مفردات ألفاظ القرآن
مقدمة المحقق
مقدّمة المحقّق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
الحمد للّه العليم الوارث، الحكيم الباعث، و الصّلاة و السّلام على خير الخلائق، محمد الذي جاء بأفضل الطرائق، و هدى لأقوم المناهج.
و بعد، فعلم التفسير من أشرف العلوم، و هو أولى ما يعكف عليه الباحث، و يلزمه الدارس، و المصنّفات فيه لا تدخل تحت حدّ و حصر، منها المطبوع، و المخطوط، و المفقود، و من أجلّ ما صنّف في غريب القرآن كتاب «المفردات» للراغب الأصفهاني.
لذا عملنا على تحقيقه و ضبطه، و إخراجه بصورة تناسب مكانته العلمية، و هيئة تلائم صدارته العملية، إذ أنّ النسخ المطبوعة مليئة بالأخطاء، و مشحونة بالتصحيفات و التحريفات، و فيها أحياناً نقص إمّا في الأبواب، و إمّا في الآيات، و إمّا في الأشعار.
و بدأنا أولًا بدراسة عن المؤلّف و حياته، و كتابه، و أتينا- بحمد اللّه- بما لم يأت به أحد قبلنا فيما يتعلق بالمؤلف و ترجمته. ثم قمنا بتحقيق الخطوات التالية:
1- ضبط نص الكتاب، و مقابلته على عدة نسخ.
2- شكل الكلمات التي تحتاج إلى شكل.
3- تخريج الآيات القرآنية، و ذكر أرقامها و سورها. و جعلناها في المتن تخفيفاً للحواشي.
4- تخريج القراءات القرآنية، و نسبة كلّ قراءة إلى قارئها، و تبيين القراءة الصحيحة من الشاذة.
5- تخريج الأحاديث و الآثار من كتب السّنّة، و كنّا، غالباً نذكر درجتها من الصحة و الضعف.
6- نسبة الأبيات الشعرية لقائليها، و بيان محلها في كتب اللغة و التفسير، و ضبط الأبيات، إذ قلّ ما وجدناه منها صحيحاً.
7- ضبط الأمثال و الأقوال العربية، و بيان محالها في كتب اللغة.
5
مفردات ألفاظ القرآن
مقدمة المحقق
8- ترجمة مختصرة للأعلام الواردة، و ذكر أماكن ترجمتها.
9- و في الختام قمنا بعمل الفهارس العلمية للكتاب، لتسهّل للباحث الاطلاع و الرجوع.
و نسأل اللّه التوفيق و السداد، و القبول و الصواب، و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
صفوان داودي المدينة المنورة- شعبان 1408 ه
6
مفردات ألفاظ القرآن
ترجمة المؤلف ص 7
ترجمة المؤلف
اسمه و نسبه «1»:
اشتهر الراغب الأصفهاني بلقبه، فلذلك كثر الاختلاف في اسمه، و الأشهر أنّ اسمه الحسين، و عليه مشى جلّ من ترجم له.
فقيل: الحسين بن محمد بن المفضل «2»، و قيل: الحسين بن مفضل بن محمد «3».
و قيل: الحسين بن الفضل «4»، و قيل: المفضل بن محمد «5».
شيوخه و تلامذته:
لم تذكر المصادر المتوفرة بأيدينا شيئاً عمّن تلقّى عنه الراغب علومه و ثقافته، كما لم تذكر شيئاً عن تلامذته و طلابه، و الظاهر أنّ المؤلف كان مغموراً يحبّ الخمول كما يتضح لنا من شعره كما سيأتي.
لكن الذي يغلب على ظني و يترجح عندي أنّه قرأ العربية على أبي منصور الجبان،
__________________________________________________
(1) انظر: ترجمته في بغية الوعاة للسيوطي 2/ 297، و تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي ص 112، و نزهة الأرواح و روضة الأفراح للشهرزوري 2/ 44، و طبقات المفسرين للداوودي 2/ 329، و الأعلام للزركلي 2/ 255، و معجم المؤلفين 4/ 59، و هدية العارفين ص 3110، و كشف الظنون 1/ 36، و مفتاح السعادة 1/ 183، و البلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروزآبادي ص 69، و سير أعلام النبلاء للذهبي 18/ 120، و الوافي للصفدي 13/ 45.
(2) و عليه مشى صاحب الأعلام و صاحب معجم المؤلفين و الذهبي و الصفدي.
(3) و عليه مشى صاحب فهرس الخزانة التيمورية 3/ 108.
(4) و عليه مشى صاحب نزهة الأرواح.
(5) و عليه مشى السيوطي و الداودي.
7
مفردات ألفاظ القرآن
شيوخه و تلامذته ص 7
و اسمه محمد بن علي بن عمر، قال عنه ياقوت: أحد حسنات الري، و علمائها الأعيان، جيّد المعرفة باللّغة، باقعة الوقت، و فرد الدّهر، و بحر العلم، و روضة الأدب «1».
و قال القفطي: الفاضل الكامل العلامة، شيخ وقته في اللغة و استفادتها، و له رواية «2».
و قال أيضاً: هو إمام في اللغة، مبرز في زمانه «3».
و كان الصاحب يعزّه و يجلّه. و له مناظرة مع ابن سينا.
صنّف كتاب «الشامل» في اللغة، كثّر فيه الألفاظ اللغوية، و قابل الشواهد، فهو في غاية الإفادة من حيث الكثرة، و له أيضاً كتاب كبير سماه: «لسان العرب» استوفى فيه اللغة غاية إمكانه، لكنه مات قبل إخراجه من المسوّدة.
و قال السيوطي: الشامل في اللغة، قرئ عليه سنة ستّ عشرة و أربعمائة «4».
و الذي حملني على هذا الظن أنّه أولًا: كان معاصراً للراغب، و في طبقةٍ قبل طبقته، إذ أنه أدرك الصاحب بن عباد، و الراغب لم يدركه مجالسةً. ثانياً: أنّ الراغب نقل عنه باسمه في كتابه «المفردات» «5».
فأظنه حضر دروسه في كتاب «الشامل»، لأنهما كانا في أصبهان. و اللّه أعلم بالصواب.
مؤلفاته:
خلّف الراغب تراثاً كبيراً من المؤلفات، و حريّ به ذلك، إذ أنّه عاش في القرن الرابع الهجري و هو قرن الازدهار العلمي، و النهضة و العلمية. فمنها:
1- كتاب المفردات في غريب القرآن. و سنعقد له باباً خاصاً.
2- تفسير القرآن الكريم. و بعضهم يسميه «جامع التفاسير»، و هو خطأ، و إنّما اسمه:
«جامع التفسير»، و فرق واضح بين الاسمين.
و قد ذكره الراغب نفسه في كتابه: «حلّ متشابهات القرآن» عند كلامه على سورة الكافرون، فقال: إنا قد أجبنا في «جامع التفسير» عن ذلك بأجوبة كثيرة «6».
__________________________________________________
(1) انظر: معجم الأدباء 18/ 260.
(2) انظر: إنباه الرواة 3/ 194.
(3) انظر: إنباه الرواة 4/ 176.
(4) انظر: بغية الوعاة 1/ 185.
(5) انظر: مادة (دلى).
(6) انظر: حل متشابهات القرآن- خ، ص 280.
8
مفردات ألفاظ القرآن
مؤلفاته ص 8
و ذكره صاحب كشف الظنون، فقال: و هو تفسير معتبر في مجلد، أوله: الحمد للّه على آلائه ... إلخ.
أورد في أوله مقدّمات نافعة في التفسير، و طرزه «1» أنّه أورد جملًا من الآيات، ثم فسّرها تفسيراً مشبعاً، و هو أحد مآخذ أنوار التنزيل للبيضاوي «2».
- و قد طبعت مقدّمة التفسير مع تفسير سورة الفاتحة و أوائل سورة البقرة بتحقيق د. أحمد فرحات في دار الدعوة في الكويت.
و قال الفيروزآبادي: له التفسير الكبير في عشرة أسفار، غاية في التحقيق.
فإذا أردنا أن نجمع بين قول صاحب كشف الظنون و بين قول الفيروزآبادي فهذا يعني أنّ للراغب تفسيرين: أحدهما كبير، و الآخر صغير.
أما تفسيره فتوجد منه نسخة خطية في مكتبة ولي الدين جار اللّه في تركيا، و فيها الجزء الأول من أول المقدمة و ينتهي بتفسير آخر سورة المائدة، و يقع في 350 ورقة، و لم نجد بقيّته إلى الآن.
و اطلعت على تفسير آخر للقرآن مختصر منسوب للراغب الأصفهاني، و اسمه:
مختصر تفسير متشابهات القرآن، و منه نسخة مخطوطة في اليمن في مكتبة مسجد صنعاء، في 165 ورقة، لكنه يحتاج لتأكيد النسبة.
3- درّة التأويل في متشابه التنزيل. و أظن أن اسمه أيضاً: درة التأويل في حل متشابهات القرآن.
فكثير من الباحثين جعلوهما كتابين، أي: درة التأويل كتاب، و حل متشابهات القرآن كتاب، و هما في الحقيقة كتاب واحد.
فنجد مثلًا حاجي خليفة ذكر كتاب «درّة التأويل في متشابه التنزيل» في الكشف 1/ 439، و بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 3/ 505.
قال حاجي خليفة: و ذكر الراغب أنّه صنفه بعد ما عمل كتاب «المعاني الكبير» و أملى كتاب «احتجاج القراء».
و نجد أنّ الراغب ذكر ذلك في مقدمة كتابه «حل متشابهات القرآن» «3» الذي سموه: درّة التأويل.
__________________________________________________
(1) أي: أسلوبه.
(2) انظر: كشف الظنون 1/ 477.
(3) انظر: حل متشابهات القرآن- خ ص 1 (مخطوط راغب باشا).
9
مفردات ألفاظ القرآن
مؤلفاته ص 8
و ذكر بروكلمان أيضاً كتاب «حل متشابهات القرآن» فجعله غير الأول، و قال:
و هو مخطوط في مكتبة راغب باشا رقم 180، بينما قال: إنّ كتاب درّة التأويل مخطوط في مكتبة أسعد أفندي في جامع السليمانية، و المتحف البريطاني.
و قد اطلعت على نسخة المتحف البريطاني فإذا هي عينها كتاب «حلّ متشابهات القرآن» الموجود في مكتبة راغب باشا.
و ذكر عدد من الباحثين أنّ كتاب «درّة التنزيل و غرّة التأويل» المطبوع، و المنسوب للخطيب الإسكافي هو نفس كتاب الراغب، و هذا لا يبعد، ففي مقارنة الكتابين وجدنا تطابقاً كاملا بينهما عدا الصفحة الأولى فيها بعض الاختلاف. و الذي يترجح عندي أن الكتاب للراغب لكن الصفحة الأولى وضعت خطأ عليه، أو سهواً، أو تعمّداً، إذ ذكر إبراهيم بن علي بن محمد المعروف بابن أبي الفرج الأردستاني أنّ هذه المسائل أملاها أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الخطيب في القلعة الفخرية إملاءً، كما ذكر في المقدمة أنّ له- أي الخطيب- «كتابا في الحروف المقطعة»، و هذا لم ينسبه أحد للراغب. و اللّه أعلم بالصواب.
4- تحقيق البيان في تأويل القرآن. ذكره الراغب في مقدمة كتابه «الذريعة إلى مكارم الشريعة» «1»، و بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 5/ 211، و حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 377.
و جعله بروكلمان كتابا في الأدب، و ذكر أنه مخطوط في مشهد 1/ 24، 56.
و قد اطّلعت على نسخة مخطوطة منه مصورة في أم القرى من كتابخانه آستانة- قدس- في مشهد، و بعد المقارنة تبين أنه كتاب الاعتقاد للراغب، و ليس كتاب تحقيق البيان المذكور.
و على هذا يعتبر هذا الكتاب حاليا من المفقودات.
5- احتجاج القراء. ذكره الراغب في مقدمة حل متشابهات القرآن «2»، و ذكره حاجي خليفة 2/ 15.
6- المعاني الأكبر. ذكره الراغب في مقدمة حل متشابهات القرآن، و حاجي خليفة 2/ 1729.
__________________________________________________
(1) انظر: الذريعة ص 2.
(2) انظر: ورقة 1.
10
مفردات ألفاظ القرآن
مؤلفاته ص 8
7- الرسالة المنبهة على فوائد القرآن. ذكرها الراغب في مقدمة المفردات، و لم نعثر عليها. و ذكرها أيضا في مادة: حرف.
8- محاضرات الأدباء و محاورات البلغاء و الشعراء. و هو كتاب ذو شهرة كبيرة في ميدان الأدب، مطبوع في مجلدين كبيرين، بمكتبة الحياة- في بيروت، لكنّه ملئ بالأخطاء المطبعية و التصحيفات و التحريفات في الأعلام و الأشعار.
و لأهمية هذا الكتاب كان يهدى إلى الوزراء و الأمراء، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء ص 369 أنّ أمين الدولة ابن التلميذ أهدى كتاب المحاضرات إلى الوزير ابن صدقة، و كتب معه:
لمّا تعذر أن أكون ملازما لجناب مولانا الوزير الصاحب
و رغبت في ذكري بحضرة مجده أذكرته بمحاضرات الراغب
9- مجمع البلاغة، و يسمّى أفانين البلاغة. طبع مؤخّرا في عمّان، بمكتبة الأقصى، بتحقيق الدكتور عمر الساريسي، و بذل فيه جهدا طيبا لكن فيه كثير من الأشعار المشهورة لم يعرف نسبتها.
10- أدب الشطرنج. ذكره بروكلمان 5/ 211، و لم نعثر عليه.
11- مختصر إصلاح المنطق. توجد منه نسخة مخطوطة في مركز البحوث الإسلامية في جامعة أم القرى برقم 316، و هو مصوّر عن نسخة المكتبة التيمورية رقم 137.
12- رسالة في آداب مخالطة الناس. مخطوطة ضمن مجموعة رسائل للراغب برقم 3654 بمكتبة أسعد أفندي في تركيا.
13- رسالة في الاعتقاد. و قد قام بتحقيقها الطالب أختر جمال محمد لقمان، و نال بها شهادة الماجستير في جامعة أم القرى بمكة المكرمة قسم العقيدة، عام 1401- 1402 ه، و المشرف على الرسالة الدكتور محيي الدين الصافي، و قد اطلعت عليها، و هي مطبوعة على الآلة الكاتبة في 400 صفحة. و لكن الطالب لم يأت بدراسة وافية عن الراغب.
14- الذريعة إلى مكارم الشريعة. مطبوع عدة طبعات، آخرها بتحقيق الدكتور محمد أبو اليزيد العجمي، و قد خلط في مقدمته بين الراغب و عالم آخر، فقال عن الراغب: ذكر أنه ولي القضاء، و أقام ببغداد خمس سنين، و استقر بمرسية، و استقضى فيها و لما كانت وقعة قتندة بثغر الأندلس شهدها غازيا، و استشهد فيها. ا. ه.
11
مفردات ألفاظ القرآن
مؤلفاته ص 8
و هذه الترجمة ليست للراغب بل هي لابن سكّرة، و اسمه الحسين بن محمد بن سكرة توفي 514 ه، فظنّه الراغب؟!.
قال حاجي خليفة: قيل: إنّ الإمام الغزالي كان يستصحب كتاب الذريعة دائما و يستحسنه لنفاسته.
أقول: و للغزالي أيضا كتاب اسمه «الذريعة إلى مكارم الشريعة» و لعلّه تأثر بكتاب الراغب فسمّاه باسمه، أو لعلّ المراد أن الغزالي يستصحب كتابه هذا معه في الأسفار، أو هو نفس كتاب الراغب، و لكثرة ملازمته له ظنّ أنه للغزالي. و اللّه أعلم بالصواب «1». و الغزالي متأثر بكتب الراغب، ففي كتاب معارج القدس ينقل فصلا كاملا من كتاب «تفصيل النشأتين» للراغب، و هو تظاهر العقل إلى الشرع و افتقار أحدهما إلى الآخر.
15- تفصيل النشأتين و تحصيل السعادتين. ألّفه للوزير أبي العباس الضبي، و قد طبع عدّة طبعات، آخرها: طبع دار الغرب الإسلامي بتحقيق الدكتور عبد المجيد النجار، عام 1988 م 1408 ه. و لم يأت فيه بشيء يذكر عن الراغب و حياته.
16- الإيمان و الكفر. ذكره صاحب هدية العارفين 1/ 311، و لم نجد عنه خبرا.
17- رسالة في مراتب العلوم. مخطوطة ضمن رسائل الراغب بمكتبة أسعد أفندي رقم 3654، و تقع في سبع ورقات.
18- كتاب كلمات الصحابة. ذكره البيهقي في تاريخ حكماء الإسلام ص 112.
19- أصول الاشتقاق. ذكره الراغب في المفردات، انظر مادة: جدر.
20- رسالة في شرح حديث «ستفترق أمتي» و الجمع بين الروايتين للحديث الأولى: [كلها في النار إلا واحدة] و الثانية: [كلها في الجنة إلا واحدة].
ذكره الراغب في كتاب الذريعة ص 132.
21- كتاب شرف التصوف ... ذكره الراغب في تفسيره ورقة 42 و 50.
22- تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد. ذكره في مقدمة المفردات، و في تفسيره ورقة 54.
23- رسالة تحقيق مناسبات الألفاظ. ذكره في مقدمة المفردات.
__________________________________________________
(1) انظر: كشف الظنون 1/ 826، و مقدمة إحياء علوم الدين تحقيق د. طبانة ص 22.
12
مفردات ألفاظ القرآن
كتب نسبت إليه ص 13
كتبٌ نُسبت إليه:
- وجدت في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة كتابا باسم «أطباق الذهب» نسب للراغب الأصفهاني، عارض فيه «أطواق الذهب» للزمخشري. و منه نسختان خطيتان فيها.
و واضح أنه ليس للراغب، لأنّ الراغب توفي قبل الزمخشري بقرن، و الصحيح نسبة الكتاب لعبد المؤمن بن هبة اللّه الأصفهاني.
ثم وجدته مطبوعا بهذه النسبة بمطبعة بولاق بمصر، و منه نسخة في مكتبة الحرم المدني الشريف.
وصفه و خُلقه:
قال عنه الذهبي: العلّامة الماهر، و المحقق الباهر، كان من أذكياء المتكلمين «1».
و قال البيهقي و تبعه الشهرزوري: كان من حكماء الإسلام، و هو الذي جمع بين الشريعة و الحكمة «2»، و كان حظّه من المعقولات أكثر «3».
و قال الصلاح الصفدي: أحد أعلام العلم، و مشاهير الفضل، متحقق بغير فنّ من العلم و له تصانيف تدل على تحقيقه و سعة دائرته في العلوم، و تمكّنه فيها «4».
- و وجد على نسخة مخطوطة من كتاب الذريعة: كان حسن الخلق و الخلق، و كان يستعبد الناس حسن محاورته بهم «5».
- و جاء على الورقة الأخيرة من مخطوطة حل متشابهات القرآن: تصدر للوعظ و التدريس و التأليف، و له مصنفات كثيرة جليلة، و مناظرات عجيبة «6».
و قال الخوانساري عنه: الإمام، الأديب، و الحافظ العجيب، صاحب اللغة و العربية، و الحديث و الشعر و الكتابة، و الأخلاق و الحكمة و الكلام، و علوم الأوائل، و غير ذلك، و فضله أشهر من أن يوصف، و وصفه أرفع من أن يعرف، و كفاه منقبة أنّ له قبول العامة و الخاصة، و فيما تحقّق له من اللغة خاصة، و كان من الشافعية كما استفيد لنا من فقه محاضراته «7».
ثم قال: ذكره صاحب «معجم الأدباء» كما نقل عنه بهذه الصورة: الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، أحد أعلام العلم بغير فنّ من العلوم أدبيّها و حكميّها، و له كتاب تفسير القرآن، قيل: و هو كبير.
__________________________________________________
(1) انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 120.
(2) و سنفرد لذلك بابا خاصا في آخر المقدمة.
(3) انظر: تاريخ حكماء الإسلام ص 112، و نزهة الأرواح 2/ 44.
(4) انظر: الوافي في الوفيات 13/ 45.
(5) انظر: الراغب الأصفهاني و جهوده للساريسي ص 33.
(6) انظر: الراغب الأصفهاني و جهوده للساريسي ص 33.
(7) انظر: روضات الجنات ص 238- 250.
13
مفردات ألفاظ القرآن
وصفه و خلقه ص 13
قلت: فإن صحّ نقل الخوانساري عن ياقوت فهذا يعني أن كتاب معجم الأدباء المطبوع ناقص، أو احتمال آخر أنه ذكره في غير هذا الكتاب. و اللّه أعلم.
- و كان المؤلّف يؤثر التواضع و الخمول، و يكره الشهرة و الذيوع، و يعتبر أنّ من مدح نفسه فقد ذمها و عابها، فنجده يقول في محاضراته: (و أعوذ باللّه أن أكون ممن مدح نفسه و زكّاها، فعابها بذلك و هجاها، و ممن أزرى بعقله بفعله) «1».
و يؤيّد هذا أنه يعتبر أنّ من ذكر أشعاره في مصنفاته فهو مزر بعقله، فيقول: أعوذ باللّه أن أكون ممن يزري بعقله بتضمين مصنفاته شعر نفسه «2».
و أيضا كان الراغب أيضا من الصوفية الذين يفضلون الخمول، و قد ذكره الهجويري في كتابه «كشف المحجوب» 2/ 584 أنه كان من مشايخ الطريقة.
عقيدته:
تنازع الناس في عقيدة الراغب، فقال قوم: هو من المعتزلة، و قال آخرون: هو من الشيعة، و قال غيرهم: هو من أهل السّنة و الجماعة.
و الصحيح الذي لا غبار عليه- إن شاء اللّه تعالى- أنّه من أهل السنة و الجماعة.
و يؤيد هذا ما ذكره السيوطي فقال: كان في ظني أنّه معتزلي، حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من «القواعد الصغرى» لابن عبد السلام ما نصه: ذكر الإمام فخر الدين الرازي في: «تأسيس التقديس» في الأصول أنّ أبا القاسم الراغب كان من أئمة السّنة، و قرنه بالغزالي.
قال: و هي فائدة حسنة، فإنّ كثيرا من النّاس يظنون أنّه معتزلي «3». ا. ه ..
و يتضح هذا أيضا من خلال كتابه «المفردات» حتى نجده يردّ على المعتزلة، فمن ذلك ردّه على الجبائي شيخ المعتزلة في مادة (ختم)، و على البلخي في مادة (خل).
و أيضا فإن الراغب قال في كتاب الاعتقاد: أمّا رؤية العباد للّه عزّ و جلّ في القيامة فقد أثبتها الحكماء و أصحاب الحديث كما نطق به الكتاب و السنة «4».
__________________________________________________
(1) انظر: المحاضرات 1/ 7.
(2) انظر: المحاضرات 1/ 110.
(3) انظر: بغية الوعاة 2/ 297، و أساس التقديس ص 7.
(4) انظر: رسالة الاعتقاد ص 105.
14
مفردات ألفاظ القرآن
عقيدته ص 14
و بذلك يخالف المعتزلة المنكرين للرؤية محتجين بقوله تعالى: لَنْ تَرانِي [الأعراف/ 143].
و له ردود أخرى عليهم في كتابه «الاعتقاد».
و أمّا تشيعه فقد أراد الشيعة أن يجعلوه في صفهم و من جماعتهم، نظرا لكثرة علمه، و سعة اطلاعه، و استدلوا على ذلك بكثرة نقوله عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه و أئمة آل البيت.
و هذا ليس بحجة، إذ حبّ آل البيت جاءت به الأخبار الصحيحة، فإذا ما أحبّهم أحد و نقل كلامهم فلا يعني أنه شيعي، و كثير من العلماء استشهدوا بأقوال آل البيت كالزمخشري مثلا في «ربيع الأبرار»، و الغزالي في «إحياء علوم الدين»، و الفيروزآبادي في «بصائر ذوي التمييز»، و غيرهم، و لم يقل أحد إنّهم من الشيعة.
و الذي يبطل مزاعمهم أيضا قول الراغب نفسه في رسالة الاعتقاد، لما ذكر أهل البدع قال:
و أعظمهم فرقتان: فرقة تدبّ في ضراء، و تسير حسوا في ارتضاء، تظهر موالاة أمير المؤمنين، و بها إضلال المؤمنين، يتوصلون بمدحه و إظهار محبته إلى ذمّ الصحابة و أزواج النبيّ رضي اللّه عنهم، و شهد التنزيل بذلك لهم، و يقولون: كلام اللّه رموز و ألغاز لا ينبئ ظاهره عن حق، و مفهومه عن صدق، يجعل ذلك من الذرائع إلى إبطال الشرائع «1».
و قال أيضا في موضع آخر: و الفرق المبتدعة الذين هم كالأصول للفرق الاثنين و السبعين سبعة: المشبّهة، و نفاة الصفات، و القدرية، و المرجئة، و الخوارج، و المخلوقية، و المتشيعة.
فالمشبّهة ضلّت في ذات اللّه، و نفاة الصفات في أفعاله، و الخوارج في الوعيد، و المرجئة في الإيمان، و المخلوقية في القرآن، و المتشيعة ضلّت في الإمامة.
و الفرقة الناجية هم أهل السّنّة و الجماعة الذين اقتدوا بالصحابة «2».
كل هذا يبيّن لنا أنّ الراغب ليس من المعتزلة و لا من الشيعة، بل من أهل السنة و الجماعة.
__________________________________________________
(1) انظر: رسالة الاعتقاد ص 43.
(2) انظر: كتاب الاعتقاد ص 54.
15
مفردات ألفاظ القرآن
مذهبه الفقهي ص 16
مذهبه الفقهي:
الذي تبيّن لنا بعد مطالعة كتبه أنّه لم يكن من المقلّدين لأحد في الفروع الفقهية، و إنما كان مجتهدا في ذلك. و بعضهم جعله شافعيا، و لم يصب، بل للمؤلف ردّ على بعض أقوال الشافعية.
ففي مادة (طهر)- مثلا- يقول في قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً:
قال أصحاب الشافعي رضي اللّه عنه: الطّهور بمعنى المطهّر، و ذلك لا يصح من حيث اللفظ، لأنّ فعولا لا يبنى من: أفعل و فعّل، و إنما يبنى من فعل.
و انظر كلامنا على ذلك في موضعه.
و نراه يعرض أقوال الفقهاء في خلال كتبه، فتارة يأخذ بقول ذا، و تارة بقول ذاك مما يدلّ على عدم التزامه بمذهب معين.
ففي مادة: عود، عند قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يقول: فعند أهل الظاهر: هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا، فحينئذ يلزمه الكفارة، و قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ كقوله: فَإِنْ فاؤُ.
و عند أبي حنيفة: العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها.
و عند الشافعي: هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدّة يمكنه أن يطلّق فيها فلم يفعل.
و في مادة (طهر)، عند قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ يقول:
فدلّ باللفظين على أنّه لا يجوز وطؤهنّ إلا بعد الطهارة و التطهير، و يؤكد ذلك قراءة من قرأ:
يَطَّهَّرْنَ أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل.
و هذا مذهب الشافعي، إذ لا يجوز عنده الوطء إلا بعد الاغتسال.
و في مادة (فكه)، يقول: الفاكهة قيل: هي الثمار كلها، و قيل: بل هي الثمار ما عدا العنب و الرّمان.
و قائل هذا كأنّه نظر إلى اختصاصهما بالذكر، و عطفهما على الفاكهة.
قلت: و هذا قول أبي حنيفة، فإنه لم يجعل العنب و الرمان من الفاكهة، لأنّ قوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ فيه العطف، و أصل العطف أن يكون للمغايرة.
و كذلك في كتابه «محاضرات الأدباء» يذكر أبوابا من الفقه كالصلاة، و الصيام، و الزكاة، و الحج و يذكر أحكامها على المذهب الشافعي، و المالكي، و الحنبلي، و الحنفي، و مذهب الشيعة، و مذهب الخوارج.
16
مفردات ألفاظ القرآن
مذهبه الفقهي ص 16
كل هذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه لم يكن ملتزما مذهبا معينا، و إن كان يميل أحيانا لبعض أقوال الشافعي، و نجده في تفسيره يردّ على ابن داود الظاهري في انتقاداته على الشافعيّ و يدافع عنه.
شعره:
لم تذكر المصنفات التي ترجمت للراغب سوى بيتين من الشعر، ذكرهما الشهرزوري في نزهة الأرواح و روضة الأفراح «1»، و هما:
يا من تكلّف إخفاء الهوى كلفا إنّ التكلّف يأتي دونه الكلف
و للمحبّ لسان من ضمائره بما يجنّ من الهواء يعترف
و من خلال مطالعة مصنفاته استطعنا العثور على محاورة شعرية له، فنجده يقول:
كتبت إلى أبي القاسم بن أبي العلاء أستعير منه شعر عمران بن حطّان، و ضمّنتها أبياتا لبعض من امتنع من إعارة الكتب إلا بالرهن، و أبياتا عارضها أبو علي بن أبي العلاء في مناقضته فقلت:
1-
يا ذا الذي بفضله أضحى الورى مفتخره
2- أصبحت يدعوني إلى شعر ابن حطّان شره
3- فليعطنيه منعما عارية لأشكره
4- مقتفيا والده ألبس ثوب المغفرة
5- عارض من أنشده إذ رام منه دفتره:
6- هذا كتاب حسن قدّمت فيه المعذرة
7- [حلفت باللّه الذي أطلب منه المغفرة
8- أن لا أعير أحدا إلا بأخذ التذكرة
9- بنكتة لطيفة أبلغ منها لم أره]
10- فقال- و القول الذي قد قاله و حبّره-:
11- [من لم يعر دفتره ضاقت عليه المعذرة
12- يقبح في الذكر و في السماع أخذ التذكرة
13- ما قال ذاك الشعر إلا ماضغ للعذرة]
14- فامنن به مقتفيا سلوك طرق البررة
__________________________________________________
(1) انظر: روضة الأفراح 1/ 44.
17
مفردات ألفاظ القرآن
شعره ص 17
فأجابني بأبيات، منها:
1- حبّر شعرا خلتني أنشر منه خبره
2- يريدني فيه على خليقة مستنكره
3- مستنزل عن عادة عوّدتها مشتهره
4- أن لا أعير أحدا لا رجلا و لا مره
5- لا أقبل الرّهن و لا تذكر عندي تذكره
6- و لو حوت كفي بها فضل الرضا و المغفرة
7- كان لشيخي مذهب من مذهبي أن أهجره
8- خالفت فيه رسمه معفّيا ما أثره
9- و لو أتاني والدي من بيته في المقبرة
10- يروم سطرا لم يجد ما رامه و سطره
قال الراغب: و الغرض من ذلك ما قاله أبو القاسم لا ما خاطبته به، أعوذ باللّه أن أكون ممن يزري بعقله بتضمين مصنفاته شعر نفسه.
ذكر ذلك الراغب في محاضرات الأدباء 1/ 109- 110.
ما نسب إليه من الشعر:
ذكر الدكتور الساريسي نقلا عن كتاب «مجمع البلاغة» للمؤلف ص 397 ما يلي:
و أنشدت بعض الناس- و قد لامني لمنعي إياه شيئا سألنيه-:
ألام و أعطي و البخيل مجاور له مثل مالي لا يلام و لا يعطي
فقال: نعم تلام، ثم تلام، و أنشد:
فما كلّ بمعذور ببخل و لا كلّ على بخل يلام
فظن الساريسي أن هذا من شعر الراغب فنسبه إليه «1».
و الحق أنّ البيت تمثّل به تمثّلا و ليس له، و إنما البيت لعبد اللّه بن جدعان، ذكره النهرواني في الجليس الصالح 2/ 238، و ذكر قصة له، و ذكره ابن قتيبة دون نسبة في عيون الأخبار 2/ 33.
__________________________________________________
(1) انظر: الراغب الأصفهاني و جهوده ص 39.
18
مفردات ألفاظ القرآن
منهج الراغب في كتاب المفردات ص 19
منهج الراغب في كتاب «المفردات»:
لقد سلك الراغب في كتابه منهجا بديعا، و مسلكا رفيعا، ينمّ عن علم غزير، و عمق كبير فنجده أولا يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتقّ منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، و يبيّن مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.
و هذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، و خاض في لججها و بحارها.
و يذكر على كل ذلك شواهد من القرآن أولا، ثم من الحديث ثانيا، ثم من أشعار العرب و أقوالهم ثالثا.
ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة، ثم نراه يفسر القرآن بالقرآن كثيرا، ثم بأقوال الصحابة و التابعين، ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق مع الشريعة.
و لنضرب أمثلة على ذلك:
ففي مادة (إبل)، يقول: الإبل يقع على البعران الكثيرة، و لا واحد له من لفظه.
فهذا المعنى الحقيقي، ثم يقول:
و أبل الوحشي يأبل أبولا، و أبل أبلا: اجتزأ عن الماء، تشبيها بالإبل في صبرها عن الماء.
فهذا المعنى المجازي للفظ، و الجامع بين المعنى الحقيقي و المجازي الصبر عن الشيء، ثم يقول:
و كذلك: تأبّل الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها.
و هذا أيضا مجاز، و العلاقة واضحة بينه و بين المعنى الحقيقي.
و في مادة (بور) قال: البوار: فرط الكساد.
فهذا هو المعنى الحقيقي، ثم قال:
و لمّا كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد، كما قيل: كسد حتى فسد، عبّر بالبوار عن الهلاك.
فهذا المعنى المجازي، و هذا يسمى مجازا بالأوّل.
ثم ذكر أمثلة من القرآن و الحديث، فقال: قال عزّ و جلّ: تِجارَةً لَنْ تَبُورَ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ، و
رُوِيَ: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ».
و قال عزّ و جل: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ.
19
مفردات ألفاظ القرآن
منهج الراغب في كتاب المفردات ص 19
و في مادة (خبت) يقول:
الخبت: المطمئن من الأرض، و أخبت الرجل: قصد الخبت أو نزله. نحو: أسهل و أنجد.
فهذا المعنى الحقيقي، ثم قال:
«ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللين و التواضع».
فهذا المعنى المجازي، و العلاقة بينهما المشابهة، ثم قال:
قال اللّه تعالى: وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ، و قال: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ أي:
المتواضعين، نحو: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ*.
ففسّر القرآن بالقرآن، ثم قال: و قوله تعالى: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ أي: تلين و تخشع.
و الإخبات هاهنا قريب من الهبوط في قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
ففسّر القرآن بالقرآن أيضا.
و في مادة (مرد) يقول:
قال تعالى: وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. و المارد و المريد من شياطين الجن و الإنس: المتعري من الخيرات.
فهذا المعنى المجازي، و أصله كما قال: من قولهم: شجر أمرد: إذا تعرّى من الورق.
فالجامع بين المعنيين العري. ثم قال:
و منه قيل: رملة مرداء: لم تنبت شيئا، و منه: الأمرد، لتجرّده عن الشعر.
و
رُوِيَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ مُرْدٌ».
قيل: حمل على ظاهره. و قيل: معناه: معرّون من الشوائب و القبائح.
ففسّر الحديث أولا على قول اللغويين و المحدّثين، ثم ذكر قول الحكماء ثانيا. ثم قال:
و منه قيل: مرد فلان عن القبائح، و مرد عن المحاسن و عن الطاعة.
قال تعالى: وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ أي: ارتكسوا عن الخير، و هم على النفاق.
و قوله تعالى: مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ أي: مملّس. من قولهم: شجرة مرداء: إذا لم يكن عليها ورق، و كأنّ الممرد إشارة إلى قول الشاعر:
في مجدل شيّد بنيانه يزلّ عنه ظفر الظافر
20
مفردات ألفاظ القرآن
منهج الراغب في كتاب المفردات ص 19
فهنا أتى بالشاهد الشعري.
و هكذا إلى آخر الكتاب، و كان يناقش الأئمة، و يردّ بعض أقوالهم، و له اختيارات في المسائل «1».
المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب «المفردات»:
اعتمد الراغب على مؤلّفات العلماء قبله، فبحث فيها، و ناقش أصحابها، و ارتضى أقوالا، و ردّ أخرى، و أهم هذه المصادر:
1- كتاب «المجمل في اللغة» لابن فارس.
و يبدو أنّ الراغب قد اعتمد عليه كثيرا، مع أنه لم يذكره باسمه، و يتضح ذلك من نفس ترتيب الكتاب، و التشابه الكبير في العبارة، و ربما ينقل عنه حرفيا، و الموافقة في الأبيات الشعرية.
و قد بيّنا ذلك في خلال تعليقاتنا على الكتاب، انظر مثلا مادة (أبّ)، (أسّ)، (جنف)، (خصف)، (ركز)، (سجل)، (صفد)، تجد تقاربا تاما في العبارات، إلا أن الراغب اختصر، و قلّل الأبيات الشعرية.
2- كتاب «الشامل في اللغة» لأبي منصور الجبان.
و قد ذكره المؤلّف صراحة في مادة (دلّى). و كتاب «الشامل» وصف بأنه كثير الألفاظ، قليل الشواهد، في غاية الإفادة، و نجد أنّ هذه الأوصاف تنطبق على كتاب المفردات أيضا.
3- «تهذيب الألفاظ» لابن السكيت.
و قد نقل عنه المؤلف في مادة (بقل).
4- «المسائل الحلبيات» لأبي علي الفارسي.
نقل عنه المؤلف في عدّة مواضع دون ذكر اسم الكتاب، بل يقول: قال الفارسي. انظر مثلا مادة (حشا)، (رأى).
5- «معاني القرآن» للفرّاء.
انظر مثلا مادة (تترى).
6- كتاب «الجمهرة» لابن دريد.
__________________________________________________
(1) و قد أفردنا في الفهارس قسما خاصا لآراء الراغب و اختياراته.
21
مفردات ألفاظ القرآن
المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب المفردات ص 21
و يظهر ذلك في تشابه النقول و العبارات، و قد صرّح باسم ابن دريد في كتابه.
انظر مثلا مادة (لهث).
7- «معاني القرآن» للزجاج.
و يبدو ذلك واضحا حينما تكلّم المصنف على مادة (توراة)، كأنه نقل كلام الزجاج حرفيا، و أيضا في مادة (شور)، نجده يتقارب جدا مع كلام الزجاج على قوله تعالى: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.
انظر معاني القرآن 1/ 483.
و صرّح المؤلف بالنقل عنه، و ذلك في مادة (هيت)، عند قوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ.
8- كتاب «العين» للخليل.
و قد صرّح باسم الخليل في عدة أمكنة، انظر مثلا مادة (مكّ)، (قول)، (ظلم)، (ضعف). (أوّل).
9- «تفسير أبي مسلم الأصفهاني».
انظر مادة (جهنم)، و (عرض).
و لعلّ تأثّر الراغب بالمعتزلة حاصل من أخذه كلام أبي مسلم.
10- «مجاز القرآن» لأبي عبيدة.
انظر مثلا مادة (بعض)، (دبّ)، (ناء).
11- «معاني القرآن» للأخفش.
انظر مثلا مادة (قوم)، (عود).
12- «المسائل البصريات» للفارسي.
انظر مثلا مادة (برأ).
13- «المسائل العضديات» للفارسي.
انظر مثلا مادة (دم).
14- «تفسير غريب القرآن» لابن قتيبة.
انظر مثلا مادة (دون).
15- كتاب سيبويه.
22
مفردات ألفاظ القرآن
المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب المفردات ص 21
انظر مثلا مادة (أين)، (آية)، (كان) (طهر).
16- الغريب المصنف لأبي عبيد، و يظهر ذلك من التشابه الكبير في بعض المواد و الشواهد و انظر مادة (دين).
17- الأمثال لأبي عبيد.
18- «غريب الحديث» لأبي عبيد. انظر مادة (حرس).
19- مجالس ثعلب. انظر مثلا مادة (أين) و (أوّه).
20- غريب الحديث لابن قتيبة. انظر مادة (بشر).
21- الحجة للقراءات السبعة للفارسي. انظر مادة (طهر) و (دخل).
و غير ذلك من الكتب.
بالإضافة إلى نقله كلام السلف من المفسرين كابن عباس «1»، و ابن مسعود «2»، و عليّ ابن أبي طالب «3»، و عمر بن الخطاب «4»، و مجاهد «5»، و قتادة «6»، و الحسن البصري «7»، و الأصم «8»، و جعفر الصادق «9»، و الشعبي «10»، و سفيان «11».
و من اللغويين: المبرّد «12»، و الكسائي، و سيبويه «13»، و يونس «14»، و أبو زيد «15»، و التوزي «16»، و الأصمعي «17»، و ابن الأعرابي «18».
و من القراء: حمزة «19»، و يعقوب «20»، و النقاش «21».
__________________________________________________
(1) انظر: مثلا مادة: (رفث)، (رقى)، (شرع)، (شهد)، (ضعف)، (عذر)، (قطع).
(2) انظر مثلا مادة: (بشر). (قر).
(3) انظر مثلا: (سكن)، (عقل)، (عود)، (حبر).
(4) انظر مثلا مادة: (خلف)، (صعد).
(5) انظر مثلا مادة: (شهد)، (قبل).
(6) انظر مثلا مادة: (شبه)، (كره).
(7) انظر مثلا مادة: (رف)، (شغف)، (صغر)، (ظل)، (قرّ).
(8) انظر مثلا مادة: (شبه)، (قوم).
(9) انظر مثلا مادة: (علم)، (وجه).
(10) انظر مثلا مادة: (حر).
(11) انظر مثلا مادة: (سرف).
(12) انظر مثلا مادة: (حجر). (سطر).
(13) انظر مادة: (أين) و مادة: (طهر).
(14) انظر مادة: (زلق).
(15) انظر مادة: (كسف)، (شعل).
(16) انظر مادة: (جبل).
(17) انظر مادة: (ويل).
(18) انظر مادة: (صهر).
(19) انظر مادة: (أتى).
(20) انظر مادة: (ينع).
(21) انظر مادة: (صور).
23
مفردات ألفاظ القرآن
المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب المفردات ص 21
و من المتكلمين: الجبائي «1»، و أبو القاسم البلخي «2»، و أبو بكر العلاف «3».
و نقل طائفة من كلام الحكماء دون ذكر أسمائهم.
كل هذا مما جعل الكتاب مرجعا هاما من مراجع البحث في اللغة و التفسير.
الناقلون عنه و المتأثرون به:
أكثر العلماء من النقل من كتاب «المفردات»، و في مقدمتهم الفيروزآبادي صاحب القاموس، فنجده قد عكف على كتاب الراغب، و اختصره، و زاد فيه أشياء، ثم أصدرها في كتابه القيّم: «بصائر ذوي التمييز»، فنجده كثيرا ما ينقل عبارات الراغب بتمامها، و أحيانا ينقل فصولا كاملة.
و منهم أيضا السمين الحلبي، حيث ألّف، كتابه: «عمدة الحفاظ في أشرف الألفاظ» و جعل كتاب الراغب لبّ كتابه، ثم زاد عليه أشياء كثيرة، و كتابه ما زال مخطوطا.
و منهم الزركشي في البرهان في علوم القرآن. انظر مثلا 2/ 148، 4/ 18.
و السيوطي في المزهر 1/ 184، و الإتقان، 1/ 218- 210، و معترك الأقران 1/ 22.
و الرازي في تفسيره.
و البغدادي في خزانة الأدب. انظر مثلا 1/ 37، 3/ 397، 7/ 128- 245، 8/ 92، 9/ 302.
و الزبيدي في تاج العروس. انظر مثلا مادة (رجع)، (ربع)، (أبد)، (أمد)، (عود).
و ابن حجر في فتح الباري. انظر مثلا 3/ 120، و 11/ 503 كتاب القدر.
و ابن الحنبلي في عقد الخلاص. انظر مثلا ص 281.
و السمين في الدر المصون. انظر مثلا 3/ 689، 4/ 389، 547، 5/ 570، 6/ 182- 442.
و الألوسي في روح المعاني. انظر مثلا 1/ 262 و 2/ 129- 131.
و ابن القيم في بدائع الفوائد 2/ 36.
__________________________________________________
(1) انظر مادة: (ختم).
(2) انظر مادة: (خل).
(3) انظر مادة: (لات).
24
مفردات ألفاظ القرآن
الناقلون عنه و المتأثرون به ص 24
و البروسوي في تفسيره روح البيان. انظر مثلا عند قوله تعالى: أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ.
و كثير غيرهم، و قد ذكرنا جلّ ذلك في تعليقاتنا على الكتاب، و ستجدها في محالها في الحواشي.
و لعلّ من أكثر المتأثرين بكتاب الراغب و منهجه فيه الزمخشري في كتابه: «أساس البلاغة» حيث نحا منحى الراغب في ذكر المعنى الحقيقي للكلمة، ثم اتباعها بالمعاني المجازية، إلا أن كتاب الزمخشري يمتاز بكثرة الشواهد الشعرية التي يزيد عددها على 6000 بيت، بينما كتاب الراغب لا يتجاوز 500 بيت.
ثناء العلماء على المفردات:
قال الزركشي: النوع الثامن عشر: معرفة غريبه. و هو معرفة المدلول، و قد صنف فيه جماعة، منهم: أبو عبيدة كتاب «المجاز»، و أبو عمر غلام ثعلب: «ياقوتة الصراط»، و من أشهرها كتاب ابن عزيز، و الغريبين للهروي، و من أحسنها كتاب «المفردات» للراغب «1».
و قال أيضا: القرآن قسمان:
أحدهما: ورد تفسيره بالنقل عمّن يعتبر تفسيره.
و قسم لم يرد فيه نقل عن المفسرين، و هو قليل، و طريق التوصل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب و مدلولاتها و استعمالها بحسب السياق، و هذا يعتني به الراغب كثيرا في كتاب المفردات، فيذكر قيدا زائدا على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ، لأنه اقتنصه من السياق «2».
و قال الفيروزآبادي: لا نظير له في معناه «3».
و قال حاجي خليفة: مفردات ألفاظ القرآن للراغب، و هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع «4».
__________________________________________________
(1) انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 291، و كذا قال السيوطي في الإتقان 1/ 149.
(2) انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 172.
(3) انظر: البلغة ص 69.
(4) انظر: كشف الظنون 2/ 1773.
25
مفردات ألفاظ القرآن
ثناء العلماء على المفردات ص 25
و قال السمين الحلبي: على أنّ الراغب قد وسع بحاله، و بسط مقاله بالنسبة إلى من تقدّمه، و حذا بهذا الحذو رسمه «1».
و جاء على الصفحة الأولى من مخطوطة المفردات في المكتبة المحمودية ما يلي:
هذا كتاب لو يباع بوزنه ذهبا لكان البائع المغبونا
أ و ما من الخسران أني آخذ ذهبا و معط لؤلؤا مكنونا
بعد هذا نقول: إنّ كتاب المفردات يعتبر موسوعة علمية صغيرة، فقد حوى اللغة، و النحو، و الصرف، و التفسير، و القراءات، و الفقه، و المنطق، و الحكمة، و الأدب، و النوادر، و أصول الفقه، و التوحيد.
فأجدر به أن يحتلّ الصدارة بين الكتب المؤلفة في غريب القرآن و معانيه.
ملاحظات على كتاب المفردات:
مهما خاض الإنسان في بحور العلم و المعرفة فلا يمكنه أن يحيط بكل العلوم، بل يبقى في حدود بشريته و إنسانيته، فالإنسان طبعه النسيان، و منه اشتقّ اسمه، و المؤلف قد غاص في بحور العلم، حتى أخرج دررا منها كتابه «المفردات» و لكنه مع أهميته العلمية، و قيمته الأدبية لا يخلو من بعض الملاحظات التي سنذكرها:
1- فمنها أنه لم يميّز بين القراءات المتواترة و الشاذة، بل يكتفي أن يقول: و قرئ كذا.
و بون كبير بين القراءات المتواترة من حيث نسبتها و درجتها، و بين القراءة الشاذة، إذ لا تصح الصلاة مثلا بالقراءة الشاذة، و لا القراءة بها إلا على سبيل التعليم.
2- و منها قلّة بضاعته في علم الحديث الشريف، و يتجلّى ذلك في نسبته بعض الأقوال إلى الرسول، و ليست هي من قوله، كقوله في مادة (جبر):
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ».
و هذا من كلام المتكلمين لا من كلام الرسول، كما يذكر بعض الأحاديث الموضوعة، انظر مادة ورث.
و أحيانا يكون الحديث من كلام الرسول فلا ينسبه إليه، بل يقول: و قيل، و من ذلك قوله في مادة (صرف): و منه قول العرب: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَ لَا عَدْلٌ. و هذا من الحديث الصحيح كما بيّنته في محله.
و غير ذلك من الأمثلة التي تظهر عند قراءة الكتاب.
__________________________________________________
(1) انظر: عمدة الحفاظ- خ ورقة 1.
26
مفردات ألفاظ القرآن
ملاحظات على كتاب المفردات ص 26
3- و منها تأثّره بالمعتزلة في بعض الأحيان مع أنه يخالفهم. و من ذلك قوله في مادة (زمل)، في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ: أي: المتزمّل في ثوبه، و ذلك على سبيل الاستعارة، كناية عن المقصّر و المتهاون بالأمر، و تعريضا به. ا. ه.
و حاشا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يقصّر في الأمر أو يتهاون، و هو الذي كان يقوم الليل حتى تفطّرت قدماه، و إنما هذه المسائل من مسائل المعتزلة، و غالب ظني أنه أخذها عن أبي مسلم الأصفهاني كبير مفسّري المعتزلة، و قد ذكر ذلك أيضا الزمخشري في تفسيره، و هو من أئمة المعتزلة. و انظر تعليقنا على هذه المادة.
4- و منها أوهام تحصل للمؤلف أحيانا فينسب أقوالا لغير قائليها. فمن ذلك قوله في مادة (روى): قال أبو علي الفسوي: المروءة هو من قولهم: حسن في مرآة العين، كذا قال، و هذا غلط، لأنّ الميم في «مرآة» زائدة، و مروءة: فعولة. ا. ه.
و هذا لم يقله أبو علي، و إنما قال: و زعم بعض رواة اللغة أنّ المروءة مأخوذة من قولهم: هو حسن في مرآة العين، و هذا من فاحش الغلط، و ذلك أنّ الميم في مرآة زائدة، و مروءة فعولة. ا. ه. انظر: المسائل الحلبيات ص 59.
و مثال آخر، قال في مادة (فتن)، في قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ: قال الأخفش: المفتون: الفتنة، كقولك: ليس له معقول، و خذ ميسوره و دع معسوره، فتقديره: بأيكم الفتون. و قال غيره: أيكم المفتون، و الباء زائدة، كقوله تعالى: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً* ا. ه.
قلت: الذي نسبه المصنف لغير الأخفش هو عينه قول الأخفش، ذكره في معاني القرآن 2/ 505، و القول الأول الذي نسبه للأخفش هو قول الفرّاء، فقد قال الفرّاء:
المفتون هاهنا بمعنى الجنون، و هو في مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأي.
انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 173.
5- و منها حصول بعض التصحيفات، و هذا لا يكاد يسلم منه أحد. كقوله في مادة (بحر):
بنات بحر: للسحاب. ا. ه.
و الصواب إنما هو بنات بخر، بالخاء المعجمة، أو بنات مخر، و انظر تعليقنا على ذلك في مادة (بحر).
6- و كذا تصحيفه لبيت من الشعر في مادة (بطل)، فرواه:
[لأول بطل أن يلاقي مجمعا]
27
مفردات ألفاظ القرآن
ملاحظات على كتاب المفردات ص 26
و هو عجز بيت للشنفرى، و الصحيح في روايته:
[لأول نصل ...].
و انظر كلامنا عليه في التعليق.
7- و منها إغفاله لبعض المواد لم يتكلم عليها.
و في ذلك يقول السمين الحلبي: (... غير أنّه قد أغفل في كتابه ألفاظا كثيرة لم يتكلم عليها، و لا أشار في تصنيفه إليها، مع شدة الحاجة إلى معرفتها، و شرح معناها و لغتها، مع ذكره لبعض مواد لم ترد في القرآن الكريم، أو وردت في قراءة شاذة جدا كمادة (بظر)، في قوله تعالى: وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُظُورِ أُمَّهاتِكُمْ و هذه لا ينبغي أن يقرئ بها البتة. فمما تركه مع الاحتياج الكلي:
- مادة غوط، و هي في قوله تعالى: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ*.
- مادة: ز ب ن، و هي في قوله تعالى: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ.
- و مادة: ق ر ش، و هي في قوله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ.
- و مادة: ك ل ح، و هي في قوله تعالى: وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ.
- و مادة: قدو، و هي في قوله تعالى: وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ.
- و مادة: نضخ، و هي في قوله تعالى: فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ «1».
و ممّا فاته من المواد و لم يذكرها السمين.
- مادة فني، و هو في قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ.
- و مادة خردل و هي في قوله تعالى: مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ*.
8- و من ذلك أن يقسّم الشيء أقساما، ثم عند ما يُعدّدها يزيد فيها واحدا أو ينقص. فمما نقص فيه عند مادة (وحد)، قال: فالواحد لفظ مشترك يستعمل على ستة أوجه، ثم ذكر خمسة، و لم يذكر السادس.
و مما زاد فيه، في مادة (هلك)، قال: و الهلاك على ثلاثة أوجه، ثم لما عدّها ذكر أربعا.
9- و منها أنه لم يراع ترتيب الحرف الثالث في الكلمة، فقدّم مثلا مادة أبا على أبّ.
10- و من ذلك اعتراض بعض العلماء على أقوال ذكرها في كتابه. منها في مادة (سبح)، قال: و قول الشاعر:
[سبحان من علقمة الفاخر].
__________________________________________________
(1) راجع: عمدة الحفاظ (ورقة 1).
28
مفردات ألفاظ القرآن
ملاحظات على كتاب المفردات ص 26
قيل: تقديره: سبحان علقمة، على طريق التهكم، فزاد فيه «من» ردّا إلى أصله.
و تعقّبه البغدادي، فقال:
و زعم الراغب أنّ سبحان في هذا البيت مضاف إلى علقمة، و من زائدة. و هو ضعيف لغة و صناعة. أمّا الأول فلأنّ العرب لا تستعمله مضافا إلا إلى اللّه، أو إلى ضميره، أو إلى الربّ، و لم يسمع إضافته إلى غيره. و أمّا صناعة فلأنّ «من» لا تزاد في الواجب عند البصريين. راجع: خزانة الأدب 7/ 245.
و منها في مادة (ميد)، قال: و المائدة: الطبق الذي عليه الطعام، و يقال لكلّ واحد منها مائدة. و تعقّبه السمين فقال: و المائدة: الخوان عليه الطعام، فإن لم يكن عليه طعام فليس بمائدة.
هذا هو المشهور إلا أن الراغب قال: ... و ذكر عبارته. انظر: الدر المصون 4/ 502.
- و من ذلك اختياره لوجوه ضعيفة، كقوله في مادة: ربّ: الرباني لفظ سرياني، و قد ردّه السمين في عمدة الحفاظ.
و غير ذلك من المسائل التي تراها في حواشي الكتاب. و في كتاب عمدة الحفاظ أيضا.
و كل هذه الملاحظات لا تقدح في الكتاب، إذ أبى اللّه أن يصحّ إلا كتابه، و كما قال ابن عباس و من بعده الإمام مالك: ما منّا إلا ردّ أو ردّ عليه إلا صاحب هذا المقام، و أشار إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.
و هذا يؤكّد و يبين معنى قوله تعالى: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
محنة في حياة الراغب:
ذكر الراغب في مقدمة كتابه «حلّ متشابهات القرآن» ما يلي:
فاتفقت خلوة سطوت على وحشتها بالقرآن، و لو لا أنسه لم يكن لي بها يدان، و ذلك بعد ما عملت من كتاب «المعاني الأكبر» و أمليت من «احتجاج القراءات». و كانت هذه الخلوة خلوة عين، لا خلوة قلب، و اضطرار لا عن اختيار، بل لقهر و غلب، في حالة توزّع الرأي فيها مذاهب، و اقتسم الهمّ بها مطالب «1». ا. ه.
و الظاهر أنه سجن، لأنه يقول: (خلوة عين)، أي: لم يعد يرى أحدا، لا خلوة قلب لأنّ قلبه مليء بالهموم و المشاغل، و قوله: (و اضطرار) يؤكد ذلك.
__________________________________________________
(1) حل متشابهات القرآن (ورقة 1).
29
مفردات ألفاظ القرآن
محنة في حياة الراغب ص 29
و يؤكّد هذا عندي أنه ذكر في كتاب «مراتب العلوم» الذي صنّفه غالبا للوزير أبي العباس الضبّي، ما نصه: لكن طال تعجّبي في ذلك من الشيخ الفاضل حرسه اللّه، لأمور رأيته منها طريفة: أحدها: إنكاره عليّ التفوه بلفظ (القوة)، اعتلالا بأنّ هذه اللفظة يستعملها ذوو الفلسفة، و أن أقول بدله: (القدرة)، كأنّه لم يعلم ما بينهما من الفرق في تعارف عوام الناس فضلا عن خواصهم.
ثم ما كان من إبهاماته و تعريضاته، بل تصريحاته، تنفق منه على أشياعه و أتباعه بالوضع مني، و الغضّ مني، و ازدياده بعد المقال مقالا لما رأى مني في مجاوبته جملا ثقالا، و لم أكن أرى بأسا و ضيرا في احتمال شيع شيخ كريم عليّ، بما لا يعود بمعاب في الحقيقة عليّ «1».
و كلامه هذا يوحي بأنه اختلف مع الوزير، و أنّ أتباع الوزير آذوه، و لم يسكت هو له بل ردّ عليه، فلعلّ هذا أدى إلى سجنه. و اللّه أعلم.
و سيأتي مزيد من الكلام على الراغب الأصفهاني في مقدمة فهارس الكتاب الفنية ص 899.
__________________________________________________
(1) مراتب العلوم (ورقة 2).
30
مفردات ألفاظ القرآن
الشريعة و علوم الحكمة ص 31
الشريعة و علوم الحكمة
نبدأ أولا بتعريف علم الحكمة و أقسامها و أصل موردها، ثم تبيين الباطل منها، فنقول:
علم الحكمة:
هو علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية «1».
و هي من العلوم العقلية، و قد قال ابن خلدون:
و أمّا العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث إنه ذو فكر، فهي غير مختصة بملة، بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم، و يستوون في مداركها و مباحثها، و هي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة، و تسمى هذه العلوم علوم الفلسفة و الحكمة «2».
- و أهل الحكمة يقسمونها قسمين:
1- حكمة عملية: و هي العلم بما يؤدي إلى إصلاح المعاش و المعاد و العمل به.
2- حكمة نظرية: المقصود منها ما حصل بالنظر.
و يقول الشهرزوري:
و إذا كانت الحكمة عبارة عن معرفة أعيان الموجودات على ما هي عليها لا غير، فالأسماء تختلف بحسب اختلاف طرق التعليم، فإن أدركها بعضهم بزمان يسير من غير تعلّم بشري، و كان مأمورا من الملأ الأعلى بإصلاح النوع الإنساني سمّيت نبوّة، و إن كان بالتعلم و الدراسة سمّيت فلسفة.
__________________________________________________
(1) راجع: كشف الظنون 1/ 676.
(2) انظر: مقدمة ابن خلدون ص 399.
31
مفردات ألفاظ القرآن
علم الحكمة ص 31
و في الحقيقة الحكيم المطلق هو اللّه تعالى، و كلّ من أدرك من المعقولات نصيبا سمّي على سبيل التجوّز و الاستعارة حكيما لدنوّه من اللّه تعالى و تشبّهه به «1».
- و أمّا حكمة الإشراق فهي من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية، كما أنّ الحكمة الطبيعية الإلهية بمنزلة الكلام منها.
و بيان ذلك أنّ السعادة العظمى و المرتبة العليا للنفس الناطقة هي معرفة الصانع بما له من صفات الكمال، و التنزّه عن النقصان.
و الطريق إلى هذه المعرفة من وجهين:
1- طريقة أهل النظر و الاستدلال، 2- و طريقة أهل الرياضة و المجاهدات.
و السالكون للطريقة الأولى إن التزموا ملة من ملل الأنبياء فهم المتكلمون، و إلا فهم الحكماء المشاءون.
و السالكون للطريقة الثانية إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية، و إلا فهم الحكماء الإشراقيون.
و علوم الفلسفة و الحكمة سبعة:
المنطق، و هو المقدّم، و بعده التعاليم فالارتماطيقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات.
- و أكثر من عني بها من الأجيال فارس و الروم.
وَ لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ فَارِسَ، وَ أَصَابُوا مِنْ كُتُبِهِمْ، كَتَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي شَأْنِ كُتُبِهَا، وَ تَنْفِيلِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اطْرَحُوهَا فِي الْمَاءِ، فَإِنْ يَكُنْ مَا فِيهَا هُدًى فَقَدْ هَدَانَا اللَّهُ بِأَهْدَى مِنْهُ، وَ إِنْ يَكُنْ ضَلَالًا فَقَدْ كَفَانَا اللَّهُ، فَطَرَحُوهُ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي النَّارِ فَذَهَبَتْ عُلُومُهُمْ.
و لم تدخل في الصدر الأول في علوم المسلمين، و صانهم اللّه عنها.
و أمّا الروم فكان لهذه لعلوم عندهم شأن عظيم، و يزعمون أن سند تعليمهم يتصل بلقمان الحكيم.
وَ لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِكُتُبِ التَّعَالِيمِ مُتَرْجَمَةً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ إِقْلِيدِسَ وَ بَعْضِ كُتُبِ الطَّبِيعِيَّاتِ، وَ قَرَأَهَا الْمُسْلِمُونَ وَ اطَّلَعُوا
__________________________________________________
(1) انظر: نزهة الأرواح و روضة الأفراح 1/ 8- 9.
يريد بذلك التخلق بأخلاق الله، كما ورد ذلك في الحديث الشريف.
32
مفردات ألفاظ القرآن
علم الحكمة ص 31
عَلَى مَا فِيهَا، وَ لَمَّا تَوَلَّى الْخِلَافَةَ الْمَأْمُونُ كَتَبَ إِلَى بَعْضِ مُلُوكِ النَّصَارَى يَطْلُبُ مِنْهُ خِزَانَةَ كُتُبِ الْيُونَانِ، وَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَجْمُوعَةٌ فِي بَيْتٍ لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَجَمَعَ الْمَلِكُ خَوَاصَّهُ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَ اسْتَشَارَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَكُلُّهُمْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِعَدَمِ تَجْهِيزِهَا إِلَيْهِ إِلَّا وَاحِداً، فَإِنَّهُ قَالَ:
جَهِّزْهَا إِلَيْهِمْ، فَمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ عَلَى دَوْلَةٍ شَرْعِيَّةٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهَا وَ أَوْقَعَتْ بَيْنَ عُلَمَائِهَا «1».
و كان الشيخ ابن تيمية يقول: ما أظن أن اللّه يغفل عن المأمون، و لا بد أن يقابله على ما اعتمد مع هذه الأمة من إدخاله هذه العلوم الفلسفية بين أهلها.
و أول من أدخل الفلسفة الأندلس أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم، كان يشبّه بالمأمون العباسي في طلب الكتب الفلسفية.
الجمع بين الشريعة و الحكمة:
و يقال: أول من خلط المنطق بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي.
و الذي نراه أنّ الراغب الأصفهاني بدأ هذه المحاولة قبل الغزالي، حيث قال الشهرزوري في ترجمته: (و هو الذي جمع بين الشريعة و الحكمة في تصانيفه) «2».
و الغزالي حاول الجمع بين الشريعة و الحكمة، و هو أحسن من جمع بينهما، و يتجلى ذلك في كتابه الكبير «إحياء علوم الدين»، لكنه مع ذلك لم يخل من انتقادات، و كتابه الإحياء قمة في الإنتاج العلمي، و مع ذلك فقد حذّر العلماء من بعض المواضع فيه. و قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: «الإحياء» وضعه على مذاهب الصوفية، و ترك فيه قانون الفقه، فأنكروا عليه ما فيه من الأحاديث التي لم تصح «3».
و ممن حاول الجمع بينهما تاج الدين الشهرستاني، فقد كان يصنف تفسيرا، و يؤوّل الآيات على قوانين الفلسفة و الحكمة، فقال له ظهير الدين البيهقي: هذا عدول عن الصواب، و القرآن لا يفسّر إلا بتأويل السلف و التابعين، و الحكمة بمعزل عن تفسير القرآن، خصوصا ما كنت تؤوله، و لا تجمع بين الشريعة و الحكمة أحسن مما جمعه الغزالي، فامتلأ غضبا «4». و الشهرستاني متوفى سنة 548 ه.
و لابن رشد كتاب فصل المقال فيما بين الشريعة و الحكمة من الاتصال «5».
__________________________________________________
(1) انظر: الغيث المسجم شرح لامية العجم للصفدي 1/ 79، و صون المنطق و الكلام للسيوطي ص 9.
(2) انظر: نزهة الأرواح 1/ 44.
(3) انظر: كشف الظنون 1/ 24.
(4) انظر: نزهة الأرواح 2/ 59.
(5) الوافي 2/ 114.
33
مفردات ألفاظ القرآن
الجمع بين الشريعة و الحكمة ص 33
ثم فشت الفلسفة و انتشرت، و كان ابتداء فشوّها في المتأخرين ما ذكره الحافظ ابن كثير في تأريخه سنة 672 ه قال:
بعد أخذ التتار بغداد سنة (656 ه) عمل الخواجة نصير الطوسي الرصد، و عمل دار حكمة فيها فلاسفة، لكل واحد في اليوم ثلاثة دراهم، و دار طبّ فيها للحكيم درهمان، و صرف لأهل دار الحديث لكل محدث نصف درهم في اليوم.
و من ثمّ فشا الاشتغال بالعلوم الفلسفية و ظهر «1».
و كانت سوق الفلسفة و الحكمة نافقة في الروم أيضا بعد الفتح الإسلامي إلى أواسط الدولة العثمانية، و كان في عصرهم فحول ممن جمع بين الحكمة و الشريعة كالعلامة شمس الدين الفناري، و الفاضل قاضيزاده الرومي و غيرهم «2».
و لأبي علي عيسى بن زرعة البغدادي رسالة في أنّ علم الحكمة أقوى الدواعي إلى متابعة الشريعة، و فيها يقول: من قال: إن الحكمة تفسد الشريعة فهو الطاعن في الشريعة «3».
و بعد ذلك نقول: كلّ من اشتغل بعلوم الحكمة ممن التزم ملة من ملل الأنبياء بقي على طريقته و حاول الجمع بينها و بين الشريعة فسدّد و قارب، و لكنه لم يخل من انتقادات.
و أمّا من سلك طريق الحكماء المشاءين الذين لم يلتزموا ملة من الملل، أو طريق الحكماء الإشراقيين الذين لم يوافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فقد زلّت به القدم و ربما وصل إلى الكفر و الارتداد، إذ لم يستطع الجمع بين الشريعة و الحكمة فردّ ما جاءت به الشريعة، و انتصر لقول الحكماء.
و في الختام نذكر طائفة من أقوال السلف:
قول السلف في ذم العلوم الكلامية و الفلسفية:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا جَهِلَ النَّاسُ وَ لَا اخْتَلَفُوا إِلَّا لِتَرْكِهِمْ لِسَانَ الْعَرَبِ، وَ مَيْلِهِمْ إِلَى لِسَانِ أَرَسْطَاطَالِيسَ «4».
قال السيوطي: و لم ينزل القرآن و لا أتت السّنة إلا على مصطلح العرب و مذاهبهم في
__________________________________________________
(1) انظر: البداية و النهاية 13/ 283.
(2) راجع: كشف الظنون 1/ 680.
(3) انظر: نزهة الأرواح 2/ 99- 100.
(4) انظر: صون المنطق و الكلام عن فن المنطق و الكلام ص 15.
34
مفردات ألفاظ القرآن
قول السلف في ذم العلوم الكلامية و الفلسفية ص 34
المحاورة و التخاطب و الاحتجاج و الاستدلال، لا على مصطلح اليونان، و لكل قوم لغة و اصطلاح، و قد قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم/ 4].
وَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْأَهْوَاءِ: عَلَيْكَ بِدِينِ الصَّبِيِّ الَّذِي فِي الْكُتَّابِ وَ الْأَعْرَابِ، وَ الْهَ عَمَّا سِوَاهُمَا.
و
قَالَ مَالِكٌ: مَا قَلَّتِ الْآثَارُ فِي قَوْمٍ إِلَّا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْأَهْوَاءُ، وَ لَا قَلَّتِ الْعُلَمَاءُ إِلَّا ظَهَرَ فِي النَّاسِ الْجَفَاءُ.
و
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الدِّينَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ.
و قال الغزالي: أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام «1».
و أنشد الخطابي:
حجج تهافت كالزجاج تخالها حقا، و كلّ كاسر مكسور
أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة و الحكمة:
نقول أولا: إن القاعدة التي اتّبعها الراغب في الجمع بينهما أنه جعل الشريعة هي الأساس و الميزان، ثم عرض كلام الحكماء عليها، فما وافق قبله، و ما لا فلا، لذلك نجده يقول في كتابه الذريعة: (واجب على الحكيم العالم النحرير أن يقتدي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فيما
قَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ «2»، وَ نُكَلِّمَ النَّاسَ بِقَدْرِ عُقُولِهِمْ) «3».
فمن ذلك قوله:
قيل لبعض الحكماء: هل من موجود يعمّ الورى؟ فقال: نعم أن تحسن خلقك، و تنوي لكل أحد خيرا «4».
ثم يتبعه بما يقابله من الشريعة فيقول: و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ فَسَعُوهُمْ بِأَخْلَاقِكُمْ» «5».
__________________________________________________
(1) انظر: نقض المنطق لابن تيمية ص 26.
(2) الحديث أخرجه مسلم تعليقا في مقدمة صحيحه، مع بعض الاختلاف، و انظر: كشف الخفاء 1/ 194. و الشطر الثاني «أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم» رواه الديلمي بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا.
(3) انظر: الذريعة ص 121.
(4) انظر: الذريعة ص 46.
(5) الحديث أخرجه الحاكم و البزّار و ابن عديّ و البيهقي عن أبي هريرة. انظر: كشف الخفاء 1/ 217.
35
مفردات ألفاظ القرآن
أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة و الحكمة ص 35
و من ذلك قوله:
قال بعض الحكماء: قلّ صورة حسنة يتبعها نفس ردية، فنقش الخواتيم مقروء من الطين، و طلاقة الوجه عنوان ما في النفس، و ليس في الأرض شيء إلا و وجهه أحسن ما فيه.
و
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: اطْلُبُوا الْحَاجَاتِ مِنْ حِسَانِ الْوُجُوهِ «1».
و
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا بَعَثْتُمْ رُسُلًا فَاطْلُبُوا حَسَنَ الْوَجْهِ وَ حَسَنَ الِاسْمِ.
و من ذلك قولهم: من جهل شيئا عاداه، و الناس أعداء ما جهلوا «2».
و قال اللّه تعالى: وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ: هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف/ 11].
و من ذلك قوله:
حقّ المعلم أن يجري متعلميه منه مجرى بنيه، فإنه في الحقيقة أشرف من الأبوين، كما قال الإسكندر- و قد سئل: أ معلمك أكرم عليك أم أبوك؟- قال: بل معلمي، لأنه سبب حياتي الباقية، و والدي سبب حياتي الفانية «3».
و قد نبّه صلّى اللّه عليه و سلم على ذلك
بِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ» «4».
و من ذلك قول بعض الحكماء «5»: الحلافة تدل على كذب أربابها، لأنّ ذلك لقلّة الركون إلى كلامهم. و قد قال تعالى: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا* [البقرة/ 41]، و قال تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا [البقرة/ 224].
و من ذلك قوله:
قال بعض الحكماء: مثل طالب معرفته مثل من طوّف في الآفاق في طلب ما هو معه «6» و اللّه تعالى يقول: وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد/ 4]، وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف/ 84].
و ليس كل ما جاء به الحكماء يوافق الشريعة، ففي باب القناعة ذكر الشيخ
قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «تَعَسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعَسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعَسَ وَ انْتَكَسَ، وَ إِذَا شِيكَ فَلَا
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه الطبراني و الدارقطني و تمام و البخاري في تاريخه. انظر: كشف الخفاء 1/ 137.
(2) انظر: الذريعة ص 112.
(3) انظر: الذريعة ص 119.
(4) الحديث أخرجه أحمد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان. انظر: الفتح الكبير 1/ 437.
(5) انظر: الذريعة ص 145.
(6) انظر: المفردات مادة (بطن).
36
مفردات ألفاظ القرآن
أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة و الحكمة ص 35
انْتَقَشَ» «1».
ثم يقول:
قِيلَ لِحَكِيمٍ: لِمَ لَا تَغْتَمُّ؟ قَالَ: لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ مَا يَغُمُّنِي «2».
قال الراغب: و اعلم أنّ الزهد ليس من ترك المكاسب في شيء، كما توهمه قوم أفرطوا حتى قربوا من مذهب المانوية و البراهمة و الرهابنة، فإنّ ذلك يؤدي إلى خراب العالم، و مضادة اللّه فيما قدّر و دبّر، ثم قال: و لأنّ الزاهد في الدنيا راغب في الآخرة، فهو يبيعها بها، ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة/ 111]، و محال أن يبيع كيّس عينا بأثر إلا إذا عرفها عارف، و عرف فضل المبتاع على المبيع.
و
قِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّادُ: مَا أَزْهَدَكَ وَ أَصْبَرَكَ! فَقَالَ: أَمَّا زُهْدِي فَرَغْبَةٌ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا أَنَا فِيهِ، وَ أَمَّا صَبْرِي فَلِجَزَعِي مِنَ النَّارِ.
هذا آخر ما أوردناه في هذا الباب، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*.
وفاته:
كما اختلف في اسم الراغب، و عقيدته، و مذهبه الفقهي، و عصره، كذلك اختلف في تاريخ وفاته:
- فالسيوطي ذكر أنها في أوائل المائة الخامسة «3».
- و الذهبي- و قد ذكره في الطبقة الثانية و الأربعين- قال: يسأل عنه في هذه إن شاء اللّه تعالى «4».
و هذه الطبقة تبدأ وفياتها بسنة 440 ه و تنتهي في حدود سنة 470 ه.
- و حاجي خليفة قال: وفاته سنة 502 ه «5»، و تبعه في ذلك بروكلمان.
- و صاحب هدية العارفين ذكر أنّ وفاته سنة 500 ه.
- و في فهرس الخزانة التيمورية أنّ وفاته سنة 503 ه.
- و الزّركلي في «الأعلام»، ذكر أنه سنة 502 ه، و مثله عمر رضا كحالة.
- و محمد كرد علي أشار في حاشية ترجمة الراغب في كتاب «تاريخ الحكماء»
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه البخاري و ابن ماجة. انظر: كشف الخفاء 1/ 307.
(2) انظر: الذريعة ص 166.
(3) انظر: بغية الوعاة 2/ 297.
(4) انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 120.
(5) انظر: كشف الظنون 1/ 36.
37
مفردات ألفاظ القرآن
وفاته ص 37
للبيهقي إلى أنّ وفاته سنة 402 ه، ثم ذكر في تقريظه لكتاب المفردات في مجلته المقتبس 2: 98 أنّ وفاته كانت سنة 503 ه.
و في مجلة المجمع العلمي العربي 24/ 275 أنّ وفاته سنة 452 ه.
- و ذكر عدنان الجوهرجي أنّه رأى نسخة مخطوطة نادرة من كتاب «المفردات» في مكتبة السيد «محمد لطفي الخطيب» في دمشق، و أنها نسخت سنة 409 ه و في وسط الكتاب تعليق على حاشية الكتاب ذكر فيه أنّ هذا الكتاب بخط الراغب الأصفهاني، و أنه ولد في مستهلّ رجب من شهور سنة 343 ه في قصبة أصبهان و توفي سنة 412 ه اثني عشر و أربعمائة.
و هو ما وجده بخط أبي السعادات «1».
فلم يعلم أ هو أبو السعادات ابن الشجري، أم أبو السعادات ابن الأثير؟.
بعد كل هذا نقول: إن الأرجح أنّ وفاته في حوالي سنة 425 ه. و هذا يتفق مع ما ذكره السيوطي، و يقارب ما ذكره الذهبي، و يقارب ما وجد على النسخة الخطية في دمشق.
و الذي يؤكد لنا هذا، و يبعد ما وجد على النسخة الخطية الدمشقية أنه 412 ه أنه نقل عن أبي منصور الجبان من كتابه «الشامل في اللغة». و قد ذكر ياقوت و السيوطي أنّ الجبّان أقرأ كتابه «الشامل» في أصفهان سنة 416 ه.
و أيضا فإنّ الراغب ألّف كتابه في متشابهات القرآن بعد كتاب المفردات.
و هو أيضا ينقل في كتبه عن الشريف الرضي المتوفى 406 ه، و مسكويه المتوفى 421 ه، و أبي القاسم ابن أبي العلاء المتوفى في حدود 420 ه، و أبي القاسم بن بابك المتوفى سنة 410 ه، و غيرهم، مما يؤكد ما ذكرناه «2».
فهذا ما توصلنا إليه، و نسأل اللّه التوفيق و السداد، فإن أصبنا الحق فبتوفيق اللّه، و إن أخطأنا فمن أنفسنا. و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
صفوان داودي
__________________________________________________
(1) انظر: مجلة اللغة العربية بدمشق، الجزء الأول، المجلد الحادي و الستون، ربيع الثاني سنة 1406 ه كانون الثاني 1986 م، ص 194.
(2) و انظر مقدّمة فهارس الكتاب الفنية ص 899.
38
مفردات ألفاظ القرآن
مقدمة المؤلف
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدّمة المؤلف
[أعبد اللّه و أحمده، و أذكره و أشكره، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، و الصلاة على خير خلقه، و مظهر حقّه، محمّد خاتم النبيين، و سيد المرسلين، و مؤمّل الخلق أجمعين، و على آله و صحبه أجمعين] «1». قال الشيخ أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب رحمه اللّه:
أسأل اللّه أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير و الشر بصورتيهما، و يعرّفنا الحق و الباطل بحقيقتيهما، حتى نكون ممّن يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ، و من الموصوفين بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح/ 4]، و بقوله:
أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة/ 22].
كنت قد ذكرت في «الرسالة المنبهة على فوائد القرآن» «2» [أنّ اللّه تعالى كما جعل النبوّة بنبوة نبيّنا مختتمة، و جعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة، و من وجه مكمّلة متمّمة كما قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة/ 3]، جعل كتابه المنزّل عليه متضمّنا لثمرة كتبه، التي أولاها أوائل الأمم، كما نبّه عليه بقوله تعالى: يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة/ 2- 3]، و جعل من معجزة هذا الكتاب أنه- مع قلّة الحجم- متضمّن للمعنى الجمّ، و بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، و الآلات الدنيوية عن استيفائه، كما نبّه عليه بقوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
__________________________________________________
(1) ما بين [] زيادة من المحمودية.
(2) لم نعثر عليها. و ما بين القوسين نقله السيوطي عن الراغب في كتابه «معترك الأقران» 1/ 22، و الإتقان 2/ 163.
53
مفردات ألفاظ القرآن
مقدمة المؤلف
حَكِيمٌ [لقمان/ 27]. و أشرت في كتاب «الذريعة إلى مكارم الشريعة» «1» أن القرآن- و إن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه، و نفع ما يوليه- فإنه:
1- كالبدر من حيث التفتّ رأيته يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا
2- كالشّمس في كبد السّماء و ضوؤها يغشى البلاد مشارقا و مغاربا «2»
لكن محاسن أنواره لا يثقّفها إلا البصائر الجليّة، و أطايب ثمره لا يقطفها إلا الأيدي الزكية، و منافع شفائه لا ينالها إلا النفوس النقيّة، كما صرّح تعالى به فقال في وصف متناوليه: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة/ 77- 79].
و قال في وصف سامعيه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت/ 44].
و ذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب، كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر و حرص، ف الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ، و دلّلت في تلك الرسالة «3» على كيفية اكتساب الزاد الذي يرقى كاسبه في درجات المعارف، حتى يبلغ من معرفته أقصى ما في قوة البشر أن يدركه من الأحكام و الحكم، فيطّلع من كتاب اللّه على ملكوت السموات و الأرض، و يتحقق أنّ كلامه كما وصفه بقوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام/ 38].
جعلنا اللّه ممن تولّى هدايته حتى يبلّغه هذه المنزلة، و يخوّله هذه المكرمة، فلن يهديه البشر من لم يهده اللّه، كما قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص/ 56].
و ذكرت أنّ أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، و من العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللّبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، و ليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع
__________________________________________________
(1) الكتاب مطبوع بمكتبة الكليات الأزهرية بمصر عام 1973 م 1393 ه. و انظر الذريعة ص 116.
(2) البيتان لأبي الطيب المتنبي، و هما في شرح ديوانه 1/ 130، و الوساطة بين المتنبي و خصومه ص 262، و معترك الأقران 1/ 23.
(3) أي: الذريعة، و هذا ذكره في الباب الحادي عشر: كون طهارة النفس شرطا في صحة خلافة اللّه تعالى و كمال عبادته. انظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 29.
54
مفردات ألفاظ القرآن
مقدمة المؤلف
فألفاظ القرآن هي لبّ كلام العرب و زبدته، و واسطته و كرائمه، و عليها اعتماد الفقهاء و الحكماء في أحكامهم و حكمهم، و إليها مفزع حذّاق الشعراء و البلغاء في نظمهم و نثرهم، و ما عداها و عدا الألفاظ المتفرّعات عنها و المشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور و النوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، و كالحثالة و التبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة.
و قد استخرت اللّه تعالى في إملاء كتاب مستوف فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فنقدّم ما أوله الألف، ثم الباء على ترتيب حروف المعجم، معتبرا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد، و الإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها و المشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، و أحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على «الرسالة» «1» التي عملتها مختصّة بهذا الباب.
ففي اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبّطات عن المسارعة في سبيل الخيرات، و عن المسابقة إلى ما حثّنا عليه بقوله تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد/ 21]، سهّل اللّه علينا الطريق إليها.
و أتبع هذا الكتاب- إن شاء اللّه تعالى و نسأ في الأجل- بكتاب ينبئ عن تحقيق «الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد، و ما بينها من الفروق الغامضة» «2»، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته، نحو ذكر القلب مرّة و الفؤاد مرة و الصدر مرّة، و نحو ذكره تعالى في عقب قصّة: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* [الروم/ 37]، و في أخرى: لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* [يونس/ 24]، و في أخرى:
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* [البقرة/ 230]، و في أخرى: لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الأنعام/ 98]، و في أخرى: لِأُولِي الْأَبْصارِ* [آل عمران/ 13]، و في أخرى: لِذِي حِجْرٍ [الفجر/ 5]، و في أخرى: لِأُولِي النُّهى* [طه/ 54]، و نحو ذلك ممّا يعدّه من لا يحقّ الحقّ و يبطل الباطل أنّه باب واحد «3»، فيقدّر أنه إذا فسّر: الْحَمْدُ لِلَّهِ* بقوله: الشكر للّه «4»، و لا*
__________________________________________________
(1) و هي باسم «تحقيق مناسبات الألفاظ». و انظر: ما كتبناه في المقدمة عند الكلام على مؤلفات المصنف.
(2) لم نجد هذا الكتاب.
(3) انظر مقدمة تفسير الراغب ص 76.
(4) هذا من باب التقريب، و التحقيق أنّ بين الحمد و الشكر عموما و خصوصا من وجه، و قد أوضح ذلك العلّامة الشنقيطي ابن متّالي فقال:
55
مفردات ألفاظ القرآن
مقدمة المؤلف
رَيْبَ فِيهِ* «1» ب: لا شك فيه، فقد فسّر القرآن و وفّاه التبيان.
جعل اللّه لنا التوفيق رائدا، و التقوى سائقا، و نفعنا بما أولانا و جعله لنا من معاون تحصيل الزاد المأمور به في قوله تعالى: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة/ 197].
__________________________________________________
و نسبة العموم و الخصوص من وجه فقط للحمد و الشكر تعن
و جمع معقولين بانفراد كل هو العموم وجها بادي
فالحمد بالثناء مطلقا بدا كان جزاء نعمة أو ابتدا
و الشكر ما كان جزاء للنعم فالحمد من ذا الوجه وحده أعم
و الشكر يأتي عند كل شارح بالقلب و اللسان و الجوارح
و الحمد باللسان لا غير وسم فاشكر من ذا الوجه وحده أعم
ا. ه و كذا بين الريب و الشك فرق، فالريب: تحصيل القلق و إفادة الاضطراب، و الشك: وقوف النفس بين شيئين متقابلين بحيث لا ترجح أحدهما على الآخر، فتقع في الاضطراب و الحيرة. فاستعمال الريب في الشك مجاز من إطلاق اسم المسبب و إرادة السبب. راجع حاشية زاده على البيضاوي 1/ 75.
(1) سورة البقرة آية 2.
56
مفردات ألفاظ القرآن
كتاب الألف
كتاب الألف
أبا
الْأَبُ: الوالد، و يسمّى كلّ من كان سببا في إيجاد شيءٍ أو صلاحه أو ظهوره أبا، و لذلك يسمّى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أبا المؤمنين، قال اللّه تعالى:
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] و في بعض القراءات:
(و هو أَبٌ لهم) «1».
و
رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنَا وَ أَنْتَ أَبَوَا هَذِهِ الْأُمَّةِ» «2».
و إلى هذا أشار
بِقَوْلِهِ: «كُلُّ سَبَبٍ وَ نَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَبَبِي وَ نَسَبِي» «3».
و قيل: أَبُو الأضياف لتفقّده إياهم، و أَبُو الحرب لمهيّجها، و أَبُو عذرتها لمفتضّها.
و يسمّى العم مع الأب أَبَوَيْنِ، و كذلك الأم مع الأب، و كذلك الجدّ مع الأب، قال تعالى في قصة يعقوب: ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قالُوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً
[البقرة/ 133]، و إسماعيل لم يكن من آبائهم و إنما كان عمّهم.
و سمّي معلّم الإنسان أَباً لما تقدّم ذكره.
و قد حمل قوله تعالى: وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ*
[الزخرف/ 22] على ذلك. أي: علماءنا الذين ربّونا بالعلم بدلالة قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب/ 67].
و قيل في قوله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ
__________________________________________________
(1) و بها قرأ ابن عباس، و أبيّ بن كعب و هي في مصحفه، و هي قراءة شاذة منسوخة.
(2) الحديث لم أجده، و لعلّه من وضع الشيعة، و اللّه أعلم. و قد نقله عنه الفيروزآبادي في البصائر، و السمين في عمدة الحفاظ مادة (أبى)، و لم يعلّقا عليه.
(3) الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3/ 36 و البيهقي 7/ 114 و الحاكم 3/ 142 و قال: صحيح الإسناد و تعقبه الذهبي فقال: منقطع، و أبو نعيم في معرفة الصحابة 1/ 231. و سببه أنّ عمر بن الخطاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أم كلثوم، فاعتلّ عليه بصغرها، فقال: إني لم أرد الباه و لكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول:
فذكره. راجع الفتح الكبير 3/ 324، و أسباب ورود الحديث 3/ 90.
57
مفردات ألفاظ القرآن
أبا ص 57
[لقمان/ 14]: إنه عنى الْأَبَ الذي ولده، و المعلّم الذي علمه.
و قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ
[الأحزاب/ 40]، إنما هو نفي الولادة، و تنبيه أنّ التبني لا يجري مجرى البنوّة الحقيقية.
و جمع الأب آبَاءٌ و أُبُوَّةٌ نحو: بعولة و خئولة.
و أصل «أَبٍ» فعل «1»، و قد أجري مجرى قفا و عصا في قول الشاعر:
3-
إنّ أَبَاهَا و أَبَا أَبَاهَا «2»
و يقال: أَبَوْتُ القوم: كنت لهم أبا، أَأْبُوهُمْ، و فلان يَأْبُو بهمه أي: يتفقّدها تفقّد الأب.
و زادوا في النداء فيه تاء، فقالوا: يا أَبَتِ «3».
و قولهم: بَأْبَأَ الصبي، فهو حكاية صوت الصبي إذا قال: بابا «4».
أبى
الْإِبَاءُ: شدة الامتناع، فكل إِبَاءٍ امتناع و ليس كل امتناع إباء.
قوله تعالى: وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ
[التوبة/ 32]، و قال: وَ تَأْبى قُلُوبُهُمْ
[التوبة/ 8]، و قوله تعالى: أَبى وَ اسْتَكْبَرَ
[البقرة/ 34]، و قوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى*
[طه/ 116] و
رُوِيَ: «كُلُّكُمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا مَنْ أَبَى» «5».
و منه: رجل أَبِيٌّ: ممتنع من تحمّل الضيم، و أَبَيْتَ الضير تَأْبَى، و تيس آبَى، و عنز أَبْوَاءُ: إذا أخذه من شرب ماءٍ فيه بول الأروى داء يمنعه من شرب الماء «6».
__________________________________________________
(1) قال شيخنا العلامة أحمد الحسني الشنقيطي في هذا المعنى:
في أب اختلافهم هل فعل أو هو بالسكون خلف نقلوا
فكوفة عندهم مسكّن و بصرة لعكس ذاك ركنوا.
(2) هذا شطر بيت، و عجزه:
قد بلغا في المجد غايتاها
و في المخطوطة البيت بتمامه ص 2. و هو لأبي النجم العجلي، و هو في شرح ابن عقيل 1/ 51، و شفاء العليل بشرح التسهيل 1/ 120، و شرح المفصل 1/ 53، و قيل: هو لرؤبة، في ملحقات ديوانه ص 168.
(3) و هذه التاء عوض عن الياء، قال ابن مالك في ألفيّته:
و في نداء أبت أمت عرض و افتح أو اكسر، و من الياء التاء عوض.
(4) راجع لسان العرب (بأبأ) 1/ 25، و المسائل الحلبيات ص 326.
(5) الحديث عن أبي هريرة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: كل أمتي يدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى، قالوا: و من يأبى يا رسول اللّه؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، و من عصاني فقد أبى. أخرجه البخاري انظر فتح الباري 13/ 249، باب الاعتصام بالسنة، و أحمد في المسند 2/ 361، قال الهيثمي: و رجاله رجال الصحيح، و أخرجه الطبراني في الأوسط، و رجاله رجال الصحيح أيضا. انظر: مجمع الزوائد 10/ 73.
(6) راجع لسان العرب 14/ 5 مادة (أبى)، و الأروى: أنثى الوعول، و هو اسم جمع.
58
مفردات ألفاظ القرآن
أب ص 59
أب
قوله تعالى: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا[عبس/ 31].
الْأَبُّ: المرعى المتهيّئ للرعي و الجز «1»، من قولهم: أَبَّ لكذا أي: تهيّأ، أَبّاً و إِبَابَةً و إِبَاباً، و أَبَّ إلى وطنه: إذا نزع إلى وطنه نزوعاً تهيّأ لقصده، و كذا أَبَّ لسيفه: إذا تهيأ لسلّه.
و إِبَّانُ ذلك فعلان منه، و هو الزمان المهيأ لفعله و مجيئه.
أبد
قال تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً* [النساء/ 122]. الْأَبَدُ: عبارة عن مدّة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجرأ الزمان، و ذلك أنه يقال:
زمان كذا، و لا يقال: أَبَدُ كذا.
و كان حقه ألا يثنى و لا يجمع إذ لا يتصور حصول أَبَدٍ آخر يضم إليه فيثنّى به، لكن قيل:
آبَادٌ، و ذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله، كتخصيص اسم الجنس في بعضه، ثم يثنّى و يجمع، على أنه ذكر بعض الناس أنّ آبَاداً مولّد و ليس من كلام العرب العرباء.
و قيل: أَبَدٌ آبِدٌ و أَبِيدٌ أي: دائم «2»، و ذلك على التأكيد.
و تَأَبَّدَ الشيء: بقي أبداً، و يعبّر به عما يبقى مدة طويلة.
و الْآبِدَةُ: البقرة الوحشية، و الْأَوَابِدُ:
الوحشيات، و تَأَبَّدَ البعير: توحّش، فصار كالأوابد، و تَأَبَّدَ وجه فلان: توحّش، و أَبِدَ كذلك، و قد فسّر بغضب.
أبق
قال اللّه تعالى: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ [الصافات/ 140].
يقال: أَبَقَ العبد يَأْبِقُ إِبَاقاً، و أَبِقَ يَأْبَقُ: إذا هرب «3».
و عبد آبِقٌ و جمعه أُبَّاقٌ، و تَأَبَّقَ الرجل: تشبّه به في الاستتار، و قول الشاعر:
4-
قد أحكمت حكمات القدّ و الْأَبَقَا «4»
قيل: هو القنّب.
إبل
قال اللّه تعالى: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ [الأنعام/ 144]، الْإِبِلُ يقع على البعران الكثيرة و لا واحد له من لفظه.
__________________________________________________
(1) انظر: اللسان (أبب) 1/ 205.
(2) يقال: لا أفعل ذلك أبد الأبيد، و أبد الآباد، و أبد الدهر، و أبيد الأبيد، و أبد الأبدية. راجع: لسان العرب (أبد) 3/ 68، و المستقصى 2/ 242.
(3) انظر: الأفعال للسرقسطي 1/ 96، و المجمل 1/ 84، و لسان العرب (أبق) 10/ 3. بكسر الباء و فتحها.
(4) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، و صدره:
القائد الخيل منكوبا دوابرها
و هو في ديوانه ص 41، و العجز في المجمل 1/ 84، و شمس العلوم 1/ 52، و البيت بتمامه في اللسان (أبق).
59
مفردات ألفاظ القرآن
إبل ص 59
و قوله تعالى: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [الغاشية/ 17] قيل: أريد بها السحاب «1»، فإن يكن ذلك صحيحاً فعلى تشبيه السحاب بالإبل و أحواله بأحوالها.
و أَبَلَ الوحشيّ يَأْبُلُ أُبُولًا، و أَبَلَ أَبْلًا «2»: اجتزأ عن الماء تشبّها بالإبل في صبرها عن الماء.
و كذلك: تَأَبَّلَ الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها «3». و أَبَّلَ الرجل: كثرت إبله، و فلان لا يَأْتَبِلُ أي: لا يثبت على الإبل إذا ركبها، و رجل آبِلٌ و أَبِلٌ: حسن القيام على إبله، و إبل مُؤَبَّلَةٌ: مجموعة.
و الْإِبَّالَةُ: الحزمة من الحطب تشبيهاً به، و قوله تعالى: وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ [الفيل/ 3] أي: متفرّقة كقطعات إبلٍ، الواحد إِبِّيلٌ «4».
أتى
الْإِتْيَانُ: مجيء بسهولة، و منه قيل للسيل المارّ على وجهه: أَتِيٌّ و أَتَاوِيُّ «5»، و به شبّه الغريب فقيل: أَتَاوِيُّ «6».
و الْإِتْيَانُ يقال للمجيء بالذات و بالأمر و بالتدبير، و يقال في الخير و في الشر و في الأعيان و الأعراض، نحو قوله تعالى: إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ [الأنعام/ 40]، و قوله تعالى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1]، و قوله:
فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [النحل/ 26]، أي: بالأمر و التدبير، نحو: وَ جاءَ رَبُّكَ [الفجر/ 22]، و على هذا النحو قول الشاعر:
5-
أَتَيْتُ المروءة من بابها «7»
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل/ 37]، و قوله: لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى [التوبة/ 54]، أي: لا يتعاطون، و قوله: يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ
[النساء/ 15]، و في
__________________________________________________
(1) قال أبو عمرو بن العلاء: و من قرأها بالتثقيل قال الإبلّ: السحاب التي تحمل الماء للمطر. راجع لسان العرب (إبل) 11/ 6، و تفسير القرطبي 20/ 35.
(2) انظر: الأفعال للسرقسطي 1/ 90، و اللسان 11/ 5. مادة أبل.
(3) و روي عن وهب قال: لمّا قتل ابن آدم أخاه تأبّل آدم على حوّاء. أي: ترك غشيانها حزنا على ولده.
(4) الأبابيل: جماعة في تفرقة، واحدها: إبّيل و إبّول.
(5) قال ابن منظور: و الأتيّ: النهر يسوقه الرجل إلى أرضه. و سيل أتيّ و أتاويّ: لا يدرى من أين أتى، و قال اللحياني:
أي: أتى و لبّس مطره علينا.
(6) و قال في اللسان: بل السيل مشبّه بالرّجل لأنه غريب مثله، راجع 14/ 15.
(7) هذا عجز بيت للأعشى و قبله:
و كأس شربت على لذة و أخرى تداويت منها بها
لكي يعلم الناس أني امرؤ أتيت المروءة من بابها
و ليس في ديوانه- طبع دار صادر، بل في ديوانه- طبع مصر ص 173، و خاص الخاص ص 99، و العجز في بصائر ذوي التمييز 2/ 43.
60
مفردات ألفاظ القرآن
أتى ص 60
قراءة عبد اللّه: (تَأْتِي الْفَاحِشَةَ) «1» فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجيء في قوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مريم/ 27].
يقال: أَتَيْتُهُ و أَتَوْتُهُ «2»، و يقال للسقاء إذا مخض و جاء زبده: قد جاء أَتْوُهُ، و تحقيقه: جاء ما من شأنه أن يأتي منه، فهو مصدر في معنى الفاعل.
و هذه أرض كثيرة الْإِتَاءِ أي: الرّيع، و قوله تعالى: مَأْتِيًّا [مريم/ 61] مفعول من أتيته.
قال بعضهم «3»: معناه: آتِياً، فجعل المفعول فاعلًا، و ليس كذلك بل يقال: أَتَيْتُ الأمر و أَتَانِي الأمر، و يقال: أَتَيْتُهُ بكذا و آتَيْتُهُ كذا. قال تعالى:
وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة/ 25]، و قال:فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل/ 37]، و قال: وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء/ 54].
[و كلّ موضع ذكر في وصف الكتاب «آتَيْنا»* فهو أبلغ من كلّ موضع ذكر فيه «أُوتُوا»*، لأنّ «أُوتُوا»* قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول، و آتَيْناهُمُ* يقال فيمن كان منه قبول] «4».
و قوله تعالى: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف/ 96] و قرأه حمزة موصولة «5». أي:
جيئوني.
و الْإِيتَاءُ: الإعطاء، [و خصّ دفع الصدقة في القرآن بِالْإِيتَاءِ] نحو: وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ* [البقرة/ 277]، وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ* [الأنبياء/ 73]، و وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [البقرة/ 229]، و وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ [البقرة/ 247].
أث
الْأَثَاثُ: متاع البيت الكثير، و أصله من:
أَثَّ «6»، أي: كثر و تكاثف.
و قيل للمال كلّه إذا كثر: أَثَاثٌ، و لا واحد له، كالمتاع، و جمعه أَثَاثٌ «7».
و نساء أَثَايِثُ: كثيرات للحمل، كأنّ عليهن
__________________________________________________
(1) و هي قراءة شاذة قرأ بها ابن مسعود.
(2) قال ابن مالك:
و أتوت مثل أتيت فقل بها و محوت خطّ السطر ثم محيته.
(3) و الذي قال هذا ابن قتيبة و أبو نصر الحدادي، و ذكره ابن فارس بقوله: و زعم ناس، كأنّه يضعّفه.
راجع: تأويل مشكل القرآن ص 298، و المدخل لعلم تفسير كتاب اللّه ص 269، و الصاحبي ص 367، و كذا الزمخشري في تفسيره راجع الكشاف 2/ 2/ 415.
(4) نقل هذه الفائدة السيوطي في الإتقان 1/ 256 عن المؤلف.
(5) و كذا قرأها أبو بكر من طريق العليمي و أبي حمدون. ا. ه. راجع: الإتحاف ص 295.
(6) يقال: أثّ النبات يئثّ أثاثة، أي: كثر و التفّ. انظر: اللسان (أثّ).
(7) و هذا قول الفرّاء، و قيل: واحده أثاثة. انظر: المجمل 1/ 78، و اللسان (أث).
61
مفردات ألفاظ القرآن
أث ص 61
أَثَاثاً، و تَأَثَّثَ فلان: أصاب أثاثاً.
أثر
أَثَرُ الشيء: حصول ما يدلّ على وجوده، يقال: أَثَرَ و أَثَّرَ، و الجمع: الْآثَارُ. قال اللّه تعالى: ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا «1» [الحديد/ 27]، وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ* [غافر/ 21]، و قوله: فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ [الروم/ 50].
و من هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدّم: آثَارٌ، نحو قوله تعالى: فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ [الصافات/ 70]، و قوله: هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي [طه/ 84].
و منه: سمنت الإبل على أَثَارَةٍ «2»، أي: على أثر من شحم، و أَثَرْتُ البعير: جعلت على خفّه أُثْرَةً، أي: علامة تؤثّر في الأرض ليستدل بها على أثره، و تسمّى الحديدة التي يعمل بها ذلك الْمِئْثَرَةُ.
و أَثْرُ السيف: جوهره و أثر جودته، و هو الفرند، و سيف مَأْثُورٌ. و أَثَرْتُ العلم: رويته «3»، آثُرُهُ أَثْراً و أَثَارَةً و أُثْرَةً، و أصله: تتبعت أَثَرَهُ.
أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ [الأحقاف/ 4]، و قرئ: (أَثْرَةٍ) «4» و هو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر.
و الْمَآثِرُ: ما يروى من مكارم الإنسان، و يستعار الْأَثَرُ للفضل، و الْإِيثَارُ للتفضل و منه:
آثَرْتُهُ، و قوله تعالى: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ [الحشر/ 9] و قال: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا [يوسف/ 91] و بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الأعلى/ 16].
و
فِي الْحَدِيثِ: «سَيَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ» «5».
أي:
يستأثر بعضكم على بعض.
و الِاسْتِئْثَارُ: التفرّد بالشيء من دون غيره، و قولهم: اسْتَأْثَرَ اللّه بفلان، كناية عن موته، تنبيه أنّه ممّن اصطفاه و تفرّد تعالى به من دون الورى
__________________________________________________
(1) و في أ «و قفّينا» و هو خطأ.
(2) انظر: لسان العرب (أثر) 6/ 7، و مجمل اللغة 1/ 87.
(3) قال ابن فارس: و أثرت الحديث، أي: ذكرته عن غيرك.
(4) و هي قراءة شاذة قرأ بها السّلمي و الحسن و أبو رجاء.
قال ابن منظور: فمن قرأ «أثارة» فهو المصدر، مثل السماحة، و من قرأ «أثرة» فإنه بناه على الأثر، كما قيل:
قترة.
راجع تفسير القرطبي 16/ 182، و لسان العرب 4/ 7.
(5) الحديث عن أسيد بن حضير أنّ رجلا من الأنصار قال: يا رسول اللّه أ لا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال:
«ستلقون بعدي أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض». و هو صحيح أخرجه البخاري، راجع فتح الباري 7/ 117.
62
مفردات ألفاظ القرآن
أثر ص 62
تشريفاً له. و رجل أَثِرٌ: يستأثر على أصحابه.
و حكى اللحياني «1»: خذه آثِراً ما، و إِثْراً ما، و أَثَرَ ذي أَثِيرٍ «2».
أثل
قال تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ
[سبأ/ 16].
أَثْلٌ: شجر ثابت الأصل، و شجر مُتَأَثِّلٌ:
ثابت ثبوته، و تَأَثَّلَ كذا: ثبت ثبوته.
و
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي الْوَصِيِّ: «غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا» «3».
أي: غير مقتنٍ له و مدّخر، فاستعار التَّأَثُّلَ له، و عنه استعير: نحتّ أَثْلَتَهُ: إذا اغتبته «4».
إثم
الْإِثْمُ و الْأَثَامُ: اسم للأفعال المبطئة عن الثواب «5»، و جمعه آثَامٌ، و لتضمنه لمعنى البطء قال الشاعر:
6-
جماليّة تغتلي بالرّادف إذا كذّب الْآثِمَاتُ الهجير «6»
و قوله تعالى: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة/ 219] أي: في تناولهما إبطاء عن الخيرات.
و قد أَثِمَ إِثْماً و أَثَاماً فهو آثِمٌ و أَثِمٌ و أَثِيمٌ. و تَأَثَّمَ:
خرج من إثمه، كقولهم: تحوّب و تحرّج: خرج من حوبه و حرجه، أي: ضيقه.
و تسمية الكذب إِثْماً لكون الكذب من جملة الإثم، و ذلك كتسمية الإنسان حيواناً لكونه من جملته.
و قوله تعالى: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ [البقرة/ 206] أي: حملته عزته على فعل ما يُؤْثِمُهُ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الفرقان/ 68] أي: عذاباً، فسمّاه أَثَاماً لما كان منه، و ذلك كتسمية النبات و الشحم ندًى لما كانا منه في قول الشاعر:
7-
تعلّى الندى في متنه و تحدّرا «7»
و قيل: معنى: «يَلْقَ أَثاماً»
أي: يحمله ذلك
__________________________________________________
(1) علي بن حازم، راجع أخباره في إنباه الرواة 2/ 255. و ذكر هذا أيضا كراع في المنتخب 2/ 536.
(2) المبرّد في قولهم: خذ هذا آثرا ما، قال: كأنه يريد أن يأخذ منه واحدا و هو يسام على آخر، فيقول: خذ هذا الواحد آثرا، أي: قد آثرتك به، و «ما» فيه حشو. راجع لسان العرب (أثر).
(3) الحديث أخرجه البخاري في الشروط 5/ 263 و الوصايا، و مسلم في الوصية رقم (1632)، و راجع شرح السنة 2/ 288، 305، و أخرجه النسائي بلفظ: «كل من مال يتيمك غير مسرف و لا مباذر و لا متأثل» 6/ 256.
(4) قال ابن فارس: و نحت فلان أثلته، مثل، و ذلك إذا قال في عرضه قبيحا. انظر: مجمل اللغة 1/ 87، و جمهرة الأمثال 2/ 309.
(5) يقال: أثمت الناقة المشي تأثمه إثما: أبطأت. انظر: اللسان (أثم).
(6) البيت للأعشى في ديوانه ص 87، و اللسان (أثم). و عجزه في المجمل 1/ 87.
(7) هذا عجز بيت لعمرو بن أحمر، و شطره:
[كثور العداب الفرد يضربه الندى].
و هو في ديوانه ص 84، و اللسان (ندى).
63
مفردات ألفاظ القرآن
إثم ص 63
على ارتكاب آثام، و ذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة، و على الوجهين حمل قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم/ 59].
و الْآثِمُ: المتحمّل الإثم، قال تعالى: آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة/ 283].
و قوبل الإثم بالبرّ،
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَ الْإِثْمُ مَا حَاكٍ فِي صَدْرِكَ» «1».
و هذا القول منه حكم البرّ و الإثم لا تفسيرهما.
و قوله تعالى: مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* [القلم/ 12] أي: آثم، و قوله: يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ [المائدة/ 62].
قيل: أشار بالإثم إلى نحو قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة/ 44]، و بالعدوان إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة/ 45]، فَالْإِثْمُ أعمّ من العدوان.
أج
قال تعالى: هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ [الفرقان/ 53]: شديد الملوحة و الحرارة، من قولهم: أَجِيجُ النار و أَجَّتُهَا، و قد أَجَّتْ، و ائْتَجَّ النهار.
و يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ منه، شبّهوا بالنار المضطرمة و المياه المتموّجة لكثرة اضطرابهم «2».
و أَجَّ الظّليم: إذا عدا، أَجِيجاً تشبيهاً بأجيج النار.
أجر
الْأَجْرُ و الْأُجْرَةُ: ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً، نحو قوله تعالى: إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ* [يونس/ 72]، وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [العنكبوت/ 27]، وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا [يوسف/ 57].
و الْأُجْرَةُ في الثواب الدنيوي، و جمع الأجر أُجُورٌ، و قوله تعالى: وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ [النساء/ 25] كناية عن المهور، و الْأَجْرُ و الْأُجْرَةُ يقال فيما كان عن عقد و ما يجري مجرى العقد، و لا يقال إلا في النفع دون الضر، نحو قوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ* [آل عمران/ 199]، و قوله تعالى: فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى/ 40]. و الجزاء يقال فيما كان عن عقدٍ و غير عقد، و يقال في النافع و الضار، نحو
__________________________________________________
(1) الحديث عن وابصة بن معبد رضي اللّه عنه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال: «جئت تسأل عن البرّ؟ قلت: نعم.
قال: البرّ ما اطمأنت إليه النفس و اطمأن إليه القلب، و الإثم ما حاك في النفس و تردّد في الصدر و إن أفتاك الناس و أفتوك» أخرجه أحمد في المسند 4/ 228، و فيه أيوب بن عبد اللّه بن مكرز. قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه.
و وثقه ابن حبان. و أخرجه الدارمي 2/ 322. و انظر: مجمع الزوائد 1/ 182. ذكره النووي في الأربعين و قال:
حديث حسن رويناه في مسند أحمد و الدارمي بإسناد حسن، راجع الأربعين النووية ص 53.
(2) انظر: المجموع المغيث 1/ 32.
64
مفردات ألفاظ القرآن
أجر ص 64
قوله تعالى: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً [الإنسان/ 12]، و قوله تعالى: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء/ 93].
يقال: أَجَرَ زيد عمراً يَأْجُرُهُ أَجْراً: أعطاه الشيء بأجرة، و آجَرَ عمرو زيداً: أعطاه الأجرة، قال تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [القصص/ 27]، و آجَرَ كذلك، و الفرق بينهما أنّ أَجَرْتُهُ يقال إذا اعتبر فعل أحدهما، و آجَرْتُهُ يقال إذا اعتبر فعلاهما «1»، و كلاهما يرجعان إلى معنى واحدٍ، و يقال: آجره اللّه و أجره اللّه.
و الْأَجِيرُ: فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل، و الِاسْتِئْجَارُ: طلب الشيء بالأجرة، ثم يعبّر به عن تناوله بالأجرة، نحو: الاستيجاب في استعارته الإيجاب، و على هذا قوله تعالى:
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ [القصص/ 26].
أجل
الْأَجَلُ: المدّة المضروبة للشيء، قال تعالى:
لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى [غافر/ 67]، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ [القصص/ 28].
و يقال: دينه مُؤَجَّلٌ، و قد أَجَّلْتُهُ: جعلت له أجلًا، و يقال للمدّة المضروبة لحياة الإنسان أَجَلٌ فيقال: دنا أَجَلُهُ، عبارة عن دنوّ الموت.
و أصله: استيفاء الْأَجَلِ أي: مدّة الحياة، و قوله تعالى: بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا [الأنعام/ 128]، أي: حدّ الموت، و قيل: حدّ الهرم، و هما واحد في التحقيق.
و قوله تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام/ 2]، فالأول: هو البقاء في الدنيا، و الثاني: البقاء في الآخرة، و
قِيلَ:
الْأَوَّلُ: هُوَ الْبَقَاءُ فِي الدُّنْيَا، وَ الثَّانِي: مُدَّةُ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى النُّشُورِ، عَنِ الْحَسَنِ
و
قِيلَ: الْأَوَّلُ لِلنَّوْمِ، وَ الثَّانِي لِلْمَوْتِ، إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزُّمَرِ/ 42]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2»
وَ قِيلَ: الْأَجَلَانِ جَمِيعاً لِلْمَوْتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَلُهُ بِعَارِضٍ كَالسَّيْفِ وَ الْحَرَقِ وَ الْغَرَقِ وَ كُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ مُوَافِقٍ، وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى قَطْعِ الْحَيَاةِ، وَ مِنْهُمْ مَنْ يُوَقَّى وَ يُعَافَى حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَ هَذَانِ هُمَا الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا
بِقَوْلِهِ: (مَنْ أَخْطَأَهُ سَهْمُ الرَّزِيَّةِ لَمْ يُخْطِئْهُ سَهْمُ الْمنيَّةِ).
و قيل: للناس أَجَلَانِ، منهم من يموت عبطة «3»، و منهم من يبلغ حدّاً لم يجعله اللّه في
__________________________________________________
(1) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 132.
(2) و قد نقل الفيروزآبادي هذا حرفيا، و انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 109.
(3) أصل هذه المادة: عبطت الناقة عبطا: إذا ذبحتها من غير علة، و مات فلان عبطة، أي: صحيحا شابا. ا. ه.
انظر: العباب الزاخر (عبط).
65
مفردات ألفاظ القرآن
أجل ص 65
طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها، و إليها أشار بقوله تعالى: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [الحج/ 5]، و قصدهما الشاعر بقوله:
8-
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته .... «1»
و قول الآخر:
9-
من لم يمت عبطةً يمت هرماً «2»
و الْآجِلُ ضد العاجل، و الْأَجْلُ: الجناية التي يخاف منها آجلًا، فكل أَجْلٍ جناية و ليس كل جناية أجلًا، يقال: فعلت كذا من أَجْلِهِ، قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ
[المائدة/ 32]، أي: من جرّاء، و قرئ: (من إِجْلِ ذلك) «3» بالكسر. أي: من جناية ذلك.
و يقال: (أَجَلْ) في تحقيق خبرٍ سمعته. و بلوغ الْأَجَلِ في قوله تعالى: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ
[البقرة/ 231]، هو المدة المضروبة بين الطلاق و بين انقضاء العدة، و قوله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ
[البقرة/ 232]، إشارة إلى حين انقضاء العدّة، و حينئذ لا جناح عليهنّ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ.
أحد
أَحَدٌ يستعمل على ضربين:
أحدهما: في النفي فقط «4».
و الثاني: في الإثبات.
فأمّا المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين، و يتناول القليل و الكثير على طريق الاجتماع و الافتراق، نحو: ما في الدار أحد، أي: لا واحد و لا اثنان فصاعدا لا مجتمعين و لا مفترقين، و لهذا المعنى لم يصحّ استعماله في
__________________________________________________
(1) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته، و تمامه:
و من تخطئ يعمّر فيهرم
و هو في ديوانه ص 86، و شرح القصائد للنحاس 1/ 125، و بصائر ذوي التمييز 2/ 109.
(2) الشطر لأمية بن أبي الصلت، و تتمته:
للموت كأس فالمرء ذائقها
و هو في ديوانه ص 241، و العباب (عبط)، و اللسان (عبط)، و غريب الحديث للخطابي 1/ 446، و ذيل أمالي القالي ص 134.
(3) و هي بكسر الهمزة مع قطعها قراءة شاذة حكاها اللحياني، و قرأ أبو جعفر بكسر الهمزة و نقل حركتها إلى النون، و وافقه الحسن، انظر: الإتحاف ص 200، و اللسان (أجل).
(4) قال المختار بن بونا الجكني الشنقيطي في تكميله لألفية ابن مالك:
و عظّموا بأحد الآحاد و أحد في النفي ذو انفراد
بعاقل، و مثله عريب كما هنا من أحد قريب.
66
مفردات ألفاظ القرآن
أحد ص 66
الإثبات، لأنّ نفي المتضادين يصح، و لا يصحّ إثباتهما، فلو قيل: في الدار واحد لكان فيه إثبات واحدٍ منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين و مفترقين، و ذلك ظاهر الإحالة، و لتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال: ما من أَحَدٍ فاضلين «1»، كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ [الحاقة/ 47].
و أمّا المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه:
الأول: في الواحد المضموم إلى العشرات نحو: أَحَدَ عشر و أَحَدٍ و عشرين.
و الثاني: أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى الأول، كقوله تعالى: أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً [يوسف/ 41]، و قولهم:
يوم الْأَحَدِ. أي: يوم الأول، و يوم الاثنين.
و الثالث: أن يستعمل مطلقا وصفا، و ليس ذلك إلا في وصف اللّه تعالى بقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1]، و أصله: وحد «2»، و لكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة:
10-
كأنّ رحلي و قد زال النهار بنا بذي الجليل على مستأنس وحد «3»
أخذ
الْأَخْذُ: حوز الشيء و تحصيله، و ذلك تارةً بالتناول نحو: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ [يوسف/ 79]، و تارةً بالقهر نحو قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ [البقرة/ 255].
و يقال: أَخَذَتْهُ الحمّى، و قال تعالى: وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هود/ 67]، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى [النازعات/ 25]، و قال: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى [هود/ 102].
و يعبّر عن الأسير بِالْأَخِيذِ و الْمَأْخُوذِ، و الِاتِّخَاذُ افتعال منه، و يعدّى إلى مفعولين و يجري مجرى الجعل نحو قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى أَوْلِياءَ [المائدة/ 51]، أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [الشورى/ 9]، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا [المؤمنون/ 110]، أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ [المائدة/ 116]، و قوله تعالى:
وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ [النحل/ 61] فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة و المقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر.
__________________________________________________
(1) و هذا النقل حرفيا في البصائر 2/ 91.
(2) قال الفيروزآبادي: و أصله وحد، أبدلوا الواو همزة على عادتهم في الواوات الواقعة في أوائل الكلم، كما في:
أجوه و وجوه، و إشاح و وشاح، و امرأة أناة و وناة. انظر: البصائر 2/ 92.
(3) البيت من معلقته، و هو في ديوانه ص 31، و شرح المعلقات للنحاس 2/ 162.
67
مفردات ألفاظ القرآن
أخذ ص 67
و يقال: فلان مَأْخُوذٌ، و به أَخْذَةٌ من الجن، و فلان يَأْخُذُ مَأْخَذَ فلان، أي: يفعل فعله و يسلك مسلكه، و رجل أَخِيذٌ، و به أُخُذٌ كناية عن الرّمد.
و الْإِخَاذَةُ و الْإِخَاذُ: أرض يأخذها الرجل لنفسه «1»، و ذهبوا و من أخذ أَخْذَهُمْ و إِخْذَهُمْ «2».
أخ
أَخٌ الأصل أَخَوٌ، و هو: المشارك آخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما أو من الرضاع.
و يستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة، أو في الدّين، أو في صنعة، أو في معاملة أو في مودّة، و في غير ذلك من المناسبات.
قوله تعالى: لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ [آل عمران/ 156]، أي:
لمشاركيهم في الكفر، و قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات/ 10]، أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات/ 12]، و قوله: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء/ 11]، أي: إِخْوَانٌ و أَخَوَاتٌ، و قوله تعالى:
إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ [الحجر/ 47]، تنبيه على انتفاء المخالفة من بينهم.
و الْأُخْتُ: تأنيث الأخ، و جعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه، و قوله تعالى: يا أُخْتَ هارُونَ [مريم/ 28]، يعني: أخته في الصلاح لا في النسبة، و ذلك كقولهم: يا أَخَا تميم. و قوله تعالى: أَخا عادٍ [الأحقاف/ 21]، سمّاه أخاً تنبيهاً على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه، و على هذا قوله تعالى: وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ* [الأعراف/ 73] وَ إِلى عادٍ أَخاهُمْ* [الأعراف/ 65]، وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ* [الأعراف/ 85]، و قوله: وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها [الزخرف/ 48]، أي: من الآية التي تقدّمتها، و سمّاها أختاً لها لاشتراكهما في الصحة و الإبانة و الصدق، و قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الأعراف/ 38]، فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله تعالى: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ [البقرة/ 257]، و تَأَخَّيْتُ أي:
تحرّيت «3» تحرِّي الأخ للأخ، و اعتبر من الإخوة معنى الملازمة فقيل: أَخِيَّةُ الدابة «4».
أخر
آخِرٌ يقابل به الأوّل، و آخَرُ يقابل به الواحد، و يعبّر بالدار الْآخِرَةِ عن النشأة الثانية، كما يعبّر بالدار
__________________________________________________
(1) انظر: لسان العرب (أخذ).
(2) يقال: و ذهب بنو فلان و من أخذ إخذهم و أخذهم، أي: و من سار سيرهم. و العرب تقول: لو كنت منا لأخذت بإخذنا، أي: بخلائقنا و زيّنا و شكلنا و هدينا.
(3) انظر: مجمل اللغة 1/ 89، و اللسان (أخو) 14/ 22.
(4) قال ابن منظور: و الأخيّة و الآخيّة: عود يعرّض في الحائط و يدفن طرفاه فيه، و يصير وسطه كالعروة تشدّ إليه الدابة.
68
مفردات ألفاظ القرآن
أخر ص 68
الدنيا عن النشأة الأولى نحو: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت/ 64]، و ربما ترك ذكر الدار نحو قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود/ 16].
و قد توصف الدار بِالْآخِرَةِ تارةً، و تضاف إليها تارةً نحو قوله تعالى: وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأنعام/ 32]، وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا «1» [يوسف/ 109].
و تقدير الإضافة: دار الحياة الآخرة.
و «أُخَرُ» معدول عن تقدير ما فيه الألف و اللام، و ليس له نظير في كلامهم، فإنّ أفعل من كذا،- إمّا أن يذكر معه «من» لفظا أو تقديرا، فلا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث.
- و إمّا أن يحذف منه «من» فيدخل عليه الألف و اللام فيثنّى و يجمع.
و هذه اللفظة من بين أخواتها جوّز فيها ذلك من غير الألف و اللام.
و التَّأْخِيرُ مقابل للتقديم، قال تعالى: بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ [القيامة/ 13]، ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ [الفتح/ 2]، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم/ 42]، رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ [إبراهيم/ 44].
و بعته بِأَخِرَةٍ. أي: بتأخير أجل، كقوله: بنظرة.
و قولهم: أبعد اللّه الأَخِرَ أي: المتأخر عن الفضيلة و عن تحرّي الحق «2».
أد
قال تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا [مريم/ 89] أي: أمراً منكرا يقع فيه جلبة، من قولهم:
أَدَّتِ الناقة تَئِدُّ، أي: رجّعت حنينها ترجيعاً شديداً «3».
و الْأَدِيدُ: الجلبة، و أُدٌّ قيل: من الود «4»، أو من: أدّت الناقة.
أدى
الْأَدَاءُ: دفع الحق دفعةً و توفيته، كأداء الخراج و الجزية و أداء الأمانة، قال اللّه تعالى: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ [البقرة/ 283]، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها [النساء/ 58]، و قال: وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ [البقرة/ 178]، و أصل ذلك من الْأَدَاةِ، تقول: أَدَوْتُ بفعل كذا، أي: احتلت، و أصله: تناولت الأداة
__________________________________________________
(1) في المخطوطة: و لأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون [النحل/ 41]. و لا شاهد فيها.
(2) يقال في الشتم: أبعد اللّه الأخر بكسر الخاء و قصر الألف، و لا تقوله للأنثى. و قال ابن شميل: الأخر: المؤخّر المطروح.
(3) انظر: مجمل اللغة 1/ 79، و اللسان (أدّ) 2/ 71، و الأفعال 1/ 88.
(4) و قائل هذا هو ابن دريد، انظر: جمهرة اللغة 1/ 15، و اللسان 3/ 71.
69
مفردات ألفاظ القرآن
أدى ص 69
التي بها يتوصل إليه، و اسْتَأْدَيْتُ على فلان نحو:
استعديت «1».
آدم
آدَمُ أبو البشر،
قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِ جَسَدِهِ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، وَ قِيلَ: لِسُمْرَةٍ فِي لَوْنِهِ.
يقال:
رجل آدَمُ نحو أسمر، و قيل: سمّي بذلك لكونه من عناصر مختلفة و قوى متفرقة، كما قال تعالى:
مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان/ 2].
و يقال: جعلت فلاناً أَدَمَةَ أهلي، أي: خلطته بهم «2»، و قيل: سمّي بذلك لما طيّب به من الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله تعالى:
وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي* [الحجر/ 29]، و جعل له العقل و الفهم و الرّوية التي فضّل بها على غيره، كما قال تعالى: وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الإسراء/ 70]، و ذلك من قولهم: الْإِدَامُ، و هو ما يطيّب به الطعام «3»، و
فِي الْحَدِيثِ: «لَوْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» «4».
أي: يؤلّف و يطيب.
أذن
الْأُذُنُ: الجارحة، و شبّه به من حيث الحلقة أُذُنُ القدر و غيرها، و يستعار لمن كثر استماعه و قوله لما يسمع، قال تعالى: وَ يَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ قُلْ: أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ [التوبة/ 61] أي:
استماعه لما يعود بخيرٍ لكم، و قوله تعالى:
وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً* [الأنعام/ 25] إشارة إلى جهلهم لا إلى عدم سمعهم.
و أَذِنَ: استمع، نحو قوله: وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ* [الانشقاق/ 2]، و يستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع، نحو قوله:
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ [البقرة/ 279].
و الْأَذَنُ و الْأَذَانُ لما يسمع، و يعبّر بذلك عن العلم، إذ هو مبدأ كثيرٍ من العلم فينا، قال اللّه تعالى: ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي [التوبة/ 49]، و قال: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ [إبراهيم/ 7].
و أَذِنْتُهُ بكذا و آذَنْتُهُ بمعنى.
و الْمُؤَذِّنُ: كل من يعلم بشيءٍ نداءً، قال
__________________________________________________
(1) انظر: المجمل 1/ 90. و قال الأزهري: أهل الحجاز يقولون: استأديت السلطان على فلان، أي: استعديت، فآداني عليه أي: أعداني و أعانني. و يقال: أبدلت الهمزة من العين، لأنهما من مخرج واحد.
(2) قال ابن فارس: و جعلت فلانا أدمة أهلي، أي: أسوتهم، و قال الفراء: الأدمة أيضا: الوسيلة. و قال الزمخشري:
و هو أدمة قومه: لسيدهم و مقدّمهم. انظر: المجمل 1/ 90، و أساس البلاغة ص 4.
(3) انظر: المجمل 1/ 90.
(4) الحديث عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» أخرجه الترمذي و قال: حديث حسن. انظر: عارضة الأحوذي 4/ 307، و أخرجه النسائي في سننه 6/ 70، و ابن ماجة 1/ 599.
70
مفردات ألفاظ القرآن
أذن ص 70
تعالى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ [يوسف/ 70]، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ [الأعراف/ 44]، وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ [الحج/ 27].
و الْأَذِينُ: المكان الذي يأتيه الأذان «1»، و الْإِذْنُ في الشيء: إعلام بإجازته و الرخصة فيه، نحو، وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ [النساء/ 64] أي: بإرادته و أمره، و قوله: وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ [آل عمران/ 166]، و قوله: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة/ 102]، وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [المجادلة/ 10] قيل: معناه: بعلمه، لكن بين العلم و الإذن فرق، فإنّ الْإِذْنَ أخصّ، و لا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به، راضياً منه الفعل أم لم يرض به «2»، فإنّ قوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [يونس/ 100] فمعلوم أنّ فيه مشيئته و أمره، و قوله: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة/ 102] ففيه مشيئته من وجهٍ، و هو أنه لا خلاف أنّ اللّه تعالى أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضرّه، و لم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب، و لا خلاف أنّ إيجاد هذا الإمكان من فعل اللّه، فمن هذا الوجه يصح أن يقال: إنه بإذن اللّه و مشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم، و لبسط هذا الكلام كتاب غير هذا «3».
و الِاسْتِئْذَانُ: طلب الإذن، قال تعالى: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [التوبة/ 45]، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ [النور/ 62].
و «إِذَنْ» جواب و جزاء، و معنى ذلك أنّه يقتضي جواباً أو تقدير جواب، و يتضمن ما يصحبه من الكلام جزاءً، و متى صدّر به الكلام و تعقّبه فعل مضارع ينصبه لا محالة، نحو: إذن أخرج، و متى تقدّمه كلام ثم تبعه فعل مضارع يجوز نصبه و رفعه «4» أنا إذن أخرج و أخرج، و متى تأخّر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل، نحو: أنا أخرج إذن، قال تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ [النساء/ 140].
أذى
الْأَذَى: ما يصل إلى الحيوان من الضرر إمّا في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيوياً كان أو أخروياً،
__________________________________________________
(1) انظر: المجمل 1/ 91، و اللسان (أذن) 13/ 10.
(2) في المخطوطة: ضامّه الفعل أم لم يضامه.
(3) و محل هذا كتب الكلام، و تفاسير القرآن المطولة، كشرح الفقه الأكبر للقاري، و تفسير الرازي.
(4) قال ابن مالك في ألفيته:
و نصبوا بإذن المستقبلا إن صدّرت و الفعل بعد موصلا
أو قبله اليمين و انصب و ارفعا إذا إذن من بعد عطف وقعا.
71
مفردات ألفاظ القرآن
أذى ص 71
قال تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى [البقرة/ 264]، قوله تعالى:
فَآذُوهُما [النساء/ 16] إشارة إلى الضرب، و نحو ذلك في سورة التوبة: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ [التوبة/ 61]، وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التوبة/ 61]، و لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى [الأحزاب/ 69]، وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا [الأنعام/ 34]، و قال: لِمَ تُؤْذُونَنِي [الصف/ 5]، و قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ: هُوَ أَذىً [البقرة/ 222]، فسمّى ذلك أذىً باعتبار الشرع و باعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة.
يقال: آذَيْتُهُ أو أَذَيْتُهُ إِيذاءً و أَذِيَّةً و أَذىً، و منه:
الْآذِيُّ، و هو الموج الْمُؤْذِي لركاب البحر.
إذا
إِذَا يعبّر به عن كلّ زمان مستقبل، و قد يضمّن معنى الشرط فيجزم به، و ذلك في الشعر أكثر، و «إِذْ» يعبر به عن الزمان الماضي، و لا يجازى به إلا إذا ضمّ إليه «ما» نحو: 11-
إِذْ ما أتيت على الرّسول فقل له «1»
أرب
الْأَرَبُ: فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه، فكلّ أربٍ حاجة، و ليس كلّ حاجة أرباً، ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة، و تارة في الاحتيال و إن لم يكن حاجة، كقولهم: فلان ذو أربٍ، و أَرِيبٌ، أي: ذو احتيال، و قد أَرِبَ إلى كذا، أي: احتاج إليه حاجةً شديدة «2»، و قد أَرِبَ إلى كذا أَرَباً و أُرْبَةً و إِرْبَةً و مَأْرَبَةً، قال تعالى:
وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى [طه/ 18]، و لا أَرَبَ لي في كذا، أي: ليس بي شدة حاجة إليه، و قوله: أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ [النور/ 31] كناية عن الحاجة إلى النكاح، و هي الْأُرْبَى «3»، للداهية المقتضية للاحتيال، و تسمّى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آرَاباً، الواحد:
إِرْبٌ، و ذلك أنّ الأعضاء ضربان:
- ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه، كاليد و الرجل و العين.
- و ضرب للزينة، كالحاجب و اللحية.
ثم التي للحاجة ضربان:
__________________________________________________
(1) الشطر للصحابي العباس بن مرداس من قصيدة قالها في غزوة حنين يخاطب النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم، و عجزه:
حقا عليك إذا اطمأنّ المجلس
و البيت في شواهد سيبويه 1/ 432، و شرح الأبيات لابن السيرافي 2/ 93، و المقتضب 2/ 46، و الروض الأنف 2/ 298، و خزانة الأدب 9/ 29.
(2) انظر: الأفعال 1/ 73، و اللسان (أرب) 1/ 208.
(3) انظر: المجمل 1/ 94.
72
مفردات ألفاظ القرآن
أرب ص 72
- ضرب لا تشتد الحاجة إليه.
- و ضرب تشتد الحاجة إليه، حتى لو توهّم مرتفعاً لاختلّ البدن به اختلالًا عظيماً، و هي التي تسمى آراباً.
و
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ: «إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ وَ كَفَّاهُ وَ رُكْبَتَاهُ وَ قَدَمَاهُ» «1».
و يقال: أَرَّبَ نصيبه، أي: عظّمه، و ذلك إذا جعله قدراً يكون له فيه أرب، و منه: أَرَّبَ ماله أي: كثّر «2»، و أَرَّبْتُ العقدة: أحكمتها «3».
أرض
الْأَرْضُ: الجرم المقابل للسماء، و جمعه أَرَضُونَ، و لا تجيء مجموعةً في القرآن «4»، و يعبّر بها عن أسفل الشيء، كما يعبر بالسماء عن أعلاه. قال الشاعر في صفة فرس:
12-
و أحمر كالديباج أمّا سماؤه فريّا، و أمّا أَرْضُهُ فمحول «5»
و قوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الحديد/ 17] عبارة عن كلّ تكوين بعد إفساد و عودٍ بعد بدء، و لذلك قال بعض المفسرين «6»: يعني به تليين القلوب بعد قساوتها.
و يقال: أرض أَرِيضَةٌ، أي: حسنة النبت «7»، و تَأَرَّضَ النبت: تمكّن على الأرض فكثر، و تَأَرَّضَ الجدي: إذا تناول نبت الأرض، و الْأَرَضَةُ: الدودة التي تقع في الخشب من الأرض «8»، يقال: أُرِضَتِ الخشبة فهي مَأْرُوضَةٌ.
أريك
الْأَرِيكَةُ: حجلة على سرير، جمعها: أَرَائِكُ، و تسميتها بذلك إمّا لكونها في الأرض متّخذة من أَرَاكٍ، و هو شجرة، أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم: أَرَكَ بالمكان أُرُوكاً «9».
و أصل الْأُرُوكِ: الإقامة على رعي الأراك، ثم تجوّز به في غيره من الإقامات.
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في باب السجود، و أحمد في مسنده 1/ 206 عن العباس، و أبو داود برقم (891)، و أخرجه الترمذي و قال: حديث حسن صحيح و عليه العمل عند أهل العلم، راجع عارضة الأحوذي 4/ 72. و انظر: فتح الباري 2/ 296.
(2) قال ابن منظور: و تأريب الشيء: توفيره، و كلّ ما وفّر فقد أرّب، و كلّ موفّر مؤرّب.
(3) انظر: المجمل 1/ 93، و الأفعال 1/ 73، و اللسان (أرب) 1/ 211.
(4) انظر: المجمل 1/ 92.
(5) البيت لطفيل الغنوي، و هو في ملحقات شعره ص 62، و شمس العلوم 1/ 72. و عجزه في المجمل 1/ 92.
(6) و هذا قول صالح المري كما أخرجه عنه ابن المبارك في الزهد ص 88.
(7) انظر: المجمل 2/ 92، و العين 7/ 55.
(8) راجع اللسان (أرض) 7/ 113، و العين 7/ 56.
و قال الزمخشري: يقال: هو أفسد من الأرضة. راجع أساس البلاغة ص 5.
(9) انظر: الأفعال 1/ 72، و المجمل 1/ 92.
73
مفردات ألفاظ القرآن
أرم ص 74
أرم
الْإِرَمُ: علم يبنى من الحجارة، و جمعه:
آرَامٌ، و قيل للحجارة: أُرَّمٌ.
و منه قيل للمتغيظ: يحرق الْأُرَّمَ «1»، و قوله تعالى: إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ [الفجر/ 7] إشارة إلى عمدٍ مرفوعة مزخرفة، و ما بها أَرِمٌ و أَرِيمٌ، أي: أحد. و أصله اللازم للأرم، و خص به النفي، كقولهم: ما بها ديّار، و أصله للمقيم في الدار.
أزّ
قال تعالى: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم/ 83] أي: ترجعهم إرجاع القدر إذا أَزَّتْ، أي: اشتدّ غليانها.
و
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كَانَ يُصَلِّي وَ لِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» «2».
و أَزَّهُ أبلغ من هزّه.
أزر
أصل الْأَزْرِ: الْإِزَارُ الذي هو اللباس، يقال: إِزَارٌ و إِزَارَةٌ و مِئْزَرٌ، و يكنى بِالْإِزَارِ عن المرأة. قال الشاعر:
13-
ألا أبلغ أبا حفصٍ رسولًا فدًى لك من أخي ثقةٍ إِزَارِي «3»
و تسميتها بذلك لما قال تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [البقرة/ 187].
و قوله تعالى: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي [طه/ 31]، أي: أتقوّى به، و الْأَزْرُ: القوة الشديدة، و آزَرَهُ: أعانه و قوّاه، و أصله من شدّ الإزار، قال تعالى: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ [الفتح/ 29].
يقال: آزَرْتُهُ فَتَأَزَّرَ، أي: شددت أزره، و هو حسن الْإِزْرَةِ، و أَزَرْتُ البناء و آزَرْتُهُ: قوّيت أسافله، و تَأَزَّرَ النّبت: طال و قوي، و آزَرْتُهُ و وَازَرْتُهُ: صرت وزيره، و أصله الواو، و فرس آزَرُ: انتهى بياض قوائمه إلى موضع شدّ الإزار.
قال تعالى: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام/ 74]، قيل: كان اسم أبيه تارخ فعرّب
__________________________________________________
(1) قال ابن فارس: و فلان يحرق عليك الأرّم: إذا تغيّظ فحرق أنيابه، و يقال: الأرّم: الحجارة.
و قال الزمخشري: و تقول: رأيت حسّادك العرّم يحرقون عليك الأرّم. انظر: المجمل 1/ 93، و أساس البلاغة ص 5.
(2) الحديث عن عبد اللّه بن الشخير قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يصلي بنا و في صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. قال ابن حجر: رواه أبو داود برقم (904) و النسائي، و الترمذي في الشمائل ص 255، و إسناده قوي و صححه ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم 1/ 264، و قال: صحيح على شرط مسلم، و أقرّه الذهبي، و في لفظ: «كأزيز الرحى».
انظر: فتح الباري 2/ 206، و معالم السنن 1/ 215.
(3) البيت لأبي المنهال الأشجعي و اسمه بقيلة، و هو صحابي. و هو في اللسان (أزر)، و شمس العلوم 1/ 82، و تأويل مشكل القرآن ص 265، و غريب الحديث للخطابي 2/ 101. و له قصة انظرها في اللسان.
74
مفردات ألفاظ القرآن
أزر ص 74
فجعل آزر، و قيل: آزَرُ معناه الضّال في كلامهم «1».
أزف
قال تعالى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ [النجم/ 57] أي: دنت القيامة. و أَزِفَ و أفد يتقاربان، لكن أزف يقال اعتباراً بضيق وقتها، و يقال: أزف الشخوص، و الْأَزَفُ: ضيق الوقت، و سمّيت به لقرب كونها، و على ذلك عبّر عنها بالسّاعة، و قيل: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1]، فعبّر عنها بالماضي لقربها و ضيق وقتها، قال تعالى:
وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ [غافر/ 18].
أسَ
أَسَّسَ بُنْيانَهُ: جعل له أُسّاً، و هو قاعدته التي يبتنى عليها، يقال: أُسٌّ و أَسَاسٌ، و جمع الأس:
إِسَاسٌ «2»، و جمع الإساس: أُسُس، يقال: كان ذلك على أسّ الدهر «3»، كقولهم: على وجه الدهر.
أسِف
الْأَسَفُ: الحزن و الغضب معاً، و قد يقال لكل واحدٍ منهما على الانفراد، و حقيقته: ثوران دم القلب شهوة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا، و متى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا، و لذلك
سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْحُزْنِ وَ الْغَضَبِ فَقَالَ: مَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ وَ اللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ نَازَعَ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ أَظْهَرَهُ غَيْظاً وَ غَضَباً، وَ مَنْ نَازَعَ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ أَظْهَرَهُ حُزْناً وَ جَزَعاً.
ا. ه. و بهذا النظر قال الشاعر:
14-
فحزن كلّ أخي حزنٍ أخو الغضب «4»
و قوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ [الزخرف/ 55] أي: أغضبونا.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ الرِّضَا! «5»
: إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا، وَ لَكِنْ لَهُ أَوْلِيَاءُ يَأْسَفُونَ وَ يَرْضَوْنَ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَاهُ وَ غَضَبَهُمْ غَضَبَهُ، قَالَ: وَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» «6».
__________________________________________________
(1) راجع اللسان (آزر)، في آخر المادة، و التعريب و المعرّب ص 35.
(2) راجع لسان العرب (أس) 6/ 6.
(3) راجع مجمل اللغة 1/ 79.
(4) العجز في البصائر 2/ 185، و الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 167، و الدر المصون 5/ 466، دون نسبة فيهم.
و شطره:
جزاك ربّك بالإحسان مغفرة
و هو لأبي الطيب المتنبي في ديوانه 1/ 94، و الوساطة ص 381.
(5) علي الرضا بن موسى الكاظم، أحد الأئمة الاثني عشرية، توفي سنة 254 ه، و ابنه محمد. راجع أخباره في وفيات الأعيان 3/ 269. و سير النبلاء 9/ 393.
(6) الحديث بهذا اللفظ مروي عن عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم. أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1939 و فيه عبد الواحد بن.
75
مفردات ألفاظ القرآن
أسف ص 75
و قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء/ 80].
و قوله تعالى: غَضْبانَ أَسِفاً* [الأعراف/ 150]، و الْأَسِيفُ: الغضبان، و يستعار للمستخدم المسخّر، و لمن لا يكاد يسمّى، فيقال: هو أسيف.
أسر
الْأَسْرُ: الشدّ بالقيد، من قولهم: أَسَرْتُ القتب، و سمّي الْأَسِيرُ بذلك، ثم قيل لكلّ مأخوذٍ و مقيّد و إن لم يكن مشدوداً ذلك «1».
و قيل في جمعه: أَسَارَى و أُسَارَى و أَسْرَى، و قال تعالى: وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً [الإنسان/ 8].
و يتجوّز به فيقال: أنا أسير نعمتك، و أُسْرَة الرجل: من يتقوّى به. قال تعالى: وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ [الإنسان/ 28] إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان المأمور بتأمّلها و تدبّرها في قوله تعالى: وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات/ 21]. و الْأَسْرُ: احتباس البول، و رجل مَأْسُورٌ:
أصابه أسر، كأنه سدّ منفذ بوله، و الأسر في البول كالحصر في الغائط.
أسِن
يقال: أَسِنَ الماء يَأْسَنُ، و أَسَنَ يَأْسُنُ «2»: إذا تغيّر ريحه تغيّراً منكراً، و ماء آسِنٌ، قال تعالى:
مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد/ 15]، و أَسِنَ الرجل: مرض، من: أَسِنَ الماء، إذا غشي عليه «3»، قال الشاعر:
15-
يميد في الرّمح ميد المائح الْأَسَنِ «4»
و قيل: تَأَسَّنَ الرجل إذا اعتلّ تشبيهاً به.
أسَا
الْأُسْوَةُ و الْإِسْوَةُ كالقدوة و القدوة، و هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا و إن قبيحا، و إن سارّا و إن ضارّا، و لهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب/ 21]، فوصفها بالحسنة،
__________________________________________________
ميمون، قال عنه البخاري: منكر الحديث، و ضعّفه الدارقطني. و انظر: كنز العمال 1/ 59. و أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ اللّه قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» و انظر: فتح الباري 11/ 340 باب التواضع.
(1) انظر: المجمل 1/ 97.
(2) انظر: المجمل 1/ 96، و الأفعال 1/ 66- 106، و تهذيب اللغة 3/ 275.
(3) أسن الرجل: غشي عليه من خبث ريح البئر. انظر: اللسان، و العين 7/ 307.
(4) العجز لزهير، و صدره:
التارك القرن مصفرا أنامله
و هو في ديوانه ص 105، و الأفعال 1/ 106، و تهذيب اللغة 13/ 84، و اللسان (أسن)، و الجمهرة 3/ 275.
76
مفردات ألفاظ القرآن
أسا ص 76
و يقال: تَأَسَّيْتُ به، و الْأَسَى: الحزن. و حقيقته:
اتباع الفائت بالغم، يقال: أَسِيتُ عليه و أَسِيتُ له، قال تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ [المائدة/ 68]، و قال الشاعر:
16-
أَسِيتُ لأخوالي ربيعة «1»
و أصله من الواو، لقولهم: رجل أَسْوَانُ «2»، أي: حزين، و الْأَسْوُ: إصلاح الجرح، و أصله:
إزالة الأسى، نحو: كربت النخل: أزلت الكرب عنه، و قد أَسَوْتُهُ آسُوهُ أَسْواً، و الْآسِي: طبيب الجرح، جمعه: إِسَاةٌ و أُسَاةٌ، و المجروح مَأْسِيٌّ و أَسِيٌّ معا، و يقال: أَسِيتُ بين القوم، أي:
أصلحت «3»، و آسَيْتُهُ. قال الشاعر:
17-
آسَى أخاه بنفسه «4»
و قال آخر:
18-
فَآسَى و آداه فكان كمن جنى «5»
و آسِي هو فاعل من قولهم: يُوَاسِي، و قول الشاعر:
19-
يكفون أثقال ثأي الْمُسْتَأْسِي «6»
فهو مستفعل من ذلك، فأمّا الإساءة فليست من هذا الباب، و إنما هي منقولة عن ساء.
أشر
الْأَشَرُ: شدّة البطر، و قد أَشِرَ «7» يَأْشَرُ أَشَراً، قال تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر/ 26]، فالأشر أبلغ من البطر، و البطر أبلغ من الفرح، فإنّ الفرح- و إن كان في
__________________________________________________
(1) الشطر للبحتري، و تمام البيت:
أسيت لأخوالي ربيعة أن عفت مصايفها منها، و أقوت ربوعها
و هو في زهر الآداب 1/ 112، و ديوانه 1/ 10 من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين المتوكل، و مطلعها:
منى النفس في أسماء لو يستطيعها بها وجدها من غادة و ولوعها.
(2) قال الخليل: و يجوز في الوحدان: أسيان و أسوان، انظر العين 7/ 332.
(3) انظر: المجمل 1/ 96.
(4) الشطر لدريد بن الصمة يرثي أخاه عبد اللّه، و تمام البيت:
طعان امرئ آسى أخاه بنفسه و يعلم أنّ المرء غير مخلّد
و هو في ديوانه ص 49.
(5) هذا عجز بيت، و شطره:
و لم يجنها لكن جناها وليّه
و هو لسويد المراثد الحارثي، و هو في شرح الحماسة للتبريزي 2/ 165، و الكامل للمبرد 2/ 271.
قوله: آداه: أعانه، و يجوز أن يكون من الأداة، أي: جعل له أداة الحرب و عدتها.
(6) لم أجده.
(7) يقال: أشر و أشر بالفتح و الكسر، و المعنى مختلف، انظر: الأفعال 1/ 103.
77
مفردات ألفاظ القرآن
أشر ص 77
أغلب أحواله مذموما لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص/ 76]- فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب، و في الموضع الذي يجب، كما قال تعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس/ 58] و ذلك أنّ الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل، و الأَشَرُ لا يكون إلا فرحا بحسب قضية الهوى، و يقال: ناقة مِئْشِيرٌ «1»، أي: نشيطة على طريق التشبيه، أو ضامر من قولهم: أَشَرْتُ الخشبة «2».
أصر
الْأَصْرُ: عقد الشيء و حبسه بقهره، يقال:
أَصَرْتُهُ فهو مَأْصُورٌ، و الْمَأْصَرُ و الْمَأْصِرُ: محبس السفينة. قال اللّه تعالى: وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [الأعراف/ 157] أي: الأمور التي تثبطهم و تقيّدهم عن الخيرات و عن الوصول إلى الثواب، و على ذلك: وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً [البقرة/ 286]، و قيل: ثقلا «3». و تحقيقه ما ذكرت، و الْإِصْرُ: العهد المؤكّد الذي يثبّط ناقضه عن الثواب و الخيرات، قال تعالى:
أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي [آل عمران/ 81].
الْإِصَارُ: الطّنب و الأوتاد التي بها يعمد البيت، و ما يَأْصِرُنِي عنك شيء، أي: ما يحبسني.
و الْأَيْصَرُ «4»: كساء يشدّ فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه.
إصبع
الْإِصْبَعُ «5»: اسم يقع على السلامي و الظفر و الأنملة و الأطرة و البرجمة معا، و يستعار للأثر الحسيّ فيقال: لك على فلان إِصْبَعٌ «6»، كقولك: لك عليه يد.
أصل
بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* [الأعراف/ 205] أي:
العشايا، يقال للعشية: أَصِيلٌ و أَصِيلَةٌ، فجمع الأصيل أُصُلٌ و آصَالٌ، و جمع الأصيلة: أَصَائِلُ، و قال تعالى: بُكْرَةً وَ أَصِيلًا* [الفتح/ 9].
__________________________________________________
(1) يقال: رجل مئشير و امرأة مئشير، و ناقة مئشير و جواد مئشير، يستوي فيه المذكر و المؤنث. انظر: اللسان (أشر).
(2) أشر الخشبة: شقّها.
(3) انظر: العين 7/ 147.
(4) و في اللسان (الأيصر): حبيل صغير قصير يشدّ به أسفل الخباء إلى وتد.
(5) و قد نظم ابن مالك لغات الإصبع فقال:
تثليث با إصبع مع شكل همزته بغير قيد مع الأصبوع قد نقلا
[استدراك] انظر: التسهيل ص 35. و كان القياس أن تذكر في مادة صبغ لأن الهمزة زائدة.
(6) و في اللسان: يقال: فلان من اللّه عليه إصبع حسنة، أي: أثر نعمة حسنة، و عليه منك إصبع حسنة، أي: أثر حسن.
78
مفردات ألفاظ القرآن
أصل ص 78
و أَصْلُ الشيء: قاعدته التي لو توهّمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك، قال تعالى:
أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ [إبراهيم/ 24]، و قد تَأَصَّلَ كذا و أَصَّلَهُ، و مجد أصيل، و فلان لا أصل له و لا فصل.
أفّ
أصل الْأُفِّ: كل مستقذر من وسخ و قلامة ظفر و ما يجري مجراها، و يقال ذلك لكل مستخف به استقذارا له، نحو: أُفٍّ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الأنبياء/ 67]، و قد أَفَّفْتُ لكذا: إذا قلت ذلك استقذارا له، و منه قيل للضجر من استقذار شيء: أَفَّفَ فلان.
أفق
قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ [فصلت/ 53] أي: في النواحي، و الواحد: أُفْقٌ و أُفُقٌ «1»، و يقال في النسبة إليه: أُفُقِيٌّ، و قد أَفَقَ فلان: إذا ذهب في الآفاق، و قيل: الْآفِقُ للذي يبلغ النهاية في الكرم تشبيها بالأفق الذاهب في الآفاق.
أفك
الْإِفْكُ: كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه، و منه قيل للرياح العادلة عن المهابّ: مُؤْتَفِكَةٌ. قال تعالى: وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ [الحاقة/ 9]، و قال تعالى:
وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى [النجم/ 53]، و قوله تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* [التوبة/ 30] أي: يصرفون عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل، و من الصدق في المقال إلى الكذب، و من الجميل في الفعل إلى القبيح، و منه قوله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات/ 9]، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ* [الأنعام/ 95]، و قوله تعالى: أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا [الأحقاف/ 22]، فاستعملوا الإفك في ذلك لمّا اعتقدوا أنّ ذلك صرف من الحق إلى الباطل، فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا، و قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ [النور/ 11]، و قال: لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية/ 7]، و قوله: أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ [الصافات/ 86] فيصح أن يجعل تقديره:
أ تريدون آلهة من الإفك «2»، و يصح أن يجعل «إِفْكاً» مفعول «تُرِيدُونَ»، و يجعل آلِهَةً بدل منه، و يكون قد سمّاهم إِفْكاً. و رجل مَأْفُوكٌ: مصروف عن الحق إلى الباطل، قال الشاعر:
__________________________________________________
(1) قال في اللسان: الأفق و الأفق مثل عسر و عسر.
(2) قال الزمخشري: «أ إفكا» مفعول له، تقديره: أ تريدون آلهة من دون اللّه إفكا، و إنما قدّم المفعول على الفعل للعناية، و قدّم المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك و باطل في شركهم. و يجوز أن يكون إفكا مفعولا، يعني: أ تريدون به إفكا، ثم فسّر الإفك بقوله آلهة دون اللّه على أنها إفك في أنفسها.
79
مفردات ألفاظ القرآن
أفك ص 79
20-
فإن تك عن أحسن المروءة مَأْفُو كاً ففي آخرين قد أُفِكُوا «1»
و أُفِكَ يُؤْفَكُ: صرف عقله، و رجل مَأْفُوكُ العقل.
أفل
الْأُفُولُ: غيبوبة النّيّرات كالقمر و النجوم، قال تعالى: فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ [الأنعام/ 78]، و قال: فَلَمَّا أَفَلَتْ [الأنعام/ 76]، و الْإِفَالُ «2»: صغار الغنم، و الْأَفِيلُ: الفصيل الضئيل.
أكل
الْأَكْلُ: تناول المطعم، و على طريق التشبيه قيل: أَكَلَتِ النار الحطب، و الْأُكُلُ لما يؤكل، بضم الكاف و سكونه، قال تعالى: أُكُلُها دائِمٌ [الرعد/ 35]، و الْأَكْلَةُ للمرّة، و الْأُكْلَةُ كاللقمة، و أَكِيلَةُ الأسد: فريسته التي يأكلها، و الْأَكُولَةُ «3» من الغنم ما يؤكل، و الْأَكِيلُ:
المؤاكل.
و فلان مُؤْكَلٌ و مُطْعَمٌ استعارة للمرزوق، و ثوب ذو أُكْلٍ: كثير الغزل «4» كذلك، و التمر مَأْكَلَةٌ للفم، قال تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ [سبأ/ 16]، و يعبّر به عن النصيب فيقال: فلان ذو أُكُلٍ من الدنيا «5»، و فلان استوفى أُكُلَهُ، كناية عن انقضاء الأجل، و أَكَلَ فلانٌ فلاناً: اغتابه، و كذا:
أكل لحمه.
قال تعالى: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات/ 12]، و قال الشاعر:
21-
فإن كنت مَأْكُولًا فكن أنت آكِلِي «6»
و ما ذقت أَكَالًا، أي: شيئا يؤكل، و عبّر بِالْأَكْلِ عن إنفاق المال لمّا كان الأكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال، نحو: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ [البقرة/ 188]، و قال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً[النساء/ 10]، فَأَكْلُ المال بالباطل صرفه إلى ما ينافيه الحق، و قوله تعالى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً [النساء/ 10]، تنبيها على أنّ تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار.
و الْأَكُولُ و الْأَكَّالُ: الكثير الأكل، قال تعالى:
__________________________________________________
(1) البيت لعروة بن أذينة، و هو في ديوانه ص 343، و المجمل 1/ 99، و شمس العلوم 1/ 93، و المشوف المعلم 1/ 73، و اللسان (أفك)، و الصحاح (أفك)، و الأفعال 1/ 107.
(2) الإفال: صغار الإبل، انظر: اللسان (أفل)، و المجمل 1/ 99.
(3) قال ابن منظور: الأكولة: الشاة تعزل للأكل و تسمّن، و يكره للمصدّق أخذها.
(4) في اللسان: ثوب ذو أكل: قويّ صفيق كثير الغزل.
(5) و فلان ذو أكل إذا كان ذا حظّ من الدنيا و رزق واسع.
(6) الشطر للممزّق العبدي، شاعر جاهلي، و عجزه:
و إلا فأدركني و لمّا أمزق.
80
مفردات ألفاظ القرآن
أكل ص 80
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة/ 42].
و الْأَكَلَةُ: جمع آكِل، و قولهم: هم أَكَلَةُ رأس عبارة عن ناس من قلّتهم يشبعهم رأس.
و قد يعبّر بِالْأَكْلِ عن الفساد، نحو: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل/ 5]، و تَأَكَّلَ كذا: فسد، و أصابه إِكَالٌ في رأسه و في أسنانه، أي: تأكّل، و أكلني رأسي.
و ميكائيل ليس بعربيّ.
الإلّ
الْإِلُّ كل حالة ظاهرة من عهد حلف و قرابة تَئِلُّ:
تلمع، فلا يمكن إنكاره. قال تعالى: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً [التوبة/ 10]، و أَلَّ الفرس، أي: أسرع. حقيقته: لمع، و ذلك استعارة في باب الإسراع، نحو: برق و طار.
و الْأَلَّةُ «1»: الحربة اللامعة، و أَلَّ بها: ضرب، و قيل: إِلٌّ و إيل اسم اللّه تعالى، و ليس ذلك بصحيح، و أذن مُؤَلَّلَةٌ «2»، و الْأَلَلَانِ «3»: صفحتا السكين.
ألف
الْأَلِفُ من حروف التهجي، و الْإِلْفُ: اجتماع مع التئام، يقال: أَلَّفْتُ بينهم، و منه: الْأُلْفَةُ و يقال للمألوف: إِلْفٌ و أَلِيفٌ. قال تعالى: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ [آل عمران/ 103]، و قال: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال/ 63].
و الْمُؤَلَّفُ: ما جمع من أجزاء مختلفة، و رتّب ترتيبا قدّم فيه ما حقه أن يقدّم، و أخّر فيه ما حقّه أن يؤخّر. و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ [قريش/ 1] مصدر من آلف «4».
وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ «5»: هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم اللّه، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال/ 63]، و أَوَالِفُ الطير: ما ألفت الدار.
__________________________________________________
و هو في الأصمعيات ص 166، و المجمل 1/ 100، و غريب الحديث 3/ 429، و اللسان (أكل).
(1) قال ابن منظور: و الألّة: الحربة العظيمة النصل، سميت بذلك لبريقها و لمعانها.
(2) و أذن مؤلّلة: محدّدة منصوبة ملطّفة.
(3) الألل و الألان: وجها السّكين. قال ابن مالك في مثلثه:
و صفحة الشيء العريض الألل كذاك صوت الثكل، أمّا الإلل
فهي القرابات، و أمّا الألل فجمع ألّة بلا استصعاب.
(4) قال ابن الأنباري: من قرأ «لإلافهم» و «إلفهم» فهو من: ألف يألف، و من قرأ: «لإيلافهم» فهو من: آلف يؤلف، انظر: اللسان (ألف).
(5) و المؤلفة قلوبهم قوم من سادات العرب أمر اللّه تعالى نبيّه في أول الإسلام بتألفهم، أي: بمقاربتهم و إعطائهم ليرغّبوا من وراءهم في الإسلام، فلا تحملهم الحمية مع ضعف نياتهم على أن يكونوا إلبا مع الكفار على المسلمين.
81
مفردات ألفاظ القرآن
ألف ص 81
و الْأَلْفُ: العدد المخصوص، و سمّي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة، فإنّ الأعداد أربعة:
آحاد و عشرات و مئات و أُلُوفٌ، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت، و ما بعده يكون مكررا. قال بعضهم: الألف من ذلك، لأنه مبدأ النظام، و قيل: آلَفْتُ الدراهم، أي: بلغت بها الألف، نحو ماءيت، و آلفت «1» هي نحو أمأت.
ألك
الْمَلَائِكَةُ، و مَلَكٌ أصله: مألك، و قيل: هو مقلوب عن ملأك، و الْمَأْلَكُ و الْمَأْلَكَةُ و الْأَلُوكُ:
الرسالة، و منه: أَلَكَنِي إليه، أي: أبلغه رسالتي، و الْمَلَائِكَةُ تقع على الواحد و الجمع.
قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [الحج/ 75].
قال الخليل «2»: الْمَأْلُكَةُ: الرسالة، لأنها تؤلك في الفم، من قولهم: فرس يَأْلُكُ اللّجام أي: يعلك.
ألم
الْأَلَمُ الوجع الشديد، يقال: أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ.
قال تعالى: فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ [النساء/ 104]، و قد آلَمْتُ فلانا، و عذاب أَلِيمٌ، أي: مؤلم. و قوله: أَ لَمْ يَأْتِكُمْ* [الأنعام/ 130] فهو ألف الاستفهام، و قد دخل على «لم».
أله
اللَّهُ: قيل: أصله إله فحذفت همزته، و أدخل عليها الألف و اللام، فخصّ بالباري تعالى، و لتخصصه به قال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/ 65]. و إِلهٌ جعلوه اسما لكل معبود لهم، و كذا اللَّاتُ، و سمّوا الشمس إِلَاهَةً «3» لاتخاذهم إياها معبودا.
و أَلَهَ فلان يَأْلُهُ الْآلِهَةَ: عبد، و قيل: تَأَلَّهَ.
فَالْإِلهُ على هذا هو المعبود «4».
__________________________________________________
(1) أ ألفت: بلغت ألفا، و ذلك أنّ صيغة أفعل تأتي للبلوغ عدديا كان أو زمانيا أو مكانيا.
و في ذلك يقول شيخنا العلامة أحمد بن محمد حامد الحسني الشنقيطي حفظه اللّه:
أفعل للبلوغ في الزمان كذاك في القدر و في المكان
مثاله: أمأت دراهم عمر أصبح أنجد لكي يلقى الزّمر
و قال ابن منظور: و ألّف العدد و آلفه: جعله ألفا، و آلفوا: صاروا ألفا.
(2) العين 5/ 409.
(3) و قال في ذلك ابن مالك في مثلثه:
و الشمس سمّاها صدوق النبأة إلاهة و اضممه للإضراب.
(4) و في ذلك يقول الفقيه محمد سيد بن أبت اليعقوبي الشنقيطي رحمه اللّه:
اللّه مشتق و قيل: مرتجل و هو أعرف المعرّفات جل
أله أي: عبد، أو من الأله و هو اعتماد الخلق أو من الوله
أو المحجّب عن العيان من: لاهت العروس في البنيان
أو أله الحيران من قول العرب أو من: ألهت، أي: سكنت للأرب.
82
مفردات ألفاظ القرآن
أله ص 82
و قيل: هو من: أَلِهَ، أي: تحيّر، و تسميته بذلك إشارة إلى ما
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ الصِّفَاتِ، وَ ضَلَّ هُنَاكَ تَصَارِيفُ اللُّغَاتِ).
و ذلك أنّ العبد إذا تفكّر في صفاته تحيّر فيها، و لهذا
رُوِيَ: «تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ وَ لَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ» «1».
و قيل: أصله: ولاه، فأبدل من الواو همزة، و تسميته بذلك لكون كل مخلوق والها نحوه، إمّا بالتسخير فقط كالجمادات و الحيوانات، و إمّا بالتسخير و الإرادة معا كبعض الناس، و من هذا الوجه قال بعض الحكماء: اللّه محبوب الأشياء كلها «2»، و عليه دلّ قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء/ 44].
و قيل: أصله من: لاه يلوه لياها، أي:
احتجب. قالوا: و ذلك إشارة إلى ما قال تعالى:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103]، و المشار إليه بالباطن في قوله:
وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ [الحديد/ 3]. و إِلَهٌ حقّه ألا يجمع، إذ لا معبود سواه، لكن العرب لاعتقادهم أنّ هاهنا معبودات جمعوه، فقالوا: الْآلِهَةُ. قال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا [الأنبياء/ 43]، و قال:
وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ [الأعراف/ 127] و قرئ:
(و إِلَاهَتَكَ) «3» أي: عبادتك. و لَاهِ أنت، أي:
لِلَّهِ، و حذف إحدى اللامين.
«اللَّهُمَّ» قيل: معناه: يا اللّه، فأبدل من الياء في أوله الميمان في آخره «4»، و خصّ بدعاء اللّه، و قيل: تقديره: يا اللّه أمّنا بخير «5»، مركّب تركيب حيّهلا.
إلى
إِلَى: حرف يحدّ به النهاية من الجوانب الست، و أَلَوْتُ في الأمر: قصّرت فيه، هو منه، كأنه رأى فيه الانتهاء، و أَلَوْتُ فلانا، أي: أوليته تقصيرا نحو: كسبته، أي: أوليته كسبا، و ما أَلَوْتُهُ جهدا، أي: ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد، فقولك: «جهدا» تمييز، و كذلك: ما ألوته نصحا. و قوله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا [آل
__________________________________________________
(1) الحديث رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس بلفظ: «تفكروا في خلق اللّه و لا تفكروا في اللّه» و رواه ابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 59 من قوله عن ابن عباس بلفظ: «تفكروا في كل شيء و لا تتفكروا في اللّه».
و جاء أحاديث كثيرة بمعناها قال العجلوني: و أسانيدها ضعيفة لكن اجتماعها يكسبه قوة، و معناه صحيح.
راجع: كشف الخفاء 1/ 311، و النهاية في غريب الحديث 1/ 63.
(2) انظر: عمدة الحفاظ: (أله).
(3) و بها قرأ عليّ بن أبي طالب و ابن عباس و الضحاك، و هي قراءة شاذة، راجع: القرطبي 7/ 262.
(4) و هذا قول الخليل رحمه اللّه، انظر: اللسان (أله)، و معاني الفراء 1/ 203، و الغريبين للهروي 1/ 79.
(5) و هذا قول الفراء، ذكره في معاني القرآن 1/ 203.
83
مفردات ألفاظ القرآن
إلى ص 83
عمران/ 118] منه، أي: لا يقصّرون في جلب الخبال، و قال تعالى: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ [النور/ 22] قيل: هو يفتعل من ألوت، و قيل: هو من: آليت: حلفت. و
قِيلَ: نَزَلَ ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ، وَ كَانَ قَدْ حَلَفَ عَلَى مِسْطَحٍ أَنْ يَزْوِيَ عَنْهُ فَضْلَهُ «1».
و ردّ هذا بعضهم بأنّ افتعل قلّما يبنى من «أفعل»، إنما يبنى من «فعل»، و ذلك مثل:
كسبت و اكتسبت، و صنعت و اصطنعت، و رأيت و ارتأيت.
و
رُوِيَ: «لَا دَرَيْتَ وَ لَا ائْتَلَيْتَ» «2».
و ذلك:
افتعلت من قولك: ما ألوته شيئا، كأنه قيل: و لا استطعت.
و حقيقة الْإِيلَاءِ و الْأَلِيَّةِ: الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه. و جعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة، و كيفيته و أحكامه مختصة بكتب الفقه.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ* [الأعراف/ 69] أي:
نعمه، الواحد: أَلًا و إِلًى، نحو أنًا و إنًى لواحد الآناء. و قال بعضهم في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة/ 22- 23]:
إنّ معناه: إلى نعمة ربها منتظرة، و في هذا تعسف من حيث البلاغة «3».
و «أَلَا» للاستفتاح، و «إِلَّا» للاستثناء، و أُولَاءِ في قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ [آل عمران/ 119] و قوله: أولئك: اسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكر و المؤنث، و لا واحد له من لفظه، و قد يقصر نحو قول الأعشى:
22-
هَؤُلَا ثم هَؤُلَا كلّا أع طيت نوالا محذوّة بمثال «4»
__________________________________________________
(1) و أخرج هذا البخاري في التفسير 8/ 455 و مسلم برقم 2770.
(2) و هذه الرواية هي التي صوّبها ابن الأنباري و قال: «و لا تليت» خطأ. راجع الغريبين 1/ 81 و الحديث أخرجه البخاري و مسلم و النسائي و أحمد. و في البخاري عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «....، و أمّا الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت و لا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين».
انظر فتح الباري 3/ 232، و مسلم في الجنة و نعيمها، باب عرض مقعد الميت (2870)، و انظر: شرح السنة 5/ 415، و الترغيب و الترهيب 4/ 185، و المسند 3/ 126.
و الرواية التي ذكرها المؤلف حكاها ابن قتيبة عن يونس بن حبيب، و حكي ذلك عن الأصمعي و به جزم الخطابي.
و قال ابن السكيت: قوله: «و لا تليت» اتباع و لا معنى لها.
(3) و هذا قول المعتزلة قدّروا ذلك لأنهم ينفون رؤية اللّه تعالى، و المؤلّف يردّ قولهم.
(4) البيت في ديوانه من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي، مطلعها:
ما بكاء الكبير بالأطلال و سؤالي فهل يردّ سؤالي
انظر: ديوانه ص 167، و تفسير القرطبي 1/ 284.
84
مفردات ألفاظ القرآن
أم ص 85
أمّ
الْأُمُّ بإزاء الأب، و هي الوالدة القريبة التي ولدته، و البعيدة التي ولدت من ولدته.
و لهذا قيل لحوّاء: هي أُمُّنَا، و إن كان بيننا و بينها وسائط. و يقال لكل ما كان أصلا لوجود شيء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أُمٌّ، قال الخليل: كلّ شيء ضمّ إليه سائر ما يليه يسمّى أُمّاً «1»، قال تعالى: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ [الزخرف/ 4] «2» أي: اللوح المحفوظ و ذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه و متولّدة منه. و قيل لمكة أُمُّ القرى، و ذلك لما
رُوِيَ: (أَنَّ الدُّنْيَا دُحِيَت مِنْ تَحْتِهَا) «3».
و قال تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها* [الأنعام/ 92]، و أُمُّ النجوم: المجرّة «4». قال: 23-
بحيث اهتدت أُمُّ النجوم الشوابك «5»
و قيل: أُمُّ الأضياف و أُمُّ المساكين «6»، كقولهم: أبو الأضياف «7»، و يقال للرئيس: أُمُّ الجيش كقول الشاعر:
24-
و أُمُّ عيال قد شهدت نفوسهم «8»
و قيل لفاتحة الكتاب: أُمُّ الكتاب لكونها مبدأ الكتاب، و قوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ [القارعة/ 9] أي: مثواه النار فجعلها أمّا له، قال: و هو نحو مَأْواكُمُ النَّارُ* [الحديد/ 15]، و سمّى اللّه تعالى أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أُمَّهَاتِ المؤمنين فقال: وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] لما تقدّم في الأب، و قال: يَا بْنَ أُمَ
[طه/ 94] و لم يقل: ابن أب، و لا أُمَّ له يقال على سبيل الذم، و على سبيل المدح،
__________________________________________________
(1) من أول الباب إلى هاهنا نقله الفيروزآبادي حرفيا في البصائر 2/ 111، و انظر العين 8/ 433.
(2) و انظر: المخصص 13/ 181.
(3) و هذا مرويّ عن قتادة كما أخرجه عنه عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن المنذر. راجع الدر المنثور 3/ 316.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/ 28، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، و هو صحابي، و ابن جرير 1/ 548 من كلام ابن عباس.
(4) راجع: الجمهرة 1/ 20، و اللسان (أمم) 12/ 32.
(5) هذا عجز بيت لتأبّط شرّا، و صدره:
يرى الوحشة الأنس الأنيس و يهتدي
و هو في ديوانه ص 156، و الجمهرة 1/ 11، و شرح الحماسة للتبريزي 1/ 49، و المخصص 13/ 181.
(6) و أمّ المساكين كنية زينب بنت خزيمة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها، سميت بذلك لكثرة معروفها. راجع سير أعلام النبلاء 2/ 218.
(7) أبو الأضياف هو إبراهيم الخليل عليه السلام، فهو أول من أضاف الضيف.
(8) الشطر للشنفرى، و عجزه:
إذا أطعمتهم أو تحت و أقلّت
و هو في الجمهرة 1/ 21، و المفضليات ص 110، و اللسان (أمم).
85
مفردات ألفاظ القرآن
أم ص 85
و كذا قوله: ويل أُمِّهِ «1»، و كذا: هوت أُمُّهُ «2» و الْأُمُّ قيل: أصله: أمّهة، لقولهم جمعا: أمهات، و في التصغير: أُمَيْهَةٌ «3».
و قيل: أصله من المضاعف لقولهم: أُمَّات و أُمَيْمَة. قال بعضهم: أكثر ما يقال أمّات في البهائم و نحوها، و أمهات في الإنسان.
و الْأُمَّةُ: كل جماعة يجمعهم أمر ما إمّا دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، و جمعها:
أُمَمٌ، و قوله تعالى: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ [الأنعام/ 38] أي: كل نوع منها على طريقة قد سخرها اللّه عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، و بانية كالسّرفة «4»، و مدّخرة كالنمل و معتمدة على قوت وقته كالعصفور و الحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع.
و قوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [البقرة/ 213] أي: صنفا واحدا و على طريقة واحدة في الضلال و الكفر، و قوله: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً [هود/ 118] أي: في الإيمان، و قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران/ 104] أي: جماعة يتخيّرون العلم و العمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، و قوله: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ* [الزخرف/ 22] أي: على دين مجتمع. قال:
25-
و هل يأثمن ذو أُمَّةٍ و هو طائع «5»
و قوله تعالى: وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف/ 45] أي: حين، و قرئ (بعد أَمَهٍ) «6» أي: بعد نسيان. و حقيقة ذلك: بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.
و قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ [النحل/ 120] أي: قائما مقام جماعة في عبادة اللّه، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة. و
رُوِيَ:
«أَنَّهُ يُحْشَرُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أُمَّةً وَحْدَهُ» «7».
__________________________________________________
(1) قال ابن منظور: و قوله: ويل أمّه فهو مدح خرج بلفظ الذم.
(2) قال ابن بري: قوله: هوت أمّه يستعمل على جهة التعجب كقولهم: قاتله اللّه ما أسمعه!.
(3) لأنّ الجمع و التصغير يردّان الأشياء لأصولها، فأصلها هاء على هذا. و هذا قول الخليل في العين 8/ 424.
(4) هي دويبّة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه، و هي التي يضرب بها المثل فيقال: أصنع من سرفة.
(5) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، و صدره:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة
و هو في ديوانه ص 81، و الغريبين 1/ 93، و اللسان (أمم).
(6) و هي مروية عن شبيل بن عزرة الضبعي، و هي قراءة شاذة. راجع القرطبي 9/ 201، و إعراب القرآن للنحاس 2/ 143.
(7) الحديث في مسند الطيالسي ص 32 عن سعيد بن زيد أنه قال للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: إنّ أبي كان كما رأيت و كما بلغك فاستغفر له، قال: «نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده». راجع الإصابة 1/ 70، و أخرجه أبو يعلى، و إسناده حسن، انظر:
مجمع الزوائد 9/ 420.
86
مفردات ألفاظ القرآن
أم ص 85
و قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمران/ 113] أي: جماعة، و جعلها الزجاج هاهنا للاستقامة، و قال: تقديره:
ذو طريقة واحدة «1»، فترك الإضمار أولى.
و الْأُمِّيُّ: هو الذي لا يكتب و لا يقرأ من كتاب، و عليه حمل: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ [الجمعة/ 2] قال قطرب: الْأُمِّيَّةُ: الغفلة و الجهالة، فَالْأُمِّيُّ منه، و ذلك هو قلة المعرفة، و منه قوله تعالى:
وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ [البقرة/ 78] أي: إلا أن يتلى عليهم.
قال الفرّاء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب، و النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ [الأعراف/ 157] قيل: منسوب إلى الأمّة الذين لم يكتبوا، لكونه على عادتهم كقولك: عامّي، لكونه على عادة العامّة، و قيل: سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب و لا يقرأ من كتاب، و ذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه، و اعتماده على ضمان اللّه منه بقوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى [الأعلى/ 6]. و قيل: سمّي بذلك لنسبته إلى أمّ القرى.
و الْإِمَامُ: المؤتمّ به، إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابا، أو غير ذلك محقّا كان أو مبطلا، و جمعه: أَئِمَّةٌ. و قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ
[الإسراء/ 71] أي: بالذي يقتدون به، و قيل: بكتابهم «2»، و قوله:
وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان/ 74]. قال أبو الحسن: جمع آم «3»، و قال غيره: هو من باب درع دلاص، و دروع دلاص «4»، و قوله:
وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً [القصص/ 5] و قال:
وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص/ 41] جمع إمام.
و قوله تعالى: وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس/ 12] فقد قيل: إشارة إلى اللوح المحفوظ، و الْأَمُّ: القصد المستقيم، و هو التوجه نحو مقصود، و على ذلك: وَ لَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ [المائدة/ 2] و قولهم: أَمَّهُ: شجّه، فحقيقته إنما هو أن يصيب أمّ دماغه، و ذلك على حدّ ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فعلت منه «5»، و ذلك نحو: رأسته، و رجلته، و كبدته،
__________________________________________________
(1) معاني القرآن 1/ 458.
(2) انظر: الغريبين 1/ 95.
(3) أبو الحسن الأخفش، و قال: الإمام هاهنا جماعة، كما قال: فإنّهم عدوّ لي راجع: معاني القرآن للأخفش 2/ 423.
(4) قال في اللسان: و درع دلاص: برّاقة ملساء لينة، و الجمع دلص، و قد يكون الدلاص جمعا مكسّرا.
و يقال: درع دلاص، و أدرع دلاص، للواحد و الجمع على لفظ واحد.
(5) و في ذلك يقول شيخنا حفظه اللّه:
فعل صوغها من الأعيان مطّرد عند ذوي الأذهان
نحو ظهرته كذا رقبته و قس كذلك إلى يددته.
87
مفردات ألفاظ القرآن
أم ص 85
و بطنته: إذا أصيب هذه الجوارح.
و «أَمْ» إذا قوبل به ألف الاستفهام فمعناه:
أي «1» نحو: أ زيد أم عمرو، أي: أيّهما، و إذا جرّد عن ذلك يقتضي معنى ألف الاستفهام مع بل، نحو: أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [ص/ 63] أي: بل زاغت.
و «أَمَّا» حرف يقتضي معنى أحد الشيئين، و يكرّر نحو: أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ [يوسف/ 41]، و يبتدأ بها الكلام نحو: أمّا بعد فإنه كذا.
أمد
قال تعالى: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران/ 30]. و الْأَمَدُ و الأبد يتقاربان، لكن الْأَبَدُ عبارة عن مدّة الزمان التي ليس لها حدّ محدود، و لا يتقيد، لا يقال: أبد كذا.
و الْأَمَدُ: مدّة لها حدّ مجهول إذا أطلق، و قد ينحصر نحو أن يقال: أمد كذا، كما يقال: زمان كذا، و الفرق بين الزمان و الأمد أنّ الْأَمَدَ يقال باعتبار الغاية، و الزمان عامّ في المبدأ و الغاية، و لذلك قال بعضهم: المدى و الأمد يتقاربان.
أمر
الْأَمْرُ: الشأن، و جمعه أُمُورٌ، و مصدر أَمَرْتُهُ:
إذا كلّفته أن يفعل شيئا، و هو لفظ عام للأفعال و الأقوال كلها، و على ذلك قوله تعالى: إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [هود/ 123]، و قال: قُلْ: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران/ 154]، أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة/ 275] و يقال للإبداع: أَمْرٌ، نحو: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ [الأعراف/ 54]، و يختص ذلك باللّه تعالى دون الخلائق و قد حمل على ذلك قوله تعالى: وَ أَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت/ 12] و على ذلك حمل الحكماء قوله:
قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء/ 85] أي: من إبداعه، و قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل/ 40] فإشارة إلى إبداعه، و عبّر عنه بأقصر لفظة، و أبلغ ما يتقدّم فيه فيما بيننا بفعل الشيء، و على ذلك قوله: وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ [القمر/ 50]، فعبّر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا.
و الْأَمْرُ: التقدم بالشيء سواء كان ذلك بقولهم: افعل و ليفعل، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [البقرة/ 228]، أو كان بإشارة أو غير ذلك، أ لا ترى أنّه قد سمّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أَمْراً حيث قال: إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ [الصافات/ 102] فسمّى ما رآه في
__________________________________________________
(1) راجع: الجنى الداني ص 225، و مغني اللبيب ص 61- 62.
88
مفردات ألفاظ القرآن
أمر ص 88
المنام من تعاطي الذبح أَمْراً «1».
و قوله تعالى: وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود/ 97] فعامّ في أقواله و أفعاله، و قوله:
أَتى أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1] إشارة إلى القيامة، فذكره بأعمّ الألفاظ، و قوله: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً* [يوسف/ 18] أي:
ما تَأْمُرُ النفس الْأَمَّارَةُ بالسوء.
و قيل: أَمِرَ القومُ: كثروا، و ذلك لأنّ القوم إذا كثروا صاروا ذا أَمِيرٍ من حيث إنهم لا بدّ لهم من سائس يسوسهم، و لذلك قال الشاعر:
26-
لا يصلح النّاس فوضى لا سراة لهم «2»
و قوله تعالى: أَمَرْنا مُتْرَفِيها [الإسراء/ 16] أي: أمرناهم بالطاعة، و قيل: معناه:
كثّرناهم.
و قال أبو عمرو: لا يقال: أمرت بالتخفيف في معنى كثّرت، و إنما يقال: أَمَّرْتُ و آمَرْتُ.
و قال أبو عبيدة: قد يقال: أَمَرْتُ «3» بالتخفيف نحو:
«خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ وَ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» «4».
و فعله: أمرت.
و قرئ: (أَمَّرْنَا) «5» أي: جعلناهم أُمَرَاءَ، و كثرة الأمراء في القرية الواحدة سبب لوقوع هلاكهم، و لذلك قيل: لا خير في كثرة الأمراء، و على هذا حمل قوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها [الأنعام/ 123]، و قرئ: (آمَرْنَا) «6» بمعنى: أكثرنا.
و الائْتِمَارُ: قبول الأمر، و يقال للتشاور: ائْتِمَارٌ لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به.
قال تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ [القصص/ 20]. قال الشاعر:
27-
و آمَرْتُ نفسي أيّ أَمْرَيَّ أفعل «7»
__________________________________________________
(1) قال قتادة: رؤيا الأنبياء عليهم السلام حقّ، إذا رأوا شيئا فعلوه. انظر: الدر المنثور 7/ 105.
(2) الشطر للأفوه الأودي، و تتمته:
و لا سراة إذا جهالهم سادوا
و هو في الحماسة البصرية 2/ 69، و أمالي القالي 2/ 228، و الاختيارين ص 77. و ديوانه ص 10.
(3) راجع: مجاز القرآن 1/ 373، و الغريبين 1/ 85، و تفسير القرطبي 10/ 233.
(4) الحديث أخرجه أحمد في مسنده 3/ 468، و فيه: «خير مال المرء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة». و رجال إسناده ثقات، و اختلف في صحبة سويد، قال ابن حبان: يروي المراسيل لكن جاء في رواية: سمعت رسول اللّه يقول، ففيها إثبات السماع: انظر: الإصابة 2/ 101، و مجمع الزوائد 5/ 261.
المأمورة: الكثيرة، و السكة: الطريقة من النخل، المأبورة: الملقّحة.
(5) و هي قراءة الحسن و مجاهد و أبي عثمان النهدي و أبي رجاء و أبي العالية، و هي قراءة شاذة.
(6) و هي قراءة يعقوب، و رويت عن ابن كثير و أبي عمرو و عاصم من غير طريق الطيبة. راجع: الإتحاف ص 282.
(7) هذا عجز بيت لكعب بن زهير، و شطره الأول:
أنخت قلوصي و اكتلأت بعينها
و هو في ديوانه ص 55، و الحجة في القراءات للفارسي 1/ 319، و أساس البلاغة (كلأ).
89
مفردات ألفاظ القرآن
أمر ص 88
و قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف/ 71] أي: منكرا، من قولهم: أَمِرَ الأَمْرُ، أي: كَبُرَ و كَثُرَ كقولهم: استفحل الأمر.
و قوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ [النساء/ 59] قيل:
عنى الْأُمَرَاءَ في زمن النبيّ عليه الصلاة و السلام.
و قيل: الأئمة من أهل البيت «1»، و قيل: الْآمِرُونَ بالمعروف، و
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمُ الْفُقَهَاءُ وَ أَهْلُ الدِّينِ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ.
و كل هذه الأقوال صحيحة، و وجه ذلك: أنّ أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة:
الأنبياء، و حكمهم على ظاهر العامة و الخاصة و على بواطنهم، و الولاة، و حكمهم على ظاهر الكافّة دون باطنهم، و الحكماء، و حكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر، و الوعظة، و حكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم.
أمن
أصل الْأَمْنِ: طمأنينة النفس و زوال الخوف، و الْأَمْنُ و الْأَمَانَةُ و الْأَمَانُ في الأصل مصادر، و يجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، و تارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله تعالى: وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ [الأنفال/ 27]، أي: ما ائْتَمَنْتُمْ عليه، و قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [الأحزاب/ 72] قيل: هي كلمة التوحيد، و قيل: العدالة «2»، و قيل: حروف التهجي، و قيل: العقل، و هو صحيح فإنّ العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد، و تجري العدالة و تعلم حروف التهجي، بل بحصوله تعلّم كل ما في طوق البشر تعلّمه، و فعل ما في طوقهم من الجميل فعله، و به فضّل على كثير ممّن خلقه.
و قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران/ 97] أي: آمنا من النار، و قيل: من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التوبة/ 55].
و منهم من قال: لفظه خبر و معناه أمر، و قيل:
يأمن الاصطلام «3»، و قيل: آمن في حكم اللّه، و ذلك كقولك: هذا حلال و هذا حرام، أي: في حكم اللّه.
و المعنى: لا يجب أن يقتصّ منه و لا يقتل فيه إلا أن يخرج، و على هذه الوجوه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً [العنكبوت/ 67]. و قال تعالى: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً [البقرة/ 125]. و قوله: أَمَنَةً نُعاساً [آل عمران/ 154] أي: أمنا، و قيل: هي جمع كالكتبة.
__________________________________________________
(1) و هذا قول الشيعة.
(2) راجع الأقوال في هذه الآية في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 6/ 669.
(3) الاصطلام: الاستئصال، و اصطلم القوم: أبيدوا.
90
مفردات ألفاظ القرآن
أمن ص 90
و
فِي حَدِيثِ نُزُولِ الْمَسِيحِ: «وَ تَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ» «1».
و قوله تعالى: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ
[التوبة/ 6] أي: منزله الذي فيه أمنه.
و آمَنَ: إنما يقال على وجهين:
- أحدهما متعديا بنفسه، يقال: آمَنْتُهُ، أي:
جعلت له الأمن، و منه قيل للّه: مُؤْمِنٌ.
- و الثاني: غير متعدّ، و معناه: صار ذا أَمْنٍ.
و الْإِيمَانُ يستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمّد عليه الصلاة و السلام، و على ذلك:
الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئُونَ
[المائدة/ 69]، و يوصف به كلّ من دخل في شريعته مقرّا باللّه و بنبوته. قيل: و على هذا قال تعالى: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ
[يوسف/ 106].
و تارة يستعمل على سبيل المدح، و يراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، و ذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب، و إقرار باللسان، و عمل بحسب ذلك بالجوارح، و على هذا قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ
[الحديد/ 19].
و يقال لكلّ واحد من الاعتقاد و القول الصدق و العمل الصالح: إيمان. قال تعالى: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ
[البقرة/ 143] أي:
صلاتكم، و جعل الحياء و إماطة الأذى من الإيمان «2».
قال تعالى: وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ
[يوسف/ 17] قيل: معناه: بمصدق لنا، إلا أنّ الإيمان هو التصديق الذي معه أمن، و قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ
[النساء/ 51] فذلك مذكور على سبيل الذم لهم، و أنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن، إذ ليس من شأن القلب- ما لم يكن مطبوعا عليه- أن يطمئن إلى الباطل، و إنما ذلك كقوله: مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النحل/ 106]، و هذا كما يقال:
إيمانه الكفر، و تحيته الضرب، و نحو ذلك.
و جعل النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أصل الإيمان ستة أشياء في
__________________________________________________
(1) هذا جزء من حديث طويل و فيه: «ثمّ تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، و النمار مع البقر، و الذئاب مع الغنم، و تلعب الصبيان بالحيّات لا تضرّهم». و الحديث أخرجه ابن أبي شيبة و أحمد و أبو داود برقم (4324) و ابن جرير و ابن حبان عن أبي هريرة، و قال ابن كثير بعد ذكر إسناده: و هذا إسناد جيد قوي. انظر: الدر المنثور 2/ 736، و الفتن الملاحم لابن كثير 1/ 105.
(2) كما قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم و غيره: «الإيمان بضع و سبعون شعبة، و أفضلها قول: لا إله إلا اللّه، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق، و الحياء شعبة من الإيمان».
91
مفردات ألفاظ القرآن
أمن ص 90
خَبَرِ جِبْرِيلَ حَيْثُ سَأَلَهُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ و الخبر معروف «1».
و يقال: رجل أَمَنَةٌ و أُمَنَةٌ: يثق بكل أحد، و أَمِينٌ و أَمَانٌ يؤمن به. و الْأَمُونُ: الناقة يؤمن فتورها و عثورها.
آمِينَ يقال بالمدّ و القصر، و هو اسم للفعل نحو:
صه و مه.
قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ: اسْتَجِبْ.
و أَمَّنَ فلان: إذا قال: آمين. و قيل: آمين اسم من أسماء اللّه تعالى «2». و قال أبو علي الفسوي «3»:
أراد هذا القائل أنّ في آمين ضميرا للّه تعالى، لأنّ معناه: استجب.
و قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [الزمر/ 9] تقديره: أم من، و قرئ: (أَ مَنْ) «4» و ليسا من هذا الباب.
إِنَّ و أَنَ
إِنَّ أَنَّ ينصبان الاسم و يرفعان الخبر، و الفرق بينهما أنّ «إِنَّ» يكون ما بعده جملة مستقلة، و «أَنَّ» يكون ما بعده في حكم مفرد يقع موقع مرفوع و منصوب و مجرور، نحو: أعجبني أَنَّك تخرج، و علمت أَنَّكَ تخرج، و تعجّبت من أَنَّك تخرج. و إذا أدخل عليه «ما» يبطل عمله، و يقتضي إثبات الحكم للمذكور و صرفه عمّا عداه، نحو: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
[التوبة/ 28] تنبيها على أنّ النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك، و قوله عزّ و جل: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ*
[البقرة/ 173] أي: ما حرّم ذلك إلا تنبيها على أنّ أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات.
و أَنْ على أربعة أوجه:
الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل، و يكون ما بعده في تقدير مصدر، و ينصب المستقبل نحو: أعجبني أن تخرج و أن خرجت.
و المخفّفة من الثقيلة نحو: أعجبني أن زيدا منطلق.
و المؤكّدة ل «لمّا» نحو: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ
[يوسف/ 96].
و المفسّرة لما يكون بمعنى القول، نحو:
وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا
[ص/ 6] أي: قالوا: امشوا.
__________________________________________________
(1) و قد أخرجه البخاري و مسلم قال: «أن تؤمن باللّه وحده و ملائكته و كتبه و رسله و بالبعث بعد الموت و الجنة و النار، و بالقدر خيره و شره»، راجع البخاري 1/ 106، و مسلم (9) في الإيمان، و شرح السنة 1/ 9.
(2) أخرجه عبد الرزاق 2/ 99 عن أبي هريرة.
(3) هو أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد المتوفى 377 ه. و قوله هذا في المسائل الحلبيات ص 116.
(4) و هي قراءة نافع و ابن كثير و حمزة. انظر: الإتحاف ص 375.
92
مفردات ألفاظ القرآن
إن و أن ص 92
و كذلك «إِنْ» على أربعة أوجه:
للشرط نحو: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ [المائدة/ 118]، و المخفّفة من الثقيلة و يلزمها اللام نحو: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا [الفرقان/ 42]، و النافية، و أكثر ما يجيء يتعقّبه «إلا»، نحو: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا [الجاثية/ 32]، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/ 25]، إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود/ 54].
و المؤكّدة ل «ما» النافية، نحو: ما إن يخرج زيد.
أنث
الْأُنْثَى: خلاف الذكر، و يقالان في الأصل اعتبارا بالفرجين، قال عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى [النساء/ 124]، و لمّا كان الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكر اعتبر فيها الضعف، فقيل لما يضعف عمله: أنثى، و منه قيل: حديد أَنِيثٌ «1»، قال الشاعر:
28-
... عندي جراز لا أفلّ و لا أَنِيثٌ «2»
و قيل: أرض أَنِيثٌ: سهل، اعتبارا بالسهولة التي في الأنثى، أو يقال ذلك اعتبارا بجودة إنباتها تشبيها بالأنثى، و لذا قال: أرض حرّة و ولودة.
و لمّا شبّه في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذّكر فذكّر أحكامه، و بعضها بالأنثى فأنّث أحكامها، نحو: اليد و الأذن، و الخصية، سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين، و كذلك الأذن. قال الشاعر:
29-
ضربناه تحت الْأُنْثَيَيْنِ على الكرد «3»
و قال آخر:
30-
و ما ذكر و إن يسمن فَأُنْثَى «4»
يعني: القراد، فإنّه يقال له إذا كبر: حلمة، فيؤنّث «5».
و قوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً
__________________________________________________
(1) انظر: المجمل 1/ 104، و اللسان (أنث) 2/ 113.
(2) البيت لصخر الغيّ الهذلي و شطره الأول:
فيعلمه بأنّ العقل عندي
و هو في ديوان الهذليين 2/ 223، و اللسان (أنث)، و البحر المحيط 3/ 352.
(3) هذا عجز بيت للفرزدق، و شطره:
و كنّا إذا القيسيّ نبّ عوده
و هو في ديوانه ص 160، و الحجة في القراءات للفارسي 2/ 56، و المحكم 6/ 465.
(4) الشطر لم أجد قائله، و عجزه:
شديد الأزم ليس له ضروس
و هو في اللسان و الصحاح (ضرس)، و التكملة للفارسي ص 364، و الاقتضاب ص 418، و حياة الحيوان للدميري 1/ 338، و المسائل البصريات 1/ 381 و يروى [يكبر] بدل [يسمن].
(5) قال الأصمعي: يقال للقراد أول ما يكون صغيرا قمقامة، ثم يصير حمنانة ثم يصير قرادا ثم يصير حلما.
93
مفردات ألفاظ القرآن
أنث ص 93
[النساء/ 117] فمن المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال: لمّا كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو: اللَّاتَ وَ الْعُزَّى* وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ [النجم/ 19- 20] قال ذلك:
و منهم- و هو أصحّ- من اعتبر حكم المعنى، و قال: المنفعل يقال له: أَنِيثٌ، و منه قيل للحديد الليّن: أَنِيثٌ، فقال: و لمّا كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب:
- فاعلا غير منفعل، و ذلك هو الباري عزّ و جلّ فقط.
- و منفعلا غير فاعل، و ذلك هو الجمادات.
- و منفعلا من وجه كالملائكة و الإنس و الجن، و هم بالإضافة إلى اللّه تعالى منفعلة، و بالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة، و لمّا كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة سمّاها اللّه تعالى أنثى و بكّتهم بها، و نبّههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة، مع أنها لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر، بل لا تفعل فعلا بوجه، و على هذا قول إبراهيم عليه الصلاة و السلام: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم/ 42].
و أمّا قوله عزّ و جل: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف/ 19] فلزعم الذين قالوا: إنّ الملائكة بنات اللّه.
إنس
الْإِنْسُ: خلاف الجن، و الْأُنْسُ: خلاف النفور، و الْإِنْسِيُّ منسوب إلى الإنس يقال ذلك لمن كثر أنسه، و لكلّ ما يؤنس به، و لهذا قيل:
إِنْسِيُّ الدابة للجانب الذي يلي الراكب «1»، و إِنْسِيُّ القوس: للجانب الذي يقبل على الرامي.
و الْإِنْسِيُّ من كل شيء: ما يلي الإنسان، و الوحشيّ: ما يلي الجانب الآخر له.
و جمع الإنس أَنَاسِيُّ، قال اللّه تعالى:
وَ أَناسِيَّ كَثِيراً [الفرقان/ 49].
و قيل ابن إِنْسِكَ للنفس «2»، و قوله عزّ و جل:
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء/ 6] أي:
أبصرتم أنسا بهم، و آنَسْتُ ناراً* [طه/ 10]، و قوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور/ 27] أي:
تجدوا إِينَاساً.
و الْإِنْسَانُ قيل: سمّي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض، و لهذا قيل:
الإنسان مدنيّ بالطبع، من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، و لا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه، و قيل: سمّي بذلك لأنه يأنس بكلّ ما يألفه «3»، و قيل: هو افعلان، و أصله: إنسيان، سمّي بذلك لأنه عهد اللّه إليه فنسي.
__________________________________________________
(1) الغريب المصنف ورقة 73، مخطوطة تركيا.
(2) راجع: المجمل 1/ 104.
(3) المقتضب 4/ 13.
94
مفردات ألفاظ القرآن
أنف ص 95
أنف
أصل الْأَنْفُ: الجارحة، ثم يسمّى به طرف الشيء و أشرفه، فيقال: أنف الجبل و أنف اللحية «1»، و نسب الحمية و الغضب و العزّة و الذلة إلى الأنف حتى قال الشاعر:
31-
إذا غضبت تلك الْأُنُوفُ لم أرضها و لم أطلب العتبى و لكن أزيدها «2»
و قيل: شمخ فلان بِأَنْفِهِ: للمتكبر، و ترب أَنْفُهُ للذليل، و أَنِفَ فلان من كذا بمعنى استنكف، و أَنَفْتُهُ: أصبت أنفه. و حتى قيل الْأَنَفَةُ: الحمية، و اسْتَأْنَفْتُ الشيء: أخذت أنفه، أي: مبدأه، و منه قوله عزّ و جل: ما ذا قالَ آنِفاً [محمد/ 16] أي: مبتدأ.
أنمل
قال اللّه تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران/ 119] الْأَنَامِلُ جمع الْأَنْمُلَةِ، و هي المفصل الأعلى من الأصابع التي فيها الظفر، و فلان مُؤَنْمَلُ الأصابع «3» أي: غليظ أطرافها في قصر. و الهمزة فيها زائدة بدليل قولهم: هو نَمِلُ الأصابع، و ذكرها هاهنا للفظه.
أنى
أَنَّى للبحث عن الحال و المكان، و لذلك قيل: هو بمعنى كيف و أين «4»، لتضمنه معناهما، قال اللّه عزّ و جل: أَنَّى لَكِ هذا [آل عمران/ 37]، أي: من أين، و كيف. و:
أنا
أَنَا ضمير المخبر عن نفسه، و تحذف ألفه في الوصل في لغة، و تثبت في لغة «5»، و قوله عزّ و جل: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي [الكهف/ 38] فقد قيل: تقديره: لكن أنا هو اللّه ربي، فحذف الهمزة من أوله، و أدغم النون في النون، و قرئ:
لكنّ هو اللّه ربي، فحذف الألف أيضا من آخره «6».
و يقال: أُنِيَّةُ الشيء و أَنِيَّتُهُ، كما يقال: ذاته، و ذلك إشارة إلى وجود الشيء، و هو لفظ محدث
__________________________________________________
(1) راجع: أساس البلاغة ص 11، و المجمل 1/ 104، و العباب (أنف) ص 33.
(2) البيت في محاضرات الراغب 1/ 315 دون نسبة، و سيكرر ثانية، و هو في مجمع البلاغة للمؤلف 1/ 524.
(3) انظر: اللسان (نمل) 11/ 679. و كان القياس ورودها في مادة (نمل) لأنّ الهمزة زائدة.
(4) راجع: حروف المعاني للزجاجي ص 61، و العين 8/ 399.
(5) و في ذلك يقول العلامة محمد بن حنبل الحسني الشنقيطي رحمه اللّه:
مدّ أنا من قبل همز انفتح أو همزة مضمومة قد اتّضح
و قبل غير همزة أو همزة مكسورة مدّ أنا لا تثبت.
(6) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف، و يعقوب بخلفه، بحذف الألف وصلا، و إثباتها وقفا. انظر: الإتحاف ص 290.
95
مفردات ألفاظ القرآن
أنا ص 95
ليس من كلام العرب،
[أني] و آنَاءُ
الليل: ساعاته، الواحد: إِنْيٌ و إِنًى و أَناً «1»، قال عزّ و جلّ:
يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ [آل عمران/ 113] و قال تعالى: وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ [طه/ 130]، و قوله تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ [الأحزاب/ 53] أي: وقته، و الْإِنَا إذا كسر أوّله قصر، و إذا فتح مدّ، نحو قول الحطيئة:
32-
و آنَيْتُ العشاء إلى سهيل أو الشّعرى فطال بي الْأَنَاءُ «2»
أَنَى و آن الشيء: قرب إناه، و حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن/ 44] بلغ إناه من شدة الحر، و منه قوله تعالى: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الغاشية/ 5] و قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحديد/ 16] أي: أ لم يقرب إناه.
و يقال «3»: آنَيْتُ الشيء أُنِيّاً، أي: أخّرته عن أوانه، و تَأَنَّيْتُ: تأخّرت، و الْأَنَاةُ: التؤدة.
و تَأَنَّى فلان تَأَنِّياً، و أَنَى يَأْنِي فهو آنٍ، أي:
وقور. و اسْتَأْنَيْتُهُ: انتظرت أوانه، و يجوز في معنى استبطأته، و اسْتَأْنَيْتُ الطعام كذلك، و الْإِنَاءُ: ما يوضع فيه الشيء، و جمعه آنِيَةٌ، نحو: كساء و أكسية، و الْأَوَانِي جمع الجمع.
أهل
أَهْلُ الرجل: من يجمعه و إياهم نسب أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة و بيت و بلد، و أَهْلُ الرجل في الأصل: من يجمعه و إياهم مسكن واحد، ثم تجوّز به فقيل: أَهْلُ الرجل لمن يجمعه و إياهم نسب، و تعورف في أسرة النبيّ عليه الصلاة و السلام مطلقا إذا قيل:
أَهْلُ البيت لقوله عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب/ 33]، و عبّر بِأَهْلِ الرجل عن امرأته.
و أَهْلُ الإسلام: من يجمعهم، و لمّا كانت الشريعة حكمت برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم و الكافر قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ [هود/ 46]، و قال تعالى: وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ* [هود/ 40].
و قيل: أَهَلَ الرّجل يَأْهَلُ أُهُولًا، و قيل: مكان مَأْهُولٌ «4»: فيه أهله، و أُهِلَ به: إذا صار ذا ناس و أهل، و كلّ دابّة ألف مكانا يقال: أَهِلٌ و أَهْلِيٌّ.
__________________________________________________
(1) قال الراجز:
آلاء آناء و أثنا جمعا مثل عصا به و نحي و معى.
(2) البيت في ديوانه بشرح ابن السكيت ص 83، و اللسان: (أنى)، و شمس العلوم 1/ 107، و الأضداد ص 27، و الأفعال 1/ 78، و المقصور و الممدود للفرّاء ص 20.
(3) انظر العين 8/ 400.
(4) قال الزمخشري: تقول: حبذا دار مأهولة و ثريدة مأكولة.
96
مفردات ألفاظ القرآن
أهل ص 96
و تَأَهَّلَ: إذا تزوّج، و منه قيل: آهَلَكَ اللّه في الجنة «1»، أي: زوّجك فيها و جعل لك فيها أهلا يجمعك و إياهم، و يقال: فلان أَهْلٌ لكذا، أي:
خليق به، و مرحبا و أهلا في التحية للنازل بالإنسان، أي: وجدت سعة مكان عندنا، و من هو أهل بيت لك في الشفقة «2».
و جمع الأهل: أَهْلُونَ و أَهَالٍ و أَهَلَاتٌ.
أوب
الْأَوْبُ: ضرب من الرجوع، و ذلك أنّ الْأَوْبَ لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة، و الرجوع يقال فيه و في غيره، يقال: آبَ أَوْباً و إِيَاباً و مَآباً.
قال اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ [الغاشية/ 25] و قال: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً [النبأ/ 39]، و الْمَآبُ: المصدر منه و اسم الزمان و المكان.
قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران/ 14]، و الْأَوَّابُ كالتوّاب، و هو الراجع إلى اللّه تعالى بترك المعاصي و فعل الطاعات، قال تعالى: أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق/ 32]، و قال: إِنَّهُ أَوَّابٌ* [ص/ 30] و منه قيل للتوبة: أَوْبَةٌ، و التَّأْوِيبُ يقال في سير النهار «3» و قيل: آبَتْ يد الرّامي إلى السهم «4» و ذلك فعل الرامي في الحقيقة و إن كان منسوبا إلى اليد، و لا ينقض ما قدّمناه من أنّ ذلك رجوع بإرادة و اختيار، و كذا ناقة أَءُوبٌ: سريعة رجع اليدين.
أيد
قال اللّه عزّ و جل: أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ [المائدة/ 110] فعّلت من الْأَيْدِ، أي: القوة الشديدة.
و قال تعالى: وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ [آل عمران/ 13] أي: يكثر تأييده، و يقال: إِدْتُهُ أَئِيدُهُ أَيْداً نحو: بعته أبيعه بيعا، و أَيَّدْتُهُ على التكثير. قال عزّ و جلّ: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات/ 47]، و يقال: له أيد، و منه قيل للأمر العظيم مُؤَيَّدٌ.
و إِيَادُ الشيء: ما يقيه، و قرئ: (أَأْيَدْتُكَ) «5»، و هو أفعلت من ذلك.
قال الزجاج رحمه اللّه «6»: يجوز أن يكون فاعلت، نحو: عاونت، و قوله عزّ و جل: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة/ 255] أي: لا يثقله، و أصله من الأود، آدَ يَئُودُ أَوْداً و إِيَاداً: إذا أثقله،
__________________________________________________
(1) انظر: المجمل 1/ 105، و أساس البلاغة ص 11.
(2) انظر: المشوف المعلم 1/ 86.
(3) قال ابن المنظور: و التأويب في كلام العرب: سير النهار كله إلى الليل.
(4) انظر: المجمل 1/ 106.
(5) و هي قراءة شاذة. و في اللسان (قرئ): آيدتك على فاعلت.
(6) معاني القرآن 2/ 219.
97
مفردات ألفاظ القرآن
أيد ص 97
نحو: قال يقول قولا، و في الحكاية عن نفسك:
أُدْتُ مثل: قلت، فتحقيق آده «1»: عوّجه من ثقله في ممرِّه.
أيك
الْأَيْكُ: شجر ملتف، و أصحاب الْأَيْكَةِ قيل:
نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها، و قيل: هي اسم بلد.
آل
الْآلُ: مقلوب من الأهل «2»، و يصغّر على أُهَيْلٍ إلا أنّه خصّ بالإضافة إلى الأعلام الناطقين دون النكرات، و دون الأزمنة و الأمكنة، يقال: آلُ فلان، و لا يقال: آلُ رجل و لا آلُ زمان كذا، أو موضع كذا، و لا يقال: آلُ الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل، يقال: آلُ اللّه و آلُ السلطان.
و الأهل يضاف إلى الكل، يقال: أهل اللّه و أهل الخياط، كما يقال: أهل زمن كذا و بلد كذا.
و قيل: هو في الأصل اسم الشخص، و يصغّر أُوَيْلًا، و يستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصا ذاتيا إمّا بقرابة قريبة، أو بموالاة، قال اللّه عزّ و جل: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ [آل عمران/ 33]، و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ [غافر/ 46]. قيل: و آلُ النبي عليه الصلاة و السلام أقاربه، و قيل: المختصون به من حيث العلم، و ذلك أنّ أهل الدين ضربان:
- ضرب متخصص بالعلم المتقن و العمل المحكم فيقال لهم: آلُ النبي و أمته.
- و ضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد، يقال لهم: أُمَّةُ محمد عليه الصلاة و السلام، و لا يقال لهم آله، فكلّ آل للنبيّ أمته و ليس كل أمة له آله.
و
قِيلَ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: النَّاسُ يَقُولُونَ: الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ آلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ:
كَذَبُوا وَ صَدَقُوا، فَقِيلَ لَهُ: مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ:
كَذَبُوا فِي أَنَّ الْأُمَّةَ كَافَّتَهُمْ آلُهُ، وَ صَدَقُوا فِي أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا بِشَرَائِطِ شَرِيعَتِهِ آلُهُ.
و قوله تعالى: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [غافر/ 28] أي: من المختصين به و بشريعته، و جعله منهم من حيث النسب أو المسكن، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم.
__________________________________________________
(1) قال ابن منظور: و آد العود يئوده أودا: إذا حناه.
(2) قال سيبويه: أصل الآل أهل، و قال الكسائي: أصله أول، و في ذلك يقول بعضهم:
قال الإمام سيبويه العدل الأصل في آل لديهم أهل
فأبدلوا إلها همزة و الهمزا قد أبدلوها ألفا و يعزى
إلى الكسائي أنّ الأصل أول و الواو منها ألفا قد أبدلوا
و شاهد لأول أهيل و شاهد لآخر أويل.
(3) أحد سادات أهل البيت توفي 148 ه. راجع: الوفيات لابن قنفذ ص 127، و شذرات الذهب 1/ 220.
98
مفردات ألفاظ القرآن
آل ص 98
و قيل في جبرائيل و ميكائيل: إنّ إيل اسم اللّه تعالى «1»، و هذا لا يصح بحسب كلام العرب، لأنه كان يقتضي أن يضاف إليه فيجرّ إيل، فيقال:
جبرإيل.
و آلُ الشخص: شخصه المتردد. قال الشاعر:
33-
و لم يبق إلّا آلُ خيم منضّد «2»
و الْآلُ أيضا: الحال التي يَئُولُ إليها أمره، قال الشاعر:
34-
سأحمل نفسي على آلَةٍ فإمّا عليها و إمّا لها «3»
و قيل لما يبدو من السراب: آلٌ، و ذلك لشخص يبدو من حيث المنظر و إن كان كاذبا، أو لتردد هواء و تموّج فيكون من: آلَ يَئُولُ.
و آلَ اللبن يَئُولُ: إذا خثر «4»، كأنّه رجوع إلى نقصان، كقولهم في الشيء الناقص: راجع.
التَّأْوِيلُ من الأول، أي: الرجوع إلى الأصل، و منه: الْمَوْئِلُ للموضع الذي يرجع إليه، و ذلك هو ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا، ففي العلم نحو: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
[آل عمران/ 7]، و في الفعل كقول الشاعر:
35-
و للنّوى قبل يوم البين تَأْوِيلٌ «5»
و قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ
[الأعراف/ 53] أي: بيانه الذي غايته المقصودة منه.
و قوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا*
[النساء/ 59] قيل: أحسن معنى و ترجمة، و قيل: أحسن ثوابا في الآخرة.
و الأَوْلُ: السياسة التي تراعي مآلها، يقال:
أُلْنَا و إِيلَ علينا «6»
__________________________________________________
(1) قيل ذلك و لكنه اسم اللّه في اللغة السريانية. و قد روي عن ابن عباس أنه قال: جبريل كقولك: عبد اللّه، جبر:
عبد، و إيل: اللّه. و جاء مرفوعا فيما أخرجه الديلمي عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «اسم جبريل عبد اللّه، و إسرافيل عبد الرحمن». راجع: الدر المنثور 1/ 225، و العين 8/ 357.
(2) العجز لزهير بن أبي سلمى من قصيدة له يمدح بها هرم بن سنان، و صدره:
أربّت بها الأرواح كلّ عشية
انظر: ديوانه ص 19.
(3) الرجز في اللسان (أول) 11/ 39 بلا نسبة، و هو للخنساء في ديوانها ص 121، و الخصائص 2/ 271.
(4) انظر: اللسان 11/ 35.
(5) العجز لعبدة بن الطبيب و أوله:
و للأحبّة أيّام تذكّرها
من قصيدته المفضلية و هو في المفضليات ص 136.
(6) و هذا من كلام عمر بن الخطاب، و قاله زياد بن أبيه في خطبته أيضا. انظر نثر الدر 2/ 40، و أمثال أبي عبيد ص 106.
99
مفردات ألفاظ القرآن
آل ص 98
و أَوَّلُ قال الخليل «1»: تأسيسه من همزة و واو و لام، فيكون فعّل، و قد قيل: من واوين و لام، فيكون أفعل، و الأول أفصح لقلّة وجود ما فاؤه و عينه حرف واحد، كددن، فعلى الأول يكون من: آل يؤول، و أصله: آول، فأدغمت المدة لكثرة الكلمة.
و هو في الأصل صفة لقولهم في مؤنّثه:
أُولَى، نحو: أخرى.
فَالْأَوَّلُ: هو الذي يترتّب عليه غيره، و يستعمل على أوجه:
أحدها: المتقدّم بالزمان كقولك: عبد الملك أَوَّلًا ثم المنصور.
الثاني: المتقدّم بالرئاسة في الشيء، و كون غيره محتذيا به. نحو: الأمير أَوَّلًا ثم الوزير.
الثالث: المتقدّم بالوضع و النسبة، كقولك للخارج من العراق: القادسية أَوَّلًا ثم فيد، و تقول للخارج من مكة: فيد أَوَّلًا ثم القادسية.
الرابع: المتقدّم بالنظام الصناعي، نحو أن يقال: الأساس أَوَّلًا ثم البناء.
و إذا قيل في صفة اللّه: هو الْأَوَّلُ فمعناه: أنه الذي لم يسبقه في الوجود شيء «2»، و إلى هذا يرجع قول من قال: هو الذي لا يحتاج إلى غيره، و من قال: هو المستغني بنفسه. و قوله تعالى: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام/ 163]، وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف/ 143] فمعناه: أنا المقتدى بي في الإسلام و الإيمان، و قال تعالى: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ [البقرة/ 41] أي: لا تكونوا ممّن يقتدى بكم في الكفر. و يستعمل «أَوَّلُ» ظرفا فيبنى على الضم، نحو جئتك أَوَّلُ، و يقال:
بمعنى قديم، نحو: جئتك أَوَّلًا و آخرا، أي:
قديما و حديثا. و قوله تعالى: أَوْلى لَكَ فَأَوْلى* [القيامة/ 34] كلمة تهديد «3» و تخويف يخاطب بها من أشرف على هلاك فيحثّ بها على التحرز، أو يخاطب بها من نجا ذليلا منه فينهى عن مثله ثانيا، و أكثر ما يستعمل مكرّرا، و كأنه حثّ على تأمّل ما يؤول إليه أمره ليتنبّه للتحرز منه.
أيم
الْأَيَامَى: جمع أَيِّمٍ، و هي المرأة التي لا بعل لها، و قد قيل للرجل الذي لا زوج له، و ذلك على طريق التشبيه بالمرأة فيمن لا غناء عنه لا على التحقيق.
و المصدر: الْأَيْمَةُ، و قد آمَ الرجل و آمَتِ المرأة، و تَأَيَّمَ و تَأَيَّمَتْ، و امرأة أَيِّمَةٌ و رجل أَيِّمٌ، و الحرب مَأْيَمَةٌ، أي: يفرق بين الزوج و الزوجة، و الْأَيِّمُ: الحيّة.
__________________________________________________
(1) العين 8/ 368.
(2) و قال الحليمي: الأوّل هو الذي لا قبل له. راجع الأسماء و الصفات للبيهقي ص 25.
(3) راجع: حروف المعاني للزجاجي ص 12.
100
مفردات ألفاظ القرآن
أين ص 101
أين
أَيْنَ لفظ يبحث به عن المكان، كما أنّ «متى» يبحث به عن الزمان، و الْآن: كل زمان مقدّر بين زمانين ماض و مستقبل، نحو: أنا الآن أفعل كذا، و خصّ الآن بالألف و اللام المعرّف بهما و لزماه، و افعل كذا آوِنَةً، أي: وقتا بعد وقت، و هو من قولهم: الآن.
و قولهم: هذا أَوَانُ ذلك، أي: زمانه المختص به و بفعله.
قال سيبويه «1» رحمه اللّه تعالى: الْآنَ آنُكَ، أي: هذا الوقت وقتك.
و آنَ يَئُونُ، قال أبو العباس «2» رحمه اللّه:
ليس من الأوّل، و إنما هو فعل على حدته.
و الْأَيْنُ: الإعياء، يقال: آنَ يَئِينُ أَيْناً، و كذلك: أَنَى يَأْنِي أَنْياً: إذا حان.
و أمّا بلغ إناه فقد قيل: هو مقلوب من أنى، و قد تقدّم.
قال أبو العباس: قال قوم: آنَ يَئِينُ أَيْناً، و الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء، و أصله: حان يحين حينا، قال: و أصل الكلمة من الحين.
أوَّه
الْأَوَّاهُ: الذي يكثر التَّأَوُّهَ، و هو أن يقول: أَوَّهْ أَوَّهْ، و كل كلام يدل على حزن يقال له: التَّأَوُّهُ، و يعبّر بِالْأَوَّاهِ عمّن يظهر خشية اللّه تعالى، و قيل في قوله تعالى: أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود/ 75] أي:
المؤمن الداعي، و أصله راجع إلى ما تقدّم.
قال أبو العباس «3» رحمه اللّه: يقال: إِيهاً: إذا كففته، و وَيْهاً: إذا أغريته، و وَاهاً: إذا تعجّبت منه.
أي
أَيُّ في الاستخبار موضوع للبحث عن بعض الجنس و النوع و عن تعيينه، و يستعمل ذلك في الخبر و الجزاء، نحو: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الإسراء/ 110]، و أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ [القصص/ 28] و الْآيَةُ: هي العلامة الظاهرة، و حقيقته لكل شيء ظاهر، و هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره، فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته، إذ كان حكمهما سواء، و ذلك ظاهر في المحسوسات و المعقولات، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق، و كذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنّه لا بدّ له من صانع.
و اشتقاق الْآيَةِ إمّا من أيّ فإنها هي التي تبيّن أيّا من أيّ، أو من قولهم: أوى إليه.
و الصحيح أنها مشتقة من التَّأَيِّي الذي هو
__________________________________________________
(1) راجع: أخباره في إنباه الرواة 2/ 346.
(2) هو أحمد بن يحيى، المعروف بثعلب، المتوفى سنة 291.
(3) انظر مجالس ثعلب 1/ 228.
101
مفردات ألفاظ القرآن
أي ص 101
التثبت «1» و الإقامة على الشيء.
يقال: تَأَيَّ، أي: ارفق «2»، أو من قولهم:
أوى إليه. و قيل للبناء العالي آيَةٌ، نحو: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ [الشعراء/ 128]. و لكلّ جملة من القرآن دالة على حكم آيَةٌ، سورة كانت أو فصولا أو فصلا من سورة، و قد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي: آيَةٌ.
و على هذا اعتبار آيات السور التي تعدّ بها السورة.
و قوله تعالى: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ [الجاثية/ 3]، فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم، و كذلك قوله:
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ [العنكبوت/ 49]، و كذا قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [يوسف/ 105]، و ذكر في مواضع آية و في مواضع آيات، و ذلك لمعنى مخصوص «3» ليس هذا الكتاب موضع ذكره.
و إنما قال: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً [المؤمنون/ 50] و لم يقل: آيَتَيْنِ «4»، لأنّ كل واحد صار آية بالآخر. و قوله عزّ و جل: وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء/ 59] فَالْآيَاتُ هاهنا قيل: إشارة إلى الجراد و القمل و الضفادع، و نحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة، فنبّه أنّ ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفا، و ذلك أخسّ المنازل للمأمورين، فإنّ الإنسان يتحرّى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء:
- إمّا أن يتحراه لرغبة أو رهبة، و هو أدنى منزلة.
- و إمّا أن يتحراه لطلب محمدة.
- و إمّا أن يتحراه للفضيلة، و هو أن يكون ذلك الشيء فاضلا في نفسه، و ذلك أشرف المنازل.
فلمّا كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران/ 110] رفعهم عن هذه المنزلة، و نبّه أنه لا يعمّهم بالعذاب و إن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون:
فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال/ 32].
و قيل: الْآيَاتُ إشارة إلى الأدلة، و نبّه أنه يقتصر معهم على الأدلة، و يصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عزّ و جل:
__________________________________________________
(1) قال ابن منظور: يقال: قد تأييت أي: تلبّثت و تحبّست.
(2) و التأيّي: التنظر و التؤدة، يقال: تأيّا الرجل: إذا تأنّى في الأمر.
(3) و قد بسط الكلام على ذلك الإسكافي في درّة التنزيل و غرّة التأويل، انظر: ص 435- 436.
(4) قال ابن عرفة: و لم يقل آيتين لأن قصتهما واحدة.
102
مفردات ألفاظ القرآن
أي ص 101
يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ* [العنكبوت/ 54].
و في بناء آيَةٍ ثلاثة أقوال: قيل: هي فعلة «1»، و حقّ مثلها أن يكون لامه معلّا دون عينه، نحو:
حياة و نواة، لكن صحّح لامه لوقوع الياء قبلها، نحو: راية. و قيل: هي فعلة «2» إلا أنها قلبت كراهة التضعيف كطائي في طيّئ. و قيل: هي فاعلة، و أصلها: آيية، فخفّفت فصار آية، و ذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها: أُيَيَّةٌ، و لو كانت فاعلة لقيل: أويّة «3».
و أَيَّانَ عبارة عن وقت الشيء، و يقارب معنى متى، قال تعالى: أَيَّانَ مُرْساها* [الأعراف/ 187]، أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ [الذاريات/ 12] من قولهم: أي، و قيل: أصله: أيّ أوان، أي:
أيّ وقت، فحذف الألف ثم جعل الواو ياء فأدغم فصار أيّان. و:
و إِيَّا لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عمّا يتصل به، و ذلك يستعمل إذا تقدّم الضمير، نحو: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة/ 4] أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا، نحو:
نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ [الإسراء/ 31]، و نحو:
وَ قَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء/ 23].
و إي
و إِي كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدّم «4»، نحو:
إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ [يونس/ 53].
و «أَيَا» و «أَيْ» و «أ» من حروف النداء، تقول: أي زيد، و أيا زيد و أ زيد. و:
أَيْ كلمة ينبّه بها أنّ ما يذكر بعدها شرح و تفسير لما قبلها.
أوى
المَأْوَى مصدر أَوَى يَأْوِي أُوِيّاً و مَأْوًى، تقول:
أَوَى إلى كذا: انضمّ إليه يَأْوِي أُوِيّاً و مَأْوًى، و آوَاهُ غيره يُؤْوِيهِ إِيوَاءً.
__________________________________________________
(1) و هذا قول الخليل، و اختاره المبرد في المقتضب 1/ 289.
(2) و هذا أصح الأقوال، و هو قول سيبويه، انظر: الكتاب 4/ 398، و المسائل الحلبيات ص 335.
(3) و في هذا يقول العلامة سيدنا بن الشيخ سيديّ الكبير الشنقيطي:
في آية خلف على أقوال ما وزنها من قبل ذا الإعلال
فقيل: أيّة و قيل: أييه و قيل: بل أيية أو أييه
كتوبة نبقة و سمره قصبة و ذا الخليل شهّره
و عندهم أنّ المعلّ الأول كما هم في غاية قد جعلوا
و قيل: بل آيية كفاعلة و حذف العين و لا موجب له.
(4) و لا تقع إلا قبل القسم.
103
مفردات ألفاظ القرآن
أوى ص 103
قال عزّ و جلّ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ [الكهف/ 10]، و قال: سَآوِي إِلى جَبَلٍ [هود/ 43]، و قال تعالى: آوى إِلَيْهِ أَخاهُ [يوسف/ 69]، و قال: تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [الأحزاب/ 51]، وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ [المعارج/ 13]، و قوله تعالى: جَنَّةُ الْمَأْوى [النجم/ 15]، كقوله: دارُ الْخُلْدِ [فصلت/ 28] في كون الدار مضافة إلى المصدر، و قوله تعالى: مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ* [آل عمران/ 197] اسم للمكان الذي يأوي إليه.
و أَوَيْتُ له: رحمته، أَوِيّاً و أَيَّةً و مَأْوِيَةً، و مَأْوَاةً «1».
و تحقيقه: رجعت إليه بقلبي و آوى إِلَيْهِ أَخاهُ [يوسف/ 69] أي: ضمّه إلى نفسه.
يقال: أَوَاهُ و آوَاهُ. و الْمَاوِيَّةُ في قول حاتم طيئ:
36-
أ مَاوِيَّ إنّ المال غاد و رائح «2»
المرآة فقد قيل: هي من هذا الباب، فكأنها سميت بذلك لكونها مأوى الصورة.
و قيل: هي منسوبة للماء، و أصلها مائية، فجعلت الهمزة واوا.
أ
الألفات التي تدخل لمعنى على ثلاثة أنواع:
- نوع في صدر الكلام.
- و نوع في وسطه.
- و نوع في آخره «3».
فالذي في صدر الكلام أضرب:
- الأوّل: ألف الاستخبار، و تفسيره بالاستخبار أولى من تفسيره بالاستفهام، إذ كان ذلك يعمّه و غيره نحو: الإنكار و التبكيت و النفي و التسوية.
فالاستفهام نحو قوله تعالى: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
[البقرة/ 30]، و التبكيت إمّا للمخاطب أو لغيره نحو: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ [الأحقاف/ 20]، أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً [البقرة/ 80]، آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ [يونس/ 91]، أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ [آل عمران/ 144]، أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ [الأنبياء/ 34]، أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً [يونس/ 2]، آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ* [الأنعام/ 144].
و التسوية نحو: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ
__________________________________________________
(1) انظر: الأفعال 1/ 119، و اللسان (أوى) 14/ 53.
(2) هذا شطر بيت، و عجزه:
و يبقى من المال الأحاديث و الذكر
و هو في ديوانه ص 50.
(3) و قد عدّ الفيروزآبادي للألف في القرآن و لغة العرب: أربعين وجها، راجع البصائر 2/ 5.
و قال ابن خالويه: و هي تنقسم سبعة و سبعين قسما. راجع: الألفات له ص 15.
104
مفردات ألفاظ القرآن
أ ص 104
صَبَرْنا [إبراهيم/ 21]، سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ*
[البقرة/ 6] «1»، و هذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفيا، نحو: أ خرج؟ هذا اللفظ ينفي الخروج، فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدّم.
و إذا دخلت على نفي تجعله إثباتا، لأنه يصير معها نفيا يحصل منهما إثبات، نحو: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف/ 172] «2»، أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ [التين/ 8]، أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
[الرعد/ 41]، أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ [طه/ 133] أَ وَ لا يَرَوْنَ [التوبة:
126]، أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ [فاطر/ 37].
- الثاني: ألف المخبر عن نفسه «3»، نحو:
أسمع و أبصر.
- الثالث: ألف الأمر، قطعا كان أو وصلا، نحو: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة/ 114] ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم/ 11] و نحوهما.
- الرابع: الألف مع لام التعريف «4»، نحو:
العالمين.
- الخامس: ألف النداء، نحو: أ زيد، أي: يا زيد.
و النوع الذي في الوسط: الألف التي للتثنية، و الألف في بعض الجموع في نحو: مسلمات و نحو مساكين.
و النوع الذي في آخره: ألف التأنيث في حبلى و بيضاء «5»، و ألف الضمير في التثنية، نحو:
اذهبا.
و الذي في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الأبيات، نحو: وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب/ 10]، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب/ 67]، لكن هذه الألف لا تثبت معنى، و إنما ذلك لإصلاح اللفظ.
تمّ كتاب الألف
__________________________________________________
(1) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 10.
(2) انظر: البصائر 2/ 10.
(3) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 7.
(4) راجع: الألفات ص 51، و البصائر 2/ 9.
(5) انظر: البصائر 2/ 8.
105
مفردات ألفاظ القرآن
كتاب الباء
كتاب الباء
بتك
الْبَتْكُ يقارب البتّ، لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء و الشعر، يقال: بَتَكَ شعره و أذنه.
قال اللّه تعالى: فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ
[النساء/ 119]، و منه سيف بَاتِكٌ «1»: قاطع للأعضاء، و بَتَّكْتُ الشعر: تناولت قطعة منه، و الْبَتْكَةُ: القطعة المنجذبة، جمعها بِتَكٌ، قال الشاعر:
37-
طارت و في كفّه من ريشها بِتَكٌ «2»
و أمّا الْبَتُّ فيقال في قطع الحبل و الوصل، و يقال: طلقت المرأة بتّة و بتلة «3»، و بتتّ الحكم بينهما، و
رُوِيَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَتِّتِ الصَّوْمَ مِنَ اللَّيْلِ» «4».
و الْبَشْكُ مثله، يقال في قطع الثوب، و يستعمل في الناقة السريعة، ناقة بَشْكَى «5»، و ذلك لتشبيه يدها في السرعة بيد الناسجة في نحو قول الشاعر «6»:
__________________________________________________
(1) انظر: أساس البلاغة ص 14.
(2) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، و صدره:
حتى إذا ما هوت كفّ الوليد لها
و هو في ديوانه ص 50، و أساس البلاغة ص 14، و المجمل 1/ 115، و الغريبين 1/ 131، و مثلث البطليوسي 2/ 306.
(3) راجع اللسان (بتل) 11/ 42.
(4) الحديث أخرجه الدارقطني 2/ 172 بلفظ: «لم يبيّت» و أخرجه أصحاب السنن و إسناده صحيح إلا أنه اختلف في رفعه و وقفه، و صوّب النسائي وقفه، و سيأتي الكلام عليه ثانية. انظر سنن النسائي 4/ 196.
(5) انظر: المجمل 1/ 126.
(6) البيت للمسيب بن علس شاعر جاهلي، و هو خال الأعشى و البيت من مفضليته التي مطلعها:
أرحلت من سلمى بغير متاع قبل العطاس و رعتها بوداع
و هو في المفضليات ص 62، و شرح المفضليات للتبريزي 1/ 313.
106
مفردات ألفاظ القرآن
بتك ص 106
38-
فعل السريعة بادرت جدّادها قبل المساء تهمّ بالإسراع
بتر
الْبَتْرُ يقارب ما تقدّم، لكن يستعمل في قطع الذّنب، ثم أجري قطع العقب مجراه.
فقيل: فلان أَبْتَرُ: إذا لم يكن له عقب يخلفه، و رجل أَبْتَرُ و أُبَاتِرٌ: انقطع ذكره عن الخير و رجل أُبَاتِرٌ: يقطع رحمه، و قيل على طريق التشبيه:
خطبة بَتْرَاءُ لما لم يذكر فيها اسم اللّه تعالى.
و ذلك
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُلُّ أَمْرٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» «1».
و قوله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ 3] أي: المقطوع الذكر، و ذلك أنهم زعموا أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و سلم ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله، فنبّه تعالى أنّ الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه، فأمّا هو فكما وصفه اللّه تعالى بقوله: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح/ 4] و ذلك لجعله أبا للمؤمنين، و تقييض من يراعيه و يراعي دينه الحق، و إلى هذا المعنى
أَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وَ آثَارُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ» «2».
هذا في العلماء الذين هم تبّاع النبي عليه الصلاة و السلام، فكيف هو و قد رفع اللّه عزّ و جل ذكره، و جعله خاتم الأنبياء عليه و عليهم أفضل الصلاة و السلام؟!
بتل
قال تعالى: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل/ 8] أي: انقطع في العبادة و إخلاص النية انقطاعا يختص به، و إلى هذا المعنى أشار بقوله عزّ و جل: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام/ 91] و ليس هذا منافيا
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:
«لَا رَهْبَانِيَّةَ وَ لَا تَبَتُّلَ فِي الْإِسْلَامِ» «3».
فإنّ التَّبَتُّلَ هاهنا هو الانقطاع عن النكاح، و منه قيل لمريم:
العذراء الْبَتُولُ، أي: المنقطعة عن الرجال «4»، و الانقطاع عن النكاح و الرغبة عنه محظور لقوله عزّ و جل: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ [النور/ 32]،
__________________________________________________
(1) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر اللّه عزّ و جلّ فهو أبتر، أو قال: أقطع» أخرجه أحمد في المسند 2/ 359. و ابن ماجة 1/ 610، و حسّنه النووي و ابن الصلاح.
(2) انظر: شرح نهج البلاغة 2/ 172.
(3) قال ابن حجر في الفتح: لم أره بهذا اللفظ، لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني: «إنّ اللّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة»، و في الحديث: نهى رسول اللّه عن التبتل أخرجه أحمد 1/ 175، و ابن ماجة 1/ 593.
راجع فتح الباري 9/ 111، و ذكره السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: «و لا ترهّب في الإسلام» و نسبه إلى عبد الرزاق عن طاوس مرسلا. راجع شرح السنة 2/ 371، و ذكره البغوي و لم يعزه.
(4) راجع المجمل 1/ 115، و الغريبين 1/ 132، و اللسان (بتل).
107
مفردات ألفاظ القرآن
بتل ص 107
و
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «1».
و نخلة مُبْتِلٌ: إذا انفرد عنها صغيرة معها «2».
بث
أصل الْبَثِّ: التفريق و إثارة الشيء كبث الريح التراب، و بَثُّ النفس ما انطوت عليه من الغمّ و السّرّ، يقال: بَثَثْتُهُ فَانْبَثَّ، و منه قوله عزّ و جل:
فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [الواقعة/ 6]، و قوله عزّ و جل: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ* [البقرة/ 164] إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجودا و إظهاره إياه. و قوله عزّ و جلّ: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة/ 4] أي: المهيّج بعد ركونه و خفائه.
و قوله عزّ و جل: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي [يوسف/ 86] أي: غمّي الذي أبثّه عن كتمان، فهو مصدر في تقدير مفعول، أو بمعنى: غمّي الذي بثّ فكري، نحو: توزّعني الفكر، فيكون في معنى الفاعل.
بجس
يقال: بَجَسَ الماء و انْبَجَسَ: انفجر، لكن الِانْبِجَاسُ أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق، و الِانْفِجَارُ يستعمل فيه و فيما يخرج من شيء واسع، و لذلك قال عزّ و جل: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً
[الأعراف/ 160]، و قال في موضع آخر: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة/ 60]، فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان «3»، قال تعالى: وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الكهف/ 33]، و قال:
وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً [القمر/ 12] و لم يقل: بجسنا.
بحث
البَحْثُ: الكشف و الطلب، يقال: بَحَثْتُ عن الأمر، و بحثت كذا، قال اللّه تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ [المائدة/ 31].
و قيل: بَحَثَتِ الناقةُ الأرض برجلها في السير: إذا شددت الوطء تشبيها بذلك.
بحر
أصل الْبَحْرُ: كل مكان واسع جامع للماء الكثير، هذا هو الأصل، ثم اعتبر تارة سعته
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عمر، و إسناده ضعيف، و عبد الرزاق عن سعيد بن أبي هلال مرسلا، و البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه بلغه، و فيه زيادة: «حتى بالسقط». راجع تخريج أحاديث الإحياء في الإحياء 2/ 22، و الفتح الكبير 2/ 38، و فتح الباري 9/ 111، و مصنف عبد الرزاق 6/ 173.
(2) قال الأصمعي: المبتل: «النخلة يكون لها فسيلة قد انفردت و استغنت عن أمها، فيقال لتلك الفسيلة: البتول.
(3) قال أبو جعفر بن الزبير: إنّ الواقع في الأعراف طلب بني إسرائيل من موسى عليه السلام السقيا، و الوارد في البقرة طلب موسى عليه السلام من ربّه، فطلبهم ابتداء فأشبه الابتداء، و طلب موسى غاية لطلبهم لأنه واقع بعده و مرتب عليه، فأشبه الابتداء الابتداء و الغاية الغاية، فقيل جوابا لطلبهم فانبجست، و قيل إجابة لطلبه: فانفجرت، و تناسب على ذلك. و قال: الانبجاس: ابتداء الانفجار، و الانفجار بعده غاية له. راجع ملاك التأويل 1/ 67- 68.
108
مفردات ألفاظ القرآن
بحر ص 108
المعاينة، فيقال: بَحَرْتُ كذا: أوسعته سعة البحر، تشبيها به، و منه: بَحَرْتُ البعير: شققت أذنه شقا واسعا، و منه سميت الْبَحِيرَةُ. قال تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ [المائدة/ 103]، و ذلك ما كانوا يجعلونه بالناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها فيسيبونها، فلا تركب و لا يحمل عليها، و سموا كلّ متوسّع في شيء بَحْراً، حتى قالوا: فرس بحر، باعتبار سعة جريه، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي فَرَسٍ رَكِبَهُ: «وَجَدْتُهُ بَحْراً» «1».
و للمتوسع في علمه بحر، و قد تَبَحَّرَ أي: توسع في كذا، و التَّبَحُّرُ في العلم: التوسع و اعتبر من البحر تارة ملوحته فقيل: ماء بَحْرَانِيٌّ، أي: ملح، و قد أَبْحَرَ الماء. قال الشاعر:
39-
قد عاد ماء الأرض بَحْراً فزادني إلى مرضي أن أَبْحَرَ المشرب العذب «2»
و قال بعضهم: الْبَحْرُ يقال في الأصل للماء الملح دون العذب «3»، و قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ [الفرقان/ 53] إنما سمي العذب بحرا لكونه مع الملح، كما يقال للشمس و القمر: قمران، و قيل السحاب الذي كثر ماؤه: بنات بَحْرٍ «4».
و قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [الروم/ 41] قيل: أراد في البوادي و الأرياف لا فيما بين الماء، و قولهم: لقيته صحرة بَحْرَةً، أي: ظاهرا حيث لا بناء يستره.
بخل
الْبُخْلُ: إمساك المقتنيات عمّا لا يحق حبسها عنه، و يقابله الجود، يقال: بَخِلَ فهو بَاخِلٌ، و أمّا الْبَخِيلُ فالذي يكثر منه البخل، كالرحيم من الراحم.
و الْبُخْلُ ضربان: بخل بقنيات نفسه، و بخل بقنيات غيره، و هو أكثرها ذمّا، دليلنا على ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ* [النساء/ 37].
__________________________________________________
(1) الحديث: كان فزع بالمدينة فاستعار النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فرسا من أبي طلحة يقال له: المندوب. فركب، فلما رجع قال: «ما رأينا من شيء، و إن وجدناه لبحرا» أخرجه البخاري في الجهاد 6/ 58، و مسلم في باب شجاعة النبي رقم 2307، و أحمد 2/ 163.
(2) البيت لنصيب. و هو في الغريبين 1/ 140، و المجمل 1/ 117، و اللسان و التاج (بحر)، و شمس العلوم 1/ 135، و ديوان الأدب 2/ 294.
(3) و هذا قول نفطويه، حيث قال: كل ماء ملح فهو بحر و قول الأموي كذا. راجع الغريبين 1/ 140، و اللسان (بحر).
(4) و نقل هذا أيضا الأزهري عن الليث، ثم قال الأزهري: و هذا تصحيف منكر، و الصواب: بنات بحر. قال أبو عبيد؟؟
عن الأصمعي: يقال لسحائب يأتين قبل الصيف منتصبات: بنات بخر، و بنات مخر بالباء و الميم و الخاء، فقد تصحفت على المؤلف. راجع: اللسان (بحر) 4/ 46.
و قال ابن فارس: و بنات بخر: سحائب بيض تكون في الصيف. راجع المجمل 1/ 117.
109
مفردات ألفاظ القرآن
بخس ص 110
بخس
الْبَخْسُ: نقص الشيء على سبيل الظلم، قال تعالى: وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ [هود/ 15]، و قال تعالى: وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ* [الأعراف/ 85]، و الْبَخْسُ و الْبَاخِسُ: الشيء الطفيف الناقص، و قوله تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف/ 20] قيل: معناه: بَاخِسٌ، أي: ناقص، و قيل: مَبْخُوسٌ أي: منقوص، و يقال: تَبَاخَسُوا أي: تناقصوا و تغابنوا فبخس بعضهم بعضا.
بخع
الْبَخْعُ: قتل النفس غمّا، قال تعالى:
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ
[الكهف/ 6] حثّ على ترك التأسف، نحو: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ [فاطر/ 8]. قال الشاعر:
40-
ألا أيهذا الْبَاخِعُ الوجد نفسه «1»
و بَخَعَ فلان بالطاعة و بما عليه من الحق: إذا أقرّ به و أذعن مع كراهة شديدة تجري مجرى بَخَعَ نفسه في شدته.
بدر
قال تعالى: وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً [النساء/ 6] أي: مسارعة، يقال: بَدَرْتُ إليه و بَادَرْتُ، و يعبّر عن الخطأ الذي يقع عن حدّة:
بَادِرَةٌ «2». يقال: كانت من فلان بَوَادِرُ في هذا الأمر، و البَدْرُ قيل سمّي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع، و قيل: لامتلائه تشبيها بالبَدْرَةِ «3»، فعلى ما قيل يكون مصدرا في معنى الفاعل، و الأقرب عندي أن يجعل البدر أصلا في الباب، ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه، فيقال تارة: بَدَرَ كذا، أي: طلع طلوع البدر، و يعتبر امتلاؤه تارة فشبّه البدرة به. و الْبَيْدَرُ: المكان المرشح لجمع الغلّة فيه و ملئه منه لامتلائه من الطعام. قال تعالى: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران/ 123]، و هو موضع مخصوص بين مكة و المدينة.
بدع
الْإِبْدَاعُ: إنشاء صنعة بلا احتذاء و اقتداء، و منه قيل: ركيّة بَدِيعٌ أي: جديدة الحفر «4»، و إذا استعمل في اللّه تعالى فهو إيجاد الشيء بغير آلة
__________________________________________________
(1) الشطر لذي الرّمة، و تتمته:
بشيء نحته عن يديك المقادر
و هو في ديوانه ص 338، و لسان العرب (بخع).
(2) قال ابن منظور: و البادرة: الحدّة، و هو ما يبدر من حدّة الرجل عند غضبه من قول أو فعل.
(3) البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم، سميت ببدرة السخلة.
(4) انظر: اللسان (بدع).
110
مفردات ألفاظ القرآن
بدع ص 110
و لا مادّة و لا زمان و لا مكان، و ليس ذلك إلا للّه «1».
و الْبَدِيعُ يقال لِلْمُبْدِعِ «2»، نحو قوله تعالى:
بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [البقرة/ 117]، و يقال لِلْمُبْدَعِ نحو: ركيّة بَدِيعٌ، و كذلك الْبِدْعُ يقال لهما جميعا بمعنى الفاعل و المفعول، و قوله تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف/ 9] قيل: معناه: مبدعا لم يتقدّمني رسول، و قيل: مبدعا فيما أقوله.
و الْبِدْعَةُ في المذهب: إيراد قول لم يستنّ قائلها و فاعلها فيه بصاحب الشريعة و أماثلها المتقدمة و أصولها المتقنة، و
رُوِيَ: «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَ كُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» «3».
و الْإِبْدَاعُ بالرّجل: الانقطاع به لما ظهر من كلال راحلته و هزالها «4».
بدل
الْإِبْدَالُ و التَّبْدِيلُ و التَّبَدُّلُ و الِاسْتِبْدَالُ: جعل شيء مكان آخر، و هو أعمّ من العوض، فإنّ الْعِوَضُ هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول، و التَّبْدِيلُ قد يقال للتغيير مطلقا و إن لم يأت ببدله، قال تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ [البقرة/ 59]، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور/ 55] و قال تعالى:
فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان/ 70] قيل: أن يعملوا أعمالا صالحة تبطل ما قدّموه من الإساءة، و قيل: هو أن يعفو تعالى عن سيئاتهم و يحتسب بحسناتهم «5».
و قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ [البقرة/ 181]، وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ [النحل/ 101]، وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ [سبأ/ 16]، ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ [الأعراف/ 95]، يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم/ 48] أي: تغيّر عن حالها، أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ [غافر/ 26]، وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ [البقرة/ 108]، وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ [محمد/ 38]، و قوله:
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ [ق/ 29] أي: لا يغيّر ما سبق في اللوح المحفوظ، تنبيها على أنّ ما علمه أن سيكون يكون على ما قد علمه لا يتغيّر
__________________________________________________
(1) راجع: الأسماء و الصفات للبيهقي ص 40.
(2) انظر: المدخل لعلم التفسير ص 237.
(3) الحديث في مسلم، و روايته: «و شرّ الأمور محدثاتها، و كل بدعة ضلالة» فقط. و رقمه 867 في كتاب الجمعة.
و الحديث برواية المؤلف أخرجه النسائي 3/ 189 عن جابر بن عبد اللّه، و أخرجه أحمد في المسند 4/ 126 دون زيادة «و كل ضلالة في النار».
(4) قال في اللسان: و أبدع به: كلّت راحلته أو عطبت، و بقي منقطعا به و قسر عليه ظهره.
(5) راجع الدر المنثور 6/ 280.
111
مفردات ألفاظ القرآن
بدل ص 111
عن حاله. و قيل: لا يقع في قوله خلف.
و على الوجهين قوله تعالى: لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ [يونس/ 64]، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم/ 30] قيل: معناه أمر و هو نهي عن الخصاء. و الْأَبْدَالُ: قوم صالحون يجعلهم اللّه مكان آخرين مثلهم ماضين «1».
و حقيقته: هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة، و هم المشار إليهم بقوله تعالى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ [الفرقان/ 70].
و الْبَأْدَلَةُ: ما بين العنق إلى الترقوة، و الجمع:
الْبَئَادِلُ «2»، قال الشاعر:
41-
و لا رهل لبّاته و بَآدِلُهُ «3»
بدن
الْبَدَنُ: الجسد، لكن البدن يقال اعتبارا بعظم الجثة، و الجسد يقال اعتبارا باللون، و منه قيل:
ثوب مجسّد، و منه قيل: امرأة بَادِنٌ و بَدِينٌ:
عظيمة البدن، و سميت الْبَدَنَةُ بذلك لسمنها يقال: بَدَنَ إذا سمن، و بَدَّنَ كذلك، و قيل: بل بَدَّنَ إذا أسنّ «4»، و أنشد:
42-
و كنت خلت الشّيب و التَّبْدِينَا «5»
و على ذلك ما
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ فَإِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» «6».
أي: كبرت و أسننت، و قوله تعالى:
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ [يونس/ 92] أي:
بجسدك، و قيل: يعني بدرعك، فقد يسمى
__________________________________________________
(1) و قد أنكر بعض الناس وجودهم، و للسيوطي رسالة في ذلك ذكر الأحاديث و الأخبار الدالة على ذلك. راجع:
الحاوي للفتاوي 2/ 241.
(2) انظر: اللسان (بدل).
(3) هذا عجز بيت ينسب للعجير السلولي و ينسب لأم يزيد بن الطثرية، و شطره:
فتى قدّ قدّ السيف لا متضائل
و هو في اللسان (بدل) بلا نسبة، و المجمل 1/ 119، و شمس العلوم 1/ 141، و الخصائص 1/ 79، و شرح الحماسة 3/ 46.
(4) انظر: المجمل 1/ 119.
(5) الشطر ينسب لحميد الأرقط و ينسب للكميت، و عجزه:
و الهمّ ممّا يذهل القرينا
و هو في شعر الكميت 2/ 19، و اللسان (بدن)، و التاج (بدن)، و المجمل 1/ 119، و المشوف المعلم 1/ 95، و شمس العلوم 1/ 143.
(6) الحديث عن معاوية عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «لا تبادروني بالركوع و السجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت، و مهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني إذا رفعت، فإني قد بدّنت»، و يروى «بدنت» الحديث حسن و قد أخرجه أحمد 4/ 92، و أبو داود (619)، و ابن ماجة (963)، و أخرجه ابن حبان (انظر: الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/ 323). راجع شرح السنة 3/ 415.
112
مفردات ألفاظ القرآن
بدن ص 112
الدرع بدنة لكونها على البدن، كما يسمى موضع اليد من القميص يدا، و موضع الظهر و البطن ظهرا و بطنا، و قوله تعالى: وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ [الحج/ 36] هو جمع البدنة التي تهدى.
بدا
بَدَا الشيء بُدُوّاً و بَدَاءً أي: ظهر ظهورا بيّنا، قال اللّه تعالى: وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر/ 47]، وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا [الزمر/ 48]، فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما [طه/ 121].
و الْبَدْوُ: خلاف الحضر، قال تعالى: وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف/ 100] أي: الْبَادِيَةِ، و هي كلّ مكان يبدو ما يَعِنُّ فيه، أي: يعرض، و يقال للمقيم بالبادية: بَادٍ، كقوله تعالى:
سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ [الحج/ 25]، لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ [الأحزاب/ 20].
بدأ
يقال: بَدَأْتُ بكذا و أَبْدَأْتُ و ابْتَدَأْتُ، أي:
قدّمت، و الْبَدْءُ و الِابْتِدَاءُ: تقديم الشيء على غيره ضربا من التقديم. قال تعالى: وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ [السجدة/ 7]، و قال تعالى:
كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [العنكبوت/ 20]، اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ* [يونس/ 34]، كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ [الأعراف/ 29].
و مَبْدَأُ الشيء: هو الذي منه يتركب، أو منه يكون، فالحروف مبدأ الكلام، و الخشب مبدأ الباب و السرير، و النواة مبدأ النخل، يقال للسيد الذي يبدأ به إذا عدّ السادات: بَدْءٌ.
و اللّه هو الْمُبْدِئُ المعيد «1»، أي: هو السبب في المبدأ و النهاية، و يقال: رجع عوده على بدئه، و فعل ذلك عائدا و بادئا، و معيدا و مبدئا، و أَبْدَأْتُ من أرض كذا، أي: ابتدأت منها بالخروج، و قوله تعالى: بَادِئُ الرأْي [هود/ 27] «2» أي: ما يبدأ من الرأي، و هو الرأي الفطير، و قرئ: بادِيَ «3» بغير همزة، أي:
الذي يظهر من الرأي و لم يروّ فيه، و شيء بَدِيءٌ:
لم يعهد من قبل كالبديع في كونه غير معمول قبل.
و الْبُدْأَةُ: النصيب المبدأ به في القسمة «4»، و منه قيل لكل قطعة من اللحم عظيمة بَدْءٌ.
بذر
التَّبْذِيرُ: التفريق، و أصله إلقاء البذر و طرحه،
__________________________________________________
(1) انظر: الأسماء و الصفات ص 95، و المقصد الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى للغزالي ص 101.
(2) و هذه قراءة أبي عمرو بن العلاء.
(3) و هي قراءة الجميع إلا أبا عمرو. راجع: الإتحاف ص 255.
(4) انظر: المجمل 1/ 119.
113
مفردات ألفاظ القرآن
بذر ص 113
فاستعير لكلّ مضيّع لماله، فتبذير البذر: تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. قال اللّه تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ [الإسراء/ 27]، و قال تعالى: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً [الإسراء/ 26].
برَّ
الْبَرُّ خلاف البحر، و تصوّر منه التوسع فاشتق منه الْبِرُّ، أي: التوسع في فعل الخير، و ينسب ذلك إلى اللّه تعالى تارة نحو: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور/ 28]، و إلى العبد تارة، فيقال: بَرَّ العبد ربه، أي: توسّع في طاعته، فمن اللّه تعالى الثواب، و من العبد الطاعة. و ذلك ضربان:
ضرب في الاعتقاد.
و ضرب في الأعمال، و قد اشتمل عليه قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [البقرة/ 177] و على هذا ما
رُوِيَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَنِ الْبِرِّ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ» «1».
فإنّ الآية متضمّنة للاعتقاد و الأعمال الفرائض و النوافل. و بِرُّ الوالدين: التوسع في الإحسان إليهما، و ضده العقوق، قال تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ [الممتحنة/ 8]، و يستعمل الْبِرُّ في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه، يقال: بَرَّ في قوله، و برّ في يمينه، و قول الشاعر:
43-
أكون مكان الْبِرِّ منه «2»
قيل: أراد به الفؤاد، و ليس كذلك، بل أراد ما تقدّم، أي: يحبّني محبة البر.
و يقال: بَرَّ أباه فهو بَارٌّ و بَرٌّ مثل: صائف و صيف، و طائف و طيف، و على ذلك قوله تعالى: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي [مريم/ 32]. و بَرَّ في يمنيه فهو بَارٌّ، و أَبْرَرْتُهُ، و بَرَّتْ يميني، و حجّ مَبْرُورٌ أي: مقبول، و جمع البارّ: أَبْرَارٌ و بَرَرَةٌ، قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* [الانفطار/ 13]، و قال: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ [المطففين/ 18]، و قال في صفة الملائكة: كِرامٍ بَرَرَةٍ [عبس/ 16].
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه ابن أبي حاتم و صححه عن أبي ذر أنه سأل رسول اللّه عن الإيمان فتلا ليس البرّ ... حتى فرغ منها ثم سأله أيضا فتلاها، ثم سأله فتلاها، و قال: «و إذا عملت حسنة أحبّها قلبك، و إذا عملت سيئة أبغضها قلبك» انظر: الدر المنثور 1/ 410، و المستدرك 2/ 272.
(2) الشطر لخداش بن زهير و هو بتمامه:
أكون مكان البرّ منه و دونه و أجعل مالي دونه و أوامره
و هو في تاج العروس (برّ)، و المجمل 1/ 112، و اللسان (برر)، و ليس في شعره، و ذكر جامع ديوانه بيتا له من نفس القافية و البحر، و هو في شمس العلوم 1/ 123.
114
مفردات ألفاظ القرآن
بر ص 114
فَبَرَرَةٌ خصّ بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار «1»، فإنه جمع برّ، و أَبْرَارٌ جمع بَارّ، و بَرٌّ أبلغ من بَارٍّ، كما أنّ عدلا أبلغ من عادل.
و الْبُرُّ معروف، و تسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء، و الْبَرِيرُ خصّ بثمر الأراك و نحوه، و قولهم: لا يعرف الهرّ من الْبِرِّ «2»
، من هذا. و قيل: هما حكايتا الصوت. و الصحيح أنّ معناه لا يعرف من يبرّه و من يسيء إليه.
و الْبَرْبَرَةُ: كثرة الكلام، و ذلك حكاية صوته.
برج
الْبُرُوجُ: القصور، الواحد: بُرْجٌ، و به سمّي بروج السماء لمنازلها المختصة بها، قال تعالى:
وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ [البروج/ 1]، و قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً [الفرقان/ 61]، و قوله تعالى: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء/ 78] يصح أن يراد بها بروج في الأرض، و أن يراد بها بروج النجم، و يكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة، و تكون الإشارة بالمعنى إلى نحو ما قال زهير:
44-
و من هاب أسباب المنايا ينلنه و لو نال أسباب السّماء بسلّم «3»
و أن يكون البروج في الأرض، و تكون الإشارة إلى ما قال الآخر:
45-
و لو كنت في غمدان يحرس بابه أراجيل أحبوش و أسود آلف
46-
إذا لأتتني حيث كنت منيّتي يخبّ بها هاد لإثري قائف «4»
و ثوب مُبَرَّجٌ: صوّرت عليه بروج، و اعتبر حسنه، فقيل: تَبَرَّجَتِ المرأة أي: تشبّهت به في إظهار المحاسن، و قيل: ظهرت من برجها، أي:
قصرها، و يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى [الأحزاب/ 33]، و قوله: غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ [النور/ 60]، و الْبَرَجُ: سعة العين و حسنها تشبيها بالبرج في الأمرين.
برح
الْبَرَاحُ: المكان المتسع الظاهر الذي لا بناء فيه و لا شجر، فيعتبر تارة ظهوره فيقال: فعل كذا بَرَاحاً، أي: صراحا لا يستره شيء، و بَرِحَ الخفاء: ظهر، كأنه حصل في براح يرى «5»، و منه: بَرَاحُ الدار، و بَرِحَ: ذهب في البراح، و منه: البَارِحُ للريح الشديدة، و البَارِحُ من الظباء و الطير، لكن خصّ البارح بما ينحرف عن الرامي
__________________________________________________
(1) راجع: الإتقان للسيوطي 1/ 253، و البرهان للزركشي 4/ 18.
(2) انظر مجمع الأمثال 2/ 269.
(3) البيت من معلقته، و هو في ديوانه ص 87، و شرح المعلقات 1/ 122.
(4) البيتان لثعلبة بن حزن العبدي، و هما في حماسة البحتري الباب 52، و البصائر 2/ 234، و تفسير الراغب ورقة 279.
(5) انظر: البصائر 2/ 236.
115
مفردات ألفاظ القرآن
برح ص 115
إلى جهة لا يمكنه فيها الرمي فيتشاءم به، و جمعه بَوَارِحُ، و خصّ السّانح بالمقبل من جهة يمكن رميه، و يتيمّن به، و الْبَارِحَةُ: الليلة الماضية، و ما بَرِحَ: ثبت في البراح، و منه قوله عزّ و جلّ: لا أَبْرَحُ
[الكهف/ 60]، و خصّ بالإثبات، كقولهم: لا أزال، لأنّ برح و زال اقتضيا معنى النفي، و «لا» للنفي، و النفيان يحصل من اجتماعهما إثبات، و على ذلك قوله عزّ و جل:
لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ [طه/ 91]، و قال تعالى: لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ [الكهف/ 60]، و لمّا تصوّر من البارح معنى التشاؤم اشتق منه التَّبْرِيحُ و التَّبَارِيحُ فقيل: برّح بي الأمر، و برّح بي فلان في التقاضي، و ضربه ضربا مُبَرِّحاً، و جاء فلان بالبرح، و:
47-
أَبْرَحْتَ ربّا و أَبْرَحْتَ جارا «1»
أي: أكرمت، و قيل للرامي إذا أخطأ: بَرْحَى «2» دعاء عليه، و إذا أصاب: مرحى، دعاء له، و لقيت منه الْبَرَحِينَ «3» و الْبُرَحَاءَ، أي:
الشدائد، و بُرَحَاءُ الحمّى: شدتها.
برد
أصل الْبَرْدُ خلاف الحر، فتارة يعتبر ذاته فيقال: بَرَدَ كذا، أي: اكتسب بردا، و برد الماء كذا، أي: أكسبه بردا، نحو:
48-
سَتُبْرِدُ أكبادا و تبكي بواكيا «4»
و يقال: بَرَّدَهُ أيضا، و قيل: قد جاء أَبْرَدَ، و ليس بصحيح «5»، و منه البَرَّادَة لما يبرّد الماء، و يقال: بَرَدَ كذا، إذا ثبت «6» ثبوت البرد، و اختصاص للثبوت بالبرد كاختصاص الحرارة بالحرّ، فيقال: بَرَدَ كذا، أي: ثبت، كما يقال:
بَرَدَ عليه دين. قال الشاعر:
49-
اليوم يوم بَارِدٌ سمومه «7»
و قال الآخر:
__________________________________________________
(1) هذا عجز بيت للأعشى و صدره:
تقول ابنتي حين جدّ الرحيل
و هو في ديوانه ص 82، و الأفعال 4/ 82، و جمهرة اللغة 1/ 218، و المجمل 1/ 123، و ديوان الأدب 2/ 288.
(2) انظر: المجمل 1/ 123.
(3) البرحين: مثلّثة الباء، أي: الدواهي و الشدائد، و انظر المستقصى 2/ 184.
(4) هذا عجز بيت لمالك بن الريب، و صدره:
و عطّل قلوصي في الركاب فإنها
و هو في المجمل 1/ 124، و اللسان (برد)، و أساس البلاغة ص 19، و شمس العلوم 1/ 152.
(5) قال ابن منظور: و لا يقال أبردته إلا في لغة رديئة.
(6) انظر: الأفعال 4/ 79.
(7) هذا شطر بيت و عجزه:
من جزع اليوم فلا تلومه.
116
مفردات ألفاظ القرآن
برد ص 116
50-
.... قد بَرَدَ المو ت على مصطلاه أيّ بُرُودٍ «1»
أي: ثبت، يقال: لم يَبْرُدْ بيدي شيء، أي:
لم يثبت، و بَرَدَ الإنسان: مات.
و بَرَدَهُ: قتله، و منه: السيوف البَوَارِدُ، و ذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح، أو لما يعرض له من السكون، و قولهم للنوم، بَرْدٌ، إمّا لما يعرض عليه من البرد في ظاهر جلده، أو لما يعرض له من السكون، و قد علم أنّ النوم من جنس الموت لقوله عزّ و جلّ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر/ 42]، و قال: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً
[النبأ/ 24] أي: نوما.
و عيش بَارِدٌ، أي: طيّب، اعتبارا بما يجد الإنسان في اللذة في الحرّ من البرد، أو بما يجد من السكون.
و الْأَبْرَدَانِ: الغداة و العشي، لكونهما أبرد الأوقات في النهار، و الْبَرَدُ: ما يبرد من المطر في الهواء فيصلب، و برد السحاب: اختصّ بالبرد، و سحاب أَبْرَدُ و بَرِدٌ: ذو برد، قال اللّه تعالى:
وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النور/ 43]. و الْبَرْدِيُّ: نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتا به، و
قِيلَ: «أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ» «2».
أي: التخمة، و سميت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الهضم.
و الْبَرُودُ يقال لما يبرد به، و لما يبرد، فيكون تارة فعولا في معنى فاعل، و تارة في معنى مفعول، نحو: ماء برود، و ثغر برود، كقولهم للكحل: برود. و بَرَدْتُ الحديد: سحلته، من قولهم: بَرَدْتُهُ، أي: قتلته، و البُرَادَةُ ما يسقط، و الْمِبْرَدُ: الآلة التي يبرد بها.
و الْبُرُدُ في الطرق جمع الْبَرِيدِ، و هم الذين يلزم كل واحد منهم موضعا منه معلوما، ثم اعتبر فعله في تصرّفه في المكان المخصوص به، فقيل
__________________________________________________
و لم ينسب، و هو في اللسان (برد)، و المجمل 1/ 104، و الأفعال 4/ 79، و الجمهرة 1/ 240، و تهذيب اللغة 13/ 105.
(1) البيت تمامه:
بارز ناجذاه قد برد الموت على مصطلاه أيّ برود
و هو لأبي زبيد الطائي في اللسان (برد)، و ديوانه ص 594، و أمالي اليزيدي ص 9، و تهذيب اللغة 14/ 105، و المعاني الكبير 2/ 859، و نظام الغريب ص 13.
(2) الحديث ضعيف، أخرجه أبو نعيم و المستغفري و الدارقطني في العلل بسند فيه تمام بن نجيح، ضعفه الدارقطني و وثقه ابن معين و غيره، عن أنس رفعه. و لأبي نعيم أيضا عن ابن عباس مرفوعا مثله، و من حديث عمر بن الحارث عن أبي سعيد رفعه: «أصل كل داء البردة» و مفرداتها ضعيفة.
و قال الدارقطني كغيره: الأشبه بالصواب أنه من قول الحسن البصري، و حكاه في الفائق من كلام ابن مسعود. راجع: كشف الخفاء 1/ 132، و الفائق 11/ 102.
117
مفردات ألفاظ القرآن
برد ص 116
لكلّ سريع: هو يَبْرُدُ، و قيل لجناحي الطائر:
بَرِيدَاهُ، اعتبارا بأنّ ذلك منه يجري مجرى البريد من الناس في كونه متصرفا في طريقه، و ذلك فرع على فرع حسب ما يبيّن في أصول الاشتقاق.
برز
الْبَرَازُ: الفضاء، و بَرَزَ: حصل في براز، و ذلك إمّا أن يظهر بذاته نحو: وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً [الكهف/ 47] تنبيها أنه تبطل فيها الأبنية و سكّانها، و منه: الْمُبَارَزَةُ للقتال، و هي الظهور من الصف، قال تعالى: لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ [آل عمران/ 154]، و قال عزّ و جلّ: وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ [البقرة/ 250]، و إمّا أن يظهر بفضله، و هو أن يسبق في فعل محمود، و إمّا أن ينكشف عنه ما كان مستورا منه، و منه قوله تعالى: وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم/ 48]، و قال تعالى:
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ [غافر/ 16]، و قوله: عزّ و جلّ: وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ [الشعراء/ 91] تنبيها أنهم يعرضون عليها، و يقال: تَبَرَّزَ فلان، كناية عن التغوّط «1». و امرأة بَرْزَةٌ «2»، عفيفة، لأنّ رفعتها بالعفة، لا أنّ اللفظة اقتضت ذلك.
برزخ
الْبَرْزَخُ: الحاجز و الحدّ بين الشيئين، و قيل:
أصله برزه فعرّب، و قوله تعالى: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ [الرحمن/ 20]، و الْبَرْزَخُ في القيامة: الحائل بين الإنسان و بين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة، و ذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عزّ و جل: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد/ 11]، قال تعالى: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون/ 100]، و تلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون. و قيل: الْبَرْزَخُ ما بين الموت إلى القيامة.
برص
الْبَرَصُ معروف، و قيل للقمر: أَبْرَصُ، للنكتة التي عليه، و سام أَبْرَصَ «3»، سمّي بذلك تشبيها بالبرص، و الْبَرِيصُ: الذي يلمع لمعان الأبرص، و يقارب الْبَصِيصُ «4»، بَصَّ يَبُصُّ: إذا برق.
برق
الْبَرْقُ: لمعان السحاب، قال تعالى: فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ [البقرة/ 19]. يقال:
__________________________________________________
(1) انظر: الفائق 1/ 92.
(2) انظر: الأفعال 4/ 118.
(3) و هو من كبار الوزغ، و هما اسمان جعلا واحدا، راجع: حياة الحيوان 1/ 542.
(4) انظر: أساس البلاغة ص 20، و لم ترد هذه المادة في القرآن.
118
مفردات ألفاظ القرآن
برق ص 118
بَرِقَ و أَبْرَقَ «1»، و بَرَقَ يقال في كل ما يلمع، نحو: سيف بَارِقٌ، و بَرَقَ و بَرِقَ يقال في العين إذا اضطربت و جالت من خوف قال عزّ و جل: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ
[القيامة/ 7]، و قرئ: (بَرَقَ) «2»، و تصوّر منه تارة اختلاف اللون فقيل الْبُرْقَةُ للأرض ذات حجارة مختلفة الألوان، و الْأَبْرَقُ:
الجبل فيه سواد و بياض، و سمّوا العين بَرْقَاءَ لذلك، و ناقة بَرُوقٌ: تلمع بذنبها، و الْبَرُوقَةُ:
شجرة تخضر إذا رأت السحاب، و هي التي يقال فيها: أشكر من بَرُوقَةٍ «3»
. و بَرَقَ طعامه بزيت:
إذا جعل فيه قليلا يلمع منه، و الْبَارِقَةُ و الْأُبَيْرِقُ:
السيف، للمعانه،
وَ الْبُرَاقُ، قِيلَ: هُوَ دَابَّةٌ رَكِبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ.
و اللّه أعلم بكيفيته، و الْإِبْرِيقُ معروف، و تصوّر من البرق ما يظهر من تجويفه، و قيل: بَرَقَ فلان و رعد، و أَبْرَقَ و أرعد:
إذا تهدّد.
برك
أصل الْبَرْكِ صدر البعير و إن استعمل في غيره، و يقال له: بِرْكَةٌ، و بَرَكَ البعير: ألقى بركه، و اعتبر منه معنى اللزوم، فقيل: ابْتَرَكُوا في الحرب، أي: ثبتوا و لازموا موضع الحرب، و بَرَاكَاءُ الحرب و بَرُوكَاؤُها للمكان الذي يلزمه الأبطال، و ابْتَرَكَتِ الدابة: وقفت وقوفا كَالْبُرُوكِ، و سمّي محبس الماء بِرْكَةً، و الْبَرَكَةُ: ثبوت الخير الإلهي في الشيء.
قال تعالى: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ [الأعراف/ 96]، و سمّي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة.
و الْمُبَارَكُ: ما فيه ذلك الخير، على ذلك:
وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [الأنبياء/ 50] تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهية، و قال:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ [الأنعام/ 155]، و قوله تعالى: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً [مريم/ 31] أي: موضع الخيرات الإلهية، و قوله تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدخان/ 3]، رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً [المؤمنون/ 29] أي: حيث يوجد الخير الإلهي، و قوله تعالى:
وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً [ق/ 9] فبركة ماء السماء هي ما نبّه عليه بقوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ [الزمر/ 21]، و بقوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [المؤمنون/ 18]، و لمّا كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا
__________________________________________________
(1) أجاز أبو عمر و أبو عبيدة: أبرق و أرعد و لم يجزه الأصمعي.
(2) و هي قراءة نافع و أبي جعفر المدنيّين. راجع: الإتحاف ص 428.
(3) راجع المثل في المجمل 1/ 121، و أساس البلاغة ص 20، و مجمع الأمثال 1/ 388.
119
مفردات ألفاظ القرآن
برك ص 119
يحسّ، و على وجه لا يحصى و لا يحصر قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: هو مُبَارَكٌ، و فيه بركة، و إلى هذه الزيادة أشير بما
رُوِيَ أَنَّهُ:
«لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ» «1».
لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك، فقال: بيني و بينك الميزان.
و قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً [الفرقان/ 61] فتنبيه على ما يفيضه علينا من نعمه بواسطة هذه البروج و النيّرات المذكورة في هذه الآية، و كلّ موضع ذكر فيه لفظ «تَبارَكَ»* فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر «تبارك». و قوله تعالى:
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون/ 14]، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ [الفرقان/ 1]، تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ [الفرقان/ 10]، فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [غافر/ 64]، تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك/ 1]. كلّ ذلك تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر «تبارك».
برم
الْإِبْرَامُ: إحكام الأمر، قال تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ [الزخرف/ 79]، و أصله من إِبْرَامِ الحبل، و هو ترديد فتله، قال الشاعر:
51-
على كلّ حال من سحيل و مُبْرَمٍ «2»
و الْبَرِيمُ: الْمُبْرَمُ، أي: المفتول فتلا محكما، يقال: أَبْرَمْتُهُ فبَرِمَ، و لهذا قيل للبخيل الذي لا يدخل في الميسر: بَرَمٌ «3»، كما يقال للبخيل:
مغلول اليد.
و الْمُبْرِمُ: الذي يلحّ و يشدّد في الأمر تشبيها بمبرم الحبل، و الْبَرَمُ كذلك، و يقال لمن يأكل تمرتين تمرتين: بَرَمٌ، لشدة ما يتناوله بعضه على بعض، و لما كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين سمّي كلّ ذي لونين به من جيش مختلط أسود و أبيض، و لغنم مختلط، و غير ذلك.
و الْبُرْمَةُ في الأصل هي القدر المبرمة، و جمعها بِرَامٌ، نحو حفرة و حفار، و جعل على بناء المفعول، نحو: ضحكة و هزأة «4».
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، و روايته فيه: «ما نقصت صدقة من مال» في باب البر و الصلة رقم (2588).
(2) هذا عجز بيت لزهير، و صدره:
يمينا لنعم السيدان وجدتما
و هو من معلقته الميمية، انظره: في ديوانه ص 79، و شرح المعلقات 1/ 108، و أساس البلاغة ص 21.
(3) انظر: اللسان (برم).
(4) قال ابن مالك:
و فعلة لاسم مفعول و إن فتحت من وزنه العين يرتدّ اسم من فعلا.
120
مفردات ألفاظ القرآن
بره ص 121
بره
الْبُرْهَانُ: بيان للحجة، و هو فعلان مثل:
الرّجحان و الثنيان، و قال بعضهم: هو مصدر بَرِهَ يَبْرَهُ: إذا ابيضّ، و رجل أَبْرَهُ و امرأة بَرْهَاءُ، و قوم بُرْهٌ، و بَرَهْرَهَةٌ «1»: شابة بيضاء.
و الْبُرْهَةُ: مدة من الزمان، فَالْبُرْهَانُ أوكد الأدلّة، و هو الذي يقتضي الصدق أبدا لا محالة، و ذلك أنّ الأدلة خمسة أضرب:
- دلالة تقتضي الصدق أبدا.
- و دلالة تقتضي الكذب أبدا.
- و دلالة إلى الصدق أقرب.
- و دلالة إلى الكذب أقرب.
- و دلالة هي إليهما سواء.
قال تعالى: قُلْ: هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* [البقرة/ 111]، قُلْ: هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ [الأنبياء/ 24]، قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء/ 174].
برأ
أصل الْبُرْءِ و الْبَرَاءِ و التَّبَرِّي: التقصّي مما يكره مجاورته، و لذلك قيل: بَرَأْتُ «2» من المرض و بَرِئْتُ من فلان و تَبَرَّأْتُ و أَبْرَأْتُهُ من كذا، و بَرَّأْتُهُ، و رجل بَرِيءٌ، و قوم بُرَآءُ و بَرِيئُونَ.
قال عزّ و جلّ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ [التوبة/ 1]، أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ [التوبة/ 3]، و قال: أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [يونس/ 41]، إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [الممتحنة/ 4]، وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ [الزخرف/ 26]، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا [الأحزاب/ 69]، و قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة/ 166].
و الْبَارِئُ خصّ بوصف اللّه تعالى، نحو قوله:
الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر/ 24]، و قوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ [البقرة/ 54]، و الْبَرِيَّةُ: الخلق، قيل: أصله الهمز فترك «3»، و قيل: بل ذلك من قولهم: بريت العود، و سمّيت بريّة لكونها مبريّة من الْبَرَى «4» أي: التراب،
__________________________________________________
و قال ابن المرَحّل أيضا:
إن ضحكت منك كثيرا فتية فأنت ضحكة و هم ضحكة
بضم فاء الكلّ مع إسكان عين في الأول بعكس الثاني.
(1) انظر: المجموع المغيث 1/ 153.
(2) قال الصاغاني: و برئت من المرض برءا، و أهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءا، و كلهم يقولون في المستقبل يبرأ انظر: العباب (برا).
(3) انظر: المجمل 1/ 122، و العباب (برأ) 1/ 52، و اللسان (برأ).
(4) انظر: اللسان (برأ) 1/ 31.
121
مفردات ألفاظ القرآن
برأ ص 121
بدلالة قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ* [غافر/ 67]، و قوله تعالى: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة/ 7]، و قال: شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة/ 6].
بزغ
قال تعالى: فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً [الأنعام/ 78]، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً [الأنعام/ 77] أي: طالعا منتشر الضوء، و بَزَغَ النَّابُ، تشبيها به، و أصله من: بَزَغَ البيطارُ الدَّابَّةَ: أسال دمها فَبَزَغَ هو، أي: سال.
بسَ
قال اللّه تعالى: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا [الواقعة/ 5]، أي: فتّتت، من قولهم: بَسَسْتُ الحنطة و السويق بالماء: فتّته به، و هي بَسِيسَةٌ، و قيل: معناه: سقت سوقا سريعا، من قولهم:
انْبَسَّتِ الحيّات: انسابت انسيابا سريعا، فيكون كقوله عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ [الكهف/ 47]، و كقوله: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل/ 88].
و بَسَسْتُ الإبلَ: زجرتها عند السوق، و أَبْسَسْتُ بها عند الحلب، أي: رقّقت لها كلاما تسكن إليه، و ناقة بَسُوسٌ: لا تدرّ إلا على الْإِبْسَاسِ، و
فِي الْحَدِيثِ: «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَبُسُّونَ عِيَالَهُمْ» «1».
أي: كانوا يسوقونهم.
بسر
الْبَسْرُ: الاستعجال بالشيء قبل أوانه، نحو:
بَسَرَ الرجل الحاجة: طلبها في غير أوانها، و بَسَرَ الفحل الناقة: ضربها قبل الضّبعة «2»، و ماء بُسْرٌ: متناول من غديره قبل سكونه، و قيل للقرح الذي ينكأ قبل النضج: بُسْرٌ، و منه قيل لما لم يدرك من التمر: بُسْرٌ، و قوله عزّ و جل: ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ [المدثر/ 22] أي: أظهر العبوس قبل أوانه و في غير وقته، فإن قيل: فقوله:
وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ [القيامة/ 24] ليس يفعلون ذلك قبل الوقت، و قد قلت: إنّ ذلك يقال فيما كان قبل الوقت! قيل: إنّ ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار، فخصّ لفظ البسر، تنبيها أنّ ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف و مجرى ما يفعل قبل وقته، و يدل على ذلك قوله عزّ و جل: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ [القيامة/ 25].
بسط
بَسْطُ الشيء: نشره و توسيعه، فتارة يتصوّر منه الأمران، و تارة يتصور منه أحدهما، و يقال: بَسَطَ
__________________________________________________
(1) الحديث عن سفيان بن أبي زهير أنه قال: سمعت رسول اللّه يقول: «يفتح اليمن فيأتي قوم يبسّون فيتحمّلون بأهليهم و من أطاعهم، و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون». و هو صحيح أخرجه البخاري. انظر: الفتح 4/ 90، و تنوير الحوالك 3/ 85.
(2) انظر: اللسان (بسر). و الضّبعة: شدة شهوة الفحل للناقة. انظر: اللسان (ضبع).
122
مفردات ألفاظ القرآن
بسط ص 122
الثوب: نشره، و منه: البِسَاط، و ذلك اسم لكلّ مَبْسُوطٍ، قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً [نوح/ 19] و الْبِسَاطُ: الأرض المتسعة و بَسِيطُ الأرض: مبسوطه، و استعار قوم الْبَسْطَ لكل شيء لا يتصوّر فيه تركيب و تأليف و نظم، قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ [البقرة/ 245]، و قال تعالى: وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ [الشورى/ 27] أي: لو وسّعه، وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ [البقرة/ 247] أي: سعة.
قال بعضهم: بَسَطْتُهُ في العلم هو أن انتفع هو به و نفع غيره، فصار له به بَسْطَةً، أي: جودا.
و بَسْطُ اليد: مدّها. قال عزّ و جلّ: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف/ 18]، و بَسْطُ الكف يستعمل تارة للطلب نحو: كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ [الرعد/ 14]، و تارة للأخذ، نحو: وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام/ 93]، و تارة للصولة و الضرب. قال تعالى: وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [الممتحنة/ 2]، و تارة للبذل و الإعطاء: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ [المائدة/ 64].
و البَسْطُ: الناقة تترك مع ولدها، كأنها المبسوط نحو: النّكث و النّقض في معنى المنكوث و المنقوض، و قد أَبْسَطَ ناقَتَه، أي:
تركها مع ولدها.
بسق
قال اللّه عزّ و جل: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق/ 10] أي: طويلات، و الْبَاسِقُ هو الذاهب طولا من جهة الارتفاع، و منه: بَسَقَ فلان على أصحابه: علاهم، و بَسَقَ و بصق أصله: بزق، و بَسَقَتِ الناقة: وقع في ضرعها لبأ «1» قليل كَالْبُسَاقِ، و ليس من الأول.
بسل
الْبَسْلُ: ضم الشيء و منعه، و لتضمّنه لمعنى الضّم استعير لتقطيب الوجه، فقيل: هو بَاسِلٌ و مُبْتَسِلُ الوجه، و لتضمنه لمعنى المنع قيل للمحرّم و المرتهن: بَسْلٌ، و قوله تعالى: وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ [الأنعام/ 70] أي: تحرم الثواب، و الفرق بين الحرام و الْبَسْلِ أنّ الحرام عامّ فيما كان ممنوعا منه بالحكم و القهر، و الْبَسْلُ هو الممنوع منه بالقهر، قال عزّ و جل: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا [الأنعام/ 70] أي: حرموا الثواب، و فسّر بالارتهان لقوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر/ 38]. قال الشاعر:
52-
و إِبْسَالِي بنيّ بغير جرم «2»
__________________________________________________
(1) انظر: اللسان (بسق).
(2) الشطر لعوف بن الأحوص، و عجزه:
بعوناه و لا بدم قراض
و يروى:
... و لا بدم مراق.
123
مفردات ألفاظ القرآن
بسل ص 123
و قال آخر:
53-
فإن تقويا منهم فإنهم بُسْلٌ «1»
أقوى المكان: إذا خلا.
و قيل للشجاعة: الْبَسَالَةُ، إمّا لما يوصف به الشجاع من عبوس وجهه، أو لكون نفسه محرّما على أقرانه لشجاعته، أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه، و أَبْسَلْتُ المكان: حفظته و جعلته بسلا على من يريده، و الْبُسْلَةُ: أجرة الراقي «2»، و ذلك لفظ مشتق من قول الراقي: أَبْسَلْتُ فلانا، أي:
جعلته بَسْلًا، أي: شجاعا قويا على مدافعة الشيطان أو الحيّات و الهوام، أو جعلته مُبْسَلًا، أي: محرّما عليها، [و سمّي ما يعطى الراقي بُسْلَةً]، و حكي: بَسَّلْتُ الحنظل: طيّبته، فإن يكن ذلك صحيحا فمعناه: أزلت بَسَالَتَهُ، أي:
شدّته، أو بَسْلَهُ أي: تحريمه، و هو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرّما، و (بَسَلْ) في معنى أجل و بس «3»
بسم
«4» قال تعالى: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها [النمل/ 19].
بشر
الْبَشَرَةُ: ظاهر الجلد، و الْأَدَمَةُ: باطنه، كذا قال عامّة الأدباء، و قال أبو زيد بعكس ذلك «5»، و غلّطه أبو العباس و غيره، و جمعها: بَشَرٌ و أَبْشَارٌ، و عبّر عن الإنسان بِالْبَشَرِ اعتبارا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر، و استوى في لفظ البشر الواحد و الجمع، و ثني فقال تعالى: أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ [المؤمنون/ 47].
و خصّ في القرآن كلّ موضع اعتبر من الإنسان جثته و ظاهره بلفظ البشر، نحو: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً [الفرقان/ 54]، و قال عزّ و جل: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ [ص/ 71]، و لمّا أراد الكفار الغضّ من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/ 25]، و قال تعالى: أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ [القمر/ 24]، ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [يس/ 15]، أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا [المؤمنون/
__________________________________________________
و هو في مجاز القرآن 1/ 194، و المجمل 1/ 125، و المعاني الكبير 2/ 1114، و شمس العلوم 1/ 172، و اللسان (بسل)، و الصحاح (بسل).
(1) هذا عجز بيت و شطره:
بلاد بها نادمتهم و ألفتهم
و هو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 59.
(2) انظر: المجمل 1/ 125.
(3) بس بمعنى حسب. انظر القاموس.
(4) هذا الفصل ساقط من المطبوعة.
(5) ذكر قوله الأزهري في تهذيبه 11/ 360، و الذي غلّطه ثعلب.
124
مفردات ألفاظ القرآن
بشر ص 124
47]، فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا [التغابن/ 6]، و على هذا قال: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ* [الكهف/ 110]، تنبيها أنّ الناس يتساوون في البشرية، و إنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة و الأعمال الجميلة، و لذلك قال بعده: يُوحى إِلَيَّ* [الكهف/ 110]، تنبيها أني بذلك تميّزت عنكم. و قال تعالى:
لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ* [مريم/ 20] فخصّ لفظ البشر، و قوله: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا [مريم/ 17] فعبارة عن الملائكة، و نبّه أنه تشبّح لها و تراءى لها بصورة بشر، و قوله تعالى: ما هذا بَشَراً [يوسف/ 31] فإعظام له و إجلال و أنه أشرف و أكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر.
و بَشَرْتُ الأديم: أصبت بشرته، نحو: أنفته و رجلته، و منه: بَشَرَ الجراد الأرض إذا أكلته، [إذا أكل ما عليها] و الْمُبَاشَرَةُ: الإفضاء بالبشرتين، و كنّي بها عن الجماع في قوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ [البقرة/ 187]، و قال تعالى:
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ [البقرة/ 187].
و فلان مُؤْدَم مُبْشَرٌ «1»، أصله من قولهم: أَبْشَرَهُ اللّه و آدمه، أي: جعل له بشرة و أدمة محمودة، ثم عبّر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة و الباطنة.
و قيل معناه: جمع لين الأدمة و خشونة البشرة، و أَبْشَرْتُ الرجل و بَشَّرْتُهُ و بَشَرْتُهُ: أخبرته بسارّ بسط بشرة وجهه، و ذلك أنّ النفس إذا سرّت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، و بين هذه الألفاظ فروق، فإنّ بَشَرْتُهُ عامّ، و أَبْشَرْتُهُ نحو: أحمدته، و بَشَّرْتُهُ على التكثير، و أَبْشَرَ يكون لازما و متعديا، يقال: بَشَرْتُهُ فَأَبْشَرَ، أي:
اسْتَبْشَرَ، و أَبْشَرْتُهُ، و قرئ: يُبَشِّرُكَ* [آل عمران/ 39] و يَبْشُرُكَ «2» و يُبْشِرُكَ «3»، قال اللّه عزّ و جلّ: لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ: أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا: بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ [الحجر/ 53- 54].
و اسْتَبْشَرَ: إذا وجد ما يبشّره من الفرح، قال تعالى: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ [آل عمران/ 170]، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ [آل عمران/ 171]، و قال تعالى: وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ [الحجر/ 67]. و يقال للخبر السارّ: الْبِشَارَةُ و الْبُشْرَى، قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ [يونس/ 64]، و قال
__________________________________________________
(1) قال ابن منظور: و في الصحاح: فلان مؤدم مبشر: إذا كان كاملا من الرجال.
(2) و هي قراءة حمزة و الكسائي بفتح الياء و إسكان الباء و ضم الشين.
(3) و هي قراءة شاذة، و انظر الحجة للقراء السبعة 3/ 42.
125
مفردات ألفاظ القرآن
بشر ص 124
تعالى: لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ [الفرقان/ 22]، وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى [هود/ 69]، يا بُشْرى هذا غُلامٌ [يوسف/ 19]، وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى* [الأنفال/ 10].
و الْبَشِيرُ: الْمُبَشِّرُ، قال تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً [يوسف/ 96]، فَبَشِّرْ عِبادِ [الزمر/ 17]، وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ [الروم/ 46]، أي: تبشّر بالمطر.
و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «انْقَطَعَ الْوَحْيُ وَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، وَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ» «1».
و قال تعالى: فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ [يس/ 11]، و قال: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران/ 21]، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ [النساء/ 138]، وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [التوبة/ 3] فاستعارة ذلك تنبيه أنّ أسرّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب، و ذلك نحو قول الشاعر:
54-
تحيّة بينهم ضرب وجيع «2»
و يصحّ أن يكون على ذلك قوله تعالى:
قُلْ: تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم/ 30]، و قال عزّ و جل: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ [الزخرف/ 17].
و يقال: أَبْشَرَ، أي: وجد بشارة، نحو: أبقل و أمحل، وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت/ 30]، و أَبْشَرَتِ الأرض: حسن طلوع نبتها، و منه
قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ) «3».
أي: فليسرّ. قال الفرّاء:
إذا ثقّل فمن البشرى، و إذا خفّف فمن السرور يقال: بَشَرْتُهُ فَبُشِرَ، نحو: جبرته فجبر، و قال سيبويه «4»: فَأَبْشَرَ، قال ابن قتيبة «5»: هو من بَشَرْتُ، الأديم، إذا رقّقت وجهه، قال: و معناه فليضمّر نفسه، كما
رُوِيَ: «إِنَّ وَرَاءَنَا عَقَبَةً لَا يَقْطَعُهَا إِلَّا الضَّمْرُ مِنَ الرِّجَالِ» «6».
و على الأول قول الشاعر:
__________________________________________________
(1) الحديث صحيح أخرجه البخاري 2/ 331، و مسلم (479) و فيه «ذهبت النبوة و بقيت المبشّرات»، و أخرجه ابن ماجة 1/ 1283، و انظر: شرح السنة 12/ 204.
(2) هذا عجز بيت لعمرو بن معديكرب، و صدره:
و خيل قد دلفت لها بخيل
و هو في البصائر 2/ 201، و خزانة الأدب 9/ 252، و ديوانه ص 149، و الممتع ص 260، و الخصائص 1/ 368.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 133 و انظره: في الغريبين 1/ 180، و اللسان (بشر)، و النهاية 1/ 129.
(4) الكتاب 2/ 235.
(5) في غريب الحديث 2/ 234.
(6) راجع: اللسان (بشر) 4/ 60. الحديث أخرجه ابن مردويه و الطبراني عن أبي الدرداء سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إنّ أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون، فأنا أريد أن أتخفف لتلك العقبة» و إسناده صحيح. راجع: الدر المنثور 8/ 523، و الترغيب و الترهيب 4/ 85. و أسباب ورود الحديث 2/ 42 و أخرجه البزار بلفظ: «إن بين أيديكم عقبة».
126
مفردات ألفاظ القرآن
بشر ص 124
55-
فأعنهم و ابْشَرْ بما بُشِّرُوا به و إذا هم نزلوا بضنك فانزل «1»
و تَبَاشِيرُ الوجه و بِشْرُهُ: ما يبدو من سروره، و تَبَاشِيرُ الصبح: ما يبدو من أوائله.
و تَبَاشِيرُ النخيل: ما يبدو من رطبه، و يسمّى ما يعطى المبشّر: بُشْرَى و بُشَارَةً.
بصر
الْبَصَرُ يقال للجارحة الناظرة، نحو قوله تعالى: كَلَمْحِ الْبَصَرِ [النحل/ 77]، و وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ [الأحزاب/ 10]، و للقوّة التي فيها، و يقال لقوة القلب المدركة:
بَصِيرَةٌ و بَصَرٌ، نحو قوله تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق/ 22]، و قال:
ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى [النجم/ 17]، و جمع البصر أَبْصَارٌ، و جمع البصيرة بَصَائِرُ، قال تعالى: فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ [الأحقاف/ 26]، و لا يكاد يقال للجارحة بصيرة، و يقال من الأوّل: أَبْصَرْتُ، و من الثاني: أَبْصَرْتُهُ و بَصُرْتُ به «2»، و قلّما يقال بَصُرْتُ في الحاسة إذا لم تضامّه رؤية القلب، و قال تعالى في الأبصار: لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ [مريم/ 42]، و قال: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا [السجدة/ 12]، وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ [يونس/ 43]، وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ [الصافات/ 179]، بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ
[طه/ 96] و منه: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف/ 108] أي: على معرفة و تحقق. و قوله:
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة/ 14] أي: تبصره فتشهد له، و عليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له و عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ [النور/ 24]. و الضرير يقال له: بَصِيرٌ على سبيل العكس، و الأولى أنّ ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه، و لهذا لا يقال له:
مُبْصِرٌ و بَاصِرٌ، و قوله عزّ و جل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103] حمله كثير من المفسرين على الجارحة، و قيل:
ذلك إشارة إلى ذلك و إلى الأوهام و الأفهام، كما
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (التَّوْحِيدُ أَنْ لَا تَتَوَهَّمَهُ) «3».
و
قَالَ: (كُلُّ مَا أَدْرَكْتَهُ فَهُوَ غَيْرُهُ).
و الْبَاصِرَةُ عبارة عن الجارحة الناظرة، يقال:
رأيته لمحا بَاصِراً «4»
، أي: نظرا بتحديق، قال عزّ و جل: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً [النمل/ 13]، وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [الإسراء/ 12]
__________________________________________________
(1) البيت لعبد قيس بن خفاف و هو شاعر جاهلي كان يعاصر حاتم طيئ.
و البيت في المفضليات ص 384، و الأصمعيات ص 230، و اللسان (بشر)، و تهذيب إصلاح المنطق 1/ 89، و معاني الفراء 1/ 212.
(2) انظر: الأفعال 4/ 69.
(3) انظر تفسير الرازي 1/ 281.
(4) في المثل: لأرينّك لمحا باصرا، يضرب في التوعد. المستقصى 2/ 237.
127
مفردات ألفاظ القرآن
بصر ص 127
أي: مضيئة للأبصار و كذلك قوله عزّ و جلّ:
وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً [الإسراء/ 59]، و قيل: معناه صار أهله بصراء نحو قولهم: رجل مخبث «1» و مضعف، أي: أهله خبثاء و ضعفاء، وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ [القصص/ 43] أي: جعلناها عبرة لهم، و قوله: وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ [الصافات/ 179] أي: انظر حتى ترى و يرون، و قوله عزّ و جل: وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت/ 38] أي: طالبين للبصيرة.
و يصحّ أن يستعار الاسْتِبْصَارُ لِلْإِبْصَارِ، نحو استعارة الاستجابة للإجابة، و قوله عزّ و جلّ:
وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً [ق/ 7- 8] أي: تبصيرا و تبيانا. يقال: بَصَّرْتُهُ تَبْصِيراً و تَبْصِرَةً، كما يقال: قدّمته تقديما و تقدمة، و ذكّرته تذكيرا و تذكرة، قال تعالى: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً* يُبَصَّرُونَهُمْ [المعارج/ 10- 11] أي:
يجعلون بُصَرَاءَ بآثارهم، يقال: بَصَّرَ الجرو:
تعرّض للإبصار لفتحه العين «2». و الْبَصْرَةُ: حجارة رخوة تلمع كأنّها تبصر، أو سمّيت بذلك لأنّ لها ضوءا تبصر به من بعد.
و يقال له بِصْرٌ، و الْبَصِيرَةُ: قطعة من الدّم تلمع، و الترس اللامع، و الْبُصْرُ: الناحية، و الْبَصِيرَةُ ما بين شقتي الثوب، و المزادة و نحوها التي يبصر منها، ثم يقال: بَصَرْتُ الثوب و الأديم: إذا خطت ذلك الموضع منه.
بصل
الْبَصَلُ معروف في قوله عزّ و جل: وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها [البقرة/ 61]، و بيضة الحديد:
بَصَلٌ، تشبيها به لقول الشاعر:
56-
و تركا كَالْبَصَلِ «3»
بضع
الْبِضَاعَةُ: قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة، يقال: أَبْضَعَ بِضَاعَةً و ابْتَضَعَهَا. قال تعالى: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يوسف/ 65] و قال تعالى: بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ [يوسف/ 88]، و الأصل في هذه الكلمة: الْبَضْعُ و هو جملة من اللحم تُبْضَعُ «4»، أي: تقطع. يقال:
__________________________________________________
(1) قال ابن منظور: و المخبث: الذي أصحابه و أعوانه خبثاء، و هو مثل قولهم: فلان ضعيف مضعف و قويّ مقو.
(2) و في اللسان: و بصّر الجرو تبصيرا: فتح عينه.
(3) جزء بيت للبيد و تمامه:
فخمة ذفراء ترتى بالعرى قردمانيا و تركا كالبصل
و القردماني: الدرع، و هو في ديوانه ص 146. و العجز في المجمل 1/ 27، و شمس العلوم 1/ 219.
(4) قال ابن مالك في مثلثه:
تزوج و قطع لحم بضع و جمع بضعة كذا، و البضع
من واحد لتسعة، و البضع نكاحها أو موضع الإيعاب.
128
مفردات ألفاظ القرآن
بضع ص 128
بَضَعْتُهُ فَابْتَضَعَ و تَبَضَّعَ، كقولك: قطعته و قطّعته فانقطع و تقطّع، و الْمِبْضَعُ: ما يبضع به، نحو:
المقطع، و كنّي بِالْبُضْعِ عن الفرج، فقيل:
ملكت بضعها، أي: تزوجتها، و بَاضَعَهَا بِضَاعاً، أي: باشرها، و فلان: حَسَنُ الْبَضْعِ و الْبَضِيعِ و الْبَضْعَةِ، و الْبِضَاعَةِ عبارة عن السّمن «1».
و قيل للجزيرة المنقطعة عن البرّ: بَضِيعٌ، و فلان بَضْعَةٌ مني، أي: جار مجرى بعض جسدي لقربه مني، و الْبَاضِعَةُ: الشجّة التي تبضع اللحم «2»، و الْبِضْعُ بالكسر: المنقطع من العشرة، و يقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة، و قيل: بل هو فوق الخمس و دون العشرة، قال تعالى: بِضْعَ سِنِينَ* [الروم/ 4].
بطر
الْبَطَرُ: دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة و قلّة القيام بحقّها، و صرفها إلى غير وجهها.
قال عزّ و جلّ: بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ [الأنفال/ 47]، و قال: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [القصص/ 58] أصله: بطرت معيشته، فصرف عنه الفعل و نصب، و يقارب الْبَطَرُ الطرب، و هو خطّة أكثر ما تعتري من الفرح، و قد يقال ذلك في التّرح، و الْبَيْطَرَةُ: معالجة الدابّة.
بطش
الْبَطْشُ: تناول الشيء بصولة، قال تعالى:
وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء/ 130]، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى [الدخان/ 16]، وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا [القمر/ 36]، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج/ 12]. يقال: يد بَاطِشَةٌ.
بطل
الْبَاطِلُ: نقيض الحق، و هو ما لا ثبات له عند الفحص عنه، قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ [الحج/ 62] و قد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال و الفعال، يقال: بَطَلَ بُطُولًا و بُطْلًا و بُطْلَاناً، و أَبْطَلَهُ غيره. قال عزّ و جلّ: وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [الأعراف/ 118]، و قال تعالى:
لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ [آل عمران/ 71]، و يقال للمستقلّ عمّا يعود بنفع دنيويّ أو أخرويّ: بَطَّالٌ، و هو ذو بِطَالَةٍ بالكسر.
و بَطَلَ دمه: إذا قتل و لم يحصل له ثأر و لا دية، و قيل للشجاع المتعرّض للموت: بَطَلٌ، تصوّرا لبطلان دمه، كما قال الشاعر:
57-
فقلت لها: لا تنكحيه فإنّه لأوّل بَطَلٍ أن يلاقي مجمعا «3»
__________________________________________________
(1) يقال: إنّ فلانا لشديد البضعة حسنها إذا كان ذا جسم و سمن.
(2) انظر الغريب المصنف ورقة 57.
(3) البيت لتأبّط شرا، و هو في ديوانه ص 112، و الأغاني 18/ 217، و إيضاح الشعر للفارسي ص 449، و شرح.
129
مفردات ألفاظ القرآن
بطل ص 129
فيكون فعلا بمعنى مفعول، أو لانّه يبطل دم المتعرّض له بسوء، و الأول أقرب.
و قد بَطُلَ الرجل بُطُولَةً، صار بَطَلًا، و بُطِّلَ:
نسب إلى الْبَطَالَةِ، و يقال: ذهب دمه بُطْلًا أي:
هدرا، و الْإِبْطَالُ يقال في إفساد الشيء و إزالته، حقّا كان ذلك الشيء أو باطلا، قال اللّه تعالى:
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ [الأنفال/ 8]، و قد يقال فيمن يقول شيئا لا حقيقة له، نحو:
وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ [الروم/ 58]، و قوله تعالى: وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ [غافر/ 78] أي: الذين يبطلون الحقّ.
بطن
أصل الْبَطْنِ الجارحة، و جمعه بُطُونٌ، قال تعالى: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ [النجم/ 32]، و قد بَطَنْتُهُ: أصبت بطنه، و الْبَطْنُ: خلاف الظّهر في كلّ شيء، و يقال للجهة السفلى: بَطْنٌ، و للجهة العليا: ظهر، و به شبّه بطن الأمر و بطن الوادي، و الْبَطْنُ من العرب اعتبارا بأنّهم كشخص واحد، و أنّ كلّ قبيلة منهم كعضو بطن و فخذ و كاهل، و على هذا الاعتبار قال الشاعر:
58-
النّاس جسم و إمام الهدى رأس و أنت العين في الرأس «1»
و يقال لكلّ غامض: بَطْنٌ، و لكلّ ظاهر:
ظهر، و منه: بُطْنَانُ القدر و ظهرانها، و يقال لما تدركه الحاسة: ظَاهِرٌ، و لما يخفى عنها: بَاطِنٌ.
قال عزّ و جلّ: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ [الأنعام/ 120]، ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ* [الأنعام/ 151]، و الْبَطِينُ: العظيم البطن، و الْبَطِنُ: الكثير الأكل، و الْمِبْطَانُ: الذي يكثر الأكل حتى يعظم بطنه، و الْبِطْنَةُ: كثرة الأكل، و
قِيلَ: (الْبِطْنَةُ تُذْهِبُ الْفِطْنَةَ) «2».
و قد بَطِنَ الرجل بَطَناً: إذا أشر من الشبع و من كثرة الأكل، و قد بَطِنَ الرجل: عظم بطنه، و مُبَطَّنٌ: خميص البطن، و بُطِنَ الإنسان: أصيب بطنه، و منه: رجل مَبْطُونٌ: عليل البطن، و الْبِطَانَةُ: خلاف الظهارة، و بَطَّنْتُ ثوبي بآخر:
جعلته تحته.
و قد بَطَنَ فلان بفلان بُطُوناً، و تستعار البِطَانَةُ
__________________________________________________
الحماسة للتبريزي 2/ 26.
[استدراك] و الرواية المعروفة [لأول نصل] أي: يقتل بأول نصل، و لعلّه تصحّف على المؤلف.
(1) البيت لعليّ بن جبلة العكوك في حميد الطوسي، و هو في ديوانه ص 74، و عقد الخلاص في نقد كلام الخواص لابن الحنبلي ص 200، و ذيل أمالي القالي 3/ 96، و الأغاني 18/ 113، و له قصة فيه.
(2) جاء عند أبي نعيم في الطب النبويّ قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: إياكم و البطنة في الطعام و الشراب فإنها مفسدة للجسم، مورثة للفشل، مكسلة عن الصلاة، و عليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح. راجع: كشف الخفاء 1/ 286، و المقاصد الحسنة ص 124 و 144.
130
مفردات ألفاظ القرآن
بطن ص 130
لمن تختصه بالاطّلاع على باطن أمرك.
قال عزّ و جل: لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ [آل عمران/ 118] أي: مختصا بكم يستبطن أموركم، و ذلك استعارة من بطانة الثوب، بدلالة قولهم: لبست فلانا: إذا اختصصته، و فلان شعاري و دثاري، و
رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَ لَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَ تَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَ تَحُثُّهُ عَلَيْهِ» «1».
و الْبِطَانُ: حزام يشدّ على البطن، و جمعه:
أَبْطِنَةٌ و بُطُنٌ، و الْأَبْطَنَانِ: عرقان يمرّان على البطن.
و الْبُطَيْنُ: نجم هو بطن الحمل، و التَّبَطُّنُ:
دخول في باطن الأمر.
و الظاهر و الباطن في صفات اللّه تعالى: لا يقال إلا مزدوجين، كالأوّل و الآخر «2»، فالظاهر قيل: إشارة إلى معرفتنا البديهية، فإنّ الفطرة تقتضي في كلّ ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود، كما قال: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف/ 84]، و لذلك قال بعض الحكماء: مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو معه.
و الْبَاطِنُ: إشارة إلى معرفته الحقيقية، و هي التي
أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: يَا مَنْ غَايَةُ مَعْرِفَتِهِ الْقُصُورُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
و قيل: ظاهر بآياته باطن بذاته، و قيل: ظاهر بأنّه محيط بالأشياء مدرك لها، باطن من أن يحاط به، كما قال عزّ و جل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103].
و
قَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا دَلَّ عَلَى تَفْسِيرِ اللَّفْظَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: (تَجَلَّى لِعِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ رَأَوْهُ، وَ أَرَاهُمْ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَجَلَّى لَهُمْ).
و معرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب و عقل وافر.
و قوله تعالى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً [لقمان/ 20]. قيل: الظاهرة بالنبوّة الْبَاطِنَةُ بالعقل، و قيل: الظاهرة: المحسوسات، و الْبَاطِنَةُ: المعقولات، و قيل: الظاهرة: النصرة على الأعداء بالناس، و الْبَاطِنَةُ: النصرة بالملائكة.
و كلّ ذلك يدخل في عموم الآية.
بطؤ
الْبُطْءُ: تأخر الانبعاث في السير، يقال: بَطُؤَ
__________________________________________________
(1) الحديث صحيح كما قال البغوي، و قد أخرجه النسائي 7/ 158، و أحمد 3/ 237، و الترمذي (2370) و قال:
حسن صحيح، و انظر: شرح السنة 10/ 75.
(2) راجع: المقصد الأسنى ص 106.
131
مفردات ألفاظ القرآن
بطؤ ص 131
و تَبَاطَأَ و اسْتَبْطَأَ و أَبْطَأَ، فَبَطُؤَ إذا تخصص بالبطء، و تَبَاطَأَ تحرّى و تكلّف ذلك، و اسْتَبْطَأَ: طلبه، و أَبْطَأَ «1»: صار ذا بطء و يقال: بَطَّأَهُ و أَبْطَأَهُ، و قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ [النساء/ 72] أي: يثبّط غيره.
و قيل: يكثر هو التثبط في نفسه، و المقصد من ذلك أنّ منكم من يتأخر و يؤخّر غيره.
بظر
قرئ في بعض القراءات: (و اللّه أخرجكم من بُظُورِ أمّهاتكم) «2»، و ذلك جمع الْبَظَارَةِ، و هي اللحمة المتدلية من ضرع الشاة، و الهنة الناتئة من الشفة العليا، فعبّر بها عن الهن كما عبّر عنه بالبضع.
بعث
أصل الْبَعْثِ: إثارة الشيء و توجيهه، يقال:
بَعَثْتُهُ فَانْبَعَثَ، و يختلف البعث بحسب اختلاف ما علّق به، فَبَعَثْتُ البعير: أثرته و سيّرته، و قوله عزّ و جل: وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ [الأنعام/ 36]، أي: يخرجهم و يسيرهم إلى القيامة، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً* [المجادلة/ 6]، زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَ [التغابن/ 7]، ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان/ 28]، فالبعث ضربان:
- بشريّ، كبعث البعير، و بعث الإنسان في حاجة.
- و إلهي، و ذلك ضربان:
- أحدهما: إيجاد الأعيان و الأجناس و الأنواع لا عن ليس «3»، و ذلك يختص به الباري تعالى، و لم يقدر عليه أحد.
و الثاني: إحياء الموتى، و قد خص بذلك بعض أوليائه، كعيسى صلّى اللّه عليه و سلم و أمثاله، و منه قوله عزّ و جل:
فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ [الروم/ 56]، يعني: يوم الحشر، و قوله عزّ و جلّ: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ [المائدة/ 31]، أي:
قيّضه، وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل/ 36]، نحو: أَرْسَلْنا رُسُلَنا* [المؤمنون/ 44]، و قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً [الكهف/ 12]، و ذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان، وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [النحل/ 84]، قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام/ 65]، و قال
__________________________________________________
(1) و هذا بمعنى الصيرورة، حيث إنّ صيغة أفعل تأتي للتصيير و الصيرورة، و الأول من الفعل المتعدي و الثاني من اللازم و في هذا قال شيخنا:
أفعل للتصيير جا كأكفلا صيرورة كذاك مثل أبقلا
فأوّل مثال ذي التعدي و الثاني للّزوم وفقا يبدي.
(2) سورة النحل: آية 78، و هي قراءة شاذة.
(3) الليس: اللزوم.
132
مفردات ألفاظ القرآن
بعث ص 132
عزّ و جلّ: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ [البقرة/ 259]، و على هذا قوله عزّ و جلّ:
وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ [الأنعام/ 60]، و النوم من جنس الموت فجعل التوفي فيهما، و البعث منهما سواء، و قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ [التوبة/ 46]، أي: توجههم و مضيّهم.
بعثر
قال اللّه تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار/ 4]، أي: قلب ترابها و أثير ما فيها، و من رأى تركيب الرباعي و الخماسيّ من ثلاثيين نحو: تهلل و بسمل «1»: إذا قال: لا إله إلا اللّه و بسم اللّه يقول: إنّ بُعْثِرَ مركّب من: بعث و أثير، و هذا لا يبعد في هذا الحرف، فإنّ الْبَعْثَرَةَ تتضمن معنى بعث و أثير.
بعد
الْبُعْدُ: ضد القرب، و ليس لهما حدّ محدود، و إنما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره، يقال ذلك في المحسوس، و هو الأكثر، و في المعقول نحو قوله تعالى: ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً [النساء/ 167]، و قوله عزّ و جلّ: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت/ 44]، يقال: بعد: إذا تباعد، و هو بعيد، وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود/ 83]، و بَعِدَ: مات، و البعد أكثر ما يقال في الهلاك، نحو: بَعِدَتْ ثَمُودُ [هود/ 95]، و قد قال النابغة:
59-
في الأدنى و في الْبَعَدِ «2».
و الْبَعَدُ و الْبُعْدُ يقال فيه و في ضد القرب، قال تعالى: فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون/ 41]، فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ [المؤمنون/ 44]، و قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ [سبأ/ 8]، أي: الضلال الذي يصعب الرجوع منه إلى الهدى تشبيها بمن ضلّ عن محجّة الطريق بعدا متناهيا، فلا يكاد يرجى له العود إليها، و قوله عزّ و جلّ: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود/ 89]، أي: تقاربونهم في الضلال، فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب.
(بَعْدُ): يقال في مقابلة قبل، و نستوفي أنواعه في باب (قبل) إن شاء اللّه تعالى.
بعر
قال تعالى: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ [يوسف/ 72]، الْبَعِيرُ معروف، و يقع على الذكر
__________________________________________________
(1) و هذا يسمّى النحت، و انظر ص 843.
(2) تمام البيت:
فتلك تبلغني النعمان إنّ له فضلا على الناس في الأدنى و في البعد
و هو للنابغة الذبياني من معلقته، انظر ديوانه ص 33، و شرح المعلقات للنحاس 2/ 166.
133
مفردات ألفاظ القرآن
بعر ص 133
و الأنثى، كالإنسان في وقوعه عليهما، و جمعه أَبْعِرَةٌ و أَبَاعِرُ و بُعْرَانٌ، و الْبَعْرُ: لما يسقط منه، و الْمِبْعَرُ:
موضع البعر، و الْمِبْعَارُ من البعير: الكثير البعر.
بعض
بَعْضُ الشيء: جزء منه، و يقال ذلك بمراعاة كلّ، و لذلك يقابل به كلّ، فيقال: بعضه و كلّه، و جمعه أَبْعَاضٌ. قال عزّ و جلّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ* [البقرة/ 36]، وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً [الأنعام/ 129]، وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [العنكبوت/ 25]، و قد بَعَّضْتُ كذا: جعلته أبعاضا نحو جزّأته. قال أبو عبيدة:
وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [الزخرف/ 63]، أي: كلّ الذي «1»، كقول الشاعر:
60-
أو يرتبط بَعْضَ النّفوس حمامها «2»
و في قوله هذا قصور نظر منه «3»، و ذلك أنّ الأشياء على أربعة أضرب:
- ضرب في بيانه مفسدة فلا يجوز لصاحب الشريعة أن يبيّنه، كوقت القيامة و وقت الموت.
- و ضرب معقول يمكن للناس إدراكه من غير نبيّ، كمعرفة اللّه و معرفته في خلق السموات و الأرض، فلا يلزم صاحب الشرع أن يبيّنه، أ لا ترى أنه كيف أحال معرفته على العقول في نحو قوله: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [يونس/ 101]، و بقوله: أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا* [الأعراف/ 184]، و غير ذلك من الآيات.
- و ضرب يجب عليه بيانه، كأصول الشرعيات المختصة بشرعه.
- و ضرب يمكن الوقوف عليه بما بيّنه صاحب الشرع، كفروع الأحكام.
و إذا اختلف الناس في أمر غير الذي يختص بالمنهي بيانه فهو مخيّر بين أن يبيّن و بين ألا يبيّن حسب ما يقتضي اجتهاده و حكمته، فإذا قوله تعالى:
وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [الزخرف/ 63]، لم يرد به كل ذلك، و هذا
__________________________________________________
(1) راجع: مجاز القرآن 2/ 205.
(2) العجز للبيد، و شطره الأول:
ترّاك أمكنة، إذا لم أرضها
و هو من معلقته، انظر ديوانه ص 175، و شرح المعلقات 1/ 161.
(3) قال ثعلب: أجمع أهل النحو على أنّ البعض شيء من أشياء، أو شيء من شيء، إلا هشاما فإنه زعم أنّ قول لبيد:
أو يعتلق بعض النفوس حمامها
فادّعى و أخطأ أن البعض هاهنا جمع، و لم يكن هذا من عمله و إنما أراد لبيد ببعض النفوس نفسه. انظر: اللسان (بعض).
134
مفردات ألفاظ القرآن
بعض ص 134
ظاهر لمن ألقى العصبية عن نفسه، و أما قول الشاعر:
61-
أو يرتبط بَعْضَ النفوس حمامها «1»
فإنه يعني به نفسه، و المعنى: إلا أن يتداركني الموت، لكن عرّض و لم يصرح، حسب ما بنيت عليه جملة الإنسان في الابتعاد من ذكر موته. قال الخليل: يقال: رأيت غربانا تَتَبَعَّضُ «2»، أي:
يتناول بعضها بعضا، و الْبَعُوضُ بني لفظه من بعض، و ذلك لصغر جسمها بالإضافة إلى سائر الحيوانات.
بعل
الْبَعْلُ هو الذكر من الزوجين، قال اللّه عزّ و جل: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً
[هود/ 72]، و جمعه بُعُولَةٌ، نحو: فحل و فحولة. قال تعالى:
وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ
[البقرة/ 228]، و لما تصوّر من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها و القائم عليها كما قال تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء/ 34]، سمّي باسمه كل مستعل على غيره، فسمّى العرب معبودهم الذين يتقربون به إلى اللّه بَعْلًا، لاعتقادهم ذلك فيه في نحو قوله تعالى:
أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ
[الصافات/ 125]، و يقال: أتانا بَعْلُ هذه الدابة، أي: المستعلي عليها، و قيل للأرض المستعلية على غيرها بَعْلٌ، و لفحل النخل بَعْلٌ تشبيها بالبعل من الرجال، و لما عظم حتى يشرب بعروقه بَعْلٌ لاستعلائه،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «فِيمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرُ» «3».
و لمّا كانت وطأة العالي على المستولى عليه مستثقلة في النفس قيل: أصبح فلان بَعْلًا على أهله، أي: ثقيلا لعلوّه عليهم، و بني من لفظ البعل الْمُبَاعَلَةُ و الْبِعَالُ كناية عن الجماع، و بَعَلَ الرجل «4» يَبْعَلُ بُعُولَةً، و اسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ و مُسْتَبْعِلٌ: إذا صار بعلا، و اسْتَبْعَلَ النخل: عظم «5»، و تصوّر من البعل الذي هو النّخل قيامه في مكانه، فقيل: بَعِلَ فلانٌ بأمره:
إذا أدهش و ثبت مكانه ثبوت النخل في مقرّه، و ذلك كقولهم: ما هو إلا شجر، فيمن لا يبرح.
بغت
الْبَغْتُ: مفاجأة الشيء من حيث لا يحتسب.
قال تعالى: لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف/
__________________________________________________
(1) تقدّم في الصفحة السابقة.
(2) في المخطوطة: تتبعضض، و انظر العين 1/ 283.
(3) الحديث بهذه الرواية أخرجه ابن ماجة في سننه 1/ 581، و يروى عنه صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال: «فيما سقت السماء و العيون أو كان عثريا العشر، و ما سقي بالنضح نصف العشر» و هذا متفق عليه. راجع: شرح السنة 6/ 42.
(4) راجع: كتاب الأفعال 4/ 113.
(5) في اللسان: و استبعل الموضع و النخل: صار بعلا راسخ العروق في الماء مستغنيا عن السقي و عن إجراء الماء إليه.
135
مفردات ألفاظ القرآن
بغت ص 135
187]، و قال: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً [الأنبياء/ 40]، و قال: تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً* [يوسف/ 107]، و يقال: بَغَتَ كذا فهو بَاغِتٌ. قال الشاعر:
62-
إذا بَغَتَتْ أشياء قد كان مثلها قديما فلا تعتدّها بَغَتَاتٍ «1»
بغض
الْبُغْضُ: نفار النفس عن الشيء الذي ترغب عنه، و هو ضد الحبّ، فإنّ الحب انجذاب النفس إلى الشيء، الذي ترغب فيه. يقال:
بَغِضَ الشيء بُغْضاً و بَغَضْتُهُ «2» بَغْضَاءَ. قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ [المائدة/ 64]، و قال: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ [المائدة/ 91]، و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ» «3».
فذكر بغضه له تنبيه على بعد فيضه و توفيق إحسانه منه.
بغل
قال اللّه تعالى: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ [النحل/ 8]، و الْبَغْلُ: المتولّد من بين الحمار و الفرس، و تَبَغَّلَ البعير: تشبّه به في سعة مشيه، و تصوّر منه عرامته و خبثه، فقيل في صفة النذل:
هو بَغْلٌ.
بغي
الْبَغْيُ: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، و تارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بَغَيْتُ الشيء: إذا طلبت أكثر ما يجب، و ابْتَغَيْتُ كذلك، قال اللّه عزّ و جل: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ [التوبة/ 48]، و قال تعالى:
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة/ 47]. و الْبَغْيُ على ضربين:
- أحدهما محمود، و هو تجاوز العدل إلى الإحسان، و الفرض إلى التطوع.
- و الثاني مذموم، و هو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه، كما
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحَقُّ بَيِّنٌ وَ الْبَاطِلُ بَيِّنٌ، وَ بَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، وَ مَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى أَوْشَكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» «4».
و لأنّ البغي قد يكون محمودا و مذموما، قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي
__________________________________________________
(1) البيت لابن الرومي، و هو في الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 172، و ديوانه 1/ 377 من قصيدة يعزّي فيها عبيد اللّه بن عبد اللّه عن والدته، و الدر المصون 3/ 689 دون نسبة.
(2) جاء بغضه عن ثعلب وحده.
(3) الحديث أخرجه أحمد عن أسامة بن زيد و الطبراني. راجع: مسند أحمد 2/ 199، و المعجم الأوسط 1/ 221.
(4) الحديث يروى عن النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «الحلال بيّن و الحرام بيّن، و بينهما.
136
مفردات ألفاظ القرآن
بغي ص 136
الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى/ 42]، فخصّ العقوبة ببغيه بغير الحق.
و أَبْغَيْتُكَ: أعنتك على طلبه، و بَغَى الجرح: تجاوز الحدّ في فساده، و بَغَتِ المرأة بِغَاءً: إذا فجرت، و ذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها. قال عزّ و جلّ: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور/ 33]، و بَغَتِ السماء: تجاوزت في المطر حدّ المحتاج إليه، و بَغَى: تكبّر، و ذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، و يستعمل ذلك في أي أمر كان. قال تعالى: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ* [الشورى/ 42]، و قال تعالى:
إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ [يونس/ 23]، ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج/ 60]، إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ [القصص/ 76]، و قال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرات/ 9]، فالبغي في أكثر المواضع مذموم، و قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ* [البقرة/ 173]، أي: غير طالب ما ليس له طلبه و لا متجاوز لما رسم له.
قَالَ الْحَسَنُ: غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لِلَذَّةٍ وَ لَا مُتَجَاوِزٍ سَدَّ الْجَوْعَةِ «1».
و
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: غَيْرَ باغٍ عَلَى إِمَامٍ وَ لا عادٍ فِي الْمَعْصِيَةِ طَرِيقَ الْحَقِّ «2».
و أمّا الِابْتِغَاءُ فقد خصّ بالاجتهاد في الطلب، فمتى كان الطلب لشيء محمود فالابتغاء فيه محمود نحو: ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ [الإسراء/ 28]، و ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى [الليل/ 20]، و قولهم: يَنْبَغِي مطاوع بغى. فإذا قيل: ينبغي أن يكون كذا؟
فيقال على وجهين: أحدهما ما يكون مسخّرا للفعل، نحو: النار يَنْبَغِي أن تحرق الثوب، و الثاني: على معنى الاستئهال، نحو: فلان يَنْبَغِي أن يعطى لكرمه، و قوله تعالى: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ [يس/ 69]، على الأول، فإنّ معناه لا يتسخّر و لا يتسهّل له، أ لا ترى أنّ لسانه لم يكن يجري به، و قوله تعالى: وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [ص/ 35].
__________________________________________________
مشبّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه و دينه، و من وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه». و هذه الرواية الصحيحة، و الحديث أخرجه البخاري في الإيمان (انظر فتح الباري 1/ 116)، و مسلم في المساقاة رقم (1599).
(1) و مثله عن الشعبي و النخعي قالا: إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قدر ما يقيمه. راجع الدر المنثور 1/ 408.
(2) أخرج هذا عن مجاهد البيهقي في المعرفة و السنن و ابن أبي شيبة و ابن المنذر و غيرهم. انظر: الدر المنثور 1/ 408.
137
مفردات ألفاظ القرآن
بقر ص 138
بقر
الْبَقَرُ واحدته بَقَرَةٌ. قال اللّه تعالى: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا [البقرة/ 70]، و قال: بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ [البقرة/ 68]، بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها [البقرة/ 69]، و يقال في جمعه:
بَاقِرٌ «1» كحامل، و بَقِيرٌ كحكيم و قيل: بَيْقُورٌ، و قيل للذكر: ثور، و ذلك نحو: جمل و ناقة، و رجل و امرأة.
و اشتق من لفظه لفظ لفعله، فقيل: بَقَرَ لأرض، أي: شق، و لما كان شقه واسعا استعمل في كلّ شق واسع. يقال: بَقَرْتُ بطنه:
إذا شققته شقا واسعا،
وَ سُمِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاقِراً «2» لِتَوَسُّعِهِ فِي دَقَائِقِ الْعُلُومِ وَ بَقْرِهِ بَوَاطِنَهَا.
و بَيْقَرَ الرجل في المال و في غيره: اتسع فيه، و بَيْقَرَ في سفره: إذا شقّ أرضا إلى أرض متوسعا في سيره، قال الشاعر:
63-
ألا هل أتاها و الحوادث جمّة بأنّ امرئ القيس بن تملك بَيْقَرَا «3»
و بَقَّرَ الصبيان: إذا لعبوا الْبُقَّيْرَى، و ذلك إذا بقّروا حولهم حفائر. و الْبَيْقَرَانُ: نبت، قيل: إنّه يشق الأرض لخروجه و يشقّه بعروقه.
بقل
قوله تعالى: بَقْلِها وَ قِثَّائِها [البقرة/ 61]، الْبَقْلُ: ما لا ينبت أصله و فرعه في الشتاء، و قد اشتق من لفظه لفظ الفعل، فقيل: بَقَلَ، أي:
نبت، و بَقَلَ وجه الصبيّ تشبيها به «4»، و كذا بَقَلَ ناب البعير، قاله ابن السكّيت «5».
و أَبْقَلَ المكان: صار ذا بقل «6» فهو مُبْقِلٌ، و بَقَلْتُ البقل: جززته، و الْمَبْقَلَةُ: موضعه.
بقي
الْبَقَاءُ: ثبات الشيء على حاله الأولى، و هو يضادّ الفناء، و قد بَقِيَ بَقَاءً، و قيل: بَقَى «7» في الماضي موضع بقي، و
فِي الْحَدِيثِ: «بَقَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ» «8».
أي: انتظرناه و ترصّدنا له مدة كثيرة، و الْبَاقِي ضربان: باق بنفسه لا إلى مدّة و هو الباري تعالى، و لا يصحّ عليه الفناء، و باق
__________________________________________________
(1) قال ابن سيده: و الجمع بقر، و جمع البقر: أبقر، كزمن و أزمن. فأما باقر و بقير و بيقور و باقور فأسماء للجمع.
راجع: اللسان (بقر).
(2) انظر: اللسان (بقر) 4/ 74، و سير أعلام النبلاء 4/ 401، و وفيات الأعيان 4/ 174.
(3) البيت لامرئ القيس في ديوانه ص 62، و اللسان (بقر)، و المجمل 1/ 131، و الخصائص 1/ 335.
(4) انظر: الأفعال 4/ 76.
(5) و عبارته: قد بقل وجهه يبقل بقولا: إذا خرج شعر وجهه، و قد بقل ناب البعير بقولا: إذا طلع، راجع: إصلاح المنطق ص 275.
(6) راجع مادة (بطأ) حاشية رقم 1.
(7) و هي لغة بلحرث بن كعب.
(8) الحديث عن معاذ بن جبل قال: بقينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في صلاة العتمة فتأخر، حتى ظنّ الظان أنه ليس بخارج و القائل.
138
مفردات ألفاظ القرآن
بقي ص 138
بغيره و هو ما عداه و يصح عليه الفناء.
و الباقي باللّه ضربان:
- باق بشخصه إلى أن يشاء اللّه أن يفنيه، كبقاء الأجرام السماوية.
- و باق بنوعه و جنسه دون شخصه و جزئه، كالإنسان و الحيوان.
و كذا في الآخرة باق بشخصه كأهل الجنة، فإنهم يبقون على التأبيد لا إلى مدّة، كما قال عزّ و جل: خالِدِينَ فِيها* [البقرة/ 162].
و الآخر بنوعه و جنسه، كما
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «أَنَّ ثِمَارَ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَقْطِفُهَا أَهْلُهَا وَ يَأْكُلُونَهَا ثُمَّ تَخَلَّفَ مَكَانَهَا مِثْلُهَا» «1».
و لكون ما في الآخرة دائما، قال اللّه عزّ و جل: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى* [القصص/ 60]، و قوله تعالى: وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ* [الكهف/ 46]، أي:
ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال، و قد فسّر بأنها الصلوات الخمس، و قيل: سبحان اللّه و الحمد للّه «2»، و الصحيح أنها كلّ عبادة يقصد بها وجه اللّه تعالى «3»، و على هذا قوله: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ [هود/ 86]، و أضافها إلى اللّه تعالى، و قوله تعالى: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [الحاقة/ 8]. أي: جماعة باقية، أو:
فعلة لهم باقية. و قيل: معناه: بقية. قال: و قد جاء من المصادر ما هو على فاعل «4»، و ما هو على بناء مفعول «5»، و الأوّل أصح.
بك
بَكَّةُ هِيَ مَكَّةُ عَنْ مُجَاهِدٍ
و جعله نحو: سبد رأسه و سمده، و ضربة لازب و لازم في كون الباء
__________________________________________________
منا يقول: صلى، فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا له كما قالوا، فقال: «أعتموا هذه الصلاة، فإنكم قد فضّلتم بها على سائر الأمم، و لم تصلّها أمة قبلكم» أخرجه أبو داود في باب وقت العشاء الآخرة. راجع معالم السنن 1/ 131.
(1) الحديث عن ثوبان أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرة إلا أعيد في مكانها مثلاها» أخرجه البزار و الطبراني، راجع: الدر المنثور 1/ 97.
(2) راجع: الدر المنثور للسيوطي 5/ 396.
(3) و هذا قول قتادة فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم و ابن مردويه. انظر: الدر المنثور 5/ 399.
(4) و في ذلك قال أبو بكر ابن محنض الشنقيطي:
فاعلة المصدر منها العافية ناشئة نازلة و واقية
باقية لديهم و خاطئة م الهاء كالنائل جاءت عارية
و مثلها صاعقة و راغية.
(5) المصادر التي جاءت على وزن مفعول جمعها بعضهم فقال:
مجلودكم محلوفكم معقول مصادر يزنها مفعول
كذلك المغسول و المعسول فأصغ ليتا أيها النبيل
و زاد شيخنا عليها:
و مثل ذاك أيضا الميسور و مثله في ذلك المعسور.
139
مفردات ألفاظ القرآن
بك ص 139
بدلا من الميم. قال عزّ و جلّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً [آل عمران/ 96]. و قيل: بطن مكة، و قيل: هي اسم المسجد، و قيل: هي البيت، و قيل: هي حيث الطواف «1» و سمّي بذلك من التَّبَاكِّ، أي:
الازدحام، لأنّ الناس يزدحمون فيه للطواف، و
قِيلَ: سُمِّيَتْ مَكَّةُ بَكَّةَ لِأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إِذَا أَلْحَدُوا فِيهَا بِظُلْمٍ.
بكر
أصل الكلمة هي الْبُكْرَةُ التي هي أوّل النهار، فاشتق من لفظه لفظ الفعل، فقيل: بَكَرَ فلان بُكُوراً: إذا خرج بُكْرَةً، و الْبَكُورُ: المبالغ في البكرة، و بَكَّرَ في حاجته و ابْتَكَرَ و بَاكَرَ مُبَاكَرَةً.
و تصوّر منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار، فقيل لكلّ متعجل في أمر: بِكْرٌ، قال الشاعر:
64-
بَكَرَتْ تلومك بعد وهن في النّدى بسل عليك ملامتي و عتابي «2»
و سمّي أول الولد بِكْراً، و كذلك أبواه في ولادته [إيّاه تعظيما له، نحو: بيت اللّه، و قيل:
أشار إلى ثوابه و ما أعدّ لصالحي عباده ممّا لا يلحقه الفناء، و هو المشار إليه بقوله تعالى: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ] «3» [العنكبوت/ 64]، قال الشاعر:
65-
يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ و يا خلب الكبد «4»
فبكر في قوله تعالى: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ [البقرة/ 68]. هي التي لم تلد، و سمّيت التي لم تفتضّ بِكْراً اعتبارا بالثيّب، لتقدّمها عليها فيما يراد له النساء، و جمع البكر أَبْكَارٌ. قال تعالى:
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً [الواقعة/ 35- 36]. و الْبَكَرَةُ: المحالة الصغيرة، لتصوّر السرعة فيها.
بكم
قال عزّ و جلّ: صُمٌّ بُكْمٌ* [البقرة/ 18]، جمع أَبْكَمَ، و هو الذي يولد أخرس، فكلّ أبكم أخرس، و ليس كل أخرس أبكم، قال تعالى:
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ [النحل/ 76]، و يقال: بَكُمَ عن
__________________________________________________
(1) انظر: الدر المنثور 2/ 57.
(2) البيت في اللسان (بكر) بلا نسبة. و هو لضمرة بن ضمرة النهشلي، و هو من نوادر أبي زيد ص 2، و الأفعال 4/ 67، و البرصان و العرجان للجاحظ ص 59، و أمالي القالي 2/ 279.
(3) ما بين [] ليس في نسخة المحمودية رقم 2091، و هو ثابت في باقي النسخ، و لا أرى له تعلّقا بما قبله سوى قوله تعظيما له نحو بيت اللّه.
(4) هذا شطر بيت، و عجزه:
أصبحت مني كذراع من عضد
و هو في اللسان (بكر)، و غريب الحديث للخطّابي 2/ 315، و الصحاح: بكر، و ديوان الأدب للفارابي 1/ 180، و أمالي القالي 1/ 24 و لم ينسبه أحد منهم، و البيت للكميت في ديوانه 1/ 166، و مثلث البطليوسي 1/ 362.
الخلب: حجاب القلب. و منه قيل: إنّه لخلب النساء، أي: يحببنه.
140
مفردات ألفاظ القرآن
بكم ص 140
الكلام: إذا ضعف عنه لضعف عقله، فصار كالأبكم.
بكي
بَكَى يَبْكِي بُكًى و بُكَاءً، فالبكاء بالمدّ: سيلان الدمع عن حزن و عويل، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرّغاء و الثغاء و سائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت، و بالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب، و جمع الْبَاكِي بَاكُونَ و بُكِيٌّ، قال اللّه تعالى: خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا [مريم/ 58]. و أصل بكيّ فُعُول «1»، كقولهم: ساجد و سجود، و راكع و ركوع، و قاعد و قعود، لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو: جاث و جثيّ، و عات و عتيّ، و بُكًى يقال في الحزن و إسالة الدمع معا، و يقال في كل واحد منهما منفردا عن الآخر، و قوله عزّ و جلّ: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً [التوبة/ 82] إشارة إلى الفرح و الترح و إن لم تكن مع الضحك قهقهة و لا مع البكاء إسالة دمع.
و كذلك قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ [الدخان/ 29]، و قد قيل:
إنّ ذلك على الحقيقة، و ذلك قول من يجعل لهما حياة و علما، و قيل: ذلك على المجاز، و تقديره:
فما بكت عليهم أهل السماء.
بل
بَلْ كلمة للتدارك، و هو ضربان:
- ضرب يناقض ما بعده ما قبله، لكن ربما يقصد به لتصحيح الحكم الذي بعده و إبطال ما قبله، و ربما يقصد تصحيح الذي قبله و إبطال الثاني، فممّا قصد به تصحيح الثاني و إبطال الأول قوله تعالى: إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين/ 13- 14]، أي:
ليس الأمر كما قالوا بل جهلوا، فنبّه بقوله:
رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ على جهلهم، و على هذا قوله في قصة إبراهيم قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء/ 62- 63].
و ممّا قصد به تصحيح الأول و إبطال الثاني قوله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ* كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ [الفجر/ 15- 17].
أي: ليس إعطاؤهم المال من الإكرام و لا منعهم من الإهانة، لكن جهلوا ذلك لوضعهم المال في غير موضعه، و على ذلك قوله تعالى:
__________________________________________________
(1) إلا أنهم قلبوا الواو ياء ثم أدغموها مع الياء.
141
مفردات ألفاظ القرآن
بل ص 141
ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ [ص/ 1- 2]، فإنّه دلّ بقوله:
وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أنّ القرآن مقرّ للتذكر، و أن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعا للذكر، بل لتعزّزهم و مشاقّتهم، و على هذا: ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ* بَلْ عَجِبُوا [ق/ 1- 2]، أي: ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن، و لكن لجهلهم، و نبّه بقوله: بَلْ عَجِبُوا على جهلهم، لأنّ التعجب من الشيء يقتضي الجهل بسببه، و على هذا قوله عزّ و جلّ: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ* كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ [الانفطار/ 6- 9]، كأنه قيل: ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرّهم به تعالى، و لكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.
- و الضرب الثاني من «بَلْ»: هو أن يكون مبيّنا للحكم الأول و زائدا عليه بما بعد «بل»، نحو قوله تعالى: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [الأنبياء/ 5]، فإنّه نبّه أنهم يقولون: أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ، يزيدون على ذلك أنّ الذي أتى به مفترى افتراه، بل يزيدون فيدّعون أنه كذّاب، فإنّ الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع، و على هذا قوله تعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ* بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ [الأنبياء/ 39- 40]، أي: لو يعلمون ما هو زائد عن الأول و أعظم منه، و هو أن تأتيهم بغتة، و جميع ما في القرآن من لفظ «بل» لا يخرج من أحد هذين الوجهين و إن دقّ الكلام في بعضه.
بلد
الْبَلَدُ: المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطّانه و إقامتهم فيه، و جمعه: بِلَادٌ و بُلْدَانٌ، قال عزّ و جلّ: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ
[البلد/ 1]، قيل: يعني به مكة «1». قال تعالى:
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ [سبأ/ 15]، فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [الزخرف/ 11]، و قال عزّ و جلّ:
فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف/ 57]، رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً [البقرة/ 126]، يعني: مكة و تخصيص ذلك في أحد الموضعين و تنكيره في الموضع الآخر له موضع غير هذا الكتاب «2».
__________________________________________________
(1) و هذا قول ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير: 30/ 193 و ابن أبي حاتم.
(2) قال الإسكافي: (قوله تعالى في البقرة: ربّ اجعل هذا بلدا آمنا، و في سورة إبراهيم: ربّ اجعل هذا البلد آمنا. قال: الجواب أن يقال: الدعوة الأولى وقعت و لم يكن المكان قد جعل بلدا، فكأنّه قال: اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، و الدعوة الثانية وقعت و قد جعل بلدا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي صيّرته كما أردت و مصرته كما سألت ذا أمن على من أوى إليه). ا. ه مختصرا. راجع درة التنزيل للإسكافي ص 29، و فتح الرحمن للأنصاري ص 39، و ملاك التأويل 1/ 90.
142
مفردات ألفاظ القرآن
بلد ص 142
و سميت المفازة بَلَداً لكونها موطن الوحشيات، و المقبرة بَلَداً لكونها موطنا للأموات، و الْبَلْدَةُ منزل من منازل القمر، و الْبَلْدَةُ: البلجة ما بين الحاجبين تشبيها بالبلد لتمدّدها، و سميت الكركرة بَلْدَةً لذلك، و ربما استعير ذلك لصدر الإنسان «1»، و لاعتبار الأثر قيل: بجلده بَلَدٌ، أي: أثر، و جمعه: أَبْلَادٌ، قال الشاعر:
66-
و في النّحور كلوم ذات أَبْلَادٍ «2»
و أَبْلَدَ الرجل: صار ذا بلد، نحو: أنجد و أتهم «3». و بَلِدَ: لزم البلد.
و لمّا كان اللازم لموطنه كثيرا ما يتحيّر إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحيّر: بَلُدَ في أمره و أَبْلَدَ و تَبَلَّدَ، قال الشاعر:
67-
لا بدّ للمحزون أن يَتَبَلَّدَا «4»
و لكثرة وجود الْبَلَادَةِ فيمن كان جلف البدن قيل: رجل أَبْلَدُ، عبارة عن عظيم الخلق، و قوله تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف/ 58]، كنايتان عن النفوس الطاهرة و النجسة فيما قيل «5».
بلس
الْإِبْلَاسُ: الحزن المعترض من شدة البأس، يقال: أَبْلَسَ، و منه اشتق إِبْلِيسُ فيما قيل. قال عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ [الروم/ 12]، و قال تعالى:
أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام/ 44]، و قال تعالى: وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ
[الروم/ 49].
و لمّا كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت و ينسى ما يعنيه قيل: أَبْلَسَ فلان: إذا سكت و إذا انقطعت حجّته، و أَبْلَسَتِ الناقة فهي مِبْلَاسٌ: إذا
__________________________________________________
(1) يقال: فلان واسع البلدة، أي: واسع الصدر.
(2) هذا عجز بيت للقطامي، و صدره:
ليست تجرّح فرّارا ظهورهم
و هو في اللسان (بلد)، و ديوانه ص 12، و المشوف المعلم 1/ 117، و البصائر 2/ 273، و إصلاح المنطق ص 410.
(3) راجع: مادة (ألف).
(4) البيت يروى:
ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
و هي في اللسان: (بلد)، و يروى:
لا بدّ للمصدور من أن يسعلا
و هو في اللسان: (صدر) 4/ 45 و البيت للأحوص، و هو في الأغاني 13/ 153، و ديوانه ص 98.
(5) و هذا مروي عن ابن عباس و قتادة. راجع الدر المنثور 3/ 478.
143
مفردات ألفاظ القرآن
بلس ص 143
لم ترع من شدة الضبعة. و أمّا الْبَلَاسُ: للمسح، ففارسيّ معرّب «1».
بلع
قال عزّ و جلّ: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ [هود/ 44]، من قولهم: بَلِعْتُ الشيء و ابْتَلَعْتُهُ، و منه: الْبَلُّوعَةُ. و سعد بُلَعَ نجم، و بَلَّعَ الشيب في رأسه: أول ما يظهر.
بلغ
الْبُلُوغُ و الْبَلَاغُ: الانتهاء إلى أقصى المقصد و المنتهى، مكانا كان أو زمانا، أو أمرا من الأمور المقدّرة، و ربما يعبّر به عن المشارفة عليه و إن لم ينته إليه، فمن الانتهاء: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف/ 15]، و قوله عزّ و جلّ:
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ [البقرة/ 232]، و ما هُمْ بِبالِغِيهِ [غافر/ 56]، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ [الصافات/ 102]، لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ [غافر/ 36]، أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ [القلم/ 39]، أي: منتهية في التوكيد.
و الْبَلَاغُ: التبليغ، نحو قوله عزّ و جلّ: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ [إبراهيم/ 52]، و قوله عزّ و جلّ:
بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ [الأحقاف/ 35]، وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [يس/ 17]، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ [الرعد/ 40].
و الْبَلَاغُ: الكفاية، نحو قوله عزّ و جلّ: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ [الأنبياء/ 106]، و قوله عزّ و جلّ: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ [المائدة/ 67]، أي: إن لم تبلّغ هذا أو شيئا مما حمّلت تكن في حكم من لم يبلّغ شيئا من رسالته، و ذلك أنّ حكم الأنبياء و تكليفاتهم أشدّ، و ليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يتجافى عنهم إذا خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً، و أمّا قوله عزّ و جلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق/ 2]، فللمشارفة، فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها و إمساكها.
و يقال: بَلَّغْتُهُ الخبر و أَبْلَغْتُهُ مثله، و بلّغته أكثر، قال تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي* [الأعراف/ 62]، و قال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة/ 67]، و قال عزّ و جلّ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ [هود/ 57]، و قال تعالى: بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ [آل عمران/ 40]، و في موضع: وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم/ 8]، و ذلك نحو: أدركني الجهد و أدركت
__________________________________________________
(1) قال أبو عبيدة: و مما دخل في كلام العرب من كلام فارس: المسح، تسميه العرب البلاس، و هو فارسي معرّب.
و من دعائهم: أرانيك اللّه على البلس، و هي غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين.
144
مفردات ألفاظ القرآن
بلغ ص 144
الجهد، و لا يصحّ: بلغني المكان و أدركني.
و الْبَلَاغَةُ تقال على وجهين:
- أحدهما: أن يكون بذاته بليغا، و ذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف: صوبا في موضوع لغته، و طبقا للمعنى المقصود به، و صدقا في نفسه «1»، و متى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة.
- و الثاني: أن يكون بليغا باعتبار القائل و المقول له، و هو أن يقصد القائل أمرا فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له، و قوله تعالى: وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً
[النساء/ 63]، يصح حمله على المعنيين، و قول من قال «2»: معناه قل لهم: إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، و قول من قال: خوّفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ، و الْبُلْغَةُ: ما يتبلّغ به من العيش.
بلى
يقال: بَلِيَ الثوب بِلًى و بَلَاءً، أي: خلق، و منه قيل لمن سافر: بِلْوُ سفر و بِلْيُ سفر، أي:
أبلاه السفر، و بَلَوْتُهُ: اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له، و قرئ: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ
«3» [يونس/ 30]، أي: تعرف حقيقة ما عملت، و لذلك قيل: بَلَوْتُ فلانا: إذا اختبرته، و سمّي الغم بَلَاءً من حيث إنه يبلي الجسم، قال تعالى: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ* [البقرة/ 49]، وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ الآية [البقرة/ 155]، و قال عزّ و جل: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات/ 106]، و سمي التكليف بَلَاءً من أوجه:
- أحدها: أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجه بلاء.
- و الثاني: أنّها اختبارات، و لهذا قال اللّه عزّ و جل: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ [محمد/ 31].
- و الثالث: أنّ اختبار اللّه تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا، و تارة بالمضار ليصبروا، فصارت المحنة و المنحة جميعا بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر، و المنحة مقتضية للشكر.
و القيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة أعظم البلاءين، و بهذا النظر
قَالَ عُمَرَ: (بُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا وَ بُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَشْكُرُ) «4».
و لهذا
قَالَ أَمِيرُ
__________________________________________________
(1) و في هذا يقول مخلوف الميناوي:
بلاغة الكلام أن يطابقا - و هو فصيح- مقتضى الحال ثقا.
(2) هو الزجاج في معاني القرآن 2/ 70.
(3) و هي قراءة الجميع عدا حمزة و الكسائي.
(4) انظر الزهد لابن المبارك ص 182، و الرياض النضرة للطبري 4/ 314، و سنن الترمذي 3/ 307.
145
مفردات ألفاظ القرآن
بلى ص 145
الْمُؤْمِنِينَ: مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ مُكِرَ بِهِ فَهُوَ مَخْدُوعٌ عَنْ عَقْلِهِ «1».
و قال تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء/ 35]، وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً «2» [الأنفال/ 17]، و قوله عزّ و جل: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ* [البقرة/ 49]، راجع إلى الأمرين، إلى المحنة التي في قوله عزّ و جل: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ* [البقرة/ 49]، و إلى المنحة التي أنجاهم، و كذلك قوله تعالى: وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤٌا مُبِينٌ
[الدخان/ 33]، راجع إلى الأمرين، كما وصف كتابه بقوله: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت/ 44].
و إذا قيل: ابْتَلَى فلان كذا و أَبْلَاهُ فذلك يتضمن أمرين: أحدهما تعرّف حاله و الوقوف على ما يجهل من أمره، و الثاني ظهور جودته و رداءته، و ربما قصد به الأمران، و ربما يقصد به أحدهما، فإذا قيل في اللّه تعالى: بَلَا كذا و أَبْلَاهُ فليس المراد منه إلا ظهور جودته و رداءته، دون التعرف لحاله، و الوقوف على ما يجهل من أمره إذ كان اللّه علّام الغيوب، و على هذا قوله عزّ و جل: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ [البقرة/ 124].
و يقال: أَبْلَيْتُ فلانا يمينا: إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها «3».
بَلَى: ردّ للنفي نحو قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ* بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة/ 80- 81]، أو جواب لاستفهام مقترن بنفي نحو: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا: بَلى [الأعراف/ 172].
و (نَعَمْ) يقال في الاستفهام المجرّد نحو:
فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا: نَعَمْ [الأعراف/ 44]، و لا يقال هاهنا: بلى فإذا قيل:
ما عندي شيء فقلت: بلى فهو ردّ لكلامه، و إذا قلت نعم فإقرار منك.
قال تعالى: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل/ 28]، وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ/ 3]، وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى [الزمر/ 71]، قالُوا أَ وَ لَمْ تَكُ
__________________________________________________
(1) انظر ربيع الأبرار 1/ 45.
(2) و انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 274، فقد نقل الفيروزآبادي غالب هذا الباب.
(3) انظر: اللسان (بلا) 14/ 84.
146
مفردات ألفاظ القرآن
بلى ص 145
تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى [غافر/ 50].
بنَ
الْبَنَانُ: الأصابع، قيل: سمّيت بذلك لأنّ بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبنّ بها، يريد: أن يقيم بها، و يقال: أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ «1»، و لذلك خصّ في قوله تعالى: بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ
[القيامة/ 4]، و قوله تعالى:
وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ [الأنفال/ 12]، خصّه لأجل أنهم بها تقاتل و تدافع، و الْبَنَّةُ:
الرائحة التي تبنّ بما تعلق به.
بنى
يقال: بَنَيْتُ أَبْنِي بِنَاءً و بِنْيَةً و بِنًى. قال عزّ و جلّ: وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً [النبأ/ 12]. و الْبِنَاءُ: اسم لما يبنى بناء، قال تعالى:
لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ [الزمر/ 20]، و الْبَنِيَّةُ يعبر بها عن بيت اللّه تعالى «2». قال تعالى: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات/ 47]، وَ السَّماءِ وَ ما بَناها [الشمس/ 5]، و الْبُنْيَانُ واحد لا جمع، لقوله تعالى: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة/ 110]، و قال: كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ [الصف/ 4]، قالُوا: ابْنُوا لَهُ بُنْياناً [الصافات/ 97]، و قال بعضهم: بُنْيَانٌ جمع بُنْيَانَةٍ، فهو مثل: شعير و شعيرة، و تمر و تمرة، و نخل و نخلة، و هذا النحو من الجمع يصح تذكيره و تأنيثه.
و (ابْنٌ) أصله: بنو، لقولهم في الجمع:
أَبْنَاءٌ، و في التصغير: بُنَيٌّ، قال تعالى: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ [يوسف/ 5]، يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات/ 102]، يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ
[لقمان/ 13]، يا بُنَيَّ لا تعبُد الشيطان، و سمّاه بذلك لكونه بناء للأب، فإنّ الأب هو الذي بناه و جعله اللّه بناء في إيجاده، و يقال لكلّ ما يحصل من جهة شيء أو من تربيته، أو بتفقده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره: هو ابْنُهُ، نحو: فلان ابْنُ الحرب، و ابْنُ السبيل للمسافر، و ابْنُ الليل، و ابْنُ العلم، قال الشاعر:
68-
أولاك بَنُو خير و شرّ كليهما «3»
__________________________________________________
(1) قال السرقسطي: أبنّ بالمكان: أقام. راجع: الأفعال 4/ 128.
(2) العين 8/ 382.
(3) هذا شطر بيت، و عجزه:
جميعا و معروف ألمّ و منكر
و نسبه الجاحظ للعتبي، و اسمه محمد بن عبد اللّه و هو وهم و لم يعلّق عليه المحقق هارون، و البيت في الحيوان 2/ 89، [استدراك] و الصناعتين ص 59.
و الصحيح أنّ البيت لمسافع بن حذيفة العبسي، و هو في شرح الحماسة للتبريزي 3/ 24، و الخزانة 5/ 71، و مثلث البطليوسي 1/ 340.
147
مفردات ألفاظ القرآن
بنى ص 147
و فلان ابْنُ بطنه و ابْنُ فرجه: إذا كان همّه مصروفا إليهما، و ابْنُ يومه: إذا لم يتفكّر في غده. قال تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَ قالَتِ النَّصارى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ [التوبة/ 30].
و قال تعالى: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود/ 45]، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ [يوسف/ 81]، و جمع ابْن: أَبْنَاء و بَنُون، قال عزّ و جل: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً [النحل/ 72]، و قال عزّ و جلّ: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ [يوسف/ 67]، يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف/ 31]، يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ [الأعراف/ 27]، و يقال في مؤنث ابن: ابْنَةٌ و بِنْتٌ، و قوله تعالى:
هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود/ 78]، و قوله: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ [هود/ 79]، فقد قيل: خاطب بذلك أكابر القوم و عرض عليهم بناته «1» لا أهل قريته كلهم، فإنه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجمّ الغفير، و قيل: بل أشار بالبنات إلى نساء أمته، و سماهنّ بَنَاتٍ له لكون كلّ نبيّ بمنزلة الأب لأمته، بل لكونه أكبر و أجل الأبوين لهم كما تقدّم في ذكر الأب، و قوله تعالى: وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ [النحل/ 57]، هو قولهم عن اللّه: إنّ الملائكة بنات اللّه.
بهت
قال اللّه عزّ و جل: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة/ 258]، أي: دهش و تحيّر، و قد بَهَتَهُ.
قال عزّ و جل: هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ [النور/ 16] أي: كذب يبهت سامعه لفظاعته. قال تعالى: وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَ [الممتحنة/ 12]، كناية عن الزنا «2»، و قيل: بل ذلك لكل فعل مستبشع يتعاطينه باليد و الرّجل من تناول ما لا يجوز و المشي إلى ما يقبح، و يقال: جاء بِالْبَهِيتَةِ، أي:
بالكذب.
بهج
الْبَهْجَةُ: حسن اللون و ظهور السرور، و فيه قال عزّ و جل: حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [النمل/ 60]، و قد بَهُجَ فهو بَهِيجٌ، قال: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [ق/ 7]، و يقال: بَهِجٌ، كقول الشاعر:
69-
ذات خلق بَهِجٍ «3»
و لا يجيء منه بَهُوجٌ، و قد ابْتَهَجَ بكذا، أي:
__________________________________________________
(1) و هذا قول حذيفة بن اليمان فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم. و انظر: الدر المنثور 4/ 458.
(2) و هذا بعيد لأن الزنا ذكر في أول الآية، و قال ابن عباس: كانت الحرة يولد لها الجارية فتجعل مكانها غلاما. راجع:
الدر المنثور 8/ 141.
(3) لم أجده.
148
مفردات ألفاظ القرآن
بهج ص 148
سرّ به سرورا بان أثره على وجهه، و أَبْهَجَهُ كذا.
بهل
أصل الْبَهْلِ: كون الشيء غير مراعى، و الْبَاهِلُ: البعير المخلّى عن قيده أو عن سمة، أو المخلّى ضرعها عن صرار. قالت امرأة: أتيتك بَاهِلًا غير ذات صرار «1»، أي: أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم أستأثر بشيء من دونه، و أَبْهَلْتُ فلانا: خلّيته و إرادته، تشبيها بالبعير الباهل.
و الْبَهْلُ و الِابْتِهَالُ في الدعاء: الاسترسال فيه و التضرع، نحو قوله عزّ و جل: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [آل عمران/ 61]، و من فسّر الابتهال باللعن فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن، قال الشاعر:
70-
نظر الدّهر إليهم فَابْتَهَلَ «2»
أي: استرسل فيهم فأفناهم.
بهم
الْبُهْمَةُ: الحجر الصلب، و قيل للشجاع بُهْمَةٌ تشبيها به، و قيل لكلّ ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوسا، و على الفهم إن كان معقولا: مُبْهَمٌ.
و يقال: أَبْهَمْتُ كذا فَاسْتَبْهَمَ، و أَبْهَمْتُ الباب: أغلقته إغلاقا لا يهتدى لفتحه، و الْبَهِيمَةُ:
ما لا نطق له، و ذلك لما في صوته من الإبهام، لكن خصّ في التعارف بما عدا السباع و الطير.
فقال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ [المائدة/ 1]، و ليل بَهِيمٌ، فعيل بمعنى مُفْعَل «3»، قد أبهم أمره للظلمة، أو في معنى مفعل لأنه يبهم ما يعنّ فيه فلا يدرك، و فرس بَهِيمٌ: إذا كان على لون واحد لا يكاد تميّزه العين غاية التمييز، و منه ما
رُوِيَ أَنَّهُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بُهْماً» «4».
أي: عراة، و قيل: معرّون مما يتوسّمون به في الدنيا و يتزينون به، و اللّه أعلم.
و الْبَهْمُ: صغار الغنم، و الْبُهْمَى: نبات يستبهم منبته لشوكه، و قد أَبْهَمَتِ الأرض: كثر بهمها «5»، نحو: أعشبت و أبقلت، أي: كثر عشبها.
__________________________________________________
(1) انظر: المجمل 1/ 138. و قائلة هذا امرأة دريد بن الصمّة لما أراد طلاقها ... انظر اللسان: بهل.
(2) هذا عجز بيت، و شطره الأول:
في قروم سادة من قومه
و هو للبيد في ديوانه ص 148، و أساس البلاغة ص 32.
(3) في المخطوطة: بمعنى مفعول.
(4) الحديث: «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما»، قال: قلنا: و ما بهما؟ قال: «ليس معهم شيء ...» الخ.
أخرجه أحمد بإسناد حسن في مسنده 3/ 495، و الحاكم 2/ 437 و صححه و وافقه الذهبي، و قال ابن حجر: و له طريق أخرى عند الطبراني و إسناده صالح، و انظر: شرح السنة 1/ 280، و مجمع الزوائد 10/ 354.
(5) و ذلك أنّ «أفعل» تأتي للتكثير، كأضبّ المكان: كثرت ضبابه، و أظبى: كثرت ظباؤه، و أعال: كثرت عياله. و قد جمع.
149
مفردات ألفاظ القرآن
باب ص 150
باب
الْبَابُ يقال لمدخل الشيء، و أصل ذلك:
مداخل الأمكنة، كباب المدينة و الدار و البيت، و جمعه: أَبْوَابٌ. قال تعالى: وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ [يوسف/ 25]، و قال تعالى: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ [يوسف/ 67]، و منه يقال في العلم: بَابُ كذا، و هذا العلم بَابٌ إلى علم كذا، أي: به يتوصل إليه.
و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا» «1».
أي: به يتوصّل، قال الشاعر:
71-
أتيت المروءة من بَابِهَا «2»
و قال تعالى: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام/ 44]، و قال عزّ و جل: بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ [الحديد/ 13] و قد يقال:
أَبْوَابُ الجنّة و أَبْوَابُ جهنم للأشياء التي بها يتوصّل إليهما. قال تعالى: فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ* [النحل/ 29]، و قال تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر/ 73]، و ربما قيل: هذا من بَابَةِ كذا، أي: ممّا يصلح له، و جمعه:
بَابَاتٌ، و قال الخليل: بابة «3» في الحدود، و بَوَّبْتُ بابا، أي: عملت، و أبواب مُبَوَّبَةٌ، و الْبَوَّابُ حافظ البيت، و تَبَوَّبْتُ بوابا: اتخذته، و أصل باب: بَوَبٌ.
__________________________________________________
الحسن بن زين الشنقيطي رحمه اللّه شيخ والد شيخنا معاني «أفعل» في تكميله لامية الأفعال لابن مالك فقال:
بأفعل استغن أو طاوع مجرّده و للإزالة و الوجدان قد حصلا
و قد يوافق مفتوحا و منكسرا ثلاثيا كوعى و المرء قد نملا
أعن و كثّر و صيّر عرضن به و للبلوغ كأمأى جعفر إبلا
و عدّين به و أطلقنّ و قس و نقلنا غيره من هذه نقلا.
(1) الحديث رواه الحاكم في المستدرك و الطبراني في الكبير و أبو الشيخ في السنة و غيرهم، و كلهم عن ابن عباس مرفوعا مع زيادة: «فمن أتى العلم فليأت الباب» و رواه الترمذي و أبو نعيم و غيرهما عن عليّ بلفظ أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال:
«أنا دار الحكمة و عليّ بابها».
و هذا حديث مضطرب غير ثابت كما قاله الدارقطني في العلل 3/ 247، و قال الترمذي: منكر، و قال البخاري:
ليس له وجه صحيح، و نقل الخطيب البغدادي عن ابن معين أنه قال: كذب لا أصل له. و ذكره ابن الجوزي في الموضوعات و وافقه الذهبي و غيره، المستدرك 3/ 126 و قال الحاكم فيه: صحيح الإسناد و تعقّبه الذهبي فقال: بل موضوع، لكن قال في الدرر نقلا عن أبي سعيد العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار تعدّد طرقه، لا صحيح و لا ضعيف، فضلا أن يكون موضوعا، و كذا قال الحافظ ابن حجر في فتوى له. و قال في اللآلئ بعد كلام طويل:
و الحاصل أن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية و شريك إلى درجة الحسن المحتج به. راجع كشف الخفاء 1/ 203، و اللآلئ المصنوعة 1/ 329، و عارضة الأحوذي 13/ 171، و الحلية 1/ 64.
(2) البيت تقدّم برقم 5.
(3) و عبارته في العين 8/ 415: و البابة في الحدود و الحساب.
150
مفردات ألفاظ القرآن
بيت ص 151
بيت
أصل الْبَيْتِ: مأوى الإنسان بالليل، لأنه يقال: بَاتَ: أقام بالليل، كما يقال: ظلّ بالنهار ثم قد يقال للمسكن بَيْتٌ من غير اعتبار الليل فيه، و جمعه أَبْيَاتٌ و بُيُوتٌ، لكن البيوت بالمسكن أخصّ، و الأبيات بالشعر. قال عزّ و جلّ: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل/ 52]، و قال تعالى: وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس/ 78]، لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ [النور/ 27]، و يقع ذلك على المتخذ من حجر و مدر و صوف و وبر، و به شبّه بيت الشعر، و عبّر عن مكان الشيء بأنه بيته، و صار أهلُ الْبَيْتِ متعارفا في آل النبيّ عليه الصلاة و السلام، و نبّه النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم
بِقَوْلِهِ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» «1».
أنّ مولى القوم يصح نسبته إليهم، كما
قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَ ابْنُهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» «2».
و بَيْتُ اللّه و الْبَيْتُ العتيق: مكة، قال اللّه عزّ و جل: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج/ 29]، إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ [آل عمران/ 96]، وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة/ 127] يعني: بيت اللّه.
و قوله عزّ و جل: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى [البقرة/ 189]، إنما نزل في قوم كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم، فنبّه تعالى أنّ ذلك مناف للبرّ «3»، و قوله عزّ و جلّ: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ [الرعد/ 23]، معناه: بكل نوع من المسارّ، و قوله تعالى:
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ [النور/ 36]، قيل: بيوت النبيّ «4» نحو: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ [الأحزاب/ 53]، و قيل: أشير بقوله: فِي بُيُوتٍ إلى أهل بيته و قومه. و قيل: أشير به إلى القلب. و قال بعض الحكماء في
قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَ لَا صُورَةٌ» «5».
: إنه أريد به القلب، و عني بالكلب الحرص بدلالة أنه يقال: كلب
__________________________________________________
(1) أخرجه الحاكم 3/ 598 و قال الذهبي: سنده ضعيف، و قال العجلوني: رواه الطبراني و الحاكم عن عمرو بن عوف، و سنده ضعيف ا. ه. قال الهيثمي: فيه عند الطبراني كثير بن عبد اللّه المزني ضعّفه الجمهور، و بقية رجاله ثقات.
انظر: كشف الخفاء 1/ 459، و الفتح الكبير 2/ 159، و أسباب ورود الحديث 2/ 367.
(2) قال السخاوي: رواه أصحاب السنن و ابن حبان من حديث أبي رافع و فيه قصة. ا. ه.
و هو عند الشيخين عن أنس بلفظ: «من أنفسهم» و أيضا فيه: «ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم». راجع: فتح الباري 12/ 48، و شرح السنة 8/ 352، و كشف الخفاء 2/ 291، و المقاصد الحسنة ص 439.
(3) انظر: الدر المنثور 1/ 491. و أسباب النزول للواحدي ص 86.
(4) و هذا قول مجاهد فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم. انظر: الدر المنثور 6/ 203.
(5) الحديث متفق على صحته، و هو في البخاري في بدء الخلق 6/ 256، و مسلم برقم (2106) في اللباس و الزينة، و انظر: شرح السنة 12/ 126.
151
مفردات ألفاظ القرآن
بيت ص 151
فلان: إذا أفرط في الحرص، و قولهم: هو أحرص من كلب «1».
و قوله تعالى: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ [الحج/ 26] يعني: مكة، و قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم/ 11]، أي: سهّل لي فيها مقرّا، وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس/ 87] يعني: المسجد الأقصى.
و قوله عزّ و جل: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات/ 36]، فقد قيل:
إشارة إلى جماعة البيت فسمّاهم بيتا كتسمية نازل القرية قرية. و الْبَيَاتُ و التَّبْيِيتُ: قصد العدوّ ليلا.
قال تعالى: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ [الأعراف/ 97]، بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ [الأعراف/ 4]. و الْبَيُّوتُ: ما يفعل بالليل، قال تعالى: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ [النساء/ 81]. يقال لكلّ فعل دبّر فيه بالليل:
بُيِّتَ، قال تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ [النساء/ 108]، و على ذلك
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» «2».
و بَاتَ فلان يفعل كذا عبارة موضوعة لما يفعل بالليل، كَظَلَّ لما يفعل بالنهار، و هما من باب العبارات.
باد
قال عزّ و جل: ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً [الكهف/ 35]، يقال: بَادَ الشيءُ يَبِيدُ بَيَاداً: إذا تفرّق و توزّع في الْبَيْدَاءِ، أي: المفازة، و جمع البيداء: بِيدٌ، و أتان بَيْدَانَةٌ: تسكن البادية البيداء.
بور
الْبَوَارُ: فرط الكساد، و لمّا كان فرط الكساد يؤدّي إلى الفساد- كما قيل: كسد حتى فسد- عبّر بالبوار عن الهلاك، يقال: بَارَ الشيء يَبُورُ بَوَاراً و بَوْراً، قال عزّ و جل: تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر/ 29]، وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر/ 10]،
__________________________________________________
(1) و من أمثالهم: أحرص من كلب على جيفة، و من كلب على عرق، و العرق: العظم عليه اللحم. راجع: مجمع الأمثال 1/ 228.
(2) الحديث أخرجه ابن ماجة عن حفصة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لا صيام لمن لم يفرضه من الليل» و هو في سننه 1/ 542، و الفتح الكبير 3/ 346. و في الموطأ عن ابن عمر أنه كان يقول: «لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر»، و عن حفصة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» قال ابن عبد البر: اضطرب في إسناده، و هو أحسن ما روي مرفوعا في هذا الباب. ا. ه. راجع شرح الزرقاني للموطأ 2/ 157، و تنوير الحوالك 1/ 270، و أخرجه أبو داود في الصوم، راجع معالم السنن 2/ 134، و النسائي 4/ 196، و أحمد 6/ 87، و انظر: شرح السنة 6/ 268.
152
مفردات ألفاظ القرآن
بور ص 152
و
رُوِيَ: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ» «1».
و قال عزّ و جل: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ [إبراهيم/ 28]، و يقال: رجل حائر بَائِرٌ «2»، و قوم حُور بُورٌ.
و قال عزّ و جل: حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَ كانُوا قَوْماً بُوراً [الفرقان/ 18]، أي: هلكى، جمع:
بَائِرٍ. و قيل: بل هو مصدر يوصف به الواحد و الجمع، فيقال: رجل بور و قوم بور، و قال الشاعر:
72-
يا رسول المليك إنّ لساني راتق ما فتقت إذ أنا بُورٌ «3»
و بَارَ الفحل الناقة: إذا تشمّمها أ لاقح هي أم لا «4»؟، ثم يستعار ذلك للاختبار، فيقال: بُرْتُ كذا، أي: اختبرته.
بئر
قال عزّ و جل: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج/ 45]، و أصله الهمز، يقال: بَأَرْتُ بِئْراً و بَأَرْتُ بُؤْرَةً، أي: حفيرة. و منه اشتق الْمِئْبَرُ، و هو في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرّ عليها، و يقال لها: الْمُغَوَّاةُ، و عبّر بها عن النميمة الموقعة في البلية، و الجمع: الْمَآبِرُ.
بؤس
الْبُؤْسُ و الْبَأْسُ و الْبَأْسَاءُ: الشدة و المكروه، إلا أنّ البؤس في الفقر و الحرب أكثر، و البأس و البأساء في النكاية، نحو: وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا [النساء/ 84]، فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ [الأنعام/ 42]، وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ [البقرة/ 177]، و قال تعالى:
بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ [الحشر/ 14]، و قد بَؤُسَ يَبْؤُسُ، و بِعَذابٍ بَئِيسٍ [الأعراف/ 165]، فعيل من البأس أو من البؤس، فَلا تَبْتَئِسْ* [هود/ 36]، أي: لا تلزم البؤس و لا تحزن، و
فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كَانَ يَكْرَهُ الْبُؤْسَ وَ التَّبَاؤُسَ وَ التَّبَؤُّسَ» «5».
أي: الضراعة للفقر، أو أن يجعل نفسه ذليلا، و يتكلف ذلك جميعا.
و «بِئْسَ» كلمة تستعمل في جميع المذام،
__________________________________________________
(1) بوار الأيم أي: كسادها. و الحديث في النهاية 1/ 161، و الفائق مادة (بور)، و اللسان (بور). و أخرجه الطبراني عن ابن عباس أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، و غلبة العدو، و من بوار الأيّم، و من فتنة الدجال». أخرجه الطبراني في الصغير و الأوسط و الكبير. قال الهيثمي: و فيه عباد بن زكريا الصريمي، و لم أعرفه، و بقية رجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 10/ 146، و المعجم الصغير ص 372، و الأوسط 3/ 83.
(2) البائر: الهالك.
(3) البيت لعبد اللّه بن الزبعرى، و هو في ديوانه ص 36، و المشوف المعلم 1/ 119، و اللسان (بور)، و الجمهرة 1/ 277.
(4) انظر: اللسان (بور) 4/ 87.
(5) الحديث عن أبي سعيد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، و يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده و يبغض البؤس و التبؤس» أخرجه البيهقي و انظر: الفتح الكبير 1/ 331.
153
مفردات ألفاظ القرآن
بؤس ص 153
كما أنّ نِعْمَ تستعمل في جميع الممادح، و يرفعان ما فيه الألف و اللام، أو مضافا إلى ما فيه الألف و اللام، نحو: بئس الرجل زيد، و بئس غلام الرجل زيد. و ينصبان النكرة نحو: بئس رجلا، و لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة/ 79]، أي: شيئا يفعلونه، قال تعالى: وَ بِئْسَ الْقَرارُ [إبراهيم/ 29]، و فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [النحل/ 29]، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف/ 50]، لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ [المائدة/ 63]. و أصل: بئس:بَئِسَ، و هو من البؤس.
بيض
الْبَيَاضُ في الألوان: ضدّ السواد، يقال:
ابْيَضَّ يَبْيَضُّ ابْيِضَاضاً و بَيَاضاً، فهو مُبْيَضٌّ و أَبْيَضُ. قال عزّ و جل: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ [آل عمران/ 106- 107].
و الْأَبْيَضُ: عرق سمّي به لكونه أبيض، و لمّا كان البياض أفضل لون عندهم كما قيل: البياض أفضل، و السواد أهول، و الحمرة أجمل، و الصفرة أشكل، عبّر به عن الفضل و الكرم بالبياض، حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب: هو أَبْيَضُ اللون. و قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ [آل عمران/ 106]، فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة، و اسودادها عن الغم، و على ذلك وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [النحل/ 58]، و على نحو الابيضاض قوله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ [القيامة/ 22]، و قوله:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس/ 38- 39].
و قيل:
أمّك بَيْضَاءُ من قضاعة «1»
و على ذلك قوله تعالى: بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [الصافات/ 46]، و سمّي الْبَيْضُ لبياضه، الواحدة: بَيْضَةٌ، و كنّي عن المرأة بالبيضة تشبيها بها في اللون، و كونها مصونة تحت الجناح. و بَيْضَةُ البلد يقال في المدح و الذم، أمّا المدح فلمن كان مصونا من بين أهل البلد و رئيسا فيهم، و على ذلك قول الشاعر:
73-
كانت قريش بَيْضَةً فتفلّقت فالمحّ خالصه لعبد مناف «2»
__________________________________________________
(1) شطر بيت لابن قيس الرّقيات، و تمامه:
أمّك بيضاء من قضاعة في ال بيت الذي يستظلّ في طنبه
انظر ديوانه ص 14، و العفو و الاعتذار 2/ 413.
(2) البيت لعبد اللّه بن الزبعرى، و هو في ديوانه ص 53، و أمالي المرتضى 2/ 268، و اللسان و الصحاح: (مح)، و المحاسن و المساوئ للبيهقي ص 91.
154
مفردات ألفاظ القرآن
بيض ص 154
و أمّا الذم فلمن كان ذليلا معرّضا لمن يتناوله كبيضة متروكة بالبلد، أي: العراء و المفازة. و بَيْضَتَا الرجل سمّيتا بذلك تشبيها بها في الهيئة و البياض، يقال: بَاضَتِ الدجاجة، و بَاضَ كذا، أي: تمكّن.
قال الشاعر:
74-
بداء من ذوات الضغن يأوي صدورهم فعشش ثمّ بَاضَ «1»
و بَاضَ الحَرُّ: تمكّن، و بَاضَتْ يد المرأة: إذا ورمت ورما على هيئة البيض، و يقال: دجاجة بَيُوضٌ، و دجاج بُيُضٌ «2».
بيع
الْبَيْعُ: إعطاء المثمن و أخذ الثّمن، و الشراء:
إعطاء الثمن و أخذ المثمن، و يقال للبيع:
الشراء، و للشراء البيع، و ذلك بحسب ما يتصور من الثمن و المثمن، و على ذلك قوله عزّ و جل:
وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف/ 20]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَبِيعَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» «3».
أي: لا يشتري على شراه.
و أَبَعْتُ الشيء: عرضته، نحو قول الشاعر:
75-
فرسا فليس جوادنا بِمُبَاعٍ «4»
و الْمُبَايَعَةُ و المشارة تقالان فيهما، قال اللّه تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا [البقرة/ 275]، و قال: وَ ذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة/ 9]، و قال عزّ و جل: لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ [إبراهيم/ 31]، لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ [البقرة/ 254]، و بَايَعَ السلطان: إذا تضمّن بذل الطاعة له بما رضخ له، و يقال لذلك: بَيْعَةٌ و مُبَايَعَةٌ. و قوله عزّ و جل: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ [التوبة/ 111]، إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح/ 18]، و إلى ما ذكر في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية [التوبة/ 111]، و أمّا الْبَاعُ فمن الواو بدلالة قولهم: بَاعَ في السير يَبُوعُ: إذا مدّ باعه.
بال
الْبَالُ: الحال التي يكترث بها، و لذلك يقال:
ما بَالَيْتُ بكذا بَالَةً، أي: ما اكترثت به. قال:
كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ [محمد/ 2]، و قال: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى
__________________________________________________
(1) لم أجده.
(2) هو جمع بيوض.
(3) الحديث متفق على صحته، و قد أخرجه البخاري في باب البيوع 4/ 413، و مسلم أيضا فيه برقم (1412)، و الموطأ 2/ 683، و هو بلفظ: «لا يبع بعضكم على بيع بعض».
(4) هذا عجز بيت، و شطره:
نقفو الجياد من البيوت فمن يبع
و هو للأجدع الهمداني، في شقراء همدان و أخبارها ص 228، و الاختيارين ص 469، و الأصمعيات ص 69، و المشوف المعلم 1/ 123، و اللسان (بيع)، و المجمل 1/ 140، و شمس العلوم 1/ 206.
155
مفردات ألفاظ القرآن
بال ص 155
[طه/ 51]، أي: فما حالهم و خبرهم.
و يعبّر بِالْبَالِ عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان، فيقال: خطر كذا ببالي.
بين
بَيْنٌ موضوع للخلالة بين الشيئين و وسطهما. قال تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً «1» [الكهف/ 32]، يقال: بَانَ كذا أي: انفصل و ظهر ما كان مستترا منه، و لمّا اعتبر فيه معنى الانفصال و الظهور استعمل في كلّ واحد منفردا، فقيل للبئر البعيدة القعر: بَيُونٌ، لبعد ما بين الشفير و القعر لانفصال حبلها من يد صاحبها. و بَانَ الصبح:
ظهر، و قوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ «2» [الأنعام/ 194]، أي: وصلكم. و تحقيقه: أنه ضاع عنكم الأموال و العشيرة و الأعمال التي كنتم تعتمدونها، إشارة إلى قوله سبحانه: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ [الشعراء/ 88]، و على ذلك قوله: لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى الآية [الأنعام/ 94].
و «بَيْنٌ» يستعمل تارة اسما و تارة ظرفا، فمن قرأ: بَيْنُكُمْ [الأنعام/ 94]، جعله اسما، و من قرأ: بَيْنَكُمْ جعله ظرفا غير متمكن و تركه مفتوحا، فمن الظرف قوله: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ [الحجرات/ 1]، و قوله: فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة/ 12]، فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ [ص/ 22]، و قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما [الكهف/ 61]، فيجوز أن يكون مصدرا، أي:
موضع المفترق. وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ [النساء/ 92]. و لا يستعمل «بَيْنٌ» إلا فيما كان له مسافة، نحو: بين البلدين، أو له عدد ما اثنان فصاعدا نحو: الرجلين، و بين القوم، و لا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرّر، نحو: وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت/ 5]، فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَ بَيْنَكَ مَوْعِداً [طه/ 58]، و يقال: هذا الشيء بَيْنَ يديك، أي: متقدما لك، و يقال: هو بَيْنَ يديك أي:
قريب منك، و على هذا قوله: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ [الأعراف/ 17]، و لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا [مريم/ 64]، وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا [يس/ 9]، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ*[المائدة/ 46]، أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا [ص/ 8]، أي: من جملتنا، و قوله: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [سبأ/ 31]، أي: متقدّما له من الإنجيل و نحوه، و قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ
__________________________________________________
(1) و نقل هذا السيوطي عنه في الإتقان 2/ 209.
(2) و هذه قراءة ابن كثير و أبي عمرو و حمزة و يعقوب و خلف و شعبة عن عاصم و ابن عامر الشامي برفع (بينكم)، و قرأ نافع و حفص و الكسائي و أبو جعفر (بينكم) بنصب النون.
156
مفردات ألفاظ القرآن
بين ص 156
[الأنفال/ 1]، أي: راعوا الأحوال التي تجمعكم من القرابة و الوصلة و المودة.
و يزاد في بين «ما» أو الألف، فيجعل بمنزلة «حين»، نحو: بَيْنَمَا زيد يفعل كذا، و بَيْنَا يفعل كذا، قال الشاعر:
76-
بَيْنَا يعنّقه الكماة و روغه يوما أتيح له جريء، سلفع «1».
يقال: بَانَ و اسْتَبَانَ و تَبَيَّنَ نحو عجل و استعجل و تعجّل و قد بَيَّنْتُهُ. قال اللّه سبحانه: وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ [العنكبوت/ 38]، وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ [إبراهيم/ 45]، و لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام/ 55]، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ [البقرة/ 256]، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ* [آل عمران/ 118]، وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [الزخرف/ 63]، وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل/ 44]، لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ [النحل/ 39]، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ [آل عمران/ 97]، و قال: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ [البقرة/ 185]. و يقال: آية مُبَيَّنَةٌ اعتبارا بمن بيّنها، و آية مُبَيِّنَةٌ اعتبارا بنفسها، و آيات مُبَيَّنَاتٌ و مُبَيِّنَاتٌ.
و الْبَيِّنَةُ: الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة، و سمي الشاهدان بَيِّنَةً
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» «2».
و قال سبحانه: أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ* [هود/ 17]، و قال: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال/ 42]، جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ* [الروم/ 9].
و الْبَيَانُ: الكشف عن الشيء، و هو أعمّ من النطق، لأنّ النطق مختص بالإنسان، و يسمّى ما بيّن به بَيَاناً. قال بعضهم: الْبَيَانُ يكون على ضربين:
أحدهما بالتسخير، و هو الأشياء التي تدلّ على حال من الأحوال من آثار الصنعة.
و الثاني بالاختبار، و ذلك إما يكون نطقا، أو كتابة، أو إشارة.
__________________________________________________
(1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 37، و شمس العلوم 1/ 205، و اللسان (بين)، و غريب الحديث للخطابي 2/ 469.
(2) الحديث أخرجه البيهقي 8/ 279، و الدارقطني 3/ 111، و لمسلم: «البيّنة على المدعي» و ليس فيه:
«و اليمين ...» (انظر: صحيح مسلم رقم 1171)، و قال النووي في أربعينه: حديث حسن، رواه البيهقي و غيره هكذا، و بعضه في الصحيحين، و أخرجه الدارقطني بلفظ: «البيّنة على المدعي و اليمين على من أنكر إلا في القسامة» و فيه ضعف، و له عدة طرق متعددة لكنها ضعيفة، انظر: كشف الخفاء 1/ 289.
157
مفردات ألفاظ القرآن
بين ص 156
فممّا هو بيان بالحال قوله: وَ لا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [الزخرف/ 62]، أي: كونه عدوّا بَيِّن في الحال. تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [إبراهيم/ 10].
و ما هو بيان بالاختبار فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل/ 43- 44]، و سمّي الكلام بَيَاناً لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ [آل عمران/ 138].
و سمي ما يشرح به المجمل و المبهم من الكلام بَيَاناً، نحو قوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ [القيامة/ 19]، و يقال: بَيَّنْتُهُ و أَبَنْتُهُ: إذا جعلت له بيانا تكشفه، نحو: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل/ 44]، و قال: نَذِيرٌ مُبِينٌ* [ص/ 70]، و إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات/ 106]، وَ لا يَكادُ يُبِينُ [الزخرف/ 52]، أي: يبيّن، وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف/ 18].
باء
أصل الْبَوَاءِ: مساواة الأجزاء في المكان، خلاف النَّبْوِ الذي هو منافاة الأجزاء. يقال:
مكان بَوَاءٌ: إذا لم يكن نابيا بنازله، و بَوَّأْتُ له مكانا: سوّيته فَتَبَوَّأَ، و بَاءَ فلان بدم فلان يَبُوءُ به أي: ساواه، قال تعالى: وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً [يونس/ 87]، وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ [يونس/ 93]، تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمران/ 121]، يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ [يوسف/ 56]، و
رُوِيَ أَنَّهُ: (كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَبَوَّأُ لِبَوْلِهِ كَمَا يَتَبَوَّأُ لِمَنْزِلِهِ) «1».
و بَوَّأْتُ الرمح: هيأت له مكانا، ثم قصدت الطعن به، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» «2».
و قال الراعي في صفة إبل:
77-
لها أمرها حتى إذا ما تَبَوَّأَتْ بأخفافها مأوى تَبَوَّأَ مضجعا «3»
أي: يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكانا موافقا للرعي طلب الراعي لنفسه مُتَبَوَّأً
__________________________________________________
(1) الحديث عن أبي هريرة قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يتبوّأ لبوله كما يتبوأ لمنزله» أخرجه الطبراني في الأوسط، و هو من رواية يحيى بن عبيد بن دجي عن أبيه. قال الهيثمي: و لم أر من ذكرهما، و بقية رجاله موثقون. انظر: مجمع الزوائد 1/ 209. و أخرجه الحارث بن أبي أسامة، و انظر: المطالب العالية 1/ 15.
(2) الحديث صحيح متفق على صحته و هو في فتح الباري 3/ 130 في الجنائز، و مسلم رقم 141 في المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول اللّه. و قال جعفر الكتاني: لا يعرف حديث رواه أكثر من ستين صحابيا إلا هذا، و لا حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرة إلا هو. انظر: نظم المتناثر ص 23، و شرح السنة 1/ 253.
(3) البيت في ديوانه ص 164، و غريب الحديث 4/ 444، و الجمهرة 2/ 347، و الفائق 1/ 655.
158
مفردات ألفاظ القرآن
باء ص 158
لمضجعه. و يقال: تَبَوَّأَ فلان كناية عن التزوّج، كما يعبّر عنه بالبناء فيقال: بنى بأهله. و يستعمل الْبَوَاءُ في مراعاة التكافؤ في المصاهرة و القصاص، فيقال: فلان بواء لفلان إذا ساواه، و قوله عزّ و جلّ: باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [الأنفال/ 16]، أي: حلّ مبوّأ و معه غضب اللّه، أي: عقوبته، و قوله: بِغَضَبٍ في موضع حال، كخرج بسيفه، أي: رجع، لا مفعول نحو: مرّ بزيد. و استعمال (باء) تنبيها على أنّ مكانه الموافق يلزمه فيه غضب اللّه، فكيف غيره من الأمكنة؟ و ذلك على حدّ ما ذكر في قوله:
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران/ 21]، و قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ [المائدة/ 29] أي: تقيم بهذه الحالة. قال:
78-
أنكرت باطلها و بُؤْتُ بحقّها «1»
و قول من قال: أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ «2». و الْبَاءَةُ كناية عن الجماع. و حكي عن خلف الأحمر «3» أنه قال في قولهم: حيّاك اللّه و بيّاك:
إنّ أصله: بَوَّأَكَ منزلا، فغيّر لازدواج الكلمة، كما غيّر جمع الغداة في قولهم: آتيه الغدايا و العشايا «4».
الباء
الْبَاءُ يجيء إمّا متعلّقا بفعل ظاهر معه، أو متعلّقا بمضمر، فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان:
- أحدهما: لتعدية الفعل، و هو جار مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية، نحو: ذهبت به، و أذهبته. قال تعالى: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان/ 72].
- و الثاني: للآلة، نحو: قطعه بالسكين «5».
و المتعلّق بمضمر يكون في موضع الحال، نحو: خرج بسلاحه، أي: و عليه السلاح، أو:
معه السلاح. و ربما قالوا: تكون زائدة، نحو:
وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف/ 17]، وَ ما
__________________________________________________
(1) الشطر للبيد، و عجزه:
عندي و لم يفخر عليّ كرامها
و هو في ديوانه ص 178، شرح المعلقات 1/ 170، و العباب الفاخر (بوء) 1/ 56.
(2) قال الصاغاني: و يقال: باء بحقّه، أي: أقرّ، و ذا يكون أبدا بما عليه لا له. انظر العباب: (بوء)، و اللسان (بوء)، و المجمل (بوء).
(3) انظر ترجمته في إنباه الرواة 1/ 383، و معجم الأدباء 11/ 66، و هذا خطأ من المؤلف فالأحمر المراد هنا ليس خلفا بل هو علي بن المبارك الأحمر، صاحب الكسائي، و قد نقل هذا عنه أبو عبيد في الغريب المصنف.
(4) قال ابن منظور: و قالوا: إني لآتيه بالغدايا و العشايا، و الغداة لا تجمع على الغدايا، و لكنهم كسروه على ذلك ليطابقوا بين لفظه و لفظ العشايا، فإذا أفردوه لم يكسروه. و قال ابن السكيت: أرادوا جمع الغداة فأتبعوها العشايا للازدواج. راجع اللسان (غدا) 15/ 117.
(5) ذكر أبو الحسين المزني للباء واحدا و عشرين معنى، فارجع إلى كتابه «الحروف» ص 54.
159
مفردات ألفاظ القرآن
الباء ص 159
أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء/ 114]، وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء/ 47]، و في كل ذلك لا ينفكّ عن معنى، ربما يدقّ فيتصور أنّ حصوله و حذفه سواء، و هما في التحقيق مختلفان، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو، فقوله: وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف/ 17]، فبينه و بين قولك: (ما أنت مؤمنا لنا) فرق، فالمتصوّر من الكلام إذا نصبت ذات واحدة، كقولك: زيد خارج، و المتصور منه إذا قيل: (ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ذاتان، كقولك: لقيت بزيد رجلا فاضلا، فإنّ قوله: رجلا فاضلا- و إن أريد به زيد- فقد أخرج في معرض يتصوّر منه إنسان آخر، فكأنه قال: رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل.
و على هذا: رأيت بك حاتما في السخاء، و على هذا: وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء/ 114]، و قوله تعالى: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر/ 36].
و قوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون/ 20] قيل معناه: تنبت الدهن، و ليس ذلك بالمقصود، بل المقصود أنها تنبت النبات و معه الدهن، أي: و الدهن فيه موجود بالقوة، و نبّه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده و هداهم إلى استنباطه. و قيل: الباء هاهنا للحال «1»، أي:
حاله أنّ فيه الدهن.
و السبب فيه أنّ الهمزة و الباء اللتين للتعدية لا يجتمعان، و قوله: وَ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً* [الفتح/ 28]، فقيل: كفى اللّه شهيدا نحو: وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [الأحزاب/ 25] الباء زائدة، و لو كان ذلك كما قيل لصحّ أن يقال:
كفى باللّه المؤمنين القتال، و ذلك غير سائغ، و إنما يجيء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدّم ذكره. و الصحيح أن (كفى) هاهنا موضوع موضع اكتف، كما أنّ قولهم: أحسن بزيد، موضوع موضع ما أحسن. و معناه: اكتف باللّه شهيدا، و على هذا وَ كَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً [الفرقان/ 31]، وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا* [النساء/ 132]، [الأحزاب/ 48]، و قوله: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [فصلت/ 53]، و على هذا قوله: حبّ إليّ بفلان، أي: أحبب إليّ به.
و ممّا ادّعي فيه الزيادة: الباء في قوله: وَ لا
__________________________________________________
(1) قال أبو البقاء: في الآية وجهان: أحدهما: هو متعدّ، و المفعول محذوف، تقديره: تنبت ثمرها أو جناها، و الباء على هذا حال من المحذوف، أي: و فيه الدهن، كقولك: خرج زيد بثيابه، و قيل: الباء زائدة، فلا حذف إذا بل المفعول الدهن. و الوجه الثاني: هو لازم، يقال: نبت البقل و أنبت بمعنى، فعلى هذا الباء حال، و قيل: هي مفعول، أي: تنبت بسبب الدهن. راجع: إعراب القرآن للعكبري 2/ 952.
160
مفردات ألفاظ القرآن
الباء ص 159
تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة/ 195]، قيل تقديره: لا تلقوا أيديكم، و الصحيح أنّ معناه: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة «1»، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه و قصدا إلى العموم، فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم و لا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة.
و قال بعضهم: الباء بمعنى (من) في قوله:
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [المطففين/ 28]، عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ «2» [الإنسان/ 6]، و الوجه ألا يصرف ذلك عمّا عليه، و أن العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه، نحو: نزلت بعين، فصار كقولك: مكانا يشرب به، و على هذا قوله تعالى:
فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ [آل عمران/ 188] أي: بموضع الفوز. و اللّه تعالى أعلم.
تمّ كتاب الباء
__________________________________________________
(1) انظر: مغني اللبيب ص 148.
(2) و جعل الباء بمعنى «من» للتبعيض أثبته الأصمعي و الفارسي و القتبي و ابن مالك و الكوفيون. راجع: مغني اللبيب ص 142.
161
مفردات ألفاظ القرآن
كتاب التاء
كتاب التّاء
تبَ
التَّبُّ و التَّبَابُ: الاستمرار في الخسران، يقال: تَبّاً له و تَبٌّ له، و تَبَّبْتُهُ: إذا قلت له ذلك، و لتضمن الاستمرار قيل: اسْتَتَبَّ لفلان كذا، أي: استمرّ، و تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1]، أي: استمرت في خسرانه، نحو: ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ* [الزمر/ 15]، وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود/ 101]، أي:
تخسير، وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ [غافر/ 37].
تابوت
التَّابُوتُ فيما بيننا معروف، أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ [البقرة/ 248]، قيل: كان شيئا منحوتا من الخشب فيه حكمة. و قيل: عبارة عن القلب، و السكينة عمّا فيه من العلم، و سمّي القلب سفط العلم، و بيت الحكمة، و تابوته، و وعاءه، و صندوقه، و على هذا قيل: اجعل سرّك في وعاء غير سرب «1». و على تسميته بالتابوت
قَالَ عُمَرُ لِابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً) «2».
تبر
التَّبْرُ: الكسر و الإهلاك، يقال: تَبَرَهُ و تَبَّرَهُ.
قال تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ [الأعراف/ 139]، و قال: وَ كُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً [الفرقان/ 39]، وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً [الإسراء/ 7]، و قوله تعالى: وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً [نوح/ 28]، أي: هلاكا.
تبع
يقال: تَبِعَهُ و اتَّبَعَهُ: قفا أثره، و ذلك تارة بالجسم، و تارة بالارتسام و الائتمار، و على ذلك
__________________________________________________
(1) انظر المستقصى 1/ 50.
(2) عن زيد بن وهب قال: إني لجالس مع عمر بن الخطاب، إذ جاء ابن مسعود، فكان الجلوس يوارونه من قصره، فضحك عمر حين رآه، فجعل عمر يكلّمه و يهلل وجهه و يضاحكه و هو قائم عليه، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى فقال: كنيف ملئ علما. انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 491، و طبقات ابن سعد 1/ 110، و الحلية 1/ 129.
162
مفردات ألفاظ القرآن
تبع ص 162
قوله تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة/ 38]، قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً [يس/ 20- 21]، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ [طه/ 123]، اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف/ 3]، وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ [الشعراء/ 111]، وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي [يوسف/ 38]، ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الجاثية/ 18]، وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ [البقرة/ 102]، وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ* [البقرة/ 168]، إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ* [الدخان/ 23]، وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص/ 26]، هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ [الكهف/ 66]، وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ [لقمان/ 15].
و يقال: أَتْبَعَهُ: إذا لحقه، قال تعالى:
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ [الشعراء/ 60]، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* [الكهف/ 89]، وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً [القصص/ 42]، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ [الأعراف/ 175]، فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً [المؤمنون/ 44].
يقال: أَتْبَعْتُ عليه، أي: أحلت عليه، و يقال: أُتْبِعَ فلان بمال، أي: أحيل عليه، و التَّبِيعُ خصّ بولد البقر إذا تبع أمه، و التَّبَعُ: رِجْلُ الدابة، و تسميته بذلك كما قال:
79-
كأنّما اليدان و الرجلان طالبتا وتر و هاربان «1»
و الْمُتْبِعُ من البهائم: التي يتبعها ولدها، و تُبَّعٌ كانوا رؤساء، سمّوا بذلك لاتباع بعضهم بعضا في الرئاسة و السياسة، و قيل: تُبَّعٌ ملك يتبعه قومه، و الجمع التَّبَابِعَةُ قال تعالى: أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ [الدخان/ 37]، و التُّبَّعُ: الظل.
تترى
تَتْرَى على فعلى، من الْمُوَاتَرَةِ، أي: المتابعة وترا وترا، و أصلها واو فأبدلت، نحو: تراث و تجاه، فمن صرفه جعل الألف زائدة لا للتأنيث، و من لم يصرفه جعل ألفه للتأنيث «2».
قال تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [المؤمنون/ 44]، أي: متواترين.
قال الفرّاء «3»: يقال: تترى في الرفع، و تترى
__________________________________________________
(1) البيت لبكر بن النطاح و انظر أخباره في الأغاني 17/ 153، و هو في محاضرات الراغب 4/ 641، و عيار الشعر ص 30.
(2) قال شيخنا:
تترى إذا نوّنتها ألحقتا و إن تكن تركته منعتا
فهي للتأنيث لا الإلحاق فمنعت لذاك للحذّاق.
(3) راجع معاني القرآن له 2/ 236، و انظر اللسان (وتر).
163
مفردات ألفاظ القرآن
تترى ص 163
في الجرّ و تترى في النصب، و الألف فيه بدل من التنوين. و قال ثعلب: هي تفعل. قال أبو علي الفسوي: ذلك غلط، لأنه ليس في الصفات تفعل.
تجر
التِّجَارَةُ: التصرّف في رأس المال طلبا للربح، يقال: تَجَرَ يَتْجُرُ، و تَاجِرٌ و تَجْرٌ، كصاحب و صحب، قال: و ليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ «1»، فأمّا تجاه فأصله وجاه، و تجوب التاء للمضارعة، و قوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ [الصف/ 10]، فقد فسّر هذه التجارة بقوله:
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «2» [الصف/ 11]، إلى آخر الآية. و قال: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ [البقرة/ 16]، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ [النساء/ 29]، تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ [البقرة/ 282].
قال ابن الأعرابي «3»: فلان تاجر بكذا، أي: حاذق به، عارف الوجه المكتسب منه.
تحت
تَحْتُ مقابل لفوق، قال تعالى: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [المائدة/ 66]، و قوله تعالى: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ* [الحج/ 23]، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ* [يونس/ 9]، فَناداها مِنْ تَحْتِها [مريم/ 24]، يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت/ 55]. و «تَحْتُ»:
يستعمل في المنفصل، و «أسفل» في المتصل، يقال: المال تحته، و أسفله أغلظ من أعلاه، و
فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ التُّحُوتُ» «4».
أي: الأراذل من الناس. و قيل: بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه: وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ [الانشقاق/ 3- 4].
تخذ
تَخِذَ بمعنى أخذ، قال:
__________________________________________________
(1) قال الحسن بن زين:
و التاء قبل الجيم أصلا لا تجي إلا لتجر نتجت و مرتجي.
(2) و تمامها: تؤمنون باللّه و رسوله و تجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
(3) اسمه محمد بن زياد، و انظر ترجمته في إنباه الرواة 3/ 128.
(4) الحديث تمامه: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش و البخل، و يخوّن الأمين، و يؤتمن الخائن، و تهلك الوعول، و تظهر التحوت» قالوا: يا رسول اللّه، و ما الوعول و التحوت؟ قال: «الوعول: وجوه الناس و أشرافهم، و التحوت:
الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» أخرجه الطبراني في الأوسط 1/ 420 انظر فتح الباري 13/ 15 باب ظهور الفتن، و رجاله رجال الصحيح غير محمد بن الحارث، و هو ثقة، و أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 3/ 125.
164
مفردات ألفاظ القرآن
تخذ ص 164
79-
و قد تَخِذْتُ رجلي إلى جنب غرزها نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق «1»
و اتَّخَذَ: افتعل منه، أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي [الكهف/ 50]، قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً [البقرة/ 80]، وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً* [مريم/ 81]، وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [البقرة/ 125]، لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة/ 1]، لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [الكهف/ 77].
ترب
التُّرَابُ معروف، قال تعالى: أَ إِذا كُنَّا تُراباً* [الرعد/ 5]، و قال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ* [فاطر/ 11]، يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً [النبأ/ 40]. و تَرِبَ: افتقر، كأنه لصق بالتراب، قال تعالى: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ [البلد/ 16]، أي: ذا لصوق بالتراب لفقره. و أَتْرَبَ:
استغنى، كأنه صار له المال بقدر التراب، و التَّرْبَاءُ: الأرض نفسها، و التَّيْرَبُ واحد التَّيَارِبِ، و التَّوْرَبُ و التَّوْرَابُ: التراب، و ريح تَرِبَةٌ: تأتي بالتراب، و منه
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» «2».
تنبيها على أنه لا يفوتنّك ذات الدين، فلا يحصل لك ما ترومه فتفتقر من حيث لا تشعر.
و بارح تَرِبٌ «3»: ريح فيها تراب، و التَّرَائِبُ:
ضلوع الصدر، الواحدة: تَرِيبَةٌ. قال تعالى:
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ [الطارق/ 7]، و قوله: أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 36- 37]، وَ كَواعِبَ أَتْراباً [النبأ/ 33]، وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ [ص/ 52]، أي: لدات، تنشأن معا تشبيها في التساوي و التماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر، أو لوقوعهنّ معا على الأرض، و قيل:
لأنهنّ في حال الصبا يلعبن بالتراب معا.
ترث
وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ [الفجر/ 19]، أصله:
وراث، و هو من باب الواو.
تفث
قال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج/ 29]، أي: يزيلوا وسخهم. يقال: قضى الشيء يقضي: إذا قطعه و أزاله. و أصل التَّفَثِ: وسخ الظفر و غير ذلك، مما شابه أن يزال عن البدن.
قال أعرابيّ: ما أَتْفَثَكَ و أدرنك.
__________________________________________________
(1) البيت للممزق العبدي، شاعر جاهلي، و هو في الأصمعيات ص 165، و اللسان (فحص)، و الحيوان 5/ 281، و الجمهرة 2/ 163، و الأفعال 3/ 367.
(2) الحديث صحيح متفق على صحته برواية: «فاظفر بذات الدين تربت يداك». و هو في فتح الباري 9/ 115، و مسلم (1466)، و شرح السنة 9/ 8.
(3) قال ابن منظور: البوارح: الرياح الشدائد التي تحمل التراب في شدة الهبوات، واحدها: بارح.
165
مفردات ألفاظ القرآن
ترف ص 166
ترف
التُّرْفَةُ: التوسع في النعمة، يقال: أُتْرِفَ فلان فهو مُتْرَفٌ. أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [المؤمنون/ 33]، وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ [هود/ 116]، و قال: ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ [الأنبياء/ 13]، و أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ [المؤمنون/ 64]، و هم الموصوفون بقوله سبحانه: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ [الفجر/ 15].
ترق
قال تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَ قِيلَ مَنْ راقٍ [القيامة/ 26]، جمع تَرْقُوَةٍ، و هي عظم وصل ما بين ثغرة النحر و العاتق.
ترك
تَرْكُ الشيء: رفضه قصدا و اختيارا، أو قهرا و اضطرارا، فمن الأول: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف/ 99]، و قوله:
وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً [الدخان/ 24]، و من الثاني: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ [الدخان/ 25]، و منه: تَرِكَةُ فلان لما يخلفه بعد موته، و قد يقال في كل فعل ينتهي به إلى حالة ما تَرَكْتُهُ كذا، أو يجري مجرى جعلته كذا، نحو: تَرَكْتُ فلانا وحيدا. و التَّرِيكَةُ أصله: البيض المتروك في مفازته، و يسمى بيضة الحديد بها كتسميتهم إياها بالبيضة.
تسعة
التِّسْعَةُ في العدد معروفة و كذا التِّسْعُونَ، قال تعالى: تِسْعَةُ رَهْطٍ [النمل/ 48]، تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً [ص/ 23]، ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف/ 25]، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر/ 30]، و التِّسْعُ: من أظماء الإبل «1»، و التُّسْعُ: جزء من تسعة «2»، و التُّسَعُ ثلاث ليال من الشهر آخرها التاسعة «3»، و تَسَعْتُ القوم: أخذت تسع أموالهم، أو كنت لهم تاسعا.
تعس
التَّعْسُ: أن لا ينتعش من العثرة و أن ينكسر في سفال، و تَعِسَ «4» تَعْساً و تَعْسَةً. قال تعالى:
فَتَعْساً لَهُمْ [محمد/ 8].
تقوى
تاء تقوى مقلوب من الواو، و ذلك مذكور في بابه «5».
__________________________________________________
(1) قال ابن منظور: و التّسع من أظماء الإبل: أن ترد إلى تسعة أيام.
(2) قال ابن مالك في مثلثه:
و أخذ تسع تسع أمّا التّسع فالورد عن تسع مضت، و التّسع
من تسعة جزء كذاك السّبع يعود للسبعة بانتساب.
(3) في اللسان: قال الأزهري: العرب تقول في ليالي الشهر: ثلاث غرر، و بعدها ثلاث نفل، و بعدها ثلاث تسع، سمّين تسعا لأنّ آخرتهن الليلة التاسعة.
(4) قال أبو عثمان السرقسطي: يقال: تعس تعسا فهو تعس، و تعس بالفتح تعسا فهو تاعس. انظر الأفعال 3/ 366.
(5) في مادة: وقى.
166
مفردات ألفاظ القرآن
تكأ ص 167
تكأ
الْمُتَّكَأُ: المكان الذي يتكأ عليه، و الْمِخَدَّةُ:
المتكأ عليها، و قوله تعالى: وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [يوسف/ 31]، أي: أترجا «1». و قيل:
طعاما متناولا، من قولك: اتكأ على كذا فأكله، قال تعالى: قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها [طه/ 18]، مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [الطور/ 20]، عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ [يس/ 56]، مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ [الواقعة/ 16].
تلَ
أصل التَّلِّ: المكان المرتفع، و التَّلِيلُ:
العنق، وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات/ 103]، أسقطه على التلّ، كقولك: تَرَّبَهُ: أسقطه على التراب، و قيل: أسقطه على تليله، و الْمِتَلُّ:
الرمح الذي يتلّ «2» به.
تلو
تَلَاهُ: تبعه متابعة ليس بينهم ما ليس منها، و ذلك يكون تارة بالجسم و تارة بالاقتداء في الحكم، و مصدره: تُلُوٌّ و تِلْوٌ، و تارة بالقراءة و تدبّر المعنى، و مصدره: تِلَاوَةٌ وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها [الشمس/ 2]، أراد به هاهنا الاتباع على سبيل الاقتداء و المرتبة، و ذلك أنه يقال: إنّ القمر هو يقتبس النور من الشمس و هو لها بمنزلة الخليفة، و قيل: و على هذا نبّه قوله: وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِيراً [الفرقان/ 61]، فأخبر أنّ الشمس بمنزلة السراج، و القمر بمنزلة النور المقتبس منه، و على هذا قوله تعالى: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً [يونس/ 5]، و الضِّيَاءُ أعلى مرتبة من النور، إذ كل ضياء نور، و ليس كل نور ضياء. وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ [هود/ 17]، أي:
يقتدي به و يعمل بموجب قوله: يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ [آل عمران/ 113]. و التِّلَاوَةُ تختص باتباع كتب اللّه المنزلة، تارة بالقراءة، و تارة بالارتسام لما فيها من أمر و نهي، و ترغيب و ترهيب. أو ما يتوهم فيه ذلك، و هو أخصّ من القراءة، فكل تلاوة قراءة، و ليس كل قراءة تلاوة، لا يقال: تلوت رقعتك، و إنما يقال في القرآن في شيء إذا قرأته وجب عليك اتباعه. هنالك تَتْلُوا كلّ نفس ما أسلفت «3» [يونس/ 30]، وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا* [الأنفال/ 31]، أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ
__________________________________________________
(1) عن مجاهد قال: من قرأ متّكأ شددها فهو الطعام، و من قرأ متكأ خففها فهو الأترنج.
و عن سلمة بن تمام أبي عبد اللّه القسري قال: «متكأ» بكلام الحبش، يسمون الأترنج متكأ. راجع: الدر المنثور 4/ 530، و قال أبو عبيدة: و هذا أبطل باطل في الأرض. مجاز القرآن 1/ 309.
(2) يتلّ به: يصرع به.
(3) و هذه قراءة حمزة و الكسائي و خلف و قرأ الباقي تبلوا.
167
مفردات ألفاظ القرآن
تلو ص 167
[العنكبوت/ 51]، قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ [يونس/ 16]، وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً [الأنفال/ 2]، فهذا بالقراءة، و كذلك: وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ [الكهف/ 27]، وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ [المائدة/ 27]، فَالتَّالِياتِ ذِكْراً [الصافات/ 3].
و أمّا قوله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البقرة/ 121] فاتباع له بالعلم و العمل، ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ [آل عمران/ 58] أي: ننزله، وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ [البقرة/ 102]، و استعمل فيه لفظ التلاوة لما كان يزعم الشيطان أنّ ما يتلونه من كتب اللّه. و التِّلَاوَةُ و التَّلِيَّةُ: بقية مما يتلى، أي: يتّبع.
و أَتْلَيْتُهُ أي: أبقيت «1» منه تِلَاوَةً، أي: تركته قادرا على أن يتلوه، و أَتْلَيْتُ فلانا على فلان بحق، أي: أحلته عليه، و يقال: فلان يَتْلُو على فلان و يقول عليه، أي: يكذب عليه، قال:
وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ* [آل عمران/ 75] و يقال: لا دَرَى و لا تَلَى، و
«لَا دَرَيْتَ وَ لَا تَلَيْتَ» «2».
و أصله و لا تَلَوْتَ، فقلب للمزاوجة كما قيل:
«مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» «3».
و إنما هو موزورات.
تمَ
تَمَامُ الشيء: انتهاؤه إلى حدّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه، و الناقص: ما يحتاج إلى شيء خارج عنه. و يقال ذلك للمعدود و الممسوح، تقول: عدد تَامٌّ و ليل تام، قال: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ* [الأنعام/ 115]، وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصف/ 8]، وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ [الأعراف/ 142].
توراة
التوراة التاء فيه مقلوب، و أصله من الورى، و بناؤها عند الكوفيين: ووراة، تفعلة «4»، و قال بعضهم: هي تفعلة نحو تنفلة «5»، و ليس في كلامهم تفعلة اسما. و عند البصريين وورية، هي فوعلة نحو حوصلة. قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ [المائدة/ 44]، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ، وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ [الفتح/ 29].
تارة
أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى [الإسراء/
__________________________________________________
(1) و في نسخة: أتبعته من التلاوة.
(2) الحديث تقدّم ص 84.
(3) هذا حديث مرويّ عن عليّ عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم، و قد أخرجه ابن ماجة في باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز 1/ 503 و قال في الزوائد: في إسناده دينار بن عمر و قد ضعّف، فالحديث ضعيف. و راجع شرح السنة 5/ 465.
(4) قال في اللسان: التوراة عند أبي العباس تفعلة، و عند الفارسي فوعلة، قال: لقلّة تفعلة في الأسماء و كثرة فوعلة.
(5) انظر: معاني القرآن للزجاج 1/ 374. و التّنفلة: أنثى الثعلب.
168
مفردات ألفاظ القرآن
تارة ص 168
69]، و قال تعالى: وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [طه/ 55]، أي مرّة و كرّة أخرى، هو فيما قيل من تَارَ الجرح: التأم.
تين
قال تعالى: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ [التين/ 1] قيل: هما جبلان، و قيل: هما المأكولان.
و تحقيق موردهما و اختصاصهما يتعلق بما بعد هذا الكتاب.
توب
التَّوْبُ: ترك الذنب على أجمل الوجوه «1»، و هو أبلغ وجوه الاعتذار، فإنّ الاعتذار على ثلاثة أوجه: إمّا أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول:
فعلت لأجل كذا، أو فعلت و أسأت و قد أقلعت، و لا رابع لذلك، و هذا الأخير هو التوبة، و التَّوْبَةُ في الشرع: ترك الذنب لقبحه و الندم على ما فرط منه، و العزيمة على ترك المعاودة، و تدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة. و تَابَ إلى اللّه، فذكر «إلى اللّه» يقتضي الإنابة، نحو: فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ
[البقرة/ 54]، وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً [النور/ 31]، أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ [المائدة/ 74]، و تَابَ اللّه عليه، أي: قبل توبته، منه: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ [التوبة/ 117]، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة/ 118]، فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ [البقرة/ 187].
و التَّائِبُ يقال لباذل التوبة و لقابل التوبة، فالعبد تائب إلى اللّه، و اللّه تائب على عبده.
و التَّوَّابُ: العبد الكثير التوبة، و ذلك بتركه كلّ وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركا لجميعه، و قد يقال ذلك للّه تعالى لكثرة قبوله توبة العباد «2» حالا بعد حال. و قوله: وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً [الفرقان/ 71]، أي: التوبة التامة، و هو الجمع بين ترك القبيح و تحري الجميل. عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ [الرعد/ 30]، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* [البقرة/ 54].
التيه
يقال: تَاهَ يَتِيهُ: إذا تحيّر، و تاه يتوه لغة في تاه يتيه، و في قصة بني إسرائيل: أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ [المائدة/ 26]، و تَوَّهَهُ و تَيَّهَهُ: إذا حيّره و طرحه. و وقع في التِّيهِ و التُّوهِ، أي في مواضع الحيرة، و مفازة تَيْهَاءُ: تحيّر سالكوها.
__________________________________________________
(1) من أراد التوسع في هذا المبحث فليرجع إلى «إحياء علوم الدين» للغزالي، الجزء الرابع، كتاب التوبة، فقد أجاد فيه و أفاد، و بيّن و أجمل.
(2) انظر الأسماء و الصفات للبيهقي ص 99.
169
مفردات ألفاظ القرآن
التاءات ص 170
التاءات
التَّاءُ في أول الكلمة للقسم نحو: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ «1» [الأنبياء/ 57]، و للمخاطب في الفعل المستقبل، نحو: تُكْرِهُ النَّاسَ [يونس/ 99]، و للتأنيث، نحو:
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت/ 30].
و في آخر الكلمة تكون إمّا زائدة للتأنيث، فتصير في الوقف هاء نحو قائمة، أو تكون ثابتة في الوقف و الوصل، و ذلك في أخت و بنت، أو تكون في الجمع مع الألف نحو مسلمات و مؤمنات. و في آخر الفعل الماضي لضمير المتكلم، نحو قوله تعالى: وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً [المدثر/ 12]، أو للمخاطب مفتوحا نحو: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة/ 7]، و لضمير المخاطبة مكسورا نحو: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مريم/ 27]، و اللّه أعلم.
تمّ كتاب التاء
__________________________________________________
(1) انظر: كتاب الحروف للمزني ص 62.
170
مفردات ألفاظ القرآن
كتاب الثاء
كتاب الثَّاء
ثبت
الثَّبَاتُ ضدّ الزوال، يقال: ثَبَتَ يَثْبُتُ ثَبَاتاً، قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال/ 45]، و رجل ثَبْتٌ و ثَبِيتٌ في الحرب، و أَثْبَتَهُ السقم «1»، و يقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة، فيقال: فلان ثَابِتٌ عندي، و نبوّة النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم ثَابِتَةٌ، و الْإِثْبَاتُ و التَّثْبِيتُ تارة يقال بالفعل، فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود، نحو: أَثْبَتَ اللّه كذا، و تارة لما يثبت بالحكم، فيقال: أَثْبَتَ الحاكم على فلان كذا و ثَبَّتَهُ، و تارة لما يكون بالقول، سواء كان ذلك صدقا منه أو كذبا، فيقال: أَثْبَتَ التوحيد و صدق النبوّة «2»، و فلان أثبت مع اللّه إلها آخر، و قوله تعالى:
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ [الأنفال/ 30]، أي:
يثبّطوك و يحيّروك، و قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [إبراهيم/ 27]، أي: يقويهم بالحجج القوية، و قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً
[النساء/ 66]، أي: أشد لتحصيل علمهم. و قيل: أثبت لأعمالهم و اجتناء ثمرة أفعالهم، و أن يكونوا بخلاف من قال فيهم: وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان/ 23]، يقال: ثَبَّتُّهُ، أي: قوّيته، قال اللّه تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ [الإسراء/ 74]، و قال: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال/ 12]، و قال: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ [البقرة/ 265]، و قال: وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا* [البقرة/ 250].
ثبر
الثُّبُورُ: الهلاك و الفساد، الْمُثَابِرُ على الإتيان، أي: المواظب، من قولهم: ثَابَرْتُ. قال تعالى:
دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً* لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً
__________________________________________________
(1) قال ابن فارس: و أثبته السقم: إذا لم يكد يفارقه.
(2) راجع: بصائر ذوي التمييز 1/ 347.
171
مفردات ألفاظ القرآن
ثبر ص 171
وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان/ 13- 14]، و قوله تعالى: وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء/ 102]،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَعْنِي نَاقِصَ الْعَقْلِ «1».
و نقصان العقل أعظم هلك. و ثَبِيرٌ جبل بمكة.
ثبط
قال اللّه تعالى: فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ [التوبة/ 46]، حبسهم و شغلهم، يقال: ثَبَّطَهُ المرض و أَثْبَطَهُ: إذا حبسه و منعه و لم يكد يفارقه.
ثبا
قال تعالى: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء/ 71]، هي جمع ثُبَةٍ، أي: جماعة منفردة. قال الشاعر:
80-
و قد أغدو على ثُبَةٍ كرام «2»
و منه: ثَبَّيْتُ على فلان «3»، أي: ذكرت متفرّق محاسنه. و يصغر ثُبَيَّةً، و يجمع على ثُبَاتٍ و ثُبِينَ، و المحذوف منه اللام، و أمّا ثُبَةُ الحوض فوسطه الذي يثوب إليه الماء، و المحذوف منه عينه لا لامه «4».
ثجَ
يقال: ثَجَّ الماء، و أتى الوادي بِثَجِيجِهِ. قال اللّه تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً [النبأ/ 14]، و
فِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَ الثَّجُّ» «5».
أي: رفع الصوت بالتلبية، و إسالة دم الهدي.
ثخن
يقال ثَخُنَ الشيء فهو ثَخِينٌ: إذا غلظ فلم يسل، و لم يستمر في ذهابه، و منه استعير قولهم:
أَثْخَنْتُهُ ضربا و استخفافا. قال اللّه تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ [الأنفال/ 67]، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ [محمد/ 4].
__________________________________________________
(1) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 5/ 345.
(2) الشطر لزهير، و تتمته:
نشاوى واجدين لما نشاء
و هو في ديوانه ص 11، و اللسان (ثبا) و (ثوب).
(3) و في اللسان: و من جعل الأصل ثبيّة من ثبيت على الرجل: إذا أثنيت عليه في حياته.
(4) قال أبو منصور الأزهري: الثّبات: جماعات في تفرقة، و كل فرقة ثبة، و هذا من: ثاب.
و قال آخرون: الثّبة من الأسماء الناقصة، و هو في الأصل ثبيّة، فالساقط لام الفعل في هذا القول و أما في القول الأول فالساقط عين الفعل. ا. ه. و على هذا القول مشى المؤلف.
(5) الحديث يرويه أبو بكر الصديق أن النبيّ سئل أي الحج أفضل؟ قال: العجّ و الثج. و أخرجه الترمذي و قال ابن العربي: لم يصح، و أخرجه ابن ماجة 2/ 967 و فيه إبراهيم بن يزيد و هو متروك الحديث، و له طريق أخرى عند الدارقطني 1/ 255 و فيه محمد بن الحجاج و هو ضعيف، و أخرجه الحاكم 1/ 442 و البيهقي 4/ 330، فالحديث قوي لشواهده الكثيرة. راجع: شرح السنة 7/ 14، و عارضة الأحوذي 4/ 45.
172
مفردات ألفاظ القرآن
ثرب ص 173
ثرب
التَّثْرِيبُ: التقريع و التقرير بالذنب. قال تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ [يوسف/ 92]، و
رُوِيَ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا وَ لَا يُثَرِّبْهَا» «1».
و لا يعرف من لفظه إلا قولهم:
الثَّرْبُ، و هو شحمة رقيقة، و قوله تعالى: يا أَهْلَ يَثْرِبَ [الأحزاب/ 13]، أي: أهل المدينة، يصح أن يكون أصله من هذا الباب و الياء تكون فيه زائدة.
ثعب
قال عزّ و جل: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* [الأعراف/ 107]، يجوز أن يكون سمّي بذلك من قوله: ثَعَبْتُ الماء فَانْثَعَبَ، أي: فجّرته و أسلته فسال، و منه: ثَعَبَ المطر، و الثُّعْبَةُ:
ضرب من الوزغ و جمعها: ثُعَبٌ، كأنّه شبّه بالثعبان في هيئته، فاختصر لفظه من لفظه لكونه مختصرا منه في الهيئة.
ثقب
الثَّاقِبُ: المضيء الذي يثقب بنوره و إضاءته ما يقع عليه. قال اللّه تعالى: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ [الصافات/ 10]، و قال تعالى: وَ ما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ* النَّجْمُ الثَّاقِبُ [الطارق/ 2- 3]، و أصله من الثُّقْبَةِ، و الْمَثْقَبُ: الطريق في الجبل، كأنه قد ثقب، و قال أبو عمرو:
و الصحيح: الْمِثْقَبُ «2»، و قالوا: ثَقَّبْتُ النار، أي: ذكيتها.
ثقف
الثَّقْفُ: الحذق في إدراك الشيء و فعله، و منه قيل: رجل ثَقِفٌ، أي: حاذق في إدراك الشيء و فعله، و منه استعير: الْمُثَاقَفَةُ «3»، و رمح مُثَقَّفٌ، أي: مقوّم، و ما يُثَقَّفُ به: الثِّقَافُ، و يقال: ثَقِفْتُ كذا: إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر، ثم يتجوّز به فيستعمل في الإدراك و إن لم تكن معه ثَقَافَةٌ. قال اللّه تعالى: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ* [البقرة/ 191]، و قال عزّ و جل:
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ [الأنفال/ 57]، و قال عزّ و جل: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب/ 61].
ثقل
الثِّقَلُ و الخفّة متقابلان، فكل ما يترجح على
__________________________________________________
(1) هذا جزء من حديث صحيح متفق على صحته، مروي عن أبي هريرة قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ و لا يثرّب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحدّ و لا يثرّب، ثم إن زنت الثالثة فتبيّن زناها فليبعها و لو بحبل من شعر». و قد أخرجه البخاري في باب بيع المدبّر، انظر: فتح الباري 4/ 350، و مسلم في الحدود رقم (1703)، و انظر: شرح السنة 10/ 297.
(2) و في (شمس العلوم): المثقب: الطريق، و يقال: إنه أفصح من مفتوح الميم. راجع شمس العلوم 1/ 50.
(3) هي الملاعبة بالسلاح.
173
مفردات ألفاظ القرآن
ثقل ص 173
ما يوزن به أو يقدّر به يقال: هو ثَقِيلٌ، و أصله في الأجسام ثم يقال في المعاني، نحو: أَثْقَلَهُ الغرم و الوزر. قال اللّه تعالى: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ*
[الطور/ 40]، و الثَّقِيلُ في الإنسان يستعمل تارة في الذم، و هو أكثر في التعارف، و تارة في المدح نحو قول الشاعر:
81-
تخفّ الأرض إذا ما زلت عنها و تبقى ما بقيت بها ثَقِيلًا
82-
حللت بمستقر العزّ منها فتمنع جانبيها أن تميلا «1»
و يقال: في أذنه ثِقَلٌ: إذا لم يجد سمعه، كما يقال: في أذنه خفّة: إذا جاد سمعه. كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه، و قد يقال: ثَقُلَ القول إذا لم يطب سماعه، و لذلك قال في صفة يوم القيامة: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [الأعراف/ 187]، و قوله تعالى: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها [الزلزلة/ 2]، قيل: كنوزها، و قيل: ما تضمّنته من أجساد البشر عند الحشر و البعث، و قال تعالى: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ [النحل/ 7]، أي: أحمالكم الثقيلة، و قال عزّ و جل: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت/ 13]، أي: آثامهم التي تثقلهم و تثبطهم عن الثواب، كقوله تعالى:
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [النحل/ 25]، و قوله عزّ و جل: انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا [التوبة/ 41]، قيل: شبّانا و شيوخا «2»، و قيل: فقراء و أغنياء، و قيل: غرباء و مستوطنين، و قيل: نشّاطا و كسالى، و كلّ ذلك يدخل في عمومها، فإنّ القصد بالآية الحثّ على النفر على كل حال تصعّب أو تسهّل. و الْمِثْقَالُ: ما يوزن به، و هو من الثّقل، و ذلك اسم لكل سنج قال تعالى: وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء/ 47]، و قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة/ 7- 8]، و قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [القارعة/ 6- 7]، فإشارة إلى كثرة الخيرات، و قوله تعالى: وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ [القارعة/ 8]، فإشارة إلى قلّة الخيرات.
و الثَّقِيلُ و الخفيف يستعمل على وجهين:
أحدهما على سبيل المضايفة، و هو أن لا يقال لشيء ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره، و لهذا
__________________________________________________
(1) الأشطار الثلاثة الأولى لزهير بن أبي سلمى، و الأخير لابنه كعب، و لها قصة انظرها في أمالي المرتضى 1/ 97.
و هما في ديوان زهير ص 71، و بصائر ذوي التمييز 1/ 334.
(2) راجع في تفسير الآية الدر المنثور 4/ 208.
174
مفردات ألفاظ القرآن
ثقل ص 173
يصحّ للشيء الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه، و ثقيل إذا اعتبرته بما هو أخفّ منه، و على هذه الآية المتقدمة آنفا.
و الثاني أن يستعمل الثَّقِيلُ في الأجسام المرجّحة إلى أسفل، كالحجر و المدر، و الخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار و الدخان، و من هذا الثقل قوله تعالى: اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة/ 38].
ثلث
الثَّلَاثَةُ و الثَّلَاثُونَ، و الثَّلَاثُ و الثَّلَاثُمِائَةِ، و ثَلَاثَةُ آلاف، و الثُّلُثُ و الثُّلُثَانِ.
قال عزّ و جلّ: فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء/ 11]، أي: أحد أجزائه الثلاثة، و الجمع أَثْلَاثٌ، قال تعالى: وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142]، و قال عزّ و جل: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [المجادلة/ 7]، و قال تعالى: ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ [النور/ 58]، أي: ثلاثة أوقات العورة، و قال عزّ و جلّ: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ [الكهف/ 25]، و قال تعالى: بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ [آل عمران/ 124]، و قال تعالى:
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ [المزمل/ 20]، و قال عزّ و جل:
مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ* [فاطر/ 1]، أي: اثنين اثنين و ثلاثة ثلاثة. و ثَلَّثْتُ الشيء: جزّأته أثلاثا، و ثَلَّثْتُ القوم: أخذت ثلث أموالهم، و أَثْلَثْتُهُمْ:
صرت ثالثهم أو ثلثهم، و أَثْلَثْتُ الدراهم فَأَثْلَثَتْ هي «1»، و أَثْلَثَ القوم: صاروا ثلاثة و حبل مَثْلُوثٌ: مفتول على ثلاثة قوى، و رجل مَثْلُوثٌ:
أخذ ثلث ماله، و ثَلَّثَ الفرس و ربّع جاء ثالثا و رابعا في السباق، و يقال: أ ثَلَاثَةٌ و ثَلَاثُونَ عندك أو ثَلَاثٌ و ثَلَاثُونَ؟ كناية عن الرجال و النساء، و جاءوا ثُلَاثَ و مَثْلَثَ، أي: ثلاثة ثلاثة، و ناقة ثَلُوثٌ «2»: تحلب من ثلاثة أخلاف، و الثَّلَاثَاءُ و الأربعاء من الأيام جعل الألف فيهما بدلا من الهاء، نحو: حسنة و حسناء، فخصّ اللفظ باليوم، و حكي: ثَلَّثْتُ الشيء تَثْلِيثاً: جعلته على ثلاثة أجزاء، و ثَلَّثَ البسر: إذا بلغ الرطب ثلثيه، أو ثَلَّثَ العنب: أدرك ثلثاه، و ثوب ثُلَاثِيٌّ: طوله ثلاثة أذرع.
ثل
الثَّلَّةُ: قطعة مجتمعة من الصوف، و لذلك قيل للمقيم ثُلَّةٌ، و لاعتبار الاجتماع قيل: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ [الواقعة/ 39- 40]،
__________________________________________________
(1) راجع ص 82 في الحاشية.
(2) قال ابن مالك في مثلثه:
معلوم الثّلاث، و الثّلاث جمع ثلوث النّوق، و الثّلاث
يعنى به الذكور و الإناث و هو من المعدول في الحساب.
175
مفردات ألفاظ القرآن
ثل ص 175
أي: جماعة «1»، و ثَلَلْتُ كذا: تناولت ثلّة منه، و ثُلَّ عرشه: أسقط ثلة منه، و الثَّلَلُ. قصر الأسنان لسقوط ثلة منه، و أَثَلَّ فمه:
سقطت أسنانه، و تَثَلَّلَتِ الركية، أي: تهدّمت.
ثمد
ثَمُودُ قيل: هو أعجمي، و قيل: هو عربيّ، و ترك صرفه لكونه اسم قبيلة، أو أرض، و من صرفه جعله اسم حيّ أو أب، لأنه يذكر فعول من الثَّمَدِ، و هو الماء القليل الذي لا مادّة له، و منه قيل: فلان مَثْمُودٌ، ثَمَدَتْهُ النساء أي:
قطعن مادّة مائه لكثرة غشيانه لهنّ، و مَثْمُودٌ: إذا كثر عليه السّؤال حتى فقد مادة ماله.
ثمر
الثَّمَرُ اسم لكلّ ما يتطعم من أحمال الشجر، الواحدة ثَمَرَةٌ، و الجمع: ثِمَارٌ و ثَمَرَاتٌ، كقوله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ* [البقرة/ 22]، و قوله تعالى: وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ [النحل/ 67]، و قوله تعالى: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ [الأنعام/ 99]، و قوله تعالى: وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ* [الرعد/ 3]، و الثَّمَرُ قيل: هو الثِّمَارُ، و قيل: هو جمعه، و يكنّى به عن المال المستفاد، و على ذلك حمل ابن عباس (وَ كَانَ لَهُ ثُمْرٌ) «2» [الكهف/ 34] و يقال: ثَمَّرَ اللّه ماله، و يقال لكلّ نفع يصدر عن شيء: ثَمَرَةٌ كقولك: ثَمَرَةُ العلم العمل الصالح، و ثَمَرَةُ العمل الصالح الجنّة «3»، و ثَمَرَةُ السوط عقدة أطرافها تشبيها بالثمر في الهيئة، و التدلي عنه كتدلي الثمر عن الشجر، و الثَّمِيرَةُ من اللبن: ما تحبّب من الزبد تشبيها بالثمر في الهيئة و في التحصيل من اللبن.
ثمَ
ثُمَّ حرف عطف يقتضي تأخر ما بعده عمّا قبله «4»، إمّا تأخيرا بالذات، أو بالمرتبة، أو بالوضع حسبما ذكر في (قبل) و في (أول). قال تعالى: أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ* ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا، [يونس/ 51- 52]، و قال عزّ و جلّ: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ [البقرة/ 52]، و أشباهه.
__________________________________________________
(1) قال ابن مالك:
ضأن و صوف و تراب ثلّه و عن حلاك عبروا بثلّه
و زمرة الناس تسمى ثلّه شاهده في محكم الكتاب.
(2) انظر: الدرّ المنثور 5/ 390، و هي قراءة ابن عباس من القراءات الشاذة. و قال مجاهد: ما كان في القرآن من ثمر فهو مال، و ما كان من ثمر فهو من الثمار. انظر: اللسان (ثمر).
(3) انظر مجمع البلاغة للمؤلف 1/ 44.
(4) راجع مغني اللبيب، و الجنى الداني، باب ثمّ، و البصائر 2/ 344.
176
مفردات ألفاظ القرآن
ثم ص 176
و ثُمَامَةٌ: شجر، و ثَمَّتِ الشاة: إذا رعتها «1»، نحو: شَجَّرَتْ: إذا رعت الشجر، ثم يقال في غيرها من النبات. و ثَمَمْتُ الشيء: جمعته، و منه قيل: كنّا أَهْلَ ثُمِّهِ و رُمِّهِ «2»، و الثُّمَّةُ: جمعة من حشيش. و:
ثَمَّ إشارة إلى المتبعّد من المكان، و «هنالك» للتقرب، و هما ظرفان في الأصل، و قوله تعالى:
وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ [الإنسان/ 20] فهو في موضع المفعول «3».
ثمن
قوله تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف/ 20]. الثَّمَنُ: اسم لما يأخذه البائع في مقابلة البيع، عينا كان أو سلعة. و كل ما يحصل عوضا عن شيء فهو ثمنه. قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران/ 77]، و قال تعالى: وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا [النحل/ 95]، و قال: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا* [البقرة/ 41]، و أَثْمَنْتُ الرَّجُلَ بمتاعه و أَثْمَنْتُ لَهُ: أكثرت له الثمن، و شيء ثَمِينٌ: كثير الثمن، و الثَّمَانِيَةُ و الثَّمَانُونَ و الثُّمُنُ في العدد معروف. و يقال:
ثَمَنْتُهُ: كنت له ثامنا، أو أخذت ثمن ماله، و قال عزّ و جلّ: سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ [الكهف/ 22]، و قال تعالى: عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [القصص/ 27]. و الثَّمِينُ:
الثُّمُنُ، قال الشاعر:
83-
فما صار لي في القسم إلا ثَمِينُهَا «4»
__________________________________________________
(1) انظر: المجمل 1/ 156.
(2) انظر: أساس البلاغة ص 49، و المجمل 1/ 156. قال الزمخشري: أي: أهل إصلاح شأنه و الاهتمام بأمره.
(3) و مشى على هذا القول الفيروزآبادي في البصائر 1/ 345، و ردّه في القاموس، فقال: فقول من أعربه مفعولا ل «رأيت» في: و إذا رأيت ثمّ رأيت وهم.
و مشى على هذا القول الفراء في معانيه، راجع 3/ 218، و كذا الأخفش.
- و قال أبو جعفر النحاس: لأهل العربية فيه ثلاثة أقوال:
فأكثر البصريين يقول: «ثمّ» ظرف، و لم تعدّ «رأيت»، كما تقول: ظننت في الدار، فلا تعدّي ظننت، على قول سيبويه.
و قال الأخفش- و هو أحد قولي الفراء-: ثمّ مفعول بها، أي: فإذا نظرت ثمّ.
و قول آخر للفراء، قال: و التقدير: و إذا رأيت ما ثمّ، و حذف «ما».
قال أبو جعفر: و حذف «ما» خطأ عند البصريين، لأنه يحذف الموصول و يبقي الصلة. راجع إعراب القرآن للنحاس 3/ 579.
(4) هذا عجز بيت، و شطره:
و ألقيت سهمي بينهم حين أوخشوا
و ينسب إلى يزيد بن الطثرية، و هو في ديوانه ص 97، و المجمل 1/ 162، و اللسان (ثمن)، و عقد الخلاص ص 282.
177
مفردات ألفاظ القرآن
ثمن ص 177
و قوله تعالى: فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ [النساء/ 12].
ثنى
الثَّنْيُ و الِاثْنَانِ أصل لمتصرفات هذه الكلمة، و يقال ذلك باعتبار العدد، أو باعتبار التكرير الموجود فيه أو باعتبارهما معا، قال اللّه تعالى:
ثانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة/ 40]، اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً* [البقرة/ 60]، و قال: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ* [النساء/ 3] فيقال: ثَنَّيْتُهُ تَثْنِيَةً: كنت له ثانيا، أو أخذت نصف ماله، أو ضممت إليه ما صار به اثنين.
و الثِّنَى: ما يعاد مرتين،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
«لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ» «1».
أي: لا تؤخذ في السنة مرتين. قال الشاعر:
84-
لقد كانت ملامتها ثِنَى «2»
و امرأة ثِنْيٌ: ولدت اثنين، و الولد يقال له:
ثِنْيٌ، و حلف يمينا فيها ثُنْيَا و ثَنْوَى و ثَنِيَّةٌ و مَثْنَوِيَّةٌ «3»، و يقال للاوي الشيء: قد ثَنَاهُ، نحو قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ [هود/ 5]، و قراءة ابن عباس: (يَثْنَوْنَى صدورهم) «4» من: اثْنَوْنَيْتُ، و قوله عزّ و جلّ:
ثانِيَ عِطْفِهِ [الحج/ 9]، و ذلك عبارة عن التّنكّر و الإعراض، نحو: لوى شدقه، وَ نَأى بِجانِبِهِ* [الإسراء/ 83].
و الثَّنِيُّ من الشاة: ما دخل في السنة الثانية و ما سقطت ثنيته من البعير، و قد أَثْنَى، و ثَنَيْتُ الشيء أَثْنِيهِ: عقدته بِثِنَايَيْنِ غير مهموز، قيل «5»: و إنما لم يهمز لأنه بنى الكلمة على التثنية، و لم يبن عليه لفظ الواحد. و الْمُثَنَّاةُ: ما ثني من طرف الزمام، و الثُّنْيَانُ الذي يثنّى به إذا عدّ السادات. و فلان ثَنِيَّةُ أهل بيته كناية عن قصور منزلته فيهم، و الثَّنِيَّةُ من الجبل: ما يحتاج في قطعه و سلوكه إلى صعود و حدود، فكأنه يثني السير، و الثَّنِيَّةُ من السنّ تشبيها بالثّنية من الجبل في الهيئة و الصلابة. و الثُّنْيَا من الجزور: ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرأس و الصلب، و قيل:
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 98، و ابن الأثير في النهاية 1/ 244، و الفائق 1/ 158، و رواته ثقات.
(2) هذا عجز بيت، و صدره:
أ في جنب بكر قطعتني ملامة
و هو ينسب لأوس بن حجر في ديوانه ص 141، و إلى معن بن أوس كما في غريب الحديث 1/ 98، و إلى كعب بن زهير في اللسان (ثنى)، و ديوان كعب ص 128 و هو الأرجح، و انظر: المجمل 1/ 163.
(3) هذا كله بمعنى الاستثناء.
(4) و هي قراءة شاذة. انظر: البصائر 1/ 345.
(5) انظر: المجمل 1/ 164.
178
مفردات ألفاظ القرآن
ثنى ص 178
الثُّنْوَى و الثَّنَاءُ: ما يذكر في محامد الناس، فيثنى حالا فحالا ذكره، يقال: أثني عليه.
و تَثَنَّى في مشيته نحو: تبختر، و سميت سور القرآن مَثَانِيَ في قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي [الحجر/ 87] لأنها تثنى على مرور الأوقات و تكرّر فلا تدرس و لا تنقطع دروس سائر الأشياء التي تضمحل و تبطل على مرور الأيام، و على ذلك قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ [الزمر/ 23]، و يصح أنه قيل للقرآن: مثاني، لما يثنى و يتجدّد حالا فحالا من فوائده، كما
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ فِي صِفَتِهِ: «لَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمَ وَ لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ» «1».
و يصح أن يكون ذلك من الثناء، تنبيها على أنه أبدا يظهر منه ما يدعو إلى الثناء عليه و على من يتلوه، و يعلمه و يعمل به، و على هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [الواقعة/ 77]، و بالمجد في قوله:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ [البروج/ 21].
و الِاسْتِثْنَاءُ: إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم، أو يقتضي رفع حكم اللفظ عما هو. فممّا يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً الآية: [الأنعام/ 145].
و ما يقتضي رفع ما يوجبه اللفظ فنحو قوله:
و اللّه لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه، و امرأته طالق إن شاء اللّه، و عبده عتيق إن شاء اللّه، و على هذا قوله تعالى: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ [القلم/ 17- 18].
ثوب
أصل الثَّوْبِ: رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها، أو إلى الحالة المقدّرة المقصودة بالفكرة، و هي الحالة المشار إليها بقولهم: أوّل الفكرة آخر العمل «2». فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم: ثَابَ فلان إلى داره، و ثَابَتْ إِلَيَّ نفسي، و سمّي مكان المستسقي على فم البئر مَثَابَةً، و من الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصود بالفكرة الثَّوْبُ، سمّي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدّرت له، و كذا ثَوَابُ العمل، و جمع الثوب أَثْوَابٌ و ثِيَابٌ، و قوله تعالى: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر/ 4] يحمل على تطهير الثوب، و قيل:
الثِّيَابُ كناية عن النفس لقول الشاعر:
__________________________________________________
(1) الحديث أخرجه رزين و أبو عبيد في كتابه (فضائل القرآن)، و قال: هذا غريب من هذا الوجه. و عند الترمذي: «و لا يخلق عن كثرة الرّد و لا تنقضي عجائبه». انظر سنن الترمذي: باب فضائل القرآن رقم (2908)، قال: و إسناده مجهول. و أخرجه أحمد في المسند برقم (704)، و ابن أبي شيبة 6/ 125.
(2) انظر: بصائر ذوي التمييز 1/ 337، و تفصيل هذا في شرح أدب الكاتب للجواليقي ص 37.
179
مفردات ألفاظ القرآن
ثوب ص 179
85-
ثِيَابُ بني عوف طهارى نقيّة «1»
و ذلك أمر بما ذكره اللّه تعالى في قوله:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33]. و الثَّوَابُ:
ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله، فيسمى الجزاء ثوابا تصوّرا أنه هو هو، أ لا ترى كيف جعل اللّه تعالى الجزاء نفس العمل في قوله:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة/ 7]، و لم يقل جزاءه، و الثَّوَابُ يقال في الخير و الشر، لكن الأكثر المتعارف في الخير، و على هذا قوله عزّ و جلّ: ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ [آل عمران/ 195]، فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ [آل عمران/ 148]، و كذلك الْمَثُوبَةُ في قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ [المائدة/ 60]، فإنّ ذلك استعارة في الشر كاستعارة البشارة فيه. قال تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة/ 103]، و الْإِثَابَةُ تستعمل في المحبوب، قال تعالى: فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [المائدة/ 85]، و قد قيل ذلك في المكروه فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ [آل عمران/ 153]، على الاستعارة كما تقدّم، و التَّثْوِيبُ في القرآن لم يجئ إلا في المكروه، نحو: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ [المطففين/ 36]، و قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً [البقرة/ 125]، قيل: معناه: مكانا يثوب إليه النّاس على مرور الأوقات، و قيل: مكانا يكتسب فيه الثواب. و الثَّيِّبُ: التي تثوب عن الزوج.
قال تعالى: ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً [التحريم/ 5]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» «2».
و التَّثْوِيبُ: تكرار النداء، و منه: التثويب في الأذان، و الثُّوبَاءُ التي تعتري الإنسان سميت بذلك لتكررها، و الثُّبَةُ: الجماعة الثائب بعضهم إلى بعض في الظاهر. قال عزّ و جلّ: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء/ 71]، قال الشاعر:
86-
و قد أغدو على ثُبَةٍ كرام «3»
و ثُبَةُ الحوض: ما يثوب إليه الماء، و قد تقدّم «4».
__________________________________________________
(1) الشطر لامرئ القيس، و عجزه:
و أوجههم بيض المسافر غرّان
و هو في ديوانه ص 167، و اللسان (ثوب).
(2) الحديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه (1421)، و ابن ماجة في سننه 1/ 601، و مالك في الموطأ. انظر تنوير الحوالك 2/ 62، و شرح السنة 9/ 30، و الرواية [الأيم] بدل [الثيب].
(3) البيت تقدم قريبا برقم 80.
(4) راجع مادة (ثبة).
180
مفردات ألفاظ القرآن
ثور ص 181
ثور
ثَارَ الغبار و السحاب و نحوهما، يَثُورُ ثَوْراً و ثَوَرَاناً: انتشر ساطعا، و قد أَثَرْتُهُ، قال تعالى:
فَتُثِيرُ سَحاباً* [الروم/ 48]، يقال: أَثَرْتُ الأرض، كقوله تعالى: وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها [الروم/ 9]، و ثَارَتِ الحصبة ثَوْراً تشبيها بانتشار الغبار، و ثَوَّرَ شرّا كذلك، و ثَارَ ثَائِرُهُ كناية عن انتشار غضبه، و ثَاوَرَهُ: واثبه، و الثَّوْرُ: البقر الذي يثار به الأرض، فكأنه في الأصل مصدر جعل في موضع الفاعل «1»، نحو: ضيف و طيف في معنى: ضائف و طائف، و قولهم: سقط ثَوْرُ الشفق «2» أي: الثائر المنتثر، و الثَّارُ هو طلب الدم، و أصله الهمز، و ليس من هذا الباب.
ثوى
الثَّوَاءُ: الإقامة مع الاستقرار، يقال: ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً، قال عزّ و جلّ: وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ [القصص/ 45]، و قال: أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر/ 60]، قال اللّه تعالى: فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [فصلت/ 24]، ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ* [الزمر/ 72]، و قال:
النَّارُ مَثْواكُمْ [الأنعام/ 128]، و قيل: من أمّ مَثْوَاكَ «3»؟ كناية عمّن نزل به ضيف، و الثَّوِيَّةُ:
مأوى الغنم، و اللّه أعلم بالصواب.
تمّ كتاب الثاء
__________________________________________________
(1) راجع صفحة 139 حاشية 4.
(2) و هو ما ظهر منه و انتشر، راجع أساس البلاغة (ثور) ص 49. و قال ابن فارس: و يقال في المغرب إذا سقط ثور الشفق، فهو انتشار الشفق و ثورانه. انظر: المجمل 1/ 165.
(3) قال الزمخشري: و هو أبو مثواي و هي أم مثواي: لمن أنت نازل به.
181
مفردات ألفاظ القرآن
كتاب الجيم
كتاب الجيم
جبَ
قال اللّه تعالى: وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ [يوسف/ 10]، أي: بئر لم تطو، و تسميته بذلك إمّا لكونه محفورا في جَبُوبٍ، أي: في أرض غليظة، و إمّا لأنه قد جبّ، و الْجَبُّ: قطع الشيء من أصله كجبّ النّخل، و قيل: زمن الْجِبَابِ، نحو: زمن الصّرام، و بعير أَجَبُّ: مقطوع السنام «1»، و ناقة جَبَّاءُ، و ذلك نحو: أقطع و قطعاء، للمقطوع اليد، و خصي مَجْبُوبٌ:
مقطوع الذّكر من أصله، و الْجُبَّةُ التي هي اللباس منه، و به شبّه ما دخل فيه الرمح من السنان، و الْجُبَابُ: شيء يعلو ألبان الإبل، و جَبَّتِ المرأة النساء حسنا: إذا غلبتهن، استعارة من الجبّ الذي هو القطع، و ذلك كقولهم: قطعته في المناظرة و المنازعة، و أمّا الْجُبْجُبَةُ «2» فليست من ذلك، بل سميت به لصوتها المسموع منها.
جبت
قال اللّه تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ [النساء/ 51]، الْجِبْتُ «3» و الْجِبْسُ: الفسل «4» الذي لا خير فيه «5»، و قيل:
التاء بدل من السين، تنبيها على مبالغته في الفسولة، كقول الشاعر:
87-
عمرو بن يربوع شرار النّاس «6»
أي: خساس الناس، و يقال لكلّ ما عبد من
__________________________________________________
(1) انظر: البصائر 1/ 358.
(2) قال في اللسان (و الجبجبة) وعاء يتخذ من أدم يسقى فيه الإبل، و ينقع فيه الهبيد.
(3) قال الجوهري: و هذا ليس من محض العربية، لاجتماع الجيم و التاء في كلمة من غير حرف ذولقي.
(4) في اللسان: الفسل: الرذل و النذل الذي لا مروة له.
(5) انظر: البصائر 1/ 359.
(6) هذا عجز بيت، و شطره الأول:
يا قبّح اللّه بني السّعلاة
و هو لعلباء بن أرقم، و هو في اللسان (نوت)، و البصائر 1/ 359، و الخصائص 2/ 53، و الجمهرة 3/ 32.
182
مفردات ألفاظ القرآن
جبت ص 182
دون اللّه: جِبْتٌ، و سمي الساحر و الكاهن جِبْتاً.
جبر
أصل الْجَبْر