران ممسوخان‏ «4»، فمن أحبّهما كان معهما.

وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ، أي: المعلّمة، من السّومة و هي العلامة. أو المرعيّة، من أسام الدّابّة و سوّمها. أو المطهّمة التّامّة الخلق، من السّوم في البيع، لأنّها تسأم كثيرا. أو من السّومة كأنّها علم في الحسن.

وَ الْأَنْعامِ‏: الإبل و البقر و الغنم.

وَ الْحَرْثِ‏:

في أصول الكافي‏ «5»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن نوح بن شعيب، عن عبد اللّه الدّهقان، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال:

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ أوّل ما عصي اللّه به ستّ: حبّ الدّنيا، و حبّ الرّئاسة، و حبّ الطّعام، و حبّ النّوم، و حبّ الرّاحة، و حبّ النّساء.

و في كتاب الخصال‏ «6»: عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الفتن ثلاث: حبّ النّساء و هو سيف الشّيطان، و شرب الخمر و هو فخّ‏

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 417.

(2) المصدر: «مقداره» بدل «مقدار القنطار».

(3) الخصال/ 43، ح 38. و فيه: حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران، يرفع الحديث قال: ...

(4) ر: مسوخان.

(5) الكافي 2/ 289، ح 3.

(6) الخصال/ 113، ح 91 و للحديث تتمة.

 

51
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

الشّيطان، و حبّ الدّينار و الدّرهم و هو سهم الشّيطان. فمن‏ «1» أحبّ النّساء لم ينتفع بعيشه‏ «2».

و من أحبّ الأشربة حرّمت عليه الجنّة. و من أحبّ الدّينار و الدّرهم فهو عبد الدّنيا.

ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا: إشارة إلى ما ذكر، أي، هو متمتّع في هذه الحياة الدنيا الّتى مدّتها قليلة.

وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ‏ (14): أي: المرجع، و هو تحريض‏ «3» على استبدال ما عنده من اللّذّات الحقيقيّة الأبديّة بالشّهوات النّاقصة الفانية.

قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ‏: تقرير لما عنده.

لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها: استئناف لبيان ما هو عنده.

و قيل‏ «4»: يجوز أن يتعلّق اللّام. «بخير» و رفع‏ «5» «جنّات» بتقدير «6»: هو جنّات.

و يؤيّده قراءة من جرّها، بدلا من خير.

وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ: ممّا يستقذر من النّساء.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ، قال: لا يحضن و لا يحدثن.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: قوله: وَ أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ، قال: في الجنّة لا يحضن و لا يحدثن.

] «9».

وَ رِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ‏: و هو أكبر.

و قرأ عاصم- في رواية أبي بكر- في جميع القرآن بضمّ الرّاء، ما خلا الحرف الثّاني في المائدة، و هو قوله: رضوانه سبل السّلام، و هما لغتان‏ «10».

وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (15): فيثيب المحسن، و يعاقب المسي‏ء، و يعلم استعداد المتّقين لما أعدّلهم.

______________________________
(1) النسخ: و من. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(2) النسخ: بعيشته. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) النسخ: تحريص. (ر. أنوار التنزيل 1/ 151)

(4) أنوار التنزيل 1/ 152.

(5) المصدر: يرتفع.

(6) المصدر: «على» بدل «بتقدير».

(7) تفسير العياشي 1/ 164، ح 11.

(8) تفسير القمي 1/ 98.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(10) أنوار التنزيل 1/ 152.

52
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ قِنا عَذابَ النَّارِ (16): صفة للمتّقين، أو للعباد، أو مدح منصوب أو مرفوع، و يحتمل الاستئناف. رتّب المغفرة و الوقاية من النّار على الإيمان بالفاء، إشعارا بأنّه يستلزمهما و هو كذلك، لأنّ المراد به الإيمان باللّه و رسوله و جميع ما جاء به الرسول، الّذي [أعظمه الولاية.] «1» الصَّابِرِينَ‏: في البأساء و الضّرّاء.

وَ الصَّادِقِينَ‏: في الأقوال و الأعمال.

وَ الْقانِتِينَ‏: الخاشعين.

وَ الْمُنْفِقِينَ‏: أموالهم في سبيل اللّه.

وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (17)، أي: المصلّين وقت السّحر.

في مجمع البيان‏ «2»: رواه الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

و روى عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّ من استغفر [اللّه‏] «3» سبعين مرّة في‏ «4» وقت السّحر فهو من أهل هذه الآية.

و في كتاب الخصال‏ «5»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: من قال في وتره إذا أوتر: أستغفر اللّه [ربّي‏] «6» و أتوب إليه، سبعين مرّة و هو قائم مواظب على ذلك حتّى تمضي‏ «7» له سنة، كتبه اللّه‏ «8» من المستغفرين بالأسحار، و وجبت له المغفرة من اللّه تعالى.

و روى في من لا يحضره الفقيه‏ «9»: عن عمر بن يزيد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله‏.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «10»: عن مفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك تفوتني. صلاة الليل فأصلّي صلاة الفجر، فلي أن أصلّي بعد صلاة الفجر ما فاتني من الصّلاة «11» و أنا في صلاة قبل طلوع الشّمس؟

______________________________
(1) ليس في أ.

(2) مجمع البيان 1/ 419.

(3) يوجد في المصدر.

(4) كذا في المصدر. و في النسخ: من.

(5) الخصال/ 581، ح 3.

(6) يوجد في ر.

(7) المصدر: يمضي.

(8) المصدر: كتبه اللّه عنده.

(9) من لا يحضره الفقيه 1/ 309.

(10) تفسير العياشي 1/ 165، ح 17.

(11) النسخ: صلاة. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

53
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

فقال: نعم، و لكن لا تعلم به أهلك فتتّخذه‏ «1» سنّة، فيبطل قول اللّه- عزّ و جلّ-:

وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ.

قال البيضاويّ‏ «2» حصر لمقامات‏ «3» السّالك على أحسن ترتيب، فإنّ معاملته مع اللّه تعالى إما توسل و إمّا طلب.

و التّوسّل إمّا بالنّفس، و هو منعها عن الرّذائل و حبسها على الفضائل، و الصّبر يشملهما. و إمّا بالبدن، و هو إمّا قوليّ و هو الصّدق، و إمّا فعليّ و هو القنوت الّذي هو ملازمة الطّاعة، و إمّا بالمال و هو الإنفاق في سبيل الخير.

و أمّا الطّلب و هو الاستغفار «4»، لأنّ المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها. و توسيط الواو بينها للّدلالة على استقلال كلّ واحدة منها و كمالهم فيها، أو لتغاير الموصوفين بها.

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، أي: بيّن وحدانيّته بنصب الدّلائل الدّالّة عليها، أو شهد به لنفسه.

وَ الْمَلائِكَةُ: بالإقرار، أو شهدوا كما شهد.

وَ أُولُوا الْعِلْمِ‏: و هم الأئمّة «5»- عليهم السّلام- بالاحتجاج عليه، أو شهدوا كما شهد، و على المعنى الأوّل في «شهد» استعارة تبعيّة، حيث شبّه ذلك في البيان و الكشف بشهادة الشّاهد.

قائِماً بِالْقِسْطِ: مقيما للعدل في حكمه و قضائه، و انتصابه على الحال من «اللّه» و إنّما جاز إفراده بها و لم يجز جاء زيد و عمرو راكبا لعدم اللّبس، أو من «هو» و العامل فيها معنى الجملة، أي: تفرّد قائما أو أحقّه، لأنّها حال مؤكّدة أو على المدح. أو الصّفة للمنفيّ، و فيه ضعف للفصل، و هو داخل في المشهود به إذا جعلته صفة أو حالا عن الضّمير.

و قرئ: القائم بالقسط، على البدل من «هو» أو الخبر المحذوف‏ «6».

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن جابر قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

______________________________
(1) النسخ: فيتخذه. المصدر: فتتخذونه.

(2) أنوار التنزيل 1/ 152.

(3) النسخ: مقامات. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(4) المصدر: «فبالاستغفار» بدل «فهو الاستغفار».

(5) أ: علماء.

(6) أنوار التنزيل 1/ 152.

(7) تفسير العياشي 1/ 165، ح 18.

 

54
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 8 الى 18] ص : 46

قال أبو جعفر- عليه السّلام-: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، فإنّ اللّه- تبارك و تعالى- يشهد بها لنفسه و هو كما قال، فأمّا قوله: وَ الْمَلائِكَةُ، فإنّه أكرم الملائكة بالتّسليم له بهم و صدّقوا و شهدوا كما شهد لنفسه، و أمّا قوله: وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ، فإنّ أولي العلم الأنبياء و الأوصياء و هم قيام بالقسط، و القسط هو العدل في الظاهر، و العدل في الباطن أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فعلى هذه الرّواية «قائما» حال عن أولي العلم، و إفراده على تأويل كلّ واحد و الإشعار بأنّ كلّ واحد منهم قائم به، لئلّا يتوهمّ أنّ القسط قائم بمجموعهم من حيث هو مجموع،

و في ذلك التّفسير «1» عن مرزبان القميّ قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ. قال:

هو الإمام.

و في بصائر الدّرجات‏ «2»: عن عبد اللّه بن جعفر، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن‏ «3» ابن عليّ الوشّاء، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال‏: قلت: وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ.

قال: الإمام.

لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: كرّره للتّأكيد و مزيد الاعتناء، فيبنى عليه قوله:

الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ (18): فيعلم أنّه الموصوف بهما، و قدّم العزيز لتقدّم العلم بالقدرة على العلم بحكمته، و رفعهما على البدل من الضّمير أو الصّفة لفاعل «شهد».

و قد ذكر في أوّل الفاتحة ما روي في فضل هذه الآية، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «4»، بإسناده إلى محمّد بن عثمان العمريّ- قدّس سرّه- قال‏: لمّا ولد الخلف المهديّ- صلوات اللّه عليه- سطع نور من فوق رأسه‏

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 166، ح 19.

(2) لم نجده في البصائر. و لكن في نور الثقلين 1/ 323، ح 69 مثله تماما. و في البرهان 1/ 273، أورده بنفس السند في ذيل ح 1 نقلا عن البصائر. و الحديث منقول في البرهان موجود في البصائر/ 63، ح 28. إلّا أنّ الذيل المذكور في البرهان غير مذكور في البصائر و يوجد بدلا منه ذيل لمطلب آخر.

(3) كذا في المصدر. و في النسخ: الحسين.

(4) كمال الدين و تمام النعمة/ 433، ح 13.

 

55
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

إلى عنان‏ «1» السّماء، ثمّ سقط لوجهه ساجدا لربّه- تعالى ذكره- ثمّ رفع رأسه و هو يقول:

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ- الى آخر الآية-.

و في أصول الكافي‏ «2»: عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عبد اللّه بن إسحاق العلويّ، عن محمّد بن زيد الزّراميّ، عن محمّد بن سليمان الدّيلميّ، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن‏ «3» أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل يذكر فيه- عليه السّلام- مواليد الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- و فيه يقول- عليه السّلام-: و إذا وقع من بطن أمّه وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السّماء، فأمّا وضعه يديه على الأرض فإنّه يقبض كلّ علم اللّه‏ «4» أنزله من السّماء إلى الأرض، و أمّا رفعه‏ «5» رأسه إلى السّماء فإنّ مناديا ينادي من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة من الأفق الأعلى باسمه و اسم أبيه يقول: يا فلان بن فلان أثبت تثبت، فلعظيم ما خلقتك‏ «6» أنت صفوتي من خلقي، و موضع سرّي و عيبة علمي، و أميني على وحيي و خليفتي في أرضي، لك و لمن تولّاك أوجبت رحمتي و منحت جناني و أحللت جواري، ثمّ و عزّتي و جلالي لأصلينّ من عاداك أشدّ عذابي و إن وسّعت عليه في دنياي من سعة رزقي، فإذا انقضى الصّوت- صوت المنادي- أجابه و هو واضعا يديه رافعا رأسه إلى السّماء يقول: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

[قال:] «7» فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأوّل و العلم الآخر، و استحقّ الرّوح زيادة «8» في ليلة القدر.

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ‏: جملة مستأنفة مؤكّدة للأولى، أي: لا دين مرضيّ عند اللّه إلّا الإسلام، و هو التّوحيد و التّورّع بالشّرع الّذي جاء به محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- [الّذي لا يتمّ إلّا بالولاية.] «9» يدلّ على ذلك‏

ما رواه الشّيخ الطّوسيّ- رحمه اللّه- في أماليه‏ «10» قال: حدّثنا «11»

______________________________
(1) المصدر: أعنان.

(2) الكافي 1/ 385- 386، ضمن ح 1.

(3) المصدر: «قال حججنا مع» بدل «عن».

(4) المصدر: للّه.

(5) أ: رفع.

(6) النسخ: خلقت. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(7) يوجد في المصدر.

(8) المصدر: «زيارة الروح» بدل «الروح زيادة».

(9) ليس في أ.

(10) أمالي الطوسي 1/ 208.

(11) المصدر: أخبرنا.

 

56
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

أبو عبد اللّه محمّد بن [محمّد بن‏] «1» النّعمان- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الشّيخ‏ «2» أحمد بن محمّد بن الحسن [بن الوليد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا محمّد بن الحسن‏] «3» الصّفّار- رحمه اللّه- عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضّل بن عمر، عن الصّادق [جعفر بن محمد] «4»- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أعطيت تسعا لم يعطها أحد قبلي سوى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لقد فتحت لي السّبل‏ «5»، و علمت المنايا و البلايا، و الأنساب، و فصل الخطاب، و لقد نظرت إلى‏ «6» الملكوت بإذن ربّي، فما غاب عنّي ما كان قبلي و لا ما يأتي بعدي، و إنّ‏ «7» بولايتي أكمل اللّه لهذه الأمّة دينهم و أتمّ عليهم النّعم و رضى لهم الإسلام‏ «8»، إذ يقول يوم الولاية لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله-: يا محمّد أخبرهم أنّي أكملت لهم اليوم دينهم و أتممت عليهم النّعم و رضيت إسلامهم، كلّ ذلك منّ من‏ «9» اللّه عليّ‏ «10»: فللّه الحمد.

و لا فرق بينه و بين الإيمان في المتعلّق، و إنّما الفرق بأنّه يقال له: الإيمان بعد رسوخه و دخوله في القلب، و قبل ذلك يسمى إسلاما، يدلّ على ذلك‏

ما رواه في أصول الكافي‏ «11»: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه عمن ذكره، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: إنّ الإسلام قبل الإيمان و عليه يتوارثون و يتناكحون، و الإيمان عليه يثابون.

و ما رواه، عن عدّة من أصحابنا «12»، عن سهل بن زياد و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: الإسلام لا يشرك الإيمان. و الإيمان يشرك الإسلام.

و هما في القول و الفعل يجتمعان، كما صارت الكعبة في المسجد و المسجد ليس في الكعبة.

______________________________
(1) يوجد في المصدر.

(2) المصدر: «أخبرنا أبو الحسن» بدل «حدثنا الشيخ».

(3) يوجد في المصدر.

(4) يوجد في المصدر.

(5) النسخ: السّد. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(6) المصدر: في.

(7) النسخ: فانّ. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(8) المصدر: إسلامهم.

(9) ليس في المصدر.

(10) المصدر: به عليّ. و لا داعي لوجود «به» بعد اختيار «منّ من».

(11) الكافي 1/ 173، ضمن ح 4.

(12) نفس المصدر 2/ 26، ضمن ح 5.

 

57
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

و كذلك الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان. و قد قال اللّه- عزّ و جلّ- «1»:

قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ.

فقول اللّه- عزّ و جلّ- اصدق القول.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في الآية دلالة على ذلك، حيث أفادت أن ليس دينا مرضيّا عند اللّه سوى الإسلام، و لو كان الإسلام أعمّ، بمعنى، أنّ الإسلام كان عبارة عن الإقرار بالتّوحيد و النّبوّة، و الإيمان عبارة عنهما. و عن الإقرار بالولاية، لكان الإقراران بدون الولاية دينا مرضيّا عنده، و ليس كذلك بالاتّفاق منّا. لا يقال: الآية دلّت على أنّ الدّين المرضيّ ممّا يصدق عليه الإسلام و لم يدلّ على أنّ كلّ إسلام دين مرضيّ، فلعلّه ذلك باعتبار بعض أفراده.

و أيضا يكفي في كونه مرضيّا كونه ممّا يحقن به الدّم، و ترتّب بعض الأحكام عليه، و لا يلزم كونه ممّا يثاب عليه و يصير سبب نجاة في الآخرة، لأنّا نقول في الجواب عن الأوّل:

إنّ تعريف جزئي الجملة يفيد انحصار كلّ منهما في صاحبه كما حقّق في موضعه، فيفيد أنّ الإسلام لا يكون دينا غير مرضيّ أصلا «2». و عن الثّاني أنّ المتبادر الصّريح من كونه مرضيّا عند اللّه كونه ممّا يثيب عليه في الآخرة، و أمّا كونه مرضيّا بالمعنى الّذي ذكرته فيما لا ينقاد له الذّهن أصلا، فلا يحمل عليه بوجه.

و قرأ الكسائي بالفتح، على أنه بدل «أنّه». و قرئ «إنّه» بالكسر، و «أنّ» بالفتح، على وقوع الفعل على الثّاني و اعتراض ما بينهما، و إجراء «شهد» مجرى «قال» تارة و «علم» أخرى، لتضمّنه معناهما «3».

وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ‏: في دين الإسلام، فقال قوم: حقّ، و قال قوم:

مخصوص بالعرب، و نفاه آخرون مطلقا.

و في التّوحيد: فثلّث النّصارى. و قالت اليهود: عزير ابن اللّه. و الّذين أوتوا الكتاب، أصحاب الكتب المتقدّمة. و قيل‏ «4»: اليهود و النّصارى.

و قيل‏ «5»: هم قوم موسى اختلفوا بعده. و قيل: هم النّصارى اختلفوا في أمر عيسى.

______________________________
(1) الحجرات/ 14.

(2) أ: «أو أصلا أو» بدل «أصلا و».

(3) أنوار التنزيل 1/ 153.

4 و 5- نفس المصدر و الموضع.

58
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ‏، أي: من بعد ما جاءتهم‏ «1» الآيات الموجبة للعلم.

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ‏ (19): وعيد لمن كفر منهم. و في الآية دلالة على كفر من تمكّن من العلم‏ «2» بدين الحقّ و أنكر و إن لم يحصل له العلم باعتبار تهاونه.

فَإِنْ حَاجُّوكَ‏، في الدّين بعد إقامة الحجج، و جادلوك عنادا، فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ‏: أخلصت له نفسي، لا أشرك فيها أحدا. و عبّر بالوجه عن النّفس، لأنّه أشرف الأعضاء الظّاهرة، و مظهر القوى‏ «3» المدركة.

وَ مَنِ اتَّبَعَنِ‏: عطف على الضّمير المرفوع للفصل‏ «4»، أو مفعول معه‏ «5».

وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْأُمِّيِّينَ‏: الّذين لا كتاب لهم، كمشركي العرب، أَ أَسْلَمْتُمْ‏، كما أسلمت بعد إقامة الحجّة، أم أنتم باقون على كفركم؟ و فيه تعيير لهم بالبلادة و المعاندة.

فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا: فقد انتفعوا بالهداية.

وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ‏: فلم يضرّوك، إذ ما عليك إلّا التّبليغ، و قد بلّغت.

وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20): وعد للنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و للمؤمنين، و وعيد للمتولّين.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ (21): هم أهل الكتاب الّذين في عصره قتل أوّلوهم الأنبياء و متابعيهم و رضوا به و قصدوا قتل النّبيّ و المؤمنين و لكن اللّه‏ «6» عصمهم.

و نقل‏ «7»: أنّ بني إسرائيل قتلوا ثلاثة و أربعين نبيّا من أوّل النّهار في ساعة واحدة،

______________________________
(1) النسخ: جاءهم.

(2) ليس في ر.

(3) ر: القول.

(4) ر: للفعل.

(5) ليس في أ.

(6) ليس في أ.

(7) مجمع البيان 1/ 423، نقلا عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- مخاطبا لابي عبيدة.

 

59
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

فقام مائة و اثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل فأمروا من قتلتهم بالمعروف و نهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعا من آخر النّهار [في ذلك اليوم. و هو الذي ذكره اللّه تعالى‏] «1».

و قرأ حمزة «يقاتلون الّذين» فبشّرهم خبر المبتدأ، و دخول الفاء لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط. و يمنع سيبويه دخول الفاء في خبر إنّ، كليت و لعلّ، و لذلك قيل: الخبر «2».

أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ، كقولك: زيد فافهم رجل صالح، و بينه و بينهما فرق فإنّها لا تغيّر معنى الجملة بخلافهما، و قد دخلت الفاء في خبر إنّ في قوله: إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم.

وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ‏ (22): في الدّنيا يدفع عنهم الخزي و اللّعن، و في الآخرة يدفع عنهم العذاب. و في إيراد الجمع إشعار بأنّ خزيهم و عذابهم عظيم، على تقدير وجود النّاصرين لا يمكن لواحد منهم دفعه.

و في كتاب الخصال‏ «3»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند اللّه- تبارك و تعالى- من رجل قتل نبيّا، أو إماما، أو هدم الكعبة الّتي جعلها اللّه تعالى قبلة لعباده، أو أفرغ ماءه في امرأة حراما.

و فيه‏ «4» فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه‏: احذروا السّفلة، فان السّفلة من لا يخاف اللّه، ففيهم‏ «5» قتلة الأنبياء، و هم‏ «6» أعداؤنا.

و في أصول الكافي‏ «7»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن يونس بن ظبيان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول:

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: ويل للّذين يجتلبون‏ «8» الدّنيا بالدّين [و] «9» ويل للّذين يقتلون الّذين يأمرون بالقسط من الناس، و ويل للّذين يسير المؤمن فيهم بالتّقيّة. أبي يغترّون أم عليّ يجترءون؟ فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تترك‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) ر. أنوار التنزيل 1/ 153.

(3) الخصال/ 120، ح 109.

(4) نفس المصدر/ 635، ضمن حديث الأربعمائة.

5 و 6- المصدر: فيهم.

(7) الكافي 2/ 299، ح 1.

(8) المصدر: «يختلون». و يمكن أن يكون: «يحتلبون». و كلاهما صحيح و صواب أيضا.

(9) من المصدر.

 

60
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

الحليم منهم حيرانا «1».

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً، أي: حظّا وافرا. و التّنكير للتّعظيم.

مِنَ الْكِتابِ‏، أي: التّوراة، أو جنس الكتب السّماويّة. و من للتّبعيض، أو التّبيين‏ «2».

يُدْعَوْنَ إِلى‏ كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ‏، أي: يدعوهم محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- إلى القرآن ليحكم بينهم، أو التّوراة لما

نقل‏ «3»: انّه- عليه الصّلاة و السّلام- دخل مدارسهم فقال له نعيم بن عمرو و الحارث بن زيد: على أيّ دين أنت؟

فقال: على دين إبراهيم.

فقال له نعيم‏ «4»: إنّ إبراهيم كان يهوديّا.

فقال: هلمّوا إلى التّوراة ليحكم‏ «5» بيننا و بينكم، فأبيا.

[فنزلت‏] «6».

و قيل: نزلت في الرّجم. و قد اختلفوا فيه.

و قرئ ليحكم على البناء للمفعول، فيكون الاختلاف فيما بينهم‏ «7».

ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ‏: استبعاد لتولّيهم، مع علمهم بأنّ الرّجوع إليه واجب.

وَ هُمْ مُعْرِضُونَ‏ (23): حال من فريق لتخصيصه بالصّفة، أي: و هم قوم عادتهم الإعراض عن الحقّ، و هو نهاية التّقريع‏ «8».

ذلِكَ‏، أي: الإعراض.

بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ‏: بسبب تسهيلهم امر العذاب، وَ غَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ‏ (24): من قولهم السّابق، أو أنّ آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، أو أنّه تعالى وعد يعقوب أن لا يعذّب أولاده إلّا تحلّة القسم. و تكرير الكذب و الافتراء، يصيّره في صورة الصّدق، عند قائله و مفتريه.

فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ‏: تكذيب لقولهم: لن تمسّنا النّار إلَّا أيّاما، و لغرورهم بما كانوا يفترون.

______________________________
(1) المصدر: حيران.

(2) أ: للتبيين.

(3) أنوار التنزيل 1/ 154.

(4) المصدر: «فقالا له» بدل «فقال له نعيم».

(5) المصدر: فانّها.

(6) من المصدر.

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) أ: التفريع.

61
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ‏: جزاء ما كسبت.

قال البيضاويّ‏ «1»: و فيه دليل على أنّ العبادة لا تحبط، و أنّ المؤمن لا يخلّد في النّار، لأنّ توفية إيمانه و عمله لا يكون‏ «2» في النّار و لا قبل دخولها، فإذن هي بعد الخلاص [منها.] «3» و يردّ عليه في الأوّل، أنّه على تقدير الإحباط، يصدق على النّفس المحسنة الّتي أحبطت حسنتها «4» بالسّيِّئة الّتي صدرت عنها أنّها وفيت ما كسبت، بمعنى أنّها لحسنتها لم تعاقب بالسّيّئة الّتي صدرت عنها. و في الثّاني، أنّه يمكن توفية «5» إيمانه و عمله في النّار، بأن يخفّف عذابه عن قدر ما ينبغي لسيئته، لإيمانه و عمله.

و التّحقيق أنّ المؤمن، يعني، الموالي للأئمّة- عليهم السّلام- لا يدخل النّار، و غيره يدخل و لا يخرج. و مناط الإيمان ما جعله اللّه و رسوله إيمانا، لا ما جعله كلّ حزب إيمانا و عدّه عملا صالحا، فكم ممّن يعدّ نفسه مؤمنا و هو مؤمن بنفسه و هواه، و كم ممّن يعد نفسه مواليا فهو ممّن يوالي الشّيطان.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ‏ (25):

الضّمير لكلّ نفس على المعنى، لأنّه في معنى كلّ إنسان.

قُلِ اللَّهُمَ‏:

الميم عوض عن حرف النّداء، و لذلك لا يجتمعان، و قد وقع في الشّعر ضرورة، و هو من خصائص هذا الاسم كدخولها عليه مع لام التّعريف، و قطع همزته و تاء القسم.

و قيل‏ «6»: أصله «يا اللّه آمنّا بخير»، مخفّف بحذف حرف النّداء و متعلّقات الفعل و همزته.

مالِكَ الْمُلْكِ‏: على الحقيقة، و هو صفة للّه. و عند سيبويه، نداء ثان، فإنّ الميم عنده تمنع الوصفيّة.

تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، أي: تعطي منه‏ «7» ما تشاء من تشاء، و تستردّ. فالملك الأوّل عامّ، و الأخيران بعضان منه.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 154.

(2) المصدر: لا تكون.

(3) من المصدر.

(4) أ، ر: حسنته.

(5) أ: توفيته.

(6) أنوار التنزيل 1/ 154.

(7) أ: منها.

62
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

و قيل‏ «1»: المراد بالملك، النّبوّة. و نزعها، نقلها من قوم إلى قوم.

و في روضة الكافي‏ «2»: بإسناده إلى عبد الأعلى- مولى آل سام- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت له: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ، أليس قد أتى اللّه- عزّ و جلّ- بني أميّة الملك؟

قال: ليس حيث تذهب‏ «3»، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أتانا الملك و أخذته بنو أميّة، بمنزلة الرّجل يكون له الثّوب فيأخذه الآخر، فليس هو الذي أخذه.

فالمراد بإيتاء الملك بناء على هذا الخبر جعل الملك لأحد و جعله جائز التّصرّف فيه، لا التسلّط «4» على الملك كما يتوهّم بعض الأوهام و ذهب إليه و هو «5» مولى آل سام‏ «6»، و هو الآن لمن جعل اللّه الملك له و جعله قائما فيه.

وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ: في الدّنيا، أو في الآخرة، أو فيهما، بالنّصر و الإدبار، و التّوفيق و الخذلان.

بِيَدِكَ الْخَيْرُ، أي: ما هو فعلك خير، و الشّرّ ممّا يرجع إلينا، مع كون الشّرّ مقدورا لك أيضا.

إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (26): خيرا كان أو شرّا، لكنّ ما يصدر عن يدك و قدرتك هو الخير، هذا. و قال البيضاويّ‏ «7»: ذكر الخير وحده لأنّه المقضى‏ «8» بالذّات، و الشّرّ مقضي‏ «9» بالعرض، إذ لا يوجد شرّ جزئيّ ما لم يتضمّن خيرا كليّا. أو لمراعاة الأدب في الخطاب. أو لأنّ الكلام وقع فيه، إذ

روي‏: أنّه- عليه الصّلاة و السّلام- لمّا خطّ الخندق، و قطع لكلّ عشرة أربعين ذراعا، و أخذوا يحفرون، فظهر فيه صخرة عظيمة لم يعمل فيها «10» المعاول، فوجّهوا سلمان إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يخبره، فجاء- عليه السّلام- فأخذ المعول منه، فضربها ضربة صدّعتها، و برق منها برق‏ «11» أضاء ما بين‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) الكافي 8/ 266، ح 389.

(3) المصدر: تذهب إليه.

(4) أ: التسليط.

(5) الأصل ور: هم. و ما أثبتناه في المتن موافق أ.

(6) ر: آل سالم.

(7) أنوار التنزيل 1/ 154- 155.

(8) أ: المقتضي.

(9) أ: مقتضي.

(10) النسخ: فيه. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(11) أ: برقا.

 

63
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

لابتيها لكأنّ [بها] «1» مصباحا في جوف بيت مظلم‏ «2»، فكبّر و كبّر معه المسلمون و قال:

أضاءت لي [منها قصور الحيرة كأنّها أنياب الكلاب. ثمّ ضرب الثّانية فقال: أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الرّوم. ثمّ ضرب الثّالثة فقال: أضاءت لي‏] «3» [منها] «4» قصور صنعاء، و أخبرني جبرئيل أنّ أمّتي ظاهرة على كلّها فأبشروا.

فقال المنافقون: ألا تتعجّبون يمنّيكم و يعدكم الباطل، و يخبركم أنّه يبصر من يثرب قصور الحيرة [و مدائن كسرى‏] «5» و أنّها تفتح‏ «6» لكم، و أنتم [إنّما] «7» تحفرون الخندق من الفرق.

فنزلت، و نبّه على أنّ الشّرّ أيضا بيده بقوله: [إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.

انتهى كلامه، و هذا بناء على زعمه الكاسد ممّا ذهب إليه الأشعريّة، من أنّ الخير و الشّرّ كليهما من أفعال اللّه- تعالى-.] «8» تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا، بل ما يصدر عنه تعالى ممّا ظاهره الشّرّ من التّعذيب و الخزي و الإماتة و التّحريض و غير ذلك، فهو خير في الواقع و حسن بالنّظر إلى مصالحه و حكمه، كيف و الشّرّ قبيح يقبح صدروه عنه تعالى.

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ‏، أي: تزيد في النّهار و تنقص من اللّيل و بالعكس، أو تعقّب أحدهما الآخر. و الولوج، الدّخول في مضيق.

و في كتاب الإهليلجة «9»: قال الصّادق- عليه السّلام، بعد أن ذكر اللّيل و النّهار- يلج أحدهما في الأخر [حتّى‏] «10» ينتهي كلّ واحد منهما إلى غاية معروفة محدودة «11» في الطّول و العرض‏ «12»، على مرتبة و مجرى واحد.

وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ‏: تنشئ الحيوانات من موادّها و تميتها، أو تخرج الحيوان من النّطفة منه، أو تخرج المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) النسخ: «ليلة» بدل «بيت مظلم».

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) من المصدر.

(5) من المصدر.

(6) أ: يفتح.

(7) من المصدر.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(9) بحار الأنوار 3/ 165.

(10) من المصدر.

(11) المصدر: «محدودة معروفة» بدل «معروفة محدودة»

(12) المصدر: القصر.

64
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

و في كتاب معاني الأخبار «1»: و سئل الحسن بن عليّ بن محمّد- عليهم السّلام- عن الموت ما هو؟

فقال: هو التّصديق بما لا يكون.

حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الصّادق- عليه السّلام- قال‏: إنّ المؤمن إذا مات لم يكن ميّتا، فإنّ الميّت هو الكافر، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول‏ «2»: يخرج الحيّ من الميّت و يخرج الميّت من الحيّ، [يعني المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن.

و في مجمع البيان‏ «3»: تخرج الحّي من الميّت و تخرج الميّت من الحيّ‏] «4» قيل: إنّ معناه يخرج‏ «5» المؤمن من الكافر و الكافر من المؤمن. و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السّلام-.

و قرأ ابو عمرو و ابن عامر و أبو بكر «الميت» بالتّخفيف‏ «6».

وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ (27):

في مهج الدّعوات‏ «7»: عن أسماء بنت زيد قالت: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: اسم اللّه الأعظم الّذي إذا دعي به فأجاب: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ‏- إلى- بِغَيْرِ حِسابٍ‏.

و قد مرّ في أوّل الفاتحة ما يدلّ على فضل هذه الآية أيضا.

لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ: نهي عن موالاتهم و الاستعانة بهم.

مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏: في موضع الصّفة لأولياء، أو الحال إن جوزت عن النّكرة، و المعنى: أنّهم لا يتّخذوهم أولياء بدل المؤمنين، فيكون إشارة إلى أنّ المؤمنين أحقّاء بالموالاة، و في موالاتهم مندوحة عن موالاة الكفرة، فإنّ اللّه وليّ الذين آمنوا.

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ‏: أي اتّخاذ الكافرين أولياء.

فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ: من الولاية، لأنّه ترك موالاة المؤمنين الّذين وليّهم اللّه و والى عدوّ اللّه.

______________________________
(1) معاني الأخبار/ 290- 291، ح 10.

(2) الروم/ 18.

(3) مجمع البيان 1/ 428.

(4) ليس في أ.

(5) المصدر: تخرج.

(6) أنوار التنزيل 1/ 155.

(7) مهج الدعوات/ 317.

65
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 30] ص : 56

إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً، أي: لا يجوز موالاتهم في شي‏ء من الأحوال إلّا في حالة أن تتّقوا منهم، أي: تخافوا من جهتهم.

و تقاة، مصدر. إمّا بمعنى ما يجب اتقاؤه فيكون مفعولا به، أو بمعناه فيكون مفعولا مطلقا. و الفعل معدّى بمن، لأنّه في معنى تحذروا و تخافوا. و قرأ يعقوب: تقيّة.

و في كتاب الاحتجاج‏ «1» للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام- لبعض اليونانيّين: و آمرك أن تستعمل التّقيّة «2» في دينك، فإنّ اللّه يقول: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً [...] و إيّاك ثمّ إيّاك أن تتعرّض للهلاك‏ «3»، و ان تترك التّقيّة الّتي أمرتك بها، فإنّك شائط بدمك و دم‏ «4» إخوانك، معرّض لنعمك و لنعمهم للزّوال‏ «5»، مذلّ لك و لهم‏ «6» في أيدي أعداء اللّه‏ «7» و قد أمرك‏ «8» بإعزازهم.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «9»: عن الحسين بن زيد بن عليّ، عن جعفر بن محمّد [عن أبيه عليهما السّلام‏] «10» قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول‏: لا إيمان لمن لا تقيّة له، و يقول: فإنّ‏ «11» اللّه يقول‏ «12»: إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً.

و في أصول الكافي‏ «13»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أدينة، عن إسماعيل الجعفيّ و معمّر بن يحيى بن سام‏ «14» و محمّد بن مسلم و زرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر- عليه السّلام- يقول‏: التّقيّة في كلّ شي‏ء يضطرّ إليه ابن آدم، فقد أحلّه‏ «15» اللّه له.

عليّ بن إبراهيم‏ «16»: عن محمّد بن عيسى، عن يونس‏ «17»، عن ابن مسكان، عن‏

______________________________
(1) الاحتجاج 1/ 354- 355.

(2) النسخ: تقية. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) «أن تتعرّض للهلاك و» ليس في المصدر.

(4) النسخ: دماء. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) المصدر: «لنعمتك و نعمهم على الزوال» بدل «لنعمك و لنعمهم للزوال».

(6) النسخ: «مذلّهم». تفسير نور الثقلين: «مذلّ لهم» بدل «مذلّ لك و لهم».

(7) المصدر: أعداء دين اللّه.

(8) المصدر: و قد أمرك اللّه.

(9) تفسير العياشي 1/ 166، ح 24.

(10) من المصدر.

(11) المصدر: قال.

(12) ليس في المصدر.

(13) الكافي 2/ 220، ح 18.

(14) الأصل: بسام. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(15) النسخ: أحلّ. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(16) نفس المصدر 2/ 220.

(17) «عن يونس» ليس في ر.

 

66
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال‏: التّقيّة ترس‏ «1» اللّه بينه و بين خلقه.

وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ‏ في موالاة الكفّار من غير ضرورة و ترك التّقيّة في حال الضّرورة. و ذكر «النفس» ليعلم أنّ المحذّر منه عقاب منه، و هو تهديد عظيم مشعر بتناهي النّهي عنه في القبح.

وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28): تأكيد للتّهديد، و إتيان الظّاهر موضع الضّمير للمبالغة.

قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ‏: يعلم السّرّ منكم و العلن.

وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: فيعلم ما تضمرونه و ما تخفونه.

وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (29): فيقدر على تعذيبكم و خزيكم ان لم تنتهوا عن ما نهيتم عنه.

يَوْمَ‏: منصوب «بتودّ» أو «اذكر» مضاف إلى‏ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، أي: تجد صحائف أعمالها، أو جزاء أعمالها من الخير حاضرا.

وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ أي: محضرا، تَوَدُّ: حال، على تقدير تعلّق «يوم» باذكر من الضّمير في «عملت» أو خبر «لما عملت من سوء» و «تجد» مقصور على «ما عملت من خير» و لا تكون «ما» شرطيّة لارتفاع «تودّ».

و قرئ «ودّت» و على هذا يحتمل أن تكون «ما» شرطيّة «2».

لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً: بتأويل المصدر مفعول «تودّ»، أي: تودّ كون الأمد البعيد بينها و بين عملها.

وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ‏: التّكرير للتّوكيد.

وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30): إشارة إلى أنّ النّهي للرّأفة، رعاية لمصالحهم. و أنّه لذو مغفرة و ذو عقاب، فيجب أن يرجى رحمته، و يخشى عقابه.

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي‏:

______________________________
(1) أ: أترس.

(2) أنوار التنزيل 1/ 156.

67
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

المحبّة، ميل النّفس إلى الشي‏ء، لكمال أدرك فيه، بحيث يحملها على ما يقرّبه إليه. و محبّة العباد للّه مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره، و رغبتهم‏ «1» فيها، و هي مستلزمة لاتّباع الرّسول في جميع ما جاء به و من جملته، بل العمدة فيه اتّباع الأئمّة- عليهم السّلام-.

يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏: جواب للأمر، أي: يرضى عنكم و يتجاوز عن ذنوبكم. عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة، أو المقابلة.

و في روضة الكافي‏ «2»: بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: و من سرّه أن يعلم أنّ اللّه يحبّه فليعمل بطاعة اللّه و ليتّبعنا، أ لم يسمع قول اللّه- عزّ و جلّ- لنبيّه- صلّى اللّه عليه و آله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏. و اللّه لا يطيع اللّه عبد أبدا إلّا أدخل اللّه عليه في طاعته اتّباعنا، و لا و اللّه لا يتّبعنا عبد أبدا إلّا أحبّه اللّه [و] «3» لا و اللّه لا يدع‏ «4» أحد اتّباعنا أبدا إلا أبغضنا و لا و اللّه لا يبغضنا أحد أبدا إلّا عصى اللّه، و من مات عاصيا للّه أخزاه [اللّه‏] «5» و أكبّه على وجهه في النّار، و الحمد للّه ربّ العالمين.

و فيها خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- و هي خطبة الوسيلة «6»، يقول فيها- عليه السّلام- بعد أن ذكر النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله:-: فقال تبارك و تعالى- في التّحريض على اتّباعه و التّرغيب في تصديقه و القبول لدعوته: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ‏، فاتّباعه- صلّى اللّه عليه و آله- محبّة اللّه، و رضاه غفران الذّنوب و كمال الفوز و وجوب الجنّة.

عليّ بن إبراهيم‏ «7»، عن أبيه، عن القاسم بن محمدّ [و عليّ بن محمّد، عن القاسم بن محمّد] «8» عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه‏

______________________________
(1) ر: رغبته.

(2) الكافي 8/ 14، ذيل حديث 1. و هي رسالة أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إلى أصحابه.

(3) من المصدر.

(4) النسخ: و لا يدع. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) من المصدر.

(6) نفس المصدر 8/ 26، ضمن حديث 4.

(7) نفس المصدر 8/ 128- 129، ح 98. و الحديث طويل. و له تتمة.

(8) من المصدر.

 

68
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

- عليه السّلام- قال‏: قال [...] إنّي لأرجو النّجاة لمن عرف حقّنا من هذه الأمّة إلّا لأحد ثلاثة: صاحب سلطان جائر، و صاحب هوى، و الفاسق المعلن. ثمّ تلا: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‏. ثمّ قال: يا حفص الحبّ أفضل من الخوف. ثمّ قال: و اللّه ما أحبّ [اللّه‏] «1» من أحبّ الدّنيا و والى غيرنا، و من عرف حقّنا و أحبّنا فقد أحبّ اللّه- تبارك و تعالى-.

و في كتاب الخصال‏ «2»: عن سعيد بن يسار قال: قال [لي‏] «3» أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: هل الدّين إلّا الحبّ، إنّ اللّه تعالى يقول: [قُلْ‏] «4»: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.

و عن يونس بن ظبيان قال: قال الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-:

إنّ النّاس يعبدون اللّه تعالى على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبة في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء و هو الطّمع، و آخرون يعبدونه‏ «5» فرقا من النّار فتلك عبادة العبيد و هي الرّهبة، و لكّني أعبده حبّا له فتلك عبادة الكرام و هو الأمن لقوله تعالى‏ «6»: وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏ و لقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.

فمن أحبّ اللّه أحبّه اللّه، و من أحبّه اللّه كان من الآمنين.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن زياد، عن أبي عبيدة الحذّاء قال‏: دخلت على أبي جعفر- عليه السّلام- فقلت: بأبي أنت و امّي ربّما خلا بي الشّيطان فخبثت نفسي، ثمّ ذكرت حبّي إيّاكم و انقطاعي إليكم فطابت نفسي.

فقال: يا زياد ويحك و ما الدّين إلّا الحبّ أ لا ترى إلى قول- اللّه تعالى- إِنْ‏ «8» كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ.

و عن بشير الدّهّان‏ «9»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: [قد] «10» عرفتم فيّ منكرين كثيرا «11» و أحببتم فيّ مبغضين كثيرا، «12» و قد يكون حبّا للّه [و] «13» في اللّه و رسوله،

______________________________
(1) من المصدر.

(2) الخصال/ 21، ح 74.

(3) من المصدر.

(4) من المصدر.

(5) النسخ: يعبدون. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(6) النمل/ 89.

(7) تفسير العياشي 1/ 167، ح 25.

(8) أ: قل إن.

(9) نفس المصدر و الموضع، ح 26.

(10) من المصدر.

11 و 12- النسخ و المصدر: كثير.

(13) من المصدر.

 

69
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

و حبّا في الدّنيا. فما كان في اللّه و رسوله فثوابه على اللّه، و ما كان في الدّنيا فليس [في‏] «1» شي‏ء. ثمّ نفض يده، ثمّ قال: إنّ هذه المرجئة و هذه القدريّة و هذه الخوارج ليس منهم أحد إلّا يرى أنّه على الحقّ، و إنّكم إنّما أحببتمونا في اللّه، ثمّ تلا: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ «2» وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «3»، و مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏ «4» إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‏ «5»

و عن بريد بن معاوية «6» [...] عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: و اللّه لو أحبنا حجر حشره اللّه معنا، و هل الدّين إلّا الحبّ إنّ اللّه يقول: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‏، و قال: يحبّون من هاجر إليهم و هل الدّين إلّا الحبّ.

و عن ربعي بن عبد اللّه‏ «7» قال‏: قيل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام: جعلت فداك إنّا نسمّي بأسمائكم و أسماء آبائكم فينفعنا ذلك؟

فقال‏ «8»: إي و اللّه و هل الدّين إلّا الحب، قال اللّه تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ (31) لمن تحبّب إليه بطاعته و اتباع رسوله- صلّى اللّه عليه و آله قال البيضاويّ‏ «9»: روي أنّها نزلت لمّا قالت اليهود: نحن أبناء اللّه و أحباؤه.

و قيل: نزلت في وفد نجران لمّا قالوا: إنّما نعبد المسيح حبّا للّه.

و قيل: في أقوام زعموا على عهده [صلّى اللّه عليه و آله‏] أنّهم يحبّون اللّه فأمروا أن يجعلوا لقولهم تصديقا من العمل.

و لنعم ما قال صاحب الكشّاف هنا «10»: و إذا رأيت من يذكر محبّة اللّه، و يصفّق بيديه مع ذكرها «11»، و يطرب و ينعر و يصعق، فلا تشكّ في أنّه لا يعرف ما اللّه و لا يدري ما

______________________________
(1) من المصدر.

(2) النساء/ 59.

(3) الحشر/ 7.

(4) النساء/ 80.

(5) آل عمران/ 31.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 27.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 28.

(8) ر: «قال» بدل «ذلك فقال».

(9) أنوار التنزيل 1/ 156.

(10) تفسير الكشاف 1/ 424.

(11) المصدر: ذكره.

70
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

محبّة اللّه، و ما تصفيقه و طربه و نعرته و صعقته إلّا لأنّه تصوّر في نفسه الخبيثة صورة مستملحة معشقة فسمّاها اللّه بجهله و دعارته، ثمّ صفّق و طرب و نعر و صعق على تصوّرها، و ربّما رأيت المنيّ قد ملأ إزار ذلك المحبّ عند صعقته، و حمقى العامّة حواليه قد ملأوا أردانهم بالدّموع لما رقّقهم من حاله. قال:

أحبّ أبا ثروان من حبّ تمره‏

و أعلم أنّ الرّفق بالجار أرفق‏

و و اللّه لو لا تمره ما حببته‏

و لا كان أدنى من عبيد و مشرق‏

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا: يحتمل المضيّ و المضارعة، بمعنى، فإن تتولّوا، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ‏ (32): لا يرضى عنهم، و لا يغفر لهم. و وضع المظهر موضع المضمر لقصد العموم، و الدّلالة على أنّ التّولّي كفر، و إنّه ينفي محبّة اللّه و محبّته مخصوصة بالمؤمنين. و في الآية مع ما ذكر من الأخبار في بيانها دلالة صريحة على كفر من تولّى عن الولاية، فتبصّر.

إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ‏:

لمّا أوجب طاعة الرّسول و أولاده الأوصياء «1»، و بيّن أنّها الجالبة لمحبّته، عقّب ذلك ببيان مناقب الرّسل و آلهم، الّذين أوصياء الرّسول منهم، تحريضا عليه.

وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ‏: و آله إسماعيل و إسحاق و أولادهما، و دخل فيهم الرّسول- صلّى اللّه عليه و آله- و أولاده الأوصياء- عليهم السّلام-.

في مجمع البيان‏ «2»: إنّ آل إبراهيم هم آل محمّد الّذين هم أهله، و يجب أن يكون الّذين اصطفاهم اللّه مطهّرين معصومين منزّهين عن القبائح، لأنّه سبحانه لا يختار و لا يصطفي إلّا من كان كذلك، و يكون ظاهره مثل باطنه في الطّهارة و العصمة. ثمّ قال‏ «3»:

و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

و في تفسير العياشي‏ «4»: عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ‏

______________________________
(1) الأصل ور: و الأوصياء. و ما أثبتناه في المتن موافق أ.

(2) مجمع البيان 1/ 433.

(3) نفس المصدر و الموضع. إلا أنه مرتبط بحديث آخر غير هذا الحديث.

(4) أ: «و روى» بدل «و في تفسير العياشي». و فيه 1/ 168، ح 29.

 

71
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

. قال: نحن منهم و نحن بقيّة تلك العترة.

[و في شرح الآيات الباهرة «1»:] «2» روى الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ- رحمه اللّه- عن روح بن روح‏ «3»، عن رجاله، عن إبراهيم‏ «4» النّخعيّ‏ «5»، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- قال‏: دخلت على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقلت: يا أبا الحسن أخبرني بما أوصى اليك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

فقال: سأخبركم‏ «6»، إنّ اللّه اصطفى لكم الدّين و ارتضاه و أتمّ عليكم نعمته و كنتم أحقّ بها و أهلها، و إنّ اللّه أوحى إلى نبيّه أن يوصي إليّ، فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: يا عليّ احفظ وصيّتي و ارع‏ «7» ذمامي و أوف بعهدي و أنجز عداتي و اقض دينى و أحيي‏ «8» سنّتي و قوّمها و ادع إلى ملّتي، لأنّ اللّه تعالى اصطفاني و اختارني، فذكرت دعوة أخي موسى- عليه السّلام- فقلت: اللّهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى. فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليّ: إنّ‏ «9» عليّا وزيرك و ناصرك و الخليفة من بعدك، ثمّ يا عليّ أنت‏ «10» من أئمّة الهدى و أولادي‏ «11» منك. فأنتم قادة الهدى و التّقى، و الشّجرة الّتي أنا أصلها و أنتم فرعها، فمن تمسّك بها فقد نجا، و من تخلّف عنها فقد هلك و هوى، و أنتم الّذين أوجب اللّه تعالى مودّتكم و ولايتكم، و الّذين ذكرهم اللّه في كتابه‏

______________________________
(1) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 38.

(2) ليس في أ.

(3) النسخ: «رواح»، و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر و تفسير البرهان 1/ 279.

(4) أ: إسماعيل.

(5) المصدر: إبراهيم بن النخعي.

(6) جاءت بصيغة الجمع و السائل واحد و هو ابن عباس. فإمّا «سأخبرك»، أو يمكن أن يكون ذكره بصيغة الجمع للاحترام، أو الخطاب للناس. و هكذا وردت في تفسير البرهان 1/ 279.

(7) الأصل و تفسير البرهان: «ارفع». أور: «ادفع». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(8) النسخ: «و قوّمها و احيي سنتي»، تفسير البرهان: «و اقض ديني و قوّمها و قوّم سنتي» بدل: «و اقض ديني و احيى سنتي و قوّمها». و هي موافق المصدر.

(9) ر: فانّ.

(10) هكذا في الأصل و المصدر. و في البرهان ور: «أنت يا عليّ» بدل «يا عليّ أنت».

(11) النسخ و البرهان: أولادك. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

72
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

و وصفهم لعباده، فقال- عزّ و جلّ من قائل-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏، فأنتم صفوة اللّه من آدم و نوح و آل إبراهيم و آل عمران، و أنتم الأسرة من إسماعيل، و العترة الهادية من محمّد- صلوات اللّه عليهم أجمعين-.

و في عيون الأخبار «1»، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة و الأمّة في حديث طويل و فيه: فقال المأمون: هل فضّل اللّه العترة على سائر النّاس؟

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللّه تعالى أبان فضل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه.

فقال له المأمون: اين ذلك من كتاب اللّه؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.

وَ آلَ عِمْرانَ‏:

آله موسى و هرون ابنا عمران بن يصهر «2».

و قيل‏ «3»: عيسى [و مريم بنت عمران بن ماثان، و بين العمرانين ألف و ثمان مائة سنة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: قال العالم- عليه السّلام-:] «5» نزل آل إبراهيم‏ «6» و آل عمران و آل محمّد على العالمين، فأسقطوا آل محمّد من الكتاب.

و في مجمع البيان‏ «7»: و في قراءة أهل البيت- عليه السّلام-: و آل محمّد على العالمين.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «8»: عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا 1/ 230، ضمن حديث 1.

(2) و هو ابن قاهث بن لاوى بن يعقوب. ر. مجمع البيان ذيل آية ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ‏.

(3) ر. أنوار التنزيل 1/ 156- 157.

(4) تفسير القمي 1/ 100.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) «آل إبراهيم» ليس في المصدر.

(7) مجمع البيان 1/ 433.

(8) تفسير العياشي 1/ 168، ح 29. و «تفسير العياشي» ليس في أ.

 

73
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً.

فقال: هو آل إبراهيم و آل محمّد على العالمين فوضعوا اسما مكان اسم.

عَلَى الْعالَمِينَ‏ (33):

قيل‏ «1»: فيه دلالة ظاهرة «2» على تفضيلهم على الملائكة. [و قد مرّ ما فيه في سورة البقرة.] «3»

و في كتاب الخصال‏ «4»: عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- اختار من كلّ شي‏ء أربعة- إلى أن- قال: و اختار من البيوتات‏ «5» أربعة، فقال- تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.

و عن جعفر بن محمّد «6»، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال في وصيّة له‏: يا عليّ إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أشرف على الدّنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثمّ اطّلع الثّانية فاختارك على رجال العالمين بعدي، ثمّ اطّلع الثّالثة فاختار الأئمّة من ولدك على رجال العالمين بعدك، ثمّ اطّلع الرّابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.

[و في عيون الأخبار «7» في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- عند المأمون مع أهل الملل و المقالات، و ما أجاب عليّ بن محمّد بن الجهم في عصمة الأنبياء- صلوات اللّه عليهم- حديث طويل يقول فيه الرّضا- عليه السّلام-: أمّا قوله- عزّ و جلّ- في آدم:

وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏، فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- خلق آدم حجّة في أرضه و خليفته في بلاده لم يخلقه للجنّة، و كانت المعصية من آدم- عليه السّلام- في الجنّة لا في الأرض، و عصمته تجب أن يكون في الأرض ليتمّ مقادير أمر اللّه- عزّ و جلّ- فلمّا أهبط إلى الأرض و جعل حجّة و خليفة عصم بقوله- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 433.

(2) أ: صريحة.

(3) ليس في أ.

(4) الخصال/ 225، ضمن حديث 58.

(5) النسخ: البيوت. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(6) نفس المصدر/ 206، ح 25.

(7) عيون أخبار الرضا 1/ 192- 193.

74
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

و فيه‏ «1»، في باب مجلس آخر للرّضا- عليه السّلام- عند المأمون في عصمة الأنبياء- عليهم السّلام- حديث طويل و فيه يقول- عليه السّلام-: و كان ذلك من آدم قبل النّبوّة، و لم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار، و إنّما كان من الصّغائر الموهوبة الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم. فلمّا اجتباه اللّه تعالى و جعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة و لا كبيرة. قال اللّه تعالى: وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏، ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى‏ «2». و قال- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.] «3»

ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ‏: حال، أو بدل من الآلين، أو منهما و من نوح، أي:

أنّهم ذرّيّة واحدة متشعبة بعضها من بعض في الدّين.

و الذّرّيّة الولد، فعليّة من الذّرا، و فعولة من الذّرء، أبدلت همزتها ياء، ثمّ قلبت الواو ياء و أدغمت.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «4»: بإسناده إلى محمّد بن الفضيل‏ «5»، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام‏: فلمّا قضى محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- نبوّته و استكملت أيامه أوصى اللّه- عزّ و جلّ- إليه: أن يا محمّد قد قضيت نبوّتك و استكملت أيّامك، فاجعل العلم الّذي عندك و الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة عند عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فإنّي لم أقطع العلم و الإيمان و الاسم الأكبر و ميراث العلم و آثار علم النّبوّة من العقب من ذرّيّتك، كما لم أقطعها من بيوتات الأنبياء الّذين كانوا بينك و بين أبيك آدم. و ذلك قوله- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و في روضة الكافي‏ «6»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 196.

(2) المصدر: «فهدى». و ما أثبتناه في المتن موافق الأصل و القرآن المجيد.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) كمال الدين و تمام النعمة/ 217.

(5) النسخ: محمد بن الفضل. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(6) الكافي 8/ 117، ضمن حديث 92.

 

75
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

بن الفضل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

و في أصول الكافي‏ «1»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس، عن هشام بن الحكم‏ «2»- في حديث بريّة لما جاء معه إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فلقى أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام فحكى له هشام الحكاية فلمّا فرغ- قال‏ «3» أبو الحسن لبريّة: يا بريّة كيف علمك بكتابك؟

قال: أنا به عالم.

ثمّ قال: كيف ثقتك بتأويله؟

قال: ما أوثقني بعلمي فيه.

قال: فابتدأ أبو الحسن- عليه السّلام- يقرأ الإنجيل.

فقال بريّة: إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك.

قال: فآمن‏ «4» بريّة و حسن إيمانه، و آمنت المرأة الّتي كانت معه، فدخل هشام و بريّة و المرأة على أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. فحكى له هشام الكلام الّذي جرى بين أبي الحسن موسى- عليه السّلام- و بين بريّة.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

فقال بريّة: أنّى لكم التّوراة و الإنجيل و كتب الأنبياء؟

قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرؤها كما قرؤوها، و نقولها كما قالوا، إنّ اللّه لا يجعل حجّة في أرضه يسأل عن شي‏ء، فيقول: لا ادري.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن أحمد بن محمّد، عن الرّضا، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: من زعم أنّه قد فرغ من الأمر فقد كذب، لأنّ المشيئة للّه في خلقه يريد ما يشاء و يفعل ما يريد. قال اللّه: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. آخرها من أوّلها. و أوّلها من آخرها. فإذا أخبرتم بشي‏ء منها بعينه أنّه كائن‏ «6»، و كان في غيره منه، فقد وقع الخبر «7» على ما أخبرتم عنه.

______________________________
(1) الكافي 1/ 227، ح 1.

(2) «بن الحكم» ليس في أ.

(3) ر: قال له.

(4) رو الأصل: «فقال آمن». أ: «و قال و آمن». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) تفسير العياشي 1/ 169، ح 32.

(6) النسخ: كان. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(7) النسخ: في الخبر. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

76
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 31 الى 34] ص : 67

أبو عمرو الزّبيريّ‏ «1»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت [له:] «2» ما الحّجة في كتاب اللّه أنّ آل محمّد هم أهل بيته؟

قال: قول اللّه- تبارك و تعالى-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ‏ «3» وَ آلَ عِمْرانَ‏ و آل محمّد- هكذا نزلت- عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏ و لا يكون الذّرّيّة من القوم إلّا نسلهم من أصلابهم. و قال‏ «4»: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ و آل عمران و آل محمّد.

و في كتاب المناقب‏ «5» لابن شهر آشوب: أنّ عليّا- عليه السّلام- قال لابنه الحسن- عليه السّلام-: اجمع النّاس، فاجتمعوا، فأقبل فخطب‏ «6» النّاس، فحمد اللّه و أثنى عليه، و تشهّد ثمّ قال: أيّها النّاس إنّ اللّه اختارنا لنفسه، و ارتضانا لدينه، و اصطفانا على خلقه، و أنزل علينا كتابه و وحيه. و أيم اللّه لا ينقصنا «7» أحد من حقّنا شيئا إلّا انتقصه‏ «8» اللّه من حقّه في عاجل دنياه و آجل‏ «9» آخرته، و لا تكون علينا دولة إلّا كانت لنا العاقبة، و لتعلمنّ نبأه بعد حين، ثمّ نزل و جمع‏ «10» بالنّاس، و بلغ أباه فقبّل بين عينيه. ثم قال: بأبي و أمّي‏ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و ممّا جاء في معنى الاصطفاء،

ما رواه [في شرح الآيات الباهرة «11» عن‏] «12» الشّيخ الطّوسيّ- قدس اللّه روحه- قال: روى أبو جعفر القلانسيّ قال: حدّثنا الحسين بن الحسن قال: حدّثنا عمرو بن أبي المقدام، عن يونس بن ضباب‏ «13» عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه، عن جدّه عن عليّ بن أبي طالب- صلوات اللّه عليهم أجمعين- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ما بال أقوام إذا ذكروا آل إبراهيم و آل‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 35.

(2) من المصدر.

(3) «و آل إبراهيم» ليس في أ.

(4) سبأ/ 13.

(5) المناقب 4/ 11.

(6) المصدر: و خطب.

(7) المصدر: لا ينتقصنا.

(8) ر: انقصه.

(9) ليس في المصدر.

(10) المصدر: فجمع.

(11) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 38.

(12) ليس في أ.

(13) النسخ: جناب. تفسير البرهان: 1/ 279: حباب. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

77
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

عمران استبشروا، و إذا ذكروا آل محمّد اشمأزّت قلوبهم، و الّذي نفس محمّد بيده لو أنّ أحدهم وافى بعمل سبعين نبيّا يوم القيامة ما قبل اللّه منه حتّى يوافي بولايتي و ولاية عليّ بن أبي طالب- عليهما السّلام-.

[و في روضة الكافي‏ «1»: عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس‏ «2»، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ «3» فأصل الشّجرة «4» المباركة إبراهيم- صلّى اللّه عليه و آله- و هو قول اللّه- عزّ و جلّ‏ «5»-: رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ و هو قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي الصّدوق‏ «6»- رحمه اللّه-: بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

قال محمّد بن أشعث بن قيس الكنديّ للحسين- عليه السّلام-: يا حسين بن فاطمة أيّة حرمة لك من رسول اللّه ليست لغيرك؟ فتلا الحسين- عليه السّلام- هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ‏ (الآية) [ثمّ‏] «7» قال: و اللّه إنّ محمّدا لمن آل إبراهيم و [إنّ‏] «8» العترة الهادية لمن آل محمّد.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة]. «9» وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏ (34): بأقوال النّاس و أعمالهم، فيصطفي من له المصلحة في اصطفائه.

قيل‏ «10»: أو سميع بقول امرأة عمران، عليم بنيّتها.

إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي‏: فينتصب به «إذ» أو بإضمار «اذكر» و هذه حنّة بنت فاقودا جدّة عيسى.

______________________________
(1) الكافي 8/ 379- 381، ضمن حديث 574.

(2) الأصل: العباد. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) النور/ 35.

(4) الأصل: الشجر. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) هود/ 73.

(6) أمالي الصدوق/ 134.

7 و 8- من المصدر.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(10) أنوار التنزيل 1/ 157.

78
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

و أمّا

ما روي في أصول الكافي‏ «1»: «عن أحمد بن مهران و عليّ بن إبراهيم جميعا، عن محمّد بن عليّ، عن الحسن‏ «2» بن راشد، عن يعقوب بن جعفر بن إبراهيم، عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- أنّه قال لرجل نصرانيّ: أمّا أمّ مريم فاسمها مرثا «3»، و هي وهيبة.

بالعربيّة»

، فمحمول على تعدّد الاسم، و سيأتي في الخبر أنّ اسمها حنّة.

و قيل‏ «4»: كانت لعمران بن يصهر بنت اسمها مريم، أكبر من هارون و موسى، و هو المراد و زوجته، و يرده كفالة زكريا، فإنّه كان معاصرا لابن ماثان، و تزوّج ابنته يشاع‏ «5»، و كان يحيى و عيسى ابني خالة من الأب.

مُحَرَّراً: معتقا لخدمته لا أشغّله بشي‏ء، أو مخلصا للعبادة. و نصبه على الحال.

نقل‏ «6»: أنّها كانت عاقرا عجوزا. فبينا هي في ظلّ شجرة إذ رأت طائرا يطعم فرخه، فحنّت إلى الولد و تمنّته، فقالت: اللّهم إنّ لك عليّ نذرا إن رزقتني ولدا أن أتصّدق به على بيت المقدس فيكون من خدمه. فحملت بمريم، و هلك عمران، و كان هذا النّذر مشروعا عندهم في الغلمان‏ «7»، فلعلّها بنت الأمر على التقدير أو طلبت ذكرا.

فَتَقَبَّلْ مِنِّي‏: ما نذرته.

إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ‏: لقولي.

الْعَلِيمُ‏ (35): بنيّتي.

فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏:

الضّمير لما في بطنها أنّثه، لأنّه كان مؤنّثا. أو لأنّ أنثى حال عنه، و الحال و صاحبها واحد بالذّات. أو على تأويل مؤنّث، كالنّفس. و لفظه خبر، و معناه تحسّر.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ‏: استئناف من اللّه، تعظيما لموضوعها.

و قرأ عامر و أبو بكر عن عاصم و يعقوب: «وضعت» على أنّه من كلامها، تسلية لنفسها، أي، و لعلّ للّه فيه سرّا، أو الأنثى كانت خيرا. و قرئ وضعت، على خطاب اللّه‏

______________________________
(1) الكافي 1/ 478- 479، ضمن حديث 4.

(2) النسخ: الحسين. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: مرتاد.

(4) أنوار التنزيل 1/ 157.

(5) هكذا في المصدر. و في الأصل: «ايشاع» و في ر: الايشاع.

(6) نفس المصدر و الموضع.

(7) المصدر: «في عهدهم للغلمان» بدل «عندهم في الغلمان».

79
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

- تعالى- لها «1».

و في أصول الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه أوحى إلى عمران: إنّي واهب [لك‏] «3» ذكرا، سويّا مباركا، يبرئ الأكمه و الأبرص، و يحيي الموتى بإذن اللّه، و جاعله رسولا إلى بني إسرائيل. فحدّث عمران امرأته حنّة بذلك، و هي أمّ مريم، فلمّا حملت كان حملها بها عند نفسها غلام، فلمّا وضعتها قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏ ... وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏ «4»، و لا تكون البنت رسولا.

يقول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ. فلمّا وهب اللّه [تعالى لمريم‏] «5» عيسى كان هو الّذي بشّر به عمران و وعده إيّاه، فإذا قلنا في الرّجل منّا شيئا فكان‏ «6» في ولده أو ولد ولده، فلا تنكروا ذلك.

وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏:

و اللام فيها للعهد، أي: ليس الذّكر الّذي طلبت كالأنثى الّتي وهبت. فيكون بيانا لقوله: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ‏ أو للجنس، بمعنى، و ليس الذّكر و الأنثى سواء فيما نذرت، فيكون من قولها.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»] «8» عن حفص بن البختريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً، المحرّر يكون في الكنيسة لا يخرج‏ «9» منها. فلمّا وضعتها أنثى قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏ [وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ‏] «10» وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏. [إنّ‏] «11» الأنثى تحيض فتخرج من المسجد، و المحرّر لا يخرج من المسجد.

وَ إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ‏: عطف على ما سبق من قولها، و ما بينهما اعتراض. و إنّما ذكرت ذلك لربّها، تقرّبا إليه، و طلبا لأن يعصمها و يصلحها، حتّى يكون فعلها مطابقا

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) الكافي 1/ 535، ح 1.

(3) من المصدر.

(4) المصدر: «أى» بدل «و».

(5) من المصدر.

(6) المصدر: و كان.

(7) تفسير العياشي 1/ 170، ح 37.

(8) ليس في أ.

(9) المصدر: و لا يخرج.

10 و 11- من المصدر.

80
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

لاسمها، فإنّ مريم في لغتهم، العابدة.

وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ‏: أجيرها بحفظك، وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ‏ (36) المطرود. من الرّجم، بمعنى: الطّرد بالحجارة.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»:] «2» عن سعد الإسكاف، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لقى إبليس عيسى بن مريم فقال: هل نالني من حبائلك شي‏ء؟

قال: جدّتك الّتي قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏- إلى- الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ.

و في أمالي الشّيخ‏ «3»: بإسناده إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في حديث طويل، يذكر فيه تزويج فاطمة الزّهراء- عليها السّلام- و ما أكرمه به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله- و فيه يقول- عليه السّلام-: ثم أتاني فأخذ بيدي، فقال: قم بسم اللّه و قم‏ «4» على بركة اللّه و ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه توكّلت على اللّه، ثمّ جاء بي حتّى‏ «5» أقعدني عندها- عليها السّلام- ثمّ قال: اللّهم إنّهما أحبّ خلقك إليّ، فأحبّهما و بارك في ذرّيّتهما و اجعل عليهما منك حافظا [و] «6» إنّي أعيذهما بك و ذرّيّتهما «7» من الشّيطان الرّجيم.

فَتَقَبَّلَها رَبُّها: فرضي بها في النّذر مكان الذّكر.

بِقَبُولٍ حَسَنٍ‏: بوجه يقبل به النّذائر. و هو إقامتها مقام الذّكر، و تقبّلها عقيب ولادتها قبل أن تكبر و تصلح للسّدانة.

قال البيضاويّ‏ «8»: روي أنّ حنّة لمّا ولدتها، لفّتها في خرقة و حملتها إلى المسجد و وضعتها عند الأحبار، و قالت: دونكم هذه النّذيرة. فتنافسوا فيها. لأنّها كانت بنت إمامهم و صاحب قربانهم. فإنّ بني ماثان كانت رؤوس بني إسرائيل و ملوكهم. فقال زكريا: أنا أحقّ بها، لأنّ‏ «9» عندي خالتها. فأبوا إلّا القرعة و كانوا سبعة و عشرين. فانطلقوا إلى نهر. فألقوا فيه أقلامهم. فطفا قلم زكريا و رسبت أقلامهم. فتكفّلها.

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 171، ح 40.

(2) ليس في أ.

(3) أمالي الطوسي 1/ 38.

(4) المصدر: قل.

(5) المصدر: «جاءني حين» بدل «جاء بي حتّى».

(6) من المصدر.

(7) المصدر: ذرّيتهما بك.

(8) أنوار التنزيل 1/ 158.

(9) ليس في المصدر.

81
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

و يجوز أن يكون مصدرا، على تقدير مضاف، أي، بذي قبول حسن. و أن يكون تقبّل بمعنى استقبل، كتقضّى و تعجّل، أي، فأخذها في أوّل أمرها، حين ولدت، بقبول حسن.

وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً: مجاز عن تربيتها، بما يصلحها، في جميع أحوالها.

وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا:

شدّد الفاء حمزة و الكسائي و عاصم، و قصروا زكريّا غير عاصم، في رواية ابن عيّاش، على أنّ الفاعل هو اللّه، و زكريّا مفعول. و خفّف الباقون، و مدّوا زكريّا مرفوعا «1».

كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ‏، أي: الغرفة الّتي بنيت لها، أو المسجد، أو أشرف مواضعه. و مقدمها سمي به، لأنّه محلّ محاربة الشّيطان.

وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً: جواب «كلّما» و ناصبه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: و في رواية حريز، عن أحدهما- عليهما السّلام- [قال‏:] «3» نذرت ما في بطنها للكنيسة أن يخدم‏ «4» العباد، و ليس الذّكر كالأنثى في الخدمة.

قال: فنبتت، و كانت‏ «5» تخدمهم و تناولهم حتّى بلغت، فأمر زكريّا أن تتّخذ لها حجابا دون العباد، و كان‏ «6» يدخل عليها فيرى عندها ثمرة الشّتاء في الصّيف و ثمرة الصّيف في الشّتاء. فهنالك دعا و سأل ربّه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى.

قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا: من أين لك هذا الرّزق الآتي في غير أوانه، و الأبواب مغلّقة عليك؟

قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏: فلا تستبعد.

إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ (37): بغير تقدير لكثرته، أو بغير استحقاق تفضّلا به. و هو يحتمل أن يكون من كلامها، و أن يكون من كلام اللّه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن إسماعيل الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ امرأة عمران لمّا نذرت ما في بطنها محرّرا، قال: [و] «8» المحرّر للمسجد إذا وضعته‏ «9»

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) تفسير العياشي 1/ 170، ح 38.

(3) من المصدر.

(4) المصدر: تخدم.

(5) المصدر: «فشبّت فكانت» بدل «فنبتت و كانت».

(6) المصدر: فكان.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 36.

(8) من المصدر.

(9) المصدر: [أو]

 

82
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

و أدخل المسجد فلم يخرج من المسجد أبدا. فلمّا ولدت مريم قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏ وَ إِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَ إِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَ ذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ. فساهم‏ «1» عليها [النبيّون‏] «2» فأصاب القرعة زكريّا- و هو زوج أختها- و كفّلها و أدخلها المسجد، فلمّا بلغت ما تبلغ النّساء من الطّمث، و كانت أجمل النّساء و كانت تصلي فيضي‏ء «3» المحراب لنورها. فدخل عليها زكريّا فإذا عندها فاكهة الشّتاء في الصّيف و فاكهة الصّيف في الشّتاء.

فقال: أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.

فهنالك‏ «4» دعا زكريّا ربّه، قال: إنّي خفت الموالي من و رائي، إلى ما ذكره‏ «5» اللّه من قصّة زكريّا و يحيى‏ «6».

و فيه‏ «7» أيضا: عن سيف، عن نجم عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ فاطمة- عليها السّلام- ضمنت لعلي- عليه السّلام- عمل البيت و العجين و الخبز و قم‏ «8» البيت، و ضمن لها عليّ- عليه السّلام- ما كان خلف الباب [من‏] «9» نقل الحطب و أن يجي‏ء بالطّعام، فقال لها يوما: يا فاطمة هل عندك شي‏ء؟

قالت: لا و الّذي عظّم حقّك [ما كان‏] «10» عندنا منذ ثلاثة أيّام‏ «11» شي‏ء نقريك به.

قال: أفلا أخبرتني.

قالت: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نهاني أن أسألك شيئا فقال:

لا تسألي ابن عمّك شيئا، إن جاءك بشي‏ء عفوا و إلّا فلا تسأليه.

قال: فخرج- عليه السّلام- فلقى رجلا، فاستقرض منه دينارا، ثمّ أقبل به و قد

______________________________
(1) النسخ: فساهموا. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(2) من المصدر.

(3) المصدر: «فكانت تصلّي و يضي‏ء» بدل «و كانت تصلّي فيضي‏ء».

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: هنا لك.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: ذكر.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: يحيى و زكريّا.

(7) نفس المصدر 1/ 171، ح 41.

(8) قمّ البيت: كنسه.

(9) من المصدر.

(10) من المصدر.

(11) النسخ: «ثلث الّا» بدل «ثلاثة أيّام».

 

83
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

أمسى فلقى مقداد بن الأسود، فقال للمقداد، ما أخرجك في هذه السّاعة؟

قال: الجوع، و الّذي عظّم حقّك يا أمير المؤمنين.

قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- حيّ؟

قال: و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- حيّ.

قال: فهو أخرجني، و قد استقرضت دينارا و سأؤثرك به. فدفعه إليه، فأقبل فوجد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جالسا و فاطمة تصلّي و بينهما شي‏ء مغطّى. فلمّا فرغت أحضرت ذلك الشي‏ء فإذا جفنة من خبز و لحم.

قال: يا فاطمة أنّى لك هذا؟

قالت: هو من عند اللّه، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب.

فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ألا أحدثك بمثلك و مثلها؟

قال: بلى.

قال: مثل زكريّا إذا دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا، قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا؟ قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. فأكلوا منها شهرا، و هي الجفنة الّتي يأكل منها القائم- عليه السّلام- و هي عندنا.

[و في شرح الآيات الباهرة «1»:] «2» نقل الشّيخ أبو جعفر الطّوسي- رحمه اللّه- في كتاب مصباح الأنوار، بحذف الإسناد قال: روي عن أبي سعيد الخدريّ قال‏: أصبح عليّ- عليه السّلام- ذات يوم، فقال لفاطمة- عليها السّلام-: هل عندك شي‏ء نغتذيه؟

فقالت: لا و الّذى أكرم أبي بالنّبوّة و أكرمك بالوصيّة، ما أصبح الغداة عندي منذ يومين شي‏ء إلّا كنت‏ «3» أؤثرك به على نفسي و على ابني الحسن و الحسين.

فقال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا.

فقالت: يا أبا الحسن إنّي لأستحي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه‏ «4».

______________________________
(1) الأصل و أ: اجترت ر: أخبرت و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(2) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 39- 40.

(3) النسخ: «إلّا شي‏ء» بدل «منذ يومين شي‏ء إلّا كنت». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: به.

 

84
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

فخرج عليّ- عليه السّلام- من عندها واثقا باللّه و حسن الظّنّ به. فاستقرض دينارا.

فأخذه ليشتري به ما يصلحهم. فعرض له المقداد بن الأسود- رضوان اللّه عليه- و كان يوما شديد الحرّ و قد لوّحته الشّمس من فوقه و آذته من تحته. فلمّا رآه أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنكر شأنه، فقال له: يا مقداد ما أزعجك السّاعة من رجلك‏ «1».

فقال: يا أبا الحسن خلّ سبيلي و لا تسألني عمّا ورائي.

فقال: يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتّى أعلم علمك.

فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى اللّه و إليك أن تخلّ سبيلي و لا تكشفني عن حالتي.

فقال: يا أخي لا يسعك أن تكتمني حالك.

فقال: يا أبا الحسن أما أذا أبيت، فو الّذى أكرم محمّدا بالنّبوّة و أكرمك بالوصيّة، ما أزعجني من رجلي‏ «2» إلّا الجهد، و قد تركت عيالي جياعا، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض، خرجت مهموما راكبا رأسي، هذه حالتي و قصّتي.

قال: فانهملت عينا عليّ بالبكاء حتّى بلّت دموعه كريمته. فقال: أحلف بالّذي حلفت به ان ما أزعجني إلّا الّذي أزعجك، و قد اقترضت دينارا فهاكه أؤثرك به على نفسي. فدفع إليه الدّينار و رجع. فدخل المسجد فسلّم.

فردّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- السّلام و قال: يا أبا الحسن هل عندك عشاء نتعشّاه‏ «3» فنقبل‏ «4» معك؟ فمكث أمير المؤمنين- عليه السّلام- مطرقا لا يحير جوابا، حياء من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و كان قد عرّفه اللّه ما كان من أمر الدّينار، و من أين وجهه بوحي من اللّه، و أمره‏ «5» أن يتعشّى عند عليّ تلك اللّيلة، فلمّا نظر إلى سكوته قال: يا أبا الحسن ما لك لا تقول: لا، فأنصرف عنك، او: نعم، فامضي معك؟

فقال: حبّا و كرامة اذهب بنا، فأخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بيد أمير المؤمنين و انطلقا حتّى دخلا على فاطمة- صلوات اللّه عليها و عليهم أجمعين- و هي في محرابها قد قضت صلاتها و خلفها جفنة تفور دخانا، فلمّا سمعت كلام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- خرجت من مصلاها و سلّمت عليه و كانت أعزّ «6» النّاس عليه،

______________________________
(1) كذا في النسخ و المصدر. و لعله «رحلك».

(2) أيضا يمكن أن يكون «رحلي».

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: تعشيناه.

(4) المصدر: «فيميل» أو «فنميل».

(5) النسخ: «يأمره» بدل «و أمره».

(6) أ: آخر.

 

85
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 35 الى 38] ص : 78

فرّد عليها السّلام و مسح بيده‏ «1» على رأسها، و قال: يا بنتاه كيف أمسيت يرحمك اللّه؟

قالت: بخير.

قال: عشّينا، رحمك اللّه. و قد قعد، فأخذت الجفنة و وضعتها بين يدي رسول اللّه و عليّ- صلّى اللّه عليهما و آلهما- فلمّا نظر أمير المؤمنين إلى الطّعام و شمّ ريحه [رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا.

فقالت له فاطمة: سبحان اللّه، ما أشحّ نظرك و أشدّه! فهل أذنبت فيما بيني و بينك ذنبا أستوجب به السّخطة منك؟

فقال: و أي ذنب أعظم من ذنب أصبت اليوم؟ أليس عهدي بك و أنت تحلفي باللّه مجتهدة أنّك ما طعمت طعاما منذ يومين؟

فنظرت إلى السّماء و قالت: إلهي يعلم ما في سمائه و أرضه أنّي لم أقل إلّا حقّا.] «2» فقال لها: يا فاطمة فأنّى لك هذا الطّعام، الّذي لم أنظر إلى مثل لونه، و لم أشمّ مثل ريحه قطّ، و لم آكل أطيب منه؟

قال: فوضع النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- كفّه المباركة على كتف عليّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- و هزّها ثمّ هزّها ثلاث مرّات، [ثمّ‏] «3» قال: يا عليّ هذا بدل دينارك، هذا جزاء «4» دينارك من عند اللّه، إنّ اللّه يرزق من يشاء بغير حساب. ثمّ استعبر باكيا و قال: الحمد للّه الّذي أبى لكما أن يخرجكما من الدّنيا حتّى يجريك يا عليّ مجرى زكريا، و يجريك يا فاطمة مجرى مريم بنت عمران، و هو قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. قالَ: يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا. قالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ‏: في ذلك المكان، أو في ذلك الوقت- و هنا و ثمّ و حيث، تستعار للزّمان- لمّا رأى كرامة مريم و منزلتها من اللّه. أو لمّا رأى الفواكه في غير أوانها، تنبّه لجواز ولادة العاقر من الشّيخ، فسأل ربّه.

قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً: كما وهبتها لحنّة العجوز العاقر.

إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (38) مجيبه.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: يده.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(3) من المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: أجر.

86
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

و في عيون الأخبار «1»: بإسناده إلى الرّيّان بن شبيب قال‏: دخلت على الرّضا- عليه السّلام- في أوّل يوم من المحرّم، فقال لي: يا بن شبيب أصائم أنت؟

فقلت‏ «2»: لا.

فقال: إنّ هذا اليوم هو اليوم الّذي دعا فيه زكريا- عليه السّلام- ربّه- عزّ و جلّ- فقال: رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ، فاستجاب اللّه له، و أمر الملائكة فنادت زكريّا: وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى‏ مُصَدِّقاً «3».

فمن صام هذا اليوم، ثمّ دعا اللّه تعالى استجاب اللّه تعالى له، كما استجاب [اللّه‏] «4» لزكريا- عليه السّلام-.

و في الكافي‏ «5»: محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن رجل، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه‏ «6»- عليه السّلام- قال‏: من أراد أن يحبل له، فليصلّ ركعتين بعد الجمعة يطيل فيهما الرّكوع و السّجود، ثمّ يقول: اللّهمّ إنّي أسألك بما سألك به زكريا- عليه السّلام- إذ قال: ربّ لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين، اللّهمّ هب لي ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء، اللّهمّ باسمك استحللتها و في أمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها ولدا، فاجعله غلاما، و لا تجعل للشّيطان فيه نصيبا و لا شريكا.

و في مجمع البيان‏ «7»: و روى الحارث بن المغيرة «8» قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّي من أهل بيت قد انقرضوا و ليس لي ولد.

فقال: ادع اللّه‏ «9» و أنت ساجد: ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء، رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ. «10» قال: ففعلت‏ «11»، فولد [لي‏] «12» عليّ و الحسين.

فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ، أي: من جنسهم، كقولهم: زيد يركب الخيل. فإنّ المنادي ملك.

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا 1/ 299 ح 58.

(2) المصدر: قلت.

(3) ليس في المصدر.

(4) من المصدر.

(5) الكافي 3/ 482، ح 3.

(6) أو المصدر: أبي جعفر.

(7) مجمع البيان 4/ 61.

(8) هكذا في أ. و في الأصل و المصدر: الحرث بن المغيرة.

(9) ليس في المصدر.

(10) الأنبياء/ 89.

(11) هكذا في المصدر. و في النسخ: فقلت.

(12) من المصدر.

87
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

و قرأ حمزة و الكسائيّ «فناديه» بالإمالة و التّذكير «1».

وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ‏، أي: قائما في الصّلاة. و يصلّي، صفة قائم. أو خبر آخر. أو حال أخرى. أو حال عن الضّمير في «قائم».

و في من لا يحضره الفقيه‏ «2»: و قال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ طاعة اللّه- عزّ و جلّ- خدمته في الأرض، و ليس شي‏ء من خدمته يعدل الصّلاة، فمن ثمّ نادت الملائكة زكريّا، و هو قائم يصلّي في المحراب.

أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى‏، أي، بأنّ اللّه.

و قرأ نافع و ابن عامر «3» «بالكسر» على إرادة القول، أو لأنّ النّداء نوع منه.

و قرأ حمزة و الكسائي «يبشّرك» من الإبشار «4».

و يحيى، أعجميّ و إن جعل عربيّا، فمنع صرفه للتّعريف، و وزن الفعل.

مُصَدِّقاً: حال من «يحيى»، بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏، أي: بعيسى. سمّي بذلك، لأنّه وجد بأمره تعالى من دون أب. أو بكتاب اللّه، سمّي بها تسمية للكلّ باسم جزئه، وَ سَيِّداً: يسود قومه و يفوقهم بالعصمة، لأنّه كان نبيّا، وَ حَصُوراً: مبالغا في حبس النّفس عن الشّهوات و الملاهي.

و نقل‏ «5»: أنّه مرّ [في صباه‏] «6» بصبيان، فدعوه إلى اللّعب، فقال: ما للّعب خلقت.

و في مجمع البيان‏ «7»: حصورا [: و هو الّذي‏ «8» لا يأتي النّساء. و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

وَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ‏ (39): ناشئا منهم، أو كائنا من عداد من لم يأت كبيرة و لا صغيرة.

في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «9»: بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ،

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 159.

(2) من لا يحضره الفقيه 1/ 133، ح 623.

(3) النسخ: «و قرأ نافع و حمزة و ابن عامر.» و هي خطأ بدلالة المصدر. و هو أنوار التنزيل 1/ 159.

(4) أنوار التنزيل 1/ 159.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) من المصدر.

(7) مجمع البيان 1/ 438.

(8) من المصدر.

(9) كمال الدين و تمام النعمة/ 225- 226.

 

88
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبيّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قد ذكر عيسى بن مريم- عليهما السّلام-: فلمّا أراد اللّه أن يرفعه أوحى إليه أن يستودع‏ «1» نور اللّه و حكمته و علم كتابه شمعون بن حمّون الصّفا خليفته على المؤمنين، ففعل ذلك، فلم يزل شمعون في قومه‏ «2» يقوم بأمر اللّه- عزّ و جلّ- و يهتدي‏ «3» بجميع مقال عيسى- عليه السّلام- في قومه من بني إسرائيل و يجاهد الكفّار، فمن أطاعه و آمن به و بما «4» جاء به كان مؤمنا، و من جحده و عصاه كان كافرا، حتّى استخلص ربّنا- تبارك و تعالى- و بعث في عباده نبيّا من الصّالحين و هو يحيى بن زكريّا، فمضى‏ «5» شمعون و ملك عند ذلك أردشير بن بابكان‏ «6» أربع عشرة سنة و عشرة أشهر.

و في ثمان سنين من ملكه، قتلت اليهود يحيى بن زكريّا- عليهما السّلام- و لمّا «7» أراد اللّه- عزّ و جلّ- أن يقبضه، أوحى إليه أن يجعل الوصيّة في ولد شمعون، و يأمر الحواريّين و أصحاب عيسى بالقيام معه، ففعل ذلك، و عندها ملك سابور بن أردشير ثلاثين سنة حتّى قتله اللّه، و كمل‏ «8» علم اللّه و نوره و تفصيل حكمته في ذرّيّة يعقوب بن شمعون، و معه الحواريّون من أصحاب عيسى- عليه السّلام- و عند ذلك ملك بخت نصر مائة سنة و سبعا و ثمانين سنة، و قتل من اليهود سبعين ألف مقاتل على دم يحيى بن زكريّا، و خرّب بيت المقدس، و تفرّقت اليهود في البلدان.

قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ‏: استبعادا من حيث العادة، أو استعظاما و تعجّبا أو استفهاما عن كيفيّة حدوثه.

وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ: أدركني كبر السّنّ.

قال البيضاويّ‏ «9»: و كان‏ «10» له تسع و تسعون سنة، و لا مرأته ثمان و تسعون [سنة.] «11»

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: استودع.

(2) «في قومه» ليس في المصدر.

(3) هكذا ورد في هامش الأصل. و في متنه: «يجي‏ء». و في المصدر: «يحتذي».

(4) النسخ: «فيما» بدل «و بما». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) المصدر: ثم قبض.

(6) النسخ: «زاكا». تفسير نور الثقلين: «زاركا». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(7) المصدر: فلمّا.

(8) ليس في المصدر.

(9) أنوار التنزيل 1/ 159.

(10) المصدر: كانت.

(11) من المصدر.

89
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ: لا تلد من العقر، و هو القطع، لأنّها ذات عقر من الأولاد.

قالَ كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (40): كذلك اللّه، مبتدأ مؤخّر و خبر مقدّم، للقرينة، أي: اللّه على مثل هذه الصّفة. و يفعل ما يشاء، بيان له، أي: ما يشاء من العجائب. و هو إنشاء الولد من شيخ فان و عجوز عاقر. أو كذلك، خبر مبتدأ محذوف، أي: الأمر كذلك. و اللّه يفعل ما يشاء، جملة أخرى لبيان أنّه يفعل ما يريده من العجائب، أي: أنت و زوجك كبير و عاقر، و اللّه يفعل ما يشاء من خلق الولد.

و يحتمل أن يكون «كذلك» مفعولا مطلقا «ليفعل» و يكون ذلك إشارة إلى ما نعجب منه، أي: اللّه يفعل ما يشاء من العجائب مثل ذلك الفعل، أي: إنشاء الولد من الفاني و العاقر. أو إشارة إلى ما بيّنه من حالتهما، أي: الّذي يفعل ما يشاء من خلق الولد، كما أنت عليه و زوجك من الكبر و العقر.

قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً: علامة أعلم بها أنّ ذلك الصّوت من اللّه، و يكون عبادة يتدارك بها ما دخله من تلك الهبة. و ذلك لأنّه إذا جعل له آية و أوحى إليه، الآية من اللّه [عبادة و شكرا للموهبة،] «1» يعلم أنّ صوت الملائكة بأمر اللّه و وحيه، و يخضع للّه تعالى شكرا لنعمه.

في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ زكريّا لمّا دعا ربّه أن يهب له ذكرا «3»، فنادته الملائكة بما نادته [به،] «4» أحبّ أن يعلم أنّ ذلك الصّوت من اللّه، فأوحى‏ «5» إليه: أنّ آية ذلك أن يمسك لسانه عن الكلام ثلاثة أيّام، قال: فلمّا أمسك لسانه و لم يتكلّم، علم أنّه لا يقدر على ذلك إلّا اللّه، و ذلك قول اللّه:

رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [إِلَّا رَمْزاً.

و عن حمّاد «6»، عمّن حدّثه، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: لمّا سأل [زكريّا] «7» ربّه أن يهب له ذكرا، فوهب له يحيى، فدخله من ذلك، فقال: رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً. فكان يؤمئ برأسه، و هو الرّمز.

______________________________
(1) ليس في أ.

(2) تفسير العياشي 1/ 172، ح 43.

(3) هكذا في المصدر. في النسخ: ولدا.

(4) من المصدر.

(5) المصدر: أوحى.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 44.

(7) من المصدر.

90
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ‏، أي: اللّه أوحى إليه: أنّ آيتك و عبادتك ألّا تكلّم النّاس في ثلاثة أيّام.] «1» و تخلص المّدة لذكر اللّه و شكره، قضاء لحقّ النّعمة.

إِلَّا رَمْزاً: إشارة برأسك. و أصله التحريك و منه الرّاموز للبحر. و الاستثناء منقطع.

و قيل‏ «2»: متصل و المراد بالكلام ما دلّ على الضمير.

هذا إذا قرئ يمسك في الخبر الأوّل على البناء للفاعل، و إرجاع ضميره إلى زكريّا. و أمّا إذا قرئ على البناء للمفعول، أو يجعل فاعل الإمساك هو اللّه سبحانه، فالحلّ ما نقله البيضاويّ‏ «3»-، من أنّ المعنى: اجعل لي آية علامة أعرف بها الحبل، و لأستقبله‏ «4» بالبشاشة و الشّكر، و تزيح مشقّة الانتظار. قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ‏، أي:

لا تقدر على تكليم‏ «5» النّاس ثلاثا.

و قرئ: رمز، كخدم، جمع رامز. و رمز، كرسل، جمع رموز، على أنّه حال منه.

و من النّاس، بمعنى: مترامزين. كقوله:

متى تلقني فردين تزحف‏

زوانف‏ «6» أليتيك و تستطار «7».

 

وَ اذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً: أي، في أيّام الإمساك عن الكلام مع النّاس. و هو مؤكّد لما قبله، مبيّن للغرض منه.

قال البيضاويّ‏ «8»: و تقييد الأمر بالكثير «9»، يدلّ على أنّه ليس للتّكرار «10». و فيه أنّه لعلّ التّقييد لتأكيد ما يفيده الأمر، فلا يدلّ على المدّعي.

وَ سَبِّحْ بِالْعَشِيِ‏: من الزّوال إلى الغروب.

و قيل‏ «11»: من العصر، أو الغروب إلى ذهاب صدر اللّيل.

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) أنوار التنزيل 1/ 159.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: أستقبله.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: تكلم.

(6) هكذا في الأصل. و في المصدر و أ: روانف‏

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) نفس المصدر 1/ 160.

(9) هكذا في النسخ. و في المصدر: بالكثرة.

(10) هكذا في النسخ. و في المصدر: «لا يفيد التكرار» بدل «ليس للتكرار».

(11) نفس المصدر و الموضع.

91
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

وَ الْإِبْكارِ (41): من طلوع الفجر إلى الضّحى.

و قرئ بفتح الهمزة، جمع بكر، كسحر و أسحار «1».

وَ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى‏ نِساءِ الْعالَمِينَ‏ (42) قال البيضاويّ‏ «2»: كلّموها شفاها كرامة لها، و من أنكر الكرامة زعم أنّ ذلك كان‏ «3» معجزة لزكريّا، أو إرهاصا لنبّوة عيسى- عليه السّلام- فإنّ الإجماع على أنّه تعالى لم يستنبئ امرأة، لقوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ‏ «4» قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا. و قيل: ألهموها. (انتهى) و يمكن أن يقال من قبل منكر الكرامة: لا تكون الكرامة لمن لم يكن فيه نصّ بالكرامة، و أمّا من حصل له التّخصيص بالتّنصيص كمريم و فاطمة صلوات اللّه عليهما، فهو بمنزلة الاستثناء.

و المقصود أنّه لا تجوز الكرامة لمن سواه، كوقوع المعجزة للأنبياء و الأئمّة، فإنّهم يتخصّصون بها، و لا يلزم من وقوع شي‏ء لأحد جواز وقوعه لكلّ أحد شرعا، و إن لم يمتنع عليه عقلا، و المجوّز وقوعه لكلّ أحد بوقوعه لبعض التبس عليه معنى الجواز، فتبصّر.

قيل‏ «5»: الاصطفاء الأوّل تقبّلها من أمّها، و لم تقبل قبلها أنثى، و تفريغها للعبادة، و إغناؤها برزق الجنّة عن الكسب [، و تطهيرها عمّا يستقذر من النّساء] «6». و الثّانية هدايتها، و إرسال الملائكة إليها، و تخصيصها بالكرامات السّنيّة، كالولد من غير أب، و تبرئتها ممّا «7» قذفته اليهود بإنطاق الطّفل، و جعلها و ابنها آية للعالمين.

و الأظهر أنّ الاصطفاء الأوّل، اصطفاؤها من ذرّيّة الأنبياء و الثّاني، اصطفاؤها لولادة عيسى، من غير فحل، و تطهيرها، طهّرها من أن يكون في آبائها و أمّهاتها و في نفسها سفاح.

و قيل‏ «8»: و تطهيرها ممّا «9» يستقذر من النّساء.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) هكذا في النسخ. و في المصدر: كانت.

(4) ليس في المصدر.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) من المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: عمّا.

(8) نفس الموضع و المصدر.

(9) هكذا في النسخ. و في المصدر: عمّا.

92
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

و ينافيه ظاهر ما سبق في الخبر من قوله: فلمّا بلغت ما يبلغ النّساء من الطّمث.

و أمّا ما رواه العيّاشي‏ «1» في تفسيره، عن الحكم بن عتيبة «2»، قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه في الكتاب، إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ عَلى‏ نِساءِ الْعالَمِينَ. اصطفاها مرّتين، و الاصطفاء إنّما هو مرّة واحدة؟

قال: فقال [لي:] «3» يا حكم إنّ لهذا تأويلا و تفسيرا.

فقلت له: ففسّره لنا أبقاك اللّه.

فقال: يعني اصطفاءها «4» إيّاها أوّلا من ذرّيّة الأنبياء المصطفين المرسلين، و طهّرها من أن يكون في ولادتها من آبائها و أمّهاتها سفاح‏ «5»، و اصطفاءها بهذا في القرآن، يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي [مَعَ الرَّاكِعِينَ‏] «6» شكرا للّه.

فالظّاهر أنّ السّائل قد خفي عليه الاصطفاء الأوّل، و انحصر الاصطفاء عنده في الثّاني، و سأل فبيّنه- عليه السّلام- له، و سكت عن الثّاني لظهوره عنده.

و في مجمع البيان‏ «7»: وَ اصْطَفاكِ عَلى‏ نِساءِ الْعالَمِينَ‏، أي: عالمي‏ «8» زمانك، لأنّ فاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليها و على أبيها و بعلها و بنيها- سيّدة نساء العالمين.

و هو قول أبي جعفر- عليه السّلام-.

و قد «9» روي عن النّبيّ،- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال‏: فضلّت خديجة على نساء أمّتي كما فضلّت مريم على نساء العالمين.

و قال أبو جعفر- عليه السّلام-: معنى الآية: و اصطفاك من ذرّيّة الأنبياء، و طهّرك من السّفاح، و اصطفاك لولادة عيسى من غير فحل و زوج.

يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَ اسْجُدِي وَ ارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ‏ (43)

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 173، ح 47.

(2) هكذا في أو تفسير نور الثقلين. و في الأصل و رو المصدر: «غيينة». و الظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 358، ذيل «الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي»، و ص 360، ذيل «الحكم بن عيينة».

(3) من المصدر.

(4) النسخ: «اصطفاءه» و هو صحيح ايضا.

(5) المصدر: سفاحا.

(6) من أ.

(7) مجمع البيان 1/ 440.

(8) المصدر: «على نساء» بدل «عالمي».

(9) «قد» ليس في المصدر. و الأحسن وجودها.

93
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

قيل‏ «1»: أمرت بالصّلاة في الجماعة بذكر أركانها، مبالغة في المحافظة عليها. و قدّم السّجود على الرّكوع، إمّا لكونه كذلك في شريعتهم، أو للتّنبيه على أنّ الواو لا توجب التّرتيب، أو ليقترن اركعي بالرّاكعين للإيذان بأنّ من ليس في صلاتهم ركوع ليسوا مصلّين.

و قيل‏ «2»: يحتمل أن يكون في زمانها من كان يقوم و يسجد في صلاته و لا يركع، و فيه من يركع، فأمرت بأن تركع مع الرّاكعين، و لا تكون مع من لا يركع.

و قيل‏ «3»: المراد بالقنوت أداء الطّاعة، كقوله‏ «4»: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً. و بالسّجود، الصّلاة، كقوله‏ «5»: وَ أَدْبارَ السُّجُودِ. و بالرّكوع، الخشوع و الإخبات.

و في كتاب علل الشرائع‏ «6»، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: إنّما سمّيت فاطمة- عليها السّلام- محدّثة، لأنّ الملائكة كانت تهبط من السّماء، فتناديها كما تنادي مريم بنت عمران، فتقول: يا فاطمة إنّ اللّه اصطفاك و طهّرك و اصطفاك على نساء العالمين، يا فاطمة اقنتي لربّك و اسجدي و اركعي مع الرّاكعين، فتحدّثهم و يحدّثونها، فقالت لهم ذات ليلة: أ ليست المفضّلة على نساء العالمين مريم بنت عمران؟ فقالوا: إنّ مريم كانت سيّدة نساء عالمها، و إنّ اللّه- عزّ و جلّ- جعلك سيّدة نساء عالمك و عالمها، و سيّدة نساء الأوّلين و الآخرين.

[و في أصول الكافي‏ «7»، بإسناده إلى عليّ بن محمّد الهرمزاني‏ «8»، عن أبي عبد اللّه الحسين بن عليّ- عليه السّلام-، قال‏: لمّا قبضت فاطمة- عليها السّلام- دفنها أمير المؤمنين- عليه السّلام- سرّا، و عفا على موضع قبرها. ثمّ قام‏ «9» فحوّل وجهه إلى قبر

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 160.

(2) تفسير الكشاف 1/ 429.

(3) أنوار التنزيل 1/ 160.

(4) الزمر/ 3.

(5) ق/ 40.

(6) علل الشرائع/ 182، ح 1.

(7) الكافي 1/ 458- 459، صدر حديث 3.

(8) هكذا في المصدر و في النسختين الأصل ور: «الهرمزي». و الظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال 2/ 309، رقم 8515.

(9) هكذا في المصدر. و في النسختين الأصل ور: قال.

 

94
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: السّلام عليك يا رسول اللّه عنّي، و السّلام عليك عن ابنتك، و زائرتك، و البائتة في الثّرى ببقعتك، و المختار اللّه لها سرعة اللّحاق بك. قلّ يا رسول اللّه عن صفيّتك صبري، و عفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.] «1»

و في نهج البلاغة «2»، من كتاب له- عليه السّلام- إلى معاوية جوابا: و منّا خير نساء العالمين و منكم حمّالة الحطب.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «3»، روى المعلّى بن محمّد البصريّ، عن جعفر بن سليمان، عن عبد اللّه بن الحكم‏ «4»، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ عليّا وصييّ، و خليفتي، و زوجته فاطمة سيّدة نساء العالمين ابنتي.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه‏ «5»- بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال‏: أيّما امرأة صلّت في اليوم و اللّيلة خمس صلوات، و صامت شهر رمضان، و حجّت بيت اللّه الحرام، و زكّت مالها، و أطاعت زوجها، و والت عليّا [بعدي‏] «6» دخلت الجنّة بشفاعة ابنتي فاطمة. فانّها «7» لسيّدة نساء العالمين.

فقيل له‏ «8»: يا رسول اللّه أ هي سيّدة نساء «9» عالمها؟

فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: ذاك مريم ابنة عمران. و أما «10» ابنتي فاطمة فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين و الآخرين. و إنّها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون الف ملك‏

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) نهج البلاغة/ 387، ضمن رسالة 28.

(3) من لا يحضره الفقيه 4/ 131، ح 455.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: «أبي عبد اللّه بن الحكم». و الظاهر هي خطأ. ر. رجال النجاشي/ 225، رقم 591.

(5) أمالي الصدوق/ 393- 394، ضمن حديث 18.

(6) من المصدر.

(7) أو المصدر: و إنّها.

(8) ليس في المصدر.

(9) المصدر: لنساء.

(10) المصدر: «ذاك لمريم بنت عمران فامّا» بدل «ذاك مريم ابنة عمران و أمّا».

 

95
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

من الملائكة المقرّبين، و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم، فيقولون: يا فاطمة إنّ اللّه اصطفاك، و طهّرك، و اصطفاك على نساء العالمين.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده إلى الأصبغ بن نباتة «1»، قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في بعض خطبه: أيّها النّاس اسمعوا قولي و اعقلوه‏ «2» عنّي، فإنّ الفراق قريب. أنا إمام البريّة، و وصيّ خير الخليفة، و زوج سيّدة نساء هذه الأمّة.

ذلِكَ‏، أي: ما ذكرنا من قصص زكريّا و يحيى و مريم، مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ‏: من الغيوب الّتي لم تعرفها إلّا بالوحي.

وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ‏:

قيل‏ «3»: أقداحهم للاقتراع في نهر الأردنّ‏ «4».

و قيل‏ «5»: أقلامهم الّتي كانوا يكتبون [بها] «6» التّوراة تبرّكا.

و المراد تقرير كونه وحيا على سبيل التّهكّم بمنكريه. فإنّ طريق معرفة الوقائع المشاهدة أو السّماع. و عدم السّماع معلوم لا شبهة فيه عندهم. فبقي أن يكون الاهتمام‏ «7» باحتمال العيان، و لا يظنّ به عاقل، ليعلموا:

أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏: معمول لما دلّ عليه‏ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ‏.

و في كتاب الخصال‏ «8»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: أوّل من سوهم عليه مريم بنت عمران، و هو قول اللّه تعالى: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏، و السّهام ستّة.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «9»، مثله.

______________________________
(1) نفس المصدر/ 484- 485، صدر حديث 9.

(2) المصدر: اعتقلوه.

(3) أنوار التنزيل 1/ 160.

(4) النسخ: «شهر أردن» و هي خطأ ظاهرا. و كلمة «شهر» فارسية. بمعنى مدينه. و أما بالنسبة إلى إلقائهم أقلامهم في ماء النهر للاقتراع راجع بحار الأنوار 14/ 196 نقلا عن مجمع البيان. و هو نهر الأردنّ، راجع تفسير القاسمي (محاسن التأويل) 4/ 98.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) من المصدر.

(7) المصدر: الإيهام.

(8) الخصال/ 156، ح 198. و للحديث تتمة.

(9) من لا يحضره الفقيه 3/ 51، ح 173. و له تتمة.

96
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 39 الى 44] ص : 87

وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ‏ (44): تنافسا في كفالتها.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»، قال: لمّا ولدت اختصم‏ «2» آل عمران فيها، فكلّهم‏ «3» قالوا: نحن نكفّلها، فخرجوا و ضربوا «4» بالسّهام بينهم، فخرج‏ «5» سهم زكريّا، فتكفّلها «6» زكريّا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»، عن الحكم بن عتيبة «8»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: قال لنبيّه محمد- صلّى اللّه عليه و آله- يخبره بما غاب عنه من خبر مريم و عيسى: يا محمّد ذلك من أنباء الغيب، نوحيه إليك في مريم و ابنها، و بما خصّهما اللّه به‏ «9» و فضّلهما و كرّمهما «10»، حيث قال: وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ‏ يا محمّد يعني بذلك ربّ‏ «11» الملائكة، إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏ حين أيتمت من أبيها.

و في رواية اخرى‏ «12»، عن ابن أبي خوار «13» أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ‏ حين أيتمت من أبيها «14» وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ‏ يا محمّد إِذْ يَخْتَصِمُونَ‏ في مريم [عند ولادتها بعيسى‏] «15» [بن مريم‏] «16» أيّهم يكفلها و يكفل ولدها.

قال: [فقلت‏] «17» له: أبقاك اللّه فمن كفلها؟

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 102.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: اختصموا.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: و كلّهم.

(4) هكذا في النسخ. و في المصدر: قارعوا.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: و خرج‏

(6) هكذا في المصدر: و في النسخ: فكفلها.

(7) تفسير العياشي 1/ 173، ذيل حديث 47.

(8) النسخ و المصدر: «عيينة» و هو وهم. ر. تنقيح المقال 1/ 358، ذيل «الحكم بن عتيبة الكوفي الكندي»، و ص 360، ذيل «الحكم بن عيينة».

(9) النسخ: «منه» بدل «اللّه به». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(10) المصدر: أكرمهما.

(11) المصدر: لربّ.

(12) نفس المصدر و الموضع، ح 48. و للحديث تتمة.

(13) هكذا في النسخ. و في المصدر و تفسير البرهان 1/ 283 رقم 16: خرزاد. و في تفسير نور الثقلين: خراد.

و نحن لم نعثر على ترجمة لهذا الراوي في كتب الرجال.

(14) المصدر: أبويها.

(15) من المصدر.

(16) من أ.

(17) من المصدر.

 

97
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

 

فقال: أما تسمع لقوله الآية

إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ: بدل من «إذ قالت» الأولى أو من «إذ يختصمون» بناء على أنّ الاختصام و البشارة في زمان متّسع، كقولك: لقيته سنة كذا. يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ‏:

المسيح لقبه، و هو من الألقاب المادحة، و أصله مشيحا بالعبرانيّة، و معناه:

المبارك، كقوله‏ «1»: و جعلني مباركا.

و عيسى معرّب أيشوع، و اشتقاقهما «2» من المسح، لأنّه مسح بالبركة، أو بما طهّره من الذّنوب، أو مسح الأرض و لم يقم في موضع، أو مسحه جبرئيل. و من العيس و هو بياض يعلوه حمرة، كالرّاقم على الماء.

فإن قلت: لم قيل: اسمه المسيح عيسى بن مريم، و هذه ثلاثة أشياء، الاسم منها عيسى، و اما المسيح و الابن فلقب و صفة؟

قلت الاسم للمسمّى علامة يعرف بها و يتمّيز بها عن غيره، فكأنّه قيل: الّذي يعرف به، و يتميّز ممّن سواه، مجموع هذه الثّلاثة. و يحتمل أن يكون عيسى خبر مبتدأ محذوف، و ابن مريم صفته. و أن يكون كلّ من الثّلاثة اسما، بمعنى: أنّ كلّا منها يميّز تمييز الأسماء. و لا ينافي تعدّد الخبر افراد المبتدأ، فإنّه اسم جنس مضاف، و إنّما قيل: ابن مريم و الخطاب لها تنبيها على أنّه يولد من غير أب، إذ الأولاد تنسب إلى الآباء، و لا تنسب إلى الأمّ، إلّا إذا فقد الأب.

وَجِيهاً فِي الدُّنْيا: حال مقدّرة من «كلمة» الموصوفة بقوله: «منه». و التّذكير للمعنى، و وجاهته في الدّنيا بالنّبوّة.

وَ الْآخِرَةِ: بالشّفاعة.

وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏ (45): من اللّه.

و قيل‏ «3»: إشارة إلى علو درجته في الجنّة.

و قيل‏ «4»: إلى رفعه إلى السّماء، و صحبته الملائكة.

وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا، أي: حال كونه طفلا و كهلا كلام الأنبياء

______________________________
(1) مريم/ 31.

(2) هكذا في أنوار التنزيل 1/ 160. و في النسخ: «أيسوع و مشتقهما» بدل «ايشوع و اشتقاقهما».

(3) أنوار التنزيل 1/ 161.

(4) نفس المصدر و الموضع.

 

98
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

من غير تفاوت.

و في أصول الكافي‏ «1»، عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- أ كان عيسى بن مريم حين تكلّم في المهد حجّة اللّه على أهل زمانه؟

فقال: كان يومئذ نبيّا حجّة اللّه غير مرسل، أما تسمع لقوله حين قال‏ «2»: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَ جَعَلَنِي نَبِيًّا وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَ أَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا

. و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و «المهد» مصدر، سمّي به ما يمهّد للصّبيّ من مضجعه.

و «الكهل» من خطّه الشّيب و رأيت له بجالة. و لذا قيل‏ «3»: و المراد و كهلا بعد نزوله.

[لأنّه رفع شابّا] «4» و ذكر أحواله المختلفة المتنافية إشارة «5» إلى أنّه ممكن ليس بإله‏ «6».

وَ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ (46): قال ثالث من «كلمة» أو ضميرها الّذي في «يكلّم».

قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ: تعجّب.

و قيل‏ «7»: استبعاد عاديّ، أو استفهام عن أنّه يكون بتزوّج أو غيره.

قالَ‏: جبرئيل، أو اللّه و جبرئيل حكى بها قوله تعالى: كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى‏ أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏ (47)، أي: كما أنّه يقدر أن يخلق الأشياء بأسباب و موادّ متدرّجا، يقدر أن يخلقها دفعة من غير ذلك.

وَ يُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ‏ (48):

إمّا كلام مبتدأ ذكر تطييبا لقلبها، و إزاحة لما همّها من خوف اللّوم على أنّها تلد من غير زوج. أو عطف على «يبشّرك» أو «وجيها».

______________________________
(1) الكافي 1/ 382، ضمن حديث 1.

(2) مريم/ 31.

(3) أنوار التنزيل 1/ 161.

(4) ليس في المصدر.

(5) المصدر: إرشادا.

(6) المصدر: «بمعزل عن الألوهيّة» بدل «ممكن ليس باله».

(7) نفس المصدر و الموضع.

99
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

و الكتاب الكتبة، أو جنس الكتب المنزلة. و تخصيص الكتابين لفضلهما.

و قرأ عاصم و نافع، بالياء «1».

وَ رَسُولًا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ‏: منصوب بمقدّر، على إرادة القول. و التّقدير «و يقول: أرسلت رسولا» أو بالعطف، على الأحوال المتقدّمة. و تخصيص بني إسرائيل لخصوص من بعثته، أو للرّدّ على من زعم أنّه مبعوث إلى غيره.

في كتاب كمال الدّين‏ «2» و تمام النّعمة، بإسناده إلى محمّد بن الفضل‏ «3»، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهم السّلام- في حديث طويل، يقول فيه: ثمّ انّ اللّه- عزّ و جلّ- أرسل عيسى- عليه السّلام- إلى بني إسرائيل خاصّة، و كانت نبوّته ببيت المقدس.

أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏: متعلّق «برسولا» على تضمين معنى النّطق، أي: ناطقا بأنّي الخ.

و الآية ما يذكر بعده و هو:

أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ: نصب‏ «4» بدل من «أنيّ»، أو جرّ بدل من «آية»، أو رفع على هي أنّي، و المعنى: أقدر و أصوّر لكم مثل صورة الطّير.

فَأَنْفُخُ فِيهِ‏:

الضّمير للكاف، أي: في ذلك المثل.

فَيَكُونُ طَيْراً: فيصير طيّارا.

بِإِذْنِ اللَّهِ‏: بأمره. و نبّه به على أنّ إحياءه من اللّه لا منه.

و قرأ نافع هنا و في المائدة طائرا، بألف و همزة «5».

و في كتاب الخصال‏ «6»، عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال‏: كان عليّ ابن أبي طالب- عليه السّلام- بالكوفة في الجامع، إذ قام إليه رجل من أهل الشّام فسأله عن مسائل، فكان فيما سأله [أن قال له‏] «7»: أخبرني عن ستّة لم يركضوا في رحم؟

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) كمال الدين و تمام النعمة/ 220.

(3) المصدر: محمد بن الفضيل.

(4) أ: فيصير طيّارا نصب ...

(5) أنوار التنزيل 1/ 161.

(6) الخصال/ 322، ح 8.

(7) من المصدر.

 

100
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

فقال: آدم و حوّاء و كبش إبراهيم‏ «1» و عصا موسى و ناقة صالح و الخفّاش الّذي عمله عيسى بن مريم، فطار بإذن اللّه تعالى.

وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ‏: الّذي ولد أعمى، و الممسوح العين.

وَ الْأَبْرَصَ‏: الّذي به البرص، نقل‏ «2»: أنّه ربّما يجتمع عليه ألوف من المرضى، من أطاق منهم أتاه، و من لم يطق أتاه عيسى. و ما يداوي إلّا بالدّعاء.

وَ أُحْيِ الْمَوْتى‏ بِإِذْنِ اللَّهِ‏:

كرّره لدفع توهّم الألوهيّة «3» فإنّ الإحياء ليس من جنس الأفعال البشريّة.

و في عيون الأخبار «4»، بإسناده إلى أبي يعقوب البغداديّ قال: قال ابن السّكيت لأبي الحسن الرّضا- عليه السّلام-: لما ذا بعث اللّه موسى بن عمران بيده البيضاء [و العصا] «5» و آلة السّحر، و بعث عيسى بالطّبّ، و بعث محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- بالكلام و الخطب؟

فقال له أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللّه تعالى لمّا بعث موسى- إلى أن قال-: و إن اللّه تعالى بعث عيسى- عليه السّلام- في وقت ظهرت فيه الزّمانات و احتاج النّاس إلى الطّب، فأتاهم من عند اللّه تعالى بما لم يكن عندهم مثله، و إنّما أحيا لهم الموتى و أبرأ الأكمه‏ «6» و الأبرص بإذن اللّه تعالى و أثبت به الحجّة عليهم.

و في روضة الكافي‏ «7»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن ابن محبوب، عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب و غيره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه سئل: هل كان عيسى بن مريم أحيا أحدا بعد موته حتّى كان له أكل و رزق و مدّة و ولد؟

فقال: نعم، إنّه كان له صديق مؤاخ له في اللّه تعالى و كان عيسى‏

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: إسماعيل.

(2) أنوار التنزيل 1/ 161- 162.

(3) الأصل: اللاهوتيّة. و ما أثبتناه في المتن موافق أو أنوار التنزيل 1/ 162.

(4) عيون أخبار الرضا 2/ 79- 80، ضمن حديث 12.

(5) من أ. و في المصدر: «بالعصا و يده البيضاء» بدل «بيده البيضاء و العصا».

(6) المصدر: أبرأ لهم الأكمه.

(7) الكافي 8/ 337، ح 532.

 

101
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

- عليه السّلام- يمرّ به و ينزل عليه، و أنّ عيسى- عليه السّلام- غاب عنه حينا ثمّ مرّ به ليسلّم عليه، فخرجت إليه أمّه فسألها عنه، فقالت: مات يا رسول اللّه. قال: أ فتحبّين أن تريه‏ «1»؟ قالت: نعم. فقال لها: فإذا كان غدا فآتيك حتّى أحييه لك بإذن اللّه- تبارك و تعالى- فلمّا كان من الغد أتاها، فقال لها: انطلقي معي إلى قبره. فانطلقا حتّى أتيا قبره فوقف [عليه‏] «2» عيسى- صلّى اللّه عليه-. ثمّ دعا اللّه- عزّ و جلّ- فانفرج القبر و خرج ابنها حيّا. فلمّا رأته أمّه و رآها بكيا. فرحمهما عيسى- عليه السّلام- فقال [له.] «3» عيسى: أ تحبّ أن تبقى مع أمّك في الدّنيا؟ فقال: يا نبي اللّه بأكل و رزق و مدّة أم بغير أكل و رزق و مدّة «4»؟ فقال له عيسى- عليه السّلام-: بأكل و رزق و مدّة [و] «5» تعمّر عشرين سنة و تزوّج و يولد لك، قال: نعم إذا.

قال: فدفعه عيسى إلى أمّه فعاش عشرين سنه [تزوّج‏] «6» و ولد له.

و في الكافي‏ «7»: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد، عن عبد اللّه بن سليم العامريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ عيسى بن مريم جاء إلى قبر يحيى بن زكريّا- عليهما السّلام- و كان سأل ربّه أن يحييه له، فدعاه فأجابه و خرج إليه من القبر، فقال له: ما تريد منّي؟ فقال له: أريد أن تؤنسني كما كنت في الدّنيا، فقال له: يا عيسى ما سكنت عنّي حرارة الموت و أنت تريد أن تعيدني إلى الدّنيا و تعود عليّ حرارة الموت، فتركه فعاد إلى قبره.

وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ‏: بالمغيبات من أحوالكم الّتي لا تشكّون فيها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»، حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيّ قال: حدّثني جعفر بن عبد اللّه قال: حدّثنا كثير بن عيّاش، عن زياد بن المنذر [عن‏] «9» أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- في قوله: [وَ] «10» أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ [فِي بُيُوتِكُمْ‏] «11» فإنّ عيسى- عليه السّلام- كان يقول لبني إسرائيل:

______________________________
(1) المصدر: تراه.

(2) من المصدر.

(3) من المصدر.

(4) المصدر و ا: و لا رزق و لا مدة.

5 و 6- من المصدر.

(7) الكافي 3/ 260، ح 37.

(8) تفسير القمي 1/ 102.

9 و 10 و 11- من المصدر.

 

102
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‏ و أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَ أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَ الْأَبْرَصَ‏، و الأكمه هو الأعمى. قالوا: ما نرى الّذي تصنع إلّا سحرا. فأرنا آية نعلم أنّك صادق. قال: أ رأيتم‏ «1» إن أخبرتكم بما تأكلون و ما تدّخرون في بيوتكم‏ «2»، يقول: ما أكلتم في بيوتكم قبل أن تخرجوا و ما ادّخرتم باللّيل‏ «3» تعلمون أنّي صادق. قالوا: نعم. فكان يقول للرّجل‏ «4»: أكلت كذا و كذا و شربت كذا و كذا و رفعت كذا و كذا. فمنهم من يقبل منه فيؤمن. و منهم من ينكر فيكفر «5». و كان لهم في ذلك آية إن كانوا مؤمنين.

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ (49): موفّقين للإيمان، فإنّ غيرهم لا ينتفع بالمعجزات. أو مصدّقين بالحقّ غير معاندين.

و في كتاب الاحتجاج‏ «6» للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: روي عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن الحسين بن علي- عليهم السّلام- أنّه قال‏: إنّ يهوديّا من يهود الشّام و أحبارهم قال لعلّي- عليه السّلام- في أثناء كلام طويل-: فإنّ هذا عيسى بن مريم تزعمون‏ «7» أنّه تكلّم في المهد صبيّا؟

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك. و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- سقط من بطن أمّه واضعا يده اليسرى على الأرض و رافعا يده اليمنى‏ «8» إلى السّماء، يحرّك شفتيه بالتّوحيد، و بدا من فيه نور رأى أهل مكّة [منه‏] «9» قصور بصرى من الشام و ما يليها و القصور الحمر من أرض اليمن و ما يليها و القصور البيض من إصطخر «10» و ما يليها، و لقد أضاءت الدّنيا ليلة ولد النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حتّى فزعت الجنّ و الإنس و الشّياطين، و قالوا: حدث في الأرض حدث.

قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى يزعمون أنّه خلق من الطّين كهيئة الطّير فينفخ‏ «11» فيه فكان طيرا بإذن اللّه- عزّ و جلّ-.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: أ رأيتكم.

(2) «في بيوتكم» ليس في المصدر.

(3) المصدر: «ذخرتم الليل» بدل «ادّخرتم بالليل».

(4) النسخ: «انت» بدل «للرجل».

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «يكفر» بدل «ينكر فيكفر».

(6) الاحتجاج 1/ 314- 335، مقاطع من الحديث.

(7) أور: أ يزعمون.

(8) ليس في أ.

(9) من المصدر.

(10) المصدر: اسطخر.

(11) المصدر: فنفخ.

 

103
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

فقال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- قد فعل ما هو شبيه لهذا، إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا و تقديسا. ثمّ قال للحجر: انفلق، فانفلق ثلاث فلق يسمع لكلّ فلقة منها تسبيح لا يسمع للأخرى.

و لقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته و لكلّ غصن منها تسبيح و تهليل و تقديس. ثمّ قال لها: انشقّي، فانشقّت نصفين. ثمّ قال لها: التزقي، فالتزقت. ثمّ قال لها:

اشهدي لي‏ «1» بالنّبوّة، فشهدت.

ثمّ قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى تزعمون‏ «2» أنّه قد أبرأ الأكمه و الأبرص بإذن اللّه- عزّ و جلّ-.

فقال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- أعطي ما هو أفضل [من ذلك‏] «3» أبرأ ذا العاهة من عاهته، فبينما «4» هو جالس إذ سأل عن‏ «5» رجل من أصحابه، فقالوا «6»: يا رسول اللّه إنّه قد صار في‏ «7» البلاء كهيئة الفرخ [الّذي‏] «8» لا ريش عليه. فأتاه- عليه السّلام- فإذا هو كهيئة الفرخ من شدّة البلاء. فقال له:

قد كنت تدعو في صحّتك دعاء. قال: نعم. كنت أقول: يا ربّ أيّما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فعجّلها «9» لي في الدّنيا. فقال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-:

ألا قلت: اللّهمّ‏ آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ. فقالها [الرّجل‏] «10» فكأنّما نشط من عقال و قام صحيحا و خرج معنا.

و لقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطّع من الجذام. فشكا إليه- صلّى اللّه عليه و آله-. فأخذ قدحا من ماء فتفل فيه. ثمّ قال: امسح به‏ «11» جسدك. ففعل، فبرئ حتّى لم يوجد فيه‏ «12» شي‏ء.

و لقد أتي النبيّ بأعرابيّ‏ «13» أبرص. فتفل [من‏] «14» فيه [عليه‏] «15» فما قام من عنده إلّا

______________________________
(1) ليس في المصدر.

(2) المصدر: يزعمون.

(3) من المصدر.

(4) المصدر: و بينما.

(5) ليس في المصدر.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: فقال.

(7) المصدر: من.

(8) من المصدر.

(9) المصدر: فاجعلها.

(10) من المصدر.

(11) ليس في المصدر.

(12) المصدر: عليه.

(13) النسخ: «أتى العربيّ» بدل «أتي النبيّ بأعرابيّ». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

14 و 15- من المصدر.

 

104
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

صحيحا.

و لئن زعمت أنّ عيسى- عليه السّلام- أبرأ ذوي العاهات‏ «1» من عاهاتهم، فإنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- بينما هو في بعض‏ «2» أصحابه إذا «3» هو بامرأة فقالت: يا رسول اللّه إنّ ابني قد أشرف على حياض الموت كلّما أتيته بطعام وقع عليه التّثاؤب. فقام النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و قمنا معه. فلمّا أتيناه قال له، جانب يا عدوّ اللّه وليّ اللّه (فأنا) «4» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. فجانبه الشّيطان، فقام صحيحا و هو معنا في عسكرنا.

و لئن زعمت أنّ عيسى بن مريم أبرأ العميان‏ «5»، فإنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- قد فعل ما هو أكثر من ذلك، إنّ قتادة بن ربعي كان رجلا صحيحا، فلمّا كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه، فبدرت حدقته فأخذها بيده، ثمّ أتى بها النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: يا رسول اللّه إنّ امرأتي الآن تبغضني، فأخذها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من يده، ثمّ وضعها مكانها، فلم تكن تعرف إلّا بفضل حسنها و فضل ضوئها على العين الأخرى.

و لقد خرج عبد اللّه بن عتيك‏ «6» و بانت يده يوم حنين، فجاء إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- ليلا، فمسح عليه يده، فلم تكن تعرف من اليد الأخرى.

و لقد أصاب محمّد بن مسلمة يوم كعب بن الأشرف‏ «7» مثل ذلك في عينه و يده، فمسحه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فلم يستبينا.

و لقد أصاب عبد اللّه بن أنيس مثل ذلك في عينه‏ «8»، فمسحها فما عرفت من الأخرى، فهذه كلّها دلالة لنبوّته- صلّى اللّه عليه و آله-.

قال له اليهوديّ: فإنّ عيسى يزعمون أنّه أحيا الموتى بإذن اللّه.

______________________________
(1) هكذا في النسخ. و في المصدر: ذا العاهات.

(2) ليس في المصدر.

(3) المصدر: إذ.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: فأتاه.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: العمياء.

(6) المصدر: «عبد اللّه بن عبيد» و قيل فيه: «في بعض النسخ: عتيك» و الظاهر هو الأصوب. كذا ورد في النسخ. ر. تنقيح المقال 2/ 197، رقم 6947.

(7) المصدر: كعب بن أشرف.

(8) «في عينه» ليس في ر.

 

105
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان ذلك، و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- سبّحت في يده تسع حصيات فسمع نغماتها في جمودها و لا روح فيها لتمام حجّة نبوّته، و لقد كلمه الموتى‏ «1» من بعد موتهم و استغاثوه ممّا خافوا تبعته. و لقد صلّى بأصحابه ذات يوم فقال: ما ها هنا من بني النّجّار أحد و صاحبهم محتبس على باب الجنّة. بثلاثة دراهم لفلان اليهوديّ، و كان شهيدا.

و لئن زعمت‏ «2» أنّ عيسى كلّم الموتى، فلقد كان لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- ما هو أعجب من هذا، إنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا نزل بالطّائف و حاصر أهلها بعثوا إليه بشاة «3» مسلوخة مطليّة بسمّ، فنطق الذّراع منها فقالت: يا رسول اللّه لا تأكلني فإنّي مسمومة، فلو كلّمت البهيمة و هي حيّة لكانت من أعظم حجج اللّه عزّ ذكره على المنكرين لنبوّته، فكيف و قد كلّمته من بعد ذبح و سلخ و شوي‏ «4».

و لقد كان- صلّى اللّه عليه و آله- يدعو بالشّجرة فتجيبه، و تكلّمه البهيمة، و تكلّمه السّباع، و تشهد له بالنّبوّة و تحذّرهم عصيانه، فهذا أكثر ممّا أعطي عيسى.

قال له اليهوديّ: إن عيسى تزعمون‏ «5» أنّه أنبأ قومه بما يأكلون و ما يدّخرون في بيوتهم.

قال له عليّ- عليه السّلام-: لقد كان كذلك، و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- فعل ما هو أكبر «6» من هذا إنّ عيسى أنبأ قومه بما كان‏ «7» من وراء الحائط، و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- أنبأ قومه‏ «8» [عن موتة] «9» و هو عنها غائب، و وصف حربهم و من استشهد «10» منهم، و بينه و بينهم مسيرة شهور، و كان يأتيه الرّجل يريد أن يسأله عن شي‏ء فيقول- صلّى اللّه عليه و آله-: تقول أو أقول، فيقول: بل قل يا رسول اللّه، فيقول: جئتني في كذا و كذا، حتى يفرغ‏ «11» من حاجته. و لقد كان يخبر أهل مكّة بأسرارهم بمكّة حتّى‏

______________________________
(1) أ: «اللّه» بدل «الموتى».

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: إن زعمت.

(3) النسخ: «شاة». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(4) المصدر: شي‏

(5) المصدر: يزعمون.

(6) المصدر: «كان له أكثر» بدل «فعل ما هو أكبر».

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: يأكلون.

(8) هكذا في أ. و في المصدر و سائر النسخ: من قومه.

(9) من المصدر.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: اشهد.

(11) هكذا في المصدر. و في النسخ: فرغ.

 

106
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 45 الى 49] ص : 98

لا يترك من أسرارهم شيئا، منها ما كان بين صفوان بن أميّة و بين عمير بن وهب‏ «1» [إذ أتاه عمير] «2» فقال: جئت في فكاك ابني، فقال له: كذبت بل قلت لصفوان [بن أميّة] «3» و قد اجتمعتم في الحطيم و ذكرتم قتلى بدر و قلتم: و اللّه للموت‏ «4» أهون علينا «5» من البقاء مع ما صنع محمّد بنا. و هل حياة بعد أهل القليب؟! فقلت أنت: لولا عيالي و دين عليّ لأرحتك من محمّد، فقال صفوان: عليّ أن أقضي دينك و أن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهنّ ما يصيبهنّ‏ «6» من خير أو شرّ، فقلت أنت: فاكتمها عليّ و جهّزني حتّى أذهب فأقتله، فجئت لقتلي، فقال‏ «7»: صدقت يا رسول اللّه فأنا أشهد أن لا اله إلّا اللّه و أنّك رسول اللّه.

و أشباه هذا ممّا لا يحصى.

و في أصول الكافي‏ «8»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر- عليه السّلام-. فقلت له:

أنتم ورثة «9» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

قال: نعم.

قلت: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- وارث الأنبياء علّم كما «10» علّموا؟

قال [لي‏] «11»: نعم.

قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى و تبرأوا الأكمه و الأبرص؟

قال لي‏ «12»: نعم بإذن اللّه. ثمّ قال [لي‏] «13»: ادن منّي يا أبا محمّد، فدنوت منه، فمسح على وجهي و على عيني، فأبصرت الشّمس و السّماء و الأرض و البيوت و كلّ شي‏ء في البلد، ثمّ قال لي: أ تحبّ أن تكون هكذا و لك ما للنّاس و عليك ما عليهم يوم القيامة أو تعود كما

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: عمير بن وهيب.

2 و 3- من المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: الموت.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: لنا.

(6) «ما يصيبهنّ» ليس في أ.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: «لتقتلني قال» بدل «لقتلى فقال».

(8) الكافي 1/ 470، ح 3.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: «و أنت ورثت» بدل «أنتم ورثة».

(10) المصدر ور: كلّما.

(11) من المصدر.

(12) ليس في المصدر.

(13) من المصدر.

107
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

 

كنت و لك الجنّة خالصا؟

قلت: أعود كما كنت. فمسح على عيني، فعدت كما كنت. [قال:] «1» فحدّثت ابن أبي عمير بهذا، فقال: أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النّهار حقّ.

و في كتاب التّوحيد «2»، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع أصحاب الأديان و المقالات، قال الرّضا- عليه السّلام-: لقد اجتمعت قريش إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فسألوه أن يحيي لهم موتاهم. فوجّه معهم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فقال [له‏] «3»: اذهب إلى الجبّانة «4» فناد بأسماء هؤلاء الرّهط الّذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان و يا فلان و يا فلان، يقول لكم محمّد [رسول اللّه‏] «5»: قوموا بإذن اللّه- عزّ و جلّ-، فقاموا ينفضون التّراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم ثمّ أخبروهم أنّ محمّدا قد بعث نبيّا، و قالوا: وددنا أنّا «6» أدركناه فنؤمن به، و لقد أبرأ الأكمه و الأبرص و المجانين، و كلّمه البهائم و الطّير و الجنّ و الشّياطين، و لم نتّخذه ربّا من دون اللّه- عزّ و جلّ-.

وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ: عطف على «رسولا» على الوجهين. أو منصوب بإضمار فعل، دلّ عليه «قد جئتكم»، أي: و جئتكم مصدّقا.

وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ‏: مقدّر بإضمار فعل، دلّ عليه «قد جئتكم»، أي: و جئتكم لأحلّ. أو مردود على قوله: «قد جئتكم» بآية، أي: جئتكم لأظهر آية و لأحلّ. أو على معنى «مصدّقا»: أي: جئتكم لأصدّق و لأحلّ، كقولهم: جئتك معتذرا و لأطيّب قلبك.

بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ‏، أي: في شريعة موسى- عليه السّلام- كالشّحوم و الثّروب‏ «7» و السّمك و لحوم الإبل و العمل في السّبت. و في الآية دلالة، على أنّ شرعه كان ناسخا لشرع موسى- عليه السّلام-.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «8»: عن محمّد الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

______________________________
(1) من المصدر.

(2) التوحيد/ 423، مقطع من حديث 1 من باب 65.

(3) من المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: جبانة.

(5) من المصدر.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: إنّا كنّا.

(7) هكذا في أنوار التنزيل 1/ 164. و هو جمع لثرب وزان فلس. و الثرب شحم رقيق على الكرش و الأمعاء.

(ر. المصباح المنير للفيّومي.) و في النسخ: الشروب.

(8) تفسير العياشي 1/ 175، ح 52.

 

 

108
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

كان بين داود و عيسى بن مريم- عليهما السّلام- أربعمائة سنة، و كان شريعة عيسى أنّه بعث بالتّوحيد و الإخلاص، و بما أوصى به نوح و إبراهيم و موسى، و أنزل عليه الإنجيل، و أخذ عليه الميثاق الّذي أخذ على النّبيّين، و شرّع له في الكتاب إقام الصّلاة مع الّدين، و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و تحريم الحرام و تحليل الحلال، و أنزل عليه في الإنجيل مواعظ و أمثال و حدود ليس فيها قصاص و لا أحكام حدود و لا فرض مواريث، و أنزل عليه تخفيف ما كان نزل على موسى في التّوراة، و هو قول اللّه في الّذي قال عيسى بن مريم لبني إسرائيل: و لأحلّ لكم بعض الّذي حرّم عليكم. و أمر عيسى من معه ممّن اتّبعه من المؤمنين، أن يؤمنوا بشريعة «1» التّوراة و الإنجيل.

وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ‏ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ (51):

الظّاهر أنّ قوله: قد جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ، تكرير لما قبله، أي: جئتكم بآية بعد أخرى ممّا ذكرت لكم. و الأوّل، لتمهيد الحّجة. و الثّاني، لتقريبها إلى الحكم. و لذلك رتّب عليه «بالفاء».

قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ‏، أي: أنّي جئتكم بالمعجزات القاهرة و الآيات الباهرة، فاتّقوا اللّه في المخالفة، و أطيعوا لي فيما أدعوكم إليه، ثمّ شرع في الدّعوة، و أشار إليها بالقول المجمل، فقال: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ‏، إشارة الى استكمال القوّة النّظريّة بالاعتقاد الحقّ، الّذي غايته التّوحيد.

و قال: فَاعْبُدُوهُ‏، إشارة إلى استكمال القوّة العمليّة، فإنّه بملازمة الطّاعة، الّتي هي الإتيان بالأوامر و الانتهاء عن المناهي. ثمّ قرّر ذلك، بأن بيّن أنّ الجمع بين الأمرين، هو الطّريق المشهود عليه بالاستقامة.

و قيل‏ «2»: معناه و جئتكم بآية أخرى ألهمنيها ربّكم، و هو قوله: إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ‏، فإنّه دعوة الحقّ المجمع عليه فيما بين الرّسل، الفارقة بين النّبيّ و السّاحر.

أو جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ، على أن الله ربي و ربكم. و قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُونِ‏، اعتراض.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: لشريعة.

(2) أنوار التنزيل 1/ 164.

109
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى‏ مِنْهُمُ الْكُفْرَ:

قيل‏ «1»: تحقّق كفرهم عنده، تحقّق ما يدرك بالحواسّ.

[و في تفسير العيّاشيّ: «2»] «3» و روى‏ «4» ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى‏ «5»: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى‏ مِنْهُمُ الْكُفْرَ، أي، لمّا سمع و رأى أنّهم يكفرون،

فعلى هذه الرواية، كان الإحساس مستعملا في معناه الحقيقيّ، و لا يكون استعارة تبعيّة، كما في الأوّل.

قالَ مَنْ أَنْصارِي‏: جمع، ناصر. و حمله على «من» لإرادة المتعدّد منه، أو للمبالغة في كونه ناصرا إلى اللّه ملتجئا إلى اللّه أو ذاهبا أو ضامّا إليه. و يحتمل تعلّقه «بأنصاري» على تضمين الإضافة، أي: من الّذين يضيفون أنفسهم.

إِلَى اللَّهِ‏: في نصري.

و قيل‏ «6» «إلى» هاهنا بمعنى: «مع» أو «في» أو «اللّام».

قالَ الْحَوارِيُّونَ‏ حواريّو الرّجل، صفوته و خالصته. من الحور، و هو البياض الخالص. و منه:

الحواريّات للحضريّات، لخلوص ألوانهنّ و نظافتهنّ قال:

فقل للحواريّات يبكين غيرنا

و لا تبكنا إلّا الكلاب النّوائح‏

و في وزنه، الحوالي، و هو الكثير الحيلة.

سمّي به أصحاب عيسى- عليه السّلام- قيل‏ «7»: لخلوص نيّتهم، و نقاء سريرتهم.

و قيل: كانوا ملوكا يلبسون البيض، استنصر بهم عيسى على‏ «8» اليهود. و قيل: قصّارون‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) لم نعثر عليه في تفسير العياشي. و لكن يوجد في تفسير القمي 1/ 103. و نقله عن القمي في تفسير الصافي 1/ 340 و تفسير البرهان 1/ 284، ح 2. إلّا أنّه في تفسير نور الثقلين 1/ 345، تحت رقم 152 ورد بدون عنوان. و الحديث الذي قبله (رقم 151) عن تفسير العياشي.

(3) ليس في أ.

(4) هكذا في المصدر و في النسخ: روى عن.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «قوله» بدل «قول اللّه تعالى».

(6) أنوار التنزيل 1/ 164.

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) المصدر: من.

110
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

يحورون الثّياب: أي: «1» يبيّضونها نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ‏: في دينه.

آمَنَّا بِاللَّهِ‏: الّذي دعوت إليه.

وَ اشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏ (52): لتشهد يوم القيامة، حين يشهد الرّسل لقومهم و عليهم.

رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ‏: في كتبك.

وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ‏: أي: عيسى- عليه السّلام- فيما دعى إليه.

فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ‏ (53): بوحدانيّتك، أو مع الأنبياء الشّاهدين.

و قيل: أو مع أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- فإنّهم شهداء على النّاس.

وَ مَكَرُوا، أي: الّذين أحسّ منهم الكفر من اليهود، بأن وكّلوا عليه من يقتله غيلة.

وَ مَكَرَ اللَّهُ‏: بأن رفع عيسى، و ألقى شبهه على غيره، حتّى قتل.

و المكر، حيلة يجلب بها الغير إلى المضرّة، و إسناده إلى اللّه على سبيل الازدواج.

و في عيون الأخبار «2»، عن الرّضا- عليه السّلام- في حديث طويل. و فيه قال: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ‏ «3»-: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ‏ و قوله: اللَّهُ‏ «4» يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ‏ و قوله- تعالى-: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ‏ و عن قوله- عزّ و جلّ‏ «5»-: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ‏.

فقال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- لا يسخر و لا يستهزئ و لا يمكر و لا يخادع، و لكّنه- عزّ و جلّ- يجازيهم جزاء السّخرية و جزاء الاستهزاء و جزاء المكر و الخديعة، تعالى اللّه عمّا يقول الظّالمون علوّا كبيرا.

وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ‏ (54): أقدرهم على إيصال الضّرّ إلى الغير.

إِذْ قالَ اللَّهُ‏ ظرف لمكر الله. و قيل: أو لخير الماكرين. أو لمضمر مثل و وقع ذلك.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: و.

(2) عيون أخبار الرضا 1/ 126، ذيل حديث 19.

(3) التوبة/ 79.

(4) البقرة/ 15.

(5) النساء/ 142.

111
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

يا عِيسى‏ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ‏: أي: مستوفي أجلك عاصما إيّاك من قتلهم، أو قابضك من الأرض. من توفّيت ما لي.

و قيل‏ «1»: أو متوفّيك نائما.

و قيل‏ «2»: أماته اللّه سبع ساعات ثمّ رفعه. و قيل: أو مميتك عن الشّهوات. العائقة عن العروج.

وَ رافِعُكَ إِلَيَ‏: إلى محلّ كرامتي و مقرّ ملائكتي، و ذلك في ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان.

في كتاب الخصال‏ «3»، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال:

- في حديث طويل يذكر فيه الأغسال في شهر رمضان-: و ليلة إحدى و عشرين، و هي اللّيلة الّتي مات فيها أوصياء الأنبياء «4»، و فيها رفع عيسى [بن مريم‏] «5»- عليه السّلام-.

وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا: أي: من سوء جوارهم، أو قصدهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «6»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ عيسى- عليه السّلام- وعد أصحابه ليلة رفعه اللّه إليه. فاجتمعوا إليه عند المساء، و هم اثنا عشر رجلا. فأدخلهم بيتا.

ثمّ خرج عليهم من عين في زاوية البيت، و هو ينفض رأسه من الماء. فقال: إنّ اللّه أوحى إليّ: أنّه رافعي إليه السّاعة، و مطهّري من اليهود، فأيّكم يلقى عليه‏ «7» شبحي، فيقتل و يصلب و يكون معي في درجتي؟

فقال شابّ منهم: أنا يا روح اللّه؟

فقال: فأنت هوذا. فقال لهم عيسى: أما إنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح، أثنتي عشرة كفرة.

فقال له رجل منهم: أنا هو يا نبيّ اللّه.

فقال عيسى: إن تحسّ‏ «8» بذلك في نفسك فلتكن هو، ثمّ قال لهم عيسى: أما

______________________________
1 و 2- أنوار التنزيل 1/ 163.

(3) الخصال/ 508، ح 1.

(4) المصدر: النبيّين.

(5) من المصدر.

(6) تفسير القمي 1/ 103.

(7) أ: إليه.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «أ تحسّ» بدل: «إن تحسّ».

 

112
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

إنّكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق: فرقتين مفتريتين‏ «1» على اللّه في النّار، و فرقة تتبّع شمعون صادقة على اللّه في الجنّة. ثمّ رفع اللّه عيسى إليه من زاوية البيت، و هم ينظرون إليه.

ثمّ قال [أبو جعفر- عليه السّلام-:] «2» إنّ اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم، فأخذوا الرّجل الّذي قال له عيسى: إنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح، اثنتي عشرة كفرة. و أخذوا الشّابّ الّذي ألقي عليه شبح عيسى- عليه السّلام- فقتل و صلب، و كفر الّذي قال له عيسى: تكفر قبل أن تصبح، اثنتي عشرة كفرة.

و في كتاب كمال الّدين و تمام النّعمة «3» بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشيّ، عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه [أبي رافع‏] «4» قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- نزل عليّ بكتاب، فيه خبر الملوك ملوك الأرض [قبلي،] «5» و خبر من بعث قبلي من الأنبياء و الرّسل. و هو حديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

قال: لمّا ملك أشجّ بن أشجان، و كان يسمّى الكيس، و كان قد ملك مأتين و ستّا و ستّين سنة، ففي سنة إحدى و خمسين من ملكه، بعث اللّه- عزّ و جلّ- عيسى بن مريم- عليه السّلام- و استودعه النّور و العلم و الحكمة و جميع علوم الأنبياء قبله، و زاده الإنجيل، و بعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل، يدعوهم إلى كتابه و حكمته و إلى الإيمان باللّه و برسوله‏ «6»، فأبى أكثرهم إلّا طغيانا و كفرا، فلمّا لم يؤمنوا [به‏] «7» دعا ربّه و عزم عليه، فمسخ منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا، فلم يزدهم ذلك إلّا طغيانا و كفرا، فأتى بيت المقدس، فمكث يدعوهم و يرغّبهم [فيما عند اللّه‏] «8» ثلاثا و ثلاثين سنة، حتّى طلبته اليهود، و ادّعت أنّها عذّبته و دفنته في الأرض حيّا، و ادّعى بعضهم أنّهم‏ «9» قتلوه و صلبوه، و ما كان اللّه ليجعل لهم سلطان عليه، و إنّما شبّه لهم، و ما قدروا على عذابه و دفنه، و لا على قتله و صلبه [لقوله- عزّ و جلّ-: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَّ وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فلم‏

______________________________
(1) أ: مقربين.

(2) من المصدر.

(3) كمال الدين و تمام النعمة/ 224- 225.

4 و 5- من المصدر.

(6) هكذا في أ. و في المصدر و سائر النسخ: رسوله.

(7) من المصدر.

(8) ليس في أ.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: أنّه.

 

113
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

يقدروا على قتله و صلبه،] «1» لأنّهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله، و لكن‏ رَفَعَهُ اللَّهُ [إِلَيْهِ‏] «2» «3» بعد أن توفّاه، فلمّا أراد اللّه أن يرفعه، أوحى إليه أن يستودع‏ «4» نور اللّه و حكمته و علم كتابه شمعون بن حمّون الصّفا، خليفته‏ «5» على المؤمنين، ففعل ذلك.

قوله- عليه السّلام-: «بعد أن توفّاه» يحتمل أن يكون معناه، بعد أن قبضه من الأرض، أو بعد أن أماته عن الشّهوات العائقة، أو أماته موتا حقيقيّا- كما ذهب إليه البعض- أو بعد أن قرّر في علمه أن يستوفي أجله، و هذا أبعد.

وَ جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ: يعلونهم بالحّجة، أو السّيف. و متّبعوه، من آمن بنبوّته من المسلمين و النّصارى. و إلى الآن لم تسمع غلبة اليهود عليهم، و لا يتّفق لهم ملك و لا دولة.

ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ‏:

فيه تغليب للمخاطبين على غيرهم.

فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏ (55): من أمر الدّين.

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا: من اليهود، و غيرهم.

فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا: بضرب الجزية، و الهوان.

«و»: في‏ الْآخِرَةِ: بالنّار.

وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ‏ (56): يسعون في استخلاصهم.

وَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ‏، أي: في الدّنيا و الآخرة.

و قرأ حفص، بالياء «6».

وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ‏ (57): و يحبّ المؤمنين.

ذلِكَ‏، أي: نبأ عيسى و غيره ممّا تقدّم. مبتدأ، خبره‏ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ‏: و قوله:

مِنَ الْآياتِ‏: حال من الهاء. و يحتمل أن يكون هو الخبر و «نتلوه» حالا،

______________________________
1 و 2- من المصدر.

(3) النّساء/ 158.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: استودع.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: خليفة.

(6) أنوار التنزيل 1/ 163.

114
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 50 الى 60] ص : 108

و العامل فيه معنى الإشارة، و أن يكونا خبرين. و يحتمل أن يكون «ذلك» منصوبا، بما يفسّره «نتلوه».

وَ الذِّكْرِ، أي: القرآن. و قيل‏ «1»: اللّوح.

الْحَكِيمِ‏ (58): المشتمل على الحكم. أو المحكم، عن تطرّق الخلل إليه.

إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ‏: أي: شأنه الغريب كشأن آدم.

خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ‏: جملة مفسّرة لوجه الشّبه، و هو أنّه خلق بلا أب كما خلق آدم بلا أب، بل و بلا أمّ أيضا، شبّه حاله بما هو أغرب، إفحاما للخصم بطريق المبالغة.

ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ‏، [أي: انشأ بشرا. و المراد بالخلق، خلق القالب. أو المراد قدر تكوينه ثمّ كوّنه.

و يحتمل أن يكون «ثم» لتراخي الخبر] «2» فَيَكُونُ‏ (59): حكاية حال ماضية.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و كان سيّدهم الأهتم‏ «4» و العاقب و السّيّد، و حضرت صلاتهم‏ «5»، فأقبلوا يضربون بالنّاقوس و صلّوا، فقال أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يا رسول اللّه‏ «6»، هذا في مسجدك! فقال: دعوهم. فلمّا فرغوا دنوا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقالوا: إلى ما تدعونا «7»؟

فقال: إلى شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّي رسول اللّه، و أنّ عيسى عبد مخلوق، يأكل و يشرب و يحدث.

قالوا: فمن أبوه؟

فنزل الوحي على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. فقال: قل لهم: ما تقولون‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(3) تفسير القمي 1/ 104.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأهم.

(5) ر: صلواتهم.

(6) «يا رسول اللّه» ليس في المصدر.

(7) المصدر: تدعونّ.

 

115
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

 

في آدم، أ كان عبدا مخلوقا يأكل و يشرب و يحدث‏ «1» و ينكح؟ فسألهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.

فقالوا: نعم فقال: فمن أبوه؟

فبهتوا [، فبقوا ساكتين،] «2» فأنزل اللّه- تبارك و تعالى-: إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ [كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏] «3» (الآية)

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏ «الحق» مبتدأ، و «من ربّك» خبره، أي: الحقّ المذكور من اللّه. أو خبر مبتدأ محذوف، و «من ربّك» صفته، أو حال منه. و يحتمل تعلّقه به.

فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏ (60):

الخطاب إن كان للنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فلزيادة التّهييج على الثّبات، أو للتّعريض. و إن كان لكلّ سامع، فعلى أصله.

فَمَنْ حَاجَّكَ‏: من النّصارى.

فِيهِ‏: في عيسى‏ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏، أي: البيّنات الموجبة للعلم.

فَقُلْ تَعالَوْا: هلمّوا بالعزم، و الرّأي.

نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ‏، أي: يدعو كلّ منّا و منكم نفسه و أعزّة أهله إلى المباهلة، و يحملهم عليها. و إنّما قدّمهم على النّفس، لأنّ الرّجل يخاطر بنفسه لهم، فهم أهمّ عنده.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: و أمّا قوله: فَمَنْ حَاجَّكَ‏ (الآية) «5» فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: فباهلوني، فإن كنت صادقا أنزلت اللّعنة عليكم، و إن كنت كاذبا أنزلت‏ «6» عليّ.

______________________________
(1) «و يحدث» ليس في المصدر.

2 و 3- من المصدر.

(4) تفسير القمي 1/ 104. و في أ: «و في الحديث المروي» بدل: «و في تفسير عليّ بن إبراهيم».

(5) المصدر: «فيه من بعد ما جاءك من العلم- إلى قوله- فنجعل لعنة اللّه على الكاذبين»، بدل:

«الآية». و ما أثبتناه في المتن موافق النسخ.

(6) المصدر: نزلت.

 

 

116
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

فقالوا: أنصفت. فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السّيّد و العاقب و الأهتم‏ «1»: إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس بنبيّ، و إن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله، فإنّه لا يقدم على‏ «2» أهل بيته إلّا و هو صادق، فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و معه أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين- صلوات اللّه عليهم أجمعين-.

فقال النّصارى: من هؤلاء؟

فقيل لهم: إن هذا ابن عمّه و وصيّه و ختنه عليّ بن أبي طالب، و هذه بنته‏ «3» فاطمة، و هذان ابناه الحسن و الحسين- عليهم السّلام-.

ففرقوا «4»، و قالوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: نعطيك الرّضا فاعفنا عن المباهلة، فصالحهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- على الجزية و انصرفوا.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- سئل عن فضائله، فذكر بعضها، ثمّ قالوا له: زدنا.

فقال: [إنّ‏] «6» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أتاه حبران من أحبار النّصارى‏ «7» من أهل نجران، فتكلّما في أمر عيسى، فأنزل [اللّه‏] «8» هذه الآية: إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ‏ إلى آخر الآية. فدخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فأخذ بيد عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة، ثمّ خرج و رفع كفّه إلى السّماء، و فرج بين أصابعه، و دعاهم إلى المباهلة.

قال: و قال أبو جعفر- عليه السّلام-: و كذلك المباهلة يشبك يده في يده ثمّ‏ «9» يرفعها إلى السّماء، فلمّا رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: و اللّه لئن‏ «10» كان نبيّا لنهلكنّ و إن كان غير نبيّ كفانا قومه، فكفّا «11» و انصرفا.

______________________________
(1) هكذا في المصدر: و في النسخ: الأهم.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: إلى.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: ابنته.

(4) أ: نفرقوا. المصدر: فعرفوا

(5) تفسير العياشي 1/ 175- 176، ح 54.

(6) من المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: أحبار اليهود.

(8) من المصدر.

(9) «ثمّ» ليس في المصدر.

(10) النسخ: «و إن» بدل «و اللّه لئن». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(11) النسخ: فكفانا. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

117
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

عن أبي جعفر الأحوال‏ «1» قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول قريش في الخمس؟

قال: قلت: تزعم أنّه لها.

قال: ما أنصفونا، و اللّه لو كان مباهلة ليباهلنّ بنا و لئن كان مبارزة ليبارزنّ بنا، ثمّ نكون و هم على سواء.] «2»

فقد ظهر من هذا الخبر، أنّ من دعى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- من الأبناء هو الحسن و الحسين، و من النساء فاطمة، و بقي- عليّ عليه السّلام- لا يدخل في شي‏ء إلّا في قوله: و أنفسنا، فهو نفس الرّسول- صلّى اللّه عليه و آله-.

و قد صحّ‏

في الخبر أنّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قد سأله‏ «3» سائل عن بعض أصحابه، فأجابه عن كلّ بصفته.

فقال: فعليّ؟

فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّما سألتني عن النّاس، و لم تسألني عن نفسي.

ثُمَّ نَبْتَهِلْ‏: بأن نلعن الكاذب منّا.

و البهلة (بالضّمّ و الفتح) اللّعنة. و أصله، التّرك. من قولهم: بهلت النّاقة، إذا تركتها بلاصرار.

و في كتاب معاني الأخبار «4»، بإسناده إلى عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر قال‏: التّبتّل، أن تقلب كفّيك في الدّعاء إذا دعوت. و الابتهال، أن تقدّمهما.

و تبسطهما «5».

و في أصول الكافي‏ «6»: [بإسناده إلى أبي إسحاق، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: و الابتهال، رفع اليدين و تمّدهما «7». و ذلك عند الدّمعة.

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 176، ح 56.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) ر: سألتني.

(4) معاني الأخبار/ 370.

(5) المصدر: «تبسطهما و تقدّمهما» بدل «تقدّمهما و تبسطهما».

(6) الكافي 2/ 479، ضمن حديث 1. و في نسخة أ نقل هذا الحديث، قبل الحديث الآنف الذكر.

(7) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: تمديدها.

118
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

و بإسناده إلى مروك‏ «1» بيّاع اللؤلؤ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: و هكذا الابتهال- و مدّ يده تلقاء وجهه إلى القبلة- و لا تبتهل‏ «2» حتّى تجري الدّمعة.

عدّة من أصحابنا «3»، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن فضالة، عن العلا، عن محمّد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: و الابتهال، تبسط يديك و ذراعيك [إلى السّماء] «4» و الابتهال، حين ترى أسباب البكاء.

و بإسناده إلى أبي بصير «5»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: و أمّا الابتهال، فرفع يديك تجاوز بهما رأسك.

و بإسناده إلى محمّد بن مسلم و زرارة «6» قالا: قال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

و الابتهال، أن تمدّ يدك جميعا.

و هذه الأحاديث طوال، أخذت منها موضع الحاجة.] «7»

عدّة من أصحابنا «8»، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن مخلّد أبي الشّكر، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: السّاعة الّتي تباهل فيها، ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.

فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ‏ (61): عطف، فيه بيان.

و في كتاب الخصال‏ «9»: في احتجاج عليّ- عليه السّلام- على أبي بكر، قال: فأنشدك باللّه، أبي برز رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و بأهلي‏ «10» و ولدي، في مباهلة المشركين من النّصارى، أم بك و بأهلك و ولدك؟

قال: بكم.

و فيه‏ «11»، أيضا، في مناقب أمير المؤمنين- عليه السّلام‏ «12»- و تعدادها، قال‏

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: «سعد». و امّا بالنسبة إلى «مروك بيّاع اللؤلؤ» ر. تنقيح المقال 3/ 210، رقم 11664.

(2) المصدر: و لا يبتهل.

(3) نفس المصدر 2/ 480، ذيل حديث 4.

(4) نفس المصدر.

(5) نفس المصدر 2/ 480- 481، ضمن حديث 5.

(6) نفس المصدر 2/ 481، ذيل حديث 7.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) نفس المصدر 2/ 514، ح 2.

(9) الخصال/ 550، ضمن حديث 30.

(10) المصدر: بأهل بيتي.

(11) نفس المصدر/ 576، ضمن حديث 1.

(12) «أمير المؤمنين- عليه السّلام-» ليس في ر.

 

119
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

- عليه السّلام-: و [أمّا] «1» الرّابعة و الثّلاثون، فإنّ النّصارى ادّعوا أمرا، فأنزل اللّه- عزّ و جلّ- فيه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ [ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.] «2» فكانت نفسي نفس رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و النّساء فاطمة و الأبناء الحسن و الحسين، ثمّ ندم القوم، فسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- الإعفاء، فعفا عنهم و قال‏ «3»: و الّذي أنزل التّوراة على موسى و الفرقان على محمّد، لو باهلونا لمسخوا «4» قردة و خنازير.

[و في روضة الكافي‏ «5»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد عن الحسن ابن ظريف، عن عبد الصّمد بن بشير، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-: [يا أبا الجارود،] «6» ما يقولون لكم في الحسن و الحسين- عليهما السّلام-؟

قلت‏ «7»: ينكرون علينا أنّهما أبناء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

قال: فأيّ‏ «8» شي‏ء احتججتم عليهم، يا أبا الجارود «9»؟

قلت: احتججنا عليهم بقول اللّه- تعالى- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في مجمع البيان‏ «10»: و قال- عليه السّلام-: إنّ كلّ بني بنت ينسبون إلى أبيهم إلّا أولاد فاطمة فإنّي أنا أبوهم.

في عيون الأخبار «11»، في باب جمل من أخبار موسى بن جعفر- عليه السّلام- مع‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) من المصدر.

(3) المصدر: «فأعفاهم» بدل «فعفا عنهم و قال».

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: لمسخهم.

(5) الكافي 8/ 317، ضمن حدث 501.

(6) من المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: «قال قال» بدل: «قلت»

(8) كذا في المصدر. و في الأصل لا يقرأ. و لعلّ الصّواب: فبأيّ.

(9) «يا أبا الجارود» ليس في المصدر.

(10) مجمع البيان.-

(11) عيون أخبار الرضا 1/ 84- 85.

 

120
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

هارون الرّشيد لمّا قال له: كيف تكونون ذرّيّة رسول اللّه و أنتم أولاد ابنته؟ حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام- لهارون: أزيدك، يا أمير المؤمنين.

قال: هات.

قلت: قول اللّه- تعالى-: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ‏، و لم يدّع أحد أنّه أدخل النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- تحت الكساء عند المباهلة للنّصارى، إلّا عليّ بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين، فكان تأويل قوله- عزّ و جلّ-: أبناءنا، الحسن و الحسين. و نساءنا، فاطمة. و أنفسنا، عليّ بن أبي طالب. على أنّ العلماء قد أجمعوا، على أنّ جبريل قال يوم أحد: يا محمّد، إنّ هذه لهي المواساة من عليّ.

قال: لأنّه منّي و أنا منه.

و فيه‏ «1»: في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون في الفرق بين العترة و الأمّة حديث طويل، و فيه قالت العلماء: فأخبرنا هل فسّر اللّه- تعالى- الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرّضا- عليه السّلام-: فسّر الاصطفاء في الظّاهر سوى الباطن في اثني عشر موطنا و موضعا، فأوّل ذلك قوله- عزّ و جلّ- إلى أن قال: و أمّا الثّالثة، فحين ميّز اللّه الطّاهرين من خلقه. فأمر نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- بالمباهلة بهم في آية المباهلة «2»، فقال- عزّ و جلّ-: يا محمّد، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.

فبرز «3» النّبي- صلّى اللّه عليه و آله- عليّا و الحسن و الحسين و فاطمة- صلوات اللّه عليهم- و قرن أنفسهم بنفسه، فهل‏ «4» تدرون ما معنى قوله: وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ‏؟

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 297، ح 53.

(2) هكذا في الأصل. و في المصدر: الابتهال.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل لا يقرأ. و لعلّ الصواب: فأبرز.

(4) الأصل: «بل». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

121
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

قالت العلماء: عنى به نفسه.

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: غلطتم، إنّما عنى به عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- و ممّا يدلّ على ذلك قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حين قال:

لينتهينّ بنو وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلا كنفسي، يعني عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام.

و عنى بالأبناء، الحسن و الحسين- عليهما السّلام- و عنى بالنّساء، فاطمة- عليها السّلام- فهذه خصوصيّة لا يتقدّم فيها أحد، و فضل لا يلحقهم فيه بشر، و شرف لا يسبقهم إليه خلق، إذ جعل نفس عليّ كنفسه.

و فيه‏ «1»: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: يا عليّ من قتلك فقد قتلني، و من أبغضك فقد أبغضني، و من سبّك فقد سبّني، لأنّك منّي كنفسي، روحك من روحي و طينتك من طينتي.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «2»: عن أبي جعفر الثّاني، حديث طويل ذكرته بتمامه في سورة يونس، عند قوله تعالى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ‏ (الآية). و فيه أنّ المخاطب بذلك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و لم يكن في شكّ ممّا أنزل اللّه- عزّ و جلّ- و لكن قالت الجهلة: كيف لا يبعث‏ «3» اللّه‏ «4» إلينا نبيّا [من الملائكة، إنّه‏] «5» لم يفترق بينه و بين غيره في الاستغناء عن المأكل و المشرب و المشي في الأسواق؟

فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إلى نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله-: فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ‏- بمحضر من الجهلة- هل بعث‏ «6» اللّه- عزّ و جلّ- رسولا قبلك إلّا و هو يأكل الطّعام و يمشي في الأسواق، و لك بهم أسوة.

و إنّما قال: و فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ‏، و لم يكن‏ «7» و لكن ليتفهّم‏ «8»، كما قال- عليه السّلام- «9»:

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 297، ح 53.

(2) علل الشرائع/ 129، ح 1. و فيه: «علي بن محمد» بدل «أبي جعفر الثاني».

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل: لا بعث.

(4) ليس في المصدر.

(5) من المصدر.

(6) المصدر: هل يبعث.

(7) المصدر: و لم يقل.

(8) المصدر: ليتبعهم.

(9) المصدر: «كما قال له- صلى الله عليه و آله-» بدل «كما قال عليه السلام».

122
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ. و لو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم، لم يكونوا يجيبون للمباهلة. و قد عرف أنّ النّبيّ‏ «1»- صلّى اللّه عليه و آله- مؤدّي عنه رسالة و ما هو من الكاذبين، و كذلك عرف النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه صادق فيما يقول، و لكن أحبّ أن ينصف من نفسه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن محمّد بن سعيد الأردنيّ‏ «3»، عن موسى بن محمّد بن الرّضا «4»، عن أخيه أبي الحسن- عليه السّلام‏ «5»- أنّه قال في هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ‏، و لو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة اللّه عليكم، لم يكونوا يجيبون للمباهلة و قد علم أنّ نبيّه مؤدي عنه رسالاته، و ما هو من الكاذبين.

و فيه‏ «6» عن المنذر قال: حدّثنا عليّ- عليه السّلام- لمّا نزلت هذه الآية: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ‏ (الآية) قال: فأخذ بيد فاطمة و عليّ و ابنيهما- عليهم السّلام- فقال رجل من اليهود «7»: لا تفعلوا فيصيبكم عنت الوجوه‏ «8»، فلم يدعوه‏ «9»] «10».

و في شرح الآيات الباهرة «11»: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- صالحهم على ألفي حلّة و ثلاثين درعا و ثلاثين فرسا، و كتب [لهم‏] «12» بذلك كتابا، و رجعوا إلى بلادهم.

إِنَّ هذا، أي: ما قصّ من نبأ عيسى و مريم.

لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ‏: بجملتها، خبر إنّ أو هو فصل، يفيد أنّ ما ذكره في شأن‏

______________________________
(1) المصدر: أن نبيّه.

(2) تفسير العياشي 1/ 176، ح 55.

(3) المصدر: «الأزديّ» بدل «الأردني». و قيل في هامشه: و في نسخة «الأردني».

(4) هكذا في المصدر. و في الأصل: عن موسى بن محمد بن محمد الرضا.

(5) هكذا في المصدر. و في الأصل: عن أخيه أبي الحسن الرضا- عليه السّلام-. و هو وهم و الظاهر: عن أخيه أبي الحسن الهادي- عليه السّلام- ر. تنقيح المقال 3/ 259.

(6) نفس المصدر 1/ 177، ح 58.

(7) المصدر: النصارى (اليهود خ ل)

(8) ليس في المصدر.

(9) هكذا في المصدر. و في الأصل: يداعوه.

(10) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(11) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 40.

(12) من المصدر.

123
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

عيسى و مريم حقّ، دون ما ذكروه، و ما بعده خبر، و اللّام دخلت فيه، لأنّه أقرب إلى المبتدأ من الخبر، و أصلها أن تدخل على المبتدأ، و هاهنا دخول إنّ عليه مانع، فأخّر.

وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ‏: زيادة «من» لزيادة الاستغراق، لتأكيد الرّدّ على النّصارى في تثليثهم.

وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ: لا يساويه أحد في القدرة التّامّة، الْحَكِيمُ‏ (62): و لا في الحكمة البالغة ليشاركه في الألوهيّة.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن التّوحيد، فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ‏ (63):

إيراد المظهر ليدل على أنّ التّولّي‏ «1» إفساد للدّين و الاعتقاد.

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ‏:

قيل‏ «2»: يعمّ أهل الكتابين.

و قيل‏ «3»: يريد به وفد نجران، أو يهود المدينة تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ‏: لا يختلف فيها الرّسل و الكتب، و هي:

أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ‏: أي: نوحّده بالعبادة.

وَ لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً: لا نجعل له غيره شريكا في استحقاق العبادة.

وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ‏: و لا نقول: عزير بن اللّه، و لا المسيح بن اللّه. و لا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التّحريم و التّحليل، لأنّ كلا منهم بعضنا، بشر مثلنا.

و في مجمع البيان‏ «4»: و قد روى‏، لمّا نزلت هذه الآية قال عديّ بن حاتم: ما كنّا نعبدهم يا رسول اللّه.

فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: أما كانوا يحلّون لكم و يحرّمون فتأخذون بقولهم؟

فقال: نعم.

فقال النّبيّ- عليه السّلام-: هو ذاك.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن التّوحيد،

______________________________
(1) «أنّ التّولّي» ليس في أ.

2 و 3- أنوار التنزيل 1/ 164.

(4) مجمع البيان 1/ 455.

124
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 61 الى 65] ص : 116

فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ‏ (64)، أي: لزمتكم الحجّة، فوجب عليكم أن تعترفوا و تسلّموا بأنّا مسلمون دونكم، كما يقول الغالب للمغلوب- في جدل و صراع أو غيرهما-: اعترف بأنّي أنا الغالب و سلّم لي الغلبة.

و يجوز أن يكون من باب التّعريض، و معناه: اشهدوا و اعترفوا بأنّكم كافرون، حيث تولّيتم عن الحقّ بعد ظهوره.

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ‏: و يدّعي كلّ فريق أنّ إبراهيم كان على دينهم، اليهود تدّعي يهوديّته، و النّصارى نصرانيّته‏ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ: الّتي ثبت بها اليهوديّة، وَ الْإِنْجِيلُ‏: الّذي ثبت به النّصرانيّة، إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ‏، أي: بعد إبراهيم، أنزلت التّوراة بعده بألف سنة، و الإنجيل بألفي سنة، فكيف يكون إبراهيم على دين لم يحدث إلّا بعده بأزمنة متطاولة؟! أَ فَلا تَعْقِلُونَ‏ (65): حتّى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال. هكذا قاله المفسّرون، و في ما قالوه إشكال من وجهين: الأوّل:

أنّه يمكن أن يقال‏ «1» من قبل‏ «2» اليهود و النّصارى: إنّ كون إبراهيم منهم، لا يتوقّف على نزول التّوراة و الإنجيل في زمانه، لإمكان إيحاء اليهوديّة أو النّصرانيّة إليه، ثمّ إنزال التّوراة و الإنجيل على طبق ما أوحي إليه سابقا.

الثّاني: أنّه قد تواتر أنّ ابراهيم- عليه السّلام- كان مسلما- و قد دلّ عليه الآية- و شيعة، مع أنّ الإسلام و التّشيّع إنّما ثبت بالقرآن الّذي نزل‏ «3» بعده، فما هو جوابكم فهو جوابهم.

و الأظهر أنّ مضمون الآية- و اللّه أعلم- أنّ كلّا من اليهود و النّصارى، يدّعي أنّ إبراهيم كان على الدّين الّذي هم‏ «4» عليه الآن، من اليهوديّة «5» الّتي حدثت بعد التّوراة، و النّصرانيّة الّتي حدثت بعد الإنجيل بالتّحريف و التّبديل، فقال اللّه- تعالى-: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ‏، و تدّعون أنّه كان على ما أنتم عليه الآن، و هو حدث بتحريفكم بعد إنزال التّوراة و الإنجيل [بعد إبراهيم بمدد متطاولة، و ما كان له أصل من اللّه، حتّى يحتمل‏

______________________________
(1) ر: يؤمن.

(2) أ: قبيل.

3 و 4- ليس في أ.

(5) ر: اليهوذا.

125
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

 

أن يوحيه إلى إبراهيم، و يكون هو عليه قبل إنزال التّوراة و الإنجيل‏] «1» أ فلا تعقلون؟ و حينئذ لا يرد عليه شي‏ء من الإشكالين، و اللّه أعلم بحقيقة الحال.

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏:

«ها»، حرف تنبيه، نبّهوا بها على حالهم، الّتي غفلوا عنها. و «أنتم»، مبتدأ.

و «هؤلاء»، خبره. و «حاججتم»، جملة أخرى مبيّنة للأولى، أي: أنتم هؤلاء الحمقى، و بيان حماقتكم أنّكم جادلتم فيما لكم به علم، ممّا وجدتموه في التّوراة و الإنجيل من نعت النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- عنادا، فلم تجادلون فيما لا علم لكم به، و لا ذكر له في كتابكم، من أنّ إبراهيم كان على اليهوديّة أو النّصرانيّة الّتي نحن عليها.

و قيل‏ «2»: هؤلاء، بمعنى: الّذين. و حاججتم، صلته.

و قيل‏ «3»: ها أنتم، أصله أ أنتم على الاستفهام، للتّعجيب من حماقتهم، فقلبت الهمزة هاء.

و قرء نافع و أبو عمرو «ها أنتم» حيث وقع بالمدّ، من غير همزة. و ورش، أقلّ مدّا.

و قنبل، بالهمزة «4» من غير ألف بعد الهاء. و الباقون، بالمدّ و الهمزة «5».

و البزّيّ، يقصر «6» المدّ على أصله‏ «7».

وَ اللَّهُ يَعْلَمُ‏: ما حاججتم فيه، أوله العلم.

وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ‏ (66): أي: لا تعلمونه، أو لستم ممّن له العلم.

ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا:

بعد ما قرّر أنّ إبراهيم لم يكن على اليهوديّة و النّصرانيّة الّتي هم عليها الآن، نفى عنه اليهوديّة و النّصرانيّة مطلقا، و لمّا كان يوهم ذلك كونه على غير الحقّ، لأنّ أصل اليهوديّة و النّصرانيّة لم يكن غير حق‏ «8»، نفى ذلك الوهم بقوله:

وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً: مائلا عن العقائد الزّائغة.

في أصول الكافي‏ «9»: عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عبد اللّه‏

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) أنوار التنزيل 1/ 165.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) المصدر: بالهمز.

(5) المصدر: الهمز.

(6) المصدر: بقصر.

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) ر: على غير حقّ.

(9) لكافي 2/ 15، ح 1.

 

 

126
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: حنيفا مسلما، قال: خالصا مخلصا ليس فيه‏ «1» شي‏ء من عبادة الأوثان.

مُسْلِماً: منقادا للّه فيما شرع له، لأنّ اليهوديّة صارت شرعا في أيّام موسى، و النّصرانيّة في بعثة عيسى، و لم يكونا مشروعين قبل ذلك، و المشروع حينئذ هو الإسلام.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن عبيد اللّه الحلبيّ‏ «3»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: أمير المؤمنين- عليه السّلام-: ما كان إبراهيم يهوديّا و لا نصرانيّا. لا يهوديّا يصلّي إلى المغرب، و لا نصرانيّا يصلّي إلى المشرق، و لكن كان حنيفا مسلما على‏ «4» دين محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

[وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ (67): تعريض بأنّهم مشركون لإشراكهم به عزير و المسيح، و ردّ لا دعاء المشركين أنّهم على ملّة إبراهيم.

و في روضة الكافي‏ «5»: عليّ بن محمّد، عن عليّ بن عبّاس، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لا شرقيّة و لا غربيّة، يقول: [لستم‏] «6» بيهود فتصلّوا قبل المغرب و لا نصارى فتصلّوا قبل المشرق، و أنتم على ملّة إبراهيم- صلّى اللّه عليه و آله- و قد قال- عزّ و جلّ-: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.] «7»

إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ‏: أي: أقربهم به. من الوليّ بمعنى: القرب.

لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ‏: من أمّته، وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا: لموافقتهم له في أكثر ما شرع لهم. و المراد بالّذين آمنوا، هم الأئمّة و أتباعهم.

[وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏ (68): ينصرهم و يجازيهم الحسنى بإيمانهم.] «8»

______________________________
(1) أ: منه.

(2) تفسير العياشي 1/ 177، ح 60.

(3) النسخ: «عبد اللّه الحلبي». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر. و هو عبيد اللّه بن عليّ بن أبي شعبة الحلبي. ر. رجال النجاشي/ 230، رقم 612.

(4) المصدر: [يقول كان على‏] بدل «على».

(5) الكافي 8/ 381، ضمن حديث 574.

(6) من المصدر.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

127
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

في أصول الكافي‏ «1»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشاء، عن مثّنى، عن عبد اللّه بن عجلان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا. قال: هم الأئمّة- عليهم السّلام- و من اتّبعهم.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن عليّ بن النّعمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله‏ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏] «3» قال: هم الأئمّة و أتباعهم.

و في مجمع البيان‏ «4»: قال‏ «5» أمير المؤمنين عليّ‏ «6»- عليه السّلام-: إنّ أولى النّاس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثمّ تلا هذه الآية، و قال: إنّ وليّ محمّد من أطاع اللّه و إن بعدت لحمته، و إنّ عدوّ محمّد من عصى اللّه و إن قربت قرابته.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن عمر بن يزيد «8» قال‏ «9»: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: أنتم و اللّه من آل محمّد.

فقلت: من أنفسهم جعلت فداك؟

قال: نعم و اللّه من أنفسهم- ثلاثا- ثمّ نظر إليّ و نظرت إليه، فقال: يا عمر، إنّ اللّه يقول في كتابه: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.

و فيه‏ «10»: في حديث طويل [عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-] «11» و فيه يقول- صلّى اللّه عليه و آله-: ثمّ صعدنا إلى السّماء السّابعة «12»، فما مررت بملك من الملائكة إلّا قالوا: يا محمّد احتجم و أمر أمّتك بالحجامة، و إذا فيها رجل أشمط الرّأس و اللّحية جالس‏

______________________________
(1) الكافي 1/ 416، ح 20.

(2) تفسير العياشي 1/ 177، ح 62.

(3) من المصدر.

(4) مجمع البيان 1/ 458.

(5) المصدر: قول.

(6) «علّي» ليس في المصدر.

(7) تفسير القمي 1/ 105.

(8) النسخ: عمر بن زيد. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(9) ليس في المصدر.

(10) نفس المصدر 2/ 9.

(11) من أ.

(12) أ: الرابعة.

 

128
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

على كرسيّ، فقلت: يا جبرئيل، من هذا الّذي في السّماء السّابعة، على باب البيت المعمور، في جوار اللّه؟

فقال: هذا يا محمّد «1» أبوك إبراهيم، و هذا محلّك، و محلّ من اتّقى من أمّتك. ثمّ قرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ.

حدّثني أبي‏ «2»، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي خالد الكابليّ قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: و اللّه لكأنّي أنظر إلى القائم- عليه السّلام- و قد أسند ظهره إلى الحجر، ثمّ ينشد اللّه حقّه، ثمّ يقول: يا أيّها النّاس من يحاجّني في اللّه فأنا أولى باللّه، أيّها النّاس من يحاجّني في آدم‏ «3» فأنا أولى بآدم، أيّها النّاس من يحاجّني في نوح فأنا أولى بنوح، أيّها النّاس من يحاجّني في إبراهيم‏ «4» فأنا أولى بإبراهيم.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة «5»: من كتاب له- عليه السّلام- إلى معاوية جوابا: و كتاب اللّه يجمع لنا ما شذّ عنّا، و هو قوله سبحانه: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ‏، و قوله تعالى: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ. فنحن مرّة أولى بالقرابة، و تارة أولى بالطّاعة.

و في كتاب الاحتجاج‏ «6»، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- خطبة لعليّ- عليه السّلام- و فيها: قال اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُ‏، و قال- عزّ و جلّ-: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ. فنحن أولى النّاس بإبراهيم، و نحن ورثناه، و نحن أولو الأرحام الّذين ورثنا الكعبة، و نحن آل إبراهيم‏ «7».

وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ‏: قيل‏ «8»: نزلت في اليهود، لمّا دعوا

______________________________
(1) «يا محمد» ليس في المصدر.

(2) نفس المصدر 2/ 205.

(3) هكذا في المصدر: و في النسخ: بآدم.

(4) أ: بإبراهيم.

(5) نهج البلاغة/ 378، ضمن رسالة 28.

(6) الاحتجاج 1/ 324.

(7) يوجد في أ بعد هذه العبارة: «و اللّه وليّ المؤمنين ينصرهم و يجازيهم الحسنى بايمانهم.» و هي مشطوب في الأصل.

(8) أنوار التنزيل 1/ 166.

129
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

حذيفة و عمّار أو معادا «1» إلى اليهوديّة.

و «لو»، بمعنى: أن.

وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏: و ما يتخطّاهم الإضلال و لا يعود و باله إلّا عليهم، إذ يضاعف به عذابهم. أو يزيد به ضلالتهم و رسوخهم فيها. أو ما يضلّون إلّا أمثالهم.

وَ ما يَشْعُرُونَ‏ (69): وزره و اختصاص ضرره بهم.

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ‏: الدّالّة على نبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- ممّا نطقت به التّوراة و الإنجيل.

وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏ (70): أنّها آيات اللّه، أو بالقرآن. أو أنتم تشهدون نعته في الكتابين، أو تعلمون بالمعجزات أنّه حقّ.

يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ‏: بالتّحريف و إبراز الباطل في صورة الحقّ، أو بالتّقصير في الميز بينهما.

و قرئ: «تلبّسون» بالتّشديد. و «تلبسون»: بفتح الباء «2».

وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَ‏ من نبوّة محمّد- صلّى اللّه عليه و آله، وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ (71): عالمين بما تكتمونه، أو أنتم من أهل العلم.

وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ: أوّله، وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏ (72)، أي: لعلّهم يشكّون في دينهم، ظنّا بأنّكم رجعتم لخلل ظهر لكم.

قيل‏ «3»: المراد بالطّائفة، اثنا عشر من أحبار خيبر، تقاولوا بأن يدخلوا في الإسلام أوّل النّهار و يقولوا آخره: نظرنا في كتابنا و شاورنا علماءنا فلم نجد محمّدا بالنّعت الّذي ورد في التّوراة، لعلّ أصحابه يشكّون فيه.

و قيل‏ «4»: كعب بن الأشرف و مالك بن الضّيف‏ «5» قالا لأصحابهما لمّا حوّلت‏

______________________________
(1) هكذا في النسخ و المصدر. و لعلّ الصّواب: عمّار و معاذ.

2 و 3- نفس المصدر و الموضع.

(4) نفس المصدر و الموضع، بتقديم و تأخير بالقيل الأولى على الثانية.

(5) هكذا في النسخ و في بعض طبعات أخرى من المصدر. و في المصدر: مالك بن الصيف.

130
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

القبلة: آمنوا بما أنزل عليهم من الصّلاة إلى الكعبة و صلّوا إليها أوّل النّهار ثمّ صلّوا إلى الصّخرة آخره، لعلّهم يقولون: هم أعلم منّا و قد رجعوا، فيرجعون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: قوله: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ [لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏] «2» قال: نزلت في قوم من اليهود قالوا: آمنّا بالّذي جاء [به‏] «3» محمّد بالغداة، كفرنا «4» به بالعشيّ.

و في رواية أبي الجارود «5»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. فإنّ‏ «6» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا قدم المدينة و هو يصلّي نحو بيت المقدس أعجب ذلك اليهود «7»، فلمّا صرفه اللّه عن بيت المقدس إلى بيت اللّه الحرام وجدت‏ «8» اليهود من ذلك‏ «9»، و كان صرف القبلة صلاة الظّهر، فقالوا: صلّى محمّد الغداة و استقبل قبلتنا، فآمنوا بالّذي أنزل على محمّد وجه النّهار و اكفروا آخره، يعنون، القبلة حين استقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- المسجد الحرام، لعلّهم يرجعون إلى قبلتنا.

وَ لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ‏: أي: لا تقرّوا عن قصد قلب إلّا لأهل دينكم.

أو لا تظهروا إيمانكم وجه النّهار إلّا لمن كان على دينكم، فإنّ رجوعهم أرجى.

قُلْ إِنَّ الْهُدى‏ هُدَى اللَّهِ‏: يهدي من يشاء إلى الإيمان و يثبّته.

أَنْ يُؤْتى‏ أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ‏: تعليل لمحذوف، أي: دبّرتم و قلتم ذلك لأجل أن يؤتى، أي: الحسد حملكم على ذلك. أو بلا تؤمنوا على المعنى الثّاني، أي: لا تظهروا إيمانكم للمسلمين لئّلا يزيد ثباتهم، أو للمشركين فيدعوهم إلى الإسلام.

و على هذا قوله: إنّ الهدى- الخ- اعتراض، يدلّ على أنّ كيدهم لا يجدي.

و يحتمل أن يكون خبر «إنّ» و «هدى اللّه» بدلا من الهدى.

و قرأ ابن كثير «أأن يؤتى» على الاستفهام للتّقريع و قرئ على «إن» النّافية، فيكون من كلام الطّائفة «10».

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 105.

2 و 3- من المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: كفروا.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) المصدر: أنّ.

(7) المصدر: «اليهود من ذلك» بدل «ذلك اليهود».

(8) وجدت: حزنت.

(9) «اليهود من ذلك» ليس في المصدر.

(10) أنوار التنزيل 1/ 167.

131
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ‏: عطف «على يؤتى» «1» على الوجهين الأوّلين، و على الثّالث، معناه: حتّى يحاجّوكم، يعني: إنّ هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتّى يقدر على محاجّتكم. و الواو، ضمير «لأحد» لأنّه في معنى الجمع.

قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ: لا ينفع في جلبه أمثال هذه التّدابير.

وَ اللَّهُ واسِعٌ‏: الفضل.

عَلِيمٌ‏ (73): بمن يصلح له الفضل.

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ: من غير استيجاب سابق منه.

وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ‏ (74): و فضله عظيم، أعظم ممّا حصل لكم من الحطام الحقير، الّذي اكتسبتموه بالتّحريف و الكتمان و الكفر.

وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ‏:

نقل‏ «2»: أنّ عبد اللّه بن سلام استودعه قرشي ألفا و مائتي أوقيّة ذهبا فأدّاه إليه.

وَ مِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ‏:

نقل‏ «3»: أنّ فنحاص بن عازوراء استودعه قرشيّ آخر دينارا، فجحده.

و قيل‏ «4»: المأمونون على الكثير النّصارى، إذ الغالب فيهم الأمانة. و الخائنون في القليل اليهود، إذ الغالب عليهم الخيانة.

و قرأ حمزة و ابو بكر و أبو عمر «و يؤدّه [إليك و لا يؤدّه إليك»] «5» بإسكان الهاء.

و قالون، باختلاس [كسرة] «6» الهاء. [و كذا روى عن حفص.] «7» و الباقون، بإشباع الكسرة «8» إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً: أي: إلّا أن تأخذه منه قبل المفارقة.

ذلِكَ‏: أي: ترك الأداء المذكور.

بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ‏: أي بسبب قولهم و اعتقادهم أن «ليس علينا» في شأن من ليس من أهل الكتاب و على ديننا، سبيل و عقاب.

______________________________
(1) «على يؤتى» ليس في الأصل و يوجد في أو أنوار التنزيل- أيضا.

(2) أنوار التنزيل 1/ 167.

3 و 4- نفس المصدر و الموضع.

(5) من المصدر.

6 و 7- من المصدر.

(8) نفس المصدر و الموضع.

132
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏: بقول ذلك.

وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ (75): أنّهم كاذبون.

و قيل‏ «1»: عامل اليهود رجالا من قريش، فلمّا أسلموا تقاضوهم، فقالوا، سقط حقّكم حيث تركتم دينكم، و زعموا أنّه كذلك في كتابهم.

و في مجمع البيان‏ «2»: روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه لما قرأ هذه الآية قال: كذب اعداء اللّه، ما من شي‏ء كان في الجاهلية إلّا و هو تحت قدمي، إلّا الأمانة فإنّها مؤدّاة إلى البّر و الفاجر.

بَلى‏: إثبات لما نفوه، أي: بلى عليهم سبيل.

مَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ وَ اتَّقى‏ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ‏ (76): استئناف مقرّر للجملة الّتي سدّت «بلى» مسدّها. و الضّمير مجرور بإضافة العهد من الإضافة إلى الفاعل لو رجع إلى «من»، و من الإضافة إلى الفاعل أو المفعول لو رجع إلى اللّه و عموم المتّقين، ناب الرّاجع من الجزاء إلى «مَن». و أشعر بأنّ التّقوى ملاك الأمر، و هو يعمّ الوفاء و غيره، من أداء الواجبات و الاجتناب عن المناهي.

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ‏: يستبدلون، بِعَهْدِ اللَّهِ‏: بما عهد اللّه عليهم، أو بما عاهدوا اللّه عليه، من الإيمان بالرّسول و أداء الأمانات.

وَ أَيْمانِهِمْ‏: و بما حلفوا به من قولهم: و اللّه لنؤمننّ به و لننصرنّه.

و في مجمع البيان‏ «3»، و في تفسير الكلبيّ: عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول‏: من حلف على يمين كاذبة ليقطع به مال أخيه المسلم، لقى اللّه و هو عليه غضبان. و تلا هذه الآية.

ثَمَناً قَلِيلًا: متاع الدّنيا من الرّئاسة، و أخذ الرشوة، و الذّهاب بمال أخيهم المسلم، و نحو ذلك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا قال: يتقرّبون إلى النّاس بأنّهم مسلمون، فيأخذون منهم و يخونون، و ما هم بمسلمين‏ «5»

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) مجمع البيان 1/ 463.

(3) مجمع البيان 1/ 464، مع بعض الاختلاف.

(4) تفسير القمي 1/ 106.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فيأخذوه منهم و يخوفون و بالمسلمين» بدل «فيأخذون منهم و يخونون و ما هم بمسلمين».

133
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

على الحقيقة.

و في أمالي شيخ الطّائفة «1»- قدّس سرّه- بإسناده إلى أبي وائل، عن أبي عبد اللّه عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: من حلف على يمين يقطع‏ «2» بها مال أخيه، لقى اللّه- عزّ و جلّ- و هو عليه غضبان. فأنزل اللّه- عزّ و جلّ- تصديق ذلك في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.

قال فبرز الأشعث بن قيس فقال: فيّ نزلت، خاصمت إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [فقضى عليّ باليمين.] «3»

أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ:

[في عيون الأخبار «4»: عن الرّضا- عليه السّلام- حديث طويل- في تعداد الكبائر و بيانها من كتاب اللّه- و فيه يقول الصّادق- عليه السّلام-: و اليمين الغموس، لأنّ اللّه تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ.

و في كتاب الخصال‏ «5»: عن الحسن بن علي- عليهما السّلام- [قال‏:] «6» الناس أربعة: فمنهم من له خلق و لا خلاق له، و منهم من له خلاق و لا خلق له، و منهم من لا خلق له و لا خلاق فذلك من شرّ الناس، و منهم من له خلق و خلاق. فذلك من‏ «7» خير النّاس‏] «8»

في أصول الكافي‏ «9»: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: و أنزل في العهد:

______________________________
(1) أمالي الطوسي 1/ 368.

(2) المصدر: «يقتطع». و هو أبلغ و إن كان «يقطع»- أيضا- صحيح.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) عيون أخبار الرضا 1/ 287، ضمن حديث 33.

(5) الخصال/ 236، ح 77.

(6) من المصدر.

(7) ليس في المصدر.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في «أ».

(9) الكافي 2/ 32، ضمن حديث 1.

 

134
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ‏ (الآية) و الخلاق النّصيب، فمن لم يكن له نصيب [في الآخرة] «1» فبأيّ شي‏ء يدخل الجنّة؟

وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ‏ بما يسرّهم. أو بشي‏ء أصلا، و يسألهم الملائكة يوم القيامة. أو لا ينتفعون بكلمات اللّه و آياته‏ «2». أو كناية عن غضبه عليهم.

وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: فإنّ من سخط على غيره أعرض عن التكلّم‏ «3» معه و النّظر إليه، كما أنّ من اعتدّ بغيره تقاوله‏ «4» و يكثر النّظر إليه.

و في كتاب التّوحيد «5»، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- و قد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات-: و أمّا قوله: وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [يخبر] «6» أنّه لا يصيبهم بخير، و قد تقول العرب: و اللّه ما ينظر إلينا فلان، و إنّما يعنون بذلك [أنّه‏] «7» لا يصيبنا منه بخير، فذلك النّظر هاهنا من اللّه تبارك و تعالى إلى خلقه، فنظره إليهم رحمة [منه‏] «8» لهم.

وَ لا يُزَكِّيهِمْ‏:

قيل‏ «9»: و لا يثني عليهم.

و في تفسير الإمام‏ «10»: وَ لا يُزَكِّيهِمْ‏ من ذنوبهم.

و قد مرّ.

وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ (77): على ما فعلوا.

قيل‏ «11»: [إنّها] «12» نزلت في أحبار حرّفوا التّوراة، و بدّلوا نعت محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و حكم الأمانات و غيرهما، و أخذوا على ذلك رشوة.

و قيل‏ «13»: [نزلت‏] «14» في رجل أقام سلعة في السّوق، فحلف لقد اشتراها بما لم يشترها به. و قيل‏ «15»: [نزلت‏] «16» في ترافع كان بين أشعث بن قيس و يهوديّ في بئر و أرض، و توجّه الحلف على اليهوديّ.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) أ: و.

(3) أ: الكلام.

(4) أ: لمقاولة.

(5) التوحيد/ 265، ضمن حديث 5.

6 و 7 و 8- من المصدر.

(9) أنوار التنزيل 1/ 168.

(10) تفسير العسكري/ 246.

(11) أنوار التنزيل 1/ 168.

(12) من المصدر.

(13) نفس المصدر و الموضع.

(14) من المصدر.

(15) نفس المصدر و الموضع.

(16) من المصدر.

135
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

و في أمالي شيخ الطّائفة «1»- قدّس سرّه-، بإسناده إلى أبي وائل، عن عبد اللّه عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: من حلف على يمين ليقطع بها مال أخيه، لقى اللّه- عزّ و جلّ- و هو عليه غضبان. فأنزل اللّه- عزّ و جلّ- تصديق ذلك في كتابه: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا.

قال‏ «2»: فبرز الأشعث بن قيس فقال: فيّ نزلت، خاصمت‏ «3» إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [فقضى عليّ باليمين.] «4»

[و فيه‏ «5»: عن وهب بن حريز قال: حدّثني أبي قال: سمعت عديّ بن عديّ يحدّث عن رجاء بن حيوة و العرس بن عميرة قال: حدّثني عن عديّ بن عديّ، عن أبيه قال‏:

اختصم امرؤ القيس و رجل من حضر موت إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-] «6» في أرض [فقال: إنّ هذا ابتزّ عليّ أرضي في الجاهليّة] «7».

فقال‏ «8» [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:] «9» أ لك بيّنة؟

فقال‏ «10»: لا.

قال: فيمينه.

قال: إذا و اللّه يذهب‏ «11» بأرضي.

فقال‏ «12»: إن ذهب بأرضك [بيمينه‏] «13» كان ممّن لا ينظر اللّه إليه يوم القيامة، و لا يزكّيه و له عذاب أليم.

[و في عيون الأخبار «14»: عن الرّضا قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

______________________________
(1) أمالي الطوسي 1/ 368.

(2) ليس في الأصل ور. بل يوجد في المصدر و أ.

(3) ر و أ: خاصّة.

(4) هكذا تكملة الحديث في المصدر، كما مرّ آنفا.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) و هكذا صدر الحديث في المصدر من دون لفظ «و فيه». و هو من عندنا. و لسقوط تلك التكملة و هذا الصدر خلط و التقط بين الحديثين المذكورين في المتن، في النسخ.

(7) ليس في المصدر.

(8) المصدر: قال.

(9) ليس في المصدر.

(10) المصدر: قال.

(11) النسخ: «يذهب و اللّه» بدل «إذا و اللّه يذهب.» و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(12) المصدر: قال.

(13) من المصدر.

(14) عيون أخبار الرضا 2/ 34، ح 65.

 

136
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

حرّمت الجنّة على من ظلم أهل بيتي، و على من قاتلهم، و على المعين [عليهم،] «1» و على من سبّهم، أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏.

و في أصول الكافي، «2» إلى ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: ثلاثة لا ينظر [اللّه‏] «3» إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم: من ادّعى إمامة من اللّه ليست له، و من جحد إماما من اللّه، و من زعم أنّ لهما في الإسلام نصيبا.

عليّ بن محمّد «4»، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: و أنزل في العهد إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ و الخلاق النّصيب. فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شي‏ء يدخل الجنّة؟

محمّد بن جعفر «5»، عن محمّد بن عبد الحميد، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: شيخ زان، و ملك جبّار، و مقلّ‏ «6» مختال.

و في الكافي‏ «7»، بإسناده إلى محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: الشّيخ الزّاني، و الدّيّوث، و المرأة توطئ فراش زوجها.

و بإسناده: إلى محمّد بن مسلم‏ «8»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم، منهم المرأة توطئ فراش زوجها.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) الكافي 1/ 374، ح 12.

(3) من المصدر.

(4) نفس المصدر 2/ 32، ضمن حديث 1 و أوله في ص 28.

(5) نفس المصدر 2/ 311 ح 14.

(6) هكذا في المصدر. و في الأصل: مصل.

(7) نفس المصدر 5/ 537، ح 7.

(8) نفس المصدر 5/ 543، ح 1.

137
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

و في من لا يحضره الفقيه‏ «1»، و روى محمّد بن أبي عمير، عن أبي إسحاق بن هلال‏ «2»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال‏: ألا أخبركم بأكبر الزّنا؟

قالوا: بلى.

قال: هي امرأة توطئ فراش زوجها، فتأتي بولد من غيره، فتلزمه زوجها، فتلك الّتي لا يكلّمها اللّه و لا ينظر إليها يوم القيامة و لا يزكّيها و لها عذاب أليم.

و في مجمع البيان‏ «3»: و في تفسير الكلبيّ، عن ابن مسعود قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول‏: من حلف على يمين كاذبة ليقطع بها مال أخيه المسلم، لقي اللّه و هو عليه غضبان. و تلا هذه الآية.

و في كتاب الخصال‏ «4»، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة و لا ينظر إليهم و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: النّاتف شيبه، و النّاكح نفسه، و المنكوح في دبره.

عن الأعمش‏ «5»، عن صالح‏ «6»، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: رجل بايع إماما لا يبايعه إلّا للدّنيا إن أعطاه منها ما يريد و في له و إلّا لم يبق‏ «7»، و رجل بايع رجلا بسلعة بعد العصر فحلف باللّه لقد أعطي بها كذا و كذا فصدّقه فأخذها و لم يعط فيها ما قال، و رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السّبيل.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «8»: عن أبي حمزة الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال‏: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه يوم القيامة [و لا ينظر إليهم‏] «9» و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: من جحد إماما، أو ادّعى إماما من غير اللّه، أو زعم أنّ لفلان و فلان في الإسلام نصيبا.

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 3/ 376، ح 1775.

(2) المصدر: إسحاق بن هلال.

(3) مجمع البيان 1/ 464.

(4) الخصال/ 106، ح 68.

(5) نفس المصدر/ 107، ح 70.

(6) المصدر: أبي صالح.

(7) كذا في الأصل. و في المصدر: «كف» بدل «لم يبق». و الظاهر: لم يف.

(8) تفسير العياشي 1/ 178، ح 65.

(9) من المصدر.

138
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 66 الى 77] ص : 126

و عن محمّد الحلبيّ‏ «1» قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: الدّيّوث من الرّجال، و الفاحش المتفحّش، و الّذي يسأل النّاس و في يده ظهر غنى.

و عن السّكونيّ‏ «2»، عن جعفر بن محمّد عن أبيه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ثلاثة لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم و لهم عذاب أليم: المرخي ذيله من العظمة، و المزكّي سلعته بالكذب، و رجل استقبلك بودّ صدره فيواري و قلبه ممتلئ غشّا.

و في شرح الآيات الباهرة «3»] «4» و في كتاب مصباح الأنوار للشّيخ الطّوسيّ- رحمه اللّه-: بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل قال: حدّثنا أبو الحسن المثنّى قال: حدّثنا عليّ بن مهرويه‏ «5» قال: حدثنا داود بن سليمان الغازي قال: حدّثنا عليّ بن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمّد، عن أبيه عليّ، عن أبيه الحسين، عن أبيه عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: حرّم اللّه الجنّة على ظالم أهل بيتي، و قاتلهم، و شانئهم‏ «6»، و المعين عليهم. ثمّ تلا هذه الآية: أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ (الآية) «7».

و في معنى هذا التأويل‏

ما رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه‏ «8»- قال: روى عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّاء، عن داود الحمار «9»، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: ثلاثة لا يكلّمهم اللّه و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكّيهم‏ «10» و لهم عذاب أليم: من ادّعى إمامة ليست له من اللّه، و من جحد إماما من اللّه،

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 178- 179، ح 67.

(2) نفس المصدر 1/ 179، ح 69.

(3) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 41.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: على بن مردويه. ر. تنقيح المقال 2/ 310، رقم 8533.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: سابيهم.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: «هذا المعنى» بدل «معنى هذا التأويل».

(8) نفس المصدر و الموضع.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: داود الحماد. و الظاهر أنّه «داود بن سليمان». ر. تنقيح المقال 1/ 407، رقم 3831.

(10) ليس في ر.

 

139
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

 

و من زعم أنّ لهما في الإسلام نصيبا.

وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ‏: يفتلونها بقراءته، فيميلونها عن المنزل الى المحرّف. أو يعطفونها بشبه الكتاب. من لواه يلويه، فتله و ثناه.

و قرأ ابن كثير «يلوون» على قلب الواو المضمومة همزة، ثمّ تخفيفها بحذفها، و إلقاء حركتها على السّاكن قبلها «1».

لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ‏:

الضّمير للمحرّف، المدلول عليه بقوله: يلوون.

و قرئ بالياء، و الضّمير أيضا للمسلمين‏ «2».

وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏: تأكيد لقوله: ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ‏ و زيادة تشنيع عليهم و بيان، لأنّهم يقولون ذلك تصريحا لا تعريضا.

قال البيضاويّ‏ «3»: و هذا لا يقتضي أن لا يكون فعل العبد فعل اللّه تعالى.

و غرضه أنّه ليس في هذا ردّ لمذاهب الأشاعرة، و فيه: أنّه لو كان فعل‏ «4» العبد فعل اللّه، لزم الكذب في قوله، وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏، لأنّه على هذا التّقرير كلّ مفترياتهم من عند اللّه و من فعله، و اختصاصهم بكونهم كاسبين له و مباشرين لاتّصافه، لا يمنع صدق كونه من عند اللّه عليه، و إن صحّح إضافته إليهم‏ «5».

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «6»: قوله: وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ قال: كان اليهود يقرءون‏ «7» شيئا ليس في التوراة، و يقولون: هو في التّوراة، فكذّبهم اللّه.] «8»

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 168. من دون ذكر «قرأ ابن كثير»، بل: «قرئ».

2 و 3- نفس المصدر و الموضع.

(4) أ: فعل اللّه.

(5) ليس في ر.

(6) تفسير القمي 1/ 106.

(7) المصدر: يقولون.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

140
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ (78): تسجيل‏ «1» عليهم بالكذب على اللّه، و التّعمّد فيه.

عن ابن عباس: هم اليهود الّذين قدموا على كعب بن الأشرف، و غيّروا التّوراة و كتبوا كتابا بدّلوا فيه صفة النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ أخذت قريظة ما كتبوه، فخلطوه بالكتاب الّذي عندهم.

ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ‏: ردّ لعبدة عيسى.

و في مجمع البيان‏ «2»: قيل‏: إنّ أبا رافع القرظيّ و رئيس وفد نجران قالا «3»: يا محمّد، أ تريد أن نعبدك و نتّخذك ربّا «4»؟

فقال: معاذ اللّه أن يعبد «5» غير اللّه أو آمر بعبادة غير اللّه‏ «6»، فما «7» بذلك بعثني و لا بذلك أمرني. فأنزل اللّه الآية «8».

و في البيضاويّ‏ «9»- و قيل‏: قال رجل: يا رسول اللّه نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض‏ «10»، أفلا نسجد لك؟

قال: لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون اللّه، و لكن أكرموا نبيّكم و اعرفوا الحقّ لأهله.

وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ‏، أي: و لكن يقول ذلك.

و الرّبّانيّ، منسوب إلى الرّبّ، بزيادة الألف و النون، كاللّحيانيّ و الرّقبانيّ، و هو الشّديد التّمسّك بدين اللّه و طاعته.

______________________________
(1) أ: يستحيل.

(2) مجمع البيان 1/ 466.

(3) النسخ: «السيد البحراني قال» بدل «رئيس وفد نجران قالا.» و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(4) المصدر: إلها.

(5) المصدر: أعبد.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «و أن نأمر بغير عبادة اللّه» بدل أو آمر بعبادة غير اللّه.

(7) المصدر: ما.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فنزلت» بدل «فأنزل اللّه الآية».

(9) أنوار التنزيل 1/ 168.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: «بعضنا بعضا» بدل «بعضنا على بعض».

141
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ‏ (79): بسبب كونكم معلّمين الكتاب و دارسين له، فإنّ فائدة التّعليم و التّعلّم معرفة الحقّ و الخير للاعتقاد و العمل.

و قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و يعقوب «تعلمون» بالتّخفيف، أي، بسبب كونكم عالمين‏ «1».

و قرئ «تدرسون» من التّدريس، و «تدرسون» من أدرس، بمعنى: درس، كأكرم و كرم. و يجوز أن تكون القراءة المشهورة أيضا بهذا المعنى، على تقدير: و بما تدرسونه على النّاس‏ «2».

و في كتاب عيون الأخبار «3»: في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في وجه دلائل الأئمّة- عليهم السّلام- و الرّدّ على الغلاة و المفوّضة- لعنهم اللّه- حديث طويل و فيه: فقال‏ «4» المأمون: يا أبا الحسن بلغني أنّ قوما يغلون فيكم و يتجاوزون‏ «5» فيكم الحدّ.

فقال: الرّضا- عليه السّلام-: حدّثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه علي بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

لا ترفعوني فوق حقّي، فإن اللّه تعالى اتّخذني عبدا قبل أن يتّخذني نبيّا، قال اللّه تعالى: ما كانَ لِبَشَرٍ- إلى آخر الآية «6»-.

و قال‏ «7» عليّ- عليه السّلام-: يهلك فيّ اثنان- و لا ذنب لي- محبّ مفرط و مبغض مفرّط، و إنّا البرءاء «8» إلى اللّه- تعالى- ممّن يغلو فينا فيرفعنا «9» فوق حدّنا، كبراءة عيسى بن مريم- عليهما السّلام- من النّصارى.

وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً:

قرأ ابن عامر و حمزة و عاصم و يعقوب، بفتح الرّاء، عطفا على «يقول» و يكون «لا» إمّا مزيدة، لتأكيد معنى النّفي في قوله: ما كانَ لِبَشَرٍ، أي، ما كان لبشر أن يستنبئه‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 169.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) عيون أخبار الرضا 1/ 200- 201، ضمن حديث 1.

(4) المصدر: قال له.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: يجاوزون.

(6) ذكر في المصدر الآية بطولها إلى «أنتم مسلمون».

(7) رو المصدر: قال.

(8) المصدر: «أبرء». و لعلّ الصواب: لنبرأ.

(9) المصدر: و يرفعنا.

142
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

اللّه، ثمّ يأمر النّاس بعبادة [نفسه، و يأمر باتّخاذ الملائكة و النّبيّين أربابا. أو غير مزيدة، على معنى أنّه ليس له أن يأمر بعبادته‏] «1» و لا يأمر باتّخاذ أكفاءه أربابا، بل ينهى عنه و الباقون، بالرّفع على الاستئناف. و يحتمل الحال، بتقدير: و هو يأمركم، أو لا يأمركم.

و قرأ أبو عمر، على أصله، لرواية الدّوديّ، باختلاس الضّمّ. «2» [و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: قوله: وَ [لا] «4» يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً. قال: كان قوم يعبدون الملائكة، و قوم من النّصارى زعموا أنّ عيسى ربّ، و اليهود [قالوا:] «5» عزير بن اللّه. فقال اللّه: لا يَأْمُرَكُمْ‏ «6» أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً.] «7» أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ، أي: البشر المستنبئ.

و قيل‏ «8»: أي اللّه.

بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ (80):

قال‏ «9» البيضاويّ: دليل على أنّ الخطاب للمسلمين، و هم المستأذنون لأن يسجدوا له.

و فيه: أنّه لا دلالة فيه، لجواز الخطاب «بأنتم مسلمون» لليهود و النّصارى، بمعنى:

أنّكم كنتم مسلمين قبل ادّعاء الرّبوبيّة لهذه الأشياء «10».

وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ‏:

قيل‏ «11»: إنّه على ظاهره، و إذا كان هذا حكم الأنبياء، كان الأمم به أولى.

و في مجمع البيان‏ «12»: و روي عن أمير المؤمنين‏ «13»- عليه السّلام-: أنّ اللّه- تعالى-

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(2) أنوار التنزيل 1/ 169.

(3) تفسير القمي 1/ 106.

4 و 5- من المصدر.

(6) هكذا في المصدر. و في الأصل: أ يأمركم.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) أنوار التنزيل 1/ 169.

(9) نفس المصدر و الموضع.

(10) في نسخة أ، بعد هذه العبارة يوجد حديث منقول عن تفسير القمي، 1/ 106 الذي مرّ آنفا قبل آية أَ يَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ. و حذفناه هنا بدلالة نسخة الأصل.

(11) أنوار التنزيل 1/ 169.

(12) مجمع البيان 1/ 468.

(13) المصدر: روى عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- و ابن عباس و قتادة.

 

143
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

أخذ الميثاق على الأنبياء [قبل نبيّنا- صلّى اللّه عليه و آله-] «1» أن يخبروا أمهم بمبعثه و نعته‏ «2»، و يبشّروهم به، و يأمروهم بتصديقه.

و قيل‏ «3»: معناه: أنّه تعالى أخذ الميثاق من النّبيّين و أممهم، و استغنى بذكرهم عن ذكر الأمم.

و قيل: إضافة الميثاق إلى النبيّين، إضافته‏ «4» إلى الفاعل، و المعنى. و إذ أخذ اللّه الميثاق الّذي واثقه‏ «5» الأنبياء على أممهم.

و قيل‏ «6»: المراد أولاد النّبيين، على حذف المضاف، و هم بنو إسرائيل‏ «7». و سمّاهم نبيّين تهكّما، لأنّهم كانوا يقولون: نحن أولى بالنّبوّة من محمّد، لأنّا أهل الكتاب، و النّبيّون كانوا منّا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «8»: عن الباقر- عليه السّلام-: أنّه طرح عنها لفظ الأمم.

و قال الصّادق- عليه السّلام‏ «9»- تقديره، و إذا أخذ اللّه ميثاق أمم النّبيّين بتصديق نبيّها، و العمل بما جاءهم به، و أنّهم خالفوهم فيما بعد.

لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ:

«الّلام» موطّئة للقسم، لأنّ أخذ الميثاق، بمعنى: الاستحلاف. و «ما» تحتمل الشّرطيّة أو الخبريّة.

و قرأ حمزة «لما» بالكسر على أنّ «ما» مصدريّة، أي: لأجل إيتائي إيّاكم بعض الكتاب و الحكمة، ثمّ لمجي‏ء رسول مصدّق له أخذ اللّه الميثاق‏ «10».

و قرئ «لما» بمعنى: حين آتيتكم، أو لمن أجل ما آتيتكم، على أنّ أصله «لمن ما» بالإدغام، فحذفت إحدى الميمات الثّلاث استثقالا «11».

و قرأ نافع «آتيناكم» بالنون، بصيغة المتكلّم مع الغير «12». فإن كان أخذ الميثاق‏

______________________________
(1) ليس في المصدر.

(2) المصدر: رفعته.

(3) أنوار التنزيل 1/ 169.

(4) هكذا في المصدر و في النسخ: إضافة.

(5) المصدر: وثّقه.

(6) نفس الموضع و المصدر.

(7) المصدر: أو.

(8) تفسير العياشي 1/ 180.

(9) مجمع البيان 1/ 468.

(10) أنوار التنزيل 1/ 169.

(11) نفس المصدر و الموضع.

(12) نفس المصدر و الموضع، مع تفاوت في النقل.

144
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

على النّبيّين، فإيتاء الكتاب و الحكمة إليهم أنفسهم. و إن كان على الأمم، فإيتائهما إلى أنبيائهم، و هو الإيتاء إليهم.

ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ‏: و هو محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- المصدّق لما معهم من الكتب السّابقة، لكونه موصوفا بصفات ذكرت فيها لخاتم النّبيّين.

لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ‏: جواب القسم، و سادّ مسدّ الشّرط على تقدير، و أحدهما على تقدير آخر، أي: أخذ الميثاق على النّبيّين، أو على أممهم، أو عليهم و على أممهم لتؤمننّ بذلك الرّسول و لتنصرنّه. و نصرته- صلّى اللّه عليه و آله- من الأنبياء السّابقة، أن يخبروا أممهم بأن يؤمنوا به و بأوصيائه.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: حدّثني أبي، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن ابن سنان قال: قال: ابو عبد اللّه- عليه السّلام-: أوّل من سبق رسول اللّه‏ «2»- صلّى اللّه عليه و آله- إلى أن قال: ثمّ أخذ بعد ذلك ميثاق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- على الأنبياء له بالأمان‏ «3»، و على أن‏ «4» ينصروا أمير المؤمنين، فقال: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ‏- يعني، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ‏- يعني، أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- تخبروا «5» أممكم بخبره و خبر وليّه من الأئمّة.

و في مجمع البيان‏ «6»:] «7» و قد روى عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال‏:

لم يبعث اللّه نبيّا، آدم و من بعده، إلّا أخذ عليه العهد لئن بعث اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- و هو حيّ ليؤمننّ به و لينصرنّه، و أمره أن يأخذ العهد بذلك على قومه.

و من جملة نصرته، أن ينصر أمير المؤمنين- عليه السّلام- في الرّجعة.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «8»: عن حبيب السّجستانيّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ‏ «9» مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 246- 247.

(2) المصدر: «من الرسل إلى محمد- صلى الله عليه و آله-» بدل «رسول الله- صلى الله عليه و آله-».

(3) المصدر: «به» بدل «له بالأمالي».

(4) الأصل: ما.

(5) المصدر: أخبروا.

(6) مجمع البيان 1/ 468.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) تفسير العياشي 1/ 181، ح 75.

(9) هكذا في المصدر. و في الأصل: اتيكم.

 

145
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

فكيف يؤمن موسى بعيسى و ينصره و لم يدركه، و كيف يؤمن عيسى بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و ينصره و لم يدركه؟

فقال: يا حبيب، إنّ القرآن قد طرح منه آي كثيرة، و لم يزد فيه إلّا حروف أخطأت بها الكتبة و توهّمتها «1» الرّجال، و هذا وهم، فاقرأها: و إذ أخذ الله ميثاق [أمم‏] «2» النبيين لما آتيتكم‏ «3» من كتاب و حكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به و لتنصرنه، هكذا أنزلها اللّه يا حبيب، فو اللّه ما وفت أمّة من الأمم، الّتي كانت قبل موسى، بما أخذ اللّه عليها من الميثاق لكلّ نبيّ بعثه اللّه بعد نبيّها- عليهم السّلام-.

و ذكر- عليه السّلام- كلاما طويلا في تكذيب الأمم أنبيائها، تركناه خوف الإطالة.

عن بكير «4» قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اللّه أخذ «5» ميثاق شيعتنا بالولاية لنا و هم ذرّ، يوم أخذ الميثاق على الذّرّ بالإقرار له بالرّبوبيّة، و لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- بالنّبوة، و عرض اللّه على محمّد آله‏ «6» الطّيّبين و هم أظلّة.

قال: و خلقهم من الطّين الّذي‏ «7» خلق منها آدم.

قال: و خلق أرواح شيعتنا قبل أبدانهم بألفي عام، و عرض عليهم و عرّفهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [و] «8» عليّا- عليه السّلام- و نحن نعرفهم في لحن القول.

عن زرارة «9» قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- أ رأيت حين أخذ اللّه الميثاق على الذّرّ في صلب آدم، فعرضهم على نفسه، كانت معاينة منهم له؟

قال: نعم يا زرارة، و هم ذرّ بين يديه و أخذ عليهم بذلك الميثاق بالرّبوبيّة [له‏] «10» و لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- بالنّبوّة، ثمّ كفل لهم بالأرزاق و أنساهم رؤيته‏ «11» و أثبت في‏

______________________________
(1) المصدر: توهمها.

(2) من المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل: اتيكم.

(4) هكذا في المصدر. و في الأصل: بكر. و الحديث في نفس المصدر 1/ 180- 181، ح 74.

(5) المصدر: إذا أخذ.

(6) المصدر: أئمته.

(7) هكذا في المصدر. و في الأصل: الّتي.

(8) من المصدر.

(9) نفس المصدر 1/ 181، ح 75.

(10) من المصدر.

(11) الأصل: وديعته. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

 

146
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

قلوبهم معرفته، فلا بدّ من أن يخرج [اللّه‏] «1» إلى الدّنيا كلّ من أخذ عليه الميثاق، فمن جحد ممّا «2» أخذ عليه الميثاق لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- لم ينفعه إقراره لربّه بالميثاق، و من لم يجحد ميثاق محمّد نفعه الميثاق لربّه.] «3»

عن فيض بن أبي شيبة «4» قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏:- و تلا هذه الآية-: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ‏ «5» (الآية) قال: لتؤمننّ برسول اللّه و لتنصرنّ أمير المؤمنين.

قلت: و لتنصرنّ أمير المؤمنين‏ «6»؟

قال: نعم، من آدم فهلمّ جرّا، و لا يبعث اللّه نبيّا و لا رسولا إلّا ردّ إلى الدّنيا، حتّى يقاتل بين يدي أمير المؤمنين.

عن سلام بن المستنير «7»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لقد تسمّوا باسم ما سمّى اللّه به أحدا إلّا عليّ بن أبي طالب، و ما جاء تأويله.

قلت: جعلت فداك متى يجي‏ء تأويله؟

قال: إذا [جاء] «8» جمع اللّه إمامة النّبيّين و المؤمنين حتّى ينصروه، و هو قول اللّه تعالى: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ‏ (الآية) «9» فيومئذ يدفع راية رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- اللواء إلى عليّ بن أبي طالب، فيكون أمير الخلائق كلّهم أجمعين، يكون الخلائق كلّهم تحت لوائه و يكون هو أميرهم. [فهذا تأويله.] «10»

[و في شرح الآيات الباهرة «11»: روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال‏: إنّ‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) هكذا في المصدر. و في الأصل: «لمن جحدها» بدل «فمن جحد ممّا».

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 76.

(5) المصدر: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ (إلى آخر)

(6) «قلت: و لتنصرنّ أمير المؤمنين» ليس في المصدر.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 77.

(8) من المصدر ور.

(9) المصدر: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ- إلى قوله- وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ‏ بدل‏ وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ‏- الآية.

(10) من المصدر.

(11) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 41- 42.

 

147
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

اللّه أخذ الميثاق على الأنبياء أن يخبروا أممهم‏ «1» بمبعث رسول اللّه، و هو محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و نعته و صفته، و يبشّروهم به و يأمروهم بتصديقه و يقولوا: هو «2» مصدّق لما معكم من كتاب و حكمة، و إنّما اللّه أخذ ميثاق الأنبياء ليؤمننّ به و يصدّقوا بكتابه- و حكمته، كما صدّق بكتابهم و حكمتهم.

و قوله: و لتنصرنّه، يعني، و لتنصروا وصيّه. «3»] «4»

و روى الحسن بن أبي الحسن الدّيلميّ- رحمه اللّه‏ «5»- في كتابه: بإسناده عن فرج ابن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏:- و قد تلا هذه الآية-: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ‏- يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- وَ لَتَنْصُرُنَّهُ‏، يعني: وصيّه أمير المؤمنين- عليه السّلام- و لم يبعث اللّه نبيّا و لا رسولا، إلّا و أخذ عليه الميثاق لمحمّد بالنّبوّة، و لعليّ بالإمامة.

و ذكر صاحب‏ «6» «كتاب الواحدة» «7» قال: روى أبو محمّد الحسن بن عبد اللّه الأطروش الكوفيّ قال: حدثنا أبو عبد اللّه جعفر بن محمّد البجليّ قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن خالد البرقيّ قال: حدّثني عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه-: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أحد واحد تفرد في وحدانيّته، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت نورا، ثمّ خلق من ذلك النّور محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- و خلقني و ذرّيّتي، ثمّ تكلّم بكلمة فصارت روحا، فأسكنه اللّه في ذلك النّور و أسكنه في أبداننا.

فنحن روح اللّه و كلماته فبنا احتجب عن‏ «8» خلقه، فما زلنا في ظلّة خضراء حيث لا شمس و لا قمر و لا ليل و لا نهار و لا عين تطرف، نعبده و نقدّسه و نسبّحه، و ذلك قبل أن يخلق خلقه، و أخذ ميثاق الأنبياء بالإيمان و النّصرة لنا، و ذلك قوله- عزّ و جلّ-: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَ حِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ‏

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في الأصل: أمتهم.

(2) «يقولوا هو» ليس في المصدر.

(3) لهذا الحديث في المصدر تتمة.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) المصدر: «و يؤيده ما ذكره» بدل «و ذكر صاحب»

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: على.

 

148
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

- يعني: لتؤمنن بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و لتنصرنّ وصيّه- و سينصرونه‏ «1» جميعا.

و إنّ اللّه أخذ ميثاقي مع ميثاق محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- بنصرة «2» بعضنا لبعض، لقد نصرت محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- و جاهدت بين يديه، و قتلت عدوّه و وفيت اللّه‏ «3» بما أخذ عليّ من الميثاق و العهد و النّصرة لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و لم ينصرني أحد من أنبياء اللّه‏ «4» و رسله و ذلك لمّا قبضهم اللّه إليه، و سوف ينصرونني‏ «5»، و يكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها، و ليبعثهم اللّه أحياء من آدم إلى محمّد- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و كلّ نبيّ مرسل، يضربون بين يديّ بالسّيف هام الأموات و الأحياء و الثّقلين جميعا.

فيا عجباه! و كيف لا أعجب من أموات يبعثهم اللّه أحياء، يلبّون زمرة زمرة بالتّلبية: لبّيك لبّيك يا داعي اللّه، قد أضلّوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم، يضربون بها هام الكفرة و جبابرتهم و أتباعهم من جبابرة الأوّلين و الآخرين، حتى ينجز اللّه ما وعدهم في قوله- عزّ و جلّ‏ «6»: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً، أي: يعبدونني آمنين لا يخافون أحدا في عبادتي، ليس عندهم تقيّة. و إنّ لي الكرّة بعد الكرّة، و الرّجعة بعد الرّجعة، و أنا صاحب الرّجعات و الكرّات و صاحب الصّولات‏ «7» و النّقمات و الدّولات العجيبات، و أنا قرن من حديد الحديد «8».

______________________________
(1) المصدر: «فقد آمنوا بمحمّد و لم ينصروا وصيّه و ينصرونه» بدل «و سينصرونه».

(2) المصدر: بالنصرة.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «و» بدل «اللّه».

(4) ر: «الأنبياء»، المصدر: «أنبيائه» بدل «أنبياء اللّه».

(5) المصدر: ينصرني.

و إلى هنا موجود في «تأويل الآيات» ثم قيل هاهنا: «الحديث الطويل و هو يدلّ على الرجعة أخذنا إلى هاهنا». و الظاهر أن المفسر ذكر بعده مباشرة.

(6) النور/ 55.

(7): القبولات.

(8) أ: الحديث.

149
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 78 الى 81] ص : 140

قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي‏: أي: عهدي. سمي به، لأنّه يوصر، أي: يشدّ.

و قرئ، بالضّمّ. و هو إمّا لغة فيه، كعبر و عبر. أو جمع إصار، و هو ما يشدّ به‏ «1».

قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا، أي فليشهد بعضكم لبعض.

و قيل‏ «2»: الخطاب [فيه‏] «3» للملائكة.

وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ‏ (81): و أنا أيضا على إقراركم و تشاهدكم شاهد، و هو تحذير عظيم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: ما بعث اللّه نبيّا من لدن آدم فهلمّ جرّا إلّا و يرجع إلى الدّنيا و ينصر أمير المؤمنين، و هو قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ‏، يعني: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- وَ لَتَنْصُرُنَّهُ‏، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام- ثمّ قال لهم في الذّرّ «5»: أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي‏؟ أي عهدي.

قالُوا: أَقْرَرْنا.

قال اللّه للملائكة: فَاشْهَدُوا «6» وَ أَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ.

و عن الصّادق‏ «7»- عليه السّلام-: ثمّ قال لهم في الذّرّ: أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي‏، أي: عهدي؟ قال اللّه للملائكة: فَاشْهَدُوا.

و في مجمع البيان‏ «8»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال‏: أقررتم‏ «9» و أخذتم العهد بذلك على أممكم؟

قالوا، أي: قال الأنبياء و أممهم: أقررنا بما أمرتنا بالإقرار به.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 169.

(2) نفس الموضع و المصدر.

(3) من المصدر.

(4) تفسير القمي 1/ 106- 107.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: الدنيا.

(6) المصدر: فاشهدوا.

(7) الظاهر أنّه تكرار. فلم نجده لا في القمي و لا في غيره. و ممّا يؤيّد أنّه تكرار، أنّه مطابق لقطعة من الحديث الذي قبله المنقول عن القمي. و اللّه العالم.

(8) مجمع البيان 1/ 468.

(9) المصدر: «و قيل معناه» بدل «عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: أقررتم.»

 

150
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

 

قال اللّه: فاشهدوا بذلك على أممكم، و أنا معكم من الشاهدين عليكم و على أممكم‏ «1».

فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ‏: بعد الميثاق و التوّكيد بالإقرار و الشّهادة.

فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ‏ (82): المتمرّدون من الكفرة أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ‏: عطف على الجملة المتقدّمة، و الهمزة متوسّطة بينهما للإنكار. أو محذوف تقديره: أ يتولّون، أ فغير دين اللّه يبغون؟ و تقديم المفعول لأنّه المقصود بالإنكار.

و الفعل بلفظ الغيبة، عند أبي عمرو و عاصم، في رواية حفص و يعقوب.

و بالتّاء، عند الباقين، على تقدير: و قل لهم‏ «2».

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: ثمّ قال- عزّ و جلّ-: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ. قال:

ا فغير هذا الدّين‏ «4» قلت لكم أن تقرّوا بمحمّد و وصيّه- صلّى اللّه عليه و آله-.] «5» وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً، أي: طائعين بالنّظر و اتّباع الحجّة، و كارهين بالسّيف و معاينة ما يلجئ إلى الإسلام، كشقّ الجبل و إدراك الغرق و الإشراف على الموت. أو مختارين كالملائكة و المؤمنين، و مسخّرين كالكفرة، فإنّهم لا يقدرون أن يمتنعوا عمّا قضي عليهم.

و في مجمع البيان‏ «6»: طَوْعاً وَ كَرْهاً [قيل:] «7» فيه أقوال- إلى قوله-:

و خامسها، أنّ معناه: أكره أقوام على الإسلام و جاء أقوام طائعين.

و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام‏- قال: كرها، أي: فرقا من السّيف.

وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏ (83):

و قرئ بالياء، على أنّ الضّمير «لمن» «8».

و في تفسير العيّاشيّ‏ «9»: عن عمّار بن [أبي‏] «10» الأحوص، عن أبي عبد اللّه‏

______________________________
(1) ذكر في المصدر بعد هذه الكلمة: عن علي عليه السّلام.

(2) أنوار التنزيل 1/ 169.

(3) تفسير القمي 1/ 107.

(4) المصدر: «أغير هذا الذي» بدل «أ فغير هذا الدين». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) مجمع البيان 1/ 470.

(7) من المصدر.

(8) أنوار التنزيل 1/ 170.

(9) تفسير العياشي 1/ 182، ح 78.

(10) من المصدر. ر. تنقيح المقال 2/ 317، رقم 8574.

 

 

151
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

- عليه السّلام-: أنّ اللّه- تبارك و تعالى- خلق في مبتدأ «1» الخلق بحرين: أحدهما عذب فرات و الآخر ملح أجاج، ثمّ خلق تربة آدم من البحر العذب الفرات، ثمّ أجراه على البحر الأجاج، فجعله حمأ مسنونا و هو خلق آدم، ثمّ قبض قبضة من كتف آدم الأيمن فذرأها في صلب آدم، فقال: هؤلاء في الجنّة و لا أبالي- إلى قوله- فاحتجّ يومئذ أصحاب الشّمال- و هم ذرّ- على خالقهم، فقالوا: يا ربّنا بم‏ «2» أوجبت لنا النّار، و أنت الحكم العدل، من قبل أن تحتجّ علينا و تبلونا بالرّسل و تعلم طاعتنا لك و معصيتنا؟

فقال اللّه- تبارك و تعالى: [فأنا أخبركم بالحجة عليكم الآن، في الطاعة و المعصية و الإعذار بعد الإخبار.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فأوحى اللّه‏] «3» لمالك‏ «4» خازن النّار: مر النّار تشهق ثمّ تخرج عنقا منها، فخرجت لهم، ثمّ قال اللّه لهم: ادخلوها طائعين.

فقالوا: لا ندخلها «5» طائعين [ثم‏] «6» قال: ادخلوها طائعين، أو لأعذّبنّكم بها كارهين.

قالوا: إنّما هربنا إليك منها و حاججناك فيها حيث أوجبتها علينا و صيّرتنا من أصحاب الشّمال، فكيف ندخلها طائعين؟ و لكن ابدأ بأصحاب‏ «7» اليمين في دخولها، كي تكون قد عدلت فينا و فيهم.

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: فأمر أصحاب اليمين، و هم ذرّ بين يديه بقوله‏ «8»- تعالى-: ادخلوا هذه النّار طائعين.

قال: فطفقوا يتبادرون في دخولها، فولجوا فيها جميعا، فصيّرها اللّه عليهم بردا و سلاما، ثمّ أخرجهم منها، ثمّ أنّ اللّه- تبارك و تعالى- نادى في أصحاب اليمين و أصحاب الشّمال: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ‏؟

فقال‏ «9» أصحاب اليمين: بلى يا ربّنا نحن بريّتك و خلقك مقرّين‏ «10» طائعين. و قال‏

______________________________
(1) النسخ: مبدأ. المصدر: مبتدئ.

(2) المصدر: لم.

(3) ما بين المعقوفتين من المصدر.

(4) المصدر: إلى مالك.

(5) أ: لن ندخلها.

(6) من المصدر.

(7) النسخ: أصحاب. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(8) المصدر: «فقال» بدل «بقوله تعالى». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: قال.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: مقرنين.

 

152
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

أصحاب الشّمال: بلى يا ربّنا، نحن بريّتك و خلقك كارهين. و ذلك قول اللّه- تعالى-: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

قال: توحيدهم للّه.

عن عباية الأسديّ‏ «1» أنّه سمع أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏، أ كان ذلك بعد «2»؟

قلت: نعم، يا أمير المؤمنين.

قال: كلا و الّذي نفسي بيده، حتّى تدخل المرأة بمن عذب آمنة «3»، لا تخاف‏ «4» حيّة و لا عقربا فما سوى ذلك.

عن صالح بن ميثم‏ «5» قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً.

قال: ذلك حين يقول عليّ- عليه السّلام-: أنا أولى النّاس بهذه الآية «6»:

وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى‏ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا [وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏] «7»- الى قوله- كاذِبِينَ.

عن رفاعة بن موسى‏ «8» قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً، قال: إذا قام القائم- عليه السّلام- لا تبقى أرض إلّا نودي فيها بشهادة «9» أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه.

عن ابن بكير «10» قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قوله: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ‏ «11».

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 183، ح 79. و هكذا فيه و في النسخ: عناية الأسدي. ر. تنقيح المقال 2/ 131، رقم 6252.

(2) هكذا في المصدر: و في الأصل: «بعمل» و هي ليست في أ.

(3) المصدر: آمنين.

(4) المصدر: يخاف.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 80.

(6) النحل/ 38.

(7) من المصدر.

(8) نفس المصدر و الموضع، ح 81.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: شهادة.

(10) نفس المصدر و الموضع، ح 82.

(11) «و إليه ترجعون» ليس في المصدر.

 

153
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

قال: أنزلت في القائم- عليه السّلام- إذا خرج باليهود و النّصارى و الصّابئين و الزّنادقة و أهل الرّدّة و الكفّار في شرق الأرض و غربها فعرض عليهم الإسلام، فمن أسلم طوعا أمره بالصّلاة و الزّكاة و ما يؤمر به المسلم و يحبّ اللّه‏ «1» عليه، و من لم يسلم ضرب عنقه، حتّى لا يبقى في المشارق و المغارب أحد إلّا وحّد اللّه.

قلت له: جعلت فداك، إنّ الخلق أكثر من ذلك.

فقال: إنّ اللّه إذا أراد أمرا قلّل الكثير و كثّر القليل.

و في كتاب التّوحيد «2»، أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن إبراهيم ابن هاشم و يعقوب بن يزيد جميعا عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته و هو «3» يقول‏ في قوله- عزّ و جلّ-: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً.

قال: قال: توحيدهم [للّه‏] «4»- عزّ و جلّ-.

و في أصول الكافي‏ «5»: محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جعفر، عن السّياريّ، عن محمّد بن بكر، عن أبي الجارود، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ دابّتي استصعبت عليّ و أنا منها على وجل.

فقال: اقرأ في أذنها اليمنى: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ. فقرأها، فذلّت له دابّته.

و الحديث طويل، أخذنا معه موضع الحاجة.

و في الكافي‏ «6»: أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب‏ «7»، عن أبي عبيدة، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: أيّما دابّة استصعبت على صاحبها من لجام و نفار، فليقرأ في أذنها أو عليها: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

و في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه‏ «8»-: بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام-

______________________________
(1) المصدر: للّه.

(2) التوحيد/ 46، ح 7.

(3) «و هو» ليس في المصدر.

(4) من المصدر.

(5) الكافي 2/ 624، ضمن حديث 21.

(6) نفس المصدر 6/ 539- 540، ح 14.

(7) ر: ابن رباب.

(8) أمالي الطوسي 1/ 288، في ذيل حديث.

 

154
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

أنّه قال له أشجع السّلميّ: إنّي‏ «1» كثير الأسفار، و أحصل في المواضع المفزعة، فعلّمني ما آمن به على نفسي.

فقال‏ «2»: إذا «3» خفت أمرا فاترك يمينك‏ «4» على أمّ رأسك، و اقرأ برفيع صوتك:

أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

قال: أشجع‏ «5»: فحصلت في واد «6» تعبث فيه الجنّ فسمعت قائلا يقول: خذوه، فقرأتها، فقال قائل: كيف نأخذه و قد احتجب‏ «7» بآية طيّبة؟

و في من لا يحضره الفقيه‏ «8» في وصيّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، من استصعب عليه دابّته، فليقرأ في أذنها اليمنى‏ «9»: وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ.

قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَ ما أُنْزِلَ عَلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ ما أُوتِيَ مُوسى‏ وَ عِيسى‏ وَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ‏: أمر للرسول- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- بأن يخبر عن نفسه و متابعيه بالإيمان و القرآن، كما هو منزل عليه منزل عليهم، بتوسّط تبليغه إليهم، و أيضا المنسوب إلى واحد من الجمع قد ينسب إليهم، أو بأن يتكلّم عن نفسه على طريقة الملوك إجلالا له.

و النّزول كما يعدّى «بإلى» لأنّه ينتهي إلى الرّسل يعدّى «بعلى» لأنّه من فوق.

و إنّما قدّم المنزل عليه على المنزل على سائر الرّسل، لأنّه المعرّف له و المعيار عليه.

لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ‏: بالتّصديق و التّكذيب.

وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ‏ (84): منقادون. أو مخلصون في عبادته.

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً: أي: غير التّوحيد، و الانقياد لحكم اللّه.

[و في نهج البلاغة «10»: أرسله بحجّة كافية، و موعظة شافية، و دعوة متلاقية «11»، أظهر به‏

______________________________
(1) المصدر: أنا.

(2) المصدر: قال.

(3) أ: فإذا.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: بيمينك.

(5) المصدر: الأشجع.

(6) المصدر: دار

(7) المصدر: احتجز

(8) من لا يحضره الفقيه 4/ 268.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأيمن.

(10) نهج البلاغة/ 230، ضمن خطبة 161.

(11) المصدر: متلافيه.

 

155
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

الشّرائع المجهولة، و قمع به البدع المدخولة، و بيّن الأحكام المفصولة، مَنْ‏ «1» يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً متحقّق‏ «2» شقوته و تنفصم عروته و تعظم كبوته، و يكون ما به إلى الحزن‏ «3» الطّويل و العذاب الوبيل.] «4»

فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ (85): الواقعين في الخسران، و المعنى: أنّ المعرض عن الإسلام و الطّالب لغيره، فاقد للنّفع، واقع في الخسران، بإبطال الفطرة السّليمة الّتي فطر النّاس عليها.

قال البيضاويّ‏ «5»: و استدلّ به على أنّ الإيمان هو الإسلام، إذ لو كان غيره لم يقبل.

و الجواب: إنّه ينفي قبول كلّ دين يغايره، لا قبول كلّ ما يغايره، و لعلّ الدّين أيضا الأعمال‏ «6».

و فيه: أنّ من قال: بأنّ الإيمان غير الإسلام، يقول: بأنّه دين غيره. و الاستدلال إنّما هو عليه، و المقصود، أنّ الإسلام و الإيمان واحد يسمّى إسلاما و إن كان قبل رسوخه و دخوله في القلب، و لا يسمّى إيمانا إلّا بعد دخوله و رسوخه فيه، و الآية تدلّ على اتّحادهما، و الفرق يعلم من موضع آخر.

كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ‏: استبعاد لأن يهديهم اللّه، فإنّ الحائد عن الحقّ- بعد ما وضح له- منهمك في الضّلال، بعيد عن الرّشاد.

و قيل‏ «7»: نفي و إنكار له. و ذلك يقتضي أن لا تقبل توبة المرتدّ، و هذا حقّ في حقّ الرّجل المولود على الإسلام، دون المولود على الكفر و المرأة.

و يمكن أن يقال: المتبادر من بعد إيمانهم كونهم مؤمنين بحسب الفطرة، و من جاءهم البيّنات الرّجال، و كذا سياق الآية، و لفظ «قوما» و الضّمائر الرّاجعة إليه قرينة التّخصيص بالرّجال، و حينئذ يكون استثناء إِلَّا الَّذِينَ تابُوا منقطعا.

______________________________
(1) المصدر: فمن.

(2) المصدر: تتحقّق. نور الثقلين: تحقّق.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل: الخوف.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) أنوار التنزيل 1/ 170.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: للأعمال.

(7) نفس المصدر و الموضع.

156
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

و يجوز أن يكون‏ قَوْماً كَفَرُوا على عمومه لقسمي الرّجال، فيكون الاستثناء منقطعا «1» متّصلا. و «شهدوا» عطف على ما في إيمانهم من معنى الفعل، أي: آمنوا و شهدوا. أو حال بإضمار «قد» من فاعل «كفروا».

قال البيضاويّ‏ «2»: و هو على الوجهين، دليل على أنّ الإقرار باللّسان خارج عن حقيقة الإيمان.

و فيه: أنّه يحتمل أن يكون في العطف أو جعله قيدا، لكونه أهمّ أجزاء الإيمان، و أنفع في ترتّب الآثار عليه.

وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏ (86): الّذين وضعوا الكفر موضع الإيمان، بعد أن جاءهم البيّنات. و وضع المظهر موضع المضمر للإشعار بالعلّيّة.

و قيل‏ «3»: الّذين ظلموا أنفسهم، بالإخلال بالنّظر و وضع الكفر موضع الإيمان، فكيف من جاءه‏ «4» الحقّ و عرفه ثمّ أعرض عنه؟

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ‏ (87): فيه تصريح بوجوب لعن من كفر بعد الإيمان، و العلم بحقيّة «5» الرّسول و مجي‏ء البيّنات، لأنّه تعالى قال: جزاؤهم هو لعن اللّه و الملائكة و النّاس. و إذا كان جزاؤهم ذلك، و أخبر اللّه بأنّ جزاءهم من الملائكة و النّاس ذلك، لم يجز للملائكة و النّاس ترك ما جعله اللّه جزاء شي‏ء، بل يجب عليهم الإتيان به. فهذا و إن لم يكن في صورة الأمر، لكن يفيد بمادّته الوجوب.

خالِدِينَ فِيها، أي: في اللّعنة.

لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ (88) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ‏، أي:

بعد الارتداد، وَ أَصْلَحُوا: ما أفسدوا، أو دخلوا في الصّلاح، فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: يقبل توبته، رَحِيمٌ‏ (89): يتفضّل عليه.

و في مجمع البيان‏ «6» قيل‏: نزلت الآيات في رجل من الأنصار، يقال له: الحارث بن‏

______________________________
(1) ليس في أور.

(2) أنوار التنزيل 1/ 170.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) المصدر: جاء

(5) ر: بحقيقة.

(6) مجمع البيان 1/ 471.

 

157
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

سويد بن الصّامت، و كان قتل المحذر بن زياد البلويّ غدرا، و هرب‏ «1» و ارتدّ عن الإسلام و لحق بمكّة، ثمّ ندم، فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- هل لي من توبة؟ فسألوا فنزلت [الآية] «2» إلى قوله: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا، فحملها رجل من قومه اليه، فقال: إنّي لأعلم أنّك لصدوق و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أصدق منك، و إنّ اللّه تعالى أصدق الثلاثة، و رجع إلى المدينة و تاب و حسن إسلامه. و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً، كاليهود، كفروا بعيسى و الإنجيل بعد الإيمان بموسى و التوراة، ثمّ ازدادوا كفرا بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و القرآن. أو كفروا بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- بعد ما آمنوا به قبل مبعثه، ثمّ ازدادوا كفرا بالإصرار و العناد «3» و الطّعن فيه و الصّدّ عن الإيمان به و نقض الميثاق. أو كقوم ارتدّوا و لحقوا بمكّة، ثمّ ازدادوا كفرا لقولهم: نتربّص بمحمّد ريب المنون أو نرجع إليه و ننافقه بإظهاره. أو كقوم كفروا بما نصّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في وصيّه عند شياطينهم، بعد ما آمنوا به عنده، ثمّ ازدادوا كفرا بادّعاء الخلافة و الوصاية لأنفسهم.

لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ‏: لأنّهم لا يتوبون. أو لا يتوبون، إلّا عند اليأس و معاينة الموت.

أو لأنّ توبتهم لا تكون إلّا نفاقا. فعدم قبول توبتهم لعدم كونها توبة حقيقة لا لكفر نعم و ازدياد كفرهم. و لذلك لم يدخل الفاء فيه بخلاف الموت على الكفر، فإنّه سبب لعدم قبول الفدية، فدخل الفاء فيه.

وَ أُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ‏ (90): الثّابتون على الضّلال.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْ‏ءُ الْأَرْضِ ذَهَباً:

مل الشي‏ء، ما يملأه. و ذهبا تمييز.

و قرئ بالرّفع على البدل، من «مل الأرض»، أو الخبر المحذوف‏ «4».

وَ لَوِ افْتَدى‏ بِهِ‏: معطوف على مضمر، أي: فلن يقبل من أحدهم مل الأرض ذهبا لو تقرّب به في الدّنيا، و لو افتدى به من العذاب في الآخرة. أو محمول على المعنى‏

______________________________
(1) المصدر: «هو» بدل «هرب و».

(2) من المصدر.

(3) ر: و العناد و الكفر.

(4) أنوار التنزيل 1/ 171.

158
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

كأنّه قيل: فلن يقبل من أحدهم فديه و لو افتدى بمل‏ء الأرض ذهبا.

قيل‏ «1»: و يحتمل أن يكون المراد: فلن يقبل من أحدهم [إنفاقه في سبيل اللّه‏] «2» بمل‏ء الأرض ذهبا [و لو كان على وجه الافتداء من عذاب الآخرة من دون توقّع ثواب آخر.

و الأوجه أن يقال في تقديره: فلن يقبل من أحدهم مل الأرض ذهبا] «3» ملكه و لو افتدى به.

أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏: مبالغة في التّحذير و إقناط، لأنّ من لا يقبل منه الفداء. ربما يعني عنه تكرّما.

وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ‏ (91): في دفع العذاب. و «من» مزيدة للاستغراق، و إيراد الجمع إمّا للتّوزيع أو للمبالغة.

لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ، أي: لن تبلغوا حقيقة البرّ، و هو كمال الخير. أو البرّ المعهود، و هو برّ اللّه.

حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏: من المال أو ما يعمّه و غيره، كبذل الجاه في معاونة النّاس، و البدن في طاعة اللّه، و المهجة في سبيل اللّه.

و قرئ «بعض ما تحبّون» و هو يدلّ على أنّ «من» للتّبعيض، و يحتمل التّبيين‏ «4».

و في روضة الكافي‏ «5»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمر بن عبد العزيز، عن يونس ابن ظبيان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون قال‏ «6»:

هكذا فاقرأها.

و في مجمع البيان‏ «7»: و قد روي عن أبي الطّفيل قال‏: اشترى عليّ- عليه السّلام- ثوبا فأعجبه فتصدّق به، و قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول: من آثر على نفسه آثره اللّه يوم القيامة بالجنّة، و من أحبّ شيئا فجعله للّه قال اللّه يوم القيامة: قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف و أنا أكافئك اليوم بالجنّة.

و في الكافي‏ «8»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن محمّد بن شعيب،

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

2 و 3- ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) الكافي 8/ 183، ح 209.

(6) ليس في المصدر.

(7) مجمع البيان 1/ 473.

(8) الكافي 4/ 61، ح 3.

 

159
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 82 الى 92] ص : 151

عن الحسين بن الحسن، عن عاصم، عن يونس، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه كان يتصدّق بالسّكر، فقيل له: أ تتصدّق بالسّكر «1»؟

فقال: نعم، إنه ليس شي‏ء أحبّ إليّ منه، فأنا أحبّ أن أتصدّق بأحبّ الأشياء إليّ.

و في عوالي اللّئالي‏ «2»: و نقل عن الحسين‏ «3»- عليه السّلام- أنّه كان يتصدّق بالسّكر، فقيل له في ذلك.

فقال: إنّي أحبّه، و قد قال اللّه‏ «4» تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.

و إنفاق أحبّ الأموال على اقرب الأقارب و على صلة الإمام أفضل.

في أصول الكافي‏ «5»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و عليّ بن إبراهيم [، عن أبيه‏] «6» جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولّاد الحنّاط قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، ما هذا الإحسان؟

فقال: الإحسان، أن تحسن صحبتهما، و أن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئا ممّا يحتاجان إليه و إن كانا مستغنيين. أليس اللّه- عزّ و جلّ- يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ‏

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن مفضّل بن عمر قال‏: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [يوما] «8» و معي شي‏ء، فوضعته بين يديه.

فقال: ما هذا؟

فقلت: هذه صلة مواليك و عبيدك.

قال: فقال لي: يا مفضّل، إنّي لا أقبل ذلك، و ما أقبله عن حاجة بي‏ «9» إليه، و ما أقبله إلّا ليزكّوا «10» به.

______________________________
(1) «فقيل له أ تتصدّق بالسكّر» ليس في أ.

(2) عوالي اللئالي 2/ 74، ح 196.

(3) المصدر: الحسن- عليه السّلام-

(4) ليس في المصدر.

(5) الكافي 2/ 157، صدر حديث 1.

(6) من المصدر.

(7) تفسير العياشي 1/ 184، ح 85.

(8) من المصدر.

(9) المصدر: «حاجتي» بدل «حاجة بي».

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: لتزكّوا.

 

160
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 96] ص : 161

 

ثمّ [قال:] «1» سمعت أبي يقول: من مضت له سنة لم يصلنا من ماله قلّ أو كثر، لم ينظر اللّه إليه يوم القيامة إلّا أن يعفو اللّه عنه.

ثمّ قال: يا مفضّل، إنّها فريضة فرضها اللّه على شيعتنا في كتابه، إذ يقول: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. فنحن البرّ و التّقوى، و سبيل الهدى، و باب التّقوى.

لا يحجب‏ «2» دعاؤنا عن اللّه. اقتصروا على حلالكم و حرامكم، فاسألوا عنه. و إيّاكم أن تسألوا أحدا من الفقهاء عمّا لا يعنيكم و عما ستر اللّه عنكم.

وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‏ءٍ: محبوب، أو غيره. و «من» للبيان.

فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ‏ (92): فيجازيكم بحسبه.

كُلُّ الطَّعامِ‏، أي: المطعومات، و المراد: أكلها. و يشعر به الطّعام لقبا.

كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ‏: حلالا لهم. مصدر نعت به، و لذلك يستوي فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّت، كقوله: لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ.

إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ‏: يعقوب- عليه السّلام- عَلى‏ نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ: كلحوم الإبل، كان إذا أكل لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرّم على نفسه لحم الإبل قبل إنزال التّوراة، و بعده لم يأكله لأجل إضراره بمرضه، و لم يحكم بتحريمه على نفسه.

في الكافي‏ «3»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد أو غيره، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبديّ، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏ [...] «4» إنّ إسرائيل كان إذا أكل من لحم الإبل هيج عليه وجع الخاصرة، فحرّم على نفسه لحم الإبل، و ذلك قبل أن تنزل التّوراة. فلمّا نزلت التّوراة لم يحرّمه و لم يأكله.

و هذا ردّ على اليهود، حيث أرادوا براءة ساحتهم ممّا نطق به القرآن من تحريم الطّيّبات عليهم، لبغيهم و ظلمهم، في قوله: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ‏ و قوله:

______________________________
(1) من المصدر.

(2) المصدر: و لا يحجب.

(3) الكافي 5/ 306، ح 9.

(4) المصدر:

من زرع حنطة في ارض فلم يزك زرعه أو خرج زرعه كثير الشعير فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض أو بظلم لمزارعيه و أكرته لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ‏ [النّساء/ 160] يعني لحوم الإبل و البقر و الغنم. و قال‏

 

 

161
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 96] ص : 161

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ‏ فقالوا: لسنا بأوّل من حرّمت عليه، و قد كانت محرّمة على نوح و إبراهيم و من بعده من بني إسرائيل إلى أن انتهى التّحريم إلينا. فكذّبهم اللّه.

قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (93): أمر بمحاجّتهم بكتابهم، و تبكيتهم بما فيه، حتّى يتبيّن أنّه تحريم حادث بسبب ظلمهم و بغيهم، لا تحريم قديم كما زعموا، فلم يجسروا على إخراج التوراة و بهتوا، و فيه دليل على نبوّته- عليه السّلام-.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن عمر بن يزيد قال‏: كتبت إلى أبي الحسن- عليه السّلام- أسأله عن رجل دبرّ مملوكه، هل له أن يبيع عنقه‏ «2» قال: كتب: كلّ الطّعام كان حلا لنبي إسرائيل إلّا ما حرّم إسرائيل على نفسه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: و أمّا قوله: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى‏ نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ.

قال: إنّ يعقوب كان‏ «4» يصيبه عرق النّساء، فحرّم على نفسه لحم الجمل.

فقالت‏ «5» اليهود: إنّ [لحم‏] «6» الجمل محرّم في التّوراة.

فقال اللّه‏ «7»- عزّ و جلّ- لهم‏ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏، إنّما حرّم هذا إسرائيل على نفسه و لم يحرّمه على النّاس.] «8» فَمَنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏ بزعمه أنّ ذلك كان محرّما على الأنبياء، و على بني إسرائيل قبل إنزال التّوراة، مِنْ بَعْدِ ذلِكَ‏، أي: لزوم الحجّة، فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏ (94) لأنفسهم، و مكابرتهم الحقّ بعد وضوحه.

قُلْ صَدَقَ اللَّهُ‏: تعريض بكذبهم، أي: ثبت أنّ اللّه صادق فيما أنزله، و أنتم‏

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 185، ح 87.

(2) المصدر: عتقه.

(3) تفسير القمي 1/ 107- 108.

(4) هكذا في المصدر. و في الأصل: «كان يعقوب» بدل «إنّ يعقوب كان».

(5) المصدر: فقال.

(6) من المصدر.

(7) ليس في المصدر.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

162
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 96] ص : 161

الكاذبون.

فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، أي: ملّة الإسلام الّتي عليها محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و من آمن معه، الّتي هي في الأصل ملّة إبراهيم. أو مثل ملّته، حتّى تتخلّصوا من اليهوديّة الّتي اضطرّتكم إلى التّحريف و المكابرة للأغراض الدّنيويّة، و ألزمتكم تحريم طيّبات أحلّها لإبراهيم و من تبعه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن حبابة الوالبيّة قالت‏ «2»: سمعت الحسين بن عليّ- عليه السّلام- يقول‏: ما أعلم أحدا على ملّة إبراهيم إلّا نحن و شيعتنا.

قال صالح: ما أحد على ملّة إبراهيم.

قال جابر: ما أعلم أحدا على ملّة إبراهيم.

وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏ (95): تبرئة ممّا كان ينسبه اليهود و النّصارى من كونه على دينهم.

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ‏، أي: جعل متعبّدا لهم، و الواضع هو اللّه.

و قرئ، بالبناء للفاعل‏ «3» لَلَّذِي بِبَكَّةَ: و هي لغة في مكّة، كالنّبيط و النّميط، و أمر «راتب و راتم»، و «لازب و لازم».

و في كتاب الخصال‏ «4»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: اسماء مكّة خمسة: أمّ القرى، و مكّة، و بكّة، و البساسة، كانوا إذا ظلموا بسّتهم، أي: أخرجتهم و أهلكتهم. و أمّ رحم، كانوا إذا لزموها رحموا

و قيل‏ «5»: هي موضع المسجد، و مكّة البلد.

روي عن جابر «6»، عن أبي جعفر- عليه السّلام‏ «7»-: أنّ بكّة موضع البيت، و أنّ مكّة الحرم، و ذلك قوله: [وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ‏] «8» آمِناً.

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 185، ح 88.

(2) النسخ: «حبابة الوابلية قال» بدل «حبابة الوالبية قالت». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) أنوار التنزيل 172/ 1.

(4) الخصال/ 278، ح 22.

(5) أنوار التنزيل 1/ 172.

(6) تفسير العياشي 1/ 187، ح 94.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

(8) من المصدر.

163
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 96] ص : 161

من بكّه، إذا رحمه. أو من بكّه إذا دقّه، لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «1»: بإسناده إلى عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لم سمّيت مكّة بكّة؟

قال: لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا [فيها] «2» بالأيدي.

و أمّا ما رواه: بإسناده إلى «عبد اللّه بن سنان‏ «3» قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لم سمّيت الكعبة بكّة؟

فقال: لبكاء النّاس حولها [و فيها»] «4» فمحمول على أنّ النّاس يجتمعون حوله للبكاء و العبادة، فيبكّ بعضهم بعضا.

[حدّثنا محمّد بن الحسن‏ «5» قال:] «6» حدّثنا محمّد بن الحسن الصّفّار، عن العبّاس بن معروف، عن عليّ بن مهزيار، عن فضالة، عن أبان، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّما سمّيت مكّة بكّة، لأنّه يبكّ بها الرّجال و النّساء، و المرأة تصلّي بين يديك و عن يمينك و عن شمالك و معك، و لا بأس بذلك، إنّما يكره في سائر البلدان.

[و بإسناده إلى عبيد اللّه بن عليّ الحلبيّ‏ «7» قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-: لم سمّيت مكّة بكّة؟

قال: لأنّ النّاس يبكّ بعضهم بعضا فيها بالأيدي.] «8»

و في الكافي‏ «9»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- قال‏: [...] «10» في خمسة و عشرين من ذى القعدة «11» وضع البيت، و هو أوّل رحمة وضعت على وجه الأرض، فجعله [اللّه- عزّ و جلّ-] «12» مثابة

______________________________
(1) علل الشرائع/ 398، ح 5.

(2) من المصدر.

(3) نفس المصدر/ 397، ح 2.

(4) من المصدر.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 4.

(6) من المصدر.

(7) نفس المصدر/ 398، ح 5.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(9) الكافي 4/ 149، ضمن حديث 2.

(10) المصدر:

بعث اللّه- عزّ و جلّ- محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- رحمة للعالمين في سبع و عشرين من رجب.

فمن صام ذلك اليوم كتب اللّه له صيام ستّين شهرا.

(11) ر: ذى الحجة.

(12) من المصدر.

 

164
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 96] ص : 161

للنّاس و أمنا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد «1»، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي زرارة التّميميّ، عن أبي حسّان، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لمّا أراد اللّه أن يخلق الأرض أمر الرّياح فضربن‏ «2» وجه الماء «3» حتّى صار موجا، ثمّ أزبد فصار زبدا واحدا فجمعه في موضع البيت، ثمّ جعله جبلا من زبد، ثمّ دحا الأرض من تحته، و هو قول اللّه تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً.

و روى أيضا: عن سيف بن عميرة «4»، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: حدّثني أبي، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال للأبرش: يا أبرش، هو كما وصف نفسه، و كان عرشه على الماء، و الماء على الهواء، و الهواء لا يحدّ «6»، و لم يكن يومئذ خلق غيرهما، و الماء يومئذ عذب فرات، فلمّا أراد اللّه‏ «7» أن يخلق الأرض، (و ذكر إلى آخر ما نقلناه عن الكافي.)

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «8»: عن عبد الصّمد بن سعد قال‏: طلب أبو جعفر أن يشتري من أهل مكّة بيوتهم أن يزيد «9» في المسجد، فأبوا عليه، فأرغبهم فامتنعوا، فضاق بذلك، فأتى أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقال له: إنّي سألت هؤلاء شيئا من منازلهم و أفنيتهم لنزيد «10» في المسجد، و قد منعوني ذلك، فقد غمّني غمّا شديدا.

فقال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لم يغمّك‏ «11» ذلك، و حجّتك عليهم فيه ظاهرة؟

______________________________
(1) نفس المصدر 4/ 189- 190، ح 7.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: فضربت.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأرض.

(4) نفس المصدر 4/ 190. و فيه: «و رواه» بدل «و روى»

(5) تفسير القمي 2/ 69. ضمن حديث.

(6) هكذا في النسخ. و في المصدر: «و الهوى لم يحد أ» بدل «و الهواء لا يحدّ».

(7) ليس في المصدر.

(8) العياشي 1/ 187، ح 94.

(9) المصدر: يزيده.

(10) الأصل: «أزيد». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(11) المصدر: أ يغمك.

 

165
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 96] ص : 161

قال‏ «1»: و بما أحتجّ عليهم؟

فقال: بكتاب اللّه.

فقال لي: في أيّ موضع؟

فقال: قول اللّه‏ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ قد أخبرك اللّه أنّ أوّل بيت وضع [للنّاس‏] «2» هو الّذي ببكّة، فإن كانوا هم نزلوا «3» قبل البيت فلهم أفنيتهم، و إن كان البيت قديما قبلهم فله فناؤه.

فدعاهم أبو جعفر فاحتجّ عليهم بهذا، فقالوا [له:] «4» اصنع ما أحببت.

عن عبد اللّه بن سنان‏ «5»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: مكّة جملة القرية، و بكّة جملة موضع الحجر الّذي يبكّ‏ «6» النّاس بعضهم بعضا.

عن جابر «7»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ بكّة موضع البيت، و إنّ مكّة الحرم، و ذلك قوله: [وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ‏] «8» آمِناً.] «9»

و في كتاب عيون الأخبار «10»، في باب ما كتبه الرّضا إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: و علّة وضع البيت وسط الأرض أنّه الموضع الّذي من تحته دحيت الأرض. و كلّ ريح تهبّ‏ «11» في الدّنيا فإنّها تخرج من تحت الرّكن الشّاميّ. و هي أوّل بقعة وضعت في الأرض، لأنّها الوسط ليكون الغرض‏ «12» لأهل المشرق و المغرب‏ «13» في ذلك سواء.

فالمراد بأوّل بيت، أوّل موضع جعل مستقرّا للعباد على وجه الماء، لا البيت المصنوع من اللّبن و المدر و الخشب، حتّى يحتاج في تصحيحه إلى ارتكاب أمور متكلّفه.

مُبارَكاً: حال من المستكنّ في الظّرف، أي: كثير الخير و النّفع لمن حجّه‏

______________________________
(1) المصدر: فقال.

(2) من المصدر.

(3) المصدر: تولّوا.

(4) من المصدر.

(5) نفس المصدر 1/ 187، ح 93.

(6) المصدر: تبك.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 94.

(8) من المصدر.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(10) عيون أخبار الرضا 2/ 90.

(11) المصدر: تحب.

(12) المصدر: الفرض.

(13) المصدر: «الشرق و الغرب» بدل «المشرق و المغرب».

166
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

 

و اعتمره و اعتكف عنده و طاف حوله و قصد نحوه، من مضاعفة الثّواب و تكفير الذّنوب و نفي الفقر و كثرة الرّزق.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «1»: عنه- عليه السّلام- قال‏: وجد في حجر: إنّي أنا اللّه دو بكّة، صنعتها يوم خلقت السّموات و الأرض، يوم خلقت الشّمس و القمر، و حففتها بسبعة أملاك حفا، مبارك‏ «2» لأهلها في الماء و اللّبن يأتيها رزقها من ثلاثة سبل: من أعلاها و أسفلها و الثّنية بعده.

وَ هُدىً لِلْعالَمِينَ‏ (96): لأنّه قبلتهم و متعبدهم، و لأنّ فيه آيات عجيبة، كما قال اللّه تعالى‏

فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ‏: كانحراف الطّيور عن مؤازاة البيت على مدى الأعصار، و أنّ ضواري‏ «3» السّبع تخالط الطّيور في الحرم و لا تتعرّض لها، و أنّ كلّ جبّار قصده بسوء قهره كأصحاب الفيل.

و الجملة مفسّرة «للهدى‏ «4»» أو حال أخرى.

مَقامُ إِبْراهِيمَ‏: مبتدأ محذوف الخبر، أي: منها. أو بدل من «آيات» بدل البعض من الكلّ.

و قيل‏ «5»: عطف بيان. على أنّ المراد بالآيات أثر القدم في الصّخرة الصّمّاء، و غوصها فيها إلى الكعبين، و تخصيصها بهذه الإلانة من بين الصّخار، و إبقاؤه دون سائر آثار الأنبياء، و حفظه مع كثرة أعدائه ألوف سنة «6». و يؤيّده أنّه قرئ آية بيّنة، على التّوحيد «7»

و في الكافي‏ «8»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن ابن سنان‏

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 2/ 158، ح 684، عن حريز عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

(2) المصدر: «حفيفا مبارك» أ: «حقا مباركا» ر: حفا مبارك بدل «حقا مبارك». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) أ: متواري.

(4) كذا في النسخ و أنوار التنزيل. و لعلّ الصواب: لهدى.

(5) أنوار التنزيل 1/ 173.

(6) كذا في النسخ و المصدر. و لعل الصواب: السنين.

(7) أنوار التنزيل 1/ 173.

(8) الكافي 4/ 223، ح 1.

 

 

167
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ‏- إلى قوله‏ «1»- آياتٌ بَيِّناتٌ‏، ما هذه الآيات البيّنات؟

قال: مقام إبراهيم حيث قام على الحجر فأثّرت فيه قدماه، و الحجر الأسود. و منزل إسماعيل- عليه السّلام-.

أقول: أمّا كون المقام آية، فلما ذكروا لارتفاعه بإبراهيم- عليه السّلام- حين كان أطول من الجبال، كما يأتي ذكره.

و أمّا كون الحجر الأسود آية، فلما ظهر منه للأولياء و الأوصياء- عليهم السّلام- من العجائب، إذ كان جوهرة جعلها اللّه مع آدم في الجنّة، و إذ كان ملكا من عظماء الملائكة ألقمه اللّه الميثاق و أودعه عنده، و يأتي يوم القيامة و له لسان ناطق و عينان يعرفه الخلق، يشهد لمن وافاه بالموافاة و لمن أدّى إليه الميثاق بالأداء و على من جحده بالإنكار، إلى غير ذلك كما ورد في الأخبار عن الأئمّة- عليهم السّلام- و لما ظهر لطائفه من تنطّقه لبعض المعصومين- عليهم السّلام- كالسّجّاد- عليه السّلام- حيث نازعه عمّه محمّد بن الحنفيّة في أمر الإمامة كما ورد في الرّوايات‏ «2»، و من عدم طاعته لغير المعصوم في نصبه في موضعه كما جرّب غير مرّة.

و أمّا كون منزل إسماعيل آية، فلأنّه أنزل من غير ماء فنبع له الماء، و إنّما خصّ المقام بالذّكر في القرآن و طوى ذكر غيره لأنّه أظهر آياته اليوم للنّاس.

قيل‏ «3»: سبب هذا الأثر، أنّه لمّا ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكّن من رفع الحجارة، فغاصت فيه قدماه.

و قيل‏ «4»: إنّه لمّا جاء زائرا من الشّام، فقالت له امرأة إسماعيل: انزل حتّى تغسل‏ «5» رأسك، فلم ينزل، فجاءته بهذا الحجر فوضعته على شقّه الأيمن، فوضع قدمه عليه حتّى غسلت شقّ رأسه، ثمّ حولته إلى شقّه الأيسر حتّى غسلت الشّقّ الأيسر، فبقي أثر قدمه عليه.

و في الكافي: محمّد «6» بن يحيى، عن أحمد بن محمّد عن ابن فضّال، عن ابن بكير،

______________________________
(1) نقل الآية في المصدر بدل «إلى قوله».

(2) هذا البحث بطوله موجود في غيبة الطوسي/ 16.

(3) أنوار التنزيل 1/ 173.

(4) الكشاف 1/ 448.

(5) المصدر: يغسل أ: تغتسل.

(6) الكافي 4/ 223، ح 2.

 

168
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: [قد] «1» أدركت الحسين- صلوات اللّه عليه-؟

قال: نعم، أذكر و أنا معه في المسجد الحرام، و قد دخل فيه السّيل و النّاس يقومون على المقام، يخرج الخارج يقول: قد ذهب به السّيل، و يخرج منه الخارج فيقول:

هو مكانه.

قال: فقال لي: يا فلان ما صنع هؤلاء؟

فقلت: أصلحك اللّه، يخافون أن يكون السّيل قد ذهب بالمقام.

فقال: ناد، إنّ اللّه قد جعله‏ «2» علما لم يكن ليذهب به، فاستقرّوا، و كان موضع المقام الّذي وضعه إبراهيم- عليه السّلام- عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتّى حوّله أهل الجاهليّة إلى المكان الّذي هو فيه اليوم، فلمّا فتح النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- مكّة ردّه إلى الموضع الّذي وضعه إبراهيم- عليه السّلام- فلم يزل هناك إلى أن وليّ عمر بن الخطّاب، فسأل النّاس: من منكم يعرف المكان الّذي كان فيه المقام؟

فقال رجل. أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع‏ «3»، فهو عندي.

فقال: ائتني‏ «4» به، فأتاه به، فقاسه ثمّ ردّه إلى ذلك المكان.

وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً: جملة ابتدائية أو شرطيّة، معطوفة من حيث المعنى على «مقام» لأنّه في معنى «و أمن من دخله»، أي: منها أمن من دخله، أو فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم و أمن من دخله. و اقتصر بذكرهما من الآيات الكثيرة، لأنّ فيهما غنية عن غيرهما في الدّارين، بقاء الأثر مدى الدّهر، و الأمن من العذاب يوم القيامة.

في كتاب علل الشّرائع‏ «5»، بإسناده إلى أبي زهرة شبيب بن أنس‏ «6»، عن بعض‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) النسخ: «جعل». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر

(3) النّسع: حبل من أدم يكون عريضا على هيئة أعنّة النّعال تشدّ به الرحال.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: ياتيني.

(5) علل الشرائع/ 890- 91، مقطعين من حديث 5.

(6) هكذا في الأصل. و في المصدر: «أبي زهير شبيب بن أنس». و في أ: «أبي زهرة بن شبيب بن أنس».

و على أي حال لم نعثر عليهم أو عليهما في كتب التراجم و الرجال. و يوجد في تنقيح المقال، في فصل الكنى، 3/ 17 راوي يسمّى بأبو زهير النهدي، الّذي «روى الشيخ- رحمه اللّه- في باب كيفية الصلوة من التهذيب عن محمد بن يحيى عنه عن آدم بن إسحاق و لم يذكر اسمه.» و اللّه العالم.

 

169
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

أصحاب أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- لأبي حنيفة:

يا أبا حنيفة، تعرف كتاب اللّه حقّ معرفته و تعرف النّاسخ و المنسوخ؟

قال: نعم.

قال: يا أبا حنيفة، لقد ادّعيت علما ويلك ما جعل اللّه ذلك إلّا عند أهل الكتاب الّذين أنزل عليهم، ويلك و لا هو إلّا عند الخاصّ من ذرّيّة نبيّنا محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و ما أدريك‏ «1» اللّه من كتابه حرفا، فإن كنت كما تقول و لست كما تقول، فأخبرني عن قول اللّه- عزّ و جلّ‏ «2»-: سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ‏ أين ذلك من الأرض؟

قال: أحسبه ما بين مكّة و المدينة.

فالتفت أبو عبد اللّه- عليه السّلام- إلى أصحابه فقال: تعلمون أنّ النّاس يقطع عليهم بين المدينة و مكّة، فتؤخذ أموالهم، و لا يؤمنون على أنفسهم، و يقتلون.

قالوا: نعم.

قال: فسكت أبو حنيفة.

فقال: يا أبا حنيفة، أخبرني عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً أين ذلك من الأرض؟

قال: الكعبة.

فقال: أ فتعلم أنّ الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزّبير في الكعبة فقتله، كان آمنا فيها؟

قال: فسكت.

فقال: أبو بكر الحضرميّ: جعلت فداك، ما الجواب في المسألتين الأوّلتين‏ «3»؟

فقال: يا أبا بكر، سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيَّاماً آمِنِينَ‏، فقال: مع قائمنا أهل البيت.

و أما قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فمن بايعه و دخل معه و مسح على يده و دخل في عقدة أصحابه، كان آمنا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

______________________________
(1) هكذا في الأصل. و في المصدر: ورثك.

(2) سبأ/ 18.

(3) المصدر: الأوليين.

170
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏:

سألته عن قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً؟

قال: يأمن فيه كلّ خائف، ما لم يكن عليه حدّ من حدود اللّه ينبغي أن يؤخذ به.

قال: و سألته عن طائر يدخل الحرم.

قال: لا يؤخذ و لا يمسّ، لأنّ اللّه يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

و قال عبد اللّه بن سنان‏ «2»: سمعته يقول‏- فيما أدخل الحرم ممّا صيد في الحلّ، قال:

إذا دخل الحرم فلا يذبح، إنّ اللّه يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

و عن عليّ به عبد العزيز «3» قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، قول اللّه: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً و قد يدخله المرجئ و القدريّ و الحرورىّ و الزّنديق الّذي لا يؤمن باللّه.

قال: لا، و لا كرامة.

قلت: فمه‏ «4» جعلت فداك؟

قال: و من دخله و هو عارف بحقّنا كما هو عارف به‏ «5»، خرج من ذنوبه و كفي همّ الدّنيا و الآخرة.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه‏ «6»-: بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-، عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن اللّه- جلّ جلاله- في حديث طويل، و فيه يقول- جلّ جلاله- في حقّ عليّ- عليه السّلام-: و جعلته العلم الهادي من الضّلالة، و بابي الّذي أوتى به منه، و بيتي الّذي من دخله كان آمنا من ناري.

و في الكافي: محمّد «7» بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال و الحجّال، عن ثعلبة، عن أبي خالد القمّاط عن عبد الخالق الصّيقل قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

فقال: لقد سألتني عن شي‏ء ما سألني أحد إلّا من شاء اللّه، قال: من أمّ هذا

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 188، ح 100 مع حذف قطعة منه.

(2) نفس المصدر 1/ 189، ح 104.

(3) نفس المصدر 1/ 190، ح 107.

(4) المصدر: فمن أ: قد.

(5) المصدر: له.

(6) أمالي الصدوق/ 184.

(7) الكافي 4/ 545، ح 25.

 

171
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

البيت، و هو يعلم أنّه البيت الّذي أمره اللّه- عزّ و جلّ- به، و عرفنا أهل البيت حقّ معرفتنا، كان آمنا في الدّنيا و الآخرة.

و في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ من دخله‏ «2» عارفا بجميع ما أوجبه اللّه عليه، كان آمنا في الآخرة من العذاب الدّائم.

و في الكافي‏ «3»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير و محمّد بن إسماعيل‏ «4»، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان و ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إذا أردت دخول الكعبة فاغتسل قبل أن تدخلها، و لا تدخلها «5» بحذاء، و تقول إذا دخلت: اللّهمّ، إنّك قلت: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً، فآمنّي من عذاب النّار.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم‏ «6»، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً البيت عنى أم الحرم؟

قال: من دخل الحرم من النّاس مستجيرا به فهو آمن به من سخط اللّه، و من دخله من الوحش و الطّير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم.

عليّ بن إبراهيم‏ «7»، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً قال: إذ أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرّ إلى الحرم لم يسع‏ «8» لأحد أن يأخذه في الحرم، و لكن يمنع من السّوق و لا يبايع و لا يطعم و لا يسقى و لا يكلّم، فإنّه إذا فعل ذلك [به‏] «9» يوشك أن يخرج فيؤخذ [و إذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم،

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 478. و فيه: «أنّ معناه من دخل عارفا ... من العذاب الدائم. و هو المروي عن أبي جعفر- عليه السّلام.»

(2) المصدر: دخل.

(3) الكافي 4/ 825، صدر حديث 3.

(4) ر: عليّ بن إسماعيل.

(5) «و لا تدخلها» ليس في ر.

(6) نفس المصدر 4/ 226، ح 1.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 2.

(8) هكذا في المصدر. و في الأصل: «لم يسغ» و في أ: «لم يسمع».

(9) من المصدر.

 

172
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

لأنّه لم ير «1» للحرم حرمة.

و بإسناده إلى عليّ بن أبي حمزة «2»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

قال: إن سرق سارق بغير مكّة أو جنى جناية.] «3» على نفسه ففرّ إلى مكّة لم يؤخذ ما دام في الحرم حتّى يخرج منه، و لكن يمنع من السّوق فلا يبايع‏ «4» و لا يجالس حتّى يخرج منه فيؤخذ، و إن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «5»: حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أيّوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن معاويه بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أنّه سئل عن طير أهليّ أقبل فدخل الحرم.

قال: لا يمسّ، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «6»: و سأل محمّد بن مسلم أحدهما- عليهما السّلام- عن الظّبي يدخل الحرم.

فقال: لا يؤخذ و لا يمسّ، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.

و في الكافي‏ «7»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد من محمّد، عن شاذان بن الخليل أبي الفضل، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن رجل لي عليه مال، فغاب عنّي زمانا، فرأيته يطوف حول الكعبة، أ فأتقاضاه مالي؟

قال: لا، لا تسلّم عليه و لا تروّعه حتّى يخرج من الحرم.

محمّد بن يحيى‏ «8»، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل، عن أبي إسماعيل السّرّاج‏ «9»، البرّاج عن هارون بن خارجة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام-

______________________________
(1) المصدر: لم يدع.

(2) نفس المصدر 4/ 227، و الظاهر أنّه حديث 3. لأنّه بدون رقم. و الحديث الذي قبله تحت رقم 2.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) المصدر: و لا يبايع.

(5) علل الشرائع/ 451، ح 1.

(6) من لا يحضره الفقيه 2/ 170، ح 744.

(7) الكافي 4/ 241، ح 1.

(8) نفس المصدر 4/ 258، ح 26.

(9) النسخ: أبي إسماعيل البرّاج. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر. و هو الصواب. ر. تنقيح المقال، فصل الكنى، 3/ 2.

 

173
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

يقول‏: من دفن في الحرم، أمن من الفزع الأكبر.

فقلت [له:] «1» من برّ النّاس و فاجرهم؟

قال: من برّ النّاس و فاجرهم.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «2»: من مات في أحد الحرمين بعثه اللّه من الآمنين. و من مات بين الحرمين لم ينشر له ديوان. و من دفن في الحرم أمن من الفزع الأكبر.

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ‏: قصده للزّيارة، على الوجه المخصوص.

و الحجّ في الأصل، القصد.

و قرأ حمزة و الكسائيّ و عاصم، في رواية حفص، حجّ، بالكسر، و هي لغة [نجد] «3»

و في الكافي‏ «4»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال‏: كتبت إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- بمسائل، بعضها مع ابن بكير و بعضها مع أبي العبّاس، فجاء الجواب بإملائه: سألت عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، يعني به الحجّ و العمرة جميعا، لأنّهما مفروضان.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في عيون الأخبار «5»: في باب ذكر ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان في جواب مسائله في العلل: و علّة الحجّ، الوفادة إلى اللّه- عزّ و جلّ- و طلب الزّيادة و الخروج من كلّ ما اقترف، و ليكون تائبا ممّا «6» مضى مستأنفا لما يستقبل، و ما فيه من استخراج الأموال، و تعب الأبدان و حظرها عن الشّهوات و اللّذّات، و التقرّب‏ «7» بالعبادة إلى اللّه- عزّ و جلّ- و الخضوع و الاستكانة و الذّلّ، شاخصا [إليه‏] «8» في لحرّ و البرد و الأمن و الخوف، دائبا «9» في ذلك دائما «10»، و ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع و الرّغبة

______________________________
(1) من المصدر و ر.

(2) من لا يحضره الفقيه 1/ 147، ضمن حديث 650.

(3) أنوار التنزيل 1/ 173. و الزيادة من المصدر.

(4) الكافي 4/ 264، ح 1.

(5) عيون الأخبار 2/ 90.

(6) هكذا في المصدر. و في الأصل: «فيما». و في ر: «ممّا له فيما.»

(7) النسخ: «التقريب». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(8) من المصدر.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: دائب.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: دائم.

 

174
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

و الرّهبة إلى اللّه- تعالى-.

و منه، ترك قساوة القلب، و جسارة الأنفس، و نسيان الذّكر، و انقطاع الرّجاء و الأمل، و تجديد الحقوق، و حظر النّفس عن الفساد، و منفعة من في شرق الأرض و غربها و من في البرّ و البحر، ممّن يحجّ و ممّن لا يحجّ، من تاجر و جالب و بائع و مشتر و كاسب و مسكين، و قضاء حوائج أهل الاطراف‏ «1» و المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها، كذلك ليشهدوا منافع لهم.

مَنِ اسْتَطاعَ‏: بدل من النّاس، بدل البعض من الكّل.

إِلَيْهِ سَبِيلًا: تمييز، من نسبة الفعل إلى المفعول بالواسطة.

و في عيون الأخبار «2»: فيما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام و شرائع الدّين: و حجّ البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلا، و السّبيل الزّاد و الرّاحلة مع الصّحّة.

و في كتاب الخصال‏ «3»: عن الأعمش عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال‏:

هذه شرائع الدّين- إلى أن قال-: و حجّ البيت واجب على من‏ «4» استطاع إليه سبيلا، و هو الزّاد و الرّاحلة مع صحّة البدن، و أن يكون للإنسان ما يخلّفه على عياله و ما يرجع إليه بعد حجّه‏ «5»

و في الكافي‏ «6»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع الشّاميّ قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

فقال: ما يقول النّاس؟

قال: فقيل له: الزّاد و الرّاحلة.

قال: فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: قد سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن هذا؟

فقال: هلك النّاس إذا، لإن‏ «7» من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت عياله و

______________________________
(1) أ: أهل الأرض.

(2) نفس المصدر 2/ 124.

(3) الخصال/ 603 و 606، ضمن حديث 9.

(4) المصدر: «لمن» بدل «على من».

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: من حجّه.

(6) الكافي 4/ 267، ح 3.

(7) المصدر: لئن كان.

 

175
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

يستغنى به عن النّاس ينطلق إليه فيسلبهم إيّاه، لقد هلكوا.

فقيل له: فما السّبيل؟

قال: فقال: السّعة في المال إذا كان يحجّ ببعض و يبقي بعضا يقوت به عياله، أليس قد فرض اللّه الزّكاة فلم يجعلها الّا على من يملك مائتي درهم؟

محمّد بن أبي عبد اللّه‏ «1»، عن موسى بن عمران، عن الحسين بن يزيد النّوفليّ، عن السّكونيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سأل رجل من أهل القدر، فقال: يا بن رسول اللّه، أخبرني عن قول اللّه تعالى: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أليس قد جعل اللّه الاستطاعة؟

فقال: ويحك، إنّما يعني بالاستطاعة الزّاد و الرّاحلة، ليس استطاعة البدن.

فقال الرّجل: أ فليس إذا كان الزّاد و الرّاحلة، فهو مستطيع للحجّ؟

فقال: ويحك، ليس كما تظنّ، قد ترى الرّجل عنده المال الكثير أكثر من الزّاد و الرّاحلة، فهو لا يحجّ حتّى يأدن اللّه- تعالى- في ذلك.

عليّ بن إبراهيم‏ «2»، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قال: ما السّبيل؟

قال: أن يكون له ما يحجّ به.

قال: قلت: من عرض عليه ما يحجّ به فاستحيا من ذلك، أهو ممّن يستطيع إليه سبيلا؟

قال: نعم، ما شأنه [أن‏] «3» يستحيي و لو يحجّ على حمار أجدع أبتر، فإن كان يطيق أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليحجّ.

و في رواية «4»: أنّه يخرج و يمشي إن لم يكن عنده.

قيل: لا يقدر على المشي.

______________________________
(1) نفس المصدر 4/ 268، ح 5.

(2) نفس المصدر 4/ 266، ح 1.

(3) من المصدر.

(4) من لا يحضره الفقيه 2/ 194، ح 4+ التهذيب 5/ 10، ح 26 و 5/ 459، ح 240+ الاستبصار 2/ 140، ح 5

 

176
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

قال: يمشي و يركب.

قيل: لا يقدر على ذلك.

قال: يخدم القوم و يخرج معهم.

و اعلم، أنّه ينبغي أن يحمل اختلاف الرّوايات على اختلاف النّاس في جهات الاستطاعة، فإنّ بعضهم يجب لهم الزّاد و الرّاحلة و لا يجب لهم الرّجوع إلى مال لقدرتهم على تحصيل ما يموّنون به بتجارة و كسب، و بعضهم يجب لهم الرّجوع إلى ما يموّنون به لعدم قدرتهم على التّحصيل، و بعضهم عادتهم الخدمة و التّعيّش بأي وجه اتّفق لهم مع قدرتهم على ذلك، فإذا حصل لهم تلك الاستطاعة وجب الحجّ.

[و في كتاب التّوحيد «1»: حدّثنا أبي و محمّد بن موسى بن المتوكّل- رضي اللّه عنهما- قالا: حدّثنا سعد بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جعفر الحميريّ جميعا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

قال: يكون له ما يحجّ به.

قلت: فمن عرض عليه الحجّ فاستحيا؟

قال: [هو] «2» ممّن يستطيع.

حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه‏ «3»- قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ما يعني بذلك؟

قال: من كان صحيحا في بدنه، مخلّى سربه، له زاد و راحلة.

و في كتاب علل الشرائع‏ «4»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:

حدّثنا أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، يعني به: الحج دون العمرة؟

______________________________
(1) التوحيد/ 349- 350، ح 10.

(2) من المصدر.

(3) نفس المصدر/ 350- 351، ح 14.

(4) علل الشرائع/ 453، ح 2.

 

177
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

فقال: لا، و لكّنه يعني: الحجّ و العمرة جميعا، لأنّهما مفروضان.

و في مصباح الشّريعة «1»: قال الصّادق- عليه السّلام-: و اعلم، بأنّ اللّه تعالى لم يفرض‏ «2» الحجّ و لم يخصّه من جميع الطّاعات [، إلّا] «3» بالإضافة إلى نفسه بقوله- تعالى-:

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا. و لا شرع‏ «4» نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- سنّته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه‏ «5»، إلا للاستعداد و الاشارة إلى الموت و القبر و البعث و القيامة، و فضل‏ «6» بيان السّابقة من الدّخول في الجنّة أهلها و دخول النّار أهلها بمشاهدة مناسك الحجّ من أوّلها إلى آخرها لأولي الألباب و أولي النّهى.] «7»

وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏ (97):

وضع «كفر» موضع لم يحجّ، تأكيدا لوجوبه، و تغليظا على تاركه. و قد أكّد أمر الحجّ في هذه الآية من وجوه الدّلالة على وجوبه بصيغة الخبر، و إبرازه في الصّورة الاسميّة، و إيراده على وجه يفيد أنّه حقّ واجب للّه في رقاب النّاس. و تعميم الحكم أوّلا و تخصيصه ثانيا، فإنّه كإيضاح بعد إبهام و تنبيه و تكرير للمراد. و تسمية ترك الحجّ كفرا من حيث أنّه فعل الكفرة. و ذكر الاستغناء، فإنّه في هذا الموضع ممّا يدلّ على المقت و الخذلان، و إيراد «عن العالمين» بدل عنه، لما فيه من التّعميم، و الدّلالة على الاستغناء عنه بالبرهان، و الإشعار بعظم السّخط، و ذلك لأنّه تكليف شاقّ جامع بين كسر النّفس و إتعاب البدن و صرف المال و التّجرّد عن الشّهوات و الإقبال على اللّه.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «8»: في وصيّة النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام-: يا علي، تارك الحجّ و هو مستطيع كافر، قال اللّه- تبارك و تعالى-:

______________________________
(1) شرح فارسى مصباح الشريعة/ 149- 150.

(2) المصدر: لم يفترض.

(3) من المصدر.

(4) المصدر: لا سنّ.

(5) المصدر: «في حلال و حرام و مناسك» بدل «سنّته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه». و أشار المصحح- رحمه اللّه- في هامش المصدر بقوله: كذا في النسخة المشروحة. و لكن في البحار و المحجّة و المستدرك و نسخة مصطفوى: «و لا شرع نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- سنّته في خلال المناسك على ترتيب ما شرعه».

فليلاحظ.

(6) المصدر: فصل.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) في من لا يحضره الفقيه 4/ 266.

 

178
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): آية 97] ص : 167

وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. يا عليّ، من سوّف الحّج حتّى يموت بعثه اللّه يوم القيامة يهوديّا أو نصرانيّا.

و في الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن موسى بن القاسم البجليّ و محمّد بن يحيى، عن العمركيّ بن عليّ جميعا، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه- تعالى- فرض الحجّ على أهل الجدّة «2» في كلّ عام، و ذلك قوله- تعالى-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.

قال: قلت: فمن لم يحجّ فقد كفر؟

قال: لا، و لكن من قال: ليس هذا هكذا، فقد كفر.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن أبي أسامة زيد الشّحّام‏ «4»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [...] قال‏: قلت: أ رأيت قول اللّه: وَ مَنْ كَفَرَ أهو في الحجّ؟

قال: نعم‏ «5»، قال: هو كفر النّعم. و قال: من ترك‏

في خبر آخر

قيل‏ «6»: و روي‏ أنّه نزل صدر الآية، جمع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أرباب الملل فخطبهم، و قال: إنّ اللّه كتب عليكم الحجّ فحجّوا، فآمنت به ملّة واحدة و كفرت به خمس ملل، فنزل: وَ مَنْ كَفَرَ.

و في أصول الكافي‏ «7»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «8» و عبد اللّه بن الصّلت جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصّلاة، و الزّكاة، و الحجّ، و الصّوم، و الولاية.

قال زرارة: فقلت: و أيّ [شي‏ء] «9» من ذلك أفضل؟

______________________________
(1) الكافي 4/ 265، ح 5.

(2) الجدة: الغنى و الثّروة.

(3) تفسير العياشي 1/ 193، ذيل حديث 115.

(4) النسخ: «ابن أسامة بن زيد». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر. و هكذا في تفسير البرهان 1/ 304.

و أيضا ر. تنقيح المقال، فصل الكنى، 3/ 1.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏ بدل «أهو في الحجّ؟ قال: نعم».

(6) أنوار التنزيل 1/ 173.

(7) الكافي 1/ 18- 19، صدر حديث 5.

(8) هكذا في المصدر. و في الأصل: «عن» بدل «و».

(9) من المصدر.

 

179
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

 

فقال: الولاية أفضل، لأنّها مفتاحهنّ، و الوالي هو الدّليل عليهنّ.

قلت: ثمّ الّذي يلي ذلك في الفضل؟

فقال: الصّلاة، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قال: الصلاة عمود دينكم.

قال: قلت: ثمّ الّذي يليها في الفضل؟

قال: الزّكاة، لأنّه‏ «1» قرنها [بها] «2» و بدأ بالصّلاة قبلها، و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: الزّكاة تذهب الذّنوب.

قال: قلت: و الّذي يليها في الفضل؟

قال: الحجّ، قال اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ. «3» و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لحجّة مقبولة خير من عشرين صلاة نافلة، و من طاف بهذا البيت طوافا أحصى فيه أسبوعه و أحسن ركعته غفر [اللّه‏] «4» له، و قال: في يوم عرفة و يوم المزدلفة ما قال.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة «5»: قال- عليه السّلام-: جعله- سبحانه و تعالى- للإسلام علما، و للعائذين‏ «6» حرما، فرض حجّه، و أوجب حقّه‏ «7»، و كتب عليكم وفادته، فقال- سبحانه-: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏] «8»

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ‏: السّمعيّة و العقليّة، الدّالّة على صدق محمّد فيما جاء به، من وجوب الحجّ و غيره.

و تخصيص أهل الكتاب بالخطاب يدلّ على أنّ كفرهم أقبح، و أنّهم و إن زعموا أنّهم مؤمنون بالتّوراة و الإنجيل فهم كافرون بهما، و إن الكفر ببعض كتاب كفر بكلّه، فالكفر بولاية عليّ- عليه السّلام- كفر بجميع آيات اللّه. فافهم.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في الأصل: لأنها.

(2) من المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل: «قال» بدل «و».

(4) من المصدر.

(5) نهج البلاغة/ 45، ذيل خطبة 1.

(6) هكذا في المصدر. و في الأصل: للعابدين.

(7) هكذا في الأصل. و في المصدر: «فرض حقّه و أوجب حجّه» بدل «فرض حجّه و أوجب حقّه».

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

180
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى‏ ما تَعْمَلُونَ‏ (98): و الحال أنّه شهيد مطّلع على أعمالكم و اعتقاداتكم، فيجازيكم عليها، لا ينفعكم التّحريف و الاستسرار.

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ‏: تكرير الخطاب و الاستفهام لزيادة التّقريع و نفي العذر لهم، و للإشعار بأنّ كلّ واحد من الأمرين مستقبح في نفسه، مستقلّ باستجلاب العذاب.

و سبيله، دينه الحقّ. المأمور بسلوكه، و هو الإسلام المرادف للإيمان.

قيل‏ «1»: كانوا يفتنون المؤمنين و يحرشون بينهم، حتّى أتوا الأوس و الخزرج، فذكّروهم ما بينهم في الجاهليّة من التّعادي و التّحارب، ليعودوا لمثله، و يحتالون لصدّهم عنه.

تَبْغُونَها عِوَجاً: حال من الواو، و اللّام في المفعول الأوّل محذوف، أي: طالبين لسبيل اللّه اعوجاجا.

أو «عوجا» تمييز من النّسبّة إلى المفعول، أي: طالبين عوجها، بأن تلبسوا على النّاس، و توهّموا أنّ فيه عوجا عن الحقّ، بمنع النّسخ و تغيير صفة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و نحوهما. أو بأن تحرشوا بين المؤمنين لتختلف كلمتهم، و يختلّ أمر دينهم.

وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ: أنّها سبيل اللّه، و الصّدّ عنها ضلال و إضلال، و أنتم عدول عند أهل ملّتكم، يثقون بأقوالكم و يستشهدونكم في القضايا.

وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏ (99): وعيد لهم. و لمّا كان المنكر في الآية الأولى كفرهم و هم يجهرون به، ختمها بقوله: وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى‏ ما تَعْمَلُونَ‏. و في هذه الآية صدّهم المؤمنين عن الإسلام، و كانوا يخفونه و يحتالون فيه، قال: وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ‏.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ‏ (100)

قيل‏ «2»: نزلت في نفر من الأوس و الخزرج كانوا جلوسا يتحدّثون، فمرّ بهم شاس بن قيس اليهوديّ، فغاظه تآلفهم و اجتماعهم، فأمر شابّا من اليهود أن يجلس إليهم، و يذكّرهم يوم بغاث‏ «3»، و ينشدهم بعض ما قيل فيه، و كان الظّفر في ذلك اليوم للأوس، ففعل،

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 174.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) المصدر: بعاث.

 

181
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

فتنازع القوم و تفاخروا و تغاضبوا و قالوا: السّلاح السّلاح، و اجتمع من القبيلتين خلق عظيم، فتوجّه إليهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و أصحابه. فقال: أ تدعون الجاهليّة و أنا بين أظهركم، بعد إذ أكرمكم‏ «1» اللّه بالإسلام، و قطع به عنكم أمر الجاهليّة، و ألّف بين قلوبكم. فعلموا أنّها نزعة من الشّيطان و كيد من عدوّهم، فألقوا السّلاح و استغفروا و عانق بعضهم بعضا، و انصرفوا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

و إنّما خاطبهم اللّه تعالى بنفسه بعد ما أمر الرّسول- صلّى اللّه عليه و آله- بأن يخاطب أهل الكتاب، إظهارا لجلالة قدرهم، و إشعارا بأنّهم هم الأحقّاء بأن يخاطبهم تعالى و يكلّمهم.

وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ‏: إنكار و تعجيب لكفرهم، في حال اجتمع لهم الأسباب الدّاعية إلى الإيمان، الصّادفة عن الكفر.

وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ‏: و من يستمسك بدينه، أو يلتجئ إليه في مجامع أموره.

في كتاب الخصال‏ «2»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: قال إبليس: خمسة أشياء ليس لي فيهنّ حيلة و سائر النّاس في قبضتي [...] و من اعتصم باللّه عن نيّة صادقة، و اتّكل عليه في جميع أموره كلّها ...

(الحديث) فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ (101): فقد اهتدى لا محالة.

و في كتاب معاني الأخبار «3»: بإسناده إلى حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إنّ الإمام لا يكون الّا معصوما؟

فقال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن ذلك.

فقال: المعصوم، هو الممتنع باللّه من جميع محارم اللّه، و قال اللّه- تبارك و تعالى-: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ «4».

و في أصول الكافي‏ «5»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن ابن‏

______________________________
(1) المصدر: أن أكرمكم.

(2) الخصال/ 285، 37. و للحديث ذيل.

(3) معاني الأخبار/ 132، ح 2.

(4) في هامش الأصل: الامام يجب أن يكون معصوما في جميع أقواله و أفعاله من أوّل العمر إلى آخره. لأنّه مخبر من اللّه و رسوله، فان كان غير معصوم سقط اعتباره من القلوب و لا يعتمد على قوله. (منه)

(5) الكافي 2/ 65، ح 4.

 

182
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

محبوب، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- «1» قال‏: أيّما عبد أقبل قبل ما يحبّ اللّه- عزّ و جلّ- أقبل اللّه قبل ما يحبّ، و من اعتصم باللّه عصمه اللّه، و من أقبل اللّه قبله و عصمه لم يبال لو سقطت السّماء على الأرض، و لو «2» كانت نازلة نزلت على أهل الأرض فشملتهم بليّة كان في حرز «3» اللّه بالتّقوى من كلّ بليّة، أليس اللّه- عزّ و جلّ- يقول: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ‏؟

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ‏: حق تقواه و ما يجب منها، و هو استفراغ الوسع في القيام بالواجب و الاجتناب عن المحارم.

أصله: وقية فقلبت واوها المضمومة تاء، كما في تؤدة و تخمة، و الياء ألفا.

و في مجمع البيان‏ «4»: و ذكر في قوله: حَقَّ تُقاتِهِ‏ وجوه: ثالثها «5»، أنّه المجاهدة في اللّه و أن لا تأخذه [فيه‏] «6» لومة لائم، و أن يقام له بالقسط في الخوف و الأمن، عن مجاهد. ثمّ اختلف فيه أيضا على قولين: أحدهما أنّه منسوخ بقوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏ و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السّلام‏ «7»-.

و في كتاب معاني الأخبار «8»: بإسناده إلى أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ‏ قال: يطاع و لا يعصى‏ «9»، و يذكر و لا ينسى‏ «10»، و يشكر و لا يكفر «11».

وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ (102)، أي: و لا تكوننّ على حال، سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت. فإنّ النّهي عن المقيّد بحال و غيرها، قد يتوجّه بالذّات نحو الفعل تارة و القيد أخرى، و قد يتوجّه نحو المجموع، و كذلك النّفي.

و في مجمع البيان‏ «12»: و روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏

______________________________
(1) «عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام» ليس في أ.

(2) المصدر: «أو» بدل «و لو».

(3) المصدر: حزب.

(4) مجمع البيان 1/ 482.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: ثانيها.

(6) من المصدر.

(7) المصدر: عن قتادة و الربيع و السدي و هو المرويّ عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام.

(8) معاني الأخبار/ 240، ح 1.

(9) المصدر: فلا يعصى.

(10) المصدر: فلا ينسى‏

(11) المصدر: فلا يكفر.

(12) مجمع البيان 1/ 482.

 

183
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

بالتّشديد، و معناه: مستسلمون لما أتى [به‏] «1» النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و منقادون له.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن الحسين بن خالد قال: قال أبو الحسن الأوّل- عليه السّلام- لبعض أصحابه‏ «3»: كيف تقرأ هذه الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ ما ذا؟

قلت: مسلمون.

فقال: سبحان اللّه، يوقع‏ «4» عليهم الإيمان فيسمّيهم‏ «5» مؤمنين، ثمّ يسألهم الإسلام، و الإيمان فوق الإسلام.

قلت: هكذا يقرأ في قراءة زيد.

قال: إنّما هي في قراءة عليّ- عليه السّلام- و هو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-: وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ الإمام من بعده.

و في كتاب المناقب‏ «6» لابن شهر آشوب: عن الباقر- عليه السّلام- في قراءة عليّ- عليه السّلام- و هو التّنزيل الّذي نزل به جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-:

وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و الإمام بعده.

و في عيون الأخبار «7»: بإسناده إلى داود بن سليمان القارئ‏ «8»، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- أنّه قال‏:

الدّنيا كلّها جهل إلّا مواضع العلم، و العلم كلّه حجّة إلّا ما عمل به، و العمل كلّه رياء إلّا ما كان مخلصا، و الإخلاص على خطر حتّى ينظر العبد بما يختم له.

و في نهج البلاغة «9»: قال- عليه السّلام-: فبادروا العمل و خافوا بغتة الأجل. فأنّه‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) تفسير العياشي 1/ 193، ح 119.

(3) «لبعض أصحابه» ليس في المصدر.

(4) المصدر: توقع.

(5) المصدر: فسمّيتهم.

(6) لم نعثر عليه في المناقب. و لكن في تفسير العياشي 1/ 194، ذيل حديث 119، إلّا أنّه عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام-

و الموجود في المناقب 3/ 95: و عنه، أي: الباقر- عليه السّلام- في قوله‏ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ‏ لولاية عليّ- عليه السّلام.

فراجع.

(7) عيون أخبار الرضا 1/ 281، ح 25.

(8) المصدر: الغازي.

(9) نهج البلاغة/ 171، ضمن خطبة 114.

 

184
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرّزق، ما فات اليوم من الرّزق رجي غدا زيادته، و ما فات أمس‏ «1» من العمر لم ترج‏ «2» اليوم رجعته، الرّجاء مع الجائي و اليأس مع الماضي. ف اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ‏: بدينه الإسلام، الّذي ملاكه الولاية، و الكتاب استعارة تبعيّة، و وجه الشّبه التّمسّك به، فإنّ التّمسّك به سبب النّجاة عن الرّدى، كما أنّ التّمسّك بالحبل سبب السّلامة عن التّردّي، و الاعتصام ترشيح للاستعارة.

جَمِيعاً: مجتمعين عليه.

في أمالي شيخ الطّائفة- قدّس سرّه‏ «3»-: بإسناده إلى عمر بن راشد، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- في قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، قال [نحن الحبل.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن ابن يزيد قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً.

قال:] «5» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حبل اللّه المتين.

و عن جابر «6» عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: آل محمّد- عليهم السّلام- هم حبل اللّه الّذي أمر «7» بالاعتصام به، فقال: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا.

و في كتاب معاني الأخبار «8»: بإسناده إلى موسى بن جعفر- عليهما السّلام- عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين‏ «9»- عليهم السّلام- قال‏: الإمام منّا لا يكون إلّا معصوما، و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، و لذلك لا يكون إلّا منصوصا.

فقيل له: يا بن رسول اللّه، فما معنى المعصوم؟

فقال: هو المعتصم بحبل اللّه، و حبل اللّه هو القرآن، لا يفترقان إلى يوم القيامة،

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأمس.

(2) المصدر: يرج.

(3) أمالي الطوسي 1/ 278، ذيل حديث.

(4) تفسير العياشي 1/ 194، ح 122.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 123.

(7) المصدر: أمرنا.

(8) معاني الأخبار/ 130، ح 1.

(9) في نسخة ر بعد هذه العبارة: عن أبيه الحسين بن علي.

 

185
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

و الإمام يهدي إلى القرآن، و القرآن يهدي إلى الإمام، و ذلك قول اللّه- عزّ و جلّ‏ «1»- إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏.

و في مجمع البيان‏ «2»: روى أبو سعيد الخدريّ عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال‏: أيّها النّاس، إنّي قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا من‏ «3» بعدهما، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض، و عترتي أهل بيتي.

[ألا] «4» و إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً، قال: التّوحيد و الولاية.] «6» وَ لا تَفَرَّقُوا: أي: لا تتفرّقوا عن الحقّ، بوقوع الاختلاف بينكم، كأهل الكتاب. أو لا تتفرّقوا تفرّقكم الجاهليّ، يحارب بعضكم بعضا. أو لا تذكروا ما يوجب التّفرّق، و يزيل الألفة.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»:] «8» و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله تعالى: وَ لا تَفَرَّقُوا، قال: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- علم أنّهم سيفترقون بعد نبيّهم و يختلفون، فنهاهم عن التّفرق كما نهى من [كان‏] «9» قبلهم، فأمرهم أن يجتمعوا على ولاية آل محمّد- صلّى اللّه عليهم- و لا يتفرّقوا.

[و في شرح الآيات الباهرة «10»:] «11» و روى الشّيخ المفيد- رحمه اللّه- في [كتاب الغيبة] «12» تأويل هذه الآية و هو من محاسن التّأويل، عن محمّد بن الحسن، عن أبيه، عن جدّه قال: قال عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليهما-: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ذات يوم جالسا في المسجد، و أصحابه حوله، فقال لهم: يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه.

______________________________
(1) الاسراء/ 9.

(2) مجمع البيان 1/ 482.

(3) «من» ليس في المصدر.

(4) من المصدر.

(5) تفسير القمي 1/ 108.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) ليس في أ.

(9) من المصدر.

(10) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 42.

(11) ليس في أ.

(12) من المصدر.

 

186
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

قال: فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر، فتقدّم و سلّم على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و جلس، و قال: يا رسول اللّه، إنّي سمعت اللّه يقول: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا فما هذا الحبل الّذي أمر اللّه بالاعتصام و لا نتفرّق عنه؟

قال: فأطرق ساعة، ثمّ رفع رأسه و أشار إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- و قال: هذا حبل اللّه الّذي من تمسّك به عصم في دنياه و لم يضلّ في أخراه.

قال: فوثب الرّجل إلى عليّ بن أبي طالب و احتضنه‏ «1» من وراء ظهره، و هو يقول:

اعتصمت بحبل اللّه و حبل رسوله، ثمّ قام فولّى و خرج. فقام‏ «2» رجل من النّاس فقال: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليك و أهلك‏ «3»- ألحقه و أسأله أن يستغفر لي؟

فقال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إذا تجده مرفقا.

قال: فلحقه الرّجل و سأله أن يستغفر له.

فقال له: هل فهمت ما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و ما قلت له؟

قال الرّجل: نعم.

فقال له: إن كنت متمسّكا بذلك الحبل فغفر اللّه لك، و إلّا فلا غفر اللّه لك و تركه، و مضى.

[و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ‏ «4»: قال: حدّثني الحسين بن محمد قال: حدّثنا محمّد بن مروان قال: حدّثنا أبو حفص الأعمش‏ «5»، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن جدّه- عليهم السّلام- قال‏: جاء رجل في صورة «6» أعرابيّ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: يا رسول اللّه، بأبي أنت و أمّي، ما معنى‏ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا؟

فقال له النّبيّ: أنا نبيّ اللّه، و عليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابي و هو

______________________________
(1) المصدر: احتصّه.

(2) «فولّى و خرج فقام» ليس في المصدر.

(3) «و أهلك» ليس في المصدر. و في أ: «و آلك». و هو الظاهر.

(4) تفسير فرات/ 14.

(5) كذا في الأصل. و في المصدر: «أبو حفض الأعمشى». و الظاهر: «أبو حفض الأعشى». ر. تنقيح المقال، فصل الكنى، 3/ 13 و جامع الرواة 2/ 379.

(6) المصدر: هيئة.

 

187
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

يقول: آمنت باللّه و برسوله و [اعتصمت‏] «1» و بحبله.

و قال‏ «2»: حدّثني محمّد بن الحسن بن إبراهيم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- قال‏: كنت عند النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فأقبل أعرابيّ فقال: يا رسول اللّه، قول اللّه‏ «3» في كتابه: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا فما حبل اللّه؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «4»-: يا أعرابيّ، أنا نبيّه و عليّ بن أبي طالب حبله. فخرج الأعرابيّ و هو يقول: آمنت باللّه و برسوله و اعتصمت بحبله.

و قال‏ «5»: حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال‏: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جالس في جماعة من أصحابه، إذ ورد عليه أعرابيّ فبرك‏ «6» بين يديه، فقال: يا رسول اللّه، إنّي سمعت اللّه يقول في كتابه: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا فهذا «7» الحبل الّذي أمرنا اللّه بالاعتصام به ما هو؟

قال: فضرب النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- يده على كتف عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- فقال: ولاية هذا «8».

قال: فقال الأعرابيّ‏ «9»- و ضبط بكفّيه و إصبعه‏ «10» جميعا ثمّ قال-: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه و أعتصم بحبل اللّه.

قال: و شدّ أصابعه.

و قال‏ «11». حدّثني جعفر بن محمّد بن سعيد الاحمسىّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال‏: نحن حبل اللّه الّذي: قال‏ «12»: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا،

______________________________
(1) من المصدر.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل: ما قول اللّه.

(4) المصدر: «قال» بدل «فقال النبي- صلّى اللّه عليه و آله».

(5) نفس المصدر/ 15.

(6) الأصل: «يترك». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في الأصل: فما هذا.

(8) المصدر: عليّ.

(9) المصدر: «فقام» بدل «قال فقال»

(10) المصدر: «بإصبعيه» بدل «بكفيه و إصبعه».

(11) نفس المصدر و الموضع.

(12) المصدر: فيه.

 

188
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

[و] «1» ولاية عليّ- عليه السّلام- من‏ «2» استمسك به‏ «3» كان مؤمنا و من تركها خرج من الإيمان‏] «4»

وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً: في الجاهليّة متقابلين.

فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ‏ بالإسلام، فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً: متحابّين مجتمعين على الأخوّة في اللّه.

في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «5»: بإسناده إلى عبد الرّحمن بن سليمان، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- عن الحارث بن نوفل قال: قال عليّ- عليه السّلام- لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: [يا رسول اللّه،] «6» أمنّا الهداة أم غيرنا؟

قال: بل منّا الهداة إلى اللّه إلى يوم القيامة، بنا استنقذهم اللّه- عزّ و جلّ- من ضلالة الشّرك و بنا استنقذهم اللّه من ضلالة الفتنة، و بنا يصبحون إخوانا بعد ضلالة [الفتنة كما بنا أصبحوا إخوانا بعد ضلالة] «7» الشّرك، و بنا يختم اللّه، و بنا يفتح.

و قيل‏ «8»: كان الأوس و الخزرج أخوين لأبوين، فوقع بين أولادهما «9» العداوة، و تطاولت الحروب مائة و عشرين سنة، حتّى اطفأها اللّه- تعالى- بالإسلام، و ألّف بينهم برسوله- صلّى اللّه عليه و آله-.

وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ، أي: مشفين على الوقوع في نار جهنم، إذ لو أدرككم الموت في تلك الحالة لوقعتم فيها.

فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها: بالإسلام.

و الضّمير للحفرة، أو للنّار، أو للشّفا. و تأنيثه لتأنيث ما أضيف إليه، أو لأنّه بمعنى: الشّفة، فإنّ شفاء البئر و شفتها طرفها، كالجانب و الجانبة.

و أصله، شفو. فقلبت الواو في المذكّر، و حذف في المؤنّث.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) هكذا في الأصل. و في المصدر: «البر فمن» بدل «من».

(3) المصدر: بها

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) كمال الدين و تمام النعمة/ 230- 231، ح 31.

(6) من المصدر.

(7) ليس في أ.

(8) أنوار التنزيل 1/ 175.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: أولادهم.

189
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 98 الى 103] ص : 180

و في روضة الكافي‏ «1»: عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها بمحمّد هكذا و اللّه نزل بها جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

و بإسناده إلى أبي هارون المكفوف‏ «2»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: كان أبو عبد اللّه- عليه السّلام- إذا ذكر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قال: بأبي و أمّي و قومي و عترتي و عشيرتي، عجب للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها، و اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ. فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها، فبرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أنقذوا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن أبي الحسن عليّ بن محمّد بن ميثم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: أبشروا بأعظم المنن عليكم، قول اللّه تعالى: وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها فالإنقاذ من اللّه هبة، و اللّه لا يرجع في هبته.

و عن محمّد بن سليمان البصريّ الدّيلميّ‏ «4»، عن أبيه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله:] «5» وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها- صلّى اللّه عليه و آله-.

كَذلِكَ‏: مثل ذلك التبيين.

يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ (103): إرادة ثباتكم على الهدى و ازديادكم فيه.

وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ:

«من» للتّبعيض، و «اللّام» للاستغراق، أي: و ليكن بعضكم يدعون بكلّ خير، و يأمرون بكلّ معروف، و ينهون عن كلّ منكر.

وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ (104): المخصوصون بكمال الفلاح، لا حاجة لهم إلى داع يدعوهم إلى الخير و آمر يأمرهم بالمعروف و ناه ينهاهم عن المنكر

______________________________
(1) الكافي 8/ 183، ح 208.

(2) نفس المصدر 8/ 266، ح 388.

(3) تفسير العياشي 1/ 194، ح 125.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 124.

(5) من المصدر.

190
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

و في لفظ «منكم» إشعار بأنّه غير النّبيّ، فيجب من دلالة الآية أن يكون أمّة غير النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- يكون نفسه معصوما و يعلم كلّ خير و كلّ معروف و كلّ منكر، يدعو و يأمر و ينهى.

و في الكافي‏ «1»: علىّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد «2»، عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت أخبرني عن الدّعاء الى اللّه و الجهاد في سبيله، أهو لقوم لا يحلّ إلّا لهم و لا يقوم به إلّا من كان منهم، أم هو مباح لكلّ من وحّد اللّه- عزّ و جلّ- و آمن برسوله- صلّى اللّه عليه و آله- و من كان كذا فله أن يدعو إلى اللّه- عزّ و جلّ- و إلى طاعته و أن يجاهد في سبيله؟

فقال: ذلك لقوم لا يحلّ إلّا لهم، و لا يقوم بذلك إلّا من كان منهم.

قلت: من أولئك؟

قال: من قام بشرائط اللّه في القتال و الجهاد على المجاهدين، فهو المأذون له في الدّعاء إلى اللّه تعالى و من لم يكن قائما بشرائط اللّه في الجهاد على المجاهدين، فليس بمأذون له في الجهاد و لا الدّعاء إلى اللّه، حتّى يحكم في نفسه ما أخذ اللّه عليه من شرائط الجهاد «3»- إلى أن قال- عليه السّلام-: و من كان على خلاف ذلك، فهو ظالم و ليس من المظلومين و ليس بمأذون له في القتال و لا بالنّهي عن المنكر و الأمر بالمعروف، لأنّه ليس من أهل ذلك و لا مأذون له في الدّعاء إلى اللّه- تعالى- لأنّه ليس يجاهد مثله و أمر بدعائه إلى اللّه، و لا يكون مجاهدا من قد أمر المؤمنين بجهاده و حظر الجهاد عليه و منعه منه، و لا يكون داعيا إلى اللّه- تعالى- من أمر بدعاء مثله إلى التّوبة و الحقّ و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و لا يأمر بالمعروف من قد أمر أن يؤمر به و لا ينهى عن المنكر من قد أمر أن ينهى عنه‏ «4».

و في هذا الحديث يقول- عليه السّلام-: ثمّ ذكر من أذن له في الدّعاء إليه بعده و بعد رسوله في كتابه فقال: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ثمّ أخبر عن هذه الأمّة [و ممّن‏] «5» هي، و إنّها من ذرّيّة

______________________________
(1) الكافي 5/ 13- 19، ح 1، مقاطع منه.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «القاسم بن يزيد». ر. رجال النجاشي/ 312، رقم 857.

(3) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص 13.

(4) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص 17- 18.

(5) ليس في أ.

 

191
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

إبراهيم- عليه السّلام- [و من ذرّيّة إسماعيل،] «1» من سكّان الحرم، ممّن لم يعبدوا غير اللّه قطّ، الّذين وجبت لهم الدّعوة دعوة إبراهيم و إسماعيل، من أهل المسجد الّذين أخبر عنهم في كتابه، أنّه أذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا، الّذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمّة محمّد «2»- صلّى اللّه عليه و آله- الّذين عناهم اللّه في قوله‏ «3» أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي‏، يعني: من اتّبعه على الإيمان به و التّصديق له و «4» بما جاء به من عند اللّه تعالى من الأمّة الّتي بعث فيها و منها و إليها قبل الخلق، ممّن لم يشرك باللّه قطّ و لم يلبس إيمانه بظلم، و هو الشّرك‏ «5».

عليّ بن إبراهيم‏ «6»، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏، و سئل عن الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر: أ واجب هو على الأمّة جميعا؟

فقال: لا.

فقيل [له:] «7» و لم؟

قال: إنّما هو على القويّ المطاع، العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضّعيف الّذي لا يهتدي‏ «8» سبيلا إلى أيّ من أي، يقول من الحقّ إلى الباطل‏ «9»، و الدّليل على ذلك كتاب اللّه تعالى قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فهذا خاصّ غير عامّ، كما قال اللّه تعالى‏ «10»: وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى‏ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ.

و لم يقل على أمّة موسى و لا على [كلّ‏] «11» قومه، و هم يومئذ أمم مختلفة و الأمّة واحد «12» فصاعدا، كما قال اللّه تعالى‏ «13»: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ‏ يقول: مطيعا للّه.

و الحديث طويل،

______________________________
(1) ليس في أ.

(2) المصدر: أمّة إبراهيم- عليه السّلام.

(3) يوسف/ 108.

(4) «و» ليس في المصدر.

(5) إلى هنا يوجد في المصدر، في ص 13- 14.

(6) نفس المصدر 5/ 59، ح 16. و للحديث تتمة.

(7) من المصدر.

(8) النسخ: «الضعفة الذين لا يهتدون» بدل «الضعيف الذي لا يهتدى». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: «إلى الحق من الباطل» بدل «من الحق إلى الباطل».

(10) الاعراف/ 159.

(11) من المصدر.

(12) هكذا في ر. و في المصدر و سائر النسخ: واحدة.

(13) النحل/ 130.

192
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ فهذه لآل محمّد و من تابعهم، يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر.

و في كتاب الخصال‏ «2»: عن يعقوب بن يزيد، بإسناده رفعه إلى أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، خلقان من خلق اللّه تعالى فمن نصرهما أعزّه اللّه، و من خذلهما خذله اللّه تعالى.

و في نهج البلاغة «3»: قال- عليه السّلام-: انهوا عن المنكر و تناهوا عنه، فإنّما أمرتم بالنّهي بعد التّناهي.

و فيه‏ «4»: لعن اللّه الآمرين بالمعروف التّاركين له، و النّاهين عن المنكر العاملين به.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: في قوله تعالى: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

قال: في هذه الآية تكفير أهل القبلة بالمعاصي، لأنّه من لم يكن يدعو إلى الخيرات و يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر من المسلمين فليس من الأمة الّتي وصفها اللّه، لأنّكم تزعمون أنّ جميع المسلمين من أمّة محمّد، و قد بدت هذه الآية و قد وصفت أمّة محمّد بالدّعاء إلى الخيرات‏ «6» و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، و من لم يوجد فيه الصّفة الّتي وصفت بها فكيف يكون من الأمّة، و هو على خلاف ما شرطه اللّه على الأمّة و وصفها به؟] و اعلم، أنّ الدّاعي إلى كلّ خير، و الآمر بكلّ معروف، و النّاهي عن كلّ منكر، لا يكون إلّا معصوما و عالما بكلّ خير و معروف و منكر، و يجب وجوده و نصبه في كلّ زمان على اللّه تعالى إذ لا يمكن لأحد العلم بعصمة أحد إلّا من طريق النّصّ، و أمّا الأمر بمعروف علم من الشّرع كونه معروفا، و النّهي عن منكر علم من الشّرع كونه منكرا، فيجب على كلّ من يقدر عليه كفاية.

و في بعض الأخبار السّابقة دلالة عليه.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 108- 109.

(2) الخصال/ 42، ح 32.

(3) نهج البلاغة/ 152، ضمن خطبة 105.

(4) نفس المصدر/ 188، ضمن خطبه 129.

(5) تفسير العياشي 1/ 195، ح 127.

(6) المصدر. «الخير». و هو الظاهر.

193
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

و في التّهذيب‏ «1»: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال‏: لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر و تعاونوا على البرّ [و التّقوى‏] «2»، فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، و سلّط بعضهم على بعض، و لم يكن لهم ناصر في الأرض و لا في السّماء.

و في الكافي و التّهذيب‏ «3»: عن الباقر- عليه السّلام- قال‏: يكون في آخر الزّمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّءون و يتنسّكون، حدثاء سفهاء لا يوجبون أمرا بمعروف و لا نهيا عن منكر، إلّا إذا أمنوا الضّرر يطلبون لأنفسهم الرّخص و المعاذير، يتّبعون زلّات العلماء و فساد علمهم‏ «4»، يقبلون على الصّلاة و الصّيام و ما لا يكلمهم في نفس و لا مال، و لو أخّرت الصلاة بسائر ما يعملون بأموالهم و أبدانهم لرفضوها كما رفضوا أسمى‏ «5» الفرائض و أشرفها.

إنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض. هنالك يتمّ غضب اللّه عليهم فيعمّهم‏ «6» بعقابه، فيهلك الأبرار في دار الفجّار، و الصّغار في دار الكبار. إنّ الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر سبيل الأنبياء و منهاج الصّالحين‏ «7»، فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض و تأمن المذاهب و تحلّ المكاسب و تردّ المظالم و تعمر الأرض و ينتصف من الأعداء و يستقيم الأمر.

فأنكروا بقلوبكم و ألفظوا بألسنتكم و صكّوا بها جباههم و لا تخافوا في اللّه لومة لائم، فإن اتّعظوا و إلى الحقّ رجعوا فلا سبيل عليهم، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏، هنالك فجاهدوهم بأبدانكم و أبغضوهم بقلوبكم، غير طالبين سلطانا و لا باغين مالا و لا مريدين بظلم‏ «8» ظفرا، حتّى يفيئوا إلى أمر اللّه و يمضوا على طاعته.

قال أبو جعفر- عليه السّلام‏ «9»-: و أوحى اللّه إلى شعيب النّبيّ: إنّي معذّب من‏

______________________________
(1) التهذيب 6/ 181، ح 373.

(2) من المصدر.

(3) الكافي 5/ 55، ح 1 و التهذيب 6/ 180، ح 372.

(4) الكافي: عملهم.

(5) التهذيب: أتم.

(6) هكذا في أ، فقط. و في المصدرين و النسختين الأصل ور: فيعمهم. أ: فيعمّيهم.

(7) الكافي: منهاج الصلحاء.

(8) النسخ و التهذيب: «بالظلم». و ما أثبتناه في المتن موافق «الكافي».

(9) «قال أبو جعفر- عليه السّلام-» ليس في الكافي.

 

194
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم، و ستّين ألفا من خيارهم.

فقال: يا ربّ، هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟

فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليه: إنّهم‏ «1» داهنوا أهل المعاصي، و لم يغضبوا لغضبي.

[و في شرح الآيات الباهرة «2»: روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏:

و لتكن منكم أئمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون. صدق اللّه و رسوله، لأنّ هذه الصّفات من صفات الأئمّة- صلوات اللّه عليهم- لأنّهم معصومون، و المعصوم لا يأمر بطاعة إلّا و قد ائتمر بها و لا ينهى عن معصية إلّا و قد انتهى عنها، كما قال أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه و آله-: و اللّه ما أمرتكم بطاعة إلّا و قد ائتمرت بها، و لا نهيتكم عن معصية إلّا و قد انتهيت عنها.] «3»

وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا: كاليهود و النّصارى اختلفوا في التّوحيد و التّنزيه و أحوال الآخرة.

مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ‏: في موضع الحال، من فاعل الفعل السّابق، و هي الآيات و الحجج المبيّنة للحقّ الموجبة للاتّفاق عليه.

و في الآية دلالة على كفر من اختلف و تفرّق عن الحقّ بعد مجي‏ء البيّنة.

و في عطف «اختلفوا» على «تفرّقوا» دلالة على أنّ الاختلاف إذا كان بحيث يوجب التّفرّق، يوجب ذلك لا مطلقا، كاختلاف الشيعة في بعض الفروع.

وَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ‏ (105): وعيد للّذين تفرّقوا، و تهديد على التّشبّه بهم.

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏: نصب بما في «لهم» من معنى الفعل، أو بإضمار «اذكر.» و بياض الوجه و سواده كنايتان عن ظهور بهجة السّرور و كآبة الخوف.

و قيل‏ «4»: يوسم أهل الحقّ ببياض الوجه و الصحيفة و إشراق البشرة و سعي النّور بين يديه و بيمينه، و أهل الباطل بأضداد ذلك. و في الأخبار دلالة على ذلك.

______________________________
(1) ليس في الكافي.

(2) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 42.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) أنوار التنزيل 1/ 176.

195
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ‏، أي: فيقال لهم: أكفرتم.

و الهمزة، للتّوبيخ و التّعجّب من حالهم.

في مجمع البيان‏ «1»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: أنّهم أهل البدع و الأهواء و الآراء الباطلة من هذه الأمّة».

و عن الثّعلبيّ في تفسيره‏ «2»، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: و الّذي نفسي بيده، ليرد «3» عليّ الحوض ممّن صحبني أقوام، حتّى إذا رأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ:

أصحابي أصحابي‏ «4».

فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك‏ «5»، إنّهم ارتدّوا على أعقابهم القهقرى.

فَذُوقُوا الْعَذابَ‏: أمر إهانة.

بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ‏ (106): بسبب كفرهم.

وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ‏، يعني: الجنّة و الثّواب المخلّد.

عبّر عن ذلك بالرّحمة، تنبيها على أنّ المؤمن و إن استغرق عمره في طاعة اللّه لا يدخل الجنّة إلّا برحمته و فضله.

قيل‏ «6»: كان حقّ التّرتيب أن يقدّم ذكرهم، و لكن قصد أن يكون مطلع الكلام و مقطعه حلية المؤمنين و ثوابهم.

هُمْ فِيها خالِدُونَ‏ (107): أخرجه مخرج الاستئناف للتّأكيد، كأنّه قيل:

كيف يكونون فيها؟

فقال: هم فيها خالدون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»: حدّثني أبي، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الجارود، عن عمران بن هيثم، عن مالك بن ضمرة «8»، عن أبي ذرّ- رحمه اللّه- قال‏: لمّا نزلت هذه‏

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 485.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) أ: ليردنّ.

(4) ر: «أصيحابي، أصيحابي» المصدر: «أصحابي، أصحابي، أصحابي».

(5) المصدر: بعد إيمانهم.

(6) أنوار التنزيل 1/ 176.

(7) تفسير القمي 1/ 109.

(8) النسخ: «مالك بن أبي حمزة». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر. ر. تنقيح المقال، من أبواب ميم،

 

196
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏ قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يرد عليّ أمّتي يوم القيامة على خمس رايات:

فراية مع عجل هذه الأمّة فأسألهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه و نبذناه وراء ظهورنا، و أمّا الأصغر فعاديناه و أبغضناه و ظلمناه. فأقول:

ردوا النّار ظلماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع فرعون هذه الأمّة فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟

فيقولون: أمّا الأكبر فحرّفناه و مزّقناه و خالفناه، و أمّا الأصغر فعاديناه و قاتلناه. فأقول:

ردوا النّار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع سامريّ هذه الأمّة، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟

فيقولون: أمّا الأكبر فعصينا «1» و تركناه‏ «2»، و أمّا الأصغر فخذلناه و ضيّعناه‏ «3» [و صنعنا به كلّ قبيح.] «4» فأقول: ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية ذي الثّدية مع أوّل الخوارج و آخرهم، فأسألهم، ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون أمّا الأكبر فمزّقناه‏ «5» و برئنا منه، و أمّا الأصغر فقاتلناه و قتلناه‏ «6». فأقول:

ردوا النّار ظماء مظمئين مسودّة وجوهكم.

ثمّ ترد عليّ راية مع إمام المتّقين و سيدّ الوصيّين‏ «7» و قائد الغرّ المحجّلين و وصيّ رسول ربّ العالمين، فأقول لهم: ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ فيقولون: أمّا الأكبر فاتّبعناه و أطعناه‏ «8»، و أمّا الأصغر فأحببناه و واليناه و وازرناه و نصرناه حتّى أهرقت فيهم‏ «9» دماؤنا.

______________________________
- 2/ 51.

(1) هكذا في المصدر و النسخ. و لعل الصواب: فعصيناه.

(2) هكذا في ر، فقط. و في المصدر و النسختين الآخر: تركنا.

(3) الأصل و أ: فخذلنا و ضيّعنا.

(4) من المصدر.

(5) النسخ: «فمزقنا». المصدر: «ففرقناه» و فيه: (فمزّقناه. ظ.)

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: فقاتلنا و قتلنا.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: سيد المسلمين.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: فاتبعنا و أطعنا.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فحببنا و ولينا و نصرنا حتى أهريقت فيه» بدل «فأحببناه و واليناه و وازرناه و نصرناه حتى أهرقت فيهم».

 

197
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

فأقول: ردوا الجنّة رواء «1» مرويّين مبيضّة وجوهكم. ثمّ تلا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ‏- إلى قوله‏ «2»- خالِدُونَ.

و في روضة الكافي‏ «3»: خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام- و هي خطبة الوسيلة، يقول فيها- عليه السّلام-: و عن يسار الوسيلة عن يسار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ظلّة يأتي منها النّداء: يا أهل الموقف، طوبى لمن أحبّ الوصيّ و آمن بالنّبيّ الأمّيّ، و الّذي له الملك الأعلى لا فاز أحد و لا نال الرّوح و الجنّة إلّا من لقي خالقه بالإخلاص لهما و الاقتداء بنجومهما، فأيقنوا يا أهل ولاية اللّه ببياض وجوهكم و شرف مقعدكم و كرم مآبكم و بفوزكم اليوم على سرر متقابلين، و يا أهل الانحراف و الصّدود عن اللّه- عزّ ذكره- و رسوله و صراطه و أعلام الأزمنة أيقنوا بسواد وجوهكم و غضب ربّكم جزاء بما كنتم تعلمون.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «4»: بإسناده إلى أبي سعيد الخدريّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في حديث طويل، يذكر فيه الوسيلة و منزلة عليّ- عليه السّلام- يقول فيه- صلّى اللّه عليه و آله- فيأتي النّداء من عند اللّه- عزّ و جلّ- يسمع النّبيّين و جميع الخلق: هذا حبيبي محمّد و هذا وليّي عليّ، طوبى لمن أحبّه و ويل لمن أبغضه و كذّب عليه.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد يحبّك إلّا استروح إلى هذا الكلام و ابيضّ وجهه و فرح قلبه، و لا يبقى أحد ممّن عاداك أو نصب لك حربا أو جحد لك حقّا إلّا اسودّ وجهه و اضطربت قدماه.

تِلْكَ آياتُ اللَّهِ‏: الواردة في وعده و وعيده.

نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ‏: متلبّسة بالحقّ، لا شبهة فيها.

وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ‏ (108): إذ يستحيل منه الظّلم، إذ فاعل الظّلم إمّا جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله، و تعالى اللّه عن الجهل و الحاجة.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: ملكا و ملكا و خلقا.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: رواة.

(2) في المصدر ذكر الآية بأكملها بدل «إلى قومه».

(3) الكافي 8/ 25، ضمن حديث 4.

(4) علل الشرائع/ 165، ضمن حديث 6.

198
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

وَ إِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109): فيجازي كلا بما وعده و أوعده.

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ «كان» مجرّدة عن الزّمان، و تعمّ الأزمنة غير متخصّص بالماضي، كقوله تعالى‏ «1»:

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

و قيل‏ «2»: كنتم في علم اللّه، أو في اللّوح المحفوظ، أو فيما بين الأمم المتقدّمين.

أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏: أظهرت لهم، أي: لإشفاعهم. و المراد الأئمّة- عليهم السّلام-.

تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ: استئناف، بيّن به كونهم خبر أمّة. أو خبر ثان «لكنتم» أو حال.

وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏: يتضمّن الإيمان بكلّ ما يجب أن يؤمن به، لأنّ الإيمان به إنّما يحقّ و يعتدّ به إذا حصل الإيمان بكلّ ما أمر أن يؤمن به. و إنّما أخره و حقّه أن يقدّم، لأنّه قصد بذكره الدّلالة على أنّهم أمروا بالمعروف و نهوا عن المنكر، إيمانا باللّه، و تصديقا به، و إظهارا لدينه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام‏ «4»- قال‏: قرأت على‏ «5» أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ‏] «6» فقال: أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: خير أمّة يقتلون أمير المؤمنين و الحسن و الحسين ابني عليّ‏ «7»- عليهم السّلام-؟

فقال القارئ: جعلت فداك، كيف نزلت؟

فقال: نزلت خير أئمّة أخرجت للنّاس [ألا ترى مدح اللّه لهم‏] «8»

______________________________
(1) النساء/ 96 و 100 و 152 و في سائر السور، أيضا، موجود.

(2) أنوار التنزيل 1/ 176.

(3) تفسير القمي 1/ 110.

(4) «عن أبي عبد الله- عليه السلام-» ليس في المصدر.

(5) المصدر: «قرئت عند» بدل «قرأت على». و ما أثبتناه في المتن موافق النسخ.

(6) من المصدر.

(7) «ابني علي» ليس في المصدر.

(8) ليس في أ.

 

199
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 104 الى 110] ص : 190

تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏؟

و روى العيّاشيّ‏ «1» عنه- عليه السّلام- قال‏: في قراءة عليّ- عليه السّلام-:

كنتم خير أئمّة أخرجت للنّاس.

قال: هم آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: أبو بصير عنه- عليه السّلام- قال: قال‏: إنّما نزلت هذه الآية على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- فيه و في الأوصياء خاصّة، فقال: «كنتم خير أئمّة «3» أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر» هكذا و اللّه نزل بها جبرئيل، و ما عنى بها إلّا محمّدا و أوصياءه- عليهم السّلام-.

و عن أبي عمرو الزّبيريّ‏ «4»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه تعالى:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ تَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ.

قال: يعني الأمّة الّتي وجبت لها دعوة إبراهيم- عليه السّلام- فهم الأمّة الّتي بعث اللّه فيها و منها و إليها، و هم الأمّة الوسطى، و هم خير أمّة أخرجت للنّاس.

و في كتاب المناقب لابن شهر آشوب‏ «5»: و قرأ الباقر- عليه السّلام-: أنتم خير أمّة أخرجت للنّاس «بالألف» إلى آخر الآية، نزل بها جبرئيل و ما عنى بها إلّا محمّدا و عليّا و الأوصياء من ولده- عليهم السّلام-.

و الجمع بين الأخبار، بأنّ المراد بأنّ «أئمّة» نزلت، أي: بهذا المعنى نزلت.

قال البيضاويّ‏ «6»: و استدلّ بهذه الآية على أنّ الإجماع حجّة، لأنّها تقتضي كونهم آمرين بكلّ معروف و ناهين عن كلّ منكر، إذ «اللّام» فيهما للاستغراق، فلو أجمعوا على باطل كان أمرهم على خلاف ذلك.

و فيه: أنّه إن أراد أنّ إجماع كلّ الأمّة بحيث لا يشذّ عنه أحد حجّة، فهذا ممّا لا نزاع لأحد فيه، و حجّيّته حينئذ باعتبار دخول المعصوم فيه، إذ لا يخلو كلّ الأمّة عن المعصوم. و إن أراد أنّ إجماع جماعة من الأمّة على شي‏ء حجّة، فإن خصّصهم بمن يكون‏

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 195، ح 128.

(2) تفسير العياشي 1/ 195، ح 129.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: أمّة.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 130.

(5) لم نعثر عليه في المناقب. و لكن نقل عنه في البحار 24/ 155، ح 12.

(6) أنوار التنزيل 1/ 176.

200
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

 

المعصوم داخلا فيهم فلا نزاع أيضا فيه. و إن أراد إجماع جماعة أيّ جماعة كانوا فلا دلالة في الآية عليه، إذ لا دلالة فيها على أنّ كلّ جماعة من الأمّة كلّ ما يأمرون به معروف، إذ كون «اللّام» للاستغراق لا يفيد إلّا أن يأمر به الكلّ معروف و أنّ ما ينهى عنه الكلّ منكر، و لا يفيد أنّ ما يؤمر به كلّ أحد أو كلّ جماعة معروف و أنّ كلّ ما ينهى عنه كلّ أحد أو كلّ جماعة منكر.

وَ لَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ‏: بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و ما جاء به.

لَكانَ خَيْراً لَهُمْ‏: ممّا هم عليه.

مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ‏: كعبد اللّه بن سلام و أصحابه.

وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ‏ (110): المتمرّدون في الكفر. و هذه الجملة معترضة، و لذا لم تعطف على الشّرطيّة قبلها.

لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً‏: أي: ضررا يسيرا، كطعن و تهديد. و هذه أيضا معترضة أخرى، و لم تعطف على الأولى لبعد بينهما، و كون كلّ منهما نوعا آخر من الكلام.

وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ: ينهزموا و لا يضرّوكم بقتل و أسر، ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ‏ (111): ثمّ لا يكون أحد ينصرهم عليكم، أو يدفع بأسكم عنهم.

و قرئ «لا ينصروا» عطف على «يولّوا» على أنّ «ثمّ» للتّراخي في المرتبة، فيكون عدم النّصر مقيّدا بقتالهم‏ «1». و كان الأمر كذلك، إذ كان كذلك حال قريظة و النّضير و بني قينقاع و يهود خيبر.

ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ: تمثيل، أي: أحاطت بهم إحاطة البيت المضروب على أهله.

و الذّلّة، هدر النّفس و المال و الأهل، أو ذلّة التّمسّك بالباطل و الجزية أو كليهما.

أَيْنَما ثُقِفُوا: وجدوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا قال: إنّها نزلت في الّذين غصبوا حقوق آل محمّد- عليهم السّلام-.

إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ‏: استثناء من أعمّ عامّ الأحوال، أي:

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 177.

(2) لم نعثر عليه في تفسير القمي. و لكن في تأويل الآيات الباهرة (مخطوط، ص 44) نقل عنه.

 

201
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

ضربت عليهم الذّلّة في عامّة الأحوال، إلّا في حال اعتصامهم أو تلبّسهم بحبل اللّه و حبل من النّاس.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن يونس بن عبد الرّحمن، عن عدّة من أصحابنا رفعوه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ‏.

قال: الحبل من اللّه كتاب اللّه، و الحبل من النّاس [هو] «2» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و في كتاب نهج الإمامة «3»: روى أبو عبد اللّه الحسين بن جبير- صاحب كتاب النّخب‏ «4»- حديثا مسندا إلى أبي جعفر الباقر- عليه السّلام- في قوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ.

قال: حبل من اللّه كتاب اللّه، و حبل من النّاس عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ‏: رجعوا به، مستوجبين له.

وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ: و اليهود في غالب الأمر مساكين فقراء.

ذلِكَ‏، أي: عدم إيمانهم المشار إليه بقوله: وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ‏، العلّة لضرب الذّلّة و المسكنة عليهم.

و قيل‏ «5»: إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذّلّة و المسكنة و البوء بالغضب.

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 196، ح 131.

(2) من المصدر.

(3) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 44.

و «نهج الامامة» هذا هو «نهج الايمان» في الامامة و المناقب، للشيخ علي بن يوسف الشهير بابن جبير و سبط ابن جبير. رتّبه في 48 فصلا. جمعه المؤلّف من ألف كتاب كما صرّح به في أوّله. و ابن جبير هذا حفيد ابن جبير صاحب «نخب المناقب». (ر. الذريعة 24/ 411)

(4) «نخب المناقب لآل أبي طالب» منتخب من «مناقب آل أبي طالب» تصنيف محمد بن علي بن شهر آشوب. و الناخب هو أبو عبد اللّه الحسين بن جبير تلميذ نجيب الدين علي بن فرج الذي كان تلميذ ابن شهر آشوب المؤلف. و ابن جبير هذا هو جدّ علىّ بن يوسف المعروف بسبط ابن جبير و مؤلّف «نهج الإيمان»، و الذي ينقل في عدّة فصول منه عن كتاب جدّه «نخب المناقب» هذا مصرّحا بأنّ مؤلفه جده. (ر. الذريعة 24/ 88)

(5) أنوار التنزيل 1/ 177.

202
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ‏، أي: اعتياد سابقهم صار سببا لذلك الآن.

وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ‏: و التّقيّد به، مع أنّه لا يكون إلّا كذلك، للدّلالة على أنّه لم يكن حقّا بحسب اعتقادهم أيضا. أو للدّلالة على أنّ القتل إنّما يكون قبيحا إذا كان بغير حقّ، و لو كان بالحقّ و على الحقّ فليس بقبيح، و لو فرض قتل النّبيّ بهذه الصّفة لإزالة ما يختلج في صدورهم من قتل النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- النّاس على اتباع الحقّ.

ذلِكَ‏: أي: الكفر و القتل، بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ‏ (112): بسبب عصيانهم و اعتدائهم حدود اللّه. فإنّ الإصرار على الصّغائر يقضي إلى الكبائر، و الاستمرار عليها يؤدّي إلى الكفر.

و قيل‏ «1»: إنّ معناه: أنّ ضرب الذّلّة في الدّنيا و استيجاب العذاب‏ «2» في الآخرة كما هو مسبب‏ «3» بكفرهم و قتلهم، فهو مسبّب عن عصيانهم و اعتدائهم، من حيث أنّهم مخاطبون بالفروع، أيضا.

و في أصول الكافي‏ «4»: يونس، عن ابن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و تلا هذه الآية: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ‏ (الآية «5»).

قال: و اللّه ما قتلوهم بأيديهم و لا ضربوهم بأسيافهم، و لكنّهم سمعوا أحاديثهم فأذاعوها، فأخذوا عليها فقتلوا، فصار [قتلا و] «6» اعتداء و معصية.

لَيْسُوا سَواءً: في المساءة و الحسنة. و الضمير لأهل الكتاب‏ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ: استئناف لبيان نفي الاستواء.

و القائمة: المستقيمة العادلة. من أقمت العود، فقام. و هم الّذين أسلموا منهم، و وضع المظهر موضع المضمر تنبيها على أنّ كونهم من أهل الكتاب لا يصير سبب ما صيّروه سببا له، بل سبب الانقياد و الإسلام كما فعله أضرابهم.

يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَ هُمْ يَسْجُدُونَ‏ (113): يتلون القرآن في تهجّدهم، عبّر عنه بالتّلاوة في ساعات اللّيل مع السّجود ليكون أبين و أبلغ في المدح.

و قيل‏ «7»: المراد صلاة العشاء، لأنّ أهل الكتاب لا يصلّونها.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) المصدر: الغضب.

(3) المصدر: معلّل.

(4) الكافي 2/ 371، ح 6.

(5) ذكر في المصدر الآية بطولها بدل (الآية)

(6) من المصدر.

(7) أنوار التنزيل 1/ 177.

203
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

و في كتاب الخصال‏ «1»: عن سالم، عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لا حسد إلّا في اثنين: رجل أتاه اللّه مالا فهو ينفق منه آناء اللّيل و أطراف‏ «2» النّهار، و رجل أتاه اللّه القرآن فهو يقوم [به‏] «3» آناء اللّيل و آناء النّهار.

يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ‏: صفات أخر «لأمّة» وصفهم بصفات ليست في اليهود. فإنهم منحرفون عن الحقّ، غير متعبّدين باللّيل، مشركون باللّه، ملحدون في صفاته، واصفون اليوم الآخر بخلاف صفته، مداهنون في الاحتساب، متباطئون في الخيرات.

وَ أُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ (114)، أي: الموصوفون بتلك الصّفات ممّن صلحت أحوالهم عند اللّه، و استحقّوا رضاه و ثناءه.

وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ‏: فلن يضيع، و لا ينقص ثوابه. سمّي ذلك كفرانا، كما سمّي توفية الثّواب شكرا. و تعديته إلى المفعولين لتضمّنه معنى الحرمان.

و قرأ حفص و حمزة و الكسائيّ‏ وَ ما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ‏ بالياء، و الباقون بالتّاء «4».

و في كتاب علل الشّرائع‏ «5»، بإسناده إلى أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ، بإسناده يرفعه إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: إنّ المؤمن مكفر، و ذلك أنّ معروفه يصعد إلى اللّه فلا ينتشر في النّاس، و الكافر مشهور و ذلك أنّ معروفه للنّاس ينتشر في النّاس و لا يصعد إلى السّماء.

و بإسناده إلى السّكونيّ‏ «6»، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يد اللّه- عزّ و جلّ- فوق رؤوس المكفرين ترفرف بالرّحمة.

أخبرني عليّ بن حاتم‏ «7» قال: حدّثنا أحمد بن محمّد قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل قال: حدّثني الحسين بن موسى، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّه عن‏

______________________________
(1) الخصال/ 76، ح 119.

(2) المصدر: آناء.

(3) من المصدر.

(4) أنوار التنزيل 1/ 178.

(5) علل الشرائع/ 560، ح 1.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 2.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

 

204
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن على بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال‏: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مكفرا لا يشكر معروفه‏ «1»، و لقد كان معروفه على القرشيّ و العربىّ و العجميّ، و من كان أعظم معروفا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- على هذا الخلق، و كذلك نحن أهل [البيت‏] «2» مكفرون لا يشكر معروفنا «3»، و خيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم.

فما في الآية من أنّ ما تفعلوا من خير فلن تكفروه، بمعنى، ترك الجزاء على الخير كما بيّن، و إلّا فالخير من المؤمنين مكفر كما في الخبر.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ‏ (115): بشارة لهم، و إشعار بأنّ التّقوى مبدأ الخير و حسن العمل.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً: من النّفع، أو شيئا من الغناء. و هو بالفتح، بمعنى: النّفع. فيكون مصدرا.

و قيل‏ «4»: من العذاب، و هو يصحّ بتضمين معنى الإبعاد.

وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ: ملازموها.

هُمْ فِيها خالِدُونَ‏ (116): وعيد لهم.

مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ‏: ما ينفق الكفرة قربة، أو مفاخرة و سمعة. و المنافقون رياء، و خوفا.

فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا، أي: لأجلها، كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ: برد شديد و الشّائع إطلاقه للرّيح الباردة كالصّرصر. فهو في الأصل مصدر نعت به، أو نعت وصف به البرد للمبالغة، كقولك: برد بارد.

أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏: بالكفر و المعاصي.

فَأَهْلَكَتْهُ‏: عقوبة لهم، لأنّ إهلاك من سخط أشدّ. و المراد تشبيه ما أنفقوا في ضياعه، بحرث كفّار ضربته صرّ فاستأصلته، و لم يبق لهم منفعة في الدّنيا و الآخرة. و هو من التّشبيه المركّب، و لذلك لم يبال بإيلاء كلمة التّشبيه بالرّيح دون الحرث. و يجوز أن يقدّر، كمثل مهلك ريح، و هو الحرث.

______________________________
(1) المصدر: معروف.

(2) من المصدر.

(3) المصدر: «لا يشكروننا» بدل «لا يشكر معروفنا».

(4) أنوار التنزيل 1/ 178.

205
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ‏، كانوا، أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏ (117)، أي: ما ظلم المنفقين بضياع نفقاتهم، و لكنّهم ظلموا [أنفسهم لمّا لم ينفقوها بحيث يعتدّ بها. أو ما ظلم أصحاب الحرث بإهلاكه، و لكنّهم ظلموا] «1» أنفسهم بارتكاب ما استحقّوا به العقوبة. أو ما ظلم المنفقين و أصحاب الحرث كليهما، و لكنّهم ظلموا أنفسهم.

و قرئ: و لكنّ، أي: و لكنّ أنفسهم يظلمونها. و لا يجوز أن يقدّر ضمير الشّأن، لأنّه لا يحذف إلّا في الشّعر، كقوله:

و لكنّ من يبصر جفونك يعشق‏ «2»

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً: وليجة، و هو الّذي يعرّفه الرّجل أسراره ثقة به. شبّه ببطانة الثّوب، كما شبّه بالشّعار

في قوله- عليه السّلام-: الأنصار و النّاس دثار.

مِنْ دُونِكُمْ‏: من دون المسلمين. و هو متعلّق «بلا تتّخذوا» أو بمحذوف هو صفة بطانة: أي: بطانة كائنة من دونكم. أو حالا عن بطانة إن جوّز تنكير ذي الحال.

لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا، أي: لا يقصّرون لكم في الفساد.

و الألو، التّقصير. و أصله أن يعدّى بالحرف، ثمّ عدّي إلى مفعولين، كقوله: لا آلوك نصحا. على تضمين معنى المنع، أو النّقص.

وَدُّوا ما عَنِتُّمْ‏: تمنّوا عنتكم، و هو شدّة الضّرّ و المشقّة. و «ما» مصدريّة.

قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ‏، أي: في كلامهم، لأنّهم لا يتمالكون أنفسهم لفرط بعضهم.

وَ ما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ مما بدا لأنّ بدوه ليس عن رؤية و اختيار قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ‏ الدّالّة على وجوب الإخلاص و هو موالاة المؤمنين و معاداة الكافرين.

إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ‏ (118): ما بيّن لكم، أو كنتم من أهل العقل و الفهم.

و الجمل الأربع مستأنفات على التّعليل، و يجوز أن يكون الثّلاث الأوّل صفات «لبطانة». و حينئذ فالأنسب أن تكون الرّابعة حالا من الضّمير المضاف إليه «للأفواه‏ «3»».

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين فقط في أ.

(2) أنوار التنزيل 1/ 178.

(3) كذا في النسخ و لعلّ الصواب: لأفواه.

206
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ‏، أي: أنتم أولاء الخاطئون‏ «1» في موالاة الكفّار، و تحبّونهم و لا يحبّونكم. بيان لخطأهم في موالاتهم، أو هو خبر ثان، أو خبر «لأولاء» و الجملة خبر «أنتم» كقولك: أنت زيد تحبّه. أو صلته، أو حال و العامل فيها معنى الإشارة.

و يجوز أن ينتصب بفعل يفسّره ما بعده، و تكون الجملة خبرا.

وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ‏: بجنس الكتاب، كُلِّهِ‏: كتابكم و كتابهم، معطوف على ما قبله.

و قيل‏ «2»: حال من «لا يحبّونكم» و المعنى: أنّهم لا يحبّونكم و الحال أنّكم تؤمنون‏ «3»، بكتابهم أيضا [فما بالكم تحبّونهم و هم لا يؤمنون بكتابكم؟ و فيه توبيخ، بأنّهم في باطلهم أصلب منكم في حقّكم. و يحتمل أن يكون المعنى- و اللّه أعلم- أنّكم تؤمنون بالكتاب كلّه، و هم ليسوا بمؤمنين بكتابهم أيضا] «4» فضلا عن كتابكم، فهذا منشأ العداوة في الدّين لا المحبّة، فلم تحبّونهم؟

وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا: نفاقا و تغريرا.

وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ: من أجل الغيظ، تأسفا و تحسّرا، حيث رأوا ائتلافكم و اجتماع كلمتكم، و لم يجدوا إلى التّشفّي سبيلا.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: قوله: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ.

قال: أطراف الأصابع.] «6» قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ‏: دعاء عليهم بدوام الغيظ و زيادته بتضاعف قوّة الإسلام و أهله، حتّى يهلكوا به.

إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (119): من خير أو شرّ، فيعلم ما في صدورهم من البغضاء و الحنق. و هو يحتمل أن يكون من المقول، أي، و قل لهم: إنّ اللّه عليم بما هو أخفى ممّا تخفونه من عضّ الأنامل غيظا. و أن يكون خارجا عنه، بمعنى: قل لهم ذلك،

______________________________
(1) ر: لغطائهم.

(2) أنوار التنزيل 1/ 179.

(3) يوجد في أبعد هذه الكلمة: بالكتاب كله و هم ليسوا بمؤمنين.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) تفسير القمي 1/ 110.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

207
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

و لا تتعجّب من اطلاعي إيّاك على أسرارهم، فإنّي عليم بالأخفى من ضمائرهم.

و ذات الصّدور، الصّور العلميّة المتمكّنة في الصّدور. و المراد بالصّدور، محلّ العلوم.

إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ: نعمة، من إلفة أو ظفر على الأعداء، تَسُؤْهُمْ‏:

و المسّ، مستعار للإصابة.

وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ: محنة، من فرقة أو إصابة عدو منكم، يَفْرَحُوا بِها: لتناهي عداوتهم.

وَ إِنْ تَصْبِرُوا: على عداوتهم، أو على مشاقّ التّكاليف، وَ تَتَّقُوا: موالاتهم، أو ما حرّم اللّه عليكم، لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً: لما وعد اللّه الصّابرين و المتّقين الصّبر. و ضمة الرّاء، للاتّباع.

و قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و يعقوب «لا يضركم» من ضاره يضيره‏ «1» إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ‏: من الصّبر و التّقوى، و غيرها.

مُحِيطٌ (120): بعلمه و قدرته، فمجازيكم بما أنتم أهله.

و قرئ بالياء، أي: بما يعملون في عداوتكم عالم فيعاقبهم عليه‏ «2».

وَ إِذْ غَدَوْتَ‏، أي: و اذكر إذ غدوت. من غدا عليه، بكر.

مِنْ أَهْلِكَ‏ قيل‏ «3»: من حجرة عائشة.

تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ‏: تنزلهم، أو تسوّي و تهيّئ لهم. و يؤيّده القراءة «بالّلام».

مَقاعِدَ لِلْقِتالِ‏: مواقف و أماكن له. و قد يستعمل المقعد و المقام بمعنى، المكان على الاتّساع. و إذا استعمل في أماكن الحرب، أريد به الإشارة إلى وجوب الثّبات فيها.

وَ اللَّهُ سَمِيعٌ‏: لأقوالكم، عَلِيمٌ‏ (121): بنيّاتكم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: قال: حدّثني أبي، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 179.

2 و 3- نفس المصدر و الموضع.

(4) تفسير القمي 1/ 110.

 

208
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سبب نزول هذه الآية، أن قريشا خرجت من مكّة تريد «1» حرب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فخرج يبغي‏ «2» موضعا للقتال.

و في مجمع البيان‏ «3»: [عن عليّ بن إبراهيم‏] «4» عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [أنّه‏] «5» قال‏: كان سبب غزاة «6» أحد، أنّ قريشا لمّا رجعت من بدر إلى مكّة، و قد أصابهم ما أصابهم من القتل و الأسر، لأنّه قتل منهم سبعون و أسر منهم‏ «7» سبعون، قال أبو سفيان: يا معشر قريش لا تدعوا نساءكم يبكين‏ «8» على قتلاكم، فإنّ الدّمعة إذا خرجت أذهبت الحزن و الحرقة «9» و العداوة لمحمّد [و يشمت بنا محمّد و أصحابه.] «10» فلمّا غزوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يوم أحد، أذنوا لنسائهم بالبكاء و النّوح‏ «11». و خرجوا من مكّة في ثلاثة آلاف فارس و ألفي راجل، و أخرجوا معهم النّساء [يذكرنهم و يحثثنهم على حرب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و أخرج أبو سفيان هند بنت عتبة، و خرجت معهم عمرة بنت علقمة الحارثيّة] «12» فلمّا بلغ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ذلك جمع أصحابه و حثّهم على الجهاد.

فقال: عبد اللّه بن‏ «13» أبيّ و قومه: يا رسول اللّه، لا نخرج من المدينة حتّى نقاتل في أزقّتها، فيقاتل‏ «14» الرّجل الضّعيف و المرأة و العبد و الأمة على أفواه السّكك و على السّطوح، فما أرادنا «15» قوم قطّ فظفروا بنا و نحن في حصوننا و دروبنا «16»، و ما خرجنا على عدونا «17» قطّ إلّا

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: يريدون.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «يبتغي» بدل «فخرج يبغي».

(3) مجمع البيان 1/ 495- 497.

(4) ليس في المصدر.

(5) من المصدر.

(6) المصدر: غزوة.

(7) ليس في المصدر.

(8) المصدر: تبكين.

9 و 10- ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(11) يوجد في النسخ بعد هذه العبارة: «فلمّا أرادوا أن يغزوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى أحد، ساروا في خلفائهم من كنانة و غيرها و جمعوا المجموع و السلاح». و هي ليست في المصدر. و الظاهر هي زائدة.

(12) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(13) المصدر: عبد اللّه بن أبي سلول.

(14) المصدر: فتقاتل.

(15) المصدر: أرادها.

(16) هكذا في المصدر. و في النسخ: دورنا.

(17) المصدر: «إلى عدوّلنا» بدل «على عدوّنا».

 

209
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

كان الظّفر لهم علينا.

فقام سعد بن معاذ «1» و غيره من الأوس فقالوا: يا رسول اللّه، ما طمع فينا أحد من العرب و نحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يطمعون‏ «2» فينا و أنت فينا؟! لا حتّى نخرج إليهم و نقاتلهم، فمن قتل منّا كان شهيدا، و من نجا منّا كان مجاهدا «3» في سبيل اللّه. فقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- رأيه، و خرج مع نفر من أصحابه يتبوّؤن موضع القتال كما قال سبحانه: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ‏ (الآية) و قعد عنه عبد اللّه بن‏ «4» أبيّ و جماعة من الخزرج اتّبعوا «5» رأيه.

و وافت قريش إلى أحد، و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عبّا أصحابه، و كانوا سبعمائة رجل، فوضع عبد اللّه بن جبير في خمسين من الرّماة على باب الشّعب، و أشفق أن يأتيهم‏ «6» كمينهم من ذلك المكان، فقال- صلّى اللّه عليه و آله- لعبد اللّه بن جبير و أصحابه: إن رأيتمونا قد هزمنا هم حتّى أدخلناهم مكّة فلا تبرحوا من هذا المكان، و إن رأيتموهم قد هزمونا حتّى أدخلونا المدينة فلا تبرجوا و الزموا مراكزكم.

و وضع أبو سفيان خالد بن الوليد في مأتي فارس كمينا، و قال [له‏] «7» إذا رأيتمونا قد اختلطنا [بهم‏] «8» فاخرجوا عليهم من هذا الشّعب حتّى تكونوا وراءهم‏ «9».

و عبّأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أصحابه، و دفع الرّاية إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- فحمل الأنصار على مشركي قريش فانهزموا هزيمة قبيحة، و وقع‏ «10» اصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في سوادهم، و انحطّ خالد بن الوليد في مأتى فارس على عبد اللّه بن جبير، فاستقبلوهم بالسّهام فرجع.

و نظر أصحاب عبد اللّه بن جبير إلى أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ينتهبون‏ «11» سواد القوم، فقالوا لعبد اللّه بن جبير: قد غنم أصحابنا و نبقى نحن بلا غنيمة؟

______________________________
(1) المصدر: سعيد بن معاذ.

(2) أ: يظفرون.

(3) المصدر: قد جاهد.

(4) المصدر: عبد اللّه بن أبي سلول.

(5) هكذا في المصدر: و في النسخ: ابتغوا.

(6) المصدر: أن يأتي.

7 و 8- ليس في المصدر.

(9) يوجد في النسخ بعد هذه العبارة: فلمّا أقبلت الخيل و اصطفوا.

(10) المصدر: وضع.

(11) هكذا في المصدر. و في النسخ: ينهبون.

 

210
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

فقال عبد اللّه: اتقوا اللّه، فإنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قد تقدّم إلينا ألّا نبرح، فلم يقبلوا منه، و أقبلوا ينسلّ رجل فرجل حتّى أخلوا مراكزهم، و بقي عبد اللّه بن جبير في اثني عشر رجلا.

و كانت راية قريش مع طلحة بن أبي طلحة العبديّ من بني عبد الدّار، فقتله عليّ- عليه السّلام- فأخذ الرّاية أبو سعيد بن أبي طلحه، فقتله علي- عليه السّلام- و سقطت الرّاية، فأخذها مشافع بن [أبي‏] «1» طلحة، فقتله، حتّى قتل تسعة [نفر] «2» من بني عبد الدّار، حتّى صار لواؤهم إلى عبد لهم أسود يقال له: صواب‏ «3»، فانتهى إليه عليّ- عليه السّلام- فقطع يده [اليمنى،] «4» فأخذ اللّواء «5» باليسرى، فضرب يسراه فقطعها، فاعتنقها بالجذماوين إلى صدره، ثمّ التفت إلى أبي سفيان فقال: هل أعذرت‏ «6» في بني عبد الدّار؟ فضربه عليّ- عليه السّلام- على رأسه فقتله، فسقط اللّواء، فأخذتها عمرة «7» بنت علقمة الكنانيّة «8» فرفعتها.

و انحطّ خالد بن الوليد على عبد اللّه بن جبير، و قد فرّ «9» أصحابه و بقي في نفر قليل، فقتلهم على باب الشّعب، ثمّ أتى المسلمين من أدبارهم، و نظرت قريش في هزيمتها إلى الرّاية قد رفعت، فلاذوا بها، و انهزم أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- هزيمة عظيمة «10»، و أقبلوا يصعدون في الجبال و في كلّ وجه. فلمّا رأى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- الهزيمة كشف البيضة عن رأسه، و قال: إليّ، أنا رسول اللّه، إلى أين تفرّون عن اللّه و عن رسوله؟

قال: و كانت هند بنت عتبة في وسط العسكر، فكلّما انهزم رجل من قريش دفعت إليه ميلا و مكحلة، و قالت: إنّما أنت امرأة فاكتحل بهذا.

و كان حمزة بن عبد المطلب يحمل على القوم، فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له أحد،

______________________________
1 و 2- من المصدر.

(3) المصدر: الثواب.

(4) من المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: الرأية.

(6) المصدر: غدرت.

(7) المصدر: «غمرة» و هو وهم‏

(8) كذا في المصدر و النسخ. و في بداية الرواية ذكر لقب «عمرة» بالحارثية. و هو الصواب. ر. اعلام النساء لكحالة 3/ 357.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: فرقوا.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: غريمة.

 

211
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 111 الى 121] ص : 201

و كانت هند قد أعطت وحشيّا عهدا، لئن قتلت محمّدا أو عليّا أو حمزة لأعطينّك كذا و كذا، و كان وحشيّ عبدا لجبير بن مطعم حبشيّا، فقال وحشيّ: أمّا محمّد فلا أقدر عليه، و أمّا عليّ فرأيته حذرا كثيرا لالتفات فلا مطمع فيه، فكمنت لحمزة.

قال: فرأيته يهذّ النّاس هذّا، فمرّبي فوطئ على جرف نهر فسقط، فأخذت حربتي فهززتها و رميته بها، فوقعت في خاصرته و خرجت من ثنّته، فسقط فأتيته فشققت بطنه، فأخذت كبده و جئت به إلى هند، فقلت: هذا كبد حمزة، فأخذتها [في فمها] «1» فلاكتها، فجعلها «2» اللّه في فمها مثل الدّاغصة- و هي عظم رأس الرّكبة- فلفظتها و رمت بها.

قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: فبعث اللّه ملكا فحمله و ردّه إلى موضعه.

قال: فجاءت إليه فقطعت مذاكيره و قطعت أذنيه و قطعت يده و رجله، و لم يبق مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلّا أبو دجانة سماك بن خرشة و علي- عليه السّلام- فكلّما حملت طائفة على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- استقبلهم عليّ- عليه السّلام- فدفعهم عنه حتّى تقطّع‏ «3» سيفه، فدفع إليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- سيفه ذا الفقار و انحاز رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى ناحية أحد فوقف، و كان القتال من وجه واحد، فلم يزل عليّ- عليه السّلام- يقاتلهم حتّى أصابه في وجهه و رأسه و يديه و بطنه و رجليه سبعون جراحة.

قال‏ «4»: فقال جبرائيل- عليه السّلام-: إنّ هذه لهي المواساة، يا محمّد.

فقال له‏ «5»: إنّه منّي و أنا منه‏ «6».

و قال الصّادق- عليه السّلام-: نظر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى جبرائيل بين السّماء و الأرض على كرسيّ من ذهب، و هو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلّا عليّ.

و روي: أنّ سبب انهزامهم نداء إبليس فيهم: إنّ محمّدا قد قتل. و كان النّبيّ‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) المصدر: فجعله.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: انقطع.

(4) المصدر: «كذا أورده عليّ بن إبراهيم في تفسيره» بدل «قال»

(5) المصدر: محمد [صلّى اللّه عليه و آله‏].

(6) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة: «فقال جبرائيل. و أنا منكما».

 

212
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

 

- صلّى اللّه عليه و آله- في زحام النّاس و كانوا لا يرونه.

إِذْ هَمَّتْ‏: متعلّق بقوله: سميع عليم. أو بدل من «إذ غدوت.» طائِفَتانِ مِنْكُمْ‏:

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»، يعني: عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه و قومه‏ «2».

قال البيضاويّ‏ «3»: هما بنو سلمة من الخزرج و بنو حارثة من الأوس، و كانا جناحي العسكر.

و في مجمع البيان‏ «4»: عنهما- عليهما السّلام-: هما بنو سلمة و بنو حارثة، حيّان من الأنصار.

أَنْ تَفْشَلا: أن تجبنا و تضعفا.

قيل‏ «5»: روي أنّه- عليه السّلام- خرج في زهاء ألف فارس و وعدهم‏ «6» النّصران صبروا، فلمّا بلغوا الشّوط انخزل ابن أبيّ في ثلاثمائة و قال: علام نقتل أنفسنا و أولادنا؟

فتبعهم عمرو بن حزم الأنصاريّ و قال: أنشدكم [اللّه و الإسلام‏] «7» في نبيّكم و أنفسكم.

فقال ابن أبيّ: لو نعلم قتالا لا تّبعناكم. فهمّ الحيّان باتّباعه فعصمهم اللّه، فمضوا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ قال ذلك القائل: و الظّاهر انه ما كانت عزيمة لقوله:

وَ اللَّهُ وَلِيُّهُما، أي: عاصمهما من اتّباع تلك الخطرة.

قال: و يجوز أن يراد: و اللّه وليّهما فما لهما يفشلان.

و في الرّواية الّتي قدّمناها ما ينافي ذلك، من أنّ عبد اللّه بن أبيّ قعد عنه و جماعة من الخزرج اتّبعوا رأيه.

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ (122): فليعتمدوا عليه في الكفاية لا على غيره، لينصرهم كما نصرهم ببدر.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 111.

(2) «و قومه» ليس في المصدر.

(3) أنوار التنزيل 1/ 180.

(4) مجمع البيان 1/ 495.

(5) أنوار التنزيل 1/ 180.

(6) المصدر: «الف رجل و وعد لهم» بدل «الف فارس و وعدهم».

(7) من المصدر.

 

213
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ: تذكير ببعض ما أفادهم التّوكّل.

و بدر، اسم ماء- بين مكّة و المدينة- كان لرجل يسمّى بدرا، فسمّى به.

وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ: حال من المفعول. و إنّما قال: أذلّة، دون دلائل، ليدلّ على قلّتهم مع ذلّتهم لضعف الحال و قلّة المراكب و السّلاح.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما كانوا أذلّة و فيهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و إنّما نزل: و لقد نصركم اللّه ببدر و أنتم الضّعفاء.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن أبي بصير قال‏: قرأت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام-:

وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ.

فقال: [مه‏] «3» ليس هكذا أنزلها اللّه، إنّما أنزلت: و أنتم قليل.

[و فيه‏ «4»: عن ربعي بن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قرأ: «و لقد نصركم اللّه ببدر و أنتم ضعفاء» و ما كانوا أذلّة و رسول اللّه فيهم عليه و آله السّلام.] «5»

و في رواية «6»: ما أذلّ اللّه رسوله قطّ، و إنّما أنزلت و أنتم قليل.

و معنى هذه الأخبار، أنّ الآية ما أنزلها اللّه بمعنى أنتم أذلّة في الواقع، بل بهذا المعنى. و الأخبار الّتي دلّت على أنّ عدّتهم كانت ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا قد مرّت.

فَاتَّقُوا اللَّهَ‏: في الثّبات، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ (123): ما أنعم به عليكم، إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ‏: ظرف لنصركم الله.

و قيل‏ «7»: بدل ثان من «إذ غدوت» على أنّ قوله لهم ذلك يوم أحد، و كان مع اشتراط الصّبر و التّقوى عن المخالفة، فلمّا لم يصبروا عن الغنائم و خالفوا أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لم تنزل الملائكة.

أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ‏ (124):

إنكار أن لا يكفيكم ذلك. و إنّما جي‏ء «بلن» إشعارا بأنّهم كانوا كالآئسين من النّصر،

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 122.

(2) تفسير العياشي 1/ 196، ح 133.

(3) من المصدر.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 135.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 134.

(7) أنوار التنزيل 1/ 180.

214
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

لضعفهم و قلّتهم و قوّة العدوّ و كثرتهم.

و قرأ ابن عامر «منزّلين» بالتّشديد للتّكثير، أو للتّدريج‏ «1».

قيل‏ «2»: أمدّهم اللّه يوم بدر أوّلا بألف من الملائكة، ثمّ صاروا ثلاثة آلاف، ثمّ صاروا خمسة آلاف.

بَلى‏: إيجاب لما بعد «لن» أي: بلى يكفيكم. ثمّ وعد لهم الزّيادة على الصّبر و التّقوى، حثّا عليهما، و تقوية لقلوبهم فقال:

إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ‏: أي: المشركون.

مِنْ فَوْرِهِمْ هذا: من ساعتهم هذه. و هو في الأصل مصدر فارت القدر، إذا غلت. فاستعير للسّرعة، ثمّ أطلق للحال الّتي لا ريب فيها و لا تراخي، أي: أن يأتي المشركون في الحال.

يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ: بلا تراخ و تأخير، مُسَوِّمِينَ‏ (125): معلّمين. من التّسويم الّذي هو إظهار سيماء الشي‏ء. أو مرسلين، من التّسويم، بمعنى: الإسامة.

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و عاصم و يعقوب، بكسر الواو «3».

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: كانت على الملائكة العمائم البيض المرسلة يوم بدر.

و عن ضريس بن عبد الملك‏ «5»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ الملائكة الّذين نصروا محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- يوم بدر في الأرض ما صعدوا بعد، و لا يصعدون حتّى ينصروا صاحب هذا الأمر، و هم خمسة آلاف.

وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ‏: و ما جعل إمدادكم بالملائكة، إِلَّا بُشْرى‏ لَكُمْ‏: إلّا بشارة لكم بالنّصر.

وَ لِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ‏: و لتسكن إليه من الخوف.

وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏: لا من العدّة و العدّة و فيه تنبيه على أنّه لا حاجة إلى‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) نفس المصدر 1/ 181.

(4) تفسير العياشي 1/ 196، ح 136.

(5) نفس المصدر 1/ 197، ح 138.

215
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

مدد، إنّما أمدّهم و أعدّ لهم، بشارة لهم و ربطا على قلوبهم من حيث أنّ نظر العامّة إلى الأسباب أكثر، و حثّا على أن لا يبالوا بمن تأخّر عنهم.

الْعَزِيزِ: الّذي لا يغالب في أقضيته.

الْحَكِيمِ‏ (126): الّذي ينصر و يخذل على مقتضى الحكمة و المصلحة.

لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا: متعلّق «بنصركم» أو «و ما النّصر» إن كان اللام فيه للعهد، و المعنى: لينقص منهم بقتل سبعين و أسر سبعين من صناديدهم.

أَوْ يَكْبِتَهُمْ‏: أو يخزيهم. و الكبت، شدّة غيظ، أو وهن يقع في القلب. و «أو» للتّنويع. دون التّرديد.

فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ‏ (127): فينهزموا منقطعي الآمال.

لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ: جملة معترضة.

أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ‏:

إمّا عطف على «يكبتهم»، و المعنى: أنّ اللّه مالك أمرهم، فإمّا أن يهلكهم أو يكبتهم، أو يتوب عليهم إن أسلموا، أو يعذّبهم إن أصرّوا، و ليس لك من أمرهم شي‏ء و إنّما أنت عبد مأمور لإنذارهم و جهادهم.

أو معطوف على «الأمر» أو «شي‏ء» بإضمار «أن»، أي: ليس لك من أمرهم أو من التّوبة عليهم أو من تعذيبهم، شي‏ء. أو ليس لك من أمرهم شي‏ء، أو التّوبة عليهم، أو تعذيبهم.

و يحتمل أن يكون «أو» بمعنى «الا أن»، أي: ليس لك من أمرهم شي‏ء إلّا أن يتوب اللّه عليهم فتسرّ به، أو يعذّبهم فتتشفّى منهم.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1» عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قرأ: ليس لك من الأمر شي‏ء إن يتب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون.

و فيه‏ «2»: عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قرا: أن تتوب عليهم أو تعذّبهم‏

، بالتاء فيهما.

و على هذا يكون «أن» بتأويل المصدر، بدلا عن شي‏ء فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ‏ (128): قد استحقّوا العذاب بظلمهم.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن جابر الجعفيّ قال‏: قرأت عند أبي جعفر

______________________________
1 و 2- مضمون هذين الحديثين موجود في تفسير العياشي 1/ 198، ح 141.

(3) نفس المصدر 1/ 197، ح 139.

 

216
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

- عليه السّلام-: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ قال: بلى و اللّه، إنّ له من الأمر شيئا و شيئا و شيئا، و ليس حيث ذهبت، و لكّني أخبرك أنّ اللّه- تبارك و تعالى- لمّا أخبر نبيّه أن يظهر ولاية عليّ- عليه السّلام- فكّر في عداوة قومه له، فيما «1» فضّله اللّه به عليهم في جميع خصاله، [كان أوّل من آمن برسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و بمن أرسله. و كان أنصر النّاس للّه و لرسوله و أقتلهم لعدوّهما و أشدّهم بغضا لمن خالفهما و فضل علمه الّذي لم يساوه أحد و مناقبه التي لا تحصى شرفا. فلمّا فكّر النّبي في عداوة قومه له في هذه الخصال‏] «2» و حسدهم له عليها ضاق عن ذلك‏ «3»، فأخبر اللّه: أنّه ليس له من هذا الأمر شي‏ء، إنّما الأمر فيه إلى اللّه أن يصيّر عليّا وصيّه و وليّ الأمر بعده. فهذا عنى اللّه، و كيف لا يكون له من الأمر شي‏ء و قد فوّض اللّه إليه أن جعل ما أحلّ فهو حلال و ما حرّم فهو حرام؟! قوله‏ «4»: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

و عن جابر «5» قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: قوله لنبيّه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ، فسّره لي؟ [قال:] «6» فقال [أبو جعفر- عليه السّلام- لشي‏ء قاله اللّه و لشي‏ء أراده اللّه،] «7» يا جابر، إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- كان حريصا على أن يكون عليّ- عليه السّلام- من بعده على النّاس، و كان عند اللّه خلاف ما أراد [رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

قال: قلت: فما معنى ذلك؟

قال نعم، عنى بذلك قول اللّه لرسوله- صلّى اللّه عليه و آله-] «8» [فقال له:] «9» ليس لك من الأمر شي‏ء يا محمّد في عليّ، الأمر إليّ في عليّ و في غيره، ألم أنزل عليك [يا محمّد] «10» فيما أنزلت من كتابي إليك: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. (الآيات) «11»

______________________________
(1) المصدر: «و معرفته بهم و ذلك الذي» بدل «فيما».

(2) من المصدر.

(3) في المصدر: عن ذلك [صدره‏].

(4) الحشر/ 7.

(5) نفس المصدر 1/ 197- 198، ح 140.

6 و 7- من المصدر.

(8) ليس في أ.

(9) من المصدر و أ.

(10) من المصدر.

(11) المصدر: «إلى قوله فليعلمنّ» بدل «الآيات». سورة العنكبوت/ 1- 2.

 

217
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

قال: فوّض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- الأمر إليه و معنى قوله- عليه السّلام-: «أن يكون عليّ بعده على النّاس» أن يكون خليفة له عليهم في الظّاهر أيضا، من غير دافع له.

قال البيضاويّ‏ «1»: روي‏ أنّ عتبة بن أبي وقّاص شجّه يوم أحد و كسر رباعيته، فجعل- صلّى اللّه عليه و آله- يمسح الدّم عن وجهه و يقول: كيف يفلح قوم خضّبوا وجه نبيّهم بالدّم؟ فنزلت.

و قيل: همّ أن يدعو عليهم، فنهاه اللّه- تعالى- لعلمه بأنّ فيهم من يؤمن.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: خلقا و ملكا، فله الامر كلّه.

يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ: فيه دلالة على نفي وجوب التّعذيب.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏ (129): لعباده، فلا تبادر إلى الدّعاء عليهم.

و في مجمع البيان‏ «2»: قيل: إنّما أبهم اللّه الأمر في التّعذيب‏ «3» و المغفرة [فلم يبيّن من يغفر له و من يشاء تعذيبه،] «4» ليقف المكلّف بين الخوف و الرّجاء [فلا يأمن من عذاب اللّه- تعالى- و لا ييأس من روح اللّه إلّا القوم الكافرون.] «5» و يلتفت إلى هذا

قول الصّادق- عليه السّلام-: لو وزن رجاء المؤمن و خوفه لاعتدلا.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً: لا تزيدوا زيادات مكرّرة و لعلّ التّخصيص بحسب الواقع، إذ كان الرّجل منهم يربي إلى أجل ثمّ يزيد فيه زيادة أخرى، حتّى يستغرق بالشي‏ء الطّفيف.

[و في مجمع البيان‏ «6»: و وجه تحريم الرّبا، هو المصلحة الّتي علمها اللّه و ذكر فيه وجوه:

منها أن يدعو إلى مكارم الأخلاق بالإقراض إنظار المعسر «7» من غير زيادة. و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام‏

] «8» مال المديون.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 181.

(2) مجمع البيان 1/ 502.

(3) المصدر: بالتعذيب.

4 و 5- من المصدر.

(6) نفس المصدر و الوضع.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: «الانظار المعتبر» بدل «إنظار المعسر».

(8) ليس في أ.

218
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

و قرأ ابن كثير و ابن عامر و يعقوب «مضعّفة «1»» وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏: فيما نهيتم عنه، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ (130): راجين الفلاح.

وَ اتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ‏ (131): بالتّحرّز عن متابعتهم، و تعاطي أفعالهم.

قال البيضاويّ‏ «2»: و فيه تنبيه على أنّ النّار بالّذات معدّة للكافرين، و بالعرض للعصاة.

أقول: فيه تنبيه على أنّ النّار معدّة للكافرين، و كلّ من عذّب بالنّار من العصاة إنّما يعذّب إذا آل عصيانهم إلى الكفر، و أمّا إذا لم يؤل اليه فلا يعذّب بالنّار، لأنّها أعدّت للكافرين فلا يعذّب بها غيرهم، و إلّا لكان معدّا لهم و لغيرهم، فلا يصدق‏ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ‏ إلّا أن يقال: المراد بالنّار نار معهودة معدّة لهم، فلا يعذّب بها غيرهم أيضا.

وَ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏ (132): بإطاعتهما.

و «لعلّ و عسى» في أمثال ذلك يدلّ على غرّة التوصّل إلى ما جعل خبرا لهما.

وَ سارِعُوا: بادروا.

و قرأ ابن عامر و نافع «سارعوا» بلا واو «3».

إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏: بارتكاب أسبابها، كالإسلام و التّوبة و الإخلاص.

و في مجمع البيان‏ «4»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إلى أداء الفرائض.

وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ‏: أي عرضها كعرضهما.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن داود بن سرحان، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قول اللّه: وَ سارِعُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ.] «6» قال: إذا وضعوهما كذا، و بسط يديه إحداهما مع الأخرى.

و في مجمع البيان‏ «7». عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- [أنّه سئل: إذا كانت الجنة

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 182.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) مجمع البيان 1/ 503.

(5) تفسير العياشي 1/ 198، ح 142.

(6) من المصدر.

(7) مجمع البيان 1/ 504.

 

219
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

عرضها السّموات و الأرض، فأين تكون النّار؟] «1» فقال: سبحان اللّه، إذا جاء النّهار فأين اللّيل.

و معناه، أنّ القادر على أن يذهب باللّيل حيث يشاء، قادر على أن يخلق النّار حيث يشاء.

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏ (133): هيّئت لهم.

و في كتاب الخصال‏ «2»: فيما علّم أمير المؤمنين أصحابه، ممّا يصلح للمسلم في دينه و دنياه: «سابقوا إلى مغفرة من ربّكم و جنّة عرضها السّموات و الأرض أعدّت للمتّقين».

فإنّكم لن تنالوها إلّا بالتّقوى.

و في الآية دلالة على أنّ الجنّة مخلوقة، خارجة عن هذا العالم.

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ‏: صفة مادحة للمتّقين، أو منصوب، أو مرفوع على المدح.

فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ: في حالتي الرّخاء و الشّدّة. أو الأحوال كلّها، إذ الإنسان لا يخلوا عن مسرّة أو مضرّة، أي: لا يخلونّ في حال ما عن إنفاق ما من قليل أو كثير.

وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ: الممسكين عليه، الكافّين عن إمضائه مع القدرة. من كظمت القربة، إذا ملأتها و شددت رأسها.

و في أصول الكافي: عليّ بن إبراهيم‏ «3»، عن أبيه‏ «4»، عن بعض أصحابه، عن مالك بن حصين السّكونيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما من عبد كظم غيظا إلّا زاده اللّه- عزّ و جلّ- عزّا في الدّنيا و الآخرة، و قد قال اللّه- عزّ و جلّ-: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏، و أثابه اللّه مكان غيظه ذلك.

عدّة من أصحابنا: عن أحمد بن محمّد «5» بن خالد، عن إسماعيل بن مهران عن سيف بن عميرة قال: حدّثني من سمع أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: من كظم غيظا- و لو شاء أن يمضيه أمضاه- ملأ اللّه‏ «6» قلبه يوم القيامة رضاه.

و في كتاب الخصال‏ «7»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: ثلاث خصال من‏

______________________________
(1) المصدر: «سئل عن ذلك» بدل ما بين المعقوفتين.

(2) الخصال/ 633، ضمن حديث الأربعمائة.

(3) الكافي 2/ 110، ح 5.

(4) «عن أبيه» ليس في المصدر.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 6.

(6) المصدر: أملأ.-

(7) الخصال/ 104، ح 63.

 

220
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

كنّ فيه استكمل خصال الإيمان: من صبر على الظّلم و كظم غيظه و احتسب و عفا و غفر، كان ممّن يدخله اللّه- تعالى- الجنّة بغير حساب، و يشفّعه في مثل ربيعة و مضر.

عن زرارة «1» قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام‏ «2»- يقول‏: إنّا أهل بيت، مروءتنا العفو عمّن ظلمنا.

عن أبي حمزة الثّماليّ‏ «3»، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- [قال‏: ما أحبّ أنّ لي بذلّ نفسي حمر النّعم، و] «4» ما تجرّعت جرعة أحبّ إليّ من جرعة غيظه‏ «5» لا أكافئ [بها] «6» صاحبها.

وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ‏: التّاركين عقوبة من استحقّوا مؤاخذته.

و في الكافي‏ «7»: عن الصّادق- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: عليكم بالعفو، فإنّ العفو لا يزيد العبد إلّا عزّا، فتعافوا يعزّكم اللّه.

و في مجمع البيان‏ «8»: روي أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: انّ هؤلاء في أمّتي قليل إلّا من عصمه‏ «9» اللّه، و قد كانوا كثيرا في الأمم الماضيه‏ «10».

وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏ (134):

يحتمل الجنس، و يدخل تحته هؤلاء. و العهد، فتكون الإشارة إليهم.

و في مجمع البيان‏ «11»: روي‏ أنّ جارية لعليّ بن الحسين- عليهما السّلام- جعلت تسكب عليه الماء ليتهيّأ للصّلاة، فسقط الإبريق من يدها فشجّه، فرفع رأسه إليها.

فقال له الجارية: إنّ اللّه- تعالى- يقول: وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ.

فقال لها: قد كظمت غيظي.

قالت: وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ. قال: قد عفا اللّه عنك.

قالت‏ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

______________________________
(1) نفس المصدر/ 10، ح 33.

(2) المصدر: أبا عبد اللّه- عليه السّلام.

(3) نفس المصدر/ 23، ح 81.

(4) من المصدر.

(5) المصدر: غيظ.

(6) من المصدر.

(7) الكافي 2/ 108، ح 5.

(8) مجمع البيان 1/ 505.

(9) المصدر: عصم.

(10) المصدر: «الّتي مضت» بدل «الماضية».

(11) نفس المصدر 1/ 505.

 

221
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

قال: اذهبي فأنت حرّة لوجه اللّه.

وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً: فعلة بالغة في القبح، كالزّنا.

أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏: بأن أذنبوا أيّ ذنب كان.

و قيل‏ «1»: الفاحشة الكبيرة، و ظلم النّفس الصّغيرة. و لعلّ الفاحشة ما يتعدّى، و ظلم النّفس ما ليس كذلك.

ذَكَرُوا اللَّهَ‏: تذكّروا وعيده، أو حكمه، أو حقّه العظيم.

فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ‏: بالنّدم و التّوبة.

وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ‏: استفهام بمعنى النّفي، معترض بين المعطوفين. و المراد به وصفه- تعالى- بسعة الرّحمة، و عموم المغفرة، و الحثّ على الاستغفار، و الوعد «2» بقبول التّوبة.

وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا، أي: لم يقيموا على ذنوبهم غير مستغفرين.

و في أصول الكافي‏ «3»: أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن سالم، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال: الإصرار، أن يذنب الذّنب فلا يستغفر اللّه و لا يحدّث نفسه بتوبة، فذلك الإصرار.

عليّ بن إبراهيم‏ «4»، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: لا و اللّه، لا يقبل اللّه شيئا من طاعته على الإصرار على شي‏ء من معاصيه.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد «5» بن خالد، عن عبد اللّه بن محمّد النّهيكيّ‏ «6»، عن عمّار بن مروان القنديّ، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار.

محمّد بن يحيى، عن أحمد «7» بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن معاويه بن عمّار

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 182.

(2) أ: الوعيد.

(3) الكافي 2/ 288، ح 2.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 1.

(6) ر: «محمد بن عبد اللّه بن محمد النّهيكيّ». و هو وهم. ر. رجال النجاشي/ 229، رقم 605.

(7) نفس المصدر 2/ 426- 427، ح 4.

 

222
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 122 الى 135] ص : 213

قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: إنّه و اللّه ما خرج عبد من ذنب بإصرار، و ما خرج عبد من ذنب إلّا بإقرار.

محمّد بن يحيى‏ «1»، عن عليّ بن الحسين الدّقّاق‏ «2»، عن عبد اللّه بن محمّد، عن أحمد بن عمر، عن زيد القتات، عن أبان بن تغلب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلّا غفر اللّه له قبل أن يستغفر، و ما من عبد أنعم اللّه عليه نعمة فعرف أنّها من عند اللّه إلّا غفر اللّه له قبل أن يحمده.

و في مجمع البيان‏ «3»: و قد روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال‏:

لا صغيرة مع الإصرار، و لا كبيرة مع الاستغفار.

و روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «4»-: ما اصرّ من استغفر، و إن عاد في اليوم سبعين مرّة.

وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ (135): حال من فاعل «يصرّوا» أي، و لم يصرّوا على قبيح فعلهم عالمين به.

و في أمالي الصّدوق‏ «5»- رحمه اللّه-: بإسناده إلى الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال‏: لما نزلت هذه الآية [وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ‏] «6» صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيّدنا لم دعوتنا؟

قال: نزلت هذه الآية فمن لها؟

فقام عفريت من الشّياطين فقال: أنا لها بكذا و كذا.

قال: لست لها.

فقام‏ «7» آخر فقال مثل ذلك.

______________________________
(1) نفس المصدر 2/ 427، ح 8.

(2) أ: محمد بن يحيى عن أحمد بن محمّد عن علي بن الحسين الدقّاق.

(3) مجمع البيان 1/ 506.

(4) أنوار التنزيل 1/ 182.

(5) أمالي الصدوق/ 376، ح 5.

(6) من المصدر.

(7) هكذا في المصدر و ر. و في أو الأصل: فقال.

 

223
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

 

فقال: لست لها.

فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها.

قال: بماذا؟

قال: أعدهم و أمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم‏ «1» الاستغفار.

فقال: أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن أبي عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: رحم اللّه عبدا لم يرض من نفسه أن يكون إبليس نظيرا له في دينه. و في كتاب اللّه نجاة من الرّدى و بصيرة من العمى و دليل إلى الهدى و شفاء لما في الصّدور فيما أمركم اللّه به من الاستغفار مع التّوبة.

قال اللّه: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ [قال:] «3» و من يعمل سوء أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورا رحيما.

فهذا ما أمر اللّه به من الاستغفار، و اشترط معه التّوبة «4»، و الإقلاع عمّا حرّم اللّه، فإنّه يقول‏ «5»: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ. فهذه الآية تدلّ على أنّ الاستغفار لا يرفعه إلى اللّه إلّا العمل الصّالح و التّوبة.

[و في روضة الكافي‏ «6»: بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: و إيّاكم و الإصرار على شي‏ء ممّا حرّم اللّه في ظهر القرآن و بطنه و قد قال اللّه- تعالى-: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ.] «7»

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها:

خبر «للّذين» إن ابتدئ به. و جملة مستأنفة مبنيّة لما قبلها إن عطفت على «المتّقين» أو على «الّذين ينفقون.»

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: أنسيهم.

(2) تفسير العياشي 1/ 198، ح 143.

(3) من المصدر.

(4) المصدر: بالتوبة.

(5) فاطر/ 10.

(6) الكافي 8/ 10.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

224
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

و تنكير «جنّات» على الأوّل، يدلّ على أنّ ما لهم أدون ممّا للمتّقين الموصوفين بتلك الصّفات المذكورة في الآية المتقدّمة. و كفاك فارقا بين القبيلين أنّه فصل آيتهم، بأن بيّن أنّهم محسنون مستوجبون لمحبّة اللّه- تعالى- و ذلك لأنّهم حافظوا على حدود الشّرع و تخطّوا إلى التّخصيص بمكارمه. و فصل آية هؤلاء بقوله:

وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ‏ (136): لأنّ المتدارك لتقصيره كالعامل لتحصيل ما فوّت على نفسه. و كم بين المحسن و المتدارك و المحبوب و الأجير، و لعلّ تبديل لفظ الجزاء بالأجر لهذه النّكتة. و المخصوص بالمدح محذوف، تقديره، و نعم أجر العاملين تلك، يعني، المغفرة و الجنّات.

و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه‏ «1»-: محمّد بن إبراهيم بن إسحاق- رحمه اللّه- قال: حدّثنا أحمد بن محمّد الهمدانيّ قال: أخبرنا محمّد بن صالح بن سعد التّميميّ قال:

حدّثنا موسى بن داود قال: حدّثنا الوليد بن هشام قال: حدّثنا هشام بن حسّان، عن الحسن بن أبي الحسن البصريّ، عن عبد الرّحمان بن غنم الدّوسى‏ «2» قال‏: دخل معاذ بن جبل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- باكيا فسلّم، فردّ عليه السّلام، ثمّ قال: ما يبكيك يا معاذ؟

فقال: يا رسول اللّه، إنّ بالباب شابّا طريّ الجسد، نقيّ اللّون، حسن الصّورة، يبكي على شبابه بكاء الثّكلى على ولدها، يريد الدّخول عليك.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: أدخل عليّ الشّابّ، يا معاذ. فأدخله عليه فسلّم، فرد عليه السّلام، ثمّ قال: ما يبكيك، يا شابّ؟

قال: كيف لا أبكي و قد ركبت ذنوبا، إن اخذني اللّه- عزّ و جلّ- ببعضها أدخلني نار جهنم، و لا أراني إلّا سيأخذني بها و لا يغفر لي‏ «3» أبدا.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: هل أشركت باللّه شيئا؟

قال: أعوذ باللّه أن أشرك بربّي شيئا.

______________________________
(1) أمالي الصدوق/ 45، 3.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «عبد الرحمان بن غنم الدواسيّ» و الظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال، ج 3، فصل الكنى، ص 51. و لهذا الراويّ ترجمة في نفس المصدر 2/ 147، رقم 6408 من دون ذكر لقبه.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا يغفرني.

 

225
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

قال: أقتلت النّفس الّتي حرّم اللّه؟

قال: لا.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: يغفر اللّه لك ذنوبك و إن كانت مثل الجبال الرّواسي.

قال الشّابّ: فإنّها أعظم من الجبال الرّواسي.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: يغفر اللّه ذنوبك و إن كانت مثل الأرضين السّبع. و بحارها و رمالها و أشجارها و ما فيها من الخلق.

[قال: فإنّها أعظم من الأرضين السّبع و بحارها و رمالها و أشجارها و ما فيها من الخلق.] «1» فقال: النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: يغفر اللّه لك ذنوبك و إن كانت مثل السّماوات و نجومها و مثل العرش و الكرسيّ.

قال: فإنّها أعظم من ذلك.

قال: فنظر النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «2»- كهيئة الغضبان، ثمّ قال: ويحك يا شابّ ذنوبك أعظم أم ربّك؟

فخرّ الشّابّ لوجهه و هو يقول: سبحان [اللّه‏] «3» ربّي، ما من شي‏ء أعظم من ربّي، ربّي أعظم- يا نبيّ اللّه- من كلّ عظيم.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: فهل يغفر الذّنب العظيم إلّا الرّبّ العظيم؟

قال: الشّابّ: لا و اللّه يا رسول اللّه، ثمّ سكت الشّابّ.

فقال له‏ «4» النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: ويحك يا شابّ، أ لا تخبرني بذنب واحد من ذنوبك.

قال: بلى أخبرك، إنّي كنت أنبش القبور سبع سنين، أخرج الأموات و أنزع الأكفان، فماتت جارية من بعض بنات الأنصار، فلمّا حملت إلى قبرها و دفنت و انصرف عنها أهلها و جنّ عليهم اللّيل أتيت قبرها فنبشتها، ثمّ استخرجتها، و نزعت ما كان عليها من أكفانها، و تركتها مجردة «5» على شفير قبرها، و مضيت منصرفا، فأتاني الشّيطان،

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(2) الظاهر كلمة «إليه» ساقط بعد هذه العبارة.

(3) من المصدر.

(4) ليس في المصدر.

(5) المصدر: متجرّدة.

 

226
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

فأقبل يزيّنها لي و يقول: أما ترى بطنها و بياضها؟ أما ترى وركيها؟ فلم يزل يقول لي هذا، حتّى رجعت إليها و لم أملك نفسي حتّى جامعتها و تركتها مكانها، فإذا أنا بصوت من ورائي يقول: يا شابّ، ويل لك من ديّان يوم الدّين، يوم يقفني و إيّاك كما تركتني عريانة في عساكر الموتى، و نزعتني من حفرتي، و سلبتني أكفاني، و تركتني أقوم جنبه إلى حسابي، فويل لشبابك من النّار. فما أظنّ أنّي أشمّ ريح الجنّة أبدا، فما ترى لي يا رسول اللّه؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: تنحّ عنّي يا فاسق، إنّي أخاف أن أحترق بنارك، فما أقربك من النّار.

ثم لم يزل- عليه السّلام- يقول و يشير إليه حتّى أمعن من بين يديه، فذهب فأتى المدينة فتزوّد منها، ثمّ أتى بعض جبالها فتعبّد فيها و لبس مسحا و غلّ يديه جميعا إلى عنقه‏ «1»، و نادى: يا ربّ، هذا عبدك بهلول بين يديك مغلول، يا ربّ أنت الّذي تعرفني و زل منّي ما تعلم، يا سيّدي يا ربّ إنّي أصبحت من النّادمين، و أتيت نبيّك تائبا فطردني و زادني خوفا، فأسألك باسمك و جلالك و عظمة «2» سلطانك أن لا تخيّب رجائي سيّدي و لا تبطل دعائي و لا تقنطني من رحمتك.

فلم يزل يقول ذلك أربعين يوما و ليلة، تبكي له السّباع و الوحوش، فلمّا تمّت له أربعون يوما و ليلة، رفع يديه إلى السّماء و قال: اللّهمّ، ما فعلت في حاجتي، إن كنت استجبت دعائي و غفرت خطيئتي فأوح إلى نبيّك، و إن لم تستجب [لي‏] «3» دعائي و لم تغفر [لي‏] «4» خطيئتي و أردت عقوبتي فعجّل بنار تحرقني أو عقوبة في الدّنيا تهلكني و خلّصني من فضيحة يوم القيامة.

فأنزل اللّه- تبارك و تعالى- على نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله-: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً، يعني: الزّنا أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏، يعني: بارتكاب ذنب أعظم من الزّنا، و هو «5» نبش القبر و أخذ الأكفان‏ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا «6» لِذُنُوبِهِمْ‏ يقول: خافوا اللّه فعجّلوا التّوبة. وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ‏ يقول- عزّ و جلّ-: أتاك عبدي- يا محمّد- تائبا فطردته، فأين يذهب و إلى من يقصد و من يسأل أن يغفر له ذنبه‏ «7» غيري؟ ثمّ قال- عزّ و

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: حلقه.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: عظم.

3 و 4- من المصدر.

(5) ليس في المصدر.

(6) المصدر: و استغفروا.

(7) المصدر: ذنبا.

 

227
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

جلّ- وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ يقول: لم يقيموا على الزّنا و نبش القبور و أخذ الأكفان. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ‏.

فلمّا نزلت هذه الآية على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- خرج، و هو يتلوها و يتبسّم‏ «1»، فقال لأصحابه: من يدلّني على ذلك الشّابّ التّائب؟

فقال معاذ: يا رسول اللّه، بلغنا أنّه في موضع كذا و كذا.

فمضى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بأصحابه‏ «2» حتّى انتهوا إلى ذلك الجبل، فصعدوا إليه يطلبون الشّابّ، فإذا هم بالشّابّ قائم بين صخرتين مغلولة يداه إلى عنقه، قد اسودّ وجهه و تساقطت أشفار عينيه من البكاء، و هو يقول: سيّدي قد أحسنت خلقي و أحسنت صورتي، فليت شعري ما ذا تريد بي، أفي النّار تحرقني أو في جوارك تسكنني؟

اللّهمّ، إنّك قد أكثرت الإحسان إليّ فأنعمت عليّ، فليت شعري ما ذا يكون آخر أمري، إلى الجنّة تزفّني أم إلى النّار تسوقني؟ اللّهمّ، إنّ خطيئتي أعظم من السّموات و الأرض و من كرسيّك الواسع و عرشك العظيم، فليت شعري تغفر خطيئتي أم تفضحني بها يوم القيامة؟

فلم يزل يقول نحو هذا و هو يبكي و يحثوا التّراب على رأسه، و قد أحاطت به السّباع، و صفّت فوقه الطّير، و هم يبكون لبكائه.

فدنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فأطلق يديه من عنقه، و نفض التّراب عن رأسه، و قال: يا بهلول، أبشر فإنّك عتيق اللّه من النّار.

ثمّ قال- صلّى اللّه عليه و آله- لأصحابه: هكذا تداركوا الذّنوب كما تداركها بهلول‏ «3»، ثمّ تلا عليه ما أنزل اللّه- عزّ و جلّ- فيه و بشّره بالجنّة.

قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ‏: وقائع، سنّها اللّه في الأمم المكذّبة.

و قيل‏ «4»: أمم. قال:

ما عاين الناس من فضل كفضلكم‏

و لا أرى مثله في سالف السنن‏

 

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: هو يتبسّم.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: و أصحابه.

(3) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة: «أبشر فانّك عتيق اللّه من النار» و قد سبق مجيئها. فلا داعى لها.

(4) أنوار التنزيل 1/ 183.

228
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ (137): لتعتبروا بما ترون من آثار هلاكهم.

و في الكافي‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ من قبلكم‏ «2».

قال: عنى بذلك [، أي:] «3» انظروا في القرآن و اعلموا كيف كان عاقبة الّذين من قبلكم، و ما أخبركم عنه.

هذا: اى، القرآن‏ بَيانٌ لِلنَّاسِ‏: عامّة.

وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ‏ (138): خاصّة.

و قيل‏ «4»: «هذا» إشارة إلى قوله: «قد خلت». أو مفهوم قوله: «فانظروا»، أي، أنّه مع كونه بيانا للمكذّبين، فهو زيادة بصيرة و موعظة للمتّقين. أو إلى ما لخّص من أمر المتّقين و التّائبين. و قوله: «قد خلت» جملة معترضة «5» للبعث على الإيمان و التّوبة.

وَ لا تَهِنُوا: و لا تضعفوا عن الجهاد بما أصابكم يوم أحد.

وَ لا تَحْزَنُوا: على من قتل منكم، تسلية لهم عمّا أصابهم.

وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ‏: و الحال أنّكم أعلى شأنا فإنّكم على الحقّ و إنّهم على الباطل، و قتالكم للّه و قتالهم للشّيطان، و قتلاكم في الجنّة و قتلاهم في النّار. أو لأنّكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر ممّا أصابوا منكم اليوم. أو أنتم الأعلون في العاقبة، فيكون بشارة لهم بالنّصر و الغلبة.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ (139): متعلّق بالنّهي، أي: لا تهنوا إن صحّ إيمانكم، فإنّه يقتضي قوّة القلب بالوثوق على اللّه. أو «بالأعلون».

إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ‏:

______________________________
(1) الكافي 8/ 248- 249، ضمن حديث 349.

(2) المصدر: قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم. و ما أثبتناه في المتن موافق النسخ.

(3) من المصدر.

(4) أنوار التنزيل 1/ 183.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «اعتراض» بدل «جملة معترضة».

229
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

قيل‏ «1»: يعني: إن أصابوا منكم يوم أحد فقد أصبتم منهم يوم بدر مثله، ثمّ أنّهم لم يضعفوا و لم يجبنوا، فأنتم أولى بأن لا تضعفوا فإنّكم ترجون من اللّه ما لا يرجون.

و قيل‏ «2»: كلا المسّين كان يوم أحد، فإنّ المسلمين نالوا منهم قبل أن يخالفوا أمر الرّسول.

قرأ حمزة و الكسائيّ و ابن عيّاش عن عاصم، بضمّ القاف. و الباقون، بالفتح. و هما لغتان‏ «3».

و قيل‏ «4»: هو بالفتح «الجراح» و بالضّمّ «ألمها».

وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ‏: نصرفها، نديل لهؤلاء تارة و لهؤلاء أخرى.

و المداولة، كالمعاورة. يقال: داولت الشي‏ء بينهم، فتداولوه.

و «الأيّام» يحتمل الوصف، و البدل، و عطف البيان، و الخبر. و «نداولها» الخبر على الاحتمالات الثّلاث الأوّل، و الحال على الاحتمال الأخير. و المراد بها، أوقات النّصر و الغلبة.

في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام‏ «6»- في قول اللّه- تعالى-: وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ‏ قال: ما زال منذ خلق اللّه آدم دولة للّه و دولة لإبليس، فأين دولة اللّه أما «7» هو إلّا قائم‏ «8» واحد.

وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا: عطف على علّة محذوفة، أي: نداولها ليكون كيت و كيت. و لِيَعْلَمَ اللَّهُ‏ إيذانا بأنّ العلّة فيه غير واحدة، و أنّ ما يصيب المؤمن فيه من المصالح ما لا يعلم.

أو الفعل المعلّل به محذوف، تقديره: و ليتميّز الثّابتون على الإيمان من الّذين على حرف فعلنا ذلك. و القصد في أمثاله ليس إلى إثبات علمه- تعالى- بل إلى إثبات المعلوم على طريقة البرهان.

و قيل‏ «9»: معناه: ليعلمهم علما يتعلّق به الجزاء و هو العلم بالشّي‏ء موجودا، و هو تكلّف.

______________________________
1 و 2 و 3 و 4- نفس المصدر و الموضع.

(5) تفسير العياشي 1/ 199، ح 145.

(6) المصدر: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: ما.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: مع قائم.

(9) أنوار التنزيل 1/ 184.

230
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ: و يكرم منكم بالشّهادة، يريد شهداء أحد. أو يتّخذ منكم شهودا معدلين، بما صودف منهم من الثّبات و الصّبر على الشّدائد. أو شهودا و علماء، بما ينعم على المؤمنين و يمددهم.

وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ‏ (140): الّذين يضمرون خلاف ما يظهرون. أو الكافرين، و هو اعتراض. و فيه تنبيه على أنّه- تعالى- لا ينصر الكافرين على الحقيقة، و إنّما يديل لهم أحيانا استدراجا لهم و ابتلاء للمؤمنين.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا رجع من أحد فلمّا دخل المدينة نزل عليه جبرئيل- عليه السّلام- فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تخرج في أثر القوم، و لا تخرج معك إلّا من به جراحة.

فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين و الأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، و من لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم و يداوونها «2»، فأنزل اللّه على نبيّه: و لا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون و ترجون من اللّه ما لا يرجون.

و قال- عزّ و جلّ-: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ. فخرجوا على ما بهم من الألم و الجراح.] «3»

وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا: ليطهّرهم و يصفّيهم من الذّنوب إن كانت الدّولة عليهم.

وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ‏ (141): و يهلكهم إن كانت عليهم.

و المحق، نقض الشي‏ء قليلا قليلا.

و في كتاب كمال الدّين‏ «4» و تمام النّعمة: بإسناده إلى ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- إمام أمّتي و خليفتي عليها من بعدي، و من ولده القائم المنتظر الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما، و الذي بعثني بالحقّ بشيرا و نذيرا إنّ الثّابتين على القول به [في زمان غيبته‏] «5» لأعزّ

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 124- 125.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: يشدونها.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) كمال الدين و تمام النعمة/ 287- 288، ح 7.

(5) ليس في ر.

 

231
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 136 الى 143] ص : 224

من الكبريت الأحمر.

فقام إليه جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، فقال: يا رسول اللّه، للقائم من ولدك غيبة؟

قال: إي و ربّي، وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ‏، يا جابر إنّ هذا الأمر من اللّه‏ «1» و سرّ من سرّ اللّه مطويّ عن عباد اللّه، فإيّاك و الشّكّ فيه، فإنّ الشّك في أمر اللّه- عزّ و جلّ- كفر.

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ‏: بل أ حسبتم.

و معناه، الإنكار، أي: لا تحسبوا أن تدخلوها و لمّا يعلم اللّه المجاهدين منكم، و لمّا يجاهد بعضكم. و فيه دلالة، على أنّ الجهاد فرض على الكفاية. و الفرق بين «لمّا، و لم» أنّ فيها توقّعا في المستقبل بخلاف لم.

و قرئ: «يعلم» بفتح الميم، على أنّ أصله «يعلمن» فحذف النّون‏ «2».

وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ‏ (142): نصب بإضمار «أن» على أنّ الواو للجمع.

و قرئ، بالرّفع، على أنّ الواو للحال، كأنّه قال: و لمّا تجاهدوا و أنتم صابرون‏ «3».

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن داود الرّقيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ.

قال: إنّ اللّه هو أعلم بما هو مكوّنه قبل أن يكوّنه و هم ذرّ، و علم من يجاهد ممّن لا يجاهد، كما «5» أنّه يميت خلقه قبل أن يميتهم و لم يرهم موتهم و هم أحياء.

وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ‏: بالشّهادة أو الحرب، فإنّها من أسباب الموت.

مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ‏: من قبل أن تشاهدوه، و تعرفوا ثبوته.

فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ‏ (143)، أي: رأيتموه معاينين له حين قتل دونكم‏

______________________________
(1) المصدر: «إن هذا الأمر [أمر] من أمر اللّه» بدل «إن هذا الأمر من اللّه».

(2) أنوار التنزيل 1/ 184.

(3) نفس الموضع و المصدر.

(4) تفسير العياشي 1/ 199، ح 147.

(5) المصدر: كما علم.

232
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

 

من قتل من إخوانكم. و هو توبيخ لهم على أنّهم تمنّوا و تسيّبوا لها، ثمّ جبنوا و انهزموا عنها.

أو على تمنّي الشّهادة، فإنّ في تمنّيها تمنّي غلبة الكفّار.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه‏ «2» الآية: أنّ المؤمنين لمّا أخبرهم اللّه- تعالى- بالّذي فعل بشهدائهم يوم بدر و منازلهم في‏ «3» الجنّة، رغبوا في ذلك، فقالوا: اللّهمّ، أرنا قتالا «4» نستشهد فيه. فأراهم اللّه إياه يوم أحد، فلم يثبتوا إلّا من‏ «5» شاء اللّه منهم، فذلك قوله: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ‏ (الآية) «6» [مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ.] «7»

وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ‏: فسيخلو كما خلوا بالموت، أو القتل.

أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ‏: إنكار لارتدادهم و انقلابهم على أعقابهم عن الدّين، لخلوّه بموت أو قتل بعد علمهم بخلو الرسل‏ «8» قبله، و بقاء دينهم متمسّكا به.

و قيل‏ «9»: «الفاء» للسّببيّة و «الهمزة» لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرّسل قبله، سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.

و في روضة الكافي‏ «10»: حنّان، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: كان النّاس أهل ردّة بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- الّا ثلاثة.

قلت: و من الثّلاثة؟

فقال: المقداد بن الأسود، و أبو ذرّ الغفاريّ، و سلمان الفارسيّ- رحمة اللّه و بركاته عليهم- ثمّ عرف أناس بعد يسير.

و قال: هؤلاء الّذين دارت عليهم الرّحا، و أبوا أن يبايعوا حتّى جاؤوا بأمير المؤمنين- عليه السّلام- مكرها فبايع، و ذلك قول اللّه- عزّ و جلّ-:

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 119.

(2) ذكر الآية في المصدر بدل «هذه».

(3) المصدر: من.

(4) المصدر: القتال.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: ما.

(6) ليس في المصدر.

(7) من المصدر.

(8) أ: الرسول.

(9) أنوار التنزيل 1/ 184.

(10) الكافي 8/ 245، ح 341.

 

 

233
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «1» بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء الخفّاف، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لمّا انهزم النّاس يوم أحد عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- انصرف إليهم بوجهه، و هو يقول: أنا محمّد، أنا رسول اللّه لم أقتل و لم أمت. فالتفت إليه فلان و فلان فقالا: الآن يسخر بنا- أيضا- و قد هزمنا.

و بقي معه عليّ- عليه السّلام- و سماك بن خرشة أبو دجانة «2»- رحمه اللّه- فدعاه النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقال يا أبا دجانة انصرف و أنت في حلّ من بيعتك، فأمّا علىّ فهو أنا و أنا هو «3».

فتحوّل و جلس بين يديّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و بكى، و قال: لا و اللّه- و رفع رأسه إلى السّماء و قال-: لا و اللّه، لا جعلت نفسي في حلّ من بيعتي، إنّي بايعتك، فإلى من أنصرف يا رسول اللّه؟ إلى زوجة تموت أو ولد يموت أو دار تخرب أو «4» مال يفنى و أجل قد اقترب. فرقّ له النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فلم يزل يقاتل حتّى أثخنته الجراحة- و هو في وجه و عليّ- عليه السّلام- في وجه-. فلمّا سقط «5» احتمله عليّ- عليه السّلام- فجاء به إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فوضعه عنده.

فقال: يا رسول اللّه أوفيت ببيعتي؟

قال: نعم، و قال له النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- خيرا.

و كان النّاس يحملون على النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- الميمنة فيكشفهم عليّ- عليه السّلام- فإذا كشفهم أقبلت الميسرة إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فلم يزل كذلك حتّى تقطّع سيفه بثلاث قطع، فجاء إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فطرحه بين يديه و قال‏ «6»: هذا سيفي قد تقطّع. فيومئذ أعطاه النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- ذا الفقار.

______________________________
(1) نفس المصدر 8/ 318، ح 502.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «شمال بن خرشة أبو دجانة» و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 2/ 68، رقم 5274 و فصل الكنى 3/ 15- 16.

(3) هكذا في النسخ و في المصدر: «و أمّا عليّ فأنا هو و هو أنا» بدل «فأمّا عليّ فهو أنا و أنا هو».

(4) المصدر: و.

(5) المصدر: أسقط.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: فقال.

 

234
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

و لمّا رأى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- اختلاج ساقيه من كثرة القتال رفع رأسه إلى السّماء- و هو يبكي- و قال: يا ربّ، وعدتني أن تظهر دينك و إن شئت لم يعيك.

فأقبل عليّ- عليه السّلام- إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: يا رسول اللّه، أسمع دويّا شديدا، و أسمع أقدم حيزوم، و ما أهمّ أضرب أحدا إلّا سقط ميّتا قبل أن أضربه.

فقال: هذا جبرئيل- عليه السّلام- و ميكائيل و إسرافيل في الملائكة.

ثمّ جاءه جبرئيل- عليه السّلام- فوقف إلى جنب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: يا محمّد، إنّ هذه لهي المواساة.

فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ عليّا منّي و أنا منه.

فقال جبرئيل- عليه السّلام-: و أنا منكما.

ثمّ انهزم النّاس فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام-:

يا عليّ، امض بسيفك حتّى تعارضهم، فإن رأيتهم قد ركبوا القلاص و جنّبوا الخيل فإنّهم يريدون مكّة، و إن رأيتهم قد ركبوا الخيل و هم يجنّبون القلاص فإنّهم يريدون المدينة.

فأتاهم عليّ- عليه السّلام- فكانوا على القلاص، فقال أبو سفيان لعليّ- عليه السّلام-: [يا عليّ،] «1» ما تريد هو ذا نحن ذاهبون إلى مكّة، فانصرف إلى صاحبك. فاتّبعهم جبرئيل- عليه السّلام- فكلّما سمعوا وقع حافر فرسه جدّوا في السّير، و كان‏ «2» يتلوهم فإذا ارتحلوا قالوا: هو ذا عسكر محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- قد أقبل.

فدخل أبو سفيان مكّة فأخبرهم الخبر، و جاء الرّعاة «3» و الحطّابون فدخلوا مكّة، فقالوا: رأينا عسكر محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- كلّما رحل أبو سفيان نزلوا، يقدمهم فارس على فرس أشقر يطلب آثارهم. فأقبل‏ «4» أهل مكّة «5» على أبي سفيان يوبّخونه.

و رحل النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و الرّاية مع عليّ- عليه السّلام- و هو بين‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) ر: كانوا.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فجاء الرعاء» بدل «و جاء الرعاة».

(4) ر: فاقبلوا.

(5) أ: إلى أهل مكّة.

 

235
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

يديه، فلمّا أن أشرف بالرّاية من العقبة و رآه النّاس نادى عليّ- عليه السّلام-: أيّها النّاس، هذا محمّد لم يمت و لم يقتل. فقال صاحب الكلام- الّذي قال: الآن يسخر بنا و قد هزمنا-: هذا عليّ و الرّاية بيده. حتّى هجم عليهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و نساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، و خرج الرّجال إليه يلوذون به و يتوبون‏ «1» إليه، و النّساء- نساء الأنصار- قد خدشن الوجوه و نشرن الشّعور و جززن النّواصي و خرقن الجيوب و حرمن البطون على النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فلمّا رأينه قال لهنّ خيرا، و أمرهنّ أن يستترن و يدخلن منازلهنّ و قال: إنّ اللّه- تعالى- وعدني أن يظهر دينه على الأديان كلّها. و أنزل اللّه على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ [مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ. وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً.] «2» (الآية).

و في روضة الكافي‏ «3»: خطبة مسندة إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- و هي خطبة الوسيلة، يقول فيها- عليه السّلام-: حتّى إذا دعا اللّه- عزّ و جلّ- نبيّه و رفعه إليه، لم يك ذلك بعده إلّا كلمحة من خفقة أو رميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب، و انتكصوا على الأدبار، و طلبوا بالأوتار، و أظهروا الكتائب، و ردموا الباب، و فلّوا الدّار «4»، و غيّروا آثار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و رغبوا عن أحكامه، و بعدوا من أنواره، و استخلفوا «5» بمستخلفه بديلا اتّخذوه و كانوا ظالمين، و زعموا أنّ من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ممّن اختاره الرّسول‏ «6»- صلّى اللّه عليه و آله- لمقامه، و أنّ مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجريّ‏ «7» الأنصاريّ الرّبّانيّ، ناموس هاشم بن عبد مناف.

عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس‏ «8»، عن عليّ بن حمّاد، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏ «9»: و قال لأعداء اللّه أولياء الشّيطان أهل‏

______________________________
(1) المصدر: «يثوبون». و ذكر فيه في الهامش أنّه في بعض نسخ «يتوبون».

(2) من المصدر.

(3) نفس المصدر 8/ 29، ضمن حديث 4.

(4) المصدر: الديار.

(5) المصدر: استبدلوا.

(6) اختار رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله.

(7) هكذا في المصدر، و في النسخ: المهاجر.

(8) نفس المصدر 8/ 379، ضمن حديث 574.

(9) ليس في المصدر.

 

236
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

التّكذيب و الإنكار: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ‏ يقول: متكلّفا إن أسألكم ما لستم بأهله.

فقال المنافقون عند ذلك بعضهم لبعض: أما يكفي محمّدا أن يكون قهرنا عشرين سنة حتّى يريد أن يحمل أهل بيته على رقابنا، فقالوا: ما أنزل اللّه هذا، و ما هو إلّا شي‏ء يتقوله يريد أن يرفع أهل بيته على رقابنا، و لئن قتل محمّد أو مات لننزعها من أهل بيته ثمّ لا نعيدها «1» فيهم أبدا.

و اعلم أنّ فلانا و فلانا من أهل الانقلاب على الأعقاب بعد موت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لما

رواه محمّد بن يعقوب- رحمه اللّه‏ «2»- عن حنان بن سدير، عن أبيه قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عنهما.

فقال: يا أبا الفضل، لا تسالني‏ «3» عنهما، فو اللّه ما مات منّا ميّت [قطّ] «4» إلّا ساخطا «5» عليهما، و ما منّا اليوم إلّا ساخطا «6» عليهما، يوصي بذلك الكبير منّا الصّغير، إنّهما ظلمانا «7» حقّنا و منعانا فيئنا «8»، و كانا أوّل من ركب أعناقنا، و فتقا «9» علينا فتقا «10» في الإسلام لا يسدّ «11» أبدا حتّى يقوم قائمنا [أو يتكلّم متكلّمنا.] «12» ثمّ قال: أما و اللّه لو قد قام قائمنا «13» و تكلّم متكلّمنا لأبدا من أمورهما ما كان يكتم و لكتم‏ «14» من أمورهما ما كان يظهر، و اللّه ما أسّست‏ «15» من بليّة و لا قضيّة تجري علينا أهل البيت إلّا هما سبب‏ «16» أوّلها، فعليهما لعنة اللّه و الملائكة و النّاس أجمعين.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «17»: عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه سئل عمّن قتل أمات؟

______________________________
(1) أور: تفيدها.

(2) الكافي 8/ 245، ح 340. و فيه: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حنان بن سدير، و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان بن سدير عن أبيه.

(3) المصدر: ما تسألني.

(4) من المصدر.

5 و 6- هكذا في المصدر. و في النسخ: ساخط.

(7) أ: «لأنّهما ظلمنا» بدل «إنّهما ظلمانا».

(8) ر: «ضيعانا ميتنا» بدل «و منعانا فيئنا».

9 و 10- المصدر: بثقا.

(11) المصدر: يسكر.

(12) من المصدر.

(13) المصدر: [أ] و.

(14) هكذا في المصدر. و في النسخ: لكتما.

(15) هكذا في المصدر. و في النسخ: أمست.

(16) المصدر: أسّسا.

(17) تفسير العياشي 1/ 202، ح 160. و هذا الحديث هو نفس الحديث التالي و لكن أسقط منه اسم الرّاويّ مع اختلافات بسيطة جدّا. و لعل التكرار و السهو من الناسخ. و اللّه العالم.

 

237
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

قال: لا، الموت موت و القتل قتل.

قيل: ما أحد يقتل إلّا و قد مات.

فقال: قول اللّه أصدق من قولك، فرّق بينهما في القرآن قال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ‏ و قال: لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ‏ و ليس كما قلت: الموت و القتل قتل.

قيل: فإنّ اللّه يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ‏.

قال: من قتل لم يذق الموت.

ثمّ قال: لا بدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت.

و عن زرارة «1» قال‏: كرهت أن أسال أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرّجعة، و استخفيت ذلك، قلت: لأسألنّ مسألة لطيفة أبلغ فيها حاجتي، فقلت: أخبرني عمّن قتل أمات؟

قال: لا، الموت موت و القتل قتل.

قلت: ما أحد يقتل إلّا و قد مات.

فقال: قول اللّه أصدق من قولك، فرّق بينهما في القرآن فقال: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ‏: و قال‏ «2»: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ. و ليس كما قلت يا زرارة: الموت موت و القتل قتل.

قلت: فإن اللّه يقول‏ «3»: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ.

قال: من قتل لم يذق الموت. [ثم‏] «4» قال: لا بدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت.

وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً: من الضّرر يسيرا بارتداده، بل يضرّ نفسه.

وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‏ (144): كأمير المؤمنين- عليه السّلام- و من يحذوا حذوه، شكروا اللّه على نعمة الإسلام و ثبتوا عليها.

في كتاب الاحتجاج للطّبرسيّ- رحمه اللّه‏ «5»-: بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع و الرقم.

(2) آل عمران/ 158.

(3) آل عمران/ 185.

(4) من المصدر.

(5) الاحتجاج 1/ 77.

 

238
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

الباقر- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في حديث طويل، و فيه خطبة الغدير، و فيها: معاشر النّاس، أنذركم إنّي رسول اللّه إليكم‏ «1»، قد خلت من قبلي الرّسل، أ فإن متّ أو قتلت انقلبتم على أعقابكم، و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا و سيجزي اللّه الشّاكرين، ألا و إنّ عليّا هو الموصوف بالصّبر و الشّكر، ثمّ من بعده ولدي من صلبه.

و فيه‏ «2» بإسناده قال عليّ- عليه السّلام- في خطبة له: إنّ اللّه ذا الجلال و الإكرام، لمّا خلق الخلق‏ «3» و اختار خيرة من خلقه، و اصطفى صفوة من عباده، و أرسل رسولا منهم، و أنزل عليه كتابه، و شرع له دينه، و فرض فرائضه، فكانت الجملة قول اللّه- جلّ ذكره- حيث أمر فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا، فانقلبتم على أعقابكم، و ارتددتم، و نقضتم الأمر، و نكثتم العهد، و لم تضرّوا اللّه شيئا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن عبد الصّمد بن بشير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: أ تدرون‏ «5» مات النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أو قتل؟ إنّ اللّه يقول: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ.

ثمّ قال‏ «6»: إنّهما سقتاه قبل الموت‏ «7»

: (يعني: الامرأتين) «8» وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏: إلّا بمشيئته، أو بإذنه لملك الموت في قبض روحها، لا يستأخر ساعة بالإحجام عن القتال و لا يستقدم بالإقدام عليه. و فيه‏

______________________________
(1) ليس في المصدر.

(2) نفس المصدر 1/ 233- 234.

(3) «و» ليس في المصدر.

(4) تفسير العياشي 1/ 200، ح 152.

(5) المصدر: تدرون.

(6) المصدر: «فسمّ قبل الموت» بدل «ثمّ قال».

(7) «قبل الموت» في المصدر، بين المعقوفتين. و إذا كانت العبارات التالي كعبارات المصدر، فلا داعي لتكرارها.

(8) ما بين القوسين ليس في المصدر. و الظاهر هو توضيح من المفسر.

239
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

تحريض و تشجيع على القتال، و وعد الرّسول بالحفظ و تأخير الأجل.

كِتاباً: مصدر، يفيد النّوع. إذ المعنى، كتب الموت كتابا.

مُؤَجَّلًا: صفة له، أي: مؤقّت، لا يتقدّم و لا يتأخّر.

وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها: تعريض بمن شغلته الغنائم يوم أحد.

وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ‏ (145): الّذين شكروا نعمة اللّه، فلم يشغلهم شي‏ء عن الجهاد.

في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: أنّه أصاب عليّا- عليه السّلام- يوم أحد ستّون جراحة، و أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أمر أمّ سليم‏ «2» و أمّ عطيّة أن تداوياه، فقالتا: إنّا لا نعالج منه مكانا إلّا انفتق مكان، و قد خفنا «3» عليه. فدخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و المسلمون يعودونه و هو قرحة واحدة، فجعل يمسحه بيده و يقول: إنّ رجلا لقي هذا في اللّه فقد أبلى و أعذر. فكان القرح الّذي يمسحه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يلتئم، فقال عليّ- عليه السّلام-: الحمد للّه إذ لم أفرّ و لم أولّ‏ «4» الدّبر. فشكر اللّه له ذلك في موضعين من القرآن، و هو قوله: سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ‏ [من الرزق في الدنيا] «5» وَ سَنَجْزِي‏ «6» الشَّاكِرِينَ.

وَ كَأَيِّنْ‏ قيل‏ «7»: «أيّ» دخلت الكاف عليها و صارت بمعنى «كم» و النّون، تنوين أثبت في الخطّ على غير قياس.

و قرأ ابن كثير «و كائن» ككاعن. و وجهه، أنّه قلب الكلمة الواحدة، كقولهم:

رعملى، في «لعمري» فصار كيأن، ثم حذفت الياء الثّانية للتّخفيف، ثمّ أبدلت الياء

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 515.

(2) النسخ: «أم سلمه» و هو وهم. و ما أثبتناه في المتن مؤالف المصدر. و «أم سليم» بنت ملحان بن خالد.

اشتهرت بكنيتها و اختلف في اسمها. فقيل: سهله و رملية و رمسة و مليكة و الغميصاء و الرميصاء. شهدت يوم أحد و سقت فيه العطشى و داوت الجرحى. ثم شهدت يوم حنين. ر. أعلام النساء لكحالة 2/ 256- 257.

(3) المصدر: حفنا.

(4) المصدر: أولى.

(5) من المصدر.

(6) نفس المصدر: سيجزي.

(7) أنوار التنزيل 1/ 185.

240
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

الأخرى ألفا كما أبدلت من «طائي‏ «1» مِنْ نَبِيٍ‏: بيان له.

قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ: ربّانيّون علماء أتقياء.

و قيل‏ «2» جماعات.

و الرّبّيّ، منسوب إلى الرّبّة «3»، و هي الجماعة، للمبالغة.

و في مجمع البيان‏ «4»: عن الباقر- عليه السّلام-: الرّبّيّون، عشرة آلاف.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قرأ: «و كأيّن من نبيّ قتل معه ربّيّون كثير» قال: ألوف و ألوف.

ثمّ قال: إي و اللّه يقتلون.

و قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و يعقوب: «قتل» و إسناده إلى «ربّيّون» أو ضمير النّبيّ. و «معه ربّيّون» حال عنه. و يؤيّد الأوّل أنّه قرئ بالتّشديد، و قرئ: «ربّيّون» بالفتح على الأصل، و بالضّمّ. و هي من تغييرات النّسب كالكسر «6».

فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏: فما فتروا و لم ينكسر جدّهم، لما أصابهم من قتل النّبيّ أو بعضهم.

وَ ما ضَعُفُوا: عن العدوّ أو في الدّين، وَ مَا اسْتَكانُوا: و ما خضعوا للعدوّ. و أصل استكن، من السّكون، لأنّ الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده، و الألف من إشباع الفتحة. أو استكون، من الكون، لأنّه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له. و هذا تعريض بما أصابهم عند الإرجاف بقتله- عليه السّلام.

وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ‏ (146): فينصرهم، و يعظّم قدرهم.

وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) المصدر: ربية.

(4) مجمع البيان 1/ 517.

(5) تفسير العياشي 1/ 201، ح 154. و فيه: عن منصور بن الوليد الصيقل أنّه سمع أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السلام- قرأ ....

(6) أنوار التنزيل 1/ 185.

241
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 144 الى 151] ص : 233

وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‏ (147): أي: و ما كان قولهم من ثباتهم و قوّتهم في الدّين و كونهم ربّانيّين إلّا هذا القول، و هو إضافة الذّنوب و الإسراف إلى أنفسهم، هضما لها، و إضافة لما أصابهم إلى سوء أعمالهم و الاستغفار عنها. ثمّ طلب التّثبيت في مواطن الحرب و النّفرة على العدوّ، ليكون عن خضوع و طهارة، فيكون أقرب إلى الإجابة. و إنّما جعل قولهم خبرا، لأنّ «أن قالوا» أعرف لدلالته على جهة النّسبة و زمان الحدث.

فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏ (148):

فآتاهم اللّه- بسبب الاستغفار و اللّجأ إلى اللّه- النّصر، و الغنيمة، و العزّ، و حسن الذّكر في الدّنيا، و الجنّة و النّعيم في الآخرة. و خصّ ثوابها بالحسن، إشعارا بفضله، و أنّه المعتدّ به عنده.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ‏ (149):

في مجمع البيان‏ «1»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام‏: نزلت في المنافقين، إذ قالوا للمؤمنين يوم أحد عند الهزيمة: ارجعوا إلى إخوانكم و ارجعوا إلى دينهم.

و قيل‏ «2»: عامّ في مطاوعة الكفرة و النّزول على حكمهم، فإنه سيجر «3» الى موافقتهم.

بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ‏: ناصركم.

و قرئ، بالنصب، على تقدير: بل أطيعوا اللّه مولاكم‏ «4».

وَ هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ‏ (150): فاستغنوا به عن ولاية غيره، و نصره.

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ‏: يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد، حتى تركوا القتال و رجعوا من غير سبب.

و نادى أبو سفيان: يا محمّد، موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت.

فقال- عليه السّلام-: إن شاء اللّه.

و قيل‏ «5»: لمّا رجعوا و كانوا ببعض الطّريق، ندموا و عزموا أن يعودوا عليهم‏

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 518.

(2) أنوار التنزيل 1/ 186.

(3) المصدر: يستجرّ.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) نفس المصدر و الموضع.

242
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

 

ليستأصلوهم، فألقى اللّه الرّعب في قلوبهم.

في مجمع البيان‏ «1»: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: نصرت بالرّعب مسيرة شهر.

و في كتاب الخصال‏ «2»: عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: فضّلت بأربع، نصرت بالرّعب مسيرة شهر يسير بين يدي.

عن سعيد بن جبير «3»، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي، جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا و نصرت بالرّعب.

عن جابر بن عبد اللّه، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل‏ «4»، يقول- عليه السّلام- فيه‏: قال لي اللّه- جلّ جلاله-: و نصرتك بالرّعب الّذي لم أنصر به أحدا قبلك‏ «5».

و قرأ ابن عامر و الكسائيّ و يعقوب: «الرّعب» بضمّتين على الأصل في كلّ القرآن‏ «6».

بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ‏: بسبب إشراكهم به، ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ‏: عليهم، سُلْطاناً أي: آلهة ليس على اشتراكها حجّة، و لم ينزل به عليهم سلطانا، و هو كقوله‏ «7»:

و لا ترى الضّبّ بها ينجحر.

و أصل السّلطنة، القوّة. و منه: السّليط، لقوّة اشتعاله. و السّلاطة، لحدّة اللّسان.

وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ‏ (151)، أي: مثواهم. الظّاهر فوضع المضمر، للتّغليظ و التّعليل.

وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ‏: أي: وعده إيّاهم بالنّصر، بشرط التّقوى و الصّبر.

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 519.

(2) الخصال/ 201، ضمن حديث 14.

(3) نفس المصدر/ 292، ح 56. و له تتمة.

(4) نفس المصدر/ 425، ضمن حديث 1.

(5) ليس في المصدر.

(6) أنوار التنزيل 1/ 186.

(7) أنوار التنزيل 1/ 186.

 

243
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

و كان كذلك حتّى خالف الرّماة، فإنّ المشركين لمّا أقبلوا جعل الرّماة يرشقونهم و الباقون يضربونهم بالسّيف، حتّى انهزموا و المسلمين على آثارهم.

إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ‏: تقتلونهم. من حسّه، إذا أبطل حسه.

حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ‏: جبنتم، و ضعف رأيكم. أو ملتم إلى الغنيمة، فإنّ الحرص من ضعف العقل.

وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ، يعني: اختلاف الرّماة حين انهزم المشركون، فقال بعضهم:

فما موقفنا هاهنا. و قال الآخرون: لا نخالف أمر الرّسول. فثبت مكانه أميرهم في نفر دون العشرة، و نفر الباقون للنّهب. و هو المعنى بقوله:

وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ‏: من الظّفر و الغنيمة، و انهزام العدوّ.

و جواب «إذا» محذوف، و هو «امتحنكم».

مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا: و هم التّاركون المركز للغنيمة.

وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ: و هم الثّابتون‏ «1»، محافظة على أمر الرّسول.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: قوله: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا يعني، أصحاب عبد اللّه بن جبير، الّذين تركوا مراكزهم‏ «3» و فرّوا «4» للغنيمة. قوله: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعني، عبد اللّه بن جبير و أصحابه، الّذين بقوا حتّى قتلوا.] «5» ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ‏: ثمّ كفّكم عنهم، حتّى خالف الحال، فغلبوكم‏ «6»، لِيَبْتَلِيَكُمْ‏: على المصائب، و يمتحن ثباتكم على الإيمان عندها.

وَ لَقَدْ عَفا عَنْكُمْ‏: تفضّلا، و لما علم من ندمكم على المخالفة.

وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏ (152): بتفضّله عليهم بالعفو، أو في الأحوال كلّها، سواء أديل لهم أو عليهم، إذ الابتلاء أيضا رحمة، إِذْ تُصْعِدُونَ‏: متعلّق «بصرفكم» أو «بيبتليكم» أو بمقدّر كما ذكروا.

و الإصعاد، الذّهاب و الإبعاد في الأرض. يقال: أصعدنا من مكّة إلى المدينة.

______________________________
(1) أ: التائبون.

(2) تفسير القمي 1/ 120.

(3) المصدر: مركزهم.

(4) المصدر: مرّوا.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) ر: فقلبوكم.

244
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ: لا يقف أحد لأحد، و لا ينتظره، وَ الرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ‏: كان يقول: إليّ عباد اللّه، أنا رسول اللّه، من يكرّ فله الجنّة، فِي أُخْراكُمْ‏: في ساقتكم و جماعتكم الأخرى، فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ‏: فجازاكم اللّه عن فشلكم و عصيانكم، غمّا متّصلا بغمّ.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [في قوله: فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ‏] «2» فأمّا الغمّ الأوّل فالهزيمة و القتل، و الغمّ الآخر فإشراف خالد بن الوليد عليهم.

لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى‏ ما فاتَكُمْ‏: من الغنيمة، وَ لا: على‏ ما أَصابَكُمْ‏: من قتل إخوانكم.

و قيل‏ «3»: «لا» مزيدة، و المعنى: لتأسفوا على ما فاتكم من الظّفر و الغنيمة، و على ما أصابكم في الجرح و الهزيمة عقوبة لكم.

و قيل: الضّمير في «أثابكم» للرّسول، أي: فآساكم في الاغتمام، فاغتمّ بما نزل عليكم كما اغتممتم بما نزل عليه، و لم يثربكم على عصيانكم تسلية لكم، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم من النّصر، و لا على ما أصابكم من الهزيمة.

وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ‏ (153) عالم بأعمالكم، و بما قصدتم بها.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى‏ ما فاتَكُمْ‏ من الغنيمة، و لا على‏ ما أَصابَكُمْ‏، يعني، قتل إخوانهم. وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.] «5»

ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً: أنزل اللّه عليكم الأمن حتّى أخذكم النّعاس.

و عن أبي طلحة «6»: غشينا النّعاس في المصافّ حتّى كان السّيف يسقط من‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 120.

(2) من المصدر.

(3) أنوار التنزيل 1/ 187.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) أنوار التنزيل 1/ 187.

245
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

يد أحدنا، فيأخذه ثمّ يسقط، فيأخذه.

و الأمنة، الأمن. نصب، على المفعول. و نعاسا، بدل منها. أو هو المفعول، و «أمنة» حال منه متقدّمة. أو مفعول له. أو حال من المخاطبين، بمعنى، ذوي أمنة. أو على أنّه، جمع آمن، كبارّ و بررة.

و قرئ: أمنة، بسكون الميم، كأنّها المرّة من الأمن.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و ذكر يوم أحد-: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- كسرت رباعيّته، و أنّ النّاس ولّوا مصعدين في الوادي و الرّسول يدعوهم في أخراهم فأثابهم غمّا بغمّ، ثمّ أنزل عليهم النّعاس.

فقلت: النّعاس ما هو؟

قال: الهمّ، فلمّا استيقظوا قالوا: كفرنا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.] «2» يَغْشى‏ طائِفَةً مِنْكُمْ‏، أي: النّعاسّ.

و قرأ حمزة و الكسائيّ، بالتّاء، ردّا على الأمنة. و الطّائفة، المؤمنون حقّا «3».

وَ طائِفَةٌ: هم المنافقون، قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ‏: أوقعتهم‏ «4» أنفسهم في الهموم، أو ما بهم إلّا هم أنفسهم و طلب خلاصها، يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ: صفة أخرى «لطائفة» أو حال. أو استئناف، على وجه البيان لما قبله.

و «غير الحقّ» نصب على المصدر، أي: يظنّون باللّه غير الظّنّ الحقّ الّذي يحقّ أن يظنّ به.

و «ظنّ الجاهليّة» بدل، و هو الظّنّ المختصّ بالملّة الجاهليّة و أهلها.

يَقُولُونَ‏، أي: لرسول اللّه. و هو بدل من «يظنّون».

هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْ‏ءٍ: ممّا أمر اللّه، و وعده من النّصر و الظّفر نصيب‏

______________________________
(1) تفسير العيّاشيّ 1/ 201، صدر حديث 155.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) أنوار التنزيل 1/ 187.

(4) أ: أوثقهم.

246
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

قطّ.

و قيل‏ «1»: أخبر ابن أبيّ بقتل بني الخزرج، فقال ذلك.

و المعنى: إنّا منعنا تدبير أنفسنا و تصريفها باختيارنا، فلم يبق لنا من الأمر شي‏ء أوهل يزول عنّا هذا القهر، فيكون لنا من الأمر شي‏ء قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ‏، أي: الغلبة الحقيقيّة للّه و أوليائه، فإنّ حزب اللّه هم الغالبون. أو القضاء له، يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد. و هو اعتراض.

و قرأ ابو عمرو و يعقوب «كلّه» بالرّفع، على الابتداء «2».

يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ‏: حال، من ضمير «يقولون»، أي: يقولون مظهرين أنّهم مسترشدون طالبون للنّصر، مبطنين الإنكار و التّكذيب.

يَقُولُونَ‏، أي: في أنفسهم، أو إذا خلا بعضهم إلى بعض. و هو بدل من «يخفون.» أو استئناف، على وجه البيان له.

لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ: كما وعد محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و زعم، متوصّلا أنّ الأمر كلّه للّه- تعالى- و لأوليائه. أ و لو كان لنا اختيار و تدبير لم نبرح، كما كان ابن أبيّ و غيره.

ما قُتِلْنا هاهُنا: لما غلبنا، و لما قتل من قتل منّا في هذه المعركة.

قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى‏ مَضاجِعِهِمْ‏، أي:

لخرج الّذين قدّر اللّه عليهم القتل و كتب في اللّوح المحفوظ إلى مصارعهم، و لم ينفع الإقامة بالمدينة، و لم ينج منه أحد، فإنّه قدّر الأمور و دبّرها في سابق قضائه، لا معقّب لحكمه.

وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ما فِي صُدُورِكُمْ‏: ليمتحن ما في صدوركم، و يظهر سرائرها من الإخلاص و النّفاق. و هو علّة فعل محذوف، أي: و فعل ذلك ليبتلي. أو عطف على محذوف، أي، لبرز لنفاذ القضاء، أو لمصالح جمّة و للابتلاء. أو على قوله: لكيلا تحزنوا.

وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ‏: و ليكشفه و يميّزه، أو يخلّصه عن الوساوس.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (154): بخفيّاتها قبل إظهارها. و فيه وعد و وعيد، و تنبيه على أنّه غنيّ عن الابتلاء، و إنّما فعل ذلك لتمرين المؤمنين و إظهار حال المنافقين.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ‏: انهزموا يوم أحد.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) نفس المصدر 1/ 188.

247
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

و الجمعان، جمع المسلمين و جمع المشركين.

إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ‏: حملهم على الزّلة، بِبَعْضِ ما كَسَبُوا: من معصيتهم النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- بترك المركز و الحرص على الغنيمة و غير ذلك، فمنعوا التّأييد و قوّة القلب.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: قوله: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ‏ أي، خدعهم‏ «2» حتّى طلبوا الغنيمة. بِبَعْضِ ما كَسَبُوا قال: بذنوبهم.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3» عن زرارة و حمران و محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- في قوله: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا فهو عقبة بن عثمان، و عثمان بن سعد.

] «4»

عن عبد الرّحمن‏ «5» بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله‏ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا] «6» قال: هم أصحاب العقبة.

وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ‏: لتوبتهم و اعتذارهم.

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ: للذّنوب.

حَلِيمٌ‏ (155): لا يعاجل بعقوبة المذنب، كي يتوب.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: المنافقين.

وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ‏: لأجلهم و فيهم. و معنى إخوتهم، اتّفاقهم في النّسب، أو المذهب.

إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ‏: إذا سافروا فيها و أبعدوا للتّجارة، أو غيرها. و كان حقّه «إذ» لقوله: «قالوا» لكنّه جاء على حكاية الحال الماضية.

أَوْ كانُوا غُزًّى‏: جمع، غاز كعاف، و عفّى.

لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا: مفعول «قالوا» و هو يدلّ على أنّ إخوانهم، لم يكونوا مخاطبين به.

لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏: متعلّق «بقالوا» على أنّ اللّام، لام‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 121.

(2) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: خزلهم.

(3) تفسير العياشي 1/ 201، ح 156.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 158.

(6) من المصدر.

248
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

العاقبة، مثلها في‏ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً. أولا تكونوا مثلهم في النّطق بذلك القول و الاعتقاد، ليجعله حسرة في قلوبهم خاصّة.

[ «فذلك» إشارة إلى ما دلّ عليه قولهم من الاعتقاد.

و قيل‏ «1»: إلى ما دلّ عليه النّهي، أي، لا تكونوا مثلهم، ليجعل اللّه انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم،] «2» فإنّ مخالفتهم و مضادّتهم‏ «3» مما يغمّهم.

وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ‏: ردّ لقولهم، أي: هو المؤثّر في الحياة و الممات، لا الإقامة و السّفر، فإنّه- تعالى- قد يحيي المسافر و الغازي و يميت المقيم و القاعد.

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156): تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم.

و قرأ ابن كثير و حمزة و الكسائيّ، بالياء، على أنّه وعيد للذين كفروا «4».

وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ‏: في سبيله.

و قرأ نافع و حمزة و الكسائيّ، بكسر الميم، من مات يمات‏ «5».

لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏ (157): جواب القسم. و هو سادّ، مسدّ الجزاء، و المعنى: أنّ السّفر و الغزو ليس ممّا يجلب الموت و يقدّم الأجل، و إن وقع ذلك في سبيل اللّه، فما تنالون من المغفرة و الرّحمة بالموت خير ممّا تجمعون من الدّنيا و منافعها لو لم تموتوا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «6»: عن عبد اللّه بن المغيرة [، عمّن حدّثه، عن جابر،] «7» عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: سئل عن قول اللّه: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ‏.

قال: أ تدري يا جابر ما سبيل اللّه؟

فقلت: لا و اللّه إلّا أن أسمعه منك.

قال: سبيل اللّه عليّ- عليه السّلام- و ذرّيّته، فمن‏ «8» قتل في ولايته قتل في سبيل اللّه، و من مات في ولايته مات في سبيل اللّه.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 189.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(3) أ: مضارعتهم.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) تفسير العياشي 1/ 202، ح 162. و له ذيل.

(7) من المصدر.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: من.

249
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

و في كتاب معاني الأخبار «1»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخل، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: سألته عن هذه الآية في قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ.

قال: فقال: أ تدري ما سبيل اللّه؟

قال: لا و اللّه إلّا أن أسمعه منك.

قال: سبيل اللّه عليّ- عليه السّلام‏ «2»- و ذرّيّته، و «سبيل اللّه‏ «3»» من قتل في ولايته قتل في سبيل اللّه، و من مات في ولايته مات في سبيل اللّه.

و قرأ حفص، بالياء «4».

وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ‏: على أي وجه اتّفق هلاكهم، لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ‏ (158) لإلى معبودكم الّذي توجّهتم إليه و بذلتم مهجكم لأجله لا إلى غيره، لا محالة تحشرون فيوفيّ جزاءكم و يعظّم ثوابكم.

و قرأ نافع و حمزة و الكسائيّ: «متّم» بالكسر «5».

فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏، أي: فبرحمة. و «ما» مزيدة للتّأكيد. و الدّلالة على أنّ لينه لهم ما كان إلّا برحمة من اللّه، و هو ربطه على جأشه و توفيقه للرّفق بهم، حتّى اغتمّ لهم بعد «6» أن خالفوه.

وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا: سيّ‏ء الخلق، جافيا، غَلِيظَ الْقَلْبِ‏: قاسيه، لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏: لتفرّقوا عنك، و لم يسكنوا إليك.

فَاعْفُ عَنْهُمْ‏: فيما يختصّ بك، وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏: فيما للّه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن صفوان قال‏: استأذنت لمحمّد بن خالد على‏ «8» الرّضا

______________________________
(1) معاني الأخبار/ 167، ح 1.

(2) المصدر: [هو] عليّ- عليه السّلام.

(3) «و سبيل اللّه» في المصدر، بين المعقوفتين.

(4) أنوار التنزيل 1/ 189.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) النسخ: «بعده» بدل «لهم بعد». و ما أثبتناه في المتن موافق أنوار التنزيل 1/ 189.

(7) تفسير العياشي 1/ 203، ح 163.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: عن.

 

250
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

أبي الحسن- عليه السّلام- و أخبرته أنّه ليس يقول بهذا القول، و أنّه قال: و اللّه لا أريد بلقائه إلّا لأنتهي إلى قوله.

فقال أدخله، فدخل.

فقال له: جعلت فداك، أنّه كان فرط منّي شي‏ء و أسرفت على نفسي، و كان فيما يزعمون أنّه كان بعينه‏ «1»، فقال‏ «2»: و أنا «3» أستغفر اللّه ممّا كان منّى، فأحبّ أن تقبل عذري و تغفر لي ما كان منّي.

فقال: نعم أقبل، إن لم أقبل كان إبطال ما يقول‏ «4» هذا و أصحابه- و أشار إليّ بيده- و مصداق ما يقول الآخرون، يعني، المخالفين. قال اللّه لنبيّه- عليه و آله السّلام-:

فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ. ثمّ سأله عن أبيه، فأخبره أنّه قد مضى، و استغفر له.

وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ: في أمر الحرب، إذا الكلام فيه. أو فيما يصحّ أن يشاور فيه، استظهارا برأيهم، و تطيّبا لنفوسهم، و تمهيدا لسنّة المشاورة للأمّة.

و في نهج البلاغة «5»: قال- عليه السّلام- من استبدّ برأيه هلك، و من شاور الرّجال شاركها في عقولها.

و فيه‏ «6»: قال- عليه السّلام-: و الاستشارة عين‏ «7» الهداية، فقد خاطر من استغنى برأيه.

و في كتاب التّوحيد «8»، بإسناده إلى أبي البختريّ، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، و فيه: لا وحدة أوحش من العجب، و لا مظاهرة أوثق من المشاورة.

و في كتاب الخصال‏ «9». عن محمّد بن آدم، عن أبيه- بإسناده- قال: قال‏

______________________________
(1) المصدر: يعيبه (بعينه- خ ل)

(2) هكذا في أو المصدر. و في رو الأصل: فقأ.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: أن.

(4) ر: أقول.

(5) نهج البلاغة/ 500، حكمة 161.

(6) نفس المصدر/ 506، ضمن حكمة 211.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: عن.

(8) التوحيد/ 376، ضمن حديث 20.

(9) الخصال/ 101- 102، ح 57.

 

251
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 152 الى 159] ص : 243

رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يا عليّ، لا تشاورنّ جبانا فإنه يضيق عليك المخرج، و لا تشاورنّ البخيل فإنّه يقصر بك عن غايتك، و لا تشاورنّ حريصا فإنّه يزيّن لك شرّها «1».

و فيه‏ «2»، في الحقوق المرويّة، عن عليّ بن الحسين- عليه السّلام- و حقّ المستشير إن علمت له رأيا أشرت عليه، و إن لم تعلم أرشدته إلى من يعلم. و حقّ المشير عليك‏ «3» أن لا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه، فإن وافقك حمدت اللّه.

و عن سفيان الثّوريّ‏ «4» قال: لقيت الصّادق [بن الصّادق‏] «5» جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- فقلت له: يا بن رسول اللّه أوصني.

فقال لي: يا سفيان، لا مرؤة لكذوب‏ «6»- إلى قوله-: و شاور في أمرك الّذين يخشون اللّه.

[فَإِذا عَزَمْتَ‏: فإذا وطّنت نفسك على شي‏ء بعد الشّورى.

فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏: في إمضاء أمرك على ما هو أصلح لك، فإنه لا يعلم سواه.

و قرئ: فإذا عزمت على التّكلّم، أي: فإذا عزمت لك على شي‏ء و عيّنته لك، فتوكّل عليّ و لا تشاور فيه‏ «7» أحدا.

إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ‏ (159): فينصرهم و يهديهم إلى الصّلاح.] «8»

في تفسير العيّاشيّ‏ «9»: أحمد بن محمّد، عن عليّ بن مهزيار قال‏: كتب إليّ أبو جعفر- عليه السّلام- أن سل فلانا أن يشير عليّ و يتخيّر لنفسه، فهو يعلم ما يجوز في بلده، و كيف يعامل السّلاطين، فإنّ المشورة مباركة، قال اللّه لنبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- في محكم كتابه: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ‏ فإن كان ما يقول ممّا يجوز كنت أصوّب رأيه‏ «10»، و إن كان غير ذلك رجوت أن أضعه على الطّريق الواضح- إن شاء اللّه- وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ قال: يعني:

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: ثرها.

(2) نفس المصدر/ 510، ضمن حديث 1.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «المستشير» بدل «المشير عليك».

(4) نفس المصدر/ 169، ضمن حديث 222.

(5) من المصدر.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: للكذوب.

(7) أنوار التنزيل 1/ 189.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(9) تفسير العياشي 1/ 204- 205، ح 147.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: لرأيه.

 

252
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

 

الاستخارة.

إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ‏: فلا أحد يغلبكم.

وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ‏، كما خذلكم يوم أحد، فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ‏: من بعد خذلانه، أو من بعد اللّه، بمعنى: إذا جاوزتموه فلا ناصر لكم. و هذا تنبيه، على المقتضي للتّوكّل. و تحريض، على ما يستحقّ به النّصر من اللّه. و تحذير، عمّا يستجلب بخذلانه.

و في كتاب التّوحيد «1»: بإسناده إلى عبد اللّه بن الفضل الهاشميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: فقلت: قوله- عزّ و جلّ-: و ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ‏ و قوله- عزّ و جلّ-: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَ إِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ‏.

فقال: إذا فعل العبد ما أمره اللّه- عزّ و جلّ- به من الطّاعة كان فعله وفقا لأمر اللّه- عزّ و جلّ- و سمّي العبد به موفّقا، و إذا أراد العبد أن يدخل‏ «2» في شي‏ء من معاصي اللّه فحال اللّه- تبارك و تعالى- بينه و بين تلك المعصية فتركها كان تركه لها «3» بتوفيق اللّه- تعالى ذكره- و متى خلّى بينه و بين المعصية فلم يحل بينه و بينها حتّى يرتكبها فقد خذله و لم ينصره و لم يوفّقه.

وَ عَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ‏ (160) فليخصّوه بالتّوكّل عليه، لمّا علموا أن لا ناصر سواه و آمنوا به.

وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ‏: و ما صحّ لنبيّ أن يخون في الغنائم، فإنّ النّبوّة تنافي الخيانة.

يقال: غلّ شيئا من المغنم، يغلّ غلولا، و أغلّ إغلالا، إذا أخذه في خفية.

و المراد منه براءة الرّسول- صلّى اللّه عليه و آله- عمّا اتّهم به.

و قرأ نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ و يعقوب: «أن يغلّ» على البناء للمفعول، و المعنى: و ما صحّ له أن يوجد غالّا، أو أن ينسب إلى الغلول‏ «4».

______________________________
(1) التوحيد/ 242، ذيل حديث 1.

(2) أ: «لن يدخل» بدل «أن يدخل».

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «تركها» بدل «تركه لها».

(4) أنوار التنزيل 1/ 190.

 

253
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: أنّ سبب نزولها، أنّه كان في الغنيمة الّتي أصابوها يوم بدر قطيفة حمراء، ففقدت، فقال رجل من أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

مالنا لا نرى القطيفة، لا أظنّ إلّا أنّ رسول اللّه أخذها. فأنزل اللّه في ذلك: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ‏ (الآية) فجاء رجل إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: إنّ فلانا غلّ قطيفة فأخبأها «2» هنالك. فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بحفر ذلك الموضع، فأخرج القطيفة.

وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ، أي: يأتي بما غلّ من النّار يوم القيامة، أي: يجعل ما غلّ في النّار و يكلّف بأن يخرجه منها، كما

رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره‏ «3»:

عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ‏ قال:

فصدق‏ «4» اللّه لم يكن اللّه ليجعل نبيّا غالا، و من يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة، و من غلّ شيئا رآه يوم القيامة في النّار، ثمّ يكلّف أن يدخل إليه فيخرجه من النّار.

و في أمالى الصّدوق- رحمه اللّه‏ «5»-: بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه: إنّ رضا النّاس لا يملك و ألسنتهم لا تضبط [...] ألم ينسبوه‏ «6» يوم بدر إلى أنّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء، حتّى أظهره اللّه على القطيفة، و برّأ نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- من الخيانة و أنزل بذلك في كتابه: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ‏: تعطي جزاء ما كسبت وافيا. و كان الظّاهر أن يقال: ثمّ توفّى ما كسبت، لكنّه عمّم الحكم ليكون كالبرهان على المقصود و المبالغة فيه، فإنّه إذا كان كاسب مجزئا بعمله، فالغالّ مع عظم جرمه أولى.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ‏ (161): فلا ينقص ثواب مطيعهم، و لا يزاد عقاب عاصيهم.

أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ‏: بالطّاعة، إنكار للتّسوية، كَمَنْ باءَ: رجع،

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 126- 127.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: فأحضرها.

(3) نفس المصدر 1/ 122.

(4) المصدر: «و من يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة. و صدق» بدل «قال فصدق».

(5) أمالي الصدوق/ 91 و 92، ضمن حديث 3.

(6) أ: بينوه.

254
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ‏: سبب المعاصي، وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ (162):

و الفرق بينه و بين المرجع، أنّ المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى و لا كذلك المرجع.

هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏:

قيل‏ «1»: شبّهوا بالدّرجات لما بينهم من التّفاوت في الثّواب و العقاب، أو هم ذوو درجات.

و قيل: يحتمل أن يكون تشبّههم بالدّرجات في أنّهم وسائل الصّعود إلى اللّه، و الهبوط من قربه إلى أسفل السّافلين.

و لا يخفى ما في هذه التّوجيهات من التّكلّف، و الصّواب أنّ ضميرهم راجع إلى «من اتّبع» و المراد منهم الأئمّة، و هم درجات عند اللّه لمن اتّبعهم من المؤمنين، و أسباب لرفعتهم عند اللّه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن عمّار بن مروان‏ «3» قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله اللّه: أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ.

فقال: الذين اتبعوا رضوان اللّه‏ «4»، هم الأئمّة، و هم‏ «5» و اللّه [- يا عمّار-] «6» درجات عند اللّه للمؤمنين، و بولايتهم‏ «7» و معرفتهم إيّانا يضاعف اللّه لهم أعمالهم‏ «8» و يرفع اللّه [لهم‏] «9» الدّرجات العلى. و أمّا قوله:- يا عمّار- كمن باء بسخط من اللّه (إلى [قوله‏] «10») المصير،

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 190.

(2) تفسير العياشي 1/ 205، ح 149.

(3) الأصل و أ: «عمران بن مروان». و في ر: «عمران». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر. و الظاهر أنّ الراويّ هو «عمّار بن مروان اليشكري مولاهم الخزّاز الكوفي». ر. تنقيح المقال 2/ 318، رقم 8592.

(4) «الذين اتّبعوا رضوان اللّه» ليس في المصدر.

(5) «و هم» ليس في المصدر.

(6) من المصدر.

(7) المصدر: و بموالاتهم.

(8) المصدر: «و هم، و اللّه يا عمّار! درجات للمؤمنين عند اللّه. و بموالاتهم و معرفتهم إيّانا فيضاعف اللّه للمؤمنين حسناتهم» بدل «و هم، و اللّه يا عمّار! درجات عند اللّه للمؤمنين. و بولايتهم و معرفتهم إيّانا يضاعف اللّه لهم أعمالهم».

9 و 10- من المصدر.

 

255
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

فهم و اللّه الّذين جحدوا حقّ عليّ بن أبي طالب و حقّ الأئمّة منّا أهل البيت، فباؤوا بذلك بسخط «1» من اللّه.

عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام‏ «2»- أنّه ذكر قول اللّه: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏ قال الدّرجات‏ «3» ما بين السّماء و الأرض.

و في أصول الكافي‏ «4»: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن هشام [بن سالم،] «5» عن عمّار السّاباطيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ- عن هذه الآية «6».

فقال: الّذين اتّبعوا رضوان اللّه، هم الائمّة، و هم و اللّه- يا عمّار- درجات للمؤمنين، و بولايتهم و معرفتهم إيّانا يضاعف اللّه لهم أعمالهم، و يرفع اللّه‏ «7» لهم‏ «8» الدّرجات العلى.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «9»: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن المعلى بن محمّد، عن عليّ بن محمّد، عن بكر بن صالح، عن جعفر بن يحيى، عن عليّ بن النّضر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يذكر فيه لقمان و وعظه لابنه، و فيه: من اتّبع أمره استوجب جنّته و مرضاته، و من لم يتّبع رضوان اللّه فقد هان عليه سخطه‏ «10»، نعوذ باللّه من سخط اللّه.

وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ‏ (163): عالم بأعمالهم، فيجازيهم على حسبها.

لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ‏: أنعم اللّه. و اللّام، موطّئة للقسم.

______________________________
(1) المصدر: «لذلك سخطا» بدل «بذلك بسخط».

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 150.

(3) المصدر: الدرجة.

(4) الكافي 1/ 430، ح 84.

(5) من المصدر.

(6) ذكر في المصدر نفس الآية بطولها بدل «عن هذه الآية».

(7) المصدر: [اللّه‏].

(8) ليس في المصدر.

(9) تفسير القمي 2/ 165. و السند المذكور هنا هو في المصدر سند لحديث آخر (ص 161- 162). فراجع.

و سند هذا الحديث هاهنا، هكذا: حدّثنى أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن حمّاد، قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن لقمان و حكمته الّتي ذكرها اللّه- عزّ و جلّ- فقال: ...

(10) النسخ: لسخطه.

256
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

و قرئ بمن الجارّة، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: منه، أو بعثه‏ «1».

عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏: على الّذين آمنوا مع الرّسول. و تخصيصهم- مع أنّ نعمة البعثة عامّة- لزيادة انتفاعهم بها.

إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏: من نسبهم، أو من صنفهم، عربيّا مثلهم، ليفهموا كلامه بسهولة، و يكونوا واقفين على حاله في الصّدق و الأمانة، مفتخرين به.

و قرئ: من أنفسهم، أي: من أشرفهم، لأنّه- عليه السّلام- كان من أشرف قبائل العرب و بطونهم‏ «2».

يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ‏، أي: القرآن، بعد ما كانوا جهّالا لم يسمعوا الوحي.

وَ يُزَكِّيهِمْ‏: و يطهّرهم من دنس الطّبائع، و سوء العقائد و الأعمال، وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ: القرآن، و السّنّة.

وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ (164):

«إن» هي المخفّفة. و اللّام، هي الفارقة، و المعنى: و إنّ الشّأن كانوا من قبل بعثة الرّسول في ضلال ظاهر.

أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها:

الهمزة، للتّقرير و التّقريع. و الواو، عاطفة للجملة على ما سبق من قصّة أحد، أو على محذوف، أي: فعلتم كذا و قلتم كذا. «لمّا» و هو ظرفه المضاف إلى أصابتكم، أي:

حين أصابتكم مصيبة، و هي قتل سبعين منكم يوم أحد، و الحال أنّكم نلتم ضعفها يوم بدر من قتل سبعين و أسر سبعين.

قُلْتُمْ أَنَّى هذا، أي: من أين أصابنا هذا؟ و قد وعدنا اللّه النّصر.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- «4» قال‏: كان المسلمون قد أصابوا ببدر مائة و أربعين رجلا، قتلوا سبعين رجلا و أسروا سبعين، فلمّا كان يوم أحد أصيب من المسلمين سبعون رجلا، قال: فاغتمّوا لذلك فأنزل اللّه- تبارك و تعالى-: أ و لمّا (الآية) «5»

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 190.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) تفسير العياشي 1/ 205، ح 151.

(4) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة: في قول اللّه: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها.

(5) ذكر في المصدر الآية بدل «الآية».

257
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏:

باختياركم الفداء يوم بدر، كذا عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- رواه في مجمع البيان‏ «1».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: أنّ يوم بدر قتل من قريش سبعون و أسر منهم سبعون، و كان الحكم في الأسارى يوم بدر «3» القتل، فقامت الأنصار [إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-] «4» فقالوا: يا رسول اللّه، هبهم لنا و لا تقتلهم حتّى نفاديهم.

فنزل جبرائيل- عليه السّلام- فقال: إنّ اللّه قد أباح لهم‏ «5» الفداء أن يأخذوا من هؤلاء القوم و يطلقوهم على أن يستشهد منهم في عام قابل بقدر من يأخذون‏ «6» منه الفداء «7».

فأخبرهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بهذا الشّرط.

فقالوا: قد رضينا به، نأخذ العام الفداء عن هؤلاء و نتقوى به، و يقتل منّا في عام قابل بعدد من‏ «8» نأخذ منهم‏ «9» الفداء، و ندخل الجنّة. فأخذوا منهم الفداء و أطلقوهم.

فلمّا كان يوم أحد «10» قتل‏ «11» من اصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- سبعون، فقالوا: يا رسول اللّه، ما هذا الّذي أصابنا و قد كنت تعدنا النّصر «12»؟ فأنزل اللّه: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ‏ (الآية) «13» قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ‏ بما اشترطتم يوم بدر.

قال البيضاويّ‏ «14»: أي، ممّا قد اقترفته أنفسكم من مخالفة الأمر بترك المركز، فإنّ الوعد كان مشروطا بالثّبات و المطاوعة، أو اختيار الخروج من المدينة.

و الأوّل مخالف للنّصّ، و الثّاني لعدم الرّدّ على اختيار الرّسول- صلّى اللّه عليه و آله-.

______________________________
(1) بل في أنوار التنزيل 1/ 191.

(2) تفسير القمي.

(3) «يوم بدر» ليس في المصدر.

(4) من المصدر.

(5) أ: لكم.

(6) المصدر: يأخذوا.

(7) يوجد في المصدر بعد هذه الكلمة: من هؤلاء.

(8) المصدر: ما.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: منه.

(10) المصدر: «فلمّا كان في هذا اليوم و هو يوم أحد» بدل «فلمّا كان يوم أحد».

(11) ر: قتلوا.

(12) المصدر: بالنصر.

(13) المصدر: «مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا» بدل «الآية».

(14) أنوار التنزيل 1/ 191.

258
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (165): فيقدر على النّصر و منعه، و على أن يصيب بكم و يصيب منكم.

وَ ما أَصابَكُمْ‏: من القتل.

يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ‏: يوم أحد. و الجمعان، جمع المسلمين و جمع المشركين، فَبِإِذْنِ اللَّهِ‏: فهو كائن بتخلية الكفّار. و سمّاها إذنا، مجازا مرسلا، لأنّها من لوازمه، ليفي بما شرطتم يوم بدر حين اختياركم، وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ‏ (166) وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا: و ليتميّز المؤمنون و المنافقون، فيظهر إيمان هؤلاء بالصّبر، و نفاق هؤلاء بإظهار طلب وعد النّصر و الإعراض عن الاشتراط. و في إيراد أحد المفعولين ما يدلّ على الحدوث دون الآخر، مدح للمؤمنين بالثّبات على الإيمان و المنافقين بعدمه، وَ قِيلَ لَهُمْ‏: عطف على «نافقوا» داخل في الصّلة، أو لكلام مبتدأ، تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا: تقسيم للأمر عليهم، و تخيير بين أن يقاتلوا للآخرة أو للدّفع عن الأنفس و الأموال. أو معناه: قاتلوا الكفرة. أو ادفعوهم بتكثير سواد المجاهدين، فإنّ كثرة السّواد ممّا يروّع العدوّ و يكسر منه.

قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ‏، أي: لو نعلم ما يصحّ أن يسمّى قتالا لاتّبعناكم فيه، لكن ما أنتم عليه ليس بقتال بل إلقاء بالأنفس إلى التّهلكة. أو لو نحسن قتالا لاتّبعناكم، قالوا ذلك دغلا و استهزاء.

هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ، أي: يوم إذ قالوا ذلك. أو يوم إذ قام القتال، و أحسّوا به.

أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ‏:

قيل‏ «1»: لانخزالهم و كلامهم هذا، فإنّهما أوّل أمارات ظهرت منهم مؤذنة بكفرهم.

و قيل: هم لأهل الكفر أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان، إذ كان انخزالهم و مقالهم تقوية للمشركين و تخذيلا «2» للمؤمنين.

و الأولى، الحمل على ما يشمل المعنيين، أي هم لتقوية الكفر، أي: كفرهم و كفر من شاركهم فيه أقرب منهم لتقوية الإيمان، لأنّ ما ظهر منهم يدلّ على كفرهم و تقوية للكافرين و تخذيل للمؤمنين.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) المصدر: تخزيلا.

259
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ‏: يظهرون خلاف ما يضمرونه. و إضافة القول إلى «أفواههم» تأكيد.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ‏ (167): من النّفاق، ما يخلوا به بعضهم إلى بعض، فإنّه يعلمه مفصّلا بعلم واجب، و أنتم تعلمونه مجملا بأمارات.

في مصباح الشّريعة «1»: عن الصّادق- عليه السّلام- في كلام له: و من ضعف يقينه تعلّق بالأسباب و رخّص لنفسه بذلك، و اتّبع العادات و أقاويل النّاس بغير حقيقة، و السّعي في أمور الدّنيا و جمعها و إمساكها، يقرّبا للّسان، أنّه لا مانع و لا معطي إلّا اللّه و أنّ العبد لا يصيب إلّا ما رزق و قسم له و الجهد لا يزيد في الرّزق، و ينكسر ذلك بفعله و قلبه، قال اللّه تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ.

الَّذِينَ قالُوا: مرفوع، بدل من واو «يكتمون.». أو منصوب على الذّمّ أو الوصف «للّذين نافقوا». أو مجرور، بدل من الضّمير في «بأفواههم» أو «قلوبهم»، لِإِخْوانِهِمْ‏: لأجلهم. يريد من قتل بأحد من أقاربهم، أو من جنسهم، وَ قَعَدُوا: حال مقدّر بقد، أي: قالوا: قاعدين عن القتال، لَوْ أَطاعُونا: في القعود، ما قُتِلُوا: كما لم نقتل.

و قرأ هشام: ما قتّلوا، بالتّشديد «2».

قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (168): في أنّكم تقدرون على دفع القتل و أسبابه ممّن كتب عليه، فادفعوا عن أنفسكم الموت و أسبابه، فإنّه أحرى بكم.

و المعنى: أنّ القعود غير مغن، فإنّ أسباب الموت كثيرة، كما أنّ القتال يكون سببا للهلاك و القعود سببا للنّجاة، قد يكون الأمر بالعكس، فإنّه قد يدفع بالقتال العدوّ فينجو، و بالقعود يصير العدوّ جريئا فيغلب عليه فيهلك.

وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً «3»:

______________________________
(1) شرح فارسى مصباح الشريعة 2/ 188- 189.

(2) أنوار التنزيل 1/ 191.

(3) ورد في حاشية الأصل عند تفسير هذه الآية هكذا: قال الفاضل الكاشي في تفسيره: و الآية «تشتمل كل من قتل في سبيل [من سبل‏] اللّه [عزّ و جلّ‏] سواء كان قتله بالجهاد الأصغر و بدل النفس طلبا لرضا اللّه أو-

260
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

في مجمع البيان‏ «1»: قيل: نزلت في شهداء بدر، كانوا أربعة عشر رجلا، ثمانية من الأنصار و ستّة من المهاجرين.

و قيل: نزلت في شهداء أحد، و كانوا سبعين رجلا، أربعة من المهاجرين، حمزة بن عبد المطّلب و مصعب بن عمير و عثمان بن شماس و عبد اللّه بن جحش، و سائرهم من الأنصار.

قال الباقر- عليه السّلام- و كثير من المفسّرين: إنما تتناول قتلى بدر واحد معا- انتهى-

و الخطاب لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أو لكلّ أحد.

و قرأ هشام، بالتّاء، كالباقين. و بالياء، على إسناده إلى ضمير رسول اللّه، أو من يحسب. أو إلى الّذين قتلوا. و المفعول الأوّل محذوف، لأنّه في الأصل مبتدأ جائز الحذف عند القرينة «2».

و قرأ ابن عامر: «قتّلوا» بالتّشديد، لكثرة المقتولين‏ «3».

بَلْ أَحْياءٌ، أي: بل هم أحياء.

و قرئ بالنّصب، أي: بل أحسبهم أحياء «4».

عِنْدَ رَبِّهِمْ‏: ذوو زلفى منه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: أتى رجل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: إنّي راغب نشيط في الجهاد.

قال: فجاهد في سبيل اللّه، فإنّك إن تقتل كنت حيّا عند اللّه ترزق، و إن متّ فقد وقع أجرك على اللّه، و إن رجعت خرجت من الذّنوب إلى اللّه، هذا تفسير وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً (الآية).

و في الكافي‏ «6»: عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه قيل له: يروون أنّ أرواح المؤمنين‏

______________________________
بالجهاد الأكبر و كسر النفس و قمع الهوى بالرياضة.» [تفسير الصافي 1/ 368] و في شمول القتل لقمع هوى النفس نظر و إن لم يكن في إطلاق الجهاد على جهاد النفس حقيقة نظر. (فتأمل، منه سلمه اللّه.) نقل الفيض- رحمه اللّه- القول هذا عن مجمع البيان، عن الباقر- عليه السّلام.

(1) مجمع البيان 1/ 535.

(2) أنوار التنزيل 1/ 192.

3 و 4- نفس المصدر و الموضع.

(5) تفسير العيّاشي 1/ 206، ح 152.

(6) الكافي 3/ 244، ح 1. و فيه: «عن أبي ولّاد الحفاط عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له:

جعلت فداك» بدل «عن الصادق- عليه السّلام- أنّه قيل له».

 

261
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 160 الى 169] ص : 253

في حواصل طيور «1» خضر حول العرش.

فقال: لا، المؤمن أكرم على اللّه من أن يجعل روحه في حوصلة «2» طير، و لكن في أبدان كأبدانهم.

يُرْزَقُونَ‏ (169): من الجنّة. و هو تأكيد لكونهم أحياء.

و في الكافي‏ «3»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ، أنّ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول: تعاهدوا الصّلاة إلى أن قال- عليه السّلام-: ثمّ أنّ الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، و هو قوام الدّين، و الأجر فيه عظيم مع العزّة و المنعة، و هو الكرّة فيه الحسنات و البشرى بالجنّة بعد الشّهادة، بالرّزق غدا عند الرّب و الكرامة، يقول اللّه- تعالى-: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ. (الآية).

و في أصوله‏ «4»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و محمّد بن أبي عبد اللّه و محمّد بن الحسن‏ «5»، عن سهل بن زياد جميعا، عن الحسن بن العبّاس بن الجريش‏ «6»، عن أبي جعفر الثّاني- عليه السّلام- أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال‏ يوما لأبي بكر:

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ‏ و أشهد أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله‏ «7»- مات شهيدا، و اللّه ليأتينّك، فأيقن إذا جاءك فإنّ الشّيطان غير متخيّل به، فأخذ عليّ- عليه السّلام- بيد أبي بكر فأراه النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.

فقال له: يا أبا بكر، آمن بعليّ و بأحد عشر من ولده، إنّهم مثلي إلّا النّبوّة، و تب إلى اللّه ممّا في يدك فإنّه لا حقّ لك فيه. ثمّ ذهب فلم ير.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: طير.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: حواصل‏

(3) نفس المصدر 5/ 36، مقاطع من حديث 1.

(4) نفس المصدر 1/ 532، ح 13.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: محمد بن أبي الحسن.

(6) النسخ: «الحسن بن عباس بن الحرث». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر. و لعله الصواب «الحريش» بدل «الجريش». ر. تنقيح المقال 1/ 286، رقم 2590.

(7) المصدر: و أشهد [أنّ‏] محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله.

262
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

 

[و في روضة الكافي‏ «1»: يحيى الحلبيّ، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبي بصير قال‏:

قلت: جعلت فداك [، أ رأيت‏] «2» الرّادّ عليّ هذا الأمر فهو كالرّادّ عليكم؟

فقال: يا أبا محمّد، من ردّ عليك هذا الأمر فهو كالرّادّ على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و على اللّه- تبارك و تعالى- يا أبا محمّد، إنّ الميّت على هذا الأمر شهيد.

قال: قلت: و إن مات على فراشه؟

قال: إي و اللّه [و إن مات‏] «3» على فراشه، حيّ عند ربّه يرزق.] «4»

فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏: و هو شرف الشّهادة، و الفوز بالحياة الأبديّة، و القرب من اللّه تعالى و التّمتّع بنعيم الجنّة، وَ يَسْتَبْشِرُونَ‏: يسرّون بالبشارة، بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ‏، أي: بإخوانهم المؤمنين الّذين لم يقتلوا فيلحقوا بهم، مِنْ خَلْفِهِمْ‏، أي: الّذين من خلفهم، زمانا أو رتبة، أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏ (170): بدل من الّذين، و المعنى، أنّهم يستبشرون بما تبيّن‏ «5» لهم من أمر الآخرة، و حال من تركوا خلفهم من المؤمنين، و هو أنّهم إذا ماتوا أو قتلوا كانوا أحياء حياة أبديّة، لا يكدّرها خوف وقوع محذور و حزن فوات محبوب.

في روضة الكافي‏ «6»: ابن محبوب، عن الحارث بن محمّد بن النّعمان‏ «7»، عن برير العجليّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ ذكره-: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

قال: هم و اللّه شيعتنا، حين صارت أرواحهم في الجنّة و استقبلوا الكرامة من اللّه- عزّ و جلّ- علموا و استيقنوا أنّهم كانوا على الحقّ و على دين اللّه- عزّ ذكره- فاستبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم من خلفهم من المؤمنين، ألّا خوف عليهم و لا هم يحزنون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: قال حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي‏

______________________________
(1) الكافي 8/ 146، ح 120.

2 و 3- من المصدر.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) أ: يتبيّن.

(6) الكافي 8/ 156، ح 146.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: الحرث بن النعمان. و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 247، رقم 2133.

(8) تفسير القمي 1/ 127.

 

 

263
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

عبيدة الحذّاء، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: هم و اللّه شيعتنا، إذا دخلوا الجنّة و استقبلوا الكرامة من اللّه استبشروا بمن لم يلحق بهم من إخوانهم المؤمنين في الدّنيا، ألّا خوف عليهم و لا هم يحزنون.

يَسْتَبْشِرُونَ‏: كرّره للتّوكيد، و لتعلّق به ما هو بيان لقوله: «ألّا خوف» و يجوز أن يكون الأوّل بحال إخوانهم، و هذا بحال أنفسهم، بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏: ثوابا لأعمالهم، وَ فَضْلٍ‏: زيادة عليه، لقوله تعالى‏ «1»: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وَ زِيادَةٌ و تنكيرهما، للتّعظيم.

وَ أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ‏ (171): من جملة المستبشر به، عطف على فضل.

و قرأ الكسائي، بالكسر، على أنّه استئناف معترض، دالّ على أنّ ذلك أجر لهم على إيمانهم، مشعر بأنّ من لا إيمان له أعماله محبطة و أجوره مضيعة «2».

الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ‏: صفة للمؤمنين.

أو نصب على المدح. أو مبتدأ، خبره.

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ‏ (172) بجملته. و «من» للبيان.

و المقصود من ذكر الوصفين‏ «3»، المدح و التّعليل لا التّقييد «4»، لأنّ المستجيبين كلّهم محسنون متّقون.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: أنّ النبي- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا دخل المدينة من وقعة أحد «6»، نزل عليه جبرئيل فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تخرج في أثر القوم، و لا يخرج معك إلّا من به جراحة.

فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين‏

______________________________
(1) يونس/ 26.

(2) أنوار التنزيل 1/ 192.

(3) ر: الواصفين.

(4) أ: لا التقبيل.

(5) تفسير القمي 1/ 124- 126.

(6) المصدر: «لمّا دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- المدينة» بدل «أنّ النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا دخل المدينة من وقعة أحد».

 

264
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

و الأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، و من لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم و يداوونها، فخرجوا على ما بهم من الألم و الجراح.

فلمّا بلغ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- حمراء «1» الأسد، و قريش قد نزلت الرّوحاء، قال عكرمة بن أبي جهل و الحارث بن هشام و عمرو بن العاص و خالد بن الوليد:

نرجع فنغير على المدينة، فقد قتلنا سراتهم و كبشهم- يعنون، حمزة- فوافاهم رجل خرج من المدينة فسألوه الخبر.

فقال: تركت محمّدا و أصحابه بحمراء الأسد يطلبونكم جدّ الطّلب.

فقال أبو سفيان: هذا النّكد و البغي، فقد ظفرنا بالقوم و بغينا، و اللّه ما أفلح قوم قطّ بغوا. فوافاهم‏ «2» نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

فقال أبو سفيان: أين تريد؟

قال: المدينة، لأمتار «3» لأهلي طعاما.

قال: هل لك أن تمرّ بحمراء الأسد و تلقى أصحاب محمّد و تعلمهم أنّ حلفاءنا و موالينا قد وافونا من الأحابيش، حتّى يرجعوا عنّا، و لك عندي عشرة قلائص أملؤها تمرا و زبيبا؟

قال: نعم. فوافى من غد «4» ذلك اليوم حمراء الأسد.

فقال لأصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أين تريدون؟

قالوا: قريشا.

قال: ارجعوا، فإنّ قريشا قد اجتمعت عليهم‏ «5» حلفاؤهم و من كان تخلّف عنهم، و ما أظنّ إلّا و أوائل خيلهم يطلعون‏ «6» عليكم السّاعة.

فقالوا: حسبنا اللّه و نعم الوكيل، ما نبالي.

فنزل‏ «7» جبرئيل على رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: ارجع يا محمّد، فإنّ اللّه قد أرعب‏ «8» قريشا و مرّوا لا يلوون على شي‏ء. فرجع‏ «9» رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-

______________________________
(1) المصدر: بحمراء.

(2) أ: خوافاهم.

(3) أور: لأسار.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: عند.

(5) المصدر: «قد أجنجت إليهم» بدل «قد اجتمعت عليهم».

(6) المصدر: «القوم قد طلعوا» بدل «خيلهم يطلعون».

(7) المصدر: «و نزل» بدل «ما نبالى فنزل».

(8) المصدر: أرهب.

(9) المصدر: و رجع.

 

265
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

إلى المدينة، و أنزل اللّه: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ‏ (الآيات) «1».

[و في تفسير فرات بن إبراهيم‏ «2» الكوفيّ: قال: حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- في يوم أحد في قوله- تعالى-: الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ‏ يعني الجراحة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ‏ [قال:] «3» نزلت في عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- و تسعة نفر «4» بعثهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في أثر أبي سفيان حين ارتحل، فاستجابوا للّه و لرسوله‏ «5».] «6»

الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ‏:

قيل‏ «7»: يعني، الرّكب الّذين استقبلوهم‏ «8» من عبد قيس، أو نعيم بن مسعود الأشجعيّ.

و في مجمع البيان‏ «9»: عنهما- عليهما السّلام-: أنّ المراد نعيم‏

، و أطلق عليه النّاس لأنّه من جنسه، كما قال: فلان يركب الخيل، و ماله إلّا فرس واحد. أو لأنّه انضمّ إليه ناس من المدينة و أذاعوا كلامه.

إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ‏، يعني أبا سفيان و أصحابه.

في مجمع البيان: في رواية أبي الجارود عن الباقر- عليه السّلام-: أنّها نزلت في غزوة بدر الصّغرى، و ذلك أنّ أبا سفيان قال يوم أحد حين أراد أن ينصرف: يا محمّد، موعد ما بيننا و بينك موسم بدر الصّغرى لقابل إن شئت.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ذلك بيننا و بينك.

فلمّا كان العام المقبل، خرج أبو سفيان في أهل مكّة حتّى نزل مجنة من ناحية

______________________________
(1) يوجد في المصدر بدل «الآيات» نص الآية: «من بعد ما أصابهم القرح للّذين أحسنوا منهم و اتّقوا أجر عظيم».

(2) تفسير فرات/ 19- 20، ذيل حديث.

(3) من المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: منهم.

(5) المصدر: للرسول.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(7) أنوار التنزيل 1/ 193.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: استقبلتهم.

(9) مجمع البيان 1/ 541. و ما في المتن مضمون عبارة المجمع.

 

266
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

الظهران، ثمّ ألقى اللّه عليه الرّعب فبدا له في الرّجوع‏ «1»، فلقى نعيم بن مسعود الأشجعيّ و قد قدم معتمرا، فقال له أبو سفيان: إنّي و أعدت محمّدا و أصحابه أن نلتقي بموسم بدر الصغرى، و إنّ هذه عام جدب، و لا يصلحنا إلّا عام نرعى فيه الشّجر و نشرب فيه اللّبن، و قد بدا لي أن لا أخرج إليها، و أكره أن يخرج محمّد و لا أخرج أنا فيزيدهم ذلك جرأة، فالحق بالمدينة فثبّطهم، و لك عندي عشرة من الإبل أضعها على يد سهيل بن عمرو.

فأتى نعيم المدينة، فوجد النّاس يتجهّزون لميعاد أبي سفيان، فقال لهم: بئس الرّأي رأيكم‏ «2»، أتوكم في دياركم و قراركم فلم يفلت منكم إلّا شريد، فتريدون أن تخرجوا و قد جمعوا لكم عند الموسم، فو اللّه لا يفلت منكم أحد. فكره أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- الخروج.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: و الّذي نفسي بيده لأخرجنّ و لو وحدي، فأمّا الجبان فإنّه رجع، و أمّا الشّجاع فإنّه تأهّب للقتال، و قال: حسبنا اللّه و نعم الوكيل.

فخرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في أصحابه حتّى وافى‏ «3» بدر الصّغرى- و هو ماء لبني كنانة، و كانت موضع سوق لهم في الجاهليّة يجتمعون إليها في كلّ عام ثمانية أيّام- فأقام ببدر ينتظر أبا سفيان، و قد انصرف أبو سفيان من مجنة إلى‏ «4» مكّة، فسمّاهم أهل مكّة:

جيش السّويق، و يقولون: إنّما خرجتم تشربون السّويق. و لم يلق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و أصحابه أحدا من المشركين ببدر، و وافو «5» السّوق، و كانت لهم تجارات، فباعوا و أصابوا للدرهم‏ «6» درهمين، و انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين.

فَزادَهُمْ إِيماناً:

الضّمير المستكنّ للمقول، أو لمصدر «قال» أو لفاعله.

و المعنى: أنّهم لم يلتفتوا إليه، و لم يضعفوا، بل ثبتت ثقتهم باللّه تعالى و ازداد إيمانهم، و أظهروا حميّة الإسلام، و أخلصوا النّيّة عنده.

و فيه دلالة على أنّ الإيمان يزيد بكثرة التأمّل و تناصر الحج، و ينقص بعروض الشّبه و المعارضات.

______________________________
(1) «في الرجوع» ليس في المصدر.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: رأيتم.

(3) المصدر: وافوا.

(4) ليس في المصدر.

(5) المصدر: وافق.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: الدرهم.

267
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ‏:

فحسبنا و كافينا، من أحسبه، إذا كفاه. و يدلّ على أنّه بمعنى: المحسب، أنّه لا يستفيد بالإضافة تعريفا في قولك: هذا رجل حسبك.

وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ‏ (173): و نعم الموكول إليه هو.

في كتاب الخصال‏ «1»: عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال‏: عجبت [لمن فزع‏] «2» من أربع كيف لا يفزع إلى أربع، عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله- تعالى-: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ‏ فإني سمعت اللّه- جلّ جلاله- يقول بعقبها «3»:

فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ

(الحديث).

و في تهذيب الأحكام‏ «4»: بإسناده الى الحسن بن عليّ بن عبد الملك الزّيّات، عن رجل، عن كرام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: أربع لأربع، فواحدة للقتل و الهزيمة، حسبنا اللّه و نعم الوكيل، يقول اللّه: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ.

(الحديث).

فَانْقَلَبُوا: فرجعوا من بدر، بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏: عافية و ثبات على الإيمان، و زيادة فيه.

وَ فَضْلٍ‏: و ربح في التّجارة. فإنّهم لمّا أتوا بدرا وافوا بها سوقا، فاتّجروا و ربحوا، لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ: من جراحة، و كيد عدوّ، وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ‏: بجرأتهم و خروجهم.

وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏ (174): قد تفضّل عليهم بالتّثبيت، و زيادة الإيمان، و التّوفيق للمبادرة إلى الجهاد، و التّصلّب في الدّين، و إظهار الجرأة على العدوّ، و بالحفظ عن كلّ ما يسوؤهم، و إصابة النّفع مع ضمان الأجر، حتّى انقلبوا بنعمة منه و فضل.

و فيه تحسير و تخطئة للمتخلّف، حيث حرم نفسه ما فازوا به.

______________________________
(1) الخصال/ 218، ح 43.

(2) من المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «سمعت قول اللّه عقبيها» بدل «سمعت اللّه- جلّ جلاله- يقول بعقبها».

(4) تهذيب الأحكام 6/ 170، ح 329.

268
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن جابر، عن محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- قال‏: لمّا وجّه النبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أمير المؤمنين و عمّار بن ياسر إلى أهل مكّة، قالوا: بعث هذا الصّبيّ و لو بعث غيره إلى أهل مكّة! و في مكّة صناديد قريش و رجالها، و اللّه الكفر أولى بنا «2» ممّا نحن فيه. فساروا و قالوا و خوّفوهما بأهل مكّة، و غلّظوا عليهما الأمر.

فقال عليّ- عليه السّلام-: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ‏، و مضيا.

فلما دخلا مكّة أخبر «3» اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- بقولهم لعليّ و بقول عليّ لهم، فأنزل اللّه بأسمائهم في كتابه، و ذلك قوله: «ألم تر إلى‏ الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَ اتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏ و إنّما أنزلت «ألم تر» إلى فلان و فلان لقوا عليّا و عمّار فقالا: إنّ أبا سفيان و عبد اللّه بن عامر و أهل مكّة قد جمعوا لكم فاخشوهم، فزادهم‏ «4» إيمانا و قالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ‏.

[و في شرح الآيات الباهرة «5»: و نقل ابن مردويه- من الجمهور- عن أبي رافع‏ «6» أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- وجّه عليّا- عليه السّلام- في نفر في طلب أبي سفيان فلقيه أعرابيّ من خزاعة، فقال له: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ‏، يعني، أبا سفيان و أصحابه.

فقالوا: يعني: عليّا و أصحابه: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ. فنزلت هذه الآية إلى قوله:

وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ.] «7»

و أقول في الجمع بين الخبر الأوّل و هذان الخبران: الآية نزلت أوّلا على الوجه الأوّل كما في الخبر الأوّل، و جرت من اللّه في الوجه الثّاني، و فصّلت في الثّاني بالتصريح بالأسماء، فأثبت في القرآن على الوجه الأوّل.

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 206، ح 154.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «بنا أولى» بدل «أولى بنا».

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: خبر.

(4) المصدر: و زادهم.

(5) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 45.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «ابن رافع». و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 9، رقم 38.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

269
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ‏: يريد به المثبّط نعيما، أو أبا سفيان.

و «الشّيطان» خبر «ذلكم» «1» و ما بعده بيان لشيطنته. أو صفة، و ما بعده خبر.

و يجوز أن يكون الإشارة إلى قوله على تقدير مضاف، أي، إنّما ذلك قول الشّيطان، أي:

إبليس، يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ‏: القاعدين عن الخروج مع الرّسول، أو يخوّفكم أوليائه الّذين هم أبو سفيان و أصحابه.

فَلا تَخافُوهُمْ‏:

الضّمير «للنّاس» الثّانى، على الأوّل. و إلى «الأولياء» على الثّاني.

وَ خافُونِ‏: في مخالفة أمري، فجاهدوا مع رسولي.

إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ (175): فإنّ الإيمان، يقتضي إيثار خوف اللّه على خوف النّاس.

في أصول الكافي‏ «2»: بإسناده إلى الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: من خاف اللّه أخاف اللّه منه كلّ شي‏ء و من لم يخف اللّه أخافه اللّه من كلّ شي‏ء.

و بإسناده إلى أبي حمزة «3» قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من عرف اللّه خاف اللّه، و من خاف اللّه سخت نفسه عن الدّنيا.

و في كتاب التّوحيد «4»: بإسناده إلى عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل، و فيه قال- عليه السّلام-: خرجت حتّى انتهيت إلى هذا الحائط، فاتّكيت عليه، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في وجهي، ثمّ قال [لي:] «5» يا عليّ بن الحسين‏ «6»، مالي أراك كئيبا حزينا، أعلى الدّنيا حزنك فرزق اللّه حاضر للبر و الفاجرّ؟ إلى أن قال: قلت:

أنا أتخوّف [من‏] «7» فتنة ابن الزّبير.

______________________________
(1) النسخ: ذلك.

(2) الكافي 2/ 68، ح 3.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 4.

(4) التوحيد/ 374، ح 17.

(5) من المصدر و أ.

(6) يوجد في أبعد هذه العبارة: هل رأيتك أحدا حاف اللّه فلم ينجه؟ قلت: لا إلى.

(7) من المصدر.

 

270
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

فضحك، ثمّ قال لي: يا عليّ بن الحسين، هل رأيتك أحدا خاف اللّه فلم ينجه‏ «1»؟

قلت: لا- إلى قوله- ثمّ نظرت فإذا ليس قدّامي أحد.

وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ: يقعون فيه سريعا، حرصا عليه، خوف أن يضرّوك و يعينوا عليك، و هم المنافقون من المتخلّفين. أو قوم ارتدّوا عن الإسلام.

إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً، أي: أولياءه. و «شيئا» يحتمل المفعول و المصدر.

و قرأ نافع: «يحزنك» بضمّ الياء و كسر الزّاء، حيث وقع، ما خلا قوله في الأنبياء «2»: «لا يحزنهم الفزع الأكبر» فإنّه فتح الياء و ضمّ الزّاء فيه. و الباقون كذلك في الكلّ‏ «3».

يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ: نصيبا من الثّواب فيها. و هو يدلّ على تمادي طغيانهم و موتهم على الكفر، و أنّ كفرهم بلغ الغاية، حتّى أراد- أرحم الرّاحمين- أن لا يكون لهم حظّ من رحمته.

وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ‏ (176): مع الحرمان عن الثّواب.

إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ (177):

تكرير للتّأكيد. أو تعميم للكفرة بعد تخصيص ما نافق من المتخلّفين، أو ممّن ارتدّ من الأعراب.

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ‏: خطاب للرّسول- صلّى اللّه عليه و آله- أو لكلّ من يحسب.

و «الّذين كفروا» مفعول، و «أنّ» مع اسمها و خبرها «4» بدل منه، و إنّما اقتصر على مفعول واحد، لأنّ التّعويل على البدل، و هو ممّا ينوب عن المفعولين. أو مفعول ثان على تقدير مضاف، أي و لا تحسبنّ الّذين كفروا أصحاب أنّ الإملاء خير لأنفسهم، أو و لا تحسبنّ حال الّذين كفروا أنّ الإملاء خير لأنفسهم.

______________________________
(1) المصدر: «هل رأيت أحدا سأل اللّه فلم يعطه؟» بدل «هل رأيتك أحدا خاف اللّه فلم ينجه؟».

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «حيث ما وقع خلا ما في الأنبياء» بدل «حيث وقع ما خلا قوله في الأنبياء».

(3) أنوار التنزيل 1/ 194.

(4) النسخ: اسمه و خبره.

271
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 170 الى 178] ص : 263

و «ما» مصدريّة، و يحتمل الموصولة بحذف العائد، و كان حقّها أن تنفصل في الخطّ لكنّها وقعت متّصلة في قرآن عثمان فاتّبع.

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و عاصم و الكسائيّ و يعقوب، بالياء، على أنّ «الّذين» فاعل و أنّ مع ما في حيّزه مفعول. و فتح سينه- في جميع القرآن- ابن عامر و عاصم و حمزة «1».

و الإملاء، الإمهال، و إطالة العمر.

و قيل‏ «2»: تخليتهم و شأنهم، من أملى لفرسه، إذا أرخى له الطّول ليرعى كيف شاء.

إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً: استئناف بما هو العلّة للحكم قبلها. و «ما» كآفّة.

و اللّام، للعاقبة، أي، يكون عاقبة أمرهم ازدياد الإثم.

و قرئ: «أنّما» بالفتح، و بكسر الأولى. و «لا يحسبنّ» بالياء، على معنى:

و لا يحسبنّ الّذين كفروا أنّ إملاءنا لهم لازدياد الإثم، بل للتّوبة و الدّخول في الإيمان. و «إنّما نملي لهم» اعتراض، معناه، أنّ إملاءنا لهم خير إن انتبهوا و تداركوا فيه ما فرط «3» منهم.

وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏ (178): على هذا يجوز أن يكون حالا من الواو، أي:

ليزدادوا إثما، معدّا لهم عذاب مهين.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏:

قلت له: أخبرني عن الكافر، الموت خير له أم الحياة؟

فقال: الموت خير للمؤمن و الكافر.

قلت: و لم؟

قال: لأنّ اللّه يقول: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ و يقول: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏.

و عن يونس‏ «5» رفعه- قال‏: قلت له: زوّج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ابنته فلانا.

قال: نعم.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 194.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) تفسير العياشي 1/ 206- 207، ح 155.

(5) نفس المصدر 1/ 207، ح 156.

 

272
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

 

قلت: فكيف زوجّه الأخرى؟

قال: قد فعل، فأنزل اللّه: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ‏- إلى- عَذابٌ مُهِينٌ.

ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ‏ قيل‏ «1»: الخطاب لعامّة المخلصين و المنافقين في عصره.

و المعنى: لا يترككم مختلطين لا يعرّف مخلصكم من منافقكم حتّى يميز المنافقين من المخلصين‏ «2» بالوحي إلى نبيّه [- صلّى اللّه عليه و آله-] بأحوالكم، أو بالتّكاليف الشّاقّة الّتي لا يصبر عليها و لا يذعن لها إلّا الخلّص المخلصون منكم، كبذل الأنفس و الأموال في سبيل اللّه، ليختبر [النبيّ به‏] «3» بواطنكم و ليستدلّ به على عقائدكم.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن عجلان أبي‏ «5» صالح قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: لا تمضي الأيّام و اللّيالي حتّى ينادي مناد من السّماء يا أهل الحقّ اعتزلوا، يا أهل الباطل اعتزلوا، فيعزل هؤلاء عن هؤلاء [و يعزل هؤلاء من هؤلاء.

قال:] «6» قلت: أصلحك اللّه، يخالط هؤلاء هؤلاء بعد ذلك النّداء؟

قال: كلا [، إنّه‏] «7» يقول في الكتاب: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.

و في كتاب مقتل الحسين- عليه السّلام- لأبي مخنف‏ «8»: قال الضّحّاك بن‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 194- 195.

(2) المصدر: «المنافق من المخلص» بدل «المنافقين من المخلصين.»

(3) من المصدر.

(4) تفسير العياشي 1/ 207، ح 157.

(5) النسخ: «عجلان بن صالح». و عنونه في جامع الرواة [2/ 537] و نقل رواية أبي يحيى الواسطي عنه، ثمّ نفى البعد عن كونه «عجلان أبا صالح الواسطي». ر. تنقيح المقال 2/ 249- 250، ارقام 7820، 7821، 7822 و 7824.

6 و 7- من المصدر.

(8) ليس في مقتل أبي مخنف المطبوع. و لكن يوجد في سائر المقاتل، كمقتل المقرّم/ 263.

 

 

273
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

عبد اللّه‏ «1»: مرّت بنا خيل ابن سعد- لعنه اللّه- تحرسنا، و كان‏ «2» الحسين- عليه السّلام- يقرأ: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ.

و قرأ حمزة و الكسائيّ: «حتّى يميّز» من التفعيل هنا و في الأنفال‏ «3».

وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ: ما كان اللّه ليؤتي أحدكم علم الغيب، فيطّلع على ما في القلوب من كفر أو إيمان، و لكنّه يجتبي لرسالته من يشاء فيوحي و يخبره ببعض المغيبات، أو بنصب ما يدلّ عليها.

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ‏: بصفة الإخلاص. أو بأن تعلموه وحده مطّلعا على الغيب، و تعلموهم عبادا مجتبين، لا يعلمون إلّا ما علّمهم اللّه، و لا يقولون إلّا ما أوحي إليهم.

نقل‏ «4»: أنّ الكفرة قالوا: إن كان محمّد صادقا فليخبرنا من يؤمن منّا و من يكفر، فنزلت.

و عن السّديّ أنّه- عليه السّلام- قال‏: عرضت عليّ أمّتي و أعلمت من يؤمن و من يكفر.

فقال المنافقون: إنّه يزعم أنّه يعرف من يؤمن به و من يكفر و نحن معه و لا يعرفنا، فنزلت.

وَ إِنْ تُؤْمِنُوا حقّ الإيمان، وَ تَتَّقُوا النّفاق.

فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏ (179): لا يقادر قدره.

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ‏:

من قرأ، بالتّاء، قدّر مضافا، أي: لا تحسبنّ الّذين يبخلون هو خيرا لهم. و كذا من قرأ، بالياء، إن جعل الفاعل ضمير الرّسول أو من «يحسب»، و إن جعله الموصول كان‏

______________________________
(1) المصدر: «الضّحاك بن عبد اللّه المشرقي». و هي أيضا خطأ. و الظاهر أنّه «الضّحاك بن عبيد اللّه المشرقي» (ر. تنقيح المقال 2/ 104، رقم 5827+ جامع الرواة 1/ 418). و إن كان هكذا فلما ذا عدّه أصحاب التراجم و الرجال من أصحاب السّجاد- صلوات اللّه عليه-؟

(2) المصدر: «فسمع رجل منهم» بدل «تحرسنا و كان».

(3) أنوار التنزيل 1/ 195.

(4) نفس المصدر و الموضع.

274
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

المفعول الأوّل محذوفا، أي: لا يحسبنّ البخلاء بخلهم هو خيرا لهم‏ «1».

بَلْ هُوَ، أي: البخل، شَرٌّ لَهُمْ‏: لاستجلاب العقاب عليهم.

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ: بيان لذلك، أي: سيلزمون و بال ما بخلوا به إلزام الطّوق. أو يطوّقون بما بخلوا به يوم القيامة.

في الكافي‏ «2»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد اللّه بن مسكان، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ- سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

فقال: يا محمّد، ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلّا جعل اللّه- عزّ و جلّ- ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب.

ثمّ قال: [و هو قول‏] «3» اللّه- عزّ و جلّ-: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ، يعني: ما بخلوا به من الزّكاة.

يونس، عن عبد اللّه بن سنان‏ «4»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ما من ذي زكاة مال أو نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلّا قلّده اللّه تربة أرضه، يطوّق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «5»، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: ما من عبد يمنع درهما في حقّه إلّا أنفق اثنين في غير حقّه، و ما من رجل يمنع حقّا من ماله إلّا طوّقه اللّه- عزّ و جلّ- به حيّة من نار يوم القيامة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏ «6»، عن ابن مهران، عن ابن مسكان، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-:

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

قال: ما من عبد يمنع‏ «7» من زكاة ماله شيئا إلّا جعل اللّه له ذلك يوم القيامة ثعبانا

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) الكافي 3/ 502، ح 1.

(3) من المصدر.

(4) نفس المصدر 3/ 503، ح 4.

(5) نفس المصدر 3/ 504، ح 7.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 10.

(7) المصدر: منع.

 

275
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

من نار، يطوّق في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب، و هو قول اللّه- عزّ و جلّ-:

سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ قال: ما بخلوا به من الزّكاة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «1»، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أيّوب بن راشد قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: مانع الزكاة يطوّق بحيّة قرعاء تأكل‏ «2» من دماغه، و ذلك قوله- عزّ و جلّ-: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «3»، عن محمّد بن خالد، عن خلف بن‏ «4» حمّاد، عن حريز قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: ما من ذي مال ذهب أو فضّة يمنع زكاة ماله إلّا حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر، و سلّط عليه شجاعا أقرع يريده و هو يحيد عنه، فإذا رأى أنّه لا مخلص‏ «5» له [منه‏] «6» أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل، ثمّ يصير طوقا في عنقه، و ذلك قول اللّه- عزّ و جلّ-: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ و ما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلّا حبسه اللّه يوم القيامة بقاع قرقر، يطأه كلّ ذات ظلف بظلفها و ينهشه كلّ ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلّا طوّقه اللّه ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة.

وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏: و له ما فيهما ممّا يتوارث، فما لهؤلاء يبخلون بماله و لا ينفقونه في سبيله؟ أو أنّه يرث منهم ما يمسكونه و لا ينفقونه في سبيله بهلاكهم، و يبقى عليهم الحسرة و العقوبة.

وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ‏ من المنع، و الإعطاء، خَبِيرٌ (180): فيجازيكم.

و قرأ نافع و ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائيّ، بالتّاء، على الالتفات، و هو أبلغ في الوعيد «7».

لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ:

قيل‏ «8»: قالته اليهود لمّا سمعوا: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً.

______________________________
(1) نفس المصدر 3/ 505، ح 16.

(2) المصدر: و تأكل.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 19.

(4) ر: خلف بن حمّاد عن عليّ بن عقبه.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا يخلص.

(6) من المصدر.

(7) أنوار التنزيل 1/ 195.

(8) نفس المصدر و الموضع.

276
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: قال: و اللّه ما رأوا اللّه فيعلموا أنّه فقير، و لكنّهم رأوا أولياء اللّه فقراء فقالوا: لو كان اللّه غنيّا لأغنى أولياءه، ففخروا على اللّه في الغناء.

و في كتاب المناقب لابن شهرآشوب‏ «2»: عن الباقر- عليه السّلام- في قوله: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا (الآية) قال: هم الّذين يزعمون أنّ الإمام يحتاج إلى ما يحملون إليه.

سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ‏، أي: سنكتبه في صحائف الكتبة.

أو سنحفظه في علمنا لا نهمله، لأنّه كلمة عظيمة، إذ هو كفر باللّه أو استهزاء بالقرآن و الرّسول، و لذلك نظمه مع قتل الأنبياء.

و فيه تنبيه، على أنّه ليس أوّل جريمة ارتكبوها، و أنّ من اجترأ على قتل الأنبياء، لم يستبعد منه أمثال هذا القول.

و في أصول الكافي‏ «3»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: و يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ‏ فقال: أما و اللّه ما قتلوهم‏ «4» بأسيافهم، و لكن كانوا أذاعوا أمرهم‏ «5» و أفشوا عليهم فقتلوا.

و قرأ حمزة: «سيكتب» بالياء و ضمّها، و فتح التّاء. و «قتلهم» بالرّفع. و «يقول» بالياء «6».

وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ‏ (181)، أي: و ننتقم منهم، بأن نقول: ذوقوا العذاب المحرق. و فيه مبالغات في الوعيد.

و الذّوق، إدراك الطّعوم. و على الاتّساع يستعمل لإدراك سائر المحسوسات و الحالات، و ذكره هاهنا لأنّ العذاب مرتّب على قولهم النّاشئ عن البخل و التّهالك على المال، و غالب حاجة الإنسان إليه لتحصيل المطاعم، و معظم بخله للخوف من فقدانه، و لذلك كثّر ذكر الأكل مع المال.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 127.

(2) مناقب آل أبي طالب 2/ 207.

(3) الكافي 2/ 371، ح 7.

(4) ر: قتلوا.

(5) المصدر: سرّهم.

(6) أنوار التنزيل 1/ 196.

277
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

ذلِكَ‏: إشارة إلى العذاب، بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ‏: من قتل الأنبياء، و قولهم هذا، و سائر معاصيهم. عبّر بالأيدي عن الأنفس، لأنّ أكثر أعمالها بهنّ.

وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182): عطف على «ما قدّمت» و سببيّته للعذاب، من حيث أنّ نفي الظّلم يستلزم العدل المقتضي إثابة المحسن، و معاقبة المسي‏ء.

و في نهج البلاغة «1»: قال- عليه السّلام-: و أيم اللّه ما كان قوم قطّ في غضّ نعمة من عيش فزال عنهم، إلّا بذنوب اجترحوها، لأنّ اللّه ليس بظلّام للعبيد.

و فيه إشكال مشهور، و هو أنّ نفي الظّلام عن اللّه تعالى لا يستلزم نفي كونه ظالما، بل يشعر بكونه كذلك، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.

و الجواب، أنّ جواز اتّصافه تعالى بكلّ صفة يستلزم اتّصافه بها على الكمال، خصوصا صفة الظّلم، فإنّه لو اتّصف بها اتّصف بما هو في الرّتبة الأعلى منها، لكمال قدرته و عدم المانع، فللإشعار بهذا المعنى أورد «الظّلام» مكان «الظالم» و المراد نفى الظّلم مطلقا، فتأمّل.

الَّذِينَ قالُوا: هم كعب بن الأشرف، و مالك، و حييّ، و فنحاص، و وهب بن يهوذا. إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا: أمرنا في التّوراة، و أوصانا.

أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ: بأن لا نؤمن لرسول حتّى يأتينا بهذه المعجزة الخاصّة، الّتي كانت لأنبياء بني إسرائيل، و هو أن يقرّب بقربان فيقوم النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فيدعو فتنزل نار سماويّة، أي: تجلبه إلى طبعها بالإحراق.

و هذا من مفترياتهم و أباطيلهم، لأنّ أكل النّار القربان لا يوجب الإيمان إلّا لكونه معجزة، فهو و سائر المعجزات شرع في ذلك.

قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ (183): تكذيب و إلزام، بأنّ رسلا قد جاؤوهم قبله، كزكريّاء و يحيى، بمعجزات أخر موجبة للتّصديق و بما اقترحوه فقتلوهم، و لو كان الموجب للتّصديق هو الإتيان، و كان توقّفهم و امتناعهم عن الإيمان لأجله، فما لهم لم يؤمنوا بمن جاء به في معجزات أخر، و اجترءوا عليه؟

______________________________
(1) نهج البلاغة/ 257، ضمن خطبة 178.

278
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

و في أصول الكافي‏ «1»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن مروك بن عبيد «2»، عن رجل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لعن اللّه القدريّة، لعن اللّه الخوارج، لعن اللّه المرجئة، لعن اللّه المرجئة.

قال: قلت: لعنت هؤلاء مرّة مرّة، و لعنت هؤلاء مرّتين؟

قال: إنّ هؤلاء يقولون: إنّ قتلتنا مؤمنون، فدماؤنا «3» متلطّخة بثيابهم إلى يوم القيامة، إنّ اللّه حكى عن قوم‏ «4» في كتابه: «لن‏ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ قال:

كان بين القائلين و القاتلين‏ «5» خمسمائة عام، فألزمهم اللّه القتل برضاهم ما فعلوا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «6» مثل ما في أصول الكافي، إلّا أنّ بعد: «إذ كنتم صادقين» قال: فكان بين الّذين خوطبوا بهذا القول و بين القاتلين خمسمائة عام، فسمّاهم اللّه قاتلين برضاهم بما صنع أولئك.

عن محمّد بن هاشم‏ «7»، عمّن حدّثه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لمّا نزلت هذه الآية: قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ و قد علم أن قالوا: و اللّه ما قتلنا و لا شهدنا. قال: و إنّما قيل لهم: ابرؤوا من قتلتهم، فأبوا.

عن محمّد بن الأرقط «8»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال لي: تنزل الكوفة؟

قلت: نعم.

قال: فترون قتلة «9» الحسين بين أظهركم؟

قال: قلت: جعلت فداك، ما بقي منهم أحد.

قال: فإذا أنت لا ترى القاتل إلّا من قتل، أو من ولي القتل، ألم تسمع إلى‏

______________________________
(1) الكافي 2/ 409، ح 1.

(2) أ: «محروك بن عبيد». ر: «مروك بن عمير». و كلاهما خطأ. ر. تنقيح المقال 3/ 210 رقم 11665.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: فدماؤهم.

(4) أ: قومه.

(5) المصدر: القاتلين و القائلين.

(6) تفسير العياشي 1/ 208، ح 163.

(7) نفس المصدر 1/ 209، ح 164.

(8) نفس المصدر و الموضع، ح 165.

(9) المصدر: قتلته.

 

279
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

قول اللّه: قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ فأيّ رسول قبل الّذي‏ «1» كان محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- بين أظهرهم، و لم يكن بينه و بين عيسى رسول، إنّما رضوا قتل أولئك فسمّوا قاتلين.

و في الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عثمان بن عيسى، عن أبي المغرا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: كانت بنو إسرائيل إذا قرّبت القربان، تخرج نار تأكل قربان من قبل منه، و إنّ اللّه جعل الإحرام مكان القربان.

و في كتاب الاحتجاج‏ «3» للطبّرسيّ- رحمه اللّه-: عن موسى بن جعفر [، عن أبيه،] «4» عن آبائه، عن الحسين بن عليّ- عليهم السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه‏ قال- عزّ و جلّ- لنبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا أسري به: و كانت الأمم السّالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس، فمن قبلت منه أرسلت إليه‏ «5» نارا فأكلته فرجع مسرورا، و من لم أقبل ذلك منه رجع مثبورا، و قد جعلت قربان أمّتك في بطون فقرائها و مساكينها، فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة، و من لم أقبل ذلك منه رفعت عنه‏ «6» عقوبات الدّنيا، و قد رفعت ذلك عن أمّتك، و هي من الإصار الّتي كانت على الأمم قبلك‏ «7».

[فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ‏: تسلية للنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في تكذيب الكفّار إيّاه، بأنّه ليس بأوّل مكذّب من الرّسل، جاءوا بالبينات، أي: المعجزات الباهرات.

وَ الزُّبُرِ: الّتي كتب فيها الحكم، و الزّواجر، وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ (184): الّذي ينير الحقّ لمن اشتبه عليه، و الهادي إلى الحقّ.

و قيل‏ «8»: المراد به التّوراة و الإنجيل.] «9»

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فأتى رسول اللّه قبل الذين» بدل «فأيّ رسول قبل الّذي».

(2) الكافي 4/ 335، ح 16.

(3) الاحتجاج 1/ 328- 329.

(4) من المصدر.

(5) المصدر: عليه.

(6) هكذا في المصدر و أ. و في الأصل ور: «وقعت» بدل «رفعت عنه».

(7) المصدر: من كان من قبلك.

(8) مجمع البيان 1/ 550.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

280
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ‏: وعد و وعيد، للمصدّق و المكذّب.

و قرئ: «ذائقة الموت» بالنّصب مع التّنوين، و عدمه‏ «1».

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن زرارة، عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قال‏: قلت: فإنّ اللّه يقول‏ «3»: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ‏ من قتل لم يذق الموت‏ «4».

قال: لا بدّ أن يرجع حتّى يذوق الموت.

عن محمّد بن يونس‏ «5»، عن بعض أصحابنا قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-:

«كلّ نفس ذائقة الموت أو منشورة» نزل بها على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه ليس أحد من هذه الأمّة إلّا و ينشرون‏ «6»، فاما المؤمنون فينشرون إلى قرّة عين، و أمّا الفجّار فينشرون إلى خزي اللّه إيّاهم.

و في الكافي‏ «7»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن أبي المغرا قال: حدّثني يعقوب الأحمر قال‏: دخلنا على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- نعزّيه بإسماعيل، فترحّم عليه.

ثمّ قال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- نعى إلى نبيّه نفسه، فقال‏ «8»: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ‏ و [قال:] «9» كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ‏ [ثمّ أنشأ يحدّث‏] «10» فقال: إنّه يموت أهل الأرض حتّى لا يبقى أحد [، ثم يموت أهل السّماء حتّى لا يبقى أحد،] «11» إلّا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل- عليهم السّلام-.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 196.

(2) تفسير العياشي 1/ 210، ح 170.

(3) المصدر: «قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام-» بدل «عن الباقر- عليه السّلام- أنّه قال: قلت: فانّ اللّه يقول».

(4) المصدر: «لم يذق الموت من قتل و» بدل «من قتل لم يذق الموت». في عبارات المصدر، قائل القولين أبو جعفر- صلوات اللّه عليه- و في عبارات النسخ، قائل القول الأوّل زرارة و الثاني أبو جعفر- عليه السّلام.

و اللّه العالم.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: محمّد عن يونس. و الحديث في نفس المصدر و الموضع، رقم 169.

(6) المصدر: سينشرون.

(7) الكافي 3/ 256، ح 25.

(8) الزمر/ 30.

9 و 10 و 11- من المصدر.

 

281
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

قال: فيجي‏ء ملك الموت حتّى يقوم بين يدي اللّه- عزّ و جلّ- فيقال له: من بقي؟

و هو أعلم.

فيقول: يا ربّ، لم يبق إلّا ملك الموت و حملة العرش و جبرئيل و ميكائيل.

فيقال له: قل لجبرئيل و ميكائيل: فليموتا.

فيقول الملائكة عند ذلك: يا ربّ، رسولاك‏ «1» و أميناك‏ «2».

فيقول: إنّي قل قضيت على كلّ نفس فيها الرّوح الموت.

ثمّ يجي‏ء ملك الموت حتّى يقف بين يدي اللّه- عزّ و جلّ- فيقال له: من بقي؟ و هو أعلم.

فيقول: يا ربّ، لم يبق إلّا ملك الموت و حملة العرش.

فيقول: [قل‏] «3» لحملة العرش: فليموتوا.

قال: ثمّ يجي‏ء كئيبا حزينا لا يرفع طرفه، فيقال: من بقي؟ و هو أعلم‏ «4».

فيقول: يا رب، لم يبق إلّا ملك الموت.

فيقال له: مت، يا ملك الموت.

ثمّ يأخذ الأرض بيمينه، و السّموات بيمينه، و يقول: أين الّذين كانوا يدعون معي شريكا؟ أين الّذين كانوا يجعلون معي إلها آخر؟

وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ‏: تعطون جزاء أعمالكم خيرا كان أو شرّا، تامّا وافيا، يَوْمَ الْقِيامَةِ: يوم قيامكم عن القبور. و لفظ التّوفية، يشعر بأنّه قد يكون قبلها بعض الأجور، كما يدلّ عليه أخبار ثواب القبر و عذابه.

فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ: بعد عنها.

و الزّحزحة في الأصل، تكرير الزّحّ، و هو الجذب بعجلة.

وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ: بالنّجاة، و نيل المراد.

و الفوز، الظّفر بالبغية.

في أمالي الصّدوق‏ «5»: بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال حاكيا عن‏

______________________________
(1) المصدر: رسوليك.

(2) المصدر: أمينيك.

(3) من المصدر.

(4) «و هو أعلم» ليس في المصدر.

(5) أمالي الصدوق/ 183 و 184، ضمن حديث 10.

 

282
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

اللّه- جلّ جلاله- فبعزتي حلفت، و بجلالي أقسمت، إنّه لا يتولّى عليّا عبد من عبادي إلّا زحزحته عن النّار و أدخلته الجنّة، و لا يبغضه عبد من عبادي و يعدل عن ولايته إلّا أبغضته و أدخلته النّار و بئس المصير.

[و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة] «1».

و في الكافي‏ «2»: سهل بن زياد، عمّن حدّثه، عن جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: خياركم سمحاؤكم، و شراركم بخلاؤكم، و من خالص الإيمان البرّ بالإخوان و السّعي في حوائجهم، و إنّ البارّ بالإخوان ليحبّه الرّحمن، و في ذلك مرغمة للشّيطان، و تزحزح عن النّيران‏ «3» و دخول الجنان.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

[و فيه‏ «4»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لمّا مات النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- سمعوا أصواتا و لم يروا «5» شخصا، يقول: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ.

و قال‏ «6»: إنّ في اللّه خلفا من كلّ هالك، و عزاء من كلّ مصيبه، و دركا ممّا فات، فباللّه فثقوا، و إيّاه فأرجوا، و انّما المحروم من حرم الثّواب.] «7»

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: حدّثني أبي، عن سليمان الدّيلميّ، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إذا كان يوم القيامة يدعى محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- فيكسى حلّة ورديّة ثمّ يقام عن يمين العرش، ثمّ يدعى بإبراهيم- عليه السّلام- فيكسى حلّة بيضاء فيقام عن يسار العرش، ثمّ يدعى بعليّ [أمير المؤمنين‏] «9»- عليه السّلام- فيكسى حلّة ورديّة فيقام عن‏ «10» يمين النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ يدعى بإسماعيل‏

______________________________
(1) ليس في أ.

(2) الكافي 4/ 41، ح 15.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «رغمه الشيطان و من زحزح عن النيران» بدل «مرغمة للشّيطان و تزحزح عن النيران».

(4) نفس المصدر 3/ 221، ح 4.

(5) هكذا في المصدر. و في الأصل: لم ير.

(6) هكذا في المصدر. و في الأصل: فقال.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) تفسير القمي 1/ 128.

(9) من المصدر.

(10) المصدر: على.

 

283
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 179 الى 185] ص : 273

فيكسى حلّة بيضاء فيقام عن‏ «1» يسار إبراهيم، ثمّ يدعى بالحسن‏ «2» فيكسى حلّة ورديّة فيقام عن‏ «3» يمين أمير المؤمنين- عليه السّلام- ثمّ يدعى بالحسين- عليه السّلام- فيكسى حلّة ورديّة فيقام عن‏ «4» يمين الحسن، ثمّ يدعى بالأئمّة فيكسون حللا «5» ورديّة فيقام‏ «6» كلّ واحد عن‏ «7» يمين صاحبه، ثمّ يدعى بالشّيعة فيقومون أمامهم، ثمّ يدعى بفاطمة- صلوات اللّه عليها- و نسائها من ذرّيّتها و شيعتها فيدخلون الجنّة بغير حساب.

[ثمّ‏] «8» ينادي مناد- من بطنان العرش من قبل ربّ العزّة و الأفق الأعلى-: نعم الأب أبوك يا محمّد و هو إبراهيم، و نعم الأخ أخوك و هو عليّ بن أبي طالب، و نعم السّبطان سبطاك و هما الحسن و الحسين، و نعم الجنين جنينك و هو محسن، و نعم الأئمّة الرّاشدون [من‏] «9» ذرّيّتك و هم فلان و فلان، و نعم الشّيعة شيعتك، ألا إنّ محمّدا و وصيّه و سبطيه و الأئمّة من ذرّيّته هم الفائزون. ثمّ يؤمر بهم إلى الجنّة، و ذلك قوله: فمن زحزح عن النّار و ادخل الجنّة فقد فاز.

وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا، أي: لذّاتها و زخارفها، إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ (185): مصدر، أو جمع غار. شبّهها بالمتاع الّذي يدلّ به على المستام و يغرّ حتّى يشتريه.

[و في الكافي‏ «10»: محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن سليمان بن سماعة، عن الحسين بن المختار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لمّا قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جاءهم جبريل- عليه السّلام- و النّبيّ مسجّى، و في البيت [عليّ و] «11» فاطمة و الحسن و الحسين- عليهم السّلام- فقال: السّلام عليكم يا أهل بيت الرّحمة كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ إنّ في اللّه- عزّ و جلّ- عزاء من كلّ مصيبّة، و خلفا من كلّ هالك، و دركا لما فات، فباللّه فثقوا، و إيّاه فأرجو، فإنّ المصاب من حرم‏

______________________________
(1) المصدر: على.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: الحسن.

3 و 4- المصدر: على.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: حلالا.

(6) المصدر: و يقام.

(7) المصدر: على.

(8) من المصدر.

(9) من المصدر.

(10) الكافي 3/ 221، ح 5.

(11) من المصدر.

 

284
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

 

الثّواب، هذا آخر وطء من الدّنيا.

قالوا: فسمعنا الصّوت و لم نر الشّخص.

عنه‏ «1»، عن سلمة، عن عليّ بن سيف، عن أبيه، عن أبي أسامة زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لمّا قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جاءت التّعزية، أتاهم آت يسمعون حسّه و لا يرون شخصه، فقال: السّلام عليكم أهل البيت و رحمة اللّه و بركاته‏ كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ إنّ‏ «2» في اللّه- عزّ و جلّ- عزاء من كلّ مصيبة، و خلفا «3» من كلّ هالك، و دركا «4» لما فات، فباللّه فثقوا، و إيّاه فارجوا، فإنّ المحروم من حرم الثّواب، و السّلام عليكم.

عنه‏ «5»، عن سلمة، عن محمّد بن عيسى الأرمنيّ، عن الحسين بن علوان، عن عبد اللّه بن الوليد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لمّا قبض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أتاهم آت فوقف بباب البيت فسلّم عليهم، ثمّ قال: السّلام عليكم يا آل محمّد كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ في اللّه خلف من كلّ هالك، و عزاء من كلّ مصيبة، و درك لما فات، فباللّه فثقوا، و عليه فتوكّلوا، و بنصره لكم عند المصيبة فارضوا، فانّما «6» المصاب من حرم الثّواب، و السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته، و لم يروا أحدا.

فقال بعض من في البيت: هذا ملك من السّماء بعثه اللّه- عزّ و جلّ- إليكم ليعزّيكم.

و قال بعضهم: هذا الخضر- عليه السّلام- جاءكم يعزّيكم بنبيّكم- صلّى اللّه عليه و آله-.] «7»

لَتُبْلَوُنَ‏، أي: و اللّه لتختبرنّ، فِي أَمْوالِكُمْ‏: بتكليف الإنفاق، و ما يصيبها من الآفات،

______________________________
(1) نفس المصدر 3/ 221- 222، ح 6.

(2) ليس في المصدر.

(3) المصدر: خلف.

(4) المصدر: درك.

(5) نفس المصدر 3/ 222، ح 8.

(6) النسخ: فانّ.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

285
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

وَ أَنْفُسِكُمْ‏: بالجهاد و القتل و الأسر و الجراح، و ما يرد عليها من المخاوف و الأمراض و المتاعب.

و في عيون الأخبار «1»: في باب ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله في العلل‏: و علّة الزّكاة من أجل قوت الفقراء و تحصين أموال الأغنياء، لأنّ اللّه- تعالى- كلّف أهل الصّحّة القيام بشأن أهل الزّمانة و البلوى، كما قال- عزّ و جلّ-: لَتُبْلَوُنَّ [فِي أَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ‏] «2» في أموالكم بإخراج الزّكاة، و في أنفسكم بتوطين الأنفس على الصّبر.

وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً:

من هجاء الرّسول، و الطّعن في الدّين، و إغراء الكفرة على المسلمين. أخبرهم بذلك قبل وقوعها، ليوطّنوا أنفسهم على الصّبر و الاحتمال، و يستعدّوا للقائها، حتّى لا يرهقهم نزولها.

[و في تفسير فرات بن إبراهيم‏ «3» الكوفيّ: قال حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضى اللّه عنه في يوم أحد في قوله: وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً نزلت في رسول اللّه خاصّة، (و في أهل بيته خاصة) «4».] «5» وَ إِنْ تَصْبِرُوا: على ذلك، وَ تَتَّقُوا: مخالفة أمر اللّه، فَإِنَّ ذلِكَ‏، يعني: الصّبر و التّقوى، مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186): من معزومات الأمور، الّتي يجب العزم عليها. أو ممّا عزم اللّه عليه، أي: أمر به و بالغ فيه.

و «العزم» في الأصل، ثبات الرّأي على الشي‏ء نحو إمضائه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «6»: عن أبي خالد الكابليّ قال: قال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: لوددت أنّه أذن لي فكلّمت النّاس ثلاثا، ثمّ صنع اللّه بي ما أحبّ‏

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا 2/ 89.

(2) من المصدر.

(3) تفسير فرات/ 19، ضمن حديث.

(4) من المصدر، مع ضعف الأسلوب بتكرار كلمة «خاصّة».

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) تفسير العياشي 1/ 210، ح 171.

 

286
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

- قال بيده على صدره- ثمّ قال: و لكنّها عزمة من اللّه أن نصبر، ثمّ تلا هذه الآية:

[وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ] «1» و أقبل يرفع يده و يضعها على صدره.

وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ‏: أي، اذكر وقت أخذه، مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ‏: يريد به العلماء، لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ‏: حكاية لمخاطبتهم.

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و عاصم- في رواية ابن عيّاش- بالياء، لأنّهم غيّب.

و «اللّام» جواب القسم، الّذي ناب عنه قوله: أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ‏ و الضّمير، للكتاب‏ «2». و المراد بيان ما فيه من نعت محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

فَنَبَذُوهُ‏، أي: الميثاق، وَراءَ ظُهُورِهِمْ‏: فلم يراعوه، و لم يلتفتوا إليه.

و النّبذ وراء الظّهر، مثل في ترك الاعتداد و عدم الالتفات. و نقيضه، جعله نصب عينيه، و إلقاؤه بين عينيه.

وَ اشْتَرَوْا بِهِ‏: و أخذوا بدله.

ثَمَناً قَلِيلًا: من حطام الدّنيا، و أعراضها.

فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ‏ (187): ما يختارون لأنفسهم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ [مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ‏ و] «4» ذلك [أنّ اللّه أخذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب‏] «5» في محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- إذا خرج [لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ‏] «6» [وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ‏ يقول: نبذوا عهد اللّه وراء ظهورهم‏ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ‏] «7»

و في مجمع البيان‏ «8»: عن عليّ- عليه السّلام- قال‏: ما أخذ اللّه على أهل الجهل أن يتعلّموا، حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) أنوار التنزيل 1/ 197.

(3) تفسير القمي 1/ 128.

4 و 5 و 6- من المصدر.

(7) ليس في أ.

(8) مجمع البيان 1/ 552.

287
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

و في كتاب الاحتجاج‏ «1»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- و قد ذكر أعداء رسول اللّه الملحدين في آيات اللّه-: و لقد أحضروا الكتاب كملا، مشتملا على التّأويل و التّنزيل، و المحكم و المتّشابه، و النّاسخ و المنسوخ، و لم يسقط منه حرف لا الألف و لا لام، فلمّا وقفوا على ما بيّنه اللّه من أسماء أهل الحقّ و الباطل، و أنّ ذلك إن ظهر نقض‏ «2» ما عقدوه قالوا: لا حاجة لنافيه، نحن مستغنون عنه بما عندنا. و لذلك‏ «3» قال: فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ‏.

ثمّ دفعهم الاضطرار بورود المسائل عليهم، ممّا «4» لا يعلمون تأويله إلى جمعه.

و تأويله و تعظيمه من تلقائهم ما يقيمون به دعائم‏ «5» كفرهم، فصرخ مناديهم: من كان عنده شي‏ء من القرآن، فليأتنا به. و وكّلوا تأليفه و نظمه‏ «6» إلى بعض من وافقهم على معاداة أولياء اللّه، فألّفه على اختيارهم [و ما يدلّ للمتأمّل له على اختلال تمييزهم و افترائهم،] «7» و تركوا منه ما قدّروا أنّه لهم و هو عليهم، و زادوا [فيه‏] «8» ما ظهر تناكره و تنافره [، و علم اللّه أنّ ذلك يظهر و يبيّن فقال: ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏] «9» و انكشف لأهل الاستبصار عوارهم‏ «10» و افتراؤهم.

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا: يعجبون بما فعلوا من التّدليس، و كتمان الحقّ. أو من الطّاعات و الحسنات. و الخطاب للرسول. و من ضمّ الباء، جعل الخطاب له و للمؤمنين. و المفعول الأوّل «الّذين يفرحون».

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر، بالياء و فتح الباء فيه، و ضمّ الباء في الآتي، على أنّ «الّذين» فاعل، و مفعولاه محذوفان، يدلّ عليهما مفعولا مؤكّده و هو «يحسبهم» الثّاني، و المفعول الأوّل محذوف، و الثّاني تأكيد للفعل و فاعله و مفعوله الأوّل‏ «11».

وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا من الوفاء بالميثاق، و إظهار الحقّ، و الإخبار

______________________________
(1) الاحتجاج 1/ 383.

(2) المصدر: نقص.

(3) المصدر: كذلك.

(4) المصدر: عمّا.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: ادّعائهم.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: تنظيمه.

7 و 8 و 9- من المصدر.

(10) هكذا في المصدر. و في الأصل و أ: «إغواءهم» و في ر: «اغراءهم».

(11) أنوار التنزيل 1/ 198.

288
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

بالصّدق. أو كلّ خير، فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ‏، أي فائزين بفوز و نجاة منه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه‏ «2» يقول‏: ببعيد من العذاب.

و هو حاصل المعنى.

وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ (188): بكفرهم و تدليسهم.

قيل‏ «3»: إنّه- عليه السّلام- سأل اليهود عن شي‏ء ممّا في التّوراة، فأخبروه بخلاف ما كان فيه و أروه أنّهم قد صدقوا «4» و فرحوا بما فعلوا. فنزلت.

و قيل‏ «5»: نزلت في قوم تخلّفوا عن الغزو، ثمّ اعتذروا بأنّهم رأوا المصلحة في التّخلّف و استحمدوا به.

و قيل‏ «6»: نزلت في المنافقين، فإنّهم يفرحون بمنافقتهم، و يستحمدون إلى المسلمين بإيمان‏ «7» لم يفعلوه على الحقيقة.

و الصّواب، أنّ الآية نزلت فيما رواه أبو الجارود، عن الباقر- عليه السّلام‏ «8»- و جرت في غيرهم.

وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏: فهو يملك أمرهم.

وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (189): فيقدر على عقابهم.

و قيل‏ «9»: هو ردّ لقولهم: إنّ اللّه فقير.

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ (190): لدلائل واضحة على وجود الصّانع و وحدته، و كمال علمه و قدرته لذوي، العقول المجلوّة الخالصة عن شوائب الحسّ و الوهم.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 129.

(2) المصدر: «قوله: و لا تحسبنّهم بمفازة من العذاب» بدل «أنّه».

(3) أنوار التنزيل 1/ 198.

(4) المصدر: صدقوه.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) نفس المصدر و الموضع.

(7) المصدر: بالإيمان‏

(8) تفسير القمي 1/ 129.

(9) أنوار التنزيل 1/ 198.

289
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

و في مجمع البيان‏ «1»: و قد اشتهرت الرّواية عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا نزلت هذه الآية «2» قال: ويل لمن لاكها بين فكّيه، و لم يتأمّل ما فيها.

قيل‏ «3»: و لعلّ الاقتصار على [هذه‏] «4» الثّلاثة في [هذه‏] «5» الآية، لأنّ مناط الاستدلال [هو] «6» التغيّر، و هذه متعرّضه لجملة «7» أنواعه، فإنّه إمّا أن يكون في ذات الشي‏ء كتغيّر اللّيل و النّهار، أو جزئه كتغيّر العناصر بتبدّل‏ «8» صورها، أو الخارج عنه كتغيّر «9» الأفلاك بتبدّل أوضاعها.

[و في تهذيب الأحكام‏ «10»: محمّد بن عليّ بن محبوب، عن العبّاس بن معروف، عن عبد اللّه بن المغيرة، عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏- و ذكر صلاة النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: كان يؤتى بطهور فيخمر عند رأسه و يوضع سواكه تحت فراشه ثمّ ينام ما شاء اللّه، فإذا استيقظ جلس، ثمّ قلّب بصره في السّماء، ثمّ تلا الآيات من آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ] «11» (الآية) ثمّ يستنّ و يتطهّر، ثمّ يقوم إلى المسجد فيركع أربع ركعات على قدر قراءته ركوعه، و سجوده على قدر ركوعه، يركع حتّى يقال: متى يرفع رأسه، و يسجد حتّى يقال:

متى يرفع رأسه، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللّه، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلوا الآيات من آل عمران و يقلّب‏ «12» بصره في السّماء، ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيصلّي أربع ركعات كما ركع قبل ذلك، ثمّ يعود إلى فراشه فينام ما شاء اللّه، ثمّ يستيقظ فيجلس فيتلو الآيات من آل عمران و يقلّب بصره في السّماء، ثمّ يستنّ و يتطهّر و يقوم إلى المسجد فيوتر و يصلّي الرّكعتين، ثمّ يخرج إلى الصّلاة.] «13»

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ‏، أي: يذكرون اللّه على جميع‏

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 554.

(2) المصدر: الآيات.

(3) أنوار التنزيل 1/ 198.

4 و 5 و 6- من المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: بجملة.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: تبدل.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: كتبدل.

(10) تهذيب الأحكام 2/ 334، ح 1377.

(11) من المصدر.

(12) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فيقلّب» بدل «من آل عمران و يقلّب».

(13) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

290
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

الأحوال، قائمين و قاعدين و مضطجعين.

و في الكافي‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من أكثر ذكر اللّه أحبّه اللّه.

و في كتاب معاني الأخبار «2»: خطبة لعليّ- عليه السّلام- يذكر فيها نعم اللّه يقول فيها: و أنا الذّاكر، يقول اللّه- عزّ و جلّ- الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ.

أو يصلّون على الهيئات الثّلاث حسب طاقتهم.

و في الكافي‏ «3»: عليّ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ- (الآية) «4» قال: الصّحيح يصلّي قائما و قعودا، المريض يصلي جالسا، وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ‏ الّذي يكون أضعف من المريض الّذي يصلّي جالسا.

و في أمالي شيخ الطّائفة «5»: بإسناده إلى الباقر- عليه السّلام- قال‏: لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر اللّه، قائما كان أو جالسا أو مضطجعا، إنّ اللّه- تعالى- يقول:

الّذين (الآية) «6».

وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏: استدلالا و اعتبارا، و هو أفضل العبادات.

في الكافي‏ «7»: عن (الصّادق)- عليه السّلام-: أفضل العبادة إدمان التّفكّر في اللّه، و في قدرته.

و عنه- عليه السّلام‏ «8»- قال: كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- يقول‏: نبّه بالتّفكّر قلبك، و جاف عن اللّيل جنبك، و اتّق اللّه ربّك.

و عن الرّضا- عليه السّلام‏ «9»-: ليس العبادة كثرة الصّلاة و الصّوم، إنّما العبادة

______________________________
(1) الكافي 2/ 499، ح 3. و للحديث ذيل. و فيه: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

(2) معاني الأخبار/ 59، ضمن حديث 9.

(3) الكافي 3/ 411، ح 11.

(4) ذكر في المصدر بدل «الآية» نصّها: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ.

(5) أمالي الطوسي 1/ 77.

(6) ذكر في المصدر الآية إلى آخرها.

(7) الكافي 2/ 55، ح 3. و فيه عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

(8) نفس المصدر 2/ 54، ح 1.-

(9) نفس المصدر 2/ 55، ح 4. و فيه: عن معمّر بن خلاد، قال: سمعت أبا الحسن الرضا- عليه السّلام- يقول: ...

 

291
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

التّفكّر في أمر اللّه.

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «1»-: تفكّر ساعة خير من قيام ليلة.

و في رواية: من عبادة سنة «2».

و في أخرى ستيّن سنة «3».

و إنّما اختلفت لاختلاف مراتب التّفكّر، و درجات المتفكّرين، و أنواع المتفكّر فيه.

و في عيون الأخبار «4»: في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار في التّوحيد، حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لمّا نظرت إلى جسدي، فلم يمكّنني‏ «5» فيه‏ «6» زيادة و لا نقصان في العرض و الطّول‏ «7» و دفع المكاره عنه و جرّ المنفعة إليه، علمت أنّ لهذا البنيان بانيا، فأقررت به، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته، و إنشاء السّحاب، و تصريف الرّياح، و مجرى الشّمس و القمر و النّجوم، و غير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات، علمت أنّ لهذا مقدّرا و منشئا.

رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا: على إرادة القول، أي: يتفكّرون قائلين ذلك.

و المشار إليه «بهذا» المتفكّر فيه. أو الخلق، على أنّه أريد به المخلوق من السّموات و الأرض.

أو إليهما، لأنّهما في معنى المخلوق.

و المعنى، ما خلقته عبثا ضائعا من غير حكمة، بل خلقته لحكم عظيمة.

سُبْحانَكَ‏ تنزيها لك عن العبث، و خلق الباطل. و هو اعتراض.

فَقِنا عَذابَ النَّارِ (191): للإخلال بالنّظر فيه، و القيام بما يقتضيه. و فائدة

______________________________
(1) المحاسن/ 26، ضمن حديث 5.

(2) تفسير العياشي 2/ 208، ح 26، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام.

(3) كذا أوردها في الصافي 1/ 409 و لكن لم نعثر على مصدر لها.

(4) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 1/ 132، ضمن حديث 28.

(5) المصدر: يمكنّي (يمكنن خ ل)

(6) ليس في المصدر.

(7) المصدر: طول.

292
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

الفاء، هي الدّلالة على أنّ علمهم بما لأجله خلقت السّموات و الأرض حملهم على الاستعاذة.

[و في مجمع البيان‏ «1»: روى الثّعلبيّ في تفسيره- بإسناده- عن محمّد بن الحنفيّة، عن أبيه‏ «2» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: أن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- كان إذا قام من اللّيل استاك‏ «3»، ثمّ ينظر إلى السّماء، ثمّ يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏- إلى قوله-: فَقِنا عَذابَ النَّارِ.] «4»

رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ‏: غاية الإخزاء. و نظيره قولهم: من أدرك مرعى الضّمان فقد أدرك. و المراد تهويل المستعاذ منه، تنبيها على شدّة خوفهم و طلبهم الوقاية منه.

وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (192): أراد بهم، المدخلين. و وضع المظهر موضع المضمر، للدّلالة على أنّ ظلمهم سبب لإدخالهم النّار.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن يونس بن ظبيان قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه: وَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ.

قال: ما لهم من أئمّة يسمّونهم بأسمائهم.

و معناه: ما لهم، أي، للظّالمين من أئمّة. يسمّون الأئمّة، بأسماء الأنصار، أي، يعدّونهم أنصارهم، أي: أئمّة الجور، و أئمّة الجور لا يمكن لهم الشّفاعة.

فالحاصل، أنّ الظّالم و هو الّذي تدخله النّار و هو تارك الولاية، ليس له مخلّص من النّار، لأنّ أئمّتهم أئمّة الجور يستحيل منهم الشّفاعة و النّصرة، أمّا الشّفاعة فلأنّهم ليسوا أهلا لها، و أمّا النّصرة فلأنّ المخزي هو اللّه سبحانه. فما قاله البيضاويّ‏ «6»، من أنّه لا يلزم من نفي الشّفاعة، لأنّ النّصرة دفع بقهر، جهل منه ارتكبه، لاحتياط الاستمداد منه بشفاعة أئمّته.

رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ‏:

أوقع الفعل على المسمع لا المسموع، لدلالة وصفه عليه، و فيه مبالغة ليس في‏

______________________________
(1) مجمع البيان 1/ 554.

(2) ليس في المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: تسوّك.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) تفسير العياشي 1/ 211، ح 175.

(6) أنوار التنزيل 1/ 199.

293
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

إيقاعه على نفس المسموع. و في تنكير المنادي و إطلاقه ثمّ تقييده بالوصف، تعظيم لشأنه، و المراد به الرّسول.

و قيل‏ «1»: القرآن.

و في تهذيب الأحكام‏ «2»: في الدّعاء بعد صلاة يوم الغدير المسند إلى الصّادق- عليه السّلام-: و ليكن من دعائك في دبر هاتين الرّكعتين أن تقول: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا- إلى قوله‏ «3»- إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ إلى أن قال: ربّنا إنّنا سمعنا بالنّداء، و صدّقنا المنادي رسول اللّه، إذ نادى بنداء عنك بالّذي أمرته به أن يبلّغ ما أنزلت إليه من ولاية وليّ أمرك.

فعلى هذا معنى‏ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ‏: آمنوا به فيما ناداكم له رسوله، و هو الإيمان بوصيّ رسوله.

فَآمَنَّا، أي: آمنّا باللّه و رسوله و وصيّ رسوله.

رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا: كبائرنا، فإنّها ذات تبعات و أذناب.

وَ كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا: صغائرنا، فإنّها مستقبحة، و لكنّها مكفّرة عن مجتنب الكبائر.

وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (193): مخصوصين بصحبتهم، معدودين في زمرتهم.

و «الأبرار» جمع برّ، و بارّ، كأرباب، و أصحاب.

رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى‏ رُسُلِكَ‏، أي: على تصديق رسلك من الثّواب، أو على ألسنة رسلك، أو منزلا على رسلك، أو محمولا عليهم.

وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ: بأن تعصمنا عمّا يقتضيه.

إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (194): بإثابة المؤمن، و إجابة الدّاعي. و تكرير «ربّنا» للمبالغة في الابتهال، و الدّلالة على استقلال المطالب و علو شأنها.

فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ‏، أي: طلبتهم. و هو أخصّ من الإجابة، لجواز أن تكون الإجابة بالرّدّ. و تعدّى بنفسه، و باللّام.

أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ‏: بأنّي لا أضيّع.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) تهذيب الأحكام 3/ 144، ضمن حديث 317.

(3) ذكر في المصدر، نفس الآية بدل «إلى قوله».

294
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

و قرئ، بالكسر، على إرادة القول‏ «1».

مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏: بيان عامل.

بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ‏: لأنّ الذّكر من الأنثى و الأنثى من الذّكر، أو لأنّهما من أصل واحد، أو لفرط الاتّصال و الاتّحاد، أو للاجتماع، أو الاتّفاق في الدّين. و هي جملة معترضة، بيّن بها شركة النّساء مع الرّجال فيما وعد للعمّال.

و في عيون الأخبار «2»، بإسناده إلى محمّد بن يعقوب النّهشليّ قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ، عن أبيه عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- عن جبرئيل، عن ميكائيل، عن إسرافيل- عليهم السّلام- عن اللّه- جلّ جلاله- أنّه قال: أنا اللّه، لا إله إلّا أنا، خلقت الخلق بقدرتي، فاخترت منهم من شئت من أنبيائي، و اخترت من جميعهم محمّدا حبيبا و خليلا و صفيّا فبعثته رسولا إلى خلقي، و اصطفيت له عليّا فجعلته‏ «3» له أخا و وصيّا و وزيرا و مؤدّيا عنه من بعده إلى خلقي و خليفتي إلى عبادي- إلى قوله جلّ ثناؤه-: و حجّتي في السّموات و الأرضين‏ «4» على جميع من فيهنّ من خلقي، لا أقبل عمل عامل منهم إلّا بالإقرار بولايته مع نبوّة أحمد «5» رسولي.

فَالَّذِينَ هاجَرُوا الأوطان و العشائر للدّين، وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي‏: بسبب إيمانهم باللّه، و من أجله، وَ قاتَلُوا الكفّار.

وَ قُتِلُوا في الجهاد.

و قرأ حمزة و الكسائيّ بالعكس‏ «6».

و المراد، أنّه لمّا قتل منهم قوم قاتل الباقون و لم يضعفوا.

و شدّد ابن كثير و ابن عامر «قتّلوا» للتّكثير «7».

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 199.

(2) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 49، و للحديث تتمة.

(3) المصدر: فجعلت.

(4) المصدر: الأرض.

(5) المصدر: محمّد.

(6) أنوار التنزيل 1/ 200.

(7) نفس المصدر و الموضع.

295
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 195] ص : 285

لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏، أي: أثيبهم بذلك ثوابا من عند اللّه، أي: عظيما. فهو مصدر للنّوع‏ «1».

وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ‏ (195): على الطّاعات.

و في أمالي شيخ‏ «2» الطّائفة: بإسناده إلى أبي عبيدة، عن أبيه و ابن أبي رافع- يحكيان ذهاب عليّ- عليه السّلام- من مكّة إلى المدينة ملتحقا بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حين هاجر من مكّة إلى المدينة، و قد قارع الفرسان من قريش، و معه فاطمة بنت أسد، و فاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و فاطمة بنت الزبير-: ثمّ سار «3» ظاهرا قاهرا حتّى نزل ضجنان، فلبث بها قدر يومه و ليلته، «4» و لحق به نفر من المستضعفين‏ «5» من المؤمنين، و فيهم أمّ أيمن مولاة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فصلى‏ «6» ليلته تلك هو و الفواطم، [طورا يصلّون و طورا] «7» يذكرون اللّه قياما و قعودا و على جنوبهم، فلم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر، فصلّى- عليه السّلام- بهم صلاة الفجر، ثمّ سار لوجهه يجوب‏ «8» منزلا بعد منزل. لا يفتر عن ذكر اللّه و الفواطم كذلك و غيرهم ممن صحبه حتّى قدموا المدينة «9»، و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم [بقوله- تعالى-:] «10»

______________________________
(1) يوجد في هامش الأصل: رد على البيضاوي حيث جعل مصدرا مؤكدا مع أنه لا يحذف عامل المؤكد. (منه سلمه الله). [ر. أنوار التنزيل 1/ 200]

(2) أمالي الطوسي 2/ 84- 86، مع اختصار و تلخيص في أوائله و هو الظاهر من عبارات المفسر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فصار» بدل «ثم سار».

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فلزم بها يوما و ليلة» بدل «فلبث بها قدر يومه و ليلته».

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «ضعفاء» بدل «المستضعفين من».

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «و يصلي» بدل «فصلى».

(7) من المصدر. و في النسخ: «و» بدل منه.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فجعل وهن يضعون ذلك» بدل «يجوب».

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: «يعبدون الله- عز و جل- و يرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة» بدل «لا يفتر عن ذكر الله و الفواطم كذلك و غيرهم ممن صحبه حتى قدموا المدينة».

(10) من المصدر.

296
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

 

الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً (الآيات [إلى‏] قوله) «1» مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏. الذّكر عليّ، و الأنثى الفواطم‏ «2» بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ‏ يعني، عليّ من فاطمة، أو قال: الفواطم، و هنّ من عليّ‏ «3».

و ذكر عليّ بن عيسى- رحمه اللّه- في كشف الغمّة «4»: أنّ هذه الآيات نزلت في أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- في توجّهه إلى المدينة، و ذكر الحكاية كما في الأمالي.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: ثمّ ذكر أمير المؤمنين- عليه السّلام- و أصحابه المؤمنين فقال: فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ‏ يعني، أمير المؤمنين، و سلمان، و أبا ذرّ حين أخرج، و عمّار «6»، الّذين أوذوا- إلى آخر الآية-.

لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196):

الخطاب للنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و المراد أمّته، أو تثبيته على ما كان عليه، أو لكلّ أحد.

و المعنى: لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السّعة و الحظّ، و لا تغترّ بظاهر ما ترى من تبسّطهم في مكاسبهم و متاجرهم و مزارعهم.

نقل‏ «7»: أنّ بعض المؤمنين كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون: إنّ أعداء اللّه فيما نرى من الخير و قد هلكنا من الجوع و الجهد، فنزلت.

مَتاعٌ قَلِيلٌ‏: خبر مبتدأ محذوف، أي: ذلك التّقلّب متاع قليل، لقصر مدّته و في جنب ما أعدّ اللّه للمؤمنين.

و في الحديث النّبويّ‏ «8»: ما الدّنيا في الآخرة إلّا مثل ما يجعل أحدكم‏ «9» إصبعه في اليمّ، فلينظر بم يرجع.

ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ (197): ما مهّدوا لأنفسهم.

______________________________
(1) ذكر في المصدر نفس الآيات بدل قول المفسر: الآيات [إلى‏] قوله.

(2) المصدر: الفواطم المتقدم ذكر هنّ و هنّ فاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و فاطمة بنت أسد و فاطمة بنت الزبير.

(3) «أو قال الفواطم و هنّ من عليّ» ليس في المصدر.

(4) كشف الغمة في معرفة الأئمة 1/ 406.

(5) تفسير القمي 1/ 129.

(6) «و عمّار» ليس في المصدر.

(7) أنوار التنزيل 1/ 200. و فيه: روى.

(8) نفس المصدر و الموضع.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: أحدهم.

 

297
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏:

النَّزَل و النُّزُل، ما يعدّ للنّازل من طعام و شراب و صلة. و انتصابه على الحال من «جنّات» و العامل فيها الظّرف.

و قيل‏ «1»: إنّه مصدر مؤكّد، و التّقدير: أنزلوه نزلا.

وَ ما عِنْدَ اللَّهِ‏: لكثرته، و دوامه، خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198): ممّا يتقلّب فيه الفجّار، لقلّته و سرعة زواله و امتزاجه بالآلام.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏:

الموت خير للمؤمن، لأنّ اللّه يقول: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ.

[عن الأصبغ بن نباتة «3»، عن عليّ- عليه السّلام- في قوله: «ثوابا من عند اللّه خير للأبرار»] «4» قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله‏ «5»-: أنت الثّواب، و أصحابك‏ «6» الأبرار.

وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ‏:

قيل‏ «7»: نزلت في ابن سلام‏ «8» و أصحابه.

و قيل: في أربعين من نجران، و اثنين و ثلاثين من الحبشة، و ثمانية من الروم، كانوا نصارى فأسلموا.

و قيل‏ «9»: في أصحمة النّجاشيّ لمّا نعاه جبرئيل إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فخرج فصلّى عليه، فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلّي على علج نصرانيّ لم يره قطّ.

و إنّما دخلت اللّام على الاسم، للفصل بينه و بين «إنّ» بالخبر.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) تفسير العياشي 1/ 212، ح 178.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 177.

(4) من المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لعليّ.

(6) المصدر: أنصارك (أصحابك- خ ل.)

(7) أنوار التنزيل 1/ 200- 201.

(8) المصدر: عبد اللّه بن سلام.

(9) نفس الموضع و المصدر.

298
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ‏، من القرآن، وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ‏ من الكتابين، خاشِعِينَ لِلَّهِ‏: حال، من فاعل «يؤمن». و جمعه باعتبار المعنى.

لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا، كما يفعله المحرّفون من أحبارهم.

أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏: و يؤتون أجرهم مرّتين، كما وعدوه في آية أخرى.

إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ‏ (199): لعلمه بالأعمال، و ما يستوجبه كلّ عامل من الجزاء، و استغنائه عن التّأمّل و الاحتياط.

و المراد، أنّ الأجر الموعود سريع الوصول، فإنّ سرعة الحساب يستدعي سرعة الجزاء.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا، على المصائب، وَ صابِرُوا، على الفرائض، وَ رابِطُوا: على الأئمّة «1».

[و في الكافي‏ «2»: عن الصّادق- عليه السّلام-: «اصبروا» على الفرائض «و صابروا» على المصائب.] «3»

و في كتاب معاني الأخبار «4»: بإسناده إلى أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: «اصبروا» على المصائب و «صابروهم» على الفتنة «5» «و رابطوا» على من تعتدّون‏ «6» به.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»: قوله: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا فإنّه‏ حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: «اصبروا»

______________________________
(1) كافّة الأحاديث الواردة في تفسير هذه الآية في نسخة «ر» و «أ» فيها تقديم و تأخير.

و لكن اعتمدنا على نسخة الأصل و لم نشر إلى ذلك كما أنّه يوجد اختلافات و نقص في نفس الحديث في- النسختين المشار إليهما.

(2) الكافي 2/ 81، ح 3. و سيأتي بسنده و تمام الحديث قريبا.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(4) معاني الأخبار/ 369، ح 1. و سيأتي بتمامه قريبا.

(5) المصدر: التقيّة.

(6) المصدر: تقتدون.

(7) تفسير القمي 1/ 129.

 

299
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

على المصائب «و صابروا» على الفرائض و «رابطوا» على الأئمّة.

[و حدّثني أبي‏ «1»، عن الحسن بن خالد، عن الرّضا- عليه السّلام-: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين الصّابرون؟ فيقوم فئام من النّاس، ثمّ ينادي: أين المتصبّرون؟

فيقوم فئام من النّاس.

قلت: جعلت فداك، و ما الصّابرون؟

قال: على أداء الفرائض، و المتصبّرون على اجتناب المحارم.] «2»

حدّثني أبي‏ «3»، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليمانيّ، عن أبي الطّفيل، عن أبي جعفر، عن أبيه عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قال- و قد ذكر عنده عبد اللّه بن عبّاس-: و أمّا قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا (الآية) ففي أبيه نزلت و فينا، و لم يكن الرّباط الّذي أمرنا به و سيكون ذلك، من نسلنا المرابط و من نسله المرابط

و الحديث طويل أخذت، منه موضع الحاجة.

[و في أصول الكافي‏ «4»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى عن الحسين بن مختار، عن عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا قال: اصبروا على الفرائض.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «5»، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي السّفاتج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا قال: اصبروا على الفرائض، و صابروا على المصائب، و رابطوا على الأئمّة.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «6» و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن [أبان‏] «7» ابن أبي مسافر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه عزّ و جلّ- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا قال:

اصبروا على المصائب.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) نفس المصدر 2/ 23.

(4) الكافي 2/ 81، ح 2.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

(6) نفس المصدر 2/ 92، ح 19.

(7) من المصدر.

300
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

و في رواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏ صابروا «1» على المصائب‏] «2».

و في مجمع البيان‏ «3»: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا اختلفوا في معناه إلى قوله-:

و قيل إنّ معنى رابطوا، أي، رابطوا الصّلوات‏ «4»، و معناه، انتظروها واحدة بعد واحدة لأنّ المرابطة لم تكن حينئذ: روي ذلك عن عليّ- عليه السّلام-.

[و روي عن أبي جعفر- عليه السّلام‏ «5»- أنّه قال‏: معناه، اصبروا على المصائب، و صابروا على عدوّكم، و رابطوا على عدوّكم.] «6»

[و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «7»-: من الرّباط انتظار الصّلاة بعد الصّلاة.] «8»

[و في كتاب معاني الأخبار «9»: حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه- عليه السّلام- قال‏: جاء جبرائيل- عليه السّلام- إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقال له النّبيّ: يا جبرائيل، ما تفسير الصّبر؟

قال: و يصبر «10» في الضّرّاء كما يصبر «11» في السّرّاء، و في الفاقة كما يصبر «12» في الغناء، و في البلاء كما يصبر «13» في العافية، فلا يشكو «14» خالقه عند مخلوق بما يصيبه من البلاء.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.] «15» وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ (200):

قيل‏ «16»: و اتّقوه بالتّبرّؤ عمّا سواه لكي تفلحوا غاية الفلاح.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: اصبروا.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) مجمع البيان 1/ 562.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: الصلاة.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أور.

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.

(9) معاني الأخبار/ 261، ضمن حديث.

10 و 11 و 12 و 13- هكذا في المصدر. و في النسختين الأصل ور: «يصبروا». و الصواب. أن تكونوا بصيغة المفرد كما في المصدر. لأنّ الضمير في «خالقه» يعود على مفرد.

(14) هكذا في المصدر. و في النسختين الأصل ور: فلا يشكوا.

(15) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(16) أنوار التنزيل 1/ 201.

301
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن الصادق- عليه السّلام-: يعني، فيما أمركم به و افترض عليكم.

و في أصول الكافي‏ «2»: بعض أصحابنا- رفعه- عن محمّد بن سنان، عن داود بن كثير الرّقيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-:

إنّ اللّه- تبارك و تعالى- لمّا خلق نبيّه و وصيّه و ابنته و ابنيه و جميع الأئمّة- عليهم السّلام- و خلق شيعتهم، أخذ عليهم الميثاق أن يصبروا و يصابروا و يرابطوا و أن يتّقوا اللّه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك و تعالى-: اصْبِرُوا يقول: عن المعاصي‏ وَ صابِرُوا على الفرائض‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ يقول: اؤمروا بالمعروف و انهوا عن المنكر، ثمّ قال: و أيّ منكر أنكر من ظلم الأمّة لنا و قتلهم إيّانا؟ وَ رابِطُوا يقول: في سبيل اللّه، و نحن السّبيل فيما بين اللّه و خلقه، و نحن الرّباط الأدنى، فمن جاهد عنّا فقد جاهد عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و ما جاء به من عند اللّه‏ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ يقول: لعلّ الجنّة توجب لكم إن فعلتم ذلك، و نظيرها في قول اللّه- تعالى-: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً وَ قالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ و لو كانت هذه الآية في المؤذنين كما فسّرها المفسّرون، لفاز القدريّة و أهل البدع معهم.

عن يعقوب السّرّاج‏ «4» قال: قلت: لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: تبقى الأرض يوما بغير عالم منكم يفزع النّاس إليه؟

قال: فقال لي: إذا لا يعبد اللّه يا أبا يوسف، لا تخلوا الأرض من عالم منّا ظاهر يفزع النّاس إليه في حلالهم و حرامهم، و إنّ ذلك لمبيّن في كتاب اللّه، قال اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا] «5» اصبروا على دينكم، و صابروا عدوّكم ممّن يخالفكم، و رابطوا إمامكم‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ فيما أمركم به و افترض عليكم.

[و في رواية أخرى‏ «6» عنه‏: اصبروا على الأذى فينا.

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 213، ذيل حديث 181. و سيأتي الحديث بتمامه قريبا.

(2) الكافي 1/ 451، ح 39.

(3) تفسير العياشي 1/ 212، ح 179.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 181.

(5) ليس في المصدر.

(6) نفس المصدر 1/ 213، ح 182.

 

302
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

قلت: و صابروا؟

قال: على عدوّكم مع وليّكم «و رابطوا» قال: المقام مع إمامكم‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

قلت: تنزيل؟

قال: نعم.

و فيه‏ «1»: بإسناده إلى ابن أبي حمزة «2»، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا.

فقال: اصبروا على المصائب، و صابروهم على التّقيّة «3»، و رابطوا على من تعتدّون به‏ «4»، وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.] «5»

و في شرح الآيات الباهرة «6»: روى الشّيخ المفيد- رحمه اللّه- في كتاب الغيبة، عن رجاله- بإسناده- عن بريد بن معاوية العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في- قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا قال: اصبروا على أداء الفرائض، و صابروا عدوّكم، و رابطوا إمامكم المنتظر.

[و في تفسير فرات بن إبراهيم‏ «7» الكوفيّ: قال: حدّثنا الحسين بن الحكم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- في يوم أحد [في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] «8» اصْبِرُوا في أنفسكم‏ وَ صابِرُوا عدوّكم‏ وَ رابِطُوا في سبيل اللّه‏ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ [قال:] «9» نزلت في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- و حمزة بن عبد المطّلب- رضي اللّه عنه-] «10» و قد سبق ثواب قراءة هذه السّورة.

و في عيون الأخبار: عن الرّضا- عليه السّلام‏ «11»- قال‏: إذا أراد أحدكم الحاجة

______________________________
(1) بل في معاني الأخبار/ 369، ح 1، كما مرّ قبل قليل.

(2) المصدر: أبي حمزة.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: القضية.

(4) المصدر: تقتدون به.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 38.

(7) تفسير فرات/ 420، ذيل حديث.

(8) ليس في المصدر.

(9) من المصدر.

(10) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(11) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 40، ح 125.

 

303
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 196 الى 200] ص : 297

فليبكّر في طلبها في يوم الخميس، و ليقرأ إذا خرج من منزله، آخر سورة آل عمران، و آية الكرسيّ، و انّا أنزلناه في ليلة القدر، و أمّ الكتاب، فإنّ فيها قضاء حوائج الدّنيا و الآخرة.

304
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

سورة النساء ص : 305

 

سورة النّساء

 

305
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

سورة النّساء بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

في كتاب ثواب الأعمال‏ «1»: بإسناده عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال‏: من قرأ سورة النّساء في كلّ جمعة، أمن من ضغطة القبر.

و في مصباح الكفعميّ‏ «2»: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: من قرأها فكأنّما تصدّق على كلّ من ورث ميراثا، و أعطي من الأجر كمن اشترى محرّرا، و برئ‏ «3» من الشّرك، و كان‏ «4» في مشيئة اللّه من الذين يتجاوز عنهم.

يا أَيُّهَا النَّاسُ‏: خطاب يعمّ بني آدم.

اتَّقُوا رَبَّكُمُ‏:

في كتاب المناقب‏ «5»- لابن شهر آشوب-: أبو حمزة، عن جعفر- عليه السّلام- في هذه‏ «6» الآية قال: قرابة الرّسول و سيّدهم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أمروا بمودّتهم، فخالفوا ما أمروا به.

الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ: هي آدم- عليه السّلام-.

وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها: عطف على خلقكم، أي: خلقكم من شخص واحد و خلق منها أمّكم حوّاء من فضل طينتها. أو على محذوف، تقديره: من نفس واحدة خلقها و خلق منها زوجها.

في كتاب علل الشّرائع‏ «7»: بإسناده إلى زرارة- حديث طويل- قال: ثمّ سئل‏

______________________________
(1) ثواب الأعمال/ 133.

(2) مصباح الكفعمي/ 439.

(3) المصدر: تبرى.

(4) المصدر: فكان.

(5) مناقب آل أبي طالب 3/ 314.

(6) ذكر في المصدر نص الآية بدل «هذه».-

(7) علل الشرائع/ 17- 18، ح 1، و للحديث صدر.

 

307
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

 

- عليه السّلام- عن خلق حوّاء و قيل له: إنّ أناسا عندنا يقولون: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- خلق حوّاء من ضلع آدم الأيسر الأقصى.

قال: سبحان اللّه و تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، يقول‏ «1» من يقول هذا، إنّ اللّه- تبارك و تعالى- لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته‏ «2» من غير ضلعه، و جعل للمتكلّم من أهل التّشنيع سبيلا إلى الكلام، يقول: إنّ آدم كان ينكح بعضه بعضا، إذا كانت من ضلعه ما لهؤلاء حكم اللّه بيننا و بينهم.

ثمّ قال: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- لمّا خلق آدم من طين، أمر الملائكة فسجدوا له‏ «3»، و ألقى عليه السّبات‏ «4»، ثمّ ابتدع له حوّاء. فجعلها «5» في موضع النّقرة الّتي بين وركيه، و ذلك لكي تكون المرأة تبعا للرّجل، فأقبلت تتحرّك فانتبه لتحرّكها، فلمّا انتبه نوديت: أن تنحّي عنه. فلمّا نظر إليها، نظر إلى خلق حسن يشبه‏ «6» صورته غير أنّه‏ «7» أنثى، فكلّمها فكلّمته بلغته.

فقال لها: من أنت؟

فقالت: خلق، خلقني اللّه كما ترى.

فقال آدم عند ذلك: يا ربّ، من هذا الخلق الحسن، الّذي قد آنسني قربه و النّظر إليه؟

فقال اللّه: يا آدم، هذه أمتي حوّاء، أ فتحبّ‏ «8» أن تكون معك فتؤنسك و تحدّثك و تأتمر لأمرك؟

فقال: نعم يا ربّ، و لك عليّ بذلك الشّكر و الحمد ما بقيت.

فقال اللّه- تبارك و تعالى-: فاخطبها إليّ، فإنّها أمتي، و قد تصلح لك‏ «9»- أيضا- زوجة «10» للشهوة، و ألقى اللّه عليه الشّهوة، و قد علّمه قبل ذلك المعرفة بكلّ شي‏ «11».

______________________________
(1) المصدر: أ يقول.

(2) النسخ: «زوجة». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) ليس في المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: الشبات.

(5) المصدر: «ثم ابتدع له خلقا ثم جعلها» بدل «ثم ابتدع له حواء فجعلها».

(6) المصدر: تشبه.

(7) هكذا في ر. و في المصدر و سائر النسخ: أنّها.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: فتحبّ.

9 و 10- ليس في المصدر.-

(11) «بكل شي‏ء» ليس في المصدر.

 

 

308
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

فقال: يا ربّ، فإنّي أخطبها إليك، فما رضاك لذلك؟

فقال: رضائي، أن تعلّمها معالم ديني.

فقال: ذلك لك يا ربّ إن شئت‏ «1» ذلك لي.

فقال: قد شئت ذلك، و قد زوّجتكها، فضمّها إليك.

فقال لها آدم- عليه السّلام-: إليّ فأقبلي‏ «2».

فقالت: بل أنت فأقبل إليّ. فأمر اللّه- عزّ و جلّ- آدم أن يقوم إليها، فقام، و لو لا ذلك لكان‏ «3» النّساء [هنّ‏] «4» يذهبن [إلى الرّجال‏] «5» حتّى يخطبن‏ «6» على أنفسهن. فهذه قصّة حوّاء- صلوات اللّه عليها-.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال‏: خلقت حوّاء من قصيرى جنب آدم. و القصيرى هو الضّلع الأصغر، و أبدل اللّه مكانه لحما.

و قيل في الجمع بين الخبرين‏ «8»: كونها مخلوقة من ضلعه الأيسر، إشارة إلى أنّ الجهة الجسمانيّة [الحيوانيّة] «9» في النّساء أقوى منها في الرّجال، و الجهة الرّوحانيّة الملكيّة بالعكس من ذلك. و ذلك لأن اليمين ممّا يكنّى به عن عالم الملكوت الرّوحانيّ، و الشّمال ممّا يكنّى به عن عالم الملك الجسمانيّ، فالطّين عبارة عن مادّة الجسم، و اليمين عبارة عن مادّة الرّوح، و لا ملك إلّا بملكوت. و هذا هو المعنى‏

بقوله- عليه السّلام-: و كلتا يديه يمين.

فالضّلع الأيسر المنقوص من آدم، كناية عن نقص الشّهوات، الّتي تنشّأ من غلبة الجسميّة، الّتي هي من عالم الخلق، و هي فضلة «10» طينته المستنبطة من باطنه الّتي صارت مادّة لخلق حوّاء. فنبّه في الحديث، على أنّ جهة الملكوت و الأمر في الرّجال أقوى من جهة الملك و الخلق، و بالعكس منهما في النّساء فإنّ الظّاهر عنوان الباطن. و هذا هو السّرّ في هذا النقص في أبدان الرّجال بالإضافة إلى النّساء، و أسرار اللّه لا ينالها إلّا أهل السّرّ،

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: عليّ إن شئت.

(2) المصدر: «أقبلي» بدل «لها آدم- عليه السّلام- إليّ فأقبلي».

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: لكنّ.

4 و 5- من المصدر.

(6) المصدر: خطبن.

(7) تفسير العياشي 1/ 215، ح 2.

(8) تفسير الصافي 1/ 383- 384.

(9) من المصدر.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: هو فضل.

309
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

فالتّكذيب في كلام المعصومين- صلوات اللّه عليهم- إنّما يرجع إلى ما فهمه العامّة من حمله على الظّاهر، دون أصل الحديث.

وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً: بيان لكيفيّة تولّدهم منهما، و المعنى: و نشر من تلك النّفس و الرّوح المخلوق منهما، بنين و بنات كثيرة. و اكتفى بوصف‏ «1» الرّجال بالكثرة عن وصف النّساء بها، لكونهم أصلا بالنّسبة إليهنّ، و توصيفهم يدلّ على توصيفهنّ.

و ذكر «كثيرا» حملا على الجمع، و ترتيب الأمر بالتّقوى على هذه القصّة، لما فيها من الدّلالة على القدرة القاهرة الّتي من حقّها أن تخشى، و النّعمة الباهرة الّتي توجب طاعة مولاها. أو لأنّ المراد به، تمهيد الأمر بالتّقوى فيما يتّصل بحقوق أهل منزله و بني جنسه، على ما دلّت عليه الآيات الّتي بعدها.

و قرئ: «و خالق و باثّ» على حذف مبتدأ، تقديره: و هو خالق و باثّ‏ «2».

و في كتاب العلل‏ «3»: عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن بدء النّسل من ذرّيّة آدم- عليه السّلام-، و قيل له: إنّ عندنا أناسا يقولون: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه، و إنّ هذا الخلق أصله كلّه من الإخوة و الأخوات.

فقال- عليه السّلام- سبحان اللّه، و تعالى عن ذلك علوّا كبيرا، يقول من يقول هذا، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- جعل أصل صفوة خلقه و أحبّائه و أنبيائه و رسله [و حججه‏] «4» و المؤمنين و المؤمنات و المسلمين و المسلمات من حرام، و لم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، و قد أخذ ميثاقهم على الحلال و الطّهر الطّاهر الطّيّب، و اللّه لقد نبّئت‏ «5»: أنّ بعض البهائم تنكّرت له أخته، فلما نزا عليها و نزل كشف له عنها، و علم أنّها أخته، أخرج غرموله، ثمّ قبض عليه بأسنانه، ثمّ قلعه، ثمّ خرّ ميّتا.

و أمّا

ما رواه فيه‏ «6»: بإسناده إلى الحسن بن مقاتل، عمّن سمع زرارة يقول: سئل‏

______________________________
(1) ر: بذكر.

(2) أنوار التنزيل 1/ 202.

(3) علل الشرائع/ 17، ح 1. و للحديث تتمة قد سبق قبل قليل. و فيه: «سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- كيف بدؤ النسل من ذريّة آدم- عليه السّلام- و قيل له فإنّ عندنا أناسا» بدل «عن الصادق- عليه السّلام- (ألى قوله) إنّ عندنا أناسا».

(4) من المصدر.

(5) المصدر: نبأت.

(6) نفس المصدر/ 18، ح 2.

 

310
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن بدء النّسل من آدم كيف كان؟ و عن بدء النّسل من ذرّيّة آدم، و ذكر الحديث، و فيه زيادة و هي قوله: و آخر تنكرت له أمّه ففعل هذا بعينه، فكيف الإنسان و في نسبه‏ «1» و فضله [و علمه؟] «2» غير أنّ جيلا من هذا الخلق الّذي ترون، رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم و أخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فصاروا إلى ما قد ترون من الضّلال و الجهل بالعلم كيف كانت الأشياء الماضية من بدء أن خلق اللّه ما خلق، و ما هو كائن أبدا.

ثمّ قال: ويح هؤلاء، أين هم عمّالا يختلف فيه فقهاء أهل الحجاز و لا فقهاء أهل العراق؟ إنّ‏ «3» اللّه أمر القلم، فجرى على اللّوح المحفوظ بما هو كائن إلى يوم القيامة قبل [خلق‏] «4» آدم بألفي عام، و إنّ كتب اللّه كلّها فيما جرى [فيه‏] «5» القلم في كلّها تحريم الأخوات على الإخوة مع ما حرّم، و هذا نحن قد نرى منها هذه الكتب الأربعة المشهورة في هذا العالم: التّوراة و الإنجيل و الزّبور و الفرقان، أنزلها اللّه عن اللّوح المحفوظ على رسله- صلوات اللّه عليهم أجمعين- منها التّوراة على موسى، و الزّبور على داود، و الإنجيل على عيسى، و الفرقان‏ «6» على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- و على النّبيّين- عليهم السّلام- ليس فيها تحليل شي‏ء من ذلك، حقّا أقول، ما أراد من يقول هذا و شبهه إلّا تقوية حجج المجوس، فما لهم قاتلهم اللّه.

[ثم أنشا يحدثّنا كيف كان بدء النّسل من آدم، و كيف كان بدء النّسل من ذريته،] «7» فقال‏ «8»: إنّ آدم- صلوات اللّه عليه- ولد له سبعون بطنا، في كلّ بطن غلام و جارية إلى أن قتل هابيل، فلمّا قتل [قابيل‏] «9» هابيل جزع آدم على هابيل جزعا قطعه عن إتيان النّساء، فبقي لا يستطيع أن يغشى حوّاء خمسمائة عام، ثمّ تجلّى‏ «10» ما به من الجزع‏

______________________________
(1) كذا في النسخ. و في المصدر: «أنسيّته». و لعلّ الأصح: «إنسانيّته».

(2) من المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: فانّ.

4 و 5- من المصدر.

(6) المصدر: القرآن.

(7) من المصدر.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: قال.

(9) من المصدر.

(10) المصدر: تخلّى.

 

311
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

عليه، فغشى حوّاء، فوهب اللّه شيئا «1» وحده ليس معه ثان، و اسم شيث هبة اللّه، و هو أوّل وصيّ‏ «2» أوصي إليه من الآدميّين في الأرض، ثمّ ولد له من بعد شيث يافث ليس معه ثان.

فلمّا أدركا، و أراد اللّه- عزّ و جلّ- أن يبلغ بالنّسل ما ترون، و أن يكون ما قد جرى به القلم من تحريم ما حرّم اللّه- عزّ و جلّ- من الأخوات على الإخوة أنزل بعد العصر في يوم الخميس حوراء من الجنّة، اسمها نزلة، فأمر اللّه- عزّ و جلّ- آدم أن يزوّجها من شيث فزّوجها منه، ثمّ أنزل بعد العصر من الغد حوراء من الجنة، اسمها منزلة، فأمر اللّه- عزّ و جلّ- آدم أن يزوّجها من يافث فزوّجها منه.

فولد لشيث غلام، و ولد ليافث جارية، فأمر اللّه- عزّ و جلّ- آدم حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث، ففعل، فولد الصّفوة من النّبيّين و المرسلين من نسلهما، و معاذ اللّه أن يكون ذلك على ما قالوا من أمر الإخوة و الأخوات.

[و فيه‏ «3»: بإسناده الى القاسم بن عروة، عن بريد بن معاوية العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أنزل حوراء من الجنّة إلى آدم- عليه السّلام- فزوّجها أحد ابنيه و تزوّج الآخر إلى الجنّ، فولدتا جميعا، فما كان من النّاس من جمال و حسن خلق فهو من الحوراء، و ما كان فيهم من سوء الخلق فمن بنت الجانّ. و أنكر أن يكون زوّج بنيه، من بناته.

و فيه‏ «4»: بإسناده إلى عبد اللّه بن يزيد بن سلام‏ أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أخبرني عن آدم خلق من حوّاء، أم خلقت حوّاء من آدم؟

قال: بل حوّاء خلقت من آدم، و لو كان آدم خلق من حوّاء لكان الطّلاق بيد النّساء و لم يكن بيد الرّجال.

قال: فمن كلّه خلقت، أو من بعضه؟

قال: بل من بعضه، و لو خلقت من كلّه لجاز القصاص في النّساء كما يجوز في الرّجال.

قال: فمن ظاهره، أو من باطنه؟

قال: بل من باطنه، و لو خلقت من ظاهره لانكشف‏ «5» النّساء كما ينكشف‏

______________________________
(1) المصدر: شيئا.

(2) المصدر: من.

(3) نفس المصدر/ 103، باب 92، ح 1.

(4) نفس المصدر/ 471، ضمن حديث 33.

(5) المصدر: لانكشفن.

 

312
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

الرّجال، فلذلك صار النّساء مستترات.

قال: فمن يمينه، أو من شماله؟

قال: بل من شماله، و لو خلقت من يمينه لكان للأنثى مثل حظّ الذّكر من الميراث، فلذلك صار للأنثى سهم و للذّكر سهمان، و شهادة امرأتين مثل شهادة رجل واحد.

قال: فمن أين خلقت؟

قال: من الطّينة الّتي فضلت من ضلعه الأيسر.

قال: صدقت يا محمّد.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و بإسناده إلى الحسن بن محمّد «1»، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: خلق اللّه- عزّ و جلّ- آدم من طين، و من فضلته و بقيّته خلقت حوّاء.

و في كتاب الاحتجاج‏ «2» للطبّرسيّ- رحمه اللّه-: عن أبي حمزة الثّماليّ قال:

سمعت عليّ بن الحسين- عليه السّلام- يحدّث رجلا من قريش قال: لمّا تاب اللّه على آدم واقع حوّاء، و لم يكن غشيها منذ خلق و خلقت إلّا في الأرض، و ذلك بعد ما تاب اللّه عليه.

قال: و كان آدم يعظّم البيت و ما حوله من حرمة البيت، فكان إذا «3» أراد أن يغشي حوّاء خرج من الحرم و أخرجها معه، فإذا جاز الحرم غشيها في الحلّ، ثمّ يغتسلان إعظاما منه للحرم، ثمّ يرجع إلى فناء البيت.

[قال:] «4» فولد لآدم من حوّاء عشرون [ذكرا] «5» و عشرون أنثى [، فولد له في كلّ بطن ذكر و أنثى. فأوّل بطن‏] «6» ولدت حوّاء هابيل و معه جارية [يقال لها:] «7» إقليما.

______________________________
(1) نفس المصدر/ 512، ضمن حديث 1. و فيه: الحسن بن عبد اللّه.

(2) الاحتجاج 2/ 43- 44.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: «كان» بدل «فكان إذا».

4 و 5- من المصدر.

(6) من المصدر. و في الأصل ور «و قال ولد» بدل منه.

(7) من المصدر.

 

313
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

قال: و ولدت في البطن الثّاني قابيل و معه جارية يقال لها: لوزا، و كانت لوزا أجمل بنات آدم.

[قال:] «1» فلمّا أدركوا خاف عليهم آدم من الفتنة، فدعاهم إليه فقال: [أريد] «2» أن أنكحك يا هابيل لوزا، و أنكحك يا قابيل إقليما.

قال قابيل: ما أرضى بهذا، أ تنكحني أخت هابيل القبيحة و تنكح هابيل أختي الجميلة؟

قال: فأنا «3» أقرع بينكما، فإن خرج سهمك يا قابيل على لوزا و خرج سهمك يا هابيل على إقليما، زوّجت كلّ واحد منكما الّتي يخرج‏ «4» سهمه عليها.

قال: فرضينا بذلك، فاقترعا.

قال: فخرج سهم هابيل على لوزا أخت قابيل، و خرج سهم قابيل على إقليما أخت هابيل.

قال: فزوّجهما على ما خرج لهما من عند اللّه، قال: ثمّ حرّم اللّه نكاح الأخوات بعد ذلك.

قال: فقال له القرشيّ: فأولداهما؟

قال: نعم.

فقال له القرشيّ: فهذا فعل المجوس اليوم.

قال: فقال عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: إنّ المجوس إنّما فعلوا [ذلك‏] «5» بعد التّحريم من اللّه، ثمّ قال له عليّ بن الحسين- عليه السّلام-: لا تنكر هذا، إنّما هي شرائع جرت، أليس اللّه قد خلق زوجة آدم منه ثمّ أحلّها له؟ فكان ذلك شريعة من شرائعهم، ثمّ أنزل اللّه التّحريم بعد ذلك.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «6»، بإسناده إلى محمّد بن المفضّل‏ «7»، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- أنّه قال‏: فلمّا أكل [آدم‏] «8» من الشّجرة أهبط «9» إلى الأرض، فولد له هابيل و أخته توأما «10» و ولد له قابيل و أخته‏

______________________________
1 و 2- من المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: فإذا.

(4) المصدر: خرج.

(5) من المصدر.

(6) كمال الدين و تمام النعمة/ 213، ح 2.

(7) المصدر: محمّد بن الفضيل.

(8) من المصدر.

(9) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: هبط.

(10) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: توأم.

 

314
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

توأما «1»، ثمّ أنّ آدم أمر هابيل و قابيل أن يقرّبا قربانا- و كان هابيل صاحب غنم و كان قابيل صاحب زرع- فقرّب هابيل كبشا و قربّ قابيل من زرعه‏ «2» ما لم ينقّ‏ «3»، و كان كبش هابيل من أفضل‏ «4» غنمه و كان زرع قابيل غير منقّى، فتقبّل قربان هابيل و لم يتقبّل قربان قابيل، و هو قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ‏ (الآية).] «5»

[في الكافي‏ «6»: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن خالد بن إسماعيل، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: ذكرت له المجوس، و أنّهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، و أنّهم يحاجّونا بذلك.

فقال: أمّا أنتم فلا يحاجّونكم به، لمّا أدرك هبة اللّه قال آدم: «يا ربّ، زوّج هبة اللّه.» فأهبط اللّه- عزّ و جلّ- له حوراء، فولدت له أربعة غلمة ثمّ رفعها اللّه- عزّ و جلّ- فلمّا أدرك ولد هبة اللّه قال: يا ربّ، زوّج ولد هبة اللّه. فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليه أن يخطب إلى رجل من الجنّ- و كان مسلما- أربع بنات له على ولد هبة اللّه، فزوّجهنّ، فمّا كان من جمال و حلم فمن قبل الحوراء و النّبوّة، و ما كان من سفه أو حدّة فمن الجنّ.

من الدّلالة على أنّ آدم يزوّج بناته من بنيه في سبعين بطنا، ثمّ حرّم ذلك‏] «7».

و ما رواه في مجمع البيان‏ «8» عن الباقر- عليه السّلام-: «أنّ حوّاء امرأة آدم كانت تلد في كلّ بطن غلاما [و جارية،] «9» فولدت في أوّل بطن قابيل- و قيل: قابين- و توأمته إقليما بنت آدم، و البطن الثّاني هابيل و توأمته لبوذا «10»، فلمّا أدركوا جميعا أمر اللّه- تعالى- آدم أن ينكح‏ «11» قابيل أخت هابيل و هابيل أخت قابيل، فرضي هابيل، و أبى قابيل لأنّ‏

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: توأم.

(2) هكذا في المصدر. و في الأصل و ر: «مزرعه» بدل «من زرعه».

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: لم يتق.

(4) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: فضل.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) الكافي 5/ 569، ح 58.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل.

(8) مجمع البيان 2/ 183.

(9) من المصدر.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: لوذا.

(11) المصدر: أن ينكح آدم.

 

315
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

أخته كانت أحسنهما، و قال: ما أمر اللّه بهذا و لكن هذا من رأيك، فأمرهما آدم‏ «1» أن يقرّبا قربانا، فرضيا بذلك.

و سيأتي باقي الحديث.

و

ما في قرب الإسناد «2»، عن الرّضا- عليه السّلام- حملت حوّاء هابيل و أختا له في بطن، ثمّ حمل في البطن الثّاني قابيل و أختا له في بطن، فزوّج هابيل الّتي مع قابيل و تزوّج قابيل الّتي مع هابيل، ثمّ حدث التّحريم بعد ذلك.

فمحمول على التّقيّة، لأنّه موافق لمذهب العامّة.

و الحقّ‏

ما رواه في الفقيه‏ «3»، عن (الباقر)- عليه السّلام- أنّ اللّه- عزّ و جلّ- أنزل على آدم حوراء من الجنّة فزوّجها أحد ابنيه و تزوّج الآخر ابنة الجانّ، فما كان في النّاس من جمال كثير «4» و حسن خلق فهو من الحوراء، و ما كان فيهم من سوء خلق فهو من ابنة الجانّ.

[و ما في الخبر الأوّل من هذه الأربعة:] «5» أنّ اللّه أنزل الحوراء على هبة اللّه، [لا ينافي ما في هذا الخبر، لإمكان الإنزال أوّلا على أوّل أولاده، ثمّ إنزالها ثانيا على هبة اللّه بسؤال آدم. و لا ينافيه- أيضا-] «6»

ما رواه العيّاشيّ‏ «7»، «عن أبي بكر الحضرميّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ آدم ولد له أربعة ذكور، فأنزل‏ «8» اللّه إليهم أربعة من الحور العين، فزوّج كلّ واحد منهم واحدة فتوالدوا، ثمّ أنّ اللّه رفعهنّ و زوّج هؤلاء الأربعة أربعة من الجنّ، فصار النّسل فيهم، فما كان من حلم فمن آدم، و ما كان من جمال فمن قبل‏ «9» الحور العين، و ما كان من قبح أو سوء خلق فمن الجنّ»

، لاحتمال أن يكون المراد من ولد آدم ولد هبة اللّه، لأنّ ولده أولاده.

[و في الكافي‏ «10»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن الحسين بن سعيد، عن صفوان ابن يحيى، عن خالد بن إسماعيل، عن رجل من أصحابنا من أهل الجبل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: ذكرت له المجوس، و أنّهم يقولون: نكاح كنكاح ولد آدم، و أنّهم يحاجّونا بذلك.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: اللّه.

(2) قرب الاسناد/ 161.

(3) من لا يحضره الفقيه 3/ 240، ح 1137.

(4) المصدر: أو.

5 و 6- ليس في الأصل.

(7) تفسير العياشي 1/ 215، ح 5.

(8) المصدر: فأهبط.

(9) المصدر: «من قبال» بدل «فمن قبل».

(10) الكافي 5/ 569، ح 58.

 

316
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

فقال: أمّا أنتم فلا يحاجّونكم به، لمّا أدرك هبة اللّه قال آدم: يا ربّ، زوّج هبة اللّه. فأهبط اللّه- عزّ و جلّ- له حوراء فولدت له أربعة غلمة، ثمّ رفعها اللّه- عزّ و جلّ- فلمّا أدرك ولد هبة اللّه قال: يا ربّ، زوّج ولد هبة اللّه. فأوحى‏ «1» اللّه إليه أن يخطب إلى رجل من الجنّ- و كان مسلما- أربع بنات على ولد هبة اللّه، فزوجهّن، فما كان من جمال و حلم فمن قبل الحوراء و النّبوّة، و ما كان من سفه أو حدّة «2» فمن الجنّ.] «3»

[و قد سبق‏

في الخبر: أنّ اللّه أنزل على أولاده أربعة من الحور العين على أربعة من أولاد آدم غير من أنزل له أوّلا

، فلا منافاة] «4».

وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ‏، أي: يسأل بعضكم بعضا به، فيقول: أسألك باللّه. و أصله «تتسائلون» فأدغمت التّاء في السّين.

و قرأ عاصم و حمزة و الكسائيّ، بطرحها «5».

وَ الْأَرْحامَ‏: بالنّصب، عطفا على اللّه، أي: اتّقوا اللّه و الأرحام فصلوها و لا تقطعوها.

في مجمع البيان‏ «6»: و «الأرحام»، معناه: و اتّقوا الأرحام أن تقطعوها. و هو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-.

و قيل‏ «7»: عطف‏ «8» على محلّ الجارّ و المجرور، كقولك: مررت بزيد و عمرو «9». أي:

تتسائلون باللّه و بالأرحام، كقولهم: أسألك باللّه و بالرّحم أن تفعل كذا.

و قرئ، بالجرّ، عطفا على الضّمير المجرور، و هو ضعيف، لأنّه كبعض الكلمة «10».

و قرئ، بالرّفع، على أنّه مبتدأ محذوف الخبر، أي: و الأرحام كذلك، أي: ممّا يتّقى. أو يتساءل به. و قد نبّه- سبحانه- إذ قرن الأرحام باسمه في الاتّقاء، على أنّ صلتها بمكان منه‏ «11».

[إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1): حافظا مطّلعا.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في الأصل: فأنزل.

(2) هكذا في المصدر. و في الأصل: خلف.

(3) ما بين المعقوفتين يوجد في الأصل، فقط.

(4) ما بين المعقوفتين يوجد في ر، فقط.

(5) أنوار التنزيل 1/ 202.

(6) مجمع البيان 2/ 3.

(7) أنوار التنزيل 1/ 202.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: أو.

(9) المصدر: عمرا.

10 و 11- نفس المصدر و الموضع.

317
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: و في رواية أبي الجارود: الرّقيب، الحفيظ.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ‏ «2»: قال: حدّثنا الحسن بن الحكم معنعنا، عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنه- في قوله- تعالى-: وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ‏ قال: نزلت في رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و ذوي أرحامه، و ذلك أنّ كلّ سبب و نسب ينقطع يوم القيامة إلّا من كان من سببه و نسبه، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً، يعني: حفيظا.

و فيه‏ «3»: قال: حدّثنا جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن جعفر بن محمّد قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ اللّه- تعالى- خلقني و اهل بيتي من طينة «4» لم يخلق اللّه منها أحدا غيرنا و من ضوى إلينا، فكنّا أول من ابتدأ من خلقه، فلمّا خلقنا فتق بنورنا كلّ ظلمة «5» و أحيا بنا كلّ طينة «6» ثمّ قال اللّه- تعالى- هؤلاء خيار خلقي و حملة عرشي و خزّان علمي و سادة أهل السّماء و سادة أهل الأرض، هؤلاء الهداة «7» المهتدين و المهتدى بهم، من جاءني بولايتهم أوجبت لهم‏ «8» جنّتي و والجتهم‏ «9» كرامتي، و من جاءني بعداوتهم أوجبت لهم‏ «10» ناري و بعثت عليهم عذابي.

ثمّ قال- عليه السّلام-: نحن أصل الإيمان باللّه و ملائكته، و تمامه منّا، و الرّقيب على خلق اللّه، و به إسداد «11» أعمال الصّالحين، و نحن قسم اللّه الّذي يسأل به، و نحن وصيّة اللّه في الأوّلين و وصيّته في الآخرين، و ذلك قول اللّه- جلّ جلاله-: اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.] «12»

و في تفسير العيّاشيّ‏ «13»: عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت أمير المؤمنين‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 130.

(2) تفسير فرات/ 32.

(3) نفس المصدر/ 35.

(4) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: من طينة و أهل بيتي.

(5) المصدر: اطعة.

(6) المصدر: طينة طيّبة.

(7) المصدر: هداة.

(8) المصدر: أوجبتهم.

(9) المصدر: أبحتهم.

(10) المصدر: أوجبتهم.

(11) المصدر: سداد.

(12) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(13) تفسير العياشي 1/ 217، ح 8. و للحديث تتمة.

 

318
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 1] ص : 307

- عليه السّلام- يقول‏: إنّ أحدكم ليغضب فما يرضى حتّى يدخل به النّار، فأيّما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدن منه، فإنّ الرّحم إذا مسّها «1» الرّحم استقرّت، و إنّها متعلّقة بالعرش ينتقضه‏ «2» انتقاض الحديد، فتنادي‏ «3»: اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني، و ذلك قول اللّه- في كتابه-: وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ (الآية).

و في أصول الكافي‏ «4»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ (الآية.) «5» فقال: هي أرحام النّاس، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أمر بصلتها و عظّمها، ألا ترى أنّه جعلها معه‏ «6»؟

و في عيون الأخبار «7»، بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة- إلى قوله-: و أمر باتّقاء اللّه و صلة الرّحم، فمن لم يصل رحمه لم يتّق اللّه- عزّ و جلّ-.

و بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام‏ «8»- عن أبيه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لمّا أسري بي إلى السّماء، رأيت رحما متعلّقة بالعرش، تشكو رحما «9» إلى ربّها.

فقلت لها: كم بينك و بينها من أب؟

فقالت: نلتقي في أربعين أبا.

و في أصول الكافي‏ «10»: بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: صلوا أرحامكم و لو بالتّسليم، يقول اللّه- تبارك و تعالى-: وَ اتَّقُوا اللَّهَ‏ (الآية) «11».

و بإسناده إلى الرّضا «12»- عليه السّلام- قال‏: إنّ رحم آل محمّد الأئمّة

______________________________
(1) المصدر: مسّتها.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: منتفضة.

(3) المصدر: فينادي.

(4) الكافي 2/ 150، ح 1.

(5) ذكر في المصدر بقية الآية الى «عليكم رقيبا».

(6) المصدر: منه.

(7) عيون الأخبار 1/ 258، ح 13.

(8) نفس المصدر 1/ 255، ح 5.

(9) المصدر: رحمها.

(10) الكافي 2/ 155، ح 22.

(11) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «الآية».

(12) نفس المصدر 2/ 156، ح 26.

 

319
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

 

- عليهم السّلام- لمعلّقة «1» بالعرش تقول: اللّهمّ صل من وصلني و اقطع من قطعني، ثمّ هي جارية [بعدها] «2» في أرحام المؤمنين، ثمّ تلا هذه الآية «3».

وَ آتُوا الْيَتامى‏ أَمْوالَهُمْ‏: إذا بلغوا، و آنستم منهم رشدا، كما في الآية الأخرى.

«اليتامى» جمع يتيم، و هو الّذي مات أبوه من اليتم، و هو الانفراد. و منه: الدّرّة اليتيمة، إمّا لأنّه لما جرى مجرى الأسماء، كفارس و صاحب، جمع على يتائم، ثمّ قلب فقيل: يتامى. أو على أنّه جمع على يتمى، كأسرى، لأنّه من باب الآفات، ثمّ جمع يتمى على يتامى، كأسرى و أسارى.

و وروده في الآية، إمّا للبلغ على الأصل، أو على الاتّساع لقرب عهدهم بالصّغر، حثّا على أن يدفع إليهم أموالهم أوّل بلوغهم، قبل أن يزول عنهم هذا الاسم إن أونس منهم الرّشد، و لذلك أمر بابتلائهم صغارا. أو لغير البلغ، و الحكم مقيّد، و كأنّه قال:

و آتوهم إذا بلغوا.

و يؤيّد الأوّل ما نقل‏ «4»: أنّ رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلمّا بلغ طلب المال منه فمنعه فنزلت، فلمّا سمعها العمّ قال: أطعنا اللّه و رسوله، نعوذ باللّه من الحوب الكبير.

وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏:

قيل‏ «5»: لا تستبدلوا الحرام من أموالهم بالحلال من أموالكم، أو الأمر الخبيث، و هو اختزال أموالهم بالأمر الطّيّب، الّذي هو حفظها.

و قيل‏ «6»: و لا تأخذوا الرّفيع من أموالهم، و تعطوا الخسيس مكانها.

و البيضاويّ، ضعّفه، بأنّ هذا تبديل و ليس بتبدّل‏ «7».

وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى‏ أَمْوالِكُمْ‏: و لا تأكلوها مضمومة إلى أموالكم، مسوّين بينهما، و هذا حلال و الآخر حرام، يعني: فيما زاد على أجره، لقوله- تعالى-: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.

إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (2): ذنبا عظيما.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: المعلّقة.

(2) من المصدر.

(3) ذكر في المصدر نفس الآية بعد هذه العبارة.

(4) أنوار التنزيل 1/ 202.

5 و 6- نفس المصدر و الموضع.

(7) نفس المصدر و الموضع.

 

320
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

 

و قرئ: حوبا. و هو مصدر، حاب يحوب حوبا «1».

و قرئ: حابا «2»، كقال [قولا و قالا.] «3» بناء على أنّه «حوب» بفتح الواو.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و أبي الحسن- عليه السّلام-: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً قال: هو ممّا تخرج‏ «5» الأرض من أثقالها.] «6»

وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ:

قيل‏ «7»: يعني: إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النّساء إذا تزوّجتم بهنّ، فتزوّجوا ما طاب [لكم‏] «8» من غيرهنّ، إذ كان الرّجل يجد يتيمة ذات مال و جمال، فيتزوّجها ضنّا بها، فربّما يجتمع عنده منهنّ عدد [، و] «9» لا يقدر على القيام بحقوقهنّ.

أو إن خفتم أن لا تعدلوا في حقوق اليتامى، فتحرّجتم منها، فخافوا- أيضا- أن لا تعدلوا بين النّساء، فانكحوا مقدارا يمكنكم الوفاء بحقّه، لأنّ المتحرّج من الذّنب ينبغي أن يتحرّج من الذّنوب كلّها، على‏

ما روي‏: أنّه [- تعالى-] «10» لمّا عظّم أمر اليتامى تحرّجوا من ولايتهم، و ما كانوا يتحرّجون من تكثير النّساء و إضاعتهنّ، فنزلت.

و قيل: كانوا يتحرّجون من ولاية اليتامى، و لا يتحرّجون من الزّنا، فقيل لهم: إن خفتم ألّا تعدلوا في أمر اليتامى فخافوا الزّنا، فانكحوا ما حلّ لكم.

و في كتاب الاحتجاج‏ «11» للطبرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام- لبعض الزّنادقة: و أمّا ظهورك على تناكر قوله- تعالى-: وَ إِنْ‏ «12» خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ و ليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النّساء، و لا كلّ النّساء يتامى‏ «13»، فهو ممّا قدّمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن، و بيّن القول في اليتامى و بيّن نكاح النّساء من الخطاب و القصص أكثر من ثلث القرآن، و هذا و ما أشبهه ممّا ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) الكشاف 1/ 446.

(3) من أنوار التنزيل.

(4) تفسير العياشي 1/ 217، ح 11.

(5) المصدر: يخرج.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(7) أنوار التنزيل 1/ 202- 203.

8 و 9- من المصدر.

(10) من المصدر.

(11) الاحتجاج 1/ 377- 378.

(12) المصدر: فان.

(13) المصدر: أيتام.

 

 

321
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

النّظر و التّأمّل، و وجد المعطّلون و أهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن، و لو شرحت لك كلّ ما أسقط و حرّف و بدّل ممّا يجري هذا المجرى، لطال و ظهر ما تحظر التّقيّة إظهاره من مناقب الأولياء و مثالب الأعداء.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ‏ قال: نزلت مع قوله: وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ‏ فنصف الآية في أوّل السّورة و نصفها على رأس المائة و عشرين آية، و ذلك أنّهم كانوا لا يستحلّون أن يتزوّجوا يتيمة قد ربّوها، فسألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عن ذلك، فأنزل اللّه- عزّ و جلّ-: يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ- إلى قوله-: مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ.] «2» و إنما عبّر عنهنّ «بما» ذهابا إلى الصّفة، أو إجراء لهنّ مجرى غير العقلاء لنقصان عقلهنّ.

و قرئ: «تقسطوا» بفتح التاء، على أنّ «لا» مزيدة، أي: إن خفتم أن تجوروا «3».

مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ‏، أي: ثنتين ثنتين‏ «4» و ثلاثا ثلاثا و أربعا أربعا «5».

منصوبة على الحال من فاعل «طاب» أو «ممّا طاب» بالفتحة، لأنّها غير متصرّفة للعدل و الصّفة، فإنّها بنيت على صفات و إن لم تبن أصولها لها.

و قيل‏ «6»: لتكرير العدل، فإنّها معدولة باعتبار الصّيغة و باعتبار التّكرير، لأنّها أخرجت عن الأوزان الأصيلة، و عن التّكرير إلى الوحدة، و معناه: التّخيير في العدد لكلّ أحد إلى أربع. و إنّما أتى بهذه الصيغ و بالواو دون كلمة «أو» إذ لو أفرده. و قيل‏ «7»: اثنتين و ثلاثا و أربعا، كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التّوزيع. و لو ذكره «بأو» لذهب تجويز الاختلاف في العدد. و إنّما لم يذكر الآحاد، لأنّ المراد نفي الحرج في الزّائد.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 130.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) أنوار التنزيل 1/ 203.

(4) هكذا في أنوار التنزيل. و في النسخ: اثنين اثنين.

(5) هكذا في أنوار التنزيل. و في النسخ: أربع أربع.

(6) نفس المصدر و الموضع.

(7) نفس المصدر و الموضع.

322
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن يونس بن عبد الرّحمن، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: في كلّ شي‏ء إسراف إلّا في النّساء، قال اللّه- تعالى- فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ.

و في الكافي‏ «2»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه‏ «3»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: ليس الغيرة إلّا للرّجال، فأمّا «4» النّساء فإنّما ذلك منهنّ حسد، و الغيرة للرّجال، و لذلك حرّم [اللّه‏] «5» على النّساء إلّا زوجها و أحلّ للرّجل‏ «6» أربعا، فإنّ‏ «7» اللّه أكرم من أن يبتليهنّ بالغيرة و يحلّ للرّجل‏ «8» معها ثلاثا.

و العيّاشيّ‏ «9»، عنه- عليه السّلام-: لا يحلّ لماء الرّجل أن يجزي في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر.

و في كتاب عيون الأخبار «10»، في باب ما كتب به الرّضا- عليه السّلام- الى محمّد ابن سنان في جواب مسائله في العلل: و علّة تزويج الرّجل أربع نسوة «11» و تحريم أن تتزوّج المرأة أكثر من واحد، لأنّ الرّجل إذا تزوّج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه، و المرأة لو كان لها زوجان أو «12» أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو، إذ هم مشتركون في نكاحها، و في ذلك فساد الأنساب و المواريث و المعارف.

فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا: بين هذه الأعداد- أيضا-.

و في الكافي‏ «13»، عن الصّادق- عليه السّلام-: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا، يعني: في النّفقة.

______________________________
(1) تفسير العيّاشي 1/ 218، ح 13.

(2) الكافي 5/ 504، ح 1.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: أصحابنا.

(4) المصدر: و أمّا.

(5) من المصدر.

(6) المصدر: للرجال.

(7) المصدر: و إنّ.

(8) المصدر: للرجال.

(9) تفسير العياشي 1/ 218، ح 14. و فيه: عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

(10) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 1/ 95.

(11) المصدر: «علّة التزويج للرجل أربعة نسوة» بدل «علّة تزويج الرجل أربع نسوة».

(12) المصدر: و.

(13) الكافي: ج 5 ص 363 ضمن ح 1.

323
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

فَواحِدَةً، أي: فاختاروا، أو فانحكوا واحدة و ذروا الجمع.

و قرئ، بالرّفع، على أنّه فاعل فعل محذوف، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: فيكفيكم واحدة، أو فالكافي واحدة «1».

أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ‏: و إن تعدّدت، لخفّة مؤنهنّ و عدم وجوب القسم بينهنّ.

و في حكمهنّ المتعة.

ففي الكافي: عن الصّادق- عليه السّلام- في غير واحدة من الرّوايات: «أنّها ليست من الأربع، و لا من السّبعين، و إنهنّ بمنزلة الإماء، لأنّها مستأجرة لا تطلّق و لا ترث و لا تورث.» «2» «و إنّ العبد ليس له أن يتزوّج إلّا حرّتين أو أربع إماء، و له أن يتسرّى بإذن مولاه ما شاء ذلك‏ «3»».

ذلِكَ‏، أي: التّقليل منهنّ، أو اختيار الواحدة، أو التّسرّي.

أَدْنى‏ أَلَّا تَعُولُوا (3): أقرب من أن لا تميلوا.

يقال: عال الميزان، إذا مال. و عال الحاكم، إذا جار.

و عول الفريضة، الميل عن حدّ السّهام المسمّاة.

و قيل‏ «4» بأن لا يكثر «5» عيالكم [، على أنّه‏] «6» من عال الرّجل عياله [، يعولهم،] «7» إذا مأنهم. فعبّر عن كثرة العيال بكثرة المؤن على الكناية. و يؤيّده قراءة «أن لا تعيلوا» من أعال الرّجل، إذا كثر عياله.

و لعلّ المراد بالعيال، الأزواج. و إن أريد الأولاد، فلأنّ التّسرّي مظنّة قلّة الولد، بالإضافة إلى التّزوّج لجواز العزل فيه، كتزوّج الواحدة بالإضافة إلى تزوّج الأربع.

وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ‏: مهورهنّ.

و قرئ، بفتح الصّاد، و سكون الدّال، على التّخفيف. و بضمّ الصّاد، و سكون الدّال، جمع صدقة كغرفة. و بضمّها على التّوحيد، و هو تثقيل صدقة، كظلمة في ظلمة.

نِحْلَةً.

قيل‏ «8»: عطيّة، من نحله كذا نحلة، إذا أعطاه إيّاها «9» عن طيب نفس، بلا توقّع‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 203.

(2) ر. الكافي 5/ 451- 452، ح 1- 7.

(3) ر. نفس المصدر 5/ 476- 477، ح 1- 5.

(4) أنوار التنزيل 1/ 203.

(5) المصدر: لا تكثر.

6 و 7- من المصدر.

(8) نفس المصدر و الموضع.

(9) المصدر: إيّاه.

324
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

عوض. و نصبها على المصدر، لأنّها في معنى الإيتاء، أو الحال من الواو، أو الصّدقات، أي: آتوهنّ صدقاتهنّ ناحلين، أو منحولة. و بعضهم فسّرها بالفريضة، و هو نظير إلى مفهوم الآية، لا إلى موضع اللّفظ.

و قيل‏ «1»: تفضّلا من اللّه عليهنّ، فتكون حالا من الصّدقات.

و قيل‏ «2»: ديانة، من قولهم: انتحل فلان كذا، إذا دان به، على أنّه مفعول له أو حال من الصّدقات، أي: دينا من اللّه شرّعه.

قيل‏ «3» الخطاب للأزواج.

و في مجمع البيان‏ «4»: اختلف في من خوطب بقوله: وَ آتُوا النِّساءَ «5» قيل: هم الأولياء، لأنّ الرّجل منهم كان إذا زوّج أمة «6» أخذ صداقها دونها، فنهاهم اللّه عن ذلك.

و هو المرويّ عن الباقر- عليه السّلام- رواه أبو الجارود [عنه‏] «7».

فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً:

الضّمير، للصّداق، حملا على المعنى، أو للإيتاء.

و «نفسا» تميّز، لبيان الجنس. و لذلك وحّدوا المعنى فإن وهبن لكم شيئا من الصّداق عن طيب نفس، لكن جعل العمدة طيب النّفس للمبالغة، و عدّاه «بعن»، يعني:

لتضمين معنى التّجافي و التّجاوز. و قال: «منه» بعثا لهنّ على تقليل الموهوب، فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (4): فخذوه و أنفقوه حلالا، بلا تبعة.

و الهني‏ء و المري‏ء، صفتان، من هنأ الطّعام و مرأ، إذا ساغ من غير غصّ. أقيمتا مقام مصدريهما، أو وصف بهما المصدر، أو جعلتا حالا من الضّمير. و قد يفرق بينهما، بأنّ الهني‏ء، ما يلده الإنسان. و المري‏ء، ما يحمد عاقبته. و على ما روي سابقا من مجمع البيان‏ «8»:

الخطاب للأولياء.

و قيل‏ «9»: روي أنّ أناسا يتأثمون أن يقبل أحدهم من زوجته شيئا ممّا ساق إليها،

______________________________
1 و 2 و 3- نفس المصدر و الموضع.

(4) مجمع البيان 2/ 6- 7.

(5) ذكر في المصدر الآية بطولها.

(6) المصدر: «تزوّج آيمة» بدل «زوّج أمة».

(7) من المصدر.

(8) مجمع البيان 2/ 6.

(9) أنوار التنزيل 1/ 204.

325
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

فنزلت.

و في الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، امرأة دفعت إلى زوجها مالا من مالها ليعمل به، و قالت له حين دفعته‏ «2» إليه: أنفق منه، فإن حدث بك حدث فما أنفقت منه فهو لك‏ «3» حلالا طيّبا «4»، فإن حدث بي حدث فما أنفقت منه فهو حلال طيّب.

فقال: أعد عليّ- يا سعيد- المسألة.

فلمّا ذهبت أعيد عليه المسألة اعترض فيها صاحبها- و كان معي حاضرا- فأعاد عليه مثل ذلك.

فلمّا فرغ أشار بإصعبه إلى صاحب المسألة فقال: يا هذا، إن كنت تعلم أنّها قد أفضت بذلك إليك فيما بينك و بينها و بين اللّه، فحلال طيّب- ثلاث مرّات- ثمّ قال:

يقول اللّه- عزّ و جلّ- في كتابه: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «5» و أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لا يرجع الرّجل فيما يهب لامرأته و لا المرأة فيما تهب لزوجها، حيز أو لم يحز، أليس اللّه- تبارك و تعالى- يقول:

وَ لا [يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ‏] «6» تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً و قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً و هذا يدخل في الصّداق و الهبة.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن سماعة بن مهران، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و «8» أبي الحسن- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً.

قال: يعني بذلك: أموالهن الّتي في أيديهنّ ممّا ملكن.

و في مجمع البيان‏ «9»، و في كتاب العيّاشيّ‏ «10»: مرفوعا إلى أمير المؤمنين‏

______________________________
(1) الكافي 5/ 136، ح 1.

(2) المصدر: دفعت.

(3) «فهو لك» ليس في المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: حلال طيّب.

(5) نفس المصدر 7/ 30، ذيل حديث 3.

(6) ليس في المصدر و النسخ. و لكن الآية هكذا.

(7) تفسير العياشي 1/ 219، ح 16.

(8) المصدر: أو.

(9) مجمع البيان 2/ 7، نقلا عن العياشي.

(10) تفسير العياشي 1/ 219، ح 18، باختلاف في اللفظ.

 

326
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

- عليه السّلام- أنّه جاء «1» رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي يوجع‏ «2» في بطني.

فقال: أ لك‏ «3» زوجة؟

قال: نعم.

قال: استوهب منها شيئا طيّبة به نفسها من مالها، ثمّ اشتر به عسلا، ثمّ اسكب عليه من ماء السّماء، ثمّ اشربه، فإنّي سمعت اللّه- سبحانه- يقول في كتابه‏ «4»: وَ نَزَّلْنا «5» مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً و قال‏ «6»: يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ‏ و قال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً. فإذا اجتمعت البركة و الشّفاء و الهني‏ء و المري‏ء شفيت إن شاء اللّه- تعالى-.

قال: ففعل ذلك فشفي.

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ‏:

قيل‏ «7»: نهي للأولياء، عن أن يؤتوا الّذين لا رشد لهم أموالهم فيضيّعوها. و إنّما أضاف المال إلى الأولياء، لأنّها في تصرّفهم و تحت ولايتهم، و هو الملائم للآيات المتقدّمة و المتأخّرة.

و قيل‏ «8»: نهي لكلّ أحد أن يعمد إلى ما خوّله اللّه من المال، فيعطي امرأته و أولاده، ثمّ ينظر إلى أيديهم. و إنّما سمّاهم سفهاء، استخفافا بعقولهم‏ «9»، و استهجانا لجعلهم قوّاما على أنفسهم. و هو أوفق لما بعده، من قوله: الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً.

و في مجمع البيان‏ «10»: اختلف في المعنى بالسّفهاء على أقوال: أحدها، أنّهم النّساء

______________________________
(1) مجمع البيان: جاءه.

(2) هكذا في المجمع. و في النسخ: «أجد بوجع» بدل «يوجع».

(3) المجمع: لك.

(4) ق/ 9.

(5) هكذا في القرآن المجيد. و في النسخ و المصدر: أنزلنا.

(6) النحل/ 69.

(7) أنوار التنزيل 1/ 204.

(8) نفس المصدر و الموضع.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: بعقلهم.

(10) مجمع البيان 2/ 7 و 8.

 

327
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

و الصّبيان، و رواه أبو الجارود عن أبي جعفر- عليه السّلام-

و ثالثها، أنّه‏ «1» عامّ في كلّ سفيه، من صبيّ أو مجنون أو محجور عليه للتّبذير.

و قريب منه‏

ما روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: إنّ السّفيه شارب الخمر و من جرى مجراه.

و قيل‏ «2»: عنى بقوله: أموالكم، أموالهم.

و قد روي‏ أنّه سئل الصّادق- عليه السّلام- عن هذا فقيل: كيف يكون أموالهم أموالنا؟

فقال: إذا كنت أنت الوارث له‏

(انتهى) فعلى هذا، يمكن الحمل على عموم النّهي عن إيتاء المال إلى السّفهاء، و إرادة العموم من إضافة الأموال بإرادة ما يشمل أموالهم أو مالهم الولاية فيه، و في الأخبار ما يدلّ عليه.

في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن يونس بن يعقوب قال‏ سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

قال: من لا تثق به.

[عن (يونس بن يعقوب‏ «4»، قال‏ سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه:) «5» وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

قال: من لا تثق به.

عن إبراهيم بن عبد الحميد «6» قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن هذه الآية:

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

قال: كلّ من يشرب المسكر، فهو سفيه.

عن عليّ بن أبي حمزة «7»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

______________________________
(1) المصدر: أنّها.

(2) نفس المصدر و الموضع و فيه: «قد». و تبديل اللفظ في المتن من قبل المفسر، هو بمقتضى الكلام.

(3) تفسير العياشي 1/ 220، ح 20.

(4) نفس المصدر 1/ 220، ح 20.

(5) النسخ: «إبراهيم بن عبد الحميد قال» بدل ما بين المعقوفتين. و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 22.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 21.

 

328
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

قال: هم اليتامى، و لا تعطوهم أموالهم حتّى تعرفوا منهم الرّشد.

قلت: فكيف يكون أموالهم أموالنا؟

فقال: إذا كنت أنت الوارث لهم.

] «1»

و في قرب الإسناد «2» للحميريّ: هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة بن زياد «3» قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول لأبيه‏: يا أبة، إنّ فلانا يريد اليمن، أفلا أزوّده ببضاعة ليشتري‏ «4» بها عصب اليمن؟

فقال له: يا بنيّ، لا تفعل.

قال: و لم؟

قال: لأنّها «5» إذا ذهبت لم تؤجر عليها و لم تخلف‏ «6» عليك، لأنّ اللّه- تعالى- يقول:

وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً فأيّ سفيه أسفه بعد النّساء من شارب الخمر؟

و في من لا يحضره الفقيه‏ «7»: سئل أبو جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ.

قال: لا تؤتوها شرّاب الخمر «8» و لا النّساء، ثمّ قال: و أيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟

في أصول الكافي‏ «9»: عليّ بن إبراهيم [، عن أبيه،] «10» عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن حمّاد، عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا حدثتكم بشي‏ء فاسألوني من كتاب اللّه، ثمّ قال في بعض حديثه: إنّ‏

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) قرب الاسناد/ 131، و للحديث تتمة.

(3) المصدر: «مسعدة بن زياد». و بالنسبة إلى «مسعدة بن صدقة» و تعدّده أو اتّحاد بعضه مع بعضه أنظر تنقيح المقال 3/ 212، رقم 11711، و لا سيّما تذييل صاحب التنقيح بالنسبة إلى «مسعدة بن صدقة بن زياد». و لعله ما في المتن يساعد بتبيين بعض، المبهمات الموجودة في المسألة إذ قال- رحمه اللّه- فيه: «قد تضمّن بعض نسخ منهج الميرزا زيادة «بن زياد» بعد «صدقة» و غلط بلا شبهة». فراجع.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: يشتري.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: فإنّها.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: لم يخلف.

(7) من لا يحضره الفقيه 4/ 168، ح 586.

(8) المصدر: شارب الخمر.

(9) الكافي 1/ 60، ح 5.

(10) في المصدر.

 

329
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نهى عن القيل و القال و فساد المال و كثرة السّؤال.

فقيل له: يا بن رسول اللّه، أين هذا من كتاب اللّه؟

قال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول‏ «1»: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ‏ و قال: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً و قال‏ لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ‏.

[و في الكافي‏ «2»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «3»، عن محمّد بن عيسى، عن يونس و عدّة من أصحابنا، عن [أحمد بن‏] «4» أبي عبد اللّه، عن أبيه جميعا، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان و ابن مسكان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا حدّثتكم بشي‏ء فاسألوني من كتاب اللّه‏

، و ذكر كما في الكافي سواء.

عليّ بن إبراهيم‏ «5»، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و لا تأمن بشارب الخمر، فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ‏. فأيّ‏ «6» سفيه أسفه من شارب الخمر؟

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: شارب الخمر لا تصدّقوه إذا حدّث، و لا تزوّجوه إذا خطب، و لا تعودوه إذا مرض، و لا تحضروه إذا مات، و لا تأتمنوه على أمانة، فمن أئتمنه على أمانة و استهلكها «8» فليس له‏ «9» على اللّه أن يخلف عليه و لا أن يؤجره عليها، لأنّ اللّه- تعالى- يقول: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ‏ و أيّ سفيه أسفه من شارب الخمر؟

حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد «10» بن سماعة، عن غير واحد، عن أبان بن عثمان، عن حمّاد بن بشير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّي أردت أن أستبضع‏

______________________________
(1) النساء/ 114.

(2) الكافي 5/ 300، ح 2.

(3) المصدر: [عن أبيه‏].

(4) من المصدر.

(5) نفس المصدر 5/ 299- 300، ضمن حديث 1.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: و أيّ.

(7) تفسير القمي 1/ 131.

(8) المصدر: فأهلكها.

(9) ليس في المصدر.

(10) الكافي 6/ 397- 398، ضمن حديث 9.

 

330
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 2 الى 5] ص : 320

بضاعة إلى اليمن، فأتيت أبا جعفر- عليه السّلام- فقلت له: إنّي أريد أن أستبضع فلانا [بضاعة.] «1».

فقال: أما علمت أنّه يشرب الخمر- إلى أن قال عليه السّلام‏ «2»-: إنّك إن استبضعته فهلكت أو ضاعت فليس لك على اللّه- عزّ و جلّ- أن يأجرك و لا يخلف عليك.

فاستبضعته فضيّعها، فدعوت اللّه أن يأجرني.

فقال: أي بنيّ، ليس لك على اللّه أن يأجرك و لا يخلف عليك.

قال: قلت له: و لم؟

فقال لي: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً فهل تعرف سفيها أسفه من شارب الخمر؟

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.] «3» الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً: تقومون بها و تتعيّشون، أي، جنسه. كذلك سمّي ما به القيام قياما للمبالغة.

و قرأ نافع و ابن عامر: «قيما» بمعناه، كعوذ، بمعنى: عياذ.

و قرئ: «قواما» و هو ما يقام‏ «4» به.

وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ‏: و اجعلوا الأموال مكانا لرزقهم و كسوتهم، بأن تتّجروا فيها و تحصلوا من نفعها ما يحتاجون.

وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (5): عدّة حسنة تطيب بها نفوسهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية قال‏ «6»: فالسّفهاء، النّساء و الولد. إذا علم الرّجل أنّ امرأته سفيهة مفسدة و ولده سفيه مفسد، لا ينبغي له أن يسلّط واحدا منهما على ماله الّذي جعله اللّه له‏ قِياماً يقول: معاشا، قال: وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها «7» وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً و المعروف، العدّة.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) حذف الكلام من قبل المفسر و هو موجود في المصدر.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) أنوار التنزيل 1/ 204.

(5) تفسير القمي 1/ 131.

(6) المصدر: «في قوله: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ‏» بدل «في هذه الآية قال».

(7) المصدر: فيها.

331
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

 

وَ ابْتَلُوا الْيَتامى‏: اختبروهم قبل البلوغ، بتتبّع أحوالهم في صلاح الدّين، و التّهدّي إلى ضبط المال و حسن التّصرّف.

حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ‏: حدّا يتأتّى منهم النّكاح. و هو كناية عن البلوغ لأنّه يصلح للنّكاح عنده، و هو أن يحتلم أو يستكمل خمس عشرة «1» سنة في الرّجال، و الحيض و استكمال تسع سنين في النّساء.

فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً: فإن أبصرتم منهم رشدا.

و قرئ: أحستم، بمعنى: أحسستم‏ «2».

و في من لا يحضره الفقيه‏ «3»: عن الصّادق- عليه السّلام-: إيناس الرّشد حفظ المال.

و في مجمع البيان‏ «4»: عن الباقر- عليه السّلام-: الرّشد، العقل و إصلاح المال.

فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ‏: من غير تأخير عن حدّ البلوغ. و نظم الآية «إن» الشّرطيّة، جواب «إذا»، المتضمّنة معنى الشّرط. و الجملة غاية الابتلاء، فكأنّه قيل:

و ابتلوا اليتامى، إلى وقت بلوغهم، فاستحقاقهم دفع أموالهم إليهم، بشرط إيناس الرّشد منهم. و فيه دلالة على أنّه لا يدفع إليهم أموالهم ما لم يؤنس منهم الرّشد.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: عن الباقر- عليه السّلام- في هذه الآية قال: من كان في يده مال بعض‏ «6» اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتّى يبلغ النّكاح و يحتلم‏ «7»، فإذا احتلم وجب عليه الحدود و إقامة الفرائض، و لا يكون مضيّعا و لا شارب خمر و لا زانيا، فإذا أنس منه الرّشد دفع إليه المال و أشهد عليه، و إن كانوا لا يعلمون أنّه قد بلغ فإنّه يمتحن بريح إبطه أو نبت عانته، فإذا كان ذلك فقد بلغ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا، و لا يجوز له أن‏

______________________________
(1) النسخ: خمسة عشر.

(2) أنوار التنزيل 1/ 204.

(3)

من لا يحضره الفقيه 4/ 164، ح 575. و فيه‏: أنّه سئل عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ‏ قال: ...»

(4)

- مجمع البيان 2/ 9. و فيه‏: و الأقوى أن يحمل على أن المراد به العقل و إصلاح المال، على ما قاله ابن عباس و الحسن‏ و هو المرويّ عن الباقر- عليه السّلام-.

(5) تفسير القمي 1/ 131.

6 و 7- ليس في المصدر.

 

 

332
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

 

يحبس عنه‏ «1» ماله و يعتلّ عليه‏ «2» أنّه لم يكبر بعد.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «3»: و في رواية أحمد بن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن عبد اللّه بن المغيرة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: في تفسير هذه الآية: إذا رأيتموهم يحبّون آل محمّد، فارفعوهم درجة.

وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً أَنْ يَكْبَرُوا:

قيل‏ «4»: أي مسرفين و مبادرين كبرهم، أو لإسرافكم‏ «5». و مبادرتكم، كبرهم.

و الأولى مسرفين في المال و مبادرين في الإسراف، خوف أن يكبروا و يأخذوا المال.

وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏: من أكلها.

وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏: بقدر حاجته و أجرة سعيه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «6»: عن رفاعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [في قوله:] «7» فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏ قال: كان أبي يقول: إنّها منسوخة.

و اعلم، أنّ من يلي شيئا لليتامى و هو يحتاج، ليس له ما يقيمه، و هو يصلح أموالهم بما تحتاج إليه، فله أجرة عمله مساوية لأجرة مثله، سواء كان قدر كفايته أم لا. و إن لم يكن قدر كفايته، و حينئذ فجاز له أن يأخذ قدر الكفاية من مال اليتيم، على جهة القرض ثمّ يردّ عليه ما أخذ إذا وجد.

يدلّ عليه‏

ما رواه في الكافي‏ «8»، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-:

وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏ قال‏ «9»: من كان يلي شيئا لليتامى، و هو محتاج، ليس له ما يقيمه، و هو يتقاضى أموالهم و يقوم في ضيعتهم، فليأكل بقدر و لا يسرف، فإن كانت ضيعتهم لا تشغله عمّا يعالج لنفسه فلا يرز أنّ من أموالهم شيئا.

______________________________
(1) المصدر: عليه.

(2) المصدر: «يعلّل» بدل «و يعتلّ عليه».

(3) من لا يحضره الفقيه 4/ 165، ح 576.

(4) أنوار التنزيل 1/ 204.

(5) المصدر: لأصرافكم.

(6) تفسير العياشي 1/ 222، ح 33.

(7) من المصدر.

(8) الكافي 5/ 129، ح 1.

(9) المصدر: فقال.

 

333
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

قوله: بقدر، أي: بقدر عمله. و لا يسرف، أي: لا يزيد على أجرة عمله.

و

ما رواه، عن محمّد بن يحيى‏ «1»، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن إسماعيل، عن حنّان بن سدير قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: سألني عيسى بن موسى عن القيّم للأيتام‏ «2» في الإبل، و ما يحلّ له منها؟

فقلت: إذا لاط حوضها، و طلب ضالّتها، و هنأ جرباها، فله أن يصيب من لبنها، من غير نهك لضرع‏ «3» و لا فساد لنسل.

[و أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الفضيل‏ «4»، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏ فقال:

ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس من أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان المال قليلا، فلا يأكل منه شيئا.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.] «5» و

ما رواه في مجمع البيان‏ «6»، عن الباقر- عليه السّلام-: «من كان فقيرا فليأخذ من مال اليتيم قدر الحاجة و الكفاية على جهة القرض، ثمّ يردّ عليه ما أخذ إذا وجد»

و المراد، ما زاد على أجرة عمله.

و

ما رواه العيّاشيّ في تفسيره‏ «7»: عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏:

سألته عن قول اللّه: وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.

قال: ذلك، إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف‏ «8» لنفسه، فليأكل بالمعروف من مالهم.

و

ما رواه، عن إسحاق بن عمّار «9»، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية «10»: هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية و يشغل فيها نفسه، فليأكل‏

______________________________
(1) نفس المصدر 5/ 130، ح 4.

(2) المصدر: لليتامى.

(3) المصدر: بضرع.

(4) نفس المصدر و الموضع، صدر حديث 5.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) مجمع البيان 2/ 9.

(7) تفسير العياشي 1/ 222، ح 32.

(8) المصدر: «فلا يحثرث». و كلاهما صحيح.

(9) نفس المصدر و الموضع، ح 31.

(10) المصدر: «في قول اللّه» ثم ذكر نفس الآية، بدل «في هذه الآية».

 

334
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

بالمعروف، و ليس له ذلك في الدّنانير و الدّراهم الّتي عنده موضوعة.

و أمّا ما رواه في الكافي‏ «1»: عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الفضل‏ «2»، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية «3»: ذلك رجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا.

فالمراد بالمعروف، أجرة مثل عمله، و ذلك إذا كان في عمله إصلاح لأموالهم.

و المراد بكون أموالهم قليلا، كونها قدرا لا يزيد بالإصلاح و لا أثر لعمله فيها.

فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ‏: بأنّهم قبضوها، فإنّه أنفى للتّهمة و أبعد من الخصومة و وجوب الضّمان.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ حَسِيباً (6): محاسبا، فلا تخالفوا ما أمرتم به، و لا تتجاوزوا ما حدّ لكم.

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ‏: يريد به المتوارثين بالقرابة.

مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ: بدل من «ما ترك» بإعادة العامل.

نَصِيباً مَفْرُوضاً (7): أي واجبا. نصب، على أنّه مصدر مفيد للنّوع لمحذوف، أي نصب نصيبا مفروضا. أو حال من الضّمير في الظّرف. أو على الاختصاص، بمعنى أعني:

نصيبا مقطوعا واجبا «4». و فيه دلالة، على أنّ بإعراض الوارث لا يسقط من حقّه شي‏ء.

نقل‏ «5»: أنّ أوس بن صامت الأنصاريّ خلّف زوجته أمّ كحّة و ثلاث بنات، فزوى ابنا عمّه سويد و عرفطة أو قتادة و عرفجة ميراثه عنهنّ على سنّة الجاهليّة- فإنّهم ما كانوا يورثون النّساء و الأطفال، و يقولون: إنّما يرث من يحارب و يذبّ عن الحوزة- فجاءت أمّ كحّة إلى رسول اللّه [- صلّى اللّه عليه و آله-] «6» في مسجد الفضيح، فشكت إليه.

______________________________
(1) الكافي 5/ 130، ح 5. و له ذيل.

(2) المصدر: محمد بن فضيل.

(3) المصدر: «في قول اللّه عزّ و جلّ»، ثم ذكر نفس الآية، بدل «في هذه الآية».

(4) في هامش الأصل: «ردّ على البيضاوي حيث جعله مصدرا مؤكّدا [أنوار التنزيل 1/ 205] (منه سلّمه اللّه تعالى)».

(5) أنوار التنزيل 1/ 205.

(6) من ر.

 

335
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

فقال لها: ارجعي حتّى أنظر ما يحدث اللّه. فنزلت، فبعث اليهما: لا تفرّقا من مال أوس شيئا، فإنّ اللّه قد جعل لهنّ نصيبا.

وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى‏: ممّن لا يرث، وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏: فأعطوهم شيئا من المقسوم، تطيّبا لقلوبهم و تصدّقا عليهم.

و الضّمير في «منه» «لما ترك» أو ما دلّ عليه القسمة.

وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً (8): و هو، أن تدعوا لهم، و تستقلّوا ما تعطونهم، و لا تمنّوا عليهم.

في مجمع البيان‏ «1»: أنّ المرويّ عن الباقر- عليه السّلام-: أنّها محكمة غير منسوخه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه‏ «3» قال‏:

نسختها آية الفرائض.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: هي منسوخة «5» بقوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ [فِي أَوْلادِكُمْ.] «6».

و الجمع بين الأخبار، بأنّها منسوخة بحسب دلالتها على الوجوب، و غير منسوخة بحسب دلالتها على الاستحباب. فإنّ الوجوب، الأمر بالفعل مع المنع من النّقيض، فنسخ باعتبار جزئه الأخير.

وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ‏:

«لو» بما في حيزه صلة الموصول. و في تعليق الأمر به، إشارة إلى المقصود منه و العلّة فيه، و بعث على التّرحم، و أن يحبّ لأولاد غيره ما يحبّ لأولاده، و تهديد للمخالف بحال أولاده.

قيل‏ «7»: أمر للأوصياء، بأن يخشوا اللّه و يتّقوه في أمر اليتامى، فيفعلوا بهم ما يحبّون أن يفعل بذراريّهم الضّعاف‏ «8» بعد وفاتهم. أو للحاضرين المريض عند الإيصاء، بأن يخشوا

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 11.

(2) تفسير العياشي 1/ 222، ح 34.

(3) المصدر: «عن قول اللّه»، ثم ذكر نفس الآية، بدل «أنّه».

(4) تفسير القمي 1/ 232.

(5) المصدر: «منسوخ» بدل «هي منسوخة».

(6) من المصدر. و الآية في النساء/ 11.

(7) أنوار التنزيل 1/ 205.

(8) المصدر: الصغار.

336
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

ربّهم، أو يخشوا على أولاد المريض و يشفقوا عليهم شفقتهم على أولادهم، فلا يتركوه أن يضرّبهم بصرف المال عنهم. أو للورثة، بالشّفقة على من حضر القسمة من ضعفاء الأقارب و اليتامى و المساكين، متصوّرين أنّهم لو كانوا أولادهم بقوا خلفهم ضعافا مثلهم هل يجوّزون حرمانهم؟ أو للموصين، بأن ينظروا للورثة، فلا يسرفوا في الوصيّة.

فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ‏ في أمر اليتامى.

وَ لْيَقُولُوا: لهم، أو للمريض، أو لحاضري القسمة، أو في الوصيّة، قَوْلًا سَدِيداً (9): مثل ما يقولون لأولادهم، بالشّفقة و حسن الأدب. أو ما يصدّ عن الإسراف في الوصيّة، و تضييع الورثة، و يذكّروه التّوبة و كلمة الشّهادة. أو عذرا جميلا و وعدا حسنا. أو في الوصيّة ما لا يؤدّي إلى تضييع الورثة.

[و في عيون الأخبار «1»: في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- إلى محمّد بن سنان، في جواب مسائله في العلل: و حرّم أكل مال اليتيم ظلما لعلل كثيرة من وجوه الفساد، أوّل ذلك أنّه إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلما فقد أعان على قتله، إذ اليتيم غير مستغن و لا محتمل لنفسه و لا عليم بشأنه و لا له من يقوم عليه و يكفيه كقيام والديه، فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله و صيّره إلى الفقر و الفاقة، مع ما خوّف اللّه- تعالى- و جعل من العقوبة في قوله تعالى: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ‏ و لقول‏ «2» أبي جعفر- عليه السّلام- «إنّ اللّه- تعالى- وعد في أكل مال اليتيم عقوبتين:

عقوبة في الدّنيا و عقوبة في الآخرة». ففي تحريم مال اليتيم، استبقاء «3» مال اليتيم و استقلاله بنفسه و السّلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه لما وعد اللّه- تعالى- فيه من العقوبة، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثأره إذا أدرك و وقوع الشّحناء و العداوة و البغضاء حتى يتفانوا.

و في كتاب ثواب الاعمال‏ «4»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة بن محمّد الحضرميّ، عن سماعة بن مهران قال: سمعته يقول‏: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أوعد في أكل مال اليتيم عقوبتين أمّا أحدهما فعقوبة الآخرة بالنّار، و أمّا عقوبة الدّنيا فهو قوله- عزّ و جلّ-: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا- عليه السلام- 2/ 92.

(2) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: كقول.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: استغناء.

(4) ثواب الأعمال/ 278، ح 2.

 

337
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

، يعني بذلك: ليخش إن أخلفه في ذرّيّته كما صنع هو بهؤلاء اليتامى.

حدّثني محمّد بن الحسن‏ «1» قال حدّثني محمّد بن الحسن الصّفّار، عن أحمد بن محمّد ابن عيسى، عن عبد الرّحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حكيم‏ «2»، عن المعلّى بن خنيس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: دخلنا عليه فابتدأ فقال: من أكل مال اليتيم سلّط اللّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه‏ «3»، فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا (الآية).

و في أصول الكافي‏ «4»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن ابن أبي نجران، عن حمّاد بن حكيم‏ «5»، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- مبتدئا: من ظلم يتيما «6» سلّط اللّه عليه من يظلمه أو على عقبه أو على عقب عقبه.

قال‏ «7»: قلت: هو يظلم فيسلّط اللّه على عقبه أو على عقب عقبه؟

فقال: إنّ‏ «8» اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً.] «9»

إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً: ظالمين، أو على وجه الظّلم، أو بالظّلم.

و في الكافي‏ «10»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الرّجل يكون في يده مال لأيتام، فيحتاج إليه، فيمد يده فيأخذ و ينوي أن يردّه.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) المصدر: «عامر بن حكيم» و لعلّ الصواب «عاصم بن الحكم». ر. تنقيح المقال 2/ 114، رقم 6022.

(3) «أو على عقب عقبه» ليس في المصدر.

(4) الكافي 2/ 332، ح 13.

(5) المصدر: «عمّار بن حكيم». و الظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 363، رقم 3284.

(6) ليس في المصدر.

(7) «أو على عقب عقبه قال» ليس في المصدر.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «فانّ» بدل «فقال إنّ».

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(10) نفس المصدر 5/ 128، ح 3.

 

338
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

فقال: لا ينبغي له أن يأكل إلّا القصد لا يسرف، فإن كان من نيّته أن لا يردّه عليهم فهو بالمنزل الّذي قال اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً.

محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين‏ «1»، عن ذبيان بن حكيم الأوديّ‏ «2»، عن عليّ ابن المغيرة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام‏ «3»-: إنّ لي ابنة أخ يتيمة، فربّما أهدي لها الشي‏ء فآكل منه ثمّ أطعمها بعد ذلك الشي‏ء من مالي، فأقول: يا ربّ، هذا بذا.

فقال: لا بأس.] «4»

إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ‏: مل‏ء بطونهم.

ناراً: بما يجرّ إلى النّار، و يؤول إليها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لمّا أسري بي إلى السّماء رأيت قوما تقذف في أجوافهم النّار و تخرج من أدبارهم، فقلت: من هؤلاء يا جبرئيل؟

فقال: هؤلاء الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلما.

و في أصول الكافي‏ «6»: عليّ بن محمّد عن بعض أصحابنا، عن آدم بن إسحاق، عن‏

______________________________
(1) نفس المصدر 5/ 129، ح 5.

(2) هذا الضبط، يعني: «ذبيان بن حكيم الأوديّ» يحلّ مشكل صاحب التنقيح في ترجمة هذا الراوي إذ يقول: «ذبيان بن حكيم أبو عمرو الأزديّ قد مرّ ضبط ذبيان في أحمد بن يحيى بن حكيم الأوديّ، كما مرّ ضبط الأزديّ في ترجمة إبراهيم بن إسحاق. و الموجود في رجال الشيخ و الإيضاح «الأزديّ» (بالزاي) و لم يتعرّض له في الخلاصة هنا. و إنّما ذكر في ترجمة أحمد بن يحيى بن حكيم الأوديّ أنّه ابن أخي ذبيان و لازم كون أحمد أوديا كون ذبيان أيضا كذلك و لا يمكن توجيه هذا الاختلاف بإمكان اتّحاد الأزديّ و الأوديّ برجوع كلّ من القبيلتين إلى الأخرى. لأنّ ... (إلى آخر كلامه- ره- ر. تنقيح المقال 1/ 419 رقم 3905)

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «لابي الحسن- عليه السّلام» و الظاهر هي خطأ. لأنّ عليّ بن المغيره عدّ في كتب الرجال من أصحاب الصادق- عليه السّلام-. ر. تنقيح المقال 7/ 310+ جامع الرواة 1/ 603. و فيه ذكر هذا الاسناد في ترجمة هذا الراويّ.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) تفسير القمي 1/ 132.

(6) الكافي 2/ 31- 32، ضمن حديث 1.

 

339
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: إن آكل مال اليتيم يجي‏ء يوم القيامة و النّار تلتهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه [حتّى‏] «1» يعرفه [كلّ‏] «2» أهل الجمع، أنّه آكل مال اليتيم.

[و في مجمع البيان‏ «3»: سئل الرّضا- عليه السّلام- كم أدنى ما يدخل به آكل مال اليتيم تحت الوعيد في هذه الآية؟

فقال: قليله و كثيره واحد، إذا كان من نيّته أن لا يردّه إليهم.] «4»

و روي عن الباقر- عليه السّلام‏ «5»- أنّه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: سيبعث‏ «6» ناس من قبورهم يوم القيامة تأجّج أفواههم نارا.

فقيل له: يا رسول اللّه، من هؤلاء؟

فقرأ هذه الآية.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: [عن أبي عبد اللّه أو أبي الحسن- عليهما السّلام- قال‏:

سألته عن رجل أكل مال اليتيم، هل له توبة؟

قال: يردّ به إلى أهله، قال: ذلك بأنّ اللّه يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ الآية.

عن عبيد بن زرارة «8»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن الكبائر.

فقال: منها، أكل مال اليتيم ظلما. و ليس في هذا بين أصحابنا اختلاف، و الحمد للّه.

عن أبي بصير «9» قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: أصلحك اللّه، ما أيسر

______________________________
1 و 2- من المصدر.

(3) مجمع البيان 2/ 13.

(4) ليس في أ. و ورد فيه، تاليا، قبل تفسير «و سيصلون سعيرا».

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) المصدر: يبعث.

(7) تفسير العياشي 1/ 224، ح 41.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «عمر عن زرارة». و الظاهر هي خطأ. ر. رجال النجاشي/ 233، رقم 618+ تنقيح المقال 2/ 235، رقم 7582.

(9) نفس المصدر 1/ 225، ح 46.

 

340
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

ما يدخل به العبد النّار؟

قال: من أكل من مال اليتيم درهما، و نحن اليتيم.

عن أبي إبراهيم‏ «1» قال‏: سألته عن الرّجل يكون للرّجل عنده مال إمّا ببيع‏ «2» أو بقرض‏ «3» فيموت و لم يقضه‏ «4» إيّاه، و يترك أيتاما صغارا فيبقى لهم عليه فلا يقضيهم، أ يكون ممّن يأكل مال اليتيم ظلما؟

قال: إذا كان ينوي أن يؤدّي اليهم فلا.] «5»

عن محمّد بن مسلم‏ «6»، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: قلت: في كم يجب لآكل مال اليتيم النّار؟

قال: في درهمين.

و المراد من ذكر درهمين، المبالغة في القلّة لا التّحديد بهما.

وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (10): سيدخلون نارا أيّ نار.

و قرأ ابن عيّاش عن عاصم، بضمّ الياء، مخفّفا. و قرئ به مشدّدا. تقول: صلي النّار، قاسى حرّها. و صليته، شويته و صليته، ألقيته فيها «7».

و السّعير، فعيل، بمعنى: مفعول. من سعرت النّار، إذا لهبتها.

[في كتاب ثواب الأعمال‏ «8»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن، عن زرعة بن محمّد الحضرميّ، عن سماعة بن مهران قال: سمعته يقول‏: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أوعد «9» في [آكل‏] «10» مال اليتيم عقوبتين، أمّا أحدهما فعقوبة الآخرة النّار، و أمّا عقوبة الدّنيا فهو قوله- عزّ و جلّ-: وَ لْيَخْشَ‏- إلى قوله‏ «11»- قَوْلًا سَدِيداً، يعني بذلك: ليخش إن أخلفه في ذرّيّته كما صنع هو بهؤلاء اليتامى.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 45.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: يبيع.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: يقرض.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: يقبضه.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) نفس المصدر 1/ 223، ح 40.

(7) أنوار التنزيل 1/ 206.

(8) ثواب الأعمال/ 277.

(9) المصدر: وعد.

(10) من المصدر.

(11) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «إلى قوله».

341
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 6 الى 10] ص : 332

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-:

أصلحك اللّه، ما أيسر ما يدخل به العبد النّار؟

قال: من أكل مال اليتيم درهما، و نحن اليتيم‏] «2»

و في كتاب الاحتجاج‏ «3»: بإسناده إلى الإمام محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، و فيه خطبة الغدير، و فيها قال- صلّى اللّه عليه و آله- بعد أن ذكر عليّا و أولاده- عليهم السّلام-: ألا إنّ أعداءهم الّذين‏ «4» يصلون سعيرا.

[و في كتاب ثواب الأعمال‏ «5»: أبي (رحمه اللّه) قال: حدّثني عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ في كتاب عليّ- عليه السّلام- أنّ آكل مال اليتيم‏ «6» سيدركه وبال ذلك في عقبه من بعده في الدّنيا و يلحقه و بال ذلك في الآخرة، أمّا في الدّنيا فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَ لْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً و أمّا في الآخرة فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «7»: و قال الصّادق- عليه السّلام-: إنّ آكل مال اليتيم سيلحقه و بال ذلك في الدّنيا و الآخرة، أمّا في الدّنيا فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ‏ و أمّا في الآخرة فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: حدّثني أبي، عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان،

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 225، ح 48.

(2) ما بين المعقوفتين يوجد في أ، فقط.

(3) الاحتجاج 1/ 79.

(4) ليس في المصدر.

(5) ثواب الأعمال/ 277- 278، ح 1.

(6) المصدر: «مال اليتامى ظلما» بدل «مال اليتيم».

(7) من لا يحضره الفقيه 3/ 106، ح 439.

(8) تفسير القمي 1/ 72.

 

342
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

 

عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه لمّا نزلت‏ «1» إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً خرج‏ «2» كلّ من كان عنده يتيم و سألوا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في إخراجهم فأنزل اللّه- تبارك و تعالى- وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى‏ قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏.

و في أصول الكافي‏ «3»: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمّد بن سالم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و أنزل في مال اليتيم من أكله ظلما إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً و ذلك أنّ آكل مال اليتيم يجي‏ء يوم القيامة و النّار تلتهب في بطنه حتّى يخرج لهب النّار من فيه [، حتّى‏] «4» يعرفه [كلّ‏] «5» أهل الجمع، أنّه آكل مال اليتيم.

الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد «6»، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: من أكل مال أخيه ظلما و لم يردّه إليه أكل جذوة من النّار يوم القيامة.

و في الكافي‏ «7»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن عجلان أبي صالح‏ «8» قال‏ سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن آكل مال اليتيم.

فقال: هو كما قال اللّه- عزّ و جلّ- إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ثمّ قال- من غير أن أسأله-: من عال يتيما حتّى ينقطع يتمه أو يستغني بنفسه أوجب اللّه- عزّ و جلّ- له الجنّة، كما أوجب النّار لمن أكل مال اليتيم.] «9»

يُوصِيكُمُ اللَّهُ‏: يأمركم، و يعرض عليكم‏ فِي أَوْلادِكُمْ‏: في شأن ميراثهم.

______________________________
(1) المصدر: أنزلت.

(2) المصدر: أخرج.

(3) الكافي 2/ 31- 32، ضمن حديث 1.

4 و 5- من المصدر.

(6) نفس المصدر 2/ 333، ح 15.

(7) نفس المصدر 5/ 128، ح 2.

(8) النسخ: «عجلان عن أبي صالح». و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 2/ 249- 250.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

343
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

 

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏، أي: يعدّ كلّ ذكر بأنثيين إذا اجتمع الصّنفان فيضعف نصيبه، و المعنى: للذّكر منهم، فحذف للعلم به.

و تخصيص «الذّكر» بالتّنصيص على حظّه، لأنّ القصد إلى بيان فضله، و التّنبيه على أنّ التّضعيف كان للتّفضيل، فلا يحرمنّ بالكلّيّة، و قد اشتركا في الجهة و العلّة في التّفضيل، أنهنّ يرجعن عيالا عليهم و لما جعل لها من الصّداق، و لأنّه ليس عليهنّ جهاد و لا نفقة و لا معقلة و غيرها.

و في الكافي‏ «1»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرّار، عن يونس بن عبد الرّحمن، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال‏: قلت له: جعلت فداك، كيف صار الرّجل إذا مات و ولده من القرابة سواء ترث النّساء نصف ميراث الرّجال، و هنّ أضعف من الرّجال و أقلّ حيلة؟

فقال: لأنّ اللّه- تبارك و تعالى- فضّل الرّجال على النّساء بدرجة، و لأنّ النّساء يرجعن عيالا على الرّجال.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «2»: و في رواية احمد بن الحسين‏ «3»، عن الحسين بن الوليد، عن ابن بكير، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لابي عبد اللّه- عليه السّلام-: لأيّ علّة صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

فقال: لما جعل اللّه لها من الصّداق.

و روى ابن أبي عمير «4»، عن هشام، أنّ ابن أبي العوجاء قال لمحمّد بن النّعمان الأحول‏: ما بال المرأة الضّعيفة لها سهم واحد و للرّجل‏ «5» القوي الموسر سهمان؟

قال: فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقال: إنّ المرأة ليس لها عاقلة، و ليس عليها نفقة و لا جهاد- و عدد أشياء غير هذا- و هذا على الرّجل‏ «6»، فجعل له سهمان و لها سهم‏ «7».

و روى محمّد بن أبي عبد اللّه الكوفيّ‏ «8»، عن موسى بن عمران النّخعيّ، عن‏

______________________________
(1) الكافي 7/ 84، ح 1.

(2) من لا يحضره الفقيه 4/ 253، ح 815.

(3) المصدر: حمدان بن الحسين.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 816.

(5) المصدر: للرجال.

(6) المصدر: الرجال.

(7) المصدر: سهم واحد.

(8) نفس المصدر و الموضع، ح 817.

 

 

344
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

عمّه الحسين بن يزيد، عن عليّ بن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت له: كيف صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

قال: لأنّ الحبّات الّتي أكلها آدم و حوّاء في الجنّة كانت ثمان عشرة حبّة، أكل آدم منها اثنتي عشرة حبّة و أكلت حوّاء ستّا، فلذلك صار الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

[و في كتاب الاحتجاج‏ «1» للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: و روى أبو عبد اللّه بن الحسين‏ «2» بإسناده عن آبائه- عليهم السّلام-: أنّه لمّا أجمع أبو بكر على منع فاطمة فدك و بلغها ذلك جاءت إليه و قالت له: يا بن أبي قحافة أفي كتاب اللّه أن ترث أباك و لا أرث أبي؟

لقد جئت شيئا فريّا، أ فعلى عمد تركتم كتاب اللّه نبذ تموه وراء ظهوركم إذ يقول:

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏؟

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن أبي جميلة المفضّل بن صالح، عن بعض أصحابه، عن أحدهما قال‏: إنّ فاطمة- صلوات اللّه عليها- انطلقت [إلى أبي بكر] «4» فطلبت ميراثها من نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: إنّ نبيّ اللّه لا يورث.

فقالت: أكفرت باللّه و كذّبت بكتابه؟ قال [اللّه:] «5» يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.] «6»

و في عيون الأخبار «7»: في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من خبر الشّاميّ، و ما سأل عنه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في جامع الكوفة، في حديث طويل، و فيه: «و سأله: لم صار «8» الميراث للذّكر مثل حظّ الأنثيين؟

فقال: من قبل السّنبلة، كان‏ «9» عليها ثلاث حبّات، فبادرت إليها حوّاء فأكلت منها حبّة و أطعمت آدم حبّتين»

فلا ينافي ما قدّمناه، لأنّ المراد بالحبّة جنس الحبّة، و التّاء فيه للوحدة الجنسيّة، و القرينة علّيّة أنّ السّنبلة يندر كونها ذات ثلاث حبّات، و الغرض من توصيفها بالوحدة اتّحاد جنسها، فيحمل كلّ حبّة على ستّ حبّات فيوافق ما روي أوّلا،

______________________________
(1) الاحتجاج 1/ 138. و أوّله في ص 131.

(2) المصدر: أبو عبد اللّه بن الحسن.

(3) تفسير العياشي 1/ 225، ح 49.

4 و 5- من المصدر

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(7) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 1/ 242.

(8) المصدر: لم صارت.

(9) المصدر: كانت.

345
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

و لا تناقض بين الأخبار.

فَإِنْ كُنَّ نِساءً، أي: كان الأولاد نساء خلّصا ليس معهنّ ذكر. فأنّث الضّمير باعتبار الخبر، أو على تأويل المولودات.

فَوْقَ اثْنَتَيْنِ‏: خبر ثان، أو صفة النّساء، أي: نساء زائدات على اثنتين.

فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ‏: المتوفّى منكم، و يدلّ عليه المعنى.

وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ‏، أي: و إن كانت المولودة واحدة.

و قرأ نافع، بالرّفع، على «كان» التّامّة. و اختلف في الثنتين‏ «1» فقال ابن عبّاس:

حكمهما حكم الواحدة، لأنّه- تعالى- جعل الثّلثين لما فوقهما.

و قال الباقون: حكمهما حكم ما فوقهما، لأنّه- تعالى- لمّا بيّن أنّ حظّ الذّكر مثل حظّ الأنثيين- إذا كان معه أنثى و هو الثّلثان- اقتضى ذلك أنّ حظّهما الثّلثان. ثمّ لمّا أوهم ذلك أن يزداد النّصيب بزيادة العدد ردّ ذلك بقوله: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ‏ و يؤيّد ذلك، أنّ البنت الواحدة لمّا استحقّت الثّلث مع أخيها فبالحريّ أن تستحقّه مع أخت مثلها، و أنّ البنتين أمسّ رحما من الأختين، و قد فرض لهما الثّلثين بقوله:

و لهما الثّلثان ممّا ترك‏ «2».

قال محمّد بن يعقوب في الكافي‏ «3»: و قد تكلّم النّاس في أمر البنتين‏ «4» من أين جعل لهما الثّلثان و اللّه- عزّ ذكره- إنّما جعل الثّلثين لما فوق اثنتين، فقال قوم بإجماع، و قال قوم قياسا، كما أن كان للواحدة النّصف كان ذلك دليلا على أنّ المال‏ «5» لما فوق الواحدة الثّلثان. و قال قوم بالتّقليد و الرّواية، و لم يصب واحد منهم الوجه في ذلك. فقلنا: إنّ اللّه- جلّ ذكره- جعل حظّ الأنثيين الثّلثين بقوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏ و ذلك أنّه إذا ترك الرّجل بنتين‏ «6» و ابنا، فللذّكر مثل حظّ الأنثيين، و هو الثّلثان، فحظّ الأنثيين الثّلثان، و اكتفى بهذا لبيان أن يكون ذكر الأنثيين بالثلثين، و هذا بيان قد جهله كلّهم و الحمد للّه كثيرا.

وَ لِأَبَوَيْهِ‏، أي: لأبوي الميّت.

______________________________
(1) المصدر: الثلثين.

(2) أنوار التنزيل 1/ 206.

(3) الكافي 7/ 72- 73.

(4) المصدر: الابنتين.

(5) ليس في المصدر.

(6) المصدر: بنتا.

346
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا: بدل منه، بتكرير العامل. و فائدته التّنصيص على استحقاق كلّ واحد منهما السدس، و التّفضيل بعد الإجمال تأكيد.

السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ‏، أي: للميّت.

وَلَدٌ: ذكر أو أنثى، واحد أو متعدّد. فالولد- مطلقا- يحجب الأمّ عن الثّلث إلى السّدس.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏: ممّا ترك و إنّما لم يذكر حصّة الأب، لأنّه ذكر سابقا ممّا فرض لكلّ منهما. و لمّا لم يكن للأب فرض آخر و كان للأمّ، صرّح بالفرض الآخر للأمّ، ليعلم أنّ الفرض للأب واحد و ما أخذ زائدا فليس بالفرض بل بالقرابة.

و في الآية تصريح، بأنّ ثلث الأمّ ممّا ترك، و هو أصل التّركة- كما ذهب إليه ابن عبّاس و جمهور فقهائنا- لا ثلث ما بقي- كما ذهب إليه جمهور العامّة- فعلى هذا ما قاله البيضاويّ‏ «1»، من أنّه: «على هذا ينبغي أن يكون لها حيث كان معهما أحد الزّوجين ثلث ما بقي من فرضه- كما قاله الجمهور- لا ثلث المال- كما قاله ابن عباس- فإنّه يفضي إلى تفضيل الأنثى على الذّكر المساوي لها في الجهة و القرب، و هو خلاف وضع الشّرع» دفع للنّصّ بالقياس.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «2»: و روى محمّد بن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن محمّد بن مسلم قال‏: أقرأني أبو جعفر- عليه السّلام- صحيفة الفرائض الّتي هي إملاء رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و خطّ عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- بيده فقرأت فيها: امرأة ماتت و تركت زوجها و أبويها، فللزّوج النّصف ثلاثة أسهم، و للأمّ الثّلث سهمان، و للأب السّدس سهم.

فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏:

و قرأ حمزة و الكسائيّ: «فلأمّه» بكسر الهمزة، اتباعا للكسرة الّتي قبلها «3».

و «الإخوة» يقع على الاثنين فصاعدا. و الأختان، بمنزلة أخ واحد. و لهذا ورد في أخبارنا: أنّه لا يحجب الأمّ عن الثّلث إلّا إخوان، أو أخ، أو أختان، أو أربع أخوات. و المراد بالإخوة، الإخوة من أب و أمّ، أو من أب. فإنّ الإخوة من أمّ لا يحجب الأمّ عن الثّلث، لأنّ‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 207.

(2) من لا يحضره الفقيه 4/ 195، ح 670.

(3) أنوار التنزيل 1/ 207.

347
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

الوجه فيه أنّ الأب ينفق عليهم فوفّر نصيبه، و الأب لا ينفق على الإخوة من الأمّ.

في الكافي‏ «1»: أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي أيّوب الخزّاز، عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لا تحجب‏ «2» الأمّ عن الثّلث إذا لم يكن ولد إلّا إخوان أو أربع أخوات.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن أبي العبّاس قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: لا يحجب عن الثّلث الأخ و الأخت حتّى يكونا أخوين أو أخ أو أختين، فإنّ اللّه- تعالى- يقول: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ.

و عن زرارة «4»، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: في قول اللّه- تعالى-: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏، يعني: إخوة لأب و أمّ، أو إخوة لأب.

و في الكافي‏ «5»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عبد اللّه بن بحر، عن حريز، عن زرارة قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

يا زرارة، ما تقول في رجل ترك أبويه و إخوته من أمّه.

قال: قلت: السّدس لأمّه، و ما بقي فللأب.

فقال: من أين [قلت‏] «6» هذا؟

قلت: سمعت اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ.

فقال لي: ويحك يا زرارة، أولئك الإخوة من الأب، فإذا «7» كان الإخوة من الأمّ لم يحجبوا الأمّ عن الثّلث.

عليّ بن إبراهيم‏ «8» [، عن أبيه،] «9» عن ابن أبي عمير و محمّد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن أذينة قال: قلت لزرارة: إنّ أناسا حدّثوني عنه، يعني: أبا عبد اللّه- عليه السّلام- و عن أبيه- عليه السّلام- بأشياء في الفرائض فأعرضها عليك، فما كان منها باطلا فقل: هذا باطل، و ما كان منها حقّا فقل: هذا حقّ، و لا تروه و اسكت، و قلت‏

______________________________
(1) الكافي 7/ 97، ح 4.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا يحجب.

(3) تفسير العياشي 1/ 226، ح 52.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 54.

(5) الكافي 7/ 93، ح 7.

(6) من المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: فان.

(8) نفس المصدر 7/ 91، ح 1. و له ذيل.

(9) من المصدر.

 

348
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

[له:] «1» حدّثني رجل عن أحدهما- عليهما السّلام- في أبوين و إخوة لأمّ أنّهم يحجبون و لا يرثون.

فقال: هذا و اللّه هو الباطل، و لكنّي سأخبرك‏ «2» و لا أروي لك شيئا، و الّذي أقول لك هو و اللّه الحقّ: إنّ الرّجل إذا ترك أبويه فلأمّه‏ «3» الثّلث و للأب الثّلثان في كتاب اللّه- عزّ و جلّ- فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ، يعني: للميّت، يعني: إخوة لأب و أمّ، أو إخوة لأب‏ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏ و للأب خمسة أسداس، و إنّما وفّر للأب من أجل عياله، و أمّا الإخوة لأمّ ليسوا لأب فإنّهم لا يحجبون الأمّ عن الثّلث و لا يرثون.

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ‏: متعلّق بما تقدّمه من قسمة المواريث كلّها، أي: هذه الأنصباء للورثة من بعد وصيّة أو دين إن كانا.

قيل‏ «4»: و إنّما قال «بأو» الّتي للإباحة دون الواو، لدلالة على أنّهما متساويان في الوجوب مقدّمان على القسمة مجموعين و مفردين. و قدّم الوصيّة على الدّين و هي متأخّرة في الحكم، لأنّها مشبّهة بالميراث شاقّة على الورثة مندوب إليه الجميع، و الدّين إنّما يكون على النّذور.

و قرأ ابن عامر و أبو بكر، بفتح الصّاد.

و في مجمع البيان‏ «5»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- [أنّه قال:] «6» إنكم تقرءون في هذه الآية الوصيّة قبل الدّين، و إنّ رسول- صلّى اللّه عليه و آله- قضى بالدّين قبل الوصيّة.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول‏ في الدّين و الوصيّة فقال: إنّ الدّين قبل الوصيّة، ثمّ الوصيّة على أثر الدّين، ثمّ الميراث و لا وصيّة للوارث.

قوله: «و لا وصيّة للوارث» نفي للاستحباب، لا للجواز.

آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً، أي: لا تعلمون من أنفع‏

______________________________
(1) من المصدر

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: أخبرك.

(3) المصدر: فللأمّ.

(4) أنوار التنزيل 1/ 207.

(5) مجمع البيان 2/ 15.

(6) من المصدر.

(7) تفسير العياشي 1/ 226، ح 55.

349
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

لكم، ممن يرثكم من أصولكم و فروعكم في عاجلكم و آجلكم، فتحرّوا فيه ما وصّاكم اللّه به و لا تعمدوا إلى تفضيل بعض و حرمانه. أو من مورثيكم منهم، أمّن أوصى منهم فعرّضكم للثّواب بإمضائه وصيّته، أم من لم يوص فوفّر عليكم ماله، أو من أوصيتم له فوفّرتم عليه، أم من لم توصوا له فحرمتموه. و هو اعتراض مؤكّد لأمر القسمة، و تنفيذ الوصيّة.

و في الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن إبراهيم بن مهزم، عن إبراهيم الكرخيّ، عن ثقة حدّثه من أصحابنا قال‏: تزوّجت بالمدينة، فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: كيف رأيت؟

فقلت: ما رأى‏ «2» رجل من خير في امرأة إلّا و قد رأيته فيها، و لكن خانتني.

فقال: و ما هو؟

قلت: ولدت جارية.

فقال: لعلّك كرهتها، إنّ اللّه- جلّ ثناؤه- يقول: آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً.

[فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ‏: مصدر، حذف عامله، أي: يوصيكم اللّه، لأنّه في معنى:

يأمركم، و يفرض عليكم.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً: بالمصالح و الرّتب.

حَكِيماً (11) فيما قضى و قدّر.] «3» وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ‏: أيّ ولد وارث من بطنها، أو من صلب بنيها، أو بطن بناتها و إن سفل، ذكرا كان أو أنثى، منكم. أو من غيركم.

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ‏: فرض للرّجل بحقّ الزّواج ضعف ما للمرأة كما في النّسب، و العلّة هنا هي العلّة هناك، و تستوي الواحدة و العدد منهنّ في الرّبع و الثّمن.

وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ‏: صفة رجل، بالبناء للمفعول، أي: يورث منه، أي:

______________________________
(1) الكافي 6/ 4- 5، ح 1.

(2) أ: أري.

(3) ما بين المعقوفتين مقدّم على حديث الكافي الذي قبله، في أ.

350
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

الميّت.

كَلالَةً: خبر كان. أو «يورث» خبره، و «كلالة» حال من الضّمير فيه، و الكلالة- حينئذ- من لم يخلّف ولدا و لا والدا. أو مفعول له، و المراد بها قرابة ليست من جهة الوالد و الولد. و يجوز أن يكون «الوارث» و «يورث» من أورث، و كلالة من ليس بوالد و لا ولد.

و قرئ: «يورث» على البناء للفاعل، فالرّجل الميّت و كلالة تحتمل المعاني الثّلاثة، و على الأوّل خبر أو حال، و على الثّاني مفعول له، و على الثّالث مفعول به. و هي في الأصل مصدر، بمعنى: الكلال‏ «1»، فاستعير لقرابة ليست بالبعضيّة، لأنّها كالّة بالإضافة إليها، ثمّ وصف بها المورث و الوارث، بمعنى: ذي كلالة.

و في كتاب معاني الأخبار «2»: حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: الكلالة ما لم يكن والد و لا ولد.

و في الكافي‏ «3»، بسند آخر، عنه- عليه السّلام- مثله.

أَوِ امْرَأَةٌ: عطف على رجل.

وَ لَهُ‏، أي: و للرّجل. و اكتفى بحكمه عن حكم المرأة لدلالة العطف على تشاركهما فيه، أو لكلّ واحد منهما.

أَخٌ أَوْ أُخْتٌ‏، أي: من الأمّ.

فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏:

سواء بين الذّكر و الأنثى هاهنا، لأنّ الانتساب بمحض الأنوثة.

في الكافي‏ «4»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير و محمّد بن عيسى، عن يونس جميعا عن عمر بن أذينة، عن بكير بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-:

امرأة تركت زوجها و إخوتها لأمّها و إخوتها و أخواتها لأبيها.

فقال: للزّوج النّصف ثلاثة أسهم، و للإخوة و الأخوات‏ «5» من الأمّ الثّلث، الذّكر

______________________________
(1) البيضاوي 1/ 208.

(2) معاني الأخبار/ 272، ح 1.

(3) الكافي 7/ 99، ح 2 و 3.

(4) نفس المصدر 7/ 101، ح 3. و للحديث ذيل.

(5) «و الأخوات» ليس في المصدر.

 

351
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 11 الى 14] ص : 343

و الأنثى فيه سواء، و بقي سهم فهو للإخوة و الأخوات من الأب‏ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏ لأنّ السّهام لا تعول. و لا ينقص الزّوج من النّصف و لا الإخوة من الأمّ من ثلثهم، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: «فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏ و إن كانت واحدة فلها السّدس‏ «1»» و الّذي عنى اللّه في قوله: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ‏ إنّما عنى بذلك الإخوة و الأخوات من الأمّ خاصّة.

و بطريق آخر «2»، عن الباقر- عليه السّلام- مثله بأدنى تغيير غير مغيّر للمعنى.

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى‏ بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ: لورثته بالزّيادة على الثّلث، أو قصد المضارّة بالوصيّة دون القربة و الإقرار بدين لا يلزمه. و هو حال من فاعل «يوصى» المذكور في هذه القراءة، و المدلول عليه بقوله: «يوصى» على البناء للمفعول، في قراءة ابن عامر و ابن كثير و ابن عيّاش عن عاصم‏ «3».

وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ‏: مصدر مؤكّد. أو منصوب «بغير مضارّ» على المفعول به، أي:

لا يضارّ وصيّة من اللّه و هو الثّلث فما دونه بالزّيادة. أو وصيّة من اللّه بالأولاد بالإسراف في الوصيّة و الإقرار الكاذب.

و قرئ بإضافة «مضارّ» إلى الوصيّة «4».

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ‏: بالمضارّ و غيره.

حَلِيمٌ‏ (12): لا يعاجل بعقوبته.

تِلْكَ‏: إشارة إلى الأحكام الّتي تقدّمت في أمر اليتامى و الوصايا و المواريث‏ حُدُودُ اللَّهِ‏: شرائعه الّتي كالحدود المحدودة، الّتي لا يجوز مجاوزتها.

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ‏ (13) وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَ لَهُ عَذابٌ مُهِينٌ‏ (14):

توحيد الضّمير في يدخله للّفظ، و جمع خالدين للمعنى.

و قرأ نافع و ابن عامر: «ندخله» بالنّون.

______________________________
(1) ر: الثلث.

(2) نفس المصدر 7/ 102، ح 4.

(3) أنوار التنزيل 1/ 208.

(4) نفس الموضع و المصدر.

352
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

 

و «خالدين» حال مقدّرة، كقولك: مررت برجل معه صقر صائد به غدا. و كذلك «خالدا» و ليستا صفة لجنّات و نارا، و الّا لوجب إبراز الضّمير، لأنّهما جرتا على غير من هما له‏ «1».

وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ‏: أي يفعلنها، يقال: أتى الفاحشة و جاءها و غشيها و رهقها، إذا فعلها. و هي الزّنا، لزيادة قبحها و شناعتها.

فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ‏: فاطلبوا ممّن قذفهنّ أربعة من الرّجال المؤمنين يشهدون عليهنّ.

فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ‏: فاحبسوهنّ فيها.

حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ‏، أي: حتّى يستوفي أرواحهنّ الموت، أو يتوفّاهن ملائكة الموت. كان ذلك عقوبتهم في أوائل الإسلام فنسخ بالحدّ.

في مجمع البيان‏ «2»: عن الباقر و الصّادق- عليهما السّلام-: أنّ هذه الآية منسوخة.

أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا (15): كتعيين الحدّ المخلّص عن الحبس.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن هذه الآية: وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ‏ إلى‏ سَبِيلًا.

قال: هذه منسوخة.

قال: قلت: كيف كانت؟

قال: كانت المرأة إذا فجرت، فقام عليها أربعة شهود أدخلت بيتا و لم تحدّث و لم تكلّم و لم تجالس، و أوتيت فيه بطعامها و شرابها حتّى تموت.

قلت: فقوله: أو يجعل اللّه لهنّ سبيلا؟

قال: جعل السّبيل الجلد و الرّجم.

وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ‏، يعني: الزّانية و الزّاني.

و قرأ ابن كثير، بتشديد النّون، و تمكين مدّ الألف. و الباقون، بالتّخفيف، من غير تمكين‏ «4».

فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَ أَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما: فاقطعوا عنهما الأذى، و أعرضوا عنهما

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 209.

(2) مجمع البيان 2/ 21.

(3) تفسير العياشي 1/ 227، ح 61. و للحديث تتمة.

(4) أنوار التنزيل 1/ 209.

 

353
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

 

بالإغماض و السّتر.

قيل‏ «1»: هذه الآية سابقا. على الأولى نزولا، و كان عقوبة الزّناة الأذى ثمّ الحبس ثمّ الجلد.

و قيل‏ «2»: الأولى في السّحّاقات، و هذه في اللّوّاطين، و الزّانية و الزّاني في الزّناة.

و كلا القولين مخالف لما نقل عن الأئمّة- عليهم السّلام- لما ثبت عنهم- عليهم السّلام- أنّ الآية الأولى منسوخة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: كان‏ «4» في الجاهليّة إذا زنى الرّجل يؤذى و «5» المرأة تحبس في بيت‏ «6» إلى أن تموت، ثمّ نسخ ذلك بقوله- تعالى-: الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي فَاجْلِدُوا (الآية) «7» انتهى.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «8»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- ما يؤيّده‏ «9».

إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16): علّة للأمر بالإعراض، و ترك المذمّة.

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ‏، أي: قبول التّوبة الّذي أوجبه اللّه على نفسه بمقتضى وعده، أنّه من تاب عليه قبل توبته.

لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ: متلبّسين بها سفها، فإنّ ارتكاب الذّنب سفه و تجاهل.

و في مجمع البيان‏ «10»: روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: كلّ ذنب عمله العبد و إن كان عالما، فهو جاهل حين خاطر بنفسه في معصية ربّه، فقد حكى اللّه سبحانه قول يوسف لإخوته: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ‏ فنسبهم‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) تفسير القمي 1/ 133.

(4) المصدر: فانّه.

(5) «يؤذى و» ليس في المصدر.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: البيت.

(7) ذكر في المصدر تتمة الآية بدل «الآية».

(8) تفسير العياشي 1/ 227، ح 61.

(9) ذكر في هامش الأصل: لأنّه‏

قال- عليه السّلام-: «قوله‏ وَ الَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ‏ قال: يعني البكر إذا أتت الفاحشة التي أتتها هذه الثيب‏ فَآذُوهُما قال: تحبس.»

فانّ قوله هذا يدلّ على أنّها منسوخة. فانّ الحكم في البكر الآن غير هذا. (منه سلمه اللّه تعالى)

(10) مجمع البيان 2/ 22.

 

 

354
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

إلى الجهل، لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية اللّه.

و روي عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه‏ «1» قيل له فإن عاد و تاب مرارا.

قال: يغفر اللّه له.

قيل: إلى متى؟

قال: حتّى يكون الشّيطان هو المحسور.

ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ‏، أي: من زمان قريب، أي: قبل حضور الموت، لقوله- تعالى-: حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ‏ سمّاه قريبا، لأنّ أمد الحياة قريب لقوله- تعالى-: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ‏ أو قبل أن يشرب في قلوبهم حبّه، فيطبع عليها فيتعذّر عليهم الرّجوع.

و «من» للتّبعيض، أي: يتوبون في أيّ جزء من الزّمان القريب، الّذي هو ما قبل أن ينزل بهم سلطان الموت أو يزيّن السّوء.

في من لا يحضره الفقيه‏ «2»: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في آخر خطبة خطبها: من تاب قبل موته بسنة تاب اللّه عليه، ثمّ قال: و إنّ السّنة لكثيرة، من تاب قبل موته بشهر تاب اللّه عليه، ثمّ قال: و إنّ الشّهر لكثير «3»، من تاب قبل موته بيوم تاب اللّه عليه. ثمّ قال: و إنّ اليوم‏ «4» لكثير، من تاب قبل موته بساعة تاب اللّه عليه. ثمّ قال: و إنّ السّاعة لكثيرة، من تاب [قبل موته‏] «5» و قد بلغت نفسه هذه- و أهوى بيده إلى حلقة- تاب اللّه عليه.

و روى الثّعلبيّ‏ «6»: بإسناده إلى عبادة بن الصّامت، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- هذا الخبر بعينه، إلّا أنّه قال في آخره: و إنّ السّاعة لكثيرة، من تاب قبل أن يغرغر بها تاب اللّه عليه.

و روى- أيضا «7»- بإسناده، عن الحسن قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لمّا هبط إبليس قال: و عزّتك و عظمتك لا أفارق ابن آدم حتّى‏

______________________________
(1) المصدر: أنّه قال.

(2) من لا يحضره الفقيه 1/ 79، ح 354.

(3) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة:

«من مات قبل موته بجمعة تاب اللّه عليه. ثم قال: إنّ الجمعة لكثير».

(4) المصدر: يوما.

(5) من المصدر.

(6) عنه في مجمع البيان 2/ 22.

(7) نفس المصدر و الموضع.

 

355
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

تفارق روحه جسده.

فقال اللّه سبحانه: و عزّتي و عظمتي لا أحجب التّوبة عن عبدي حتّى يغرغر بها.

و في الكافي‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام-: إذا بلغت النّفس هاهنا- و أشار بيده إلى حلقه- لم يكن للعالم توبة، ثمّ قرأ هذه الآية «2».

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن الباقر- عليه السّلام- مثله، و زاد: و كانت للجاهل توبة.

و لا يخفى المنافاة بينه و بين الأخبار الأوّلة. و قيل في الجمع‏ «4»: لعلّ السّبب في عدم قبول التّوبة من العالم في ذلك الوقت، حصول يأسه من الحياة بأمارات الموت، بخلاف الجاهل فإنّه لا ييأس إلّا بمعاينة الغيب.

و أقول في الجميع: يمكن أن يكون المراد بذنب العالم الّذي ليس له فيه توبة، ذنب صدر عنه بإضلال النّاس، عالما بإضلالهم للأغراض الدّنيويّة، فلا تقبل توبته- حينئذ- لأنّ محض النّدم في ذلك لا ينفع، لأنّ جمعا كثيرا قد عملوا بعلمه و ضلّوا، فلا يجدي ندمه في ذلك الآن، فلا تقبل توبته. و المؤيّد لهذا الجمع، أنّه رتّب الحكم في الآية على العمل، و قال: لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ و في الخبر على صفة العلم، فيعلم أنّ منشأ العصيان إذا كان العمل، فهو قابل للتّوبة و قبولها. و إذا كان منشأه العلم، ليس بهذه المثابة.

قيل‏ «5»: و من لطف اللّه بالعباد، أن أمر قابض الأرواح بالابتداء في نزعها من أصابع الرّجلين، ثمّ يصعد شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى الصّدر، ثمّ ينتهي إلى الحلق، ليتمكّن في هذه المهلة من الإقبال بالقلب على اللّه- تعالى- و الوصيّة و التّوبة ما لم يعاين، و الاستحلال و ذكر اللّه- سبحانه- فيخرج روحه و ذكر اللّه على لسانه، فيرجى بذلك حسن خاتمته. رزقنا اللّه ذلك، بمنّه و كرمه.

فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏: وعد بالوفاء، بما وعد به و كتب على نفسه من قبول التّوبة.

______________________________
(1) الكافي 1/ 47، ح 3. و فيه ذكر سند الرواية إلى جميل بن درّاج قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ...

(2) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(3) تفسير العياشي 1/ 228، ح 64.

(4) تفسير الصافي 1/ 399.

(5) نفس المصدر 1/ 399- 400.

356
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: يعلم إخلاصهم في التّوبة.

حَكِيماً (17): لا يعاقب التّائب.

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ‏:

في من لا يحضره الفقيه‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن هذه الآية.

فقال: ذلك إذا عاين أمر الآخرة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: حدّثني أبي، عن ابن فضّال، عن عليّ بن عقبة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: نزلت‏ «3» في القرآن أنّ زعلون تاب حيث لم تنفعه التّوبة، و لم تقبل منه.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه:

وَ لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ‏ قال: هو الفرّار تاب حين لم ينفعه التّوبة، و لم يقبل منه‏] «5».

وَ لَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَ هُمْ كُفَّارٌ: سوّى بين من سوّف التّوبة إلى حضور الموت، من الفسقة و الكفّار، و بين من تاب على الكفر في نفي التّوبة، للمبالغة في عدم الاعتداد بها في تلك الحالة، و كأنّه قال: توبة هؤلاء و عدم توبة هؤلاء سواء.

و قيل‏ «6»: المراد بالّذين يعملون السّوء عصاة المؤمنين، و بالّذين يعملون السّيّئات المنافقون لتضاعف كفرهم و سوء أعمالهم، و بالّذين يموتون الكفّار.

أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (18): تأكيد لعدم قبول توبتهم، و بيان لتهيئة عذابهم، و أنّه يعذّبهم متى شاء.

و الأعتاد، من العتاد، و هو العدّة.

و قيل‏ «7»: أصله، أعددنا، فأبدلت الدّال الأولى.

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 1/ 79، ح 355.

و فيه: و سئل الصادق- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ- لَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ‏ فقال ...

(2) تفسير القمي 1/ 133.

(3) المصدر: نزل.

(4) تفسير العياشي 1/ 228، ح 63.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) أنوار التنزيل 1/ 210.

(7) نفس المصدر و الموضع.

357
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً:

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في هذه الآية: أنّه‏ «2» كان في الجاهليّة في أوّل ما أسلموا في قبائل العرب‏ «3»، إذا مات حميم الرّجل و له امرأة ألقى الرّجل ثوبه عليها فورث‏ «4» نكاحها بصداق حميمه الّذي كان أصدقها [فكان‏] «5» يرث نكاحها كما يرث ماله، فلمّا مات أبو قيس بن الأسلت‏ «6»، ألقى محصن بن أبي قيس ثوبه على امرأة أبيه و هي كبيشة «7» ابنة «8» معمّر بن سعيد «9»، فورث نكاحها، ثمّ تركها لا يدخل بها و لا ينفق عليها، فأتت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقالت: يا رسول اللّه، مات أبو قيس بن الأسلت‏ «10» فورث ابنه محصن نكاحي، فلا يدخل عليّ و لا ينفق عليّ و لا يخلّي سبيلي فألحق بأهلي.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ارجعي إلى بيتك فإن يحدث اللّه في شأنك شيئا فأعلمتك به. فنزل: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلًا فلحقت بأهلها، و كان نسوة «11» في المدينة قد ورث نكاحهنّ كما ورث نكاح كبيشة «12» غير أنّه ورثهنّ عن‏ «13» الأبناء، فأنزل [اللّه:] «14» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «15»: عن إبراهيم بن ميمون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن (هذه الآية) «16».

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 134.

(2) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية» و «فانّه» بدل «أنّه».

(3) المصدر: من قبائل العرب.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: و ورث.

(5) من المصدر.

(6) المصدر: أبو قبيس بن الأسلب.

(7) المصدر: كبيثة.

(8) المصدر: بنت.

(9) أو المصدر: معمّر بن معبد.

(10) المصدر: أبو قبيس بن الأسلب.

(11) المصدر: «كانت نساء» بدل «كان نسوة».

(12) المصدر: كبيثه.

(13) هكذا في المصدر. و في النسخ: غير الأبناء.

(14) من المصدر.

(15) تفسير العياشي 1/ 228، ح 65. و للحديث تتمة.

(16) المصدر: «قول اللّه- ثم ذكر نفس الآية-» بدل «هذه الآية».

 

358
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

قال: الرّجل يكون في حجره اليتيمة، فيمنعها من التّزويج يضرّ بها تكون قريبة له.

و في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: إنّها نزلت في الرّجل يحبس المرأة عنده لا حاجة له إليها، و ينتظر موتها حتّى يرثها.

و «كرها» في موضع الحال، أي: لا تأخذوهنّ على سبيل الإرث فتزوجوهنّ كارهات لذلك، أو مكرهات عليه.

و قرأ حمزة و الكسائيّ: «كرها» بالضّمّ في مواضعه، و هما لغتان.

و قيل: بالضّمّ، المشقّة. و بالفتح، ما يكره عليه‏ «2».

وَ لا تَعْضُلُوهُنَ‏: و لا تحبسوهنّ، ضرارا لهنّ.

لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ‏:

في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن الصّادق- عليه السّلام- قال‏: الرّجل يكون له المرأة فيضربها حتّى تفتدي منه، فنهى اللّه عن ذلك.

و في مجمع البيان‏ «4»: (عنه- عليه السّلام-: أنّ المراد بها) الزّوج، أمره اللّه- سبحانه- بتخلية سبيلها إذا لم يكن له فيها حاجة، و أن لا يمسكها إضرارا بها حتّى تفتدي ببعض مالها.

و أصل العضل، التّضييق. يقال: عضلت الدّجاجة بيضها.

و قيل‏ «5»: في توجيه عطفه، أنّه عطف على «أن ترثوا» و «لا» لتأكيد النّفي. أو المراد «بلا يحلّ لكم» النّهي عن «أن ترثوا» فلا يلزم عطف الإنشاء على الإخبار.

إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ: كالنّشوز، و سوء العشرة، و عدم التّعفّف.

و الاستثناء من أعمّ عامّ الظّرف، أو المفعول له، تقديره: و لا تعضلوهنّ للافتداء إلّا وقت أن يأتين بفاحشة. أولا تعضلوهنّ لعلّة إلّا لأن يأتين بفاحشة.

و قرأ ابن كثير و أبو بكر «بفاحشة مبيّنة» هنا و في الأحزاب و الطّلاق، بفتح الياء.

و الباقون، بكسرها فيهنّ‏ «6».

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 24.

(2) أنوار التنزيل 1/ 210.

(3) تفسير العياشي 1/ 229، ذيل حديث 65. و هو تتمة حديث إبراهيم بن ميمون الذي مرّ آنفا.

(4) مجمع البيان 2/ 24.

(5) أنوار التنزيل 1/ 210.

(6) نفس الموضع و المصدر.

359
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: كلّ معصية.

و في الكافي‏ «2»: عن الصّادق- عليه السّلام-: إذا قالت له: لا أغتسل لك من جنابة و لا أبرّ لك قسما و لأوطئنّ فراشك من تكرهه، حلّ له أن يخلعها و يحلّ له ما أخذ منها.

وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏: بالإنصاف في الفعل، و الإجمال في القول.

فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (19)، أي: فلا تفارقوهنّ لكراهة النّفس، فإنّها قد تكره ما هو أصلح دينا و أكثر خيرا، و قد تحبّ ما هو بخلافه، و ليكن نظركم إلى ما هو أصلح للدّين و أدنى إلى الخير.

و «عسى» في الأصل، علّة الجزاء، فأقيم مقامه، و المعنى: فإن كرهتموهنّ فاصبروا عليهنّ، فعسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم.

وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ‏: تطليق امرأة، و تزوّج أخرى.

وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَ‏:

جمع الضّمير، لأنّه أراد «بالزّوج» الجنس.

قِنْطاراً: مالا كثيرا.

في مجمع البيان‏ «3»: عن الباقر و الصّادق- عليهما السّلام-: القنطار، مل‏ء مسك ثور ذهبا.

فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ‏، أي: من القنطار.

شَيْئاً، أي: شيئا قليلا.

أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (20): استفهام إنكار و توبيخ، أي: تأخذونه باهتين و آثمين. و يحتمل النّصب على العلة، كما في قولك: قعدّت من الحرب جبنا. لأنّ الأخذ بسبب بهتانهم و اقترافهم المآثم.

قيل‏ «4»: كان الرّجل منهم، إذا أراد [امرأة] «5» جديدة بهت الّتي تحته بفاحشة حتّى يلجئها إلى الافتداء منه بما أعطاها، ليصرفه إلى تزوّج الجديدة، فنهوا عن ذلك.

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 24.

(2) هذا الكلام هو خلاصة للأحاديث الموجودة في الكافي 7/ 139- 141.

(3) مجمع البيان 1/ 417.

(4) أنوار التنزيل 1/ 211.

(5) من المصدر.

360
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 15 الى 22] ص : 353

و «البهتان»، الكذب الّذي يبهت المكذوب عليه. و قد يستعمل في الفعل الباطل، و لذلك فسّر- هاهنا- بالظّلم.

وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضى‏ بَعْضُكُمْ إِلى‏ بَعْضٍ‏: إنكار لاسترداد المهر، و الحال أنّه وصل إليها بالملامسة و دخل بها و تقرّر المهر.

وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (21): عهدا وثيقا.

في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: هو العهد المأخوذ على الزّوج حالة العقد، من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان.

و في الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن بريد [العجليّ‏] «3» قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-:

وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.

قال: الميثاق هي الكلمة الّتي عقد بها النّكاح، و أمّا [قوله: «] «4» غليظا». فهو ماء الرّجل يفضيه إليها «5».

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: «6» أخذتموهنّ بأمانة اللّه، و استحللتم فروجهنّ بكلمة اللّه.

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ‏، أي: الّتي نكحها آباؤكم. و إنّما ذكر «ما» دون «من» لأنّه أريد به الصّفة، أو إشارة إلى نقصان عقولهنّ.

و قيل‏ «7»: «ما» مصدريّة، على إرادة المفعول من المصدر.

مِنَ النِّساءِ: بيان ما نكح على الوجهين.

إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ‏: استثناء من المعنى اللازم للنّهي، و كأنّه قيل: تستحقّون العقاب بنكاح منكوحة آبائكم، إلّا ما قد سلف. أو من اللّفظ، للمبالغة في التّحريم و التّعميم، كقوله‏ «8»:

و لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم.

بهنّ فلول من قراع الكتائب‏

 

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 26.

(2) الكافي 5/ 560، ح 19.

3 و 4- من المصدر.

(5) المصدر: إلى امرأته.

(6) مجمع البيان 2/ 26.

(7) أنوار التنزيل 1/ 211.

(8) نفس الموضع و المصدر.

361
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

 

و المعنى: و لا تنكحوا حلائل آبائكم، إلّا ما قد سلف، إن أمكنكم أن تنكحوه.

و قيل‏ «1»: الاستثناء منقطع، و معناه: لكن ما قد سلف فإنّه لا مؤاخذة عليه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»: عن الباقر- عليه السّلام- يقول اللّه- تعالى-:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ [فلا يصلح للرّجل أن ينكح امرأة جدّه.

و فيه‏ «3»: عن الحسين بن سرير «4» قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: إنّ اللّه حرّم علينا نساء النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- يقول اللّه- تبارك و تعالى-:

وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ.] «5»

و في عيون الأخبار «6»: في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: «أنا ابن الذّبيحين» حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و كانت لعبد المطّلب خمس من السّنن أجراها اللّه- تعالى- في الإسلام، حرّم نساء الآباء على الأبناء.

إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً: علّة للنّهي، أي: أنّ نكاحهنّ كان فاحشة عند اللّه، ما رخّص فيه لأمّة من الأمم، ممقوتا عند ذوي المروءات. و لذلك سمّي ولد الرّجل من زوجة أبيه: المقتى.

وَ ساءَ سَبِيلًا (22): سبيل من يراه و يفعله. و قد مرّ سبب نزولها.

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ‏: المراد تحريم نكاحهنّ، لأنّه معظم ما يقصد منهنّ، و لأنّه المتبادر إلى الفهم.

و الأمّهات، يعمّ من ولدتك، أو ولدت من ولدك و إن علت.

و البنات، تتناول من ولدتها، أو ولدت من ولدها و إن سفلت.

______________________________
(1) نفس الموضع و المصدر

(2) تفسير العياشي 1/ 230، ح 69.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 70.

(4) كذا في النسخ و في المصدر: «الحسين بن زيد». و لم نعثر في كتب الرجال على «الحسين بن سرير» و لكن «الحسين بن زيد» المذكور في المصدر يمكن أن يكون «الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام.».

ر. تنقيح المقال 1/ 328، رقم 2918.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) عيون الأخبار 1/ 212.

 

362
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

 

و الأخوات، يشمل الأخوات من الأوجه الثّلاثة و كذا الباقيات.

و العمّة، كلّ أنثى ولدها من ولد ذكرا ولدك.

و الخالة، كلّ أنثى ولدها من ولد أنثى ولدتك، قريبا أو بعيدا.

و بنات الأخ و بنات الأخت، تتناول القربى و البعدى.

وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ: سمّاهما أمّا و أختا، لأنّه‏

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «1»-: يحرم من الرّضاعة ما يحرم من النّسب.

و قال‏ «2»: للرّضاع لحمة كلحمة النّسب، فعمّ التحرّيم.

وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ‏: و إن علون.

وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ‏، أي: دخلتم بهنّ في السّتر، و هي كناية عن الجماع.

و الرّبائب، جمع ربيبة. و الرّبيب، ولد المرأة من آخر، سمّي به لأنّه يربّه كما يربّ ولده في غالب الأمر، فعيل، بمعنى: مفعول. و إنّما لحقه التّاء، لأنّه صار اسما.

و اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ‏ صفة لها. و فائدتها تقوية العلّة و تكميلها، و المعنى: أنّ الرّبائب إذا كانت في احتضانكم قوي الشّبهة بينهما و بين أولادكم، فصارت أحقّاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة.

و اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ‏ صفة للنّساء. و الثّاني مقيّدة للّفظ و الحكم، و لا يجوز أن يكون صفة للنّسائين، لأنّ عاملهما مختلف.

فالحاصل من مضمون الآية، أنّ أمّهات النّساء حرام مطلقا دخل بالنّساء أم لم يدخل إذا عقد عليها، و لا يحرم بنات النّساء إلّا إذا دخل بالأمّهات.

ففي من لا يحضره الفقيه، و التّهذيب‏ «3»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-: إذا تزوّج الرّجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأمّ، فإذا لم يدخل بالأمّ فلا بأس أن يتزوّج بالابنة. و إذا تزوّج الابنة فدخل بها أو لم يدخل بها فقد حرمت عليه الأمّ.

و قال- عليه السّلام-: الربائب [عليكم‏] «4» حرام كنّ في الحجر أو لم يكن.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 212.

(2) الكشاف 1/ 494.

(3) لا يوجد في من لا يحضره الفقيه، بل في الاستبصار 3/ 157، ح 570 و في التهذيب 7/ 273، ح 1166.

(4) من «التهذيب».

 

363
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

و

في رواية أخرى قال‏ «1»: الربائب [عليكم‏] «2» حرام مع الأمّهات الّتي قد دخلتم‏ «3» بهنّ [هنّ‏] «4» في الحجور و غير الحجور [سواء] «5» و الأمّهات مبهمات دخل بالبنات أم لم يدخل بهنّ [فحرّموا و أبهموا ما أبهم اللّه.] «6»

فما ورد عنهم- عليهم السّلام- بخلاف ذلك محمول على التقيّة لموافقته العامّة و مخالفته القرآن.

و في الكافي‏ «7»: [محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «8»، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الرّبيع قال: سئل أبو عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل تزوّج امرأة فمكث أيّاما معها لا يستطيعها «9»، غير أنّه قد رأى منها ما يحرم على غيره ثمّ يطلّقها، أ يصلح له أن يتزوّج ابنتها؟

فقال: لا يصلح له و قد رأى من أمّها ما رأى.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم‏ «10»، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن رجل كانت له جارية فعتقت فتزوّجت فولدت، أ يصلح لمولاها الأوّل أن يتزوّج ابنتها؟

قال: هي حرام عليه، و هي ابنته، و الحرّة و المملوكة في هذا سواء [ثم‏] «11» قرأ هذه الآية: وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «12»، عن ابن محبوب، عن العلا بن رزين، عن‏

______________________________
(1) الاستبصار 3/ 156، ح 569+ التهذيب 7/ 273، ح 1165. و هذا الحديث، أيضا، غير موجود في من لا يحضره الفقيه.

و في التهذيب بعد ذكر السند: «أنّ عليّا- عليه السّلام- كان يقول ...

(2) من «التهذيب».

(3) هكذا في التهذيب. و في النسخ: دخل.

4 و 5 و 6- من «التهذيب».

(7) يوجد في أبعد هذا العنوان:

«عن أبي الحسن- عليه السّلام- أنه سئل عن الرجل يتزّوج المرأة متعة أ يحل له أن يتزوّج ابنتها؟ قال لا»

و هو مشطوب في الأصل و غير موجود في ر. و الحديث في الكافي 5/ 422، رقم 2.

(8) الكافي 5/ 423، ح 5.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: «لاستمتعها» بدل «معها لا يستطيعها».

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: معلّى بن الحكم.

(11) من المصدر.

(12) نفس المصدر 5/ 433، ح 10.

 

364
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- مثله.

أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد «1»، عن النّضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في الرّجل يكون له الجارية يصيب منها، أ يصلح له‏ «2» أن ينكح ابنتها؟

قال: لا، هي مثل قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ.

أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار «3»، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت:] «4» رجل طلّق امرأته فبانت منه، و لها ابنة مملوكة فاشتراها، أ يحلّ له أن يطأها؟

قال: لا.

و عن الرّجل يكون عنده المملوكة و ابنتها فيطأ إحداهما فتموت و تبقى الأخرى، أ يصلح له أن يطأها؟

قال: لا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: أنّ الخوارج زعمت، أنّ الرّجل إذا كانت لأهله بنت و لم يربّها و لم تكن في حجره حلّت له لقول اللّه: اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ‏ ثمّ قال الصّادق- عليه السّلام-: لا تحلّ له.

فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ‏: تصريح بعد إشعار، دفعا للقياس.

[في الكافي‏ «6»: أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور بن حازم قال‏: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فأتاه رجل، فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها، يتزوّج بأمّها؟

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: قد فعله رجل منّا «7» فلم نر به بأسا.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 12.

(2) المصدر: «أله» بدل «أ يصلح له».

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 13.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) تفسير القمي 1/ 135.

(6) الكافي 5/ 422، ح 4.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: بنا.

 

365
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

فقلت: جعلت فداك، ما تفخر الشّيعة إلّا بقضاء عليّ- عليه السّلام- في هذه الشّمخيّة «1» الّتي أفتاها ابن مسعود، أنّه لا بأس بذلك، ثمّ أتى عليّا- عليه السّلام- فسأله، فقال له عليّ- عليه السّلام-: من أين أخذتها؟ فقال: من قول اللّه- عزّ و جلّ-:

و رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ‏ فقال عليّ- عليه السّلام-: إنّ هذه مستثناة، و هذه مرسلة و أمّهات نسائكم.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- [للرّجل:] «2» أما تسمع ما يروى هذا عن عليّ- عليه السّلام-؟

فلمّا قمت ندمت و قلت: أيّ شي‏ء صنعت، يقول: قد فعله رجل منّا فلم نر به بأسا، و أقول أنا: قضى عليّ‏ «3»- عليه السّلام- فيها، فلقيته بعد ذلك فقلت: جعلت فداك، مسألة الرّجل إنّما كان الّذي قلت يقول كان زلّة منّي، فما تقول فيها؟

فقال: يا شيخ، تخبرني أنّ عليّا- عليه السّلام- قضى بها و تسألني ما تقول فيها؟

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «4»، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج و حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: الأمّ و الابنة سواء إذا لم يدخل بها [، يعني:] «5» إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها فإنّه إن شاء تزوّج أمّها و إن شاء تزوّج ابنتها.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏ «6»، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن الرّجل يتزوّج المرأة متعة، أ يحلّ له أن يتزوّج ابنتها؟

قال: لا.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «7»، عن عليّ بن الحكم، عن العلا بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: سألته عن رجل تزوّج امرأة فنظر [إلى رأسها و إلى‏] «8» بعض جسدها، أ يتزوّج ابنتها؟

قال: لا، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوّج ابنتها.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: في الشمخة.

(2) من المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: عليّا.

(4) نفس المصدر 5/ 421- 422، ح 1.

(5) من المصدر.

(6) نفس المصدر 5/ 422، ح 2.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

(8) من المصدر.

366
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

فقال: قد ذكرنا من ما ورد عنهم- عليهم السّلام- بخلاف ما يدلّ عليه ظاهر القرآن و الأخبار الصّحيحة، محمول على التّقيّة لموافقة العامّة و مخالفة القرآن، و قد ردّ شيخ الطّائفة في «التّهذيب» «1» الأحاديث المتضّمنة لعدم تحريم الأمّ بدون الدّخول بالنّسبة للشّذوذ و لمخالفة ظاهر الكتاب قال: و كلّ حديث ورد هذا المورد فإنّه لا يجوز العمل به، لأنّه‏

ورد عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و عن الأئمّة- عليهم السّلام- أنّهم قالوا: إذا جاءكم عنّا حديث فاعرضوه على كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه فخذوه و ما خالفه فاطرحوه أو ردّوه علينا.] «2»

وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ‏: زوجاتهم، سمّيت الزّوجة حليلة لحلّها أو لحلولها مع الزّوج.

الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ‏: احتراز عن المتبنّى لا عن أبناء الولد، فإنّهم الأولاد للصّلب فيشملونهم و إن سفلوا.

في الكافي، و التّهذيب‏ «3»: عن الصّادق- عليه السّلام- في الرّجل تكون عنده الجارية يجرّدها و ينظر إلى جسدها نظر شهوة [و ينظر منها إلى ما يحرم على غيره،] «4» هل تحلّ لأبيه؟ و إن فعل [ذلك‏] «5» أبوه هل تحلّ لابنه؟

قال: إذا نظر إليها نظر شهوة و نظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحلّ لابنه، و إن فعل ذلك الابن لم تحلّ لأبيه‏ «6».

و في الكافي‏ «7»، عن الباقر- عليه السّلام- في حديث: هل كان [يحلّ‏] «8» لرسول اللّه [نكاح‏] «9» حليلتي الحسن و الحسين- عليهما السّلام- «10» فإن قالوا: نعم، كذبوا و فجروا، و إن قالوا: لا، فهما ابناه لصلبه.

______________________________
(1) التهذيب 7/ 275.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) لا يوجد في الكافي. و لكن في التهذيب 8/ 212، ح 758 و كذلك في الاستبصار 3/ 212، ح 769 و في من لا يحضره الفقيه 3/ 260، ح 1235.

4 و 5- من التهذيب.

(6) هكذا في التهذيب. و في النسخ: للأب.

(7) الكافي 8/ 318، ضمن حديث 501.

(8) من المصدر و أ.

(9) من المصدر.

(10) المصدر: «حليلتيهما» بدل «حليلتي الحسن و الحسين- عليهما السّلام-.»

367
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

و في هذا الخبر دلالة، على أنّ ولد البنت ولد الصّلب، و حليلته تحرم على الجدّ. و في الخبر الأوّل دلالة، على تحريم حليلة الابن و إن لم يدخل بها الابن.

وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ‏: في موضع الرّفع، عطفا على المحرّمات. و الحرمة غير مقصورة على النّكاح، بل يشمل النّكاح و ملك اليمين.

[و في كتاب علل الشّرائع‏ «1»: بإسناده إلى مروان بن دينار قال: قلت لأبي إبراهيم- عليه السّلام-: لأيّ علّة لا يجوز للرّجل أن يجمع بين الأختين في عقد واحد «2»؟

فقال: لتحصين الإسلام، و في سائر الأديان‏ «3» ترى ذلك.] «4»

و في الكافي‏ «5»، عن الصّادق- عليه السّلام- في رجل طلّق امرأته أو اختلعت أو بارأت‏ «6»، أ له أن يتزوّج بأختها؟ قال:

[فقال:] «7» إذا برأت عصمتها و لم يكن عليها رجعة فله أن يخطب أختها.

قال: و سئل عن رجل‏ «8» كانت عنده أختان مملوكتان، فوطئ إحداهما ثمّ وطئ الأخرى؟

قال: إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى‏ «9»، حتّى تموت الأخرى.

قلت: أ رأيت إن باعها، أ تحلّ له الأولى؟

قال: إن كان يبيعها لحاجة و لا يخطر على قلبه من الأخرى شي‏ء فلا أرى بذلك بأسا، و إن كان إنّما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا، و لا كرامة.

و في التّهذيب‏ «10»: عنه، عن أبيه- عليهما السّلام- في أختين مملوكتين تكونان‏

______________________________
(1) علل الشرائع/ 498، ح 1.

(2) «في عقد واحد» ليس في المصدر.

(3) المصدر: «سائر الأديان» بدل «و في سائر الأديان».

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) الكافي 5/ 432، ح 7. و فيه: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-.

(6) المصدر: بانت.

(7) من المصدر.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «و في رجل» بدل «قال: و سئل عن رجل».

(9) ليس في المصدر.

(10) التهذيب 7/ 289، ح 1215. و فيه: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام. قال: قال محمد بن علي- عليهما السّلام- ...

 

368
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

عند الرّجل جميعا.

قال: قال عليّ- عليه السّلام-: أحلتهما آية و حرّمتهما آيه أخرى، و أنا أنهى عنهما نفسي و ولدي‏

(انتهى.) و الآية المحلّلة قوله سبحانه: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ‏ و الآية المحرّمة هي قوله- عزّ و جلّ-: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ‏.

و جعل في التهذيب‏ «1» مورد الحلّ الملك، و مورد الحرمة الوطء.

و ممّا يدلّ على أنّ موردهما واحد،

ما رواه فيه‏ «2»: عن الباقر- عليه السّلام- أنّه سئل عمّا يروي النّاس عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها و لا ينهى عنها إلّا نفسه و ولده، فقيل‏ «3»: كيف يكون ذلك؟

قال: أحلّتها آية و حرّمتها [آية] «4» أخرى.

فقيل: هل إلّا أن يكون إحداهما «5» نسخت الأخرى، أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟

فقال: قد بيّن لهم إذ نهى نفسه و ولده.

قيل‏ «6»: ما منعه أن يبيّن ذلك للنّاس؟

قال: خشي أن لا يطاع، و لو أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- ثبتت قدماه أقام الكتاب كلّه و الحقّ كلّه‏

(انتهى.) و وجه، أنّه- عليه السّلام- لم يصرّح بالحقّ، أنّ عثمان رجّح التّحليل في وطء الأختين المملوكتين، كما نقلوا عنه.

إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ‏: استثناء من لازم المعنى، أو منقطع معناه، لكن ما قد سلف مغفور له.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، في ضمن شرح حديث 1215.

(2) نفس المصدر 7/ 463، ح 1856. و فيه بإسناده إلى معمّر بن يحيى بن بسام قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام ...

(3) المصدر: فقلنا.

(4) من المصدر.

(5) المصدر: «فقلنا هل الآيتان تكون إحداهما» بدل «فقيل هل إلّا أن يكون إحداهما».

(6) المصدر: قلنا.

369
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (23)، أي: يغفر لما سلف منهم قبل الإسلام من الجمع بين الأختين، فإنّ الإسلام يجبّ ما قبله.

[و في كتاب الخصال‏ «1»: عن موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- أنّه قال‏: سئل أبي- عليه السّلام- عمّا حرّم اللّه تعالى من الفروج في القرآن، و عمّا حرمه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في سنّته؟

فقال: الّذي حرم اللّه من ذلك أربعة و ثلاثين وجها، سبعة عشر في القرآن و سبعة عشر في السّنّة، فأمّا الّتي في القرآن فالزّنا، قال اللّه تعالى: وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ و نكاح امرأة الأب، قال اللّه- تعالى-: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ و أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ‏ و الحائض حتّى تطهر، قال اللّه- عزّ و جلّ-:

وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ‏ و النّكاح في الاعتكاف، قال اللّه- عزّ و جلّ-:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ.

فأمّا الّتي في السّنّة، فالمواقعة في شهر رمضان نهارا، و تزويج‏ «2» الملاعنة بعد اللّعان، و التّزويج في العدّة، و المواقعة في الإحرام، و المحرم يتزوّج أو يزوّج، و المظاهر قبل أن يكفّر، و تزويج المشركة، و تزويج الرّجل امرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات، و تزويج [الأمة] «3» على الحرّة، و تزويج الذّمّيّة على المسلمة، و تزويج المرأة على عمّتها و خالتها، و تزويج الأمة من غير إذن مولاها، و تزويج الأمة على من‏ «4» يقدر على تزويج الحرّة، و الجارية من السّبي [قبل القسمة،] «5» و الجارية المشركة «6»، و الجارية المشتراة «7» قبل أن يستبرئها «8»، و المكاتبة الّتي قد أدّت بعض المكاتبة.] «9»

______________________________
(1) الخصال/ 532- 533، ح 10.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: التزويج.

(3) من المصدر.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: «لمن» بدل «على من».

(5) من المصدر.

(6) المصدر: المشتركة.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: المسترابة.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: يسبر بها.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

370
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ: ذوات الأزواج، أحصنهنّ التّزويج أو الازدواج.

و قرأ الكسائيّ في جميع القرآن غير هذا الحرف، بكسر الصّاد، لأنهنّ أحصن فروجهنّ.

و في من لا يحضره الفقيه، و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام-:

هنّ ذوات الأزواج.

إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ‏: من اللائي سبين و لهنّ أزواج كفّار، فإنّهنّ حلائل للسّابين، و النّكاح مرتفع بالسّبي.

كما

في مجمع البيان‏ «2»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام‏: و اللائي اشترين و لهنّ أزواج، فإنّ بيعهنّ طلاقهنّ.

كما

في الكافي‏ «3»، عن الصّادق- عليه السّلام- في عدّة روايات: و اللائي تحت العبيد، فيأمرهم مواليهم بالاعتزال و يستبرءوهنّ ثمّ يمسّوهنّ بغير نكاح.

و فيه‏ «4»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.

قال: هو أن يأمر الرّجل عبده و تحته أمته، فيقول له: اعتزل امرأتك و لا تقربها، ثمّ‏ «5» يحبسها «6» عنه حتّى تحيض، ثمّ يمسّها، فإذا حاضت بعد مسّه إيّاها ردّها عليه بغير نكاح.

كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏: مصدر لفعل محذوف، أي: كتب اللّه عليكم تحريم هؤلاء كتابا.

و قرئ: «كتب اللّه» بالجمع و الرّفع، أي: هذه فرائض اللّه عليكم. و «كتب‏

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 3/ 276، ح 1313 و له تتمة، تفسير العياشي 1/ 232- 233، ح 81.

(2) مجمع البيان 2/ 31.

(3) الكافي 5/ 481، في باب الرجل يزوّج عبده أمته ثم يشتهيها.

(4) نفس المصدر 5/ 481، ح 2.

(5) المصدر و أ: حتى.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: يجنبها.

371
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

اللّه» بلفظ الفعل‏ «1».

وَ أُحِلَّ لَكُمْ‏: عطف على الفعل المضمر الّذي نصب «كتاب اللّه».

و قرأ حمزة و الكسائيّ و حفص عن عاصم، على البناء للمفعول، عطفا على «حرّمت» «2».

ما وَراءَ ذلِكُمْ‏: سوى المحرّمات الثّمان المذكورة و خرج عنه بالسّنّة ما في معنى المذكورات، كسائر محرّمات الرّضاع، و الجمع بين المرأة و عمّتها و خالتها بغير إذنهما.

في الكافي‏ «3»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن عليّ بن فضّال‏ «4»، عن ابن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لا تزوّج ابنة الأخ و لا ابنة الأخت على العمّة و لا على الخالة إلّا بإذنهما، و تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت بغير إذنهما.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «5»، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- قال‏: لا تنكح المرأة على عمّتها و لا خالتها، إلّا بإذن العمّة و الخالة.

و في تهذيب الأحكام‏ «6»: محمّد بن يحيى، عن بنان بن محمّد، عن موسى بن القاسم، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر- عليه السّلام- قال‏: سألته عن امرأة تزوّجت‏ «7» على عمّتها و خالتها؟

قال: لا بأس، و قال: تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأخت، و لا تزوّج بنت الأخ و الأخت على العمّة و الخالة إلّا برضا منهما، فمن فعل فنكاحه باطل.

و أمّا

ما رواه في غوالي اللئالي‏ «8»، عن عليّ بن جعفر قال: سألت أخي موسى- عليه السّلام- عن الرّجل يتزوّج المرأة على عمّتها أو خالتها؟

قال: لا بأس، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ‏

فمحمول‏

______________________________
1 و 2- أنوار التنزيل 1/ 213.

(3) الكافي 5/ 424، ح 1.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: «الحسين بن عليّ بن فضّال». و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 297، رقم 2670.

(5) الكافي 5/ 424، ح 2.

(6) تهذيب الأحكام 7/ 333، ح 1368.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: تزوّج.

(8) غوالي اللئالي 3/ 328، ح 201.

372
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

على أنّه إذا كان التّزوّج بإذنهما.

أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ‏: مفعول له، و المعنى: أحلّ لكم ما وراء ذلكم، إرادة أن تبتغوا النساء بأموالكم بالصّرف في مهورهنّ أو أثمانهنّ في حال كونكم محصنين غير مسافحين.

و يجوز أن لا يقدّر مفعول «تبتغوا» و كأنّه قيل: إرادة أن تصرفوا أموالكم محصنين غير مسافحين.

أو بدل من «ما وراء ذلكم» بدل الاشتمال.

و الإحصان، العفّة، لأنّها تحصن النّفس عن اللّوم و العقاب.

و السّفاح، الزّنا. من السّفح، و هو صبّ المنيّ. فإنّه الغرض منه.

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ‏: فمن تمتّعتم به من المنكوحات، أو فما استمتعتم به منهنّ من جماع أو عقد عليهنّ.

فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ‏: مهورهنّ. سمّي أجرا، لأنّه في مقابلة الاستمتاع.

فَرِيضَةً: حال من الأجور، بمعنى: مفروضة. أو صفة مصدر محذوف، أي: إيتاء مفروضا. أو مصدر حذف عامله، أي: فرض ذلك الإيتاء فريضة، ناب عن فعله.

و في الكافي‏ «1»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن حريز، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه قال: سمعت أبا حنيفة يسأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن المتعة.

فقال: [عن‏] «2» أيّ المتعتين تسأل؟

فقال‏ «3»: سألتك عن متعة الحجّ، فأنبئني عن متعة النّساء، أحقّ هي‏ «4»؟

فقال: سبحان اللّه، أما قرأت‏ «5» كتاب اللّه- عزّ و جلّ- فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً.

فقال أبو حنيفة: و اللّه لكأنّها «6» آية لم أقرأها قطّ.

______________________________
(1) الكافي 5/ 449، ح 6.

(2) من ر.

(3) المصدر: قال.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: «هي أحقّ» بدل «أحقّ هي».

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: تقرأ.

(6) المصدر: فلكأنّها.

373
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «1» و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن المتعة.

فقال نزلت في القرآن: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً

«2».

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «3»، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّما نزلت: فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة.

[عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «4»، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ.

فقال: ما تراضوا به من بعد النّكاح فهو جائز، و ما كان قبل النّكاح فلا يجوز إلّا برضاها و بشي‏ء يعطيها فترضى به.] «5»

و في تفسير العيّاشيّ‏ «6»: عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: كان يقرأ فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة «7» [فقال: هو أن يتزوّجها «8» إلى أجل ثمّ يحدث شيئا بعد الأجل.

عن عبد اللّه بن سلام‏ «9»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت له: ما تقول في المتعة؟

قال: قول اللّه: فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة إلى أجل مسمى و لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة

______________________________
(1) نفس المصدر 5/ 448، ح 1.

(2) ذكر في المصدر بقية الآية إلى «من بعد الفريضة».

(3) نفس المصدر 5/ 449، ح 3.

(4) نفس المصدر 5/ 456، ح 2.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) تفسير العياشي 1/ 234، ح 87.

(7) ذكر في المصدر بقية الآية إلى «من بعد الفريضة».

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «تزوّجها» بدل «يتزوّجها إلى».

(9) نفس المصدر و الموضع، صدر حديث 88. و فيه: «عن عبد السلام» بدل «عن عبد اللّه بن سلام». و يمكن أن يكون كلاهما صحيح. لأنّ كلاهما من أصحاب الصادق- عليه السّلام-.

 

374
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

قال: قلت: جعلت فداك، هي من الأربع؟

قال: ليست من الأربع، إنّما هي إجارة «1».] «2»

و فيه‏ «3»: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- [قال:] «4» قال جابر بن عبد اللّه عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أنّهم غزوا معه فأحلّ [لهم‏] «5» المتعة و لم يحرّمها، و كان عليّ- عليه السّلام- يقول: لولا ما سبقني به ابن الخطّاب، يعني: عمر، مازنى إلّا شقيّ [و كان ابن عبّاس يقول: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى» يقول: إذا «6» اتيتموهنّ‏ «7» أجورهنّ [فريضة،] «8» و هؤلاء يكفرون بها و رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أحلّها و لم يحرّمها.] «9»

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ: من زيادة في المهر، أو الأجل، أو نقصان فيهما، أو غير ذلك، ممّا لا يخالف الشّرع.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «10»: عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في المتعة قال:

نزلت هذه [الآية:] «11» فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ قال: لا بأس بأن تزيدها و تزيدك إذا انقطع الأجل فيما بينكما، تقول: استحللتك بأجل آخر، برضا منها و لا تحلّ لغيرك حتّى تنقضي عدّتها، و عدّتها حيضتان.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً: بالمصالح.

حَكِيماً (24): فيما شرّع من الأحكام.

في الكافي‏ «12»: عن الصّادق- عليه السّلام-: المتعة نزل بها القرآن و جرت بها السّنّة من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: الاجارة.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) نفس المصدر 1/ 233، ح 85.

(4) من المصدر.

(5) من المصدر.

(6) «يقول إذا» ليس في المصدر.

(7) المصدر: فآتوهنّ.

(8) من المصدر.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(10) تفسير العياشي 1/ 233، ح 86.

(11) من المصدر.

(12) الكافي 5/ 449، ح 5. و فيه: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال ...

375
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 23 الى 24] ص : 362

و

في من لا يحضره الفقيه‏ «1»: عنه- عليه السّلام-: ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا و يستحلّ متعتنا.

و اعلم، أنّ عمر حرّم المتعة، متعة النّساء و متعة الحجّ، بقوله:

متعتان كانتا على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أنا محرّمهما و معاقب عليهما، متعة الحجّ و متعة النّساء. و بقوله: ثلاث كنّ على عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أنا محرمهنّ و معاقب عليهنّ، متعة الحجّ، و متعة النّساء «2»، و حيّ على خير العمل في الأذان‏ «3».

و في الكافي‏ «4»: جاء [عبد اللّه بن‏] «5» عمير اللّيثيّ إلى أبي جعفر- عليه السّلام- فقال له: ما تقول في متعة النّساء؟

فقال: أحلّها اللّه في كتابه و على لسان نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- فهي حلال إلى يوم القيامة.

فقال: يا أبا جعفر، مثلك يقول هذا، و قد حرّمها عمر و نهى عنها.

فقال: و إن كان فعل.

قال: قال: فإنّي أعيذك باللّه من ذلك أن تحلّ شيئا حرّمه عمر.

فقال له: فأنت على قول صاحبك، و أنا على قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فهلمّ ألاعنك، أنّ القول ما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و أنّ الباطل ما قال صاحبك.

قال: فأقبل عبد اللّه بن عمير فقال: يسرّك أنّ نساءك و بناتك و أخواتك و بنات عمّك يفعلنّ.

قال: فأعرض‏ «6» عنه أبو جعفر- عليه السّلام- حين ذكر نسائه و بنات عمّه.

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 3/ 291، ح 1384.

(2) بالنسبة إلى رأي عمر في المتعتين أنظر مقدمة مرآة العقول، للعلّامة السيد مرتضى العسكري، ج 1، اجتهاد الخليفة عمر في المتعتين، ص 200 إلى آخر المجلّد الأوّل+ النصّ و الاجتهاد، للعلامة عبد الحسين شرف الدين الموسويّ، المورد 21، متعة الحج إذ نهى عنها عمر، ص 181 و المورد 22، متعة النساء، ص 187.

(3) راجع النص و الاجتهاد، المورد 23، التصرف في الأذان باشتراع فصل فيه، ص 189 و المورد 24، إسقاط «حيّ على خير العمل» من الأذان و الاقامة، ص 203.

(4) الكافي 5/ 449، ح 4.

(5) من المصدر.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ «ذلك فقال أعرض» بدل «قال فأعرض».

376
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

 

و فيه‏ «1»: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمّد بن النّعمان- صاحب الطّاق- فقال له: يا أبا جعفر، ما تقول في المتعة، أ تزعم أنّها حلال؟

قال: نعم.

قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك يستمتعن و يكتسبن عليك؟

فقال له أبو جعفر: ليس كلّ الصّناعات يرغب فيها و إن كانت حلالا، و للنّاس أقدار و مراتب يرفعون أقدارهم، و لكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ، أ تزعم أنّه حلال؟

فقال: نعم.

قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نبّاذات فيكتسبن عليك؟

فقال أبو حنيفة: واحدة بواحدة، و سهمك أنفذ، ثمّ قال [له:] «2» يا أبا جعفر، إنّ الآية الّتي في سأل سائل تنطق بتحريم المتعة، و الرّواية عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قد جاءت بنسخها.

فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة، إنّ سورة سأل سائل مكّيّة و آية المتعة مدنيّة و روايتك شاذّة رديّة.

فقال أبو حنيفة: و آية الميراث أيضا تنطق بنسخ المتعة.

فقال له أبو جعفر: قد ثبت النّكاح بغير ميراث.

فقال أبو حنيفة: من أين قلت ذلك؟

فقال أبو جعفر: لو أنّ رجلا من المسلمين تزوّج امرأة من أهل الكتاب ثمّ توفّى عنها، ما تقول فيها؟

قال: لا ترث منه.

فقال: فقد ثبت النّكاح بغير ميراث، ثمّ افترقا.

وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا:

غنىً، كذا في مجمع البيان‏ «3»، عن الباقر- عليه السّلام-

و أصله الفضل و الزّيادة.

أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ‏: في موضع النّصب، بفعل مقدّر، صفة

______________________________
(1) نفس المصدر 5/ 450، ح 8.

(2) من المصدر.

(3) مجمع البيان 2/ 33.

 

377
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

 

«لطولا»، أي: من لم يستطع غنى يبلغ به نكاح المحصنات. أو تطوّلا، و جعله بمعنى اعتلاء، أي: من لم يستطع منكم أن يعتلي نكاح المحصنات، أي: الحرائر أحصنتهنّ الحّريّة عن الوطء بغير عقد أو عن الزّنا.

فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ‏، يعني: الإماء المؤمنات.

في الكافي‏ «1»: أبان، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏:

سألته‏ «2» عن الرّجل يتزوّج الأمة؟

قال: لا، إلّا أن يضطّر إلى ذلك.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «3»، عن ابن فضّال، عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لا ينبغي أن يتزوّج الرّجل الحرّ المملوكة اليوم، إنّما كان ذلك حيث قال اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا و الطّول، المهر. و مهر الحرّة اليوم مهر الأمة أو أقلّ.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ‏: فاكتفوا بظاهر الإيمان، فإنّه العالم بالسّرائر، و بتفاضل ما بينكم في الإيمان، فربّ أمة تفضل الحرّة فيه، و من حقّكم أن تعتبروا فضل الإيمان لا فضل النّسب.

و المقصود، تأنيسهم بنكاح الإماء، و منعهم عن الاستنكاف منه.

بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ‏: أنتم و مماليككم متناسبون، نسبكم من آدم و دينكم الإسلام.

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ‏، أي: أربابهنّ.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «4»: روى داود بن الحصين، عن أبي العبّاس البقباق قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: يتزوّج الرّجل بالأمة «5» بغير علم أهلها؟

قال: هو زنا، إنّ اللّه يقول: فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ.

و أمّا

ما رواه في تهذيب الأحكام‏ «6»: «عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

______________________________
(1) الكافي 5/ 360، ح 6.

(2) المصدر: سألت.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 7.

(4) من لا يحضره الفقيه 3/ 286، ح 1361.

(5) المصدر: الأمة.

(6) تهذيب الأحكام 7/ 258، ح 1114.

 

 

378
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

سألته عن الرّجل يتزوّج بأمة بغير إذن مواليها؟

فقال: إن كانت لامرأة فنعم، و إن كانت لرجل فلا»

فمحمول على ما إذا كان التّزوّج بالمتعة.

يدلّ عليه‏

ما رواه فيه‏ «1»: عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

لا بأس أن يتمتّع الرّجل بأمة المرأة، فأمّا [أمة] «2» الرّجل فلا يتمتّع بها إلّا بأمره.

و

ما رواه في الاستبصار «3»: «عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- أ يتمتّع بالأمة بإذن أهلها؟

قال: نعم، إنّ اللّه- تعالى- يقول: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ‏»

محمول على ما إذا كان أهلها رجلا.

وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ‏: بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ‏ فحذف لتّقدّم ذكره. أو إلى مواليهنّ، فحذف للعلم بأنّ المهر للسّيّد، لأنّه عوض حقّه، فيجب أن يؤدّى إليه. و يحتمل أن يكون الإذن في التّزوّج كافيا في إيتاء المهور إليهن، فلا يلزم ارتكاب حذف.

بِالْمَعْرُوفِ‏: من غير مطل و ضرار و نقصان.

مُحْصَناتٍ‏: عفائف.

غَيْرَ مُسافِحاتٍ‏: غير مجاهرات بالسّفاح.

وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ‏: أخلاء في السّرّ.

فَإِذا أُحْصِنَ‏: بالتّزويج.

و قرأ أبو بكر و حمزة و الكسائيّ، بفتح الهمزة و الصّاد. و الباقون، بضمّ الهمزة و كسر الصّاد «4».

فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ: زنا.

فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ‏، يعني: الحرائر. و قد سبق بهذا المعنى أيضا.

مِنَ الْعَذابِ‏، يعني: الحدّ، كما قال تعالى‏ «5»: وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 1115.

(2) من المصدر.

(3) الاستبصار 3/ 146، ح 531.

(4) أنوار التنزيل 1/ 214.

(5) النور/ 2.

379
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

و في الآية دلالة، على أنّ الأمة لا ترجم، لأنّ الرّجم لا ينتصف.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»، يعني به: الإماء و العبيد إذا زنيا ضربا نصف الحدّ، فإن عادا «2» فمثل ذلك حتّى يفعلوا ذلك ثماني مرّات، ففي الثّامنة يقتلون.

قال الصّادق- عليه السّلام-: و إنّما صار يقتل في الثّامنة، لأنّ اللّه رحمه أن يجمع عليه ربق الرّقّ و حدّ الحرّ.

و في الكافي‏ «3»- ما في معناه- عن الصّادق- عليه السّلام- و عن الباقر- عليه السّلام-. في الأمة تزني، قال: تجلد نصف حدّ الحرّة «4»، كان لها زوج أو لم يكن لها زوج.

و في رواية «5»: لا ترجم و لا تنفى.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «6»: عن القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ [مِنَ الْعَذابِ‏] «7».

قال: يعني: نكاحهنّ‏ «8» إذا أتين بفاحشة.

عن عبد اللّه بن سنان‏ «9»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه في الإماء إذا أحصن، قال: إحصانهنّ أن يدخل بهنّ.

قلت: فإن لم يدخل بهنّ فأحدثن حدثا، هل عليهنّ حدّ؟

قال: نعم، نصف الحرّ، فإن زنت و هي محصنة فالرّجم.

عن محمّد بن مسلم‏ «10»، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه في‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 136.

(2) المصدر: «فمن عاد» بدل «فان عادا».

(3) الكافي 7/ 234، ح 4+ نفس المصدر 7/ 237، ح 19.

(4) المصدر: الحرّ.

(5) نفس المصدر 7/ 238، ح 23. و فيه: لا يرجم و لا ينفى.

(6) تفسير العياشي 1/ 235، ح 96.

(7) من المصدر.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: نكلوهن.

(9) نفس المصدر و الموضع، ح 94.

(10) نفس المصدر و الموضع، ح 93.

 

380
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

الإماء إذا أحصن، ما إحصانهنّ؟

قال: يدخل بهنّ.

قلت: و إن لم يدخل بهنّ، ما عليهنّ حدّ؟

قال: بلى.

عن عبد اللّه بن سنان‏ «1»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن المحصنات من الإماء.

قال: هنّ المسلمات.

عن حريز «2» قال‏: سألته عن المحصن؟

فقال: الّذي عنده ما يغنيه.

] «3» ذلِكَ‏، أي: نكاح الإماء.

لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏، لمن خاف الوقوع في الزّنا. و هو في الأصل انكسار العظم بعد الجبر، مستعار لكلّ مشقّة و ضرر، و لا ضرر أعظم من مواقعة الإثم بأفحش القبائح.

و قيل‏ «4»: المراد به الحدّ، و هذا شرط آخر لنكاح الإماء.

[و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن عبّاد بن صهيب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لا ينبغي للرّجل المسلم أن يتزوّج من الإماء إلّا من خشي العنت، و لا يحلّ له من الإماء إلّا واحدة.

] «6» وَ أَنْ تَصْبِرُوا، أي: و صبركم عن نكاح الإماء متعفّفين.

خَيْرٌ لَكُمْ‏: من نكاح الإماء، لما فيه من المهانة و نقصان حقّ الزّوج.

وَ اللَّهُ غَفُورٌ: لمن لم يصبر، رَحِيمٌ‏ (25): بأن رخّص لهم.

يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ‏: ما تعبّدكم به من الحلال و الحرام، أو ما خفي عنكم من مصالحكم و محاسن أعمالكم.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 92.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 95.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) أنوار التنزيل 1/ 214.

(5) تفسير العياشي 1/ 235، ح 97.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

381
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

و «أن يبيّن» مفعول يريد، و «اللام» مزيدة لتأكيد معنى الاستقبال اللازم للإرادة.

و قيل‏ «1»: المفعول محذوف، و «ليبيّن» مفعول له، أي: يريد الحقّ لأجله.

وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏: مناهج من تقدّمكم من أهل الرّشد، لتسلكوا طريقتهم.

و في أصول الكافي‏ «2»: محمّد عن أحمد، عن عليّ بن النعمان- رفعه- عن أبي جعفر قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: يمصّون الثّماد و يدعون النّهر العظيم.

قيل له: و ما النّهر العظيم؟

قال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و العلم الّذي أعطاه اللّه [، إنّ اللّه‏] «3»- عزّ و جلّ- جمع لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- سنن النبييّن من آدم و هلمّ جرّا إلى محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

قيل له: و ما تلك السّنن؟

قال: علم النّبيّين بأسره و إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- صيّر ذلك كلّه عند أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له رجل: يا بن رسول اللّه، فأمير المؤمنين- عليه السّلام- أعلم أم بعض النّبيين؟

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: اسمعوا [ما يقول،] «4» إنّ اللّه يفتح مسامع من يشاء. إنّي حدّثته‏ «5»: إنّ اللّه جمع لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- علم النّبيّين و إنّه جمع ذلك كلّه عند أمير المؤمنين- عليه السّلام- و هو يسألني: أهو أعلم أم بعض النّبيّين؟

وَ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ‏: و يغفر لكم ذنوبكم، أو يرشدكم إلى ما يمنعكم عن المعاصي و يحثّكم على التّوبة، أو إلى ما يكون كفّارة لسيّئاتكم.

وَ اللَّهُ عَلِيمٌ‏: بها.

حَكِيمٌ‏ (26): في وضعها.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 215.

(2) الكافي 1/ 222، ح 6.

(3) من المصدر.

(4) من المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: حدّثت.

382
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ‏: كرّره للتّأكيد و المبالغة.

وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ‏، يعني: الفجرة. فإنّ اتّباع الشّهوات الائتمار لها، و أمّا المتعاطي لما سوّغه الشّرع منها دون غيره فهو متّبع له في الحقيقة لا لها.

و قيل‏ «1»: المجوس.

و قيل‏ «2»: اليهود، فإنّهم يحلّون الأخوات من الأب و بنات الأخ و الأخت.

أَنْ تَمِيلُوا: عن الحقّ.

مَيْلًا: بموافقتهم، على اتّباع الشّهوات و استحلال المحرّمات.

عَظِيماً (27): بالإضافة إلى من اقترف خطيئة على ندور، غير مستحلّ لها.

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ‏: فلذلك شرّع لكم الشّريعة الحنيفيّة السّمحة السّهلة، و رخّص لكم في المضايق، كإحلال نكاح الأمة عند الاضطرار.

وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (28): لا يصبر عن الشّهوات، و لا يتحمّل مشاقّ الطّاعات.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ‏: بما لم يبحه الشّرع.

في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن الصّادق- عليه السّلام-: عنى بها: القمار، و كانت قريش تقامر الرّجل بأهله و ماله، فنهاهم اللّه عن ذلك.

و في مجمع البيان‏ «4»: عن الباقر- عليه السّلام-: الرّبا و القمار و البخس‏ «5» و الظّلم.

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ‏: استثناء منقطع، أي: و لكن كون تجارة عن تراض غير منهيّ عنه، أو اقصدوا كون تجارة. و تخصيص التّجارة من الوجوه الّتي بها يحلّ تناول مال الغير، لأنّها أغلب و أوفق لذوي المروءات. و يجوز أن يراد بها الانتقال مطلقا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «6»: يعني بها: الشّراء «7» و البيع الحلال.

و قيل‏ «8»: المقصود بالنّهي المنع عن صرف المال فيما لا يرضاه اللّه، و بالتّجارة صرفه‏

______________________________
1 و 2- أنوار التنزيل 1/ 215.

(3) تفسير العياشي 1/ 236، ح 103. و له تتمة.

و فيه: عن محمّد بن عليّ عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ‏ قال: نهى عن القمار ...

(4) مجمع البيان 2/ 37.

(5) المصدر: البخش.

(6) تفسير القمي 1/ 136.

(7) المصدر: الشرى.

(8) أنوار التنزيل 1/ 215.

383
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

فيما يرضاه.

و في الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: الرّجل منّا يكون عنده الشي‏ء يتبلّغ به و عليه دين، أ يطعمه عياله حتّى يأتي اللّه عزّ و جلّ بميسرة فيقضي دينه، أو يستقرض على ظهره في خبث الزّمان و شدّة المكاسب، أو يقبل الصّدقة؟

قال: يقضي بما عنده دينه و لا يأكل من أموال النّاس إلّا و عنده ما يؤدّي إليهم حقوقهم، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ‏ و لا يستقرض على ظهره إلّا و عنده وفاء، و لو طاف على أبواب النّاس فردّوه باللّقمة و اللّقمتين و التّمرة و التمرتين إلّا أن يكون له وليّ يقضي دينه من بعده، ليس منّا من ميّت إلّا جعل اللّه له وليّا يقوم في عدّته و دينه فيقضي عدّته و دينه.

و قرأ الكوفيّون: «تجارة» بالنّصب، على «كان» النّاقصة و إضمار الاسم، أي:

إلّا أن تكون التّجارة، أو الجهة تجارة «2».

وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ‏:

قيل‏ «3»: بالبخع كما يفعله أهل الهند «4»، أو بإلقاء النّفس إلى التّهلكة، أو بارتكاب ما يؤدّي إلى قتلها، أو باقتراف ما يذلّلها و يرديها، فإنّه القتل الحقيقيّ للنّفس.

و قيل‏ «5»: المراد بالأنفس من كان على دينهم، فإنّ المؤمنين كنفس واحدة.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «6»: كان الرّجل إذا خرج مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في الغزو، يحمل على العدوّ وحده من غير أن يأمره رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فنهى اللّه أن يقتل نفسه من غير أمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- «7».

و في مجمع البيان‏ «8»: عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّ معناه: لا تخاطروا بنفوسكم‏

______________________________
(1) الكافي 5/ 95، ح 2.

(2) أنوار التنزيل 1/ 215- 216.

(3) نفس المصدر 1/ 216.

(4) المصدر: جهلة الهند.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) تفسير القمي 1/ 136.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: أمره.

(8) مجمع البيان 2/ 37.

 

384
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 25 الى 30] ص : 377

في القتال، فتقاتلوا من لا تطيقونه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عنه- عليه السّلام-: كان المسلمون يدخلون على عدوّهم في المغارات فيتمكّن منهم عدوّهم فيقتلهم كيف يشاء، فنها هم اللّه تعالى أن يدخلوا عليهم في المغارات.

قيل‏ «2»: «جمع في التّوصية بين حفظ النّفس و المال الّذي هو شقيقها، من حيث أنّه سبب قوامها، استبقاء لهم ريثما تستكمل النّفوس و تستوفي فضائلها، رأفة بهم و رحمة»، كما أشار إليه بقوله:

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29)، أي: أمر ما أمر و نهى عمّا نهى لفرط رحمته عليكم، معناه: أنّه كان بكم- يا أمّة محمّد- رحيما لمّا أمر بني إسرائيل بقتل الأنفس و نهاكم عنه.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن (أمير المؤمنين)- عليه السّلام- قال‏: سألت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عن الجبائر تكون على الكسير، كيف يتوضّأ صاحبها، و كيف يغتسل إذا أجنب؟

قال: يجزئه المسح‏ «4» بالماء عليها في الجنابة و الوضوء.

قلت: و إن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟

فقرأ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً.

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ‏: إشارة إلى ما سبق من المنهيّات، عُدْواناً وَ ظُلْماً: إفراطا في التّجاوز عن الحدّ، و إتيانا بما لا يستحقّه.

و قيل‏ «5»: أراد بالعدوان التّعدّي، و بالظّلم ظلم النّفس بتعريضها للعقاب.

فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً: ندخله إيّاها.

و قرئ، بالتّشديد، من صلّى. و بفتح النّون، من صلاه يصليه. و منه: شاة مصلية.

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 237، ذيل حديث 103. و قد مرّ صدره آنفا.

(2) أنوار التنزيل 1/ 216.

(3) تفسير العياشي 1/ 236، ح 102، بإسقاط لأوّل سنده.

(4) المصدر: المس.

(5) أنوار التنزيل 1/ 216.

385
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

 

و يصليه، بالياء، و الضّمير للّه، أو لذلك، من حيث أنّه سبب الصّلي‏ «1».

وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30): لا عسر فيه، و لا صارف.

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ‏، أي: كبائر الذّنوب الّتى نهاكم اللّه عنها.

و قرئ: كبير، على إرادة الجنس‏ «2».

نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ‏: نغفر لكم صغائركم، و نمحها عنكم.

وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (31): الجنّة، و ما وعدتم من الثّواب. أو إدخالا مع كرامة.

و قرأ نافع هنا و في الحجّ، بفتح الميم، و هو- أيضا- يحتمل المكان و المصدر «3».

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن ميسر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- «5» قال‏: كنت أنا و علقمة الحضرميّ و أبو حسان العجليّ و عبد اللّه بن عجلان ننتظر أبا جعفر- عليه السّلام- فخرج علينا فقال: مرحبا و أهلا، و اللّه [إنّي‏] «6» لأحبّ ريحكم و أرواحكم، و إنّكم لعلى دين اللّه.

فقال علقمة: فمن كان على دين اللّه تشهد أنّه من أهل الجنّة؟

قال: فمكث هنيئة، قال: و نوّروا أنفسكم فإن لم تكونوا اقترفتم الكبائر، فأنا أشهد.

قلنا: و ما الكبائر؟

قال: هي في كتاب اللّه على سبع.

قلنا: فعدّها علينا جعلنا [اللّه‏] «7» فداك.

قال: الشّرك باللّه العظيم، و أكل مال اليتيم، و أكل الرّبا بعد البيّنة، و عقوق الوالدين، و الفرار من الزّحف، و قتل المؤمن، و قذف المحصنة.

قلنا: ما منّا أحد أصاب من هذه شيئا.

قال: فأنتم إذا.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) تفسير العياشي 1/ 237، ح 104.

(5) كذا في المصدر و النسخ. و الظاهر أن «عن أبي جعفر- عليه السّلام-» زائدة. تلاحظ.

(6) من المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: قال.

 

386
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

 

و في كتاب ثواب الأعمال‏ «1»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثني سعد بن عبد اللّه، عن موسى بن جعفر بن وهب البغداديّ، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عمر الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ‏؟

قال: من اجتنب ما أوعد «2» اللّه عليه النّار إذا كان مؤمنا كفّر اللّه عنه سيّئاته و يدخله مدخلا كريما، و الكبائر السّبع الموجبات: قتل النّفس الحرام، و عقوق الوالدين، و أكل الرّبا، و التّعرّب بعد الهجرة، و قذف المحصنة، و أكل مال اليتيم، و الفرار من الزّحف.

و بإسناده إلى محمّد بن الفضل‏ «3»، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في هذه الآية «4»، قال: من اجتنب ما أوعد اللّه عليه النّار إذا كان مؤمنا كفّر عنه سيئاته.

و في كتاب التّوحيد «5»: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ‏ «6»- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير قال: سمعت موسى بن جعفر- عليهما السّلام- يقول‏: لا يخلّد اللّه في النّار إلّا أهل الكفر و الجحود و أهل الضّلال و الشّرك، و من اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصّغائر.

[و في أصول الكافي‏ «7»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن أبي جميلة، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً قال: الكبائر الّتي‏

______________________________
(1) ثواب الأعمال/ 159.

(2) المصدر: وعد.

(3) المصدر: «محمد بن الفضيل». و في أصحاب الرضا- صلوات اللّه عليه- يوجد اثنان «محمد بن الفضل»، الأوّل محمد بن الفضل الأزديّ الكوفيّ (ر. تنقيح المقال 3/ 171، رقم 11230) و الثاني محمد بن الفضل بن عمر (ر. نفس المصدر و الموضع، رقم 11236). و أمّا بالنسبة إلى محمد بن الفضيل بن كثير الأزدي الكوفي فيه اختلاف. عدّه تارة من اصحاب الصادق- عليه السّلام- و تارة من أصحاب الكاظم- عليه السّلام- و أخرى من أصحاب الرضا- عليه السّلام- و اللّه العالم. (ر. نفس المصدر 3/ 172، رقم 11247)

(4) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(5) التوحيد/ 407، ح 6. و له تتمة.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «أحمد بن زياد بن حفص الهمداني» و الظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 61، رقم 365.

(7) الكافي 2/ 276، ح 1.

 

 

387
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

أوجب اللّه- عزّ و جلّ- عليها النّار.

و في نهج البلاغة «1»: قال- عليه السّلام-: و مباين بين محارمه من كبير أوعد عليه نيرانه‏ «2» أو صغير أرصد [له‏] «3» غفرانه.

و في روضة الكافي‏ «4»: عليّ بن محمّد، عن عليّ بن عبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن‏ «5»، عن منصور، عن حريز بن عبد اللّه‏ «6»، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال‏: أما و اللّه- يا فضيل- ما للّه- عزّ و جلّ- حاجّ غيركم، و لا يغفر الذّنوب إلّا لكم، و لا يقبل إلّا منكم، و إنكم لأهل هذه الآية: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «7»: و قال الصّادق- عليه السّلام-: من اجتنب الكبائر كفّر اللّه عنه جميع ذنوبه، و في ذلك قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.

] «8»

و في الكافي‏ «9»: عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سأله [عبيد بن‏] «10» زرارة عن الكبائر؟

فقال: هنّ في كتاب عليّ- عليه السّلام- سبع: الكفر باللّه، و قتل النّفس، و عقوق الوالدين، و أكل الرّبا بعد البيّنة، و أكل مال اليتيم ظلما، و الفرار من الزّحف، و التّعرّب بعد الهجرة.

قال: قلت: فهذا أكبر المعاصي؟

قال: نعم.

قلت: فأكل درهم من مال يتيم ظلما أكبر أم ترك الصّلاة؟

______________________________
(1) نهج البلاغة/ 45، ذيل خطبة 1.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: نيران.

(3) من المصدر.

(4) الكافي 8/ 288- 289، ضمن حديث 434.

(5) المصدر: «عليّ بن الحسن» بدل «عليّ بن عباس عن الحسن بن عبد الرحمن».

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «حريز عن عبد اللّه». و الظاهر هي خطأ.

(7) من لا يحضره الفقيه 3/ 376، ح 1781.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(9) الكافي 2/ 278، ح 8. و فيه بإسناده إلى عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- ...

(10) بدلالة المصدر، كما مرّ.

 

388
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

قال: ترك الصّلاة.

قلت: فما عدّدت ترك الصّلاة في الكبائر.

فقال: أيّ شي‏ء أوّل ما قلت لك؟

[قال:] «1» قلت: الكفر.

قال: فإنّ تارك الصّلاة كافر، يعني: من غير علّة.

و في معاني الأخبار «2»: عن الصّادق- عليه السّلام-: المتعرّب بعد الهجرة، التّارك لهذا الأمر بعد معرفته.

و في بعض الأخبار عُدّت أشياء أخر غير ما ذكر من الكبائر، كالإشراك باللّه، و اليأس من روح اللّه، و الأمن من مكر اللّه، و السّحر، و الزّنا، و اليمين الغموس الفاجر، و الغلول، و شهادة الزّور، و كتمان الشّهادة، و شرب الخمر، و ترك الصّلاة و الزّكاة المفروضتين، و نقض العهد، و قطيعة الرّحم، و اللّواط، و السّرقة، إلى غير ذلك‏ «3».

و عن ابن عبّاس‏ «4»: إنّ الكبائر إلى السّبعمائة أقرب منها إلى السّبع.

و في مجمع البيان‏ «5»: نسب إلى أصحابنا، أنّ المعاصي كلّها كبيرة [من حيث كانت قبائح،] «6» لكنّ بعضها أكبر من بعض، و ليس في الذّنوب صغيرة و إنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر «7»، و استحقاق‏ «8» العقاب عليه أكثر.

قيل‏ «9»: و توفيقه مع الآية أن يقال: من عنّ له أمران، و دعت نفسه إليهما، بحيث لا يتمالك، فكفّها عن أكبرهما، كفّر عنه ما ارتكبه، لما استحقّ من الثّواب على اجتناب الأكبر، كما إذا تيسّر له النّظر بشهوة و التّقبيل، فاكتفى بالنّظر عن التّقبيل. و لعلّ هذا ممّا يتفاوت- أيضا- باعتبار الأشخاص و الأحوال، فإنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،

______________________________
(1) من المصدر.

(2) معاني الأخبار/ 265، باب معنى التعرب بعد الهجرة، ح 1، بإسناده إلى حذيفة بن منصور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: ...

(3) كلّها مذكورة في من لا يحضره الفقيه 3/ 366- 376.

(4) أنوار التنزيل 1/ 216.

(5) مجمع البيان 2/ 38.

(6) من المصدر.

(7) المصدر: اكبر منه.

(8) المصدر: يستحقّ.

(9) تفسير الصافي 1/ 412.

389
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

و يؤاخذ المختار بما يعفى عن المضطرّين.

و يردّ على هذا التّوفيق‏ «1»: أنّ من قدر على قتل أحد، فقطع أطرافه، كان قطع أطرافه مكفّرا. و ما نسبه في مجمع البيان إلى أصحابنا لا مستند له، و ظاهر الآية و الأخبار الواردة في تفسيرها و تفسير الكبائر، يعطي تمايز كلّ من الصّغائر و الكبائر عن صاحبها.

[و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ‏ «2»: قال: حدّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ معنعنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: أكبر الكبائر سبع: الشّرك باللّه العظيم، و قتل النّفس الّتي حرّم اللّه، و أكل أموال اليتامى، و عقوق الوالدين، و قذف المحصنات، و الفرار من الزّحف، و إنكار ما أنزل اللّه.

فأمّا الشّرك باللّه- عزّ و جلّ- العظيم، فقد بلغكم ما أنزل اللّه فينا و ما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فردّوا على اللّه و على رسوله.

و أمّا قتل النّفس الحرام، فقتل الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- و أصحابه- رحمهم اللّه تعالى- و أمّا أكل أموال اليتامى، فقد ظلموا فيئنا و ذهبوا به.

و أمّا عقوق الوالدين، فقد قال اللّه- تعالى- في كتابه: النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ‏ فهو أب لهم، فعقّوه‏ «3» في ذرّيّته و في قرابته.

و أمّا قذف المحصنة، فقد قذفوا فاطمة الزّهراء بنت النّبيّ و زوجة الوليّ- عليهم السّلام و التّحيّة و الإكرام‏ «4»- على منابرهم.

و أمّا الفرار من الزّحف، فقد أعطوا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- البيعة طائعين غير كارهين ثمّ فرّوا عنه و خذلوه.

و أمّا إنكار ما أنزل اللّه، فقد أنكروا حقّنا و جحدوا به، هذا ما لا يتعاجم فيه أحد، إنّ اللّه- تعالى- يقول في كتابه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً.

] «5».

______________________________
(1) نفس المصدر. و فيه تقديم و تأخير بين المطالب.

(2) تفسير فرات/ 33.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: فعقوا.

(4) المصدر: «فقد قذفوا فاطمة بنت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-» بدل «فقد قذفوا فاطمة الزهراء بنت النبيّ و زوجة الوليّ- عليهم السّلام و التحيّة و الإكرام-.»

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

390
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏: من الأمور الدّنيويّة كالجاه و المال، لأنّه حسد يورث التّعادي و التّباغض.

في مجمع البيان‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام-، أي: لا يقل أحد «2»: ليت ما أعطي فلان من المال و النّعمة و المرأة الحسناء كان لي، فإنّ ذلك حسد «3»، و لكن يجوز أن يقول: اللّهمّ أعطني مثله.

و في كتاب الخصال‏ «4»: عن أبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من تمنّى شيئا و هو للّه- تعالى- رضى لم يخرج من الدّنيا حتّى يعطاه.

و فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه‏ «5»: في كلّ امرئ واحدة من ثلاث:

الكبر و الطّيرة و التّمنّي، فإذا تطيّر أحدكم فليمض على طيرته و ليذكر اللّه- عزّ و جلّ- و إذا خشي الكبر فليأكل مع عبده و خادمه و ليحلب الشّاة، و إذا تمنّى فليسأل اللّه- عزّ و جلّ- و ليبتهل‏ «6» إليه و لا تنازعه‏ «7» نفسه إلى الإثم.

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ‏ بيان لذلك، أي:

لكلّ من الرّجال و النّساء فضل و نصيب بسبب ما اكتسب و من أجله، فاطلبوا الفضل بالعمل لا بالحسد و التّمنّي.

و قيل‏ «8»: المراد، نصيب الميراث، و تفضيل الورثة بعضهم على بعض فيه، و جعل ما قسّم لكلّ منهم على حسب ما عرف من حاله الموجب للزّيادة و النّقص، كالمكتسب له.

وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏، أي: لا تتمنّوا ما للنّاس، و اسألوا اللّه مثله من خزائنه الّتي لا تنفد.

قيل‏ «9»: أو لا تتمنّوا، و اسألوا اللّه من فضله بما يقرّبه و يسوقه إليكم.

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 40.

(2) المصدر: أحدكم.

(3) المصدر: حسدا.

(4) الخصال/ 4، ح 7. و فيه بإسناده إلى أبي عبد اللّه جعفر بن محمد- عليهما السّلام- عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: ...

(5) نفس المصدر/ 624.

(6) المصدر: يبتهل.

(7) المصدر: لا ينازعه.

(8) أنوار التنزيل 1/ 217.

(9) نفس المصدر و الموضع.

391
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

و في الحديث السّالف ما يردّ هذا الأخير.

و في أصول الكافي‏ «1»: حميد بن زياد، عن الخشّاب، عن ابن بقّاح، عن معاذ، عن عمرو بن جميع، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: من لم يسأل اللّه من فضله افتقر «2».

أبو عليّ الأشعريّ، عن محمد بن عبد الجبّار «3»، عن صفوان، عن ميسّر بن عبد العزيز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قال لي: يا ميسّر، ادع و لا تقل: «إنّ الأمر قد فرغ منه.» إنّ عند اللّه- عزّ و جلّ- منزلة لا تنال إلّا بمسألة، و لو أنّ عبدا سدّ فاه و لم يسأل لم يعط شيئا. فسل تعط يا ميسّر ليس من باب يقرع إلّا يوشك أن يفتح لصاحبه.

و في فروعه‏ «4»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: ليس من نفس إلّا و قد فرض اللّه- عزّ و جلّ- لها رزقا «5» حلالا يأتيها في عافية و عرّض لها بالحرام من وجه آخر، فإن هي تناولت شيئا من الحرام قاصّها به من الحلال الّذي فرض لها، و عند اللّه سواها فضل كثير، و هو قوله- عزّ و جلّ-: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «6»: و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أحبّ شيئا لنفسه و أبغضه لخلقه، أبغض- عزّ و جلّ- لخلقه المسألة و أحبّ لنفسه أن يسأل. و ليس شي‏ء أحب إليه من أن يسأل. فلا يستحي أحدكم أن يسأل اللّه- عزّ و جلّ- من فضله و لو شسع نعل.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «7»: عن إسماعيل بن كثير، رفع الحديث إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: لمّا نزلت هذه الآية: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏ قال: فقال أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: ما هذا الفضل، أيّكم يسأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عن ذلك؟

قال: فقال عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: أنا أسأله عنه.

فسأله عن ذلك الفضل ما هو؟

______________________________
(1) الكافي 2/ 467، ح 4.

(2) المصدر: [فقد] افتقر.

(3) نفس المصدر 2/ 466، ح 3.

(4) نفس المصدر 5/ 80، ح 2.

(5) المصدر: رزقها.

(6) من لا يحضره الفقيه 2/ 40، ح 181.

(7) تفسير العياشي 1/ 239، ح 116.

 

392
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ اللّه خلق خلقه، و قسّم لهم أرزاقهم من حلّها، و عرّض لهم بالحرام، فمن انتهك حراما نقص له من الحلال بقدر ما انتهك من الحرام، و حوسب به.

عن أبي الهذيل‏ «1»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه قسّم الأرزاق بين عباده، و أفضل فضلا كثيرا لم يقسّمه بين أحد، قال اللّه: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ.

عن الحسين بن مسلم‏ «2»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: قلت له: جعلت فداك، إنّهم يقولون: إنّ النّوم بعد الفجر مكروه، لأنّ الأرزاق تقسّم‏ «3» في ذلك الوقت.

فقال: الأرزاق مضمونة «4» مقسومة، و للّه فضل يقسّمه من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس، و ذلك قوله: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏ ثمّ قال: و ذكر اللّه بعد طلوع الفجر أبلغ في طلب الرّزق من الضّرب في الأرض.

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً (32): فهو يعلم ما يستحقّه كلّ إنسان فيفضل، أو هو يعلم ما يسأله أحد من فضله فيسأل.

و نقل في سبب نزول هذه الآية «5»: أنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يغزو الرّجال و لا نغزو و إنّما لنا نصف الميراث، ليتنا كنّا رجالا.

فنزلت.

وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ‏، أي: لكلّ تركة جعلنا وارثا يلونها و يحرزونها. و «ممّا ترك» بيان «لكلّ» مع الفصل بالعامل.

أو لكلّ ميّت جعلنا وارثا ممّا ترك، على أنّ «من» صلة «موالي» لأنّه في معنى الوارث، و في «ترك» ضمير «كلّ» و «الوالدان و الأقربون» مفسّر «للموالي» و فيه خروج الأولاد، فإنّ الأقربون لا يتناولهم كما لا يتناول الوالدين.

أو لكلّ قوم جعلناهم موالي حظّ ممّا ترك الوالدان و الأقربون، على أن «جعلنا موالي» صفة «كلّ» و الرّاجع إليه محذوف، و على هذا فالجملة من مبتدأ و خبر.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 117. و فيه: «عن ابن الهذيل». و الظاهر هي خطأ. ر. تنقيح المقال، فصل الكنى 3/ 38.

(2) نفس المصدر 1/ 240، ح 119.

(3) المصدر: يقسّم.

(4) المصدر: موظوفة.

(5) أنوار التنزيل 1/ 217.

393
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

و في الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب قال: أخبرني ابن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ.

قال: إنّما عنى بذلك أولي الأرحام في المواريث، و لم يعن أولياء النّعمة، فأولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرّحم الّتي تجرّه إليها.

وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ‏: موالي الموالاة.

قيل‏ «2»: إنّ الرّجل في الجاهليّة «3» يعاقد الرّجل فيقول: «دمي دمك، (و هدمي هدمك) «4»، و حربي حربك، و سلمي سلمك، و ترثني و أرثك، و تعقل عنّي و أعقل عنك» فيكون للحليف السّدس من ميراث الحليف. فنسخ بقوله‏ «5»: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ‏.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «6»- أيضا- أنّها منسوخة بقوله: أُولُوا الْأَرْحامِ‏.

و في مجمع البيان‏ «7»: عن مجاهد أنّ معناه: (فأعطوهم) «8» نصيبهم من النّصر و العقل و الرّفد و لا ميراث. فعلى هذا تكون الآية غير منسوخة. و يؤيّده قوله- تعالى-: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ

و قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في خطبة يوم فتح مكّة: ما كان من حلف في الجاهليّة فتمسّكوا به فإنّه لم يزده الإسلام إلّا شدّة، و لا تحدثوا حلفا في الإسلام.

و روى عبد الرّحمن بن عوف‏ «9» أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: شهدت حلف المطيّبين و أنا غلام مع عمومتي، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم و أنّي أنكثه.

و في الكافي‏ «10»: عن الصّادق- عليه السّلام-: إذا والى الرّجل الرّجل فله ميراثه، و عليه معقلته، يعني: دية جناية خطائه.

و قيل: المراد الأزواج على أنّ العقد عقد النّكاح.

______________________________
(1) الكافي 7/ 76، ح 2.

(2) مجمع البيان 2/ 42.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: «كان الرجل» بدل «إنّ الرجل في الجاهلية».

(4) «و هدمي هدمك» ليس في المصدر.

(5) الأنفال/ 75.

(6) تفسير القمي 1/ 137، باختلاف لفظي.

(7) مجمع البيان 2/ 42.

(8) المصدر: فآتوهم.

(9) نفس المصدر و الموضع.

(10) الكافي 7/ 171.

394
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 31 الى 33] ص : 386

و في أصول الكافي‏ «1»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن [الرضا] «2»- عليه السّلام- عن قوله- عزّ و جلّ- وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ‏؟

قال: إنّما عنى بذلك الأئمّة.- عليهم السّلام- بهم عقد اللّه- عزّ و جلّ- أيمانكم.

و توجيه هذا التّأويل، أن قوله- عزّ و جلّ-: وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ‏ و لكلّ أمّة من الأمم جعلنا موالي أولياء أنبياء و أوصياء،

لقول النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «3»-: أ لست أولى بكم من أنفسكم؟

قالوا: بلى.

فقال: من كنت مولاه فعليّ مولاه.

و قوله: مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ‏ من العلوم و الشّريعة، و الوالدان هم النّبيّ و الوصيّ- صلوات اللّه عليهما-

لقوله- صلّى اللّه عليه و آله‏ «4»-: يا عليّ، أنا و أنت أبوا هذه الأمّة.

و قوله: وَ الْأَقْرَبُونَ.، أي: إليهما في النّسب و العلوم و العصمة.

و قوله: وَ الَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ‏ و هم الأئمّة، أي: و الّذين عقدت ولايتهم أيمانكم، و هو أيمان الدّين، لا أيمان جمع يمين ليصحّ التّأويل.

و قوله: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ‏ المفروض لهم من الولاية و الطّاعة.

و على كلّ تقدير، هو مبتدأ ضمن معنى الشّرط، خبره.

فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ‏:

أو منصوب بمضمر، يفسّره ما بعده، كقولك: زيدا فاضربه.

أو معطوف على «الوالدان» و قوله: «فآتوهم» جملة مسبّبة عن الجملة المتقدمة مؤكّدة لها، و الضّمير «للموالي».

و قرأ الكوفيّون: «عقّدت» بالتّشديد و التّخفيف، بمعنى: عقدت عهودهم أيمانكم،

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 216، ح 1.

(2) من المصدر.

(3) ر. خلاصة عبقات الأنوار في امامة الأئمة الأطهار لمؤلفه العلامة السيد حامد حسين الكهنوى ج 6 و 7 و 8، و الغدير في الكتاب و السنة و الأدب، للعلامة عبد الحسين الاميني، ج 1.

(4) ر. إحقاق الحق، للعلامة القاضي السيد نور اللّه التستري 7/ 216.

395
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

 

فحذف العهود و أقيم الضّمير المضاف إليه مقامه، ثمّ حذف كما حذف في القراءة الأخرى. «1» إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيداً (33): تهديد على منع نصيبهم.

الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ: يقومون عليهنّ قيام الولاة على الرّعيّة، و علّل ذلك بأمرين: موهبيّ و كسبيّ، فقال:

بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏: بسبب تفضيله الرّجال على النّساء، بكمال العقل و حسن التّدبير و مزيد القوّة في الأعمال و الطّاعات. و لذلك خصّوا بالنّبوّة و الإمامة، و إقامة الشّعائر، و الشّهادة في مجامع القضايا، و وجوب الجهاد، و الجمعة، و زيادة سهمهم في الميراث.

وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ‏: في نكاحهنّ، كالمهر و النّفقة.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «2»: حدّثنا محمّد بن عليّ ما جيلويه، عن عمّه، عن أحمد ابن أبي عبد اللّه، عن أبي الحسن البرقيّ، عن عبد اللّه بن جبلة، عن معاوية بن عمّار، عن الحسن بن عبد اللّه، عن آبائه، عن جدّه الحسن بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-:

قال جاء نفر من اليهود إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله أن قال: ما فضل الرّجال على النّساء؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- كفضل السّماء على الأرض و كفضل الماء على الأرض، فالماء يحيي‏ «3» الأرض و بالرّجال يحيى النّساء، و لولا الرّجال ما خلقت‏ «4» النّساء، يقول اللّه- عزّ و جلّ-: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ.

قال اليهوديّ: لأيّ شي‏ء كان هكذا؟

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: خلق اللّه- عزّ و جلّ- آدم من طين، و من فضلته و بقيّته خلقت حوّاء، و أوّل من أطاع النّساء آدم، فأنزله اللّه- عزّ و جلّ- من الجنّة، و قد بيّن فضل الرّجال على النّساء في الدّنيا، ألا ترى إلى النّساء كيف يحضن و لا يمكنهنّ العبادة من القذارة و الرّجال لا يصيبهم شي‏ء من الطّمث.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 217.

(2) علل الشرائع/ 512، ح 1.

(3) المصدر: يحيى.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: ما خلقوا.

 

 

396
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

 

فقال اليهوديّ: صدقت يا محمّد.

قال البيضاويّ‏ «1»: روي أنّ سعد بن الرّبيع- أحد نقباء الأنصار- نشزت عليه امرأته حبيبة بنت زيد بن أبي زهير، فلطمها، فانطلق بها أبوها إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فشكى.

فقال- عليه السّلام- لتقصّ منه. فنزلت، فقال- عليه السّلام-: أردنا أمرا و أراد اللّه أمرا، و الّذي أراد اللّه خير.

و يدلّ على كذب ما نقله ما تواتر من أخبارنا، على أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-، لم يكن يقدم على أمر لم يوح إليه. و في هذا الخبر، أنّه حكم برأيه ثمّ نزلت الآية على خلاف رأيه. و هو خلاف ما يجب أن يكون- عليه السّلام-.

فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ‏ مطيعات للّه، قائمات بحقوق الأزواج.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: قانِتاتٌ‏ يقول مطيعات.

حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ‏، أي: لمواجب الغيب، أي: يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النّفس و المال.

و قيل‏ «3»: لأسرارهم.

و في تهذيب الأحكام‏ «4»: محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام- قال: قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، و تطيعه إذا أمرها، و تحفظه إذا غاب عنها في نفسها و ماله.

بِما حَفِظَ اللَّهُ‏: بحفظ اللّه إيّاهنّ بالأمر على حفظ الغيب، و الحثّ عليه بالوعد و الوعيد، و التّوفيق له. أو بالّذي حفظ اللّه لهنّ عليهم من المهر و النّفقة، و القيام بحفظهنّ، و الذّبّ عنهنّ.

و قرئ، بالنّصب، على أنّ «ما» موصولة. فإنّها لو كانت مصدريّة لم يكن «لحفظ»

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 218.

(2) تفسير القمي 1/ 137.

(3) أنوار التنزيل 1/ 218.

(4) تهذيب الأحكام 7/ 240، ح 1047.

 

397
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

فاعل‏ «1»، و المعنى: بالأمر الّذي حفظ حقّ اللّه، أو طاعته و هو التّعفّف و الشّفقة على الرّجال.

وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ‏، أي: عصيانهنّ و ترفعهنّ عن مطاوعتكم. من النّشز، و هو الارتفاع في مكان.

فَعِظُوهُنَ‏: بالقول.

وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ‏: إن لم ينجع القول.

قيل‏ «2»: فلا تدخلوهنّ تحت اللّحف، أو لا تباشروهنّ، فيكون كناية عن الجماع.

و قيل‏ «3»: المضاجع، المبايت، أي: لا تبايتوهنّ.

و في مجمع البيان‏ «4»: عن (الباقر- عليه السّلام-:) يحوّل ظهره إليها.

وَ اضْرِبُوهُنَ‏: إن لم تنفع الهجرة، ضربا غير شديد، لا يقطع لحما و لا يكسر عظما.

و في مجمع البيان‏ «5»: عن (الباقر)- عليه السّلام-: أنّه الضّرب بالسّواك.

فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا: بالتّوبيخ و الإيذاء.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (34): فاحذروه، فإنّه أقدر عليكم منكم على من تحت أيديكم. أو أنّه على علو شأنه يتجاوز عن سيّئاتكم و يتوب عليكم، فأنتم أحقّ بالعفو عن أزواجكم. أو أنّه يتعالى و يتكبّر أن يظلم أحدا أو ينقص حقّه.

وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما: خلافا و نزاعا بين المرء و زوجه، لا يرجى معه الاجتماع على رأي، كأنّ كلّ واحد في شقّ، أي: جانب. و أضمرهما و إن لم يسبق ذكرهما، لسبق ما يدلّ عليهما. و أضاف الشّقاق إلى الظّرف، إمّا لإجرائه مجرى المفعول به، كقوله: يا سارق اللّيلة. أو الفاعل، كقولهم: نهارك صائم، مجازا عقليّا في الإضافة.

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها:

قيل‏ «6»: الخطاب للحكّام.

و قيل‏ «7»: للأزواج و الزّوجات.

و في مجمع البيان‏ «8»: و اختلف في المخاطب بإنفاذ الحكمين من هو؟

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 218.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) نفس المصدر و الموضع.

4 و 5- مجمع البيان 2/ 44.

6 و 7- أنوار التنزيل 1/ 218.

(8) مجمع البيان 2/ 44.

 

398
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

فقيل: هو السّلطان الّذي يترافع الزّوجان إليه، و هو الظّاهر في الأخبار عن الصّادق- عليه السّلام-.

و البعث، قيل‏ «1»: لتبيين الأمر.

و الأظهر، أنّه لإصلاح ذات البين، و كونه من أهلهما على سبيل الوجوب، فإنّ الأقارب أعرف ببواطن الأحوال و أطلب للصّلاح.

إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما:

أمّا الضّمير الأوّل للحكمين، و الثّاني للزّوجين، أي: إن قصدا الإصلاح أوقع اللّه بحسن سعيهما الموافقة بين الزّوجين.

أو كلاهما للحكمين، أي: إن قصدا الإصلاح يوفّق اللّه بينهما لتتّفق كلمتهما و يحصل مقصودهما.

أو للزّوجين، أي: إن أرادا الإصلاح و زوال الشّقاق أوقع اللّه بينهما الالفة و الوفاق.

و في الكافي‏ «2»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن هذه الآية «3»؟

قال: ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا الرّجل و المرأة و يشترطا عليهما إن شئنا جمعنا و إن شئنا فرّقنا، فإن جمعا فجائز و إن فرّقا فجائز.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «4»، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب، عن سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن (هذه الآية) «5»، أ رأيت ان استأذن الحكمان فقالا للرّجل و المرأة: أليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح و التّفريق؟ فقال الرّجل و المرأة: نعم، فأشهدا بذلك شهودا عليهما، أ يجوز تفريقهما عليهما؟

قال: نعم، و لكن لا يكون إلّا على طهر من المرأة من غير جماع من الرّجل‏ «6».

قيل له: أ رأيت ان قال أحد الحكمين: قد فرّقت بينهما، و قال الآخر: لم أفرّق بينهما؟

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 218.

(2) الكافي 6/ 146، ح 2.

(3) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 4.

(5) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(6) المصدر: الزوج.

 

399
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

فقال لا يكون تفريق حتّى يجتمعا جميعا على التّفريق، فإذا اجتمعا على التّفريق جاز تفريقهما.

[و فيه‏ «1»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت العبد الصّالح- عليه السّلام- عن قول اللّه- تبارك و تعالى-: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها.

فقال: يشترط الحكمان إن شاءا فرّقا و إن شاءا جمعا، ففرّقا أو جمعا جاز.

حميد بن زياد، عن ابن سماعة «2»، عن عبد اللّه بن جبلة، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها.

قال: الحكمان يشترطان إن شاءا فرّقا و إن شاءا جمعا، فإن جمعا فجائز و إن فرّقا فجائز.

محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن جبلة «3» و غيره، عن العلا، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها.

قال: ليس للحكمين أن يفرّقا حتّى يستأمرا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4». قال‏: و أتى عليّ بن أبي طالب رجل و امرأته على هذه الحال. فبعث حكما من أهله و حكما من أهلها و قال للحكمين: هل تدريان ما تحكمان‏ «5»؟

احكما «6»، إن شئتما فرّقتما و إن شئتما جمعتما.

فقال الزّوج: لا أرضى بحكم فرقة و لا أطلّقها، فأوجب عليه نفقتها و منعه أن يدخل عليها.

] «7» إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (35): بالظّواهر و البواطن، فيعلم كيف يرفع الشّقاق و يوقع الوفاق.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 1.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

(3) نفس المصدر 6/ 147، ح 5.

(4) تفسير القمي 1/ 138.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: لحكمان.

(6) ليس في المصدر.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

400
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

و في كتاب الاحتجاج‏ «1»: و روي‏ أنّ نافع بن الأزرق جاء إلى محمّد بن عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليهم- فجلس بين يديه يسأله عن مسائل في الحلال و الحرام.

فقال له أبو جعفر- عليه السّلام- في عرض كلامه: قل لهذه المارقة بما استحللتم فراق أمير المؤمنين- عليه السّلام- و قد سفكتم دماءكم بين يديه في طاعته‏ «2» و القربة إلى اللّه بنصرته؟ فسيقولون‏ «3» لك: إنّه حكم في دين اللّه. فقل لهم: قد حكم اللّه في شريعة نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- بين رجلين من خلقه، فقال- جلّ اسمه-: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً: صنما أو غيره، أو شيئا من الإشراك جليّا أو خفيّا.

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

و أحسنوا بهما إحسانا.

و في تفسير العياشيّ‏ «4»: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أحد الأبوين و علىّ الآخر.

فقلت: أين موضع ذلك في‏ «5» كتاب اللّه؟

قال: اقرأ وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً.

عن أبي بصير «6»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قال:

قال: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أحد الوالدين‏ «7» و عليّ الآخر. و ذكر أنّها الآية الّتي في سورة النّساء.

[و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ‏ «8»: قال: حدّثني سعيد بن حسن بن مالك‏

______________________________
(1) الاحتجاج 2/ 57- 58.

(2) المصدر: و في طاعته.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: فيقولون.

(4) هكذا في أ و هو الصواب و في سائر النسخ: «تفسير عليّ بن ابراهيم». و الحديث في تفسير العياشي 1/ 241، ح 128.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: من.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 129.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأبوين.

(8) تفسير فرات/ 27- 28.

 

401
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

معنعنا، عن أبي مريم الأنصاريّ قال‏: كنّا عند جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- فسأله أبان بن تغلب عن قول اللّه- تعالى-: اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً قال: هذه الآية الّتي في النّساء، من الوالدان‏ «1»؟

قال جعفر: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و عليّ بن أبي طالب‏ «2»- عليه السّلام- «3» و هما الوالدان.

] «4» وَ بِذِي الْقُرْبى‏: و بصاحب القرابة، وَ الْيَتامى‏ وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى‏: الّذي قرب جواره.

و قيل‏ «5»: الّذي له مع الجوار قرب و اتّصال بنسب أو دين.

و قرئ، بالنّصب، على الاختصاص.

وَ الْجارِ الْجُنُبِ‏، أي: البعيد، أو الّذي لا قرابة له.

في أصول الكافي‏ «6»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن عمرو بن عكرمة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: كلّ أربعين دارا جيران من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله.

و فيه‏ «7»: عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

و في معاني الأخبار «8»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن أبي عبد اللّه‏ «9»، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت له: جعلت فداك، ما حدّ الجار؟

قال: أربعون دارا «10» من كلّ جانب.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: الوالدين.

2 و 3- «بن أبي طالب» و «و» ليس في المصدر.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) أنوار التنزيل 1/ 219.

(6) الكافي 2/ 669، ح 1.

(7) نفس المصدر و الموضع، ح 2.

(8) معاني الاخبار/ 165، ح 1.

(9) المصدر: «أحمد بن أبي عبد اللّه.» و على أيّ صورة هو أحمد بن محمد بن خالد البرقي. ر. تنقيح المقال 1/ 82، رقم 496.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: ذراعا.

402
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

و التّوفيق بين هذا الخبر و الخبرين الأوّلين، أنّ المراد بالجار في هذا الخبر الجار ذي القربى، و في الأوّلين الجار الجنب.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «1»: في الحقوق المرويّة عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام-: و أمّا حقّ جارك، فحفظه غائبا، و إكرامه شاهدا، و نصرته إذا كان مظلوما، و لا تتّبع له عورة، و إن علمت عليه سوء سترته عليه، و إن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك و بينه، و لا تسلمه‏ «2» عند شديدة «3»، و تقيل عثرته‏ «4»، و تغفر ذنوبه‏ «5»، و تعاشره معاشرة كريمة، و لا قوّة إلّا باللّه.

و عن الصّادق- عليه السّلام- «6»: حسن الحوار يزيد في الرّزق.

و قال‏: حسن الجوار «7» يعمر الدّيار و يزيد في الأعمار.

و عن الكاظم- عليه السّلام- «8»: ليس حسن الجوار كفّ الأذى، و لكن حسن الجوار صبرك على الأذى.

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق: حقّ الجوار و حقّ القرابة و حقّ الإسلام. و جار له حقّان: حقّ الجوار و حقّ الإسلام. و جار له حق واحد، حقّ الجوار، و هو المشرك من أهل الكتاب. ذكر هذا الخبر البيضاويّ، و الفاضل الكاشي في تفسيره‏ «9».

وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ‏: الرّفيق في أمر حسن، كتعلّم و تصرّف و صناعة و سفر و تزوّج، فإنّه صحبك و حصل بجنبك.

و قيل‏ «10»: المرأة.

و في أصول الكافي‏ «11»: عليّ بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن‏

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 2/ 379، ضمن حديث 1626.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا تلمه.

(3) المصدر: شدائده.

(4) المصدر: عثراته.

(5) المصدر: ذنبه.

(6) بل في الكافي 2/ 666، ح 3.

(7) بل في نفس المصدر 2/ 667، ح 8.

(8) أيضا في نفس المصدر و الموضع، ح 9. و فيه: عن عبد صالح- عليه السّلام-.

(9) أنوار التنزيل 1/ 219، تفسير الصافي 1/ 416.

(10) أنوار التنزيل 1/ 219.

(11) الكافي 2/ 670، ح 5.

 

403
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

صدقة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام-: أنّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- صاحب رجلا ذمّيّا، فقال له الذّمّي: أين تريد يا عبد اللّه؟

فقال: أريد الكوفة. فلمّا عدل الطّريق بالذمّيّ عدل معه أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

فقال له الذّمّي: أ لست زعمت أنّك تريد الكوفة؟

قال له: بلى.

فقال له الذّمّيّ: فقد تركت الطّريق.

فقال له: قد علمت.

قال: فلم عدلت معي و قد علمت ذلك؟

فقال له أمير المؤمنين: هذا من تمام حسن الصّحبة أن يشيّع الرّجل صاحبه هنيئة إذا فارقه، و كذلك أمرنا نبيّنا- صلّى اللّه عليه و آله-.

فقال له الذّمّي: هكذا؟

[قال:] «1» قال: نعم.

قال الّذّمّي: لا جرم إنّما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة، فأنا أشهدك‏ «2» أنّي على دينك.

و رجع الذّمّيّ مع أمير المؤمنين- عليه السّلام- فلمّا عرفه أسلم.

[و في من لا يحضره الفقيه‏ «3»: فأمّا حقّ الصّاحب، فأن تصحبه بالمودّة «4» و الانصاف و تكرمه كما يكرمك و لا تدعه يسبقك إلى مكرمة، فإن سبق كافأته، و تودّه كما يودّك، و تزجره عمّا يهمّ به من معصية، و كن عليه رحمة و لا تكن عليه عذابا، و لا قوّة إلّا باللّه.

] «5» وَ ابْنِ السَّبِيلِ‏: المسافر، أو الضّيف.

وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ‏: العبيد و الإماء.

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا: متكبّرا، يأنف عن أقاربه و جيرانه و أصحابه، و لا يلتفت إليهم.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: أشهد.

(3) من لا يحضره الفقيه 2/ 379.

(4) المصدر: بالتفضّل.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

404
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 34 الى 37] ص : 396

فَخُوراً (36): يتفاخر عليهم.

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ‏: بدل من قوله: «من كان». أو نصب على الذّمّ. أو رفع عليه، أي: هم الّذين. أو مبتدأ خبره محذوف، أي: الّذين يبخلون بما منحوا به و يأمرون النّاس بالبخل به أحقّاء بكلّ ملامة.

في كتاب الخصال‏ «1»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: ما كان من شيعتنا فلا يكون فيهم ثلاثة أشياء: لا يكون فيهم من يسأل بكفّه، و لا يكون فيهم بخيل‏

(الحديث).

عن عبد اللّه بن غالب‏ «2»، عن أبي سعيد الخدريّ قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: خصلتان لا تجتمعان‏ «3» في مسلم: البخل و سوء الخلق.

عن أحمد بن سليمان‏ «4» قال‏: سأل رجل أبا الحسن- عليه السّلام-- و هو في الطّواف- فقال له: أخبرني عن الجواد.

فقال: إنّ لكلامك وجهين: فإن كنت تسأل عن المخلوق‏ «5»، فإنّ الجواد الّذي يؤدّي ما افترض اللّه تعالى عليه، و البخيل من بخل‏ «6» بما افترض اللّه عليه. و إن كنت تعني: الخالق، فهو الجواد إن أعطى و هو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطى عبدا أعطاه‏ «7» ما ليس له و إن منع منع ما ليس له.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «8»: و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ليس البخيل من أدّى الزّكاة المفروضة من ماله و أعطى البائنة «9» في قومه، إنّما البخيل حقّ البخيل من لم يؤدّ الزّكاة المفروضة من ماله و لم يعط البائنة «10» في قومه و هو يبدر «11» في ما سوى ذلك.

و روي عن المفضّل بن أبي قرّة السّمندي‏ «12» أنّه قال: قال لي أبو عبد اللّه‏

______________________________
(1) الخصال/ 131.

(2) نفس المصدر/ 75، ح 117.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: يجتمعان.

(4) نفس المصدر/ 43، ح 36.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: المخلوقين.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: يبخل.

(7) هكذا في رو المصدر. و في النسخ: أعطى.

(8) من لا يحضره الفقيه 2/ 34، ح 141.

(9) في هامش الأصل: «البائنة: العطية. سميّت بها لانّها أبينت من المال (منه سلمه اللّه تعالى).» و في المصدر: النائبة.

(10) المصدر: النائبة.

(11) المصدر: يبذر.

(12) نفس المصدر و الموضع، ح 142.

 

405
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

 

- عليه السّلام-: أ تدري من الشّحيح؟

فقلت: هو البخيل.

فقال: الشّحّ، أشدّ من البخل، إنّ البخيل يبخل بما في يده، و الشّحيح يشحّ بما في أيدي النّاس و على ما في يديه حتّى لا يرى في أيدي النّاس شيئا إلّا تمنّى أن يكون له بالحلّ و الحرام، و لا يقنع بما رزقه اللّه- عزّ و جلّ-.

و قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- «1»: إذا لم يكن للّه- عزّ و جلّ- في العبد حاجة ابتلاه بالبخل.

و قرأ حمزة و الكسائي هاهنا و في الحديد: «بالبخل» بفتح الحرفين، و هي لغة «2».

وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏: من الغنى و العلم، حيث ينبغي الإظهار.

وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (37): وضع الظّاهر فيه موضع المضمر، إشعارا بأنّ من هذا شأنه فهو كافر لنعمة اللّه، و من كان كافرا لنعمة اللّه فله عذاب يهينه، كما أهان النّعمة بالبخل و الإخفاء.

قيل‏ «3»: الآية نزلت في طائفة من اليهود [كانوا] «4» يقولون للأنصار تنصيحا «5»:

لا تنفقوا أموالكم فإنّا نخشى عليكم الفقر.

و قيل: في الّذين كتموا صفة محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

وَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ‏: عطف على‏ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ‏ أو الكافرين شاركهم مع البخل في الذّمّ و الوعيد، لأنّ البخل و السّرف الّذي هو الإنفاق لا على ما ينبغي، من حيث أنّهما طرفا إفراط و تفريط سواء في القبح و استجلاب الذّمّ.

أو مبتدأ خبره محذوف، يدلّ عليه ما بعده، أي: قرينهم الشّيطان.

وَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ: ليتحرّوا بالإنفاق مراضيه و ثوابه.

قيل‏ «6»: هم مشركوا مكّة.

و قيل: المنافقون.

______________________________
(1) نفس المصدر 2/ 35، ح 144.

(2) أنوار التنزيل 1/ 219.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) من المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: تنصّحا.

(6) نفس المصدر و الموضع.

 

406
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

 

وَ مَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (38): تنبيه، على أنّ الشّيطان قرينهم فحملهم على ذلك و زيّنه لهم، كقوله: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ‏ و المراد إبليس و أعوانه. و يجوز أن يكون وعيدا لهم، بأن يقرن بهم الشّيطان في النّار.

وَ ما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ أَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ‏، أي: أيّ تبعة تحيق بهم بالإيمان و الإنفاق في سبيل اللّه.

و هو توبيخ لهم على الجهل بمكان المنفعة و الاعتقاد في الشي‏ء على خلاف ما هو عليه، و تحريض على الفكر لطلب الجواب لعلّه يؤدّي بهم إلى العلم بما فيه من الفوائد الجليلة و الفوائد الجميلة، و تنبيه على أنّ المدعوّ إلى أمر لا ضرر فيه ينبغي أن يجيب إليه احتياطا فكيف إذا تضمّن المنافع.

و إنّما قدّم الإيمان هاهنا و أخّره في الآية السّابقة، لأنّ القصد بذكره إلى التّخصيص هنا و التّعليل ثمّة. أو لأنّ المقصود في السّابق ذمّهم و في تأخير عدم الإيمان سلوك مسلك التّرقّي، و المقصود هاهنا إزالة الأوصاف الذّميمة، و إزالة الكفر يستحقّ التّقديم، لأنّ إزالة الإنفاق رئاء موقوفة على إزالته، و لأنّ إزالة الأقبح أهمّ.

وَ كانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (39): وعيد لهم.

إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ: لا ينقص من الأجر و لا يزيد في العقاب أصغر شي‏ء، كالذّرّة، و هي النّملة الصّغيرة. و يقال لكلّ جزء من أجزاء الهباء.

و المثقال، مفعال، من الثّقل. و في ذكره إيماء، إلى أنّه و إن صغر قدره عظم جزاؤه، حيث أثبت للذّرّة ثقلا. و إيماء، إلى أنّ وضع الشي‏ء في غير محلّه و إن كان حقيرا فهو عظيم ثقيل في القبح.

وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً: و إن يك مثقال الذّرة حسنة. و أنّث الضّمير لتأنيث الخبر، أو لإضافة المثقال إلى المؤنّث. و حذف النّون من غير قياس، تشبيها بحروف العلّة.

و قرأ ابن كثير و نافع: «حسنة» بالرّفع، على «كان» التّامّة «1».

يُضاعِفْها، أي: ثوابها، أو الحسنة نفسها، بناء على تجسّم الأعمال.

و قرأ ابن كثير و ابن عامر و يعقوب: «يضعفها» و كلاهما بمعنى‏ «2».

وَ يُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ‏: و يؤت صاحبها من عنده، على سبيل التّفضّل زيادة على‏

______________________________
1 و 2- أنوار التنزيل 1/ 220.

 

407
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

ما وعد في مقابلة العمل.

أَجْراً عَظِيماً (40): عطاء جزيلا. و إنّما سمّاه أجرا، لأنّه تابع للأجر مزيد عليه.

فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ: فكيف حال هؤلاء الكفرة من اليهود و غيرهم إذا جئنا من كلّ أمّة شهيد، يعني: نبيّهم ليشهد على فساد عقائدهم و قبح أعمالهم.

و الفاء في «فكيف» الفصيحة، أي: إذا عرضت حال هؤلاء. و الظّرف، أعني:

«إذا» متعلّق «بكيف»، أي: كيف حال هؤلاء في هذا الوقت‏ «1».

وَ جِئْنا بِكَ‏: يا محمّد، عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً (41): تشهد على صدق هؤلاء الشّهداء لعلمك بعقائدهم، و استجماع شرعك مجامع قواعدهم.

و قيل‏ «2»: هؤلاء إشارة إلى الكفرة المستفهم عن حالهم.

و قيل: إلى المؤمنين، كقوله تعالى: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.

في كتاب التّوحيد «3»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام- و قد ذكر أهل المحشر: ثمّ يجتمعون في مواطن أخر «4» فيستنطقون فيفرّ بعضهم من بعض، (فذلك) قوله- عزّ و جلّ‏ «5»- يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ وَ صاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ‏ فيستنطقون فلا يتكلّمون إلّا من أذن له الرّحمن و قال صوابا، فيقوم الرّسل- عليهم السّلام- فيشهدون في هذه المواطن‏ «6»، فذلك قوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً.

و في كتاب الاحتجاج‏ «7» للطبّرسيّ- رحمه اللّه- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- في حديث، يذكر فيه أحوال أهل الموقف، و فيه: فيقام الرّسل فيسألون‏ «8» عن تأدية

______________________________
(1) في الهامش الأصل: «ردّ على البيضاوي حيث جعله متعلّقا بمضمون المبتدأ أو الخبر من هول الأمر و تعظيم الشأن. [أنوار التنزيل 1/ 220] (منه سلّمه اللّه تعالى.)

(2) أنوار التنزيل 1/ 220.

(3) التوحيد/ 261.

(4) المصدر: موطن اخر.

(5) عبس/ 34.

(6) المصدر: هذا المؤطن.

(7) الاحتجاج 1/ 360- 361.

(8) المصدر: فيسئلون.

 

408
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

الرّسالات‏ «1» الّتي حملوها إلى أممهم، فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم، و تسأل الأمم فيجحدونه‏ «2» كما قال اللّه‏ «3»: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ‏ فيقولون: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فيستشهد «4» الرّسل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فيشهد بصدق الرّسل و يكذّب‏ «5» من جحدها من الأمم فيقول لكلّ أمّة منهم: بلى‏ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ أي: مقتدر «6» على شهادة جوارحكم عليكم بتبليغ الرّسل إليكم رسالاتهم، و لذلك‏ «7» قال اللّه- تعالى- لنبيّه: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً فلا يستطيعون ردّ شهادته خوفا من أن يختم اللّه على أفواههم و أن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، و يشهد على منافقي قومه و أمّته [و كفّارهم بإلحادهم و عنادهم و نقضهم عهوده‏ «8» و تغييرهم سنّته و اعتدائهم على أهل بيته و انقلابهم على أعقابهم‏] «9» و ارتدادهم على أدبارهم و احتذائهم في ذلك سنّة من تقدّمهم من الأمم الظّالمة الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم: رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَ كُنَّا قَوْماً ضالِّينَ‏ «10»

و في أصول الكافي‏ «11»: عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القنديّ، عن سماعة قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية «12»، قال: نزلت في أمّة محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- خاصّة، في كلّ قرن منهم إمام منّا شاهد عليهم، و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- شاهد علينا.

[و في شرح الآيات الباهرات: مثله سواء] «13»

أقول: نزول هذه الآية في هذه الأمّه لا ينافي عموم حكمها، فلا تنافي بين الأخبار.

______________________________
(1) المصدر: الرسالة.

(2) المصدر: «و تسأل الأمم فتجحد» بدل «فأخبروا أنّهم قد أدّوا ذلك إلى أممهم و تسأل الأمم فيجحدونه».

(3) الأعراف/ 6.

(4) المصدر: فتشهد.

(5) المصدر: تكذيب.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: يقتدر.

(7) المصدر: «كذلك» بدل «و لذلك».

(8) المصدر: عهده.

(9) ليس في أ.

(10) المصدر: «ظالمين» و الآية في سورة المؤمنون/ 106.

(11) الكافي 1/ 190، ح 1.

(12) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «هذه الآية».

(13) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 46. و العبارة ليست في أ.

409
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

و في مجمع البيان‏ «1»: و روي‏: أنّ عبد اللّه بن مسعود قرأ هذه الآية [على النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-] «2» ففاضت عيناه.

يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ‏: بيان لحالهم حينئذ، أي: يودّ الّذين كفروا بمعصية الرّسول في ذلك الوقت، أي: تسوّى بهم الأرض كالموتى، أو لم يبعثوا، أو لم يخلقوا و كانوا هم و الأرض سواء.

وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (42): عطف [على يودّ، أي: يومئذ لا يقدرون على كتمان حديث من اللّه، لأنّ جوارحهم تشهد عليهم.

و قيل‏ «3»: الواو للحال، أي: يودّون أن تسوّى بهم الأرض، و حالهم أنّهم لا يكتمون من اللّه حديثا و لا يكذبونه بقولهم: و اللّه ربّنا ما كنّا مشركين. يشتدّ عليهم الأمر من شهادة جوارحهم فيتمنّون أن تسوّى بهم الأرض.

و في تفسير العيّاشي‏ «4»: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن جدّه، «5» عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- في خطبة يصف بها «6» هول يوم القيامة: ختم على الأفواه فلا تكلّم، و تكلّمت‏ «7» الأيدي، و شهدت الأرجل، و نطقت الجلود بما عملوا، فلا يكتمون اللّه حديثا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: قال: يتمنّى الّذين غصبوا أمير المؤمنين- عليه السّلام- أن تكون الأرض ابتلعتهم في اليوم الّذي اجتمعوا فيه على غصبه، و أن لم يكتموا «9» ما قاله رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فيه.

و قرأ نافع و ابن عامر: «تسوّى» على أنّ أصله «تستوي» فأدغم التّاء في السّين.

و حمزة و الكسائي: «تسوّى» على حذف التّاء الثّانية، يقال: سوّيته فتسوّى‏ «10».

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‏ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ‏، أي: لا تقوموا إليها و أنتم سكارى- من نحو نوم و كسل و غير ذلك- حتّى تعلموا و تفهموا

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 49.

(2) من المصدر.

(3) أنوار التنزيل 1/ 220.

(4) تفسير العياشي 1/ 242، ح 133.

(5) المصدر: «قال: قال» بدل «عن».

(6) ليس في المصدر.

(7) المصدر: فتكلّمت.

(8) تفسير القمي 1/ 139.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا يكتموا.

(10) أنوار التنزيل 1/ 220- 221.

410
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

ما تقولون في صلاتكم.

قال البيضاويّ‏ «1»: روي أنّ عبد الرّحمن بن عوف صنع مأدبة و دعى نفرا من الصّحابة حين كانت الخمر مباحة، فأكلوا و شربوا حتّى ثملوا، و جاء وقت صلاة المغرب، فتقدّم أحدهم ليصلّي بهم، فقرأ: أعبد ما تعبدون. فنزلت.

قال‏ «2»: و قيل: أراد بالصّلاة مواضعها، و هي المساجد، و ليس المراد منه نهي السّكران عن قربان الصّلاة، و إنّما المراد منه النّهي عن الإفراط في الشّرب و السّكر، من «السّكر» و هو السّدّ.

ما قاله مبنيّ على أنّ الخمر كان حلالا في أوّل الإسلام، و قد قدّمنا ما يدلّ على خلافه، بل المراد منه النّهي عن قربان الصّلاة في حالة سكر النّوم و الكسل و غيره.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «3»: عن الحلبيّ قال‏: سألته عن هذه الآية؟

قال: لا تقربوا الصّلاة و أنتم سكارى، يعني: سكر النّوم، يقول: بكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم و سجودكم و تكبيركم، و ليس كما يصف كثير من النّاس يزعمون أنّ المؤمنين يسكرون من الشّراب، و المؤمن لا يشرب مسكر و لا يسكر.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «4»: حدّثنا محمّد بن عليّ بن ماجلويه قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- و ذكر حديثا طويلا، و فيه يقول- عليه السّلام-: لا تقم إلى الصّلاة متكاسلا و لا متناعسا و لا متثاقلا، فإنّها من خلال النّفاق، و قد نهى اللّه- عزّ و جلّ- المؤمنين أن يقوموا إلى الصّلاة و هم سكارى، يعني من النّوم.

و في الكافي: مثله‏ «5».

و فيه‏ «6»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي أسامة زيد الشّحّام قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه- عزّ و جلّ-: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‏.

قال: سكر النّوم.

______________________________
1 و 2- نفس المصدر 1/ 221.

(3) تفسير العياشي 1/ 242، ح 137.

(4) علل الشرائع/ 358، ضمن حديث 1.

(5) الكافي 3/ 299، ضمن حديث 1.

(6) الكافي 3/ 371، ح 15.

411
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

و في من لا يحضره الفقيه‏ «1»: و روى زكريّا النّقّاص عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى‏ حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ.

قال: منه سكر النّوم.

و في كتاب الخصال‏ «2»: فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: السّكر أربع سكرات: سكر الشّراب، و سكر المال، و سكر النّوم، و سكر الملك.

و أمّا

ما رواه في مجمع البيان‏ «3»: عن موسى بن جعفر- عليهما السّلام-: «أنّ المراد به سكر الشّراب»

فمحمول على التّقيّة، لأنّه موافق لمذهب العامّة كما نقلنا عنهم.

و قد روي فيه: عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ المراد به سكر النّوم خاصّة.

و قرئ: «سكارى» بالفتح. و «سكرى» على أنّه جمع، كهلكى، أو مفرد، بمعنى:

و أنتم قوم سكرى. و سكرى كحبلى، على أنّه صفة الجماعة «4».

وَ لا جُنُباً:

قيل‏ «5»: عطف على قوله: وَ أَنْتُمْ سُكارى‏ إذ الجملة في موضع النّصب على الحال.

و الجنب، الّذي أصابته الجنابة. يستوي فيه المذكّر و المؤنّث و الواحد و الجمع، لأنّه يجري مجرى المصدر.

إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ‏:

قيل‏ «6»: متعلّق بقوله‏ وَ لا جُنُباً استثناء من أعمّ الأحوال، أي: لا تقربوا الصّلاة جنبا في حال من الأحوال إلّا في حال السّفر، و ذلك إذا لم يجد الماء و تيمّم، و يدلّ عليه تعقيبه بذكر التّيمّم. أو صفة لقوله: جنبا، أي: جنبا غير عابري سبيل، و فيه (دلالة) على أنّ التّيمّم لا يرفع الحدث.

و قيل‏ «7»: المراد «بالصّلاة» مواضع الصّلاة، و «بعابري سبيل» المجتازون فيها.

و قيل‏ «8»: في الآية الكريمة قد استخدم- سبحانه- بلفظ الصّلاة لمعنيين: أحدهما، إقامة الصّلاة بقرينة قوله: حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ. و الآخر، موضع الصّلاة بقرينة قوله‏

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 1/ 303، ح 1389.

(2) الخصال/ 636.

(3) مجمع البيان 2/ 51.

(4) أنوار التنزيل 1/ 221.

5 و 6 و 7- نفس المصدر و الموضع.

(8) تفسير الصافي 1/ 419- 420.

412
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

- جلّ شأنه-: وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ.

و فيه: أنّ الاستخدام إمّا بذكر لفظ و إرادة معنى و بضميره معنى آخر، أو بإرجاع الضّميرين إلى شي‏ء و الإرادة من كلّ من ضمير به غير ما أريد بالآخر لا ثالث له، و في الآية ليس كذلك. و الأوجه أن يقال: بحذف «تقربوها» بعد كلمة «لا» معطوفا على الجملة السّابقة و الحمل على الاستخدام حتّى لا تلزم مخالفة قاعدة الاستخدام، و يطابق الأخبار الأوّلة الدّالّة على أنّ المراد بالصّلاة معناها، و الأخبار الدّالّة على أنّ المراد هنا المساجد.

ففي كتاب علل الشّرائع‏ «1»: أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه قال:

حدّثنا يعقوب بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة و محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: قلنا «2» له: الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟

قال: الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، إنّ اللّه- تعالى- يقول:

وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى‏ تَغْتَسِلُوا.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: سئل الصّادق- عليه السّلام- عن الحائض و الجنب يدخلان المسجد أم لا؟

فقال: الحائض و الجنب لا يدخلان المسجد إلّا مجتازين، فإنّ اللّه- تعالى- يقول: وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى‏ تَغْتَسِلُوا و يضعان فيه الشّي‏ء و لا يأخذان منه.

فقلت: فما بالهما يضعان فيه و لا يأخذان منه؟

فقال: لأنّهما يقدران على وضع الشّي‏ء من غير دخول، و لا يقدران على أخذ ما فيه حتّى يدخلا.

و قد روي في الكافي‏ «4»: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: سألته، كيف صارت الحائض تأخذ ما في المسجد و لا تضع فيه؟

فقال: لأنّ الحائض تستطيع أن تضع ما في يدها في غيره، و لا تستطيع أن تأخذ ما فيه إلّا منه.

______________________________
(1) علل الشرائع/ 288، صدر حديث 1.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: قلت.

(3) تفسير القمي 1/ 139.

(4) الكافي 3/ 106- 107، ح 1.

413
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

و يمكن دفع المنافاة بين الخبرين، بأنّ المراد أنّ الوضع و الأخذ إذا كان كلّ منهما مستلزما للدّخول و اللّبث و دعت الضّرورة إلى أخذ ما وضعته سابقا جاز الأخذ دون الوضع، و إذا لم يكن الوضع مستلزما للدّخول و اللّبث و كان الأخذ غير مستلزم لهما جاز الوضع دونه.

حَتَّى‏ تَغْتَسِلُوا: غاية النّهي عن القربان حال الجنابة.

وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏: مرضا يخاف معه من استعمال الماء، فإنّ الواجد له فاقده معه. أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه. و هذا التّقييد و كذا التّقييد الآتي مفهوم من قوله:

«فلم تجدوا» لأنّه متعلّق بالجمل الأربع‏ «1».

و في مجمع البيان‏ «2»: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ قيل: نزلت في رجل من الأنصار كان مريضا و لم يستطع أن يقوم فيتوضّأ.

فالمرض الّذي يجوز فيه التّيمّم، مرض الجراح و الكسر و القروح إذا خاف صاحبها من مسّ الماء، عن ابن عبّاس و ابن مسعود و السّدي و الضّحّاك و مجاهد و قتادة.

و قيل: هو المرض الّذي لا يستطيع معه تناول الماء و لا يكون هناك من يناوله، عن الحسن و ابن زيد، و كان الحسن لا يرخّص للجريح التّيمّم.

و المرويّ عن السّيّدين الباقر و الصّادق- عليهما السّلام- جواز التّيمّم في جميع ذلك.

أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ: لا تجدونه فيه.

أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ: فأحدث بخروج الخارج من أحد السّبيلين و لم يجد ماء.

______________________________
(1) في هامش الأصل: «ردّ على الفاضل الكاشي في ردّه على البيضاوي.» قال البيضاوي في أنوار التنزيل 1/ 221 بعد ذكر الآية:

«مرضا يخاف معه من استعمال الماء. فانّ الواجد له كالفاقد، أو مرضا يمنعه عن الوصول إليه.» و قال الفيض الكاشاني في الصافي 1/ 420، بعد ذكر الآية:

«قيل: يعني مريضا يخاف على نفسه باستعمال الماء أو الوصول إليه.

أقول: لا حاجة إلى هذا التقييد لأنّ قوله تعالى‏ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً متعلّق بالجمل الأربع و هو يشمل عدم التمكّن من استعماله. لأنّ الممنوع منه كالمفقود. و كذلك تقييد السفر بعدم وجدان الماء. و هما مستفادان من النصوص المعصومية، ايضا.»

(2) مجمع البيان 2/ 52.

414
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

و أصل الغائط، المكان المطمئنّ من الأرض.

أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ:

قيل‏ «1»: أي: مسستم بشرتهنّ ببشرتكم.

و قرأ حمزة و الكسائيّ هنا و في المائدة: «لمستم» و استعماله الكناية عن الجماع أقلّ من الملامسة «2». و المراد هنا: جامعتم.

ففي الكافي‏ «3»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ- أو لامستم.

قال: هو الجماع، و لكنّ اللّه ستير يحب السّتر فلم يسمّ كما تسمّون.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

اللّمس، الجماع.

عن أبي مريم‏ «5» قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام-: ما تقول في الرّجل يتوضّأ ثمّ يدعو بجاريته فتأخذ بيده حتّى ينتهي إلى المسجد، فإنّ من عندنا يزعمون أنّها الملامسة؟

فقال: لا و اللّه، ما بذلك بأس، و ربّما فعلته، و ما يعني بهذا، أي: لامَسْتُمُ النِّساءَ إلّا المواقعة دون الفرج.

عن الحلبيّ‏ «6»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سأله قيس بن رمّانه قال:

أتوضّأ ثمّ أدعو الجارية فتمسك بيدي فأقوم و أصلّي، أعليّ وضوء؟

فقال: لا.

قال فإنّهم يزعمون أنّه اللّمس.

قال: لا و اللّه، ما اللّمس إلّا الوقاع، يعني: الجماع. ثمّ قال: قد كان أبو جعفر- عليه السّلام- بعد ما كبر يتوضّأ ثمّ يدعو الجارية فتأخذ «7» بيده فيقوم و يصلّي.

فَلَمْ تَجِدُوا ماءً: بأن تفقدوه، أو لم تتمكّنوا من استعماله كما سبق، و العبارة:

فلم يوجد ماء. و العدول لإرادة هذا المعنى.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 221. و فيه: أو ماسستم.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) الكافي 5/ 555، ح 5.

(4) تفسير العياشي 1/ 243، ح 140.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 139.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 142.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: ثم يأخذ.

415
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 38 الى 43] ص : 406

فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ‏: فتعمّدوا ترابا طاهرا، فامسحوا ببعض الوجوه و الأيدي.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «1»: عن أبي أيّوب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

التّيمّم بالصّعيد لمن لم يجد الماء كمن توضّأ من غدير من ماء، أليس اللّه يقول: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً.

قال: قلت: فإن أصاب الماء و هو في آخر الوقت؟

قال: فقال: قد مضت صلاته.

قال: قلت له: فيصلّي بالتّيمّم صلاة أخرى.

قال: إذا رأى الماء و كان يقدر عليه انتقض التّيمّم.

و في كتاب معاني الأخبار «2»: و قد روي عن الصّادق أنّه قال‏: الصّعيد، الموضع المرتفع. و الطّيّب، الموضع الّذي ينحدر منه الماء.

و قيل‏ «3»: الصّعيد، وجه الأرض، ترابا كان أو غيره فيجوز التّيمّم على الحجر الصّلد. و يدفعه من القرآن قوله في المائدة: فامسحوا بوجوهكم و أيديكم منه، أي: من بعضه، و جعل «من» لابتداء الغاية تعسّف إذ لا يفهم في مثله إلّا التّبعيض.

و من الحديث‏

قوله- صلّى اللّه عليه و آله-: جعلت لي الأرض مسجدا و ترابها طهورا «4».

فلو كان مطلق الأرض طهورا لكان ذكر التّراب مخلا، و كان العبارة أن يقول:

جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا «5» كما في الرّواية الأخرى.

و الآية دلّت على أنّ المسح ببعض الرّأس و اليدين لمكان الباء لا لإفادة الباء التّبعيض، حتّى يرد أنّ سيبويه صرّح بخلافه بل لمكانه و كونه حيث لم يحتج إليه، لتعدية الفعل بنفسه إلى المفعول.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (43): فلذلك يسّر الأمر عليكم، و رخّص لكم.

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 244، ح 143.

(2) لم نعثر عليه في معاني الأخبار و لكن نقل في الصافي، 1/ 455، عنه.

(3) أنوار التنزيل 1/ 222.

(4) المعتبر 2/ 116.

(5) وسائل الشيعة، ج 2، باب 7 من أبواب التيمم، ص 969- 970، نقلا عن الكافي، الفقيه، المجالس، و الخصال.

416
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

 

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا: من رؤية البصر، أي: ألم تنظر إليهم. أو القلب.

و عدّي «بإلى» لتضمين معنى الانتهاء.

نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ‏.

قيل‏ «1»: حظّا يسيرا من [علم‏] «2» التّوراة، لأنّ المراد أحبار اليهود.

يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ: بالهدى، يختارونها على الهدى. أو يستبدلونها بعد تمكّنهم منه. أو حصوله لهم.

قيل: بإنكار نبوّة محمّد.

و قيل‏ «3»: يأخذون الرّشى و يحرّفون التّوراة.

وَ يُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا: أيّها المؤمنون.

السَّبِيلَ‏ (44): سبيل الحقّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: في هذه الآية: و يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ، يعني: ضلّوا في أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- و يريدون أن تضلّوا السّبيل، يعني: أخرجوا النّاس من ولاية أمير المؤمنين و هو الصّراط المستقيم.

وَ اللَّهُ أَعْلَمُ‏: منكم، بِأَعْدائِكُمْ‏: و قد أخبركم بعداوة هؤلاء و ما يريدون بكم فاحذروهم، و كفى باللّه وليّا يلي أمركم.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَ كَفى‏ بِاللَّهِ نَصِيراً (45): يعينكم، فثقوا عليه و اكتفوا به عن غيره.

و «الباء» تزاد في فاعل «كفى» ليؤكّد الاتّصال الإسناديّ بالاتّصال الإضافي.

مِنَ الَّذِينَ هادُوا: بيان «للّذينَ أوتوا نصيبا» أو «لأعدائكم» أو صلة «لنصيرا»: أي: ينصركم من الّذين هادوا و يحفظكم منهم، على الاحتمال الأوّل. و خبر مبتدأ محذوف، بناء عليه أو على ما في تفسير عليّ بن إبراهيم، و صفة ذلك المبتدأ «يحرّفون الكلم عن مواضعه»، أي: من الّذين هادوا قوم.

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ‏، أي: يميلونه، عَنْ مَواضِعِهِ‏: الّتي وضعه اللّه فيها، بإزالته عنها و إثبات غيره فيها، كما حرّفوا في‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 222.

(2) من المصدر.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) تفسير القمي 1/ 139- 140.

 

417
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

 

وصف محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- أسمر ربعة عن موضعه في التّوراة و وضعوا مكانه: آدم طوال. أو يأوّلونه على ما يشتهون، فيميلونه عمّا أنزل اللّه فيه.

وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا: قولك.

وَ عَصَيْنا: أمرك.

وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏، أي: مدعوّا عليك بلا سمعت بصمم أو موت. أو اسمع غير مجاب إلى ما تدعو إليه. أو اسمع غير مسمع كلاما ترضاه. أو اسمع كلاما غير مسمع إيّاك، لأنّ أذنك تنبو عنه فيكون مفعولا به. أو اسمع غير مسمع مكروها، من قولهم: أسمعه فلان، إذا سبّه. و إنّما قالوه نفاقا.

وَ راعِنا: انظرنا نكلّمك، أو نفهم كلامك.

لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ‏: فتلا بها و صرفا للكلام إلى ما يشبه السّبّ، حيث وضعوا «راعنا» المشابه لما يتسابون به في موضع «انظرنا» و «غير مسمع» موضع «لا سمعت مكروها». أو فتلا و ضمّا لما يظهرون من الدّعاء و التّوقير، إلى ما يضمرون من السّبّ و التّحقير نفاقا.

وَ طَعْناً فِي الدِّينِ‏: استهزاء به و سخرية.

وَ لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ اسْمَعْ وَ انْظُرْنا: و لو ثبت قولهم هذا مكان ما قالوا، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَقْوَمَ‏: أعدل و أسدد. و يجب حذف الفعل بعد «لو» في مثل ذلك لدلالة أنّ عليه و وقوعه موقعه.

وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ‏: و لكن أبعدهم اللّه من الهدى بسبب كفرهم.

فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (46)، أي: إيمانا قليلا لا يعبأ به، و هو الإيمان ببعض الآيات و الرّسل. أو إيمانا ضعيفا لا إخلاص فيه.

و يجوز أن يراد بالقلّة العدم، كقوله: قليل التّشكّي للمهمّ يصيبه.

أو إلّا قليلا منهم قد آمنوا، أو سيؤمنون.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها:

الطّمس، المحو. يقال: طمسته طمسا، محوته. و الشي‏ء، استأصلت أثره.

قيل‏ «1»: أي: من قبل أن نمحو تخطيط صورها و نجعلها على هيئة أدبارها، يعني:

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 223.

 

418
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

الأقفاء. أو ننكسها إلى ورائها في الدّنيا أو في الآخرة.

و قيل‏ «1»: الطّمس يطلق لمطلق التّغيير، و القلب، و المعنى: من قبل أن نغيّر وجوها فنسلب وجاهتها و إقبالها و نكسوها الصّغار و الأدبار و نردّها إلى حيث جاءت منه، و هي أذرعات الشّام، يعني: إجلاء بني النّضير. و يقرب منه قول من قال: إنّ المراد بالوجوه الرّؤساء.

و في مجمع البيان‏ «2»: في رواية أبي الجارود عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ المعنى:

أن نطمسها عن الهدى فنرّدها على أدبارها في ضلالتها بحيث لا يفلح‏ «3» أبدا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «4»: عن جابر الجعفيّ قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام- في حديث له طويل: يا جابر، أوّل الأرض المغرب تخرب أرض الشام‏ «5». يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات‏ «6»: راية الأصهب و راية الأبقع و راية السّفيانيّ، فيلقى السّفياني الأبقع [فيقتتلون‏] «7» فيقتله و من معه و راية الأصهب، ثمّ لا يكون لهم همّ إلّا الإقبال نحو العراق [و يمّر «8» جيشه بقرقيسا. فيقتتلون بها. فيقتل بها من الجبارين مائة ألف.] «9» و يبعث السّفيانيّ جيشا إلى الكوفة و عدّتهم سبعون ألفا فيصيبون من أهل الكوفة قتلا و صلبا و سبيا. (فبينا) «10» هم كذلك إذ أقبلت رايات من ناحية خراسان تطوي المنازل [طيّا] «11» حثيثا و معهم نفر من أصحاب القائم- عليه السّلام- يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في صنعاء «12». فيقتله أمير جيش السّفيانيّ بين الحيرة و الكوفة. و يبعث السّفيانيّ بعثا إلى‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، باختلاف لفظي في أوّله.

(2) مجمع البيان 2/ 55.

(3) المصدر: «ذمّا لها بأنّها لا تفلح» بدل «بحيث لا يفلح».

(4) تفسير العياشي 1/ 244- 245، ح 147.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: أهل الشام.

(6) المصدر: رايات ثلاث.

(7) من البرهان 1/ 373، نقلا عن المصدر. و هو الصواب. و في المصدر: فيقتلون‏

(8) المصدر: «مرّ».

(9) من البرهان 1/ 373، نقلا عن المصدر. و في النسخ: «و من جيش قرقيسا فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين». و في المصدر: «و مر جيش قرقيسا فيقتلون بها مائة ألف من الجبارين.» و كلا العبارتين مشوّشة.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: و بينا.

(11) من المصدر.

(12) المصدر: ضعفاء.

 

419
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

المدينة فيفرّ المهديّ- عليه السّلام- منها إلى مكّة. فيبلغ أمير جيش السّفياني أنّ المهديّ قد خرج من المدينة. فيبعث جيشا على أثره فلا يدركه حتّى يدخل مكّة خائفا يترقّب على سنّة موسى بن عمران.

[قال:] «1» و ينزل جيش أمير السّفيانيّ البيداء. فينادي مناد من السّماء: «يا بيداء بيدي‏ «2» بالقوم.» فيخسف بهم البيداء، فلا يفلت منهم إلّا ثلاثة نفر يحوّل اللّه وجوههم في أقفيتهم. و هم من كلب. و فيهم أنزلت [هذه الآية] «3» «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما أنزل على عبدنا»، يعني: القائم- عليه السّلام- مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى‏ أَدْبارِها.

و روى عمرو بن شمر، عن جابر «4» قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: نزلت هذه الآية على محمّد هكذا: «يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلت في عليّ مصدّقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردّها على أدبارها أو نلعنهم» إلى [قوله‏] «5» «مفعولا» و أمّا قوله: مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ‏ يعني: مصدّقا برسول‏ «6» اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

و في أصول الكافي‏ «7»: عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد البرقيّ، عن أبيه، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن منخّل، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

نزل جبرئيل على محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- بهذه الآية هكذا: يا أيّها الّذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا في عليّ- عليه السّلام- نورا مبينا.

أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ‏: أو نخزيهم بالمسخ كما أخزينا به أصحاب السّبت، أو نلعنهم على لسانك كما لعنّاهم على لسان داود. و الضّمير لأصحاب الوجوه، أو للّذين على طريقة الالتفات، أو للوجوه إن أريد بها الوجهاء.

قيل‏ «8»: و عطفه على الطّمس بالمعنى الأوّل يدلّ على أنّ المراد به ليس مسخ الصّورة في الدّنيا.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) المصدر: أبيدي.

(3) من المصدر.

(4) نفس المصدر 1/ 245، ح 148.

(5) من المصدر.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: لرسول.

(7) الكافي 1/ 417، ح 27.

(8) أنوار التنزيل 1/ 223.

420
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

و فيه: أنّه مسخ خاصّ، فيصحّ أن يكون مقابلا لمسخ أصحاب السّبت. و من حمل الوعيد على تغيّر الصّورة في الدّنيا قال: إنّه بعد مترقّب، أو كان وقوعه مشروطا بعدم إيمانهم. و قد آمن منهم طائفة.

وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ‏: بإيقاع شي‏ء، أو وعيده، أو ما حكم به و قضاه.

مَفْعُولًا (47): نافذا، أو كائنا فيقع لا محالة ما أوعدتم به إن لم تؤمنوا.

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ‏: لأنّه حكم بخلود عذابه و أوجب على نفسه تعذيبه، لأنّه لا ينمحي عنه أثره فلا يستعد للعفو إلّا أن يتوب و يرجع إلى التّوحيد، فإنّ باب التّوبة مفتوح أبدا.

في عيون الأخبار «1»: عن الرّضا- عليه السّلام- و بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ اللّه يحاسب كلّ خلق إلّا من أشرك باللّه، فإنّه لا يحاسب [يوم القيامة] «2» و يؤمر به إلى النّار.

وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ‏، أي: ما دون الشّرك، صغيرا كان أو كبيرا.

في أصول الكافي‏ «3»: يونس، عن ابن بكير، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به، و يغفر لما دون ذلك لمن يشاء الكبائر فما سواها.

قال: قلت: دخلت الكبائر في الاستثناء؟

قال: نعم.

لِمَنْ يَشاءُ: تفضّلا عليه و إحسانا.

و المراد «بمن يشاء» الشّيعة خاصّة يغفر لهم ما سوى الشّرك، فمن كان شيعة و خرج من الدّنيا مشركا لا يغفر له كما لا يغفر لسائر المشركين، و إن لم يكن مشركا يغفر له- و إن كان عليه ذنوب أهل الأرض غير الشّرك.

و الدّليل على أنّ المراد «بمن يشاء» الشّيعة

ما رواه العيّاشي في تفسيره‏ «4»: عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: أمّا قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ‏ يعني:

أنّه لا يغفر لمن يكفر بولاية عليّ. و أمّا قوله: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ يعني: لمن والى‏

______________________________
(1) عيون الأخبار 2/ 34، ح 66.

(2) من المصدر.

(3) الكافي 2/ 284، ح 18.

(4) تفسير العياشي 1/ 245- 246، ح 149.

 

421
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

عليّا- عليه السّلام-.

و ما رواه في من لا يحضره الفقيه‏ «1»: بإسناده إلى أمير المؤمنين قال: و لقد سمعت حبيبي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول‏: لو أنّ المؤمن خرج من الدّنيا و عليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذّنوب، ثمّ قال- عليه السّلام-: من قال لا إله إلّا اللّه بإخلاص فهو بري‏ء من الشّرك، و من خرج من الدّنيا لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة، ثمّ تلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ من شيعتك و محبّيك يا عليّ.

قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- فقلت: يا رسول اللّه، هذا لشيعتي؟

قال: إي و ربّي إنّه لشيعتك.

و الحديث طويل أخذت منه موضع الحاجة.

و الدّليل على أنّه يغفر ذنوب الشّيعة و إن لم يتب و لو كان عليه مثل ذنوب أهل الأرض ما سبق و

ما رواه في كتاب التّوحيد «2»: بإسناده إلى أبي ذرّ- رحمه اللّه- قال‏:

خرجت ليلة من اللّيالي، فإذا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يمشي وحده و ليس معه إنسان، فظننت أنّه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت فرآني.

فقال لي من هذا؟

فقلت أبو ذر جعلني اللّه فداك.

قال: يا أبا ذرّ تعال.

قال: فمشيت معه ساعة، فقال: إنّ المكثرين هم الأقلّون يوم القيامة إلّا من أعطاه اللّه خيرا، فنفخ منه بيمينه و شماله و بين يديه و ورائه و عمل فيه خيرا.

قال فمشيت معه ساعة، فقال لي: اجلس هاهنا، و أجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس حتّى أرجع إليك.

قال فانطلق‏ «3» في الحرّة حتّى لم أره و توارى عنّي فأطال اللّبث، ثمّ إني سمعته و هو مقبل و هو يقول: و إن زنى و إن سرق، فلمّا جاء لم أصبر حتّى قلت: يا نبيّ اللّه جعلني اللّه‏

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 4/ 295، ح ضمن حديث 892.

(2) التوحيد/ 25- 26، ح 24، و أيضا فيه، ص 409- 410، ح 9.

(3) المصدر: و انطلق.

 

422
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

فداك من تكلّمه‏ «1» في جانب الحرّة، فإني ما سمعت أحدا يردّ عليك [من الجواب‏] «2» شيئا؟

قال: ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرّة، فقال: بشّر أمّتك إنّ من مات لم يشرك‏ «3» باللّه- عزّ و جلّ- شيئا دخل الجنّة.

فقلت: يا جبرئيل، و إن زنى و إن سرق؟

قال: نعم.

قلت: و إن زنى و إن سرق؟

قال: نعم‏ «4»، و إن شرب الخمر.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «5»: عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: أمّا قوله:

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ‏ يعني: أنّه لا يغفر لمن يكفر بولاية عليّ. و أمّا قوله: وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ يعني: لمن والى عليّا- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «6»: فإنّه حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت له: دخلت الكبائر في الاستثناء؟

قال: نعم.

عن أبي العبّاس قال‏: سألت أبا عبد اللّه عن أدنى ما يكون به الإنسان مشركا؟

قال: من ابتدع رأيا فأحبّ عليه أو أبغض.

و في نهج البلاغة «7»: قال- عليه السّلام-: فامّا الظلم الّذي لا يغفر فالشرك باللّه، قال اللّه سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.

و في مجمع البيان‏ «8»: وقف اللّه- سبحانه- المؤمنين الموحّدين بهذه الآية بين الخوف و الرّجاء، و بين العدل و الفضل، و ذلك صفة المؤمنين، و لذلك‏

قال الصّادق- عليه السّلام-: لو وزن رجاء المؤمن و خوفه لاعتدلا.

و في كتاب التّوحيد «9»: بإسناده إلى ثوير، عن أبيه أنّ عليّا- عليه السّلام- قال‏:

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: تكلّم.

(2) من المصدر.

(3) المصدر: لا يشرك.

(4) «قلت: و إن زنى و إن سرق؟ قال: نعم» ليس في المصدر.

(5) تفسير العياشي 1/ 245- 246، ح 149.

(6) تفسير القمي 1/ 140.

(7) نهج البلاغة/ 61، ضمن خطبة 176.

(8) مجمع البيان 2/ 57.

(9) التوحيد/ 409، ح 8.

 

423
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

ما في القرآن آية أحبّ إليّ من قوله- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.

وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى‏ إِثْماً عَظِيماً (48): ارتكب ما استحقر دونه الآثام.

و هو إشارة إلى المعنى الفارق بينه و بين سائر الذّنوب و الافتراء، أو كما يطلق على القول يطلق على الفعل، و كذلك الاختلاق.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ‏:

في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: أنّها نزلت في اليهود و النّصارى حين قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ‏ و قالوا: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏.

و الجمع، أنّها نزلت في الأوّلين و جرت في الآخرين، و فيمن يسمّون أنفسهم باهل الرّياضة و التّوحيد و يجعلون أنفسهم ممتازة من أهل القشر و التّقليد.

بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ: لأنّه العالم بما ينطوي عليه الإنسان من حسن و قبح، و لا غرض في التّزكية، و قد ذمّهم و زكّى المرتضين من عباده المؤمنين.

و أصل التّزكية، نفي ما يستقبح فعلا] «2» و قولا.

وَ لا يُظْلَمُونَ‏: بالذّمّ و العقاب على تزكيتهم أنفسهم بغير حقّ، فَتِيلًا (49): أدنى ظلم و أصغره. و هو الخيط الّذي في شقّ النّواة، يضرب به المثل في الحقارة.

انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏: في زعمهم أنّهم أبناء اللّه و أزكياء عنده، أو خلفاؤه، أو أولياؤه.

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 58.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

424
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 44 الى 53] ص : 417

وَ كَفى‏ بِهِ‏: بزعمهم هذا، أو بالافتراء، إِثْماً مُبِيناً (50): لا يخفى كونه مأثما من بين آثامهم‏ أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ‏:

قيل‏ «1»: نزلت في يهود، كانوا يقولون: إنّ عبادة الأصنام أرضى عند اللّه، ممّا يدعو إليه محمّد.

و قيل‏ «2»: في حيّ بن أخطب، و كعب بن الأشرف، و جمع من اليهود، خرجوا [إلى مكّة] «3» يحالفون قريشا على محاربة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقالوا: أنتم أهل الكتاب. و أنتم أقرب إلى محمّد منكم إلينا. فلا نأمن مكركم. فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئنّ إليكم، ففعلوا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4» قال: نزلت في اليهود، حين سألهم مشركو العرب:

أ ديننا أفضل أم دين محمّد؟ قالوا: بل دينكم أفضل.

و روي أيضا «5»: أنّها نزلت في الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم، و حسدوا منزلتهم.

و روى العيّاشي‏ «6»: عن الباقر- عليه السّلام-: أنّ الجبت و الطّاغوت، فلان و فلان.

و «الجبت» في الأصل، اسم صنم. فاستعمل في كلّ ما عبد من دون اللّه.

و قيل: أصله، الجبس. و هو الّذي لا خير فيه، فقلبت سينه تاء «7» و الطّاغوت، يطلق لكلّ باطل من معبود أو غيره‏ «8».

وَ يَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا، أي: لأجلهم و فيهم.

هؤُلاءِ: إشارة إليهم.

أَهْدى‏ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أقوم دينا، و أرشد طريقا.

في الكافي‏ «9»: عن الباقر- عليه السّلام-: «يقولون» لأئمّة الضّلال‏ «10» و الدّعاة إلى النّار:

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 224.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) من المصدر.

(4) تفسير القمي 1/ 140.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) تفسير العيّاشي 1/ 246.

(7) أنوار التنزيل 1/ 224.

(8) نفس المصدر و الموضع.

(9) الكافي 1/ 205، ضمن حديث 1.

(10) المصدر: لأئمة الضلالة.

 

425
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

 

«هؤلاء أهدى» من آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- [ «سبيلا»] «1».

أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (52):

يمنع العذاب بشفاعة، أو غيرها.

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ‏: إنكار، يعني: ليس لهم ذلك.

فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (53)، يعني: لو كان لهم نصيب‏ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ‏ ما يوازي «نقيرا» و هو النّقطة الّتي في وسط النّواة. و هذا هو الإغراق في بيان شحّهم، فإنّهم نجلوا بالنّقير و هم ملوك، فما ظنّك بهم إذا كانوا أذّلاء متفاقرين.

و يحتمل أن يكون إنكار، أنّهم أوتوا نصيبا من الملك على الكناية، و أنّهم لا يؤتون النّاس شيئا.

و «إذا» «2» إذا وقع بعد الواو أو الفاء، لا لتشريك مفرد، جاز فيه الإلغاء و الإعمال. و لذلك قرئ: «فإذا لا يؤتوا» على النّصب‏ «3».

و في الكافي‏ «4»: عن الباقر- عليه السّلام-: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ‏، يعني:

الإمامة و الخلافة. قال‏ «5»: و نحن النّاس الّذين عنى اللّه. و النّقير، النّقطة الّتي في وسط النّواة.

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ‏: قيل‏ «6»: بل أ يحسدون النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و أصحابه، أو العرب، أو النّاس جميعا.

عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏: قيل‏ «7»: النّبوّة و الكتاب و النّصرة و الإعزاز، و جعل النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- الموعود منهم.

و في الكافي و تفسير العيّاشي و غيرهما في عدّة روايات، عنهم- عليه السّلام‏ «8»-:

نحن المحسودون الّذين قال اللّه، على ما آتانا و من الامامة.

و في مجمع البيان‏ «9»: عن الباقر- عليه السّلام-: المراد بالنّاس، النّبيّ و آله‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) هكذا في ر و أ. و في الأصل: إذن.

3 و 6- أنوار التنزيل 1/ 224.

(4) الكافي 1/ 205، ضمن حديث 1.

(5) المصدر: «فإذا لا يؤتون الناس نقيرا» بدل «قال و».

(7) نفس المصدر و الموضع.

(8) الكافي 1/ 206، ح 4، تفسير العياشي 1/ 246. و راجع بحار الأنوار 23/ 283.

(9) مجمع البيان 2/ 61.

 

 

426
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

 

- صلّى اللّه عليه و آله-.

[و في أصول الكافي‏ «1»: أحمد بن محمّد، عن محمّد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: نحن قوم فرض اللّه- عزّ و جلّ- طاعتنا، لنا الأنفال، و لنا صفو المال، و نحن الرّاسخون في العلم، و نحن المحسودون الّذين قال اللّه-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد «2»، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قول اللّه- تبارك و تعالى-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏ قال: نحن المحسودون.

الحسين بن محمد، عن المعلّى بن محمّد «3»، عن الوشّاء، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي الصّباح الكنانيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏.

فقال: يا أبا الصّباح، نحن- و اللّه- النّاس المحسودون.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «4»، عن ابن أبي عمير و محمّد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن عليّ بن مهزيار، عن عليّ بن فضّال، عن ابن أيّوب‏ «5» جميعا، عن معاوية بن عمّار، عن عمرو بن عكرمة قال‏: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فقلت [له:] «6» لي جار يؤذيني.

فقال: أرحمه.

فقلت: لا رحمه اللّه. فصرف وجهه عنّي [قال:] «7» فكرهت أن أدعه، فقال:

ارحمه، فقال: لا رحمه اللّه‏ «8»، فقلت: يفعل بي كذا و كذ «9» و يؤذيني، فقال: أ رأيت إن كاشفته انتصفت منه. فقلت: بلى أربي‏ «10» عليه. فقال: إنّ ذا ممّن‏ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏، فإذا رأى نعمة على أحد فكان له أهل جعل بلاءه عليهم. و إن‏

______________________________
(1) الكافي 1/ 186، ح 6.

(2) نفس المصدر 1/ 206، ح 2.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 4. و فيه: معلّى بن محمد.

(4) نفس المصدر 2/ 661، صدر حديث 1.

(5) المصدر: عن فضالة بن أيّوب.

6 و 7- من المصدر.

(8) «فقال: أرحمه. فقال: لا رحمه اللّه» ليس في المصدر و هي يمكن أن تكون زائدة.

(9) المصدر: يفعل بى كذا و كذا و يفعل بي.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: ان أبى.

 

 

427
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

لم يكن [له‏] «1» أهل جعله على خادمه. فإن لم يكن له خادم أسهر ليله و أغاظ «2» نهاره.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.] «3» فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ‏: الّذين هم أسلاف النّبيّ، و بني عمّه.

الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (54): فلا يبعد أن يؤتيهم مثل ما آتاهم.

في تفسير علي بن إبراهيم‏ «4»: عن الصّادق- عليه السّلام-: الكتاب، النّبوّة.

و الحكمة، الفهم و القضاء. و الملك العظيم، الطّاعة المفروضة.

و في الكافي و تفسير العيّاشي‏ «5»: عن الباقر- عليه السّلام-: يعني: جعل منهم الرّسل و الأنبياء و الأئمّة، فكيف يقرّون في آل إبراهيم و ينكرونه في آل محمّد؟! و قال:

الملك العظيم، أن جعل فيهم أئمّة من أطاعهم أطاع اللّه و من عصاهم عصى اللّه، فهو الملك العظيم.

[و في أصول الكافي‏ «6»: محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن مختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه: وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً قال: الطّاعة المفروضة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «7»، عن الحسين بن سعيد، عن النضّر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن محمّد الأحول، عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول اللّه عزّ و جلّ‏ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ‏ «8».

قال: النّبوّة. قلت: الْحِكْمَةَ.

قال: الفهم و القضاء.

قلت: وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

قال: الطّاعة.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: أنهى.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

(4) تفسير القمي 1/ 140.

(5) الكافي 1/ 206، ح 5 و تفسير العياشي 1/ 246. و سيأتي أيضا عن الكافي فقط قريبا.

(6) الكافي 1/ 186، ح 4.

(7) نفس المصدر 1/ 206، ح 3.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «و آتيناهم الكتاب» بدل «فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب».

428
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «1»، عن محمّد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بريد العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

[قال:] «2» جعل منهم الرّسل و الأنبياء و الأئمّة، فكيف يقرّون في آل إبراهيم و ينكرونه‏ «3» في آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله؟! قال: قلت: وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

قال: الملك العظيم، أن جعل فيهم أئمّة من أطاعهم فقد أطاع اللّه و من عصاهم فقد عصى اللّه، و هو الملك العظيم.

و في عيون الأخبار «4»، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- في وصف الإمامة و الإمام قال- عليه السّلام-: إنّ الأنبياء و الأئمّة يوفّقهم اللّه و يؤتيهم من مخزون‏ «5» علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم، في قوله- عزّ و جلّ-: «6» أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‏ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ‏ و قال- عزّ و جلّ- لنبيّه‏ «7»: وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً و قال- عزّ و جلّ- في الأئمّة من أهل بيته و عترته و ذرّيّته: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

و فيه‏ «8»، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة و الأمّة، حديث طويل، و فيه: فقال له المأمون: هل فضّل اللّه العترة على سائر النّاس؟

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تعالى- أبان فضل العترة على سائر النّاس في محكم كتابه.

فقال له المأمون: أين ذلك من كتاب اللّه- تعالى؟

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 206، ح 5.

(2) من المصدر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: ينكرون.

(4) عيون الأخبار 1/ 221، ضمن حديث. و قد سقط من وسطه بعض الآيات.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: مخزن.

(6) يونس/ 35.

(7) النساء/ 113.

(8) نفس المصدر 1/ 230- 231، ضمن حديث.

 

429
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

فقال له الرّضا- عليه السّلام-: في قوله- تعالى‏ «1»-: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ [وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.] و قال- عزّ و جلّ- في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [...] يعني الطّاعة للمصطفين الطّاهرين فالملك هاهنا هو الطّاعة.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «2»، بإسناده إلى محمّد بن الفضل، عن أبي حمزة الثّماليّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: فإنّ اللّه- تبارك و تعالى- يجعل العلم جهلا و لم يكل أمره إلى ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل، و لكنّه أرسل رسلا من الملائكة إلى نبيّه فقال له: كذا و كذا، و أمره بما يحبّه‏ «3» و نهاه عما يكره‏ «4» فقصّ عليه ما قبله و ما خلفه بعلم. فعلّم ذلك العلم أنبياءه و أولياءه‏ «5» و أصفياءه من الآباء و الإخوان بالذّرّيّة الّتي بعضها من بعض. و ذلك قوله- عزّ و جلّ-:

فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً. فأمّا الْكِتابَ‏، النّبوّة. و أمّا الْحِكْمَةَ، فهم الحكماء من الأنبياء و الأولياء و الأصفياء [من الصّفوة] «6».

و قال- عليه السّلام- فيه‏ «7»- أيضا-: إنّما الحجّة في آل إبراهيم لقول اللّه- عزّ و جلّ-: فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً.

فالحجّة الأنبياء و أهل بيوتات الأنبياء حتى تقوم السّاعة.

و في روضة الكافي‏ «8»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن محمّد بن الفضل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله سواء.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ‏ «9» قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن عمر

______________________________
(1) آل عمران/ 33- 34.

(2) كمال الدين و تمام النعمة/ 217- 218، ضمن حديث.

(3) المصدر: يحبّ.

(4) المصدر: ينكر.

(5) ليس في المصدر.

(6) من المصدر.

(7) نفس المصدر/ 218، ضمن حديث.

(8) الكافي 8/ 117- 118 و 119.

(9) تفسير فرات/ 32.

 

430
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

الزّهريّ‏ «1» معنعنا، عن إبراهيم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك ما تقول في هذه الآية: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً..

قال: نحن النّاس الذين قال اللّه، و نحن المحسودون، و نحن أهل الملك، و نحن ورثنا النّبيّين، و عندنا عصا موسى، و إنّا لخزّان اللّه‏ «2» في الأرض لا نحزن على ذهب‏ «3» و لا فضّة، و إنّ منّا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و الحسن و الحسين- عليهما السّلام.] «4»

فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ‏:

قيل‏ «5»: بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- أو بما ذكر من حديث آل إبراهيم.

و قيل‏ «6»: معناه: فمن آل إبراهيم «من آمن به» و منهم من كفر، و لم يكن في ذلك و هن في أمره، فكذا لا يوهن كفر هؤلاء أمرك.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ‏، يعني: أمير المؤمنين- عليه السّلام- و هم سلمان و أبو ذرّ و المقداد و عمّار.

وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ‏، أي: أعرض عنه و لم يؤمن.

وَ كَفى‏ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (55): نارا مسعورة يعذّبون بها، يعني: إن لم يعجّلوا بالعقوبة فقد كفاهم ما أعدّ لهم من سعير جهنّم.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً:

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: الآيات، أمير المؤمنين و الأئمّة- عليه السّلام.

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ‏:

قيل‏ «9»: بأن يعاد ذلك الجلد بعينه على صورة أخرى، كقولك: بدّلت الخاتم قرطا.

أو بأن يزال عنه أثر الإحراق، ليعود إحساسه للعذاب.

و قيل‏ «10»: يخلق مكانه جلد آخر.

______________________________
(1) المصدر: عليّ بن محمّد بن عليّ بن عمر الزّهريّ.

(2) المصدر: للّه.

(3) المصدر: «لا بخزان ذهب» بدل «لا نحزن على ذهب».

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

5 و 6- أنوار التنزيل 1/ 224.

(7) تفسير القمي 1/ 140- 141.

(8) تفسير القمي 1/ 141.

(9) أنوار التنزيل 1/ 225.

(10) نفس المصدر و الموضع.

431
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

و العذاب في الحقيقة للنّفس العاصية المدركة، لا لآلة «1» إدراكها، فلا محذور.

و في كتاب الاحتجاج‏ «2»، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-:

و عن حفص بن غياث قال‏: شهدت المسجد الحرام، و ابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد اللّه- عليه السّلام- و عن هذه الآية، فقال: ما ذنب الغير؟

قال: و يحك، هي هي، و هي غيرها.

قال: فمثّل لي في ذلك شيئا من أمر الدّنيا.

قال: نعم، أ رأيت لو أنّ رجلا أخذ لبنة فكسرها، ثمّ ردّها في ملبنها، فهي هي و هي غيرها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: قيل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: كيف تبدّل جلودهم غيرها؟

قال: أ رأيت لو أخذت لبنة فكسرتها و صيّرتها ترابا، ثمّ ضربتها في القالب أ هي كانت، إنّما هي ذلك و حدث تغيير «4» آخر و الأصل واحد.

[و في أصول الكافي‏ «5»: الحسين بن محمّد، عن معلى بن محمّد، عن محمّد بن عليّ [قال: أخبرني سماعة بن مهران‏] «6» قال: أخبرني الكلبيّ النّسّابة قال: قلت لجعفر بن محمّد- عليه السّلام-: ما تقول في المسح على الخفّين؟ فتبسّم ثمّ قال: إذا كان يوم القيامة و ردّ اللّه كلّ شي‏ء إلى منبته‏ «7» و ردّ الجلد إلى الغنم فترى أصحاب المسح أين يذهب وضوؤهم.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في عيون الأخبار «8»، في باب مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع سليمان المروزيّ، قال الرّضا- عليه السّلام- في أثناء كلام بينه- عليه السّلام- و بين سليمان:

يا سليمان، هل يعلم [اللّه‏] «9» جميع ما في الجنّة و النّار؟

______________________________
(1) أ: لا دلالة.

(2) الاحتجاج 2/ 104.

(3) تفسير القمي 1/ 141.

(4) هكذا في أ. و في الأصل: «تغيّر» و في المصدر: «تفسيرا».

(5) الكافي 1/ 350 و أوّله في ص 369، ح 6.

(6) من المصدر.

(7) المصدر: شيئه.

(8) عيون الأخبار 1/ 184- 185، ضمن حديث.

(9) من المصدر.

 

432
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

قال سليمان: نعم.

قال: أ فيكون ما علم اللّه- عزّ و جلّ- أنّه يكون من ذلك؟

قال: نعم.

قال: فإذا كان [حتّى‏] «1» لا يبقى منه شي‏ء إلّا كان أ يزيدهم أو يطويه عنهم؟

قال سليمان: بل يزيدهم‏ «2».

قال: فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن في علمه أنّه يكون.

قال: جعلت فداك، فالمزيد «3» لا غاية له.

قال: فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف [غاية] «4» ذلك، و إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون‏ «5»، تعالى اللّه عن ذلك علّوا كبيرا.

قال سليمان: إنّما قلت: لا يعلمه، لأنّه لا غاية لهذا، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- وصفهما بالخلود و كرهنا أن نجعل لهما انقطاعا.

قال الرّضا- عليه السّلام-: ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم، لأنّه قد يعلم ذلك ثمّ يزيدهم ثمّ لا يقطعه عنهم، و كذلك قول‏ «6» اللّه- عزّ و جلّ-: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ‏ و قال لأهل الجنّة «7»: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ و قال- عزّ و جلّ- «8»: و فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ فهو- جلّ و عزّ- يعلم ذلك و لا يقطع عنهم الزّيادة.

و في باب آخر «9»، عنه- عليه السّلام- بإسناده قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ قاتل الحسين بن عليّ- عليه السّلام- في تابوت من نار. عليه‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) النسخ: «ليزيدهم». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(3) المصدر: فالمريد.

(4) من المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «ذلك» بدل «أن يكون».

(6) المصدر: قال.

(7) هود/ 108.

(8) الواقعة/ 33.

(9) نفس المصدر 2/ 47، ح 178.

 

433
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

نصف عذاب أهل الدّنيا. و قد شدّت يداه و رجلاه بسلاسل من نار، منكس في النّار حتّى يقع في قعر جهنّم. و له ريح يتعوّذ أهل النّار إلى ربّهم من شدّة نتنه. و هو فيها خالد ذائق العذاب الأليم مع جميع من شايع على قتله. كلّما نضجت جلودهم بدّل اللّه- عزّ و جلّ- عليهم الجلود حتّى يذوقوا العذاب الأليم. لا يفتر عنهم ساعة و يسقون من حميم جهنّم، فالويل لهم من عذاب النّار.] «1»

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً: لا يمتنع عليه ما يريده.

حَكِيماً (56): يعاقب على وفق حكمته.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً: تقديم ذكر الكفّار و وعيدهم لأنّ الكلام فيهم، و ذكر المؤمنين بالعرض.

لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ: من الأقذار الّتي تكون لأزواج الدّنيا.

وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57): فيئانا لا جوب فيه، و دائما لا تنسخه الشّمس. و هو إشارة إلى النّعمة التّامّة الدّائمة.

و «الظّليل» صفة، مشتقّة من الظّلّ، لتأكيده، كقولهم: شمس شامس. و ليل أليل‏ «2». و يوم أيوم.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها:

قيل‏ «3»: نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة بن عبد الدّار لمّا أغلق باب الكعبة و أبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها، و قال: لو علمت أنّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لم أمنعه. فلوى عليّ- عليه السّلام- يده و أخذه منه. و دخل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و صلّى ركعتين. فلمّا خرج سأله العبّاس أن يعطيه المفتاح و يجمع له السّقاية و السّدانة. فأمره اللّه أن يردّه إليه. فأمر عليّا- عليه السّلام- يردّه و يعتذر إليه. و صار ذلك سببا لإسلامه. و نزل الوحي بأنّ السّدانة في أولاده أبدا.

و في مجمع البيان‏ «4»، عنهما- عليهما السّلام-: أنّها في كلّ من ائتمن أمانة من الأمانات، و أمانات اللّه أوامره و نواهيه، و أمانات عباده فيما يأتمن بعضهم بعضا من‏

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) أ: ليل الليل.

(3) أنوار التنزيل 1/ 225.

(4) مجمع البيان 2/ 63.

 

434
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

المال و غيره‏ «1».

و في الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام- في وصيّته له: اعلم أنّ ضارب عليّ- عليه السّلام- بالسّيف و قاتله لو ائتمنني و استنصحني و استشارني ثمّ قبلت ذلك منه لأدّيت إليه الأمانة.

و في معاني الأخبار «3»: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد اللّه بن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ قال: حدّثني أبي، عن جدّي أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن محمّد بن خالد، عن يونس بن عبد الرّحمن قال: سألت موسى بن جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها. فقال: هذه مخاطبة لنا خاصّة. أمر اللّه- تبارك و تعالى- كلّ إمام منّا أن يؤدّي إلى الإمام الّذي بعده و يوصي إليه، ثمّ هي جارية في سائر الأمانات. [و لقد حدّثني أبي، عن أبيه: أنّ عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال لأصحابه: عليكم بأداء الأمانة، فلو أنّ قاتل [أبي‏] «4» الحسين بن عليّ ائتمنني على السّيف الّذي قتله [به‏] «5» لأدّيته إليه.] «6».

و في تفسير العيّاشي‏ «7»: عن الباقر- عليه السّلام-: إيّانا عنى أن يؤدّي الإمام الأوّل إلى الّذي بعده العلم و الكتب و السّلاح.

______________________________
(1) ذكر في حديث عن الكافي [2/ 105] هكذا و هو مشطوب في الأصل و ليس في ر:

و في أصول الكافي: محمد بن يحيى عن أبي طالب، رفعه، قال: قال قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-:

لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل و سجوده، فانّ ذلك شي‏ء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته.

(2) الكافي 5/ 133، ح 5.

(3) ذكر بعد ذلك في أ:

«و لقد حدّثني أبي عن أبيه عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال لأصحابه: عليكم بأداء الأمانة. فلو أنّ قاتل الحسين بن عليّ ائتمني على السيف الّذي قتله به، لأدّيته إليه»

[معاني الأخبار/ 108، ح 1] و هو مشطوب في الأصل و ليس في ر. و الحديث الذي ذكر في المتن في معاني الأخبار/ 107- 108، ح 1.

4 و 5- من المصدر.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(7) تفسير العياشي 1/ 246- 247.

435
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 54 الى 58] ص : 426

[و في أصول الكافي‏ «1»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء «2»، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها.

قال: هم الأئمّة من آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- أن يؤدّي الإمام الأمانة إلى من بعده، و لا يخصّ بها غيره، و لا يزويها «3» عنه.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «4»، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في قوله- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها..

قال: هم الأئمّة يؤدّي الإمام إلى الإمام من بعده. و لا يخصّ بها غيره.

و لا يزويها عنه.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «5»، عن محمّد بن سنان، عن إسحاق بن عمّار، عن ابن أبي يعفور، عن المعلّى بن خنيس قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها..

قال: أمر اللّه الإمام الأوّل أن يدفع إلى الإمام الّذي بعده كلّ شي‏ء عنده.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏ «6»، عن الحسن بن محبوب، عن أبي كهمس قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: عبد اللّه بن يعفور يقرئك السّلام.

قال: و عليك و عليه السّلام، إذا أتيت عبد اللّه فاقرأه السّلام و قل له: إنّ جعفر بن محمّد يقول لك: انظر ما بلغ به عليّ- عليه السّلام- عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فالزمه فإنّ عليّا- عليه السّلام- إنّما بلغ ما بلغ به عند رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-

______________________________
(1) الكافي 1/ 276، ح 2.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «الحسين بن عليّ الوشا» و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 300، رقم 2681.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا يزوبها.

(4) نفس المصدر 1/ 276- 277، ح 3.

(5) نفس المصدر 1/ 277، ح 4. و ورد ذيل هذا الحديث، فقط، بدون سند في نسخه أ، دون غيره من الأحاديث.

(6) نفس المصدر 2/ 104، ح 5.

 

436
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

 

و له بصدق الحديث و أداء الأمانة.

محمّد بن يحيى، عن أبي طالب‏ «1»- رفعه- قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لا تنظروا إلى طول ركوع الرّجل و سجوده. فإنّ ذلك شي‏ء اعتاده. فلو تركه استوحش لذلك. و لكن انظروا إلى صدق حديثه و أداء أمانته.

و في شرح الآيات الباهرة «2»: قال محمّد بن يعقوب‏ «3»- رحمه اللّه-: عن الحسين بن محمّد- بإسناده- عن رجاله، عن أحمد بن عمر قال: سألت الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها.

قال: هم الأئمّة من آل محمّد- صلوات اللّه عليهم- أمرهم أن يؤدّي الإمام الإمامة إلى من بعده، لا يخصّ بها غيره، و لا يزويها عنه.] «4».

وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ‏:

في الكافي و في تفسير العيّاشي‏ «5»: عن الباقر- عليه السّلام- يعني: العدل الّذي في أيديكم.

و في رواية أخرى للعيّاشي‏ «6»: أن تحكموا بالعدل إذا ظهرتم، أن تحكموا بالعدل إذا بدت في أيديكم.

إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ‏، أي: نعم الشّي‏ء الّذي يعظكم به. «فما» منصوبة موصوفة «بيعظكم به» أو مرفوعة موصولة به. و المخصوص بالمدح محذوف، و هو المأمور به من أداء الأمانات و العدل في الحكومات.

و في تفسير العيّاشي‏ «7»: عن الباقر- عليه السّلام-: فينا نزلت و اللّه المستعان.

إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً: بأقوالكم و أحكامكم.

بَصِيراً (58): بما تفعلون بأداء الأمانات.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏:

في الكافي و العيّاشي‏ «8»: عن الباقر- عليه السّلام-: إيّانا عنى خاصّة، أمر جميع‏

______________________________
(1) نفس المصدر 2/ 105، ح 12.

(2) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 48.

(3) هكذا في المصدر. و في الأصل ور: محمد بن العباس.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) الكافي 1/ 276، ح 1 و تفسير العياشي 1/ 247، ح 153.

(6) تفسير العياشي 1/ 247، ح 154.

(7) نفس المصدر 1/ 249، ح 166.

(8) الكافي 1/ 276، و تفسير العياشي 1/ 250، ح 169.

 

 

437
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

 

المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «1»: [حدّثنا أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر الحميري قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عبد اللّه بن محمّد الحجّال، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- «2» في قول اللّه- عزّ و جلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قال: الأئمّة من ولد عليّ و فاطمة- عليهما السّلام- إلى أن تقوم السّاعة.

] «3»

و بإسناده إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري‏ «4» قال‏: لمّا أنزل اللّه- عزّ و جلّ- على نبيّه محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قلت: يا رسول اللّه، عرفنا اللّه و رسوله، فمن أولي الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعته؟

فقال- عليه السّلام-: هم خلفائي- يا جابر- و أئمّة المسلمين من بعدي.

أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر و ستدركه- يا جابر- فإذا لقيته فاقرأه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي محمّد و كنيّي حجّة اللّه في أرضه و بقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ. ذاك الّذي يفتح اللّه- تعالى ذكره- على يديه مشارق الأرض و مغاربها. ذاك الّذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت له: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فهل لشيعته الانتفاع به في غيبته؟

فقال- عليه السّلام-: و الّذي بعثني بالنّبوّة أنّهم يستضيئون بنوره و ينتفعون‏

______________________________
(1) كمال الدين و تمام النعمة 1/ 222، ح 8.

(2) المصدر: «أبي جعفر- عليه السّلام-» و في الرواة «حماد بن عثمان» و «أبو بصير» متعدد مع تطابق زماني. و لذلك لم نستطيع أن نختار بين «أبي عبد اللّه» أو «أبي جعفر»- عليهما السّلام- أحدهما بيانا و صوابا.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) نفس المصدر 1/ 253، ح 3.

 

 

438
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس و إن تجلاها سحاب. يا جابر هذا من مكنون سرّ اللّه و مخزون علم اللّه. فاكتمه إلّا عن أهله.

و في تفسير العيّاشي‏ «1»: عن أبان أنّه قال‏: دخلت على أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- فسألته عن قول اللّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

فقال: ذلك عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ثمّ سكت.

قال: فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟

قال: ثمّ الحسن. ثمّ سكت.

فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟

قال: ثمّ الحسين. قلت: ثمّ من؟

قال: ثمّ عليّ بن الحسين.

فلم يزل يسكت عند كلّ واحد حتّى أعيد المسألة فيقول، حتّى سمّاهم إلى آخرهم- صلّى اللّه عليهم.

[عن عمران الحلبي‏ «2» قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: إنّكم أخذتم هذا الأمر من جذوه- يعني: من أصله- عن قول اللّه: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ و من قول رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: «ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا»، لا من قول فلان و لا من قول فلان.

عن عبد اللّه بن عجلان‏ «3»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: و أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قال: هي في عليّ- عليه السّلام- و في الأئمّة، جعلهم اللّه مواضع الأنبياء غير أنّهم لا يحلّلون شيئا و لا يحرّمونه.

عن حكيم‏ «4» قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: جعلت فداك، أخبرني من أولو الأمر «5» الّذين أمر اللّه بطاعتهم؟

فقال [لي‏] «6»: أولئك عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين و عليّ بن الحسين‏

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 251، ح 171.

(2) نفس المصدر 1/ 251- 252، ح 172.

(3) نفس المصدر 1/ 252، ح 173.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 174.

(5) المصدر: أولي الأمر.

(6) من المصدر.

 

439
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

و محمّد بن عليّ و جعفر [أنا] «1» فاحمدوا اللّه الّذي عرّفكم أئمّتكم و قادتكم حين جحدهم النّاس.

و فيه‏ «2»: عن ابن بريد معاوية، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام-: ثمّ قال للنّاس: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ إيّانا عنى خاصّة.

و في عيون الأخبار «3»، في باب ذكر مجلس الرّضا- عليه السّلام- مع المأمون، في الفرق بين العترة و الأمّة، حديث طويل يقول فيه- عليه السّلام-: و قال- عزّ و جلّ- في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى‏ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً ثمّ ردّ الخاطبة في أثره‏ «4» إلى سائر المؤمنين فقال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏، يعني: الّذين قرنهم بالكتاب و الحكمة و حسدوا عليهما.

و في هذا المجلس كلام طويل له- عليه السّلام- يقول فيه‏ «5» في شأن ذوي القربى: فما رضيه لنفسه و لرسوله رضيه لهم، و كذلك الفي‏ء «6» ما رضيه منه لنفسه و لنبيّه رضيه لذي القربى كما أجراهم‏ «7» في الغنيمة. فبدأ بنفسه- جلّ جلاله- ثمّ برسوله ثمّ بهم. و قرن سهمهم بسهمه و سهم رسوله. و كذلك في الطّاعة قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏. فبدأ بنفسه ثمّ برسوله ثمّ بأهل بيته.

و فيه‏ «8»، في باب ما كتبه الرّضا- عليه السّلام- للمأمون من محض الإسلام و شرائع الدّين، و بإسناده إلى الرّضا- عليه السّلام-: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه محمّد بن عليّ- عليهم السّلام- قال: أوصى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- إلى عليّ و الحسن و الحسين- عليهم السّلام- ثمّ قال- عزّ و جلّ-:

______________________________
(1) من المصدر.

(2) نفس المصدر 1/ 247 ضمن حديث 153 و أوله في ص 246.

(3) عيون الأخبار 1/ 230.

(4) المصدر: أثر هذه.

(5) نفس المصدر 1/ 238.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: أنفى.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: أجوبهم.

(8) نفس المصدر 2/ 131، ح 14.

 

440
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قال: الأئمّة من ولد عليّ و فاطمة- عليهم السّلام- إلى أن تقوم السّاعة.

] «1»

و في أصول الكافي‏ «2»: [أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- قولنا في الأوصياء أنّ طاعتهم مفروضة «3»؟

[قال:] «4» فقال: نعم [هم‏] «5» الّذين قال اللّه- عزّ و جلّ-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ و هم الّذين قال اللّه- عزّ و جلّ- «6» إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن‏ «7» عيسى، عن محمّد بن الخالد البرقيّ، عن القاسم بن محمّد الجوهريّ، عن الحسين بن أبي العلاء قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- الأوصياء طاعتهم مفروضة «8»؟

قال نعم [هم‏] «9» الّذين قال اللّه: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏. و هم الّذين قال اللّه- تعالى‏ «10»- إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏.

] «11»

عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى‏ «12»، عن يونس و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- [عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ.] «13» فقال: نزلت في عليّ بن أبي طالب و الحسن و الحسين- عليهم السّلام-.

فقلت له: إنّ النّاس يقولون: فما له لم يسمّ عليّا و أهل بيته- عليهم السّلام- في‏

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) الكافي 1/ 187، ح 7.

(3) المصدر: مفترضة.

4 و 5- من المصدر.

(6) المائدة/ 55.

(7) نفس المصدر 1/ 189، ح 16.

(8) المصدر: مفترضة.

(9) من المصدر.

(10) المائدة/ 55.

(11) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(12) نفس المصدر 1/ 286، ح 1.

(13) أ: «في هذه الآية» بدل ما بين المعقوفتين.

 

441
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

كتاب اللّه‏ «1»- عزّ و جلّ-؟

فقال: قولوا لهم: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نزلت عليه الصّلاة و لم يسمّ اللّه لهم ثلاثا و لا أربعا حتّى كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- [هو الّذي‏] «2» فسّر ذلك لهم. و نزلت عليه الزّكاة و لم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهما درهم حتّى كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- هو الّذي فسّر «3» ذلك لهم. و نزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا أسبوعا، حتّى كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- هو الّذي فسّر ذلك لهم. و نزلت:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏. و نزلت في عليّ و الحسن و الحسين. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في عليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه. و قال: أوصيكم بكتاب اللّه و أهل بيتي فإنّي سألت اللّه أن لا يفرّق بينهما حتّى يوردهما عليّ الحوض فأعطاني ذلك. و قال: لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم. و قال: إنّهم لن يخرجوكم‏ «4» من باب هدى و لن يدخلوكم في باب ضلالة. فلو سكت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و لم يبيّن من أهل بيته لادّعاها آل فلان و آل فلان. و لكنّ اللّه- عزّ و جلّ- أنزله‏ «5» في كتابه تصديقا لنبيّه- صلّى اللّه عليه و آله‏ «6»-: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فكان عليّ و الحسن و الحسين و فاطمة- عليهم السّلام-. فأدخلهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- تحت الكساء في بيت أمّ سلمة. ثمّ قال: اللّهمّ إنّ لكلّ نبيّ أهلا و ثقلا و هؤلاء أهل بيتي و ثقلي.

فقالت أمّ سلمة: أ لست من أهلك؟

فقال: إنّك إلى‏ «7» خير. و لكنّ هؤلاء أهل بيتي و ثقلي.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «8»، عن صفوان بن يحيى، عن عيسى بن السّريّ أبي اليسع قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أخبرني بدعائم الإسلام الّتي لا يسع أحدا التّقصير عن معرفة شي‏ء منها، الّذي من قصّر عن معرفة شي‏ء منها فسد

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: كتابه.

(2) من المصدر.

(3) ر: يفسّر.

(4) ر: لا يخرجوكم.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: أنزل.

(6) الأحزاب/ 33.

(7) أ: على.

(8) نفس المصدر 2/ 19- 21، ح 6.

 

442
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

عليه‏ «1» دينه و لم يقبل‏ «2» منه عمله، و من عرفها و عمل بها صلح له دينه و قبل منه عمله و لم يضق‏ «3» به ممّا هو فيه لجهل شي‏ء من الأمور جهله.

فقال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و الإيمان بأنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- رسول اللّه، و الإقرار بما جاء به من عند اللّه، و حقّ في الأموال الزّكاة، و الولاية الّتي أمر اللّه- عزّ و جلّ- بها ولاية آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

قال: فقلت: فهل‏ «4» في الولاية شي‏ء دون شي‏ء فضل يعرف لمن أخذ به؟

قال: نعم، قال اللّه- عزّ و جلّ-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من مات و لم يعرف إمامه‏ «5» مات ميتة جاهليّة. و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و كان عليّا- عليه السّلام- و قال الآخرون: و كان معاوية ثمّ كان الحسن ثمّ كان الحسين، [و قال الآخرون: يزيد بن معاوية و حسين بن عليّ و لا سواء و لا سواء.

قال: ثمّ سكت، ثمّ قال: أزيدك.

فقال له حكم الأعور: نعم جعلت فداك.

قال: ثمّ كان عليّ بن الحسين ثمّ كان محمّد بن عليّ أبا جعفر، و كانت الشّيعة قبل أن يكون أبو جعفر و هم لا يعرفون مناسك حجّهم و حلالهم و حرامهم حتّى كان أبو جعفر، ففتح‏ «6» لهم و بيّن لهم مناسك حجّهم و حلالهم و حرامهم، حتّى صار النّاس يحتاجون إليهم بعد ما كانوا يحتاجون إلى النّاس. و هكذا يكون الأمر و الأرض لا تكون إلّا بإمام. و من مات لا يعرف إمامه ميتة مات ميتة جاهليّة. و أحوج ما تكون إلى ما أنت عليه إذا بلغت نفسك هذه- و أهوى بيده إلى حلقه- و انقطعت عنك الدّنيا تقول حينئذ «7»:

لقد كنت على أمر حسن.

و في كتاب الاحتجاج‏ «8»، للطبرسي- رحمه اللّه- قال عليّ- عليه السّلام- في خطبة له: إنّ اللّه ذو الجلال و الإكرام لمّا خلق الخلق و اختار خيرة من خلقه و اصطفى‏

______________________________
(1) ليس في المصدر.

(2) المصدر: لم يقبل اللّه.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: لم يضيق.

(4) المصدر: فقلت له هل.

(5) أ: إمام زمانه.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: و فتح.

(7) ليس في المصدر.

(8) الاحتجاج 1/ 233- 234.

 

443
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

صفوة من عباده و أرسل رسولا منهم و أنزل عليه كتابه و شرع له دينه و فرض فرائضه، فكانت الجملة قول اللّه- جلّ ذكره- حيث أمر فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏. فهو لنا أهل البيت خاصّة دون غيرنا. فانقلبتم على أعقابكم و ارتددتم و نقضتم الأمر و نكثتم العهد و لم يضرّ اللّه‏ «1» شيئا، و قد أمركم [اللّه‏] «2» أن تردّوا الأمر إلى اللّه و إلى الرّسول و إلى أولي الأمر منكم المستنبطين فأقررتم ثمّ جحدتم.

و في كتاب معاني الأخبار «3»: عن سليم بن قيس الهلاليّ، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه سأله‏ «4»: ما أدنى ما يكون به الرّجل ضالّا؟ فقال: أن لا يعرف من أمر اللّه بطاعته و فرض ولايته و جعله حجّته في أرضه و شاهده على خلقه.

قال‏ «5»: فمن هم يا أمير المؤمنين؟

قال: الّذين قرنهم اللّه بنفسه و بنبيّه‏ «6» فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

قال: فقبلت رأسه و قلت: أوضحت لي و فرّجت عنّي و أذهبت كلّ شكّ كان في قلبي‏ «7».

[و] بإسناده إلى سليم بن قيس‏ «8» قال: سمعت عليّا- عليه السّلام- يقول: قال لي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: قد أخبرني ربّي- جلّ جلاله- أنّه قد استجاب [لي‏] «9» فيك و في شركائك الّذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول اللّه، و من شركائي من بعدي؟

قال: الّذين قرنهم اللّه- عزّ و جلّ- بنفسه و بي، فقال: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

______________________________
(1) المصدر: لم تضرّوا اللّه.

(2) من المصدر.

(3) معاني الأخبار/ 394، ح 45.

(4) المصدر: «قال قلت له» بدل «أنّه سأله».

(5) المصدر: قلت.

(6) المصدر: نبيّه.

(7) هكذا في المصدر. و الجملة السابقة هكذا في النسخ: و قلت أوضحت عنّي و فرّجت و أذهبت عنّي كلّ شكّ كان في قلبي.

(8) بل في كمال الدين و تمام النعمة/ 285، و أوّله في ص 284، ح 37، و قد أسقط صدره.

(9) من المصدر.

 

444
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

فقلت: يا رسول اللّه، و من هم؟

قال: الأوصياء من آلي يردون عليّ الحوض، كلّهم هادين مهديّين‏ «1». لا يضرّهم من خذلهم. هم مع القرآن و القرآن معهم. لا يفارقهم و لا يفارقونه. بهم تنصر أمّتي.

و بهم يمطرون و بهم يدفع عنهم البلاء. و بهم يستجاب دعاؤهم.

قلت: يا رسول اللّه، سمّهم لي.

قال: ابني هذا- و وضع يده على رأس الحسن- ثمّ ابني هذا- و وضع يده على رأس الحسين- ثمّ ابن له يقال له: عليّ، و سيولد في حياتك فاقرأه منّي السّلام، ثمّ تكملة اثني‏ «2» عشر إماما. فقلت: [بأبي أنت و أمّي‏] «3»: يا رسول اللّه، سمّهم لي رجلا رجلا فقال: فمنهم‏ «4» و اللّه يا أخا بني هلال مهديّ أمّة «5» محمّد الّذي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. و اللّه إنّي لأعرف من يبايعه بين الرّكن و المقام و أعرف أسماء آبائهم و قبائلهم.

و بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي‏ «6»، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه قال‏ في أثناء كلام له في مجمع من المهاجرين و الأنصار أيّام خلافة عثّمان: فأنشدكم اللّه- عزّ و جلّ- أ تعلمون حيث نزلت‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ و حيث نزلت‏ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ‏ «7» و حيث نزلت‏ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً «8» قال النّاس: يا رسول اللّه أ هذه خاصّة لبعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر اللّه- عزّ و جلّ- نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يعلّمهم ولاة أمرهم و أن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم و زكاتهم و صومهم و حجّهم. فنصبني للنّاس بغدير خمّ ثمّ خطب. و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة، الأهمّ في المقام و في‏

______________________________
(1) المصدر: «هاد مهتد» بدل «هادين مهدين».

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: تكلم اثنتي.

(3) من المصدر.

(4) المصدر: « [رجلا فرجلا] فسمّاهم رجلا رجلا فيهم» بدل «رجلا رجلا فقال فمنهم». و ما في المصدر أظهر من ما في النسخ.

(5) المصدر: أمّتي.

(6) بل في المصدر السابق/ 276- 277، ضمن حديث.

(7) المائدة/ 55.

(8) التوبة/ 16.

 

445
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

آخره فقالوا [كلّهم:] «1» اللّهمّ نعم، قد سمعنا ذلك كلّه و شهدنا كما قلت سواء. و قال بعضهم: قد حفظنا جلّ ما قلت و لم نحفظه‏ «2» كله. و هؤلاء الّذين حفظوا أخيارنا و أفاضلنا «3».

و فيه‏ «4»: حدّثني أبي- رحمه اللّه- قال: حدّثنا عبد اللّه بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب‏ «5»، عن عبد اللّه [بن‏] «6» محمّد الحجّال، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قال: الأئمّة من ولد علي- عليه السّلام- و فاطمة- عليهما السّلام- إلى أن تقوم السّاعة.

و في كتاب التّوحيد «7»، بإسناده إلى الفضل بن السّكن‏ «8»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: اعرفوا اللّه باللّه و الرّسول بالرّسالة و أولي الأمر بالمعروف و العدل و الإحسان.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «9»، بإسناده إلى عمرو بن شمر: عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال: قلت لأبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام-: لأيّ شي‏ء يحتاج إلى النّبيّ و الإمام؟ فقال: لبقاء العالم على صلاحه. و ذلك أنّ اللّه- عزّ و جلّ- يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبيّ أو إمام. قال اللّه- عزّ و جلّ‏ «10»-: و ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ‏ و قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: النّجوم أمان لأهل السّماء و أهل بيتي أمان لأهل الأرض. فإذا ذهبت النّجوم أتى أهل السّماء ما يكرهون. و إذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون، يعني: بأهل بيته الّذين قرن اللّه عزّ و جلّ طاعتهم بطاعته، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏.

______________________________
(1) من المصدر.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: لم يحفظ.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: أخبارنا و فضلنا.

(4) بل في نفس المصدر/ 222، ح 8.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «الحسن بن أبي الخطاب». و الظاهر أنه وهم. ر. تنقيح المقال 1/ 316، رقم 2813.

(6) من المصدر.

(7) التوحيد/ 285- 286، ح 3.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: «الفضل بن سكر». ر. تنقيح المقال 2/ 8، رقم 9467.

(9) علل الشرائع/ 123- 124، ح 1.

(10) الانفال/ 33.

 

446
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

و هم المعصومون المطهّرون الّذين لا يذنبون و لا يعصون. و هم المؤيّدون الموفّقون المسدّدون. بهم يرزق اللّه عباده. و بهم يعمر «1» بلاده. و بهم ينزل القطر من السّماء.

و بهم تخرج بركات الأرض. و بهم يمهل‏ «2» أهل المعاصي و لا يعجّل عليهم بالعقوبة و العذاب. لا يفارقهم روح القدس و لا يفارقونه. و لا يفارقون القرآن و لا يفارقهم- صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي‏ «3» قال: حدّثنا زيد بن الحسن الأنماطيّ قال:

سمعت محمّد بن عبد اللّه بن الحسن‏ «4» و هو يخطب بالمدينة و يقول: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قال: الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر.

و قال: حدّثني عبيد بن كثير «5» معنعنا، عن عمّي الحسين‏ أنّه سأل جعفر بن محمّد- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. قال: فأولي الأمر في هذه الآية آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

و قال: حدّثني أحمد بن القاسم‏ «6» معنعنا، عن أبي مريم قال: سألت جعفر بن محمّد- عليه السّلام- عن قول اللّه- تعالى-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ كانت طاعة عليّ مفترضة؟

قال: كانت طاعة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- خاصّة مفترضة لقول اللّه- تعالى‏ «7»-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏ و كانت طاعة عليّ بن أبي طالب طاعة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- «8».

و قال: حدّثني عبيد اللّه بن كثير «9» معنعنا، عن سلمان الفارسي- رحمة اللّه عليه- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يا عليّ، من بري‏ء من‏ «10» ولايتك فقد بري‏ء من‏ «11» ولايتي. و من بري‏ء «12» من ولايتي فقد بري‏ء من‏ «13» ولاية اللّه. يا عليّ طاعتك‏

______________________________
(1) المصدر: تعمر.

(2) أ: يمهد.

(3) تفسير فرات/ 27 و فيه: «معنعنا عن زيد بن الحسن» بدل «قال حدّثنا زيد بن الحسن».

(4) المصدر: محمد بن الحسن.

(5) لم نعثر على هكذا حديث في تفسير فرات.

(6) تفسير فرات/ 28- 29.

(7) النساء/ 80.

(8) المصدر: من طاعة الرسول- صلّى اللّه عليه و آله.

(9) نفس المصدر/ 32.

10 و 11 و 12 و 13- المصدر: عن.

 

447
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

طاعتي و طاعتي طاعة اللّه. فمن أطاعك فقد أطاعني. و من أطاعني فقد أطاع اللّه.

و الّذي بعثني بالحقّ نبيّا «1» لحبّنا أهل البيت أعزّ من الجوهر و من الياقوت الأحمر و من الزّمرّد. و قد أخذ ميثاق محبّينا أهل البيت في أمّ الكتاب. لا يزيد فيهم رجل، و لا ينقص منهم رجل إلى يوم القيامة. و هو قول اللّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏. فهو عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و قال: حدّثني إبراهيم بن سليمان‏ «2» معنعنا، عن عيسى بن السّريّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- أخبرني عن دعائم الإسلام الّتي لا يسع‏ «3» أحدا من النّاس التّقصير عن معرفة شي‏ء منها، الّتي من قصّر عن شي‏ء منها فسد عليه دينه و لم يقبل منه عمله [و من قام بها صلح دينه و قبل عمله‏] «4» و لم يضق ما هو فيه بجهل شي‏ء جهله.

[قال:] «5» قال: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و الإيمان برسوله، و الإقرار بما جاء من عند اللّه، و الصّلاة «6» و الزّكاة، و الولاية الّتي أمر اللّه بها ولاية آل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- «7».

قلت‏ «8»: هل في الولاية شي‏ء؟

قال: قول اللّه- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. فكان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

و قال: حدّثني عليّ بن محمّد بن عمر الزّهريّ‏ «9» معنعنا، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- تعالى-: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب‏ «10»- عليه السّلام-.

فَإِنْ تَنازَعْتُمْ‏: أنتم أيّها المؤمنون.

فِي شَيْ‏ءٍ: من أمور الدّين.

فَرُدُّوهُ‏: فراجعوا فيه.

______________________________
(1) ليس في المصدر.

(2) نفس المصدر/ 32- 33.

(3) المصدر: عليها لا يسع.

(4) ليس في المصدر.

(5) من المصدر.

(6) ليس في المصدر.

(7) المصدر: ولاية محمد- صلّى اللّه عليه و آله-.

(8) المصدر: قوله قلت.

(9) نفس المصدر/ 34، صدر حديث.

(10) «ابن أبي طالب» ليس في المصدر.

448
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

إِلَى اللَّهِ‏: إلى محكم كتابه.

وَ الرَّسُولِ‏: بالسّؤال عنه في زمانه، و بالأخذ بسنّته، و المراجعة إلى من أمر بالمراجعة إليه بعده. فإنّها ردّ إليه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: حدّثني أبي، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: نزلت‏ «2»: «فإن تنازعتم في شي‏ء فردّوه إلى اللّه و إلى الرّسول و إلى أولي الأمر منكم.».

و في أصول الكافي‏ «3»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الحسن بن عليّ الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن ابن أذينة، عن بريد العجليّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، و في آخره قال- عليه السّلام-: فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى اللّه و إلى الرّسول و إلى أولي الأمر منكم. كذا نزلت، و كيف يأمرهم اللّه- عزّ و جلّ- بطاعة ولاة الأمر و يرخّص لهم‏ «4» في منازعتهم؟! إنّما قيل ذلك للمأمورين الّذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

و في نهج البلاغة «5»، في معنى الخوارج لمّا أنكروا تحكيم الرّجال: إنّا لم نحكّم الرّجال و إنّما حكّمنا القرآن. و هذا القرآن إنّما هو خطّ مستور بين الدّفّتين لا ينطق بلسان و لا بدّ له من ترجمان و إنّما ينطق عنه الرّجال. و لمّا دعانا القوم إلى أن يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولّي عن كتاب اللّه- تعالى- و قد قال اللّه- سبحانه-: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ. فردّه‏ «6» إلى اللّه، أن نحكم‏ «7» بكتابه. و ردّه إلى الرّسول، أن نأخذ «8» بسنّته. فإذا حكم بالصّدق في كتاب اللّه فنحن أحقّ النّاس [به.] «9» و إن حكم بسنّة رسول اللّه فنحن [أحقّ النّاس و] «10» أولاهم بها. «11»

و قال- عليه السّلام- للأشتر «12»: و اردد إلى اللّه و رسوله ما يضلعك من الخطوب‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 141.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: نزل.

(3) الكافي 1/ 276، ذيل حديث 1.

(4) ليس في المصدر.

(5) نهج البلاغة/ 182، صدر خطبة 125. و فيه: في التحكيم و ذلك بعد سماعه لأمر الحكمين.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: فردوه.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: يحكم.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: يأخذ.

9 و 10- من المصدر.

(11) هكذا في المصدر. و في النسخ: به.

(12) نفس المصدر/ 434، ضمن كتاب 53.

 

449
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

و يشتبه عليك من الأمور. فقد قال اللّه- سبحانه- لقوم أحبّ إرشادهم: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏ فالرّدّ «1» إلى اللّه، الأخذ بمحكم كتابه. و الرّدّ «2» إلى الرّسول، الأخذ بسنّته الجامعة غير المفرّقة «3».

و في كتاب الاحتجاج‏ «4»، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل: و قد جعل اللّه للعلم أهلا، و فرض على العباد طاعتهم بقوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ و بقوله: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..

و فيه‏ «5»، و قد ذكر- عليه السّلام- الحجج، قال السّائل: من هؤلاء الحجج؟

قال: هم رسول اللّه و من حلّ محلّه من أصفياء اللّه. و هم ولاة الّذين [قرنهم اللّه بنفسه و رسوله، و فرض على العباد من طاعتهم مثل الّذي فرض عليهم منها لنفسه. و هم ولاة الأمر الّذين‏] «6» قال اللّه فيهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ و قال فيهم: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ..

قال السّائل: ما ذاك الأمر؟

قال- عليه السّلام-: الّذي تنزّل به الملائكة في اللّيلة الّتي يفرق فيها كلّ أمر حكيم، من خلق و رزق و أجل [و عمل‏] «7» و عمر [و حياة] «8» و موت و علم غيب السّموات و الأرض و المعجزات الّتي لا تنبغي إلّا للّه و أصفيائه و السّفرة بينه و بين خلقه.

عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- «9» في خطبة له: و أطيعونا «10»، فإنّ طاعتنا مفروضة إذ كانت‏ «11» بطاعة اللّه و طاعة «12» رسوله مقرونة. قال اللّه- عزّ و جلّ-:

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: فالراد.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: الراد.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: الغير المغرقة.

(4) الاحتجاج 1/ 369.

(5) نفس المصدر 1/ 375.

(6) من المصدر.

7 و 8- من المصدر.

(9) نفس المصدر 2/ 23.

(10) المصدر: فأطيعونا.

(11) المصدر: أن كانت.

(12) ليس في المصدر.

 

450
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): آية 59] ص : 437

أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏ و قال: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا.

و في شرح الآيات الباهرة «1»: قال محمّد بن يعقوب، عن الحسن بن محمّد- بإسناده- عن رجاله، عن بريد بن معاوية العجليّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ‏ قال: إيّانا عنى، أن يؤدّي الإمام الأوّل إلى الإمام الّذي بعده ما عنده من العلم و الكتب و السّلاح. و قال‏ «2»: إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ‏ الّذي في أيديكم. ثمّ قال للنّاس: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ. إيانا عنى خاصّة. ثمّ أمر جميع المؤمنين بطاعتنا إلى يوم القيامة إذ يقول: «فإن خفتم تنازعا في أمر فردّوه إلى اللّه و الرّسول و أولي الأمر منكم.» كذا نزلت، و كيف يأمرهم اللّه- عزّ و جلّ- بطاعة ولاة الأمر و يرخّص في منازعتهم؟! إنّما قيل ذلك للمأمورين‏ «3» الّذين قيل لهم: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ..

و ممّا ورد من أن ولاة الأمر بعد النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- هم الأئمّة الاثنا عشر- صلوات اللّه عليهم-

ما نقله الشّيخ أبو عليّ الطّبرسيّ- قدّس اللّه روحه- في كتابه اعلام الورى بأعلام الهدى‏ «4» قال: حدّثنا غير واحد من أصحابنا، عن محمّد بن همام، عن جعفر بن محمّد بن مالك الفزاريّ، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحارث، عن المفضّل بن عمر، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفيّ قال:

سمعت جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ يقول‏: لمّا نزلت‏ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ قلت: يا رسول اللّه، قد عرفنا اللّه و رسوله، فمن أولي الأمر الّذين قرن طاعتهم بطاعتك؟

فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: هم خلفائي- يا جابر- و أئمّة المسلمين بعدي.

أوّلهم عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين،

______________________________
(1) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 49.

(2) النساء/ 58.

(3) المصدر: «المأمورين» بدل «ذلك للمأمورين».

(4) نفس المصدر و الموضع.

 

451
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

 

ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التّوراة بالباقر و ستدركه- يا جابر- فإذا لقيته فأقرأه منّي السّلام، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي و كنيي حجّة اللّه في أرضه و بقيّته على عباده ابن الحسن بن عليّ. ذاك الّذي يفتح اللّه- عزّ و جلّ ذكره- على يده مشارق الأرض و مغاربها. و ذلك الّذي يغيب عن شيعته و أوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت: يا رسول اللّه، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: إي و الّذي بعثني بالنّبوّة إنّهم ليستضيئون‏ «1» بنوره و ينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع النّاس بالشّمس و إن تجلّلها السّحاب، يا جابر هذا مكنون سرّ اللّه و مخزون علم اللّه فاكتمه إلّا عن أهله.

إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ: فإنّ الإيمان يوجب ذلك.

ذلِكَ‏، أي: الرّدّ.

خَيْرٌ: لكم.

وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)، أي: عاقبة من تأويلكم بلا ردّ.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ‏:

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: نزلت في الزّبير بن العوّام [فإنّه‏] «3» نازع رجلا من اليهود في (حديقة) فقال الزّبير: ترضى با ابن شيبة اليهوديّ؟ و قال اليهوديّ ترضى بمحمّد؟ فأنزل اللّه‏ «4».

قال البيضاويّ‏ «5»: عن ابن عبّاس أنّ منافقا خاصم يهوديّا، فدعاه‏ «6» اليهوديّ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و دعاه المنافق إلى كعب بن الأشرف. ثمّ أنّهما احتكما إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فحكم لليهوديّ، فلم يرض المنافق [بقضائه‏] «7»

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: يستضيئون.

(2) تفسير القمي 1/ 141.

(3) من المصدر.

(4) ذكر في المصدر بعد هذه العبارة، نفس الآية.

(5) أنوار التنزيل 1/ 226.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: فدعى.

(7) من المصدر.

 

452
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

 

و قال: نتحاكم إلى عمر.

فقال اليهوديّ لعمر: قضى لي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فلم يرض بقضائه، و خاصم إليك.

فقال عمر للمنافق: أ كذلك.

فقال: نعم.

فقال: مكانكما حتّى أخرج إليكما. فدخل فأخذ سيفه، ثمّ خرج فضرب به عنق المنافق حتّى برد. و قال: هكذا أقضي لمن لم يرض بقضاء اللّه و رسوله. فنزلت.

و قال جبرئيل- عليه السّلام-: إنّ عمر فرق بين الحقّ و الباطل فسمّي الفاروق (انتهى).

و لا يخفى أنّه لو صحّ هذا النقل، لدلّ على أنّ من أراد المنافق التحاكم إليه هو الطاغوت، و هو كعب بن الأشرف.

و في روضة الكافي‏ «1»: حميد بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن محمّد الكندي‏ «2»، عن غير واحد من أصحابه، عن أبان بن عثمان، عن أبي جعفر الأحول و الفضيل بن يسار، عن زكريا النّقّاض عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: من رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت‏

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في الكافي‏ «3»: محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن الرّجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السّلطان أو [إلى‏] «4» القضاة، أ يحلّ ذلك؟

فقال: من تحاكم إلى الطّاغوت فحكم [له‏] «5» فإنّما يأخذ سحتا و إن كان حقّه‏

______________________________
(1) الكافي 8/ 297، ذيل حديث 456، و أوّله في ص 296.

(2) المصدر: «الحسن بن محمّد الكنديّ». و لعله الصّواب، لأنّ في كتب الرجال لا يوجد «محمّد بن الحسن بن محمّد الكنديّ».

و البتة كنية الكنديّ هذا «أبو محمد» و لا يخفى على المطلع على عادة العرب في الكنى أنّ كونه «أبا محمد» لا يستلزم أن يكون له ابن اسمه محمد، فلا يقال رجل الذي ذكر في المتن يمكن أن يكون ابن المذكور في المصدر.

و اللّه العالم. فراجع رجال النجاشي/ 40- 42، رقم 84+ تنقيح المقال 1/ 307- 308، رقم 2738.

(3) نفس المصدر 7/ 412، ح 5.

4 و 5- من المصدر.

 

 

453
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

ثابتا. لأنّه أخذ بحكم الطّاغوت. و قد أمر اللّه أن يكفر به.

قلت‏ «1»: كيف يصنعان؟

قال: انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا و نظر في حلالنا و حرامنا و عرف أحكامنا فارضوا به حكما. فإنّي قد جعلته عليكم حاكما. فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما بحكم اللّه قد استخفّ و علينا ردّ. و الرّادّ علينا الرّادّ على اللّه. و هو على حدّ الشّرك باللّه.

وَ قَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ‏: و قرئ: بها. على أنّ الطّاغوت، جمع.

لقوله: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ‏ «2».

وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً (60): عن الحقّ، لا يرجى معه الاهتداء إلى الصّواب.

وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى‏ ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ‏: و قرئ، بضمّ اللام. على أنّه حذف لام الفعل تخفيفا، ثمّ ضمّ اللام لواو الضّمير «3».

رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (61): يحتمل رؤية البصر، فيكون «يصدّون» حالا. و رؤية القلب، فيكون مفعولا ثانيا. و الصّدود، مصدر. أو اسم للمصدر، الّذي هو الصّدّ. و الفرق بينه و بين السّدّ، أنّه غير محسوس، و السّد محسوس.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»، هم أعداء آل محمّد كلّهم، جرت فيهم هذه الآية.

فَكَيْفَ‏: يكون حالهم.

إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ: نالتهم من اللّه عقوبة.

بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏: من التّحاكم إلى غيرك، و عدم الرّضا بحكمك.

ثُمَّ جاؤُكَ‏: عطف على «أصابتهم»، أو على «يصدّون». و ما بينهما اعتراض.

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ‏: للاعتذار. حال من فاعل «جاء».

إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً: و هو التّخفيف عنك.

وَ تَوْفِيقاً (62): بين الخصمين، و لم نرد مخالفتك.

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: قيل.

(2) أنوار التنزيل 1/ 226.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) تفسير القمي 1/ 142.

454
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

و قيل‏ «1»: جاء أصحاب القتيل طالبين دمه، و قالوا: ما أردنا بالتّحاكم إلى عمر إلّا أن يحسن إلى صاحبنا، أو يوفّق بينه و بين خصمه.

أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ‏: من النّفاق. فلا يغني عنهم الكتمان و الحلف الكاذب من العقاب.

فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏، أي: لا تعاقبهم لمصلحة في استبقائهم.

و في روضة الكافي‏ «2»: عليّ بن إبراهيم، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبي جنادة الحصين بن مخارق بن عبد الرّحمن بن ورقاء بن حبشيّ بن جنادة السّلوليّ صاحب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- في قوله- عزّ و جلّ-: أُولئِكَ الَّذِينَ‏ (الآية) «3» فقد سبقت عليهم كلمة الشّقاء «4» و سبق لهم‏ «5» العذاب. [وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً.] «6»

وَ عِظْهُمْ وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ‏: في شأن أنفسهم، أو خاليا بهم. فإنّ النّصيحة في السّرّ أنجع.

قَوْلًا بَلِيغاً (63): يوغر فيهم، كتخويفهم بالقتل و الاستئصال إن ظهر منهم النّفاق، و التّخويف بعذاب اللّه للمنافقين، و الوعد بالثّواب على الإخلاص.

و القول البليغ، هو الّذي يطابق مدلوله المقصود.

و قيل‏ «7»: الظّرف، أي: في أنفسهم، متعلّق «ب بليغا» على معنى: بليغا في أنفسهم مؤثرا فيها. و فيه ضعف، لأنّ معمول الصّفة لا يتقدم على موصوفها.

وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ‏: بسبب إذنه في طاعته، و أمر المبعوث إليهم بأن يطيعوه. من لم يرض بحكمه و ما نصّ عليه فهو كافر و إن أظهر الإسلام و تكلّف أكثر شعائره، لأنّه عدم رضا بما أمر اللّه و حكم به.

وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏: بالنّفاق.

جاؤُكَ‏: خبر «أنّ» و «إذ» متعلّق به.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 227.

(2) الكافي 8/ 184، ح 211.

(3) ذكر في المصدر نفس الآية بدل «الآية».

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأشقياء.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: عليهم.

(6) من المصدر.

(7) أنوار التنزيل 1/ 227.

455
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ‏: بالتّوبة و الإخلاص.

وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ‏: و اعتذروا إليك، حتّى انتصبت لهم شفيعا. و إنّما عدل عن الخطاب تفخيما لشأنه، و تنبيها على أنّ حقّ الرّسول أن يقبل اعتذار التّائب و إن عظم جرمه و يشفع له، و من منصبه أن يشفع في كبائر الذّنوب.

لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64): لعلموه قابلا لتوبتهم، متفضّلا عليهم بالرّحمة. و إن كان «وجد» بمعنى: صادف، كان «توّابا» حالا و «رحيما» بدلا منه، أو حالا آخر، أو من الضّمير فيه.

و في كتاب المناقب‏ «1»، لابن شهر آشوب: إسماعيل بن يزيد بإسناده، عن محمّد بن عليّ- عليهما السّلام- أنّه قال‏: أذنب رجل ذنبا في حياة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فتغيّب حتّى وجد الحسن و الحسين- عليهما السّلام-. في طريق خال. فأخذهما فاحتملهما على عاتقيه‏ «2» و أتى بهما النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-. فقال:

يا رسول اللّه إنّي مستجير باللّه و بهما. فضحك رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- حتّى ردّ يده إلى فيه‏ «3». ثمّ قال للرّجل: اذهب و أنت طليق‏ «4». و قال للحسن و الحسين: قد شفّعتكما فيه أي فتيان. فأنزل اللّه- تعالى-: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً.

و في الكافي‏ «5»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان و ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخل أو حين تدخلها، ثمّ تأتي قبر النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- إلى أن قال- عليه السّلام-: اللّهمّ إنّك قلت: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً و إنّي أتيت نبيّك مستغفرا تائبا من ذنوبي، و إنّي أتوجّه بك إلى اللّه ربّي و ربّك ليغفر لي ذنوبي.

______________________________
(1) مناقب آل أبي طالب 3/ 400.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: عاتقه.

(3) المصدر: فمه.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: فأنت طلبتي.

(5) الكافي 4/ 550- 551، ح 1.

456
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: و قوله‏ «2»: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ‏- يا عليّ- فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً هكذا نزلت.

فَلا وَ رَبِّكَ‏: أي: فو ربّك. و «لا» مزيدة لتأكيد القسم. و قيل‏ «3» «لا» لتظاهر «لا» في قوله:

لا يُؤْمِنُونَ‏: و فيه ضعف. لأنّها تزاد في الإثبات أيضا، كقوله‏ «4»: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ.

حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ‏: فيما اختلف بينهم و اختلط. و منه الشّجر، لتداخل أغصانه و اختلاطها.

ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ‏: ضيقا ممّا حكمت به. أو من حكمك. أو شكّا من أجله، فإنّ الشّاكّ في ضيق من أمره.

وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (65): و ينقادوا لك بظاهرهم و باطنهم.

و في أصول الكافي‏ «5»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لقد خاطب اللّه أمير المؤمنين- عليه السّلام- في كتابه.

قال: قلت: في أيّ موضع؟

قال: في قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ‏ و تلا إلى قوله: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ‏ فيما تعاقدوا عليه: لئن أمات اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- ألّا يردّوا هذا الأمر في بني هاشم‏ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ‏ عليهم من القتل و العفو وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «6»، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد اللّه بن يحيى الكاهليّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لو أنّ قوما عبدوا اللّه وحده‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 142.

(2) يوجد في المصدر بعد «قوله»: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ‏ فانّه حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال: ...

(3) أنوار التنزيل 1/ 227.

(4) البلد/ 1.

(5) الكافي 1/ 397، ح 7.

(6) نفس المصدر 2/ 398، ح 6.

 

457
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

لا شريك له، و أقاموا الصّلاة، و آتوا الزّكاة، و حجّوا البيت، و صاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشي‏ء صنعه اللّه أو صنعه النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: ألا صنع خلاف الّذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين. ثمّ تلا هذه الآية «1». ثمّ قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- فعليك بالتّسليم.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقيّ‏ «2»، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد اللّه الكاهليّ قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- و ذكر مثله سواء.

و فيه‏ «3»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قلت له: إنّ عندنا رجلا يقال له: كليب. فلا يجي‏ء عنكم شي‏ء إلّا قال: أنا أسلّم، فسمّيناه كليب تسليم. قال: فترحّم عليه. ثمّ قال: أ تدرون ما التّسليم؟

فسكتنا. فقال: هو و اللّه الإخبات. قول اللّه- عزّ و جلّ‏ «4»-: الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى‏ رَبِّهِمْ..

و في كتاب التّوحيد «5» بإسناده إلى عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ..

قال جابر: يا ابن رسول اللّه، و كيف لا يسأل عمّا يفعل؟

قال: لأنّه لا يفعل إلّا ما كان من حكمته صوابا. و هو المتكبّر الجبّار و الواحد القهّار. فمن وجد في نفسه حرجا في شي‏ء ممّا قضى اللّه فقد كفر. و من أنكر شيئا من أفعاله جحد.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «6» بإسناده إلى محمّد بن قيس، عن ثابت الثّماليّ، عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- في آخر حديث له:

______________________________
(1) ذكر في المصدر، بعد هذه العبارة، نفس الآية.

(2) نفس المصدر 1/ 390، ح 2.

(3) نفس المصدر 1/ 390- 391، ح 3.

(4) هود/ 23.

(5) التوحيد/ 397، ذيل حديث 13.

(6) كمال الدين و تمام النعمة/ 323- 324، ضمن حديث 8.

 

458
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

انّ للقائم منّا غيبتين إحداهما أطول من الأخرى. أمّا الأولى فستّة أيّام أو ستّة أشهر أو ستّة سنين. و أمّا الأخرى فيطول أمرها حتّى يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به.

فلا يثبت عليه إلّا من قوي يقينه و صحّت معرفته و لم يجد في نفسه حرجا ممّا قضينا و سلّم لنا أهل البيت.

و بهذا الإسناد قال‏ «1»: قال عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- أنّه قال‏ «2»: إنّ دين اللّه- عزّ و جلّ- لا يصاب بالعقول النّاقصة و الآراء الباطلة و المقائيس الفاسدة. و لا يصاب إلّا بالتّسليم. فمن سلّم لنا سلم. و من اقتدى بنا هدي. و من دان بالقياس‏ «3» و الرّأي هلك. و من وجد في نفسه شيئا ممّا نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالّذي أنزل السّبع المثاني و القرآن العظيم و هو لا يعلم.

و في كتاب الاحتجاج‏ «4»، للطّبرسيّ- رحمه اللّه-، عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه: و ليس كلّ من أقرّ- أيضا- من أهل القبلة بالشّهادتين كان مؤمنا. إنّ المنافقين كانوا يشهدون أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه، و يدفعون عهد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بما عهد به من دين اللّه و عزائمه و براهين نبوّته إلى وصيّه، و يضمرون من الكراهية «5» لذاك و النّقض لما أبرمه منه عند إمكان الأمر لهم فيما قد بيّنه اللّه- تعالى- لنبيّه بقوله: فَلا وَ رَبِّكَ‏ و تلا إلى قوله:

وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً.

وَ لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ‏: قيل‏ «6»: تعرّضوا بها للقتل بالجهاد. أو اقتلوها كما قتل بنو إسرائيل.

و «أن» مصدريّة. أو مفسّرة. لأنّ كتبنا في معنى: أمرنا.

أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ‏ خروجهم.

و قرأ أبو عمرو و يعقوب: «أن اقتلوا» بكسر النّون على التّحريك. و «أو اخرجوا» بضمّ الواو للاتّباع، و التّشبيه بواو الجمع في نحو: و لا تنسوا الفضل.

______________________________
(1) نفس المصدر/ 324، ح 9.

(2) ليس في المصدر.

(3) المصدر: «و من كان يعمل بالقياس» بدل «و من دان بالقياس».

(4) الاحتجاج 1/ 369.

(5) المصدر: الكراهة.

(6) أنوار التنزيل 1/ 227.

459
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 60 الى 68] ص : 452

و قرأ نافع و حمزة، بكسرها، على الأصل. و الباقون، بضمّها، إجراء لهما مجرى الهمزة المتّصلة بالفعل‏ «1».

ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ‏: توبيخ لهم. و الضّمير للمكتوب، المدلول عليه بقوله: «كتبنا». أو لأحد مصدري الفعلين.

و قرأ ابن عامر، بالنّصب، على الاستثناء. أو على إلّا فعلا قليلا «2».

وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ‏: من مطاوعة الرّسول، و ما يقوله طوعا و رغبة.

لَكانَ خَيْراً لَهُمْ‏: في العاجل و الآجل.

وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً (66): لإيمانهم. و نصبه على التّمييز.

قال البيضاوي‏ «3»: و الآية- أيضا- نزلت في شأن المنافق و اليهوديّ.

و قيل‏ «4» إنّها و الّتي قبلها نزلتا في حاطب بن أبي بلتعة، خاصم زبيرا في شراج من الحرّة كانا يسقيان بها النّخل، فقال- عليه الصّلاة و السّلام-: اسق يا زبير ثمّ أرسل الماء إلى جارك.

فقال حاطب: لأن كان ابن عمّتك.

فقال- عليه الصّلاة و السّلام-: اسق يا زبير ثمّ احبس الماء إلى الجدر و استوف حقّك ثمّ أرسله إلى جارك.

و في روضة الكافي‏ «5»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: و لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ‏ و سلّموا للإمام تسليما أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ‏ رضا له ما فعلوه إلا قليلا منهم و لو أنّ أهل الخلاف فعلوا ما يوعطون به لكان خيرا لهم و أشد تثبيتا و في هذه الآية: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ‏ من أمر الوالي‏ وَ يُسَلِّمُوا للّه الطّاعة تَسْلِيماً..

و في أصول الكافي‏ «6»: أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن بكّار، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: هكذا نزلت هذه الآية: «و لو أنّهم فعلوا ما يوعظون به في عليّ- عليه السّلام- لكان خيرا لهم».

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 227- 228.

2 و 3 و 4- نفس المصدر 1/ 228.

(5) الكافي 8/ 184، ح 210.

(6) نفس المصدر 1/ 424، ح 60.

460
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

 

عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن أبي طالب، عن يونس بن بكّار، عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: و «لو أنّهم فعلوا ما يوعظون به في عليّ- عليه السّلام- لكان خيرا لهم».

وَ إِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67): جواب لسؤال مقدّر، كأنّه قيل‏ «1» و ما: يكون لهم بعد التّثبيت؟ فقال: و إذا لو ثبتوا لآتيناهم. لأنّ «إذا» جواب و جزاء. و الواو للاستئناف.

وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (68): يصلون بسلوكه إلى رضوان اللّه و جنّته،

كما يقول:

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ‏: الّذين في أعلى علّيّين.

وَ الصِّدِّيقِينَ‏: الّذين صدقوا في أقوالهم و أفعالهم.

وَ الشُّهَداءِ: المقتولين في سبيل اللّه.

وَ الصَّالِحِينَ‏: الّذين صلحت حالهم، و استقامت طريقتهم.

و كلمة «من» مع ما يتبعها بيان «للّذين» حال منه، أي: من ضميره.

وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (69): فيه معنى التّعجّب. «رفيقا» نصب على التّميّز، أو الحال. و لم يجمع. لأنّه يقال للواحد و تجمع، كالصّديق. أو لأنّه أريد به:

و حسن كلّ واحد منهم رفيقا.

و في أصول الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضال، عن الحسين بن علوان الكلبيّ، عن عليّ بن الحزور الغنويّ، عن الأصبغ بن نباتة الحنظليّ قال‏: رأيت أمير المؤمنين- عليه السّلام- افتتح البصرة و ركب بغلة رسول اللّه، ثمّ قال:

أيّها النّاس ألّا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم اللّه؟

فقام إليه أبو أيّوب الأنصاريّ فقال: [بلى‏] «3» يا أمير المؤمنين، حدّثنا. فإنّك كنت تشهد و نغيب.

فقال: إنّ خير خلق اللّه يوم يجمعهم اللّه سبعة من ولد عبد المطّلب. لا ينكر فضلهم إلّا كافر و لا يجحد بهم‏ «4» إلّا جاحد.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 228.

(2) الكافي 1/ 450، ح 34.

(3) من المصدر.

(4) المصدر: يجحد به.

 

 

461
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

 

فقام عمّار بن ياسر- رحمه اللّه- فقال: يا أمير المؤمنين، سمّهم لنا لنعرفهم‏ «1».

فقال: إنّ خير الخلق يوم يجمعهم اللّه الرّسل. و إنّ أفضل الرّسل محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و إنّ أفضل كلّ أمّة بعد نبيّها وصيّ نبيّها حتّى يدركه نبيّ. ألا و إنّ أفضل الأوصياء وصيّ محمّد- عليه و آله السّلام. ألا و إنّ أفضل الخلق بعد الأوصياء الشّهداء. ألا و إنّ أفضل الشّهداء حمزة بن عبد المطّلب و جعفر بن أبي طالب. له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنّة. لم ينحل أحد من هذه الأمّة جناحان غيره، شي‏ء كرم اللّه به محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- و شرفه. و السّبطان الحسن و الحسين- عليهما السّلام- و المهديّ، يجعله اللّه من شاء منّا أهل البيت. ثمّ قرأ هذه الآية: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ‏- إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً «2».

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «3»، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: أعينونا بالورع. فإنّه من لقي اللّه- عزّ و جلّ- منكم بالورع كان له عند اللّه- عزّ و جلّ- فرجا، و إنّ اللّه- تعالى- يقول: مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ‏- و قرأ إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. فمنّا النّبيّ و منّا الصّدّيق و الشّهداء و الصّالحون.

أبو عليّ الأشعريّ: عن محمّد بن سالم‏ «4»، عن أحمد بن النّضر الخزّاز، عن جدّه الرّبيع بن سعد قال: قال لي أبو جعفر- عليه السّلام- يا ربيع، إنّ الرّجل ليصدق حتّى يكتبه اللّه صدّيقا.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن عبد اللّه، عن خالد القميّ، عن خضر بن عمرو، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: سمعته يقول: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفى اللّه بشروطه الّتي اشترطها «5» عليه، فذلك مع النّبيّين و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا. و ذلك ممّن يشفع و لا يشفع له. و ذلك ممّن لا تصيبه‏ «6» أهوال الدّنيا و لا أهوال الآخرة. و مؤمن زلّت به قدم. فذلك كخامة الزّرع كيف‏

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: فلنعرفنّهم.

(2) ذكر في المصدر الآية بطولها.

(3) نفس المصدر 2/ 78، ح 12.

(4) نفس المصدر 2/ 105، ح 8.

(5) المصدر: شرطها.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا يصيبه.

 

 

462
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

ما كفأته الرّيح انكفأ. و ذلك ممّن تصيبه‏ «1» أهوال الدّنيا و أهوال الآخرة و يشفع له و هو على خير.

و في روضة الكافي‏ «2» بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: أ لم تسمعوا ما ذكر اللّه من فضل اتّباع الأئمّة الهداة و هم المؤمنون؟ قال: أُولئِكَ‏- إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فهذا وجه من وجوه فضل اتّباع الأئمّة، فكيف بهم و فضلهم؟!

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «3»، عن محمّد بن سليمان [، عن أبيه،] «4» عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال لأبي بصير: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه، فقال: أُولئِكَ‏- إلى- حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في الآية النبيون و نحن في هذا الموضع الصديقون و الشهداء و أنتم الصالحون فتسمّوا بالصّلاح كما سمّاكم اللّه- عزّ و جلّ-

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

[و في تفسير العيّاشي‏ «5»: عن عبد اللّه بن جندب، عن الرّضا- عليه السّلام- قال‏:

حقّ على اللّه‏] «6» أن يجعل وليّنا رفيقا للنّبيّين و الصدّيقين و الشّهداء و الصّالحين، و حسن أولئك رفيقا.

و في كتاب الخصال‏ «7»: عن الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- قال‏: إنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أوصى إلى عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- و كان فيما أوصى به أن قال له: يا عليّ، من حفظ من أمّتي أربعين حديثا يطلب بذلك وجه اللّه- تعالى- و الدّار الآخرة حشره اللّه يوم القيامة مع النّبيّين و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا.

فقال عليّ- عليه السّلام-: يا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ما هذه الأحاديث؟ فقال: أن تؤمن باللّه وحده لا شريك له، و تعبده و لا تعبد غيره- إلى أن قال‏

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: يصيبه.

(2) الكافي 8/ 10، ضمن حديث 1.

(3) نفس المصدر 8/ 35- 36، ح 6، و أوّله في ص 33.

(4) من المصدر.

(5) تفسير العياشي 1/ 256، ح 189.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(7) الخصال 2/ 543، ح 19.

 

463
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

بعد تعدادها صلوات اللّه عليه و آله-: فهذه أربعون حديثا، من استقام عليها و حفظها عنّي عن أمّتي دخل الجنّة برحمة اللّه، و كان من أفضل النّاس و أحبّهم إلى اللّه- تعالى- بعد النّبيّين و الوصيّين، حشره اللّه- تعالى- يوم القيامة مع النّبيّين و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين، و حسن أولئك رفيقا.

عن محمّد بن أبي ليلى‏ «1» قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: الصّدّيقون ثلاثة: عليّ بن أبي طالب، و حبيب النّجّار، و مؤمن آل فرعون.

و في عيون الأخبار: عن الرّضا- عليه السّلام- «2» عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لكلّ أمّة صدّيق و فاروق. و صدّيق هذه الأمّة و فاروقها عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

[و في شرح الآيات الباهرة «3»] «4» ذكر الشّيخ أبو جعفر الطّوسيّ- رحمه اللّه- في كتابه مصباح الأنوار قال: حدّث‏ «5» النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لعمّه العبّاس بمشهد من القرابة و الصّحابة، روى أنس بن مالك قال: صلّى بنا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في بعض الأيّام صلاة الفجر، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت: يا رسول اللّه، أ رأيت‏ «6» أن تفسّر لنا قوله- تعالى-: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

فقال- صلّى اللّه عليه و آله-: أمّا النّبيّون فأنا، و أمّا الصّدّيقون فأخي عليّ، و أمّا الشّهداء فعميّ حمزة، و الصّالحون فابنتي فاطمة و أولادها الحسن و الحسين.

قال: و كان العبّاس حاضرا. فوثب و جلس بين يدي رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قال: ألسنا أنا و أنت و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين من نبعة «7» واحدة؟

قال: و ما ذاك يا عمّ؟

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 184، ح 254.

(2) عيون الأخبار 2/ 12، ح 30.

(3) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط/ 50- 51.

(4) من ر.

(5) المصدر: في حديث.

(6) المصدر: إن رأيت.

(7) المصدر: نبقة.

 

464
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

قال: لأنّك تعرّف بعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين دوننا.

فتبسّم النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و قال: أمّا قولك [يا عمّ‏] «1»: «ألسنا من نبعة «2» واحدة» فصدقت، و لكن يا عمّ إنّ اللّه خلقني و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين قبل أن يخلق اللّه‏ «3» آدم، حين لا سماء مبنيّة و لا أرض مدحيّة و لا ظلمة و لا نور و لا شمس و لا قمر و لا جنّة و لا نار.

فقال العبّاس: فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟

فقال: يا عمّ، لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم كلمة خلق منها نورا، ثمّ تكلّم كلمة أخرى فخلق منها روحا، ثمّ مزج النّور بالرّوح فخلقني و خلق عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين. فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح، و نقدّسه حين لا تقديس. فلمّا أراد اللّه- تعالى- أن ينشئ الصّنعة فتق‏ «4» نوري فخلق منه العرش فالعرش من نوري و نوري من نور اللّه و نوري أفضل من العرش، ثمّ فتق نور أخي عليّ فخلق منه الملائكة. فالملائكة من نور عليّ. و نور عليّ من نور اللّه. و عليّ أفضل من الملائكة. ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة. فخلق منه السّماوات و الأرض. فالسّماوات و الأرض من نور ابنتي فاطمة. و نور ابنتي فاطمة من نور اللّه- عزّ و جلّ-. و ابنتي فاطمة أفضل من السّماوات و الأرض. ثمّ فتق نور ولدي الحسن. و خلق منه الشّمس و القمر فالشّمس و القمر من نور ولدي الحسن. و نور الحسن من نور اللّه. و الحسن أفضل من الشّمس و القمر. ثمّ فتق نور ولدي الحسين. فخلق منه الجنّة و الحور العين. فالجنّة و الحور العين من نور ولدي الحسين. و نور ولدي الحسين من نور اللّه. و [ولدي‏] «5» الحسين أفضل من الجنّة و الحور العين. ثمّ أمر اللّه الظّلمات أن تمرّ على سحائب المنظر «6». فأظلمت السّموات على الملائكة. فضجّت الملائكة بالتّسبيح و التّقديس. و قالت: إلهنا و سيّدنا منذ خلقتنا و عرّفتنا هذه الأشباح لم نر بؤسا. فبحقّ‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) المصدر: نبقة.

(3) ليس في أو المصدر.

(4) هكذا في المصدر و تفسير البرهان 1/ 393، نقلا عن المصدر و في بعض النسخ. و في الأصل: شقّ.

(5) من المصدر. و في تفسير البرهان هكذا (1/ 393)

(6) المصدر: «سحائب القطر». و في تفسير البرهان، 1/ 393: «أن تمرّ بسحائب الظلم».

 

465
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

هذه الأشباح‏ «1» إلّا ما كشفت عنّا هذه الظّلمة. فأخرج اللّه من نور ابنتي فاطمة «2» قناديل.

فعلّقها في بطنان العرش. فأزهرت‏ «3» السّموات و الأرض. ثمّ أشرقت بنورها. فلأجل ذلك سمّيت الزّهراء.

فقالت الملائكة: إلهنا و سيّدنا، لمن هذا النّور الزّاهر «4» الّذي قد أشرقت به السّماوات و الأرض؟

فأوحى اللّه إليها: هذا نور اخترعته من نور جلالي لأمتي فاطمة بنت حبيبي و زوجة وليّي و أخ نبيّي و أبي حججي على عبادي. أشهدكم ملائكتي أنّي قد جعلت ثواب تسبيحكم و تقديسكم لهذه المرأة و شيعتها و محبّيها إلى يوم القيامة.

قال: فلمّا سمع العبّاس من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ذلك وثب قائما و قبّل بين عيني عليّ- عليه السّلام- و قال: و اللّه يا عليّ، أنت الحجّة البالغة لمن آمن باللّه و اليوم الآخر.

و في أصول الكافي‏ «5»، عن رجاله، عن إسماعيل بن جابر قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: من سرّه أن يلقى اللّه و هو مؤمن حقّا حقّا فليتولّ اللّه و رسوله و الّذين آمنوا و ليتبرّأ إلى اللّه من عدوّهم و ليسلّم إلى ما انتهى إليه من فضلهم. إنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب و لا نبيّ مرسل و لا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكره اللّه من فضل أتباع الأئمّة الهداة و هم المؤمنون؟ قال- تبارك و تعالى-: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ‏- و تلا إلى قوله-:

وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً و قال: و هذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة، فكيف بهم و بفضلهم‏ «6»؟!

[و في كتاب معاني الأخبار «7»: حدّثنا محمّد بن القاسم الاستراباديّ المفسّر قال:

حدّثني يوسف بن محمّد بن زياد و عليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن‏

______________________________
(1) «لم نر بؤسا. فجق هذه الأشباح» ليس في المصدر و موجود في تفسير البرهان، 1/ 393.

(2) هكذا في النسخ و تفسير البرهان. و في المصدر: نورا من ابنتي فاطمة.

(3) ر: فأظهرت.

(4) هكذا في النسخ و تفسير البرهان. و في المصدر: النور الأزهر.

(5) بل في روضة الكافي 8/ 80، ضمن حديث 1.

(6) هكذا في أ. و في المصدر و سائر النسخ: فضلهم.

(7) معاني الأخبار/ 36، صدر حديث 9.

 

466
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏، أي: اهدنا صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك و طاعتك، و هم الّذين قال اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً حكي هذا بعينه عن أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في بصائر الدّرجات‏ «1»: الحسن بن أحمد «2»، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن العبّاس الحريش‏ «3»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ لنا [في ليالي الجمعة] «4» لشأنا «5»- و ذكر حديثا، و في آخره قلت-: [و اللّه‏] «6» ما عندي كثير صلاح.

قال: لا تكذب على اللّه. فإنّ اللّه قد سمّاك صالحا حيث يقول: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً يعني: الّذين آمنوا بنا و بأمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»: و امّا قوله: وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

قال: النّبيّين، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و الصّدّيقين، [علي‏]. «8» و الشّهداء، الحسن و الحسين. و الصّالحين، الأئمّة. و حسن أولئك رفيقا، القائم من آل محمّد- صلوات اللّه عليهم-.] «9»

و نقل‏ في سبب نزول هذه الآية: أنّ ثوبان مولى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أتاه يوما و قد تغيّر وجهه و نحل جسمه، فسأله عن حاله، فقال: ما بي من وجع، غير أنّي إذا لم أرك اشتقت إليك و استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك، ثمّ ذكرت الآخرة فخفت أن لا أراك هناك، لأنّي عرفت أنّك ترفع مع النّبيّين، و إن أدخلت الجنّة كنت في‏

______________________________
(1) بصائر الدرجات/ 150- 151، ضمن حديث 2.

(2) المصدر: الحسين بن محمّد.

(3) المصدر: العباس بن حريش.

(4) من المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: شأنا.

(6) من المصدر.

(7) تفسير القمي 1/ 142- 143.

(8) من المصدر.

(9) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

467
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

منزل دون منزلك، و إن لم أدخل فذاك حين لا أراك أبدا، فنزلت‏ «1».

ذلِكَ‏: إشارة إلى ما للمطيعين من الأجر و مزيد الهداية و مرافقة المنعم عليهم. أو إلى فضل هؤلاء المنعم عليهم و مرتبتهم.

الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ‏: خبره. أو «الفضل» خبره، و «من اللّه» حال. و العامل فيه، معنى الإشارة.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ عَلِيماً (70): بجزاء من أطاعه. أو بمقادير الفضل، و استحقاق أهله.

[و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفيّ‏ «2» قال: حدّثني عبيد بن كثير معنعنا، عن أصبغ بن نباتة قال‏: لمّا «3» هزمنا أهل البصرة جاء عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- حتّى استند إلى حائط من حيطان البصرة. فاجتمعنا حوله و أمير المؤمنين- عليه السّلام- راكب و النّاس نزول. فيدعو الرّجل باسمه فيأتيه. ثمّ يدعو الرّجل باسمه فيأتيه. [ثم يدعو الرجل فيأتيه.] «4» حتّى وافاه بها «5» نحو ستّين شيخا، كلّهم قد: صغروا «6» اللّحى و عقصوها و أكثرهم يومئذ من همدان. فأخذ أمير المؤمنين في طريق من طرائق‏ «7» البصرة و نحن معه، و علينا الدّروع و المغافر «8»، متقلّدين السّيوف، متنكّبي الأترسة «9»، حتّى انتهى إلى دار قوراء [عظيمة.] «10» فدخلنا. فإذا فيها نسوة يبكين. فلمّا رأينه صحن صيحة واحدة و قلن: هذا قاتل الأحبّة. فأسكت‏ «11» عنهم. ثمّ قال: أين منزل عائشة؟ فأوموا إلى حجرة في الدّار، فحملنا عليّا من دابّته. فأنزلناه. فدخل عليها. فلم أسمع من قول عليّ شيئا إلّا أنّ عائشة كانت امرأة «12» عالية الصّوت. فسمعت كهيئة المعاذير: إنّي لم أفعل. ثمّ خرج علينا أمير المؤمنين عليّ- عليه السّلام- فحملنا عليّا على دابّته. فعارضته‏ «13» امرأة من قبل‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 229.

(2) تفسير فرات/ 35- 36.

(3) ليس في المصدر.

(4) من المصدر.

(5) المصدر: لها.

(6) المصدر: صفروا.

(7) المصدر: طرق.

(8) المصدر: المغافير.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: متنكي الاترمعيه.

(10) من المصدر.

(11) هكذا في النسخ و المصدر. و الظاهر: فسكت عنهنّ.

(12) هكذا في المصدر. و في النسخ: امرأة كانت.

(13) المصدر: فعارضت.

 

468
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

الدّار.

فقال‏ «1»: أين صفيّة؟

قالت: لبيّك يا أمير المؤمنين.

قال: ألا تكفيني عنّي هؤلاء الكلبات الّتي يزعمن أنّي قتلت‏ «2» الأحبّة. لو قتلت الأحبّة لقتلت من في تلك الدّار- و أومأ بيده إلى ثلاث حجر في الدّار. فضربنا بأيدينا على‏ «3» قوائم السّيوف. و ضر «4» بنا بأبصارنا إلى الحجر الّتي أومأ إليها. فو اللّه ما بقيت في الدّار باكية إلّا سكتت، و لا قائمة إلّا جلست.

قلت: يا أبا القاسم، فمن كان في تلك الثّلاث حجر؟

قال: أمّا واحدة فكان فيها مروان بن الحكم جريحا و معه شباب قريش جرحى، و أمّا الثّانية [فكان‏] «5» فيها عبد اللّه بن الزّبير و معه [آل‏] «6» الزّبير جرحى، و أمّا الثّالثة فكان فيها رئيس أهل البصرة يدور مع عائشة أين ما دارت.

قلت: يا أبا القاسم، هؤلاء أصحاب القرحة، هلا ملتم‏ «7» عليهم بهذه السّيوف.

قال: يا بن أخي، أمير المؤمنين أعلم منك وسعهم أمانه، إنّا لمّا هزمنا القوم نادى مناديه: لا يذفف‏ «8» على جريح، و لا يتبع مدبر، و من ألقى سلاحه فهو آمن سنّة يستنّ بها «9» بعد يومكم هذا.

ثمّ مضى و مضينا معه حتّى انتهينا إلى المعسكر. فقام إليه ناس من أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- منهم، أبو أيّوب الأنصاريّ و قيس بن سعد «10» و عمّار بن ياسر و زيد بن حارثة و أبو ليلى، فقال: ألا أخبركم بسبعة من أفضل الخلق يوم يجمعهم اللّه- تعالى-؟

______________________________
(1) المصدر: ثم قال.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: قتلنا.

(3) المصدر: إلى.

(4) المصدر: فضربنا.

5 و 6- من المصدر.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: فلا ملتم.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: لا يدفق.

(9) النسخ: «فهي ابن سنة بسنتين بها» بدل «فهو آمن سنّة يستنّ بها». و ما أثبتناه في المتن موافق المصدر.

(10) هو قيس بن سعد بن عبادة بن و لهم الساعدي. و في المصدر: «قيس بن سعيد». فهي خطأ. ر. تنقيح المقال 2/ 31، رقم 9712.

 

469
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 69 الى 70] ص : 461

قال أبو أيّوب: بلى‏ «1» و اللّه فأخبرنا يا أمير المؤمنين، فإنّك كنت تشهد و نغيب.

قال: فإنّ أفضل الخلق يوم يجمعهم اللّه سبعة من بني عبد المطّلب، لا ينكر فضلهم إلّا كافر، و لا يجحد إلّا جاحد.

قال عمّار بن ياسر- رضي اللّه عنه-: ما اسمهم يا أمير المؤمنين لنعرفهم‏ «2».

قال: إنّ أفضل الخلق يوم يجمع اللّه الرّسل، و إنّ من أفضل الرّسل محمّدا- عليهم أفضل الصّلاة و السّلام- ثمّ إنّ أفضل كلّ أمّة بعد نبيّها وصيّ نبيّها حتّى يدركه نبيّ، و إنّ أفضل الأوصياء وصيّ محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ إنّ أفضل النّاس بعد الأوصياء الشّهداء، و إنّ أفضل الشّهداء جعفر بن أبي طالب‏ «3»- رحمه اللّه- ذو جناحين مع الملائكة لم يحلّ بحليته أحد من الآدميّين في الجنّة، شي‏ء شرفّه اللّه به. و السّبطان الحسنان سيّدا شباب أهل الجنّة «4» ولادته آباءهما «5» و المهديّ يجعله اللّه من أحبّ منّا أهل البيت.

ثمّ قال: أبشروا- ثلاثة- مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً، ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ عَلِيماً..

و قال: حدّثني الحسن بن عليّ‏ «6» معنعنا، عن أصبغ بن نباتة قال: قال‏ «7» عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-: إنّي أريد أن أذكر حديثا.

قلت‏ «8»: فما يمنعك يا أمير المؤمنين أن تذكره؟ فقال: ما قلت هذا إلّا و أنا أريد أن أذكره. ثمّ قال: إذا جمع اللّه الأوّلين و الآخرين كان أفضلهم سبعة منّا بني عبد المطّلب،

______________________________
(1) ليس في المصدر.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: فلنعرفنهم.

(3) المصدر: «حمزة بن عبد المطّلب و جعفر بن أبي طالب.» و لعلّه الصواب.

(4) النسخ و المصدر: الحسنين سيدي شباب أهل الجنة.

(5) كذا في النسخ و في المصدر: من ولدت آباهما.

(6) هكذا في الأصل ور. و في نسخة المجلس: «الحسن بن علي بن بزيع». و في المصدر: «الحسين بن علي بن بزيع». و لم نعثر على «بزيع» إلّا «أحمد بن حمزة بن بزيع» و «أحمد بن عميرة بن بزيع». و الحديث في نفس المصدر/ 35- 36.

(7) المصدر: لي.

(8) المصدر: «فقال عمار بن ياسر فذكره قال: إنّي أريد أن أذكر حديثا. قال أبو أيّوب الأنصاري:» بدل «قلت».

 

470
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

 

الأنبياء أكرم‏ «1» الخلق و نبيّنا أفضل الأنبياء «2»- عليه السّلام- ثمّ الأوصياء أفضل الأمم‏ «3» و وصيّه أفضل الأوصياء- عليه السّلام- ثمّ الشّهداء أفضل الأمم بعد الأوصياء «4»، و حمزة سيّد الشّهداء، و جعفر ذو الجناحين يطير مع الملائكة، لم ينحله اللّه شهيدا قطّ قبله- رحمة اللّه عليهم أجمعين‏ «5»- من النّبيّين و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين و حسن أولئك رفيقا ذلك الفضل من اللّه و كفى باللّه عليما. ثمّ‏ «6» السّبطان حسن و حسين‏ «7». و المهديّ- عليهم السّلام و التّحيّة و الإكرام- جعله‏ «8» اللّه ممّن يشاء أهل البيت.

و قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد «9» معنعنا، عن سليمان الدّيلميّ قال‏:

كنت عند عبد اللّه- عليه السّلام- إذ دخل عليه أبو بصير و قد أخذه النّفس، فلمّا أن أخذ مجلسه قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا أبا محمّد، ما هذا النّفس العالية؟

قال: جعلت فداك يا بن رسول اللّه، كبرت سنّي و دقّ عظمي و اقترب أجلي، و لست أدري ما أرد عليه من أمر آخرتي.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام- يا أبا محمّد، و إنّك لتقول هذا! قال: و كيف لا أقول هذا؟ فذكر كلاما، ثمّ قال: يا أبا محمّد، لقد ذكركم اللّه في كتابه المبين [بقوله‏] «10»: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في الآية النّبيّين، و نحن في هذا الموضع الصّدّيقين و الشّهداء، و أنتم الصّالحون، فسمّوا بالصّلاح كما سمّاكم اللّه يا أبا محمّد.] «11»

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ‏: فتيقّظوا و استعدّوا للأعداء. الحذر و الحذر، كالإثر و الأثر.

______________________________
(1) المصدر: أكرم الخلق على اللّه.

(2) المصدر: أكرم الأنبياء.

(3) المصدر: أفضل الأمم بعد الأنبياء.

(4) المصدر: بعد الأنبياء و الأوصياء.

(5) المصدر: «و إنّما ذلك شي‏ء أكرم اللّه به وجه محمّد- صلّى اللّه عليه و آله. ثم قال: أولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم» بدل «رحمة اللّه عليهم أجمعين».

(6) المصدر: و.

(7) النسخ و المصدر: حسنا و حسينا.

(8) هكذا في المصدر. و في النسخ: جعلهم.

(9) نفس المصدر/ 36.

(10) من المصدر.

(11) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

471
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

 

و قيل‏ «1»: ما يحذر به، كالحزم و السّلاح.

و يؤيّده‏

ما رواه في مجمع البيان‏ «2»: عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّ: معناه: خذوا أسلحتكم.

فَانْفِرُوا: فاخرجوا إلى الجهاد.

ثُباتٍ‏: جماعات متفرّقة. جمع، ثبة. من ثبيت على فلان، إذا ذكرت متفرّق محاسنه. و يجمع- أيضا- على ثبين، جبرا لما حذف من عجزه.

أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (71): مجتمعين كوكبة واحدة.

و روي في مجمع البيان‏ «3»: عن أبي جعفر- عليه السّلام-: أنّ المراد بالثّبات، السّرايا. و بالجميع، العسكر.

و الآية و إن نزلت في الحرب، لكن يقتضي إطلاق لفظها وجوب المبادرة إلى الخيرات كلّها كيف ما أمكن قبل الفوات.

وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ‏: الخطاب لعسكر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- المؤمنين منهم و المنافقين. و المبطئون منافقوهم، تثاقلوا و تخلّفوا عن الجهاد. من بطأ، بمعنى: أبطأ. و هو لازم. أو ثبّطوا غيرهم، كما ثبّط ابن أُبيّ ناسا يوم أحد. من بطأ منقولا من بطؤ، كثقل من ثقل.

و اللّام الأولى للابتداء، دخلت على اسم «إنّ» للفصل. و الثّانية جواب قسم محذوف. و القسم بجوابه صلة «من» و الرّاجع إليه ما استكنّ في «ليبطئنّ» و التّقدير: و إنّ منكم لمن أقسم باللّه ليبطئنّ.

فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ: كقتل و هزيمة.

قالَ‏، أي: المبطئ.

قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (72): حاضرا، فيصيبني ما أصابهم.

و في مجمع البيان‏ «4»: عن الصّادق- عليه السّلام-: لو أنّ أهل السّماء و الأرض قالوا: قد أنعم اللّه علينا إذ لم نكن مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لكانوا بذلك‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 229.

(2) مجمع البيان 2/ 73.

(3) نفس المصدر 2/ 73.

(4) مجمع البيان 2/ 74.

 

 

472
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

كفّارا مشركين.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم و العيّاشيّ‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام-: لو قال هذه الكلمة أهل الشّرق و الغرب لكانوا بها خارجين من الإيمان، و لكنّ اللّه سمّاهم مؤمنين بإقرارهم.

و في رواية «2»: سمّاهم مؤمنين، و ليسوا هم بمؤمنين و لا كرامة.

وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ‏ كفتح و غنيمة.

لَيَقُولَنَ‏: أكّده تنبيها على فرط تحسّره.

و قرئ، بضمّ اللّام، إعادة للضّمير على المعنى‏ «3».

كَأَنْ لَمْ تَكُنْ‏:

و قرأ ابن كثير و حفص عن عاصم و رويس عن يعقوب، بالتّاء، لتأنيث لفظ المودّة «4».

بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ: اعتراض بين الفعل و مفعوله، و هو يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73): تنبيه على ضعف عقيدتهم، و أنّ قولهم هذا قول من لا مواصلة بينكم و بينه، و إنّما يريد أن يكون معكم لمجرّد المال. أو حال عن الضّمير في «ليقولنّ»، أي: حال كونهم لا مودّة بينه و بينكم، بناء على أنّه إنّما يريد أن يكون معكم لمجرّد المال. أو داخل في المقول، أي: يقول المبطئ لمن يثبّطه من المنافقين و ضعفة المسلمين تضريبا و حسدا: كأن لم يكن بينكم و بين محمّد- عليه السّلام- مودّة حيث لم يستعن بكم فتفوزوا بما فاز يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ‏. و القول باتّصاله بالجملة الأولى ضعيف، إذ لا يفصل أبعاض الجملة بما لا يتعلّق بها لفظا و معنى.

و «كأن» مخفّفة، و اسمها ضمير الشّأن المحذوف. و المنادى في «يا ليتني» محذوف، أي: يا قوم. و قيل: «يا» للتّنبيه على الاتّساع. «فأفوز» نصب على جواب التّمنّي.

و قرئ، على تقدير: فأنا أفوز في ذلك الوقت. أو العطف على «كنت».

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 143+ تفسير العياشي 1/ 257، ح 191.

(2) تفسير العياشي 1/ 257، ح 191.

(3) أنوار التنزيل 1/ 229.

(4) نفس المصدر و الموضع.

473
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، أي:

يبيعونها.

بِالْآخِرَةِ، يعني: إن بطأ هؤلاء عن القتال فليقاتل المخلصون الباذلون أنفسهم في طلب الآخرة. أو فليقاتل الّذين يشترونها و يختارونها على الآخرة، و هم المبطئون.

و المقصود، حثّهم على ترك ما حكى عنهم.

وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (74): وعد له الأجر العظيم غلب أو غلب، ترغيبا في القتال، و تكذيبا لقولهم‏ «1»: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً. و إنّما قال: فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ‏ تنبيها على أنّ المجاهد ينبغي أن يثبت في المعركة حتّى يعزّ نفسه بالشّهادة أو الدّين بالظّفر و الغلبة، و أن لا يكون قصده بالذّات إلى القتل، بل إعلاء الحقّ و إعزاز الدّين.

و في كتاب الخصال‏ «2»: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- أن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: فوق كلّ برّ برّ حتّى يقتل الرّجل في سبيل اللّه، فإذا قتل في سبيل اللّه ليس فوقه برّ.

[عن أبي جعفر- عليه السّلام- «3» قال‏: كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل اللّه إلّا الدّين لا كفّارة له، إلّا أداءه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الّذي له عليه الحقّ.] «4»

و عن الصّادق- عليه السّلام- «5»: من قتل في سبيل اللّه لم يعرّفه اللّه شيئا من سيّئاته.

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- «6»: للشّهيد سبع خصال من اللّه: أوّل قطرة من دمه، مغفور له كلّ ذنب. و الثّانية، يقع رأسه في حجر زوجتيه من الحور العين و تمسحان الغبار عن وجهه، تقولان: مرحبا بك، و يقول هو مثل ذلك لهما، و الثّالثة، يكسى من كسوة الجنّة. و الرّابعة، يبتدر خزنة الجنّة بكلّ ريح طيّبة، أيّهم يأخذه منه، و الخامسة، أن يرى منزله. و السّادسة، يقال لروحه: اسرحي‏ «7» في الجنّة حيث شئت. و السّابعة، أن ينظر

______________________________
(1) النساء/ 72.

(2) الخصال 1/ 9، ح 31.

(3) نفس المصدر/ 12، ح 42.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) الكافي 5/ 54، ح 6.

(6) تهذيب الأحكام 6/ 121- 122، ح 3.

(7) المصدر و النسخ: اسرح.

 

474
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

في وجه اللّه، و إنّها الرّاحة لكلّ نبيّ و شهيد.

وَ ما لَكُمْ‏: مبتدأ و خبر.

لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏: حال. و العامل فيها، ما في الظّرف عن معنى الفعل.

وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ‏: عطف على اسم «اللّه»، أي: و في سبيل المستضعفين.

و هو تخليصهم من الأسر و صونهم عن العدوّ. أو على «السّبيل» بحذف المضاف، أي:

و في خلاص المستضعفين.

و يحتمل النّصب على الاختصاص، فإنّ «سبيل اللّه» يعمّ أبواب الخير، و تخليص ضعفة المسلمين من أيدي الكفّار أعظمها و أخصّها.

مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ‏: بيان «للمستضعفين» و هم المسلمون الّذين بقوا بمكّة لصدّ المشركين، أو لضعفهم عن الهجرة مبتذلين. و إنّما ذكر «الولدان» مبالغة في الحثّ، و تنبيها على تناهي ظلم المشركين، بحيث بلغ أذاهم الصّبيان، و أنّ دعوتهم أجيبت بسبب مشاركتهم في الدّعاء، حتّى يشاركوا في استنزال الرّحمة و استدفاع البليّة.

و في الكشّاف‏ «1»: أنّ المراد به، العبيد و الإماء. و هو جمع وليد.

الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَ اجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (75): فاستجاب اللّه دعاءهم بأن يسّر لبعضهم الخروج إلى المدينة، و جعل لمن بقي منهم خير وليّ و ناصر بفتح مكّة على نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله و سلّم- فتولّاهم و نصرهم.

قيل: ثمّ استعمل عليهم عتاب بن أسيد، فحماهم و نصرهم حتّى صاروا أعزّة أهلها.

و «القرية» مكّة. و «الظّالم» صفتها. و تذكيرها لتذكير ما أسند إليه، لأنّ اسم الفاعل أو المفعول إذا جرى على غير من هو له، كان كالفعل يذكّر و يؤنّث على حسب ما عمل فيه.

في روضة الكافي‏ «2»: ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبي حمزة، عن سعيد

______________________________
(1) الكشاف 1/ 534 و يوجد أيضا في أنوار التنزيل 1/ 230.

(2) الكافي 8/ 340، ح 536.

 

475
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

بن المسيّب، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال- في حديث طويل-: و قد كانت خديجة- عليهما السّلام- ماتت قبل الهجرة بسنة، و مات أبو طالب- عليه السّلام- بعد موت خديجة بسنة، فلمّا فقدهما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- سئم المقام بمكّة و دخله حزن شديد و أشفق على نفسه من كفّار قريش، فشكى إلى جبرئيل ذلك، فأوحى اللّه- عزّ و جلّ- إليه: أن اخرج من القرية الظّالم أهلها و هاجر إلى المدينة، فليس لك اليوم بمكّة ناصر، و انصب للمشركين حربا. فعند ذلك توجّه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى المدينة.

و في تفسير العيّاشي‏ «1»: عن حمران عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه تلا:

الْمُسْتَضْعَفِينَ‏- إلى- نَصِيراً و قال: نحن أولئك. و عن سماعة «2»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- مثله.

الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏، أي: فيما يصلون به إلى اللّه.

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ‏: فيما يبلغ بهم إلى الشّيطان.

فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ‏: لمّا ذكر مقصد الفريقين، أمر أولياءه أن يقاتلوا أولياء الشّيطان. ثمّ شجّعهم بقوله:

إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (76)، أي: أنّ كيده للمؤمنين- بالإضافة إلى كيد اللّه للكافرين- ضعيف لا يؤبه به، فلا تخافوا أولياءه، فإنّ اعتمادهم على أضعف شي‏ء و أوهنه، و اعتمادكم على أقوى شي‏ء و أحكمه.

و في أصول الكافي‏ «3»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيه قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول‏: إذا سمعتم العلم فاستعملوه و لتسع قلوبكم. فإنّ العلم إذا كثر في قلب رجل لا يحتمله قدر الشّيطان عليه. فإذا خاصمكم الشّيطان فأقبلوا عليه بما تعرفون.

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 257، ح 193.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 194.

(3) الكافي 1/ 45، ح 7.

 

476
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

فإنّ كيد الشّيطان كان ضعيفا.

فقلت: و ما الّذي نعرفه؟

قال: خاصموه بما ظهر لكم من قدرة اللّه- عزّ و جلّ-.

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ‏: عن القتال.

وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ: و اشتغلوا بما أمرتم به منهما.

قيل‏ «1»: و ذلك حين كانوا بمكة، و كانوا يتمنّون أن يؤذن لهم في ذلك.

و في مجمع البيان‏ «2»: المرويّ عن أئمّتنا- عليهم السّلام-: أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ‏.

و في أصول الكافي‏ «3»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن عبد اللّه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية: كفّوا ألسنتكم.

فعلى هذه الرّواية، تكون الآية في من لا يصلح له القتال. و يكون المراد بكفّ الأيدي، كفّ الألسن عمّا يوجب القتال. و لم تكن الآية منسوخة. و الجمع بينها و بين الرّواية الأولى، أنّها منسوخة ببعض معانيها، محكمة ببعض آخر.

و في روضة الكافي‏ «4»: عليّ بن محمّد، عن عليّ بن العبّاس، عن الحسن بن عبد الرّحمن، عن منصور، عن حريز، عن عبد اللّه، عن الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: يا فضيل، أما ترضون أن تقيموا الصّلاة و تؤتوا الزّكاة و تكفّوا ألسنتكم و تدخلوا الجنّة؟ ثمّ قرأ: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ أنتم و اللّه أهل هذه الآية.

[يحيى الحلبيّ، عن ابن مسكان‏ «5»، عن مالك الجهنيّ قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: يا مالك، أما ترضون أن تقيموا الصّلاة و تؤتوا الزّكاة و تكفّوا ألسنتكم و تدخلوا الجنّة؟] «6».

فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ‏:

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 77.

(2) نفس المصدر 1/ 285.

(3) الكافي 2/ 114، ح 8.

(4) نفس المصدر 8/ 289، ح 434.

(5) نفس المصدر 8/ 146، ح 122.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

477
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

يخشون الكفّار أن يقتلوهم، كما يخشون اللّه أن ينزّل عليهم بأسه.

و «إذا» للمفاجأة جواب «لمّا».

و «فريق» مبتدأ، «منهم» صفته، و «يخشون» خبره.

و «كخشية اللّه» من إضافة المصدر إلى المفعول، وقع موقع المصدر، أو الحال، من فاعل «يخشون» على معنى: يخشون النّاس مثل أهل خشية اللّه منه.

أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً: عطف عليه، إن جعلته حالا. و إن جعلته مصدرا، فلا.

لأنّ أفعل التّفضيل إذا نصب ما بعده لم يكن من جنسه، بل هو معطوف على اسم اللّه، أي: و كخشية اللّه أو كخشية أشدّ خشية منه، على الفرض. اللّهمّ إلّا أن نجعل الخشية ذات خشية، كقولهم: جدّ جدّه. على معنى: يخشون النّاس خشية مثل خشية اللّه، أو خشية أشدّ خشية من خشية اللّه.

وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏:

استزادة في مدّة الكفّ عن القتال، حذرا عن الموت. و يحتمل أنّهم ما تفوّهوا به، و لكن قالوه في أنفسهم، فحكى اللّه عنهم.

و في تفسير العيّاشي‏ «1» [، عنه‏: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ قال: نزلت في الحسن بن عليّ، أمره اللّه بالكفّ. فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ‏ قال: نزلت في الحسين بن عليّ، كتب اللّه عليه و على أهل الأرض أن يقاتلوا معه.

عليّ بن أسباط «2» يرفعه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لو قاتل معه أهل الأرض، لقتلوا كلّهم.] «3»

[عن إدريس مولى لعبد اللّه بن جعفر «4»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في تفسير هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ‏ مع‏] «5» الحسن. وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ ... فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ‏ مع الحسين- عليه السّلام- قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏ إلى خروج القائم- عليه السّلام- فإنّ معه‏

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 258، ح 198- و فيه: «و في رواية الحسن بن زياد العطّار عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله» بدل «عنه».

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 199.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) نفس المصدر 1/ 257- 258، ح 195.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

 

478
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

النّصر و الظّفر.

[و في روضة الكافي‏ «1»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن أبي الصّباح بن عبد الحميد، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: و اللّه، للّذي صنعه الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- كان خيرا لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشّمس، و اللّه لقد نزلت هذه الآية: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ إنّما هي طاعة الإمام، و طلبوا القتال‏ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ‏ مع الحسين- عليه السّلام- قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏ نجب دعوتك و نتّبع الرّسل أرادوا تأخير ذلك إلى القائم- عليه السّلام-.] «2»

قال اللّه- تعالى- قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ‏: سريع التّقضّي.

وَ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى‏ وَ لا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77)، أي: و لا تنقصون أدنى شي‏ء من ثوابكم، فلا ترغبوا عنه. أو من آجالكم المقدّرة. و «الفتيل» حبل دقيق من ليف. و السّماة الّتي في شقّ النواة. و ما فتلته بين أصابعك من الوسخ. يكنّى به عن القليل، كقولهم: و ما أغنى عنك فتيلا. و قرأ ابن كثير و الكسائيّ، بالياء، لتقدّم الغيبة «3».

أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ‏:

و قرئ، بالرّفع، على حذف الفاء. أو على أنّه كلام مبتدأ. و «أينما» متّصل بلا تظلمون‏ «4».

وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ: في قصور، أو حصون مرتفعة.

و «البروج» في الأصل، بيوت على أطراف القصر. من تبرّجت المرأة، إذا ظهرت.

و قرئ: مشيّدة. بصيغة اسم الفاعل، وصفا لها بوصف فاعلها، كقولهم:

قصيدة شاعرة و مشيّدة. من شاد القصر، إذا رفعه‏ «5».

وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ: نعمة، كخصب.

______________________________
(1) الكافي 8/ 330، ح 506.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) أنوار التنزيل 1/ 231.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) نفس المصدر و الموضع.

479
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 71 الى 79] ص : 471

يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ، أي: بليّة، كقحط.

يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ‏: يطّيّروا بك. و يقولون: إن هي إلّا بشؤمك، كما قالت اليهود حين دخل محمّد- عليه السّلام- المدينة: نقصت ثمارها و غلت أسعارها.

قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏: يبسط و يقبض، حسب إرادته.

فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (78): يوعظون به، و هو القرآن. فإنهم لو فهموه و تدبّروا معانيه لعلموا أنّ الكلّ من اللّه. أو حديثا ما، كبهائم لا إفهام لها. أو حادثا من صروف الزّمان، فيتفكّروا فيها، فيعلموا أنّه الباسط و القابض.

ما أَصابَكَ‏: يا إنسان: مِنْ حَسَنَةٍ: من نعمة.

فَمِنَ اللَّهِ‏: تفضّلا، فإنّ كلّ ما يفعله الإنسان من عبادة فلا يكافئ صغرى نعمة من أياديه.

وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ: من بليّة.

فَمِنْ نَفْسِكَ‏: لأنّها السّبب فيها، لاستجلابها بالمعاصي. و هو لا ينافي قوله:

قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ فإنّ الكلّ منه إيجادا و إيصالا، غير أنّ الحسنة إحسان و امتنان، و السّيئة مجازاة و انتقام. قال اللّه: ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ.. «1»

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: عن الصّادقين- عليهم السّلام- أنّهم قالوا:

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) الحديث هنا فيه اختلاف كثير و في المصدر موجود هكذا

(ر. تفسير القمي 1/ 144): عن الصادقين- عليهم السّلام- أنّهم قالوا: الحسنات في كتاب اللّه على وجهين و السيّئات على وجهين. فمن الحسنات التي ذكرها اللّه الصحة و السلامة و الأمن و السعة و الرزق. و قد سمّاها اللّه الحسنات: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني بالسيّئة هاهنا المرض و الخوف و الجوع و الشدّة يطيّروا بموسى و من معه، أي: يتشاءموا به. و الوجه الثاني من الحسنات يعني به أفعال العباد و هو قوله [الأنعام/ 160]: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و مثله كثير و كذلك السيّئات على وجهين. فمن السيّئات الخوف و الجوع و الشدّة و هو ما ذكرناه في قوله [الأعراف/ 131]: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى‏ وَ مَنْ مَعَهُ‏ و عقوبات الذنوب فقد سمّاها اللّه السيّئات.

و الوجه الثاني من السيّئات يعني بها أفعال العباد التي يعاقبون عليها فهو قوله [النمل/ 90]: وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ.

 

480
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

 

الحسنات في كتاب اللّه على وجهين: أحدهما الصّحّة و السّلامة و الأمن و السّعة في الرّزق في الآخرة و الأفعال، كما قال‏ «1»: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها. و كذلك السّيّئات. فمنها الخوف و المرض و الشّدّة. و منها الأفعال الّتي يعاقبون عليها.

و في كتاب التّوحيد «2»، بإسناده إلى زرارة قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: كما أنّ بادي النّعم من اللّه- عزّ و جلّ- و قد نحلكموه، فكذلك الشّرّ من أنفسكم و إن جرى به قدره.

و في أصول الكافي‏ «3»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: قال أبو الحسن الرّضا- عليه السّلام-: قال اللّه: يا بن آدم، بمشيئتي كنت أنت الّذي تشاء لنفسك ما تشاء، و بقوّتي أدّيت فرائضي، و بنعمتي قويت على معصيتي، جعلتك سميعا بصيرا قويّا، ما أصابك من حسنة فمن اللّه و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك. و ذاك أنّي أولى بحسناتك منك و أنت أولى بسيّئاتك منّي. و ذاك أنّي لا أسأل عمّا أفعل و هم يسألون.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «4»، بإسناده إلى ربعي بن عبد اللّه بن الجارود، عمّن ذكره، عن عليّ بن الحسين- صلوات اللّه عليه و آبائه- قال‏: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- خلق النّبيّين من طينة علّيّين و أبدانهم، و خلق قلوب المؤمنين من تلك الطّينة، و خلق أبدانهم من دون ذلك، و خلق الكافرين من طينة سجّين و قلوبهم و أبدانهم، فخلط بين الطّينتين.

فمن هذا يلد المؤمن الكافر و يلد الكافر المؤمن. و من هاهنا يصيب المؤمن السّيّئة و يصيب الكافر الحسنة. فقلوب المؤمنين تحنّ إلى ما خلقوا منه. و قلوب الكافرين تحنّ إلى ما خلقوا منه.

وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا: حال، قصد بها التّأكيد إن علّق الجارّ بالفعل، و التّعميم إن علّق بها، أي: رسولا للنّاس جميعا. و يجوز نصبه على المصدر.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً (79): على رسالتك بنصب المعجزات. فما ينبغي لأحد أن يخرج من طاعتك.

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏: لأنّه في الحقيقة مبلّغ، و الآمر و النّاهي هو

______________________________
(1) الأنعام/ 160.

(2) التوحيد/ 368، ح 6.

(3) الكافي 1/ 159، ح 12.

(4) علل الشرائع 1/ 82، ح 1.

 

481
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

 

اللّه.

نقل أنّه- عليه السّلام- قال‏ «1»: من أحبّني فقد أحبّ اللّه، و من أطاعني فقد أطاع اللّه.

فقال المنافقون: لقد قارف الشّرك و هو ينهى عنه، ما يريد إلّا أن نتّخذه ربّا كما اتّخذت النّصارى عيسى. فنزلت.

و في أصول الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن زاهر، عن عليّ بن إسماعيل، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن أبي إسحاق النّحويّ قال: دخلت على أبي عبد اللّه- عليه السّلام- فسمعته يقول: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أدّب نبيّه على محبّته، فقال‏ «3»: وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏. ثمّ فوّض إليه فقال- عزّ و جلّ- «4»: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. و قال- عزّ و جلّ-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏ ثمّ قال: و إنّ نبيّ اللّه فوّض إلى عليّ و ائتمنه فسلّمتم و جحد النّاس. فو اللّه لنحبّكم أن تقولوا إذا قلنا و أن تصمتوا إذا صمتنا. و نحن فيما بينكم و بين اللّه- عزّ و جلّ- ما جعل اللّه خيرا في خلاف أمرنا.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد «5»، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد «6»، عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا جعفر- عليه السّلام- يقول‏: ثمّ ذكر مثله.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «7»، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: ذروة الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضاء الرّحمن- تبارك و تعالى- الطّاعة للإمام بعد معرفته. ثمّ قال: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ‏- إلى قوله-: حَفِيظاً..

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «8» و عبد اللّه بن الصّلت‏ «9» جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله. و زاد في آخره:

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 232.

(2) الكافي 1/ 265، ح 1.

(3) القلم/ 4.

(4) الحشر/ 7.

(5) نفس المصدر 1/ 265، ح 1.

(6) ر: عاصم بن عبد الحميد.

(7) نفس المصدر 1/ 185، ح 1.

(8) نفس المصدر 2/ 19، ح 15.

(9) أ: عبد اللّه بن أبي الصلت.

 

 

482
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

أما لو أنّ رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدّق بجميع ماله و حجّ جميع دهره و لم يعرف ولاية وليّ اللّه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على اللّه حقّ في ثوابه و لا كان من أهل الإيمان.

و في روضة الكافي‏ «1»، خطبة لأمير المؤمنين- عليه السّلام-، و هي خطبة الوسيلة يقول فيها- عليه السّلام-: و لا مصيبة عظمت و لا رزيّة جلّت كالمصيبة برسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. لأنّ اللّه حسم‏ «2» الإنذار و الإعذار و قطع به الاحتجاج و العذر بينه و بين خلقه، و جعله بابه الّذي بينه و بين عباده و مهيمنه‏ «3» الّذي لا يقبل إلّا به و لا قربة إليه إلّا بطاعته، و قال في محكم كتابه: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَ مَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. فقرن طاعته بطاعته و معصيته بمعصيته. فكان ذلك دليلا على ما فوّض إليه و شاهدا له على من اتّبعه و عصاه. و بيّن ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم.

و في كتاب الاحتجاج‏ «4» للطّبرسيّ- رحمه اللّه-: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه: و أجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه، فكان فعلهم فعله و أمرهم أمره، كما قال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏.

و في عيون الأخبار «5»، بإسناده إلى عبد السّلام بن صالح الهرويّ قال‏: قلت لعليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام-: يا بن رسول اللّه، ما تقول في الحديث الّذي يرويه أهل الحديث: أنّ المؤمنين يرون‏ «6» ربّهم‏ «7» من منازلهم في الجنّة؟

فقال- عليه السّلام-: يا أبا الصّلت، إنّ اللّه- تعالى- فضّل نبيّه محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- على جميع خلقه من النّبيّين و الملائكة، و جعل طاعته طاعته و مبايعته مبايعته‏ «8» و زيارته في الدّنيا و الآخرة زيارته. فقال- عزّ و جلّ-: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ. و قال‏ «9»: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ. و قال‏

______________________________
(1) نفس المصدر 8/ 26، ضمن حديث 4.

(2) المصدر: «ختم به». و قيل في هامشه: في بعض النسخ: «حسم»، أي: قطع.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: نهمته.

(4) الاحتجاج 1/ 374.

(5) عيون أخبار الرضا 1/ 115، صدر حديث 3.

(6) المصدر: يزورون.

(7) المصدر: في.

(8) المصدر: متابعته متابعته.

(9) الفتح/ 10.

 

483
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: من زارني في حياتي أو بعد موتي فقد زار اللّه. و درجة النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في الجنّة أرفع الدّرجات، فمن زاره في درجته في الجنّة من منزله فقد زار اللّه‏

وَ مَنْ تَوَلَّى‏: عن طاعته.

فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80): تحفظ عليهم أعمالهم و تحاسبهم عليها، إنّما عليك البلاغ و علينا الحساب. و هو حال من «الكاف».

وَ يَقُولُونَ‏: إذا أمرتهم.

طاعَةٌ: أمرنا طاعة. أو منّا طاعة. و أصلها، النّصب على المصدر. و الرّفع، للدّلالة على الثّبات.

فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ‏: خرجوا.

بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ‏: زوّرت خلاف ما قلت لها. أو ما قالت لك من القبول و ضمان الطّاعة.

و «التّبييت» إمّا من البيتوتة، لأنّ الأمور تدبّر باللّيل. أو من بيت الشّعر أو البيت المبنيّ، لأنّه يسوّى و يدبّر. و قرأ حمزة و أبو عمرو: «بيّت طائفة» بالإدغام، لقربهما في المخرج‏ «1».

وَ اللَّهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ‏: يثبته في صحائفهم، للمجازاة. أو في جملة ما يوحى إليك، لتطّلع على أسرارهم. أو في كليهما. فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ‏: قلّل المبالاة بهم. أو تجاف عنهم. وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏: في الأمور كلّها، خصوصا في شأنهم.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا (81): يكفيك معرّتهم، و ينتقم لك منهم.

أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ‏: يتأمّلون في معانيه، و يتبصّرون ما فيه. و أصل التّدبّر، النّظر في أدبار الشّي‏ء.

وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ‏: لو كان كلام البشر كما زعم الكفّار.

لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82): من تناقض المعنى و تفاوت النّظم، و كون بعضه فصيحا و بعضه ركيكا، و بعضه معجزا و بعضه غير معجز، و بعضه مطابقا للواقع و بعضه غير مطابق، لنقصان القوّة البشريّة. و لعلّ ذكره هاهنا للتّنبيه، على أنّ اختلاف ما سبق من الأحكام ليس لتناقض في الحكم، بل لاختلاف الأحوال في الحكم‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 232.

484
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

و المصالح.

[و في نهج البلاغة «1»: قال- عليه السّلام-: و ذكر أنّ الكتاب مصدّق بعضه بعضا، و أنّه لا اختلاف فيه فقال- سبحانه-: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً.] «2»

وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ‏: ممّا يوجب الأمن، أو الخوف.

أَذاعُوا بِهِ‏: أفشوه.

قيل‏ «3»: كان قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أو أخبرهم الرّسول بما أوحي إليه من وعد بالظّفر أو تخويف من الكفرة، أذاعوا به لعدم جزمهم، و كانت إذاعتهم مفسدة.

و قيل‏ «4»: كانوا يسمعون أراجيف المنافقين فيذيعونها، فيعود وبالا على المسلمين.

و «الباء» مزيدة. أو لتضمين الإذاعة، معنى التّحدّث.

في أصول الكافي‏ «5»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن محمّد بن عجلان قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- عيّر أقواما بالإذاعة في قوله- عزّ و جلّ-: وَ إِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ‏ فإيّاكم و الإذاعة.

وَ لَوْ رَدُّوهُ‏: و لو ردّوا ذلك الأمر.

إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ‏، أي:

الأئمّة المعصومين- عليه السّلام- على ما في الجوامع، عن الباقر- عليه السّلام- «6».

لَعَلِمَهُ‏: في أيّ وجه يذكره، أو يذكرونه.

الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ‏: يستخرجون تدبيره بعقلهم، المؤيّد بروح القدس.

و أصل الاستنباط، إخراج النّبط، و هو الماء يخرج من البئر أوّل ما يحفر.

و في تفسير العيّاشي‏ «7»: عن عبد اللّه بن جندب، عن الرّضا- عليه السّلام-:

______________________________
(1) نهج البلاغة/ 61، ضمن خطبة 18.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) أنوار التنزيل 1/ 233.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) الكافي 2/ 369، ح 1.

(6) جوامع الجامع/ 92.

(7) تفسير العياشي 1/ 260، ذيل حديث 206.

 

485
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

يعني: آل محمّد، و هم الّذين يستنبطون من القرآن و يعرفون الحلال و الحرام، و هم حجّة اللّه على خلقه.

عن عبد اللّه بن عجلان‏ «1»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: هم الأئمّة.

[و في أصول الكافي‏ «2» بإسناده إلى عبد الحميد بن أبي الدّيلم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: قال اللّه- عزّ و جلّ-:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ‏ و قال- عزّ و جلّ-: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ‏ فردّ الأمر- أمر النّاس- إلى أولي الأمر منهم، الّذين أمر بطاعتهم و بالرّدّ إليهم.] «3»

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «4»، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و من وضع ولاية اللّه و أهل استنباط علم اللّه في غير أهل الصّفوة من بيوتات الأنبياء، فقد خالف أمر اللّه- عزّ و جلّ- و جعل الجهّال ولاة أمر اللّه و المتكلّفين بغير هدى و زعموا أنّهم أهل استنباط علم اللّه، فكذبوا على اللّه و زاغوا عن وصيّة اللّه و طاعته. فلم يضعوا فضل اللّه حيث وضعه اللّه- تبارك و تعالى- فضلّوا و أضلّوا أتباعهم.

فلا يكون لهم يوم القيامة حجّة.

[و قال- أيضا «5»- بعد أن قرأ: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ «6» فَقَدْ وَكَّلْنا [بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ. فإن يكفر بها أمّتك فقد وكّلنا] «7» أهل بيتك بالإيمان الّذي أرسلناك له‏ «8»، فلا يكفرون بها أبدا، و لا أضيّع الإيمان الّذي أرسلناك له‏ «9»، و جعلت أهل بيتك بعدك علما على أمّتك [و] «10» ولاة من بعدك و [أهل‏] «11» استنباط علمي، الّذي ليس فيه كذب‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 205 و قد أسقط الآية.

(2) الكافي 1/ 295، ضمن حديث 3 و أوّله في ص 293.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) كمال الدين و تمام النعمة 1/ 218، ح 2.

(5) كمال الدين و تمام النعمة 1/ 219، قطعة من نفس الحديث السابق.

(6) المصدر: أمّتك.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في المصدر.

8 و 9- المصدر: أرسلتك به.

10 و 11- من المصدر.

 

486
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

و لا إثم و لا زور «1» و لا بطر و لا رياء.] «2»

وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ‏: بإرسال الرّسل و إنزال الكتب و نصب الأئمّة- عليهم السّلام-.

في الجوامع‏ «3»: عنهم- عليهم السّلام-. فضل اللّه و رحمته، النّبيّ و عليّ- عليهما السّلام-.

و في تفسير العيّاشي‏ «4»: عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- و حمران عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قالا: فضل اللّه، رسوله. و رحمته، الأئمّة- عليهم السّلام-.

عن محمّد بن الفضيل‏ «5»، عن العبد الصّالح- عليه السّلام- قال‏: الرّحمة، رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و الفضل، عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-.

لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ‏: بالكفر و الضّلالة.

إِلَّا قَلِيلًا (83): منكم. تفضّل عليه بعقل راجح اهتدى به إلى الحقّ و الصّواب، و عصمه عن متابعة الشّيطان. أو إلّا اتّباعا قليلا، على النّدور.

[و في تفسير العيّاشي‏ «6»: عن ابن مسكان، عمّن رواه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه: وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلًا فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّك لتسأل عن كلام القدر، و ما هو من ديني و لا دين آبائي، و لا وجدت أحدا من أهل بيتي يقول به.] «7»

فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏: إن تثبّطوا، أو تركوك وحدك.

لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ‏: إلّا فعل نفسك. لا يضرّك مخالفتهم و تقاعدهم، فتقدّم إلى الجهاد و إن لم يساعدك أحد، فإنّ اللّه ناصرك لا الجنود.

و في أصول الكافي‏ «8»، بإسناده إلى مرازم: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏:

______________________________
(1) المصدر: لا وزر.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) جوامع الجامع/ 92.

(4) تفسير العياشي 1/ 260، ح 207.

(5) نفس المصدر 1/ 261، ح 209.

(6) نفس المصدر و الموضع، ح 210.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) الكافي 8/ 274- 275، ذيل حديث 414 و ليس في الأصول.

 

487
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

إنّ اللّه كلّف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ما لم يكلّف أحدا من خلقه، كلّفه أن يخرج على النّاس كلّهم وحده بنفسه إن لم يجد فئة تقاتل معه، و لم يكلّف هذا أحدا [من‏] «1» قبله و لا بعده، ثمّ تلا هذه الآية «2».

عليّ بن إبراهيم‏ «3»، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ، عن محمّد بن مروان جميعا، عن أبان بن عثمان، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أعطى محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- و عدّد أشياء كثيرة، و في آخر الحديث قال- عليه السّلام-: ثمّ كلّف ما لم يكلّف أحد من الأنبياء، أنزل عليه سيفا من السّماء في غير غمد و قيل له: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ‏.

و نقل‏ «4»: أنّ أبا سفيان يوم أحد لمّا رجع واعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- موسم بدر الصّغرى. فكره النّاس و تثاقلوا حين بلغ الميعاد. فنزلت. فخرج النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و ما معه إلّا سبعون. و لو لم يتبعه أحد لخرج وحده.

و قرئ: «لا تكلّف» بالجزم. و «لا نكلّف» بالنّون، على بناء الفاعل، أي:

لا نكلّفك إلّا فعل نفسك، لا أنّا لا نكلّف أحدا إلّا نفسك [لقوله:] «5».

وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ‏: على القتال، إذ ما عليك في شأنهم إلّا التّحريض.

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، يعني: قريشا. و قد فعل، بأن ألقى في قلوبهم الرّعب حتّى رجعوا.

وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً: من قريش.

وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا (84): تعذيبا. و هو تقريع و تهديد لمن لم يتّبعه.

[و في تفسير العيّاشي‏ «6»: عن سليمان بن خالد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قول النّاس لعليّ: إن كان له حقّ فما منعه أن يقوم به؟

قال: فقال: إنّ اللّه لم يكلّف هذا إلّا إنسانا «7» واحدا رسول اللّه‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) ثم ذكر في المصدر نفس الآية.

(3) نفس المصدر 2/ 17، ح 1.

(4) مجمع البيان 2/ 83.

(5) أنوار التنزيل 1/ 233 و الزيادة من المصدر.

(6) تفسير العيّاشي 1/ 261، ح 211.

(7) المصدر: «الإنسان» بدل «إلّا الإنسان».

 

488
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

- صلّى اللّه عليه و آله‏ «1»- قال: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ‏ «2» إِلَّا نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ‏. فليس هذا إلّا للرّسول. «3» و قال لغيره: إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‏ فِئَةٍ فلم يكن يومئذ فئة يعينونه على أمره.

عن الثعالبي‏ «4»، عن عيص، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال: رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- كُلّف ما لم يكلّف أحد، أن يقاتل في سبيل اللّه وحده، و قال: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ‏ و قال: إنّما كلّفتم اليسير من الأمر، أن تذكروا اللّه.

عن إبراهيم بن مهزم‏ «5»، عن أبيه، عن رجل، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ لكلّ كلبا يبتغي‏ «6» الشّرّ فاجتنبوه يكفكم اللّه بغيركم‏ «7»، إنّ اللّه يقول: وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا لا تعلمون بالشّرّ.] «8».

مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً: راعى بها حقّ مسلم، و رفع بها عنه ضرا أو جلب نفعا، ابتغاء لوجه اللّه. و منها، الدّعاء لمسلم.

و في الجوامع‏ «9»: عن الصّادق- عليه السّلام-: من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب، استجيب له، و قال له الملك: و لك مثلاه. فذلك النّصيب.

يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، أي: ثوابها.

وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً: و هي ما كان خلاف ذلك. و منها، الدّعاء على المؤمن.

يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها: نصيب من وزرها، مساو لها في القدر. و «الكفل» النّصيب.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «10» قال: يكون كفيل ذلك الظّلم الّذي يظلم صاحب الشّفاعة.] «11» وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقِيتاً (85): مقتدرا. من أقات الشّي‏ء: قدر

______________________________
(1) المصدر: إلّا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

(2) هكذا في المصدر و في النسخ: لا يكلّف اللّه.

(3) هكذا في المصدر و في النسخ: الرسول.

(4) نفس المصدر 1/ 262، ح 214.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 215.

(6) المصدر: يبغي.

(7) المصدر: يكفكم اللّه قوم فاجتنبوا بغيركم.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(9) جوامع الجامع/ 92.

(10) تفسير القمي 1/ 145.

(11) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

489
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

عليه. أو شهيدا حافظا. و اشتقاقه من القوت، فإنّه يقوّي البدن و يحفظه.

و في كتاب الخصال‏ «1»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن آبائه عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دلّ على خير أو أشار به، فهو شريك. و من أمر بسوء أو دلّ عليه أو أشار به، فهو شريك.

و في الكافي‏ «2»: عن السّجّاد- عليه السّلام- أنّ الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب و يذكره بخير، قالوا: نعم الأخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير و هو غائب عنك و تذكره بخير، قد أعطاك اللّه- تعالى- مثلي ما سألت له، و أثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه، و لك الفضل عليه. و إذا سمعوه يذكر أخاه بسوء و يدعو عليه، قالوا: بئس الأخ أنت لأخيك، كفّ أيّها المستر على ذنوبه و عورته، و أربع على نفسك، و أحمد اللّه الّذي ستر عليك، و اعلم أنّ اللّه أعلم بعبده منك.

وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها: التّحيّة في الأصل، مصدر حيّاك اللّه، على الإخبار من الحياة، ثمّ استعمل للحكم و الدّعاء بذلك. ثمّ قيل‏ «3» لكلّ دعاء، فغلب في السّلام.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4» قال: السّلام و غيره من البرّ.

و في مجمع البيان‏ «5»: و ذكر عليّ بن إبراهيم في تفسيره، عن الصّادق- عليه السّلام-: أنّ المراد بالتّحيّة في قوله: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ السّلام و غيره من البرّ و الإحسان.

و في كتاب المناقب‏ «6» لابن شهر آشوب‏: جاءت جارية للحسن- عليه السّلام- بطاق ريحان، فقال لها: أنت حرّة لوجه اللّه. فقيل له في ذلك.

فقال: أدّبنا اللّه- تعالى- و قال: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ. (الآية) و كان أحسن منها إعتاقها

و في أصول الكافي‏ «7»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النّوفليّ، عن السّكونيّ،

______________________________
(1) الخصال/ 138، ح 156.

(2) الكافي 2/ 508، ح 7.

(3) أنوار التنزيل 1/ 234.

(4) تفسير القمي 1/ 145.

(5) مجمع البيان 2/ 85.

(6) مناقب آل أبي طالب 4/ 18.

(7) الكافي 2/ 644، ح 1.

 

490
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: السّلام تطوّع، و الرّدّ فريضة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏ «1»، عن محمّد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إذا سلّم من القوم واحد أجزأ عنهم، و إذا ردّ واحد أجزأ عنهم.

عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السّنديّ‏ «2»، عن جعفر بن بشير، عن عنبسة بن مصعب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: القليل يبدؤون الكثير بالسّلام، و الرّاكب يبدأ الماشي، و أصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير، و أصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال.

[محمّد بن يحيى، عن أحمد بن‏ «3» محمّد، عن ابن محبوب، عن عليّ بن رئاب، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ من تمام التّحيّة للمقيم المصافحة، و من تمام التّسليم للمسافر المعانقة.] «4»

و في رواية «5»: يسلّم الصّغير على الكبير و المارّ على القاعد و في أخرى‏ «6»: و إذا لقيت جماعة جماعة سلّم الأقلّ على الأكثر، و إذا لقي واحد جماعة سلّم الواحد على الجماعة.

و عنه- عليه السّلام- «7»: من التّواضع أن تسلّم على من لقيت.

و قال‏ «8»: البخيل من بخل بالسّلام.

و عنه‏ «9» و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: أولى النّاس باللّه و رسوله من بدأ بالسّلام.

و عن الباقر- عليه السّلام- «10» إنّ اللّه يحبّ إفشاء السّلام.

و عن الصّادق- عليه السّلام- «11»: ثلاثة يردّ عليهم ردّ الجماعة و إن كان واحدا:

______________________________
(1) نفس المصدر 2/ 647، ح 3.

(2) نفس المصدر 2/ 646، ح 2.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 14.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 1.

(6) نفس المصدر 2/ 647، ح 3.

(7) نفس المصدر 2/ 646، ح 12.

(8) نفس المصدر 2/ 645، ح 6.

(9) نفس المصدر و الموضع، ح 7.

(10) نفس المصدر و الموضع، ح 5.

(11) نفس المصدر و الموضع، ح 10.

 

491
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

عند العطاس يقال: «يرحمكم اللّه.» و إن لم يكن معه غيره. و الرّجل يسلم على الرّجل فيقول: «السّلام عليكم.» و الرّجل يدعو للرّجل فيقول: «عافاكم اللّه.» و إن كان واحدا فإنّ معه غيره.

و في عيون الأخبار، «1» بإسناده إلى فضل بن كثير، عن عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- قال‏: من لقي فقيرا مسلما فسلّم عليه خلاف سلامه على الغنيّ، لقي اللّه- عزّ و جلّ- يوم القيامة و هو عليه غضبان.

و في كتاب الخصال‏ «2»، فيما علّم أمير المؤمنين- عليه السّلام- أصحابه: إذا عطس أحدكم [فشمّتوه‏] «3» قولوا: «يرحمكم اللّه.» و [هو] «4» يقول‏ «5» هو: «يغفر اللّه لكم و يرحمكم.» قال اللّه: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ (الآية).

و في أصول الكافي‏ «6»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن الحسن بن المنذر قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏:

من قال: «السّلام عليكم»، فهي عشر حسنات. و من قال: «السّلام عليكم و رحمة اللّه»، فهي عشرون حسنة. و من قال: «السّلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته»، فهي ثلاثون حسنة.

أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب‏ «7»، عن جميل، عن أبي عبيدة الحذّاء، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: مرّ أمير المؤمنين- عليه السّلام- بقوم فسلّم عليهم. فقالوا:

عليك السّلام و رحمة اللّه و بركاته و مغفرته و رضوانه. فقال لهم أمير المؤمنين- عليه السّلام-: لا تجاوزوا بنا مثل ما قالت الملائكة لأبينا إبراهيم- عليه السّلام- إنّما قالوا: «رحمة اللّه و بركاته عليكم أهل البيت».

و روي عن طريق العامّة «8»: أنّ رجلا قال لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

السّلام عليك. فقال: و عليك السّلام و رحمة اللّه. و قال آخر: السّلام عليك و رحمة اللّه.

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 52، ح 202.

(2) الخصال/ 633.

3 و 4- من المصدر.

(5) المصدر: «يقول لكم»، و النسخ: «يقول هو»، و بوجود «هو» الأولى لا داعي لوجود هاتين.

(6) الكافي 2/ 645، ح 9.

(7) نفس المصدر 2/ 646، ح 13.

(8) التفسير الكبير للفخر الرازي 10/ 212، مع بعض الاختلاف.

 

492
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 80 الى 86] ص : 481

فقال: السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته. و قال آخر: السّلام عليك و رحمة اللّه و بركاته.

فقال: و عليك. فقال الرّجل: نقصتني، فأين ما قال اللّه؟ و تلا الآية. فقال- عليه السّلام-: إنّك لم تترك لي فضلا، فرددت عليك مثله.

و في أصول الكافي‏ «1»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يسلّم على النّساء و يرددن عليه السّلام، و كان أمير المؤمنين- عليه السّلام- يكره أن يسلّم على الشّابّة منهنّ و يقول: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ أكثر ممّا أطلب من الأجر.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏ «2»، عن محمّد بن يحيى، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-:

لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتّسليم. و إذا سلّموا عليكم فقولوا: فعليكم.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد «3»، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال‏: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن اليهوديّ و النّصرانيّ و المشرك إذا سلّموا على الرّجل و هو جالس، كيف ينبغي أن يردّ عليهم؟ فقال: يقول: عليكم.

محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد «4»، عن عليّ بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: تقول في الرّدّ على اليهوديّ و النّصرانيّ: سلام.

و في كتاب الخصال‏ «5»: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه- عليهما السّلام- قال‏: لا تسلّموا على اليهود، و لا على النّصارى، و لا على المجوس، و لا على عبدة الأوثان، و لا على موائد شراب الخمر، و لا على صاحب الشّطرنج و النّرد، و لا على المخنّث، و لا على الشّاعر الّذي يقذف المحصنات، و لا على المصلّي- و ذلك لأنّ المصلّي لا يستطيع أن يردّ السّلام لأنّ التّسليم من المسلم تطوّع و الرّدّ عليه فريضة- و لا على آكل الرّبا، و لا على الرّجل جالس على غائط، و لا على الّذين في الحمّام، و لا على الفاسق المعلن بفسقه.

______________________________
(1) الكافي 2/ 648، ح 1.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 2.

(3) نفس المصدر 2/ 649، ح 3.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 6.

(5) الخصال/ 484، ح 57.

493
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

 

و فيه‏ «1»، في حديث آخر: و لا على المتفكّهين بالأمّهات‏ «2».

و في حديث آخر «3»: النّهي عن السلام على من يلعب بالأربعة عشر، و على من يعمل التّماثيل.

عن الصّادق- عليه السّلام- «4» قال‏: ثلاثة لا يسلّمون: الماشي مع جنازة، و الماشي إلى الجمعة، و في بيت حمّام.

[و عنه- عليه السّلام- «5»: من تمام التّحيّة للمقيم المصافحة. و تمام التّسليم على المسافر المعانقة.] «6».

و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- «7»: يكره للرّجل أن يقول: حيّاكم اللّه، ثمّ يسكت حتّى يتبعها بالسّلام.

و عن الصّادق- عليه السّلام- «8» قال‏: من بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تجيبوه.

و قال‏ «9»: ابدؤوا بالسّلام قبل الكلام. فمن بدأ بالكلام قبل السّلام فلا تحبيبوه.

إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ حَسِيباً (86): يحاسبكم على التّحيّة و غيرها.

اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ: مبتدأ و خبر. أو «اللّه» مبتدأ، و الخبر لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ، أي: اللّه و اللّه ليحشرنّكم من قبوركم إلى يوم القيامة. أو مفضين‏ «10» إليه.

أو في يوم القيامة. «و لا إله إلّا هو» اعتراض. و القيام و القيامة، كالطّلاب و الطّلابة:

و هي قيام النّاس من القبور، أو للحساب.

لا رَيْبَ فِيهِ‏: في اليوم. أو في الجمع. فهو حال من «اليوم» أو صفة للمصدر.

وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (87): إنكار، أن يكون أحد أكثر صدقا منه، فإنّه لا يتطرّق الكذب إلى خبره بوجه، لأنّه نقص، و هو على اللّه محال.

فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ‏:

______________________________
(1) نفس المصدر/ 326، ذيل حديث 16.

(2) المصدر: بسبّ الأمّهات.

(3) نفس المصدر/ 237، ضمن حديث 80.

(4) نفس المصدر/ 91، ح 31.

(5) الكافي 2/ 642، ح 16.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ و نسخة المجلس.

(7) نفس المصدر 2/ 646، ح 15.

(8) نفس المصدر 2/ 644، ح 2.

(9) نفس المصدر و الموضع، ح 2.

(10) أ: مفوضين.

 

494
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

 

في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: نزلت في قوم قدموا من مكّة و أظهروا الإسلام، ثمّ رجعوا إلى مكّة فأظهروا الشّرك، ثمّ سافروا إلى اليمامة، فاختلف المسلمون في غزوهم لاختلافهم في إسلامهم و شركهم.

أي: ما لكم تفرّقتم في أمر المنافقين فئتين، أي: فرقتين، و لم تتّفقوا على كفرهم.

و «فئتين» حال، عاملها «ما لكم» كقولك: مالك قائما.

و «في المنافقين» حال من «فئتين»، أي: متفرّقين فيهم. أو من الضّمير، أي:

فما لكم تفترقون فيهم. و معنى الافتراق مستفاد من «فئتين».

وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا: ردّهم إلى حكم الكفرة، أو نكسهم بأن صيّرهم للنّار. و أصل الرّكس، ردّ الشي‏ء مقلوبا.

أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ‏: أن تجعلوه من المهتدين.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88): إلى الهدى.

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا تمنّوا أن تكفروا ككفرهم.

فَتَكُونُونَ سَواءً: في الضّلال. و هو عطف على «تكفرون» و لو نصب على جواب التّمنّي لجاز.

في روضة الكافي‏ «2»، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و إنّ لشياطين الإنس حيلة و مكرا و خدائع و وسوسة بعضهم إلى بعض. يريدون إن استطاعوا أن يردّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النّظر في دين اللّه، الّذي لم يجعل اللّه شياطين الإنس من أهله، إرادة أن يستوي أعداء اللّه و أهل الحقّ في الشّكّ و الإنكار و التّكذيب، فيكونون كما وصفه اللّه- تعالى- في كتابه من قوله:

وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً.

فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏: فلا توالوهم حتّى يؤمنوا أو يحقّقوا إيمانهم بهجرة هي للّه و رسوله، لا لأغراض الدّنيا. و «سبيل اللّه» ما أمر بسلوكه.

فَإِنْ تَوَلَّوْا: عن الإيمان، المصاحبة للهجرة المستقيمة. و قيل‏ «3»: عن إظهار

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 86.

(2) الكافي 8/ 405- 406، رسالة أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إلى جماعة الشيعة.

(3) أنوار التنزيل 1/ 235.

 

495
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

الإيمان. فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏: كسائر الكفرة.

وَ لا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً (89)، أي: جانبوهم رأسا، و لا تقبلوا منهم ولاية و لا نصرة.

إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى‏ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ‏: استثناء من مفعول‏ فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ‏، أي: إلّا الّذين يتّصلون و ينتهون إلى قوم عاهدوكم و يفارقون محاربتكم.

قيل‏ «1»: القوم هم خزاعة. و قيل‏ «2»: بنو بكر بن زيد مناة.

و قيل‏ «3»: الأسلميّون، فإنّه- عليه السّلام- وادع وقت خروجه إلى مكّة هلال بن عويم الأسلميّ على أن لا يعينه و لا يعين عليه، و من لجأ إليه فله من الجوار مثل ما له.

و هو المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام- على ما في مجمع البيان.

أَوْ جاؤُكُمْ‏: عطف على الصّلة، أي: أو الّذين جاؤوكم كافّين من قتالكم و قتال قومهم. استثنى من المأمور بأخذهم و قتلهم من ترك المحاربين فلحق بالمعاهدين، أو أتى الرّسول و كفّ عن قتال الفريقين.

قيل: أو على صفة «قوم» فكأنّه قيل: إلّا الّذين يصلون إلى قوم معاهدين أو قوم كافّين عن القتال لكم و عليكم.

و قرئ، بغير العاطف، على أنّه صفة بعد صفة. أو بيان «ليصلون». أو استئناف‏ «4».

حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ‏: حال، بإضمار قد.

و قرئ: حصرة، و حصرات. و هو يؤيّد كونه حالا، أو بيان «لجاؤوكم» أو صفة لمحذوف، أي: جاؤوكم قوما حصرت صدورهم.

و الحصر، الضّيق و الانقباض‏ «5». على ما رواه العيّاشي، عن الصّادق- عليه السّلام- «6».

أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ‏، أي: عن أن. أو لأن. أو كراهة أن‏

______________________________
1 و 2- نفس المصدر و الموضع.

(3) مجمع البيان 2/ 88.

(4) نفس الموضع و المصدر.

(5) نفس المصدر و الموضع.

(6) تفسير العياشي 1/ 262، ح 216.

496
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

يقاتلوكم.

و في روضة الكافي‏ «1»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان، عن الفضل أبي العبّاس، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ‏ (الآية) فقال: نزلت في بني مدلج، لأنّهم جاؤوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قالوا: إنّا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنّك رسول اللّه، فلسنا معك و لا مع قومنا عليك. قال: قلت: كيف صنع بهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-؟

قال: وادعهم‏ «2» إلى أن يفرغ من العرب ثمّ يدعوهم، فإن أجابوا و إلّا قاتلهم.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»، في قوله- عزّ و جلّ-: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ‏- إلى آخر الآية-: نزلت في أشجع و بني ضمرة [و هما قبيلتان‏] «4» و كان من خبرهما «5»، أنّه لما خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى غزاة الحديبيّة «6» مرّ قريبا من بلادهم، و قد كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- هادن بني ضمرة [و وادعهم قبل ذلك فقال أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يا رسول اللّه، هذه بنو ضمرة] «7» قريبا منّا، و نخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا، فلو بدأنا بهم. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

كلا، إنّهم أبرّ العرب بالوالدين، و أوصلهم للرّحم، و أوفاهم بالعهد.

و كان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة. و هم بطن من كنانة. و كانت أشجع بينهم و بين بني ضمرة حلف بالمراعاة «8» و الأمان. فأجدبت بلاد أشجع. و أخصبت بلاد بني ضمرة. فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة. فلمّا بلغ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مسيرهم إلى بني ضمرة تهيّأ للمسير إلى أشجع. فيغزوهم للموادعة الّتي كانت بينه و بين بني ضمرة. فأنزل اللّه: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا. (الآية)

______________________________
(1) الكافي 8/ 327، ح 504.

(2) المصدر: «واعدهم» و قيل في هامشه: «في بعض النسخ: أدعم حتى أن يفرع».

(3) تفسير القمي 1/ 145- 147.

(4) من المصدر.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: خبرهم.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: «بدر لموعه» بدل «غزاة الحديبية».

(7) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل ور.

(8) المصدر: في المراعات.

 

497
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

استثنى بأشجع، فقال: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى‏ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ. (الآية).

و كانت أشجع محالّها البيضاء و المحلّ و المستباح. و قد كانوا قربوا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فهابوا [تقرّبهم‏] «1» من رسول اللّه أن يبعث إليهم من يغزوهم.

و كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا فهمّ بالمسير إليهم. فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع و رئيسها مسعود بن رجيلة. و هم سبعمائة.

فنزلوا شعب سلع. و ذلك في شهر ربيع الأوّل‏ «2» سنة ستّ. فدعا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أسيد بن حصين، فقال له: اذهب في نفر من أصحابك حتّى تنظر ما أقدم أشجع.

فخرج أسيد و معه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم، فقال: ما أقدمكم؟ فقام إليه مسعود بن رجيلة. و هو رئيس أشجع. فسلّم على أسيد و على أصحابه. و قالوا: جئنا لنوادع محمّدا.

فرجع أسيد إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فأخبره. فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني و بينهم.

ثمّ بعث إليهم بعشرة أحمال تمر. فقدّمها أمامه. ثمّ قال: نعم الشي‏ء الهديّة أمام الحاجة.

ثمّ أتاهم فقال: يا معشر أشجع ما أقدمكم؟

قالوا: قربت دارنا منك. و ليس في قومنا أقل عددا منّا. فضقنا بحربك‏ «3» لقرب دارنا منك، و ضقنا لحرب قومنا «4» لقلّتنا فيهم. فجئنا لنوادعك.

فقبل النّبيّ ذلك منهم و وادعهم، فأقاموا يومهم. ثمّ رجعوا إلى بلادهم. و فيهم نزلت هذه الآية: إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ‏ (الآية).

[فما يتراءى من هذا النّقل من منافاته لما سبق، لأنّه في هذا النّقل جعل إلّا الّذين يصلون‏] «5» عبارة عن الأشجع حين صاروا إلى بني ضمرة المعاهدين، و الذين‏

______________________________
(1) من المصدر.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: ربيع الآخر.

(3) هكذا في المصدر. و في النسخ: لحربك.

(4) المصدر: «ضقنا بحرب قومك» بدل «ضقنا لحرب قومنا».

(5) ليس في الأصل ور.

498
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

جاؤوكم حصرت صدورهم أيضا عبارة عنهم حين جاؤوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و في الخبرين الأوّلين، جعل الأوّل عبارة عن الأسلميّين، و الثّاني عبارة عن بني مدلج [فمدفوع إن صحّ النّقل بحملهما على أنّهما من أشجع- أيضا- أو يجعل ما تتناوله العبارة فرقتين: الأولى الأسلميّون و أشجع و الثّاني بني مدلج‏] «1» و أشجع.

وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ‏: بأن قوّى قلوبهم، و بسط صدورهم، و أزال الرّعب عنهم.

فَلَقاتَلُوكُمْ‏: و لم يكفّوا عنكم.

فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ‏: و لم يتعرّضوا لكم.

وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ‏: الاستسلام و الانقياد.

فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90): فما أذن لكم في أخذهم و قتلهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: حدّثني أبي، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصّباح الكنانيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: كان سيرة رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قبل نزول سورة براءة ألّا يقاتل إلّا من قاتله و لا يحارب إلّا من حاربه و أراده. و قد كان نزل عليه في ذلك من اللّه- عزّ و جلّ-: فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَ أَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا فكان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لا يقاتل أحدا قد تنحّى عنه و اعتزله حتّى نزلت عليه سورة براءة، و أمر بقتل المشركين من اعتزله و من لم يعتزله إلّا الّذين قد كان عاهدهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يوم فتح مكّة إلى مدّة، منهم صفوان بن أميّة و سهيل بن عمرو.

و الحديث طويل، و هو مذكور بتمامه في أوّل براءة.

سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَ يَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ‏:

قيل‏ «3»: هم أسد و غطفان.

و قيل: بنو عبد الدّار، أتوا المدينة و أظهروا الإسلام ليأمنوا المسلمين، فلما رجعوا كفروا.

و في مجمع البيان‏ «4»: عن الصّادق- عليه السّلام-: نزلت في عيينة بن الحصين‏

______________________________
(1) ليس في أ.

(2) تفسير القمي 1/ 281.

(3) أنوار التنزيل 1/ 235- 236.

(4) مجمع البيان 2/ 89.

 

499
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

الفزاريّ، أجدبت بلادهم. فجاء إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. و وادعه على أن يقيم بطن نخل و لا يتعرّض له، و كان منافقا ملعونا. و هو الّذي سمّاه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: الأحمق المطاع.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1» مثله، إلّا أنّه لم يسنده إليه- عليه السّلام-.

كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ: دعوا إلى الكفر. أو إلى قتال المسلمين.

أُرْكِسُوا فِيها: عادوا إليها، و قلبوا فيها أقبح قلب.

فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَ يُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ‏: و لم يستسلموا لكم.

وَ يَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ‏: و لم يكفّوا أيديهم عن قتالكم.

فَخُذُوهُمْ وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ‏: حيث تمكّنتم منهم.

وَ أُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (91): حجّة واضحة في التّعرّض لهم بالقتل و السّبي، لظهور عداوتهم و وضوح كفرهم و غدرهم. أو تسلّطا ظاهرا حيث أذن لكم في قتلهم.

وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ‏: و ما صحّ لمؤمن، و لا استقام له، و ما لاق بحاله.

أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً: بغير حقّ.

إِلَّا خَطَأً: لأنّه في عرضة الخطأ. و نصبه على الحال. أو المفعول له. أو على المصدر، أي: لا يقتله في حال من الأحوال إلّا في حال الخطأ. أو لا يقتله لعلّة إلّا للخطأ.

أو إلّا قتلا خطأ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: أي: لا عمدا و لا خطأ، و «إلّا» في موضع «لا» و ليست باستثناء و قيل‏ «3»: «ما كان» في معنى النّهي. و الاستثناء منقطع، أي: و لكن إن قتله خطأ فجزاؤه ما نذكره.

و في تفسير العيّاشي‏ «4»: عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: كلّما أريد به ففيه القود، و إنّما الخطأ أن يريد الشي‏ء فيصيب غيره.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 147.

(2) تفسير القمي 1/ 147.

(3) أنوار التنزيل 1/ 236.

(4) تفسير العياشي 1/ 264، ح 223.

500
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

عن زرارة «1»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: ليس الخطأ أن تعمده و لا تريد قتله بما لا يقتل مثله، و الخطأ ليس فيه شكّ أن يعمد شيئا آخر فيصيبه.

عن عبد الرّحمن بن الحجّاج‏ «2»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّما الخطأ، أن يريد شيئا فيصيب غيره، فأمّا كلّ شي‏ء قصدت إليه فأصبته فهو العمد.

عن الفضل بن عبد الملك‏ «3»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن الخطأ الّذي فيه الدّية و الكفّارة، و هو الرّجل يضرب الرّجل و لا يتعمّد قتله؟

قال: نعم.

قلت: فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا؟

قال: ذلك الخطأ الّذي لا شكّ فيه، و عليه الكفّارة و الدّية.

و قرئ: «خطاء» بالمدّ. و «خطا» كعصا، بتخفيف الهمزة «4».

و في مجمع البيان‏ «5»: عن أبي جعفر- عليه السّلام-: نزلت في عيّاش بن أبي ربيعة المخزوميّ، أخي أبي جهل لأمّه. كان أسلم و قتل بعد إسلامه رجلا مسلما و هو لا يعلم بإسلامه. و كان المقتول الحارث بن يزيد بن أبي نبيشة العامريّ. قتله بالحرّة.

و كان أحد من ردّه عن الهجرة. و كان يعذّب عيّاشا مع أبي جهل.

و في البيضاويّ‏ «6»: لقيه في طريق. و كان قد أسلم و لم يشعر به عيّاش. فقتله.

وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أي: فعليه. أو فواجبه تحرير رقبة.

و التّحرير، الإعتاق. و الحرّ، كالعتيق للكريم من الشّي‏ء. و منه: حرّ الوجه، لأكرم موضع منه، سمّي به لأنّ الكرم في الأحرار. و الرّقبة عبّر بها عن النّسمة، كما عبّر بها عن الرّأس.

مُؤْمِنَةٍ، مقرّة بالإسلام، قد بلغت الحنث.

في تفسير العيّاشي‏ «7»: عن كردويه الهمدانيّ، عن أبي الحسن- عليه السّلام- في قول اللّه: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كيف تعرف المؤمنة؟ قال: على الفطرة.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 224.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 225.

(3) نفس المصدر 1/ 266، ح 229.

(4) أنوار التنزيل 1/ 236.

(5) مجمع البيان 2/ 90.

(6) أنوار التنزيل 1/ 236.

(7) تفسير العياشي 1/ 263، ح 220.

501
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

عن السّكونيّ، «1» عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ- عليهما السّلام- قال‏: الرّقبة المؤمنة الّتي ذكر اللّه إذا عقلت، و النّسمة الّتي لا تعلم إلّا ما قلته و هي صغيرة.

و في الكافي‏ «2». [عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر و ابن أبي عمير جميعا، عن معمّر بن يحيى، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن الرّجل يظاهر من امرأته، يجوز عتق المولود في الكفّارة؟

فقال:] «3» كلّ العتق يجوز فيه المولود إلّا في كفّارة القتل. فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، يعني: بذلك مقرّة قد بلغت الحنث.

و هذا، أي: التّحرير، يجب عليه فيما بينه و بين اللّه. كما رواه العيّاشيّ، عن الصّادق- عليه السّلام-. «4»

و أمّا ما يجب عليه، فيما بينه و بين أولياء المقتول، فالدّية. كما يقول:

وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ‏: مؤدّاة إلى أولياء المقتول.

إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا: يتصدّقوا عليه بالدّية. سمّى العفو عنها صدقة، حثّا عليه، و تنبيها على فضله.

و في الحديث، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «5»-: كلّ معروف صدقة.

و هو متعلّق «بعليه»، أي: يجب الدّية عليه. أو «بمسلّمة»، أي: يسلّمها إلى أهله إلّا حال تصدّقهم عليه. أو زمانه، فهو في محلّ النّصب على الحال من القاتل، أو الأهل، أو على الظّرف.

فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أي: إن كان المقتول خطأ من قوم كفّار و هو مؤمن، فيجب عتق رقبة مؤمنة و ليس دية، إذ لا وراثة بينه و بينهم لأنّهم محاربون.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «6»: روى ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في رجل مسلم كان في أرض الشّرك فقتله المسلمون ثمّ علم به الإمام بعد؟

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع، ح 221.

(2) الكافي 7/ 462، ح 15.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) تفسير العياشي 1/ 263، ح 218.

(5) الكافي 4/ 26، ح 1+ أنوار التنزيل 1/ 236.

(6) من لا يحضره الفقيه 4/ 110، ح 373.

 

502
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

فقال: يعتق مكانه رقبة مؤمنة، و ذلك قول اللّه- عزّ و جلّ-: و فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

و روى العيّاشيّ‏ «1» في هذا المعنى ما يدلّ صريحا، على أنّ التّحرير على القاتل و ليس عليه دية.

كما سيجي‏ء.

وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ: و إن كان المؤمن المقتول خطأ من قوم كفرة معاهدين أو أهل الذّمّة، فيجب دية مسلّمة إلى أهله- و هو وارثه المسلم، الّذي عليه سبيل بالإرث. أو الإمام إن لم يكن وارث مسلم، فإنّه أهل من لا وارث له- و تحرير رقبة مؤمنة، كفّارة لقتله المؤمن خطأ.

[و في تفسير العيّاشي‏ «2»: عن مسعدة بن صدقة قال: سئل جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- عن قول اللّه: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً] «3» فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ.

قال: أمّا تحرير رقبة مؤمنة ففيما بينه و بين اللّه، و أمّا الدّية المسلّمة إلى أولياء المقتول‏ فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ‏ قال: و إن كان من أهل الشّرك الّذين ليس لهم في الصّلح‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فيما بينه و بين اللّه، و ليس عليه الدّية وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ‏ و هو مؤمن، فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه و بين اللّه و دية مسلّمة إلى أهله.

عن حفص‏ «4» بن البختريّ، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً إلى قوله: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ‏.

قال: إذا كان من أهل الشّرك فتحرير رقبة مؤمنة فيما بينه و بين اللّه، و ليس عليه دية وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ قال: تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه و بين اللّه، و دية مسلّمة إلى أوليائه.

و في مجمع البيان‏ «5»: و اختلف في صفة هذا القتيل، أهو مؤمن أم كافر؟ قيل: بل‏

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 262- 263، ح 217 و 263 و 218.

(2) تفسير العياشي 1/ 262، ح 217.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) نفس المصدر 1/ 263، ح 218.

(5) مجمع البيان 2/ 91.

 

503
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

هو مؤمن، تلزم قاتله الدّية، يؤدّيها إلى قومه المشركين، لأنّهم أهل ذمّة.

و رواه أصحابنا- أيضا- إلّا أنّهم قالوا: تعطى ديته ورثته المسلمين، دون الكفّار.

فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: رقبة، بأن لا يملكها، و لا ما يتوصّل به إليها.

فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ‏: فعليه، أو فالواجب عليه صوم شهرين.

[و في من لا يحضره الفقيه‏ «1»، عن الزّهريّ، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- حديث طويل، يذكر فيه وجوه الصّوم و فيه: و صيام شهرين متتابعين في قتل الخطأ لمن لم يجد العتق، واجب لقول اللّه- عزّ و جلّ-: و مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ‏ إلى قوله- عزّ و جلّ-: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ‏] «2».

تَوْبَةً: نصب على المفعول له، أي: شرّع ذلك توبة من تاب عليه إذا قبل توبته. أو على المصدر، أي: تاب عليكم توبة. أو حال بحذف مضاف، أي: فعليه صيام شهرين ذا توبة.

مِنَ اللَّهِ‏: صفتها.

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بحاله.

حَكِيماً (92): فيما أمر في شأنه.

و في عيون الأخبار «3»، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان أنّه سمعها عن الرّضا- عليه السّلام-: فإن قال: فلم وجب في الكفّارة على من لم يجد تحرير رقبة الصّيام، دون الحجّ و الصّلاة و غيرهما؟ قيل: لأنّ الصّلاة و الحجّ و سائر الفرائض مانعة للإنسان من التّقلّب في أمر دنياه.

فإن قال: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين، دون أن يجب عليه شهر واحد و ثلاثة أشهر؟

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 2/ 46- 47، ضمن حديث 208.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 117، ح 1.

 

504
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 87 الى 92] ص : 494

قيل: لأنّ الفرض الّذي فرضه اللّه- عزّ و جلّ- على الخلق هو شهر واحد، فضوعف في هذا الشّهر في الكفّارة توكيدا و تغليظا عليه.

فإن قال: فلم جعلت متتابعين؟

قيل: لئّلا يهون عليه الأداء فيستخفّ به، لأنّه إذا قضاه متفرّقا هان عليه القضاء.

و في الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قطع صوم كفّارة اليمين و كفّارة الظّهار و كفّارة القتل؟

فقال: إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشّهر الأوّل فإنّ عليه أن يعيد الصّيام، و إن صام الشّهر الأوّل و صام من الشّهر الثّاني شيئا ثمّ عرض له ما له فيه عذر فإنّ عليه أن يقضي.

عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه‏ «2»، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول في الرّجل يصوم شعبان و شهر رمضان؟

قال: هما الشّهران اللّذان قال اللّه- تبارك و تعالى-: شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ.

قلت: فلا يفصل بينهما؟

قال: إذا أفطر من اللّيل فهو فصل. و إنّما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

لا وصال في صيام، يعني: لا يصوم الرّجل يومين متواليين من غير إفطار.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «3»، عن الحسن بن محبوب، عن عليّ بن رئاب‏ «4»، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشّهر الحرام؟

قال: تغلّظ عليه الدّية، و عليه عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم.

قلت: فإنّه يدخل في هذا شي‏ء؟

______________________________
(1) الكافي 4/ 139، ح 7.

(2) نفس المصدر 4/ 62، ح 5.

(3) نفس المصدر 4/ 139، ح 8.

(4) ر: عليّ بن رباب.

 

505
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

 

فقال: ما هو؟

قلت: هو يوم العيد و أيّام التّشريق.

قال: يصومه، فإنّه حقّ يلزمه.

وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93):

في أصول الكافي‏ «1»: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبد الرّزّاق بن مهران، عن الحسن بن ميمون، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: فلمّا أذن اللّه لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- في الخروج من مكّة إلى المدينة، بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، و أنّ محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- عبده و رسوله، و إقام الصّلاة، و إيتاء الزّكاة، و حجّ البيت، و صيام شهر رمضان.

و أنزل عليه الحدود و قسمة الفرائض، و أخبره بالمعاصي الّتي أوجب اللّه عليها و بها النّار لمن عمل بها، و أنزل عليه في بيان القاتل: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً و لا يلعن اللّه مؤمنا، قال اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَ أَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً، خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً و كيف تكون في المشيئة و قد ألحق به حين جزاه جهنّم الغضب و اللّعنة، و قد بيّن ذلك من الملعونين في كتابه.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «2»: حدّثنا محمّد بن موسى قال: حدّثنا عليّ بن الحسين السّعدآباديّ، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن عبد العظيم بن عبد اللّه قال: حدّثني محمّد بن عليّ، عن أبيه، عن جدّه قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: قتل النّفس من الكبائر، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً إلى قوله: وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً..

و في كتاب معاني الأخبار «3»: عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ.

______________________________
(1) الكافي 2/ 31، ح 1.

(2) علل الشرائع 2/ 478، ح 2.

(3) معاني الأخبار/ 380، ح 4.

 

 

506
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

 

قال: من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمّد، الّذي قال اللّه- عزّ و جلّ- في كتابه: وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً.

قلت: فالرّجل يقع بين الرّجل و بينه شي‏ء فيضربه بالسّيف فيقتله؟

قال: ليس ذلك المتعمّد، الّذي قال اللّه- عزّ و جلّ-.

و في الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ- و نقل مثل ما في معاني الأخبار سواء.

و في كتاب معاني الأخبار «2»: حدّثنا محمّد بن الحسن قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن أبي السّفاتج، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ.

قال: إن جازاه.

و في الكافي‏ «3»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن سنان و ابن بكير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّدا، أ له توبة؟

فقال: إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له. و إن كان لغضب أو بسبب شي‏ء من أشياء الدّنيا فإنّ توبته أن يقاد منه، و إن يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبهم. فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدّية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستّين مسكينا، توبة إلى اللّه- عزّ و جلّ-.

محمّد بن يحيى‏ «4»، عن عبد اللّه بن محمّد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما. و قال لا يوفّق قاتل المؤمن متعمّدا للتّوبة.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5» قال: من قتل مؤمنا على دينه لم تقبل‏ «6» توبته. و من‏

______________________________
(1) الكافي 7/ 275، ح 1.

(2) نفس المصدر/ 361، باب نوادر المعاني.

(3) الكافي 7/ 276، ح 2.

(4) نفس المصدر 7/ 272، ح 7.

(5) تفسير القمي 1/ 148.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: لم يقبل.

 

507
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

قتل نبيّا أو وصيّ نبيّ فلا توبة له، لأنّه لا يكون له مثله فيقاد به‏] «1».

و قيل‏ «2»: إنّ الآية نزلت في مقيس بن ضبابة، وجد أخاه هشاما [قتيلا] «3» في بني النّجّار و لم يظهر قاتله. فأمرهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يدفعوا إليه ديته.

فدفعوا إليه. ثمّ حمل على مسلم فقتله و رجع إلى مكّة مرتدّا.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏: سافرتم و ذهبتم للغزو.

فَتَبَيَّنُوا: فاطلبوا بيان الأمر و ثباته، و ميّزوا بين الكافر و المؤمن.

و قرأ حمزة و الكسائيّ: «فتثبّتوا» من التّثبّت. هنا، و في الحجرات‏ «4».

وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى‏ إِلَيْكُمُ السَّلامَ‏: لمن حيّاكم بتحيّة الإسلام.

و قرأ نافع و ابن عامر و حمزة: «السّلم» بغير ألف، أي: الاستسلام و الانقياد.

و فسّر به السّلام- أيضا- «5».

و في تفسير العيّاشي‏ «6»: عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: و لا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلم لست مؤمنا.

لَسْتَ مُؤْمِناً: و إنّما فعلت ذلك من الخوف.

و قرئ: «مؤمنا» بالفتح، أي: مبذولا له الأمان‏ «7».

تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا: تطلبون ماله، الّذي هو حطام سريع النّفاد.

و هو حال من الضّمير في «تقولوا» و هو مشعر بما هو الحامل لهم على العجلة و ترك التّثبّت.

فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ: تغنيكم عن قتل أمثاله لما له.

كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ‏، أي: أوّل ما دخلتم في الإسلام تفوّهتم بكلمتي الشّهادة فحصنت بها دماؤكم و أموالكم، من غير أن يعلم مواطأة قلوبكم ألسنتكم.

فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏: بالاشتهار بالإيمان، و الاستقامة في الدّين.

فَتَبَيَّنُوا: فافعلوا بالدّاخلين كما فعل اللّه بكم، و لا تبادروا إلى قتلهم ظنّا بأنّهم دخلوا فيه اتّقاء و خوفا. فإنّ إبقاء الكافر أهون عند اللّه من قتل امرئ مسلم.

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) أنوار التنزيل 1/ 237.

(3) من المصدر.

4 و 5- نفس المصدر و الموضع.

(6) تفسير العياشي 1/ 268، ح 242.

(7) أنوار التنزيل 1/ 237.

508
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

و تكريره، تأكيد لتعظيم الأمر، و ترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم.

إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (94): عالما به و بالغرض منه، فلا تتهافتوا في القتل و احتاطوا فيه.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: أنّها نزلت لمّا رجع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من غزوة خيبر، و بعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض قرى اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام. و كان رجل من اليهود يقال له: مرادس بن نهيك الفدكيّ، في بعض القرى. فلمّا أحسّ بخيل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جمع أهله و ماله و صار في ناحية الجبل. فأقبل يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أشهد أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. فمرّ به أسامة بن زيد فقتله. فلمّا رجع إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أخبره بذلك.

فقال له رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: قتلت رجلا شهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّي رسول اللّه.

فقال: يا رسول اللّه [إنّما] «2» قالها «3» تعوّذا من القتل.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أفلا شققت الغطاء عن قلبه، لا ما قال بلسانه قبلت، و لا ما كان في نفسه علمت؟

فحلف أسامة بعد ذلك، أنّه لا يقاتل أحدا [قال:] «4» أشهد أن لا إله إلّا اللّه و أنّ محمّدا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. فتخلّف عن أمير المؤمنين في حروبه. و أنزل اللّه في ذلك: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى‏ إِلَيْكُمُ السَّلامَ. (الآية).

و في رواية العامّة «5»: أنّ مرادس أضاف إلى الكلمتين: السّلام عليكم.

و هي تؤيّد قراءة السّلام، و تفسيره بتحيّة السّلام‏ «6».

لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ‏: عن الحرب.

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏: في موضع الحال من «القاعدون» أو من الضّمير الّذي فيه.

و يحتمل الصّفة.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 148.

(2) من المصدر.

(3) المصدر: قال.

(4) من أور.

(5) التفسير الكبير للفخر الرازي 11/ 3.

(6) هكذا في جميع النسخ و لعل الصّواب: الإسلام.

509
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ: الأصحّاء. بالرّفع صفة «للقاعدون» لأنّه لم يقصد قوم بأعيانهم. أو بدل منه.

قرأ نافع و ابن عامر و الكسائيّ، بالنّصب، على الحال. أو الاستثناء.

و قرئ، بالجرّ، على أنّه صفة للمؤمنين. أو بدل منه‏ «1».

في مجمع البيان‏ «2»: نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة و مرارة بن الرّبيع من بني عمرو بن عوف و هلال بن أميّة من بني واقف، تخلّفوا عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يوم تبوك، و عذر اللّه أولي الضّرر و هو عبد اللّه بن أمّ مكتوم. قال:

رواه أبو حمزة الثّماليّ في تفسيره.

و في عوالي اللّئالي‏ «3»: روى زيد بن ثابت‏ أنّه لم يكن في آية نفي المساواة بين المجاهدين و القاعدين استثناء غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ. فجاء ابن أمّ مكتوم، و كان أعمى، و هو يبكي فقال: يا رسول اللّه، كيف لمن لا يستطيع الجهاد؟ فغشيه الوحي ثانيا، ثمّ أسري‏ «4» عنه فقال: اقرأ: غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فألحقتها. و الّذي نفسي بيده، لكأنّي أنظر الى ملحقها عند صدع في الكتف.

وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ‏، أي: لا مساواة بينهم و بين من قعد عن الجهاد، من غير علّة. و فائدته تذكير ما بينهما من التّفاوت، ليرغب القاعد في الجهاد رفعا لرتبته، و أنفة عن انحطاط منزلته.

فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً: جملة موضّحة لمّا نفى الاستواء فيه. و «القاعدون» على التّقييد السّابق. و «درجة» نصبه بنزع الخافض. أو على المصدر، لأنّه تضمّن معنى التّفضيل و وقع موقع المرّة منه. أو الحال، بمعنى: ذوي درجة.

وَ كُلًّا: من القاعدين و المجاهدين.

وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى‏: المثوبة الحسنى، و هي الجنّة، لحسن عقيدتهم و خلوص نيّتهم. و إنّما التّفاوت في زيادة العمل، المقتضي لمزيد الثّواب.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 238.

(2) مجمع البيان 2/ 96.

(3) عوالي اللّئالي 2/ 99، رقم 272.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: سرى.

510
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

و في الجوامع‏ «1»: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: لقد خلّفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلّا كانوا معكم. و هم الّذين صحّت نيّاتهم و نصحت جيوبهم و هوت أفئدتهم إلى الجهاد. و قد منعهم من المسير ضرر أو غيره.

وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (95): نصب على المصدر، لأنّ فضّل، بمعنى: أجر. أو المفعول الثّاني له، لتضمّنه معنى الإعطاء، كأنّه قيل‏ «2»: و أعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما.

دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً: كلّ واحدة منها بدل من «أجرا». و يجوز أن ينتصب «درجات» على المصدر، كقولك: ضربته أسواطا. و «أجرا» على الحال عنها تقدّمت عليها. لأنّها نكرة. و «رحمة و مغفرة» على المصدر بإضمار فعليهما.

و في مجمع البيان‏ «3»: و جاء في الحديث‏: إنّ اللّه- سبحانه- فضّل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة، بين كلّ درجتين مسيرة سبعين خريفا للفرس الجواد المضمر.

كرّر تفضيل المجاهدين و بالغ فيه إجمالا و تفصيلا، تعظيما [للجهاد] «4» و ترغيبا فيه.

و قيل‏ «5»: الأوّل، ما حقّ لهم في الدّنيا من الغنيمة و الظّفر و جميل الذّكر.

و الثّاني، ما جعل لهم في الآخرة.

و قيل‏ «6»: المراد «بالدّرجة» الأولى، ارتفاع منزلتهم عند اللّه- تعالى- و «الدّرجات» منازلهم في الجنّة.

و قيل‏ «7»: «القاعدون» الأوّل، هم الأضرّاء. و «القاعدون» الثّاني، هم الّذين أذن لهم في التّخلّف، اكتفاء بغيرهم.

و قيل‏ «8»: «المجاهدون» الأوّلون، من جاهد الكفّار. و الآخرون، من جاهد نفسه، كما ورد في الحديث: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.

و قيل: «9» يحتمل أن يكون المراد بالأوّل قوما، و بالآخر آخرين، فإنّ ما بين القاعد و المجاهد كما بين السّماء و الأرض.

______________________________
(1) جوامع الجامع/ 94.

(2) أنوار التنزيل 1/ 238.

(3) مجمع البيان 2/ 97.

(4) من أنوار التنزيل.

(5) أنوار التنزيل 1/ 238- 239.

(6) نفس المصدر و الموضع.

7 و 8- نفس المصدر و الموضع.

(9) تفسير الصافي 1/ 451.

511
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً: لما عسى يفرط منهم.

رَحِيماً (96): يرحمهم بإعطاء الثّواب.

إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ: يحتمل الماضي و المضارع.

و قرئ: «توفّتهم» و «توفّاهم» على مضارع وفيت، بمعنى: أنّ اللّه يوفّي الملائكة أنفسهم فيتوفّونها، أي: يمكّنهم من استيفائها فيتوفّونها «1».

ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ‏: في حال ظلمهم أنفسهم، بترك الهجرة و موافقة الكفرة.

في كتاب الاحتجاج‏ «2»: عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- أنّه سئل عن قول اللّه- تعالى‏ «3»-: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و قوله‏ «4»: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ‏ و قوله- جلّ و عزّ «5»-: تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا و قوله‏ «6»: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ فمرّة يجعل الفعل لنفسه، و مرّة لملك الموت، و مرة للرّسل، و مرّة للملائكة؟ فقال: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- أجلّ و أعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه، و فعل رسله و ملائكته فعله. لأنّهم بأمره يعملون.

فاصطفى من الملائكة رسلا و سفرة بينه و بين خلقه. و هم الّذين قال اللّه فيهم‏ «7»: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ‏ فمن كان من أهل الطّاعة تولّت قبض روحه ملائكة الرّحمة. و من كان من أهل المعصية تولّت قبض روحه ملائكة النّقمة. و لملك الموت أعوان من ملائكة الرّحمة و النّقمة يصدرون عن أمره. و فعلهم فعله. و كلّ ما يأتونه منسوب إليه. و إذا كان فعلهم فعل ملك الموت، ففعل ملك الموت فعل اللّه. لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء. و يعطي و يمنع و يثبت و يعاقب على يد من يشاء. و إنّ فعل أمنائه فعله، كما قال‏ «8»: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «9»: عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن ذلك فقال: إنّ اللّه- تعالى- جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح، بمنزلة صاحب الشّرطة له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه، فيتوفّاهم الملائكة و يتوفّاهم ملك‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 239.

(2) الاحتجاج 1/ 364- 367.

(3) الزمر/ 42.

(4) السجدة/ 11.

(5) الأنعام/ 61.

(6) النحل/ 28.

(7) الحج/ 75.

(8) الإنسان/ 30.

(9) من لا يحضره الفقيه 1/ 82، ح 371.

 

512
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

الموت من الملائكة مع ما يقبض هو، و يتوفّاها اللّه من ملك الموت.

و في كتاب التوحيد «1»: سئل أمير المؤمنين- عليه السّلام- عن ذلك فقال: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- يدبّر الأمر كيف يشاء و يوكّل من خلقه من يشاء بما يشاء. أمّا ملك الموت فإنّ اللّه يوكّله بخاصّة من يشاء. و يوكّل رسله من الملائكة خاصّة بمن يشاء من خلقه. و الملائكة الّذين سمّاهم اللّه- عزّ ذكره- و كلّهم بخاصة من يشاء من خلقه.

و اللّه‏ «2»- تبارك و تعالى- يدبّر الأمور كيف يشاء. و ليس كلّ العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسّره لكلّ النّاس. لأنّ منهم القويّ و الضّعيف. و لأنّ منه ما يطاق حمله، و منه ما لا يطيق حمله إلّا من يسهّل اللّه له حمله و أعانه عليه من خاصّة أوليائه. و إنّما يكفيك أن تعلم أنّ اللّه المحيي و المميت، و أنّه يتوفّى الأنفس على يدي من يشاء من خلقه من ملائكة و غيرهم.

قالُوا، أي: الملائكة. توبيخا لهم.

فِيمَ كُنْتُمْ‏ في أيّ شي‏ء كنتم من أمر دينكم.

قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ‏: اعتذار عمّا وبّخوا به، بضعفهم عن إظهار الدّين و إعلاء كلمته لقلّة العدد و كثرة العدوّ.

قالُوا، أي: الملائكة. تكذيبا لهم.

أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها: إلى قطر آخر، كما فعل المهاجرون إلى المدينة و الحبشة.

فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ‏: لتركهم الواجب، و مساعدتهم الكفّار، و كفرهم. و هو خبر «إنّ» و «الفاء» فيه لتضمّن الاسم معنى الشّرط. و «قال فيم كنتم» حال من الملائكة، بإضمار قد. أو الخبر «قالوا» و العائد محذوف، أي: قالوا لهم.

و هو جملة معطوفة على الجملة التي قبلها، مستنتجة منها.

وَ ساءَتْ مَصِيراً (97)، أي: مصيرهم. أو جهنّم.

و قيل‏ «3»: الآية نزلت في ناس من مكّة، أسلموا و لم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة. و الظّاهر، أنّها في الكفرة.

______________________________
(1) التوحيد/ 268، قطعه من حديث 5 الذي أوّله في ص 254.

(2) المصدر: إنّه.

(3) أنوار التنزيل 1/ 239.

513
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 93 الى 97] ص : 506

و في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: هم قيس بن الفاكه بن المغيرة، و الحارث بن زمعة بن الأسود، و قيس بن الوليد بن المغيرة، و أبو العاص بن منبه بن الحجّاج، و عليّ بن أميّة بن خلف.

و في نهج البلاغة «2»: قال- عليه السّلام-: و لا يقع استضعاف على من بلغته الحجّة فسمعتها أذنه و وعاها قلبه.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين- عليه السّلام- و لم يقاتلوا معه، فقال الملائكة لهم عند الموت: فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ‏، أي: لم نعلم مع من الحقّ. فقال اللّه: أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها، أي: دين اللّه و كتابه واسع فتنظروا فيه.

و الجمع بينه و بين الأوّل، أنّها نزلت في الأوّل و جرت في الثّاني. و في الآية دلالة على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكّن الرّجل فيه من إقامة دينه.

[و في مجمع البيان‏ «4»: و روى الحسن عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- أنّه قال: من فرّ بدينه من أرض إلى أرض و إن كان شبرا من الأرض، استوجب الجنّة و كان رفيق إبراهيم و محمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.] «5».

و في مصباح الشّريعة «6»: قال الصّادق- عليه السّلام- بعد أن أمر بالكلام بما ينفع و لا يضرّ: فإن لم تجد السّبيل إليه، فالانقلاب و السّفر «7» من بلد إلى بلد، و طرح النّفس في بوادي التّلف بسرّ صاف و قلب خاشع و بدن صابر، قال اللّه- تعالى-: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد اللّه بن يسار، عن معروف بن خربوذ، عن الحكم بن المستنير، عن عليّ بن الحسين‏

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 98.

(2) نهج البلاغة/ 280، ضمن خطبة 190.

(3) تفسير القمي 1/ 149.

(4) مجمع البيان 2/ 100.

(5) ما بين المعقوفتين يوجد في أ، فقط.

(6) شرح فارسي مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة/ 153- 154.

(7) المصدر: «في الأسفار» بدل «و السفر».

(8) تفسير القمي 2/ 17.

 

514
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

 

- عليهما السّلام- قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: الأرض مسيرة خمسمائة عام، الخراب منها مسيرة أربعمائة و العمران منها مسيرة مائة عام.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ‏: استثناء منقطع، لعدم دخولهم في الموصول يظلموا «1»، و لا في ضميره، و لا في الإشارة إليه.

و ذكر «الولدان» إن أريد به المماليك، فظاهر. و إن أريد به الصّبيان، فللمبالغة في الأمر، و الإشعار بأنّهم على صدد وجوب الهجرة، فإنّهم إذا بلغوا و قدروا على الهجرة فلا محيص لهم عنها، و أنّ قوّامهم يجب عليهم أن يهاجروا بهم متى أمكنت.

لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98): صفة للمستضعفين، إذ لا توقيت فيه. أو حال عنه، أو عن المستكن فيه. و استطاعة الحيلة، قدرة و وجدان أسباب دفع الكفر. و اهتداء السّبيل، وجدان سبيل الإيمان بنفسه أو بدليل.

في كتاب معاني الأخبار «2»: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد قال:

حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد و فضالة بن أيّوب جميعا، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ.

فقال: هو الّذي لا يستطيع الكفر فيكفر، و لا يهتدي سبيل الإيمان فيؤمن.

و الصّبيان و من كان من الرّجال و النّساء على مثل عقول الصّبيان، مرفوع عنهم القلم.

قوله- عليه السّلام-: «هو الّذي لا يستطيع الكفر «3»»

، يعني: ليس له من العقل ما به يطّلع على الكفر فيكفر، أو يدفعه عن نفسه.

و بإسناده إلى سالم بن مكرم الجمّال‏ «4»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن قوله- عزّ و جلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ‏ إلى قوله: سَبِيلًا فقال: لا يستطيعون حيلة إلى النّصب فينصبون، و لا يهتدون سبيلا. إلى الحقّ‏ «5» فيدخلون فيه. و هؤلاء يدخلون الجنّة

______________________________
(1) كذا في النسخ و الظاهر أنّها زائدة.

(2) معاني الأخبار/ 201، ح 4.

(3) يوجد في أبعد هذه العبارة: فيكفر و لا يهتدي.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 5.

(5) المصدر: «سبيل أهل الحقّ» بدل «سبيلا إلى الحق». و هو مذكور في هامش الأصل بدلا من «سبيلا» و ليس أيضا في ر و نسخة المجلس و يوجد في أ، فقط.

 

 

515
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

 

بأعمال حسنة و باجتناب المحارم الّتي نهى اللّه- عزّ و جلّ- عنها، و لا ينالون منازل الأبرار.

حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد- رحمه اللّه‏ «1»- قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيى، عن حجر بن زائدة عن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ‏ (الآية) قال: هم أهل الولاية.

قلت: و أيّ ولاية؟

فقال: أما إنّها ليست بولاية في الدّين. لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة. و هم ليسوا بالمؤمنين و لا بالكفّار. و هم المرجون لأمر اللّه.

حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلويّ‏ «2» قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن عليّ بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن عليّ، عن عبد الكريم بن عمرو الخثعميّ، عن سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ‏ (الآية).

قال: يا سليمان، في هؤلاء المستضعفين من هو أثخن رقبة «3» منك. المستضعفون قوم يصومون و يصلّون‏ «4»، تعفّ بطونهم و فروجهم، لا يرون أنّ الحقّ في غيرنا، آخذين بأغصان الشّجرة. فأولئك عسى اللّه أن يعفو عنهم إذا كانوا آخذين بالأغصان، و إن لم يعرفوا أولئك فإن عفا عنهم فبرحمته و إن عذّبهم فبضلالتهم عمّا عرّفهم.

أبي- رحمه اللّه- قال‏ «5»: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصّباح، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّه قال‏ في المستضعفين الّذين لا يجدون حيلة و لا يهتدون سبيلا:

لا يستطيعون حيلة فيدخلوا في الكفر، و لم يهتدوا فيدخلوا في الإيمان. فليس هم من الكفر و الإيمان في شي‏ء.

______________________________
(1) نفس المصدر/ 220، ح 8.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 9.

(3) يوجد في أبعد هذه العبارة: «بالاغصان و إن لم يعرفوا أولئك فان عفى عنهم» و الأظهر أنّها زائدة و سيأتي بعد قليل.

(4) ليس في أ.

(5) نفس المصدر/ 203، ح 11.

 

516
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

و في أصول الكافي‏ «1»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن سليم مولى طربال قال: حدّثني هشام، عن حمزة بن طيّار قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: [النّاس على ستّة أصناف‏] «2».

قال: قلت: أ تأذن لي أن أكتبها؟

قال نعم.

قلت: ما أكتب؟

قال: اكتب‏ إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً «3» إلى الكفر وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا إلى الإيمان‏ فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ‏.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «4»، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن زرارة قال: دخلت أنا و حمران، أو أنا و بكير على أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: قلت له: إنّا نمدّ المطمار «5».

قال: و ما المطمار «6»؟

قلت: التّرّ «7». فمن وافقنا «8» من علويّ أو غيره‏ «9» تولّيناه. و من خالفنا من علويّ أو غيره‏ «10» برئنا منه.

فقال لي: يا زرارة، قول اللّه أصدق من قولك، فأين الّذين قال اللّه- عزّ و جلّ-: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا أين المرجون لأمر اللّه؟ و الحديثان طويلان، أخذنا منهما موضع الحاجة.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «11»، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: المستضعفون الّذين‏ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا قال: لا يستطيعون حيلة إلى الإيمان و لا يكفرون، الصّبيان و أشباه عقول الصّبيان من‏

______________________________
(1) الكافي 2/ 381، ضمن حديث 1.

(2) ليس في الأصل.

(3) يوجد في المصدر بعد هذه العبارة: و لا يهتدون سبيلا لا يستطيعون حيلة.

(4) نفس المصدر 2/ 382- 383، صدر حديث 3.

5 و 6- هكذا في المصدر. و في النسخ: المضمار.

(7) هكذا في المصدر. و في النسخ: النز.

(8) هكذا في المصدر و ر، و في سائر النسخ: واقفنا.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: و غيره.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: و غيره.

(11) نفس المصدر 2/ 404، ح 2+ تفسير القمي 1/ 149.

 

517
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

الرّجال و النّساء.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «1»، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن المستضعف؟ فقال: هو الّذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر، و لا يهتدي بها إلى سبيل الإيمان‏ «2»، لا يستطيع أن يؤمن و لا يكفر.

قال: و الصّبيان، و من كان من الرّجال و النّساء على مثل عقول الصّبيان.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏ «3»، عن عليّ بن الحكم، عن عبد اللّه بن جندب، عن سفيان بن السّمط البجليّ قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول في المستضعفين؟

فقال لي شبيها بالفزع: فتركتم أحدا يكون مستضعفا، و أين المستضعفون؟ فو اللّه لقد مشى بأمركم هذا العواتق إلى العواتق في خدورهنّ، و تحدّث به السّقّايات في طريق المدينة.

الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد «4»، عن الوشّاء، عن مثنى، عن إسماعيل الجعفيّ قال: قلت لأبي جعفر- عليه السّلام- في حديث طويل: فهل سلم أحد لا يعرف هذا الأمر؟

فقال: لا، إلّا المستضعفين. قلت: من هم؟

قال: نساؤكم و أولادكم. ثمّ قال: أ رأيت أمّ أيمن، فإنّي أشهد أنّها من أهل الجنّة، و ما كانت تعرف ما أنتم عليه.

و بإسناده إلى أيّوب بن الحرّ «5» قال: قال رجل لأبي عبد اللّه- عليه السّلام- و نحن عنده: جعلت فداك إنّا نخاف أن ننزل بذنوبنا منازل المستضعفين.

قال: فقال: لا و اللّه لا يفعل اللّه ذلك بكم أبدا.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمّد بن منصور الخزاعيّ، عن عليّ بن سويد، عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قال‏: سألته‏

______________________________
(1) الكافي 2/ 404، ح 3.

(2) هكذا في أ و المصدر. و في سائر النسخ: «سبيلا إلى الايمان» بدل «إلى سبيل الايمان».

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 4.

(4) نفس المصدر 2/ 405، ح 6.

(5) نفس المصدر 2/ 406، ح 9.

 

518
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

عن الضّعفاء؟ فكتب إليّ: الضّعيف، من لم يرفع إليه حجّة و لم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بضعيف.

و في الكافي‏ «1»: أبو عليّ الأشعريّ، عن محمّد بن عبد الجبّار عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن يحيى الحلبيّ، عن عبد الحميد الطّائيّ، عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أ تزوّج بمرجئة أو حروريّة؟

قال: لا، عليك بالبله من النّساء.

قال زرارة: فقلت: و اللّه ما هي إلّا مؤمنة أو كافرة.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: و أين أهل ثنوي اللّه- عزّ و جلّ- قول اللّه أصدق من قولك: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا.

و في تفسير العيّاشيّ‏ «2»-: عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏ سألته: عن المستضعفين. فقال: البلهاء في خدرها، و الخادمة تقول لها: صلّي. فتصلّي لا تدري إلّا ما قلت لها، و الجليب الّذي لا يدري إلّا ما قلت له، و الكبير الفاني، و الصّبيّ، و الصّغير، هؤلاء المستضعفين.

فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ‏: ذكر بكلمة الإطماع. و لفظ «العفو» إيذانا بأنّ ترك الهجرة أمر خطير، حتّى المضطرّ من حقّه أن لا يأمن و يترصّد الفرصة و يعلّق بها قلبه.

وَ كانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (99): ذا صفح عن ذنوب عباده، ساتر عليهم ذنوبهم.

وَ مَنْ يُهاجِرْ: يفارق أهل الشّرك، و يهرب بدينه من وطنه إلى أرض الإسلام.

فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏: في منهاج دينه‏ «3».

يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً: متحوّلا. من الرّغام، و هو التّراب.

______________________________
(1) نفس المصدر 5/ 348، ح 2.

(2) تفسير العياشي 1/ 270، ح 251.

(3) يوجد في أبعد هذه العبارة: من وطنه إلى أرض الإسلام.

519
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

و قيل‏ «1»: طريقا يراغم قومه بسلوكه، أي: يفارقهم على رغم أنوفهم. و هو أيضا من الرّغام‏ وَ سَعَةً: في الرّزق و إظهار الدّين، فيرغم بذلك أنوف قومه في من ضيّق عليه.

وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ‏:

و قرئ: «يدركه» بالرّفع، على أنّه خبر مبتدأ محذوف، أي: ثمّ هو يدركه. و بالنّصب، على إضمار «أن» كقوله: و ألحق بالحجاز فاستريحا «2».

فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏:

الوقوع و الوجوب، متقاربان. و في لفظ الوقوع زيادة مبالغة، لإشعاره‏ «3» بأنّ أجره وقع.

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (100):

في مجمع البيان‏ «4»: عن أبي حمزة الثّماليّ‏: لمّا نزلت آية الهجرة، سمعها رجل من المسلمين و هو جندع أو جندب بن ضمرة «5» و كان بمكّة. فقال: و اللّه ما أنا ممّن استثنى اللّه، إنّي لأجد قوّة و إنّي لعالم بالطّريق. و كان مريضا شديد المرض. فقال لبنيه: و اللّه لا أبيت بمكّة حتّى أخرج منها. فإنّي أخاف أن أموت فيها. فخرجوا يحملونه على سرير حتّى إذا بلغ التّنعيم مات. فنزلت الآية.

[و ممّا جاء في معنى الآية من الحديث ما رواه الحسن، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «6»- قال‏: من فرّ بدينه من أرض إلى أرض و إن كان شبرا من الأرض استوجب الجنّة، و كان رفيق إبراهيم و محمّد- عليهما السّلام-.

و في أصول الكافي‏ «7»: عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرّحمن قال: حدّثنا حمّاد، عن عبد الأعلى قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول العامّة أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قال: من مات و ليس له إمام مات ميتة جاهليّة؟

قال: الحقّ و اللّه.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 239.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) ر: باشعاره.

(4) مجمع البيان 2/ 100.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: جندب بن حمزة.

(6) نفس المصدر و الموضع.

(7) الكافي 1/ 378، صدر حديث 1.

 

520
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

قلت: فإنّ إماما هلك، و رجل بخراسان لا يعلم من وصيّه، لم يسعه ذلك؟

قال: لا يسعه، إنّ الإمام إذا هلك وقعت حجّة وصيه على من هو معه في البلد، و حقّ النّفر على من ليس بحضرته إذا بلغهم، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول‏ «1»: فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏.

قلت: فنفر قوم فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم؟

قال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى‏ «2»، عن محمّد بن خالد، عن النّضر بن سويد، عن يحيى الحلبيّ، عن بريد بن معاوية، عن محمّد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: أصلحك اللّه، بلغنا شكواك و أشفقنا، فلو أعلمتنا أو علّمتنا من؟

فقال: إنّ عليّا- عليه السّلام- كان عالما و العلم يتوارث، فلا يهلك عالم إلّا بقي من بعده من يعلم مثل علمه أو ما شاء اللّه.

قلت: أ فيسع النّاس إذا مات العالم أن لا يعرفوا الّذي بعده؟

فقال: أمّا أهل هذه البلدة فلا، يعني: المدينة. و أمّا غيرها من البلدان فبقدر مسيرهم، إنّ اللّه يقول‏ «3»: وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ‏.

قال: قلت: أ رأيت من مات في ذلك؟ فقال: هو بمنزلة من خرج من بيته مهاجرا إلى اللّه و رسوله ثمّ يدركه الموت، فقد وقع أجره على اللّه.] «4».

و في تفسير العيّاشي‏ «5»، بإسناده، عن محمّد بن أبي عمير «6» قال‏: وجّه زرارة بن أعين‏ «7» ابنه عبيدا إلى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن موسى بن جعفر «8» و عبد اللّه. فمات قبل أن يرجع إليه عبيد ابنه.

______________________________
(1) التوبة/ 122.

(2) نفس المصدر 1/ 379- 380، ح 3 و له ذيل.

(3) التوبة/ 122.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) تفسير العياشي 1/ 270، ح 253.

(6) المصدر: عن ابن أبي عمير.

(7) «بن أعين» ليس في المصدر.

(8) «موسى بن جعفر» ليس في المصدر.

 

521
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

قال محمّد بن أبي عمير: حدّثني محمّد بن حكيم قال: ذكرت‏ «1» لأبي الحسن‏ «2»- عليه السّلام- زرارة و توجيهه‏ «3» عبيدا إلى المدينة.

فقال‏ «4»: إنّي لأرجو أن يكون زرارة ممّن قال اللّه: وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ (الآية).

عن أبي الصّباح‏ «5» قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: ما تقول في رجل دعي إلى هذا الأمر فعرفه و هو في أرض منقطعة إذ جاء موت الإمام، فبينا هو ينتظر إذ جاءه الموت؟

فقال: هو و اللّه بمنزلة من هاجر إلى اللّه و رسوله فمات، فقد وقع أجره على اللّه.

و في الكافي‏ «6»: عليّ بن محمّد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمّد بن سليمان الدّيلمي‏ «7» عن أبي حجر الأسلميّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: من أتى مكّة حاجّا و لم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، و من أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، و من وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة، و من مات في أحد الحرمين مكّة و المدينة لم يعرض و لم يحاسب، و من مات مهاجرا إلى اللّه- تعالى- حشره اللّه- تعالى‏ «8»- مع أصحاب بدر.

وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ‏: سافرتم.

فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ: بتنصيف الرّباعيّات.

و «من الصّلاة» صفة محذوف، أي: شيئا من الصّلاة. عند سيبويه. و مفعول «تقصروا» بزيادة «من» عند الأخفش‏ «9». و القصر، واجب. و نفي الجناح، لأنّهم ألفوا التّمام و كان مظنّة لأن يخطر ببالهم أنّ عليهم نقصانا في التّقصير، فرفع عنهم الجناح‏

______________________________
(1) المصدر: قلت.

(2) المصدر: لأبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- فذكرت له.

(3) المصدر: و توجيه ابنه.

(4) المصدر: فقال أبو الحسن.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 252.

(6) الكافي 4/ 548، ح 5.

(7) هو محمد بن سليمان البصريّ الديلمي أبو عبد اللّه. و في النسخ «المديني» بدل «الديلمي» و هي خطأ.

ر. تنقيح المقال 3/ 122، رقم 10789 و رقم 10793.

(8) ر: حشره اللّه تعالى يوم القيامة.

(9) أنوار التنزيل 1/ 240.

522
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

لتطيب نفوسهم بالقصر و يطمئنّوا إليه.

و في من لا يحضره الفقيه و تفسير العيّاشيّ‏ «1»: روي عن زرارة و محمّد بن مسلم أنّهما قالا: قلنا لأبي جعفر- عليه السّلام-: ما تقول في الصّلاة في السّفر، كيف هي، و كم هي؟

فقال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ فصار التّقصير في السّفر واجبا كوجوب التّمام في الحضر.

قالا: قلنا: إنّما قال اللّه- تعالى-: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ‏ و لم يقل: افعلوا.

كيف أوجب ذلك كما أوجب التّمام في الحضر؟

فقال- عليه السّلام-: أو ليس قد قال اللّه- عزّ و جلّ‏ «2»-: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما ألا ترون أنّ الطّواف بهما واجب مفروض، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- ذكره في كتابه و صنعه‏ «3» نبيّه- عليه السّلام- و كذلك التّقصير في السّفر، شي‏ء صنعه النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و ذكره اللّه- تعالى- في كتابه.

قالا: قلنا: فمن صلّى في السّفر أربعا أ يعيد أم لا؟

قال: إن كان قد قرئت عليه آية التّقصير و فسّرت له و صلّى أربعا أعاد. و إن لم يكن قرئت عليه و لم يعلمها فلا إعادة عليه. و الصّلاة كلّها في السّفر الفريضة ركعتان كلّ صلاة إلّا المغرب. فإنّها ثلاث. ليس فيها تقصير. و تركها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في السّفر و الحضر ثلاث ركعات.

و زاد في الفقيه: و قد سافر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى ذي خشب، و هي مسيرة يوم من المدينة، يكون إليها بريدان أربعة و عشرون ميلا. فقصّر و أفطر فصارت سنّة. و قد سمّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قوما صاموا حين أفطر: العصاة. قال:

فهم العصاة إلى يوم القيامة، و إنّا لنعرف أبناءهم و أبناء أبنائهم إلى يومنا هذا.

و في عيون الأخبار «4»، في باب العلل الّتي ذكر الفضل بن شاذان أنّه سمعها من‏

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 1/ 278- 279، ح 1266 و تفسير العياشي 1/ 271، ح 254.

(2) البقرة/ 158.

(3) أ: وضعه.

(4) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 111، ح 1.

 

523
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

الرّضا- عليه السّلام-: فإن قال: فلم قصرت الصّلاة في السّفر؟ قيل: لأنّ الصّلاة المفروضة أوّلا إنّما هي عشر ركعات، و السّبع إنّما زيدت فيما بعد. فخفّف عنه تلك الزّيادة لموضع سفره و تعبه و نصبه و اشتغاله بأمر نفسه و ظعنه و إقامته لئلّا يشتغل عمّا لا بدّ له من معيشته، رحمة من اللّه- تعالى- و تعطّفا عليه، إلّا صلاة المغرب. فإنّها لم تقصر.

لأنّها صلاة مقصرة في الأصل.

فإن قال: فلم وجب التّقصير في ثمانية فراسخ لا أقلّ من ذلك و لا أكثر؟

قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة و القوافل و الأثقال. فوجب التّقصير في مسيرة يوم. فإن قال: فلم وجب التّقصير في مسيرة يوم؟

قيل: لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة سنة. و ذلك أنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم. فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله لا فرق بينهما.

و في الكافي‏ «1»: عليّ بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن عليّ بن الحكم، عن ربيع بن محمّد المسلي‏ «2»، عن عبد اللّه بن سليمان العامريّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لمّا عرج برسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نزل بالصّلاة عشر ركعات، ركعتين ركعتين. فلمّا ولد الحسن- عليه السّلام- و الحسين زاد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- سبع ركعات شكرا للّه. فأجاز اللّه ذلك. و ترك الفجر. و لم يزد فيها شيئا لضيق وقتها. لأنّه يحضرها ملائكة اللّيل و ملائكة النّهار. فلمّا أمره اللّه بالتّقصير في السّفر وضع عن أمّته ستّ ركعات و ترك المغرب لم ينقص منها شيئا.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «3»، بإسناده إلى أبي محمّد العلويّ الدّينوريّ، بإسناده رفع الحديث إلى الصّادق- عليه السّلام- قال‏: قلت: لم صارت المغرب ثلاث ركعات و أربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر و لا في سفر؟

فقال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- أنزل على نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- كلّ صلاة

______________________________
(1) الكافي 3/ 487، ح 2.

(2) النسخ: «المسلميّ». و هي خطأ. ر. تنقيح المقال 1/ 427، رقم 4020. و هو الربيع بن محمد بن عمر بن حسّان الأصم المسلّميّ الكوفي.

(3) علل الشرائع 2/ 324، ح 1.

 

524
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 98 الى 101] ص : 515

ركعتين في الحضر. فأضاف إليها رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لكلّ صلاة ركعتين في الحضر و قصّر فيها في السّفر إلّا المغرب. فلمّا صلّى المغرب بلغه مولد فاطمة- عليهما السّلام- فأضاف إليها ركعة شكرا للّه- عزّ و جلّ-. فلمّا أن ولد الحسن- عليه السّلام- أضاف إليها ركعتين شكرا للّه- عزّ و جلّ-. فلمّا أن ولد الحسين- عليه السّلام- أضاف إليها ركعتين شكرا للّه- عزّ و جلّ-. فقال‏ «1»: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فتركها على حالها في الحضر و السّفر.

و عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله‏ «2»-: فرض المسافر ركعتان غير قصر.

أي‏ «3»: ثوابه تمام. و في كلّ الأسفار المشروعة القصر واجب إلّا في أربعة مواضع:

مكّة، و المدينة، و مسجد الكوفة، و حرم الحسين- عليه السّلام-. فإنّ المسافر فيها مخيّر بين القصر و الإتمام. و الإتمام أفضل.

ففي الكافي‏ «4»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عليّ بن الحكم، عن الحسين بن المختار، عن أبي إبراهيم- عليه السّلام- قال‏: قلت له: إنّا إذا دخلنا مكّة و المدينة أنتمّ‏ «5» أم نقصر؟

قال: قصرت فذاك. فإن أتممت فهو خير تزداد.

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد «6»، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الملك القمّيّ، عن إسماعيل بن جابر، عن عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: تتمّ الصّلاة في أربعة مواطن: المسجد الحرام، و مسجد الرّسول- عليه السّلام- و مسجد الكوفة، و حرم الحسين- عليه السّلام-.

و الأخبار في معانيه كثيرة. و في بعضها

قال أبو إبراهيم- عليه السّلام- «7» و قد ذكر الحرمين: كان أبي يقول: إنّ الإتمام فيهما من الأمر المذخور.

إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (101): شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت. و لذلك لم يعتبر مفهومها. و قد

______________________________
(1) النساء/ 176.

(2) تفسير الصافي 1/ 456.

(3) يوجد في أقبل هذه العبارة: و معنى قوله غير قصر.

(4) الكافي 4/ 524، ح 6.

(5) هكذا في أ. و في سائر النسخ: نتمّ.

(6) نفس المصدر 4/ 587، ح 5.

(7) نفس المصدر 4/ 524، ح 7.

525
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

 

تظاهرت الأخبار على وجوبه- أيضا- في حال الأمن. و يحتمل أن يكون المراد- و اللّه أعلم-: أنّه لا جناح عليكم في القصر في صورة الأمن في السّفر، فيقصر أربع ركعات إلى ركعتين. و أمّا مع الخوف فقصر الرّكعتين إلى ركعة واحدة، بمعنى: كون إحدى الرّكعتين مع الجماعة و الأخرى بدونها. أو كونهما بإيماء و نقص كيفيّة تعدّ الرّكعتان معها بركعة واحدة.

و على هذا المعنى يحمل‏

ما رواه في الكافي‏ «1»: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه و أحمد بن إدريس و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: في الرّكعتين تنقص منها واحدة.

و قرئ: «من الصّلاة أن يفتنكم» بغير «إن خفتم»، بمعنى: كراهة أن يفتنكم. و هو القتال، و التّعرّض بما يكره‏ «2».

وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ: الخطاب و إن تعلّق بالنّبيّ و الأئمّة و المقصود عمومه، لإجماع الطّائفة المحقّة و غيرهم على عدم الاختصاص بحضرة النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.

فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ‏: و تقوم الطّائفة الأخرى اتّجاه العدوّ.

وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ‏، أي: المصلّون حزما.

و قيل‏ «3»: الضّمير للطّائفة الأخرى، و ذكر الطّائفة الأولى يدلّ عليهم. و سياق الآية يدلّ على الأوّل.

فَإِذا سَجَدُوا، يعني: المصلّين.

فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ‏: يحرسونكم، يعني: النّبيّ و من يصلّي معه. فغلب المخاطب على الغائب.

وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى‏ لَمْ يُصَلُّوا: لاشتغالهم بالحراسة.

فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ‏: و الآية مطلقة، في أنّ الإمام يصلّي مرّتين بكلّ طائفة

______________________________
(1) نفس المصدر 3/ 458، ح 4.

(2) أنوار التنزيل 1/ 240.

(3) نفس المصدر و الموضع.

 

526
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

 

و كانت الثّانية نفلا له، كما فعله رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ببطن النّخل. و في أن يصلّي بكلّ فرقة ركعة إن كانت الصّلاة ركعتين. و في أنّ يصلّي مع الفرقة الأولى ركعة و مع الثّانية ركعتين، أو بالعكس إذا كانت ثلاثيّة.

و في الكافي‏ «1»: محمّد بن يحيى، عن عبد اللّه بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن الحكم، عن أبان، عن عبد الرّحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: صلّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- بأصحابه في غزوة ذات الرّقاع صلاة الخوف.

ففرّق أصحابه فرقتين، أقام فرقة بإزاء العدوّ و فرقة خلفه. فكبّر و كبّروا. فقرأ و أنصتوا.

و ركع فركعوا. و سجد و سجدوا. ثمّ استمرّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قائما و صلّوا لأنفسهم ركعة. ثمّ سلّم بعضهم على بعض. ثمّ خرجوا إلى أصحابهم فقاموا بإزاء العدوّ. و جاء أصحابهم. فقاموا خلف رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. فصلّى بهم ركعة، ثمّ تشهّد و سلّم عليهم. فقاموا و صلّوا لأنفسهم ركعة. ثمّ سلّم بعضهم على بعض.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «2»، عن ابن عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن صلاة الخوف؟ قال: يقوم الإمام. و تجي‏ء طائفة من أصحابه. فيقومون خلفه و طائفة بإزاء العدوّ. فيصلّي بهم الإمام ركعة. ثمّ يقوم و يقومون معه. فيمثل قائما و يصلّون الرّكعة. [الثّانية. ثمّ يسلّم بعضهم على بعض. ثمّ ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم. و يجي‏ء الآخرون فيقومون خلف الإمام. فيصلي بهم الركعة الثانية] «3» ثمّ يجلس الإمام فيقومون هم فيصلّون ركعة أخرى. ثمّ يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه.

قال: و في المغرب مثل ذلك، يقوم الإمام. و تجي‏ء طائفة فيقومون خلفه. ثمّ يصلّي بهم ركعة. ثمّ يقوم و يقومون. فيمثل الإمام قائما. فيصلّون ركعتين. فيتشهّدون.

و يسلّم بعضهم على بعض. ثمّ ينصرفون فيقومون في موقف أصحابهم. و يجي‏ء الآخرون.

و يقومون في موقف أصحابهم خلف الإمام. فيصلّي بهم ركعة يقرأ فيها. ثمّ يجلس فيتشهّد. ثمّ يقوم و يقومون معه و يصلّي بهم ركعة أخرى. ثمّ يجلس و يقومون هم فيتمّون ركعة أخرى. ثمّ يسلّم عليهم.

______________________________
(1) الكافي 3/ 456، ح 2.

(2) نفس المصدر 3/ 455، ح 1.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

527
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ‏: جعل الحذر آلة يتحصّن بها الغازي.

فجمع بينه و بين الأسلحة في وجوب الأخذ. و نظيره قوله- تعالى‏ «1»-: وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَ الْإِيمانَ‏.

وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً: تمنّوا أن ينالوا منكم غرّة في صلاتكم، فيشدّون عليكم شدّة واحدة. و هو بيان ما لأجله أمروا بأخذ السّلاح.

وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ‏: رخصة لهم في وضعها إذا ثقل عليهم أخذها، بسبب مطر أو مرض. و هذا ممّا يشعر، بأنّ الأمر بأخذ السّلاح، للوجوب.

وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ‏: كيلا يهجم عليكم العدوّ.

إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (102): وعد للمؤمنين بالنّصر على الكفّار، بعد الأمر بالحزم، لتقوى قلوبهم، و ليعلموا أنّ الأمر بالحزم ليس لضعفهم و غلبة عدوّهم، بل لأنّ الواجب أن يحافظوا في الأمور على مراسم التّيقّظ و التّدبّر، فيتوكّلوا على اللّه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: هذه الآية نزلت لمّا خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إلى الحديبية يريد مكّة. فلمّا وقع الخبر إلى قريش بعثوا خالد بن الوليد في مأتي فارس يستقبل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فكان يعارض رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- على الجبال. فلمّا كان في بعض الطّريق و حضرت صلاة الظّهر، أذّن بلال و صلّى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-.

فقال خالد بن الوليد: لو كنّا حملنا عليهم و هم في الصّلاة، لأصبناهم فإنّهم لا يقطعون الصّلاة. و لكن تجي‏ء لهم الآن صلاة أخرى هي أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم. فإذا دخلوا فيها حملنا عليهم. فنزل جبرئيل- عليه السّلام- بصلاة الخوف بهذه الآية. ففرّق رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أصحابه فرقتين. فوقف بعضهم تجاه العدوّ و قد أخذوا سلاحهم. و فرقة صلّوا مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- قائما و مرّوا فوقفوا موقف أصحابهم. و جاء أولئك الّذين لم يصلّوا. فصلّى بهم رسول اللّه‏

______________________________
(1) الحشر/ 9.

(2) تفسير القمي 1/ 150.

 

528
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

- صلّى اللّه عليه و آله- الرّكعة الثّانية و لهم الأولى. و قعد رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قام أصحابه فصلّوا هم الرّكعة الثّانية و سلّم عليهم.

فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ: أدّيتم و فرغتم منها. أو إذا أردتم الصّلاة و اشتدّ الخوف.

فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِكُمْ‏: فدوموا على الذّكر في جميع الأحوال. أو فصلّوا كيف ما أمكن، قياما مسايفين و مقارعين، و قعودا مرامين، و على جنوبكم مثخنين.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: قوله: فَإِذا «2» قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِكُمْ‏ قال: الصّحيح يصلّي قائما، و العليل يصلّي قاعدا، و من لم يقدر «3» فمضطجعا يومئ إيماء.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «4»: و قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: المريض يصلّي قائما، فإن لم يستطع صلّى جالسا. فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيمن. فإن لم يستطع صلّى على جنبه الأيسر. فإن لم يستطع استلقى و أومأ إيماء و جعل وجهه نحو القبلة و جعل سجوده أخفض من ركوعه.

و قال الصّادق- عليه السّلام- «5»: المريض يصلّي قائما. فإن لم يقدر على ذلك صلّى جالسا. فإن لم يقدر أن يصلّي جالسا صلّى مستلقيا، يكبّر ثمّ يقرأ. فإذا أراد الرّكوع غمض عينيه ثمّ سبحّ. فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من الرّكوع. فإذا أراد أن يسجد غمض عينيه ثمّ سبّح. فإذا سبّح فتح عينيه فيكون فتح عينيه رفع رأسه من السّجود. ثمّ يتشهّد و ينصرف.] «6».

فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ‏: سكنت قلوبكم من الخوف، و استقررتم في أمصاركم.

فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ: فعدّلوا و احفظوا أركانها و شرائطها، و أتوا بها تامّة.

إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (103)، أي ثابتا موجوبا مفروضا.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 150.

(2) المصدر: و إذا.

(3) المصدر: يصلى جالسا فمن لم يقدر.

(4) من لا يحضره الفقيه 1/ 236، ح 1037.

(5) نفس المصدر 1/ 235، ح 1033.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

529
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

في الكافي‏ «1»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: قوله- تعالى-: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً.

قال: كتابا ثابتا، و ليس ان عجّلت قليلا أو أخّرت قليلا بالّذي يضرّك ما لم تضع تلك الإضاعة. فإنّ اللّه- عزّ و جلّ- «2» يقول لقوم: أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.

عن حمّاد «3»، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: مَوْقُوتاً، أي: موجوبا.

عليّ بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن عمير، عن حمّاد، عن حريز، عن زرارة و الفضيل، عن أبي جعفر- عليه السّلام-: كِتاباً مَوْقُوتاً، أي: مفروضا. و ليس يعنى:

وقت فوتها إذا جاز ذلك الوقت ثمّ صلاها لم تكن صلاته هذه مؤدّاة. و لو كان كذلك لهلك سليمان بن داود حين صلاها لغير وقتها. و لكن متى ذكرها صلاها.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

[و في من لا يحضره الفقيه‏ «4»: قال الصّادق- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً قال: مفروضا.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «5»: حدّثنا محمّد بن الحسن- رحمه اللّه- قال: حدّثنا الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النّضر بن سويد، عن موسى بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً، قال: موجبا. إنّما يعني بذلك: وجوبها على المؤمنين.

و لو كانت كما يقولون لهلك سليمان بن داود حين أخّر الصّلاة حتّى توارت بالحجاب.

لأنّه لو صلاها قبل أن تغيب كانت وقتا، و ليس صلاة أطول وقتا من العصر.] «6».

وَ لا تَهِنُوا، أي: لا تضعفوا.

فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ‏: في طلب الكفّار، الّذين هم أعداء اللّه و أعداؤكم.

______________________________
(1) الكافي 3/ 270، ح 13.

(2) مريم/ 59.

(3) نفس المصدر 3/ 272، ح 4.

(4) من لا يحضره الفقيه 1/ 125، ح 601.

(5) علل الشرائع/ 605، ح 79.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

530
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ‏: ممّا ينالكم من الجراح منهم.

فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ‏: أيضا ممّا ينالهم من ذلك.

كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ‏: من إظهار الدّين، و استحقاق الثّواب. فأنتم أحرى و أولى على حربهم منهم على قتالكم. و هذا إلزام على المؤمنين و تقريع على التّواني فيه، بأنّ الضّرر دائر بين الفريقين غير مختصّ بهم، و النّفع مختصّ بهم.

و قرئ: «أن تكونوا» بالفتح، أي: و لا تهنوا، لأن تكونوا تألمون. و يكون قوله:

فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ‏ علّة للنّهي عن الوهن لأجله‏ «1».

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بمصالح خلقه.

حَكِيماً (104): في ما يأمر و ينهى.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لمّا رجع من وقعة أحد و دخل المدينة نزل عليه جبرئيل، فقال: يا محمّد، إنّ اللّه يأمرك أن تخرج في أثر القوم، و لا يخرج معك إلّا من به جراحة.

فأمر رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- مناديا ينادي: يا معشر المهاجرين و الأنصار، من كانت به جراحة فليخرج، و من لم يكن به جراحة فليقم. فأقبلوا يضمدون جراحاتهم و يداوونها. فأنزل اللّه على نبيّه: وَ لا تَهِنُوا (الآية.) و قال- عزّ و جلّ- «3»: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ‏ إلى قوله: شُهَداءَ.

فخرجوا على ما بهم من الألم و الجراح.

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ‏: بما عرّفك، و أوحى إليك. و ليس من الرّؤية، بمعنى: العلم. و إلّا لاستدعى ثلاثة مفاعيل.

في أصول الكافي‏ «4»: محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسن قال: وجدت في نوادر محمّد بن سنان، عن محمّد بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: و اللّه ما فوّض اللّه إلى أحد من خلقه إلّا إلى رسول اللّه و إلى الأئمّة- عليهم السّلام-. قال اللّه- عزّ و جلّ-: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ‏ و هي‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 241.

(2) تفسير القمي 1/ 124.

(3) آل عمران/ 140.

(4) الكافي 1/ 267، ح 8.

 

531
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

جارية في الأوصياء- عليهم السّلام-.

و في كتاب الاحتجاج‏ «1»، للطّبرسي- رحمه اللّه- عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لأبي حنيفة: تزعم أنّك صاحب رأي.

و كان الرّأي من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- صوابا و من دونه خطأ. لأنّ اللّه- تعالى- قال: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ‏ و لم يقل ذلك لغيره.

و في الجوامع‏ «2»: روي‏ أنّ أبا طعمة من أبيرق‏ «3» سرق درعا من جار له اسمه قتادة بن النّعمان. و نقلها عند رجل من اليهود. فأخذ الدّرع من منزل اليهود [يّ‏] فقال: دفعها إليّ أبو طعمة. فجاء بنو أبيرق إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و كلّموا أن يجادل عن صاحبهم، و قالوا: «إن لم تفعل هلك و افتضح و برئ اليهوديّ» فهمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أن يفعل و أن يعاقب اليهوديّ، فنزلت.

و الظّاهر أنّ هذه الرّواية من العامّة. لأنّهم رووها مع زيادة و منطبق على أصولهم. و الصّحيح ما روى عليّ بن إبراهيم و صاحب مجمع البيان‏ «4». و سيأتي.

وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ‏، أي: لأجلهم و الذّبّ عنهم.

خَصِيماً (105): للبراء.

[و في نهج البلاغة «5» و قال- عليه السّلام-: من بالغ في الخصومة أثم. و من قصّر فيها ظلم. و لا يستطيع أن يتّقي اللّه من خاصم‏] «6».

وَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ‏: ممّا هممت به، من عقاب اليهوديّ بالتماس بني أبيرق- كما نقل عن النّواصب- و ممّا فعلت من معاتبة بني قتادة، و صيرورتك سبب اغتمامه حين لم تطّلع على أنّه محقّ، على ما سيجي‏ء.

______________________________
(1) الاحتجاج 2/ 117.

(2) تفسير جوامع الجامع/ 96. و توجد الرواية بطولها و بعبارات أخرى في أنوار التنزيل 1/ 242.

(3) أ: «أبا طعمة بن أبيرق.» و هو صواب، أيضا.

(4) هكذا في أ. و في سائر النسخ: «و الصحيح ما روي عن عليّ بن إبراهيم في مجمع البيان» و هي خطأ لأنّه لم تنقل الرواية في مجمع البيان عن عليّ بن إبراهيم، كما سيأتي عنهما كلّ على حدّة قريبا. و إمّا الرواية موجودة في مجمع البيان 2/ 105 و في تفسير القمي 1/ 150- 151.

(5) نهج البلاغة/ 528، حكمة 298.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

532
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (106): لمن يستغفره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: كان سبب نزولها، أنّ قوما من الأنصار من بني أبيرق إخوة ثلاثة، كانوا منافقين، بشير و مبشر و بشر. فنقبوا على عمّ قتادة بن النّعمان، و كان قتادة بدريّا، و أخرجوا طعاما كان أعدّه لعياله و سيفا و درعا. فشكى قتادة ذلك إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. فقال: يا رسول اللّه، إنّ قوما نقبوا على عمّي، و أخذوا طعاما كان أعدّه لعياله و سيفا و درعا، و هم أهل بيت سوء. و كان معهم في الرّأي رجل مؤمن يقال له: لبيد بن سهل.

فقال بنو أبيرق لقتادة: هذا عمل لبيد بن سهل. فبلغ ذلك لبيد. فأخذ سيفه.

و خرج عليهم. فقال: يا بني أبيرق، أ ترمونني بالسّرق و أنتم أولى به منّي، و أنتم المنافقون تهجون رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و تنسبونه إلى قريش، لتبيّننّ ذلك أو لأملأنّ سيفي منكم. فداروه و قالوا له: ارجع رحمك اللّه. فإنّك بري‏ء من ذلك.

فمشى بنو أبيرق إلى رجل من رهطهم يقال له: أسيد بن عروة. و كان منطيقا بليغا. فمشى إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-. فقال: يا رسول اللّه، إنّ قتادة بن النّعمان عمد إلى اهل بيت من أهل شرف و حسب و نسب. فرماهم بالسّرق. و اتّهمهم بما ليس فيهم.

فاغتمّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من ذلك. و جاء إليه قتادة. فأقبل عليه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال له: عمدت إلى أهل بيت شرف و حسب و نسب فرميتهم بالسّرقة. و عاتبه عتابا شديدا. فاغتمّ قتادة من ذلك. و رجع إلى عمّه. و قال:

ليتني متّ و لم أكلّم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقد كلّمني بما كرهته.

فقال له عمّه: اللّه المستعان. فأنزل اللّه في ذلك على نبيّه: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ‏ (الآيات).

و في مجمع البيان‏ «2» ما يقرب منه. قال: و كان بشير يكنّى أبا طعمة، و كان يقول الشّعر و يهجو به أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ يقول: قاله فلان.

وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ‏: يخونونها. فإنّ و بال خيانتهم يعود إليها. أو جعل المعصية خيانة لها، كما جعلت ظلما عليها.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 150- 151.

(2) مجمع البيان 2/ 105.

533
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً: مبالغة في الخيانة، مصرّا عليها.

أَثِيماً (107): منهمكا فيه‏ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ‏: يستترون منهم، حياء و خوفا.

وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ‏: و لا يستحيون منه. و هو أحقّ بأن يستحيا، و يخاف منه.

وَ هُوَ مَعَهُمْ‏: لا يخفى عليه سرّهم. فلا طريق معه إلّا ترك ما يستقبحه، و يؤاخذ عليه.

إِذْ يُبَيِّتُونَ‏: يدبّرون و يزوّرون.

ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ‏: من رمي الغير، و الحلف الكاذب، و شهادة الزّور «1».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: يعني: الفعل. فوقع القول، مقام الفعل.

وَ كانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (108): لا يفوت عنه شي‏ء.

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ: مبتدأ و خبر.

جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: جملة مبنيّة لوقوع «أولاء» خبرا.

أوصلته، عند من يجعله موصولا.

فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109):

محاميا، يحميهم من عذاب اللّه.

وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً: قبيحا، يسوء به غيره.

أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ‏: بما يختصّ به و لا يتعدّاه.

و قيل‏ «3»: المراد بالسّوء، ما دون الشّرك. و بالظّلم، الشّرك.

و قيل‏ «4»: الصّغيرة و الكبيرة.

ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ‏: بالتّوبة.

يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً: لذنوبه.

رَحِيماً (110): متفضّلا عليه. و فيه حثّ لهم على التّوبة.

______________________________
(1) النسخ: الشهادة الزور.

(2) تفسير القمي 1/ 151.

(3) أنوار التنزيل 1/ 242.

(4) نفس المصدر و الموضع.

534
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

و في نهج البلاغة «1»: من أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة- ثمّ تلا الآية-.

وَ مَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى‏ نَفْسِهِ‏: فلا يتعدّاه و باله.

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (111): فهو عالم بفعله، حكيم في مجازاته.

وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً: صغيرة، أو ما لا عمد فيه.

أَوْ إِثْماً: كبيرة، أو ما كان عن عمد.

ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً: كما رمى بشير لبيدا. و وحّد الضّمير لمكان «أو».

فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً (112): بسبب رمي البري‏ء، و تنزيه النّفس الخاطئة. و لذلك سوّى بينهما، و إن كان مقترف أحدهما دون مقترف الآخر.

و في تفسير العيّاشي‏ «2»: عن عبد اللّه بن حمّاد الأنصاريّ، عن عبد اللّه بن سنان، قال: قال لي أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: الغيبة، أن تقول في أخيك ما هو فيه ممّا قد ستره اللّه عليه. فأمّا إذا قلت ما ليس فيه، فذاك قول اللّه: فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً.

وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ‏: بإلهام ما همّ عليه بالوحي.

لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ‏، أي: أن يضلّوك عن القضاء بالحقّ، مع علمهم بالحال.

و الجملة جواب «لولا». و ليس المراد نفي همّهم، بل نفي تأثيره فيه.

وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏: لأنّه ما أزلّوك عن الحقّ، و عاد و باله إليهم.

وَ ما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْ‏ءٍ: فإنّ اللّه عاصمك و ناصرك و مؤيّدك، و ما جرى عليك من معاتبة قتادة كان اعتمادا منك على ظاهر الأمر.

و «من شي‏ء» في موضع النّصب على المصدر، أي: شيئا من الضّرر.

وَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ‏: من خفيّات الأمور، و أمور الدّين و الأحكام.

وَ كانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113): إذ لا فضل أعظم من النّبوّة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر

______________________________
(1) نهج البلاغة/ 494، حكمة 135.

(2) تفسير العياشي 1/ 275، ح 270.

(3) تفسير القمي 1/ 152.

 

535
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 102 الى 113] ص : 526

- عليه السّلام- قال‏: إنّ أناسا من رهط بشير الأدنين قالوا: انطلقوا [بنا] «1» إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- نكلّمه‏ «2» في صاحبنا و نعذره. فإنّ صاحبنا بري‏ء. فلمّا أنزل اللّه‏ «3» يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ‏ إلى قوله: وَكِيلًا فأقبلت رهط بشير. فقالوا: يا بشير، استغفر اللّه و تب من الذّنب.

فقال: و الّذي أحلف به ما سرقها إلّا لبيد. فنزلت‏ وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ثمّ أنّ بشيرا كفر و لحق بمكّة. و أنزل اللّه في النّفر الّذين أعذروا «4» بشيرا و أتوا النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- ليعذروه‏ «5» وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَ رَحْمَتُهُ‏ «6» (الآية) و نزل في بشير و هو بمكّة وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‏ وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً «7».

و في روضة الكافي‏ «8»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن سليمان الجعفريّ قال: سمعت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول‏ في قول اللّه- تعالى-: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ‏ قال: يعني: فلانا و فلانا و أبا عبيدة بن الجرّاح.

و في كتاب الاحتجاج‏ «9»، للطّبرسي- رحمه اللّه- حديث طويل عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- و فيه يقول- عليه السّلام-: و قد بيّن اللّه قصص المغيرين بقوله‏ «10»: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ‏ بعد فقد الرّسول، ممّا يقيمون به أود باطلهم، حسب ما فعلته اليهود و النّصارى بعد فقد موسى و عيسى من تغيير التّوراة و الإنجيل و تحريف الكلم عن مواضعه.

و في تفسير العيّاشي‏ «11»: عن عامر بن كثير السّرّاج و كان داعية الحسين [صاحب الفخّ‏] «12» بن عليّ، عن عطاء الهمدانيّ، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله:

______________________________
(1) من أ.

(2) هكذا في أ. و في سائر النسخ: و قالوا نكلم.

(3) النساء/ 108.

(4) أور: عذروا.

(5) هكذا في أور. و في سائر النسخ: ليعذره.

(6) البقرة/ 64.

(7) النساء/ 115.

(8) الكافي 8/ 334، ح 525.

(9) الاحتجاج 1/ 370- 371.

(10) النساء/ 108.

(11) تفسير العياشي 1/ 274- 275، ح 267.

(12) من المصدر. و يورد فيها بهذه الصورة.

 

536
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

 

إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ‏ قال: فلان و فلان و فلان و أبو عبيدة بن الجرّاح.

و في رواية عمر بن أبي سعيد «1»، عن أبي الحسن- عليه السّلام- «2» قال‏: هما و أبو عبيدة بن الجرّاح.

و

في رواية عمر بن صالح قال: الأوّل و الثّاني و أبو عبيدة بن الجرّاح.

لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ‏: من متناجيهم. أو من تناجيهم.

إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ: فهو على التّقدير الثّاني على حذف مضاف، أي: إلّا نجوى من أمر. أو على الانقطاع، بمعنى: و لكن من أمر بصدقة ففي نجواه الخير.

أَوْ مَعْرُوفٍ‏: المعروف، كلّ ما يستحسنه الشّرع و لا ينكره العقل. و يندرج فيه القرض، و إعانة الملهوف، و صدقة التّطوّع، و سائر الخيرات.

و في الكافي‏ «3»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- عزّ و جلّ-: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ‏ قال: يعني بالمعروف: القرض.

[عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «4»، عن محمّد بن عيسى، عن يونس و عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد اللّه، عن أبيه جميعا، عن يونس، عن عبد اللّه بن سنان و ابن مسكان، عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إذا حدّثتكم بشي‏ء، فاسألوني عن كتاب اللّه؟ ثمّ قال في حديثه: إنّ اللّه نهى عن القيل و القال و فساد المال و كثرة السّؤال. فقالوا: يا بن رسول اللّه، أين هذا من كتاب اللّه؟ قال: إنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول في كتابه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ‏ (الآية.) و قال‏ «5»: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً. و قال‏ «6»: لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.] «7».

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه فرض التّمحّل في القرآن.

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 275، ح 268.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 269.

(3) الكافي 4/ 34، ح 3.

(4) نفس المصدر 5/ 300، ح 2. و ذكر فيه «عن أبيه» بين المعقوفتين.

(5) النساء/ 5.

(6) المائدة/ 101.

(7) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(8) تفسير القمي 1/ 152.

 

 

537
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

 

قلت: و ما التّمحّل جعلت فداك؟

قال: أن يكون وجهك أعرض من وجه أخيك فتتمحّل له، و هو قوله: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ..

و حدّثني أبي‏ «1»، عن رجاله، رفعه إلى أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال‏: إنّ اللّه فرض عليكم زكوات جاهكم، كما فرض عليكم زكوات ما ملكت أيديكم.

أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ‏، أي: إصلاح ذات بين.

في أصول الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: الكلام ثلاثة:

صدق، و كذب، و إصلاح بين النّاس.

قال: قلت: جعلت فداك، ما الإصلاح بين النّاس؟

قال: تسمع من الرّجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه، فتلقاه فتقول: سمعت من فلان فيك من كذا و كذا خلاف ما سمعت منه.

و في كتاب الخصال‏ «3»: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ- عليهم السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ثلاثة يحسن فيهنّ الكذب: المكيدة في الحرب، و عدتك زوجتك، و الإصلاح بين النّاس.

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (114):

بني الكلام على الأمر، و رتّب الجزاء على الفعل، ليدلّ على أنّه لمّا دخل الآمر في زمرة الخيّرين كان الفاعل أدخل فيهم، و أنّ العمدة و الغرض هو الفعل و اعتبار الأمر من حيث أنّه وصلة إليه. و قيّد الفعل بأن يكون لطلب مرضاة اللّه. لأنّ الأعمال بالنّيات. و أنّ من فعل خيرا رياء و سمعة لم يستحقّ به من اللّه أجرا. و وصف الأجر بالعظيم، تنبيها على حقارة ما فات في جنبه من أغراض الدّنيا.

و قرأ حمزة و أبو عمرو: «يؤتيه» بالياء «4».

وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ‏: يخالفه. من الشّقّ، فإنّ كلا من المتخالفين في شقّ غير شقّ الآخر.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) الكافي 2/ 341، ح 16.

(3) الخصال 1/ 87، ح 20.

(4) أنوار التنزيل 1/ 243.

 

538
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى‏: ظهر له الحقّ.

وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ‏: غير ما هم عليه، من اعتقاد و عمل.

نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى‏: نجعله واليا لمن تولّى من الضّلال، و نخلّي بينه و بين ما اختاره. وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ‏: و ندخله فيها.

و قرئ، بفتح النّون. من صلا. «1» وَ ساءَتْ مَصِيراً (115): جهنّم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: أنّها نزلت في بشير، كما مرّ.

قال البيضاويّ‏ «3»: و الآية تدلّ على حرمة مخالفة الإجماع، لأنّه- تعالى- رتّب الوعيد الشّديد على المشاقّة و اتّباع غير سبيل المؤمنين. و ذلك إمّا لحرمة كلّ واحد منهما، أو أحدهما، أو الجمع بينهما. و الثّاني باطل إذ يقبح أن يقال: من شرب الخمر و أكل الخبز استوجب الحدّ. و كذا الثّالث، لأنّ المشاقّة محرمة ضمّ إليها غيرها أو لم يضمّ. و إذا كان اتّباع غير سبيلهم محرّما كان اتّباع سبيلهم واجبا، لأنّ ترك اتّباع سبيلهم ممّن عرف سبيلهم اتّباع غير سبيلهم.

و فيه، أنّه لا شكّ في حجّيّة إجماع جميع المسلمين باعتبار دخول المعصوم فيه، و لا يلزم منه حجّيّة الإجماع الّذي هو مدعاه. فتأمّل.

و في الكافي‏ «4»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعيّ‏: أنّ أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليه- كان إذا حضر الحرب يوصي المسلمين بكلمات فيقول: تعاهدوا الصّلاة إلى أن قال- عليه السّلام-: يقول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ مَنْ‏ ... يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى‏ من الأمانة «5»، فقد خسر من ليس من أهلها و ضلّ عمله، عرضت على السّموات المبنيّة و الأرض المهاد و الجبال‏

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) تفسير القمي 1/ 152.

(3) أنوار التنزيل 1/ 243.

(4) الكافي 5/ 36، ح 1.

(5) هكذا في جميع النسخ. و يورد في هامش المصدر: ... و قوله «من الأمانة» هكذا في النسخ. و الصواب «ثم الأمانة» كما يظهر من النهج [ص 75، خطبة 199]

فان فيه‏: «ثم أداء الأمانة فقد خاب من ليس من أهلها. أنّها عرضت على السماوات المبنيّة و الأرضين المدحوّة و الجبال ذات الطول المنصوبة الخ».

و لعل قوله: «من الأمانة» راجع إلى‏

قوله‏: «و الرغبة عما عليه صالحوا عباد اللّه»

فهو أصوب.

 

539
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

المنصوبة، فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم لو امتنعت من طول أو عرض أو عظم أو قوّة أو عزّة امتنعن، و لكن أشفقن من العقوبة.

و الحديث طويل، أخذنا منه موضع الحاجة.

و في نهج البلاغة «1»: قال- عليه السّلام-: إنّه بايعني القوم الّذين بايعوا أبا بكر و عمر و عثمان على ما بايعوهم عليه. فلم يكن للشّاهد أن يختار و لا للغائب أن يردّ.

و إنّما الشّورى للمهاجرين و الأنصار. فإن اجتمعوا على رجل و سمّوه إماما كان ذلك للّه رضا. فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردّوه إلى ما خرج منه. فإن أبى قاتلوه على اتّباعه غير سبيل المؤمنين و ولّاه اللّه ما تولّى.

و في تفسير العيّاشي‏ «2»: عن حريز عن بعض أصحابنا، عن أحدهما- عليهما السّلام- قال‏: كان أمير المؤمنين في الكوفة أتاه النّاس فقالوا: اجعل لنا إماما يؤمّنا في رمضان.

فقال: لا. و نهاهم أن يجتمعوا فيه. فلمّا أمسوا جعلوا يقولون: ابكوا في رمضان وا رمضانا. فأتاه الحارث الأعور في أناس فقال: يا أمير المؤمنين، ضجّوا النّاس و كرهوا قولك.

فقال عند ذلك: دعهم و ما يريدون. ليصلّي بهم ما شاءوا. ثمّ قال: فمن يتّبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى و نصله جهنّم و ساءت مصيرا.

عن عمرو بن أبي المقدام‏ «3»، عن أبيه، عن رجل من الأنصار قال‏: خرجت أنا و الأشعث الكنديّ و جرير البجليّ حتّى إذا كنّا بظهر الكوفة بالغرس مرّ بنا ضبّ. فقال الأشعث و جرير: «السّلام عليك يا أمير المؤمنين.» خلافا على عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام-. فلمّا خرج الأنصاريّ قال لعليّ- عليه السّلام-. فقال عليّ- عليه السّلام-: دعهما فهو إمامهما يوم القيامة. أما تسمع إلى اللّه و هو يقول: نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى‏.

إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ: تكريره إمّا للتّأكيد، أو لقصّة بشير.

______________________________
(1) نهج البلاغة/ 366، رسالة 6.

(2) تفسير العياشي 1/ 275، ح 272.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 273.

540
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

و قيل‏ «1»: جاء شيخ إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و قال: إنّي شيخ منهمك في المعاصي إلّا أنّي لم أشرك باللّه شيئا منذ عرفته و آمنت به، و لم أتّخذ من دونه وليّا، و لم أوقع المعاصي جرأة، و ما توهّمت طرفة عين أنّي أعجز اللّه هربا، و إنّي لنادم تائب.

فما ترى حالي؟ فنزلت.

وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (116): عن الحقّ. فإنّ الشّرك أعظم أنواع الضّلالة، و أبعدها عن الصّواب و الاستقامة. و إنّما ذكر في الآية الأولى «فقد افترى» لأنّها متّصلة بقصّة أهل الكتاب، و منشأ شركهم نوع افتراء، و هو دعوى التّبنّي على اللّه- تعالى-.

[و في شرح الآيات الباهرة «2»، روى بحذف الإسناد مرفوعا عن مولانا عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أبيه أمير المؤمنين- صلوات اللّه عليهم أجمعين- قال‏: المؤمن على أيّ حال مات و في أيّ ساعة قبض فهو شهيد. و لقد سمعت حبيبي رسول اللّه يقول:

لو أنّ المؤمن خرج من الدّنيا و عليه مثل ذنوب أهل الأرض لكان الموت كفّارة لتلك الذّنوب. ثمّ قال- عليه السّلام-: من قال: لا إله إلّا اللّه بالإخلاص فهو بري‏ء من الشّرك، و من خرج من الدّنيا لا يشرك باللّه شيئا دخل الجنّة. ثمّ تلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ و هم شيعتك و محبّوك يا عليّ.

فقلت: يا رسول اللّه، هذا لشيعتي؟ قال: إي و ربّي لشيعتك و محبّيك خاصّة.

و إنّهم ليخرجون من قبورهم و هم يقولون: لا إله إلّا اللّه و محمّد رسول اللّه و عليّ وليّ اللّه.

فيؤتون بحلل خضر من الجنّة و أكاليل من الجنّة و تيجان من الجنّة. فيلبس كلّ واحد منهم حلّة خضراء و تاج الملك و إكليل الكرامة. ثمّ يركبون النّجائب فيطير بهم إلى الجنّة لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ‏.

و في هذا المعنى‏

ما ذكره الشّيخ في أماليه‏ «3»، بإسناده عن محمّد بن عطيّة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: الموت كفّارة لذنوب المؤمنين‏] «4».

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً، يعني: اللّات و العزّى و مناة الثّالثة الأخرى‏

______________________________
(1) الكشاف 1/ 565 و أنوار التنزيل 1/ 244.

(2) تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 52.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

541
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

و أساف و نائلة. كان لكلّ حيّ صنم يعبدونه، و يسمّونه: أنثى بني فلان. و ذلك إمّا لتأنيث أسمائها، أو لأنّها كانت جمادات. و الجمادات تؤنّث من حيث أنّها ضاهت الإناث لانفعالها.

قيل‏ «1»: و لعلّه- تعالى- ذكرها بهذا الاسم، تنبيها على أنّهم يعبدون ما يسمّونه إناثا. لأنّه ينفعل و لا يفعل. و من حقّ المعبود أن يكون فاعلا غير منفعل ليكون دليلا على تناهي جهلهم و فرط حماقتهم.

و قيل‏ «2»: المراد، الملائكة. لقولهم: «الملائكة بنات اللّه.» و هو جمع، أنثى.

كرباب، و ربّى.

و قرئ: «أنثى» على التّوحيد. و «أنثا» على أنّه جمع أنيث. كخبث، و خبيث. و «وثنا» بالتّخفيف و التّثقيل. و هو جمع وثن. كأسد و أسد. و «أثنا» بهما، على قلب الواو لضمّها همزة «3».

و في مجمع البيان‏ «4»: عن تفسير أبي حمزة الثّماليّ قال‏: كان في كلّ واحدة منهنّ شيطانة أنثى تتراءى للسّدنة و تكلّمهم، و ذلك من صنع إبليس. و هو الشّيطان الّذي ذكره اللّه و لعنه.

وَ إِنْ يَدْعُونَ‏: و إن يعبدون بعبادتها.

إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً (117): لأنّه الّذي أمرهم بعبادتها و أغراهم عليها.

فكأنّ طاعته في ذلك عبادة له. و المارد و المريد، الّذي لا يعلق بخير. و أصل التّركيب، للملاسة.

و منه: صرح ممرّد. و غلام أمرد. و شجرة مرداء، الّذي تناثر ورقها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: قوله: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً قال: قالت قريش: إنّ الملائكة هم بنات اللّه. وَ إِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً قال: كانوا يعبدون الجنّ.

لَعَنَهُ اللَّهُ‏: صفة ثانية للشّيطان.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 244.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) مجمع البيان 2/ 112.

(5) تفسير القمي 1/ 152- 153.

542
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

وَ قالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (118): عطف عليه، أي:

شيطانا مريدا جامعا بين لعنة اللّه. و هذا القول الدّالّ على فرط عداوته للنّاس.

و «المفروض» المقطوع، أي: نصيبا قدّر لي و فرض. من قولهم. فرض له في العطاء.

في مجمع البيان‏ «1»: عن تفسير الثّماليّ، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في هذه الآية: من بني آدم تسعة و تسعون في النّار، و واحد في الجنّة.

و في رواية أخرى‏ «2»: من كلّ ألف واحد للّه، و سائرهم للنّار و لإبليس.

قيل‏ «3»: و قد برهن سبحانه أوّلا، على أنّ الشّرك ضلال في الغاية على سبيل التّعليل، بأنّ ما يشركون به ينفعل و لا يفعل فعلا اختياريا. و ذلك ينافي الألوهيّة غاية المنافاة. فإنّ الإله ينبغي أن يكون فاعلا غير منفعل. ثمّ استدلّ عليه، بأنّه عبادة الشّيطان و هي أفظع الضّلال لثلاثة أوجه:

الأوّل، أنّه مريد منهمك في الضّلال لا يعلق بشي‏ء من الخير و الهدى، فتكون طاعته ضلالا بعيدا من الهدى.

و الثّاني، أنّه ملعون لضلاله، فلا تستجلب مطاوعته سوى الضّلال و اللّعن.

و الثّالث، أنّه في غاية العداوة و السّعي في إهلاكهم، و موالاة من هذا شأنه غاية الضّلال فضلا عن عبادته.

وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ‏: عن الحقّ.

وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ‏: الأماني الباطلة، كطول العمر، و أنّ لا بعث و لا عقاب.

[و في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه‏ «4»- بإسناده إلى الصّادق جعفر بن محمّد- عليه السّلام- قال‏: لمّا نزلت هذه الآية: وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ‏ صعد إبليس جبلا بمكّة يقال له: ثور. و صرخ بأعلى صوته بعفاريته. فاجتمعوا إليه.

فقالوا: يا سيّدنا، لم دعوتنا؟

قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 113.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) أنوار التنزيل 1/ 244.

(4) أمالي الصدوق/ 376، ح 5.

 

543
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

فقام عفريت من الشّياطين فقال: أنا لها بكذا و كذا.

قال: لست لها.

فقام آخر فقال، مثل ذلك.

فقال: لست لها.

فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها.

قال: بماذا؟

قال: أعدهم و أمنّيهم حتّى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار.

فقال: أنت لها. فوكّله بها إلى يوم القيامة] «1».

وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ‏:

قيل‏ «2»: يشقّقونها إذا ولدت. خمسة أبطن و الخامس ذكر، و حرّموا على أنفسهم الانتفاع بها.

و في مجمع البيان‏ «3»: عن الصّادق- عليه السّلام-: ليقطعنّ الآذان من أصلها.

وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ‏:

في مجمع البيان‏ «4»: عن الصّادق- عليه السّلام-: «يريد دين اللّه و إمرة وليّه» و يؤيّده قوله- سبحانه-: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏.

و يندرج فيه كلّ تغيير بخلق اللّه عن وجهه، صورة أو صفة من دون إذن من اللّه، كفقئهم عين الفحل الّذي طال مكثه عندهم و إعفائه عن الرّكوب، و خصاء العبيد و كلّ مثله. و لا ينافيه التّغيير بالدّين و الأمر لأنّ ذلك كلّه داخل فيهما.

وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏: بأن يؤثر طاعته على طاعة اللّه- عزّ و جلّ- أو يشركه معه في الطّاعة.

فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (119): إذ ضيّع رأس ماله، و بدّل مكانه من الجنّة بمكانه من النّار.

يَعِدُهُمْ‏: ما لا ينجز.

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) أنوار التنزيل 1/ 245.

(3) مجمع البيان 2/ 113.

(4) نفس المصدر و الموضع.

544
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

وَ يُمَنِّيهِمْ‏: ما لا ينالون.

وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً (120): و هو إظهار النّفع فيما فيه الضّرر.

و هذا الوعد إمّا بالخواطر الفاسدة، أو بلسان أوليائه.

و في تفسير العيّاشي‏ «1»: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل‏، يذكر فيه ما أكرم اللّه به آدم- عليه السّلام- و في آخره فقال إبليس: ربّ، هذا الّذي كرّمت عليّ و فضّلته، و إن لم تفضّلني عليه لم أقو عليه.

قال: لا يولد له ولد إلّا ولد لك ولدان.

قال: ربّي زدني.

قال: تجري منه مجرى الدّم في العروق.

قال: ربّي زدني. قال: تتّخذ أنت و ذرّيّتك في صدورهم مساكن.

قال: ربّي زدني.

قال: تعدهم و تمنّيهم‏ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً.

أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (121): معدلا و مهربا.

من حاص يحيص، إذا عدل. و «عنها» حال منه، أي: من المحيص. و ليس صلة له، لأنّه اسم مكان. و إن جعل مصدر، فلا يعمل- أيضا- فيما قبله.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا، أي: وعده وعدا، و حقّ ذلك حقّا.

فالأوّل، مؤكّد لنفسه. لأنّه مضمون الجملة الاسميّة الّتي قبلها. و الثّاني، مؤكّد لغيره.

و يجوز أن ينتصب الموصول بفعل يفسّره ما بعده و «وعد اللّه» بقوله: «سندخلهم» لأنّه بمعنى: نعدهم إدخالهم. و «حقّا» على أنّه حال من المصدر.

وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122): جملة مؤكّدة بليغة.

و المقصود من الآية، معارضة المواعيد الشّيطانيّة الكاذبة لقرنائه بوعد اللّه الصّادق لأوليائه، و المبالغة في توكيده ترغيبا للعباد في تحصيله.

لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ‏:

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: ليس ما تمنّون أنتم و لا أهل الكتاب، أي: أن لا

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 276، ح 277.

(2) تفسير القمي 1/ 153.

 

545
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 114 الى 123] ص : 537

تعذّبون بأفعالكم.

قيل‏ «1»: روي‏ أنّ المسلمين و أهل الكتاب افتخروا. فقال أهل الكتاب: «نبيّنا قبل نبيّكم. و كتابنا قبل كتابكم. و نحن أولى باللّه منكم.» و قال المسلمون: «نحن أولى منكم. نبيّنا خاتم النّبيّين. و كتابنا يقضي على الكتب المتقدّمة.» فنزلت.

و قيل‏ «2»: الخطاب مع المشركين. و يدلّ عليه ما تقدّم ذكرهم، أي: ليس الأمر بأماني المشركين. و هو قولهم: لا جنّة و لا نار. و قولهم: إن كان الأمر كما يزعم هؤلاء، لنكوننّ خيرا منهم و أحسن حالا. و لا أماني أهل الكتاب. و هو قولهم‏ «3»: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى‏. و قولهم‏ «4»: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً..

مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏: عاجلا أو آجلا.

و في عيون الأخبار «5»: في باب قول الرّضا- عليه السّلام- لأخيه زيد بن موسى حين افتخر على من في مجلسه، بإسناده إلى أبي الصّلت الهرويّ قال: سمعت الرّضا- عليه السّلام- يحدّث عن أبيه‏ أنّ إسماعيل قال للصّادق- عليه السّلام-: يا أبتاه، ما تقول في المذنب منّا و من غيرنا؟

فقال- عليه السّلام-: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏.

و في مجمع البيان‏ «6»: عن أبي هريرة قال‏: لمّا نزلت هذه الآية بكينا و حزنا، و قلنا: يا رسول اللّه، ما أبقت هذه الآية من شي‏ء.

فقال: أما و الّذي نفسي بيده، إنّها لكما أنزلت. و لكن أبشروا و قاربوا و سدّدوا أنّه لا يصيب أحدا منكم مصيبة إلّا كفّر اللّه بها خطيئة حتّى الشّوكة يشاكها أحدكم في قدمه.

و في تفسير العيّاشي‏ «7»: عن الباقر- عليه السّلام-: لمّا نزلت هذه الآية مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏ قال بعض أصحاب رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: ما أشدّها من‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 245.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) البقرة/ 111.

(4) البقرة/ 80.

(5) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 236، ح 5.

(6) مجمع البيان 2/ 115.

(7) تفسير العياشي 1/ 277، ح 278.

 

546
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

 

آية! فقال لهم رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أما تبتلون في أموالكم و أنفسكم و ذراريّكم؟

قالوا: بلى.

قال: هذا ممّا يكتب اللّه لكم به الحسنات و يمحو به السّيّئات.

و في الكافي‏ «1»، عنه- عليه السّلام-: إنّ اللّه- تعالى- إذا كان من أمره أن يكرم عبدا و له ذنب ابتلاه بالسّقم. فإن لم يفعل ذلك به ابتلاه بالحاجة. فإن لم يفعل ذلك به شدّد عليه الموت ليكافئه بذلك الذّنب.

(الحديث).

وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً (123)، أي: وليّا يواليه و نصيرا ينصره في دفع العذاب عنه.

وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ‏: بعضها أو شيئا منها. فإنّ كلّ أحد لا يتمكّن من كلّها.

مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏: في موضع الحال من المستكنّ في «من يعمل» و «من» للبيان. أو «من الصّالحات»، أي: كائنة من ذكر أو أنثى. و «من» للابتداء.

وَ هُوَ مُؤْمِنٌ‏: حال. شرط اقتران العمل بها في استدعاء الثّواب المذكور، تنبيها على أنّه لا اعتداد به دونه.

فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124): بنقص شي‏ء من الثّواب.

و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و أبو بكر: «يدخلون الجنّة» هنا و في غافر و مريم، بضمّ الياء، و فتح الخاء. و الباقون، بفتح الياء، و ضمّ الخاء «2».

وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ‏: أخلص نفسه للّه، لا يعرف لها ربّا سواه.

و قيل‏ «3»: بذل وجهه له في السّجود. و في الاستفهام، تنبيه على أنّ ذلك ما تبلغه القوّة البشريّة.

______________________________
(1) الكافي 2/ 444، ح 1.

(2) أنوار التنزيل 1/ 246.

(3) نفس المصدر و الموضع.

 

547
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

 

وَ هُوَ مُحْسِنٌ‏: آت بالحسنات. تارك للسّيّئات.

و في مجمع البيان‏ «1»: و روي‏ أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- سئل عن الإحسان فقال: أن تعبد اللّه كأنّك تراه. فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.

وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ‏: الموافقة لدين الإسلام، المتّفق على صحّتها، يعني:

اقتد بدينه و سيرته و طريقته.

حَنِيفاً: مائلا عن سائر الأديان. و هو حال، من المتّبع. أو، من الملّة.

أو، إبراهيم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2» قال: هي العشرة الّتي جاء بها إبراهيم، الّتي لم تنسخ إلى يوم القيامة.

وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا (125): اصطفاه و خصّصه بكرامة الخلّة.

و إنّما ذكره و لم يضمر، تفخيما له، و تنصيصا على أنّه الممدوح.

قيل‏ «3»: و «الخلّة» إمّا من الخلال، فإنّه ودّ تخلّل النّفس و يخالطها. أو من الخلل، فإنّ كلّ واحد من الخليلين يسدّ خلل الآخر. أو من الخلّ، و هو الطّريق في الرّمل. فإنّهما يتوافقان في الطّريقة. أو من الخلّة، بمعنى: الخصلة، فإنّهما يتوافقان في الخصال.

و الجملة استئناف. جي‏ء بها للتّرغيب في اتّباع ملّته، و الإيذان بانّه نهاية في الحسن و غاية في كمال البشر.

في روضة الكافي‏ «4»: أبان بن عثمان، عن محمّد بن مروان، عمّن رواه، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لمّا اتّخذ اللّه- عزّ و جلّ- إبراهيم خليلا أتاه بشراه بالخلّة.

فجاءه ملك الموت في صورة شاب أبيض عليه ثوبان أبيضان يقطر رأسه ماء و دهنا. فدخل إبراهيم- عليه السّلام- الدّار. فاستقبله خارجا من الدّار. و كان إبراهيم- عليه السّلام- رجلا غيورا. و كان إذا خرج في حاجة أغلق بابه و أخذ مفتاحه معه ثمّ رجع ففتح. فإذا هو برجل قائم أحسن ما يكون من الرّجال. فأخذ بيده و قال: يا عبد اللّه من أدخلك داري؟

فقال: ربّها أدخلنيها.

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 116.

(2) تفسير القمي 1/ 153 و 391.

(3) أنوار التنزيل 1/ 246.

(4) الكافي 8/ 392، ح 589.

 

 

548
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

فقال: ربّها أحقّ بها منّي، فمن أنت؟

قال: أنا ملك الموت.

ففزع إبراهيم- عليه السّلام- و قال: جئتني لتسلبني روحي؟

قال: لا، و لكن اتّخذ اللّه عبدا خليلا، فجئت لبشارته.

قال: فمن هو لعلّي أخدمه حتّى أموت؟

قال: أنت هو. فدخل على سارة فقال لها: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- اتّخذني خليلا.

و في كتاب الاحتجاج‏ «1»، للطّبرسي- رحمه اللّه- في حديث طويل للنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- يقول فيه- عليه السّلام-: قولنا: «إنّ إبراهيم خليل اللّه» فإنّما هو مشتقّ من الخلّة. و الخلّة إنّما معناها: الفقر و الفاقة. فقد كان خليلا إلى ربّه فقيرا، و إليه منقطعا، و عن غيره متعفّفا معرضا مستغنيا. و ذلك أنّه لمّا أريد قذفه في النّار فرمي به في المنجنيق، فبعث اللّه إلى جبرئيل، فقال له: أدرك عبدي. فجاءه فلقيه في الهواء، فقال: كلّفني ما بدا لك، فقد بعثني اللّه لنصرتك.

فقال: بل حسبي اللّه و نعم الوكيل، إنّي لا أسأل غيره و لا حاجة لي إلّا إليه.

فسمّاه خليله، أي: فقيره و محتاجه و المنقطع إليه عمّا سواه.

قال: فإذا جعل معنى ذلك من الخلّة. و هو أنّه قد تخلّل معانيه و وقف على أسرار لم يقف عليها غيره كان معناه: العالم به و بأموره. و لا يوجب ذلك تشبيه اللّه بخلقه. ألا ترون أنّه إذا لم ينقطع إليه لم يكن خليله، و إذا لم يعلم بأسراره لم يكن خليله؟

و في عيون الأخبار «2»، في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من العلل، بإسناده إلى الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- قال: سمعت أبي يحدّث، عن أبيه- عليه السّلام- أنّه قال‏: إنّما اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا، لأنّه لم يردّ أحدا و لم يسأل أحدا قطّ غير اللّه.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «3»، بإسناده إلى ابن أبي عمير عمّن ذكره قال: قلت‏

______________________________
(1) الاحتجاج 1/ 19.

(2) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 75، ح 4.

(3) علل الشرائع 1/ 34، ح 1.

 

549
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

لأبي عبد اللّه- عليه السّلام-: لِمَ اتّخذ اللّه- عزّ و جلّ- إبراهيم خليلا؟

قال: لكثرة سجوده على الأرض.

و بإسناده إلى سهل بن زياد الآدمي‏ «1»، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ قال:

سمعت عليّ بن محمّد العسكريّ- عليه السّلام- يقول‏: إنّما اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا [لكثرة صلاته على محمّد و أهل بيته- صلوات اللّه عليهم-.

و بإسناده إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ‏ «2» قال: سمعت رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقول‏: ما اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا] «3» إلّا لإطعام الطّعام و صلاته باللّيل و النّاس نيام.

و بإسناده إلى عبد اللّه بن الهلال‏ «4»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: لمّا جاء المرسلون إلى إبراهيم- عليه السّلام- جاءهم بالعجل. فقال: كلوا.

فقالوا: لا نأكل حتّى تخبرنا ما ثمنه؟

فقال: إذا أكلتم فقولوا: باسم اللّه، و إذا فرغتم فقولوا: الحمد للّه.

فقال: فالتفت جبرئيل إلى أصحابه و كانوا أربعة جبرئيل رئيسهم. فقال: حقّ اللّه أن يتّخذ هذا خليلا. «5»

و في الكافي‏ «6»: عليّ بن محمّد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن معاوية بن عمّار، عن زيد الشّحّام، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّ إبراهيم- عليه السّلام- كان أبا أضياف، فكان إذا لم يكونوا عندهم خرج يطلبهم و أغلق بابه و أخذ المفاتيح يطلب الأضياف، و إنّه رجع إلى داره فإذا هو برجل أو شبه رجل في الدّار.

فقال: يا عبد اللّه، بإذن من دخلت هذه الدّار؟

قال: دخلتها بإذن ربّها- يردّد ذلك ثلاث مرّات- فعرف إبراهيم‏

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 34، ح 3.

(2) نفس المصدر 1/ 35، ح 4.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 6.

(5) و في المصدر للرواية ذيل هكذا:

قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: لمّا ألقي إبراهيم- عليه السّلام- في النار تلقاه جبرئيل- عليه السّلام- في الهواء و هو يهوي. فقال: يا إبراهيم أ لك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا.

(6) الكافي 4/ 40، ح 6.

 

550
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

- عليه السّلام- أنّه جبرئيل- عليه السّلام- فحمد ربّه. ثمّ قال: أرسلني ربّي إلى عبد من عبيده يتّخذه خليلا.

قال إبراهيم- عليه السّلام-: فعلّمني من هو، أخدمه حتّى أموت؟

قال: فأنت. قال: و ممّ ذلك؟

قال: لأنّك لم تسأل أحدا شيئا قطّ، و لم تسأل شيئا قطّ، فقلت: لا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: حدّثني أبي، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام-: أنّ إبراهيم- عليه السّلام- هو أوّل من حوّل له الرّمل دقيقا. و ذلك أنّه قصد صديقا له بمصر في قرض طعام. فلم يجده في منزله.

فكره أن يرجع بالحمار خاليا. فملأ جرابه رملا. فلمّا دخل بمنزله خلا بين الحمار و بين سارة استحياء منها. و دخل البيت و نام. ففتحت سارة عن دقيق أجود ما يكون. فخبزت و قدّمت إليه طعاما طيّبا.

فقال إبراهيم: من أين لك هذا؟

فقالت: من الدّقيق الّذي حملته من عند خليلك المصريّ.

فقال إبراهيم: أما إنّه خليلي، و ليس بمصريّ. فلذلك أعطي الخلّة. فشكر اللّه و حمده فأكل.

و في أصول الكافي‏ «2»: محمّد بن الحسن، عمّن ذكره، عن محمّد بن خالد، عن محمّد بن سنان، عن زيد الشّحّام قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- اتّخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتّخذه نبيّا. و إنّ اللّه اتّخذه نبيّا قبل أن يتّخذه رسولا. و إنّ اللّه اتّخذه رسولا قبل أن يتّخذه خليلا. و إن اللّه اتّخذه خليلا قبل أن يتّخذه إماما. و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في كتاب الاحتجاج‏ «3»، للطّبرسي- رحمه اللّه-، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل في مكالمة له بينه و بين اليهود، و فيه: قالوا: إبراهيم خير منك.

قال و لِمَ ذاك؟

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 153.

(2) الكافي 1/ 175، ح 2.

(3) الاحتجاج 1/ 56.

 

551
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

قالوا: لأنّ اللّه اتّخذه خليلا.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: إن كان إبراهيم- عليه السّلام- خليلا، فأنا حبيبه محمّد.

و في مجمع البيان‏ «1» و قد روي أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال‏: قد اتّخذ اللّه صاحبكم خليلا، يعني: نفسه.

و في بعض الرّوايات‏ «2»: أنّ الملائكة قال بعضهم لبعض: اتّخذ ربّنا من نطفة خليلا، و قد أعطاه ملكا عظيما جزيلا. فأوحى اللّه إلى الملائكة: اعمدوا على أزهدكم و رئيسكم. فوقع الاتّفاق على جبرئيل و ميكائيل فنزلا إلى إبراهيم في يوم جمع غنمه.

و كان لإبراهيم أربعة آلاف راع و أربعة آلاف كلب في عنق كلّ كلب طوق وزن من ذهب أحمر، و أربعون ألف غنمة حلابة، و ما شاء اللّه من الخيل و الجمال. فوقف الملكان في طرفي الجمع.

فقال أحدهما بلذاذة صوت: سبّوح قدّوس. فجاوبه الثّاني: ربّ الملائكة و الرّوح.

فقال: أعيداهما، و لكما نصف مالي. ثمّ قال: أعيداهما، و لكما مالي و ولدي و جسدي. فنادت ملائكة السّموات: هذا هو الكرم. هذا هو الكرم. فسمعوا مناديا من العرش يقول: الخليل موافق لخليله.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: خلقا و ملكا. يختار منها ما يشاء، و من يشاء.

و قيل‏ «3»: هو متّصل بذكر العمّال‏ «4»، مقرّر لوجوب طاعته على أهل السّموات و الأرض و كمال قدرته على مجازاتهم على الأعمال.

وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطاً (126): علما و قدرة. فكان عالما بأعمالهم الخير و الشّرّ، قادرا على جزائهم، فيجازيهم عليهما ما وعد و أوعد.

وَ يَسْتَفْتُونَكَ‏: و يسألونك الفتوى، أي: تبيين الحكم.

فِي النِّساءِ: في ميراثهنّ.

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 117.

(2) تفسير الصافي 1/ 467- 468.

(3) أنوار التنزيل 1/ 246.

(4) ر: الأعمال.

552
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

قيل‏ «1»: إذ سبب نزوله أنّ عيينة بن الحصين أتى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: أخبرنا أنّك تعطي الابنة النّصف و الأخت النّصف، إنّما نورث من يشهد القتال و يجوز الغنيمة.

فقال- عليه السّلام-: كذلك أمرت.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: و في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قوله: يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ فإنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- سئل عن النّساء و ما لهنّ من الميراث؟ فأنزل اللّه الرّبع و الثّمن.

قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ‏: يبيّن لكم حكمه فيهنّ.

و «الإفتاء» تبيين المبهم.

وَ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ‏: عطف على اسم «اللّه» أو ضميره المستكنّ في «يفتيكم». و جاز للفصل، فيكون الإفتاء مستندا إلى اللّه و إلى ما في القرآن، من نحو قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ‏. و الفعل الواحد ينسب إلى فاعلين باعتبارين مختلفين، و نظيره:

أغناني زيد و عطاؤه. أو استئناف معرض لتعظيم المتلوّ عليهم، على أنّ‏ ما يُتْلى‏ عَلَيْكُمْ‏ مبتدأ و «في الكتاب» خبره. و المراد به، اللّوح المحفوظ. و يجوز أن ينتصب، على معنى:

و يبيّن لكم ما يتلى عليكم في الكتاب. أو يخفض، على القسم. كأنّه قيل‏ «3»: و أقسم بما يتلى عليكم في الكتاب. و لا يجوز عطفه على المجرور في «فيهنّ» لاختلاله لفظا و معنى.

فِي يَتامَى النِّساءِ: صلة «يتلى» إن عطف الموصول على ما قبله، أي: يتلى عليكم في شأنهنّ. و إلّا فبدل من «فيهنّ». أو صلة أخرى «ليفتيكم» على معنى: اللّه يفتيكم فيهنّ بسبب يتامى النّساء. كما تقول: كلّمتك اليوم في زيد. و هذه الإضافة بمعنى: من. لأنّها إضافة الشّي‏ء إلى جنسه.

و قرئ: «ييامى» على أنّه «أيامى» فقلبت همزته ياء «4».

اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَ‏: لا تعطونهنّ.

ما كُتِبَ لَهُنَ‏: ما فرض لهنّ من الميراث.

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 247.

(2) تفسير القمّي 1/ 153- 156.

(3) أنوار التنزيل 1/ 247.

(4) نفس المصدر و الموضع.

553
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

في مجمع البيان‏ «1»: عن الباقر- عليه السّلام-: كان أهل الجاهليّة لا يورثون الصّغير و لا المرأة، و يقولون: لا نورث إلّا من قاتل و دفع عن الحريم. فأنزل اللّه- تعالى- آيات الفرائض الّتي في أوّل السّورة. و هو معنى قوله: لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2» زيادة و هي قوله: و كانوا يرون ذلك حسنا في دينهم.

فلمّا أنزل اللّه فرائض المواريث وجدوا من ذلك وجدا شديدا، فقالوا: انطلقوا إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فنذكر ذلك لعلّه يدعه أو يغيّره. فأتوه فقالوا: يا رسول اللّه، للجارية نصف ما ترك أبوها و أخوها و يعطى الصّبيّ الصّغير الميراث، و ليس واحد منهما يركب الفرس و لا يجوز الغنيمة و لا يقاتل العدوّ.

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: بذلك أمرت.

وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ‏:

قيل‏ «3»: في أن تنكحوهنّ. أو عن أن تنكحوهنّ. فإنّ أولياء اليتامى كانوا يرغبون فيهنّ إن كنّ جميلات و يأكلون ما لهنّ. و إلّا كانوا يعضلونهنّ طمعا في ميراثهنّ.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: إنّ الرّجل كان في حجره اليتيمة، فتكون دميمة و ساقطة، يعني: حمقاء. فيرغب الرّجل أن يتزوّجها، و لا يعطيها ما لها فينكحها غيره من أجل مالها، و يمنعها النّكاح و يتربّص بها الموت ليرثها. فنهى اللّه عن ذلك.

و «الواو» يحتمل الحال، على تقدير مبتدأ.

و العطف، وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ‏: عطف على «يتامى النّساء».

مِنَ الْوِلْدانِ‏: في موضع الحال من «المستضعفين». أو ضميره. و يحتمل الصّفة. و العرب ما كانوا يورثونهم كما ذكر.

وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى‏ بِالْقِسْطِ: عطف على «يتامى النّساء». أو «المستضعفين»، أي: و يفتيكم. أو ما يتلى عليكم في أن تقوموا. هذا إذا جعلت «في يتامى» صلة لأحدهما. و إن جعلته بدلا فالوجه نصبهما، عطفا على موضع «فيهنّ».

______________________________
(1) مجمع البيان 2/ 118.

(2) تفسير القمي 1/ 154.

(3) أنوار التنزيل 1/ 247.

(4) تفسير القمي 1/ 154.

554
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

و قيل‏ «1»: و يجوز أن ينتصب.

و «أن تقوموا» بإضمار فعل، أي: و يأمركم أن تقوموا.

وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ: في أمر النّساء، و اليتامى، و غير ذلك.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127): وعد لمن أثر الخير في ذلك.

وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها: توقّعت منه، لما ظهر لها من المخايل.

و «امرأة» فاعل فعل، يفسّره الظّاهر.

نُشُوزاً: تجافيا عنها، و ترفّعا عن صحبتها، و كراهة لها، و منعا لحقوقها.

أَوْ إِعْراضاً: بأن يقلّ مجالستها و محادثتها.

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً: أن يتصالحا بأن تحطّ له بعض المهر، أو القسم، أو تهب له شيئا تستميله به.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: نزلت في ابنة محمّد بن مسلمة [كانت امرأة رافع بن خديج، و كانت امرأة قد دخلت في السّنّ، فتزوّج امرأة شابّة كانت أعجب إليه من ابنة محمّد بن مسلمة. فقالت له بنت محمّد بن مسلمة:] «3».

ألا أراك معرضا عنّي، مؤثرا عليّ؟

فقال رافع: هي امرأة شابّة. و هي أعجب إليّ منك. فإن شئت أقررت لها على أنّ لها يومين أو ثلاثة منّي و لك يوم واحد.

فأبت ابنة محمّد بن مسلمة أن ترضاها. فطلّقها تطليقة واحدة ثمّ طلّقها أخرى.

فقالت: لا و اللّه لا أرضى أو تسوّي بيني و بينها. يقول اللّه: وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ‏ و ابنة محمّد لم تطب نفسها بنصيبها و شحّت عليه. فأعرض عليها رافع. إمّا أن ترضى. و إمّا أن يطلّقها الثّالثة. فشحّت على زوجها و رضيت فصالحته على ما ذكرت.

فقال اللّه- عزّ و جلّ-: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ. فلمّا رضيت و استقرّت لم يستطع أن يعدل بينهما. فنزلت‏ وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ أن تأتي واحدة و تذر الأخرى لا أيّم و لا ذات بعل.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 247.

(2) تفسير القمي 1/ 154.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

555
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 124 الى 128] ص : 547

و في تفسير العيّاشي‏ «1»: عن أحمد بن محمّد، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في قول اللّه: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً قال: النّشوز، الرّجل يهمّ بطلاق امرأته، فتقول له: أدع ما على ظهرك و أعطيك كذا و كذا. و أحلّلك من يومي و ليلتي على ما اصطلحا عليه، فهو جائز.

و في الكافي‏ «2»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً.

فقال: إذا كان كذلك فهمّ بطلاقها فقالت له: امسكني و أدع لك بعض ما عليك، و أحلّلك من يومي و ليلتي. حلّ له ذلك، و لا جناح عليهما.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «3»، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبيّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- تبارك و تعالى-: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً.

فقال: هي المرأة تكون عند الرّجل فيكرهها، فيقول لها: إنّي أريد أن أطلّقك.

فتقول له: لا تفعل، إنّي أكره أن يشمت بي، و لكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت و ما كان سوى ذلك من شي‏ء فهو لك و دعني على حالتي. و هو قوله- تبارك و تعالى-:

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً. و هو هذا الصّلح.

حميد بن زياد، عن ابن سماعة «4»، عن الحسين بن هاشم، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: سألته عن قول اللّه- جلّ اسمه-: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً.

قال: هذا يكون عند المرأة لا تعجبه فيريد طلاقها، فتقول له: أمسكني و لا تطلّقني و أدع لك ما على ظهرك و أعطيك من مالي و أحلّلك من يومي و ليلتي. فقد طاب ذلك كلّه.

وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ: من الفرقة. أو سوء العشرة. أو من الخصومة. و لا يجوز أن يكون المراد أنّه من الخيور، كما أنّ الخصومة من الشّرور. و هو اعتراض. و كذا قوله:

______________________________
(1) تفسير العياشي 1/ 278، ح 281.

(2) الكافي 6/ 145، ح 1.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

(4) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

556
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

 

وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ‏: و لذلك اغتفر عدم تجانسهما. و الأوّل، للتّرغيب في المصالحة. و الثّاني، لتمهيد العذر في المماكسة.

و معنى إحضار الأنفس الشّحّ: جعلها حاضرة له، مطبوعة عليه، فلا تكاد المرأة تسمح بالإعراض عنها و التّقصير في حقّها، و لا الرّجل يسمح بأن يمسكها و يقوم بحقّها على ما ينبغي إذا كرهها أو أحبّ غيرها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: قال: وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ‏. فمنها من اختارته، و منها من لم تختره.

وَ إِنْ تُحْسِنُوا: في العشرة.

وَ تَتَّقُوا: النّشوز و الإعراض و نقص الحقّ.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ‏: من الإحسان و الخصومة.

خَبِيراً (128): عالما به و بالغرض منه، فيجازيكم عليه. أقام كونه عالما بأعمالهم مقام مجازاته لهم، الّذي هو في الحقيقة جواب الشّرط، إقامة السّبب مقام المسبّب.

وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ: أن تسوّوا بينهنّ في المحبّة و المودّة بالقلب. لأنّ العدل أن لا يقع ميل ألبتّة. و هو متعذّر و لذلك‏

كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- يقسم بين نسائه فيعدل و يقول: هذه قسمتي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك و لا أملك.

على ما نقل‏ «2».

و في تفسير العيّاشي‏ «3»: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال‏: يعني: في المودّة.

و كذا في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4» عنه- عليه السّلام-.

و في مجمع البيان‏ «5»: عن الصّادق و الباقر- عليهما السّلام-: أنّ معناه: التّسوية في كلّ الأمور من جميع الوجوه، من النّفقة و الكسوة و العطيّة و المسكن و الصّحبة و البشر و غير ذلك. و المراد به، أنّ ذلك لا يخفّف عليكم بل يثقّل و يشقّ لميلكم إلى بعضهنّ.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 155.

(2) ر. أنوار التنزيل 1/ 248.

(3) تفسير العياشي 1/ 279، ح 285.

(4). 1/ 155.

(5) مجمع البيان 2/ 121.

 

557
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

 

وَ لَوْ حَرَصْتُمْ‏: على تحرّي ذلك، و بالغتم.

فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ‏: بترك المستطاع، و الجور على المرغوب عنها. فإنّ ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه.

فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ: الّتي ليست ذات بعل، و لا مطلّقة.

و في مجمع البيان‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام- عن آبائه- عليهم السّلام-:

أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهنّ.

قال: و روي‏ أنّ عليّا- عليه السّلام- كان له امرأتان. فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضّأ في بيت الأخرى.

وَ إِنْ تُصْلِحُوا: ما كنتم تفسدون من أمورهنّ.

وَ تَتَّقُوا: فيما يستقبل.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129): يغفر لكم ما مضى من ميلكم.

وَ إِنْ يَتَفَرَّقا:

و قرئ: و إن يتفارقا، أي: و إن يفارق كلّ واحد منهما صاحبه‏ «2».

يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا: من الآخر ببدل، أو سلوة.

مِنْ سَعَتِهِ‏: من غناه و قدرته.

وَ كانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130): مقتدرا متقنا في أفعاله و أحكامه.

و في الكافي‏ «3» بإسناده إلى ابن أبي ليلى قال: حدّثني عاصم بن حميد قال‏: كنت عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام-. فأتاه رجل. فشكى إليه الحاجة. فأمره بالتّزويج.

قال: فاشتدّت الحاجة. فأتى أبا عبد اللّه- عليه السّلام-. فسأله عن حاله.

فقال: اشتدّت بي الحاجة.

قال: ففارق. ثمّ أتاه فسأله عن حاله.

فقال: أثريت و حسن حالي.

فقال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّي أمرتك بأمرين أمر اللّه بهما، قال اللّه- عزّ و جلّ-: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ‏ إلى قوله: وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ‏ و قال:

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) أنوار التنزيل 1/ 248.

(3) الكافي 5/ 331، ح 6.

 

 

558
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: تنبيه على كمال قدرته و سعته.

و أنّه لا يتعذّر عليه الإغناء بعد الفرقة و الإيناس بعد الوحشة.

وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏: من اليهود و النّصارى و من قبلهم. و «الكتاب» للجنس. و «من» متعلّقة «بوصّينا» أو «بأوتوا».

وَ إِيَّاكُمْ‏: عطف على «الّذين أوتوا».

أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ‏: بأن اتّقوا اللّه. و يجوز أن يكون «أن» مفسّرة. لأنّ التّوصية في معنى القول.

في مصباح الشّريعة «1»: قال الصّادق- عليه السّلام-. و قد جمع اللّه ما يتواصى به المتواصون من الأوّلين و الآخرين في خصلة واحدة، و هي التّقوى [يقول اللّه تعالى: وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ.] «2» و فيه جماع كلّ عبادة صالحة. و به وصل من وصل إلى الدّرجات العلى.

وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: على إرادة القول، أي: و قلنا لهم و لكم: إن تكفروا فإنّ اللّه مالك الملك كلّه. لا يتضرّر بكفركم و معاصيكم. كما لا ينتفع بشكركم و تقواكم. و إنّما وصّاكم لرحمته لا لحاجته. ثمّ قرّر ذلك بقوله: وَ كانَ اللَّهُ غَنِيًّا: عن الخلق و عبادتهم.

حَمِيداً (131): في ذاته، حمد أو لم يحمد.

وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: كلّ مخلوق يدلّ بحاجته على غناه، و بما فاض عليه من الوجود و الكمال على كونه حميدا.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا (132):

قيل‏ «3»: أي: حافظا للجميع لا يعزب عنه مثقال ذرّة فيهما.

و قيل‏ «4»: راجع إلى قوله: يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ‏ فإنّه يوكل بكفايتهما. و ما بينهما تقرير لذلك.

______________________________
(1) شرح فارسي مصباح الشريعة و مفتاح الحقيقة/ 405.

(2) من المصدر.

(3) أنوار التنزيل 1/ 249.

(4) نفس المصدر و الموضع.

559
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ‏: يفنكم. و مفعول «يشأ» محذوف، دلّ عليه الجواب.

وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ‏: و يوجد قوما آخرين مكانكم. أو خلفاء آخرين مكان الإنس.

وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ ذلِكَ‏: من الإعدام و الإيجاد.

قَدِيراً (133): بليغ القدرة، لا يعجزه مراده.

قيل‏ «1»: و هذا- أيضا- تقرير لغناه و قدرته، و تهديد لمن كفر و خالف أمره.

و الظّاهر، أنّه خطاب لمن عادى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- من العرب.

و معناه معنى قوله: وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ‏ لما

قال في مجمع البيان‏ «2»: و يروى‏ أنّه لمّا نزلت هذه الآية ضرب النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- يده على ظهر سلمان- رضي اللّه عنه- و قال: هم قوم هذا، يعني: عجم الفرس.

مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا: كمن يجاهد للغنيمة.

فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ: فليطلب الثّوابين جميعا عند اللّه. و ما له يكتفي بأخسّهما و يدع أشرفهما؟ على أنّه لو طلب الأشرف لم يخطئه الأخسّ.

في كتاب الخصال‏ «3»: جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين- عليهم السّلام- قال‏: كانت الحكماء و الفقهاء إذا كاتب بعضهم بعضا كتبوا بثلاث ليس معهنّ رابعة: من كانت الآخرة همّه، كفاه اللّه همّه من الدّنيا. و من أصلح سريرته، أصلح اللّه [علانيته. و من أصلح فيه ما بينه و بين اللّه، أصلح اللّه‏] «4» فيما بينه و بين النّاس.

و في نوادر من لا يحضره الفقيه‏ «5»: و روي عن عليّ بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن الصّادق جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال‏: الدّنيا طالبة و مطلوبة، فمن طلب الدّنيا طلبه الموت حتّى يخرجه منها. و من طلب الآخرة، طلبته الدّنيا حتّى توفيه رزقه.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) مجمع البيان 2/ 122.

(3) الخصال 1/ 129، ح 133.

(4) ليس في أ.

(5) من لا يحضره الفقيه 4/ 293، ح 63.

560
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

و في كتاب علل الشّرائع‏ «1»، بإسناده إلى محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن محمّد بإسناده رفعه. قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- لبعض اليهود و قد سأله مسائل:

و إنّما سمّيت الدّنيا دنيا، لأنّها أدنى من كلّ شي‏ء. و سمّيت الآخرة آخرة، لأنّ فيها الجزاء و الثّواب.

و بإسناده إلى عبد اللّه بن يزيد بن سلام‏ «2» أنّه سأل رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: له أخبرني عن الدّنيا لم سمّيت الدّنيا؟

قال: لأنّ الدّنيا دنيّة خلقت من دون الآخرة. و لو خلقت مع الآخرة لم يفن أهلها كما لا يفنى أهل الآخرة.

قال: فأخبرني لم سمّيت الآخرة آخرة؟

قال: لأنّها متأخّرة تجي‏ء من بعد الدّنيا، لا توصف سنينها و لا تحصى أيّامها و لا يموت سكّانها.

قال: صدقت يا محمّد.

و الحديثان طويلان، أخذت منهما موضع الحاجة.

[وَ كانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (134): عارفا بالأعراض فيجازى كلا بحسب قصده.] «3».

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ: مواظبين على العدل، مجتهدين في إقامته.

شُهَداءَ لِلَّهِ‏: بالحقّ، تقيمون شهاداتكم لوجه اللّه. و هو خبر ثان. أو حال.

وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ‏: و لو كانت الشّهادة على أنفسكم. بأن تقرّوا عليها. لأنّ الشّهادة بيان للحقّ، سواء كان عليه أو على غيره.

أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ‏، أي: و لو على والديكم و أقربيكم.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: قال أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ للمؤمن على المؤمن سبع حقوق. فأوجبها أن يقول الرّجل حقّا و إن كان على نفسه أو على والديه. فلا يميل لهم عن الحقّ.

______________________________
(1) علل الشّرائع 1/ 2، ح 1.

(2) نفس المصدر 2/ 470.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) تفسير القمي 1/ 156.

561
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

و في كتاب الخصال‏ «1»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: ثلاثة هم أقرب الخلق إلى اللّه- تعالى- يوم القيامة حتّى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه إلى أن يحيف على من تحت يديه. و رجل مشى بين اثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعيرة «2». و رجل قال الحقّ فيما له و عليه.

عن محمّد بن قيس‏ «3»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ للّه- تعالى- جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة: رجل حكم في نفسه بالحقّ.

(الحديث).

إِنْ يَكُنْ‏، أي: المشهود عليه. أو كلّ واحد من المشهود عليه. و من المشهود له.

غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً: فلا تمتنعوا عن إقامة الشّهادة. أو لا تجوروا فيها ميلا، أو ترحمّا.

فَاللَّهُ أَوْلى‏ بِهِما: بالغنيّ و الفقير، و بالنّظر لهما. فلو لم تكن الشّهادة عليهما أو لهما صلاحا، لما شرّعها. و هو علّة الجواب أقيمت مقامه. و الضّمير في «بهما» راجع إلى ما دلّ عليه المذكور، و هو جنسا الغنيّ و الفقير لا إليه، و إلّا لوحّد للتّرديد فيه بأو «و يشهد عليه أن قرئ: فاللّه أولى بهم‏ «4»».

فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا: لأن تعدلوا عن الحقّ. من العدول. أو كراهة أن تعدلوا. من العدل.

وَ إِنْ تَلْوُوا: ألسنتكم عن شهادة الحقّ.

و قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و الكسائيّ بإسكان اللّام، و بعدها واوان الأولى مضمومة و الثّانية ساكنة «5».

و قرئ: و إن تلوا، بمعنى: إن وليتم إقامة الشّهادة «6».

أَوْ تُعْرِضُوا: عن أدائها.

و في مجمع البيان‏ «7»: عن أبي جعفر- عليه السّلام-: إن تلووا، أي: تبدّلوا الشّهادة. أو تعرضوا، أي: تكتموها.

______________________________
(1) الخصال 1/ 81، ح 5.

(2) هكذا في المصدر و النسخ. و لعل الصواب: شعرة.

(3) نفس المصدر 1/ 131، ح 136.

(4) أنوار التنزيل 1/ 249.

5 و 6- نفس المصدر و الموضع.

(7) مجمع البيان 2/ 124.

562
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

و في أصول الكافي‏ «1»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في قوله- تعالى-: وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فقال: إن تلووا الأمر، أو تعرضوا عمّا أمرتم به‏ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (135): فيجازيكم عليه.

و في أصول الكافي‏ «2»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد. عن عليّ بن أسباط، عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية أنّه قال: و إن تلووا الأمر، أو تعرضوا عمّا أمرتم به في ولاية عليّ‏ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: بألسنتهم و ظاهرهم.

آمَنُوا: بقلوبكم و باطنكم.

و قيل‏ «3»: خطاب لمؤمني أهل الكتاب، إذ روي أنّ ابن سلام و أصحابه قالوا:

يا رسول اللّه، إنّا نؤمن بك و بموسى و التّوراة و عزير و نكفر بما سواه. فنزلت. فعلى هذا معنى آمنوا: آمنوا إيمانا عامّا، يعمّ الكتب و الرّسل.

و قيل‏ «4»: خطاب للمسلمين، أي: اثبتوا على الإيمان بذلك، و دوموا على الإيمان.

بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‏ رَسُولِهِ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ‏: و الكتاب الأوّل، القرآن. و الثّاني، الجنس.

و قرأ نافع و الكسائيّ: «الّذي نزّل، و الّذي أنزل» بفتح النّون و الهمزة و الزّاي.

و الباقون، بضمّ النّون و الهمزة و كسر الزّاي‏ «5».

وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ، أي: من يكفر بشي‏ء من ذلك.

فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (136): عن المقصد، بحيث لا يكاد يعود إلى طريقه.

______________________________
(1) الكافي 1/ 421، ح 45.

(2) نفس المصدر 1/ 421، ح 45.

(3) أنوار التنزيل 1/ 250.

(4) نفس المصدر و الموضع.

(5) نفس المصدر و الموضع.

563
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا: كاليهود، آمنوا بموسى.

ثُمَّ كَفَرُوا: حين عبدوا العجل.

ثُمَّ آمَنُوا: حين رجع إليهم.

ثُمَّ كَفَرُوا: بعيسى.

ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً: بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

و

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: نزلت في الّذين آمنوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إقرارا لا تصديقا، ثمّ كفروا لمّا كتبوا الكتاب فيما بينهم، أن لا يردّوا الأمر في أهل بيته أبدا. فلمّا نزلت الولاية «2» و أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- الميثاق عليهم لأمير المؤمنين- عليه السّلام- آمنوا إقرارا لا تصديقا، فلمّا مضى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- كفروا و ازدادوا كفرا.

و في أصول الكافي‏ «3»: الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن محمّد بن أورمة و عليّ بن عبد اللّه، عن عليّ بن حسّان، عن عبد الرّحمن بن كثير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- في هذه الآية قال: نزلت في فلان و فلان و فلان، آمنوا بالنّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- في أوّل الأمر، و كفروا حيث عرضت عليهم الولاية حين قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: من كنت مولاه. ثمّ آمنوا بالولاية لأمير المؤمنين- عليه السّلام- ثمّ كفروا حيث مضى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فلم يقرّوا بالبيعة، ثمّ ازدادوا كفرا بأخذهم من تابعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شي‏ء.

و في تفسير العيّاشي‏ «4»: عن جابر قال: قلت لمحمّد بن عليّ- عليهما السّلام-: قول اللّه في كتابه: الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا.

قال: هما و الثّالث و الرّابع و عبد الرّحمن و طلحة، و كانوا سبعة عشر رجلا. قال:

لمّا وجّه النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- عليّ بن أبي طالب- عليه السّلام- و عمّار بن ياسر- رحمه اللّه- إلى أهل مكّة قالوا: بعث هذا الصّبيّ، و لو بعث غيره- يا حذيفة- إلى أهل مكّة و في مكّة صناديدها. و كانوا [في مكّة] «5» يسمّون عليّا: الصّبيّ. لأنّه كان اسمه‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 156.

(2) أ: الآية.

(3) الكافي 1/ 420، ح 42.

(4) تفسير العياشي 1/ 279، ح 286.

(5) ليس في المصدر.

 

564
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

في كتاب اللّه الصّبيّ، لقول اللّه- عزّ و جلّ-: و من أحسن قولا ممن دعا إلى الله و عمل صالحا و هو صبي و قال إنني من المسلمين و اللّه الكفر بنا أولى ممّا نحن فيه. فساروا فقالوا لهما و خوّفوهما بأهل مكّة، فعرضوا لهما و خوّفوهما و غلّظوا عليهما الأمر.

فقال عليّ- عليه السّلام-: حسبنا اللّه و نعم الوكيل. و مضى. فلمّا دخلا مكّة أخبر اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه و آله- بقولهم لعليّ و بقول عليّ لهم. فأنزل اللّه بأسمائهم في كتابه. و ذلك قول اللّه‏ «1»: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ‏ إلى قوله: وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ. و إنّما نزلت «ألم تر» إلى فلان و فلان لقوا عليّا و عمّارا فقالا: إنّ أبا سفيان و عبد اللّه بن عامر و أهل مكّة قد جمعوا لكم فاخشوهم. فقالوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ..

و هما اللّذان قال اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا إلى آخر الآية، فهذا أوّل كفرهم. و الكفر الثّاني، قول النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: يطلع عليكم من هذا الشّعب رجل فيطلع عليكم بوجهه فمثله عند اللّه كمثل عيسى. لم يبق منهم أحد إلّا تمنّى أن يكون بعض أهله. فإذا بعليّ قد خرج و طلع بوجهه، قال: هو هذا. فخرجوا غضبانا و قالوا: ما بقي إلّا أن يجعله نبيّا. و اللّه الرّجوع إلى آلهتنا خير ممّا نسمع منه في ابن عمّه و ليصدّنا على أنّه دام هذا. فأنزل اللّه‏ «2»: وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ‏ إلى آخر الآية. فهذا الكفر الثّاني.

و زادوا الكفر حين قال اللّه‏ «3»: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ. فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: يا عليّ، أصبحت و أمسيت خير البريّة.

فقال له ناس: هو خير من نوح و إبراهيم و من الأنبياء؟ فأنزل اللّه‏ «4»: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ‏- إلى- سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏.

قالوا: فهو خير منك يا محمّد؟

قال: قال اللّه‏ «5»: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً. و لكنّه خير

______________________________
(1) آل عمران/ 173.

(2) الزخرف/ 57.

(3) البيّنة/ 7.

(4) آل عمران/ 33.

(5) الأعراف/ 158.

 

565
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

منكم، و ذرّيّته خير من ذرّيّتكم، و من اتّبعه خير ممّن اتّبعكم. فقاموا غضبانا و قالوا زيادة: الرّجوع إلى الكفر أهون علينا ممّا يقول في ابن عمّه. و ذلك قول اللّه: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً..

عن زرارة و حمران و محمّد بن مسلم‏ «1»، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السّلام- في هذه الآية [قال: نزلت في عبد اللّه بن أبي سرح الّذي بعثه عثمان إلى مصر. قال: و ازْدادُوا كُفْراً حتّى لم يبق فيه من الإيمان شي‏ء.

عن أبي بصير «2» قال: سمعته يقول‏ فيه هذه الآية:] «3» من زعم أنّ الخمر حرام ثمّ شربها، و من زعم أنّ الزّنا حرام ثمّ زنى، و من زعم أنّ الزّكاة حقّ و لم يؤدّها.

لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137): إذ يستبعد منهم أن يتولّوا عن الكفر و يثبتوا على الإيمان. فإنّ قلوبهم ضربت بالكفر و بصائرهم عميت. لا أنّهم لو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم و لم يغفر لهم. و خبر «كان» في أمثال ذلك محذوف. و تعلّق به اللّام، مثل: لم يكن اللّه مريدا ليغفر لهم.

بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138): وضع «بشّر» موضع «أنذر» تهكّم بهم.

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏: في محلّ النّصب، أو الرّفع على الذّمّ، يعني: أريد الّذين، أو هم الّذين.

أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ: أ يتعزّزون بموالاتهم.

فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139): لا يتعزّز إلّا من أعزّه، و قد كتب العزّة لأوليائه و قال: وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ لا يؤبه بعزّ غيرهم بالإضافة إليهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: نزلت في بني أميّة، حيث حالفوهم على أن لا يردّوا الأمر في بني هاشم.

وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ‏، يعني: القرآن.

و قرأ غير عاصم: «نزل» و القائم مقام فاعله‏ «5».

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 280، ح 287.

(2) نفس المصدر 1/ 281، ح 288.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(4) تفسير القمي 1/ 156.

(5) أنوار التنزيل 1/ 250.

566
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 129 الى 140] ص : 557

أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ‏: و هي المخفّفة، و المعنى: أنّه إذا سمعتم.

يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها: حالان من «الآيات» جي‏ء بهما لتقييد النّهي من المجالسة في قوله:

فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ‏: الّذي هو جزاء الشّرط، بما إذا كان من يجالسه هازئا معاندا غير مرجوّ، و يؤيّده الغاية. و هذا تذكار ما نزل عليهم بمكّة من قوله‏ «1»: وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا. (الآية) و الضّمير في «معهم» للكفرة المدلول عليهم بقوله: يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: آياتِ اللَّهِ‏ هم الأئمّة- عليهم السّلام-.

و في تفسير العيّاشي‏ «3»: عن محمّد بن الفضل، عن أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- في تفسيرها: إذا سمعت الرّجل يجحد الحقّ و يكذب به و يقع في أهله، فقم من عنده و لا تقاعده.

و في أصول الكافي‏ «4»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القسم بن يزيد قال: حدّثنا أبو عمرو الزّبيريّ، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- أنّه قال في حديث طويل: إنّ اللّه- تبارك و تعالى- فرض الإيمان على جوارح ابن آدم و قسّمه عليها و فرّقه فيها. و فرض على السّمع ان يتنزّه عن الاستماع إلى ما حرّم اللّه و أن يعرض عمّا لا يحلّ له ممّا نهى اللّه- عزّ و جلّ- عنه و الإصغاء إلى ما أسخط اللّه- عزّ و جلّ- فقال في ذلك: وَ قَدْ نَزَّلَ‏ إلى قوله: حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ. ثمّ استثنى اللّه- عزّ و جلّ- موضع النّسيان فقال: وَ إِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ..

عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد «5»، عن شعيب العقرقوفيّ قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها إلى آخر الآية.

فقال: إنّما عنى بهذا الرّجل يجحد الحقّ و يكذب به و يقع في الأئمّة، فقم من‏

______________________________
(1) الأنعام/ 68.

(2) تفسير القمي 1/ 156.

(3) تفسير العياشي 1/ 281، ح 290.

(4) الكافي 2/ 34- 35، ح 1.

(5) نفس المصدر 2/ 377، ح 8.

 

567
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

 

عنده و لا تقاعده كائنا من كان.

إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ‏: في الكفر إن رضيتم به، و إلّا ففي الإثم لقدرتكم على الإنكار و الإعراض.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «1»: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام- في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة: ففرض على السّمع أن لا تصغي به إلى المعاصي، فقال- عزّ و جلّ-: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ‏.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (140): فإذا كان القاعد معهم مثلهم و اللّه جامعهم في جهنّم، فيجمع القاعد معهم فيها.

و قيل‏ «2»: إنّ هذا يؤيّد أن يكون المراد بالقاعدين قوما من المنافقين. فعلى هذا يكون معناه: إنّ اللّه يجمع المنافقين، أي: القاعدين. و الكافرين، أي: المقعود معهم في جهنّم جميعا. و على هذا يلزم أن يكون قوله: «إذا» استدراكا، لأنّ المنافقين مثل الكافرين قعدوا معهم أم لم يقعدوا. «إذا» ملغاة لوقوعها بين الاسم و الخبر. و لذلك لم يذكر بعدها الفعل. و إفراد «مثلهم» لأنّه كالمصدر. أو بالاستغناء بالإضافة إلى الجمع.

و قرئ، بالفتح، على البناء لإضافته إلى مبنيّ. كقوله: مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ‏ «3».

الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ‏: ينتظرون وقوع أمر بكم. و هو بدل من «الّذين يتّخذون». أو صفة «للمنافقين و الكافرين». أو ذمّ مرفوع، أو منصوب. أو مبتدأ، خبره.

فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ‏: مظاهرين لكم، فأسهموا لنا فيما غنمتم.

وَ إِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ‏: من الحرب. فإنّها سجال.

قالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ‏، أي: أ لم نغلبكم و نتمكّن من قتلكم، فأبقينا

______________________________
(1) من لا يحضره الفقيه 2/ 382، ح 1.

(2) أنوار التنزيل 1/ 251.

(3) نفس المصدر و الموضع.

 

568
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

 

عليكم؟

و «الاستحواذ»، الاستيلاء. و كان القياس، استحاذ يستحيذ استحاذة.

فجاءت على الأصل.

وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏: بأن خذلناهم عنكم بتخييل ما ضعفت به قلوبهم، و توانينا في مظاهرتهم، فأشركونا فيما أصبتم. سمّى ظفر المسلمين «فتحا» و ظفر الكافرين «نصيبا» لخسّة نصيبهم. فإنّه مقصور على أمر دنيويّ سريع الزّوال.

فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ: يفصل بينكم بالحقّ.

وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141): بالحجّة، و إن جاز أن يغلبوهم بالقوّة.

و في عيون الأخبار «1»: حدّثنا تميم بن عبد اللّه بن تميم القرشي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثني أبي قال: حدّثني أحمد بن عليّ الأنصاريّ، عن أبي الصّلت الهرويّ قال: قلت للرّضا- عليه السّلام-: يا بن رسول اللّه، إنّ في سواد الكوفة قوما يزعمون أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لم يقع عليه السّهو في صلاته.

فقال: كذبوا- لعنهم اللّه- إنّ الّذي لا يسهو هو اللّه لا إله إلّا هو.

قال: قلت: يا بن رسول اللّه، و فيهم قوم يزعمون أنّ الحسين بن عليّ- عليهما السّلام- لم يقتل، و أنّه ألقى شبهه على حنظلة بن أسعد الشّاميّ، و أنّه رفع إلى السّماء كما رفع عيسى بن مريم- عليهما السّلام- و يحتجّون بهذه الآية وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا.

فقال: كذبوا- عليهم غضب اللّه و لعنته- و كفروا بتكذيبهم لنبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- في أخباره بأنّ الحسين- عليه السّلام- سيقتل. و اللّه لقد قتل الحسين و قتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين و الحسن بن عليّ- عليهم السّلام- و ما منّا إلّا مقتول، و إنّي و اللّه لمقتول بالسّمّ باغتيال من يغتالني، أعرف ذلك بعهد معهود إليّ من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- أخبره به جبرئيل عن ربّ العالمين- عزّ و جلّ-.

فأمّا قوله- عزّ و جلّ-: وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا فإنّه يقول: لن يجعل اللّه لهم على أنبيائه- عليهم السّلام- سبيلا من طريق الحجّة.

______________________________
(1) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 2/ 203، ح 5.

 

569
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ‏: سبق في سورة البقرة.

وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏: متثاقلين، على نحو المكره على الفعل.

و قرئ: «كسالى» بالفتح. و هما جمع، كسلان‏ «1».

في الكافي‏ «2»: سهل، عن ابن محبوب، عن سعد بن أبي خلف، عن أبي الحسن موسى- عليه السّلام- قال‏: قال أبي لبعض ولده: إيّاك و الكسل و الضّجر، فإنّهما يمنعانك من حظّك من الدّنيا و الآخرة.

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «3»، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: من كسل عن طهوره و صلاته، فليس فيه خير لأمر آخرته. و من كسل عمّا يصلح به أمر معيشته، فليس فيه خير لأمر دنياه.

عليّ بن محمّد رفعه‏ «4» قال: قال أمير المؤمنين عليّ- صلوات اللّه عليه-: إنّ الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل و الضّجر، فنتجا بينهما الفقر.

يُراؤُنَ النَّاسَ‏: ليخالوهم مؤمنين. و المراءاة، المفاعلة، بمعنى: التّفضيل.

كنعم، و ناعم. أو للمقابلة. فإنّ المرائي يرى من يرائيه عمله، و هو يريد استحسانه.

وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142): إذ المرائي لا يفعل إلّا بحضرة من يرائيه، و هو أقلّ أحواله. أو لأنّ ذكره باللّسان قليل بالإضافة إلى الذّكر بالقلب. و لا يذكرونه بالقلب. و إنّما يذكرونه باللّسان فقط للمراءاة. أو لأن ذكرهم اللّه بالقلب قليل، بالقياس إلى ما يخطر ببالهم من مراءاة من يراؤونه.

و قيل‏ «5»: المراد بالذّكر، الصّلاة.

و قيل‏ «6»: الذّكر فيها، فإنّهم لا يذكرون فيها غير التّكبير.

و في كتاب الخصال‏ «7»: عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قال لقمان لابنه:

يا بنيّ لكلّ شي‏ء علامة يعرف بها و يشهد عليها- إلى قوله-: و للمنافق ثلاث‏

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 251.

(2) الكافي 5/ 85، ح 2.

(3) نفس المصدر و الموضع، ح 3.

(4) نفس المصدر 5/ 86، ح 8.

(5) أنوار التنزيل 1/ 251.

(6) نفس المصدر و الموضع.

(7) الخصال 1/ 121، ح 113.

 

570
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

علامات: يخالف لسانه قلبه، و فعله قوله، و علانيته سريرته. و للكسلان ثلاث علامات:

يتوانى حتّى يفرّط، و يفرّط حتّى يضيّع، و يضيّع حتّى يأثم. و للمرائي ثلاث علامات:

يكسل إذا كان وحده، و ينشط إذا كان النّاس عنده، و يتعرّض في كلّ أمر للمحمدة.

و عن أبي الحسن الأوّل- عليه السّلام- «1» قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أربع خصال يفسدن القلب و ينبتن النّفاق في القلب كما ينبت الماء الشّجر: استماع اللّهو، و البذاء، و إتيان باب السّلطان، و طلب الصّيد.

و في كتاب علل الشّرائع‏ «2» بإسناده إلى زرارة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل‏، بقوله فيه: و لا تقم إلى الصّلاة متكاسلا و لا متناعسا و لا متثاقلا. فإنّها من خلال النّفاق. و قد نهي من خلال النّفاق. و قد نهى اللّه- عزّ و جلّ- أن يقوموا إلى الصلاة و هم سكارى، يعني: من النّوم. و قال للمنافقين: و إذا قاموا إلى الصّلاة قاموا كسالى يراؤون النّاس و لا يذكرون اللّه إلّا قليلا.

و في كتاب معاني الأخبار «3»: حدّثنا أبي- رضي اللّه عنه- قال: حدّثنا سعد بن عبد اللّه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن عبد اللّه بن سنان قال‏: كنّا جلوسا عند أبي عبد اللّه- عليه السّلام- إذا قال له رجل من الجلساء: جعلت فداك يا بن رسول اللّه، أخاف على أن أكون منافقا.

فقال له: إذا خلوت في بيتك ليلا أو نهارا، أليس تصلّي؟

فقال: بلى.

فقال: فلمن تصلّي؟

فقال: للّه- عزّ و جلّ-.

فقال: فكيف تكون منافقا و أنت تصلّي للّه- عزّ و جلّ- لا لغيره؟!

و في أصول الكافي‏ «4»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن سليمان بن عمرو عن أبي المغرا الخصّاف رفعه قال: قال أمير المؤمنين- عليه السّلام-: من ذكر اللّه- عزّ و جلّ- في السّرّ، فقد ذكر اللّه كثيرا. إنّ المنافقين كانوا يذكرون اللّه علانية و لا يذكرونه في السّرّ، فقال اللّه‏

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 227، ح 63.

(2) علل الشرائع 2/ 358، ح 1.

(3) معاني الأخبار/ 142.

(4) الكافي 2/ 501، ح 2.

 

571
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

- عزّ و جلّ-: يُراؤُنَ النَّاسَ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا.

الحسين بن محمّد، عن محمّد بن جمهور «1»، عن عبد اللّه بن عبد الرّحمن الأصمّ، عن الهيثم بن واقد، عن محمّد بن مسلم، عن ابن مسكان، عن أبي حمزة، عن عليّ بن الحسين- عليهما السّلام- قال‏: إنّ المنافق ينهى و لا ينتهي، و يأمر بما لا يأتي، و إذا قام إلى الصّلاة اعترض.

قلت: يا بن رسول اللّه، و ما الاعتراض؟

قال: الالتفات. و إذا ركع ربض. يمسي و همّه العشاء و هو مفطر. و يصبح و همّه النّوم و لم يسهر و إن حدّثك كذبك. و إن ائتمنته خانك. و إن غبت اغتابك. و إن وعدك أخلفك.

أبو عليّ الأشعريّ، عن الحسين بن عليّ الكوفي‏ «2»، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: مثل المنافق، مثل جذع أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنيانه فلم يستقم له في الموضع الّذي أراد، فحوّله في موضع آخر فلم يستقم، فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنّار.

مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ‏: حال من واو «يراؤون»، كقوله: و لا يذكرون، أي:

يراؤونهم غير ذاكرين مذبذبين. أو واو «يذكرون». أو منصوب على الذّمّ، و المعنى:

مردّدين بين الإيمان و الكفر. من الذّبذبة، و هو جعل الشّي‏ء مضطربا. و أصله، الذّبّ، بمعنى: الطّرد.

و قرئ، بكسر الذّال، بمعنى: يذبذبون قلوبهم، أو دينهم. أو يتذبذبون.

كقولهم: صلصل، بمعنى: تصلصل‏ «3».

و قرئ، بالدّال الغير المعجمة، بمعنى: أخذوا تارة في دبّة و تارة في دبّة أخرى.

و هي الطّريقة «4».

لا إِلى‏ هؤُلاءِ وَ لا إِلى‏ هؤُلاءِ: لا يصيرون إلى المؤمنين بالكليّة، و لا إلى الكافرين. كذلك يظهرون الإيمان كما يظهره المؤمنون، و لكن لا يضمرونه كما

______________________________
(1) نفس المصدر 2/ 396، ح 53.

(2) نفس المصدر و الموضع، ح 5.

(3) أنوار التنزيل 1/ 251.

(4) نفس المصدر 1/ 251- 252.

572
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

يضمرون. و يضمرون الكفر كما يضمره الكافرون، و لكن لا يظهرونه كما يظهرون.

وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143): إلى الحقّ و الصّواب. و نظيره قوله- تعالى-: وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏: فإنّه صنيع المنافقين و ديدنهم، فلا تتشبّهوا بهم.

أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (144): حجّة بيّنة، فإنّ موالاة الكافرين دليل على النّفاق. أو سلطانا يسلّط عليكم عقابه.

إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ: و هو الطّبقة الّتي في قعر جهنّم.

لأنّهم أخبث الكفرة، إذ ضمّوا إلى الكفر استهزاءا بالإسلام و خداعا للمسلمين. و للنّار دركات، و للجنّة درجات. و إنّما سمّيت طبقاتها دركات، لأنّها متداركة متتابعة بعضها فوق بعض.

و قرأ الكوفيّون، بسكون الرّاء. و هو لغة، كالسّطر و السّطر. و التّحريك أوجه، لأنّه يجمع على أدراك‏ «1».

و في كتاب الاحتجاج‏ «2»، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام-: معاشر النّاس، سيكون من بعدي أئمّة يدعون إلى النّار و يوم القيامة لا ينصرون. معاشر النّاس، إنّ اللّه و أنا بريئان منهم. معاشر النّاس، إنّهم و أنصارهم و أشياعهم و أتباعهم في الدّرك الأسفل من النّار و لبئس مثوى المتكبّرين.

وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145): يخرجهم منه.

[و في روضة الكافي‏ «3» بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و اعلم‏ «4» أنّ المنكرين هم المكذّبون، و أنّ المكذّبين هم المنافقون، و إنّ اللّه قال للمنافقين و قوله الحقّ: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً] «5».

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا: عن النّفاق.

______________________________
(1) نفس المصدر 1/ 252.

(2) الاحتجاج 1/ 78.

(3) الكافي 8/ 11، ضمن حديث 1.

(4) المصدر: اعلموا.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

573
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

وَ أَصْلَحُوا: ما أفسدوا من أسرارهم و أحوالهم في حال النّفاق.

وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ‏: وثقوا به، و تمسّكوا بدينه.

وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ‏: لا يريدون بطاعتهم إلّا وجهه.

فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ‏: و من عدادهم في الدّارين.

وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146): فيساهمونهم فيه.

ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ‏، أي: أ يتشفّى‏ «1» به غيظا، أو يدفع به ضررا، أو يستجلب به نفعا؟ سبحانه هو الغنيّ المتعالي عن النّفع و الضّرر، و إنّما يعاقب المصرّ على كفره. لأنّ إصراره عليه كسوء مزاج يؤدّي إلى مرض، فإذا أزاله بالإيمان و الشّكر و نقّى نفسه عنه تخلّص من تبعته. و إنّما قدّم الشّكر، لأنّ النّاظر يدرك النّعمة أوّلا فيشكر شكرا مبهما، ثمّ يمعن النّظر حتّى يعرف المنعم فيؤمن به.

وَ كانَ اللَّهُ شاكِراً: مثيبا، يقبل القليل و يعطي الجزيل.

عَلِيماً (147): بحقّ شكركم و إيمانكم.

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ‏: إلّا جهر من ظلم.

بالدّعاء على الظّالم، أو التّظلّم منه.

في مجمع البيان‏ «2»: المرويّ عن أبي جعفر- عليه السّلام-: لا يحبّ اللّه الشّتم في الانتصار إلّا من ظلم، فلا بأس له أن ينتصر ممّن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدّين.

و روي عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- «3»: أنّه الضّيف ينزل بالرّجل فلا يحسن ضيافته، فلا جناح عليه أن يذكره بسوء ما فعله.

و في تفسير العيّاشي‏ «4»، عنه- عليه السّلام- في هذه الآية: من أضاف قوما فأساء ضيافتهم فهي ممّن ظلم، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه.

و عنه- عليه السّلام- «5»: قال‏: الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ‏ أن يذكر الرّجل بما فيه.

______________________________
(1) النسخ: «يتشفّى». و ما أثبتناه في المتن موافق أنوار التنزيل و هو الأظهر.

(2) مجمع البيان 2/ 131.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) تفسير العياشي 1/ 283، ح 296.

(5) نفس المصدر و الموضع، ح 297.

574
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: بعد ما يقرب ممّا ذكر في المجمع أوّلا.

و في حديث آخر في تفسير هذا «2»: إن جاءك رجل و قال فيك ما ليس فيك من الخير و الثّناء و العمل الصّالح، فلا تقبله منه و كذّبه، فقد ظلمك.

و قرئ: «إلّا من ظلم» على البناء للفاعل، فيكون الاستثناء منقطعا، أي:

و لكنّ الظّالم يفعل ما لا يحبّه اللّه‏ «3».

وَ كانَ اللَّهُ سَمِيعاً: لما يجهر به من سوء القول.

عَلِيماً (148): بصدق الصّادق و كذب الكاذب، فيجازي كلا بعمله.

إِنْ تُبْدُوا خَيْراً: طاعة و برّا.

أَوْ تُخْفُوهُ‏: تفعلوه سرا.

أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ: لكم المؤاخذة عليه. و هو المقصود. و ذكر إبداء الخير و إخفائه تشبيب له، و لذلك رتّب عليه قوله:

فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149): أي: يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام، فأنتم لعدم كمال قدرتكم أولى بذلك. و هو حثّ المظلوم على العفو، بعد ما رخّص له في الانتصار، حملا على مكارم الأخلاق.

و في تقديم «العفوّ» على «القدير» إشارة لطيفة إلى أنّ المعافي من كمال عفوه أن لا يشعر بقدرته حين العفو، ليتمّ إحسانه بالنسبة إلى المعفوّ عنه، و لا يصير كالمنّ بعد الصّدقة.

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ‏: بأن يؤمنوا باللّه، و يكفروا برسله.

وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ‏: نؤمن ببعض الأنبياء، و نكفر ببعض. كما فعلته اليهود، صدّقوا بموسى و من تقدّمه من الأنبياء، و كذّبوا عيسى و محمّدا- صلوات اللّه عليهما-. و كما فعلت النّصارى، صدّقوا عيسى و من تقدّمه، و كذّبوا محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله-. هكذا قيل‏ «4».

و الأولى، أن يفسّر التّفريق بالإيمان باللّه و الإيمان بالرّسل أو ببعضهم، و يجعل‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 157.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) أنوار التنزيل 1/ 252.

(4) نفس المصدر 1/ 253.

575
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

قوله: «و يقولون» بيانا للتّفريق، ليناسبه قوله:

وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا (150): طريقا و سطا بين الإيمان و الكفر و لا واسطة. إذ الحقّ لا يختلف. فإنّ الإيمان باللّه إنّما يتمّ بالإيمان برسله و تصديقهم فيما بلّغوا عنه تفصيلا و إجمالا. فالكافر ببعض ذلك كالكافر بالكلّ في الضّلال، كما قال:

أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ‏، أي: الكاملون في الكفر، لا عبرة بإيمانهم هذا.

حَقًّا: مصدر مؤكّد لغيره. أو صفة لمصدر «الكافرين»، يعني: هم الّذين كفروا كفرا حقّا، أي: يقينا محقّقا.

وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151): يهينهم و يذلّهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: قال: هم الّذين أقرّوا برسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و أنكروا أمير المؤمنين- عليه السّلام-.

و معناه: أنّ ذلك كفر ببعض الرّسل‏ «2»، أي: بما جاء به من ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-. و كذلك الّذين أقرّوا برسول اللّه و أمير المؤمنين، و أنكروا ما قرّراه من الشّرع الظّاهر، و آمنوا بأمر آخر سمّوه: باطنا. و سمّوا الإيمان به: إيمانا حقيقيّا.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ‏: و آمنوا بجميعهم و جميع ما جاؤوا به. و إنّما دخل «بين» على «أحد» و هو يقتضي متعدّدا لعمومه، من حيث أنّه وقع في سياق النّفي.

أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ‏: الموعودة لهم. سمّي الثّواب أجرا، للدّلالة على استحقاقهم لها. و التّصدير «بسوف» للدّلالة على أنّه كائن لا محالة و إن تأخّر.

و قرأ حفص عن عاصم، و قالون عن يعقوب، بالياء، على تلوين الخطاب‏ «3».

وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً: لم يزل يغفر ما فرط منهم من المعاصي.

رَحِيماً (152): يتفضّل عليهم بتضعيف الحسنات.

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ:

في مجمع البيان‏ «4»: روي‏ أنّ كعب بن الأشرف و جماعة من اليهود قالوا: إن كنت‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 157.

(2) كذا في النسخ و لعل الصواب: الرسالة.

(3) أنوار التنزيل 1/ 253.

(4) مجمع البيان 2/ 133.

 

576
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 141 الى 154] ص : 568

صادقا، فأتنا بكتاب من السّماء جملة كما أتى موسى.

و قيل‏ «1»: كتابا محرّرا بخطّ سماويّ على ألواح، كما كانت التّوراة. أو كتابا نعاينه حين ينزل. أو كتابا إلينا بأعياننا، بأنّك رسول اللّه.

فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى‏ أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ‏: جواب شرط مقدّر، أي: إن استكبرت ما سألوه منك، فقد سألوا موسى أكبر منه.

و هذا السّؤال و إن كان من آبائهم أسند إليهم، لأنّهم كانوا آخذين بمذهبهم تابعين لهديهم.

و المعنى: أنّ عرقهم راسخ في ذلك، و أنّ ما اقترحوه عليك ليس بأوّل جهالاتهم و خيالاتهم.

فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً: عيانا، أي: أرنا نره جهرة. أو مجاهرين و معاينين.

فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ: نار جاءت من السّماء، و أهلكتهم.

بِظُلْمِهِمْ‏: بسبب ظلمهم، و تعنّتهم، و سؤالهم ما يستحيل على اللّه- تعالى-.

ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ‏: هذه الجناية الثّانية الّتي اقترفها- أيضا- أوائلهم.

و «البيّنات» المعجزات و لا يجوز حملها على التّوراة، إذ لم تأتهم بعد.

فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ‏: لسعة رحمتنا.

[وَ آتَيْنا مُوسى‏ سُلْطاناً مُبِيناً (153): حجّة بيّنة، تبيّن صدقه.

وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ: الجبل. بِمِيثاقِهِمْ‏: ليقبلوه‏] «2».

وَ قُلْنا لَهُمُ‏: على لسان موسى، و الجبل مظلّ عليهم.

ادْخُلُوا الْبابَ‏، أي: باب حطّة.

سُجَّداً وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ‏:

قيل‏ «3»: على لسان داود. و يحتمل أن يراد على لسان موسى حين ظلّل الجبل عليهم، فإنّه شرّع السّبت و لكن كان الاعتداء فيه و المسخ به في زمن داود.

______________________________
(1) أنوار التنزيل 1/ 253.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في ر.

(3) أنوار التنزيل 1/ 254.

577
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

 

و قرأ ورش، عن نافع «و لا تعدّوا» على أن أصله «لا تعتدوا» فأدغمت التّاء في الدّال‏ «1».

و قرأ قالون، بإخفاء حركة العين و تشديد الدّال و النّصّ عنه بالإسكان‏ «2».

وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154): على ذلك. و هو قولهم: سمعنا و أطعنا.

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ‏، أي: فخالفوا و نقضوا، ففعلنا ما فعلنا بنقضهم.

و «ما» مزيدة للتّأكيد.

و «الباء» متعلّقة بالفعل المحذوف. و يجوز أن تتعلّق «بحرّمنا عليهم» المذكور الآتي. فيكون التّحريم بسبب النّقض، و «ما» عطف عليه إلى قوله: «فبظلم» لا بما دلّ عليه قوله: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها مثل «لا يؤمنون» لأنّه ردّ لقولهم: قُلُوبُنا غُلْفٌ‏ فيكون من صلة قولهم المعطوف على المجرور، فلا يتعلّق به جارّه.

وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ‏: بالقرآن. أو بما في كتابهم.

وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ‏:

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3» قال: هؤلاء لم يقتلوا الأنبياء و إنّما قتلهم أجدادهم، فرضي هؤلاء بذلك، فألزمهم اللّه القتل بفعل أجدادهم. و كذلك من رضى بفعل، فقد لزمه و إن لم يفعله.

وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ‏: أوعية للعلوم. أو في أكنّة. و قد مرّ تفسيره.

بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ‏: فجعلها محجوبة عن العلم. أو خذلها و منعها التّوفيق للتّدبّر في الآيات و التّذكير بالمواعظ.

و في عيون الأخبار «4»، بإسناده إلى إبراهيم بن أبي محمود قال: سألت أبا الحسن الرّضا- عليه السّلام- إلى أن قال: و سألته عن قول اللّه- عزّ و جلّ-: خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ‏.

قال: الختم، هو الطّبع على قلوب الكفّار، عقوبة على كفرهم. قال- عزّ و جلّ-: بَلْ طَبَعَ اللَّهُ‏ إلى قوله: بُهْتاناً عَظِيماً.

فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155): منهم، كعبد اللّه بن سلام. أو إيمانا قليلا،

______________________________
1 و 2- نفس المصدر و الموضع.

(3) تفسير القمي 1/ 157.

(4) عيون أخبار الرضا- عليه السّلام- 1/ 101، ح 16.

 

578
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

 

لا عبرة به لنقصانه.

وَ بِكُفْرِهِمْ‏: بعيسى. و هو معطوف على «بكفرهم»، لأنّه من أسباب الطّبع.

أو على قوله: «فبما نقضهم». و يجوز أن يعطف مجموع هذا و ما عطف عليه، على مجموع ما قبله. و يكون تكرير ذكر الكفر إيذانا بتكرير كفرهم، فإنّهم كفروا بموسى ثمّ بعيسى ثمّ بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله-.

وَ قَوْلِهِمْ عَلى‏ مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156)، يعني: نسبتها إلى الزّنا.

في أمالي الصّدوق- رحمه اللّه‏ «1»-، بإسناده إلى الصّادق- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام- لعلقمة: يا علقمة، إنّ رضا النّاس لا يملك و ألسنتهم لا تضبط، ألم ينسبوا مريم ابنة عمران- عليها السّلام- «2» إلى أنّها حملت بعيسى- عليه السّلام- من رجل نجّار اسمه يوسف.

وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ‏، يعني: رسول اللّه بزعمهم.

و يحتمل أنّهم قالوه استهزاء، و نظيره: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ‏. و أن يكون استئنافا من اللّه بمدحه. أو وضعا للذّكر الحسن، مكان ذكرهم القبيح.

وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ‏: قد مضى ذكر هذه القصّة في سورة آل عمران، عند قوله- تعالى-: إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى‏ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَ‏.

قيل‏ «3»: إنّما ذمّهم اللّه بما دلّ عليه الكلام من جرأتهم على اللّه، و قصدهم قتل نبيّه المؤيّد بالمعجزات القاهرة، و تبجّحهم به، لا لقولهم هذا على حسب حسبانهم.

و الظّاهر، أنّ ذمّهم لجرأتهم، و قولهم كليهما.

و «شبّه» مسند إلى الجار و المجرور، و كأنّه قيل: و لكن وقع لهم التّشبيه بين عيسى و المقتول. أو إلى الأمر. أو إلى ضمير المقتول، لدلالة «إنّا قتلنا» على أنّ ثمّة مقتولا.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «4»، بإسناده إلى سدير الصّيرفيّ، عن أبي‏

______________________________
(1) أمالي الصدوق/ 91 و 92، ضمن حديث 3.

(2) المصدر: مريم بنت عمران- عليها السّلام-.

(3) أنوار التنزيل 1/ 254.

(4) كمال الدين و تمام النعمة/ 354، ح 49.

 

 

579
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه: و أمّا غيبة عيسى- عليه السّلام- فإنّ اليهود و النّصارى اتّفقت على أنّه قتل، فكذّبهم اللّه- جل ذكره- بقوله- عزّ و جلّ-:

وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ‏.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إنّ عيسى- عليه السّلام- وعد أصحابه ليلة رفعه اللّه إليه، فاجتمعوا إليه عند المساء و هم اثنا عشر رجلا، فأدخلهم بيتا ثمّ خرج عليهم من عين في زاوية البيت و هو ينفض رأسه من الماء.

فقال: إنّ اللّه أوحى إليّ أنّه رافعي إليه السّاعة و مطهّري من اليهود. فأيّكم يلقى عليه شبحي فيقتل و يصلب و يكون معي في درجتي؟ فقال شابّ منهم: أنا يا روح اللّه.

فقال: فأنت هو ذا.

فقال لهم عيسى: أما إنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة.

فقال له رجل منهم: أنا يا نبيّ اللّه. فقال عيسى: أ تحسّ‏ «2» بذلك في نفسك، فلتكن هو.

ثمّ قال لهم عيسى: أما إنّكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق، فرقتين مفتريتين على اللّه في النّار و فرقة تتّبع شمعون صادقة على اللّه في الجنّة.

ثمّ قال‏ «3» رفع اللّه عيسى إليه من زاوية البيت و هم ينظرون إليه.

ثمّ قال أبو جعفر- عليه السّلام-: إنّ اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم، فأخذوا الرّجل الّذي قال له عيسى: إنّ منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة. و أخذوا الشّابّ الّذي ألقي عليه شبح عيسى- عليه السّلام- فقتل و صلب، و كفر الّذي قال له عيسى: تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة] «4».

وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ‏: في شأن عيسى.

قال البيضاويّ‏ «5»: فإنّه لمّا وقعت تلك الواقعة اختلف النّاس. فقال بعض اليهود: إنّه كان كاذبا فقتلناه حقّا. و تردّد آخرون. فقال بعضهم: إن كان هذا عيسى‏

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 103.

(2) المصدر: أن تحسّ.

(3) ليس في المصدر.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(5) أنوار التنزيل 1/ 255.

580
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

فأين صاحبنا؟ و قال بعضهم: الوجه وجه عيسى و البدن بدن صاحبنا. و قال من سمع منه: إنّ اللّه يرفعني إلى السّماء، إنّه رفعه إلى السّماء. و قال قوم: صلب النّاسوت و صعد اللّاهوت.

لَفِي شَكٍّ مِنْهُ‏: لفي تردّد.

و «الشّكّ» كما يطلق على ما لا يترجّح أحد طرفيه، يطلق على مطلق التردّد و على ما يقابل العلم. و لذلك أكّده بقوله:

ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ‏: استثناء منقطع، أي: و لكنّهم يتّبعون الظّنّ.

و يجوز أن يفسّر «الشّكّ» بالجهل و العلم بالاعتقاد الّذي تسكن إليه النّفس، جزما كان أو غيره، فيتّصل الاستثناء.

وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157)، أي: و ما قتلوه قتلا يقينا. أو ما قتلوه متيقّنين، كما ادّعوا ذلك في قولهم: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ‏. أو يجعل يقينا تأكيدا لقوله: وَ ما قَتَلُوهُ‏ كقولك: و ما قتلوه حقّا، أي: حقّ انتفاء قتله حقّا.

و قيل‏ «1»: هو من قولهم: قتلت الشّي‏ء علما، إذا بالغ فيه علمك.

و فيه تهكّم. لأنّه إذا نفى عنهم العلم نفيا كلّيا بحرف الاستغراق. ثمّ قيل: و ما علموه علم يقين و إحاطة، لم يكن إلّا تهكّما بهم.

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏: ردّ و إنكار لقتله، و إثبات لرفعه.

و في من لا يحضره الفقيه‏ «2»، عن زيد بن عليّ، عن أبيه سيّد العابدين- عليه السّلام- حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام-: و إنّ للّه- تبارك و تعالى- بقاعا في سماواته. فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه، ألا تسمع اللّه يقول‏ «3»:

تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ‏ و يقول- عزّ و جلّ- في قصّة عيسى بن مريم: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: رفع، و عليه مدرعه من صوف.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) من لا يحضره الفقيه 1/ 127، ح 603.

(3) المعارج/ 4.

(4) تفسير القمي 1/ 224.

581
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

و في تفسير العيّاشي‏ «1»: عن الصّادق- عليه السّلام- قال‏: رفع عيسى بن مريم- عليهما السّلام- بمدرعة صوف من غزل مريم و من نسج مريم و خياطة مريم. فلمّا انتهى إلى السّماء نودي: يا عيسى، ألق عنك زينة الدّنيا.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «2»، بإسناده إلى محمّد بن إسماعيل القرشي، عمّن حدّثه، عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ جبرئيل- عليه السّلام- نزل عليّ بكتاب فيه خبر الملوك ملوك الأرض قبلي، و خبر من بعث قبلي من الأنبياء و الرّسل- و هو حديث طويل، قال فيه- عليه السّلام-: إنّ عيسى بن مريم أتى بيت المقدس. فمكث يدعوهم و يرغّبهم فيما عند اللّه ثلاث و ثلاثين سنة حتّى طلبته اليهود.

و ادّعت أنّها عذّبته و دفنته في الأرض حيّا. و ادّعى بعضهم أنّهم قتلوه و صلبوه. و ما كان اللّه ليجعل لهم سلطانا عليه. و إنّما شبّه لهم. و ما قدروا على عذابه و دفنه و لا على قتله و صلبه. لأنّهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله- تعالى-: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏ بعد أن توفّاه- عليه السّلام-.

[و بإسناده إلى أبان بن تغلب‏ «3»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- حديث طويل يذكر فيه القائم، و فيه: فإذا نشر راية رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- انحطّ عليه‏ «4» ثلاثة عشر ألف ملك و ثلاثة عشر ملكا كلّهم ينظرون‏ «5» القائم- عليه السّلام-. و هم الّذين كانوا مع نوح- عليه السّلام- في السّفينة، و الّذين كانوا مع إبراهيم الخليل- عليه السّلام- حين‏ «6» ألقي في النّار، و كانوا مع عيسى حين رفع.

و في أصول الكافي‏ «7»: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن محمّد، عن سهل بن زياد جميعا عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: لمّا قبض أمير المؤمنين- عليه السّلام- قام الحسن بن عليّ- عليهما السّلام- في مسجد الكوفة فحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- ثمّ قال: يا أيّها النّاس، إنّه قد قبض في هذه اللّيلة رجل ما سبقه الأوّلون و لا يدركه الآخرون. و اللّه لقد

______________________________
(1) تفسير العيّاشي 1/ 175، ح 53.

(2) كمال الدين و تمام النعمة/ 224، ح 20.

(3) نفس المصدر/ 672، ضمن حديث 22 و أوّله في ص 671.

(4) المصدر: إليه.

(5) المصدر: ينتظر.

(6) المصدر: حيث.

(7) الكافي 1/ 457، صدر و ذيل حديث 8.

 

582
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

قبض في اللّيلة الّتي قبض فيها وصي موسى يوشع بن نون، و اللّيلة الّتي عرج فيها بعيسى بن مريم‏ «1»، و اللّيلة الّتي ينزل‏ «2» فيها القرآن.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.] «3»

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: حدّثني الحسين بن عبد اللّه السّكينيّ، عن أبي سعيد البجليّ، عن عبد الملك بن هارون، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- عن الحسن بن عليّ- عليهما السّلام-، و ذكر حديثا طويلا، و فيه قال- عليه السّلام- و قد ذكر عيسى بن مريم- عليهما السّلام-: و كان عمره ثلاث و ثلاثون سنة. ثمّ رفعه اللّه إلى السّماء. و يهبط إلى الأرض بدمشق. و هو الّذي يقتل الدّجّال.

وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً: لا يغلب على ما يريده.

حَكِيماً (158): فيما دبّر لعباده.

وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ‏:

قيل‏ «5»: أي: و ما من أهل الكتاب أحد إلّا ليؤمننّ به.

فقوله: لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ‏ جملة قسميّة وقعت صفة «لأحد» و يعود الضّمير الثّاني إليه، و الأوّل إلى عيسى، فالمعنى: ما من اليهود و النّصارى أحد، إلّا ليؤمننّ بأنّ عيسى عبد اللّه و رسوله قبل أن يموت و لو حين يزهقه روحه، و لا ينفعه إيمانه.

و يؤيّد ذلك، أنّه قرئ: «إلّا ليؤمننّ به قبل موتهم» بضمّ النّون، لأنّ «أحدا» في معنى الجمع. و هذا كالوعيد لهم، و التّحريض على معاجلة الإيمان به قبل أن يضطرّوا إليه و لم ينفعهم إيمانهم.

و قيل‏ «6»: الضّميران لعيسى، و المعنى: إذا نزل من السّماء آمن به أهل الملل جميعا.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «7»: [حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقريّ، عن أبي حمزة،] «8» عن شهر بن حوشب قال: قال لي الحجّاج‏: يا شهر، آية في كتاب اللّه قد أعيتني. فقلت: أيّها الأمير، أيّة آية هي؟

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: عيسى بن مريم.

(2) المصدر: نزل.

(3) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(4) تفسير القمي 2/ 270.

(5) أنوار التنزيل 1/ 255.

(6) نفس المصدر و الموضع.

(7) تفسير القمي 1/ 158.

(8) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

583
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

فقال: قوله: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ. و اللّه إنّي لآمر باليهوديّ و النّصرانيّ فيضرب عنقه ثمّ أرمقه بعيني‏ «1» فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد.

فقلت: أصلح اللّه الأمير ليس على ما تأوّلت.

قال: كيف هو؟

قلت: إنّ عيسى ينزل‏ «2» قبل يوم القيامة إلى الدّنيا، فلا يبقى أهل ملّة يهوديّ و لا غيره إلّا آمن به قبل موته، و يصلّي خلف المهديّ.

قال: ويحك، أنّى لك هذا، و من أين جئت به؟

فقلت: حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب- عليهم السّلام-.

فقال: جئت بها من عين صافية.

و روي فيه‏ «3»- أيضا-: أنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- إذا رجع آمن به النّاس كلّهم.

و في تفسير العيّاشي‏ «4»: عن أبي جعفر- عليه السّلام- في تفسيرها: ليس من أحد من جميع الأديان يموت إلّا رأى رسول اللّه و أمير المؤمنين- عليهما السّلام- حقّا من الأوّلين و الآخرين.

و في مجمع البيان‏ «5»: في أحد معانيها: ليؤمننّ بمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله- قبل موت الكتابيّ- عن عكرمة.

و رواه أصحابنا- أيضا- قال‏: و في هذه الآية دلالة على أنّ كلّ كافر يؤمن عند المعاينة، و على أنّ إيمانه ذلك غير مقبول كما لم يقبل إيمان فرعون في حال اليأس عند زوال التّكليف.

و يقرب من هذا ما رواه الإماميّة: أنّ المحتضرين من جميع الأديان يرون رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- و خلفاءه عند الوفاة.

______________________________
(1) هكذا في تفسير البرهان 1/ 426 نقلا عن المصدر و في نسخة أو في سائر النسخ و المصدر: نفسي.

(2) هكذا في تفسير البرهان 1/ 426 نقلا عن المصدر و في نسخة أ و في سائر النسخ و المصدر: نزل.

(3) نفس المصدر و الموضع.

(4) تفسير العياشي 1/ 284، ح 303.

(5) مجمع البيان 2/ 137- 138.

584
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

و يروون في ذلك:

عن عليّ- عليه السّلام- أنّه قال للحارث الهمدانيّ:

يا حار همدان من يمت يرني‏

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه‏

بعينه و اسمه و ما فعلا

 

و في الجوامع‏ «1»: عنهما- عليهما السّلام-: حرام على روح أن تفارق جسدها حتّى ترى محمّدا و عليّا.

و في تفسير العيّاشي‏ «2»: عن الصّادق- عليه السّلام- أنّه سئل عن هذه الآية.

فقال: هذه نزلت فينا خاصّة. أنّه ليس رجل من ولد فاطمة يموت و لا يخرج من الدّنيا حتّى يقرّ للإمام و بإمامته، كما أقرّ ولد يعقوب ليوسف حين قالوا: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا.

[و في تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي‏ «3» قال: حدّثني عبيد بن كثير معنعنا، عن جعفر بن محمّد- عليهما السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: يا عليّ، إنّ فيك مثلا من عيسى بن مريم، قال اللّه- تعالى-: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً. يا عليّ، إنّه لا يموت رجل يفتري على عيسى بن مريم- عليهما السّلام- حتّى يؤمن له قبل موته و يقول فيه الحقّ حيث لا ينفعه ذلك شيئا. و إنّك يا عليّ مثله‏ «4» لا يموت عدوّك حتّى يراك عند الموت، فتكون عليه غيظا و حزنا حتّى يقرّ بالحقّ من أمرك و يقول فيك الحقّ و يقرّ بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئا. و أمّا وليّك فإنّه يراك عند الموت فتكون له شفيعا و مبشّرا و قرّة عين‏] «5».

وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159): على اليهود بالتّكذيب، و على النّصارى بأنّهم دعوه ابن اللّه، و يكون الرّسول و الإمام شهيدا على أعمال كلّ و اعتقاداتهم.

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا، أي: فبظلم عظيم منهم.

حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ‏: في الآية الّتي ذكرت في الأنعام‏ «6»:

وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا (الآية).

______________________________
(1) جوامع الجامع/ 101.

(2) تفسير العياشي 1/ 283- 284، ح 300.

(3) تفسير فرات/ 34.

(4) المصدر: «على مثاله» بدل «يا عليّ مثله».

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) الأنعام/ 146.

585
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: حدّثني أبي، عن ابن محبوب، عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول‏: من زرع حنطة في أرض و لم يزكّ زرعه فخرج زرعه كثير الشّعير، فبظلم عمله في ملك رقبة الأرض، أو بظلم لمزارعه و أكرته، لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ‏، يعني: لحوم الإبل و البقر و الغنم.

و في الكافي و العيّاشي‏ «2»، عن الصّادق- عليه السّلام- مثله.

وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160): أناسا كثيرا، و صدّا كثيرا.

وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ‏: كان الرّبا محرّما عليهم، كما هو محرّم علينا. و فيه دلالة على دلالة النّهي على التّحريم.

وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ‏: بالرّشوة، و سائر الوجوه المحرّمة.

وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161): دون من تاب و آمن.

لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ‏: كعلمائهم المؤمنين.

وَ الْمُؤْمِنُونَ‏، أي: منهم. و هو من آمن من غير العلماء، أو من المهاجرين و الأنصار.

يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ‏: خبر المبتدأ.

وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ: نصب على المدح إن جعل «يؤمنون» الخبر لا «أولئك». و «الواو» اعتراض. أو عطف على «ما أنزل». و المراد بهم، الأنبياء. و إن جعل الخبر «أولئك» فيكون «يؤمنون» حالا. و يحتمل العطف عليه بإرادة التّنكير.

و قرئ، بالرّفع، عطفا على «الرّاسخون». أو الضّمير في «يؤمنون». أو على أنّه مبتدأ، و الخبر «أولئك» «3».

وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ: رفعه لأحد الوجوه المذكورة.

وَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ: قدّم عليه الإيمان بالأنبياء و الكتب و ما يصدّقه من اتّباع الشّرائع، لأنّه المقصود بالآية.

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 158.

(2) الكافي 5/ 306، ح 9 و تفسير العياشي 1/ 284، ح 304.

(3) أنوار التنزيل 1/ 256.

586
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162): على جمعهم بين الإيمان و العمل الصّالح.

و قرأ حمزة: «سيؤتيهم» بالياء «1».

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ‏:

قيل‏ «2»: جواب لأهل الكتاب عن اقتراحهم «أن تنزّل عليهم كتابا من السّماء» و احتجاج عليهم بأنّ أمره في الوحي كسائر الأنبياء.

في تفسير العيّاشي‏ «3»: عن زرارة و حمران، عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه- عليهما السّلام- قال‏: إنّي أوحيت إليك كما أوحيت إلى نوح و النّبيّين من بعده، فجمع له كلّ وحي هبط.

[و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «4»: حدّثني أبي، عن أحمد بن النّضر، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- «5» قال: بينا رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- جالسا و عنده جبرئيل إذ حانت من جبرئيل نظرة قبل السّماء- إلى أن قال-: قال جبرئيل: إنّ هذا حاجب الرّبّ و أقرب خلق اللّه منه و اللّوح بين عينيه من ياقوتة حمراء، فإذا تكلّم الرّبّ- تبارك و تعالى- بالوحي ضرب اللّوح جنبيه، فينظر «6» فيه ثمّ ألقاه‏ «7» إلينا فنسعى به في السّموات و الأرض.

و في أصول الكافي‏ «8»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: فلمّا استجاب اللّه‏ «9» لكلّ نبيّ من استجاب له من قومه‏ «10» من المؤمنين، جعل‏ «11» لكلّ [نبيّ‏] «12» منهم شرعة و منهاجا. و الشّرعة و المنهاج، سبيل و سنّة. و قال لمحمّد- صلّى اللّه عليه و آله-: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى‏ نُوحٍ وَ النَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ‏. و أمر

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) نفس المصدر و الموضع.

(3) تفسير العياشي 1/ 285، ح 305.

(4) تفسير القمي 2/ 27 و 28 ضمن حديث طويل.

(5) المصدر: أبي جعفر- عليه السّلام-.

(6) المصدر: فنظر.

(7) المصدر: يلقيه.

(8) الكافي 2/ 29، ضمن حديث.

(9) ليس في المصدر.

(10) هكذا في المصدر. و في النسخ: في قومه.

(11) هكذا في المصدر. و في النسخ: يجعل.

(12) من المصدر.

 

587
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

كلّ نبيّ بالأخذ بالسّبيل و السّنّة، و كان‏ «1» من السّبيل و السّنّة الّتي أمر اللّه- عزّ و جلّ- بها موسى- عليه السّلام- أن جعل عليهم السّبت‏] «2».

وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ وَ عِيسى‏ وَ أَيُّوبَ وَ يُونُسَ وَ هارُونَ وَ سُلَيْمانَ‏:

قيل‏ «3»: خصّصهم بالذّكر مع اشتمال النّبيّين عليهم تعظيما لهم، فإنّ إبراهيم أوّل أولي العزم منهم، و عيسى آخرهم، و الباقين أشرف الأنبياء و مشاهيرهم.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «4»، بإسناده إلى محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثّمالي، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر- عليهما السّلام- حديث طويل، يقول فيه- عليه السّلام-: و كان ما بين آدم و نوح من الأنبياء مستخفين و مستعلنين و لذلك خفي ذكرهم في القرآن. فلم يسمّوا كما سمّي من استعلن من الأنبياء. و هو قول اللّه- عزّ و جلّ- وَ رُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ‏، يعني: لم نسمّ المستخفين كما نسمّي المستعلنين من الأنبياء.

و في روضة الكافي‏ «5»، عن أبي جعفر- عليه السّلام- مثله.

وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (163):

و قرأ حمزة، بضمّ الزّاي. و هو جمع زبر، بمعنى: مزبور «6».

و في أصول الكافي‏ «7»: عليّ بن إبراهيم، عن صالح بن السّنديّ، عن جعفر بن بشير، عن سعد الإسكاف، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: أعطيت السّور الطّوال مكان التّوراة. و أعطيت المئين مكان الإنجيل. و أعطيت المثاني مكان الزّبور. و فضّلت بالمفصّل ثمان و ستّون سورة.

و فيه‏ «8»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- [قال: قال النّبيّ‏

______________________________
(1) هكذا في المصدر. و في النسخ: كلّ.

(2) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(3) أنوار التنزيل 1/ 256.

(4) كمال الدين و تمام النعمة 1/ 215، ح 2.

(5) الكافي 8/ 115، ح 92.

(6) أنوار التنزيل 1/ 256.

(7) الكافي 2/ 601، ح 10.

(8) نفس المصدر 2/ 629، ضمن حديث 6 و أوله في ص 628.

 

588
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

- صلّى اللّه عليه و آله-:] «1» و أنزل الزّبور لثمان عشر خلون من شهر رمضان.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

وَ رُسُلًا: نصب بمضمر، دلّ عليه «أوحينا إليك» كأرسلنا. أو فسّره.

قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى‏ تَكْلِيماً (164):

قيل‏ «2»: و هو منتهى مراتب الوحي خصّ به موسى من بينهم، و قد فضّل اللّه محمّدا- صلّى اللّه عليه و آله- بأن أعطاه ما أعطى كلّ واحد منهم.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «3»، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث في قصّة الإسراء، و فيه يقول- صلّى اللّه عليه و آله-: ثمّ ركبت فمضينا ما شاء اللّه، ثمّ قال لي:

انزل فصلّ، فنزلت و صلّيت.

فقال لي: أ تدري أين صلّيت؟

فقلت: لا.

فقال: صلّيت بطور سيناء، حيث كلّم اللّه موسى تكليما.

و في كتاب الاحتجاج‏ «4» للطّبرسي- رحمه اللّه-: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل في مكالمة بينه و بين اليهود، و فيه‏ قالت اليهود: موسى خير منك.

قال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- و لم؟

قالوا: لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- كلّمه بأربعة آلاف كلمة، و لم يكلّمك بشي‏ء.

فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: لقد أعطيت أنا أفضل من ذلك.

قالوا: و ما ذاك؟

قال: قوله- عزّ و جلّ-: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏.

(الحديث).

و روي عن صفوان بن يحيى‏ «5» قال‏، سألني أبو قرّة المحدّث- صاحب شبرمة- أن أدخله إلى أبي الحسن الرّضا- عليه السّلام- فاستأذنت، فأذن لي، فدخل فقال له:

أخبرني- جعلني اللّه فداك- عن كلام اللّه لموسى- عليه السّلام-.

______________________________
(1) ليس في أ.

(2) أنوار التنزيل 1/ 256.

(3) تفسير القمي 2/ 3.

(4) الاحتجاج 1/ 55.

(5) نفس المصدر 2/ 185.

 

589
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

فقال: اللّه أعلم و رسوله بأيّ لسان كلّمه، بالسّريانيّة أم بالعبرانيّة.

فأخذ أبو قرّة بلسانه فقال: إنّما أسألك عن هذا اللّسان.

فقال أبو الحسن- عليه السّلام-: سبحان اللّه ممّا تقول، و معاذ اللّه أن يشبه خلقه أو يتكلّم بمثل ما هم به يتكلّمون. و لكنّه- تبارك و تعالى- ليس كمثله شي‏ء و لا كمثله قائل فاعل.

قال: كيف ذلك؟

قال: كلام الخالق للمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق، و لا يلفظ بشقّ فم و لسان. و لكن يقول له: كن فيكون. فكان بمشيئته ما خاطب به موسى من الأمر و النّهي من غير تردّد في نفس.

و في أصول الكافي‏ «1»: عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن خالد الطّيالسي، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: قلت له: لم يزل اللّه متكلّما؟

قال: فقال. إنّ الكلام صفة محدثة ليس بأزليّة. كان اللّه- عزّ و جلّ- و لا متكلّم.

و في كتاب الخصال‏ «2»، بإسناده إلى الضّحّاك، عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: إنّ اللّه ناجى موسى بن عمران- عليه السّلام- بمائة ألف كلمة و أربعة و عشرين ألف كلمة في ثلاثة أيّام و لياليهنّ ما طعم فيها موسى و لا شرب فيها، فلمّا انصرف إلى بني إسرائيل و سمع كلامهم مقتهم لما كان وقع في مسامعه من حلاوة كلام اللّه- عزّ و جلّ-.

و في كتاب التّوحيد «3»، بإسناده إلى [عليّ بن‏] «4» محمّد بن الجهم، عن أبي الحسن- عليه السّلام- «5» حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام- حاكيا عن موسى- عليه السّلام- في قومه: فخرج بهم إلى طور سيناء، فأقامهم في سفح الجبل و صعد

______________________________
(1) الكافي 1/ 107، ح 1.

(2) الخصال 2/ 641- 642، ح 20.

(3) التوحيد/ 121، ضمن حديث 24.

(4) من المصدر. ر. تنقيح المقال 2/ 303، رقم 8458.

(5) المصدر: عن الرضا عليّ بن موسى- عليهما السّلام-.

 

590
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

موسى- عليه السّلام- إلى الطّور و سأل اللّه- تبارك و تعالى- أن يكلّمه و يسمعهم كلامه، فكلّمه اللّه- تعالى ذكره- و سمعوا كلامه من فوق و أسفل و يمين و شمال و وراء و أمام، لأنّ اللّه- تعالى- أحدثه في الشّجرة ثمّ جعله منبعثا منها «1» حتّى سمعوه من جميع الوجوه.

و عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- «2»: كلّم اللّه‏ «3» موسى تكليما بلا جوارح و أدوات و شفة، و لا لهوات، سبحانه و تعالى عن الصّفات.

و عنه- عليه السّلام- «4» في حديث و قد سأله رجل عمّا اشتبه عليه من الآيات:

و كلام اللّه- تعالى- ليس بنحو واحد، منه ما كلّم اللّه به الرّسل، و منه ما قذفه في قلوبهم، و منه رؤيا يريها الرّسل، و منه وحي و تنزيل يتلى و يقرأ. فهو كلام اللّه. فاكتف بما وصفت لك من كلام اللّه. فإنّ كلام اللّه ليس بنحو واحد. فإنّ منه ما تبلغ رسل السّماء و رسل الأرض.

رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ‏: نصب على المدح. أو بإضمار «أرسلنا». أو على الحال. و يكون «رسلا» موطّئا لما بعده، كقولك: مررت بزيد رجلا صالحا.

لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ‏: فيقولوا: لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فينبّهنا و يعلّمنا ما لم نعلم.

و «اللام» متعلّقة «بأرسلنا»، أو بقوله: «مبشّرين و منذرين». و «حجّة» اسم كان و خبره «للنّاس»، أو «على اللّه». و الآخر حال. و لا يجوز تعلّقه «بحجّة» لأنّه مصدر. و «بعد» ظرف لها، أو صفة.

[و في نهج البلاغة «5»: قال- عليه السّلام-: فبعث فيهم رسله و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته و يذكّروهم منسي نعمته و يحتجّوا عليهم بالتّبليغ و يثيروا لهم دفائن العقول و يروهم آيات القدرة، من سقف فوقهم مرفوع و مهاد تحتهم موضوع و معايش و آجال تفنيهم و أوصاب تهرمهم و أحداث تتابع عليهم. و لم يخل اللّه- سبحانه- خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة أو محجّة قائمة، رسل لم‏

______________________________
(1) أ: ميقاتها.

(2) نفس المصدر/ 79، ضمن حديث 34.

(3) ليس في المصدر.

(4) نفس المصدر/ 264، ضمن حديث 5.

(5) نهج البلاغة/ 42- 44، ضمن خطبة 1.

 

591
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

تقصر «1» بهم قلّة عدوهم و لا كثرة المكذّبين‏ «2» لهم، من سابق سمّى له من بعده أو غابر عرّفه من قبله. على ذلك نسلت القرون و مضت الدّهور و سلفت الآباء و خلفت الأبناء إلى أن بعث [اللّه- سبحانه-] «3» محمّدا [رسول اللّه-] «4» صلّى اللّه عليه و آله-] «5».

وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً: لا يغلب فيما يريده.

حَكِيماً (165): فيما دبّر من أمر النّبوّة، و خصّ كلّ نبيّ بنوع من الوحي و الإعجاز.

لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ: استدراك من مفهوم ما قبله، فكأنّه لمّا تعنّتوا عليه بسؤال كتاب ينزل عليهم من السّماء، و احتج عليهم‏ إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ‏ قال: إنّهم لا يشهدون، و لكن اللّه يشهد. أو أنّهم أنكروه، و لكنّ اللّه يبيّنه و يقرّره.

بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ‏: من القرآن المعجز، الدّالّ على نبوّتك.

نقل أنّه لمّا نزل «إنّا أوحينا إليك» قالوا: ما نشهد لك. فنزلت‏ «6».

أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ‏: ملتبسا بعلمه الخاصّ به، و هو العلم بتأليفه على نظم يعجز عنه كلّ بليغ. أو من استعدّ للنّبوّة و استأهل نزول الكتاب عليه. أو بعلمه الّذي يحتاج إليه النّاس في معاشهم و معادهم.

و الجارّ و المجرور، على الأوّلين حال عن الفاعل. و على الثّالث حال عن المفعول. و الجملة، كالتّفسير لما قبلها.

وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ‏: أيضا بنبوّتك.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً (166): و إن لم يشهد غيره أو كفى بما أقام من الحجج على صحّة نبوّتك عن استشهاد «7» بغيره.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «8»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال‏: إنّما أنزلت‏ لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ‏ في‏

______________________________
(1) المصدر: لا تقصر.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: المكرمين.

3 و 4- من المصدر.

(5) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(6) أنوار التنزيل 1/ 257.

(7) هكذا في أنوار التنزيل و في نسخة أ. و في سائر النسخ: إشهاد.

(8) تفسير القمي 1/ 159.

 

592
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

عليّ‏ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَ الْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً (167):

لأنّهم جمعوا بين الضّلال و الإضلال، و لأنّ المضلّ يكون أعرق في الضّلالة و أبعد من الانقلاع عنه.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا: جمعوا بينهما. و الظّلم أعمّ من الظّلم عليه و على غيره، إذا اجتمع مع الكفر.

لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (168):

إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً: حال مقدّرة.

وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (169): لا يصعب عليه.

في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: و قرأ أبو عبد اللّه- عليه السّلام-: إنّ الّذين كفروا و ظلموا آل محمّد حقّهم. (الآية).

و في أصول الكافي‏ «2»: أحمد بن مهران، عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: نزل جبرئيل- عليه السّلام- بهذه الآية هكذا: إنّ الّذين كفروا و ظلموا آل محمّد حقّهم لم يكن اللّه.

(الآية).

و في تفسير العيّاشي‏ «3»، مثله.

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ‏:

قيل‏ «4»: لمّا قرّر أمر النّبوّة و بيّن الطّريق الموصل إلى العلم بها و أوعد من أنكرها، خاطب النّاس عامّة بالدّعوة و إلزام الحجة و الوعد بالإجابة و الوعيد على الرّدّ.

فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ‏، أي: إيمانا خيرا لكم. أو ائتوا أمرا خيرا لكم ممّا أنتم عليه.

و قيل‏ «5»: تقديره: يكن الإيمان خيرا لكم. و منعه البصريّون، لأنّ «كان» لا يحذف مع اسمه إلّا فيما لا بدّ منه، و لأنّه يؤدّي إلى حذف الشّرط و جوابه.

______________________________
(1) نفس المصدر و الموضع.

(2) الكافي 1/ 424، ح 59.

(3) تفسير العياشي 1/ 285، ح 307.

(4) أنوار التنزيل 1/ 257.

(5) نفس المصدر و الموضع.

593
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏: فهو غنيّ عنكم، لا يتضرّر بكفركم كما لا ينتفع بإيمانكم. و نبّه على غناه بقوله: فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ و هو ما اشتملتا عليه و ما تركّبتا منه.

وَ كانَ اللَّهُ عَلِيماً: بأحوالهم.

حَكِيماً (170): فيما دبّر لهم.

و في أصول الكافي‏ «1»، في تتمّة الخبر الأوّل، و في تفسير العيّاشي‏ «2»، عن الباقر- عليه السّلام-: قد جاءكم الرّسول بالحقّ من ربّكم في ولاية عليّ فآمنوا خيرا لكم و إن تكفروا بولاية عليّ. (الآية).

يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ‏ قيل‏ «3»: الخطاب للفريقين، غلت اليهود في حطّ عيسى حتّى رموه بأنّه ولد لغير رشده، و النّصارى في رفعه حتّى اتّخذوه إلها.

و قيل: للنّصارى خاصّة. و هو أوفق لقوله: وَ لا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ‏، يعني: تنزيهه عن الشّريك و الصّاحبة و الولد.

إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ‏:

أوصلها إليها، و حصلها فيها.

في مجمع البيان‏ «4»: و عيسى- عليه السّلام- ممسوح البدن من الأدناس و الآثام، كما روي عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «5»: ثمّ قال: و صوّر ابن مريم في الرّحم دون الصّلب و إن كان مخلوقا في أصلاب الأنبياء- عليهم السّلام-.

وَ رُوحٌ مِنْهُ‏: ذو روح صدر منه، لا بتوسّط ما يجري مجرى الأصل و المادّة.

و قيل‏ «6»: سمّي روحا، لأنّه كان يحيي الأموات و القلوب.

و في أصول الكافي‏ «7»: عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن‏

______________________________
(1) الكافي 1/ 424، ذيل حديث 59.

(2) تفسير العياشي 1/ 285، ح 307.

(3) أنوار التنزيل 1/ 257- 258.

(4) مجمع البيان 2/ 144.

(5) تفسير القمي 1/ 224.

(6) أنوار التنزيل 1/ 258.

(7) الكافي 1/ 133، ح 2.

 

594
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

الحجّال، عن ثعلبة، عن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- عن قول اللّه: و رُوحٌ مِنْهُ. قال: هي روح مخلوقة، خلقها اللّه في آدم و عيسى.

و في كتاب التّوحيد «1»، بإسناده إلى أبي جعفر الأصمّ قال: سألت أبا جعفر- عليه السّلام- عن الرّوح الّتي في آدم و الّتي في عيسى، ما هما؟

قال: روحان مخلوقان اختارهما و اصطفاهما، روح آدم و روح عيسى- عليهما السّلام-.

فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ، أي: الآلهة ثلاثة: اللّه، و المسيح، و أمّه. و يشهد له قوله: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏. أو اللّه ثلاثة، إن صحّ أنّهم يقولون: اللّه ثلاثة أقانيم: الأب، و الابن، و روح القدس.

و يريدون بالأب الذّات، و بالابن العلم، و بروح القدس الحياة.

انْتَهُوا: عن التّثليث.

خَيْراً لَكُمْ‏: اقصدوا خيرا لكم. و هو التّوحيد.

إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ، أي: واحد بالذّات، لا تعدّد فيه بوجه.

سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ: أسبّحه تسبيحا من أن يكون له ولد. كيف؟

و الولد لا بدّ أن يكون مماثلا للوالد. تعالى اللّه عن أن يكون له مماثل و معادل.

لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏: ملكا و خلقا. لا يماثله شي‏ء من ذلك، فيتّخذه ولدا.

وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا (171): تنبيه على غناه عن الولد. فإنّ الحاجة إلى الولد ليكون وكيلا لأبيه. و اللّه سبحانه قائم بحفظ الأشياء كاف في ذلك مستغن عمّن يخلّفه أو يعينه.

لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ‏: لن يأنف. من نكفت الدمع، إذا نحّيته بإصبعك كيلا يرى أثره على وجهك.

أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ‏: من أن يكون عبدا له. فإنّ عبوديّته شرف يتباهى به، و إنّما المذلّة و الاستنكاف في عبوديّة غيره.

في مجمع البيان‏ «2»: روي‏ أنّ وفد نجران قالوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-:

______________________________
(1) التوحيد/ 172، ح 4.

(2) مجمع البيان 2/ 146.

 

595
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

يا محمّد، لم تعيب صاحبنا؟

قال و من صاحبكم؟

قالوا: عيسى.

قال: و أيّ شي‏ء أقول فيه؟

قالوا: تقول إنّه عبد اللّه و رسوله. فنزلت الآية.

وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ‏: عطف على المسيح، أي: و لن تستنكف الملائكة المقرّبون أن يكونوا عبيد اللّه.

في كتاب علل الشّرايع‏ «1»، بإسناده إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- لعليّ- عليه السّلام-: يا عليّ، تختّم باليمين تكن من المقرّبين.

قال: يا رسول اللّه، و ما المقرّبون؟

قال: جبرئيل و ميكائيل.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حاكيا عن جبرئيل- عليه السّلام-: إنّ بين اللّه و بين خلقه تسعين ألف حجاب. و أقرب الخلق إلى اللّه أنا و إسرافيل. و بيننا و بينه أربعة حجب: حجاب من نور، و حجاب من ظلمة، و حجاب من الغمام، و حجاب من الماء.

و احتج بالآية من زعم فضل الملائكة على الأنبياء و قال: مساقه لردّ النّصارى في رفع المسيح عن مقام العبوديّة، و ذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتّى يكون عدم استنكافهم كالدّليل على عدم استنكافه.

و جوابه، أنّ الآية للرّدّ على عبدة المسيح و الملائكة، فلا يتّجه ذلك و إن سلم اختصاصها بالنّصارى، فلعلّه أراد بالعطف المبالغة باعتبار آخر دون التّكبير، كقولك:

أصبح الأمير لا يخالفه رئيس و لا مرؤوس‏ «3».

و في كتاب علل الشّرائع‏ «4»، بإسناده إلى ابن عبّاس، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، و فيه يقول- عليه السّلام-: لمّا عرج بي إلى السّماء الرّابعة أذّن جبرئيل و أقام ميكائيل، ثمّ قيل: ادن يا محمّد.

______________________________
(1) علل الشرائع 1/ 158، ح 3.

(2) تفسير القمي 2/ 10.

(3) أنوار التنزيل 1/ 258.

(4) علل الشرائع/ 6، ح 1.

 

596
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 155 الى 172] ص : 578

فقلت: أتقدم و أنت بحضرتي يا جبرئيل؟

قال: نعم، إنّ اللّه- عزّ و جلّ- فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، و فضّلت أنت خاصّة. فدنوت و صلّيت بأهل السّماء الرّابعة.

[و في كتاب الاحتجاج‏ «1»، للطّبرسيّ- رحمه اللّه- عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، و فيه قالوا: يا رسول اللّه، أخبرنا عن عليّ، أ هو أفضل أم ملائكة اللّه المقرّبون؟

فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: و هل شرّفت الملائكة إلّا بحبّها لمحمّد و عليّ و قبولها لولايتهما؟ و إنّه لا أحد من محبيّ عليّ- عليه السّلام- قد نظّف قلبه من قذر الغشّ و الدّغل و الغلّ‏ «2» و نجاسة «3» الذّنوب إلّا كان أطهر و أفضل من الملائكة.

و في كتاب كمال الدّين و تمام النّعمة «4»، بإسناده إلى المفضّل بن عمر «5»، عن الصّادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه- عليهم السّلام- عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: لمّا أسري بي إلى السّماء أوحى إليّ ربّي- جلّ جلاله- فقال: يا محمّد، إنّي اطلعت إلى‏ «6» الأرض اطّلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيّا و شققت لك من اسمي اسما. فأنا المحمود و أنت محمّد. ثمّ اطّلعت الثّانية. فاخترت منها عليّا. و جعلته وصيّك و خليفتك و زوج ابنتك و أبا ذرّيّتك.

و شققت له اسما من أسمائي. فأنا العليّ الأعلى و هو عليّ. و خلقت فاطمة و الحسن و الحسين من نور كما. ثمّ عرضت ولايتهم على الملائكة. فمن قبلها كان عندي من المقرّبين.

و الحديث طويل، أخذت منه موضع الحاجة.

و في أمالي الصّدوق‏ «7»، بإسناده إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- حديث طويل، يذكر فيه فاطمة- عليها السّلام- و فيه: فإنّها تقوم‏ «8» في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف‏

______________________________
(1) الاحتجاج 1/ 62.

(2) ليس في المصدر.

(3) المصدر: نجاسات.

(4) كمال الدين و تمام النعمة/ 252، صدر حديث 2.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: فضل بن عمر.

(6) المصدر: على.

(7) أمالي الصدوق/ 394، ضمن حديث 18، و أوله في ص 393.

(8) المصدر: و إنّها لتقوم.

 

597
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 173 الى 176] ص : 598

 

ملك من الملائكة المقرّبين، و ينادونها بما نادت به الملائكة مريم‏] «1».

وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ: يترفّع عنها.

و الاستكبار، دون الاستنكاف. و إنّما يستعمل حيث لا استحقاق، بخلاف التّكبر فإنّه قد يكون باستحقاق، كما هو في اللّه- سبحانه-.

فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (172): المستنكف و المستكبر و المقرّ بالعبوديّة، فيجازيهم على حسب أحوالهم.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً (173): تفصيل للمجازاة، المدلول عليها من فحوى الكلام. و كأنّه قال: فسيحشرهم إليه جميعا يوم يحشر العباد للمجازاة. أو لمجازاة المستنكف و المستكبر.

فإنّ إثابة مقابليهم و الإحسان إليهم تعذيب لهم بالغمّ و الحسرة.

يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (174):

قيل‏ «2»: المراد بالبرهان، المعجزات، و بالنّور، القرآن، أي: جاءكم دلائل العقل و شواهد النّقل، و لم يبق لكم عذر و لا علّة.

و قيل: البرهان، رسول اللّه، و النّور، القرآن.

و في مجمع البيان‏ «3»، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام-: النّور، ولاية عليّ- عليه السّلام-.

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ اعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ‏: ثواب مستحقّ.

وَ فَضْلٍ‏: و إحسان زائد عليه.

وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ‏: إلى اللّه. أو الموعود من الرّحمة و الفضل.

صِراطاً مُسْتَقِيماً (175): قد مرّ تحقيق معنى الصّراط في سورة الفاتحة.

و في تفسير العيّاشي‏ «4»: عن عبد اللّه بن سليمان قال: قلت لأبي عبد اللّه‏

______________________________
(1) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

(2) أنوار التنزيل 1/ 259.

(3) مجمع البيان 2/ 147.

(4) تفسير العياشي 1/ 285، ح 308.

 

 

598
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 173 الى 176] ص : 598

 

- عليه السّلام-: قوله: قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ‏ (الآية) قال: البرهان، محمّد- صلّى اللّه عليه و آله- و النّور، عليّ- عليه السّلام-.

قال: قلت له: صِراطاً مُسْتَقِيماً.

قال: الصّراط المستقيم، عليّ- عليه السّلام-.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «1»: النّور، إمامة أمير المؤمنين. و الاعتصام، التّمسّك بولايته و ولاية الأئمّة بعده.

يَسْتَفْتُونَكَ‏، أي: في الكلالة. حذفت لدلالة الجواب عليه.

نقل‏: أنّ جابر بن عبد اللّه كان مريضا. فعاوده رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله- فقال: يا رسول اللّه، إنّ لي كلالة، فكيف أصنع في مالي؟ فنزلت‏ «2».

و روي في مجمع البيان‏ «3» ما يقرب من ذلك.

قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ: معنى تفسيرها في أوائل السّورة.

[و في الكافي‏ «4»: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن جميل بن درّاج، عن زرارة قال‏: إذا ترك الرّجل أمّه أو أباه أو ابنه أو ابنته فإذا ترك واحدا من الأربعة، فليس بالّذي عنى اللّه في كتابه: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ.

عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد «5» و محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد و عليّ بن إبراهيم، عن أبيه جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي أيّوب و عبد اللّه بن بكير، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إذا ترك الرّجل أباه أو أمّه أو ابنه أو ابنته إذا ترك واحدا من هؤلاء الأربعة، فليس هم الّذين عنى اللّه: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ] «6».

إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ‏: ارتفع «امرؤ» بفعل يفسّره الظّاهر. و ليس «له ولد» صفة له، أو حال من المستكنّ في «هلك». و

______________________________
(1) تفسير القمي 1/ 159.

(2) أنوار التنزيل 1/ 259 و جوامع الجامع/ 103.

(3) مجمع البيان 2/ 149.

(4) الكافي 7/ 83، ذيل حديث 1، و أوّله في ص 82.

(5) نفس المصدر 7/ 99، ح 1.

(6) ما بين المعقوفتين ليس في أ.

 

599
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 173 الى 176] ص : 598

«الواو» في «له» يحتمل الحال و العطف، أي: أخت لأب و أمّ. أو أخت لأب. كذا

عن الصّادق- عليه السّلام-. «1» فللأخت نصف ما ترك الميّت بالفرض، و الباقي يردّ عليها- أيضا-.

وَ هُوَ يَرِثُها، أي: المرء يرث أخته جميع مالها، إن كانت الأخت هي الميّتة.

إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ: و لا والد. لأنّ الكلام في ميراث الكلالة، و لأنّ السّنّة دلّت على أنّ الإخوة لا يرثون مع الأب. كما تواتر عن أهل البيت- عليهم السّلام-.

فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ‏: الضّمير لمن يرث بالأخوّة. و تثنيته محمولة على المعنى.

و فائدة الأخبار باثنتين، التّنبيه على أنّ الحكم باعتبار العدد دون الصّغر و الكبر و غيرهما.

فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏: فيه تغليب و أصله: إن كانوا إخوة و أخوات. فغلّب المذكّر.

و في تفسير عليّ بن إبراهيم‏ «2»: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن بكير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: إذا مات الرّجل و له أخت تأخذ نصف الميراث بالآية، كما تأخذ البنت لو كانت و النّصف الآخر يردّ عليها بالرّحم إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها. فإن كان موضع الأخت أخ أخذ الميراث كلّه بالآية لقول اللّه- تعالى-: وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ. فإن كانتا أختين أخذتا الثّلثين بالآية، و الثّلث الباقي بالرّحم. و إن كانوا إخوة رجالا و نساء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. و ذلك كلّه إذا لم يكن للميّت ولد أو أبوان أو زوجة.

[و في الكافي‏ «3»: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير و محمّد بن عيسى، عن يونس، عن عمر بن أذينة، عن بكير قال: جاء رجل إلى أبي جعفر- عليه السّلام- فسأله عن امرأة تركت زوجها و إخوتها لأمّها و أختها لأبيها.

فقال: للزّوج النّصف ثلاثة أسهم، و للإخوة من الأمّ الثّلث سهمان، و للأخت من الأب السّدس سهم.

فقال له الرّجل: فإنّ فرائض زيد و فرائض العامّة و القضاة «4» على غير ذلك يا أبا جعفر، يقولون: للأخت من الأب ثلاثة أسهم تصير من ستّة و تعول إلى ثمانية.

______________________________
(1) ر. الكافي 7/ 101- 102، ضمن حديث 3.

(2) تفسير القمي 1/ 159.

(3) الكافي 7/ 102- 103، ح 4.

(4) هكذا في المصدر. و في النسخ: القضاء.

 

600
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 173 الى 176] ص : 598

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: فلم قالوا ذلك؟

قال: لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ‏.

فقال أبو جعفر- عليه السّلام-: فإن كانت الأخت أخا؟

قال: فليس له إلّا السّدس.

فقال له أبو جعفر- عليه السّلام-: فما لكم نقصتم الأخ إن كنتم تحتجّون للأخت النّصف بأنّ اللّه سمّى لها النّصف، فإنّ اللّه قد سمّى للأخ الكلّ. و الكلّ أكثر من النّصف لأنّه قال- عزّ و جلّ-: فَلَهَا النِّصْفُ‏ و قال للأخ‏ وَ هُوَ يَرِثُها، يعني:

جميع مالها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فلا تعطون الّذي جعل اللّه له الجميع في بعض فرائضكم شيئا، و تعطون الّذي جعل اللّه له النّصف تاما.

فقال له الرّجل: أصلحك اللّه، فكيف يعطى‏ «1» الأخت النّصف و لا يعطى‏ «2» الذّكر لو كانت هي ذكرا شيئا؟

فقال: يقولون‏ «3» في أمّ و زوج و إخوة لأمّ و أخت لأب، فيعطون‏ «4» الزّوج النّصف و الأمّ السّدس و الإخوة من الأمّ الثّلث و الأخت من الأب النّصف ثلاثة، فيجعلونها من تسعة و هي من ستّة، فترتفع إلى تسعة.

قال: و كذلك يقولون‏ «5» فإن كانت الأخت ذكرا أخا لأب. «6» قال: ليس له شي‏ء.

فقال الرّجل لأبي جعفر- عليه السّلام-: فما تقول أنت- جعلت فداك‏ «7»

فقال: ليس للإخوة من الأب و الأمّ و لا للإخوة «8» من الأمّ و لا الإخوة من الأب مع الأمّ شي‏ء «9».

قال عمر بن أذينة: و سمعته من محمّد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر من‏ «10» بكير

______________________________
(1) المصدر: نعطي.

(2) المصدر: لا نعطي.

(3) المصدر: قال تقولون.

(4) المصدر: يعطون.

(5) المصدر: تقولون.

(6) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأب.

(7) المصدر: «جعلني اللّه فداك فما تقول أنت» بدل «فما تقول أنت جعلت فداك».

(8) المصدر: الاخوة.

(9) هكذا في المصدر. و في النسخ: الأبّ.

(10) ليس في المصدر.

 

601
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 173 الى 176] ص : 598

المعنى سواء، و لست أحفظه بحروفه و تفصيله إلّا معناه. قال فذكرت ذلك لزرارة.

فقال: صدقا هو و اللّه الحقّ.

محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان‏ «1»، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بكير، عن أبي جعفر- عليه السّلام- قال‏: سأله رجل عن أختين و زوج.

فقال: النّصف و النّصف.

فقال الرّجل: أصلحك اللّه، قد سمّى اللّه لهما أكثر من هذا، لهما «2» الثّلثان.

فقال: ما تقول في أخ و زوج؟

فقال: النّصف و النّصف.

فقال: أليس اللّه قد سمّى له‏ «3» المال فقال: وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ؟

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد «4»، عن الحسن بن عليّ، عن عبد اللّه بن المغيرة «5»، عن موسى بن بكر قال: قلت لزرارة: إنّ بكير حدّثني، عن أبي جعفر- عليه السّلام- أنّ الإخوة للأب و الأخوات للأب و الأمّ يزادون و ينقصون لأنّهنّ لا يكنّ أكثر نصيبا من الإخوة و الأخوات للأب و الأمّ لو كانوا مكانهنّ، لأنّ اللّه- عزّ و جلّ- يقول: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ يقول: يرث جميع مالها إن لم يكن لها ولد، فأعطوا من سمّى اللّه له النّصف كملا، و عمدوا فأعطوا الّذي سمّى اللّه له المال كلّه أقلّ من النّصف، و المرأة لا تكون أبدا أكثر نصيبا من الرّجل‏ «6» لو كان مكانها.

قال: فقال زرارة: و هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه.

______________________________
(1) نفس المصدر 7/ 103، ح 6.

(2) هكذا في المصدر. و في النسخ: «مع اللّه» بدل «من هذا لهما».

(3) المصدر: «قد سمّى اللّه» بدل «اللّه قد سمّى له».

(4) نفس المصدر 7/ 104، ح 7.

(5) هكذا في المصدر. و في النسخ: «عبيد اللّه بن المغيرة». و هي خطأ. لأنّه عدّه من أصحاب السجاد- عليه السّلام- و بطلان روايته عن موسى بن بكر الّذي هو من أصحاب الباقر أو الصادق أو الكاظم- عليهم السّلام- واضح. ر، تنقيح المقال 2/ 241، رقم 7641 و 3/ 253- 254 رقمين 12224 و 12225. و أما بالنسبة إلى «عبد اللّه بن المغيرة» راجع نفس المصدر 2/ 218، رقمين 7083 و 7084.

(6) المصدر: رجل.

602
تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب3

[سورة النساء(4): الآيات 173 الى 176] ص : 598

عليّ بن إبراهيم، عن أبيه‏ «1»، عن ابن أبي عمير و محمّد بن عيسى، عن يونس جميعا، عن عمر بن أذينة، عن بكير بن أعين، عن أبي عبد اللّه- عليه السّلام- و ذكر حديثا طويلا يقول- عليه السّلام- في آخره: و في آخر سورة النّساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَهُ أُخْتٌ‏، يعني: أختا «2» لأب و أمّ. أو أختا «3» لأب‏ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَ هُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ ... وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ‏ و هم الّذين يزادون و ينقصون.] «4»

يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، أي: يبيّن لكم ضلالكم الّذي من شأنكم إذا خليتم و طبائعكم، لتحترزوا عنه و تتحرّوا خلافه. أو يبيّن لكم الحقّ و الصّواب، كراهة أن تضلّوا.

و قال الكوفيّون‏ «5»: لئلّا تضلّوا. فحذف «لا».

وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ‏ (176): فهو عالم بمصالح العباد في المحيا و الممات.

قيل‏ «6». هي آخر آية نزلت في الأحكام.

______________________________
(1) نفس المصدر 7/ 101- 102، ضمن حديث 3.

2 و 3- هكذا في المصدر. و في النسخ: أخت.

(4) ما بين المعقوفتين ليس في أ. و فيه بدل ما نقل: و مضمون هذا الخبر [يعني به خبر الذي نقل عن تفسير القمي 1/ 159] مرويّ في كثير من الأخبار المعصوميّة المرويّة في الكافي [7/ 105] و غيره.

(5) أنوار التنزيل 1/ 260.

(6) مجمع البيان 2/ 149، عن البراء بن عازب.

 

603