×
☰ فهرست و مشخصات
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة المحقق

مقدّمة المحقّق‏
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
الحمد للّه العليم الوارث، الحكيم الباعث، و الصّلاة و السّلام على خير الخلائق، محمد الذي جاء بأفضل الطرائق، و هدى لأقوم المناهج.
و بعد، فعلم التفسير من أشرف العلوم، و هو أولى ما يعكف عليه الباحث، و يلزمه الدارس، و المصنّفات فيه لا تدخل تحت حدّ و حصر، منها المطبوع، و المخطوط، و المفقود، و من أجلّ ما صنّف في غريب القرآن كتاب «المفردات» للراغب الأصفهاني.
لذا عملنا على تحقيقه و ضبطه، و إخراجه بصورة تناسب مكانته العلمية، و هيئة تلائم صدارته العملية، إذ أنّ النسخ المطبوعة مليئة بالأخطاء، و مشحونة بالتصحيفات و التحريفات، و فيها أحياناً نقص إمّا في الأبواب، و إمّا في الآيات، و إمّا في الأشعار.
و بدأنا أولًا بدراسة عن المؤلّف و حياته، و كتابه، و أتينا- بحمد اللّه- بما لم يأت به أحد قبلنا فيما يتعلق بالمؤلف و ترجمته. ثم قمنا بتحقيق الخطوات التالية:
1- ضبط نص الكتاب، و مقابلته على عدة نسخ.
2- شكل الكلمات التي تحتاج إلى شكل.
3- تخريج الآيات القرآنية، و ذكر أرقامها و سورها. و جعلناها في المتن تخفيفاً للحواشي.
4- تخريج القراءات القرآنية، و نسبة كلّ قراءة إلى قارئها، و تبيين القراءة الصحيحة من الشاذة.
5- تخريج الأحاديث و الآثار من كتب السّنّة، و كنّا، غالباً نذكر درجتها من الصحة و الضعف.
6- نسبة الأبيات الشعرية لقائليها، و بيان محلها في كتب اللغة و التفسير، و ضبط الأبيات، إذ قلّ ما وجدناه منها صحيحاً.
7- ضبط الأمثال و الأقوال العربية، و بيان محالها في كتب اللغة.

5
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة المحقق

8- ترجمة مختصرة للأعلام الواردة، و ذكر أماكن ترجمتها.
9- و في الختام قمنا بعمل الفهارس العلمية للكتاب، لتسهّل للباحث الاطلاع و الرجوع.
و نسأل اللّه التوفيق و السداد، و القبول و الصواب، و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
صفوان داودي المدينة المنورة- شعبان 1408 ه

6
مفردات ألفاظ القرآن

ترجمة المؤلف ص 7

ترجمة المؤلف‏
اسمه و نسبه «1»:
اشتهر الراغب الأصفهاني بلقبه، فلذلك كثر الاختلاف في اسمه، و الأشهر أنّ اسمه الحسين، و عليه مشى جلّ من ترجم له.
فقيل: الحسين بن محمد بن المفضل «2»، و قيل: الحسين بن مفضل بن محمد «3».
و قيل: الحسين بن الفضل «4»، و قيل: المفضل بن محمد «5».
شيوخه و تلامذته:
لم تذكر المصادر المتوفرة بأيدينا شيئاً عمّن تلقّى عنه الراغب علومه و ثقافته، كما لم تذكر شيئاً عن تلامذته و طلابه، و الظاهر أنّ المؤلف كان مغموراً يحبّ الخمول كما يتضح لنا من شعره كما سيأتي.
لكن الذي يغلب على ظني و يترجح عندي أنّه قرأ العربية على أبي منصور الجبان،
__________________________________________________
 (1) انظر: ترجمته في بغية الوعاة للسيوطي 2/ 297، و تاريخ حكماء الإسلام للبيهقي ص 112، و نزهة الأرواح و روضة الأفراح للشهرزوري 2/ 44، و طبقات المفسرين للداوودي 2/ 329، و الأعلام للزركلي 2/ 255، و معجم المؤلفين 4/ 59، و هدية العارفين ص 3110، و كشف الظنون 1/ 36، و مفتاح السعادة 1/ 183، و البلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروزآبادي ص 69، و سير أعلام النبلاء للذهبي 18/ 120، و الوافي للصفدي 13/ 45.
 (2) و عليه مشى صاحب الأعلام و صاحب معجم المؤلفين و الذهبي و الصفدي.
 (3) و عليه مشى صاحب فهرس الخزانة التيمورية 3/ 108.
 (4) و عليه مشى صاحب نزهة الأرواح.
 (5) و عليه مشى السيوطي و الداودي.

7
مفردات ألفاظ القرآن

شيوخه و تلامذته ص 7

و اسمه محمد بن علي بن عمر، قال عنه ياقوت: أحد حسنات الري، و علمائها الأعيان، جيّد المعرفة باللّغة، باقعة الوقت، و فرد الدّهر، و بحر العلم، و روضة الأدب «1».
و قال القفطي: الفاضل الكامل العلامة، شيخ وقته في اللغة و استفادتها، و له رواية «2».
و قال أيضاً: هو إمام في اللغة، مبرز في زمانه «3».
و كان الصاحب يعزّه و يجلّه. و له مناظرة مع ابن سينا.
صنّف كتاب «الشامل» في اللغة، كثّر فيه الألفاظ اللغوية، و قابل الشواهد، فهو في غاية الإفادة من حيث الكثرة، و له أيضاً كتاب كبير سماه: «لسان العرب» استوفى فيه اللغة غاية إمكانه، لكنه مات قبل إخراجه من المسوّدة.
و قال السيوطي: الشامل في اللغة، قرئ عليه سنة ستّ عشرة و أربعمائة «4».
و الذي حملني على هذا الظن أنّه أولًا: كان معاصراً للراغب، و في طبقةٍ قبل طبقته، إذ أنه أدرك الصاحب بن عباد، و الراغب لم يدركه مجالسةً. ثانياً: أنّ الراغب نقل عنه باسمه في كتابه «المفردات» «5».
فأظنه حضر دروسه في كتاب «الشامل»، لأنهما كانا في أصبهان. و اللّه أعلم بالصواب.
مؤلفاته:
خلّف الراغب تراثاً كبيراً من المؤلفات، و حريّ به ذلك، إذ أنّه عاش في القرن الرابع الهجري و هو قرن الازدهار العلمي، و النهضة و العلمية. فمنها:
1- كتاب المفردات في غريب القرآن. و سنعقد له باباً خاصاً.
2- تفسير القرآن الكريم. و بعضهم يسميه «جامع التفاسير»، و هو خطأ، و إنّما اسمه:
 «جامع التفسير»، و فرق واضح بين الاسمين.
و قد ذكره الراغب نفسه في كتابه: «حلّ متشابهات القرآن» عند كلامه على سورة الكافرون، فقال: إنا قد أجبنا في «جامع التفسير» عن ذلك بأجوبة كثيرة «6».
__________________________________________________
 (1) انظر: معجم الأدباء 18/ 260.
 (2) انظر: إنباه الرواة 3/ 194.
 (3) انظر: إنباه الرواة 4/ 176.
 (4) انظر: بغية الوعاة 1/ 185.
 (5) انظر: مادة (دلى).
 (6) انظر: حل متشابهات القرآن- خ، ص 280.

8
مفردات ألفاظ القرآن

مؤلفاته ص 8

و ذكره صاحب كشف الظنون، فقال: و هو تفسير معتبر في مجلد، أوله: الحمد للّه على آلائه ... إلخ.
أورد في أوله مقدّمات نافعة في التفسير، و طرزه «1» أنّه أورد جملًا من الآيات، ثم فسّرها تفسيراً مشبعاً، و هو أحد مآخذ أنوار التنزيل للبيضاوي «2».
- و قد طبعت مقدّمة التفسير مع تفسير سورة الفاتحة و أوائل سورة البقرة بتحقيق د. أحمد فرحات في دار الدعوة في الكويت.
و قال الفيروزآبادي: له التفسير الكبير في عشرة أسفار، غاية في التحقيق.
فإذا أردنا أن نجمع بين قول صاحب كشف الظنون و بين قول الفيروزآبادي فهذا يعني أنّ للراغب تفسيرين: أحدهما كبير، و الآخر صغير.
أما تفسيره فتوجد منه نسخة خطية في مكتبة ولي الدين جار اللّه في تركيا، و فيها الجزء الأول من أول المقدمة و ينتهي بتفسير آخر سورة المائدة، و يقع في 350 ورقة، و لم نجد بقيّته إلى الآن.
و اطلعت على تفسير آخر للقرآن مختصر منسوب للراغب الأصفهاني، و اسمه:
مختصر تفسير متشابهات القرآن، و منه نسخة مخطوطة في اليمن في مكتبة مسجد صنعاء، في 165 ورقة، لكنه يحتاج لتأكيد النسبة.
3- درّة التأويل في متشابه التنزيل. و أظن أن اسمه أيضاً: درة التأويل في حل متشابهات القرآن.
فكثير من الباحثين جعلوهما كتابين، أي: درة التأويل كتاب، و حل متشابهات القرآن كتاب، و هما في الحقيقة كتاب واحد.
فنجد مثلًا حاجي خليفة ذكر كتاب «درّة التأويل في متشابه التنزيل» في الكشف 1/ 439، و بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 3/ 505.
قال حاجي خليفة: و ذكر الراغب أنّه صنفه بعد ما عمل كتاب «المعاني الكبير» و أملى كتاب «احتجاج القراء».
و نجد أنّ الراغب ذكر ذلك في مقدمة كتابه «حل متشابهات القرآن» «3» الذي سموه: درّة التأويل.
__________________________________________________
 (1) أي: أسلوبه.
 (2) انظر: كشف الظنون 1/ 477.
 (3) انظر: حل متشابهات القرآن- خ ص 1 (مخطوط راغب باشا).

9
مفردات ألفاظ القرآن

مؤلفاته ص 8

و ذكر بروكلمان أيضاً كتاب «حل متشابهات القرآن» فجعله غير الأول، و قال:
و هو مخطوط في مكتبة راغب باشا رقم 180، بينما قال: إنّ كتاب درّة التأويل مخطوط في مكتبة أسعد أفندي في جامع السليمانية، و المتحف البريطاني.
و قد اطلعت على نسخة المتحف البريطاني فإذا هي عينها كتاب «حلّ متشابهات القرآن» الموجود في مكتبة راغب باشا.
و ذكر عدد من الباحثين أنّ كتاب «درّة التنزيل و غرّة التأويل» المطبوع، و المنسوب للخطيب الإسكافي هو نفس كتاب الراغب، و هذا لا يبعد، ففي مقارنة الكتابين وجدنا تطابقاً كاملا بينهما عدا الصفحة الأولى فيها بعض الاختلاف. و الذي يترجح عندي أن الكتاب للراغب لكن الصفحة الأولى وضعت خطأ عليه، أو سهواً، أو تعمّداً، إذ ذكر إبراهيم بن علي بن محمد المعروف بابن أبي الفرج الأردستاني أنّ هذه المسائل أملاها أبو عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الخطيب في القلعة الفخرية إملاءً، كما ذكر في المقدمة أنّ له- أي الخطيب- «كتابا في الحروف المقطعة»، و هذا لم ينسبه أحد للراغب. و اللّه أعلم بالصواب.
4- تحقيق البيان في تأويل القرآن. ذكره الراغب في مقدمة كتابه «الذريعة إلى مكارم الشريعة» «1»، و بروكلمان في تاريخ الأدب العربي 5/ 211، و حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 377.
و جعله بروكلمان كتابا في الأدب، و ذكر أنه مخطوط في مشهد 1/ 24، 56.
و قد اطّلعت على نسخة مخطوطة منه مصورة في أم القرى من كتابخانه آستانة- قدس- في مشهد، و بعد المقارنة تبين أنه كتاب الاعتقاد للراغب، و ليس كتاب تحقيق البيان المذكور.
و على هذا يعتبر هذا الكتاب حاليا من المفقودات.
5- احتجاج القراء. ذكره الراغب في مقدمة حل متشابهات القرآن «2»، و ذكره حاجي خليفة 2/ 15.
6- المعاني الأكبر. ذكره الراغب في مقدمة حل متشابهات القرآن، و حاجي خليفة 2/ 1729.
__________________________________________________
 (1) انظر: الذريعة ص 2.
 (2) انظر: ورقة 1.

10
مفردات ألفاظ القرآن

مؤلفاته ص 8

7- الرسالة المنبهة على فوائد القرآن. ذكرها الراغب في مقدمة المفردات، و لم نعثر عليها. و ذكرها أيضا في مادة: حرف.
8- محاضرات الأدباء و محاورات البلغاء و الشعراء. و هو كتاب ذو شهرة كبيرة في ميدان الأدب، مطبوع في مجلدين كبيرين، بمكتبة الحياة- في بيروت، لكنّه ملئ بالأخطاء المطبعية و التصحيفات و التحريفات في الأعلام و الأشعار.
و لأهمية هذا الكتاب كان يهدى إلى الوزراء و الأمراء، فقد ذكر ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء ص 369 أنّ أمين الدولة ابن التلميذ أهدى كتاب المحاضرات إلى الوزير ابن صدقة، و كتب معه:
لمّا تعذر أن أكون ملازما             لجناب مولانا الوزير الصاحب‏
و رغبت في ذكري بحضرة مجده             أذكرته بمحاضرات الراغب‏

9- مجمع البلاغة، و يسمّى أفانين البلاغة. طبع مؤخّرا في عمّان، بمكتبة الأقصى، بتحقيق الدكتور عمر الساريسي، و بذل فيه جهدا طيبا لكن فيه كثير من الأشعار المشهورة لم يعرف نسبتها.
10- أدب الشطرنج. ذكره بروكلمان 5/ 211، و لم نعثر عليه.
11- مختصر إصلاح المنطق. توجد منه نسخة مخطوطة في مركز البحوث الإسلامية في جامعة أم القرى برقم 316، و هو مصوّر عن نسخة المكتبة التيمورية رقم 137.
12- رسالة في آداب مخالطة الناس. مخطوطة ضمن مجموعة رسائل للراغب برقم 3654 بمكتبة أسعد أفندي في تركيا.
13- رسالة في الاعتقاد. و قد قام بتحقيقها الطالب أختر جمال محمد لقمان، و نال بها شهادة الماجستير في جامعة أم القرى بمكة المكرمة قسم العقيدة، عام 1401- 1402 ه، و المشرف على الرسالة الدكتور محيي الدين الصافي، و قد اطلعت عليها، و هي مطبوعة على الآلة الكاتبة في 400 صفحة. و لكن الطالب لم يأت بدراسة وافية عن الراغب.
14- الذريعة إلى مكارم الشريعة. مطبوع عدة طبعات، آخرها بتحقيق الدكتور محمد أبو اليزيد العجمي، و قد خلط في مقدمته بين الراغب و عالم آخر، فقال عن الراغب: ذكر أنه ولي القضاء، و أقام ببغداد خمس سنين، و استقر بمرسية، و استقضى فيها و لما كانت وقعة قتندة بثغر الأندلس شهدها غازيا، و استشهد فيها. ا. ه.

11
مفردات ألفاظ القرآن

مؤلفاته ص 8

و هذه الترجمة ليست للراغب بل هي لابن سكّرة، و اسمه الحسين بن محمد بن سكرة توفي 514 ه، فظنّه الراغب؟!.
قال حاجي خليفة: قيل: إنّ الإمام الغزالي كان يستصحب كتاب الذريعة دائما و يستحسنه لنفاسته.
أقول: و للغزالي أيضا كتاب اسمه «الذريعة إلى مكارم الشريعة» و لعلّه تأثر بكتاب الراغب فسمّاه باسمه، أو لعلّ المراد أن الغزالي يستصحب كتابه هذا معه في الأسفار، أو هو نفس كتاب الراغب، و لكثرة ملازمته له ظنّ أنه للغزالي. و اللّه أعلم بالصواب «1». و الغزالي متأثر بكتب الراغب، ففي كتاب معارج القدس ينقل فصلا كاملا من كتاب «تفصيل النشأتين» للراغب، و هو تظاهر العقل إلى الشرع و افتقار أحدهما إلى الآخر.
15- تفصيل النشأتين و تحصيل السعادتين. ألّفه للوزير أبي العباس الضبي، و قد طبع عدّة طبعات، آخرها: طبع دار الغرب الإسلامي بتحقيق الدكتور عبد المجيد النجار، عام 1988 م 1408 ه. و لم يأت فيه بشي‏ء يذكر عن الراغب و حياته.
16- الإيمان و الكفر. ذكره صاحب هدية العارفين 1/ 311، و لم نجد عنه خبرا.
17- رسالة في مراتب العلوم. مخطوطة ضمن رسائل الراغب بمكتبة أسعد أفندي رقم 3654، و تقع في سبع ورقات.
18- كتاب كلمات الصحابة. ذكره البيهقي في تاريخ حكماء الإسلام ص 112.
19- أصول الاشتقاق. ذكره الراغب في المفردات، انظر مادة: جدر.
20- رسالة في شرح حديث «ستفترق أمتي» و الجمع بين الروايتين للحديث الأولى: [كلها في النار إلا واحدة] و الثانية: [كلها في الجنة إلا واحدة].
ذكره الراغب في كتاب الذريعة ص 132.
21- كتاب شرف التصوف ... ذكره الراغب في تفسيره ورقة 42 و 50.
22- تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد. ذكره في مقدمة المفردات، و في تفسيره ورقة 54.
23- رسالة تحقيق مناسبات الألفاظ. ذكره في مقدمة المفردات.
__________________________________________________
 (1) انظر: كشف الظنون 1/ 826، و مقدمة إحياء علوم الدين تحقيق د. طبانة ص 22.

12
مفردات ألفاظ القرآن

كتب نسبت إليه ص 13

كتبٌ نُسبت إليه:
- وجدت في مكتبة عارف حكمت بالمدينة المنورة كتابا باسم «أطباق الذهب» نسب للراغب الأصفهاني، عارض فيه «أطواق الذهب» للزمخشري. و منه نسختان خطيتان فيها.
و واضح أنه ليس للراغب، لأنّ الراغب توفي قبل الزمخشري بقرن، و الصحيح نسبة الكتاب لعبد المؤمن بن هبة اللّه الأصفهاني.
ثم وجدته مطبوعا بهذه النسبة بمطبعة بولاق بمصر، و منه نسخة في مكتبة الحرم المدني الشريف.
وصفه و خُلقه:
قال عنه الذهبي: العلّامة الماهر، و المحقق الباهر، كان من أذكياء المتكلمين «1».
و قال البيهقي و تبعه الشهرزوري: كان من حكماء الإسلام، و هو الذي جمع بين الشريعة و الحكمة «2»، و كان حظّه من المعقولات أكثر «3».
و قال الصلاح الصفدي: أحد أعلام العلم، و مشاهير الفضل، متحقق بغير فنّ من العلم و له تصانيف تدل على تحقيقه و سعة دائرته في العلوم، و تمكّنه فيها «4».
- و وجد على نسخة مخطوطة من كتاب الذريعة: كان حسن الخلق و الخلق، و كان يستعبد الناس حسن محاورته بهم «5».
- و جاء على الورقة الأخيرة من مخطوطة حل متشابهات القرآن: تصدر للوعظ و التدريس و التأليف، و له مصنفات كثيرة جليلة، و مناظرات عجيبة «6».
و قال الخوانساري عنه: الإمام، الأديب، و الحافظ العجيب، صاحب اللغة و العربية، و الحديث و الشعر و الكتابة، و الأخلاق و الحكمة و الكلام، و علوم الأوائل، و غير ذلك، و فضله أشهر من أن يوصف، و وصفه أرفع من أن يعرف، و كفاه منقبة أنّ له قبول العامة و الخاصة، و فيما تحقّق له من اللغة خاصة، و كان من الشافعية كما استفيد لنا من فقه محاضراته «7».
ثم قال: ذكره صاحب «معجم الأدباء» كما نقل عنه بهذه الصورة: الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، أحد أعلام العلم بغير فنّ من العلوم أدبيّها و حكميّها، و له كتاب تفسير القرآن، قيل: و هو كبير.
__________________________________________________
 (1) انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 120.
 (2) و سنفرد لذلك بابا خاصا في آخر المقدمة.
 (3) انظر: تاريخ حكماء الإسلام ص 112، و نزهة الأرواح 2/ 44.
 (4) انظر: الوافي في الوفيات 13/ 45.
 (5) انظر: الراغب الأصفهاني و جهوده للساريسي ص 33.
 (6) انظر: الراغب الأصفهاني و جهوده للساريسي ص 33.
 (7) انظر: روضات الجنات ص 238- 250.

13
مفردات ألفاظ القرآن

وصفه و خلقه ص 13

قلت: فإن صحّ نقل الخوانساري عن ياقوت فهذا يعني أن كتاب معجم الأدباء المطبوع ناقص، أو احتمال آخر أنه ذكره في غير هذا الكتاب. و اللّه أعلم.
- و كان المؤلّف يؤثر التواضع و الخمول، و يكره الشهرة و الذيوع، و يعتبر أنّ من مدح نفسه فقد ذمها و عابها، فنجده يقول في محاضراته: (و أعوذ باللّه أن أكون ممن مدح نفسه و زكّاها، فعابها بذلك و هجاها، و ممن أزرى بعقله بفعله) «1».
و يؤيّد هذا أنه يعتبر أنّ من ذكر أشعاره في مصنفاته فهو مزر بعقله، فيقول: أعوذ باللّه أن أكون ممن يزري بعقله بتضمين مصنفاته شعر نفسه «2».
و أيضا كان الراغب أيضا من الصوفية الذين يفضلون الخمول، و قد ذكره الهجويري في كتابه «كشف المحجوب» 2/ 584 أنه كان من مشايخ الطريقة.
عقيدته:
تنازع الناس في عقيدة الراغب، فقال قوم: هو من المعتزلة، و قال آخرون: هو من الشيعة، و قال غيرهم: هو من أهل السّنة و الجماعة.
و الصحيح الذي لا غبار عليه- إن شاء اللّه تعالى- أنّه من أهل السنة و الجماعة.
و يؤيد هذا ما ذكره السيوطي فقال: كان في ظني أنّه معتزلي، حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخة من «القواعد الصغرى» لابن عبد السلام ما نصه: ذكر الإمام فخر الدين الرازي في: «تأسيس التقديس» في الأصول أنّ أبا القاسم الراغب كان من أئمة السّنة، و قرنه بالغزالي.
قال: و هي فائدة حسنة، فإنّ كثيرا من النّاس يظنون أنّه معتزلي «3». ا. ه ..
و يتضح هذا أيضا من خلال كتابه «المفردات» حتى نجده يردّ على المعتزلة، فمن ذلك ردّه على الجبائي شيخ المعتزلة في مادة (ختم)، و على البلخي في مادة (خل).
و أيضا فإن الراغب قال في كتاب الاعتقاد: أمّا رؤية العباد للّه عزّ و جلّ في القيامة فقد أثبتها الحكماء و أصحاب الحديث كما نطق به الكتاب و السنة «4».
__________________________________________________
 (1) انظر: المحاضرات 1/ 7.
 (2) انظر: المحاضرات 1/ 110.
 (3) انظر: بغية الوعاة 2/ 297، و أساس التقديس ص 7.
 (4) انظر: رسالة الاعتقاد ص 105.

14
مفردات ألفاظ القرآن

عقيدته ص 14

و بذلك يخالف المعتزلة المنكرين للرؤية محتجين بقوله تعالى: لَنْ تَرانِي [الأعراف/ 143].
و له ردود أخرى عليهم في كتابه «الاعتقاد».
و أمّا تشيعه فقد أراد الشيعة أن يجعلوه في صفهم و من جماعتهم، نظرا لكثرة علمه، و سعة اطلاعه، و استدلوا على ذلك بكثرة نقوله عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه و أئمة آل البيت.
و هذا ليس بحجة، إذ حبّ آل البيت جاءت به الأخبار الصحيحة، فإذا ما أحبّهم أحد و نقل كلامهم فلا يعني أنه شيعي، و كثير من العلماء استشهدوا بأقوال آل البيت كالزمخشري مثلا في «ربيع الأبرار»، و الغزالي في «إحياء علوم الدين»، و الفيروزآبادي في «بصائر ذوي التمييز»، و غيرهم، و لم يقل أحد إنّهم من الشيعة.
و الذي يبطل مزاعمهم أيضا قول الراغب نفسه في رسالة الاعتقاد، لما ذكر أهل البدع قال:
و أعظمهم فرقتان: فرقة تدبّ في ضراء، و تسير حسوا في ارتضاء، تظهر موالاة أمير المؤمنين، و بها إضلال المؤمنين، يتوصلون بمدحه و إظهار محبته إلى ذمّ الصحابة و أزواج النبيّ رضي اللّه عنهم، و شهد التنزيل بذلك لهم، و يقولون: كلام اللّه رموز و ألغاز لا ينبئ ظاهره عن حق، و مفهومه عن صدق، يجعل ذلك من الذرائع إلى إبطال الشرائع «1».
و قال أيضا في موضع آخر: و الفرق المبتدعة الذين هم كالأصول للفرق الاثنين و السبعين سبعة: المشبّهة، و نفاة الصفات، و القدرية، و المرجئة، و الخوارج، و المخلوقية، و المتشيعة.
فالمشبّهة ضلّت في ذات اللّه، و نفاة الصفات في أفعاله، و الخوارج في الوعيد، و المرجئة في الإيمان، و المخلوقية في القرآن، و المتشيعة ضلّت في الإمامة.
و الفرقة الناجية هم أهل السّنّة و الجماعة الذين اقتدوا بالصحابة «2».
كل هذا يبيّن لنا أنّ الراغب ليس من المعتزلة و لا من الشيعة، بل من أهل السنة و الجماعة.
__________________________________________________
 (1) انظر: رسالة الاعتقاد ص 43.
 (2) انظر: كتاب الاعتقاد ص 54.

15
مفردات ألفاظ القرآن

مذهبه الفقهي ص 16

مذهبه الفقهي:
الذي تبيّن لنا بعد مطالعة كتبه أنّه لم يكن من المقلّدين لأحد في الفروع الفقهية، و إنما كان مجتهدا في ذلك. و بعضهم جعله شافعيا، و لم يصب، بل للمؤلف ردّ على بعض أقوال الشافعية.
ففي مادة (طهر)- مثلا- يقول في قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً:
قال أصحاب الشافعي رضي اللّه عنه: الطّهور بمعنى المطهّر، و ذلك لا يصح من حيث اللفظ، لأنّ فعولا لا يبنى من: أفعل و فعّل، و إنما يبنى من فعل.
و انظر كلامنا على ذلك في موضعه.
و نراه يعرض أقوال الفقهاء في خلال كتبه، فتارة يأخذ بقول ذا، و تارة بقول ذاك مما يدلّ على عدم التزامه بمذهب معين.
ففي مادة: عود، عند قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يقول: فعند أهل الظاهر: هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا، فحينئذ يلزمه الكفارة، و قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ كقوله: فَإِنْ فاؤُ.
و عند أبي حنيفة: العود في الظهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها.
و عند الشافعي: هو إمساكها بعد وقوع الظهار عليها مدّة يمكنه أن يطلّق فيها فلم يفعل.
و في مادة (طهر)، عند قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ يقول:
فدلّ باللفظين على أنّه لا يجوز وطؤهنّ إلا بعد الطهارة و التطهير، و يؤكد ذلك قراءة من قرأ:
يَطَّهَّرْنَ أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل.
و هذا مذهب الشافعي، إذ لا يجوز عنده الوطء إلا بعد الاغتسال.
و في مادة (فكه)، يقول: الفاكهة قيل: هي الثمار كلها، و قيل: بل هي الثمار ما عدا العنب و الرّمان.
و قائل هذا كأنّه نظر إلى اختصاصهما بالذكر، و عطفهما على الفاكهة.
قلت: و هذا قول أبي حنيفة، فإنه لم يجعل العنب و الرمان من الفاكهة، لأنّ قوله تعالى: فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمَّانٌ فيه العطف، و أصل العطف أن يكون للمغايرة.
و كذلك في كتابه «محاضرات الأدباء» يذكر أبوابا من الفقه كالصلاة، و الصيام، و الزكاة، و الحج و يذكر أحكامها على المذهب الشافعي، و المالكي، و الحنبلي، و الحنفي، و مذهب الشيعة، و مذهب الخوارج.

16
مفردات ألفاظ القرآن

مذهبه الفقهي ص 16

كل هذا يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه لم يكن ملتزما مذهبا معينا، و إن كان يميل أحيانا لبعض أقوال الشافعي، و نجده في تفسيره يردّ على ابن داود الظاهري في انتقاداته على الشافعيّ و يدافع عنه.
شعره:
لم تذكر المصنفات التي ترجمت للراغب سوى بيتين من الشعر، ذكرهما الشهرزوري في نزهة الأرواح و روضة الأفراح «1»، و هما:
         يا من تكلّف إخفاء الهوى كلفا             إنّ التكلّف يأتي دونه الكلف‏
             و للمحبّ لسان من ضمائره             بما يجنّ من الهواء يعترف‏

و من خلال مطالعة مصنفاته استطعنا العثور على محاورة شعرية له، فنجده يقول:
كتبت إلى أبي القاسم بن أبي العلاء أستعير منه شعر عمران بن حطّان، و ضمّنتها أبياتا لبعض من امتنع من إعارة الكتب إلا بالرهن، و أبياتا عارضها أبو علي بن أبي العلاء في مناقضته فقلت:
1-
         يا ذا الذي بفضله             أضحى الورى مفتخره‏
             2- أصبحت يدعوني إلى             شعر ابن حطّان شره‏
             3- فليعطنيه منعما             عارية لأشكره‏
             4- مقتفيا والده             ألبس ثوب المغفرة
             5- عارض من أنشده             إذ رام منه دفتره:
             6- هذا كتاب حسن             قدّمت فيه المعذرة
             7- [حلفت باللّه الذي             أطلب منه المغفرة
             8- أن لا أعير أحدا             إلا بأخذ التذكرة
             9- بنكتة لطيفة             أبلغ منها لم أره‏]
             10- فقال- و القول الذي             قد قاله و حبّره-:
             11- [من لم يعر دفتره             ضاقت عليه المعذرة
             12- يقبح في الذكر و في             السماع أخذ التذكرة
             13- ما قال ذاك الشعر إلا             ماضغ للعذرة]
             14- فامنن به مقتفيا             سلوك طرق البررة

__________________________________________________
 (1) انظر: روضة الأفراح 1/ 44.

17
مفردات ألفاظ القرآن

شعره ص 17

فأجابني بأبيات، منها:
         1- حبّر شعرا خلتني             أنشر منه خبره‏
             2- يريدني فيه على             خليقة مستنكره‏
             3- مستنزل عن عادة             عوّدتها مشتهره‏
             4- أن لا أعير أحدا             لا رجلا و لا مره‏
             5- لا أقبل الرّهن و لا             تذكر عندي تذكره‏
             6- و لو حوت كفي بها             فضل الرضا و المغفرة
             7- كان لشيخي مذهب             من مذهبي أن أهجره‏
             8- خالفت فيه رسمه             معفّيا ما أثره‏
             9- و لو أتاني والدي             من بيته في المقبرة
             10- يروم سطرا لم يجد             ما رامه و سطره‏

قال الراغب: و الغرض من ذلك ما قاله أبو القاسم لا ما خاطبته به، أعوذ باللّه أن أكون ممن يزري بعقله بتضمين مصنفاته شعر نفسه.
ذكر ذلك الراغب في محاضرات الأدباء 1/ 109- 110.
ما نسب إليه من الشعر:
ذكر الدكتور الساريسي نقلا عن كتاب «مجمع البلاغة» للمؤلف ص 397 ما يلي:
و أنشدت بعض الناس- و قد لامني لمنعي إياه شيئا سألنيه-:
         ألام و أعطي و البخيل مجاور             له مثل مالي لا يلام و لا يعطي‏

فقال: نعم تلام، ثم تلام، و أنشد:
         فما كلّ بمعذور ببخل             و لا كلّ على بخل يلام‏

فظن الساريسي أن هذا من شعر الراغب فنسبه إليه «1».
و الحق أنّ البيت تمثّل به تمثّلا و ليس له، و إنما البيت لعبد اللّه بن جدعان، ذكره النهرواني في الجليس الصالح 2/ 238، و ذكر قصة له، و ذكره ابن قتيبة دون نسبة في عيون الأخبار 2/ 33.
__________________________________________________
 (1) انظر: الراغب الأصفهاني و جهوده ص 39.

18
مفردات ألفاظ القرآن

منهج الراغب في كتاب المفردات ص 19

منهج الراغب في كتاب «المفردات»:
لقد سلك الراغب في كتابه منهجا بديعا، و مسلكا رفيعا، ينمّ عن علم غزير، و عمق كبير فنجده أولا يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتقّ منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، و يبيّن مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.
و هذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، و خاض في لججها و بحارها.
و يذكر على كل ذلك شواهد من القرآن أولا، ثم من الحديث ثانيا، ثم من أشعار العرب و أقوالهم ثالثا.
ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة، ثم نراه يفسر القرآن بالقرآن كثيرا، ثم بأقوال الصحابة و التابعين، ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق مع الشريعة.
و لنضرب أمثلة على ذلك:
ففي مادة (إبل)، يقول: الإبل يقع على البعران الكثيرة، و لا واحد له من لفظه.
فهذا المعنى الحقيقي، ثم يقول:
و أبل الوحشي يأبل أبولا، و أبل أبلا: اجتزأ عن الماء، تشبيها بالإبل في صبرها عن الماء.
فهذا المعنى المجازي للفظ، و الجامع بين المعنى الحقيقي و المجازي الصبر عن الشي‏ء، ثم يقول:
و كذلك: تأبّل الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها.
و هذا أيضا مجاز، و العلاقة واضحة بينه و بين المعنى الحقيقي.
و في مادة (بور) قال: البوار: فرط الكساد.
فهذا هو المعنى الحقيقي، ثم قال:
و لمّا كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد، كما قيل: كسد حتى فسد، عبّر بالبوار عن الهلاك.
فهذا المعنى المجازي، و هذا يسمى مجازا بالأوّل.
ثم ذكر أمثلة من القرآن و الحديث، فقال: قال عزّ و جلّ: تِجارَةً لَنْ تَبُورَ وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ، و
رُوِيَ: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ».
و قال عزّ و جل: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ.

19
مفردات ألفاظ القرآن

منهج الراغب في كتاب المفردات ص 19

و في مادة (خبت) يقول:
الخبت: المطمئن من الأرض، و أخبت الرجل: قصد الخبت أو نزله. نحو: أسهل و أنجد.
فهذا المعنى الحقيقي، ثم قال:
 «ثمّ استعمل الإخبات استعمال اللين و التواضع».
فهذا المعنى المجازي، و العلاقة بينهما المشابهة، ثم قال:
قال اللّه تعالى: وَ أَخْبَتُوا إِلى‏ رَبِّهِمْ، و قال: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ أي:
المتواضعين، نحو: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ*.
ففسّر القرآن بالقرآن، ثم قال: و قوله تعالى: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ أي: تلين و تخشع.
و الإخبات هاهنا قريب من الهبوط في قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ.
ففسّر القرآن بالقرآن أيضا.
و في مادة (مرد) يقول:
قال تعالى: وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. و المارد و المريد من شياطين الجن و الإنس: المتعري من الخيرات.
فهذا المعنى المجازي، و أصله كما قال: من قولهم: شجر أمرد: إذا تعرّى من الورق.
فالجامع بين المعنيين العري. ثم قال:
و منه قيل: رملة مرداء: لم تنبت شيئا، و منه: الأمرد، لتجرّده عن الشعر.
و
رُوِيَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ مُرْدٌ».
قيل: حمل على ظاهره. و قيل: معناه: معرّون من الشوائب و القبائح.
ففسّر الحديث أولا على قول اللغويين و المحدّثين، ثم ذكر قول الحكماء ثانيا. ثم قال:
و منه قيل: مرد فلان عن القبائح، و مرد عن المحاسن و عن الطاعة.
قال تعالى: وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ أي: ارتكسوا عن الخير، و هم على النفاق.
و قوله تعالى: مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ أي: مملّس. من قولهم: شجرة مرداء: إذا لم يكن عليها ورق، و كأنّ الممرد إشارة إلى قول الشاعر:
         في مجدل شيّد بنيانه             يزلّ عنه ظفر الظافر

20
مفردات ألفاظ القرآن

منهج الراغب في كتاب المفردات ص 19

فهنا أتى بالشاهد الشعري.
و هكذا إلى آخر الكتاب، و كان يناقش الأئمة، و يردّ بعض أقوالهم، و له اختيارات في المسائل «1».
المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب «المفردات»:
اعتمد الراغب على مؤلّفات العلماء قبله، فبحث فيها، و ناقش أصحابها، و ارتضى أقوالا، و ردّ أخرى، و أهم هذه المصادر:
1- كتاب «المجمل في اللغة» لابن فارس.
و يبدو أنّ الراغب قد اعتمد عليه كثيرا، مع أنه لم يذكره باسمه، و يتضح ذلك من نفس ترتيب الكتاب، و التشابه الكبير في العبارة، و ربما ينقل عنه حرفيا، و الموافقة في الأبيات الشعرية.
و قد بيّنا ذلك في خلال تعليقاتنا على الكتاب، انظر مثلا مادة (أبّ)، (أسّ)، (جنف)، (خصف)، (ركز)، (سجل)، (صفد)، تجد تقاربا تاما في العبارات، إلا أن الراغب اختصر، و قلّل الأبيات الشعرية.
2- كتاب «الشامل في اللغة» لأبي منصور الجبان.
و قد ذكره المؤلّف صراحة في مادة (دلّى). و كتاب «الشامل» وصف بأنه كثير الألفاظ، قليل الشواهد، في غاية الإفادة، و نجد أنّ هذه الأوصاف تنطبق على كتاب المفردات أيضا.
3- «تهذيب الألفاظ» لابن السكيت.
و قد نقل عنه المؤلف في مادة (بقل).
4- «المسائل الحلبيات» لأبي علي الفارسي.
نقل عنه المؤلف في عدّة مواضع دون ذكر اسم الكتاب، بل يقول: قال الفارسي. انظر مثلا مادة (حشا)، (رأى).
5- «معاني القرآن» للفرّاء.
انظر مثلا مادة (تترى).
6- كتاب «الجمهرة» لابن دريد.
__________________________________________________
 (1) و قد أفردنا في الفهارس قسما خاصا لآراء الراغب و اختياراته.

21
مفردات ألفاظ القرآن

المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب المفردات ص 21

و يظهر ذلك في تشابه النقول و العبارات، و قد صرّح باسم ابن دريد في كتابه.
انظر مثلا مادة (لهث).
7- «معاني القرآن» للزجاج.
و يبدو ذلك واضحا حينما تكلّم المصنف على مادة (توراة)، كأنه نقل كلام الزجاج حرفيا، و أيضا في مادة (شور)، نجده يتقارب جدا مع كلام الزجاج على قوله تعالى: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.
انظر معاني القرآن 1/ 483.
و صرّح المؤلف بالنقل عنه، و ذلك في مادة (هيت)، عند قوله تعالى: هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ.
8- كتاب «العين» للخليل.
و قد صرّح باسم الخليل في عدة أمكنة، انظر مثلا مادة (مكّ)، (قول)، (ظلم)، (ضعف). (أوّل).
9- «تفسير أبي مسلم الأصفهاني».
انظر مادة (جهنم)، و (عرض).
و لعلّ تأثّر الراغب بالمعتزلة حاصل من أخذه كلام أبي مسلم.
10- «مجاز القرآن» لأبي عبيدة.
انظر مثلا مادة (بعض)، (دبّ)، (ناء).
11- «معاني القرآن» للأخفش.
انظر مثلا مادة (قوم)، (عود).
12- «المسائل البصريات» للفارسي.
انظر مثلا مادة (برأ).
13- «المسائل العضديات» للفارسي.
انظر مثلا مادة (دم).
14- «تفسير غريب القرآن» لابن قتيبة.
انظر مثلا مادة (دون).
15- كتاب سيبويه.

22
مفردات ألفاظ القرآن

المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب المفردات ص 21

انظر مثلا مادة (أين)، (آية)، (كان) (طهر).
16- الغريب المصنف لأبي عبيد، و يظهر ذلك من التشابه الكبير في بعض المواد و الشواهد و انظر مادة (دين).
17- الأمثال لأبي عبيد.
18- «غريب الحديث» لأبي عبيد. انظر مادة (حرس).
19- مجالس ثعلب. انظر مثلا مادة (أين) و (أوّه).
20- غريب الحديث لابن قتيبة. انظر مادة (بشر).
21- الحجة للقراءات السبعة للفارسي. انظر مادة (طهر) و (دخل).
و غير ذلك من الكتب.
بالإضافة إلى نقله كلام السلف من المفسرين كابن عباس «1»، و ابن مسعود «2»، و عليّ ابن أبي طالب «3»، و عمر بن الخطاب «4»، و مجاهد «5»، و قتادة «6»، و الحسن البصري «7»، و الأصم «8»، و جعفر الصادق «9»، و الشعبي «10»، و سفيان «11».
و من اللغويين: المبرّد «12»، و الكسائي، و سيبويه «13»، و يونس «14»، و أبو زيد «15»، و التوزي «16»، و الأصمعي «17»، و ابن الأعرابي «18».
و من القراء: حمزة «19»، و يعقوب «20»، و النقاش «21».
__________________________________________________
 (1) انظر: مثلا مادة: (رفث)، (رقى)، (شرع)، (شهد)، (ضعف)، (عذر)، (قطع).
 (2) انظر مثلا مادة: (بشر). (قر).
 (3) انظر مثلا: (سكن)، (عقل)، (عود)، (حبر).
 (4) انظر مثلا مادة: (خلف)، (صعد).
 (5) انظر مثلا مادة: (شهد)، (قبل).
 (6) انظر مثلا مادة: (شبه)، (كره).
 (7) انظر مثلا مادة: (رف)، (شغف)، (صغر)، (ظل)، (قرّ).
 (8) انظر مثلا مادة: (شبه)، (قوم).
 (9) انظر مثلا مادة: (علم)، (وجه).
 (10) انظر مثلا مادة: (حر).
 (11) انظر مثلا مادة: (سرف).
 (12) انظر مثلا مادة: (حجر). (سطر).
 (13) انظر مادة: (أين) و مادة: (طهر).
 (14) انظر مادة: (زلق).
 (15) انظر مادة: (كسف)، (شعل).
 (16) انظر مادة: (جبل).
 (17) انظر مادة: (ويل).
 (18) انظر مادة: (صهر).
 (19) انظر مادة: (أتى).
 (20) انظر مادة: (ينع).
 (21) انظر مادة: (صور).

23
مفردات ألفاظ القرآن

المصادر التي اعتمد عليها الراغب في كتاب المفردات ص 21

و من المتكلمين: الجبائي «1»، و أبو القاسم البلخي «2»، و أبو بكر العلاف «3».
و نقل طائفة من كلام الحكماء دون ذكر أسمائهم.
كل هذا مما جعل الكتاب مرجعا هاما من مراجع البحث في اللغة و التفسير.
الناقلون عنه و المتأثرون به:
أكثر العلماء من النقل من كتاب «المفردات»، و في مقدمتهم الفيروزآبادي صاحب القاموس، فنجده قد عكف على كتاب الراغب، و اختصره، و زاد فيه أشياء، ثم أصدرها في كتابه القيّم: «بصائر ذوي التمييز»، فنجده كثيرا ما ينقل عبارات الراغب بتمامها، و أحيانا ينقل فصولا كاملة.
و منهم أيضا السمين الحلبي، حيث ألّف، كتابه: «عمدة الحفاظ في أشرف الألفاظ» و جعل كتاب الراغب لبّ كتابه، ثم زاد عليه أشياء كثيرة، و كتابه ما زال مخطوطا.
و منهم الزركشي في البرهان في علوم القرآن. انظر مثلا 2/ 148، 4/ 18.
و السيوطي في المزهر 1/ 184، و الإتقان، 1/ 218- 210، و معترك الأقران 1/ 22.
و الرازي في تفسيره.
و البغدادي في خزانة الأدب. انظر مثلا 1/ 37، 3/ 397، 7/ 128- 245، 8/ 92، 9/ 302.
و الزبيدي في تاج العروس. انظر مثلا مادة (رجع)، (ربع)، (أبد)، (أمد)، (عود).
و ابن حجر في فتح الباري. انظر مثلا 3/ 120، و 11/ 503 كتاب القدر.
و ابن الحنبلي في عقد الخلاص. انظر مثلا ص 281.
و السمين في الدر المصون. انظر مثلا 3/ 689، 4/ 389، 547، 5/ 570، 6/ 182- 442.
و الألوسي في روح المعاني. انظر مثلا 1/ 262 و 2/ 129- 131.
و ابن القيم في بدائع الفوائد 2/ 36.
__________________________________________________
 (1) انظر مادة: (ختم).
 (2) انظر مادة: (خل).
 (3) انظر مادة: (لات).

24
مفردات ألفاظ القرآن

الناقلون عنه و المتأثرون به ص 24

و البروسوي في تفسيره روح البيان. انظر مثلا عند قوله تعالى: أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ.
و كثير غيرهم، و قد ذكرنا جلّ ذلك في تعليقاتنا على الكتاب، و ستجدها في محالها في الحواشي.
و لعلّ من أكثر المتأثرين بكتاب الراغب و منهجه فيه الزمخشري في كتابه: «أساس البلاغة» حيث نحا منحى الراغب في ذكر المعنى الحقيقي للكلمة، ثم اتباعها بالمعاني المجازية، إلا أن كتاب الزمخشري يمتاز بكثرة الشواهد الشعرية التي يزيد عددها على 6000 بيت، بينما كتاب الراغب لا يتجاوز 500 بيت.
ثناء العلماء على المفردات:
قال الزركشي: النوع الثامن عشر: معرفة غريبه. و هو معرفة المدلول، و قد صنف فيه جماعة، منهم: أبو عبيدة كتاب «المجاز»، و أبو عمر غلام ثعلب: «ياقوتة الصراط»، و من أشهرها كتاب ابن عزيز، و الغريبين للهروي، و من أحسنها كتاب «المفردات» للراغب «1».
و قال أيضا: القرآن قسمان:
أحدهما: ورد تفسيره بالنقل عمّن يعتبر تفسيره.
و قسم لم يرد فيه نقل عن المفسرين، و هو قليل، و طريق التوصل إلى فهمه النظر إلى مفردات الألفاظ من لغة العرب و مدلولاتها و استعمالها بحسب السياق، و هذا يعتني به الراغب كثيرا في كتاب المفردات، فيذكر قيدا زائدا على أهل اللغة في تفسير مدلول اللفظ، لأنه اقتنصه من السياق «2».
و قال الفيروزآبادي: لا نظير له في معناه «3».
و قال حاجي خليفة: مفردات ألفاظ القرآن للراغب، و هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع «4».
__________________________________________________
 (1) انظر: البرهان في علوم القرآن 1/ 291، و كذا قال السيوطي في الإتقان 1/ 149.
 (2) انظر: البرهان في علوم القرآن 2/ 172.
 (3) انظر: البلغة ص 69.
 (4) انظر: كشف الظنون 2/ 1773.

25
مفردات ألفاظ القرآن

ثناء العلماء على المفردات ص 25

و قال السمين الحلبي: على أنّ الراغب قد وسع بحاله، و بسط مقاله بالنسبة إلى من تقدّمه، و حذا بهذا الحذو رسمه «1».
و جاء على الصفحة الأولى من مخطوطة المفردات في المكتبة المحمودية ما يلي:
         هذا كتاب لو يباع بوزنه             ذهبا لكان البائع المغبونا
        أ و ما من الخسران أني آخذ ذهبا             و معط لؤلؤا مكنونا

بعد هذا نقول: إنّ كتاب المفردات يعتبر موسوعة علمية صغيرة، فقد حوى اللغة، و النحو، و الصرف، و التفسير، و القراءات، و الفقه، و المنطق، و الحكمة، و الأدب، و النوادر، و أصول الفقه، و التوحيد.
فأجدر به أن يحتلّ الصدارة بين الكتب المؤلفة في غريب القرآن و معانيه.
ملاحظات على كتاب المفردات:
مهما خاض الإنسان في بحور العلم و المعرفة فلا يمكنه أن يحيط بكل العلوم، بل يبقى في حدود بشريته و إنسانيته، فالإنسان طبعه النسيان، و منه اشتقّ اسمه، و المؤلف قد غاص في بحور العلم، حتى أخرج دررا منها كتابه «المفردات» و لكنه مع أهميته العلمية، و قيمته الأدبية لا يخلو من بعض الملاحظات التي سنذكرها:
1- فمنها أنه لم يميّز بين القراءات المتواترة و الشاذة، بل يكتفي أن يقول: و قرئ كذا.
و بون كبير بين القراءات المتواترة من حيث نسبتها و درجتها، و بين القراءة الشاذة، إذ لا تصح الصلاة مثلا بالقراءة الشاذة، و لا القراءة بها إلا على سبيل التعليم.
2- و منها قلّة بضاعته في علم الحديث الشريف، و يتجلّى ذلك في نسبته بعض الأقوال إلى الرسول، و ليست هي من قوله، كقوله في مادة (جبر):
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ».
و هذا من كلام المتكلمين لا من كلام الرسول، كما يذكر بعض الأحاديث الموضوعة، انظر مادة ورث.
و أحيانا يكون الحديث من كلام الرسول فلا ينسبه إليه، بل يقول: و قيل، و من ذلك قوله في مادة (صرف): و منه قول العرب: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَ لَا عَدْلٌ. و هذا من الحديث الصحيح كما بيّنته في محله.
و غير ذلك من الأمثلة التي تظهر عند قراءة الكتاب.
__________________________________________________
 (1) انظر: عمدة الحفاظ- خ ورقة 1.

26
مفردات ألفاظ القرآن

ملاحظات على كتاب المفردات ص 26

3- و منها تأثّره بالمعتزلة في بعض الأحيان مع أنه يخالفهم. و من ذلك قوله في مادة (زمل)، في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ: أي: المتزمّل في ثوبه، و ذلك على سبيل الاستعارة، كناية عن المقصّر و المتهاون بالأمر، و تعريضا به. ا. ه.
و حاشا للنبي صلّى اللّه عليه و سلم أن يقصّر في الأمر أو يتهاون، و هو الذي كان يقوم الليل حتى تفطّرت قدماه، و إنما هذه المسائل من مسائل المعتزلة، و غالب ظني أنه أخذها عن أبي مسلم الأصفهاني كبير مفسّري المعتزلة، و قد ذكر ذلك أيضا الزمخشري في تفسيره، و هو من أئمة المعتزلة. و انظر تعليقنا على هذه المادة.
4- و منها أوهام تحصل للمؤلف أحيانا فينسب أقوالا لغير قائليها. فمن ذلك قوله في مادة (روى): قال أبو علي الفسوي: المروءة هو من قولهم: حسن في مرآة العين، كذا قال، و هذا غلط، لأنّ الميم في «مرآة» زائدة، و مروءة: فعولة. ا. ه.
و هذا لم يقله أبو علي، و إنما قال: و زعم بعض رواة اللغة أنّ المروءة مأخوذة من قولهم: هو حسن في مرآة العين، و هذا من فاحش الغلط، و ذلك أنّ الميم في مرآة زائدة، و مروءة فعولة. ا. ه. انظر: المسائل الحلبيات ص 59.
و مثال آخر، قال في مادة (فتن)، في قوله تعالى: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ: قال الأخفش: المفتون: الفتنة، كقولك: ليس له معقول، و خذ ميسوره و دع معسوره، فتقديره: بأيكم الفتون. و قال غيره: أيكم المفتون، و الباء زائدة، كقوله تعالى: كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً* ا. ه.
قلت: الذي نسبه المصنف لغير الأخفش هو عينه قول الأخفش، ذكره في معاني القرآن 2/ 505، و القول الأول الذي نسبه للأخفش هو قول الفرّاء، فقد قال الفرّاء:
المفتون هاهنا بمعنى الجنون، و هو في مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأي.
انظر: معاني القرآن للفراء 3/ 173.
5- و منها حصول بعض التصحيفات، و هذا لا يكاد يسلم منه أحد. كقوله في مادة (بحر):
بنات بحر: للسحاب. ا. ه.
و الصواب إنما هو بنات بخر، بالخاء المعجمة، أو بنات مخر، و انظر تعليقنا على ذلك في مادة (بحر).
6- و كذا تصحيفه لبيت من الشعر في مادة (بطل)، فرواه:
          [لأول بطل أن يلاقي مجمعا]

 

27
مفردات ألفاظ القرآن

ملاحظات على كتاب المفردات ص 26

و هو عجز بيت للشنفرى، و الصحيح في روايته:
          [لأول نصل ...].
و انظر كلامنا عليه في التعليق.
7- و منها إغفاله لبعض المواد لم يتكلم عليها.
و في ذلك يقول السمين الحلبي: (... غير أنّه قد أغفل في كتابه ألفاظا كثيرة لم يتكلم عليها، و لا أشار في تصنيفه إليها، مع شدة الحاجة إلى معرفتها، و شرح معناها و لغتها، مع ذكره لبعض مواد لم ترد في القرآن الكريم، أو وردت في قراءة شاذة جدا كمادة (بظر)، في قوله تعالى: وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُظُورِ أُمَّهاتِكُمْ و هذه لا ينبغي أن يقرئ بها البتة. فمما تركه مع الاحتياج الكلي:
- مادة غ‏وط، و هي في قوله تعالى: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ*.
- مادة: ز ب ن، و هي في قوله تعالى: سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ.
- و مادة: ق ر ش، و هي في قوله تعالى: لِإِيلافِ قُرَيْشٍ.
- و مادة: ك ل ح، و هي في قوله تعالى: وَ هُمْ فِيها كالِحُونَ.
- و مادة: قدو، و هي في قوله تعالى: وَ إِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ.
- و مادة: نضخ، و هي في قوله تعالى: فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ «1».
و ممّا فاته من المواد و لم يذكرها السمين.
- مادة فني، و هو في قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ.
- و مادة خردل و هي في قوله تعالى: مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ*.
8- و من ذلك أن يقسّم الشي‏ء أقساما، ثم عند ما يُعدّدها يزيد فيها واحدا أو ينقص. فمما نقص فيه عند مادة (وحد)، قال: فالواحد لفظ مشترك يستعمل على ستة أوجه، ثم ذكر خمسة، و لم يذكر السادس.
و مما زاد فيه، في مادة (هلك)، قال: و الهلاك على ثلاثة أوجه، ثم لما عدّها ذكر أربعا.
9- و منها أنه لم يراع ترتيب الحرف الثالث في الكلمة، فقدّم مثلا مادة أبا على أبّ.
10- و من ذلك اعتراض بعض العلماء على أقوال ذكرها في كتابه. منها في مادة (سبح)، قال: و قول الشاعر:
          [سبحان من علقمة الفاخر].


__________________________________________________
 (1) راجع: عمدة الحفاظ (ورقة 1).

28
مفردات ألفاظ القرآن

ملاحظات على كتاب المفردات ص 26

قيل: تقديره: سبحان علقمة، على طريق التهكم، فزاد فيه «من» ردّا إلى أصله.
و تعقّبه البغدادي، فقال:
و زعم الراغب أنّ سبحان في هذا البيت مضاف إلى علقمة، و من زائدة. و هو ضعيف لغة و صناعة. أمّا الأول فلأنّ العرب لا تستعمله مضافا إلا إلى اللّه، أو إلى ضميره، أو إلى الربّ، و لم يسمع إضافته إلى غيره. و أمّا صناعة فلأنّ «من» لا تزاد في الواجب عند البصريين. راجع: خزانة الأدب 7/ 245.
و منها في مادة (ميد)، قال: و المائدة: الطبق الذي عليه الطعام، و يقال لكلّ واحد منها مائدة. و تعقّبه السمين فقال: و المائدة: الخوان عليه الطعام، فإن لم يكن عليه طعام فليس بمائدة.
هذا هو المشهور إلا أن الراغب قال: ... و ذكر عبارته. انظر: الدر المصون 4/ 502.
- و من ذلك اختياره لوجوه ضعيفة، كقوله في مادة: ربّ: الرباني لفظ سرياني، و قد ردّه السمين في عمدة الحفاظ.
و غير ذلك من المسائل التي تراها في حواشي الكتاب. و في كتاب عمدة الحفاظ أيضا.
و كل هذه الملاحظات لا تقدح في الكتاب، إذ أبى اللّه أن يصحّ إلا كتابه، و كما قال ابن عباس و من بعده الإمام مالك: ما منّا إلا ردّ أو ردّ عليه إلا صاحب هذا المقام، و أشار إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم.
و هذا يؤكّد و يبين معنى قوله تعالى: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
محنة في حياة الراغب:
ذكر الراغب في مقدمة كتابه «حلّ متشابهات القرآن» ما يلي:
فاتفقت خلوة سطوت على وحشتها بالقرآن، و لو لا أنسه لم يكن لي بها يدان، و ذلك بعد ما عملت من كتاب «المعاني الأكبر» و أمليت من «احتجاج القراءات». و كانت هذه الخلوة خلوة عين، لا خلوة قلب، و اضطرار لا عن اختيار، بل لقهر و غلب، في حالة توزّع الرأي فيها مذاهب، و اقتسم الهمّ بها مطالب «1». ا. ه.
و الظاهر أنه سجن، لأنه يقول: (خلوة عين)، أي: لم يعد يرى أحدا، لا خلوة قلب لأنّ قلبه ملي‏ء بالهموم و المشاغل، و قوله: (و اضطرار) يؤكد ذلك.
__________________________________________________
 (1) حل متشابهات القرآن (ورقة 1).

29
مفردات ألفاظ القرآن

محنة في حياة الراغب ص 29

و يؤكّد هذا عندي أنه ذكر في كتاب «مراتب العلوم» الذي صنّفه غالبا للوزير أبي العباس الضبّي، ما نصه: لكن طال تعجّبي في ذلك من الشيخ الفاضل حرسه اللّه، لأمور رأيته منها طريفة: أحدها: إنكاره عليّ التفوه بلفظ (القوة)، اعتلالا بأنّ هذه اللفظة يستعملها ذوو الفلسفة، و أن أقول بدله: (القدرة)، كأنّه لم يعلم ما بينهما من الفرق في تعارف عوام الناس فضلا عن خواصهم.
ثم ما كان من إبهاماته و تعريضاته، بل تصريحاته، تنفق منه على أشياعه و أتباعه بالوضع مني، و الغضّ مني، و ازدياده بعد المقال مقالا لما رأى مني في مجاوبته جملا ثقالا، و لم أكن أرى بأسا و ضيرا في احتمال شيع شيخ كريم عليّ، بما لا يعود بمعاب في الحقيقة عليّ «1».
و كلامه هذا يوحي بأنه اختلف مع الوزير، و أنّ أتباع الوزير آذوه، و لم يسكت هو له بل ردّ عليه، فلعلّ هذا أدى إلى سجنه. و اللّه أعلم.
و سيأتي مزيد من الكلام على الراغب الأصفهاني في مقدمة فهارس الكتاب الفنية ص 899.
__________________________________________________
 (1) مراتب العلوم (ورقة 2).

30
مفردات ألفاظ القرآن

الشريعة و علوم الحكمة ص 31

الشريعة و علوم الحكمة
نبدأ أولا بتعريف علم الحكمة و أقسامها و أصل موردها، ثم تبيين الباطل منها، فنقول:
علم الحكمة:
هو علم يبحث فيه عن حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية «1».
و هي من العلوم العقلية، و قد قال ابن خلدون:
و أمّا العلوم العقلية التي هي طبيعية للإنسان من حيث إنه ذو فكر، فهي غير مختصة بملة، بل يوجد النظر فيها لأهل الملل كلهم، و يستوون في مداركها و مباحثها، و هي موجودة في النوع الإنساني منذ كان عمران الخليقة، و تسمى هذه العلوم علوم الفلسفة و الحكمة «2».
- و أهل الحكمة يقسمونها قسمين:
1- حكمة عملية: و هي العلم بما يؤدي إلى إصلاح المعاش و المعاد و العمل به.
2- حكمة نظرية: المقصود منها ما حصل بالنظر.
و يقول الشهرزوري:
و إذا كانت الحكمة عبارة عن معرفة أعيان الموجودات على ما هي عليها لا غير، فالأسماء تختلف بحسب اختلاف طرق التعليم، فإن أدركها بعضهم بزمان يسير من غير تعلّم بشري، و كان مأمورا من الملأ الأعلى بإصلاح النوع الإنساني سمّيت نبوّة، و إن كان بالتعلم و الدراسة سمّيت فلسفة.
__________________________________________________
 (1) راجع: كشف الظنون 1/ 676.
 (2) انظر: مقدمة ابن خلدون ص 399.

31
مفردات ألفاظ القرآن

علم الحكمة ص 31

و في الحقيقة الحكيم المطلق هو اللّه تعالى، و كلّ من أدرك من المعقولات نصيبا سمّي على سبيل التجوّز و الاستعارة حكيما لدنوّه من اللّه تعالى و تشبّهه به «1».
- و أمّا حكمة الإشراق فهي من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية، كما أنّ الحكمة الطبيعية الإلهية بمنزلة الكلام منها.
و بيان ذلك أنّ السعادة العظمى و المرتبة العليا للنفس الناطقة هي معرفة الصانع بما له من صفات الكمال، و التنزّه عن النقصان.
و الطريق إلى هذه المعرفة من وجهين:
1- طريقة أهل النظر و الاستدلال، 2- و طريقة أهل الرياضة و المجاهدات.
و السالكون للطريقة الأولى إن التزموا ملة من ملل الأنبياء فهم المتكلمون، و إلا فهم الحكماء المشاءون.
و السالكون للطريقة الثانية إن وافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فهم الصوفية، و إلا فهم الحكماء الإشراقيون.
و علوم الفلسفة و الحكمة سبعة:
المنطق، و هو المقدّم، و بعده التعاليم فالارتماطيقي أولا ثم الهندسة ثم الهيئة ثم الموسيقى ثم الطبيعيات ثم الإلهيات.
- و أكثر من عني بها من الأجيال فارس و الروم.
وَ لَمَّا فَتَحَ الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ فَارِسَ، وَ أَصَابُوا مِنْ كُتُبِهِمْ، كَتَبَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي شَأْنِ كُتُبِهَا، وَ تَنْفِيلِهَا لِلْمُسْلِمِينَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ أَنِ اطْرَحُوهَا فِي الْمَاءِ، فَإِنْ يَكُنْ مَا فِيهَا هُدًى فَقَدْ هَدَانَا اللَّهُ بِأَهْدَى مِنْهُ، وَ إِنْ يَكُنْ ضَلَالًا فَقَدْ كَفَانَا اللَّهُ، فَطَرَحُوهُ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي النَّارِ فَذَهَبَتْ عُلُومُهُمْ.
و لم تدخل في الصدر الأول في علوم المسلمين، و صانهم اللّه عنها.
و أمّا الروم فكان لهذه لعلوم عندهم شأن عظيم، و يزعمون أن سند تعليمهم يتصل بلقمان الحكيم.
وَ لَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بَعَثَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ بِكُتُبِ التَّعَالِيمِ مُتَرْجَمَةً، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابِ إِقْلِيدِسَ وَ بَعْضِ كُتُبِ الطَّبِيعِيَّاتِ، وَ قَرَأَهَا الْمُسْلِمُونَ وَ اطَّلَعُوا
__________________________________________________
 (1) انظر: نزهة الأرواح و روضة الأفراح 1/ 8- 9.
يريد بذلك التخلق بأخلاق الله، كما ورد ذلك في الحديث الشريف.

32
مفردات ألفاظ القرآن

علم الحكمة ص 31

عَلَى مَا فِيهَا، وَ لَمَّا تَوَلَّى الْخِلَافَةَ الْمَأْمُونُ كَتَبَ إِلَى بَعْضِ مُلُوكِ النَّصَارَى يَطْلُبُ مِنْهُ خِزَانَةَ كُتُبِ الْيُونَانِ، وَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مَجْمُوعَةٌ فِي بَيْتٍ لَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَجَمَعَ الْمَلِكُ خَوَاصَّهُ مِنْ ذَوِي الرَّأْيِ وَ اسْتَشَارَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَكُلُّهُمْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِعَدَمِ تَجْهِيزِهَا إِلَيْهِ إِلَّا وَاحِداً، فَإِنَّهُ قَالَ:
جَهِّزْهَا إِلَيْهِمْ، فَمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الْعُلُومُ عَلَى دَوْلَةٍ شَرْعِيَّةٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهَا وَ أَوْقَعَتْ بَيْنَ عُلَمَائِهَا «1».
و كان الشيخ ابن تيمية يقول: ما أظن أن اللّه يغفل عن المأمون، و لا بد أن يقابله على ما اعتمد مع هذه الأمة من إدخاله هذه العلوم الفلسفية بين أهلها.
و أول من أدخل الفلسفة الأندلس أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم، كان يشبّه بالمأمون العباسي في طلب الكتب الفلسفية.
الجمع بين الشريعة و الحكمة:
و يقال: أول من خلط المنطق بأصول المسلمين أبو حامد الغزالي.
و الذي نراه أنّ الراغب الأصفهاني بدأ هذه المحاولة قبل الغزالي، حيث قال الشهرزوري في ترجمته: (و هو الذي جمع بين الشريعة و الحكمة في تصانيفه) «2».
و الغزالي حاول الجمع بين الشريعة و الحكمة، و هو أحسن من جمع بينهما، و يتجلى ذلك في كتابه الكبير «إحياء علوم الدين»، لكنه مع ذلك لم يخل من انتقادات، و كتابه الإحياء قمة في الإنتاج العلمي، و مع ذلك فقد حذّر العلماء من بعض المواضع فيه. و قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: «الإحياء» وضعه على مذاهب الصوفية، و ترك فيه قانون الفقه، فأنكروا عليه ما فيه من الأحاديث التي لم تصح «3».
و ممن حاول الجمع بينهما تاج الدين الشهرستاني، فقد كان يصنف تفسيرا، و يؤوّل الآيات على قوانين الفلسفة و الحكمة، فقال له ظهير الدين البيهقي: هذا عدول عن الصواب، و القرآن لا يفسّر إلا بتأويل السلف و التابعين، و الحكمة بمعزل عن تفسير القرآن، خصوصا ما كنت تؤوله، و لا تجمع بين الشريعة و الحكمة أحسن مما جمعه الغزالي، فامتلأ غضبا «4». و الشهرستاني متوفى سنة 548 ه.
و لابن رشد كتاب فصل المقال فيما بين الشريعة و الحكمة من الاتصال «5».
__________________________________________________
 (1) انظر: الغيث المسجم شرح لامية العجم للصفدي 1/ 79، و صون المنطق و الكلام للسيوطي ص 9.
 (2) انظر: نزهة الأرواح 1/ 44.
 (3) انظر: كشف الظنون 1/ 24.
 (4) انظر: نزهة الأرواح 2/ 59.
 (5) الوافي 2/ 114.

33
مفردات ألفاظ القرآن

الجمع بين الشريعة و الحكمة ص 33

ثم فشت الفلسفة و انتشرت، و كان ابتداء فشوّها في المتأخرين ما ذكره الحافظ ابن كثير في تأريخه سنة 672 ه قال:
بعد أخذ التتار بغداد سنة (656 ه) عمل الخواجة نصير الطوسي الرصد، و عمل دار حكمة فيها فلاسفة، لكل واحد في اليوم ثلاثة دراهم، و دار طبّ فيها للحكيم درهمان، و صرف لأهل دار الحديث لكل محدث نصف درهم في اليوم.
و من ثمّ فشا الاشتغال بالعلوم الفلسفية و ظهر «1».
و كانت سوق الفلسفة و الحكمة نافقة في الروم أيضا بعد الفتح الإسلامي إلى أواسط الدولة العثمانية، و كان في عصرهم فحول ممن جمع بين الحكمة و الشريعة كالعلامة شمس الدين الفناري، و الفاضل قاضي‏زاده الرومي و غيرهم «2».
و لأبي علي عيسى بن زرعة البغدادي رسالة في أنّ علم الحكمة أقوى الدواعي إلى متابعة الشريعة، و فيها يقول: من قال: إن الحكمة تفسد الشريعة فهو الطاعن في الشريعة «3».
و بعد ذلك نقول: كلّ من اشتغل بعلوم الحكمة ممن التزم ملة من ملل الأنبياء بقي على طريقته و حاول الجمع بينها و بين الشريعة فسدّد و قارب، و لكنه لم يخل من انتقادات.
و أمّا من سلك طريق الحكماء المشاءين الذين لم يلتزموا ملة من الملل، أو طريق الحكماء الإشراقيين الذين لم يوافقوا في رياضتهم أحكام الشرع فقد زلّت به القدم و ربما وصل إلى الكفر و الارتداد، إذ لم يستطع الجمع بين الشريعة و الحكمة فردّ ما جاءت به الشريعة، و انتصر لقول الحكماء.
و في الختام نذكر طائفة من أقوال السلف:
قول السلف في ذم العلوم الكلامية و الفلسفية:
قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا جَهِلَ النَّاسُ وَ لَا اخْتَلَفُوا إِلَّا لِتَرْكِهِمْ لِسَانَ الْعَرَبِ، وَ مَيْلِهِمْ إِلَى لِسَانِ أَرَسْطَاطَالِيسَ «4».
قال السيوطي: و لم ينزل القرآن و لا أتت السّنة إلا على مصطلح العرب و مذاهبهم في‏
__________________________________________________
 (1) انظر: البداية و النهاية 13/ 283.
 (2) راجع: كشف الظنون 1/ 680.
 (3) انظر: نزهة الأرواح 2/ 99- 100.
 (4) انظر: صون المنطق و الكلام عن فن المنطق و الكلام ص 15.

34
مفردات ألفاظ القرآن

قول السلف في ذم العلوم الكلامية و الفلسفية ص 34

المحاورة و التخاطب و الاحتجاج و الاستدلال، لا على مصطلح اليونان، و لكل قوم لغة و اصطلاح، و قد قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم/ 4].
وَ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنَ الْأَهْوَاءِ: عَلَيْكَ بِدِينِ الصَّبِيِّ الَّذِي فِي الْكُتَّابِ وَ الْأَعْرَابِ، وَ الْهَ عَمَّا سِوَاهُمَا.
و
قَالَ مَالِكٌ: مَا قَلَّتِ الْآثَارُ فِي قَوْمٍ إِلَّا ظَهَرَتْ فِيهِمُ الْأَهْوَاءُ، وَ لَا قَلَّتِ الْعُلَمَاءُ إِلَّا ظَهَرَ فِي النَّاسِ الْجَفَاءُ.
و
قَالَ الْقَاضِي أَبُو يُوسُفَ: مَنْ طَلَبَ الدِّينَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ.
و قال الغزالي: أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام «1».
و أنشد الخطابي:
         حجج تهافت كالزجاج تخالها             حقا، و كلّ كاسر مكسور

أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة و الحكمة:
نقول أولا: إن القاعدة التي اتّبعها الراغب في الجمع بينهما أنه جعل الشريعة هي الأساس و الميزان، ثم عرض كلام الحكماء عليها، فما وافق قبله، و ما لا فلا، لذلك نجده يقول في كتابه الذريعة: (واجب على الحكيم العالم النحرير أن يقتدي بالنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فيما
قَالَ: إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ «2»، وَ نُكَلِّمَ النَّاسَ بِقَدْرِ عُقُولِهِمْ) «3».
فمن ذلك قوله:
قيل لبعض الحكماء: هل من موجود يعمّ الورى؟ فقال: نعم أن تحسن خلقك، و تنوي لكل أحد خيرا «4».
ثم يتبعه بما يقابله من الشريعة فيقول: و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ فَسَعُوهُمْ بِأَخْلَاقِكُمْ» «5».
__________________________________________________
 (1) انظر: نقض المنطق لابن تيمية ص 26.
 (2) الحديث أخرجه مسلم تعليقا في مقدمة صحيحه، مع بعض الاختلاف، و انظر: كشف الخفاء 1/ 194. و الشطر الثاني «أمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم» رواه الديلمي بسند ضعيف عن ابن عباس مرفوعا.
 (3) انظر: الذريعة ص 121.
 (4) انظر: الذريعة ص 46.
 (5) الحديث أخرجه الحاكم و البزّار و ابن عديّ و البيهقي عن أبي هريرة. انظر: كشف الخفاء 1/ 217.

35
مفردات ألفاظ القرآن

أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة و الحكمة ص 35

و من ذلك قوله:
قال بعض الحكماء: قلّ صورة حسنة يتبعها نفس ردية، فنقش الخواتيم مقروء من الطين، و طلاقة الوجه عنوان ما في النفس، و ليس في الأرض شي‏ء إلا و وجهه أحسن ما فيه.
و
قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: اطْلُبُوا الْحَاجَاتِ مِنْ حِسَانِ الْوُجُوهِ «1».
و
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا بَعَثْتُمْ رُسُلًا فَاطْلُبُوا حَسَنَ الْوَجْهِ وَ حَسَنَ الِاسْمِ.
و من ذلك قولهم: من جهل شيئا عاداه، و الناس أعداء ما جهلوا «2».
و قال اللّه تعالى: وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ: هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ [الأحقاف/ 11].
و من ذلك قوله:
حقّ المعلم أن يجري متعلميه منه مجرى بنيه، فإنه في الحقيقة أشرف من الأبوين، كما قال الإسكندر- و قد سئل: أ معلمك أكرم عليك أم أبوك؟- قال: بل معلمي، لأنه سبب حياتي الباقية، و والدي سبب حياتي الفانية «3».
و قد نبّه صلّى اللّه عليه و سلم على ذلك‏
بِقَوْلِهِ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ» «4».
و من ذلك قول بعض الحكماء «5»: الحلافة تدل على كذب أربابها، لأنّ ذلك لقلّة الركون إلى كلامهم. و قد قال تعالى: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا* [البقرة/ 41]، و قال تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا [البقرة/ 224].
و من ذلك قوله:
قال بعض الحكماء: مثل طالب معرفته مثل من طوّف في الآفاق في طلب ما هو معه «6» و اللّه تعالى يقول: وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد/ 4]، وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف/ 84].
و ليس كل ما جاء به الحكماء يوافق الشريعة، ففي باب القناعة ذكر الشيخ‏
قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «تَعَسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعَسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعَسَ وَ انْتَكَسَ، وَ إِذَا شِيكَ فَلَا
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه الطبراني و الدارقطني و تمام و البخاري في تاريخه. انظر: كشف الخفاء 1/ 137.
 (2) انظر: الذريعة ص 112.
 (3) انظر: الذريعة ص 119.
 (4) الحديث أخرجه أحمد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة و ابن حبان. انظر: الفتح الكبير 1/ 437.
 (5) انظر: الذريعة ص 145.
 (6) انظر: المفردات مادة (بطن).

36
مفردات ألفاظ القرآن

أمثلة من جمع الراغب بين الشريعة و الحكمة ص 35

انْتَقَشَ» «1».
ثم يقول:
قِيلَ لِحَكِيمٍ: لِمَ لَا تَغْتَمُّ؟ قَالَ: لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ مَا يَغُمُّنِي «2».
قال الراغب: و اعلم أنّ الزهد ليس من ترك المكاسب في شي‏ء، كما توهمه قوم أفرطوا حتى قربوا من مذهب المانوية و البراهمة و الرهابنة، فإنّ ذلك يؤدي إلى خراب العالم، و مضادة اللّه فيما قدّر و دبّر، ثم قال: و لأنّ الزاهد في الدنيا راغب في الآخرة، فهو يبيعها بها، ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة/ 111]، و محال أن يبيع كيّس عينا بأثر إلا إذا عرفها عارف، و عرف فضل المبتاع على المبيع.
و
قِيلَ لِبَعْضِ الزُّهَّادُ: مَا أَزْهَدَكَ وَ أَصْبَرَكَ! فَقَالَ: أَمَّا زُهْدِي فَرَغْبَةٌ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا أَنَا فِيهِ، وَ أَمَّا صَبْرِي فَلِجَزَعِي مِنَ النَّارِ.
هذا آخر ما أوردناه في هذا الباب، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ*.
وفاته:
كما اختلف في اسم الراغب، و عقيدته، و مذهبه الفقهي، و عصره، كذلك اختلف في تاريخ وفاته:
- فالسيوطي ذكر أنها في أوائل المائة الخامسة «3».
- و الذهبي- و قد ذكره في الطبقة الثانية و الأربعين- قال: يسأل عنه في هذه إن شاء اللّه تعالى «4».
و هذه الطبقة تبدأ وفياتها بسنة 440 ه و تنتهي في حدود سنة 470 ه.
- و حاجي خليفة قال: وفاته سنة 502 ه «5»، و تبعه في ذلك بروكلمان.
- و صاحب هدية العارفين ذكر أنّ وفاته سنة 500 ه.
- و في فهرس الخزانة التيمورية أنّ وفاته سنة 503 ه.
- و الزّركلي في «الأعلام»، ذكر أنه سنة 502 ه، و مثله عمر رضا كحالة.
- و محمد كرد علي أشار في حاشية ترجمة الراغب في كتاب «تاريخ الحكماء»
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه البخاري و ابن ماجة. انظر: كشف الخفاء 1/ 307.
 (2) انظر: الذريعة ص 166.
 (3) انظر: بغية الوعاة 2/ 297.
 (4) انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 120.
 (5) انظر: كشف الظنون 1/ 36.

37
مفردات ألفاظ القرآن

وفاته ص 37

للبيهقي إلى أنّ وفاته سنة 402 ه، ثم ذكر في تقريظه لكتاب المفردات في مجلته المقتبس 2: 98 أنّ وفاته كانت سنة 503 ه.
و في مجلة المجمع العلمي العربي 24/ 275 أنّ وفاته سنة 452 ه.
- و ذكر عدنان الجوهرجي أنّه رأى نسخة مخطوطة نادرة من كتاب «المفردات» في مكتبة السيد «محمد لطفي الخطيب» في دمشق، و أنها نسخت سنة 409 ه و في وسط الكتاب تعليق على حاشية الكتاب ذكر فيه أنّ هذا الكتاب بخط الراغب الأصفهاني، و أنه ولد في مستهلّ رجب من شهور سنة 343 ه في قصبة أصبهان و توفي سنة 412 ه اثني عشر و أربعمائة.
و هو ما وجده بخط أبي السعادات «1».
فلم يعلم أ هو أبو السعادات ابن الشجري، أم أبو السعادات ابن الأثير؟.
بعد كل هذا نقول: إن الأرجح أنّ وفاته في حوالي سنة 425 ه. و هذا يتفق مع ما ذكره السيوطي، و يقارب ما ذكره الذهبي، و يقارب ما وجد على النسخة الخطية في دمشق.
و الذي يؤكد لنا هذا، و يبعد ما وجد على النسخة الخطية الدمشقية أنه 412 ه أنه نقل عن أبي منصور الجبان من كتابه «الشامل في اللغة». و قد ذكر ياقوت و السيوطي أنّ الجبّان أقرأ كتابه «الشامل» في أصفهان سنة 416 ه.
و أيضا فإنّ الراغب ألّف كتابه في متشابهات القرآن بعد كتاب المفردات.
و هو أيضا ينقل في كتبه عن الشريف الرضي المتوفى 406 ه، و مسكويه المتوفى 421 ه، و أبي القاسم ابن أبي العلاء المتوفى في حدود 420 ه، و أبي القاسم بن بابك المتوفى سنة 410 ه، و غيرهم، مما يؤكد ما ذكرناه «2».
فهذا ما توصلنا إليه، و نسأل اللّه التوفيق و السداد، فإن أصبنا الحق فبتوفيق اللّه، و إن أخطأنا فمن أنفسنا. و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
صفوان داودي‏
__________________________________________________
 (1) انظر: مجلة اللغة العربية بدمشق، الجزء الأول، المجلد الحادي و الستون، ربيع الثاني سنة 1406 ه كانون الثاني 1986 م، ص 194.
 (2) و انظر مقدّمة فهارس الكتاب الفنية ص 899.

38
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏
مقدّمة المؤلف‏
 [أعبد اللّه و أحمده، و أذكره و أشكره، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ، و الصلاة على خير خلقه، و مظهر حقّه، محمّد خاتم النبيين، و سيد المرسلين، و مؤمّل الخلق أجمعين، و على آله و صحبه أجمعين‏] «1». قال الشيخ أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب رحمه اللّه:
أسأل اللّه أن يجعل لنا من أنواره نورا يرينا الخير و الشر بصورتيهما، و يعرّفنا الحق و الباطل بحقيقتيهما، حتى نكون ممّن يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ، و من الموصوفين بقوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح/ 4]، و بقوله:
أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة/ 22].
كنت قد ذكرت في «الرسالة المنبهة على فوائد القرآن» «2» [أنّ اللّه تعالى كما جعل النبوّة بنبوة نبيّنا مختتمة، و جعل شرائعهم بشريعته من وجه منتسخة، و من وجه مكمّلة متمّمة كما قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة/ 3]، جعل كتابه المنزّل عليه متضمّنا لثمرة كتبه، التي أولاها أوائل الأمم، كما نبّه عليه بقوله تعالى: يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة/ 2- 3]، و جعل من معجزة هذا الكتاب أنه- مع قلّة الحجم- متضمّن للمعنى الجمّ، و بحيث تقصر الألباب البشرية عن إحصائه، و الآلات الدنيوية عن استيفائه، كما نبّه عليه بقوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
__________________________________________________
 (1) ما بين [] زيادة من المحمودية.
 (2) لم نعثر عليها. و ما بين القوسين نقله السيوطي عن الراغب في كتابه «معترك الأقران» 1/ 22، و الإتقان 2/ 163.

53
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة المؤلف

حَكِيمٌ [لقمان/ 27]. و أشرت في كتاب «الذريعة إلى مكارم الشريعة» «1» أن القرآن- و إن كان لا يخلو الناظر فيه من نور ما يريه، و نفع ما يوليه- فإنه:
             1- كالبدر من حيث التفتّ رأيته             يهدي إلى عينيك نورا ثاقبا
             2- كالشّمس في كبد السّماء و ضوؤها             يغشى البلاد مشارقا و مغاربا
«2»

لكن محاسن أنواره لا يثقّفها إلا البصائر الجليّة، و أطايب ثمره لا يقطفها إلا الأيدي الزكية، و منافع شفائه لا ينالها إلا النفوس النقيّة، كما صرّح تعالى به فقال في وصف متناوليه: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة/ 77- 79].
و قال في وصف سامعيه: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت/ 44].
و ذكرت أنه كما لا تدخل الملائكة الحاملة للبركات بيتا فيه صورة أو كلب، كذلك لا تدخل السكينات الجالبة للبينات قلبا فيه كبر و حرص، ف الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ، و دلّلت في تلك الرسالة «3» على كيفية اكتساب الزاد الذي يرقى كاسبه في درجات المعارف، حتى يبلغ من معرفته أقصى ما في قوة البشر أن يدركه من الأحكام و الحكم، فيطّلع من كتاب اللّه على ملكوت السموات و الأرض، و يتحقق أنّ كلامه كما وصفه بقوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ [الأنعام/ 38].
جعلنا اللّه ممن تولّى هدايته حتى يبلّغه هذه المنزلة، و يخوّله هذه المكرمة، فلن يهديه البشر من لم يهده اللّه، كما قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلم: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص/ 56].
و ذكرت أنّ أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، و من العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللّبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، و ليس ذلك نافعا في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع‏
__________________________________________________
 (1) الكتاب مطبوع بمكتبة الكليات الأزهرية بمصر عام 1973 م 1393 ه. و انظر الذريعة ص 116.
 (2) البيتان لأبي الطيب المتنبي، و هما في شرح ديوانه 1/ 130، و الوساطة بين المتنبي و خصومه ص 262، و معترك الأقران 1/ 23.
 (3) أي: الذريعة، و هذا ذكره في الباب الحادي عشر: كون طهارة النفس شرطا في صحة خلافة اللّه تعالى و كمال عبادته. انظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 29.

54
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة المؤلف

فألفاظ القرآن هي لبّ كلام العرب و زبدته، و واسطته و كرائمه، و عليها اعتماد الفقهاء و الحكماء في أحكامهم و حكمهم، و إليها مفزع حذّاق الشعراء و البلغاء في نظمهم و نثرهم، و ما عداها و عدا الألفاظ المتفرّعات عنها و المشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور و النوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، و كالحثالة و التبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة.
و قد استخرت اللّه تعالى في إملاء كتاب مستوف فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي، فنقدّم ما أوله الألف، ثم الباء على ترتيب حروف المعجم، معتبرا فيه أوائل حروفه الأصلية دون الزوائد، و الإشارة فيه إلى المناسبات التي بين الألفاظ المستعارات منها و المشتقات حسبما يحتمل التوسع في هذا الكتاب، و أحيل بالقوانين الدالة على تحقيق مناسبات الألفاظ على «الرسالة» «1» التي عملتها مختصّة بهذا الباب.
ففي اعتماد ما حررته من هذا النحو استغناء في بابه من المثبّطات عن المسارعة في سبيل الخيرات، و عن المسابقة إلى ما حثّنا عليه بقوله تعالى: سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد/ 21]، سهّل اللّه علينا الطريق إليها.
و أتبع هذا الكتاب- إن شاء اللّه تعالى و نسأ في الأجل- بكتاب ينبئ عن تحقيق «الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد، و ما بينها من الفروق الغامضة» «2»، فبذلك يعرف اختصاص كل خبر بلفظ من الألفاظ المترادفة دون غيره من أخواته، نحو ذكر القلب مرّة و الفؤاد مرة و الصدر مرّة، و نحو ذكره تعالى في عقب قصّة: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ* [الروم/ 37]، و في أخرى: لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* [يونس/ 24]، و في أخرى:
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* [البقرة/ 230]، و في أخرى: لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الأنعام/ 98]، و في أخرى: لِأُولِي الْأَبْصارِ* [آل عمران/ 13]، و في أخرى: لِذِي حِجْرٍ [الفجر/ 5]، و في أخرى: لِأُولِي النُّهى‏* [طه/ 54]، و نحو ذلك ممّا يعدّه من لا يحقّ الحقّ و يبطل الباطل أنّه باب واحد «3»، فيقدّر أنه إذا فسّر: الْحَمْدُ لِلَّهِ* بقوله: الشكر للّه «4»، و لا*
__________________________________________________
 (1) و هي باسم «تحقيق مناسبات الألفاظ». و انظر: ما كتبناه في المقدمة عند الكلام على مؤلفات المصنف.
 (2) لم نجد هذا الكتاب.
 (3) انظر مقدمة تفسير الراغب ص 76.
 (4) هذا من باب التقريب، و التحقيق أنّ بين الحمد و الشكر عموما و خصوصا من وجه، و قد أوضح ذلك العلّامة الشنقيطي ابن متّالي فقال:
                       

55
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة المؤلف

رَيْبَ فِيهِ* «1» ب: لا شك فيه، فقد فسّر القرآن و وفّاه التبيان.
جعل اللّه لنا التوفيق رائدا، و التقوى سائقا، و نفعنا بما أولانا و جعله لنا من معاون تحصيل الزاد المأمور به في قوله تعالى: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏ [البقرة/ 197].
__________________________________________________
             و نسبة العموم و الخصوص من             وجه فقط للحمد و الشكر تعن‏
             و جمع معقولين بانفراد             كل هو العموم وجها بادي‏
             فالحمد بالثناء مطلقا بدا             كان جزاء نعمة أو ابتدا
             و الشكر ما كان جزاء للنعم             فالحمد من ذا الوجه وحده أعم‏
             و الشكر يأتي عند كل شارح             بالقلب و اللسان و الجوارح‏
             و الحمد باللسان لا غير وسم             فاشكر من ذا الوجه وحده أعم‏


ا. ه و كذا بين الريب و الشك فرق، فالريب: تحصيل القلق و إفادة الاضطراب، و الشك: وقوف النفس بين شيئين متقابلين بحيث لا ترجح أحدهما على الآخر، فتقع في الاضطراب و الحيرة. فاستعمال الريب في الشك مجاز من إطلاق اسم المسبب و إرادة السبب. راجع حاشية زاده على البيضاوي 1/ 75.
 (1) سورة البقرة آية 2.

56
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الألف

كتاب الألف‏
أبا
الْأَبُ: الوالد، و يسمّى كلّ من كان سببا في إيجاد شي‏ءٍ أو صلاحه أو ظهوره أبا، و لذلك يسمّى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أبا المؤمنين، قال اللّه تعالى:
النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [الأحزاب/ 6] و في بعض القراءات:
 (و هو أَبٌ لهم) «1».
و
رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنَا وَ أَنْتَ أَبَوَا هَذِهِ الْأُمَّةِ» «2».
و إلى هذا أشار
بِقَوْلِهِ: «كُلُّ سَبَبٍ وَ نَسَبٍ مُنْقَطِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَبَبِي وَ نَسَبِي» «3».
و قيل: أَبُو الأضياف لتفقّده إياهم، و أَبُو الحرب لمهيّجها، و أَبُو عذرتها لمفتضّها.
و يسمّى العم مع الأب أَبَوَيْنِ، و كذلك الأم مع الأب، و كذلك الجدّ مع الأب، قال تعالى في قصة يعقوب: ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي؟ قالُوا: نَعْبُدُ إِلهَكَ وَ إِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ إِلهاً واحِداً
 [البقرة/ 133]، و إسماعيل لم يكن من آبائهم و إنما كان عمّهم.
و سمّي معلّم الإنسان أَباً لما تقدّم ذكره.
و قد حمل قوله تعالى: وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ*
 [الزخرف/ 22] على ذلك. أي: علماءنا الذين ربّونا بالعلم بدلالة قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب/ 67].
و قيل في قوله: أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ‏
__________________________________________________
 (1) و بها قرأ ابن عباس، و أبيّ بن كعب و هي في مصحفه، و هي قراءة شاذة منسوخة.
 (2) الحديث لم أجده، و لعلّه من وضع الشيعة، و اللّه أعلم. و قد نقله عنه الفيروزآبادي في البصائر، و السمين في عمدة الحفاظ مادة (أبى)، و لم يعلّقا عليه.
 (3) الحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 3/ 36 و البيهقي 7/ 114 و الحاكم 3/ 142 و قال: صحيح الإسناد و تعقبه الذهبي فقال: منقطع، و أبو نعيم في معرفة الصحابة 1/ 231. و سببه أنّ عمر بن الخطاب خطب إلى عليّ بن أبي طالب ابنته أم كلثوم، فاعتلّ عليه بصغرها، فقال: إني لم أرد الباه و لكن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول:
فذكره. راجع الفتح الكبير 3/ 324، و أسباب ورود الحديث 3/ 90.

57
مفردات ألفاظ القرآن

أبا ص 57

 [لقمان/ 14]: إنه عنى الْأَبَ الذي ولده، و المعلّم الذي علمه.
و قوله تعالى: ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ‏
 [الأحزاب/ 40]، إنما هو نفي الولادة، و تنبيه أنّ التبني لا يجري مجرى البنوّة الحقيقية.
و جمع الأب آبَاءٌ و أُبُوَّةٌ نحو: بعولة و خئولة.
و أصل «أَبٍ» فعل «1»، و قد أجري مجرى قفا و عصا في قول الشاعر:
3-
         إنّ أَبَاهَا و أَبَا أَبَاهَا «2»
و يقال: أَبَوْتُ القوم: كنت لهم أبا، أَأْبُوهُمْ، و فلان يَأْبُو بهمه أي: يتفقّدها تفقّد الأب.
و زادوا في النداء فيه تاء، فقالوا: يا أَبَتِ «3».
و قولهم: بَأْبَأَ الصبي، فهو حكاية صوت الصبي إذا قال: بابا «4».
أبى‏
الْإِبَاءُ: شدة الامتناع، فكل إِبَاءٍ امتناع و ليس كل امتناع إباء.
قوله تعالى: وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ‏
 [التوبة/ 32]، و قال: وَ تَأْبى‏ قُلُوبُهُمْ‏
 [التوبة/ 8]، و قوله تعالى: أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ
 [البقرة/ 34]، و قوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى‏*
 [طه/ 116] و
رُوِيَ: «كُلُّكُمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا مَنْ أَبَى» «5».
و منه: رجل أَبِيٌّ: ممتنع من تحمّل الضيم، و أَبَيْتَ الضير تَأْبَى، و تيس آبَى، و عنز أَبْوَاءُ: إذا أخذه من شرب ماءٍ فيه بول الأروى داء يمنعه من شرب الماء «6».
__________________________________________________
 (1) قال شيخنا العلامة أحمد الحسني الشنقيطي في هذا المعنى:
         في أب اختلافهم هل فعل             أو هو بالسكون خلف نقلوا
             فكوفة عندهم مسكّن             و بصرة لعكس ذاك ركنوا.

 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         قد بلغا في المجد غايتاها

و في المخطوطة البيت بتمامه ص 2. و هو لأبي النجم العجلي، و هو في شرح ابن عقيل 1/ 51، و شفاء العليل بشرح التسهيل 1/ 120، و شرح المفصل 1/ 53، و قيل: هو لرؤبة، في ملحقات ديوانه ص 168.
 (3) و هذه التاء عوض عن الياء، قال ابن مالك في ألفيّته:
         و في نداء أبت أمت عرض             و افتح أو اكسر، و من الياء التاء عوض.
 (4) راجع لسان العرب (بأبأ) 1/ 25، و المسائل الحلبيات ص 326.
 (5) الحديث عن أبي هريرة أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: كل أمتي يدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى، قالوا: و من يأبى يا رسول اللّه؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، و من عصاني فقد أبى. أخرجه البخاري انظر فتح الباري 13/ 249، باب الاعتصام بالسنة، و أحمد في المسند 2/ 361، قال الهيثمي: و رجاله رجال الصحيح، و أخرجه الطبراني في الأوسط، و رجاله رجال الصحيح أيضا. انظر: مجمع الزوائد 10/ 73.
 (6) راجع لسان العرب 14/ 5 مادة (أبى)، و الأروى: أنثى الوعول، و هو اسم جمع.

58
مفردات ألفاظ القرآن

أب ص 59

أب‏
قوله تعالى: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا[عبس/ 31].
الْأَبُّ: المرعى المتهيّئ للرعي و الجز «1»، من قولهم: أَبَّ لكذا أي: تهيّأ، أَبّاً و إِبَابَةً و إِبَاباً، و أَبَّ إلى وطنه: إذا نزع إلى وطنه نزوعاً تهيّأ لقصده، و كذا أَبَّ لسيفه: إذا تهيأ لسلّه.
و إِبَّانُ ذلك فعلان منه، و هو الزمان المهيأ لفعله و مجيئه.
أبد
قال تعالى: خالِدِينَ فِيها أَبَداً* [النساء/ 122]. الْأَبَدُ: عبارة عن مدّة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجرأ الزمان، و ذلك أنه يقال:
زمان كذا، و لا يقال: أَبَدُ كذا.
و كان حقه ألا يثنى و لا يجمع إذ لا يتصور حصول أَبَدٍ آخر يضم إليه فيثنّى به، لكن قيل:
آبَادٌ، و ذلك على حسب تخصيصه في بعض ما يتناوله، كتخصيص اسم الجنس في بعضه، ثم يثنّى و يجمع، على أنه ذكر بعض الناس أنّ آبَاداً مولّد و ليس من كلام العرب العرباء.
و قيل: أَبَدٌ آبِدٌ و أَبِيدٌ أي: دائم «2»، و ذلك على التأكيد.
و تَأَبَّدَ الشي‏ء: بقي أبداً، و يعبّر به عما يبقى مدة طويلة.
و الْآبِدَةُ: البقرة الوحشية، و الْأَوَابِدُ:
الوحشيات، و تَأَبَّدَ البعير: توحّش، فصار كالأوابد، و تَأَبَّدَ وجه فلان: توحّش، و أَبِدَ كذلك، و قد فسّر بغضب.
أبق‏
قال اللّه تعالى: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏ [الصافات/ 140].
يقال: أَبَقَ العبد يَأْبِقُ إِبَاقاً، و أَبِقَ يَأْبَقُ: إذا هرب «3».
و عبد آبِقٌ و جمعه أُبَّاقٌ، و تَأَبَّقَ الرجل: تشبّه به في الاستتار، و قول الشاعر:
4-
         قد أحكمت حكمات القدّ و الْأَبَقَا «4»
قيل: هو القنّب.
إبل‏
قال اللّه تعالى: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ‏ [الأنعام/ 144]، الْإِبِلُ يقع على البعران الكثيرة و لا واحد له من لفظه.
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (أبب) 1/ 205.
 (2) يقال: لا أفعل ذلك أبد الأبيد، و أبد الآباد، و أبد الدهر، و أبيد الأبيد، و أبد الأبدية. راجع: لسان العرب (أبد) 3/ 68، و المستقصى 2/ 242.
 (3) انظر: الأفعال للسرقسطي 1/ 96، و المجمل 1/ 84، و لسان العرب (أبق) 10/ 3. بكسر الباء و فتحها.
 (4) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، و صدره:
         القائد الخيل منكوبا دوابرها

و هو في ديوانه ص 41، و العجز في المجمل 1/ 84، و شمس العلوم 1/ 52، و البيت بتمامه في اللسان (أبق).

59
مفردات ألفاظ القرآن

إبل ص 59

و قوله تعالى: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ‏ [الغاشية/ 17] قيل: أريد بها السحاب «1»، فإن يكن ذلك صحيحاً فعلى تشبيه السحاب بالإبل و أحواله بأحوالها.
و أَبَلَ الوحشيّ يَأْبُلُ أُبُولًا، و أَبَلَ أَبْلًا «2»: اجتزأ عن الماء تشبّها بالإبل في صبرها عن الماء.
و كذلك: تَأَبَّلَ الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها «3». و أَبَّلَ الرجل: كثرت إبله، و فلان لا يَأْتَبِلُ أي: لا يثبت على الإبل إذا ركبها، و رجل آبِلٌ و أَبِلٌ: حسن القيام على إبله، و إبل مُؤَبَّلَةٌ: مجموعة.
و الْإِبَّالَةُ: الحزمة من الحطب تشبيهاً به، و قوله تعالى: وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ‏ [الفيل/ 3] أي: متفرّقة كقطعات إبلٍ، الواحد إِبِّيلٌ «4».
أتى‏
الْإِتْيَانُ: مجي‏ء بسهولة، و منه قيل للسيل المارّ على وجهه: أَتِيٌّ و أَتَاوِيُّ «5»، و به شبّه الغريب فقيل: أَتَاوِيُّ «6».
و الْإِتْيَانُ يقال للمجي‏ء بالذات و بالأمر و بالتدبير، و يقال في الخير و في الشر و في الأعيان و الأعراض، نحو قوله تعالى: إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ [الأنعام/ 40]، و قوله تعالى: أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ‏ [النحل/ 1]، و قوله:
فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [النحل/ 26]، أي: بالأمر و التدبير، نحو: وَ جاءَ رَبُّكَ [الفجر/ 22]، و على هذا النحو قول الشاعر:
5-
         أَتَيْتُ المروءة من بابها «7»
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل/ 37]، و قوله: لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى‏ [التوبة/ 54]، أي: لا يتعاطون، و قوله: يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ
 [النساء/ 15]، و في‏
__________________________________________________
 (1) قال أبو عمرو بن العلاء: و من قرأها بالتثقيل قال الإبلّ: السحاب التي تحمل الماء للمطر. راجع لسان العرب (إبل) 11/ 6، و تفسير القرطبي 20/ 35.
 (2) انظر: الأفعال للسرقسطي 1/ 90، و اللسان 11/ 5. مادة أبل.
 (3) و روي عن وهب قال: لمّا قتل ابن آدم أخاه تأبّل آدم على حوّاء. أي: ترك غشيانها حزنا على ولده.
 (4) الأبابيل: جماعة في تفرقة، واحدها: إبّيل و إبّول.
 (5) قال ابن منظور: و الأتيّ: النهر يسوقه الرجل إلى أرضه. و سيل أتيّ و أتاويّ: لا يدرى من أين أتى، و قال اللحياني:
أي: أتى و لبّس مطره علينا.
 (6) و قال في اللسان: بل السيل مشبّه بالرّجل لأنه غريب مثله، راجع 14/ 15.
 (7) هذا عجز بيت للأعشى و قبله:
         و كأس شربت على لذة             و أخرى تداويت منها بها
             لكي يعلم الناس أني امرؤ             أتيت المروءة من بابها


و ليس في ديوانه- طبع دار صادر، بل في ديوانه- طبع مصر ص 173، و خاص الخاص ص 99، و العجز في بصائر ذوي التمييز 2/ 43.

60
مفردات ألفاظ القرآن

أتى ص 60

قراءة عبد اللّه: (تَأْتِي الْفَاحِشَةَ) «1» فاستعمال الإتيان منها كاستعمال المجي‏ء في قوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مريم/ 27].
يقال: أَتَيْتُهُ و أَتَوْتُهُ «2»، و يقال للسقاء إذا مخض و جاء زبده: قد جاء أَتْوُهُ، و تحقيقه: جاء ما من شأنه أن يأتي منه، فهو مصدر في معنى الفاعل.
و هذه أرض كثيرة الْإِتَاءِ أي: الرّيع، و قوله تعالى: مَأْتِيًّا [مريم/ 61] مفعول من أتيته.
قال بعضهم «3»: معناه: آتِياً، فجعل المفعول فاعلًا، و ليس كذلك بل يقال: أَتَيْتُ الأمر و أَتَانِي الأمر، و يقال: أَتَيْتُهُ بكذا و آتَيْتُهُ كذا. قال تعالى:
وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة/ 25]، و قال:فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل/ 37]، و قال: وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء/ 54].
 [و كلّ موضع ذكر في وصف الكتاب «آتَيْنا»* فهو أبلغ من كلّ موضع ذكر فيه «أُوتُوا»*، لأنّ «أُوتُوا»* قد يقال إذا أوتي من لم يكن منه قبول، و آتَيْناهُمُ* يقال فيمن كان منه قبول‏] «4».
و قوله تعالى: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف/ 96] و قرأه حمزة موصولة «5». أي:
جيئوني.
و الْإِيتَاءُ: الإعطاء، [و خصّ دفع الصدقة في القرآن بِالْإِيتَاءِ] نحو: وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ* [البقرة/ 277]، وَ إِقامَ الصَّلاةِ وَ إِيتاءَ الزَّكاةِ* [الأنبياء/ 73]، و وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً [البقرة/ 229]، و وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ‏ [البقرة/ 247].
أث‏
الْأَثَاثُ: متاع البيت الكثير، و أصله من:
أَثَّ «6»، أي: كثر و تكاثف.
و قيل للمال كلّه إذا كثر: أَثَاثٌ، و لا واحد له، كالمتاع، و جمعه أَثَاثٌ «7».
و نساء أَثَايِثُ: كثيرات للحمل، كأنّ عليهن‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة شاذة قرأ بها ابن مسعود.
 (2) قال ابن مالك:
         و أتوت مثل أتيت فقل بها             و محوت خطّ السطر ثم محيته.
 (3) و الذي قال هذا ابن قتيبة و أبو نصر الحدادي، و ذكره ابن فارس بقوله: و زعم ناس، كأنّه يضعّفه.
راجع: تأويل مشكل القرآن ص 298، و المدخل لعلم تفسير كتاب اللّه ص 269، و الصاحبي ص 367، و كذا الزمخشري في تفسيره راجع الكشاف 2/ 2/ 415.
 (4) نقل هذه الفائدة السيوطي في الإتقان 1/ 256 عن المؤلف.
 (5) و كذا قرأها أبو بكر من طريق العليمي و أبي حمدون. ا. ه. راجع: الإتحاف ص 295.
 (6) يقال: أثّ النبات يئثّ أثاثة، أي: كثر و التفّ. انظر: اللسان (أثّ).
 (7) و هذا قول الفرّاء، و قيل: واحده أثاثة. انظر: المجمل 1/ 78، و اللسان (أث).

61
مفردات ألفاظ القرآن

أث ص 61

أَثَاثاً، و تَأَثَّثَ فلان: أصاب أثاثاً.
أثر
أَثَرُ الشي‏ء: حصول ما يدلّ على وجوده، يقال: أَثَرَ و أَثَّرَ، و الجمع: الْآثَارُ. قال اللّه تعالى: ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى‏ آثارِهِمْ بِرُسُلِنا «1» [الحديد/ 27]، وَ آثاراً فِي الْأَرْضِ* [غافر/ 21]، و قوله: فَانْظُرْ إِلى‏ آثارِ رَحْمَتِ اللَّهِ‏ [الروم/ 50].
و من هذا يقال للطريق المستدل به على من تقدّم: آثَارٌ، نحو قوله تعالى: فَهُمْ عَلى‏ آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ‏ [الصافات/ 70]، و قوله: هُمْ أُولاءِ عَلى‏ أَثَرِي‏ [طه/ 84].
و منه: سمنت الإبل على أَثَارَةٍ «2»، أي: على أثر من شحم، و أَثَرْتُ البعير: جعلت على خفّه أُثْرَةً، أي: علامة تؤثّر في الأرض ليستدل بها على أثره، و تسمّى الحديدة التي يعمل بها ذلك الْمِئْثَرَةُ.
و أَثْرُ السيف: جوهره و أثر جودته، و هو الفرند، و سيف مَأْثُورٌ. و أَثَرْتُ العلم: رويته «3»، آثُرُهُ أَثْراً و أَثَارَةً و أُثْرَةً، و أصله: تتبعت أَثَرَهُ.
أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ‏ [الأحقاف/ 4]، و قرئ: (أَثْرَةٍ) «4» و هو ما يروى أو يكتب فيبقى له أثر.
و الْمَآثِرُ: ما يروى من مكارم الإنسان، و يستعار الْأَثَرُ للفضل، و الْإِيثَارُ للتفضل و منه:
آثَرْتُهُ، و قوله تعالى: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ [الحشر/ 9] و قال: تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا [يوسف/ 91] و بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا [الأعلى/ 16].
و
فِي الْحَدِيثِ: «سَيَكُونُ بَعْدِي أَثَرَةٌ» «5».
أي:
يستأثر بعضكم على بعض.
و الِاسْتِئْثَارُ: التفرّد بالشي‏ء من دون غيره، و قولهم: اسْتَأْثَرَ اللّه بفلان، كناية عن موته، تنبيه أنّه ممّن اصطفاه و تفرّد تعالى به من دون الورى‏
__________________________________________________
 (1) و في أ «و قفّينا» و هو خطأ.
 (2) انظر: لسان العرب (أثر) 6/ 7، و مجمل اللغة 1/ 87.
 (3) قال ابن فارس: و أثرت الحديث، أي: ذكرته عن غيرك.
 (4) و هي قراءة شاذة قرأ بها السّلمي و الحسن و أبو رجاء.
قال ابن منظور: فمن قرأ «أثارة» فهو المصدر، مثل السماحة، و من قرأ «أثرة» فإنه بناه على الأثر، كما قيل:
قترة.
راجع تفسير القرطبي 16/ 182، و لسان العرب 4/ 7.
 (5) الحديث عن أسيد بن حضير أنّ رجلا من الأنصار قال: يا رسول اللّه أ لا تستعملني كما استعملت فلانا؟ قال:
 «ستلقون بعدي أثره فاصبروا حتى تلقوني على الحوض». و هو صحيح أخرجه البخاري، راجع فتح الباري 7/ 117.

62
مفردات ألفاظ القرآن

أثر ص 62

تشريفاً له. و رجل أَثِرٌ: يستأثر على أصحابه.
و حكى اللحياني «1»: خذه آثِراً ما، و إِثْراً ما، و أَثَرَ ذي أَثِيرٍ «2».
أثل‏
قال تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ‏
 [سبأ/ 16].
أَثْلٌ: شجر ثابت الأصل، و شجر مُتَأَثِّلٌ:
ثابت ثبوته، و تَأَثَّلَ كذا: ثبت ثبوته.
و
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي الْوَصِيِّ: «غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا» «3».
أي: غير مقتنٍ له و مدّخر، فاستعار التَّأَثُّلَ له، و عنه استعير: نحتّ أَثْلَتَهُ: إذا اغتبته «4».
إثم‏
الْإِثْمُ و الْأَثَامُ: اسم للأفعال المبطئة عن الثواب «5»، و جمعه آثَامٌ، و لتضمنه لمعنى البطء قال الشاعر:
6-
         جماليّة تغتلي بالرّادف             إذا كذّب الْآثِمَاتُ الهجير «6»

و قوله تعالى: فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ‏ [البقرة/ 219] أي: في تناولهما إبطاء عن الخيرات.
و قد أَثِمَ إِثْماً و أَثَاماً فهو آثِمٌ و أَثِمٌ و أَثِيمٌ. و تَأَثَّمَ:
خرج من إثمه، كقولهم: تحوّب و تحرّج: خرج من حوبه و حرجه، أي: ضيقه.
و تسمية الكذب إِثْماً لكون الكذب من جملة الإثم، و ذلك كتسمية الإنسان حيواناً لكونه من جملته.
و قوله تعالى: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ‏ [البقرة/ 206] أي: حملته عزته على فعل ما يُؤْثِمُهُ، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً [الفرقان/ 68] أي: عذاباً، فسمّاه أَثَاماً لما كان منه، و ذلك كتسمية النبات و الشحم ندًى لما كانا منه في قول الشاعر:
7-
         تعلّى الندى في متنه و تحدّرا «7»
و قيل: معنى: «يَلْقَ أَثاماً»
 أي: يحمله ذلك‏
__________________________________________________
 (1) علي بن حازم، راجع أخباره في إنباه الرواة 2/ 255. و ذكر هذا أيضا كراع في المنتخب 2/ 536.
 (2) المبرّد في قولهم: خذ هذا آثرا ما، قال: كأنه يريد أن يأخذ منه واحدا و هو يسام على آخر، فيقول: خذ هذا الواحد آثرا، أي: قد آثرتك به، و «ما» فيه حشو. راجع لسان العرب (أثر).
 (3) الحديث أخرجه البخاري في الشروط 5/ 263 و الوصايا، و مسلم في الوصية رقم (1632)، و راجع شرح السنة 2/ 288، 305، و أخرجه النسائي بلفظ: «كل من مال يتيمك غير مسرف و لا مباذر و لا متأثل» 6/ 256.
 (4) قال ابن فارس: و نحت فلان أثلته، مثل، و ذلك إذا قال في عرضه قبيحا. انظر: مجمل اللغة 1/ 87، و جمهرة الأمثال 2/ 309.
 (5) يقال: أثمت الناقة المشي تأثمه إثما: أبطأت. انظر: اللسان (أثم).
 (6) البيت للأعشى في ديوانه ص 87، و اللسان (أثم). و عجزه في المجمل 1/ 87.
 (7) هذا عجز بيت لعمرو بن أحمر، و شطره:
          [كثور العداب الفرد يضربه الندى‏].

و هو في ديوانه ص 84، و اللسان (ندى).

63
مفردات ألفاظ القرآن

إثم ص 63

على ارتكاب آثام، و ذلك لاستدعاء الأمور الصغيرة إلى الكبيرة، و على الوجهين حمل قوله تعالى: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم/ 59].
و الْآثِمُ: المتحمّل الإثم، قال تعالى: آثِمٌ قَلْبُهُ‏ [البقرة/ 283].
و قوبل الإثم بالبرّ،
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَ الْإِثْمُ مَا حَاكٍ فِي صَدْرِكَ» «1».
و هذا القول منه حكم البرّ و الإثم لا تفسيرهما.
و قوله تعالى: مُعْتَدٍ أَثِيمٍ* [القلم/ 12] أي: آثم، و قوله: يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‏ [المائدة/ 62].
قيل: أشار بالإثم إلى نحو قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ [المائدة/ 44]، و بالعدوان إلى قوله: وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المائدة/ 45]، فَالْإِثْمُ أعمّ من العدوان.
أج‏
قال تعالى: هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ‏ [الفرقان/ 53]: شديد الملوحة و الحرارة، من قولهم: أَجِيجُ النار و أَجَّتُهَا، و قد أَجَّتْ، و ائْتَجَّ النهار.
و يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ‏ منه، شبّهوا بالنار المضطرمة و المياه المتموّجة لكثرة اضطرابهم «2».
و أَجَّ الظّليم: إذا عدا، أَجِيجاً تشبيهاً بأجيج النار.
أجر
الْأَجْرُ و الْأُجْرَةُ: ما يعود من ثواب العمل دنيوياً كان أو أخروياً، نحو قوله تعالى: إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ* [يونس/ 72]، وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ‏ [العنكبوت/ 27]، وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا [يوسف/ 57].
و الْأُجْرَةُ في الثواب الدنيوي، و جمع الأجر أُجُورٌ، و قوله تعالى: وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ‏ [النساء/ 25] كناية عن المهور، و الْأَجْرُ و الْأُجْرَةُ يقال فيما كان عن عقد و ما يجري مجرى العقد، و لا يقال إلا في النفع دون الضر، نحو قوله تعالى: لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ* [آل عمران/ 199]، و قوله تعالى: فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏ [الشورى/ 40]. و الجزاء يقال فيما كان عن عقدٍ و غير عقد، و يقال في النافع و الضار، نحو
__________________________________________________
 (1) الحديث عن وابصة بن معبد رضي اللّه عنه قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال: «جئت تسأل عن البرّ؟ قلت: نعم.
قال: البرّ ما اطمأنت إليه النفس و اطمأن إليه القلب، و الإثم ما حاك في النفس و تردّد في الصدر و إن أفتاك الناس و أفتوك» أخرجه أحمد في المسند 4/ 228، و فيه أيوب بن عبد اللّه بن مكرز. قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه.
و وثقه ابن حبان. و أخرجه الدارمي 2/ 322. و انظر: مجمع الزوائد 1/ 182. ذكره النووي في الأربعين و قال:
حديث حسن رويناه في مسند أحمد و الدارمي بإسناد حسن، راجع الأربعين النووية ص 53.
 (2) انظر: المجموع المغيث 1/ 32.

64
مفردات ألفاظ القرآن

أجر ص 64

قوله تعالى: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً [الإنسان/ 12]، و قوله تعالى: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء/ 93].
يقال: أَجَرَ زيد عمراً يَأْجُرُهُ أَجْراً: أعطاه الشي‏ء بأجرة، و آجَرَ عمرو زيداً: أعطاه الأجرة، قال تعالى: عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ‏ [القصص/ 27]، و آجَرَ كذلك، و الفرق بينهما أنّ أَجَرْتُهُ يقال إذا اعتبر فعل أحدهما، و آجَرْتُهُ يقال إذا اعتبر فعلاهما «1»، و كلاهما يرجعان إلى معنى واحدٍ، و يقال: آجره اللّه و أجره اللّه.
و الْأَجِيرُ: فعيل بمعنى فاعل أو مفاعل، و الِاسْتِئْجَارُ: طلب الشي‏ء بالأجرة، ثم يعبّر به عن تناوله بالأجرة، نحو: الاستيجاب في استعارته الإيجاب، و على هذا قوله تعالى:
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ‏ [القصص/ 26].
أجل‏
الْأَجَلُ: المدّة المضروبة للشي‏ء، قال تعالى:
لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى‏ [غافر/ 67]، أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ‏ [القصص/ 28].
و يقال: دينه مُؤَجَّلٌ، و قد أَجَّلْتُهُ: جعلت له أجلًا، و يقال للمدّة المضروبة لحياة الإنسان أَجَلٌ فيقال: دنا أَجَلُهُ، عبارة عن دنوّ الموت.
و أصله: استيفاء الْأَجَلِ أي: مدّة الحياة، و قوله تعالى: بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا [الأنعام/ 128]، أي: حدّ الموت، و قيل: حدّ الهرم، و هما واحد في التحقيق.
و قوله تعالى: ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ‏ [الأنعام/ 2]، فالأول: هو البقاء في الدنيا، و الثاني: البقاء في الآخرة، و
قِيلَ:
الْأَوَّلُ: هُوَ الْبَقَاءُ فِي الدُّنْيَا، وَ الثَّانِي: مُدَّةُ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى النُّشُورِ، عَنِ الْحَسَنِ‏
و
قِيلَ: الْأَوَّلُ لِلنَّوْمِ، وَ الثَّانِي لِلْمَوْتِ، إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزُّمَرِ/ 42]، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2»
وَ قِيلَ: الْأَجَلَانِ جَمِيعاً لِلْمَوْتِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَلُهُ بِعَارِضٍ كَالسَّيْفِ وَ الْحَرَقِ وَ الْغَرَقِ وَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ غَيْرِ مُوَافِقٍ، وَ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى قَطْعِ الْحَيَاةِ، وَ مِنْهُمْ مَنْ يُوَقَّى وَ يُعَافَى حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ حَتْفَ أَنْفِهِ، وَ هَذَانِ هُمَا الْمُشَارُ إِلَيْهِمَا
بِقَوْلِهِ: (مَنْ أَخْطَأَهُ سَهْمُ الرَّزِيَّةِ لَمْ يُخْطِئْهُ سَهْمُ الْمنيَّةِ).
و قيل: للناس أَجَلَانِ، منهم من يموت عبطة «3»، و منهم من يبلغ حدّاً لم يجعله اللّه في‏
__________________________________________________
 (1) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 132.
 (2) و قد نقل الفيروزآبادي هذا حرفيا، و انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 109.
 (3) أصل هذه المادة: عبطت الناقة عبطا: إذا ذبحتها من غير علة، و مات فلان عبطة، أي: صحيحا شابا. ا. ه.
انظر: العباب الزاخر (عبط).

65
مفردات ألفاظ القرآن

أجل ص 65

طبيعة الدنيا أن يبقى أحد أكثر منه فيها، و إليها أشار بقوله تعالى: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ [الحج/ 5]، و قصدهما الشاعر بقوله:
8-
         رأيت المنايا خبط عشواء من تصب             تمته .... «1»

و قول الآخر:
9-
         من لم يمت عبطةً يمت هرماً «2»
و الْآجِلُ ضد العاجل، و الْأَجْلُ: الجناية التي يخاف منها آجلًا، فكل أَجْلٍ جناية و ليس كل جناية أجلًا، يقال: فعلت كذا من أَجْلِهِ، قال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ‏
 [المائدة/ 32]، أي: من جرّاء، و قرئ: (من إِجْلِ ذلك) «3» بالكسر. أي: من جناية ذلك.
و يقال: (أَجَلْ) في تحقيق خبرٍ سمعته. و بلوغ الْأَجَلِ في قوله تعالى: وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَ‏
 [البقرة/ 231]، هو المدة المضروبة بين الطلاق و بين انقضاء العدة، و قوله تعالى: فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ‏
 [البقرة/ 232]، إشارة إلى حين انقضاء العدّة، و حينئذ لا جناح عليهنّ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ.
أحد
أَحَدٌ يستعمل على ضربين:
أحدهما: في النفي فقط «4».
و الثاني: في الإثبات.
فأمّا المختص بالنفي فلاستغراق جنس الناطقين، و يتناول القليل و الكثير على طريق الاجتماع و الافتراق، نحو: ما في الدار أحد، أي: لا واحد و لا اثنان فصاعدا لا مجتمعين و لا مفترقين، و لهذا المعنى لم يصحّ استعماله في‏
__________________________________________________
 (1) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته، و تمامه:
         و من تخطئ يعمّر فيهرم‏

و هو في ديوانه ص 86، و شرح القصائد للنحاس 1/ 125، و بصائر ذوي التمييز 2/ 109.
 (2) الشطر لأمية بن أبي الصلت، و تتمته:
         للموت كأس فالمرء ذائقها

و هو في ديوانه ص 241، و العباب (عبط)، و اللسان (عبط)، و غريب الحديث للخطابي 1/ 446، و ذيل أمالي القالي ص 134.
 (3) و هي بكسر الهمزة مع قطعها قراءة شاذة حكاها اللحياني، و قرأ أبو جعفر بكسر الهمزة و نقل حركتها إلى النون، و وافقه الحسن، انظر: الإتحاف ص 200، و اللسان (أجل).
 (4) قال المختار بن بونا الجكني الشنقيطي في تكميله لألفية ابن مالك:
           و عظّموا بأحد الآحاد             و أحد في النفي ذو انفراد
             بعاقل، و مثله عريب             كما هنا من أحد قريب.

 

66
مفردات ألفاظ القرآن

أحد ص 66

الإثبات، لأنّ نفي المتضادين يصح، و لا يصحّ إثباتهما، فلو قيل: في الدار واحد لكان فيه إثبات واحدٍ منفرد مع إثبات ما فوق الواحد مجتمعين و مفترقين، و ذلك ظاهر الإحالة، و لتناول ذلك ما فوق الواحد يصح أن يقال: ما من أَحَدٍ فاضلين «1»، كقوله تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ‏ [الحاقة/ 47].
و أمّا المستعمل في الإثبات فعلى ثلاثة أوجه:
الأول: في الواحد المضموم إلى العشرات نحو: أَحَدَ عشر و أَحَدٍ و عشرين.
و الثاني: أن يستعمل مضافا أو مضافا إليه بمعنى الأول، كقوله تعالى: أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً [يوسف/ 41]، و قولهم:
يوم الْأَحَدِ. أي: يوم الأول، و يوم الاثنين.
و الثالث: أن يستعمل مطلقا وصفا، و ليس ذلك إلا في وصف اللّه تعالى بقوله: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص/ 1]، و أصله: وحد «2»، و لكن وحد يستعمل في غيره نحو قول النابغة:
10-
         كأنّ رحلي و قد زال النهار بنا             بذي الجليل على مستأنس وحد «3»

أخذ
الْأَخْذُ: حوز الشي‏ء و تحصيله، و ذلك تارةً بالتناول نحو: مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ‏ [يوسف/ 79]، و تارةً بالقهر نحو قوله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ [البقرة/ 255].
و يقال: أَخَذَتْهُ الحمّى، و قال تعالى: وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ [هود/ 67]، فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولى‏ [النازعات/ 25]، و قال: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى‏ [هود/ 102].
و يعبّر عن الأسير بِالْأَخِيذِ و الْمَأْخُوذِ، و الِاتِّخَاذُ افتعال منه، و يعدّى إلى مفعولين و يجري مجرى الجعل نحو قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ [المائدة/ 51]، أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [الشورى/ 9]، فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا [المؤمنون/ 110]، أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [المائدة/ 116]، و قوله تعالى:
وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ‏ [النحل/ 61] فتخصيص لفظ المؤاخذة تنبيه على معنى المجازاة و المقابلة لما أخذوه من النعم فلم يقابلوه بالشكر.
__________________________________________________
 (1) و هذا النقل حرفيا في البصائر 2/ 91.
 (2) قال الفيروزآبادي: و أصله وحد، أبدلوا الواو همزة على عادتهم في الواوات الواقعة في أوائل الكلم، كما في:
أجوه و وجوه، و إشاح و وشاح، و امرأة أناة و وناة. انظر: البصائر 2/ 92.
 (3) البيت من معلقته، و هو في ديوانه ص 31، و شرح المعلقات للنحاس 2/ 162.

67
مفردات ألفاظ القرآن

أخذ ص 67

و يقال: فلان مَأْخُوذٌ، و به أَخْذَةٌ من الجن، و فلان يَأْخُذُ مَأْخَذَ فلان، أي: يفعل فعله و يسلك مسلكه، و رجل أَخِيذٌ، و به أُخُذٌ كناية عن الرّمد.
و الْإِخَاذَةُ و الْإِخَاذُ: أرض يأخذها الرجل لنفسه «1»، و ذهبوا و من أخذ أَخْذَهُمْ و إِخْذَهُمْ «2».
أخ‏
أَخٌ الأصل أَخَوٌ، و هو: المشارك آخر في الولادة من الطرفين، أو من أحدهما أو من الرضاع.
و يستعار في كل مشارك لغيره في القبيلة، أو في الدّين، أو في صنعة، أو في معاملة أو في مودّة، و في غير ذلك من المناسبات.
قوله تعالى: لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ‏ [آل عمران/ 156]، أي:
لمشاركيهم في الكفر، و قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات/ 10]، أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات/ 12]، و قوله: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء/ 11]، أي: إِخْوَانٌ و أَخَوَاتٌ، و قوله تعالى:
إِخْواناً عَلى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ‏ [الحجر/ 47]، تنبيه على انتفاء المخالفة من بينهم.
و الْأُخْتُ: تأنيث الأخ، و جعل التاء فيه كالعوض من المحذوف منه، و قوله تعالى: يا أُخْتَ هارُونَ‏ [مريم/ 28]، يعني: أخته في الصلاح لا في النسبة، و ذلك كقولهم: يا أَخَا تميم. و قوله تعالى: أَخا عادٍ [الأحقاف/ 21]، سمّاه أخاً تنبيهاً على إشفاقه عليهم شفقة الأخ على أخيه، و على هذا قوله تعالى: وَ إِلى‏ ثَمُودَ أَخاهُمْ* [الأعراف/ 73] وَ إِلى‏ عادٍ أَخاهُمْ* [الأعراف/ 65]، وَ إِلى‏ مَدْيَنَ أَخاهُمْ* [الأعراف/ 85]، و قوله: وَ ما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها [الزخرف/ 48]، أي: من الآية التي تقدّمتها، و سمّاها أختاً لها لاشتراكهما في الصحة و الإبانة و الصدق، و قوله تعالى: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها [الأعراف/ 38]، فإشارة إلى أوليائهم المذكورين في نحو قوله تعالى: أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ [البقرة/ 257]، و تَأَخَّيْتُ أي:
تحرّيت «3» تحرِّي الأخ للأخ، و اعتبر من الإخوة معنى الملازمة فقيل: أَخِيَّةُ الدابة «4».
أخر
آخِرٌ يقابل به الأوّل، و آخَرُ يقابل به الواحد، و يعبّر بالدار الْآخِرَةِ عن النشأة الثانية، كما يعبّر بالدار
__________________________________________________
 (1) انظر: لسان العرب (أخذ).
 (2) يقال: و ذهب بنو فلان و من أخذ إخذهم و أخذهم، أي: و من سار سيرهم. و العرب تقول: لو كنت منا لأخذت بإخذنا، أي: بخلائقنا و زيّنا و شكلنا و هدينا.
 (3) انظر: مجمل اللغة 1/ 89، و اللسان (أخو) 14/ 22.
 (4) قال ابن منظور: و الأخيّة و الآخيّة: عود يعرّض في الحائط و يدفن طرفاه فيه، و يصير وسطه كالعروة تشدّ إليه الدابة.

68
مفردات ألفاظ القرآن

أخر ص 68

الدنيا عن النشأة الأولى نحو: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ [العنكبوت/ 64]، و ربما ترك ذكر الدار نحو قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ [هود/ 16].
و قد توصف الدار بِالْآخِرَةِ تارةً، و تضاف إليها تارةً نحو قوله تعالى: وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏ [الأنعام/ 32]، وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا «1» [يوسف/ 109].
و تقدير الإضافة: دار الحياة الآخرة.
و «أُخَرُ» معدول عن تقدير ما فيه الألف و اللام، و ليس له نظير في كلامهم، فإنّ أفعل من كذا،- إمّا أن يذكر معه «من» لفظا أو تقديرا، فلا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث.
- و إمّا أن يحذف منه «من» فيدخل عليه الألف و اللام فيثنّى و يجمع.
و هذه اللفظة من بين أخواتها جوّز فيها ذلك من غير الألف و اللام.
و التَّأْخِيرُ مقابل للتقديم، قال تعالى: بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ [القيامة/ 13]، ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ [الفتح/ 2]، إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم/ 42]، رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ‏ [إبراهيم/ 44].
و بعته بِأَخِرَةٍ. أي: بتأخير أجل، كقوله: بنظرة.
و قولهم: أبعد اللّه الأَخِرَ أي: المتأخر عن الفضيلة و عن تحرّي الحق «2».
أد
قال تعالى: لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا [مريم/ 89] أي: أمراً منكرا يقع فيه جلبة، من قولهم:
أَدَّتِ الناقة تَئِدُّ، أي: رجّعت حنينها ترجيعاً شديداً «3».
و الْأَدِيدُ: الجلبة، و أُدٌّ قيل: من الود «4»، أو من: أدّت الناقة.
أدى‏
الْأَدَاءُ: دفع الحق دفعةً و توفيته، كأداء الخراج و الجزية و أداء الأمانة، قال اللّه تعالى: فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ‏ [البقرة/ 283]، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها [النساء/ 58]، و قال: وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ‏ [البقرة/ 178]، و أصل ذلك من الْأَدَاةِ، تقول: أَدَوْتُ بفعل كذا، أي: احتلت، و أصله: تناولت الأداة
__________________________________________________
 (1) في المخطوطة: و لأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون [النحل/ 41]. و لا شاهد فيها.
 (2) يقال في الشتم: أبعد اللّه الأخر بكسر الخاء و قصر الألف، و لا تقوله للأنثى. و قال ابن شميل: الأخر: المؤخّر المطروح.
 (3) انظر: مجمل اللغة 1/ 79، و اللسان (أدّ) 2/ 71، و الأفعال 1/ 88.
 (4) و قائل هذا هو ابن دريد، انظر: جمهرة اللغة 1/ 15، و اللسان 3/ 71.

69
مفردات ألفاظ القرآن

أدى ص 69

التي بها يتوصل إليه، و اسْتَأْدَيْتُ على فلان نحو:
استعديت «1».
آدم‏
آدَمُ أبو البشر،
قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَوْنِ جَسَدِهِ مِنْ أَدِيمِ الْأَرْضِ، وَ قِيلَ: لِسُمْرَةٍ فِي لَوْنِهِ.
يقال:
رجل آدَمُ نحو أسمر، و قيل: سمّي بذلك لكونه من عناصر مختلفة و قوى متفرقة، كما قال تعالى:
مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ [الإنسان/ 2].
و يقال: جعلت فلاناً أَدَمَةَ أهلي، أي: خلطته بهم «2»، و قيل: سمّي بذلك لما طيّب به من الروح المنفوخ فيه المذكور في قوله تعالى:
وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي* [الحجر/ 29]، و جعل له العقل و الفهم و الرّوية التي فضّل بها على غيره، كما قال تعالى: وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‏ كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الإسراء/ 70]، و ذلك من قولهم: الْإِدَامُ، و هو ما يطيّب به الطعام «3»، و
فِي الْحَدِيثِ: «لَوْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» «4».
أي: يؤلّف و يطيب.
أذن‏
الْأُذُنُ: الجارحة، و شبّه به من حيث الحلقة أُذُنُ القدر و غيرها، و يستعار لمن كثر استماعه و قوله لما يسمع، قال تعالى: وَ يَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ قُلْ: أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ‏ [التوبة/ 61] أي:
استماعه لما يعود بخيرٍ لكم، و قوله تعالى:
وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً* [الأنعام/ 25] إشارة إلى جهلهم لا إلى عدم سمعهم.
و أَذِنَ: استمع، نحو قوله: وَ أَذِنَتْ لِرَبِّها وَ حُقَّتْ* [الانشقاق/ 2]، و يستعمل ذلك في العلم الذي يتوصل إليه بالسماع، نحو قوله:
فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ [البقرة/ 279].
و الْأَذَنُ و الْأَذَانُ لما يسمع، و يعبّر بذلك عن العلم، إذ هو مبدأ كثيرٍ من العلم فينا، قال اللّه تعالى: ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي‏ [التوبة/ 49]، و قال: وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ‏ [إبراهيم/ 7].
و أَذِنْتُهُ بكذا و آذَنْتُهُ بمعنى.
و الْمُؤَذِّنُ: كل من يعلم بشي‏ءٍ نداءً، قال‏
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 90. و قال الأزهري: أهل الحجاز يقولون: استأديت السلطان على فلان، أي: استعديت، فآداني عليه أي: أعداني و أعانني. و يقال: أبدلت الهمزة من العين، لأنهما من مخرج واحد.
 (2) قال ابن فارس: و جعلت فلانا أدمة أهلي، أي: أسوتهم، و قال الفراء: الأدمة أيضا: الوسيلة. و قال الزمخشري:
و هو أدمة قومه: لسيدهم و مقدّمهم. انظر: المجمل 1/ 90، و أساس البلاغة ص 4.
 (3) انظر: المجمل 1/ 90.
 (4) الحديث عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: «انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما» أخرجه الترمذي و قال: حديث حسن. انظر: عارضة الأحوذي 4/ 307، و أخرجه النسائي في سننه 6/ 70، و ابن ماجة 1/ 599.

70
مفردات ألفاظ القرآن

أذن ص 70

تعالى: ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ [يوسف/ 70]، فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ‏ [الأعراف/ 44]، وَ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ‏ [الحج/ 27].
و الْأَذِينُ: المكان الذي يأتيه الأذان «1»، و الْإِذْنُ في الشي‏ء: إعلام بإجازته و الرخصة فيه، نحو، وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ‏ [النساء/ 64] أي: بإرادته و أمره، و قوله: وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 166]، و قوله: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 102]، وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ [المجادلة/ 10] قيل: معناه: بعلمه، لكن بين العلم و الإذن فرق، فإنّ الْإِذْنَ أخصّ، و لا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة به، راضياً منه الفعل أم لم يرض به «2»، فإنّ قوله: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ [يونس/ 100] فمعلوم أنّ فيه مشيئته و أمره، و قوله: وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 102] ففيه مشيئته من وجهٍ، و هو أنه لا خلاف أنّ اللّه تعالى أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان قبول الضرب من جهة من يظلمه فيضرّه، و لم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب، و لا خلاف أنّ إيجاد هذا الإمكان من فعل اللّه، فمن هذا الوجه يصح أن يقال: إنه بإذن اللّه و مشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم، و لبسط هذا الكلام كتاب غير هذا «3».
و الِاسْتِئْذَانُ: طلب الإذن، قال تعالى: إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ‏ [التوبة/ 45]، فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ‏ [النور/ 62].
و «إِذَنْ» جواب و جزاء، و معنى ذلك أنّه يقتضي جواباً أو تقدير جواب، و يتضمن ما يصحبه من الكلام جزاءً، و متى صدّر به الكلام و تعقّبه فعل مضارع ينصبه لا محالة، نحو: إذن أخرج، و متى تقدّمه كلام ثم تبعه فعل مضارع يجوز نصبه و رفعه «4» أنا إذن أخرج و أخرج، و متى تأخّر عن الفعل أو لم يكن معه الفعل المضارع لم يعمل، نحو: أنا أخرج إذن، قال تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ‏ [النساء/ 140].
أذى‏
الْأَذَى: ما يصل إلى الحيوان من الضرر إمّا في نفسه أو جسمه أو تبعاته دنيوياً كان أو أخروياً،
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 91، و اللسان (أذن) 13/ 10.
 (2) في المخطوطة: ضامّه الفعل أم لم يضامه.
 (3) و محل هذا كتب الكلام، و تفاسير القرآن المطولة، كشرح الفقه الأكبر للقاري، و تفسير الرازي.
 (4) قال ابن مالك في ألفيته:
             و نصبوا بإذن المستقبلا             إن صدّرت و الفعل بعد موصلا
             أو قبله اليمين و انصب و ارفعا             إذا إذن من بعد عطف وقعا.

 

71
مفردات ألفاظ القرآن

أذى ص 71

قال تعالى: لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذى‏ [البقرة/ 264]، قوله تعالى:
فَآذُوهُما [النساء/ 16] إشارة إلى الضرب، و نحو ذلك في سورة التوبة: وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ: هُوَ أُذُنٌ‏ [التوبة/ 61]، وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ‏ [التوبة/ 61]، و لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى‏ [الأحزاب/ 69]، وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا [الأنعام/ 34]، و قال: لِمَ تُؤْذُونَنِي‏ [الصف/ 5]، و قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ: هُوَ أَذىً‏ [البقرة/ 222]، فسمّى ذلك أذىً باعتبار الشرع و باعتبار الطب على حسب ما يذكره أصحاب هذه الصناعة.
يقال: آذَيْتُهُ أو أَذَيْتُهُ إِيذاءً و أَذِيَّةً و أَذىً، و منه:
الْآذِيُّ، و هو الموج الْمُؤْذِي لركاب البحر.
إذا
إِذَا يعبّر به عن كلّ زمان مستقبل، و قد يضمّن معنى الشرط فيجزم به، و ذلك في الشعر أكثر، و «إِذْ» يعبر به عن الزمان الماضي، و لا يجازى به إلا إذا ضمّ إليه «ما» نحو: 11-
         إِذْ ما أتيت على الرّسول فقل له «1»
أرب‏
الْأَرَبُ: فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه، فكلّ أربٍ حاجة، و ليس كلّ حاجة أرباً، ثم يستعمل تارة في الحاجة المفردة، و تارة في الاحتيال و إن لم يكن حاجة، كقولهم: فلان ذو أربٍ، و أَرِيبٌ، أي: ذو احتيال، و قد أَرِبَ إلى كذا، أي: احتاج إليه حاجةً شديدة «2»، و قد أَرِبَ إلى كذا أَرَباً و أُرْبَةً و إِرْبَةً و مَأْرَبَةً، قال تعالى:
وَ لِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى‏ [طه/ 18]، و لا أَرَبَ لي في كذا، أي: ليس بي شدة حاجة إليه، و قوله: أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ‏ [النور/ 31] كناية عن الحاجة إلى النكاح، و هي الْأُرْبَى «3»، للداهية المقتضية للاحتيال، و تسمّى الأعضاء التي تشتد الحاجة إليها آرَاباً، الواحد:
إِرْبٌ، و ذلك أنّ الأعضاء ضربان:
- ضرب أوجد لحاجة الحيوان إليه، كاليد و الرجل و العين.
- و ضرب للزينة، كالحاجب و اللحية.
ثم التي للحاجة ضربان:
__________________________________________________
 (1) الشطر للصحابي العباس بن مرداس من قصيدة قالها في غزوة حنين يخاطب النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم، و عجزه:
         حقا عليك إذا اطمأنّ المجلس‏

و البيت في شواهد سيبويه 1/ 432، و شرح الأبيات لابن السيرافي 2/ 93، و المقتضب 2/ 46، و الروض الأنف 2/ 298، و خزانة الأدب 9/ 29.
 (2) انظر: الأفعال 1/ 73، و اللسان (أرب) 1/ 208.
 (3) انظر: المجمل 1/ 94.

72
مفردات ألفاظ القرآن

أرب ص 72

- ضرب لا تشتد الحاجة إليه.
- و ضرب تشتد الحاجة إليه، حتى لو توهّم مرتفعاً لاختلّ البدن به اختلالًا عظيماً، و هي التي تسمى آراباً.
و
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ قَالَ: «إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ وَ كَفَّاهُ وَ رُكْبَتَاهُ وَ قَدَمَاهُ» «1».
و يقال: أَرَّبَ نصيبه، أي: عظّمه، و ذلك إذا جعله قدراً يكون له فيه أرب، و منه: أَرَّبَ ماله أي: كثّر «2»، و أَرَّبْتُ العقدة: أحكمتها «3».
أرض‏
الْأَرْضُ: الجرم المقابل للسماء، و جمعه أَرَضُونَ، و لا تجي‏ء مجموعةً في القرآن «4»، و يعبّر بها عن أسفل الشي‏ء، كما يعبر بالسماء عن أعلاه. قال الشاعر في صفة فرس:
12-
         و أحمر كالديباج أمّا سماؤه             فريّا، و أمّا أَرْضُهُ فمحول «5»

و قوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الحديد/ 17] عبارة عن كلّ تكوين بعد إفساد و عودٍ بعد بدء، و لذلك قال بعض المفسرين «6»: يعني به تليين القلوب بعد قساوتها.
و يقال: أرض أَرِيضَةٌ، أي: حسنة النبت «7»، و تَأَرَّضَ النبت: تمكّن على الأرض فكثر، و تَأَرَّضَ الجدي: إذا تناول نبت الأرض، و الْأَرَضَةُ: الدودة التي تقع في الخشب من الأرض «8»، يقال: أُرِضَتِ الخشبة فهي مَأْرُوضَةٌ.
أريك‏
الْأَرِيكَةُ: حجلة على سرير، جمعها: أَرَائِكُ، و تسميتها بذلك إمّا لكونها في الأرض متّخذة من أَرَاكٍ، و هو شجرة، أو لكونها مكانا للإقامة من قولهم: أَرَكَ بالمكان أُرُوكاً «9».
و أصل الْأُرُوكِ: الإقامة على رعي الأراك، ثم تجوّز به في غيره من الإقامات.
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه في باب السجود، و أحمد في مسنده 1/ 206 عن العباس، و أبو داود برقم (891)، و أخرجه الترمذي و قال: حديث حسن صحيح و عليه العمل عند أهل العلم، راجع عارضة الأحوذي 4/ 72. و انظر: فتح الباري 2/ 296.
 (2) قال ابن منظور: و تأريب الشي‏ء: توفيره، و كلّ ما وفّر فقد أرّب، و كلّ موفّر مؤرّب.
 (3) انظر: المجمل 1/ 93، و الأفعال 1/ 73، و اللسان (أرب) 1/ 211.
 (4) انظر: المجمل 1/ 92.
 (5) البيت لطفيل الغنوي، و هو في ملحقات شعره ص 62، و شمس العلوم 1/ 72. و عجزه في المجمل 1/ 92.
 (6) و هذا قول صالح المري كما أخرجه عنه ابن المبارك في الزهد ص 88.
 (7) انظر: المجمل 2/ 92، و العين 7/ 55.
 (8) راجع اللسان (أرض) 7/ 113، و العين 7/ 56.
و قال الزمخشري: يقال: هو أفسد من الأرضة. راجع أساس البلاغة ص 5.
 (9) انظر: الأفعال 1/ 72، و المجمل 1/ 92.

73
مفردات ألفاظ القرآن

أرم ص 74

أرم‏
الْإِرَمُ: علم يبنى من الحجارة، و جمعه:
آرَامٌ، و قيل للحجارة: أُرَّمٌ.
و منه قيل للمتغيظ: يحرق الْأُرَّمَ «1»، و قوله تعالى: إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ [الفجر/ 7] إشارة إلى عمدٍ مرفوعة مزخرفة، و ما بها أَرِمٌ و أَرِيمٌ، أي: أحد. و أصله اللازم للأرم، و خص به النفي، كقولهم: ما بها ديّار، و أصله للمقيم في الدار.
أزّ
قال تعالى: تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم/ 83] أي: ترجعهم إرجاع القدر إذا أَزَّتْ، أي: اشتدّ غليانها.
و
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كَانَ يُصَلِّي وَ لِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ» «2».
و أَزَّهُ أبلغ من هزّه.
أزر
أصل الْأَزْرِ: الْإِزَارُ الذي هو اللباس، يقال: إِزَارٌ و إِزَارَةٌ و مِئْزَرٌ، و يكنى بِالْإِزَارِ عن المرأة. قال الشاعر:
13-
         ألا أبلغ أبا حفصٍ رسولًا             فدًى لك من أخي ثقةٍ إِزَارِي «3»

و تسميتها بذلك لما قال تعالى: هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ [البقرة/ 187].
و قوله تعالى: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي‏ [طه/ 31]، أي: أتقوّى به، و الْأَزْرُ: القوة الشديدة، و آزَرَهُ: أعانه و قوّاه، و أصله من شدّ الإزار، قال تعالى: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ‏ [الفتح/ 29].
يقال: آزَرْتُهُ فَتَأَزَّرَ، أي: شددت أزره، و هو حسن الْإِزْرَةِ، و أَزَرْتُ البناء و آزَرْتُهُ: قوّيت أسافله، و تَأَزَّرَ النّبت: طال و قوي، و آزَرْتُهُ و وَازَرْتُهُ: صرت وزيره، و أصله الواو، و فرس آزَرُ: انتهى بياض قوائمه إلى موضع شدّ الإزار.
قال تعالى: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ [الأنعام/ 74]، قيل: كان اسم أبيه تارخ فعرّب‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن فارس: و فلان يحرق عليك الأرّم: إذا تغيّظ فحرق أنيابه، و يقال: الأرّم: الحجارة.
و قال الزمخشري: و تقول: رأيت حسّادك العرّم يحرقون عليك الأرّم. انظر: المجمل 1/ 93، و أساس البلاغة ص 5.
 (2) الحديث عن عبد اللّه بن الشخير قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يصلي بنا و في صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء. قال ابن حجر: رواه أبو داود برقم (904) و النسائي، و الترمذي في الشمائل ص 255، و إسناده قوي و صححه ابن خزيمة و ابن حبان و الحاكم 1/ 264، و قال: صحيح على شرط مسلم، و أقرّه الذهبي، و في لفظ: «كأزيز الرحى».
انظر: فتح الباري 2/ 206، و معالم السنن 1/ 215.
 (3) البيت لأبي المنهال الأشجعي و اسمه بقيلة، و هو صحابي. و هو في اللسان (أزر)، و شمس العلوم 1/ 82، و تأويل مشكل القرآن ص 265، و غريب الحديث للخطابي 2/ 101. و له قصة انظرها في اللسان.

74
مفردات ألفاظ القرآن

أزر ص 74

فجعل آزر، و قيل: آزَرُ معناه الضّال في كلامهم «1».
أزف‏
قال تعالى: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ [النجم/ 57] أي: دنت القيامة. و أَزِفَ و أفد يتقاربان، لكن أزف يقال اعتباراً بضيق وقتها، و يقال: أزف الشخوص، و الْأَزَفُ: ضيق الوقت، و سمّيت به لقرب كونها، و على ذلك عبّر عنها بالسّاعة، و قيل: أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ [النحل/ 1]، فعبّر عنها بالماضي لقربها و ضيق وقتها، قال تعالى:
وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ [غافر/ 18].
أسَ‏
أَسَّسَ بُنْيانَهُ‏: جعل له أُسّاً، و هو قاعدته التي يبتنى عليها، يقال: أُسٌّ و أَسَاسٌ، و جمع الأس:
إِسَاسٌ «2»، و جمع الإساس: أُسُس، يقال: كان ذلك على أسّ الدهر «3»، كقولهم: على وجه الدهر.
أسِف‏
الْأَسَفُ: الحزن و الغضب معاً، و قد يقال لكل واحدٍ منهما على الانفراد، و حقيقته: ثوران دم القلب شهوة الانتقام، فمتى كان ذلك على من دونه انتشر فصار غضبا، و متى كان على من فوقه انقبض فصار حزنا، و لذلك‏
سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ الْحُزْنِ وَ الْغَضَبِ فَقَالَ: مَخْرَجُهُمَا وَاحِدٌ وَ اللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ فَمَنْ نَازَعَ مَنْ يَقْوَى عَلَيْهِ أَظْهَرَهُ غَيْظاً وَ غَضَباً، وَ مَنْ نَازَعَ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَيْهِ أَظْهَرَهُ حُزْناً وَ جَزَعاً.
ا. ه. و بهذا النظر قال الشاعر:
14-
         فحزن كلّ أخي حزنٍ أخو الغضب «4»
و قوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ‏ [الزخرف/ 55] أي: أغضبونا.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ابْنُ الرِّضَا! «5»
: إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْسَفُ كَأَسَفِنَا، وَ لَكِنْ لَهُ أَوْلِيَاءُ يَأْسَفُونَ وَ يَرْضَوْنَ، فَجَعَلَ رِضَاهُمْ رِضَاهُ وَ غَضَبَهُمْ غَضَبَهُ، قَالَ: وَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ: «مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ» «6».
__________________________________________________
 (1) راجع اللسان (آزر)، في آخر المادة، و التعريب و المعرّب ص 35.
 (2) راجع لسان العرب (أس) 6/ 6.
 (3) راجع مجمل اللغة 1/ 79.
 (4) العجز في البصائر 2/ 185، و الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 167، و الدر المصون 5/ 466، دون نسبة فيهم.
و شطره:
         جزاك ربّك بالإحسان مغفرة

و هو لأبي الطيب المتنبي في ديوانه 1/ 94، و الوساطة ص 381.
 (5) علي الرضا بن موسى الكاظم، أحد الأئمة الاثني عشرية، توفي سنة 254 ه، و ابنه محمد. راجع أخباره في وفيات الأعيان 3/ 269. و سير النبلاء 9/ 393.
 (6) الحديث بهذا اللفظ مروي عن عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم. أخرجه ابن عدي في الكامل 5/ 1939 و فيه عبد الواحد بن.

75
مفردات ألفاظ القرآن

أسف ص 75

و قال تعالى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ [النساء/ 80].
و قوله تعالى: غَضْبانَ أَسِفاً* [الأعراف/ 150]، و الْأَسِيفُ: الغضبان، و يستعار للمستخدم المسخّر، و لمن لا يكاد يسمّى، فيقال: هو أسيف.
أسر
الْأَسْرُ: الشدّ بالقيد، من قولهم: أَسَرْتُ القتب، و سمّي الْأَسِيرُ بذلك، ثم قيل لكلّ مأخوذٍ و مقيّد و إن لم يكن مشدوداً ذلك «1».
و قيل في جمعه: أَسَارَى و أُسَارَى و أَسْرَى، و قال تعالى: وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً [الإنسان/ 8].
و يتجوّز به فيقال: أنا أسير نعمتك، و أُسْرَة الرجل: من يتقوّى به. قال تعالى: وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ‏ [الإنسان/ 28] إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان المأمور بتأمّلها و تدبّرها في قوله تعالى: وَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات/ 21]. و الْأَسْرُ: احتباس البول، و رجل مَأْسُورٌ:
أصابه أسر، كأنه سدّ منفذ بوله، و الأسر في البول كالحصر في الغائط.
أسِن‏
يقال: أَسِنَ الماء يَأْسَنُ، و أَسَنَ يَأْسُنُ «2»: إذا تغيّر ريحه تغيّراً منكراً، و ماء آسِنٌ، قال تعالى:
مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ‏ [محمد/ 15]، و أَسِنَ الرجل: مرض، من: أَسِنَ الماء، إذا غشي عليه «3»، قال الشاعر:
15-
         يميد في الرّمح ميد المائح الْأَسَنِ «4»
و قيل: تَأَسَّنَ الرجل إذا اعتلّ تشبيهاً به.
أسَا
الْأُسْوَةُ و الْإِسْوَةُ كالقدوة و القدوة، و هي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا و إن قبيحا، و إن سارّا و إن ضارّا، و لهذا قال تعالى: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب/ 21]، فوصفها بالحسنة،
__________________________________________________
ميمون، قال عنه البخاري: منكر الحديث، و ضعّفه الدارقطني. و انظر: كنز العمال 1/ 59. و أخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ اللّه قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» و انظر: فتح الباري 11/ 340 باب التواضع.
 (1) انظر: المجمل 1/ 97.
 (2) انظر: المجمل 1/ 96، و الأفعال 1/ 66- 106، و تهذيب اللغة 3/ 275.
 (3) أسن الرجل: غشي عليه من خبث ريح البئر. انظر: اللسان، و العين 7/ 307.
 (4) العجز لزهير، و صدره:
         التارك القرن مصفرا أنامله‏

و هو في ديوانه ص 105، و الأفعال 1/ 106، و تهذيب اللغة 13/ 84، و اللسان (أسن)، و الجمهرة 3/ 275.

76
مفردات ألفاظ القرآن

أسا ص 76

و يقال: تَأَسَّيْتُ به، و الْأَسَى: الحزن. و حقيقته:
اتباع الفائت بالغم، يقال: أَسِيتُ عليه و أَسِيتُ له، قال تعالى: فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ‏ [المائدة/ 68]، و قال الشاعر:
16-
         أَسِيتُ لأخوالي ربيعة «1»
و أصله من الواو، لقولهم: رجل أَسْوَانُ «2»، أي: حزين، و الْأَسْوُ: إصلاح الجرح، و أصله:
إزالة الأسى، نحو: كربت النخل: أزلت الكرب عنه، و قد أَسَوْتُهُ آسُوهُ أَسْواً، و الْآسِي: طبيب الجرح، جمعه: إِسَاةٌ و أُسَاةٌ، و المجروح مَأْسِيٌّ و أَسِيٌّ معا، و يقال: أَسِيتُ بين القوم، أي:
أصلحت «3»، و آسَيْتُهُ. قال الشاعر:
17-
         آسَى أخاه بنفسه «4»
و قال آخر:
18-
         فَآسَى و آداه فكان كمن جنى «5»

و آسِي هو فاعل من قولهم: يُوَاسِي، و قول الشاعر:
19-
         يكفون أثقال ثأي الْمُسْتَأْسِي «6»

فهو مستفعل من ذلك، فأمّا الإساءة فليست من هذا الباب، و إنما هي منقولة عن ساء.
أشر
الْأَشَرُ: شدّة البطر، و قد أَشِرَ «7» يَأْشَرُ أَشَراً، قال تعالى: سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ [القمر/ 26]، فالأشر أبلغ من البطر، و البطر أبلغ من الفرح، فإنّ الفرح- و إن كان في‏
__________________________________________________
 (1) الشطر للبحتري، و تمام البيت:
         أسيت لأخوالي ربيعة أن عفت             مصايفها منها، و أقوت ربوعها
و هو في زهر الآداب 1/ 112، و ديوانه 1/ 10 من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين المتوكل، و مطلعها:
         منى النفس في أسماء لو يستطيعها             بها وجدها من غادة و ولوعها.

 (2) قال الخليل: و يجوز في الوحدان: أسيان و أسوان، انظر العين 7/ 332.
 (3) انظر: المجمل 1/ 96.
 (4) الشطر لدريد بن الصمة يرثي أخاه عبد اللّه، و تمام البيت:
         طعان امرئ آسى أخاه بنفسه             و يعلم أنّ المرء غير مخلّد

و هو في ديوانه ص 49.
 (5) هذا عجز بيت، و شطره:
         و لم يجنها لكن جناها وليّه‏

و هو لسويد المراثد الحارثي، و هو في شرح الحماسة للتبريزي 2/ 165، و الكامل للمبرد 2/ 271.
قوله: آداه: أعانه، و يجوز أن يكون من الأداة، أي: جعل له أداة الحرب و عدتها.
 (6) لم أجده.
 (7) يقال: أشر و أشر بالفتح و الكسر، و المعنى مختلف، انظر: الأفعال 1/ 103.

77
مفردات ألفاظ القرآن

أشر ص 77

أغلب أحواله مذموما لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص/ 76]- فقد يحمد تارة إذا كان على قدر ما يجب، و في الموضع الذي يجب، كما قال تعالى: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس/ 58] و ذلك أنّ الفرح قد يكون من سرور بحسب قضية العقل، و الأَشَرُ لا يكون إلا فرحا بحسب قضية الهوى، و يقال: ناقة مِئْشِيرٌ «1»، أي: نشيطة على طريق التشبيه، أو ضامر من قولهم: أَشَرْتُ الخشبة «2».
أصر
الْأَصْرُ: عقد الشي‏ء و حبسه بقهره، يقال:
أَصَرْتُهُ فهو مَأْصُورٌ، و الْمَأْصَرُ و الْمَأْصِرُ: محبس السفينة. قال اللّه تعالى: وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ‏ [الأعراف/ 157] أي: الأمور التي تثبطهم و تقيّدهم عن الخيرات و عن الوصول إلى الثواب، و على ذلك: وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً [البقرة/ 286]، و قيل: ثقلا «3». و تحقيقه ما ذكرت، و الْإِصْرُ: العهد المؤكّد الذي يثبّط ناقضه عن الثواب و الخيرات، قال تعالى:
أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي‏ [آل عمران/ 81].
الْإِصَارُ: الطّنب و الأوتاد التي بها يعمد البيت، و ما يَأْصِرُنِي عنك شي‏ء، أي: ما يحبسني.
و الْأَيْصَرُ «4»: كساء يشدّ فيه الحشيش فيثنى على السنام ليمكن ركوبه.
إصبع‏
الْإِصْبَعُ «5»: اسم يقع على السلامي و الظفر و الأنملة و الأطرة و البرجمة معا، و يستعار للأثر الحسيّ فيقال: لك على فلان إِصْبَعٌ «6»، كقولك: لك عليه يد.
أصل‏
بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* [الأعراف/ 205] أي:
العشايا، يقال للعشية: أَصِيلٌ و أَصِيلَةٌ، فجمع الأصيل أُصُلٌ و آصَالٌ، و جمع الأصيلة: أَصَائِلُ، و قال تعالى: بُكْرَةً وَ أَصِيلًا* [الفتح/ 9].
__________________________________________________
 (1) يقال: رجل مئشير و امرأة مئشير، و ناقة مئشير و جواد مئشير، يستوي فيه المذكر و المؤنث. انظر: اللسان (أشر).
 (2) أشر الخشبة: شقّها.
 (3) انظر: العين 7/ 147.
 (4) و في اللسان (الأيصر): حبيل صغير قصير يشدّ به أسفل الخباء إلى وتد.
 (5) و قد نظم ابن مالك لغات الإصبع فقال:
         تثليث با إصبع مع شكل همزته             بغير قيد مع الأصبوع قد نقلا


 [استدراك‏] انظر: التسهيل ص 35. و كان القياس أن تذكر في مادة صبغ لأن الهمزة زائدة.
 (6) و في اللسان: يقال: فلان من اللّه عليه إصبع حسنة، أي: أثر نعمة حسنة، و عليه منك إصبع حسنة، أي: أثر حسن.

78
مفردات ألفاظ القرآن

أصل ص 78

و أَصْلُ الشي‏ء: قاعدته التي لو توهّمت مرتفعة لارتفع بارتفاعه سائره لذلك، قال تعالى:
أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ [إبراهيم/ 24]، و قد تَأَصَّلَ كذا و أَصَّلَهُ، و مجد أصيل، و فلان لا أصل له و لا فصل.
أفّ‏
أصل الْأُفِّ: كل مستقذر من وسخ و قلامة ظفر و ما يجري مجراها، و يقال ذلك لكل مستخف به استقذارا له، نحو: أُفٍّ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [الأنبياء/ 67]، و قد أَفَّفْتُ لكذا: إذا قلت ذلك استقذارا له، و منه قيل للضجر من استقذار شي‏ء: أَفَّفَ فلان.
أفق‏
قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ‏ [فصلت/ 53] أي: في النواحي، و الواحد: أُفْقٌ و أُفُقٌ «1»، و يقال في النسبة إليه: أُفُقِيٌّ، و قد أَفَقَ فلان: إذا ذهب في الآفاق، و قيل: الْآفِقُ للذي يبلغ النهاية في الكرم تشبيها بالأفق الذاهب في الآفاق.
أفك‏
الْإِفْكُ: كل مصروف عن وجهه الذي يحق أن يكون عليه، و منه قيل للرياح العادلة عن المهابّ: مُؤْتَفِكَةٌ. قال تعالى: وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ [الحاقة/ 9]، و قال تعالى:
وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى‏ [النجم/ 53]، و قوله تعالى: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ* [التوبة/ 30] أي: يصرفون عن الحق في الاعتقاد إلى الباطل، و من الصدق في المقال إلى الكذب، و من الجميل في الفعل إلى القبيح، و منه قوله تعالى: يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ‏ [الذاريات/ 9]، فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ* [الأنعام/ 95]، و قوله تعالى: أَ جِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا [الأحقاف/ 22]، فاستعملوا الإفك في ذلك لمّا اعتقدوا أنّ ذلك صرف من الحق إلى الباطل، فاستعمل ذلك في الكذب لما قلنا، و قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏ [النور/ 11]، و قال: لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ‏ [الجاثية/ 7]، و قوله: أَ إِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ‏ [الصافات/ 86] فيصح أن يجعل تقديره:
أ تريدون آلهة من الإفك «2»، و يصح أن يجعل «إِفْكاً» مفعول «تُرِيدُونَ»، و يجعل آلِهَةً بدل منه، و يكون قد سمّاهم إِفْكاً. و رجل مَأْفُوكٌ: مصروف عن الحق إلى الباطل، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) قال في اللسان: الأفق و الأفق مثل عسر و عسر.
 (2) قال الزمخشري: «أ إفكا» مفعول له، تقديره: أ تريدون آلهة من دون اللّه إفكا، و إنما قدّم المفعول على الفعل للعناية، و قدّم المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك و باطل في شركهم. و يجوز أن يكون إفكا مفعولا، يعني: أ تريدون به إفكا، ثم فسّر الإفك بقوله آلهة دون اللّه على أنها إفك في أنفسها.

79
مفردات ألفاظ القرآن

أفك ص 79

20-
         فإن تك عن أحسن المروءة مَأْفُو             كاً ففي آخرين قد أُفِكُوا «1»

و أُفِكَ يُؤْفَكُ: صرف عقله، و رجل مَأْفُوكُ العقل.
أفل‏
الْأُفُولُ: غيبوبة النّيّرات كالقمر و النجوم، قال تعالى: فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ‏ [الأنعام/ 78]، و قال: فَلَمَّا أَفَلَتْ‏ [الأنعام/ 76]، و الْإِفَالُ «2»: صغار الغنم، و الْأَفِيلُ: الفصيل الضئيل.
أكل‏
الْأَكْلُ: تناول المطعم، و على طريق التشبيه قيل: أَكَلَتِ النار الحطب، و الْأُكُلُ لما يؤكل، بضم الكاف و سكونه، قال تعالى: أُكُلُها دائِمٌ‏ [الرعد/ 35]، و الْأَكْلَةُ للمرّة، و الْأُكْلَةُ كاللقمة، و أَكِيلَةُ الأسد: فريسته التي يأكلها، و الْأَكُولَةُ «3» من الغنم ما يؤكل، و الْأَكِيلُ:
المؤاكل.
و فلان مُؤْكَلٌ و مُطْعَمٌ استعارة للمرزوق، و ثوب ذو أُكْلٍ: كثير الغزل «4» كذلك، و التمر مَأْكَلَةٌ للفم، قال تعالى: ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ [سبأ/ 16]، و يعبّر به عن النصيب فيقال: فلان ذو أُكُلٍ من الدنيا «5»، و فلان استوفى أُكُلَهُ، كناية عن انقضاء الأجل، و أَكَلَ فلانٌ فلاناً: اغتابه، و كذا:
أكل لحمه.
قال تعالى: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات/ 12]، و قال الشاعر:
21-
         فإن كنت مَأْكُولًا فكن أنت آكِلِي «6»
و ما ذقت أَكَالًا، أي: شيئا يؤكل، و عبّر بِالْأَكْلِ عن إنفاق المال لمّا كان الأكل أعظم ما يحتاج فيه إلى المال، نحو: وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ‏ [البقرة/ 188]، و قال: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ ظُلْماً[النساء/ 10]، فَأَكْلُ المال بالباطل صرفه إلى ما ينافيه الحق، و قوله تعالى: إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً [النساء/ 10]، تنبيها على أنّ تناولهم لذلك يؤدي بهم إلى النار.
و الْأَكُولُ و الْأَكَّالُ: الكثير الأكل، قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) البيت لعروة بن أذينة، و هو في ديوانه ص 343، و المجمل 1/ 99، و شمس العلوم 1/ 93، و المشوف المعلم 1/ 73، و اللسان (أفك)، و الصحاح (أفك)، و الأفعال 1/ 107.
 (2) الإفال: صغار الإبل، انظر: اللسان (أفل)، و المجمل 1/ 99.
 (3) قال ابن منظور: الأكولة: الشاة تعزل للأكل و تسمّن، و يكره للمصدّق أخذها.
 (4) في اللسان: ثوب ذو أكل: قويّ صفيق كثير الغزل.
 (5) و فلان ذو أكل إذا كان ذا حظّ من الدنيا و رزق واسع.
 (6) الشطر للممزّق العبدي، شاعر جاهلي، و عجزه:
         و إلا فأدركني و لمّا أمزق.

80
مفردات ألفاظ القرآن

أكل ص 80

أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ‏ [المائدة/ 42].
و الْأَكَلَةُ: جمع آكِل، و قولهم: هم أَكَلَةُ رأس عبارة عن ناس من قلّتهم يشبعهم رأس.
و قد يعبّر بِالْأَكْلِ عن الفساد، نحو: كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏ [الفيل/ 5]، و تَأَكَّلَ كذا: فسد، و أصابه إِكَالٌ في رأسه و في أسنانه، أي: تأكّل، و أكلني رأسي.
و ميكائيل ليس بعربيّ.
الإلّ‏
الْإِلُّ كل حالة ظاهرة من عهد حلف و قرابة تَئِلُّ:
تلمع، فلا يمكن إنكاره. قال تعالى: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً [التوبة/ 10]، و أَلَّ الفرس، أي: أسرع. حقيقته: لمع، و ذلك استعارة في باب الإسراع، نحو: برق و طار.
و الْأَلَّةُ «1»: الحربة اللامعة، و أَلَّ بها: ضرب، و قيل: إِلٌّ و إيل اسم اللّه تعالى، و ليس ذلك بصحيح، و أذن مُؤَلَّلَةٌ «2»، و الْأَلَلَانِ «3»: صفحتا السكين.
ألف‏
الْأَلِفُ من حروف التهجي، و الْإِلْفُ: اجتماع مع التئام، يقال: أَلَّفْتُ بينهم، و منه: الْأُلْفَةُ و يقال للمألوف: إِلْفٌ و أَلِيفٌ. قال تعالى: إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ‏ [آل عمران/ 103]، و قال: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ‏ [الأنفال/ 63].
و الْمُؤَلَّفُ: ما جمع من أجزاء مختلفة، و رتّب ترتيبا قدّم فيه ما حقه أن يقدّم، و أخّر فيه ما حقّه أن يؤخّر. و لِإِيلافِ قُرَيْشٍ‏ [قريش/ 1] مصدر من آلف «4».
وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ‏ «5»: هم الذين يتحرى فيهم بتفقدهم أن يصيروا من جملة من وصفهم اللّه، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ‏ [الأنفال/ 63]، و أَوَالِفُ الطير: ما ألفت الدار.
__________________________________________________
و هو في الأصمعيات ص 166، و المجمل 1/ 100، و غريب الحديث 3/ 429، و اللسان (أكل).
 (1) قال ابن منظور: و الألّة: الحربة العظيمة النصل، سميت بذلك لبريقها و لمعانها.
 (2) و أذن مؤلّلة: محدّدة منصوبة ملطّفة.
 (3) الألل و الألان: وجها السّكين. قال ابن مالك في مثلثه:
            و صفحة الشي‏ء العريض الألل             كذاك صوت الثكل، أمّا الإلل‏
             فهي القرابات، و أمّا الألل             فجمع ألّة بلا استصعاب.

 (4) قال ابن الأنباري: من قرأ «لإلافهم» و «إلفهم» فهو من: ألف يألف، و من قرأ: «لإيلافهم» فهو من: آلف يؤلف، انظر: اللسان (ألف).
 (5) و المؤلفة قلوبهم قوم من سادات العرب أمر اللّه تعالى نبيّه في أول الإسلام بتألفهم، أي: بمقاربتهم و إعطائهم ليرغّبوا من وراءهم في الإسلام، فلا تحملهم الحمية مع ضعف نياتهم على أن يكونوا إلبا مع الكفار على المسلمين.

81
مفردات ألفاظ القرآن

ألف ص 81

و الْأَلْفُ: العدد المخصوص، و سمّي بذلك لكون الأعداد فيه مؤتلفة، فإنّ الأعداد أربعة:
آحاد و عشرات و مئات و أُلُوفٌ، فإذا بلغت الألف فقد ائتلفت، و ما بعده يكون مكررا. قال بعضهم: الألف من ذلك، لأنه مبدأ النظام، و قيل: آلَفْتُ الدراهم، أي: بلغت بها الألف، نحو ماءيت، و آلفت «1» هي نحو أمأت.
ألك‏
الْمَلَائِكَةُ، و مَلَكٌ أصله: مألك، و قيل: هو مقلوب عن ملأك، و الْمَأْلَكُ و الْمَأْلَكَةُ و الْأَلُوكُ:
الرسالة، و منه: أَلَكَنِي إليه، أي: أبلغه رسالتي، و الْمَلَائِكَةُ تقع على الواحد و الجمع.
قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [الحج/ 75].
قال الخليل «2»: الْمَأْلُكَةُ: الرسالة، لأنها تؤلك في الفم، من قولهم: فرس يَأْلُكُ اللّجام أي: يعلك.
ألم‏
الْأَلَمُ الوجع الشديد، يقال: أَلَمَ يَأْلَمُ أَلَماً فهو آلِمٌ.
قال تعالى: فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ‏ [النساء/ 104]، و قد آلَمْتُ فلانا، و عذاب أَلِيمٌ، أي: مؤلم. و قوله: أَ لَمْ يَأْتِكُمْ* [الأنعام/ 130] فهو ألف الاستفهام، و قد دخل على «لم».
أله‏
اللَّهُ: قيل: أصله إله فحذفت همزته، و أدخل عليها الألف و اللام، فخصّ بالباري تعالى، و لتخصصه به قال تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/ 65]. و إِلهٌ جعلوه اسما لكل معبود لهم، و كذا اللَّاتُ، و سمّوا الشمس إِلَاهَةً «3» لاتخاذهم إياها معبودا.
و أَلَهَ فلان يَأْلُهُ الْآلِهَةَ: عبد، و قيل: تَأَلَّهَ.
فَالْإِلهُ على هذا هو المعبود «4».
__________________________________________________
 (1) أ ألفت: بلغت ألفا، و ذلك أنّ صيغة أفعل تأتي للبلوغ عدديا كان أو زمانيا أو مكانيا.
و في ذلك يقول شيخنا العلامة أحمد بن محمد حامد الحسني الشنقيطي حفظه اللّه:
            أفعل للبلوغ في الزمان             كذاك في القدر و في المكان‏
             مثاله: أمأت دراهم عمر             أصبح أنجد لكي يلقى الزّمر

و قال ابن منظور: و ألّف العدد و آلفه: جعله ألفا، و آلفوا: صاروا ألفا.
 (2) العين 5/ 409.
 (3) و قال في ذلك ابن مالك في مثلثه:
         و الشمس سمّاها صدوق النبأة             إلاهة و اضممه للإضراب.

 (4) و في ذلك يقول الفقيه محمد سيد بن أبت اليعقوبي الشنقيطي رحمه اللّه:
         اللّه مشتق و قيل: مرتجل             و هو أعرف المعرّفات جل‏
             أله أي: عبد، أو من الأله             و هو اعتماد الخلق أو من الوله‏
             أو المحجّب عن العيان             من: لاهت العروس في البنيان‏
             أو أله الحيران من قول العرب             أو من: ألهت، أي: سكنت للأرب.

 

82
مفردات ألفاظ القرآن

أله ص 82

و قيل: هو من: أَلِهَ، أي: تحيّر، و تسميته بذلك إشارة إلى ما
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (كَلَّ دُونَ صِفَاتِهِ تَحْبِيرُ الصِّفَاتِ، وَ ضَلَّ هُنَاكَ تَصَارِيفُ اللُّغَاتِ).
و ذلك أنّ العبد إذا تفكّر في صفاته تحيّر فيها، و لهذا
رُوِيَ: «تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ وَ لَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ» «1».
و قيل: أصله: ولاه، فأبدل من الواو همزة، و تسميته بذلك لكون كل مخلوق والها نحوه، إمّا بالتسخير فقط كالجمادات و الحيوانات، و إمّا بالتسخير و الإرادة معا كبعض الناس، و من هذا الوجه قال بعض الحكماء: اللّه محبوب الأشياء كلها «2»، و عليه دلّ قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [الإسراء/ 44].
و قيل: أصله من: لاه يلوه لياها، أي:
احتجب. قالوا: و ذلك إشارة إلى ما قال تعالى:
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103]، و المشار إليه بالباطن في قوله:
وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ [الحديد/ 3]. و إِلَهٌ حقّه ألا يجمع، إذ لا معبود سواه، لكن العرب لاعتقادهم أنّ هاهنا معبودات جمعوه، فقالوا: الْآلِهَةُ. قال تعالى: أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا [الأنبياء/ 43]، و قال:
وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ‏ [الأعراف/ 127] و قرئ:
 (و إِلَاهَتَكَ) «3» أي: عبادتك. و لَاهِ أنت، أي:
لِلَّهِ، و حذف إحدى اللامين.
 «اللَّهُمَّ» قيل: معناه: يا اللّه، فأبدل من الياء في أوله الميمان في آخره «4»، و خصّ بدعاء اللّه، و قيل: تقديره: يا اللّه أمّنا بخير «5»، مركّب تركيب حيّهلا.
إلى‏
إِلَى: حرف يحدّ به النهاية من الجوانب الست، و أَلَوْتُ في الأمر: قصّرت فيه، هو منه، كأنه رأى فيه الانتهاء، و أَلَوْتُ فلانا، أي: أوليته تقصيرا نحو: كسبته، أي: أوليته كسبا، و ما أَلَوْتُهُ جهدا، أي: ما أوليته تقصيرا بحسب الجهد، فقولك: «جهدا» تمييز، و كذلك: ما ألوته نصحا. و قوله تعالى: لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا [آل‏
__________________________________________________
 (1) الحديث رواه أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس بلفظ: «تفكروا في خلق اللّه و لا تفكروا في اللّه» و رواه ابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 59 من قوله عن ابن عباس بلفظ: «تفكروا في كل شي‏ء و لا تتفكروا في اللّه».
و جاء أحاديث كثيرة بمعناها قال العجلوني: و أسانيدها ضعيفة لكن اجتماعها يكسبه قوة، و معناه صحيح.
راجع: كشف الخفاء 1/ 311، و النهاية في غريب الحديث 1/ 63.
 (2) انظر: عمدة الحفاظ: (أله).
 (3) و بها قرأ عليّ بن أبي طالب و ابن عباس و الضحاك، و هي قراءة شاذة، راجع: القرطبي 7/ 262.
 (4) و هذا قول الخليل رحمه اللّه، انظر: اللسان (أله)، و معاني الفراء 1/ 203، و الغريبين للهروي 1/ 79.
 (5) و هذا قول الفراء، ذكره في معاني القرآن 1/ 203.

83
مفردات ألفاظ القرآن

إلى ص 83

عمران/ 118] منه، أي: لا يقصّرون في جلب الخبال، و قال تعالى: وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ‏ [النور/ 22] قيل: هو يفتعل من ألوت، و قيل: هو من: آليت: حلفت. و
قِيلَ: نَزَلَ ذَلِكَ فِي أَبِي بَكْرٍ، وَ كَانَ قَدْ حَلَفَ عَلَى مِسْطَحٍ أَنْ يَزْوِيَ عَنْهُ فَضْلَهُ «1».
و ردّ هذا بعضهم بأنّ افتعل قلّما يبنى من «أفعل»، إنما يبنى من «فعل»، و ذلك مثل:
كسبت و اكتسبت، و صنعت و اصطنعت، و رأيت و ارتأيت.
و
رُوِيَ: «لَا دَرَيْتَ وَ لَا ائْتَلَيْتَ» «2».
و ذلك:
افتعلت من قولك: ما ألوته شيئا، كأنه قيل: و لا استطعت.
و حقيقة الْإِيلَاءِ و الْأَلِيَّةِ: الحلف المقتضي لتقصير في الأمر الذي يحلف عليه. و جعل الإيلاء في الشرع للحلف المانع من جماع المرأة، و كيفيته و أحكامه مختصة بكتب الفقه.
فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ* [الأعراف/ 69] أي:
نعمه، الواحد: أَلًا و إِلًى، نحو أنًا و إنًى لواحد الآناء. و قال بعضهم في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة/ 22- 23]:
إنّ معناه: إلى نعمة ربها منتظرة، و في هذا تعسف من حيث البلاغة «3».
و «أَلَا» للاستفتاح، و «إِلَّا» للاستثناء، و أُولَاءِ في قوله تعالى: ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ‏ [آل عمران/ 119] و قوله: أولئك: اسم مبهم موضوع للإشارة إلى جمع المذكر و المؤنث، و لا واحد له من لفظه، و قد يقصر نحو قول الأعشى:
22-
         هَؤُلَا ثم هَؤُلَا كلّا أع             طيت نوالا محذوّة بمثال «4»

__________________________________________________
 (1) و أخرج هذا البخاري في التفسير 8/ 455 و مسلم برقم 2770.
 (2) و هذه الرواية هي التي صوّبها ابن الأنباري و قال: «و لا تليت» خطأ. راجع الغريبين 1/ 81 و الحديث أخرجه البخاري و مسلم و النسائي و أحمد. و في البخاري عن أنس أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «....، و أمّا الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت و لا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين».
انظر فتح الباري 3/ 232، و مسلم في الجنة و نعيمها، باب عرض مقعد الميت (2870)، و انظر: شرح السنة 5/ 415، و الترغيب و الترهيب 4/ 185، و المسند 3/ 126.
و الرواية التي ذكرها المؤلف حكاها ابن قتيبة عن يونس بن حبيب، و حكي ذلك عن الأصمعي و به جزم الخطابي.
و قال ابن السكيت: قوله: «و لا تليت» اتباع و لا معنى لها.
 (3) و هذا قول المعتزلة قدّروا ذلك لأنهم ينفون رؤية اللّه تعالى، و المؤلّف يردّ قولهم.
 (4) البيت في ديوانه من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي، مطلعها:
         ما بكاء الكبير بالأطلال             و سؤالي فهل يردّ سؤالي‏

انظر: ديوانه ص 167، و تفسير القرطبي 1/ 284.

84
مفردات ألفاظ القرآن

أم ص 85

أمّ‏
الْأُمُّ بإزاء الأب، و هي الوالدة القريبة التي ولدته، و البعيدة التي ولدت من ولدته.
و لهذا قيل لحوّاء: هي أُمُّنَا، و إن كان بيننا و بينها وسائط. و يقال لكل ما كان أصلا لوجود شي‏ء أو تربيته أو إصلاحه أو مبدئه أُمٌّ، قال الخليل: كلّ شي‏ء ضمّ إليه سائر ما يليه يسمّى أُمّاً «1»، قال تعالى: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ‏ [الزخرف/ 4] «2» أي: اللوح المحفوظ و ذلك لكون العلوم كلها منسوبة إليه و متولّدة منه. و قيل لمكة أُمُّ القرى، و ذلك لما
رُوِيَ: (أَنَّ الدُّنْيَا دُحِيَت مِنْ تَحْتِهَا) «3».
و قال تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى‏ وَ مَنْ حَوْلَها* [الأنعام/ 92]، و أُمُّ النجوم: المجرّة «4». قال: 23-
         بحيث اهتدت أُمُّ النجوم الشوابك «5»
و قيل: أُمُّ الأضياف و أُمُّ المساكين «6»، كقولهم: أبو الأضياف «7»، و يقال للرئيس: أُمُّ الجيش كقول الشاعر:
24-
         و أُمُّ عيال قد شهدت نفوسهم «8»
و قيل لفاتحة الكتاب: أُمُّ الكتاب لكونها مبدأ الكتاب، و قوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ [القارعة/ 9] أي: مثواه النار فجعلها أمّا له، قال: و هو نحو مَأْواكُمُ النَّارُ* [الحديد/ 15]، و سمّى اللّه تعالى أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أُمَّهَاتِ المؤمنين فقال: وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ‏ [الأحزاب/ 6] لما تقدّم في الأب، و قال: يَا بْنَ أُمَ‏
 [طه/ 94] و لم يقل: ابن أب، و لا أُمَّ له يقال على سبيل الذم، و على سبيل المدح،
__________________________________________________
 (1) من أول الباب إلى هاهنا نقله الفيروزآبادي حرفيا في البصائر 2/ 111، و انظر العين 8/ 433.
 (2) و انظر: المخصص 13/ 181.
 (3) و هذا مرويّ عن قتادة كما أخرجه عنه عبد الرزاق و عبد بن حميد و ابن المنذر. راجع الدر المنثور 3/ 316.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/ 28، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، و هو صحابي، و ابن جرير 1/ 548 من كلام ابن عباس.
 (4) راجع: الجمهرة 1/ 20، و اللسان (أمم) 12/ 32.
 (5) هذا عجز بيت لتأبّط شرّا، و صدره:
         يرى الوحشة الأنس الأنيس و يهتدي‏

و هو في ديوانه ص 156، و الجمهرة 1/ 11، و شرح الحماسة للتبريزي 1/ 49، و المخصص 13/ 181.
 (6) و أمّ المساكين كنية زينب بنت خزيمة أمّ المؤمنين رضي اللّه عنها، سميت بذلك لكثرة معروفها. راجع سير أعلام النبلاء 2/ 218.
 (7) أبو الأضياف هو إبراهيم الخليل عليه السلام، فهو أول من أضاف الضيف.
 (8) الشطر للشنفرى، و عجزه:
         إذا أطعمتهم أو تحت و أقلّت‏

و هو في الجمهرة 1/ 21، و المفضليات ص 110، و اللسان (أمم).

85
مفردات ألفاظ القرآن

أم ص 85

و كذا قوله: ويل أُمِّهِ «1»، و كذا: هوت أُمُّهُ «2» و الْأُمُّ قيل: أصله: أمّهة، لقولهم جمعا: أمهات، و في التصغير: أُمَيْهَةٌ «3».
و قيل: أصله من المضاعف لقولهم: أُمَّات و أُمَيْمَة. قال بعضهم: أكثر ما يقال أمّات في البهائم و نحوها، و أمهات في الإنسان.
و الْأُمَّةُ: كل جماعة يجمعهم أمر ما إمّا دين واحد، أو زمان واحد، أو مكان واحد سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيرا أو اختيارا، و جمعها:
أُمَمٌ، و قوله تعالى: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ‏ [الأنعام/ 38] أي: كل نوع منها على طريقة قد سخرها اللّه عليها بالطبع، فهي من بين ناسجة كالعنكبوت، و بانية كالسّرفة «4»، و مدّخرة كالنمل و معتمدة على قوت وقته كالعصفور و الحمام، إلى غير ذلك من الطبائع التي تخصص بها كل نوع.
و قوله تعالى: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً [البقرة/ 213] أي: صنفا واحدا و على طريقة واحدة في الضلال و الكفر، و قوله: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً [هود/ 118] أي: في الإيمان، و قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران/ 104] أي: جماعة يتخيّرون العلم و العمل الصالح يكونون أسوة لغيرهم، و قوله: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ* [الزخرف/ 22] أي: على دين مجتمع. قال:
25-
         و هل يأثمن ذو أُمَّةٍ و هو طائع «5»
و قوله تعالى: وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف/ 45] أي: حين، و قرئ (بعد أَمَهٍ) «6» أي: بعد نسيان. و حقيقة ذلك: بعد انقضاء أهل عصر أو أهل دين.
و قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ‏ [النحل/ 120] أي: قائما مقام جماعة في عبادة اللّه، نحو قولهم: فلان في نفسه قبيلة. و
رُوِيَ:
 «أَنَّهُ يُحْشَرُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أُمَّةً وَحْدَهُ» «7».
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و قوله: ويل أمّه فهو مدح خرج بلفظ الذم.
 (2) قال ابن بري: قوله: هوت أمّه يستعمل على جهة التعجب كقولهم: قاتله اللّه ما أسمعه!.
 (3) لأنّ الجمع و التصغير يردّان الأشياء لأصولها، فأصلها هاء على هذا. و هذا قول الخليل في العين 8/ 424.
 (4) هي دويبّة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه، و هي التي يضرب بها المثل فيقال: أصنع من سرفة.
 (5) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، و صدره:
         حلفت فلم أترك لنفسك ريبة

و هو في ديوانه ص 81، و الغريبين 1/ 93، و اللسان (أمم).
 (6) و هي مروية عن شبيل بن عزرة الضبعي، و هي قراءة شاذة. راجع القرطبي 9/ 201، و إعراب القرآن للنحاس 2/ 143.
 (7) الحديث في مسند الطيالسي ص 32 عن سعيد بن زيد أنه قال للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: إنّ أبي كان كما رأيت و كما بلغك فاستغفر له، قال: «نعم فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده». راجع الإصابة 1/ 70، و أخرجه أبو يعلى، و إسناده حسن، انظر:
مجمع الزوائد 9/ 420.

86
مفردات ألفاظ القرآن

أم ص 85

و قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمران/ 113] أي: جماعة، و جعلها الزجاج هاهنا للاستقامة، و قال: تقديره:
ذو طريقة واحدة «1»، فترك الإضمار أولى.
و الْأُمِّيُّ: هو الذي لا يكتب و لا يقرأ من كتاب، و عليه حمل: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ‏ [الجمعة/ 2] قال قطرب: الْأُمِّيَّةُ: الغفلة و الجهالة، فَالْأُمِّيُّ منه، و ذلك هو قلة المعرفة، و منه قوله تعالى:
وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ‏ [البقرة/ 78] أي: إلا أن يتلى عليهم.
قال الفرّاء: هم العرب الذين لم يكن لهم كتاب، و النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَ الْإِنْجِيلِ‏ [الأعراف/ 157] قيل: منسوب إلى الأمّة الذين لم يكتبوا، لكونه على عادتهم كقولك: عامّي، لكونه على عادة العامّة، و قيل: سمي بذلك لأنه لم يكن يكتب و لا يقرأ من كتاب، و ذلك فضيلة له لاستغنائه بحفظه، و اعتماده على ضمان اللّه منه بقوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ [الأعلى/ 6]. و قيل: سمّي بذلك لنسبته إلى أمّ القرى.
و الْإِمَامُ: المؤتمّ به، إنسانا كأن يقتدى بقوله أو فعله، أو كتابا، أو غير ذلك محقّا كان أو مبطلا، و جمعه: أَئِمَّةٌ. و قوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ‏
 [الإسراء/ 71] أي: بالذي يقتدون به، و قيل: بكتابهم «2»، و قوله:
وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً [الفرقان/ 74]. قال أبو الحسن: جمع آم «3»، و قال غيره: هو من باب درع دلاص، و دروع دلاص «4»، و قوله:
وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً [القصص/ 5] و قال:
وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص/ 41] جمع إمام.
و قوله تعالى: وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ‏ [يس/ 12] فقد قيل: إشارة إلى اللوح المحفوظ، و الْأَمُّ: القصد المستقيم، و هو التوجه نحو مقصود، و على ذلك: وَ لَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ‏ [المائدة/ 2] و قولهم: أَمَّهُ: شجّه، فحقيقته إنما هو أن يصيب أمّ دماغه، و ذلك على حدّ ما يبنون من إصابة الجارحة لفظ فعلت منه «5»، و ذلك نحو: رأسته، و رجلته، و كبدته،
__________________________________________________
 (1) معاني القرآن 1/ 458.
 (2) انظر: الغريبين 1/ 95.
 (3) أبو الحسن الأخفش، و قال: الإمام هاهنا جماعة، كما قال: فإنّهم عدوّ لي راجع: معاني القرآن للأخفش 2/ 423.
 (4) قال في اللسان: و درع دلاص: برّاقة ملساء لينة، و الجمع دلص، و قد يكون الدلاص جمعا مكسّرا.
و يقال: درع دلاص، و أدرع دلاص، للواحد و الجمع على لفظ واحد.
 (5) و في ذلك يقول شيخنا حفظه اللّه:
         فعل صوغها من الأعيان             مطّرد عند ذوي الأذهان‏
             نحو ظهرته كذا رقبته             و قس كذلك إلى يددته.

 

87
مفردات ألفاظ القرآن

أم ص 85

و بطنته: إذا أصيب هذه الجوارح.
و «أَمْ» إذا قوبل به ألف الاستفهام فمعناه:
أي «1» نحو: أ زيد أم عمرو، أي: أيّهما، و إذا جرّد عن ذلك يقتضي معنى ألف الاستفهام مع بل، نحو: أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ [ص/ 63] أي: بل زاغت.
و «أَمَّا» حرف يقتضي معنى أحد الشيئين، و يكرّر نحو: أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ‏ [يوسف/ 41]، و يبتدأ بها الكلام نحو: أمّا بعد فإنه كذا.
أمد
قال تعالى: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران/ 30]. و الْأَمَدُ و الأبد يتقاربان، لكن الْأَبَدُ عبارة عن مدّة الزمان التي ليس لها حدّ محدود، و لا يتقيد، لا يقال: أبد كذا.
و الْأَمَدُ: مدّة لها حدّ مجهول إذا أطلق، و قد ينحصر نحو أن يقال: أمد كذا، كما يقال: زمان كذا، و الفرق بين الزمان و الأمد أنّ الْأَمَدَ يقال باعتبار الغاية، و الزمان عامّ في المبدأ و الغاية، و لذلك قال بعضهم: المدى و الأمد يتقاربان.
أمر
الْأَمْرُ: الشأن، و جمعه أُمُورٌ، و مصدر أَمَرْتُهُ:
إذا كلّفته أن يفعل شيئا، و هو لفظ عام للأفعال و الأقوال كلها، و على ذلك قوله تعالى: إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ [هود/ 123]، و قال: قُلْ: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ [آل عمران/ 154]، أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ‏ [البقرة/ 275] و يقال للإبداع: أَمْرٌ، نحو: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ [الأعراف/ 54]، و يختص ذلك باللّه تعالى دون الخلائق و قد حمل على ذلك قوله تعالى: وَ أَوْحى‏ فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت/ 12] و على ذلك حمل الحكماء قوله:
قُلِ: الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏ [الإسراء/ 85] أي: من إبداعه، و قوله: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل/ 40] فإشارة إلى إبداعه، و عبّر عنه بأقصر لفظة، و أبلغ ما يتقدّم فيه فيما بيننا بفعل الشي‏ء، و على ذلك قوله: وَ ما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ [القمر/ 50]، فعبّر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا.
و الْأَمْرُ: التقدم بالشي‏ء سواء كان ذلك بقولهم: افعل و ليفعل، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ [البقرة/ 228]، أو كان بإشارة أو غير ذلك، أ لا ترى أنّه قد سمّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أَمْراً حيث قال: إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى‏ قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ [الصافات/ 102] فسمّى ما رآه في‏
__________________________________________________
 (1) راجع: الجنى الداني ص 225، و مغني اللبيب ص 61- 62.

88
مفردات ألفاظ القرآن

أمر ص 88

المنام من تعاطي الذبح أَمْراً «1».
و قوله تعالى: وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود/ 97] فعامّ في أقواله و أفعاله، و قوله:
أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ‏ [النحل/ 1] إشارة إلى القيامة، فذكره بأعمّ الألفاظ، و قوله: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً* [يوسف/ 18] أي:
ما تَأْمُرُ النفس الْأَمَّارَةُ بالسوء.
و قيل: أَمِرَ القومُ: كثروا، و ذلك لأنّ القوم إذا كثروا صاروا ذا أَمِيرٍ من حيث إنهم لا بدّ لهم من سائس يسوسهم، و لذلك قال الشاعر:
26-
         لا يصلح النّاس فوضى لا سراة لهم «2»
و قوله تعالى: أَمَرْنا مُتْرَفِيها [الإسراء/ 16] أي: أمرناهم بالطاعة، و قيل: معناه:
كثّرناهم.
و قال أبو عمرو: لا يقال: أمرت بالتخفيف في معنى كثّرت، و إنما يقال: أَمَّرْتُ و آمَرْتُ.
و قال أبو عبيدة: قد يقال: أَمَرْتُ «3» بالتخفيف نحو:
 «خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ وَ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ» «4».
و فعله: أمرت.
و قرئ: (أَمَّرْنَا) «5» أي: جعلناهم أُمَرَاءَ، و كثرة الأمراء في القرية الواحدة سبب لوقوع هلاكهم، و لذلك قيل: لا خير في كثرة الأمراء، و على هذا حمل قوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها [الأنعام/ 123]، و قرئ: (آمَرْنَا) «6» بمعنى: أكثرنا.
و الائْتِمَارُ: قبول الأمر، و يقال للتشاور: ائْتِمَارٌ لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به.
قال تعالى: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ‏ [القصص/ 20]. قال الشاعر:
27-
         و آمَرْتُ نفسي أيّ أَمْرَيَّ أفعل «7»
__________________________________________________
 (1) قال قتادة: رؤيا الأنبياء عليهم السلام حقّ، إذا رأوا شيئا فعلوه. انظر: الدر المنثور 7/ 105.
 (2) الشطر للأفوه الأودي، و تتمته:
         و لا سراة إذا جهالهم سادوا

و هو في الحماسة البصرية 2/ 69، و أمالي القالي 2/ 228، و الاختيارين ص 77. و ديوانه ص 10.
 (3) راجع: مجاز القرآن 1/ 373، و الغريبين 1/ 85، و تفسير القرطبي 10/ 233.
 (4) الحديث أخرجه أحمد في مسنده 3/ 468، و فيه: «خير مال المرء له مهرة مأمورة أو سكة مأبورة». و رجال إسناده ثقات، و اختلف في صحبة سويد، قال ابن حبان: يروي المراسيل لكن جاء في رواية: سمعت رسول اللّه يقول، ففيها إثبات السماع: انظر: الإصابة 2/ 101، و مجمع الزوائد 5/ 261.
المأمورة: الكثيرة، و السكة: الطريقة من النخل، المأبورة: الملقّحة.
 (5) و هي قراءة الحسن و مجاهد و أبي عثمان النهدي و أبي رجاء و أبي العالية، و هي قراءة شاذة.
 (6) و هي قراءة يعقوب، و رويت عن ابن كثير و أبي عمرو و عاصم من غير طريق الطيبة. راجع: الإتحاف ص 282.
 (7) هذا عجز بيت لكعب بن زهير، و شطره الأول:
         أنخت قلوصي و اكتلأت بعينها

و هو في ديوانه ص 55، و الحجة في القراءات للفارسي 1/ 319، و أساس البلاغة (كلأ).

89
مفردات ألفاظ القرآن

أمر ص 88

و قوله تعالى: لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً [الكهف/ 71] أي: منكرا، من قولهم: أَمِرَ الأَمْرُ، أي: كَبُرَ و كَثُرَ كقولهم: استفحل الأمر.
و قوله: وَ أُولِي الْأَمْرِ [النساء/ 59] قيل:
عنى الْأُمَرَاءَ في زمن النبيّ عليه الصلاة و السلام.
و قيل: الأئمة من أهل البيت «1»، و قيل: الْآمِرُونَ بالمعروف، و
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمُ الْفُقَهَاءُ وَ أَهْلُ الدِّينِ الْمُطِيعُونَ لِلَّهِ.
و كل هذه الأقوال صحيحة، و وجه ذلك: أنّ أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة:
الأنبياء، و حكمهم على ظاهر العامة و الخاصة و على بواطنهم، و الولاة، و حكمهم على ظاهر الكافّة دون باطنهم، و الحكماء، و حكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر، و الوعظة، و حكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم.
أمن‏
أصل الْأَمْنِ: طمأنينة النفس و زوال الخوف، و الْأَمْنُ و الْأَمَانَةُ و الْأَمَانُ في الأصل مصادر، و يجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، و تارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله تعالى: وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ‏ [الأنفال/ 27]، أي: ما ائْتَمَنْتُمْ عليه، و قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأحزاب/ 72] قيل: هي كلمة التوحيد، و قيل: العدالة «2»، و قيل: حروف التهجي، و قيل: العقل، و هو صحيح فإنّ العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد، و تجري العدالة و تعلم حروف التهجي، بل بحصوله تعلّم كل ما في طوق البشر تعلّمه، و فعل ما في طوقهم من الجميل فعله، و به فضّل على كثير ممّن خلقه.
و قوله: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آل عمران/ 97] أي: آمنا من النار، و قيل: من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التوبة/ 55].
و منهم من قال: لفظه خبر و معناه أمر، و قيل:
يأمن الاصطلام «3»، و قيل: آمن في حكم اللّه، و ذلك كقولك: هذا حلال و هذا حرام، أي: في حكم اللّه.
و المعنى: لا يجب أن يقتصّ منه و لا يقتل فيه إلا أن يخرج، و على هذه الوجوه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً [العنكبوت/ 67]. و قال تعالى: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً [البقرة/ 125]. و قوله: أَمَنَةً نُعاساً [آل عمران/ 154] أي: أمنا، و قيل: هي جمع كالكتبة.
__________________________________________________
 (1) و هذا قول الشيعة.
 (2) راجع الأقوال في هذه الآية في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 6/ 669.
 (3) الاصطلام: الاستئصال، و اصطلم القوم: أبيدوا.

90
مفردات ألفاظ القرآن

أمن ص 90

و
فِي حَدِيثِ نُزُولِ الْمَسِيحِ: «وَ تَقَعُ الْأَمَنَةُ فِي الْأَرْضِ» «1».
و قوله تعالى: ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ‏
 [التوبة/ 6] أي: منزله الذي فيه أمنه.
و آمَنَ: إنما يقال على وجهين:
- أحدهما متعديا بنفسه، يقال: آمَنْتُهُ، أي:
جعلت له الأمن، و منه قيل للّه: مُؤْمِنٌ.
- و الثاني: غير متعدّ، و معناه: صار ذا أَمْنٍ.
و الْإِيمَانُ يستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمّد عليه الصلاة و السلام، و على ذلك:
الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئُونَ‏
 [المائدة/ 69]، و يوصف به كلّ من دخل في شريعته مقرّا باللّه و بنبوته. قيل: و على هذا قال تعالى: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ‏
 [يوسف/ 106].
و تارة يستعمل على سبيل المدح، و يراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، و ذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب، و إقرار باللسان، و عمل بحسب ذلك بالجوارح، و على هذا قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ‏
 [الحديد/ 19].
و يقال لكلّ واحد من الاعتقاد و القول الصدق و العمل الصالح: إيمان. قال تعالى: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ‏
 [البقرة/ 143] أي:
صلاتكم، و جعل الحياء و إماطة الأذى من الإيمان «2».
قال تعالى: وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَ لَوْ كُنَّا صادِقِينَ‏
 [يوسف/ 17] قيل: معناه: بمصدق لنا، إلا أنّ الإيمان هو التصديق الذي معه أمن، و قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ‏
 [النساء/ 51] فذلك مذكور على سبيل الذم لهم، و أنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن، إذ ليس من شأن القلب- ما لم يكن مطبوعا عليه- أن يطمئن إلى الباطل، و إنما ذلك كقوله: مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ [النحل/ 106]، و هذا كما يقال:
إيمانه الكفر، و تحيته الضرب، و نحو ذلك.
و جعل النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أصل الإيمان ستة أشياء في‏
__________________________________________________
 (1) هذا جزء من حديث طويل و فيه: «ثمّ تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، و النمار مع البقر، و الذئاب مع الغنم، و تلعب الصبيان بالحيّات لا تضرّهم». و الحديث أخرجه ابن أبي شيبة و أحمد و أبو داود برقم (4324) و ابن جرير و ابن حبان عن أبي هريرة، و قال ابن كثير بعد ذكر إسناده: و هذا إسناد جيد قوي. انظر: الدر المنثور 2/ 736، و الفتن الملاحم لابن كثير 1/ 105.
 (2) كما قال عليه الصلاة و السلام فيما أخرجه مسلم و غيره: «الإيمان بضع و سبعون شعبة، و أفضلها قول: لا إله إلا اللّه، و أدناها إماطة الأذى عن الطريق، و الحياء شعبة من الإيمان».

91
مفردات ألفاظ القرآن

أمن ص 90

خَبَرِ جِبْرِيلَ حَيْثُ سَأَلَهُ فَقَالَ: مَا الْإِيمَانُ؟ و الخبر معروف «1».
و يقال: رجل أَمَنَةٌ و أُمَنَةٌ: يثق بكل أحد، و أَمِينٌ و أَمَانٌ يؤمن به. و الْأَمُونُ: الناقة يؤمن فتورها و عثورها.
آمِينَ يقال بالمدّ و القصر، و هو اسم للفعل نحو:
صه و مه.
قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ: اسْتَجِبْ.
و أَمَّنَ فلان: إذا قال: آمين. و قيل: آمين اسم من أسماء اللّه تعالى «2». و قال أبو علي الفسوي «3»:
أراد هذا القائل أنّ في آمين ضميرا للّه تعالى، لأنّ معناه: استجب.
و قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [الزمر/ 9] تقديره: أم من، و قرئ: (أَ مَنْ) «4» و ليسا من هذا الباب.
إِنَّ و أَنَ‏
إِنَّ أَنَّ ينصبان الاسم و يرفعان الخبر، و الفرق بينهما أنّ «إِنَّ» يكون ما بعده جملة مستقلة، و «أَنَّ» يكون ما بعده في حكم مفرد يقع موقع مرفوع و منصوب و مجرور، نحو: أعجبني أَنَّك تخرج، و علمت أَنَّكَ تخرج، و تعجّبت من أَنَّك تخرج. و إذا أدخل عليه «ما» يبطل عمله، و يقتضي إثبات الحكم للمذكور و صرفه عمّا عداه، نحو: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ‏
 [التوبة/ 28] تنبيها على أنّ النجاسة التامة هي حاصلة للمختص بالشرك، و قوله عزّ و جل: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ*
 [البقرة/ 173] أي: ما حرّم ذلك إلا تنبيها على أنّ أعظم المحرمات من المطعومات في أصل الشرع هو هذه المذكورات.
و أَنْ على أربعة أوجه:
الداخلة على المعدومين من الفعل الماضي أو المستقبل، و يكون ما بعده في تقدير مصدر، و ينصب المستقبل نحو: أعجبني أن تخرج و أن خرجت.
و المخفّفة من الثقيلة نحو: أعجبني أن زيدا منطلق.
و المؤكّدة ل «لمّا» نحو: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ
 [يوسف/ 96].
و المفسّرة لما يكون بمعنى القول، نحو:
وَ انْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَ اصْبِرُوا
 [ص/ 6] أي: قالوا: امشوا.
__________________________________________________
 (1) و قد أخرجه البخاري و مسلم قال: «أن تؤمن باللّه وحده و ملائكته و كتبه و رسله و بالبعث بعد الموت و الجنة و النار، و بالقدر خيره و شره»، راجع البخاري 1/ 106، و مسلم (9) في الإيمان، و شرح السنة 1/ 9.
 (2) أخرجه عبد الرزاق 2/ 99 عن أبي هريرة.
 (3) هو أبو علي الفارسي الحسن بن أحمد المتوفى 377 ه. و قوله هذا في المسائل الحلبيات ص 116.
 (4) و هي قراءة نافع و ابن كثير و حمزة. انظر: الإتحاف ص 375.

92
مفردات ألفاظ القرآن

إن و أن ص 92

و كذلك «إِنْ» على أربعة أوجه:
للشرط نحو: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ‏ [المائدة/ 118]، و المخفّفة من الثقيلة و يلزمها اللام نحو: إِنْ كادَ لَيُضِلُّنا [الفرقان/ 42]، و النافية، و أكثر ما يجي‏ء يتعقّبه «إلا»، نحو: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا [الجاثية/ 32]، إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/ 25]، إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود/ 54].
و المؤكّدة ل «ما» النافية، نحو: ما إن يخرج زيد.
أنث‏
الْأُنْثَى: خلاف الذكر، و يقالان في الأصل اعتبارا بالفرجين، قال عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ [النساء/ 124]، و لمّا كان الأنثى في جميع الحيوان تضعف عن الذكر اعتبر فيها الضعف، فقيل لما يضعف عمله: أنثى، و منه قيل: حديد أَنِيثٌ «1»، قال الشاعر:
28-
         ... عندي             جراز لا أفلّ و لا أَنِيثٌ «2»

و قيل: أرض أَنِيثٌ: سهل، اعتبارا بالسهولة التي في الأنثى، أو يقال ذلك اعتبارا بجودة إنباتها تشبيها بالأنثى، و لذا قال: أرض حرّة و ولودة.
و لمّا شبّه في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذّكر فذكّر أحكامه، و بعضها بالأنثى فأنّث أحكامها، نحو: اليد و الأذن، و الخصية، سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين، و كذلك الأذن. قال الشاعر:
29-
         ضربناه تحت الْأُنْثَيَيْنِ على الكرد «3»
و قال آخر:
30-
         و ما ذكر و إن يسمن فَأُنْثَى «4»

يعني: القراد، فإنّه يقال له إذا كبر: حلمة، فيؤنّث «5».
و قوله تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً

__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 104، و اللسان (أنث) 2/ 113.
 (2) البيت لصخر الغيّ الهذلي و شطره الأول:
         فيعلمه بأنّ العقل عندي‏

و هو في ديوان الهذليين 2/ 223، و اللسان (أنث)، و البحر المحيط 3/ 352.
 (3) هذا عجز بيت للفرزدق، و شطره:
         و كنّا إذا القيسيّ نبّ عوده‏

و هو في ديوانه ص 160، و الحجة في القراءات للفارسي 2/ 56، و المحكم 6/ 465.
 (4) الشطر لم أجد قائله، و عجزه:
         شديد الأزم ليس له ضروس‏

و هو في اللسان و الصحاح (ضرس)، و التكملة للفارسي ص 364، و الاقتضاب ص 418، و حياة الحيوان للدميري 1/ 338، و المسائل البصريات 1/ 381 و يروى [يكبر] بدل [يسمن‏].
 (5) قال الأصمعي: يقال للقراد أول ما يكون صغيرا قمقامة، ثم يصير حمنانة ثم يصير قرادا ثم يصير حلما.

93
مفردات ألفاظ القرآن

أنث ص 93

 [النساء/ 117] فمن المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال: لمّا كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو: اللَّاتَ وَ الْعُزَّى* وَ مَناةَ الثَّالِثَةَ [النجم/ 19- 20] قال ذلك:
و منهم- و هو أصحّ- من اعتبر حكم المعنى، و قال: المنفعل يقال له: أَنِيثٌ، و منه قيل للحديد الليّن: أَنِيثٌ، فقال: و لمّا كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب:
- فاعلا غير منفعل، و ذلك هو الباري عزّ و جلّ فقط.
- و منفعلا غير فاعل، و ذلك هو الجمادات.
- و منفعلا من وجه كالملائكة و الإنس و الجن، و هم بالإضافة إلى اللّه تعالى منفعلة، و بالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة، و لمّا كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة سمّاها اللّه تعالى أنثى و بكّتهم بها، و نبّههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة، مع أنها لا تعقل و لا تسمع و لا تبصر، بل لا تفعل فعلا بوجه، و على هذا قول إبراهيم عليه الصلاة و السلام: يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ وَ لا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً [مريم/ 42].
و أمّا قوله عزّ و جل: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزخرف/ 19] فلزعم الذين قالوا: إنّ الملائكة بنات اللّه.
إنس‏
الْإِنْسُ: خلاف الجن، و الْأُنْسُ: خلاف النفور، و الْإِنْسِيُّ منسوب إلى الإنس يقال ذلك لمن كثر أنسه، و لكلّ ما يؤنس به، و لهذا قيل:
إِنْسِيُّ الدابة للجانب الذي يلي الراكب «1»، و إِنْسِيُّ القوس: للجانب الذي يقبل على الرامي.
و الْإِنْسِيُّ من كل شي‏ء: ما يلي الإنسان، و الوحشيّ: ما يلي الجانب الآخر له.
و جمع الإنس أَنَاسِيُّ، قال اللّه تعالى:
وَ أَناسِيَّ كَثِيراً [الفرقان/ 49].
و قيل ابن إِنْسِكَ للنفس «2»، و قوله عزّ و جل:
فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء/ 6] أي:
أبصرتم أنسا بهم، و آنَسْتُ ناراً* [طه/ 10]، و قوله: حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا [النور/ 27] أي:
تجدوا إِينَاساً.
و الْإِنْسَانُ قيل: سمّي بذلك لأنه خلق خلقة لا قوام له إلا بإنس بعضهم ببعض، و لهذا قيل:
الإنسان مدنيّ بالطبع، من حيث لا قوام لبعضهم إلا ببعض، و لا يمكنه أن يقوم بجميع أسبابه، و قيل: سمّي بذلك لأنه يأنس بكلّ ما يألفه «3»، و قيل: هو افعلان، و أصله: إنسيان، سمّي بذلك لأنه عهد اللّه إليه فنسي.
__________________________________________________
 (1) الغريب المصنف ورقة 73، مخطوطة تركيا.
 (2) راجع: المجمل 1/ 104.
 (3) المقتضب 4/ 13.

94
مفردات ألفاظ القرآن

أنف ص 95

أنف‏
أصل الْأَنْفُ: الجارحة، ثم يسمّى به طرف الشي‏ء و أشرفه، فيقال: أنف الجبل و أنف اللحية «1»، و نسب الحمية و الغضب و العزّة و الذلة إلى الأنف حتى قال الشاعر:
31-
         إذا غضبت تلك الْأُنُوفُ لم أرضها             و لم أطلب العتبى و لكن أزيدها «2»

و قيل: شمخ فلان بِأَنْفِهِ: للمتكبر، و ترب أَنْفُهُ للذليل، و أَنِفَ فلان من كذا بمعنى استنكف، و أَنَفْتُهُ: أصبت أنفه. و حتى قيل الْأَنَفَةُ: الحمية، و اسْتَأْنَفْتُ الشي‏ء: أخذت أنفه، أي: مبدأه، و منه قوله عزّ و جل: ما ذا قالَ آنِفاً [محمد/ 16] أي: مبتدأ.
أنمل‏
قال اللّه تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران/ 119] الْأَنَامِلُ جمع الْأَنْمُلَةِ، و هي المفصل الأعلى من الأصابع التي فيها الظفر، و فلان مُؤَنْمَلُ الأصابع «3» أي: غليظ أطرافها في قصر. و الهمزة فيها زائدة بدليل قولهم: هو نَمِلُ الأصابع، و ذكرها هاهنا للفظه.
أنى‏
أَنَّى للبحث عن الحال و المكان، و لذلك قيل: هو بمعنى كيف و أين «4»، لتضمنه معناهما، قال اللّه عزّ و جل: أَنَّى لَكِ هذا [آل عمران/ 37]، أي: من أين، و كيف. و:
أنا
أَنَا ضمير المخبر عن نفسه، و تحذف ألفه في الوصل في لغة، و تثبت في لغة «5»، و قوله عزّ و جل: لكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي‏ [الكهف/ 38] فقد قيل: تقديره: لكن أنا هو اللّه ربي، فحذف الهمزة من أوله، و أدغم النون في النون، و قرئ:
لكنّ هو اللّه ربي، فحذف الألف أيضا من آخره «6».
و يقال: أُنِيَّةُ الشي‏ء و أَنِيَّتُهُ، كما يقال: ذاته، و ذلك إشارة إلى وجود الشي‏ء، و هو لفظ محدث‏
__________________________________________________
 (1) راجع: أساس البلاغة ص 11، و المجمل 1/ 104، و العباب (أنف) ص 33.
 (2) البيت في محاضرات الراغب 1/ 315 دون نسبة، و سيكرر ثانية، و هو في مجمع البلاغة للمؤلف 1/ 524.
 (3) انظر: اللسان (نمل) 11/ 679. و كان القياس ورودها في مادة (نمل) لأنّ الهمزة زائدة.
 (4) راجع: حروف المعاني للزجاجي ص 61، و العين 8/ 399.
 (5) و في ذلك يقول العلامة محمد بن حنبل الحسني الشنقيطي رحمه اللّه:
             مدّ أنا من قبل همز انفتح             أو همزة مضمومة قد اتّضح‏
             و قبل غير همزة أو همزة             مكسورة مدّ أنا لا تثبت.

 (6) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف، و يعقوب بخلفه، بحذف الألف وصلا، و إثباتها وقفا. انظر: الإتحاف ص 290.

95
مفردات ألفاظ القرآن

أنا ص 95

ليس من كلام العرب،
 [أني‏] و آنَاءُ
الليل: ساعاته، الواحد: إِنْيٌ و إِنًى و أَناً «1»، قال عزّ و جلّ:
يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ‏ [آل عمران/ 113] و قال تعالى: وَ مِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ‏ [طه/ 130]، و قوله تعالى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ‏ [الأحزاب/ 53] أي: وقته، و الْإِنَا إذا كسر أوّله قصر، و إذا فتح مدّ، نحو قول الحطيئة:
32-
         و آنَيْتُ العشاء إلى سهيل             أو الشّعرى فطال بي الْأَنَاءُ «2»

أَنَى و آن الشي‏ء: قرب إناه، و حَمِيمٍ آنٍ‏ [الرحمن/ 44] بلغ إناه من شدة الحر، و منه قوله تعالى: مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [الغاشية/ 5] و قوله تعالى: أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا [الحديد/ 16] أي: أ لم يقرب إناه.
و يقال «3»: آنَيْتُ الشي‏ء أُنِيّاً، أي: أخّرته عن أوانه، و تَأَنَّيْتُ: تأخّرت، و الْأَنَاةُ: التؤدة.
و تَأَنَّى فلان تَأَنِّياً، و أَنَى يَأْنِي فهو آنٍ، أي:
وقور. و اسْتَأْنَيْتُهُ: انتظرت أوانه، و يجوز في معنى استبطأته، و اسْتَأْنَيْتُ الطعام كذلك، و الْإِنَاءُ: ما يوضع فيه الشي‏ء، و جمعه آنِيَةٌ، نحو: كساء و أكسية، و الْأَوَانِي جمع الجمع.
أهل‏
أَهْلُ الرجل: من يجمعه و إياهم نسب أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة و بيت و بلد، و أَهْلُ الرجل في الأصل: من يجمعه و إياهم مسكن واحد، ثم تجوّز به فقيل: أَهْلُ الرجل لمن يجمعه و إياهم نسب، و تعورف في أسرة النبيّ عليه الصلاة و السلام مطلقا إذا قيل:
أَهْلُ البيت لقوله عزّ و جلّ: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ‏ [الأحزاب/ 33]، و عبّر بِأَهْلِ الرجل عن امرأته.
و أَهْلُ الإسلام: من يجمعهم، و لمّا كانت الشريعة حكمت برفع حكم النسب في كثير من الأحكام بين المسلم و الكافر قال تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ‏ [هود/ 46]، و قال تعالى: وَ أَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ* [هود/ 40].
و قيل: أَهَلَ الرّجل يَأْهَلُ أُهُولًا، و قيل: مكان مَأْهُولٌ «4»: فيه أهله، و أُهِلَ به: إذا صار ذا ناس و أهل، و كلّ دابّة ألف مكانا يقال: أَهِلٌ و أَهْلِيٌّ.
__________________________________________________
 (1) قال الراجز:
         آلاء آناء و أثنا جمعا             مثل عصا به و نحي و معى.
 (2) البيت في ديوانه بشرح ابن السكيت ص 83، و اللسان: (أنى)، و شمس العلوم 1/ 107، و الأضداد ص 27، و الأفعال 1/ 78، و المقصور و الممدود للفرّاء ص 20.
 (3) انظر العين 8/ 400.
 (4) قال الزمخشري: تقول: حبذا دار مأهولة و ثريدة مأكولة.

96
مفردات ألفاظ القرآن

أهل ص 96

و تَأَهَّلَ: إذا تزوّج، و منه قيل: آهَلَكَ اللّه في الجنة «1»، أي: زوّجك فيها و جعل لك فيها أهلا يجمعك و إياهم، و يقال: فلان أَهْلٌ لكذا، أي:
خليق به، و مرحبا و أهلا في التحية للنازل بالإنسان، أي: وجدت سعة مكان عندنا، و من هو أهل بيت لك في الشفقة «2».
و جمع الأهل: أَهْلُونَ و أَهَالٍ و أَهَلَاتٌ.
أوب‏
الْأَوْبُ: ضرب من الرجوع، و ذلك أنّ الْأَوْبَ لا يقال إلا في الحيوان الذي له إرادة، و الرجوع يقال فيه و في غيره، يقال: آبَ أَوْباً و إِيَاباً و مَآباً.
قال اللّه تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ‏ [الغاشية/ 25] و قال: فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى‏ رَبِّهِ مَآباً [النبأ/ 39]، و الْمَآبُ: المصدر منه و اسم الزمان و المكان.
قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ‏ [آل عمران/ 14]، و الْأَوَّابُ كالتوّاب، و هو الراجع إلى اللّه تعالى بترك المعاصي و فعل الطاعات، قال تعالى: أَوَّابٍ حَفِيظٍ [ق/ 32]، و قال: إِنَّهُ أَوَّابٌ* [ص/ 30] و منه قيل للتوبة: أَوْبَةٌ، و التَّأْوِيبُ يقال في سير النهار «3» و قيل: آبَتْ يد الرّامي إلى السهم «4» و ذلك فعل الرامي في الحقيقة و إن كان منسوبا إلى اليد، و لا ينقض ما قدّمناه من أنّ ذلك رجوع بإرادة و اختيار، و كذا ناقة أَءُوبٌ: سريعة رجع اليدين.
أيد
قال اللّه عزّ و جل: أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏ [المائدة/ 110] فعّلت من الْأَيْدِ، أي: القوة الشديدة.
و قال تعالى: وَ اللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ [آل عمران/ 13] أي: يكثر تأييده، و يقال: إِدْتُهُ أَئِيدُهُ أَيْداً نحو: بعته أبيعه بيعا، و أَيَّدْتُهُ على التكثير. قال عزّ و جلّ: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات/ 47]، و يقال: له أيد، و منه قيل للأمر العظيم مُؤَيَّدٌ.
و إِيَادُ الشي‏ء: ما يقيه، و قرئ: (أَأْيَدْتُكَ) «5»، و هو أفعلت من ذلك.
قال الزجاج رحمه اللّه «6»: يجوز أن يكون فاعلت، نحو: عاونت، و قوله عزّ و جل: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما [البقرة/ 255] أي: لا يثقله، و أصله من الأود، آدَ يَئُودُ أَوْداً و إِيَاداً: إذا أثقله،
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 105، و أساس البلاغة ص 11.
 (2) انظر: المشوف المعلم 1/ 86.
 (3) قال ابن المنظور: و التأويب في كلام العرب: سير النهار كله إلى الليل.
 (4) انظر: المجمل 1/ 106.
 (5) و هي قراءة شاذة. و في اللسان (قرئ): آيدتك على فاعلت.
 (6) معاني القرآن 2/ 219.

97
مفردات ألفاظ القرآن

أيد ص 97

نحو: قال يقول قولا، و في الحكاية عن نفسك:
أُدْتُ مثل: قلت، فتحقيق آده «1»: عوّجه من ثقله في ممرِّه.
أيك‏
الْأَيْكُ: شجر ملتف، و أصحاب الْأَيْكَةِ قيل:
نسبوا إلى غيضة كانوا يسكنونها، و قيل: هي اسم بلد.
آل‏
الْآلُ: مقلوب من الأهل «2»، و يصغّر على أُهَيْلٍ إلا أنّه خصّ بالإضافة إلى الأعلام الناطقين دون النكرات، و دون الأزمنة و الأمكنة، يقال: آلُ فلان، و لا يقال: آلُ رجل و لا آلُ زمان كذا، أو موضع كذا، و لا يقال: آلُ الخياط بل يضاف إلى الأشرف الأفضل، يقال: آلُ اللّه و آلُ السلطان.
و الأهل يضاف إلى الكل، يقال: أهل اللّه و أهل الخياط، كما يقال: أهل زمن كذا و بلد كذا.
و قيل: هو في الأصل اسم الشخص، و يصغّر أُوَيْلًا، و يستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصا ذاتيا إمّا بقرابة قريبة، أو بموالاة، قال اللّه عزّ و جل: وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ‏ [آل عمران/ 33]، و قال: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ‏ [غافر/ 46]. قيل: و آلُ النبي عليه الصلاة و السلام أقاربه، و قيل: المختصون به من حيث العلم، و ذلك أنّ أهل الدين ضربان:
- ضرب متخصص بالعلم المتقن و العمل المحكم فيقال لهم: آلُ النبي و أمته.
- و ضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد، يقال لهم: أُمَّةُ محمد عليه الصلاة و السلام، و لا يقال لهم آله، فكلّ آل للنبيّ أمته و ليس كل أمة له آله.
و
قِيلَ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ «3» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: النَّاسُ يَقُولُونَ: الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ آلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ، فَقَالَ:
كَذَبُوا وَ صَدَقُوا، فَقِيلَ لَهُ: مَا مَعْنَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ:
كَذَبُوا فِي أَنَّ الْأُمَّةَ كَافَّتَهُمْ آلُهُ، وَ صَدَقُوا فِي أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا بِشَرَائِطِ شَرِيعَتِهِ آلُهُ.
و قوله تعالى: رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ‏ [غافر/ 28] أي: من المختصين به و بشريعته، و جعله منهم من حيث النسب أو المسكن، لا من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم.
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و آد العود يئوده أودا: إذا حناه.
 (2) قال سيبويه: أصل الآل أهل، و قال الكسائي: أصله أول، و في ذلك يقول بعضهم:
             قال الإمام سيبويه العدل             الأصل في آل لديهم أهل‏
             فأبدلوا إلها همزة و الهمزا             قد أبدلوها ألفا و يعزى‏
             إلى الكسائي أنّ الأصل أول             و الواو منها ألفا قد أبدلوا
             و شاهد لأول أهيل             و شاهد لآخر أويل.


 (3) أحد سادات أهل البيت توفي 148 ه. راجع: الوفيات لابن قنفذ ص 127، و شذرات الذهب 1/ 220.

98
مفردات ألفاظ القرآن

آل ص 98

و قيل في جبرائيل و ميكائيل: إنّ إيل اسم اللّه تعالى «1»، و هذا لا يصح بحسب كلام العرب، لأنه كان يقتضي أن يضاف إليه فيجرّ إيل، فيقال:
جبرإيل.
و آلُ الشخص: شخصه المتردد. قال الشاعر:
33-
         و لم يبق إلّا آلُ خيم منضّد «2»
و الْآلُ أيضا: الحال التي يَئُولُ إليها أمره، قال الشاعر:
34-
         سأحمل نفسي على آلَةٍ             فإمّا عليها و إمّا لها «3»

و قيل لما يبدو من السراب: آلٌ، و ذلك لشخص يبدو من حيث المنظر و إن كان كاذبا، أو لتردد هواء و تموّج فيكون من: آلَ يَئُولُ.
و آلَ اللبن يَئُولُ: إذا خثر «4»، كأنّه رجوع إلى نقصان، كقولهم في الشي‏ء الناقص: راجع.
التَّأْوِيلُ من الأول، أي: الرجوع إلى الأصل، و منه: الْمَوْئِلُ للموضع الذي يرجع إليه، و ذلك هو ردّ الشي‏ء إلى الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا، ففي العلم نحو: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏
 [آل عمران/ 7]، و في الفعل كقول الشاعر:
35-
         و للنّوى قبل يوم البين تَأْوِيلٌ «5»
و قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ‏
 [الأعراف/ 53] أي: بيانه الذي غايته المقصودة منه.
و قوله تعالى: ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلًا*
 [النساء/ 59] قيل: أحسن معنى و ترجمة، و قيل: أحسن ثوابا في الآخرة.
و الأَوْلُ: السياسة التي تراعي مآلها، يقال:
أُلْنَا و إِيلَ علينا «6»
__________________________________________________
 (1) قيل ذلك و لكنه اسم اللّه في اللغة السريانية. و قد روي عن ابن عباس أنه قال: جبريل كقولك: عبد اللّه، جبر:
عبد، و إيل: اللّه. و جاء مرفوعا فيما أخرجه الديلمي عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «اسم جبريل عبد اللّه، و إسرافيل عبد الرحمن». راجع: الدر المنثور 1/ 225، و العين 8/ 357.
 (2) العجز لزهير بن أبي سلمى من قصيدة له يمدح بها هرم بن سنان، و صدره:
         أربّت بها الأرواح كلّ عشية

انظر: ديوانه ص 19.
 (3) الرجز في اللسان (أول) 11/ 39 بلا نسبة، و هو للخنساء في ديوانها ص 121، و الخصائص 2/ 271.
 (4) انظر: اللسان 11/ 35.
 (5) العجز لعبدة بن الطبيب و أوله:
         و للأحبّة أيّام تذكّرها

من قصيدته المفضلية و هو في المفضليات ص 136.
 (6) و هذا من كلام عمر بن الخطاب، و قاله زياد بن أبيه في خطبته أيضا. انظر نثر الدر 2/ 40، و أمثال أبي عبيد ص 106.

99
مفردات ألفاظ القرآن

آل ص 98

و أَوَّلُ قال الخليل «1»: تأسيسه من همزة و واو و لام، فيكون فعّل، و قد قيل: من واوين و لام، فيكون أفعل، و الأول أفصح لقلّة وجود ما فاؤه و عينه حرف واحد، كددن، فعلى الأول يكون من: آل يؤول، و أصله: آول، فأدغمت المدة لكثرة الكلمة.
و هو في الأصل صفة لقولهم في مؤنّثه:
أُولَى، نحو: أخرى.
فَالْأَوَّلُ: هو الذي يترتّب عليه غيره، و يستعمل على أوجه:
أحدها: المتقدّم بالزمان كقولك: عبد الملك أَوَّلًا ثم المنصور.
الثاني: المتقدّم بالرئاسة في الشي‏ء، و كون غيره محتذيا به. نحو: الأمير أَوَّلًا ثم الوزير.
الثالث: المتقدّم بالوضع و النسبة، كقولك للخارج من العراق: القادسية أَوَّلًا ثم فيد، و تقول للخارج من مكة: فيد أَوَّلًا ثم القادسية.
الرابع: المتقدّم بالنظام الصناعي، نحو أن يقال: الأساس أَوَّلًا ثم البناء.
و إذا قيل في صفة اللّه: هو الْأَوَّلُ فمعناه: أنه الذي لم يسبقه في الوجود شي‏ء «2»، و إلى هذا يرجع قول من قال: هو الذي لا يحتاج إلى غيره، و من قال: هو المستغني بنفسه. و قوله تعالى: وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ‏ [الأنعام/ 163]، وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الأعراف/ 143] فمعناه: أنا المقتدى بي في الإسلام و الإيمان، و قال تعالى: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ‏ [البقرة/ 41] أي: لا تكونوا ممّن يقتدى بكم في الكفر. و يستعمل «أَوَّلُ» ظرفا فيبنى على الضم، نحو جئتك أَوَّلُ، و يقال:
بمعنى قديم، نحو: جئتك أَوَّلًا و آخرا، أي:
قديما و حديثا. و قوله تعالى: أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏* [القيامة/ 34] كلمة تهديد «3» و تخويف يخاطب بها من أشرف على هلاك فيحثّ بها على التحرز، أو يخاطب بها من نجا ذليلا منه فينهى عن مثله ثانيا، و أكثر ما يستعمل مكرّرا، و كأنه حثّ على تأمّل ما يؤول إليه أمره ليتنبّه للتحرز منه.
أيم‏
الْأَيَامَى: جمع أَيِّمٍ، و هي المرأة التي لا بعل لها، و قد قيل للرجل الذي لا زوج له، و ذلك على طريق التشبيه بالمرأة فيمن لا غناء عنه لا على التحقيق.
و المصدر: الْأَيْمَةُ، و قد آمَ الرجل و آمَتِ المرأة، و تَأَيَّمَ و تَأَيَّمَتْ، و امرأة أَيِّمَةٌ و رجل أَيِّمٌ، و الحرب مَأْيَمَةٌ، أي: يفرق بين الزوج و الزوجة، و الْأَيِّمُ: الحيّة.
__________________________________________________
 (1) العين 8/ 368.
 (2) و قال الحليمي: الأوّل هو الذي لا قبل له. راجع الأسماء و الصفات للبيهقي ص 25.
 (3) راجع: حروف المعاني للزجاجي ص 12.

100
مفردات ألفاظ القرآن

أين ص 101

أين‏
أَيْنَ لفظ يبحث به عن المكان، كما أنّ «متى» يبحث به عن الزمان، و الْآن: كل زمان مقدّر بين زمانين ماض و مستقبل، نحو: أنا الآن أفعل كذا، و خصّ الآن بالألف و اللام المعرّف بهما و لزماه، و افعل كذا آوِنَةً، أي: وقتا بعد وقت، و هو من قولهم: الآن.
و قولهم: هذا أَوَانُ ذلك، أي: زمانه المختص به و بفعله.
قال سيبويه «1» رحمه اللّه تعالى: الْآنَ آنُكَ، أي: هذا الوقت وقتك.
و آنَ يَئُونُ، قال أبو العباس «2» رحمه اللّه:
ليس من الأوّل، و إنما هو فعل على حدته.
و الْأَيْنُ: الإعياء، يقال: آنَ يَئِينُ أَيْناً، و كذلك: أَنَى يَأْنِي أَنْياً: إذا حان.
و أمّا بلغ إناه فقد قيل: هو مقلوب من أنى، و قد تقدّم.
قال أبو العباس: قال قوم: آنَ يَئِينُ أَيْناً، و الهمزة مقلوبة فيه عن الحاء، و أصله: حان يحين حينا، قال: و أصل الكلمة من الحين.
أوَّه‏
الْأَوَّاهُ: الذي يكثر التَّأَوُّهَ، و هو أن يقول: أَوَّهْ أَوَّهْ، و كل كلام يدل على حزن يقال له: التَّأَوُّهُ، و يعبّر بِالْأَوَّاهِ عمّن يظهر خشية اللّه تعالى، و قيل في قوله تعالى: أَوَّاهٌ مُنِيبٌ‏ [هود/ 75] أي:
المؤمن الداعي، و أصله راجع إلى ما تقدّم.
قال أبو العباس «3» رحمه اللّه: يقال: إِيهاً: إذا كففته، و وَيْهاً: إذا أغريته، و وَاهاً: إذا تعجّبت منه.
أي‏
أَيُّ في الاستخبار موضوع للبحث عن بعض الجنس و النوع و عن تعيينه، و يستعمل ذلك في الخبر و الجزاء، نحو: أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ [الإسراء/ 110]، و أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ‏ [القصص/ 28] و الْآيَةُ: هي العلامة الظاهرة، و حقيقته لكل شي‏ء ظاهر، و هو ملازم لشي‏ء لا يظهر ظهوره، فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنه أدرك الآخر الذي لم يدركه بذاته، إذ كان حكمهما سواء، و ذلك ظاهر في المحسوسات و المعقولات، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق، و كذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنّه لا بدّ له من صانع.
و اشتقاق الْآيَةِ إمّا من أيّ فإنها هي التي تبيّن أيّا من أيّ، أو من قولهم: أوى إليه.
و الصحيح أنها مشتقة من التَّأَيِّي الذي هو
__________________________________________________
 (1) راجع: أخباره في إنباه الرواة 2/ 346.
 (2) هو أحمد بن يحيى، المعروف بثعلب، المتوفى سنة 291.
 (3) انظر مجالس ثعلب 1/ 228.

101
مفردات ألفاظ القرآن

أي ص 101

التثبت «1» و الإقامة على الشي‏ء.
يقال: تَأَيَّ، أي: ارفق «2»، أو من قولهم:
أوى إليه. و قيل للبناء العالي آيَةٌ، نحو: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ‏ [الشعراء/ 128]. و لكلّ جملة من القرآن دالة على حكم آيَةٌ، سورة كانت أو فصولا أو فصلا من سورة، و قد يقال لكل كلام منه منفصل بفصل لفظي: آيَةٌ.
و على هذا اعتبار آيات السور التي تعدّ بها السورة.
و قوله تعالى: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ [الجاثية/ 3]، فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم، و كذلك قوله:
بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ‏ [العنكبوت/ 49]، و كذا قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [يوسف/ 105]، و ذكر في مواضع آية و في مواضع آيات، و ذلك لمعنى مخصوص «3» ليس هذا الكتاب موضع ذكره.
و إنما قال: وَ جَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ آيَةً [المؤمنون/ 50] و لم يقل: آيَتَيْنِ «4»، لأنّ كل واحد صار آية بالآخر. و قوله عزّ و جل: وَ ما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً [الإسراء/ 59] فَالْآيَاتُ هاهنا قيل: إشارة إلى الجراد و القمل و الضفادع، و نحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة، فنبّه أنّ ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفا، و ذلك أخسّ المنازل للمأمورين، فإنّ الإنسان يتحرّى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء:
- إمّا أن يتحراه لرغبة أو رهبة، و هو أدنى منزلة.
- و إمّا أن يتحراه لطلب محمدة.
- و إمّا أن يتحراه للفضيلة، و هو أن يكون ذلك الشي‏ء فاضلا في نفسه، و ذلك أشرف المنازل.
فلمّا كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى:
كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران/ 110] رفعهم عن هذه المنزلة، و نبّه أنه لا يعمّهم بالعذاب و إن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون:
فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ [الأنفال/ 32].
و قيل: الْآيَاتُ إشارة إلى الأدلة، و نبّه أنه يقتصر معهم على الأدلة، و يصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عزّ و جل:
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: يقال: قد تأييت أي: تلبّثت و تحبّست.
 (2) و التأيّي: التنظر و التؤدة، يقال: تأيّا الرجل: إذا تأنّى في الأمر.
 (3) و قد بسط الكلام على ذلك الإسكافي في درّة التنزيل و غرّة التأويل، انظر: ص 435- 436.
 (4) قال ابن عرفة: و لم يقل آيتين لأن قصتهما واحدة.

102
مفردات ألفاظ القرآن

أي ص 101

يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ* [العنكبوت/ 54].
و في بناء آيَةٍ ثلاثة أقوال: قيل: هي فعلة «1»، و حقّ مثلها أن يكون لامه معلّا دون عينه، نحو:
حياة و نواة، لكن صحّح لامه لوقوع الياء قبلها، نحو: راية. و قيل: هي فعلة «2» إلا أنها قلبت كراهة التضعيف كطائي في طيّئ. و قيل: هي فاعلة، و أصلها: آيية، فخفّفت فصار آية، و ذلك ضعيف لقولهم في تصغيرها: أُيَيَّةٌ، و لو كانت فاعلة لقيل: أويّة «3».
و أَيَّانَ عبارة عن وقت الشي‏ء، و يقارب معنى متى، قال تعالى: أَيَّانَ مُرْساها* [الأعراف/ 187]، أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ‏ [الذاريات/ 12] من قولهم: أي، و قيل: أصله: أيّ أوان، أي:
أيّ وقت، فحذف الألف ثم جعل الواو ياء فأدغم فصار أيّان. و:
و إِيَّا لفظ موضوع ليتوصل به إلى ضمير المنصوب إذا انقطع عمّا يتصل به، و ذلك يستعمل إذا تقدّم الضمير، نحو: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة/ 4] أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلا، نحو:
نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ‏ [الإسراء/ 31]، و نحو:
وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ‏ [الإسراء/ 23].
و إي‏
و إِي كلمة موضوعة لتحقيق كلام متقدّم «4»، نحو:
إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ‏ [يونس/ 53].
و «أَيَا» و «أَيْ» و «أ» من حروف النداء، تقول: أي زيد، و أيا زيد و أ زيد. و:
أَيْ كلمة ينبّه بها أنّ ما يذكر بعدها شرح و تفسير لما قبلها.
أوى‏
المَأْوَى مصدر أَوَى يَأْوِي أُوِيّاً و مَأْوًى، تقول:
أَوَى إلى كذا: انضمّ إليه يَأْوِي أُوِيّاً و مَأْوًى، و آوَاهُ غيره يُؤْوِيهِ إِيوَاءً.
__________________________________________________
 (1) و هذا قول الخليل، و اختاره المبرد في المقتضب 1/ 289.
 (2) و هذا أصح الأقوال، و هو قول سيبويه، انظر: الكتاب 4/ 398، و المسائل الحلبيات ص 335.
 (3) و في هذا يقول العلامة سيدنا بن الشيخ سيديّ الكبير الشنقيطي:
            في آية خلف على أقوال             ما وزنها من قبل ذا الإعلال‏
             فقيل: أيّة و قيل: أييه             و قيل: بل أيية أو أييه‏
             كتوبة نبقة و سمره             قصبة و ذا الخليل شهّره‏
             و عندهم أنّ المعلّ الأول             كما هم في غاية قد جعلوا
             و قيل: بل آيية كفاعلة             و حذف العين و لا موجب له.

 (4) و لا تقع إلا قبل القسم.

103
مفردات ألفاظ القرآن

أوى ص 103

قال عزّ و جلّ: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ‏ [الكهف/ 10]، و قال: سَآوِي إِلى‏ جَبَلٍ‏ [هود/ 43]، و قال تعالى: آوى‏ إِلَيْهِ أَخاهُ‏ [يوسف/ 69]، و قال: تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [الأحزاب/ 51]، وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ‏ [المعارج/ 13]، و قوله تعالى: جَنَّةُ الْمَأْوى‏ [النجم/ 15]، كقوله: دارُ الْخُلْدِ [فصلت/ 28] في كون الدار مضافة إلى المصدر، و قوله تعالى: مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ* [آل عمران/ 197] اسم للمكان الذي يأوي إليه.
و أَوَيْتُ له: رحمته، أَوِيّاً و أَيَّةً و مَأْوِيَةً، و مَأْوَاةً «1».
و تحقيقه: رجعت إليه بقلبي و آوى‏ إِلَيْهِ أَخاهُ‏ [يوسف/ 69] أي: ضمّه إلى نفسه.
يقال: أَوَاهُ و آوَاهُ. و الْمَاوِيَّةُ في قول حاتم طيئ:
36-
         أ مَاوِيَّ إنّ المال غاد و رائح «2»


المرآة فقد قيل: هي من هذا الباب، فكأنها سميت بذلك لكونها مأوى الصورة.
و قيل: هي منسوبة للماء، و أصلها مائية، فجعلت الهمزة واوا.
أ
الألفات التي تدخل لمعنى على ثلاثة أنواع:
- نوع في صدر الكلام.
- و نوع في وسطه.
- و نوع في آخره «3».
فالذي في صدر الكلام أضرب:
- الأوّل: ألف الاستخبار، و تفسيره بالاستخبار أولى من تفسيره بالاستفهام، إذ كان ذلك يعمّه و غيره نحو: الإنكار و التبكيت و النفي و التسوية.
فالاستفهام نحو قوله تعالى: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها
 [البقرة/ 30]، و التبكيت إمّا للمخاطب أو لغيره نحو: أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ [الأحقاف/ 20]، أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً [البقرة/ 80]، آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ [يونس/ 91]، أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ‏ [آل عمران/ 144]، أَ فَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ‏ [الأنبياء/ 34]، أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً [يونس/ 2]، آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ* [الأنعام/ 144].
و التسوية نحو: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ‏

__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 1/ 119، و اللسان (أوى) 14/ 53.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و يبقى من المال الأحاديث و الذكر

و هو في ديوانه ص 50.
 (3) و قد عدّ الفيروزآبادي للألف في القرآن و لغة العرب: أربعين وجها، راجع البصائر 2/ 5.
و قال ابن خالويه: و هي تنقسم سبعة و سبعين قسما. راجع: الألفات له ص 15.

104
مفردات ألفاظ القرآن

أ ص 104

صَبَرْنا [إبراهيم/ 21]، سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ*
 [البقرة/ 6] «1»، و هذه الألف متى دخلت على الإثبات تجعله نفيا، نحو: أ خرج؟ هذا اللفظ ينفي الخروج، فلهذا سأل عن إثباته نحو ما تقدّم.
و إذا دخلت على نفي تجعله إثباتا، لأنه يصير معها نفيا يحصل منهما إثبات، نحو: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ‏ [الأعراف/ 172] «2»، أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ‏ [التين/ 8]، أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ‏
 [الرعد/ 41]، أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ [طه/ 133] أَ وَ لا يَرَوْنَ‏ [التوبة:
126]، أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ‏ [فاطر/ 37].
- الثاني: ألف المخبر عن نفسه «3»، نحو:
أسمع و أبصر.
- الثالث: ألف الأمر، قطعا كان أو وصلا، نحو: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة/ 114] ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم/ 11] و نحوهما.
- الرابع: الألف مع لام التعريف «4»، نحو:
العالمين.
- الخامس: ألف النداء، نحو: أ زيد، أي: يا زيد.
و النوع الذي في الوسط: الألف التي للتثنية، و الألف في بعض الجموع في نحو: مسلمات و نحو مساكين.
و النوع الذي في آخره: ألف التأنيث في حبلى و بيضاء «5»، و ألف الضمير في التثنية، نحو:
اذهبا.
و الذي في أواخر الآيات الجارية مجرى أواخر الأبيات، نحو: وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا [الأحزاب/ 10]، فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا [الأحزاب/ 67]، لكن هذه الألف لا تثبت معنى، و إنما ذلك لإصلاح اللفظ.
تمّ كتاب الألف‏
__________________________________________________
 (1) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 10.
 (2) انظر: البصائر 2/ 10.
 (3) انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 7.
 (4) راجع: الألفات ص 51، و البصائر 2/ 9.
 (5) انظر: البصائر 2/ 8.

105
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الباء

كتاب الباء
بتك‏
الْبَتْكُ يقارب البتّ، لكن البتك يستعمل في قطع الأعضاء و الشعر، يقال: بَتَكَ شعره و أذنه.
قال اللّه تعالى: فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ‏
 [النساء/ 119]، و منه سيف بَاتِكٌ «1»: قاطع للأعضاء، و بَتَّكْتُ الشعر: تناولت قطعة منه، و الْبَتْكَةُ: القطعة المنجذبة، جمعها بِتَكٌ، قال الشاعر:
37-
         طارت و في كفّه من ريشها بِتَكٌ «2»
و أمّا الْبَتُّ فيقال في قطع الحبل و الوصل، و يقال: طلقت المرأة بتّة و بتلة «3»، و بتتّ الحكم بينهما، و
رُوِيَ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَتِّتِ الصَّوْمَ مِنَ اللَّيْلِ» «4».
و الْبَشْكُ مثله، يقال في قطع الثوب، و يستعمل في الناقة السريعة، ناقة بَشْكَى «5»، و ذلك لتشبيه يدها في السرعة بيد الناسجة في نحو قول الشاعر «6»:
__________________________________________________
 (1) انظر: أساس البلاغة ص 14.
 (2) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، و صدره:
         حتى إذا ما هوت كفّ الوليد لها

و هو في ديوانه ص 50، و أساس البلاغة ص 14، و المجمل 1/ 115، و الغريبين 1/ 131، و مثلث البطليوسي 2/ 306.
 (3) راجع اللسان (بتل) 11/ 42.
 (4) الحديث أخرجه الدارقطني 2/ 172 بلفظ: «لم يبيّت» و أخرجه أصحاب السنن و إسناده صحيح إلا أنه اختلف في رفعه و وقفه، و صوّب النسائي وقفه، و سيأتي الكلام عليه ثانية. انظر سنن النسائي 4/ 196.
 (5) انظر: المجمل 1/ 126.
 (6) البيت للمسيب بن علس شاعر جاهلي، و هو خال الأعشى و البيت من مفضليته التي مطلعها:
         أرحلت من سلمى بغير متاع             قبل العطاس و رعتها بوداع‏


و هو في المفضليات ص 62، و شرح المفضليات للتبريزي 1/ 313.

106
مفردات ألفاظ القرآن

بتك ص 106

38-
         فعل السريعة بادرت جدّادها             قبل المساء تهمّ بالإسراع‏

بتر
الْبَتْرُ يقارب ما تقدّم، لكن يستعمل في قطع الذّنب، ثم أجري قطع العقب مجراه.
فقيل: فلان أَبْتَرُ: إذا لم يكن له عقب يخلفه، و رجل أَبْتَرُ و أُبَاتِرٌ: انقطع ذكره عن الخير و رجل أُبَاتِرٌ: يقطع رحمه، و قيل على طريق التشبيه:
خطبة بَتْرَاءُ لما لم يذكر فيها اسم اللّه تعالى.
و ذلك‏
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُلُّ أَمْرٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ» «1».
و قوله تعالى: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ 3] أي: المقطوع الذكر، و ذلك أنهم زعموا أنّ محمدا صلّى اللّه عليه و سلم ينقطع ذكره إذا انقطع عمره لفقدان نسله، فنبّه تعالى أنّ الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه، فأمّا هو فكما وصفه اللّه تعالى بقوله: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح/ 4] و ذلك لجعله أبا للمؤمنين، و تقييض من يراعيه و يراعي دينه الحق، و إلى هذا المعنى‏
أَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وَ آثَارُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ» «2».
هذا في العلماء الذين هم تبّاع النبي عليه الصلاة و السلام، فكيف هو و قد رفع اللّه عزّ و جل ذكره، و جعله خاتم الأنبياء عليه و عليهم أفضل الصلاة و السلام؟!
بتل‏
قال تعالى: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل/ 8] أي: انقطع في العبادة و إخلاص النية انقطاعا يختص به، و إلى هذا المعنى أشار بقوله عزّ و جل: قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ [الأنعام/ 91] و ليس هذا منافيا
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:
 «لَا رَهْبَانِيَّةَ وَ لَا تَبَتُّلَ فِي الْإِسْلَامِ» «3».
فإنّ التَّبَتُّلَ هاهنا هو الانقطاع عن النكاح، و منه قيل لمريم:
العذراء الْبَتُولُ، أي: المنقطعة عن الرجال «4»، و الانقطاع عن النكاح و الرغبة عنه محظور لقوله عزّ و جل: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ مِنْكُمْ [النور/ 32]،
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «كل كلام أو أمر ذي بال لا يفتح بذكر اللّه عزّ و جلّ فهو أبتر، أو قال: أقطع» أخرجه أحمد في المسند 2/ 359. و ابن ماجة 1/ 610، و حسّنه النووي و ابن الصلاح.
 (2) انظر: شرح نهج البلاغة 2/ 172.
 (3) قال ابن حجر في الفتح: لم أره بهذا اللفظ، لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني: «إنّ اللّه أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة»، و في الحديث: نهى رسول اللّه عن التبتل أخرجه أحمد 1/ 175، و ابن ماجة 1/ 593.
راجع فتح الباري 9/ 111، و ذكره السيوطي في الجامع الصغير بلفظ: «و لا ترهّب في الإسلام» و نسبه إلى عبد الرزاق عن طاوس مرسلا. راجع شرح السنة 2/ 371، و ذكره البغوي و لم يعزه.
 (4) راجع المجمل 1/ 115، و الغريبين 1/ 132، و اللسان (بتل).

107
مفردات ألفاظ القرآن

بتل ص 107

و
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَنَاكَحُوا تَكْثُرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «1».
و نخلة مُبْتِلٌ: إذا انفرد عنها صغيرة معها «2».
بث‏
أصل الْبَثِّ: التفريق و إثارة الشي‏ء كبث الريح التراب، و بَثُّ النفس ما انطوت عليه من الغمّ و السّرّ، يقال: بَثَثْتُهُ فَانْبَثَّ، و منه قوله عزّ و جل:
فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا [الواقعة/ 6]، و قوله عزّ و جل: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ* [البقرة/ 164] إشارة إلى إيجاده تعالى ما لم يكن موجودا و إظهاره إياه. و قوله عزّ و جلّ: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ‏ [القارعة/ 4] أي: المهيّج بعد ركونه و خفائه.
و قوله عزّ و جل: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي‏ [يوسف/ 86] أي: غمّي الذي أبثّه عن كتمان، فهو مصدر في تقدير مفعول، أو بمعنى: غمّي الذي بثّ فكري، نحو: توزّعني الفكر، فيكون في معنى الفاعل.
بجس‏
يقال: بَجَسَ الماء و انْبَجَسَ: انفجر، لكن الِانْبِجَاسُ أكثر ما يقال فيما يخرج من شي‏ء ضيق، و الِانْفِجَارُ يستعمل فيه و فيما يخرج من شي‏ء واسع، و لذلك قال عزّ و جل: فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً
 [الأعراف/ 160]، و قال في موضع آخر: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة/ 60]، فاستعمل حيث ضاق المخرج اللفظان «3»، قال تعالى: وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الكهف/ 33]، و قال:
وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً [القمر/ 12] و لم يقل: بجسنا.
بحث‏
البَحْثُ: الكشف و الطلب، يقال: بَحَثْتُ عن الأمر، و بحثت كذا، قال اللّه تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ‏ [المائدة/ 31].
و قيل: بَحَثَتِ الناقةُ الأرض برجلها في السير: إذا شددت الوطء تشبيها بذلك.
بحر
أصل الْبَحْرُ: كل مكان واسع جامع للماء الكثير، هذا هو الأصل، ثم اعتبر تارة سعته‏
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عمر، و إسناده ضعيف، و عبد الرزاق عن سعيد بن أبي هلال مرسلا، و البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه بلغه، و فيه زيادة: «حتى بالسقط». راجع تخريج أحاديث الإحياء في الإحياء 2/ 22، و الفتح الكبير 2/ 38، و فتح الباري 9/ 111، و مصنف عبد الرزاق 6/ 173.
 (2) قال الأصمعي: المبتل: «النخلة يكون لها فسيلة قد انفردت و استغنت عن أمها، فيقال لتلك الفسيلة: البتول.
 (3) قال أبو جعفر بن الزبير: إنّ الواقع في الأعراف طلب بني إسرائيل من موسى عليه السلام السقيا، و الوارد في البقرة طلب موسى عليه السلام من ربّه، فطلبهم ابتداء فأشبه الابتداء، و طلب موسى غاية لطلبهم لأنه واقع بعده و مرتب عليه، فأشبه الابتداء الابتداء و الغاية الغاية، فقيل جوابا لطلبهم فانبجست، و قيل إجابة لطلبه: فانفجرت، و تناسب على ذلك. و قال: الانبجاس: ابتداء الانفجار، و الانفجار بعده غاية له. راجع ملاك التأويل 1/ 67- 68.

108
مفردات ألفاظ القرآن

بحر ص 108

المعاينة، فيقال: بَحَرْتُ كذا: أوسعته سعة البحر، تشبيها به، و منه: بَحَرْتُ البعير: شققت أذنه شقا واسعا، و منه سميت الْبَحِيرَةُ. قال تعالى: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ [المائدة/ 103]، و ذلك ما كانوا يجعلونه بالناقة إذا ولدت عشرة أبطن شقوا أذنها فيسيبونها، فلا تركب و لا يحمل عليها، و سموا كلّ متوسّع في شي‏ء بَحْراً، حتى قالوا: فرس بحر، باعتبار سعة جريه، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِي فَرَسٍ رَكِبَهُ: «وَجَدْتُهُ بَحْراً» «1».
و للمتوسع في علمه بحر، و قد تَبَحَّرَ أي: توسع في كذا، و التَّبَحُّرُ في العلم: التوسع و اعتبر من البحر تارة ملوحته فقيل: ماء بَحْرَانِيٌّ، أي: ملح، و قد أَبْحَرَ الماء. قال الشاعر:
39-
         قد عاد ماء الأرض بَحْراً فزادني             إلى مرضي أن أَبْحَرَ المشرب العذب «2»

و قال بعضهم: الْبَحْرُ يقال في الأصل للماء الملح دون العذب «3»، و قوله تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ‏ [الفرقان/ 53] إنما سمي العذب بحرا لكونه مع الملح، كما يقال للشمس و القمر: قمران، و قيل السحاب الذي كثر ماؤه: بنات بَحْرٍ «4».
و قوله تعالى: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [الروم/ 41] قيل: أراد في البوادي و الأرياف لا فيما بين الماء، و قولهم: لقيته صحرة بَحْرَةً، أي: ظاهرا حيث لا بناء يستره.
بخل‏
الْبُخْلُ: إمساك المقتنيات عمّا لا يحق حبسها عنه، و يقابله الجود، يقال: بَخِلَ فهو بَاخِلٌ، و أمّا الْبَخِيلُ فالذي يكثر منه البخل، كالرحيم من الراحم.
و الْبُخْلُ ضربان: بخل بقنيات نفسه، و بخل بقنيات غيره، و هو أكثرها ذمّا، دليلنا على ذلك قوله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ* [النساء/ 37].
__________________________________________________
 (1) الحديث: كان فزع بالمدينة فاستعار النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فرسا من أبي طلحة يقال له: المندوب. فركب، فلما رجع قال: «ما رأينا من شي‏ء، و إن وجدناه لبحرا» أخرجه البخاري في الجهاد 6/ 58، و مسلم في باب شجاعة النبي رقم 2307، و أحمد 2/ 163.
 (2) البيت لنصيب. و هو في الغريبين 1/ 140، و المجمل 1/ 117، و اللسان و التاج (بحر)، و شمس العلوم 1/ 135، و ديوان الأدب 2/ 294.
 (3) و هذا قول نفطويه، حيث قال: كل ماء ملح فهو بحر و قول الأموي كذا. راجع الغريبين 1/ 140، و اللسان (بحر).
 (4) و نقل هذا أيضا الأزهري عن الليث، ثم قال الأزهري: و هذا تصحيف منكر، و الصواب: بنات بحر. قال أبو عبيد؟؟
عن الأصمعي: يقال لسحائب يأتين قبل الصيف منتصبات: بنات بخر، و بنات مخر بالباء و الميم و الخاء، فقد تصحفت على المؤلف. راجع: اللسان (بحر) 4/ 46.
و قال ابن فارس: و بنات بخر: سحائب بيض تكون في الصيف. راجع المجمل 1/ 117.

109
مفردات ألفاظ القرآن

بخس ص 110

بخس‏
الْبَخْسُ: نقص الشي‏ء على سبيل الظلم، قال تعالى: وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ‏ [هود/ 15]، و قال تعالى: وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ* [الأعراف/ 85]، و الْبَخْسُ و الْبَاخِسُ: الشي‏ء الطفيف الناقص، و قوله تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ‏ [يوسف/ 20] قيل: معناه: بَاخِسٌ، أي: ناقص، و قيل: مَبْخُوسٌ أي: منقوص، و يقال: تَبَاخَسُوا أي: تناقصوا و تغابنوا فبخس بعضهم بعضا.
بخع‏
الْبَخْعُ: قتل النفس غمّا، قال تعالى:
فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ‏
 [الكهف/ 6] حثّ على ترك التأسف، نحو: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ [فاطر/ 8]. قال الشاعر:
40-
         ألا أيهذا الْبَاخِعُ الوجد نفسه «1»
و بَخَعَ فلان بالطاعة و بما عليه من الحق: إذا أقرّ به و أذعن مع كراهة شديدة تجري مجرى بَخَعَ نفسه في شدته.
بدر
قال تعالى: وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً [النساء/ 6] أي: مسارعة، يقال: بَدَرْتُ إليه و بَادَرْتُ، و يعبّر عن الخطأ الذي يقع عن حدّة:
بَادِرَةٌ «2». يقال: كانت من فلان بَوَادِرُ في هذا الأمر، و البَدْرُ قيل سمّي بذلك لمبادرته الشمس بالطلوع، و قيل: لامتلائه تشبيها بالبَدْرَةِ «3»، فعلى ما قيل يكون مصدرا في معنى الفاعل، و الأقرب عندي أن يجعل البدر أصلا في الباب، ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه، فيقال تارة: بَدَرَ كذا، أي: طلع طلوع البدر، و يعتبر امتلاؤه تارة فشبّه البدرة به. و الْبَيْدَرُ: المكان المرشح لجمع الغلّة فيه و ملئه منه لامتلائه من الطعام. قال تعالى: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران/ 123]، و هو موضع مخصوص بين مكة و المدينة.
بدع‏
الْإِبْدَاعُ: إنشاء صنعة بلا احتذاء و اقتداء، و منه قيل: ركيّة بَدِيعٌ أي: جديدة الحفر «4»، و إذا استعمل في اللّه تعالى فهو إيجاد الشي‏ء بغير آلة
__________________________________________________
 (1) الشطر لذي الرّمة، و تتمته:
         بشي‏ء نحته عن يديك المقادر

و هو في ديوانه ص 338، و لسان العرب (بخع).
 (2) قال ابن منظور: و البادرة: الحدّة، و هو ما يبدر من حدّة الرجل عند غضبه من قول أو فعل.
 (3) البدرة: كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم، سميت ببدرة السخلة.
 (4) انظر: اللسان (بدع).

110
مفردات ألفاظ القرآن

بدع ص 110

و لا مادّة و لا زمان و لا مكان، و ليس ذلك إلا للّه «1».
و الْبَدِيعُ يقال لِلْمُبْدِعِ «2»، نحو قوله تعالى:
بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [البقرة/ 117]، و يقال لِلْمُبْدَعِ نحو: ركيّة بَدِيعٌ، و كذلك الْبِدْعُ يقال لهما جميعا بمعنى الفاعل و المفعول، و قوله تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ‏ [الأحقاف/ 9] قيل: معناه: مبدعا لم يتقدّمني رسول، و قيل: مبدعا فيما أقوله.
و الْبِدْعَةُ في المذهب: إيراد قول لم يستنّ قائلها و فاعلها فيه بصاحب الشريعة و أماثلها المتقدمة و أصولها المتقنة، و
رُوِيَ: «كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَ كُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ» «3».
و الْإِبْدَاعُ بالرّجل: الانقطاع به لما ظهر من كلال راحلته و هزالها «4».
بدل‏
الْإِبْدَالُ و التَّبْدِيلُ و التَّبَدُّلُ و الِاسْتِبْدَالُ: جعل شي‏ء مكان آخر، و هو أعمّ من العوض، فإنّ الْعِوَضُ هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأول، و التَّبْدِيلُ قد يقال للتغيير مطلقا و إن لم يأت ببدله، قال تعالى: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ‏ [البقرة/ 59]، وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [النور/ 55] و قال تعالى:
فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ‏ [الفرقان/ 70] قيل: أن يعملوا أعمالا صالحة تبطل ما قدّموه من الإساءة، و قيل: هو أن يعفو تعالى عن سيئاتهم و يحتسب بحسناتهم «5».
و قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ‏ [البقرة/ 181]، وَ إِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ [النحل/ 101]، وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ‏ [سبأ/ 16]، ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ [الأعراف/ 95]، يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ‏ [إبراهيم/ 48] أي: تغيّر عن حالها، أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ‏ [غافر/ 26]، وَ مَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ‏ [البقرة/ 108]، وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ‏ [محمد/ 38]، و قوله:
ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ‏ [ق/ 29] أي: لا يغيّر ما سبق في اللوح المحفوظ، تنبيها على أنّ ما علمه أن سيكون يكون على ما قد علمه لا يتغيّر
__________________________________________________
 (1) راجع: الأسماء و الصفات للبيهقي ص 40.
 (2) انظر: المدخل لعلم التفسير ص 237.
 (3) الحديث في مسلم، و روايته: «و شرّ الأمور محدثاتها، و كل بدعة ضلالة» فقط. و رقمه 867 في كتاب الجمعة.
و الحديث برواية المؤلف أخرجه النسائي 3/ 189 عن جابر بن عبد اللّه، و أخرجه أحمد في المسند 4/ 126 دون زيادة «و كل ضلالة في النار».
 (4) قال في اللسان: و أبدع به: كلّت راحلته أو عطبت، و بقي منقطعا به و قسر عليه ظهره.
 (5) راجع الدر المنثور 6/ 280.

111
مفردات ألفاظ القرآن

بدل ص 111

عن حاله. و قيل: لا يقع في قوله خلف.
و على الوجهين قوله تعالى: لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ‏ [يونس/ 64]، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏ [الروم/ 30] قيل: معناه أمر و هو نهي عن الخصاء. و الْأَبْدَالُ: قوم صالحون يجعلهم اللّه مكان آخرين مثلهم ماضين «1».
و حقيقته: هم الذين بدلوا أحوالهم الذميمة بأحوالهم الحميدة، و هم المشار إليهم بقوله تعالى: فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ‏ [الفرقان/ 70].
و الْبَأْدَلَةُ: ما بين العنق إلى الترقوة، و الجمع:
الْبَئَادِلُ «2»، قال الشاعر:
41-
         و لا رهل لبّاته و بَآدِلُهُ «3»
بدن‏
الْبَدَنُ: الجسد، لكن البدن يقال اعتبارا بعظم الجثة، و الجسد يقال اعتبارا باللون، و منه قيل:
ثوب مجسّد، و منه قيل: امرأة بَادِنٌ و بَدِينٌ:
عظيمة البدن، و سميت الْبَدَنَةُ بذلك لسمنها يقال: بَدَنَ إذا سمن، و بَدَّنَ كذلك، و قيل: بل بَدَّنَ إذا أسنّ «4»، و أنشد:
42-
         و كنت خلت الشّيب و التَّبْدِينَا «5»
و على ذلك ما
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تُبَادِرُونِي بِالرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ فَإِنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» «6».
أي: كبرت و أسننت، و قوله تعالى:
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ‏ [يونس/ 92] أي:
بجسدك، و قيل: يعني بدرعك، فقد يسمى‏
__________________________________________________
 (1) و قد أنكر بعض الناس وجودهم، و للسيوطي رسالة في ذلك ذكر الأحاديث و الأخبار الدالة على ذلك. راجع:
الحاوي للفتاوي 2/ 241.
 (2) انظر: اللسان (بدل).
 (3) هذا عجز بيت ينسب للعجير السلولي و ينسب لأم يزيد بن الطثرية، و شطره:
         فتى قدّ قدّ السيف لا متضائل‏

و هو في اللسان (بدل) بلا نسبة، و المجمل 1/ 119، و شمس العلوم 1/ 141، و الخصائص 1/ 79، و شرح الحماسة 3/ 46.
 (4) انظر: المجمل 1/ 119.
 (5) الشطر ينسب لحميد الأرقط و ينسب للكميت، و عجزه:
         و الهمّ ممّا يذهل القرينا

و هو في شعر الكميت 2/ 19، و اللسان (بدن)، و التاج (بدن)، و المجمل 1/ 119، و المشوف المعلم 1/ 95، و شمس العلوم 1/ 143.
 (6) الحديث عن معاوية عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «لا تبادروني بالركوع و السجود، فإنه مهما أسبقكم به إذا ركعت تدركوني إذا رفعت، و مهما أسبقكم به إذا سجدت تدركوني إذا رفعت، فإني قد بدّنت»، و يروى «بدنت» الحديث حسن و قد أخرجه أحمد 4/ 92، و أبو داود (619)، و ابن ماجة (963)، و أخرجه ابن حبان (انظر: الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 3/ 323). راجع شرح السنة 3/ 415.

112
مفردات ألفاظ القرآن

بدن ص 112

الدرع بدنة لكونها على البدن، كما يسمى موضع اليد من القميص يدا، و موضع الظهر و البطن ظهرا و بطنا، و قوله تعالى: وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ‏ [الحج/ 36] هو جمع البدنة التي تهدى.
بدا
بَدَا الشي‏ء بُدُوّاً و بَدَاءً أي: ظهر ظهورا بيّنا، قال اللّه تعالى: وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ‏ [الزمر/ 47]، وَ بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا [الزمر/ 48]، فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما [طه/ 121].
و الْبَدْوُ: خلاف الحضر، قال تعالى: وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف/ 100] أي: الْبَادِيَةِ، و هي كلّ مكان يبدو ما يَعِنُّ فيه، أي: يعرض، و يقال للمقيم بالبادية: بَادٍ، كقوله تعالى:
سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ [الحج/ 25]، لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ‏ [الأحزاب/ 20].
بدأ
يقال: بَدَأْتُ بكذا و أَبْدَأْتُ و ابْتَدَأْتُ، أي:
قدّمت، و الْبَدْءُ و الِابْتِدَاءُ: تقديم الشي‏ء على غيره ضربا من التقديم. قال تعالى: وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ‏ [السجدة/ 7]، و قال تعالى:
كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ‏ [العنكبوت/ 20]، اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ* [يونس/ 34]، كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ‏ [الأعراف/ 29].
و مَبْدَأُ الشي‏ء: هو الذي منه يتركب، أو منه يكون، فالحروف مبدأ الكلام، و الخشب مبدأ الباب و السرير، و النواة مبدأ النخل، يقال للسيد الذي يبدأ به إذا عدّ السادات: بَدْءٌ.
و اللّه هو الْمُبْدِئُ المعيد «1»، أي: هو السبب في المبدأ و النهاية، و يقال: رجع عوده على بدئه، و فعل ذلك عائدا و بادئا، و معيدا و مبدئا، و أَبْدَأْتُ من أرض كذا، أي: ابتدأت منها بالخروج، و قوله تعالى: بَادِئُ الرأْي [هود/ 27] «2» أي: ما يبدأ من الرأي، و هو الرأي الفطير، و قرئ: بادِيَ‏ «3» بغير همزة، أي:
الذي يظهر من الرأي و لم يروّ فيه، و شي‏ء بَدِي‏ءٌ:
لم يعهد من قبل كالبديع في كونه غير معمول قبل.
و الْبُدْأَةُ: النصيب المبدأ به في القسمة «4»، و منه قيل لكل قطعة من اللحم عظيمة بَدْءٌ.
بذر
التَّبْذِيرُ: التفريق، و أصله إلقاء البذر و طرحه،
__________________________________________________
 (1) انظر: الأسماء و الصفات ص 95، و المقصد الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى للغزالي ص 101.
 (2) و هذه قراءة أبي عمرو بن العلاء.
 (3) و هي قراءة الجميع إلا أبا عمرو. راجع: الإتحاف ص 255.
 (4) انظر: المجمل 1/ 119.

113
مفردات ألفاظ القرآن

بذر ص 113

فاستعير لكلّ مضيّع لماله، فتبذير البذر: تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه. قال اللّه تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ‏ [الإسراء/ 27]، و قال تعالى: وَ لا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً [الإسراء/ 26].
برَّ
الْبَرُّ خلاف البحر، و تصوّر منه التوسع فاشتق منه الْبِرُّ، أي: التوسع في فعل الخير، و ينسب ذلك إلى اللّه تعالى تارة نحو: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ‏ [الطور/ 28]، و إلى العبد تارة، فيقال: بَرَّ العبد ربه، أي: توسّع في طاعته، فمن اللّه تعالى الثواب، و من العبد الطاعة. و ذلك ضربان:
ضرب في الاعتقاد.
و ضرب في الأعمال، و قد اشتمل عليه قوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ‏ [البقرة/ 177] و على هذا ما
رُوِيَ «أَنَّهُ سُئِلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَنِ الْبِرِّ، فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ» «1».
فإنّ الآية متضمّنة للاعتقاد و الأعمال الفرائض و النوافل. و بِرُّ الوالدين: التوسع في الإحسان إليهما، و ضده العقوق، قال تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ‏ [الممتحنة/ 8]، و يستعمل الْبِرُّ في الصدق لكونه بعض الخير المتوسع فيه، يقال: بَرَّ في قوله، و برّ في يمينه، و قول الشاعر:
43-
         أكون مكان الْبِرِّ منه «2»
قيل: أراد به الفؤاد، و ليس كذلك، بل أراد ما تقدّم، أي: يحبّني محبة البر.
و يقال: بَرَّ أباه فهو بَارٌّ و بَرٌّ مثل: صائف و صيف، و طائف و طيف، و على ذلك قوله تعالى: وَ بَرًّا بِوالِدَتِي‏ [مريم/ 32]. و بَرَّ في يمنيه فهو بَارٌّ، و أَبْرَرْتُهُ، و بَرَّتْ يميني، و حجّ مَبْرُورٌ أي: مقبول، و جمع البارّ: أَبْرَارٌ و بَرَرَةٌ، قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* [الانفطار/ 13]، و قال: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ‏ [المطففين/ 18]، و قال في صفة الملائكة: كِرامٍ بَرَرَةٍ [عبس/ 16].
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه ابن أبي حاتم و صححه عن أبي ذر أنه سأل رسول اللّه عن الإيمان فتلا ليس البرّ ... حتى فرغ منها ثم سأله أيضا فتلاها، ثم سأله فتلاها، و قال: «و إذا عملت حسنة أحبّها قلبك، و إذا عملت سيئة أبغضها قلبك» انظر: الدر المنثور 1/ 410، و المستدرك 2/ 272.
 (2) الشطر لخداش بن زهير و هو بتمامه:
         أكون مكان البرّ منه و دونه             و أجعل مالي دونه و أوامره‏


و هو في تاج العروس (برّ)، و المجمل 1/ 112، و اللسان (برر)، و ليس في شعره، و ذكر جامع ديوانه بيتا له من نفس القافية و البحر، و هو في شمس العلوم 1/ 123.

114
مفردات ألفاظ القرآن

بر ص 114

فَبَرَرَةٌ خصّ بها الملائكة في القرآن من حيث إنه أبلغ من أبرار «1»، فإنه جمع برّ، و أَبْرَارٌ جمع بَارّ، و بَرٌّ أبلغ من بَارٍّ، كما أنّ عدلا أبلغ من عادل.
و الْبُرُّ معروف، و تسميته بذلك لكونه أوسع ما يحتاج إليه في الغذاء، و الْبَرِيرُ خصّ بثمر الأراك و نحوه، و قولهم: لا يعرف الهرّ من الْبِرِّ «2»
، من هذا. و قيل: هما حكايتا الصوت. و الصحيح أنّ معناه لا يعرف من يبرّه و من يسي‏ء إليه.
و الْبَرْبَرَةُ: كثرة الكلام، و ذلك حكاية صوته.
برج‏
الْبُرُوجُ: القصور، الواحد: بُرْجٌ، و به سمّي بروج السماء لمنازلها المختصة بها، قال تعالى:
وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ‏ [البروج/ 1]، و قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً [الفرقان/ 61]، و قوله تعالى: وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء/ 78] يصح أن يراد بها بروج في الأرض، و أن يراد بها بروج النجم، و يكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة، و تكون الإشارة بالمعنى إلى نحو ما قال زهير:
44-
         و من هاب أسباب المنايا ينلنه             و لو نال أسباب السّماء بسلّم «3»

و أن يكون البروج في الأرض، و تكون الإشارة إلى ما قال الآخر:
45-
         و لو كنت في غمدان يحرس بابه             أراجيل أحبوش و أسود آلف‏

46-
         إذا لأتتني حيث كنت منيّتي             يخبّ بها هاد لإثري قائف «4»

و ثوب مُبَرَّجٌ: صوّرت عليه بروج، و اعتبر حسنه، فقيل: تَبَرَّجَتِ المرأة أي: تشبّهت به في إظهار المحاسن، و قيل: ظهرت من برجها، أي:
قصرها، و يدلّ على ذلك قوله تعالى: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‏ [الأحزاب/ 33]، و قوله: غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ [النور/ 60]، و الْبَرَجُ: سعة العين و حسنها تشبيها بالبرج في الأمرين.
برح‏
الْبَرَاحُ: المكان المتسع الظاهر الذي لا بناء فيه و لا شجر، فيعتبر تارة ظهوره فيقال: فعل كذا بَرَاحاً، أي: صراحا لا يستره شي‏ء، و بَرِحَ الخفاء: ظهر، كأنه حصل في براح يرى «5»، و منه: بَرَاحُ الدار، و بَرِحَ: ذهب في البراح، و منه: البَارِحُ للريح الشديدة، و البَارِحُ من الظباء و الطير، لكن خصّ البارح بما ينحرف عن الرامي‏
__________________________________________________
 (1) راجع: الإتقان للسيوطي 1/ 253، و البرهان للزركشي 4/ 18.
 (2) انظر مجمع الأمثال 2/ 269.
 (3) البيت من معلقته، و هو في ديوانه ص 87، و شرح المعلقات 1/ 122.
 (4) البيتان لثعلبة بن حزن العبدي، و هما في حماسة البحتري الباب 52، و البصائر 2/ 234، و تفسير الراغب ورقة 279.
 (5) انظر: البصائر 2/ 236.

115
مفردات ألفاظ القرآن

برح ص 115

إلى جهة لا يمكنه فيها الرمي فيتشاءم به، و جمعه بَوَارِحُ، و خصّ السّانح بالمقبل من جهة يمكن رميه، و يتيمّن به، و الْبَارِحَةُ: الليلة الماضية، و ما بَرِحَ: ثبت في البراح، و منه قوله عزّ و جلّ: لا أَبْرَحُ‏
 [الكهف/ 60]، و خصّ بالإثبات، كقولهم: لا أزال، لأنّ برح و زال اقتضيا معنى النفي، و «لا» للنفي، و النفيان يحصل من اجتماعهما إثبات، و على ذلك قوله عزّ و جل:
لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ‏ [طه/ 91]، و قال تعالى: لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ‏ [الكهف/ 60]، و لمّا تصوّر من البارح معنى التشاؤم اشتق منه التَّبْرِيحُ و التَّبَارِيحُ فقيل: برّح بي الأمر، و برّح بي فلان في التقاضي، و ضربه ضربا مُبَرِّحاً، و جاء فلان بالبرح، و:
47-
         أَبْرَحْتَ ربّا و أَبْرَحْتَ جارا «1»
أي: أكرمت، و قيل للرامي إذا أخطأ: بَرْحَى «2» دعاء عليه، و إذا أصاب: مرحى، دعاء له، و لقيت منه الْبَرَحِينَ «3» و الْبُرَحَاءَ، أي:
الشدائد، و بُرَحَاءُ الحمّى: شدتها.
برد
أصل الْبَرْدُ خلاف الحر، فتارة يعتبر ذاته فيقال: بَرَدَ كذا، أي: اكتسب بردا، و برد الماء كذا، أي: أكسبه بردا، نحو:
48-
         سَتُبْرِدُ أكبادا و تبكي بواكيا «4»
و يقال: بَرَّدَهُ أيضا، و قيل: قد جاء أَبْرَدَ، و ليس بصحيح «5»، و منه البَرَّادَة لما يبرّد الماء، و يقال: بَرَدَ كذا، إذا ثبت «6» ثبوت البرد، و اختصاص للثبوت بالبرد كاختصاص الحرارة بالحرّ، فيقال: بَرَدَ كذا، أي: ثبت، كما يقال:
بَرَدَ عليه دين. قال الشاعر:
49-
         اليوم يوم بَارِدٌ سمومه «7»
و قال الآخر:
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت للأعشى و صدره:
         تقول ابنتي حين جدّ الرحيل‏

و هو في ديوانه ص 82، و الأفعال 4/ 82، و جمهرة اللغة 1/ 218، و المجمل 1/ 123، و ديوان الأدب 2/ 288.
 (2) انظر: المجمل 1/ 123.
 (3) البرحين: مثلّثة الباء، أي: الدواهي و الشدائد، و انظر المستقصى 2/ 184.
 (4) هذا عجز بيت لمالك بن الريب، و صدره:
         و عطّل قلوصي في الركاب فإنها

و هو في المجمل 1/ 124، و اللسان (برد)، و أساس البلاغة ص 19، و شمس العلوم 1/ 152.
 (5) قال ابن منظور: و لا يقال أبردته إلا في لغة رديئة.
 (6) انظر: الأفعال 4/ 79.
 (7) هذا شطر بيت و عجزه:
         من جزع اليوم فلا تلومه.

116
مفردات ألفاظ القرآن

برد ص 116

50-
         .... قد بَرَدَ المو             ت على مصطلاه أيّ بُرُودٍ «1»

أي: ثبت، يقال: لم يَبْرُدْ بيدي شي‏ء، أي:
لم يثبت، و بَرَدَ الإنسان: مات.
و بَرَدَهُ: قتله، و منه: السيوف البَوَارِدُ، و ذلك لما يعرض للميت من عدم الحرارة بفقدان الروح، أو لما يعرض له من السكون، و قولهم للنوم، بَرْدٌ، إمّا لما يعرض عليه من البرد في ظاهر جلده، أو لما يعرض له من السكون، و قد علم أنّ النوم من جنس الموت لقوله عزّ و جلّ: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر/ 42]، و قال: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً
 [النبأ/ 24] أي: نوما.
و عيش بَارِدٌ، أي: طيّب، اعتبارا بما يجد الإنسان في اللذة في الحرّ من البرد، أو بما يجد من السكون.
و الْأَبْرَدَانِ: الغداة و العشي، لكونهما أبرد الأوقات في النهار، و الْبَرَدُ: ما يبرد من المطر في الهواء فيصلب، و برد السحاب: اختصّ بالبرد، و سحاب أَبْرَدُ و بَرِدٌ: ذو برد، قال اللّه تعالى:
وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النور/ 43]. و الْبَرْدِيُّ: نبت ينسب إلى البرد لكونه نابتا به، و
قِيلَ: «أَصْلُ كُلِّ دَاءٍ الْبَرَدَةُ» «2».
أي: التخمة، و سميت بذلك لكونها عارضة من البرودة الطبيعية التي تعجز عن الهضم.
و الْبَرُودُ يقال لما يبرد به، و لما يبرد، فيكون تارة فعولا في معنى فاعل، و تارة في معنى مفعول، نحو: ماء برود، و ثغر برود، كقولهم للكحل: برود. و بَرَدْتُ الحديد: سحلته، من قولهم: بَرَدْتُهُ، أي: قتلته، و البُرَادَةُ ما يسقط، و الْمِبْرَدُ: الآلة التي يبرد بها.
و الْبُرُدُ في الطرق جمع الْبَرِيدِ، و هم الذين يلزم كل واحد منهم موضعا منه معلوما، ثم اعتبر فعله في تصرّفه في المكان المخصوص به، فقيل‏
__________________________________________________
و لم ينسب، و هو في اللسان (برد)، و المجمل 1/ 104، و الأفعال 4/ 79، و الجمهرة 1/ 240، و تهذيب اللغة 13/ 105.
 (1) البيت تمامه:
         بارز ناجذاه قد برد الموت             على مصطلاه أيّ برود


و هو لأبي زبيد الطائي في اللسان (برد)، و ديوانه ص 594، و أمالي اليزيدي ص 9، و تهذيب اللغة 14/ 105، و المعاني الكبير 2/ 859، و نظام الغريب ص 13.
 (2) الحديث ضعيف، أخرجه أبو نعيم و المستغفري و الدارقطني في العلل بسند فيه تمام بن نجيح، ضعفه الدارقطني و وثقه ابن معين و غيره، عن أنس رفعه. و لأبي نعيم أيضا عن ابن عباس مرفوعا مثله، و من حديث عمر بن الحارث عن أبي سعيد رفعه: «أصل كل داء البردة» و مفرداتها ضعيفة.
و قال الدارقطني كغيره: الأشبه بالصواب أنه من قول الحسن البصري، و حكاه في الفائق من كلام ابن مسعود. راجع: كشف الخفاء 1/ 132، و الفائق 11/ 102.
                       

117
مفردات ألفاظ القرآن

برد ص 116

لكلّ سريع: هو يَبْرُدُ، و قيل لجناحي الطائر:
بَرِيدَاهُ، اعتبارا بأنّ ذلك منه يجري مجرى البريد من الناس في كونه متصرفا في طريقه، و ذلك فرع على فرع حسب ما يبيّن في أصول الاشتقاق.
برز
الْبَرَازُ: الفضاء، و بَرَزَ: حصل في براز، و ذلك إمّا أن يظهر بذاته نحو: وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً [الكهف/ 47] تنبيها أنه تبطل فيها الأبنية و سكّانها، و منه: الْمُبَارَزَةُ للقتال، و هي الظهور من الصف، قال تعالى: لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ‏ [آل عمران/ 154]، و قال عزّ و جلّ: وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ‏ [البقرة/ 250]، و إمّا أن يظهر بفضله، و هو أن يسبق في فعل محمود، و إمّا أن ينكشف عنه ما كان مستورا منه، و منه قوله تعالى: وَ بَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [إبراهيم/ 48]، و قال تعالى:
يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ‏ [غافر/ 16]، و قوله: عزّ و جلّ: وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ‏ [الشعراء/ 91] تنبيها أنهم يعرضون عليها، و يقال: تَبَرَّزَ فلان، كناية عن التغوّط «1». و امرأة بَرْزَةٌ «2»، عفيفة، لأنّ رفعتها بالعفة، لا أنّ اللفظة اقتضت ذلك.
برزخ‏
الْبَرْزَخُ: الحاجز و الحدّ بين الشيئين، و قيل:
أصله برزه فعرّب، و قوله تعالى: بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ‏ [الرحمن/ 20]، و الْبَرْزَخُ في القيامة: الحائل بين الإنسان و بين بلوغ المنازل الرفيعة في الآخرة، و ذلك إشارة إلى العقبة المذكورة في قوله عزّ و جل: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد/ 11]، قال تعالى: وَ مِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ‏ [المؤمنون/ 100]، و تلك العقبة موانع من أحوال لا يصل إليها إلا الصالحون. و قيل: الْبَرْزَخُ ما بين الموت إلى القيامة.
برص‏
الْبَرَصُ معروف، و قيل للقمر: أَبْرَصُ، للنكتة التي عليه، و سام أَبْرَصَ «3»، سمّي بذلك تشبيها بالبرص، و الْبَرِيصُ: الذي يلمع لمعان الأبرص، و يقارب الْبَصِيصُ «4»، بَصَّ يَبُصُّ: إذا برق.
برق‏
الْبَرْقُ: لمعان السحاب، قال تعالى: فِيهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ‏ [البقرة/ 19]. يقال:
__________________________________________________
 (1) انظر: الفائق 1/ 92.
 (2) انظر: الأفعال 4/ 118.
 (3) و هو من كبار الوزغ، و هما اسمان جعلا واحدا، راجع: حياة الحيوان 1/ 542.
 (4) انظر: أساس البلاغة ص 20، و لم ترد هذه المادة في القرآن.

118
مفردات ألفاظ القرآن

برق ص 118

بَرِقَ و أَبْرَقَ «1»، و بَرَقَ يقال في كل ما يلمع، نحو: سيف بَارِقٌ، و بَرَقَ و بَرِقَ يقال في العين إذا اضطربت و جالت من خوف قال عزّ و جل: فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ
 [القيامة/ 7]، و قرئ: (بَرَقَ) «2»، و تصوّر منه تارة اختلاف اللون فقيل الْبُرْقَةُ للأرض ذات حجارة مختلفة الألوان، و الْأَبْرَقُ:
الجبل فيه سواد و بياض، و سمّوا العين بَرْقَاءَ لذلك، و ناقة بَرُوقٌ: تلمع بذنبها، و الْبَرُوقَةُ:
شجرة تخضر إذا رأت السحاب، و هي التي يقال فيها: أشكر من بَرُوقَةٍ «3»
. و بَرَقَ طعامه بزيت:
إذا جعل فيه قليلا يلمع منه، و الْبَارِقَةُ و الْأُبَيْرِقُ:
السيف، للمعانه،
وَ الْبُرَاقُ، قِيلَ: هُوَ دَابَّةٌ رَكِبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لَمَّا عُرِجَ بِهِ.
و اللّه أعلم بكيفيته، و الْإِبْرِيقُ معروف، و تصوّر من البرق ما يظهر من تجويفه، و قيل: بَرَقَ فلان و رعد، و أَبْرَقَ و أرعد:
إذا تهدّد.
برك‏
أصل الْبَرْكِ صدر البعير و إن استعمل في غيره، و يقال له: بِرْكَةٌ، و بَرَكَ البعير: ألقى بركه، و اعتبر منه معنى اللزوم، فقيل: ابْتَرَكُوا في الحرب، أي: ثبتوا و لازموا موضع الحرب، و بَرَاكَاءُ الحرب و بَرُوكَاؤُها للمكان الذي يلزمه الأبطال، و ابْتَرَكَتِ الدابة: وقفت وقوفا كَالْبُرُوكِ، و سمّي محبس الماء بِرْكَةً، و الْبَرَكَةُ: ثبوت الخير الإلهي في الشي‏ء.
قال تعالى: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأعراف/ 96]، و سمّي بذلك لثبوت الخير فيه ثبوت الماء في البركة.
و الْمُبَارَكُ: ما فيه ذلك الخير، على ذلك:
وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ‏ [الأنبياء/ 50] تنبيها على ما يفيض عليه من الخيرات الإلهية، و قال:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ‏ [الأنعام/ 155]، و قوله تعالى: وَ جَعَلَنِي مُبارَكاً [مريم/ 31] أي: موضع الخيرات الإلهية، و قوله تعالى:
إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدخان/ 3]، رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً [المؤمنون/ 29] أي: حيث يوجد الخير الإلهي، و قوله تعالى:
وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً [ق/ 9] فبركة ماء السماء هي ما نبّه عليه بقوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ [الزمر/ 21]، و بقوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ [المؤمنون/ 18]، و لمّا كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا
__________________________________________________
 (1) أجاز أبو عمر و أبو عبيدة: أبرق و أرعد و لم يجزه الأصمعي.
 (2) و هي قراءة نافع و أبي جعفر المدنيّين. راجع: الإتحاف ص 428.
 (3) راجع المثل في المجمل 1/ 121، و أساس البلاغة ص 20، و مجمع الأمثال 1/ 388.

119
مفردات ألفاظ القرآن

برك ص 119

يحسّ، و على وجه لا يحصى و لا يحصر قيل لكلّ ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة: هو مُبَارَكٌ، و فيه بركة، و إلى هذه الزيادة أشير بما
رُوِيَ أَنَّهُ:
 «لَا يَنْقُصُ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ» «1».
لا إلى النقصان المحسوس حسب ما قال بعض الخاسرين حيث قيل له ذلك، فقال: بيني و بينك الميزان.
و قوله تعالى: تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً [الفرقان/ 61] فتنبيه على ما يفيضه علينا من نعمه بواسطة هذه البروج و النيّرات المذكورة في هذه الآية، و كلّ موضع ذكر فيه لفظ «تَبارَكَ»* فهو تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر «تبارك». و قوله تعالى:
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ‏ [المؤمنون/ 14]، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ‏ [الفرقان/ 1]، تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ‏ [الفرقان/ 10]، فَتَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ‏ [غافر/ 64]، تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ‏ [الملك/ 1]. كلّ ذلك تنبيه على اختصاصه تعالى بالخيرات المذكورة مع ذكر «تبارك».
برم‏
الْإِبْرَامُ: إحكام الأمر، قال تعالى: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ‏ [الزخرف/ 79]، و أصله من إِبْرَامِ الحبل، و هو ترديد فتله، قال الشاعر:
51-
         على كلّ حال من سحيل و مُبْرَمٍ «2»
و الْبَرِيمُ: الْمُبْرَمُ، أي: المفتول فتلا محكما، يقال: أَبْرَمْتُهُ فبَرِمَ، و لهذا قيل للبخيل الذي لا يدخل في الميسر: بَرَمٌ «3»، كما يقال للبخيل:
مغلول اليد.
و الْمُبْرِمُ: الذي يلحّ و يشدّد في الأمر تشبيها بمبرم الحبل، و الْبَرَمُ كذلك، و يقال لمن يأكل تمرتين تمرتين: بَرَمٌ، لشدة ما يتناوله بعضه على بعض، و لما كان البريم من الحبل قد يكون ذا لونين سمّي كلّ ذي لونين به من جيش مختلط أسود و أبيض، و لغنم مختلط، و غير ذلك.
و الْبُرْمَةُ في الأصل هي القدر المبرمة، و جمعها بِرَامٌ، نحو حفرة و حفار، و جعل على بناء المفعول، نحو: ضحكة و هزأة «4».
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه، و روايته فيه: «ما نقصت صدقة من مال» في باب البر و الصلة رقم (2588).
 (2) هذا عجز بيت لزهير، و صدره:
         يمينا لنعم السيدان وجدتما

و هو من معلقته الميمية، انظره: في ديوانه ص 79، و شرح المعلقات 1/ 108، و أساس البلاغة ص 21.
 (3) انظر: اللسان (برم).
 (4) قال ابن مالك:
         و فعلة لاسم مفعول و إن فتحت             من وزنه العين يرتدّ اسم من فعلا.

 

120
مفردات ألفاظ القرآن

بره ص 121

بره‏
الْبُرْهَانُ: بيان للحجة، و هو فعلان مثل:
الرّجحان و الثنيان، و قال بعضهم: هو مصدر بَرِهَ يَبْرَهُ: إذا ابيضّ، و رجل أَبْرَهُ و امرأة بَرْهَاءُ، و قوم بُرْهٌ، و بَرَهْرَهَةٌ «1»: شابة بيضاء.
و الْبُرْهَةُ: مدة من الزمان، فَالْبُرْهَانُ أوكد الأدلّة، و هو الذي يقتضي الصدق أبدا لا محالة، و ذلك أنّ الأدلة خمسة أضرب:
- دلالة تقتضي الصدق أبدا.
- و دلالة تقتضي الكذب أبدا.
- و دلالة إلى الصدق أقرب.
- و دلالة إلى الكذب أقرب.
- و دلالة هي إليهما سواء.
قال تعالى: قُلْ: هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* [البقرة/ 111]، قُلْ: هاتُوا بُرْهانَكُمْ هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ‏ [الأنبياء/ 24]، قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏ [النساء/ 174].
برأ
أصل الْبُرْءِ و الْبَرَاءِ و التَّبَرِّي: التقصّي مما يكره مجاورته، و لذلك قيل: بَرَأْتُ «2» من المرض و بَرِئْتُ من فلان و تَبَرَّأْتُ و أَبْرَأْتُهُ من كذا، و بَرَّأْتُهُ، و رجل بَرِي‏ءٌ، و قوم بُرَآءُ و بَرِيئُونَ.
قال عزّ و جلّ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ [التوبة/ 1]، أَنَّ اللَّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ‏ [التوبة/ 3]، و قال: أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ‏ [يونس/ 41]، إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [الممتحنة/ 4]، وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَ قَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ‏ [الزخرف/ 26]، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا [الأحزاب/ 69]، و قال: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا [البقرة/ 166].
و الْبَارِئُ خصّ بوصف اللّه تعالى، نحو قوله:
الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر/ 24]، و قوله تعالى: فَتُوبُوا إِلى‏ بارِئِكُمْ‏ [البقرة/ 54]، و الْبَرِيَّةُ: الخلق، قيل: أصله الهمز فترك «3»، و قيل: بل ذلك من قولهم: بريت العود، و سمّيت بريّة لكونها مبريّة من الْبَرَى «4» أي: التراب،
__________________________________________________
و قال ابن المرَحّل أيضا:
            إن ضحكت منك كثيرا فتية             فأنت ضحكة و هم ضحكة
             بضم فاء الكلّ مع إسكان             عين في الأول بعكس الثاني.


 (1) انظر: المجموع المغيث 1/ 153.
 (2) قال الصاغاني: و برئت من المرض برءا، و أهل الحجاز يقولون: برأت من المرض برءا، و كلهم يقولون في المستقبل يبرأ انظر: العباب (برا).
 (3) انظر: المجمل 1/ 122، و العباب (برأ) 1/ 52، و اللسان (برأ).
 (4) انظر: اللسان (برأ) 1/ 31.

121
مفردات ألفاظ القرآن

برأ ص 121

بدلالة قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ* [غافر/ 67]، و قوله تعالى: أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة/ 7]، و قال: شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة/ 6].
بزغ‏
قال تعالى: فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً [الأنعام/ 78]، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً [الأنعام/ 77] أي: طالعا منتشر الضوء، و بَزَغَ النَّابُ، تشبيها به، و أصله من: بَزَغَ البيطارُ الدَّابَّةَ: أسال دمها فَبَزَغَ هو، أي: سال.
بسَ‏
قال اللّه تعالى: وَ بُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا [الواقعة/ 5]، أي: فتّتت، من قولهم: بَسَسْتُ الحنطة و السويق بالماء: فتّته به، و هي بَسِيسَةٌ، و قيل: معناه: سقت سوقا سريعا، من قولهم:
انْبَسَّتِ الحيّات: انسابت انسيابا سريعا، فيكون كقوله عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ [الكهف/ 47]، و كقوله: وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل/ 88].
و بَسَسْتُ الإبلَ: زجرتها عند السوق، و أَبْسَسْتُ بها عند الحلب، أي: رقّقت لها كلاما تسكن إليه، و ناقة بَسُوسٌ: لا تدرّ إلا على الْإِبْسَاسِ، و
فِي الْحَدِيثِ: «جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَبُسُّونَ عِيَالَهُمْ» «1».
أي: كانوا يسوقونهم.
بسر
الْبَسْرُ: الاستعجال بالشي‏ء قبل أوانه، نحو:
بَسَرَ الرجل الحاجة: طلبها في غير أوانها، و بَسَرَ الفحل الناقة: ضربها قبل الضّبعة «2»، و ماء بُسْرٌ: متناول من غديره قبل سكونه، و قيل للقرح الذي ينكأ قبل النضج: بُسْرٌ، و منه قيل لما لم يدرك من التمر: بُسْرٌ، و قوله عزّ و جل: ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ [المدثر/ 22] أي: أظهر العبوس قبل أوانه و في غير وقته، فإن قيل: فقوله:
وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ [القيامة/ 24] ليس يفعلون ذلك قبل الوقت، و قد قلت: إنّ ذلك يقال فيما كان قبل الوقت! قيل: إنّ ذلك إشارة إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار، فخصّ لفظ البسر، تنبيها أنّ ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلف و مجرى ما يفعل قبل وقته، و يدل على ذلك قوله عزّ و جل: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ [القيامة/ 25].
بسط
بَسْطُ الشي‏ء: نشره و توسيعه، فتارة يتصوّر منه الأمران، و تارة يتصور منه أحدهما، و يقال: بَسَطَ
__________________________________________________
 (1) الحديث عن سفيان بن أبي زهير أنه قال: سمعت رسول اللّه يقول: «يفتح اليمن فيأتي قوم يبسّون فيتحمّلون بأهليهم و من أطاعهم، و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون». و هو صحيح أخرجه البخاري. انظر: الفتح 4/ 90، و تنوير الحوالك 3/ 85.
 (2) انظر: اللسان (بسر). و الضّبعة: شدة شهوة الفحل للناقة. انظر: اللسان (ضبع).

122
مفردات ألفاظ القرآن

بسط ص 122

الثوب: نشره، و منه: البِسَاط، و ذلك اسم لكلّ مَبْسُوطٍ، قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً [نوح/ 19] و الْبِسَاطُ: الأرض المتسعة و بَسِيطُ الأرض: مبسوطه، و استعار قوم الْبَسْطَ لكل شي‏ء لا يتصوّر فيه تركيب و تأليف و نظم، قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ [البقرة/ 245]، و قال تعالى: وَ لَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ‏ [الشورى/ 27] أي: لو وسّعه، وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ‏ [البقرة/ 247] أي: سعة.
قال بعضهم: بَسَطْتُهُ في العلم هو أن انتفع هو به و نفع غيره، فصار له به بَسْطَةً، أي: جودا.
و بَسْطُ اليد: مدّها. قال عزّ و جلّ: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف/ 18]، و بَسْطُ الكف يستعمل تارة للطلب نحو: كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ‏ [الرعد/ 14]، و تارة للأخذ، نحو: وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ‏ [الأنعام/ 93]، و تارة للصولة و الضرب. قال تعالى: وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [الممتحنة/ 2]، و تارة للبذل و الإعطاء: بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ‏ [المائدة/ 64].
و البَسْطُ: الناقة تترك مع ولدها، كأنها المبسوط نحو: النّكث و النّقض في معنى المنكوث و المنقوض، و قد أَبْسَطَ ناقَتَه، أي:
تركها مع ولدها.
بسق‏
قال اللّه عزّ و جل: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق/ 10] أي: طويلات، و الْبَاسِقُ هو الذاهب طولا من جهة الارتفاع، و منه: بَسَقَ فلان على أصحابه: علاهم، و بَسَقَ و بصق أصله: بزق، و بَسَقَتِ الناقة: وقع في ضرعها لبأ «1» قليل كَالْبُسَاقِ، و ليس من الأول.
بسل‏
الْبَسْلُ: ضم الشي‏ء و منعه، و لتضمّنه لمعنى الضّم استعير لتقطيب الوجه، فقيل: هو بَاسِلٌ و مُبْتَسِلُ الوجه، و لتضمنه لمعنى المنع قيل للمحرّم و المرتهن: بَسْلٌ، و قوله تعالى: وَ ذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ‏ [الأنعام/ 70] أي: تحرم الثواب، و الفرق بين الحرام و الْبَسْلِ أنّ الحرام عامّ فيما كان ممنوعا منه بالحكم و القهر، و الْبَسْلُ هو الممنوع منه بالقهر، قال عزّ و جل: أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا [الأنعام/ 70] أي: حرموا الثواب، و فسّر بالارتهان لقوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر/ 38]. قال الشاعر:
52-
         و إِبْسَالِي بنيّ بغير جرم «2»
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (بسق).
 (2) الشطر لعوف بن الأحوص، و عجزه:
         بعوناه و لا بدم قراض‏

و يروى:
         ... و لا بدم مراق.

123
مفردات ألفاظ القرآن

بسل ص 123

و قال آخر:
53-
         فإن تقويا منهم فإنهم بُسْلٌ «1»


أقوى المكان: إذا خلا.
و قيل للشجاعة: الْبَسَالَةُ، إمّا لما يوصف به الشجاع من عبوس وجهه، أو لكون نفسه محرّما على أقرانه لشجاعته، أو لمنعه لما تحت يده عن أعدائه، و أَبْسَلْتُ المكان: حفظته و جعلته بسلا على من يريده، و الْبُسْلَةُ: أجرة الراقي «2»، و ذلك لفظ مشتق من قول الراقي: أَبْسَلْتُ فلانا، أي:
جعلته بَسْلًا، أي: شجاعا قويا على مدافعة الشيطان أو الحيّات و الهوام، أو جعلته مُبْسَلًا، أي: محرّما عليها، [و سمّي ما يعطى الراقي بُسْلَةً]، و حكي: بَسَّلْتُ الحنظل: طيّبته، فإن يكن ذلك صحيحا فمعناه: أزلت بَسَالَتَهُ، أي:
شدّته، أو بَسْلَهُ أي: تحريمه، و هو ما فيه من المرارة الجارية مجرى كونه محرّما، و (بَسَلْ) في معنى أجل و بس «3»
بسم‏
 «4» قال تعالى: فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها [النمل/ 19].
بشر
الْبَشَرَةُ: ظاهر الجلد، و الْأَدَمَةُ: باطنه، كذا قال عامّة الأدباء، و قال أبو زيد بعكس ذلك «5»، و غلّطه أبو العباس و غيره، و جمعها: بَشَرٌ و أَبْشَارٌ، و عبّر عن الإنسان بِالْبَشَرِ اعتبارا بظهور جلده من الشعر، بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الشعر أو الوبر، و استوى في لفظ البشر الواحد و الجمع، و ثني فقال تعالى: أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ‏ [المؤمنون/ 47].
و خصّ في القرآن كلّ موضع اعتبر من الإنسان جثته و ظاهره بلفظ البشر، نحو: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً [الفرقان/ 54]، و قال عزّ و جل: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ‏ [ص/ 71]، و لمّا أراد الكفار الغضّ من الأنبياء اعتبروا ذلك فقالوا: إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر/ 25]، و قال تعالى: أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ‏ [القمر/ 24]، ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا [يس/ 15]، أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا [المؤمنون/
__________________________________________________
و هو في مجاز القرآن 1/ 194، و المجمل 1/ 125، و المعاني الكبير 2/ 1114، و شمس العلوم 1/ 172، و اللسان (بسل)، و الصحاح (بسل).
 (1) هذا عجز بيت و شطره:
         بلاد بها نادمتهم و ألفتهم‏

و هو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 59.
 (2) انظر: المجمل 1/ 125.
 (3) بس بمعنى حسب. انظر القاموس.
 (4) هذا الفصل ساقط من المطبوعة.
 (5) ذكر قوله الأزهري في تهذيبه 11/ 360، و الذي غلّطه ثعلب.

124
مفردات ألفاظ القرآن

بشر ص 124

47]، فَقالُوا أَ بَشَرٌ يَهْدُونَنا [التغابن/ 6]، و على هذا قال: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ* [الكهف/ 110]، تنبيها أنّ الناس يتساوون في البشرية، و إنما يتفاضلون بما يختصون به من المعارف الجليلة و الأعمال الجميلة، و لذلك قال بعده: يُوحى‏ إِلَيَّ* [الكهف/ 110]، تنبيها أني بذلك تميّزت عنكم. و قال تعالى:
لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ* [مريم/ 20] فخصّ لفظ البشر، و قوله: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا [مريم/ 17] فعبارة عن الملائكة، و نبّه أنه تشبّح لها و تراءى لها بصورة بشر، و قوله تعالى: ما هذا بَشَراً [يوسف/ 31] فإعظام له و إجلال و أنه أشرف و أكرم من أن يكون جوهره جوهر البشر.
و بَشَرْتُ الأديم: أصبت بشرته، نحو: أنفته و رجلته، و منه: بَشَرَ الجراد الأرض إذا أكلته، [إذا أكل ما عليها] و الْمُبَاشَرَةُ: الإفضاء بالبشرتين، و كنّي بها عن الجماع في قوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ [البقرة/ 187]، و قال تعالى:
فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ‏ [البقرة/ 187].
و فلان مُؤْدَم مُبْشَرٌ «1»، أصله من قولهم: أَبْشَرَهُ اللّه و آدمه، أي: جعل له بشرة و أدمة محمودة، ثم عبّر بذلك عن الكامل الذي يجمع بين الفضيلتين الظاهرة و الباطنة.
و قيل معناه: جمع لين الأدمة و خشونة البشرة، و أَبْشَرْتُ الرجل و بَشَّرْتُهُ و بَشَرْتُهُ: أخبرته بسارّ بسط بشرة وجهه، و ذلك أنّ النفس إذا سرّت انتشر الدم فيها انتشار الماء في الشجر، و بين هذه الألفاظ فروق، فإنّ بَشَرْتُهُ عامّ، و أَبْشَرْتُهُ نحو: أحمدته، و بَشَّرْتُهُ على التكثير، و أَبْشَرَ يكون لازما و متعديا، يقال: بَشَرْتُهُ فَأَبْشَرَ، أي:
اسْتَبْشَرَ، و أَبْشَرْتُهُ، و قرئ: يُبَشِّرُكَ* [آل عمران/ 39] و يَبْشُرُكَ «2» و يُبْشِرُكَ «3»، قال اللّه عزّ و جلّ: لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ قالَ: أَ بَشَّرْتُمُونِي عَلى‏ أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ قالُوا: بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ‏ [الحجر/ 53- 54].
و اسْتَبْشَرَ: إذا وجد ما يبشّره من الفرح، قال تعالى: وَ يَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ‏ [آل عمران/ 170]، يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ‏ [آل عمران/ 171]، و قال تعالى: وَ جاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ‏ [الحجر/ 67]. و يقال للخبر السارّ: الْبِشَارَةُ و الْبُشْرَى، قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ [يونس/ 64]، و قال‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و في الصحاح: فلان مؤدم مبشر: إذا كان كاملا من الرجال.
 (2) و هي قراءة حمزة و الكسائي بفتح الياء و إسكان الباء و ضم الشين.
 (3) و هي قراءة شاذة، و انظر الحجة للقراء السبعة 3/ 42.

125
مفردات ألفاظ القرآن

بشر ص 124

تعالى: لا بُشْرى‏ يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ‏ [الفرقان/ 22]، وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى‏ [هود/ 69]، يا بُشْرى‏ هذا غُلامٌ‏ [يوسف/ 19]، وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى‏* [الأنفال/ 10].
و الْبَشِيرُ: الْمُبَشِّرُ، قال تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى‏ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً [يوسف/ 96]، فَبَشِّرْ عِبادِ [الزمر/ 17]، وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ‏ [الروم/ 46]، أي: تبشّر بالمطر.
و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «انْقَطَعَ الْوَحْيُ وَ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْمُبَشِّرَاتُ، وَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ، يَرَاهَا الْمُؤْمِنُ أَوْ تُرَى لَهُ» «1».
و قال تعالى: فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ [يس/ 11]، و قال: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران/ 21]، بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ‏ [النساء/ 138]، وَ بَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ‏ [التوبة/ 3] فاستعارة ذلك تنبيه أنّ أسرّ ما يسمعونه الخبر بما ينالهم من العذاب، و ذلك نحو قول الشاعر:
54-
         تحيّة بينهم ضرب وجيع «2»
و يصحّ أن يكون على ذلك قوله تعالى:
قُلْ: تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ [إبراهيم/ 30]، و قال عزّ و جل: وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ‏ [الزخرف/ 17].
و يقال: أَبْشَرَ، أي: وجد بشارة، نحو: أبقل و أمحل، وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ‏ [فصلت/ 30]، و أَبْشَرَتِ الأرض: حسن طلوع نبتها، و منه‏
قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ) «3».
أي: فليسرّ. قال الفرّاء:
إذا ثقّل فمن البشرى، و إذا خفّف فمن السرور يقال: بَشَرْتُهُ فَبُشِرَ، نحو: جبرته فجبر، و قال سيبويه «4»: فَأَبْشَرَ، قال ابن قتيبة «5»: هو من بَشَرْتُ، الأديم، إذا رقّقت وجهه، قال: و معناه فليضمّر نفسه، كما
رُوِيَ: «إِنَّ وَرَاءَنَا عَقَبَةً لَا يَقْطَعُهَا إِلَّا الضَّمْرُ مِنَ الرِّجَالِ» «6».
و على الأول قول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) الحديث صحيح أخرجه البخاري 2/ 331، و مسلم (479) و فيه «ذهبت النبوة و بقيت المبشّرات»، و أخرجه ابن ماجة 1/ 1283، و انظر: شرح السنة 12/ 204.
 (2) هذا عجز بيت لعمرو بن معديكرب، و صدره:
         و خيل قد دلفت لها بخيل‏

و هو في البصائر 2/ 201، و خزانة الأدب 9/ 252، و ديوانه ص 149، و الممتع ص 260، و الخصائص 1/ 368.
 (3) أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 133 و انظره: في الغريبين 1/ 180، و اللسان (بشر)، و النهاية 1/ 129.
 (4) الكتاب 2/ 235.
 (5) في غريب الحديث 2/ 234.
 (6) راجع: اللسان (بشر) 4/ 60. الحديث أخرجه ابن مردويه و الطبراني عن أبي الدرداء سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إنّ أمامكم عقبة كئودا لا يجوزها المثقلون، فأنا أريد أن أتخفف لتلك العقبة» و إسناده صحيح. راجع: الدر المنثور 8/ 523، و الترغيب و الترهيب 4/ 85. و أسباب ورود الحديث 2/ 42 و أخرجه البزار بلفظ: «إن بين أيديكم عقبة».

126
مفردات ألفاظ القرآن

بشر ص 124

55-
         فأعنهم و ابْشَرْ بما بُشِّرُوا به             و إذا هم نزلوا بضنك فانزل «1»

و تَبَاشِيرُ الوجه و بِشْرُهُ: ما يبدو من سروره، و تَبَاشِيرُ الصبح: ما يبدو من أوائله.
و تَبَاشِيرُ النخيل: ما يبدو من رطبه، و يسمّى ما يعطى المبشّر: بُشْرَى و بُشَارَةً.
بصر
الْبَصَرُ يقال للجارحة الناظرة، نحو قوله تعالى: كَلَمْحِ الْبَصَرِ [النحل/ 77]، و وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ [الأحزاب/ 10]، و للقوّة التي فيها، و يقال لقوة القلب المدركة:
بَصِيرَةٌ و بَصَرٌ، نحو قوله تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق/ 22]، و قال:
ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ [النجم/ 17]، و جمع البصر أَبْصَارٌ، و جمع البصيرة بَصَائِرُ، قال تعالى: فَما أَغْنى‏ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ‏ [الأحقاف/ 26]، و لا يكاد يقال للجارحة بصيرة، و يقال من الأوّل: أَبْصَرْتُ، و من الثاني: أَبْصَرْتُهُ و بَصُرْتُ به «2»، و قلّما يقال بَصُرْتُ في الحاسة إذا لم تضامّه رؤية القلب، و قال تعالى في الأبصار: لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَ لا يُبْصِرُ [مريم/ 42]، و قال: رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا [السجدة/ 12]، وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ‏ [يونس/ 43]، وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏ [الصافات/ 179]، بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ‏
 [طه/ 96] و منه: أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي‏ [يوسف/ 108] أي: على معرفة و تحقق. و قوله:
بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ [القيامة/ 14] أي: تبصره فتشهد له، و عليه من جوارحه بصيرة تبصره فتشهد له و عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ [النور/ 24]. و الضرير يقال له: بَصِيرٌ على سبيل العكس، و الأولى أنّ ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه، و لهذا لا يقال له:
مُبْصِرٌ و بَاصِرٌ، و قوله عزّ و جل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103] حمله كثير من المفسرين على الجارحة، و قيل:
ذلك إشارة إلى ذلك و إلى الأوهام و الأفهام، كما
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (التَّوْحِيدُ أَنْ لَا تَتَوَهَّمَهُ) «3».
و
قَالَ: (كُلُّ مَا أَدْرَكْتَهُ فَهُوَ غَيْرُهُ).
و الْبَاصِرَةُ عبارة عن الجارحة الناظرة، يقال:
رأيته لمحا بَاصِراً «4»
، أي: نظرا بتحديق، قال عزّ و جل: فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً [النمل/ 13]، وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً [الإسراء/ 12]
__________________________________________________
 (1) البيت لعبد قيس بن خفاف و هو شاعر جاهلي كان يعاصر حاتم طيئ.
و البيت في المفضليات ص 384، و الأصمعيات ص 230، و اللسان (بشر)، و تهذيب إصلاح المنطق 1/ 89، و معاني الفراء 1/ 212.
 (2) انظر: الأفعال 4/ 69.
 (3) انظر تفسير الرازي 1/ 281.
 (4) في المثل: لأرينّك لمحا باصرا، يضرب في التوعد. المستقصى 2/ 237.

127
مفردات ألفاظ القرآن

بصر ص 127

أي: مضيئة للأبصار و كذلك قوله عزّ و جلّ:
وَ آتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً [الإسراء/ 59]، و قيل: معناه صار أهله بصراء نحو قولهم: رجل مخبث «1» و مضعف، أي: أهله خبثاء و ضعفاء، وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى‏ بَصائِرَ لِلنَّاسِ‏ [القصص/ 43] أي: جعلناها عبرة لهم، و قوله: وَ أَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ‏ [الصافات/ 179] أي: انظر حتى ترى و يرون، و قوله عزّ و جل: وَ كانُوا مُسْتَبْصِرِينَ‏ [العنكبوت/ 38] أي: طالبين للبصيرة.
و يصحّ أن يستعار الاسْتِبْصَارُ لِلْإِبْصَارِ، نحو استعارة الاستجابة للإجابة، و قوله عزّ و جلّ:
وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* تَبْصِرَةً [ق/ 7- 8] أي: تبصيرا و تبيانا. يقال: بَصَّرْتُهُ تَبْصِيراً و تَبْصِرَةً، كما يقال: قدّمته تقديما و تقدمة، و ذكّرته تذكيرا و تذكرة، قال تعالى: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً* يُبَصَّرُونَهُمْ‏ [المعارج/ 10- 11] أي:
يجعلون بُصَرَاءَ بآثارهم، يقال: بَصَّرَ الجرو:
تعرّض للإبصار لفتحه العين «2». و الْبَصْرَةُ: حجارة رخوة تلمع كأنّها تبصر، أو سمّيت بذلك لأنّ لها ضوءا تبصر به من بعد.
و يقال له بِصْرٌ، و الْبَصِيرَةُ: قطعة من الدّم تلمع، و الترس اللامع، و الْبُصْرُ: الناحية، و الْبَصِيرَةُ ما بين شقتي الثوب، و المزادة و نحوها التي يبصر منها، ثم يقال: بَصَرْتُ الثوب و الأديم: إذا خطت ذلك الموضع منه.
بصل‏
الْبَصَلُ معروف في قوله عزّ و جل: وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها [البقرة/ 61]، و بيضة الحديد:
بَصَلٌ، تشبيها به لقول الشاعر:
56-
         و تركا كَالْبَصَلِ «3»
بضع‏
الْبِضَاعَةُ: قطعة وافرة من المال تقتنى للتجارة، يقال: أَبْضَعَ بِضَاعَةً و ابْتَضَعَهَا. قال تعالى: هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا [يوسف/ 65] و قال تعالى: بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ [يوسف/ 88]، و الأصل في هذه الكلمة: الْبَضْعُ و هو جملة من اللحم تُبْضَعُ «4»، أي: تقطع. يقال:
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و المخبث: الذي أصحابه و أعوانه خبثاء، و هو مثل قولهم: فلان ضعيف مضعف و قويّ مقو.
 (2) و في اللسان: و بصّر الجرو تبصيرا: فتح عينه.
 (3) جزء بيت للبيد و تمامه:
         فخمة ذفراء ترتى بالعرى             قردمانيا و تركا كالبصل‏

و القردماني: الدرع، و هو في ديوانه ص 146. و العجز في المجمل 1/ 27، و شمس العلوم 1/ 219.
 (4) قال ابن مالك في مثلثه:
         تزوج و قطع لحم بضع             و جمع بضعة كذا، و البضع‏
             من واحد لتسعة، و البضع             نكاحها أو موضع الإيعاب.

 

128
مفردات ألفاظ القرآن

بضع ص 128

بَضَعْتُهُ فَابْتَضَعَ و تَبَضَّعَ، كقولك: قطعته و قطّعته فانقطع و تقطّع، و الْمِبْضَعُ: ما يبضع به، نحو:
المقطع، و كنّي بِالْبُضْعِ عن الفرج، فقيل:
ملكت بضعها، أي: تزوجتها، و بَاضَعَهَا بِضَاعاً، أي: باشرها، و فلان: حَسَنُ الْبَضْعِ و الْبَضِيعِ و الْبَضْعَةِ، و الْبِضَاعَةِ عبارة عن السّمن «1».
و قيل للجزيرة المنقطعة عن البرّ: بَضِيعٌ، و فلان بَضْعَةٌ مني، أي: جار مجرى بعض جسدي لقربه مني، و الْبَاضِعَةُ: الشجّة التي تبضع اللحم «2»، و الْبِضْعُ بالكسر: المنقطع من العشرة، و يقال ذلك لما بين الثلاث إلى العشرة، و قيل: بل هو فوق الخمس و دون العشرة، قال تعالى: بِضْعَ سِنِينَ* [الروم/ 4].
بطر
الْبَطَرُ: دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة و قلّة القيام بحقّها، و صرفها إلى غير وجهها.
قال عزّ و جلّ: بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ‏ [الأنفال/ 47]، و قال: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [القصص/ 58] أصله: بطرت معيشته، فصرف عنه الفعل و نصب، و يقارب الْبَطَرُ الطرب، و هو خطّة أكثر ما تعتري من الفرح، و قد يقال ذلك في التّرح، و الْبَيْطَرَةُ: معالجة الدابّة.
بطش‏
الْبَطْشُ: تناول الشي‏ء بصولة، قال تعالى:
وَ إِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ‏ [الشعراء/ 130]، يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى‏ [الدخان/ 16]، وَ لَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا [القمر/ 36]، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج/ 12]. يقال: يد بَاطِشَةٌ.
بطل‏
الْبَاطِلُ: نقيض الحق، و هو ما لا ثبات له عند الفحص عنه، قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَ أَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ‏ [الحج/ 62] و قد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال و الفعال، يقال: بَطَلَ بُطُولًا و بُطْلًا و بُطْلَاناً، و أَبْطَلَهُ غيره. قال عزّ و جلّ: وَ بَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ [الأعراف/ 118]، و قال تعالى:
لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ‏ [آل عمران/ 71]، و يقال للمستقلّ عمّا يعود بنفع دنيويّ أو أخرويّ: بَطَّالٌ، و هو ذو بِطَالَةٍ بالكسر.
و بَطَلَ دمه: إذا قتل و لم يحصل له ثأر و لا دية، و قيل للشجاع المتعرّض للموت: بَطَلٌ، تصوّرا لبطلان دمه، كما قال الشاعر:
57-
         فقلت لها: لا تنكحيه فإنّه             لأوّل بَطَلٍ أن يلاقي مجمعا «3»

__________________________________________________
 (1) يقال: إنّ فلانا لشديد البضعة حسنها إذا كان ذا جسم و سمن.
 (2) انظر الغريب المصنف ورقة 57.
 (3) البيت لتأبّط شرا، و هو في ديوانه ص 112، و الأغاني 18/ 217، و إيضاح الشعر للفارسي ص 449، و شرح.

129
مفردات ألفاظ القرآن

بطل ص 129

فيكون فعلا بمعنى مفعول، أو لانّه يبطل دم المتعرّض له بسوء، و الأول أقرب.
و قد بَطُلَ الرجل بُطُولَةً، صار بَطَلًا، و بُطِّلَ:
نسب إلى الْبَطَالَةِ، و يقال: ذهب دمه بُطْلًا أي:
هدرا، و الْإِبْطَالُ يقال في إفساد الشي‏ء و إزالته، حقّا كان ذلك الشي‏ء أو باطلا، قال اللّه تعالى:
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ‏ [الأنفال/ 8]، و قد يقال فيمن يقول شيئا لا حقيقة له، نحو:
وَ لَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ‏ [الروم/ 58]، و قوله تعالى: وَ خَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ‏ [غافر/ 78] أي: الذين يبطلون الحقّ.
بطن‏
أصل الْبَطْنِ الجارحة، و جمعه بُطُونٌ، قال تعالى: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ [النجم/ 32]، و قد بَطَنْتُهُ: أصبت بطنه، و الْبَطْنُ: خلاف الظّهر في كلّ شي‏ء، و يقال للجهة السفلى: بَطْنٌ، و للجهة العليا: ظهر، و به شبّه بطن الأمر و بطن الوادي، و الْبَطْنُ من العرب اعتبارا بأنّهم كشخص واحد، و أنّ كلّ قبيلة منهم كعضو بطن و فخذ و كاهل، و على هذا الاعتبار قال الشاعر:
58-
         النّاس جسم و إمام الهدى             رأس و أنت العين في الرأس «1»

و يقال لكلّ غامض: بَطْنٌ، و لكلّ ظاهر:
ظهر، و منه: بُطْنَانُ القدر و ظهرانها، و يقال لما تدركه الحاسة: ظَاهِرٌ، و لما يخفى عنها: بَاطِنٌ.
قال عزّ و جلّ: وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ‏ [الأنعام/ 120]، ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ* [الأنعام/ 151]، و الْبَطِينُ: العظيم البطن، و الْبَطِنُ: الكثير الأكل، و الْمِبْطَانُ: الذي يكثر الأكل حتى يعظم بطنه، و الْبِطْنَةُ: كثرة الأكل، و
قِيلَ: (الْبِطْنَةُ تُذْهِبُ الْفِطْنَةَ) «2».
و قد بَطِنَ الرجل بَطَناً: إذا أشر من الشبع و من كثرة الأكل، و قد بَطِنَ الرجل: عظم بطنه، و مُبَطَّنٌ: خميص البطن، و بُطِنَ الإنسان: أصيب بطنه، و منه: رجل مَبْطُونٌ: عليل البطن، و الْبِطَانَةُ: خلاف الظهارة، و بَطَّنْتُ ثوبي بآخر:
جعلته تحته.
و قد بَطَنَ فلان بفلان بُطُوناً، و تستعار البِطَانَةُ
__________________________________________________
الحماسة للتبريزي 2/ 26.
 [استدراك‏] و الرواية المعروفة [لأول نصل‏] أي: يقتل بأول نصل، و لعلّه تصحّف على المؤلف.
 (1) البيت لعليّ بن جبلة العكوك في حميد الطوسي، و هو في ديوانه ص 74، و عقد الخلاص في نقد كلام الخواص لابن الحنبلي ص 200، و ذيل أمالي القالي 3/ 96، و الأغاني 18/ 113، و له قصة فيه.
 (2) جاء عند أبي نعيم في الطب النبويّ قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: إياكم و البطنة في الطعام و الشراب فإنها مفسدة للجسم، مورثة للفشل، مكسلة عن الصلاة، و عليكم بالقصد فيهما فإنه أصلح. راجع: كشف الخفاء 1/ 286، و المقاصد الحسنة ص 124 و 144.

130
مفردات ألفاظ القرآن

بطن ص 130

لمن تختصه بالاطّلاع على باطن أمرك.
قال عزّ و جل: لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ‏ [آل عمران/ 118] أي: مختصا بكم يستبطن أموركم، و ذلك استعارة من بطانة الثوب، بدلالة قولهم: لبست فلانا: إذا اختصصته، و فلان شعاري و دثاري، و
رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَ لَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلَّا كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ: بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْخَيْرِ وَ تَحُضُّهُ عَلَيْهِ، وَ بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ وَ تَحُثُّهُ عَلَيْهِ» «1».
و الْبِطَانُ: حزام يشدّ على البطن، و جمعه:
أَبْطِنَةٌ و بُطُنٌ، و الْأَبْطَنَانِ: عرقان يمرّان على البطن.
و الْبُطَيْنُ: نجم هو بطن الحمل، و التَّبَطُّنُ:
دخول في باطن الأمر.
و الظاهر و الباطن في صفات اللّه تعالى: لا يقال إلا مزدوجين، كالأوّل و الآخر «2»، فالظاهر قيل: إشارة إلى معرفتنا البديهية، فإنّ الفطرة تقتضي في كلّ ما نظر إليه الإنسان أنه تعالى موجود، كما قال: وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الزخرف/ 84]، و لذلك قال بعض الحكماء: مثل طالب معرفته مثل من طوف في الآفاق في طلب ما هو معه.
و الْبَاطِنُ: إشارة إلى معرفته الحقيقية، و هي التي‏
أَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: يَا مَنْ غَايَةُ مَعْرِفَتِهِ الْقُصُورُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ.
و قيل: ظاهر بآياته باطن بذاته، و قيل: ظاهر بأنّه محيط بالأشياء مدرك لها، باطن من أن يحاط به، كما قال عزّ و جل: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103].
و
قَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا دَلَّ عَلَى تَفْسِيرِ اللَّفْظَتَيْنِ حَيْثُ قَالَ: (تَجَلَّى لِعِبَادِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ رَأَوْهُ، وَ أَرَاهُمْ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَجَلَّى لَهُمْ).
و معرفة ذلك تحتاج إلى فهم ثاقب و عقل وافر.
و قوله تعالى: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً [لقمان/ 20]. قيل: الظاهرة بالنبوّة الْبَاطِنَةُ بالعقل، و قيل: الظاهرة: المحسوسات، و الْبَاطِنَةُ: المعقولات، و قيل: الظاهرة: النصرة على الأعداء بالناس، و الْبَاطِنَةُ: النصرة بالملائكة.
و كلّ ذلك يدخل في عموم الآية.
بطؤ
الْبُطْءُ: تأخر الانبعاث في السير، يقال: بَطُؤَ
__________________________________________________
 (1) الحديث صحيح كما قال البغوي، و قد أخرجه النسائي 7/ 158، و أحمد 3/ 237، و الترمذي (2370) و قال:
حسن صحيح، و انظر: شرح السنة 10/ 75.
 (2) راجع: المقصد الأسنى ص 106.

131
مفردات ألفاظ القرآن

بطؤ ص 131

و تَبَاطَأَ و اسْتَبْطَأَ و أَبْطَأَ، فَبَطُؤَ إذا تخصص بالبطء، و تَبَاطَأَ تحرّى و تكلّف ذلك، و اسْتَبْطَأَ: طلبه، و أَبْطَأَ «1»: صار ذا بطء و يقال: بَطَّأَهُ و أَبْطَأَهُ، و قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ‏ [النساء/ 72] أي: يثبّط غيره.
و قيل: يكثر هو التثبط في نفسه، و المقصد من ذلك أنّ منكم من يتأخر و يؤخّر غيره.
بظر
قرئ في بعض القراءات: (و اللّه أخرجكم من بُظُورِ أمّهاتكم) «2»، و ذلك جمع الْبَظَارَةِ، و هي اللحمة المتدلية من ضرع الشاة، و الهنة الناتئة من الشفة العليا، فعبّر بها عن الهن كما عبّر عنه بالبضع.
بعث‏
أصل الْبَعْثِ: إثارة الشي‏ء و توجيهه، يقال:
بَعَثْتُهُ فَانْبَعَثَ، و يختلف البعث بحسب اختلاف ما علّق به، فَبَعَثْتُ البعير: أثرته و سيّرته، و قوله عزّ و جل: وَ الْمَوْتى‏ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ‏ [الأنعام/ 36]، أي: يخرجهم و يسيرهم إلى القيامة، يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً* [المجادلة/ 6]، زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى‏ وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَ‏ [التغابن/ 7]، ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ [لقمان/ 28]، فالبعث ضربان:
- بشريّ، كبعث البعير، و بعث الإنسان في حاجة.
- و إلهي، و ذلك ضربان:
- أحدهما: إيجاد الأعيان و الأجناس و الأنواع لا عن ليس «3»، و ذلك يختص به الباري تعالى، و لم يقدر عليه أحد.
و الثاني: إحياء الموتى، و قد خص بذلك بعض أوليائه، كعيسى صلّى اللّه عليه و سلم و أمثاله، و منه قوله عزّ و جل:
فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ‏ [الروم/ 56]، يعني: يوم الحشر، و قوله عزّ و جلّ: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ‏ [المائدة/ 31]، أي:
قيّضه، وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل/ 36]، نحو: أَرْسَلْنا رُسُلَنا* [المؤمنون/ 44]، و قوله تعالى: ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى‏ لِما لَبِثُوا أَمَداً [الكهف/ 12]، و ذلك إثارة بلا توجيه إلى مكان، وَ يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [النحل/ 84]، قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ‏ [الأنعام/ 65]، و قال‏
__________________________________________________
 (1) و هذا بمعنى الصيرورة، حيث إنّ صيغة أفعل تأتي للتصيير و الصيرورة، و الأول من الفعل المتعدي و الثاني من اللازم و في هذا قال شيخنا:
         أفعل للتصيير جا كأكفلا             صيرورة كذاك مثل أبقلا
             فأوّل مثال ذي التعدي             و الثاني للّزوم وفقا يبدي.


 (2) سورة النحل: آية 78، و هي قراءة شاذة.
 (3) الليس: اللزوم.

132
مفردات ألفاظ القرآن

بعث ص 132

عزّ و جلّ: فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ‏ [البقرة/ 259]، و على هذا قوله عزّ و جلّ:
وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ‏ [الأنعام/ 60]، و النوم من جنس الموت فجعل التوفي فيهما، و البعث منهما سواء، و قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ‏ [التوبة/ 46]، أي: توجههم و مضيّهم.
بعثر
قال اللّه تعالى: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ‏ [الانفطار/ 4]، أي: قلب ترابها و أثير ما فيها، و من رأى تركيب الرباعي و الخماسيّ من ثلاثيين نحو: تهلل و بسمل «1»: إذا قال: لا إله إلا اللّه و بسم اللّه يقول: إنّ بُعْثِرَ مركّب من: بعث و أثير، و هذا لا يبعد في هذا الحرف، فإنّ الْبَعْثَرَةَ تتضمن معنى بعث و أثير.
بعد
الْبُعْدُ: ضد القرب، و ليس لهما حدّ محدود، و إنما ذلك بحسب اعتبار المكان بغيره، يقال ذلك في المحسوس، و هو الأكثر، و في المعقول نحو قوله تعالى: ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً [النساء/ 167]، و قوله عزّ و جلّ: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت/ 44]، يقال: بعد: إذا تباعد، و هو بعيد، وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود/ 83]، و بَعِدَ: مات، و البعد أكثر ما يقال في الهلاك، نحو: بَعِدَتْ ثَمُودُ [هود/ 95]، و قد قال النابغة:
59-
         في الأدنى و في الْبَعَدِ «2».
و الْبَعَدُ و الْبُعْدُ يقال فيه و في ضد القرب، قال تعالى: فَبُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ‏ [المؤمنون/ 41]، فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ‏ [المؤمنون/ 44]، و قوله تعالى: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ [سبأ/ 8]، أي: الضلال الذي يصعب الرجوع منه إلى الهدى تشبيها بمن ضلّ عن محجّة الطريق بعدا متناهيا، فلا يكاد يرجى له العود إليها، و قوله عزّ و جلّ: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ [هود/ 89]، أي: تقاربونهم في الضلال، فلا يبعد أن يأتيكم ما أتاهم من العذاب.
 (بَعْدُ): يقال في مقابلة قبل، و نستوفي أنواعه في باب (قبل) إن شاء اللّه تعالى.
بعر
قال تعالى: وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ [يوسف/ 72]، الْبَعِيرُ معروف، و يقع على الذكر
__________________________________________________
 (1) و هذا يسمّى النحت، و انظر ص 843.
 (2) تمام البيت:
         فتلك تبلغني النعمان إنّ له             فضلا على الناس في الأدنى و في البعد


و هو للنابغة الذبياني من معلقته، انظر ديوانه ص 33، و شرح المعلقات للنحاس 2/ 166.

133
مفردات ألفاظ القرآن

بعر ص 133

و الأنثى، كالإنسان في وقوعه عليهما، و جمعه أَبْعِرَةٌ و أَبَاعِرُ و بُعْرَانٌ، و الْبَعْرُ: لما يسقط منه، و الْمِبْعَرُ:
موضع البعر، و الْمِبْعَارُ من البعير: الكثير البعر.
بعض‏
بَعْضُ الشي‏ء: جزء منه، و يقال ذلك بمراعاة كلّ، و لذلك يقابل به كلّ، فيقال: بعضه و كلّه، و جمعه أَبْعَاضٌ. قال عزّ و جلّ: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ* [البقرة/ 36]، وَ كَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً [الأنعام/ 129]، وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [العنكبوت/ 25]، و قد بَعَّضْتُ كذا: جعلته أبعاضا نحو جزّأته. قال أبو عبيدة:
وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏ [الزخرف/ 63]، أي: كلّ الذي «1»، كقول الشاعر:
60-
         أو يرتبط بَعْضَ النّفوس حمامها «2»
و في قوله هذا قصور نظر منه «3»، و ذلك أنّ الأشياء على أربعة أضرب:
- ضرب في بيانه مفسدة فلا يجوز لصاحب الشريعة أن يبيّنه، كوقت القيامة و وقت الموت.
- و ضرب معقول يمكن للناس إدراكه من غير نبيّ، كمعرفة اللّه و معرفته في خلق السموات و الأرض، فلا يلزم صاحب الشرع أن يبيّنه، أ لا ترى أنه كيف أحال معرفته على العقول في نحو قوله: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [يونس/ 101]، و بقوله: أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا* [الأعراف/ 184]، و غير ذلك من الآيات.
- و ضرب يجب عليه بيانه، كأصول الشرعيات المختصة بشرعه.
- و ضرب يمكن الوقوف عليه بما بيّنه صاحب الشرع، كفروع الأحكام.
و إذا اختلف الناس في أمر غير الذي يختص بالمنهي بيانه فهو مخيّر بين أن يبيّن و بين ألا يبيّن حسب ما يقتضي اجتهاده و حكمته، فإذا قوله تعالى:
وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏ [الزخرف/ 63]، لم يرد به كل ذلك، و هذا
__________________________________________________
 (1) راجع: مجاز القرآن 2/ 205.
 (2) العجز للبيد، و شطره الأول:
         ترّاك أمكنة، إذا لم أرضها

و هو من معلقته، انظر ديوانه ص 175، و شرح المعلقات 1/ 161.
 (3) قال ثعلب: أجمع أهل النحو على أنّ البعض شي‏ء من أشياء، أو شي‏ء من شي‏ء، إلا هشاما فإنه زعم أنّ قول لبيد:
         أو يعتلق بعض النفوس حمامها

فادّعى و أخطأ أن البعض هاهنا جمع، و لم يكن هذا من عمله و إنما أراد لبيد ببعض النفوس نفسه. انظر: اللسان (بعض).

134
مفردات ألفاظ القرآن

بعض ص 134

ظاهر لمن ألقى العصبية عن نفسه، و أما قول الشاعر:
61-
         أو يرتبط بَعْضَ النفوس حمامها «1»
فإنه يعني به نفسه، و المعنى: إلا أن يتداركني الموت، لكن عرّض و لم يصرح، حسب ما بنيت عليه جملة الإنسان في الابتعاد من ذكر موته. قال الخليل: يقال: رأيت غربانا تَتَبَعَّضُ «2»، أي:
يتناول بعضها بعضا، و الْبَعُوضُ بني لفظه من بعض، و ذلك لصغر جسمها بالإضافة إلى سائر الحيوانات.
بعل‏
الْبَعْلُ هو الذكر من الزوجين، قال اللّه عزّ و جل: وَ هذا بَعْلِي شَيْخاً
 [هود/ 72]، و جمعه بُعُولَةٌ، نحو: فحل و فحولة. قال تعالى:
وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ‏
 [البقرة/ 228]، و لما تصوّر من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها و القائم عليها كما قال تعالى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء/ 34]، سمّي باسمه كل مستعل على غيره، فسمّى العرب معبودهم الذين يتقربون به إلى اللّه بَعْلًا، لاعتقادهم ذلك فيه في نحو قوله تعالى:
أَ تَدْعُونَ بَعْلًا وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ‏
 [الصافات/ 125]، و يقال: أتانا بَعْلُ هذه الدابة، أي: المستعلي عليها، و قيل للأرض المستعلية على غيرها بَعْلٌ، و لفحل النخل بَعْلٌ تشبيها بالبعل من الرجال، و لما عظم حتى يشرب بعروقه بَعْلٌ لاستعلائه،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «فِيمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرُ» «3».
و لمّا كانت وطأة العالي على المستولى عليه مستثقلة في النفس قيل: أصبح فلان بَعْلًا على أهله، أي: ثقيلا لعلوّه عليهم، و بني من لفظ البعل الْمُبَاعَلَةُ و الْبِعَالُ كناية عن الجماع، و بَعَلَ الرجل «4» يَبْعَلُ بُعُولَةً، و اسْتَبْعَلَ فهو بَعْلٌ و مُسْتَبْعِلٌ: إذا صار بعلا، و اسْتَبْعَلَ النخل: عظم «5»، و تصوّر من البعل الذي هو النّخل قيامه في مكانه، فقيل: بَعِلَ فلانٌ بأمره:
إذا أدهش و ثبت مكانه ثبوت النخل في مقرّه، و ذلك كقولهم: ما هو إلا شجر، فيمن لا يبرح.
بغت‏
الْبَغْتُ: مفاجأة الشي‏ء من حيث لا يحتسب.
قال تعالى: لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [الأعراف/
__________________________________________________
 (1) تقدّم في الصفحة السابقة.
 (2) في المخطوطة: تتبعضض، و انظر العين 1/ 283.
 (3) الحديث بهذه الرواية أخرجه ابن ماجة في سننه 1/ 581، و يروى عنه صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال: «فيما سقت السماء و العيون أو كان عثريا العشر، و ما سقي بالنضح نصف العشر» و هذا متفق عليه. راجع: شرح السنة 6/ 42.
 (4) راجع: كتاب الأفعال 4/ 113.
 (5) في اللسان: و استبعل الموضع و النخل: صار بعلا راسخ العروق في الماء مستغنيا عن السقي و عن إجراء الماء إليه.

135
مفردات ألفاظ القرآن

بغت ص 135

187]، و قال: بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً [الأنبياء/ 40]، و قال: تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً* [يوسف/ 107]، و يقال: بَغَتَ كذا فهو بَاغِتٌ. قال الشاعر:
62-
         إذا بَغَتَتْ أشياء قد كان مثلها             قديما فلا تعتدّها بَغَتَاتٍ «1»

بغض‏
الْبُغْضُ: نفار النفس عن الشي‏ء الذي ترغب عنه، و هو ضد الحبّ، فإنّ الحب انجذاب النفس إلى الشي‏ء، الذي ترغب فيه. يقال:
بَغِضَ الشي‏ء بُغْضاً و بَغَضْتُهُ «2» بَغْضَاءَ. قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ [المائدة/ 64]، و قال: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ [المائدة/ 91]، و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ» «3».
فذكر بغضه له تنبيه على بعد فيضه و توفيق إحسانه منه.
بغل‏
قال اللّه تعالى: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ [النحل/ 8]، و الْبَغْلُ: المتولّد من بين الحمار و الفرس، و تَبَغَّلَ البعير: تشبّه به في سعة مشيه، و تصوّر منه عرامته و خبثه، فقيل في صفة النذل:
هو بَغْلٌ.
بغي‏
الْبَغْيُ: طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرّى، تجاوزه أم لم يتجاوزه، فتارة يعتبر في القدر الذي هو الكمية، و تارة يعتبر في الوصف الذي هو الكيفية، يقال: بَغَيْتُ الشي‏ء: إذا طلبت أكثر ما يجب، و ابْتَغَيْتُ كذلك، قال اللّه عزّ و جل: لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ‏ [التوبة/ 48]، و قال تعالى:
يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ [التوبة/ 47]. و الْبَغْيُ على ضربين:
- أحدهما محمود، و هو تجاوز العدل إلى الإحسان، و الفرض إلى التطوع.
- و الثاني مذموم، و هو تجاوز الحق إلى الباطل، أو تجاوزه إلى الشّبه، كما
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْحَقُّ بَيِّنٌ وَ الْبَاطِلُ بَيِّنٌ، وَ بَيْنَ ذَلِكَ أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، وَ مَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى أَوْشَكَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» «4».
و لأنّ البغي قد يكون محمودا و مذموما، قال تعالى: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَ يَبْغُونَ فِي‏

__________________________________________________
 (1) البيت لابن الرومي، و هو في الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 172، و ديوانه 1/ 377 من قصيدة يعزّي فيها عبيد اللّه بن عبد اللّه عن والدته، و الدر المصون 3/ 689 دون نسبة.
 (2) جاء بغضه عن ثعلب وحده.
 (3) الحديث أخرجه أحمد عن أسامة بن زيد و الطبراني. راجع: مسند أحمد 2/ 199، و المعجم الأوسط 1/ 221.
 (4) الحديث يروى عن النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «الحلال بيّن و الحرام بيّن، و بينهما.

136
مفردات ألفاظ القرآن

بغي ص 136

الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [الشورى/ 42]، فخصّ العقوبة ببغيه بغير الحق.
و أَبْغَيْتُكَ: أعنتك على طلبه، و بَغَى الجرح: تجاوز الحدّ في فساده، و بَغَتِ المرأة بِغَاءً: إذا فجرت، و ذلك لتجاوزها إلى ما ليس لها. قال عزّ و جلّ: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور/ 33]، و بَغَتِ السماء: تجاوزت في المطر حدّ المحتاج إليه، و بَغَى: تكبّر، و ذلك لتجاوزه منزلته إلى ما ليس له، و يستعمل ذلك في أي أمر كان. قال تعالى: يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ* [الشورى/ 42]، و قال تعالى:
إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ‏ [يونس/ 23]، ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ‏ [الحج/ 60]، إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى‏ فَبَغى‏ عَلَيْهِمْ‏ [القصص/ 76]، و قال: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى‏ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي‏ [الحجرات/ 9]، فالبغي في أكثر المواضع مذموم، و قوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ* [البقرة/ 173]، أي: غير طالب ما ليس له طلبه و لا متجاوز لما رسم له.
قَالَ الْحَسَنُ: غَيْرَ مُتَنَاوِلٍ لِلَذَّةٍ وَ لَا مُتَجَاوِزٍ سَدَّ الْجَوْعَةِ «1».
و
قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: غَيْرَ باغٍ‏ عَلَى إِمَامٍ وَ لا عادٍ فِي الْمَعْصِيَةِ طَرِيقَ الْحَقِّ «2».
و أمّا الِابْتِغَاءُ فقد خصّ بالاجتهاد في الطلب، فمتى كان الطلب لشي‏ء محمود فالابتغاء فيه محمود نحو: ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ‏ [الإسراء/ 28]، و ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ [الليل/ 20]، و قولهم: يَنْبَغِي مطاوع بغى. فإذا قيل: ينبغي أن يكون كذا؟
فيقال على وجهين: أحدهما ما يكون مسخّرا للفعل، نحو: النار يَنْبَغِي أن تحرق الثوب، و الثاني: على معنى الاستئهال، نحو: فلان يَنْبَغِي أن يعطى لكرمه، و قوله تعالى: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ‏ [يس/ 69]، على الأول، فإنّ معناه لا يتسخّر و لا يتسهّل له، أ لا ترى أنّ لسانه لم يكن يجري به، و قوله تعالى: وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي‏ [ص/ 35].
__________________________________________________
مشبّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه و دينه، و من وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه». و هذه الرواية الصحيحة، و الحديث أخرجه البخاري في الإيمان (انظر فتح الباري 1/ 116)، و مسلم في المساقاة رقم (1599).
 (1) و مثله عن الشعبي و النخعي قالا: إذا اضطر إلى الميتة أكل منها قدر ما يقيمه. راجع الدر المنثور 1/ 408.
 (2) أخرج هذا عن مجاهد البيهقي في المعرفة و السنن و ابن أبي شيبة و ابن المنذر و غيرهم. انظر: الدر المنثور 1/ 408.

137
مفردات ألفاظ القرآن

بقر ص 138

بقر
الْبَقَرُ واحدته بَقَرَةٌ. قال اللّه تعالى: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا [البقرة/ 70]، و قال: بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ [البقرة/ 68]، بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها [البقرة/ 69]، و يقال في جمعه:
بَاقِرٌ «1» كحامل، و بَقِيرٌ كحكيم و قيل: بَيْقُورٌ، و قيل للذكر: ثور، و ذلك نحو: جمل و ناقة، و رجل و امرأة.
و اشتق من لفظه لفظ لفعله، فقيل: بَقَرَ لأرض، أي: شق، و لما كان شقه واسعا استعمل في كلّ شق واسع. يقال: بَقَرْتُ بطنه:
إذا شققته شقا واسعا،
وَ سُمِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَاقِراً «2» لِتَوَسُّعِهِ فِي دَقَائِقِ الْعُلُومِ وَ بَقْرِهِ بَوَاطِنَهَا.
و بَيْقَرَ الرجل في المال و في غيره: اتسع فيه، و بَيْقَرَ في سفره: إذا شقّ أرضا إلى أرض متوسعا في سيره، قال الشاعر:
63-
         ألا هل أتاها و الحوادث جمّة             بأنّ امرئ القيس بن تملك بَيْقَرَا «3»

و بَقَّرَ الصبيان: إذا لعبوا الْبُقَّيْرَى، و ذلك إذا بقّروا حولهم حفائر. و الْبَيْقَرَانُ: نبت، قيل: إنّه يشق الأرض لخروجه و يشقّه بعروقه.
بقل‏
قوله تعالى: بَقْلِها وَ قِثَّائِها [البقرة/ 61]، الْبَقْلُ: ما لا ينبت أصله و فرعه في الشتاء، و قد اشتق من لفظه لفظ الفعل، فقيل: بَقَلَ، أي:
نبت، و بَقَلَ وجه الصبيّ تشبيها به «4»، و كذا بَقَلَ ناب البعير، قاله ابن السكّيت «5».
و أَبْقَلَ المكان: صار ذا بقل «6» فهو مُبْقِلٌ، و بَقَلْتُ البقل: جززته، و الْمَبْقَلَةُ: موضعه.
بقي‏
الْبَقَاءُ: ثبات الشي‏ء على حاله الأولى، و هو يضادّ الفناء، و قد بَقِيَ بَقَاءً، و قيل: بَقَى «7» في الماضي موضع بقي، و
فِي الْحَدِيثِ: «بَقَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ» «8».
أي: انتظرناه و ترصّدنا له مدة كثيرة، و الْبَاقِي ضربان: باق بنفسه لا إلى مدّة و هو الباري تعالى، و لا يصحّ عليه الفناء، و باق‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن سيده: و الجمع بقر، و جمع البقر: أبقر، كزمن و أزمن. فأما باقر و بقير و بيقور و باقور فأسماء للجمع.
راجع: اللسان (بقر).
 (2) انظر: اللسان (بقر) 4/ 74، و سير أعلام النبلاء 4/ 401، و وفيات الأعيان 4/ 174.
 (3) البيت لامرئ القيس في ديوانه ص 62، و اللسان (بقر)، و المجمل 1/ 131، و الخصائص 1/ 335.
 (4) انظر: الأفعال 4/ 76.
 (5) و عبارته: قد بقل وجهه يبقل بقولا: إذا خرج شعر وجهه، و قد بقل ناب البعير بقولا: إذا طلع، راجع: إصلاح المنطق ص 275.
 (6) راجع مادة (بطأ) حاشية رقم 1.
 (7) و هي لغة بلحرث بن كعب.
 (8) الحديث عن معاذ بن جبل قال: بقينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في صلاة العتمة فتأخر، حتى ظنّ الظان أنه ليس بخارج و القائل.

138
مفردات ألفاظ القرآن

بقي ص 138

بغيره و هو ما عداه و يصح عليه الفناء.
و الباقي باللّه ضربان:
- باق بشخصه إلى أن يشاء اللّه أن يفنيه، كبقاء الأجرام السماوية.
- و باق بنوعه و جنسه دون شخصه و جزئه، كالإنسان و الحيوان.
و كذا في الآخرة باق بشخصه كأهل الجنة، فإنهم يبقون على التأبيد لا إلى مدّة، كما قال عزّ و جل: خالِدِينَ فِيها* [البقرة/ 162].
و الآخر بنوعه و جنسه، كما
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «أَنَّ ثِمَارَ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَقْطِفُهَا أَهْلُهَا وَ يَأْكُلُونَهَا ثُمَّ تَخَلَّفَ مَكَانَهَا مِثْلُهَا» «1».
و لكون ما في الآخرة دائما، قال اللّه عزّ و جل: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏* [القصص/ 60]، و قوله تعالى: وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ* [الكهف/ 46]، أي:
ما يبقى ثوابه للإنسان من الأعمال، و قد فسّر بأنها الصلوات الخمس، و قيل: سبحان اللّه و الحمد للّه «2»، و الصحيح أنها كلّ عبادة يقصد بها وجه اللّه تعالى «3»، و على هذا قوله: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ‏ [هود/ 86]، و أضافها إلى اللّه تعالى، و قوله تعالى: فَهَلْ تَرى‏ لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ [الحاقة/ 8]. أي: جماعة باقية، أو:
فعلة لهم باقية. و قيل: معناه: بقية. قال: و قد جاء من المصادر ما هو على فاعل «4»، و ما هو على بناء مفعول «5»، و الأوّل أصح.
بك‏
بَكَّةُ هِيَ مَكَّةُ عَنْ مُجَاهِدٍ
و جعله نحو: سبد رأسه و سمده، و ضربة لازب و لازم في كون الباء
__________________________________________________
منا يقول: صلى، فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا له كما قالوا، فقال: «أعتموا هذه الصلاة، فإنكم قد فضّلتم بها على سائر الأمم، و لم تصلّها أمة قبلكم» أخرجه أبو داود في باب وقت العشاء الآخرة. راجع معالم السنن 1/ 131.
 (1) الحديث عن ثوبان أنه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرة إلا أعيد في مكانها مثلاها» أخرجه البزار و الطبراني، راجع: الدر المنثور 1/ 97.
 (2) راجع: الدر المنثور للسيوطي 5/ 396.
 (3) و هذا قول قتادة فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم و ابن مردويه. انظر: الدر المنثور 5/ 399.
 (4) و في ذلك قال أبو بكر ابن محنض الشنقيطي:
            فاعلة المصدر منها العافية             ناشئة نازلة و واقية
             باقية لديهم و خاطئة             م الهاء كالنائل جاءت عارية

و مثلها صاعقة و راغية.
 (5) المصادر التي جاءت على وزن مفعول جمعها بعضهم فقال:
              مجلودكم محلوفكم معقول             مصادر يزنها مفعول‏
             كذلك المغسول و المعسول             فأصغ ليتا أيها النبيل‏

و زاد شيخنا عليها:
             و مثل ذاك أيضا الميسور             و مثله في ذلك المعسور.

 

139
مفردات ألفاظ القرآن

بك ص 139

بدلا من الميم. قال عزّ و جلّ: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً [آل عمران/ 96]. و قيل: بطن مكة، و قيل: هي اسم المسجد، و قيل: هي البيت، و قيل: هي حيث الطواف «1» و سمّي بذلك من التَّبَاكِّ، أي:
الازدحام، لأنّ الناس يزدحمون فيه للطواف، و
قِيلَ: سُمِّيَتْ مَكَّةُ بَكَّةَ لِأَنَّهَا تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إِذَا أَلْحَدُوا فِيهَا بِظُلْمٍ.
بكر
أصل الكلمة هي الْبُكْرَةُ التي هي أوّل النهار، فاشتق من لفظه لفظ الفعل، فقيل: بَكَرَ فلان بُكُوراً: إذا خرج بُكْرَةً، و الْبَكُورُ: المبالغ في البكرة، و بَكَّرَ في حاجته و ابْتَكَرَ و بَاكَرَ مُبَاكَرَةً.
و تصوّر منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار، فقيل لكلّ متعجل في أمر: بِكْرٌ، قال الشاعر:
64-
         بَكَرَتْ تلومك بعد وهن في النّدى             بسل عليك ملامتي و عتابي «2»

و سمّي أول الولد بِكْراً، و كذلك أبواه في ولادته [إيّاه تعظيما له، نحو: بيت اللّه، و قيل:
أشار إلى ثوابه و ما أعدّ لصالحي عباده ممّا لا يلحقه الفناء، و هو المشار إليه بقوله تعالى: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ‏] «3» [العنكبوت/ 64]، قال الشاعر:
65-
         يا بِكْرَ بِكْرَيْنِ و يا خلب الكبد «4»
فبكر في قوله تعالى: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ [البقرة/ 68]. هي التي لم تلد، و سمّيت التي لم تفتضّ بِكْراً اعتبارا بالثيّب، لتقدّمها عليها فيما يراد له النساء، و جمع البكر أَبْكَارٌ. قال تعالى:
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً* فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً [الواقعة/ 35- 36]. و الْبَكَرَةُ: المحالة الصغيرة، لتصوّر السرعة فيها.
بكم‏
قال عزّ و جلّ: صُمٌّ بُكْمٌ* [البقرة/ 18]، جمع أَبْكَمَ، و هو الذي يولد أخرس، فكلّ أبكم أخرس، و ليس كل أخرس أبكم، قال تعالى:
وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ [النحل/ 76]، و يقال: بَكُمَ عن‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الدر المنثور 2/ 57.
 (2) البيت في اللسان (بكر) بلا نسبة. و هو لضمرة بن ضمرة النهشلي، و هو من نوادر أبي زيد ص 2، و الأفعال 4/ 67، و البرصان و العرجان للجاحظ ص 59، و أمالي القالي 2/ 279.
 (3) ما بين [] ليس في نسخة المحمودية رقم 2091، و هو ثابت في باقي النسخ، و لا أرى له تعلّقا بما قبله سوى قوله تعظيما له نحو بيت اللّه.
 (4) هذا شطر بيت، و عجزه:
         أصبحت مني كذراع من عضد

و هو في اللسان (بكر)، و غريب الحديث للخطّابي 2/ 315، و الصحاح: بكر، و ديوان الأدب للفارابي 1/ 180، و أمالي القالي 1/ 24 و لم ينسبه أحد منهم، و البيت للكميت في ديوانه 1/ 166، و مثلث البطليوسي 1/ 362.
الخلب: حجاب القلب. و منه قيل: إنّه لخلب النساء، أي: يحببنه.

140
مفردات ألفاظ القرآن

بكم ص 140

الكلام: إذا ضعف عنه لضعف عقله، فصار كالأبكم.
بكي‏
بَكَى يَبْكِي بُكًى و بُكَاءً، فالبكاء بالمدّ: سيلان الدمع عن حزن و عويل، يقال إذا كان الصوت أغلب كالرّغاء و الثغاء و سائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت، و بالقصر يقال إذا كان الحزن أغلب، و جمع الْبَاكِي بَاكُونَ و بُكِيٌّ، قال اللّه تعالى: خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا [مريم/ 58]. و أصل بكيّ فُعُول «1»، كقولهم: ساجد و سجود، و راكع و ركوع، و قاعد و قعود، لكن قلب الواو ياء فأدغم نحو: جاث و جثيّ، و عات و عتيّ، و بُكًى يقال في الحزن و إسالة الدمع معا، و يقال في كل واحد منهما منفردا عن الآخر، و قوله عزّ و جلّ: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً [التوبة/ 82] إشارة إلى الفرح و الترح و إن لم تكن مع الضحك قهقهة و لا مع البكاء إسالة دمع.
و كذلك قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ‏ [الدخان/ 29]، و قد قيل:
إنّ ذلك على الحقيقة، و ذلك قول من يجعل لهما حياة و علما، و قيل: ذلك على المجاز، و تقديره:
فما بكت عليهم أهل السماء.
بل‏
بَلْ كلمة للتدارك، و هو ضربان:
- ضرب يناقض ما بعده ما قبله، لكن ربما يقصد به لتصحيح الحكم الذي بعده و إبطال ما قبله، و ربما يقصد تصحيح الذي قبله و إبطال الثاني، فممّا قصد به تصحيح الثاني و إبطال الأول قوله تعالى: إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ [المطففين/ 13- 14]، أي:
ليس الأمر كما قالوا بل جهلوا، فنبّه بقوله:
رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ على جهلهم، و على هذا قوله في قصة إبراهيم قالُوا أَ أَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ‏ [الأنبياء/ 62- 63].
و ممّا قصد به تصحيح الأول و إبطال الثاني قوله تعالى: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَ أَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ* كَلَّا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ‏ [الفجر/ 15- 17].
أي: ليس إعطاؤهم المال من الإكرام و لا منعهم من الإهانة، لكن جهلوا ذلك لوضعهم المال في غير موضعه، و على ذلك قوله تعالى:
__________________________________________________
 (1) إلا أنهم قلبوا الواو ياء ثم أدغموها مع الياء.

141
مفردات ألفاظ القرآن

بل ص 141

ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ* بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ‏ [ص/ 1- 2]، فإنّه دلّ بقوله:
وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أنّ القرآن مقرّ للتذكر، و أن ليس امتناع الكفار من الإصغاء إليه أن ليس موضعا للذكر، بل لتعزّزهم و مشاقّتهم، و على هذا: ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ* بَلْ عَجِبُوا [ق/ 1- 2]، أي: ليس امتناعهم من الإيمان بالقرآن أن لا مجد للقرآن، و لكن لجهلهم، و نبّه بقوله: بَلْ عَجِبُوا على جهلهم، لأنّ التعجب من الشي‏ء يقتضي الجهل بسببه، و على هذا قوله عزّ و جلّ: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ* الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ* فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ* كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ‏ [الانفطار/ 6- 9]، كأنه قيل: ليس هاهنا ما يقتضي أن يغرّهم به تعالى، و لكن تكذيبهم هو الذي حملهم على ما ارتكبوه.
- و الضرب الثاني من «بَلْ»: هو أن يكون مبيّنا للحكم الأول و زائدا عليه بما بعد «بل»، نحو قوله تعالى: بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [الأنبياء/ 5]، فإنّه نبّه أنهم يقولون: أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ‏، يزيدون على ذلك أنّ الذي أتى به مفترى افتراه، بل يزيدون فيدّعون أنه كذّاب، فإنّ الشاعر في القرآن عبارة عن الكاذب بالطبع، و على هذا قوله تعالى: لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَ لا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ* بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ‏ [الأنبياء/ 39- 40]، أي: لو يعلمون ما هو زائد عن الأول و أعظم منه، و هو أن تأتيهم بغتة، و جميع ما في القرآن من لفظ «بل» لا يخرج من أحد هذين الوجهين و إن دقّ الكلام في بعضه.
بلد
الْبَلَدُ: المكان المحيط المحدود المتأثر باجتماع قطّانه و إقامتهم فيه، و جمعه: بِلَادٌ و بُلْدَانٌ، قال عزّ و جلّ: لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ
 [البلد/ 1]، قيل: يعني به مكة «1». قال تعالى:
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ [سبأ/ 15]، فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [الزخرف/ 11]، و قال عزّ و جلّ:
فَسُقْناهُ إِلى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ‏ [الأعراف/ 57]، رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً [البقرة/ 126]، يعني: مكة و تخصيص ذلك في أحد الموضعين و تنكيره في الموضع الآخر له موضع غير هذا الكتاب «2».
__________________________________________________
 (1) و هذا قول ابن عباس فيما أخرجه عنه ابن جرير: 30/ 193 و ابن أبي حاتم.
 (2) قال الإسكافي: (قوله تعالى في البقرة: ربّ اجعل هذا بلدا آمنا، و في سورة إبراهيم: ربّ اجعل هذا البلد آمنا. قال: الجواب أن يقال: الدعوة الأولى وقعت و لم يكن المكان قد جعل بلدا، فكأنّه قال: اجعل هذا الوادي بلدا آمنا، و الدعوة الثانية وقعت و قد جعل بلدا، فكأنه قال: اجعل هذا المكان الذي صيّرته كما أردت و مصرته كما سألت ذا أمن على من أوى إليه). ا. ه مختصرا. راجع درة التنزيل للإسكافي ص 29، و فتح الرحمن للأنصاري ص 39، و ملاك التأويل 1/ 90.

142
مفردات ألفاظ القرآن

بلد ص 142

و سميت المفازة بَلَداً لكونها موطن الوحشيات، و المقبرة بَلَداً لكونها موطنا للأموات، و الْبَلْدَةُ منزل من منازل القمر، و الْبَلْدَةُ: البلجة ما بين الحاجبين تشبيها بالبلد لتمدّدها، و سميت الكركرة بَلْدَةً لذلك، و ربما استعير ذلك لصدر الإنسان «1»، و لاعتبار الأثر قيل: بجلده بَلَدٌ، أي: أثر، و جمعه: أَبْلَادٌ، قال الشاعر:
66-
         و في النّحور كلوم ذات أَبْلَادٍ «2»
و أَبْلَدَ الرجل: صار ذا بلد، نحو: أنجد و أتهم «3». و بَلِدَ: لزم البلد.
و لمّا كان اللازم لموطنه كثيرا ما يتحيّر إذا حصل في غير موطنه قيل للمتحيّر: بَلُدَ في أمره و أَبْلَدَ و تَبَلَّدَ، قال الشاعر:
67-
         لا بدّ للمحزون أن يَتَبَلَّدَا «4»
و لكثرة وجود الْبَلَادَةِ فيمن كان جلف البدن قيل: رجل أَبْلَدُ، عبارة عن عظيم الخلق، و قوله تعالى: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف/ 58]، كنايتان عن النفوس الطاهرة و النجسة فيما قيل «5».
بلس‏
الْإِبْلَاسُ: الحزن المعترض من شدة البأس، يقال: أَبْلَسَ، و منه اشتق إِبْلِيسُ فيما قيل. قال عزّ و جلّ: وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ‏ [الروم/ 12]، و قال تعالى:
أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ‏ [الأنعام/ 44]، و قال تعالى: وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ‏
 [الروم/ 49].
و لمّا كان المبلس كثيرا ما يلزم السكوت و ينسى ما يعنيه قيل: أَبْلَسَ فلان: إذا سكت و إذا انقطعت حجّته، و أَبْلَسَتِ الناقة فهي مِبْلَاسٌ: إذا
__________________________________________________
 (1) يقال: فلان واسع البلدة، أي: واسع الصدر.
 (2) هذا عجز بيت للقطامي، و صدره:
         ليست تجرّح فرّارا ظهورهم‏

و هو في اللسان (بلد)، و ديوانه ص 12، و المشوف المعلم 1/ 117، و البصائر 2/ 273، و إصلاح المنطق ص 410.
 (3) راجع: مادة (ألف).
 (4) البيت يروى:
         ألا لا تلمه اليوم أن يتبلّدا             فقد غلب المحزون أن يتجلّدا
و هي في اللسان: (بلد)، و يروى:
         لا بدّ للمصدور من أن يسعلا

و هو في اللسان: (صدر) 4/ 45 و البيت للأحوص، و هو في الأغاني 13/ 153، و ديوانه ص 98.
 (5) و هذا مروي عن ابن عباس و قتادة. راجع الدر المنثور 3/ 478.

143
مفردات ألفاظ القرآن

بلس ص 143

لم ترع من شدة الضبعة. و أمّا الْبَلَاسُ: للمسح، ففارسيّ معرّب «1».
بلع‏
قال عزّ و جلّ: يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ‏ [هود/ 44]، من قولهم: بَلِعْتُ الشي‏ء و ابْتَلَعْتُهُ، و منه: الْبَلُّوعَةُ. و سعد بُلَعَ نجم، و بَلَّعَ الشيب في رأسه: أول ما يظهر.
بلغ‏
الْبُلُوغُ و الْبَلَاغُ: الانتهاء إلى أقصى المقصد و المنتهى، مكانا كان أو زمانا، أو أمرا من الأمور المقدّرة، و ربما يعبّر به عن المشارفة عليه و إن لم ينته إليه، فمن الانتهاء: بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف/ 15]، و قوله عزّ و جلّ:
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَ‏ [البقرة/ 232]، و ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ [غافر/ 56]، فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ‏ [الصافات/ 102]، لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ‏ [غافر/ 36]، أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ [القلم/ 39]، أي: منتهية في التوكيد.
و الْبَلَاغُ: التبليغ، نحو قوله عزّ و جلّ: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ‏ [إبراهيم/ 52]، و قوله عزّ و جلّ:
بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ‏ [الأحقاف/ 35]، وَ ما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ [يس/ 17]، فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ‏ [الرعد/ 40].
و الْبَلَاغُ: الكفاية، نحو قوله عزّ و جلّ: إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ‏ [الأنبياء/ 106]، و قوله عزّ و جلّ: وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏ [المائدة/ 67]، أي: إن لم تبلّغ هذا أو شيئا مما حمّلت تكن في حكم من لم يبلّغ شيئا من رسالته، و ذلك أنّ حكم الأنبياء و تكليفاتهم أشدّ، و ليس حكمهم كحكم سائر الناس الذين يتجافى عنهم إذا خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً، و أمّا قوله عزّ و جلّ: فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏ [الطلاق/ 2]، فللمشارفة، فإنها إذا انتهت إلى أقصى الأجل لا يصح للزوج مراجعتها و إمساكها.
و يقال: بَلَّغْتُهُ الخبر و أَبْلَغْتُهُ مثله، و بلّغته أكثر، قال تعالى: أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي* [الأعراف/ 62]، و قال: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ [المائدة/ 67]، و قال عزّ و جلّ: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ‏ [هود/ 57]، و قال تعالى: بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ [آل عمران/ 40]، و في موضع: وَ قَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم/ 8]، و ذلك نحو: أدركني الجهد و أدركت‏
__________________________________________________
 (1) قال أبو عبيدة: و مما دخل في كلام العرب من كلام فارس: المسح، تسميه العرب البلاس، و هو فارسي معرّب.
و من دعائهم: أرانيك اللّه على البلس، و هي غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين.

144
مفردات ألفاظ القرآن

بلغ ص 144

الجهد، و لا يصحّ: بلغني المكان و أدركني.
و الْبَلَاغَةُ تقال على وجهين:
- أحدهما: أن يكون بذاته بليغا، و ذلك بأن يجمع ثلاثة أوصاف: صوبا في موضوع لغته، و طبقا للمعنى المقصود به، و صدقا في نفسه «1»، و متى اخترم وصف من ذلك كان ناقصا في البلاغة.
- و الثاني: أن يكون بليغا باعتبار القائل و المقول له، و هو أن يقصد القائل أمرا فيورده على وجه حقيق أن يقبله المقول له، و قوله تعالى: وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً
 [النساء/ 63]، يصح حمله على المعنيين، و قول من قال «2»: معناه قل لهم: إن أظهرتم ما في أنفسكم قتلتم، و قول من قال: خوّفهم بمكاره تنزل بهم، فإشارة إلى بعض ما يقتضيه عموم اللفظ، و الْبُلْغَةُ: ما يتبلّغ به من العيش.
بلى‏
يقال: بَلِيَ الثوب بِلًى و بَلَاءً، أي: خلق، و منه قيل لمن سافر: بِلْوُ سفر و بِلْيُ سفر، أي:
أبلاه السفر، و بَلَوْتُهُ: اختبرته كأني أخلقته من كثرة اختباري له، و قرئ: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ‏
 «3» [يونس/ 30]، أي: تعرف حقيقة ما عملت، و لذلك قيل: بَلَوْتُ فلانا: إذا اختبرته، و سمّي الغم بَلَاءً من حيث إنه يبلي الجسم، قال تعالى: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ* [البقرة/ 49]، وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ‏ الآية [البقرة/ 155]، و قال عزّ و جل: إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ‏ [الصافات/ 106]، و سمي التكليف بَلَاءً من أوجه:
- أحدها: أن التكاليف كلها مشاق على الأبدان، فصارت من هذا الوجه بلاء.
- و الثاني: أنّها اختبارات، و لهذا قال اللّه عزّ و جل: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ‏ [محمد/ 31].
- و الثالث: أنّ اختبار اللّه تعالى للعباد تارة بالمسار ليشكروا، و تارة بالمضار ليصبروا، فصارت المحنة و المنحة جميعا بلاء، فالمحنة مقتضية للصبر، و المنحة مقتضية للشكر.
و القيام بحقوق الصبر أيسر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة أعظم البلاءين، و بهذا النظر
قَالَ عُمَرَ: (بُلِينَا بِالضَّرَّاءِ فَصَبَرْنَا وَ بُلِينَا بِالسَّرَّاءِ فَلَمْ نَشْكُرُ) «4».
و لهذا
قَالَ أَمِيرُ
__________________________________________________
 (1) و في هذا يقول مخلوف الميناوي:
         بلاغة الكلام أن يطابقا            - و هو فصيح- مقتضى الحال ثقا.
 (2) هو الزجاج في معاني القرآن 2/ 70.
 (3) و هي قراءة الجميع عدا حمزة و الكسائي.
 (4) انظر الزهد لابن المبارك ص 182، و الرياض النضرة للطبري 4/ 314، و سنن الترمذي 3/ 307.
                 

145
مفردات ألفاظ القرآن

بلى ص 145

الْمُؤْمِنِينَ: مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ فَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ مُكِرَ بِهِ فَهُوَ مَخْدُوعٌ عَنْ عَقْلِهِ «1».
و قال تعالى: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء/ 35]، وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً «2» [الأنفال/ 17]، و قوله عزّ و جل: وَ فِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ* [البقرة/ 49]، راجع إلى الأمرين، إلى المحنة التي في قوله عزّ و جل: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ* [البقرة/ 49]، و إلى المنحة التي أنجاهم، و كذلك قوله تعالى: وَ آتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤٌا مُبِينٌ
 [الدخان/ 33]، راجع إلى الأمرين، كما وصف كتابه بقوله: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت/ 44].
و إذا قيل: ابْتَلَى فلان كذا و أَبْلَاهُ فذلك يتضمن أمرين: أحدهما تعرّف حاله و الوقوف على ما يجهل من أمره، و الثاني ظهور جودته و رداءته، و ربما قصد به الأمران، و ربما يقصد به أحدهما، فإذا قيل في اللّه تعالى: بَلَا كذا و أَبْلَاهُ فليس المراد منه إلا ظهور جودته و رداءته، دون التعرف لحاله، و الوقوف على ما يجهل من أمره إذ كان اللّه علّام الغيوب، و على هذا قوله عزّ و جل: وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ‏ [البقرة/ 124].
و يقال: أَبْلَيْتُ فلانا يمينا: إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها «3».
بَلَى: ردّ للنفي نحو قوله تعالى: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ* بَلى‏ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة/ 80- 81]، أو جواب لاستفهام مقترن بنفي نحو: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا: بَلى‏ [الأعراف/ 172].
و (نَعَمْ) يقال في الاستفهام المجرّد نحو:
فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا: نَعَمْ [الأعراف/ 44]، و لا يقال هاهنا: بلى فإذا قيل:
ما عندي شي‏ء فقلت: بلى فهو ردّ لكلامه، و إذا قلت نعم فإقرار منك.
قال تعالى: فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى‏ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ [النحل/ 28]، وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى‏ وَ رَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ‏ [سبأ/ 3]، وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى‏ [الزمر/ 71]، قالُوا أَ وَ لَمْ تَكُ‏
__________________________________________________
 (1) انظر ربيع الأبرار 1/ 45.
 (2) و انظر: بصائر ذوي التمييز 2/ 274، فقد نقل الفيروزآبادي غالب هذا الباب.
 (3) انظر: اللسان (بلا) 14/ 84.

146
مفردات ألفاظ القرآن

بلى ص 145

تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى‏ [غافر/ 50].
بنَ‏
الْبَنَانُ: الأصابع، قيل: سمّيت بذلك لأنّ بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان أن يبنّ بها، يريد: أن يقيم بها، و يقال: أَبَنَّ بالمكان يُبِنُّ «1»، و لذلك خصّ في قوله تعالى: بَلى‏ قادِرِينَ عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ‏
 [القيامة/ 4]، و قوله تعالى:
وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ‏ [الأنفال/ 12]، خصّه لأجل أنهم بها تقاتل و تدافع، و الْبَنَّةُ:
الرائحة التي تبنّ بما تعلق به.
بنى‏
يقال: بَنَيْتُ أَبْنِي بِنَاءً و بِنْيَةً و بِنًى. قال عزّ و جلّ: وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً [النبأ/ 12]. و الْبِنَاءُ: اسم لما يبنى بناء، قال تعالى:
لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ [الزمر/ 20]، و الْبَنِيَّةُ يعبر بها عن بيت اللّه تعالى «2». قال تعالى: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات/ 47]، وَ السَّماءِ وَ ما بَناها [الشمس/ 5]، و الْبُنْيَانُ واحد لا جمع، لقوله تعالى: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏ [التوبة/ 110]، و قال: كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ‏ [الصف/ 4]، قالُوا: ابْنُوا لَهُ بُنْياناً [الصافات/ 97]، و قال بعضهم: بُنْيَانٌ جمع بُنْيَانَةٍ، فهو مثل: شعير و شعيرة، و تمر و تمرة، و نخل و نخلة، و هذا النحو من الجمع يصح تذكيره و تأنيثه.
و (ابْنٌ) أصله: بنو، لقولهم في الجمع:
أَبْنَاءٌ، و في التصغير: بُنَيٌّ، قال تعالى: يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى‏ إِخْوَتِكَ‏ [يوسف/ 5]، يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى‏ فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ‏ [الصافات/ 102]، يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ‏
 [لقمان/ 13]، يا بُنَيَّ لا تعبُد الشيطان، و سمّاه بذلك لكونه بناء للأب، فإنّ الأب هو الذي بناه و جعله اللّه بناء في إيجاده، و يقال لكلّ ما يحصل من جهة شي‏ء أو من تربيته، أو بتفقده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره: هو ابْنُهُ، نحو: فلان ابْنُ الحرب، و ابْنُ السبيل للمسافر، و ابْنُ الليل، و ابْنُ العلم، قال الشاعر:
68-
         أولاك بَنُو خير و شرّ كليهما «3»
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: أبنّ بالمكان: أقام. راجع: الأفعال 4/ 128.
 (2) العين 8/ 382.
 (3) هذا شطر بيت، و عجزه:
         جميعا و معروف ألمّ و منكر

و نسبه الجاحظ للعتبي، و اسمه محمد بن عبد اللّه و هو وهم و لم يعلّق عليه المحقق هارون، و البيت في الحيوان 2/ 89، [استدراك‏] و الصناعتين ص 59.
و الصحيح أنّ البيت لمسافع بن حذيفة العبسي، و هو في شرح الحماسة للتبريزي 3/ 24، و الخزانة 5/ 71، و مثلث البطليوسي 1/ 340.
                       

147
مفردات ألفاظ القرآن

بنى ص 147

و فلان ابْنُ بطنه و ابْنُ فرجه: إذا كان همّه مصروفا إليهما، و ابْنُ يومه: إذا لم يتفكّر في غده. قال تعالى: وَ قالَتِ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَ قالَتِ النَّصارى‏: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ‏ [التوبة/ 30].
و قال تعالى: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي‏ [هود/ 45]، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ‏ [يوسف/ 81]، و جمع ابْن: أَبْنَاء و بَنُون، قال عزّ و جل: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً [النحل/ 72]، و قال عزّ و جلّ: يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ [يوسف/ 67]، يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف/ 31]، يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ‏ [الأعراف/ 27]، و يقال في مؤنث ابن: ابْنَةٌ و بِنْتٌ، و قوله تعالى:
هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ‏ [هود/ 78]، و قوله: لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ‏ [هود/ 79]، فقد قيل: خاطب بذلك أكابر القوم و عرض عليهم بناته «1» لا أهل قريته كلهم، فإنه محال أن يعرض بنات له قليلة على الجمّ الغفير، و قيل: بل أشار بالبنات إلى نساء أمته، و سماهنّ بَنَاتٍ له لكون كلّ نبيّ بمنزلة الأب لأمته، بل لكونه أكبر و أجل الأبوين لهم كما تقدّم في ذكر الأب، و قوله تعالى: وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ‏ [النحل/ 57]، هو قولهم عن اللّه: إنّ الملائكة بنات اللّه.
بهت‏
قال اللّه عزّ و جل: فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ [البقرة/ 258]، أي: دهش و تحيّر، و قد بَهَتَهُ.
قال عزّ و جل: هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ‏ [النور/ 16] أي: كذب يبهت سامعه لفظاعته. قال تعالى: وَ لا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَ‏ [الممتحنة/ 12]، كناية عن الزنا «2»، و قيل: بل ذلك لكل فعل مستبشع يتعاطينه باليد و الرّجل من تناول ما لا يجوز و المشي إلى ما يقبح، و يقال: جاء بِالْبَهِيتَةِ، أي:
بالكذب.
بهج‏
الْبَهْجَةُ: حسن اللون و ظهور السرور، و فيه قال عزّ و جل: حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [النمل/ 60]، و قد بَهُجَ فهو بَهِيجٌ، قال: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ‏ [ق/ 7]، و يقال: بَهِجٌ، كقول الشاعر:
69-
         ذات خلق بَهِجٍ «3»
و لا يجي‏ء منه بَهُوجٌ، و قد ابْتَهَجَ بكذا، أي:
__________________________________________________
 (1) و هذا قول حذيفة بن اليمان فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم. و انظر: الدر المنثور 4/ 458.
 (2) و هذا بعيد لأن الزنا ذكر في أول الآية، و قال ابن عباس: كانت الحرة يولد لها الجارية فتجعل مكانها غلاما. راجع:
الدر المنثور 8/ 141.
 (3) لم أجده.

148
مفردات ألفاظ القرآن

بهج ص 148

سرّ به سرورا بان أثره على وجهه، و أَبْهَجَهُ كذا.
بهل‏
أصل الْبَهْلِ: كون الشي‏ء غير مراعى، و الْبَاهِلُ: البعير المخلّى عن قيده أو عن سمة، أو المخلّى ضرعها عن صرار. قالت امرأة: أتيتك بَاهِلًا غير ذات صرار «1»، أي: أبحت لك جميع ما كنت أملكه لم أستأثر بشي‏ء من دونه، و أَبْهَلْتُ فلانا: خلّيته و إرادته، تشبيها بالبعير الباهل.
و الْبَهْلُ و الِابْتِهَالُ في الدعاء: الاسترسال فيه و التضرع، نحو قوله عزّ و جل: ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ‏ [آل عمران/ 61]، و من فسّر الابتهال باللعن فلأجل أنّ الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن، قال الشاعر:
70-
         نظر الدّهر إليهم فَابْتَهَلَ «2»
أي: استرسل فيهم فأفناهم.
بهم‏
الْبُهْمَةُ: الحجر الصلب، و قيل للشجاع بُهْمَةٌ تشبيها به، و قيل لكلّ ما يصعب على الحاسة إدراكه إن كان محسوسا، و على الفهم إن كان معقولا: مُبْهَمٌ.
و يقال: أَبْهَمْتُ كذا فَاسْتَبْهَمَ، و أَبْهَمْتُ الباب: أغلقته إغلاقا لا يهتدى لفتحه، و الْبَهِيمَةُ:
ما لا نطق له، و ذلك لما في صوته من الإبهام، لكن خصّ في التعارف بما عدا السباع و الطير.
فقال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ‏ [المائدة/ 1]، و ليل بَهِيمٌ، فعيل بمعنى مُفْعَل «3»، قد أبهم أمره للظلمة، أو في معنى مفعل لأنه يبهم ما يعنّ فيه فلا يدرك، و فرس بَهِيمٌ: إذا كان على لون واحد لا يكاد تميّزه العين غاية التمييز، و منه ما
رُوِيَ أَنَّهُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بُهْماً» «4».
أي: عراة، و قيل: معرّون مما يتوسّمون به في الدنيا و يتزينون به، و اللّه أعلم.
و الْبَهْمُ: صغار الغنم، و الْبُهْمَى: نبات يستبهم منبته لشوكه، و قد أَبْهَمَتِ الأرض: كثر بهمها «5»، نحو: أعشبت و أبقلت، أي: كثر عشبها.
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 138. و قائلة هذا امرأة دريد بن الصمّة لما أراد طلاقها ... انظر اللسان: بهل.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره الأول:
         في قروم سادة من قومه‏

و هو للبيد في ديوانه ص 148، و أساس البلاغة ص 32.
 (3) في المخطوطة: بمعنى مفعول.
 (4) الحديث: «يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة بهما»، قال: قلنا: و ما بهما؟ قال: «ليس معهم شي‏ء ...» الخ.
أخرجه أحمد بإسناد حسن في مسنده 3/ 495، و الحاكم 2/ 437 و صححه و وافقه الذهبي، و قال ابن حجر: و له طريق أخرى عند الطبراني و إسناده صالح، و انظر: شرح السنة 1/ 280، و مجمع الزوائد 10/ 354.
 (5) و ذلك أنّ «أفعل» تأتي للتكثير، كأضبّ المكان: كثرت ضبابه، و أظبى: كثرت ظباؤه، و أعال: كثرت عياله. و قد جمع.

149
مفردات ألفاظ القرآن

باب ص 150

باب‏
الْبَابُ يقال لمدخل الشي‏ء، و أصل ذلك:
مداخل الأمكنة، كباب المدينة و الدار و البيت، و جمعه: أَبْوَابٌ. قال تعالى: وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ‏ [يوسف/ 25]، و قال تعالى: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ [يوسف/ 67]، و منه يقال في العلم: بَابُ كذا، و هذا العلم بَابٌ إلى علم كذا، أي: به يتوصل إليه.
و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَ عَلِيٌّ بَابُهَا» «1».
أي: به يتوصّل، قال الشاعر:
71-
         أتيت المروءة من بَابِهَا «2»


و قال تعالى: فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ [الأنعام/ 44]، و قال عزّ و جل: بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ [الحديد/ 13] و قد يقال:
أَبْوَابُ الجنّة و أَبْوَابُ جهنم للأشياء التي بها يتوصّل إليهما. قال تعالى: فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ* [النحل/ 29]، و قال تعالى: حَتَّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ‏ [الزمر/ 73]، و ربما قيل: هذا من بَابَةِ كذا، أي: ممّا يصلح له، و جمعه:
بَابَاتٌ، و قال الخليل: بابة «3» في الحدود، و بَوَّبْتُ بابا، أي: عملت، و أبواب مُبَوَّبَةٌ، و الْبَوَّابُ حافظ البيت، و تَبَوَّبْتُ بوابا: اتخذته، و أصل باب: بَوَبٌ.
__________________________________________________
الحسن بن زين الشنقيطي رحمه اللّه شيخ والد شيخنا معاني «أفعل» في تكميله لامية الأفعال لابن مالك فقال:
            بأفعل استغن أو طاوع مجرّده             و للإزالة و الوجدان قد حصلا
             و قد يوافق مفتوحا و منكسرا             ثلاثيا كوعى و المرء قد نملا
             أعن و كثّر و صيّر عرضن به             و للبلوغ كأمأى جعفر إبلا
             و عدّين به و أطلقنّ و قس             و نقلنا غيره من هذه نقلا.


 (1) الحديث رواه الحاكم في المستدرك و الطبراني في الكبير و أبو الشيخ في السنة و غيرهم، و كلهم عن ابن عباس مرفوعا مع زيادة: «فمن أتى العلم فليأت الباب» و رواه الترمذي و أبو نعيم و غيرهما عن عليّ بلفظ أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال:
 «أنا دار الحكمة و عليّ بابها».
و هذا حديث مضطرب غير ثابت كما قاله الدارقطني في العلل 3/ 247، و قال الترمذي: منكر، و قال البخاري:
ليس له وجه صحيح، و نقل الخطيب البغدادي عن ابن معين أنه قال: كذب لا أصل له. و ذكره ابن الجوزي في الموضوعات و وافقه الذهبي و غيره، المستدرك 3/ 126 و قال الحاكم فيه: صحيح الإسناد و تعقّبه الذهبي فقال: بل موضوع، لكن قال في الدرر نقلا عن أبي سعيد العلائي: الصواب أنه حسن باعتبار تعدّد طرقه، لا صحيح و لا ضعيف، فضلا أن يكون موضوعا، و كذا قال الحافظ ابن حجر في فتوى له. و قال في اللآلئ بعد كلام طويل:
و الحاصل أن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية و شريك إلى درجة الحسن المحتج به. راجع كشف الخفاء 1/ 203، و اللآلئ المصنوعة 1/ 329، و عارضة الأحوذي 13/ 171، و الحلية 1/ 64.
 (2) البيت تقدّم برقم 5.
 (3) و عبارته في العين 8/ 415: و البابة في الحدود و الحساب.

150
مفردات ألفاظ القرآن

بيت ص 151

بيت‏
أصل الْبَيْتِ: مأوى الإنسان بالليل، لأنه يقال: بَاتَ: أقام بالليل، كما يقال: ظلّ بالنهار ثم قد يقال للمسكن بَيْتٌ من غير اعتبار الليل فيه، و جمعه أَبْيَاتٌ و بُيُوتٌ، لكن البيوت بالمسكن أخصّ، و الأبيات بالشعر. قال عزّ و جلّ: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا [النمل/ 52]، و قال تعالى: وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس/ 78]، لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ‏ [النور/ 27]، و يقع ذلك على المتخذ من حجر و مدر و صوف و وبر، و به شبّه بيت الشعر، و عبّر عن مكان الشي‏ء بأنه بيته، و صار أهلُ الْبَيْتِ متعارفا في آل النبيّ عليه الصلاة و السلام، و نبّه النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم‏
بِقَوْلِهِ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ» «1».
أنّ مولى القوم يصح نسبته إليهم، كما
قَالَ: «مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَ ابْنُهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» «2».
و بَيْتُ اللّه و الْبَيْتُ العتيق: مكة، قال اللّه عزّ و جل: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏ [الحج/ 29]، إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ [آل عمران/ 96]، وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ‏ [البقرة/ 127] يعني: بيت اللّه.
و قوله عزّ و جل: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَ لكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى‏ [البقرة/ 189]، إنما نزل في قوم كانوا يتحاشون أن يستقبلوا بيوتهم بعد إحرامهم، فنبّه تعالى أنّ ذلك مناف للبرّ «3»، و قوله عزّ و جلّ: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ [الرعد/ 23]، معناه: بكل نوع من المسارّ، و قوله تعالى:
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ‏ [النور/ 36]، قيل: بيوت النبيّ «4» نحو: لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ‏ [الأحزاب/ 53]، و قيل: أشير بقوله: فِي بُيُوتٍ‏ إلى أهل بيته و قومه. و قيل: أشير به إلى القلب. و قال بعض الحكماء في‏
قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتاً فِيهِ كَلْبٌ وَ لَا صُورَةٌ» «5».
: إنه أريد به القلب، و عني بالكلب الحرص بدلالة أنه يقال: كلب‏
__________________________________________________
 (1) أخرجه الحاكم 3/ 598 و قال الذهبي: سنده ضعيف، و قال العجلوني: رواه الطبراني و الحاكم عن عمرو بن عوف، و سنده ضعيف ا. ه. قال الهيثمي: فيه عند الطبراني كثير بن عبد اللّه المزني ضعّفه الجمهور، و بقية رجاله ثقات.
انظر: كشف الخفاء 1/ 459، و الفتح الكبير 2/ 159، و أسباب ورود الحديث 2/ 367.
 (2) قال السخاوي: رواه أصحاب السنن و ابن حبان من حديث أبي رافع و فيه قصة. ا. ه.
و هو عند الشيخين عن أنس بلفظ: «من أنفسهم» و أيضا فيه: «ابن أخت القوم منهم أو من أنفسهم». راجع: فتح الباري 12/ 48، و شرح السنة 8/ 352، و كشف الخفاء 2/ 291، و المقاصد الحسنة ص 439.
 (3) انظر: الدر المنثور 1/ 491. و أسباب النزول للواحدي ص 86.
 (4) و هذا قول مجاهد فيما أخرجه عنه ابن أبي حاتم. انظر: الدر المنثور 6/ 203.
 (5) الحديث متفق على صحته، و هو في البخاري في بدء الخلق 6/ 256، و مسلم برقم (2106) في اللباس و الزينة، و انظر: شرح السنة 12/ 126.
                       

151
مفردات ألفاظ القرآن

بيت ص 151

فلان: إذا أفرط في الحرص، و قولهم: هو أحرص من كلب «1».
و قوله تعالى: وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ‏ [الحج/ 26] يعني: مكة، و قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم/ 11]، أي: سهّل لي فيها مقرّا، وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس/ 87] يعني: المسجد الأقصى.
و قوله عزّ و جل: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ‏ [الذاريات/ 36]، فقد قيل:
إشارة إلى جماعة البيت فسمّاهم بيتا كتسمية نازل القرية قرية. و الْبَيَاتُ و التَّبْيِيتُ: قصد العدوّ ليلا.
قال تعالى: أَ فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى‏ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَ هُمْ نائِمُونَ‏ [الأعراف/ 97]، بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ‏ [الأعراف/ 4]. و الْبَيُّوتُ: ما يفعل بالليل، قال تعالى: بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ‏ [النساء/ 81]. يقال لكلّ فعل دبّر فيه بالليل:
بُيِّتَ، قال تعالى: إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى‏ مِنَ الْقَوْلِ‏ [النساء/ 108]، و على ذلك‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» «2».
و بَاتَ فلان يفعل كذا عبارة موضوعة لما يفعل بالليل، كَظَلَّ لما يفعل بالنهار، و هما من باب العبارات.
باد
قال عزّ و جل: ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً [الكهف/ 35]، يقال: بَادَ الشي‏ءُ يَبِيدُ بَيَاداً: إذا تفرّق و توزّع في الْبَيْدَاءِ، أي: المفازة، و جمع البيداء: بِيدٌ، و أتان بَيْدَانَةٌ: تسكن البادية البيداء.
بور
الْبَوَارُ: فرط الكساد، و لمّا كان فرط الكساد يؤدّي إلى الفساد- كما قيل: كسد حتى فسد- عبّر بالبوار عن الهلاك، يقال: بَارَ الشي‏ء يَبُورُ بَوَاراً و بَوْراً، قال عزّ و جل: تِجارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر/ 29]، وَ مَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ [فاطر/ 10]،
__________________________________________________
 (1) و من أمثالهم: أحرص من كلب على جيفة، و من كلب على عرق، و العرق: العظم عليه اللحم. راجع: مجمع الأمثال 1/ 228.
 (2) الحديث أخرجه ابن ماجة عن حفصة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لا صيام لمن لم يفرضه من الليل» و هو في سننه 1/ 542، و الفتح الكبير 3/ 346. و في الموطأ عن ابن عمر أنه كان يقول: «لا يصوم إلا من أجمع الصيام قبل الفجر»، و عن حفصة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» قال ابن عبد البر: اضطرب في إسناده، و هو أحسن ما روي مرفوعا في هذا الباب. ا. ه. راجع شرح الزرقاني للموطأ 2/ 157، و تنوير الحوالك 1/ 270، و أخرجه أبو داود في الصوم، راجع معالم السنن 2/ 134، و النسائي 4/ 196، و أحمد 6/ 87، و انظر: شرح السنة 6/ 268.

152
مفردات ألفاظ القرآن

بور ص 152

و
رُوِيَ: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ بَوَارِ الْأَيِّمِ» «1».
و قال عزّ و جل: وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ [إبراهيم/ 28]، و يقال: رجل حائر بَائِرٌ «2»، و قوم حُور بُورٌ.
و قال عزّ و جل: حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَ كانُوا قَوْماً بُوراً [الفرقان/ 18]، أي: هلكى، جمع:
بَائِرٍ. و قيل: بل هو مصدر يوصف به الواحد و الجمع، فيقال: رجل بور و قوم بور، و قال الشاعر:
72-
         يا رسول المليك إنّ لساني             راتق ما فتقت إذ أنا بُورٌ «3»

و بَارَ الفحل الناقة: إذا تشمّمها أ لاقح هي أم لا «4»؟، ثم يستعار ذلك للاختبار، فيقال: بُرْتُ كذا، أي: اختبرته.
بئر
قال عزّ و جل: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج/ 45]، و أصله الهمز، يقال: بَأَرْتُ بِئْراً و بَأَرْتُ بُؤْرَةً، أي: حفيرة. و منه اشتق الْمِئْبَرُ، و هو في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرّ عليها، و يقال لها: الْمُغَوَّاةُ، و عبّر بها عن النميمة الموقعة في البلية، و الجمع: الْمَآبِرُ.
بؤس‏
الْبُؤْسُ و الْبَأْسُ و الْبَأْسَاءُ: الشدة و المكروه، إلا أنّ البؤس في الفقر و الحرب أكثر، و البأس و البأساء في النكاية، نحو: وَ اللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلًا [النساء/ 84]، فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ [الأنعام/ 42]، وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ حِينَ الْبَأْسِ‏ [البقرة/ 177]، و قال تعالى:
بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ [الحشر/ 14]، و قد بَؤُسَ يَبْؤُسُ، و بِعَذابٍ بَئِيسٍ‏ [الأعراف/ 165]، فعيل من البأس أو من البؤس، فَلا تَبْتَئِسْ* [هود/ 36]، أي: لا تلزم البؤس و لا تحزن، و
فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كَانَ يَكْرَهُ الْبُؤْسَ وَ التَّبَاؤُسَ وَ التَّبَؤُّسَ» «5».
أي: الضراعة للفقر، أو أن يجعل نفسه ذليلا، و يتكلف ذلك جميعا.
و «بِئْسَ» كلمة تستعمل في جميع المذام،
__________________________________________________
 (1) بوار الأيم أي: كسادها. و الحديث في النهاية 1/ 161، و الفائق مادة (بور)، و اللسان (بور). و أخرجه الطبراني عن ابن عباس أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين، و غلبة العدو، و من بوار الأيّم، و من فتنة الدجال». أخرجه الطبراني في الصغير و الأوسط و الكبير. قال الهيثمي: و فيه عباد بن زكريا الصريمي، و لم أعرفه، و بقية رجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 10/ 146، و المعجم الصغير ص 372، و الأوسط 3/ 83.
 (2) البائر: الهالك.
 (3) البيت لعبد اللّه بن الزبعرى، و هو في ديوانه ص 36، و المشوف المعلم 1/ 119، و اللسان (بور)، و الجمهرة 1/ 277.
 (4) انظر: اللسان (بور) 4/ 87.
 (5) الحديث عن أبي سعيد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، و يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده و يبغض البؤس و التبؤس» أخرجه البيهقي و انظر: الفتح الكبير 1/ 331.

153
مفردات ألفاظ القرآن

بؤس ص 153

كما أنّ نِعْمَ تستعمل في جميع الممادح، و يرفعان ما فيه الألف و اللام، أو مضافا إلى ما فيه الألف و اللام، نحو: بئس الرجل زيد، و بئس غلام الرجل زيد. و ينصبان النكرة نحو: بئس رجلا، و لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ‏ [المائدة/ 79]، أي: شيئا يفعلونه، قال تعالى: وَ بِئْسَ الْقَرارُ [إبراهيم/ 29]، و فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ‏ [النحل/ 29]، بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف/ 50]، لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ‏ [المائدة/ 63]. و أصل: بئس:بَئِسَ، و هو من البؤس.
بيض‏
الْبَيَاضُ في الألوان: ضدّ السواد، يقال:
ابْيَضَّ يَبْيَضُّ ابْيِضَاضاً و بَيَاضاً، فهو مُبْيَضٌّ و أَبْيَضُ. قال عزّ و جل: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* وَ أَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 106- 107].
و الْأَبْيَضُ: عرق سمّي به لكونه أبيض، و لمّا كان البياض أفضل لون عندهم كما قيل: البياض أفضل، و السواد أهول، و الحمرة أجمل، و الصفرة أشكل، عبّر به عن الفضل و الكرم بالبياض، حتى قيل لمن لم يتدنس بمعاب: هو أَبْيَضُ اللون. و قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ‏ [آل عمران/ 106]، فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة، و اسودادها عن الغم، و على ذلك وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى‏ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا [النحل/ 58]، و على نحو الابيضاض قوله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ [القيامة/ 22]، و قوله:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عبس/ 38- 39].
و قيل:
         أمّك بَيْضَاءُ من قضاعة «1»
و على ذلك قوله تعالى: بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ‏ [الصافات/ 46]، و سمّي الْبَيْضُ لبياضه، الواحدة: بَيْضَةٌ، و كنّي عن المرأة بالبيضة تشبيها بها في اللون، و كونها مصونة تحت الجناح. و بَيْضَةُ البلد يقال في المدح و الذم، أمّا المدح فلمن كان مصونا من بين أهل البلد و رئيسا فيهم، و على ذلك قول الشاعر:
73-
         كانت قريش بَيْضَةً فتفلّقت             فالمحّ خالصه لعبد مناف «2»

__________________________________________________
 (1) شطر بيت لابن قيس الرّقيات، و تمامه:
         أمّك بيضاء من قضاعة في ال             بيت الذي يستظلّ في طنبه‏

انظر ديوانه ص 14، و العفو و الاعتذار 2/ 413.
 (2) البيت لعبد اللّه بن الزبعرى، و هو في ديوانه ص 53، و أمالي المرتضى 2/ 268، و اللسان و الصحاح: (مح)، و المحاسن و المساوئ للبيهقي ص 91.

154
مفردات ألفاظ القرآن

بيض ص 154

و أمّا الذم فلمن كان ذليلا معرّضا لمن يتناوله كبيضة متروكة بالبلد، أي: العراء و المفازة. و بَيْضَتَا الرجل سمّيتا بذلك تشبيها بها في الهيئة و البياض، يقال: بَاضَتِ الدجاجة، و بَاضَ كذا، أي: تمكّن.
قال الشاعر:
74-
         بداء من ذوات الضغن يأوي             صدورهم فعشش ثمّ بَاضَ «1»

و بَاضَ الحَرُّ: تمكّن، و بَاضَتْ يد المرأة: إذا ورمت ورما على هيئة البيض، و يقال: دجاجة بَيُوضٌ، و دجاج بُيُضٌ «2».
بيع‏
الْبَيْعُ: إعطاء المثمن و أخذ الثّمن، و الشراء:
إعطاء الثمن و أخذ المثمن، و يقال للبيع:
الشراء، و للشراء البيع، و ذلك بحسب ما يتصور من الثمن و المثمن، و على ذلك قوله عزّ و جل:
وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ [يوسف/ 20]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَبِيعَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ» «3».
أي: لا يشتري على شراه.
و أَبَعْتُ الشي‏ء: عرضته، نحو قول الشاعر:
75-
         فرسا فليس جوادنا بِمُبَاعٍ «4»
و الْمُبَايَعَةُ و المشارة تقالان فيهما، قال اللّه تعالى: وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا [البقرة/ 275]، و قال: وَ ذَرُوا الْبَيْعَ‏ [الجمعة/ 9]، و قال عزّ و جل: لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ‏ [إبراهيم/ 31]، لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ [البقرة/ 254]، و بَايَعَ السلطان: إذا تضمّن بذل الطاعة له بما رضخ له، و يقال لذلك: بَيْعَةٌ و مُبَايَعَةٌ. و قوله عزّ و جل: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ‏ [التوبة/ 111]، إشارة إلى بيعة الرضوان المذكورة في قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح/ 18]، و إلى ما ذكر في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الآية [التوبة/ 111]، و أمّا الْبَاعُ فمن الواو بدلالة قولهم: بَاعَ في السير يَبُوعُ: إذا مدّ باعه.
بال‏
الْبَالُ: الحال التي يكترث بها، و لذلك يقال:
ما بَالَيْتُ بكذا بَالَةً، أي: ما اكترثت به. قال:
كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ‏ [محمد/ 2]، و قال: فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى‏

__________________________________________________
 (1) لم أجده.
 (2) هو جمع بيوض.
 (3) الحديث متفق على صحته، و قد أخرجه البخاري في باب البيوع 4/ 413، و مسلم أيضا فيه برقم (1412)، و الموطأ 2/ 683، و هو بلفظ: «لا يبع بعضكم على بيع بعض».
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         نقفو الجياد من البيوت فمن يبع‏

و هو للأجدع الهمداني، في شقراء همدان و أخبارها ص 228، و الاختيارين ص 469، و الأصمعيات ص 69، و المشوف المعلم 1/ 123، و اللسان (بيع)، و المجمل 1/ 140، و شمس العلوم 1/ 206.

155
مفردات ألفاظ القرآن

بال ص 155

 [طه/ 51]، أي: فما حالهم و خبرهم.
و يعبّر بِالْبَالِ عن الحال الذي ينطوي عليه الإنسان، فيقال: خطر كذا ببالي.
بين‏
بَيْنٌ موضوع للخلالة بين الشيئين و وسطهما. قال تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً «1» [الكهف/ 32]، يقال: بَانَ كذا أي: انفصل و ظهر ما كان مستترا منه، و لمّا اعتبر فيه معنى الانفصال و الظهور استعمل في كلّ واحد منفردا، فقيل للبئر البعيدة القعر: بَيُونٌ، لبعد ما بين الشفير و القعر لانفصال حبلها من يد صاحبها. و بَانَ الصبح:
ظهر، و قوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ‏ «2» [الأنعام/ 194]، أي: وصلكم. و تحقيقه: أنه ضاع عنكم الأموال و العشيرة و الأعمال التي كنتم تعتمدونها، إشارة إلى قوله سبحانه: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ [الشعراء/ 88]، و على ذلك قوله: لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى‏ الآية [الأنعام/ 94].
و «بَيْنٌ» يستعمل تارة اسما و تارة ظرفا، فمن قرأ: بَيْنُكُمْ [الأنعام/ 94]، جعله اسما، و من قرأ: بَيْنَكُمْ‏ جعله ظرفا غير متمكن و تركه مفتوحا، فمن الظرف قوله: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ [الحجرات/ 1]، و قوله: فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة/ 12]، فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِ‏ [ص/ 22]، و قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما [الكهف/ 61]، فيجوز أن يكون مصدرا، أي:
موضع المفترق. وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ‏ [النساء/ 92]. و لا يستعمل «بَيْنٌ» إلا فيما كان له مسافة، نحو: بين البلدين، أو له عدد ما اثنان فصاعدا نحو: الرجلين، و بين القوم، و لا يضاف إلى ما يقتضي معنى الوحدة إلا إذا كرّر، نحو: وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ‏ [فصلت/ 5]، فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَ بَيْنَكَ مَوْعِداً [طه/ 58]، و يقال: هذا الشي‏ء بَيْنَ يديك، أي: متقدما لك، و يقال: هو بَيْنَ يديك أي:
قريب منك، و على هذا قوله: ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ‏ [الأعراف/ 17]، و لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَ ما خَلْفَنا [مريم/ 64]، وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا [يس/ 9]، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ*[المائدة/ 46]، أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا [ص/ 8]، أي: من جملتنا، و قوله: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَ لا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ‏ [سبأ/ 31]، أي: متقدّما له من الإنجيل و نحوه، و قوله: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ‏

__________________________________________________
 (1) و نقل هذا السيوطي عنه في الإتقان 2/ 209.
 (2) و هذه قراءة ابن كثير و أبي عمرو و حمزة و يعقوب و خلف و شعبة عن عاصم و ابن عامر الشامي برفع (بينكم)، و قرأ نافع و حفص و الكسائي و أبو جعفر (بينكم) بنصب النون.

156
مفردات ألفاظ القرآن

بين ص 156

 [الأنفال/ 1]، أي: راعوا الأحوال التي تجمعكم من القرابة و الوصلة و المودة.
و يزاد في بين «ما» أو الألف، فيجعل بمنزلة «حين»، نحو: بَيْنَمَا زيد يفعل كذا، و بَيْنَا يفعل كذا، قال الشاعر:
76-
         بَيْنَا يعنّقه الكماة و روغه             يوما أتيح له جري‏ء، سلفع «1».

يقال: بَانَ و اسْتَبَانَ و تَبَيَّنَ نحو عجل و استعجل و تعجّل و قد بَيَّنْتُهُ. قال اللّه سبحانه: وَ قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَساكِنِهِمْ‏ [العنكبوت/ 38]، وَ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ‏ [إبراهيم/ 45]، و لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ‏ [الأنعام/ 55]، قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ‏ [البقرة/ 256]، قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ* [آل عمران/ 118]، وَ لِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏ [الزخرف/ 63]، وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ‏ [النحل/ 44]، لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏ [النحل/ 39]، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ‏ [آل عمران/ 97]، و قال: شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ‏ [البقرة/ 185]. و يقال: آية مُبَيَّنَةٌ اعتبارا بمن بيّنها، و آية مُبَيِّنَةٌ اعتبارا بنفسها، و آيات مُبَيَّنَاتٌ و مُبَيِّنَاتٌ.
و الْبَيِّنَةُ: الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة، و سمي الشاهدان بَيِّنَةً
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَ الْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» «2».
و قال سبحانه: أَ فَمَنْ كانَ عَلى‏ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ* [هود/ 17]، و قال: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال/ 42]، جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ* [الروم/ 9].
و الْبَيَانُ: الكشف عن الشي‏ء، و هو أعمّ من النطق، لأنّ النطق مختص بالإنسان، و يسمّى ما بيّن به بَيَاناً. قال بعضهم: الْبَيَانُ يكون على ضربين:
أحدهما بالتسخير، و هو الأشياء التي تدلّ على حال من الأحوال من آثار الصنعة.
و الثاني بالاختبار، و ذلك إما يكون نطقا، أو كتابة، أو إشارة.
__________________________________________________
 (1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 37، و شمس العلوم 1/ 205، و اللسان (بين)، و غريب الحديث للخطابي 2/ 469.
 (2) الحديث أخرجه البيهقي 8/ 279، و الدارقطني 3/ 111، و لمسلم: «البيّنة على المدعي» و ليس فيه:
 «و اليمين ...» (انظر: صحيح مسلم رقم 1171)، و قال النووي في أربعينه: حديث حسن، رواه البيهقي و غيره هكذا، و بعضه في الصحيحين، و أخرجه الدارقطني بلفظ: «البيّنة على المدعي و اليمين على من أنكر إلا في القسامة» و فيه ضعف، و له عدة طرق متعددة لكنها ضعيفة، انظر: كشف الخفاء 1/ 289.

157
مفردات ألفاظ القرآن

بين ص 156

فممّا هو بيان بالحال قوله: وَ لا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ‏ [الزخرف/ 62]، أي: كونه عدوّا بَيِّن في الحال. تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ‏ [إبراهيم/ 10].
و ما هو بيان بالاختبار فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ‏ [النحل/ 43- 44]، و سمّي الكلام بَيَاناً لكشفه عن المعنى المقصود إظهاره نحو: هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ‏ [آل عمران/ 138].
و سمي ما يشرح به المجمل و المبهم من الكلام بَيَاناً، نحو قوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ‏ [القيامة/ 19]، و يقال: بَيَّنْتُهُ و أَبَنْتُهُ: إذا جعلت له بيانا تكشفه، نحو: لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ‏ [النحل/ 44]، و قال: نَذِيرٌ مُبِينٌ* [ص/ 70]، و إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ‏ [الصافات/ 106]، وَ لا يَكادُ يُبِينُ‏ [الزخرف/ 52]، أي: يبيّن، وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏ [الزخرف/ 18].
باء
أصل الْبَوَاءِ: مساواة الأجزاء في المكان، خلاف النَّبْوِ الذي هو منافاة الأجزاء. يقال:
مكان بَوَاءٌ: إذا لم يكن نابيا بنازله، و بَوَّأْتُ له مكانا: سوّيته فَتَبَوَّأَ، و بَاءَ فلان بدم فلان يَبُوءُ به أي: ساواه، قال تعالى: وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً [يونس/ 87]، وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ‏ [يونس/ 93]، تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ‏ [آل عمران/ 121]، يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ [يوسف/ 56]، و
رُوِيَ أَنَّهُ: (كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَبَوَّأُ لِبَوْلِهِ كَمَا يَتَبَوَّأُ لِمَنْزِلِهِ) «1».
و بَوَّأْتُ الرمح: هيأت له مكانا، ثم قصدت الطعن به، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» «2».
و قال الراعي في صفة إبل:
77-
         لها أمرها حتى إذا ما تَبَوَّأَتْ             بأخفافها مأوى تَبَوَّأَ مضجعا «3»

أي: يتركها الراعي حتى إذا وجدت مكانا موافقا للرعي طلب الراعي لنفسه مُتَبَوَّأً
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يتبوّأ لبوله كما يتبوأ لمنزله» أخرجه الطبراني في الأوسط، و هو من رواية يحيى بن عبيد بن دجي عن أبيه. قال الهيثمي: و لم أر من ذكرهما، و بقية رجاله موثقون. انظر: مجمع الزوائد 1/ 209. و أخرجه الحارث بن أبي أسامة، و انظر: المطالب العالية 1/ 15.
 (2) الحديث صحيح متفق على صحته و هو في فتح الباري 3/ 130 في الجنائز، و مسلم رقم 141 في المقدمة، باب تغليظ الكذب على رسول اللّه. و قال جعفر الكتاني: لا يعرف حديث رواه أكثر من ستين صحابيا إلا هذا، و لا حديث اجتمع على روايته العشرة المبشرة إلا هو. انظر: نظم المتناثر ص 23، و شرح السنة 1/ 253.
 (3) البيت في ديوانه ص 164، و غريب الحديث 4/ 444، و الجمهرة 2/ 347، و الفائق 1/ 655.

158
مفردات ألفاظ القرآن

باء ص 158

لمضجعه. و يقال: تَبَوَّأَ فلان كناية عن التزوّج، كما يعبّر عنه بالبناء فيقال: بنى بأهله. و يستعمل الْبَوَاءُ في مراعاة التكافؤ في المصاهرة و القصاص، فيقال: فلان بواء لفلان إذا ساواه، و قوله عزّ و جلّ: باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ‏ [الأنفال/ 16]، أي: حلّ مبوّأ و معه غضب اللّه، أي: عقوبته، و قوله: بِغَضَبٍ في موضع حال، كخرج بسيفه، أي: رجع، لا مفعول نحو: مرّ بزيد. و استعمال (باء) تنبيها على أنّ مكانه الموافق يلزمه فيه غضب اللّه، فكيف غيره من الأمكنة؟ و ذلك على حدّ ما ذكر في قوله:
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران/ 21]، و قوله: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ‏ [المائدة/ 29] أي: تقيم بهذه الحالة. قال:
78-
         أنكرت باطلها و بُؤْتُ بحقّها «1»


و قول من قال: أقررت بحقها فليس تفسيره بحسب مقتضى اللفظ «2». و الْبَاءَةُ كناية عن الجماع. و حكي عن خلف الأحمر «3» أنه قال في قولهم: حيّاك اللّه و بيّاك:
إنّ أصله: بَوَّأَكَ منزلا، فغيّر لازدواج الكلمة، كما غيّر جمع الغداة في قولهم: آتيه الغدايا و العشايا «4».
الباء
الْبَاءُ يجي‏ء إمّا متعلّقا بفعل ظاهر معه، أو متعلّقا بمضمر، فالمتعلق بفعل ظاهر معه ضربان:
- أحدهما: لتعدية الفعل، و هو جار مجرى الألف الداخل على الفعل للتعدية، نحو: ذهبت به، و أذهبته. قال تعالى: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان/ 72].
- و الثاني: للآلة، نحو: قطعه بالسكين «5».
و المتعلّق بمضمر يكون في موضع الحال، نحو: خرج بسلاحه، أي: و عليه السلاح، أو:
معه السلاح. و ربما قالوا: تكون زائدة، نحو:
وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف/ 17]، وَ ما
__________________________________________________
 (1) الشطر للبيد، و عجزه:
         عندي و لم يفخر عليّ كرامها

و هو في ديوانه ص 178، شرح المعلقات 1/ 170، و العباب الفاخر (بوء) 1/ 56.
 (2) قال الصاغاني: و يقال: باء بحقّه، أي: أقرّ، و ذا يكون أبدا بما عليه لا له. انظر العباب: (بوء)، و اللسان (بوء)، و المجمل (بوء).
 (3) انظر ترجمته في إنباه الرواة 1/ 383، و معجم الأدباء 11/ 66، و هذا خطأ من المؤلف فالأحمر المراد هنا ليس خلفا بل هو علي بن المبارك الأحمر، صاحب الكسائي، و قد نقل هذا عنه أبو عبيد في الغريب المصنف.
 (4) قال ابن منظور: و قالوا: إني لآتيه بالغدايا و العشايا، و الغداة لا تجمع على الغدايا، و لكنهم كسروه على ذلك ليطابقوا بين لفظه و لفظ العشايا، فإذا أفردوه لم يكسروه. و قال ابن السكيت: أرادوا جمع الغداة فأتبعوها العشايا للازدواج. راجع اللسان (غدا) 15/ 117.
 (5) ذكر أبو الحسين المزني للباء واحدا و عشرين معنى، فارجع إلى كتابه «الحروف» ص 54.

159
مفردات ألفاظ القرآن

الباء ص 159

أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء/ 114]، وَ كَفى‏ بِنا حاسِبِينَ [الأنبياء/ 47]، و في كل ذلك لا ينفكّ عن معنى، ربما يدقّ فيتصور أنّ حصوله و حذفه سواء، و هما في التحقيق مختلفان، سيما في كلام من لا يقع عليه اللغو، فقوله: وَ ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا [يوسف/ 17]، فبينه و بين قولك: (ما أنت مؤمنا لنا) فرق، فالمتصوّر من الكلام إذا نصبت ذات واحدة، كقولك: زيد خارج، و المتصور منه إذا قيل: (ما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) ذاتان، كقولك: لقيت بزيد رجلا فاضلا، فإنّ قوله: رجلا فاضلا- و إن أريد به زيد- فقد أخرج في معرض يتصوّر منه إنسان آخر، فكأنه قال: رأيت برؤيتي لك آخر هو رجل فاضل.
و على هذا: رأيت بك حاتما في السخاء، و على هذا: وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء/ 114]، و قوله تعالى: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ [الزمر/ 36].
و قوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ [المؤمنون/ 20] قيل معناه: تنبت الدهن، و ليس ذلك بالمقصود، بل المقصود أنها تنبت النبات و معه الدهن، أي: و الدهن فيه موجود بالقوة، و نبّه بلفظة بِالدُّهْنِ على ما أنعم به على عباده و هداهم إلى استنباطه. و قيل: الباء هاهنا للحال «1»، أي:
حاله أنّ فيه الدهن.
و السبب فيه أنّ الهمزة و الباء اللتين للتعدية لا يجتمعان، و قوله: وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً* [الفتح/ 28]، فقيل: كفى اللّه شهيدا نحو: وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ [الأحزاب/ 25] الباء زائدة، و لو كان ذلك كما قيل لصحّ أن يقال:
كفى باللّه المؤمنين القتال، و ذلك غير سائغ، و إنما يجي‏ء ذلك حيث يذكر بعده منصوب في موضع الحال كما تقدّم ذكره. و الصحيح أن (كفى) هاهنا موضوع موضع اكتف، كما أنّ قولهم: أحسن بزيد، موضوع موضع ما أحسن. و معناه: اكتف باللّه شهيدا، و على هذا وَ كَفى‏ بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً [الفرقان/ 31]، وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا* [النساء/ 132]، [الأحزاب/ 48]، و قوله: أَ وَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ [فصلت/ 53]، و على هذا قوله: حبّ إليّ بفلان، أي: أحبب إليّ به.
و ممّا ادّعي فيه الزيادة: الباء في قوله: وَ لا
__________________________________________________
 (1) قال أبو البقاء: في الآية وجهان: أحدهما: هو متعدّ، و المفعول محذوف، تقديره: تنبت ثمرها أو جناها، و الباء على هذا حال من المحذوف، أي: و فيه الدهن، كقولك: خرج زيد بثيابه، و قيل: الباء زائدة، فلا حذف إذا بل المفعول الدهن. و الوجه الثاني: هو لازم، يقال: نبت البقل و أنبت بمعنى، فعلى هذا الباء حال، و قيل: هي مفعول، أي: تنبت بسبب الدهن. راجع: إعراب القرآن للعكبري 2/ 952.

160
مفردات ألفاظ القرآن

الباء ص 159

تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة/ 195]، قيل تقديره: لا تلقوا أيديكم، و الصحيح أنّ معناه: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة «1»، إلا أنه حذف المفعول استغناء عنه و قصدا إلى العموم، فإنه لا يجوز إلقاء أنفسهم و لا إلقاء غيرهم بأيديهم إلى التهلكة.
و قال بعضهم: الباء بمعنى (من) في قوله:
عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [المطففين/ 28]، عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ «2» [الإنسان/ 6]، و الوجه ألا يصرف ذلك عمّا عليه، و أن العين هاهنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء بعينه، نحو: نزلت بعين، فصار كقولك: مكانا يشرب به، و على هذا قوله تعالى:
فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ [آل عمران/ 188] أي: بموضع الفوز. و اللّه تعالى أعلم.
تمّ كتاب الباء
__________________________________________________
 (1) انظر: مغني اللبيب ص 148.
 (2) و جعل الباء بمعنى «من» للتبعيض أثبته الأصمعي و الفارسي و القتبي و ابن مالك و الكوفيون. راجع: مغني اللبيب ص 142.

161
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب التاء

كتاب التّاء
تبَ‏
التَّبُّ و التَّبَابُ: الاستمرار في الخسران، يقال: تَبّاً له و تَبٌّ له، و تَبَّبْتُهُ: إذا قلت له ذلك، و لتضمن الاستمرار قيل: اسْتَتَبَّ لفلان كذا، أي: استمرّ، و تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ‏ [المسد/ 1]، أي: استمرت في خسرانه، نحو: ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ* [الزمر/ 15]، وَ ما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ‏ [هود/ 101]، أي:
تخسير، وَ ما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ‏ [غافر/ 37].
تابوت‏
التَّابُوتُ فيما بيننا معروف، أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ‏ [البقرة/ 248]، قيل: كان شيئا منحوتا من الخشب فيه حكمة. و قيل: عبارة عن القلب، و السكينة عمّا فيه من العلم، و سمّي القلب سفط العلم، و بيت الحكمة، و تابوته، و وعاءه، و صندوقه، و على هذا قيل: اجعل سرّك في وعاء غير سرب «1». و على تسميته بالتابوت‏
قَالَ عُمَرُ لِابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: (كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْماً) «2».
تبر
التَّبْرُ: الكسر و الإهلاك، يقال: تَبَرَهُ و تَبَّرَهُ.
قال تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ‏ [الأعراف/ 139]، و قال: وَ كُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً [الفرقان/ 39]، وَ لِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً [الإسراء/ 7]، و قوله تعالى: وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً [نوح/ 28]، أي: هلاكا.
تبع‏
يقال: تَبِعَهُ و اتَّبَعَهُ: قفا أثره، و ذلك تارة بالجسم، و تارة بالارتسام و الائتمار، و على ذلك‏
__________________________________________________
 (1) انظر المستقصى 1/ 50.
 (2) عن زيد بن وهب قال: إني لجالس مع عمر بن الخطاب، إذ جاء ابن مسعود، فكان الجلوس يوارونه من قصره، فضحك عمر حين رآه، فجعل عمر يكلّمه و يهلل وجهه و يضاحكه و هو قائم عليه، ثم ولى فأتبعه عمر بصره حتى توارى فقال: كنيف ملئ علما. انظر: سير أعلام النبلاء 1/ 491، و طبقات ابن سعد 1/ 110، و الحلية 1/ 129.

162
مفردات ألفاظ القرآن

تبع ص 162

قوله تعالى: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏ [البقرة/ 38]، قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ* اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً [يس/ 20- 21]، فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ‏ [طه/ 123]، اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ‏ [الأعراف/ 3]، وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ‏ [الشعراء/ 111]، وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي‏ [يوسف/ 38]، ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى‏ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ [الجاثية/ 18]، وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ‏ [البقرة/ 102]، وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ* [البقرة/ 168]، إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ* [الدخان/ 23]، وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ [ص/ 26]، هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ‏ [الكهف/ 66]، وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ‏ [لقمان/ 15].
و يقال: أَتْبَعَهُ: إذا لحقه، قال تعالى:
فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ‏ [الشعراء/ 60]، ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً* [الكهف/ 89]، وَ أَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً [القصص/ 42]، فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ‏ [الأعراف/ 175]، فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً [المؤمنون/ 44].
يقال: أَتْبَعْتُ عليه، أي: أحلت عليه، و يقال: أُتْبِعَ فلان بمال، أي: أحيل عليه، و التَّبِيعُ خصّ بولد البقر إذا تبع أمه، و التَّبَعُ: رِجْلُ الدابة، و تسميته بذلك كما قال:
79-
         كأنّما اليدان و الرجلان             طالبتا وتر و هاربان «1»

و الْمُتْبِعُ من البهائم: التي يتبعها ولدها، و تُبَّعٌ كانوا رؤساء، سمّوا بذلك لاتباع بعضهم بعضا في الرئاسة و السياسة، و قيل: تُبَّعٌ ملك يتبعه قومه، و الجمع التَّبَابِعَةُ قال تعالى: أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ‏ [الدخان/ 37]، و التُّبَّعُ: الظل.
تترى‏
تَتْرَى على فعلى، من الْمُوَاتَرَةِ، أي: المتابعة وترا وترا، و أصلها واو فأبدلت، نحو: تراث و تجاه، فمن صرفه جعل الألف زائدة لا للتأنيث، و من لم يصرفه جعل ألفه للتأنيث «2».
قال تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [المؤمنون/ 44]، أي: متواترين.
قال الفرّاء «3»: يقال: تترى في الرفع، و تترى‏
__________________________________________________
 (1) البيت لبكر بن النطاح و انظر أخباره في الأغاني 17/ 153، و هو في محاضرات الراغب 4/ 641، و عيار الشعر ص 30.
 (2) قال شيخنا:
            تترى إذا نوّنتها ألحقتا             و إن تكن تركته منعتا
             فهي للتأنيث لا الإلحاق             فمنعت لذاك للحذّاق.


 (3) راجع معاني القرآن له 2/ 236، و انظر اللسان (وتر).

163
مفردات ألفاظ القرآن

تترى ص 163

في الجرّ و تترى في النصب، و الألف فيه بدل من التنوين. و قال ثعلب: هي تفعل. قال أبو علي الفسوي: ذلك غلط، لأنه ليس في الصفات تفعل.
تجر
التِّجَارَةُ: التصرّف في رأس المال طلبا للربح، يقال: تَجَرَ يَتْجُرُ، و تَاجِرٌ و تَجْرٌ، كصاحب و صحب، قال: و ليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ «1»، فأمّا تجاه فأصله وجاه، و تجوب التاء للمضارعة، و قوله تعالى: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى‏ تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ‏ [الصف/ 10]، فقد فسّر هذه التجارة بقوله:
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ «2» [الصف/ 11]، إلى آخر الآية. و قال: اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏ فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ‏ [البقرة/ 16]، إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ‏ [النساء/ 29]، تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ‏ [البقرة/ 282].
قال ابن الأعرابي «3»: فلان تاجر بكذا، أي: حاذق به، عارف الوجه المكتسب منه.
تحت‏
تَحْتُ مقابل لفوق، قال تعالى: لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ‏ [المائدة/ 66]، و قوله تعالى: جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ* [الحج/ 23]، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ* [يونس/ 9]، فَناداها مِنْ تَحْتِها [مريم/ 24]، يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ‏ [العنكبوت/ 55]. و «تَحْتُ»:
يستعمل في المنفصل، و «أسفل» في المتصل، يقال: المال تحته، و أسفله أغلظ من أعلاه، و
فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ التُّحُوتُ» «4».
أي: الأراذل من الناس. و قيل: بل ذلك إشارة إلى ما قال سبحانه: وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ* وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ [الانشقاق/ 3- 4].
تخذ
تَخِذَ بمعنى أخذ، قال:
__________________________________________________
 (1) قال الحسن بن زين:
         و التاء قبل الجيم أصلا لا تجي             إلا لتجر نتجت و مرتجي.
 (2) و تمامها: تؤمنون باللّه و رسوله و تجاهدون في سبيل اللّه بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
 (3) اسمه محمد بن زياد، و انظر ترجمته في إنباه الرواة 3/ 128.
 (4) الحديث تمامه: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش و البخل، و يخوّن الأمين، و يؤتمن الخائن، و تهلك الوعول، و تظهر التحوت» قالوا: يا رسول اللّه، و ما الوعول و التحوت؟ قال: «الوعول: وجوه الناس و أشرافهم، و التحوت:
الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم» أخرجه الطبراني في الأوسط 1/ 420 انظر فتح الباري 13/ 15 باب ظهور الفتن، و رجاله رجال الصحيح غير محمد بن الحارث، و هو ثقة، و أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 3/ 125.

164
مفردات ألفاظ القرآن

تخذ ص 164

79-
         و قد تَخِذْتُ رجلي إلى جنب غرزها             نسيفا كأفحوص القطاة المطرّق «1»

و اتَّخَذَ: افتعل منه، أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي‏ [الكهف/ 50]، قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً [البقرة/ 80]، وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً* [مريم/ 81]، وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى‏ [البقرة/ 125]، لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة/ 1]، لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً [الكهف/ 77].
ترب‏
التُّرَابُ معروف، قال تعالى: أَ إِذا كُنَّا تُراباً* [الرعد/ 5]، و قال تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ* [فاطر/ 11]، يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً [النبأ/ 40]. و تَرِبَ: افتقر، كأنه لصق بالتراب، قال تعالى: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ [البلد/ 16]، أي: ذا لصوق بالتراب لفقره. و أَتْرَبَ:
استغنى، كأنه صار له المال بقدر التراب، و التَّرْبَاءُ: الأرض نفسها، و التَّيْرَبُ واحد التَّيَارِبِ، و التَّوْرَبُ و التَّوْرَابُ: التراب، و ريح تَرِبَةٌ: تأتي بالتراب، و منه‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
 «عَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» «2».
تنبيها على أنه لا يفوتنّك ذات الدين، فلا يحصل لك ما ترومه فتفتقر من حيث لا تشعر.
و بارح تَرِبٌ «3»: ريح فيها تراب، و التَّرَائِبُ:
ضلوع الصدر، الواحدة: تَرِيبَةٌ. قال تعالى:
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ‏ [الطارق/ 7]، و قوله: أَبْكاراً* عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 36- 37]، وَ كَواعِبَ أَتْراباً [النبأ/ 33]، وَ عِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ‏ [ص/ 52]، أي: لدات، تنشأن معا تشبيها في التساوي و التماثل بالترائب التي هي ضلوع الصدر، أو لوقوعهنّ معا على الأرض، و قيل:
لأنهنّ في حال الصبا يلعبن بالتراب معا.
ترث‏
وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ‏ [الفجر/ 19]، أصله:
وراث، و هو من باب الواو.
تفث‏
قال تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ‏ [الحج/ 29]، أي: يزيلوا وسخهم. يقال: قضى الشي‏ء يقضي: إذا قطعه و أزاله. و أصل التَّفَثِ: وسخ الظفر و غير ذلك، مما شابه أن يزال عن البدن.
قال أعرابيّ: ما أَتْفَثَكَ و أدرنك.
__________________________________________________
 (1) البيت للممزق العبدي، شاعر جاهلي، و هو في الأصمعيات ص 165، و اللسان (فحص)، و الحيوان 5/ 281، و الجمهرة 2/ 163، و الأفعال 3/ 367.
 (2) الحديث صحيح متفق على صحته برواية: «فاظفر بذات الدين تربت يداك». و هو في فتح الباري 9/ 115، و مسلم (1466)، و شرح السنة 9/ 8.
 (3) قال ابن منظور: البوارح: الرياح الشدائد التي تحمل التراب في شدة الهبوات، واحدها: بارح.

165
مفردات ألفاظ القرآن

ترف ص 166

ترف‏
التُّرْفَةُ: التوسع في النعمة، يقال: أُتْرِفَ فلان فهو مُتْرَفٌ. أَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [المؤمنون/ 33]، وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ‏ [هود/ 116]، و قال: ارْجِعُوا إِلى‏ ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ‏ [الأنبياء/ 13]، و أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ‏ [المؤمنون/ 64]، و هم الموصوفون بقوله سبحانه: فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ [الفجر/ 15].
ترق‏
قال تعالى: كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ وَ قِيلَ مَنْ راقٍ‏ [القيامة/ 26]، جمع تَرْقُوَةٍ، و هي عظم وصل ما بين ثغرة النحر و العاتق.
ترك‏
تَرْكُ الشي‏ء: رفضه قصدا و اختيارا، أو قهرا و اضطرارا، فمن الأول: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ‏ [الكهف/ 99]، و قوله:
وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً [الدخان/ 24]، و من الثاني: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ‏ [الدخان/ 25]، و منه: تَرِكَةُ فلان لما يخلفه بعد موته، و قد يقال في كل فعل ينتهي به إلى حالة ما تَرَكْتُهُ كذا، أو يجري مجرى جعلته كذا، نحو: تَرَكْتُ فلانا وحيدا. و التَّرِيكَةُ أصله: البيض المتروك في مفازته، و يسمى بيضة الحديد بها كتسميتهم إياها بالبيضة.
تسعة
التِّسْعَةُ في العدد معروفة و كذا التِّسْعُونَ، قال تعالى: تِسْعَةُ رَهْطٍ [النمل/ 48]، تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً [ص/ 23]، ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَ ازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف/ 25]، عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر/ 30]، و التِّسْعُ: من أظماء الإبل «1»، و التُّسْعُ: جزء من تسعة «2»، و التُّسَعُ ثلاث ليال من الشهر آخرها التاسعة «3»، و تَسَعْتُ القوم: أخذت تسع أموالهم، أو كنت لهم تاسعا.
تعس‏
التَّعْسُ: أن لا ينتعش من العثرة و أن ينكسر في سفال، و تَعِسَ «4» تَعْساً و تَعْسَةً. قال تعالى:
فَتَعْساً لَهُمْ‏ [محمد/ 8].
تقوى‏
تاء تقوى مقلوب من الواو، و ذلك مذكور في بابه «5».
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و التّسع من أظماء الإبل: أن ترد إلى تسعة أيام.
 (2) قال ابن مالك في مثلثه:
         و أخذ تسع تسع أمّا التّسع             فالورد عن تسع مضت، و التّسع‏
             من تسعة جزء كذاك السّبع             يعود للسبعة بانتساب.


 (3) في اللسان: قال الأزهري: العرب تقول في ليالي الشهر: ثلاث غرر، و بعدها ثلاث نفل، و بعدها ثلاث تسع، سمّين تسعا لأنّ آخرتهن الليلة التاسعة.
 (4) قال أبو عثمان السرقسطي: يقال: تعس تعسا فهو تعس، و تعس بالفتح تعسا فهو تاعس. انظر الأفعال 3/ 366.
 (5) في مادة: وقى.

166
مفردات ألفاظ القرآن

تكأ ص 167

تكأ
الْمُتَّكَأُ: المكان الذي يتكأ عليه، و الْمِخَدَّةُ:
المتكأ عليها، و قوله تعالى: وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [يوسف/ 31]، أي: أترجا «1». و قيل:
طعاما متناولا، من قولك: اتكأ على كذا فأكله، قال تعالى: قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها [طه/ 18]، مُتَّكِئِينَ عَلى‏ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [الطور/ 20]، عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ‏ [يس/ 56]، مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ‏ [الواقعة/ 16].
تلَ‏
أصل التَّلِّ: المكان المرتفع، و التَّلِيلُ:
العنق، وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ‏ [الصافات/ 103]، أسقطه على التلّ، كقولك: تَرَّبَهُ: أسقطه على التراب، و قيل: أسقطه على تليله، و الْمِتَلُّ:
الرمح الذي يتلّ «2» به.
تلو
تَلَاهُ: تبعه متابعة ليس بينهم ما ليس منها، و ذلك يكون تارة بالجسم و تارة بالاقتداء في الحكم، و مصدره: تُلُوٌّ و تِلْوٌ، و تارة بالقراءة و تدبّر المعنى، و مصدره: تِلَاوَةٌ وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها [الشمس/ 2]، أراد به هاهنا الاتباع على سبيل الاقتداء و المرتبة، و ذلك أنه يقال: إنّ القمر هو يقتبس النور من الشمس و هو لها بمنزلة الخليفة، و قيل: و على هذا نبّه قوله: وَ جَعَلَ فِيها سِراجاً وَ قَمَراً مُنِيراً [الفرقان/ 61]، فأخبر أنّ الشمس بمنزلة السراج، و القمر بمنزلة النور المقتبس منه، و على هذا قوله تعالى: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً [يونس/ 5]، و الضِّيَاءُ أعلى مرتبة من النور، إذ كل ضياء نور، و ليس كل نور ضياء. وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ‏ [هود/ 17]، أي:
يقتدي به و يعمل بموجب قوله: يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 113]. و التِّلَاوَةُ تختص باتباع كتب اللّه المنزلة، تارة بالقراءة، و تارة بالارتسام لما فيها من أمر و نهي، و ترغيب و ترهيب. أو ما يتوهم فيه ذلك، و هو أخصّ من القراءة، فكل تلاوة قراءة، و ليس كل قراءة تلاوة، لا يقال: تلوت رقعتك، و إنما يقال في القرآن في شي‏ء إذا قرأته وجب عليك اتباعه. هنالك تَتْلُوا كلّ نفس ما أسلفت «3» [يونس/ 30]، وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا* [الأنفال/ 31]، أَ وَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى‏ عَلَيْهِمْ‏

__________________________________________________
 (1) عن مجاهد قال: من قرأ متّكأ شددها فهو الطعام، و من قرأ متكأ خففها فهو الأترنج.
و عن سلمة بن تمام أبي عبد اللّه القسري قال: «متكأ» بكلام الحبش، يسمون الأترنج متكأ. راجع: الدر المنثور 4/ 530، و قال أبو عبيدة: و هذا أبطل باطل في الأرض. مجاز القرآن 1/ 309.
 (2) يتلّ به: يصرع به.
 (3) و هذه قراءة حمزة و الكسائي و خلف و قرأ الباقي تبلوا.

167
مفردات ألفاظ القرآن

تلو ص 167

[العنكبوت/ 51]، قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ‏ [يونس/ 16]، وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً [الأنفال/ 2]، فهذا بالقراءة، و كذلك: وَ اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ‏ [الكهف/ 27]، وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِ‏ [المائدة/ 27]، فَالتَّالِياتِ ذِكْراً [الصافات/ 3].
و أمّا قوله: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ‏ [البقرة/ 121] فاتباع له بالعلم و العمل، ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ‏ [آل عمران/ 58] أي: ننزله، وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى‏ مُلْكِ سُلَيْمانَ‏ [البقرة/ 102]، و استعمل فيه لفظ التلاوة لما كان يزعم الشيطان أنّ ما يتلونه من كتب اللّه. و التِّلَاوَةُ و التَّلِيَّةُ: بقية مما يتلى، أي: يتّبع.
و أَتْلَيْتُهُ أي: أبقيت «1» منه تِلَاوَةً، أي: تركته قادرا على أن يتلوه، و أَتْلَيْتُ فلانا على فلان بحق، أي: أحلته عليه، و يقال: فلان يَتْلُو على فلان و يقول عليه، أي: يكذب عليه، قال:
وَ يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ* [آل عمران/ 75] و يقال: لا دَرَى و لا تَلَى، و
 «لَا دَرَيْتَ وَ لَا تَلَيْتَ» «2».
و أصله و لا تَلَوْتَ، فقلب للمزاوجة كما قيل:
 «مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ» «3».
و إنما هو موزورات.
تمَ‏
تَمَامُ الشي‏ء: انتهاؤه إلى حدّ لا يحتاج إلى شي‏ء خارج عنه، و الناقص: ما يحتاج إلى شي‏ء خارج عنه. و يقال ذلك للمعدود و الممسوح، تقول: عدد تَامٌّ و ليل تام، قال: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ* [الأنعام/ 115]، وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ‏ [الصف/ 8]، وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ‏ [الأعراف/ 142].
توراة
التوراة التاء فيه مقلوب، و أصله من الورى، و بناؤها عند الكوفيين: ووراة، تفعلة «4»، و قال بعضهم: هي تفعلة نحو تنفلة «5»، و ليس في كلامهم تفعلة اسما. و عند البصريين وورية، هي فوعلة نحو حوصلة. قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ [المائدة/ 44]، ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ، وَ مَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ‏ [الفتح/ 29].
تارة
أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى‏ [الإسراء/
__________________________________________________
 (1) و في نسخة: أتبعته من التلاوة.
 (2) الحديث تقدّم ص 84.
 (3) هذا حديث مرويّ عن عليّ عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم، و قد أخرجه ابن ماجة في باب ما جاء في اتباع النساء الجنائز 1/ 503 و قال في الزوائد: في إسناده دينار بن عمر و قد ضعّف، فالحديث ضعيف. و راجع شرح السنة 5/ 465.
 (4) قال في اللسان: التوراة عند أبي العباس تفعلة، و عند الفارسي فوعلة، قال: لقلّة تفعلة في الأسماء و كثرة فوعلة.
 (5) انظر: معاني القرآن للزجاج 1/ 374. و التّنفلة: أنثى الثعلب.

168
مفردات ألفاظ القرآن

تارة ص 168

69]، و قال تعالى: وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى‏ [طه/ 55]، أي مرّة و كرّة أخرى، هو فيما قيل من تَارَ الجرح: التأم.
تين‏
قال تعالى: وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ‏ [التين/ 1] قيل: هما جبلان، و قيل: هما المأكولان.
و تحقيق موردهما و اختصاصهما يتعلق بما بعد هذا الكتاب.
توب‏
التَّوْبُ: ترك الذنب على أجمل الوجوه «1»، و هو أبلغ وجوه الاعتذار، فإنّ الاعتذار على ثلاثة أوجه: إمّا أن يقول المعتذر: لم أفعل، أو يقول:
فعلت لأجل كذا، أو فعلت و أسأت و قد أقلعت، و لا رابع لذلك، و هذا الأخير هو التوبة، و التَّوْبَةُ في الشرع: ترك الذنب لقبحه و الندم على ما فرط منه، و العزيمة على ترك المعاودة، و تدارك ما أمكنه أن يتدارك من الأعمال بالأعمال بالإعادة، فمتى اجتمعت هذه الأربع فقد كملت شرائط التوبة. و تَابَ إلى اللّه، فذكر «إلى اللّه» يقتضي الإنابة، نحو: فَتُوبُوا إِلى‏ بارِئِكُمْ‏
 [البقرة/ 54]، وَ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً [النور/ 31]، أَ فَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ‏ [المائدة/ 74]، و تَابَ اللّه عليه، أي: قبل توبته، منه: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَ الْمُهاجِرِينَ‏ [التوبة/ 117]، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة/ 118]، فَتابَ عَلَيْكُمْ وَ عَفا عَنْكُمْ‏ [البقرة/ 187].
و التَّائِبُ يقال لباذل التوبة و لقابل التوبة، فالعبد تائب إلى اللّه، و اللّه تائب على عبده.
و التَّوَّابُ: العبد الكثير التوبة، و ذلك بتركه كلّ وقت بعض الذنوب على الترتيب حتى يصير تاركا لجميعه، و قد يقال ذلك للّه تعالى لكثرة قبوله توبة العباد «2» حالا بعد حال. و قوله: وَ مَنْ تابَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً [الفرقان/ 71]، أي: التوبة التامة، و هو الجمع بين ترك القبيح و تحري الجميل. عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ مَتابِ‏ [الرعد/ 30]، إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* [البقرة/ 54].
التيه‏
يقال: تَاهَ يَتِيهُ: إذا تحيّر، و تاه يتوه لغة في تاه يتيه، و في قصة بني إسرائيل: أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ‏ [المائدة/ 26]، و تَوَّهَهُ و تَيَّهَهُ: إذا حيّره و طرحه. و وقع في التِّيهِ و التُّوهِ، أي في مواضع الحيرة، و مفازة تَيْهَاءُ: تحيّر سالكوها.
__________________________________________________
 (1) من أراد التوسع في هذا المبحث فليرجع إلى «إحياء علوم الدين» للغزالي، الجزء الرابع، كتاب التوبة، فقد أجاد فيه و أفاد، و بيّن و أجمل.
 (2) انظر الأسماء و الصفات للبيهقي ص 99.

169
مفردات ألفاظ القرآن

التاءات ص 170

التاءات‏
التَّاءُ في أول الكلمة للقسم نحو: تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ «1» [الأنبياء/ 57]، و للمخاطب في الفعل المستقبل، نحو: تُكْرِهُ النَّاسَ [يونس/ 99]، و للتأنيث، نحو:
تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت/ 30].
و في آخر الكلمة تكون إمّا زائدة للتأنيث، فتصير في الوقف هاء نحو قائمة، أو تكون ثابتة في الوقف و الوصل، و ذلك في أخت و بنت، أو تكون في الجمع مع الألف نحو مسلمات و مؤمنات. و في آخر الفعل الماضي لضمير المتكلم، نحو قوله تعالى: وَ جَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً [المدثر/ 12]، أو للمخاطب مفتوحا نحو: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة/ 7]، و لضمير المخاطبة مكسورا نحو: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مريم/ 27]، و اللّه أعلم.
تمّ كتاب التاء
__________________________________________________
 (1) انظر: كتاب الحروف للمزني ص 62.

170
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الثاء

كتاب الثَّاء
ثبت‏
الثَّبَاتُ ضدّ الزوال، يقال: ثَبَتَ يَثْبُتُ ثَبَاتاً، قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال/ 45]، و رجل ثَبْتٌ و ثَبِيتٌ في الحرب، و أَثْبَتَهُ السقم «1»، و يقال ذلك للموجود بالبصر أو البصيرة، فيقال: فلان ثَابِتٌ عندي، و نبوّة النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم ثَابِتَةٌ، و الْإِثْبَاتُ و التَّثْبِيتُ تارة يقال بالفعل، فيقال لما يخرج من العدم إلى الوجود، نحو: أَثْبَتَ اللّه كذا، و تارة لما يثبت بالحكم، فيقال: أَثْبَتَ الحاكم على فلان كذا و ثَبَّتَهُ، و تارة لما يكون بالقول، سواء كان ذلك صدقا منه أو كذبا، فيقال: أَثْبَتَ التوحيد و صدق النبوّة «2»، و فلان أثبت مع اللّه إلها آخر، و قوله تعالى:
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ‏ [الأنفال/ 30]، أي:
يثبّطوك و يحيّروك، و قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [إبراهيم/ 27]، أي: يقويهم بالحجج القوية، و قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَشَدَّ تَثْبِيتاً
 [النساء/ 66]، أي: أشد لتحصيل علمهم. و قيل: أثبت لأعمالهم و اجتناء ثمرة أفعالهم، و أن يكونوا بخلاف من قال فيهم: وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان/ 23]، يقال: ثَبَّتُّهُ، أي: قوّيته، قال اللّه تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ‏ [الإسراء/ 74]، و قال: فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا [الأنفال/ 12]، و قال: وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ [البقرة/ 265]، و قال: وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا* [البقرة/ 250].
ثبر
الثُّبُورُ: الهلاك و الفساد، الْمُثَابِرُ على الإتيان، أي: المواظب، من قولهم: ثَابَرْتُ. قال تعالى:
دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً* لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً

__________________________________________________
 (1) قال ابن فارس: و أثبته السقم: إذا لم يكد يفارقه.
 (2) راجع: بصائر ذوي التمييز 1/ 347.

171
مفردات ألفاظ القرآن

ثبر ص 171

وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان/ 13- 14]، و قوله تعالى: وَ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً [الإسراء/ 102]،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَعْنِي نَاقِصَ الْعَقْلِ «1».
و نقصان العقل أعظم هلك. و ثَبِيرٌ جبل بمكة.
ثبط
قال اللّه تعالى: فَثَبَّطَهُمْ وَ قِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ‏ [التوبة/ 46]، حبسهم و شغلهم، يقال: ثَبَّطَهُ المرض و أَثْبَطَهُ: إذا حبسه و منعه و لم يكد يفارقه.
ثبا
قال تعالى: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء/ 71]، هي جمع ثُبَةٍ، أي: جماعة منفردة. قال الشاعر:
80-
         و قد أغدو على ثُبَةٍ كرام «2»
و منه: ثَبَّيْتُ على فلان «3»، أي: ذكرت متفرّق محاسنه. و يصغر ثُبَيَّةً، و يجمع على ثُبَاتٍ و ثُبِينَ، و المحذوف منه اللام، و أمّا ثُبَةُ الحوض فوسطه الذي يثوب إليه الماء، و المحذوف منه عينه لا لامه «4».
ثجَ‏
يقال: ثَجَّ الماء، و أتى الوادي بِثَجِيجِهِ. قال اللّه تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً [النبأ/ 14]، و
فِي الْحَدِيثِ: «أَفْضَلُ الْحَجِّ الْعَجُّ وَ الثَّجُّ» «5».
أي: رفع الصوت بالتلبية، و إسالة دم الهدي.
ثخن‏
يقال ثَخُنَ الشي‏ء فهو ثَخِينٌ: إذا غلظ فلم يسل، و لم يستمر في ذهابه، و منه استعير قولهم:
أَثْخَنْتُهُ ضربا و استخفافا. قال اللّه تعالى: ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى‏ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ‏ [الأنفال/ 67]، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ‏ [محمد/ 4].
__________________________________________________
 (1) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 5/ 345.
 (2) الشطر لزهير، و تتمته:
         نشاوى واجدين لما نشاء

و هو في ديوانه ص 11، و اللسان (ثبا) و (ثوب).
 (3) و في اللسان: و من جعل الأصل ثبيّة من ثبيت على الرجل: إذا أثنيت عليه في حياته.
 (4) قال أبو منصور الأزهري: الثّبات: جماعات في تفرقة، و كل فرقة ثبة، و هذا من: ثاب.
و قال آخرون: الثّبة من الأسماء الناقصة، و هو في الأصل ثبيّة، فالساقط لام الفعل في هذا القول و أما في القول الأول فالساقط عين الفعل. ا. ه. و على هذا القول مشى المؤلف.
 (5) الحديث يرويه أبو بكر الصديق أن النبيّ سئل أي الحج أفضل؟ قال: العجّ و الثج. و أخرجه الترمذي و قال ابن العربي: لم يصح، و أخرجه ابن ماجة 2/ 967 و فيه إبراهيم بن يزيد و هو متروك الحديث، و له طريق أخرى عند الدارقطني 1/ 255 و فيه محمد بن الحجاج و هو ضعيف، و أخرجه الحاكم 1/ 442 و البيهقي 4/ 330، فالحديث قوي لشواهده الكثيرة. راجع: شرح السنة 7/ 14، و عارضة الأحوذي 4/ 45.

172
مفردات ألفاظ القرآن

ثرب ص 173

ثرب‏
التَّثْرِيبُ: التقريع و التقرير بالذنب. قال تعالى: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ‏ [يوسف/ 92]، و
رُوِيَ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيَجْلِدْهَا وَ لَا يُثَرِّبْهَا» «1».
و لا يعرف من لفظه إلا قولهم:
الثَّرْبُ، و هو شحمة رقيقة، و قوله تعالى: يا أَهْلَ يَثْرِبَ‏ [الأحزاب/ 13]، أي: أهل المدينة، يصح أن يكون أصله من هذا الباب و الياء تكون فيه زائدة.
ثعب‏
قال عزّ و جل: فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ* [الأعراف/ 107]، يجوز أن يكون سمّي بذلك من قوله: ثَعَبْتُ الماء فَانْثَعَبَ، أي: فجّرته و أسلته فسال، و منه: ثَعَبَ المطر، و الثُّعْبَةُ:
ضرب من الوزغ و جمعها: ثُعَبٌ، كأنّه شبّه بالثعبان في هيئته، فاختصر لفظه من لفظه لكونه مختصرا منه في الهيئة.
ثقب‏
الثَّاقِبُ: المضي‏ء الذي يثقب بنوره و إضاءته ما يقع عليه. قال اللّه تعالى: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ‏ [الصافات/ 10]، و قال تعالى: وَ ما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ* النَّجْمُ الثَّاقِبُ‏ [الطارق/ 2- 3]، و أصله من الثُّقْبَةِ، و الْمَثْقَبُ: الطريق في الجبل، كأنه قد ثقب، و قال أبو عمرو:
و الصحيح: الْمِثْقَبُ «2»، و قالوا: ثَقَّبْتُ النار، أي: ذكيتها.
ثقف‏
الثَّقْفُ: الحذق في إدراك الشي‏ء و فعله، و منه قيل: رجل ثَقِفٌ، أي: حاذق في إدراك الشي‏ء و فعله، و منه استعير: الْمُثَاقَفَةُ «3»، و رمح مُثَقَّفٌ، أي: مقوّم، و ما يُثَقَّفُ به: الثِّقَافُ، و يقال: ثَقِفْتُ كذا: إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر، ثم يتجوّز به فيستعمل في الإدراك و إن لم تكن معه ثَقَافَةٌ. قال اللّه تعالى: وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ* [البقرة/ 191]، و قال عزّ و جل:
فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ‏ [الأنفال/ 57]، و قال عزّ و جل: مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلًا [الأحزاب/ 61].
ثقل‏
الثِّقَلُ و الخفّة متقابلان، فكل ما يترجح على‏
__________________________________________________
 (1) هذا جزء من حديث صحيح متفق على صحته، مروي عن أبي هريرة قال: سمعت النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إذا زنت أمة أحدكم فتبيّن زناها فليجلدها الحدّ و لا يثرّب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحدّ و لا يثرّب، ثم إن زنت الثالثة فتبيّن زناها فليبعها و لو بحبل من شعر». و قد أخرجه البخاري في باب بيع المدبّر، انظر: فتح الباري 4/ 350، و مسلم في الحدود رقم (1703)، و انظر: شرح السنة 10/ 297.
 (2) و في (شمس العلوم): المثقب: الطريق، و يقال: إنه أفصح من مفتوح الميم. راجع شمس العلوم 1/ 50.
 (3) هي الملاعبة بالسلاح.

173
مفردات ألفاظ القرآن

ثقل ص 173

ما يوزن به أو يقدّر به يقال: هو ثَقِيلٌ، و أصله في الأجسام ثم يقال في المعاني، نحو: أَثْقَلَهُ الغرم و الوزر. قال اللّه تعالى: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ*
 [الطور/ 40]، و الثَّقِيلُ في الإنسان يستعمل تارة في الذم، و هو أكثر في التعارف، و تارة في المدح نحو قول الشاعر:
81-
         تخفّ الأرض إذا ما زلت عنها             و تبقى ما بقيت بها ثَقِيلًا

82-
         حللت بمستقر العزّ منها             فتمنع جانبيها أن تميلا «1»

و يقال: في أذنه ثِقَلٌ: إذا لم يجد سمعه، كما يقال: في أذنه خفّة: إذا جاد سمعه. كأنه يثقل عن قبول ما يلقى إليه، و قد يقال: ثَقُلَ القول إذا لم يطب سماعه، و لذلك قال في صفة يوم القيامة: ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأعراف/ 187]، و قوله تعالى: وَ أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها [الزلزلة/ 2]، قيل: كنوزها، و قيل: ما تضمّنته من أجساد البشر عند الحشر و البعث، و قال تعالى: وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى‏ بَلَدٍ [النحل/ 7]، أي: أحمالكم الثقيلة، و قال عزّ و جل: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ‏ [العنكبوت/ 13]، أي: آثامهم التي تثقلهم و تثبطهم عن الثواب، كقوله تعالى:
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ [النحل/ 25]، و قوله عزّ و جل: انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا [التوبة/ 41]، قيل: شبّانا و شيوخا «2»، و قيل: فقراء و أغنياء، و قيل: غرباء و مستوطنين، و قيل: نشّاطا و كسالى، و كلّ ذلك يدخل في عمومها، فإنّ القصد بالآية الحثّ على النفر على كل حال تصعّب أو تسهّل. و الْمِثْقَالُ: ما يوزن به، و هو من الثّقل، و ذلك اسم لكل سنج قال تعالى: وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى‏ بِنا حاسِبِينَ‏ [الأنبياء/ 47]، و قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ‏ [الزلزلة/ 7- 8]، و قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ [القارعة/ 6- 7]، فإشارة إلى كثرة الخيرات، و قوله تعالى: وَ أَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ [القارعة/ 8]، فإشارة إلى قلّة الخيرات.
و الثَّقِيلُ و الخفيف يستعمل على وجهين:
أحدهما على سبيل المضايفة، و هو أن لا يقال لشي‏ء ثقيل أو خفيف إلا باعتباره بغيره، و لهذا
__________________________________________________
 (1) الأشطار الثلاثة الأولى لزهير بن أبي سلمى، و الأخير لابنه كعب، و لها قصة انظرها في أمالي المرتضى 1/ 97.
و هما في ديوان زهير ص 71، و بصائر ذوي التمييز 1/ 334.
 (2) راجع في تفسير الآية الدر المنثور 4/ 208.

174
مفردات ألفاظ القرآن

ثقل ص 173

يصحّ للشي‏ء الواحد أن يقال خفيف إذا اعتبرته بما هو أثقل منه، و ثقيل إذا اعتبرته بما هو أخفّ منه، و على هذه الآية المتقدمة آنفا.
و الثاني أن يستعمل الثَّقِيلُ في الأجسام المرجّحة إلى أسفل، كالحجر و المدر، و الخفيف يقال في الأجسام المائلة إلى الصعود كالنار و الدخان، و من هذا الثقل قوله تعالى: اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ‏ [التوبة/ 38].
ثلث‏
الثَّلَاثَةُ و الثَّلَاثُونَ، و الثَّلَاثُ و الثَّلَاثُمِائَةِ، و ثَلَاثَةُ آلاف، و الثُّلُثُ و الثُّلُثَانِ.
قال عزّ و جلّ: فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ‏ [النساء/ 11]، أي: أحد أجزائه الثلاثة، و الجمع أَثْلَاثٌ، قال تعالى: وَ واعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142]، و قال عزّ و جل: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ‏ [المجادلة/ 7]، و قال تعالى: ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ‏ [النور/ 58]، أي: ثلاثة أوقات العورة، و قال عزّ و جلّ: وَ لَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ‏ [الكهف/ 25]، و قال تعالى: بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ‏ [آل عمران/ 124]، و قال تعالى:
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى‏ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ‏ [المزمل/ 20]، و قال عزّ و جل:
مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ* [فاطر/ 1]، أي: اثنين اثنين و ثلاثة ثلاثة. و ثَلَّثْتُ الشي‏ء: جزّأته أثلاثا، و ثَلَّثْتُ القوم: أخذت ثلث أموالهم، و أَثْلَثْتُهُمْ:
صرت ثالثهم أو ثلثهم، و أَثْلَثْتُ الدراهم فَأَثْلَثَتْ هي «1»، و أَثْلَثَ القوم: صاروا ثلاثة و حبل مَثْلُوثٌ: مفتول على ثلاثة قوى، و رجل مَثْلُوثٌ:
أخذ ثلث ماله، و ثَلَّثَ الفرس و ربّع جاء ثالثا و رابعا في السباق، و يقال: أ ثَلَاثَةٌ و ثَلَاثُونَ عندك أو ثَلَاثٌ و ثَلَاثُونَ؟ كناية عن الرجال و النساء، و جاءوا ثُلَاثَ و مَثْلَثَ، أي: ثلاثة ثلاثة، و ناقة ثَلُوثٌ «2»: تحلب من ثلاثة أخلاف، و الثَّلَاثَاءُ و الأربعاء من الأيام جعل الألف فيهما بدلا من الهاء، نحو: حسنة و حسناء، فخصّ اللفظ باليوم، و حكي: ثَلَّثْتُ الشي‏ء تَثْلِيثاً: جعلته على ثلاثة أجزاء، و ثَلَّثَ البسر: إذا بلغ الرطب ثلثيه، أو ثَلَّثَ العنب: أدرك ثلثاه، و ثوب ثُلَاثِيٌّ: طوله ثلاثة أذرع.
ثل‏
الثَّلَّةُ: قطعة مجتمعة من الصوف، و لذلك قيل للمقيم ثُلَّةٌ، و لاعتبار الاجتماع قيل: ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ ثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ‏ [الواقعة/ 39- 40]،
__________________________________________________
 (1) راجع ص 82 في الحاشية.
 (2) قال ابن مالك في مثلثه:
         معلوم الثّلاث، و الثّلاث             جمع ثلوث النّوق، و الثّلاث‏
             يعنى به الذكور و الإناث             و هو من المعدول في الحساب.

 

175
مفردات ألفاظ القرآن

ثل ص 175

أي: جماعة «1»، و ثَلَلْتُ كذا: تناولت ثلّة منه، و ثُلَّ عرشه: أسقط ثلة منه، و الثَّلَلُ. قصر الأسنان لسقوط ثلة منه، و أَثَلَّ فمه:
سقطت أسنانه، و تَثَلَّلَتِ الركية، أي: تهدّمت.
ثمد
ثَمُودُ قيل: هو أعجمي، و قيل: هو عربيّ، و ترك صرفه لكونه اسم قبيلة، أو أرض، و من صرفه جعله اسم حيّ أو أب، لأنه يذكر فعول من الثَّمَدِ، و هو الماء القليل الذي لا مادّة له، و منه قيل: فلان مَثْمُودٌ، ثَمَدَتْهُ النساء أي:
قطعن مادّة مائه لكثرة غشيانه لهنّ، و مَثْمُودٌ: إذا كثر عليه السّؤال حتى فقد مادة ماله.
ثمر
الثَّمَرُ اسم لكلّ ما يتطعم من أحمال الشجر، الواحدة ثَمَرَةٌ، و الجمع: ثِمَارٌ و ثَمَرَاتٌ، كقوله تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ* [البقرة/ 22]، و قوله تعالى: وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ‏ [النحل/ 67]، و قوله تعالى: انْظُرُوا إِلى‏ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ‏ [الأنعام/ 99]، و قوله تعالى: وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ* [الرعد/ 3]، و الثَّمَرُ قيل: هو الثِّمَارُ، و قيل: هو جمعه، و يكنّى به عن المال المستفاد، و على ذلك حمل ابن عباس (وَ كَانَ لَهُ ثُمْرٌ) «2» [الكهف/ 34] و يقال: ثَمَّرَ اللّه ماله، و يقال لكلّ نفع يصدر عن شي‏ء: ثَمَرَةٌ كقولك: ثَمَرَةُ العلم العمل الصالح، و ثَمَرَةُ العمل الصالح الجنّة «3»، و ثَمَرَةُ السوط عقدة أطرافها تشبيها بالثمر في الهيئة، و التدلي عنه كتدلي الثمر عن الشجر، و الثَّمِيرَةُ من اللبن: ما تحبّب من الزبد تشبيها بالثمر في الهيئة و في التحصيل من اللبن.
ثمَ‏
ثُمَّ حرف عطف يقتضي تأخر ما بعده عمّا قبله «4»، إمّا تأخيرا بالذات، أو بالمرتبة، أو بالوضع حسبما ذكر في (قبل) و في (أول). قال تعالى: أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَ قَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ* ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا، [يونس/ 51- 52]، و قال عزّ و جلّ: ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ‏ [البقرة/ 52]، و أشباهه.
__________________________________________________
 (1) قال ابن مالك:
         ضأن و صوف و تراب ثلّه             و عن حلاك عبروا بثلّه‏
             و زمرة الناس تسمى ثلّه             شاهده في محكم الكتاب.

 (2) انظر: الدرّ المنثور 5/ 390، و هي قراءة ابن عباس من القراءات الشاذة. و قال مجاهد: ما كان في القرآن من ثمر فهو مال، و ما كان من ثمر فهو من الثمار. انظر: اللسان (ثمر).
 (3) انظر مجمع البلاغة للمؤلف 1/ 44.
 (4) راجع مغني اللبيب، و الجنى الداني، باب ثمّ، و البصائر 2/ 344.

176
مفردات ألفاظ القرآن

ثم ص 176

و ثُمَامَةٌ: شجر، و ثَمَّتِ الشاة: إذا رعتها «1»، نحو: شَجَّرَتْ: إذا رعت الشجر، ثم يقال في غيرها من النبات. و ثَمَمْتُ الشي‏ء: جمعته، و منه قيل: كنّا أَهْلَ ثُمِّهِ و رُمِّهِ «2»، و الثُّمَّةُ: جمعة من حشيش. و:
ثَمَّ إشارة إلى المتبعّد من المكان، و «هنالك» للتقرب، و هما ظرفان في الأصل، و قوله تعالى:
وَ إِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ‏ [الإنسان/ 20] فهو في موضع المفعول «3».
ثمن‏
قوله تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ‏ [يوسف/ 20]. الثَّمَنُ: اسم لما يأخذه البائع في مقابلة البيع، عينا كان أو سلعة. و كل ما يحصل عوضا عن شي‏ء فهو ثمنه. قال تعالى:
إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران/ 77]، و قال تعالى: وَ لا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا [النحل/ 95]، و قال: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا* [البقرة/ 41]، و أَثْمَنْتُ الرَّجُلَ بمتاعه و أَثْمَنْتُ لَهُ: أكثرت له الثمن، و شي‏ء ثَمِينٌ: كثير الثمن، و الثَّمَانِيَةُ و الثَّمَانُونَ و الثُّمُنُ في العدد معروف. و يقال:
ثَمَنْتُهُ: كنت له ثامنا، أو أخذت ثمن ماله، و قال عزّ و جلّ: سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ‏ [الكهف/ 22]، و قال تعالى: عَلى‏ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ‏ [القصص/ 27]. و الثَّمِينُ:
الثُّمُنُ، قال الشاعر:
83-
         فما صار لي في القسم إلا ثَمِينُهَا «4»
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 156.
 (2) انظر: أساس البلاغة ص 49، و المجمل 1/ 156. قال الزمخشري: أي: أهل إصلاح شأنه و الاهتمام بأمره.
 (3) و مشى على هذا القول الفيروزآبادي في البصائر 1/ 345، و ردّه في القاموس، فقال: فقول من أعربه مفعولا ل «رأيت» في: و إذا رأيت ثمّ رأيت وهم.
و مشى على هذا القول الفراء في معانيه، راجع 3/ 218، و كذا الأخفش.
- و قال أبو جعفر النحاس: لأهل العربية فيه ثلاثة أقوال:
فأكثر البصريين يقول: «ثمّ» ظرف، و لم تعدّ «رأيت»، كما تقول: ظننت في الدار، فلا تعدّي ظننت، على قول سيبويه.
و قال الأخفش- و هو أحد قولي الفراء-: ثمّ مفعول بها، أي: فإذا نظرت ثمّ.
و قول آخر للفراء، قال: و التقدير: و إذا رأيت ما ثمّ، و حذف «ما».
قال أبو جعفر: و حذف «ما» خطأ عند البصريين، لأنه يحذف الموصول و يبقي الصلة. راجع إعراب القرآن للنحاس 3/ 579.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         و ألقيت سهمي بينهم حين أوخشوا

و ينسب إلى يزيد بن الطثرية، و هو في ديوانه ص 97، و المجمل 1/ 162، و اللسان (ثمن)، و عقد الخلاص ص 282.

177
مفردات ألفاظ القرآن

ثمن ص 177

و قوله تعالى: فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏ [النساء/ 12].
ثنى‏
الثَّنْيُ و الِاثْنَانِ أصل لمتصرفات هذه الكلمة، و يقال ذلك باعتبار العدد، أو باعتبار التكرير الموجود فيه أو باعتبارهما معا، قال اللّه تعالى:
ثانِيَ اثْنَيْنِ‏ [التوبة/ 40]، اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً* [البقرة/ 60]، و قال: مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ* [النساء/ 3] فيقال: ثَنَّيْتُهُ تَثْنِيَةً: كنت له ثانيا، أو أخذت نصف ماله، أو ضممت إليه ما صار به اثنين.
و الثِّنَى: ما يعاد مرتين،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
 «لَا ثِنَى فِي الصَّدَقَةِ» «1».
أي: لا تؤخذ في السنة مرتين. قال الشاعر:
84-
         لقد كانت ملامتها ثِنَى «2»
و امرأة ثِنْيٌ: ولدت اثنين، و الولد يقال له:
ثِنْيٌ، و حلف يمينا فيها ثُنْيَا و ثَنْوَى و ثَنِيَّةٌ و مَثْنَوِيَّةٌ «3»، و يقال للاوي الشي‏ء: قد ثَنَاهُ، نحو قوله تعالى: أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ‏ [هود/ 5]، و قراءة ابن عباس: (يَثْنَوْنَى صدورهم) «4» من: اثْنَوْنَيْتُ، و قوله عزّ و جلّ:
ثانِيَ عِطْفِهِ‏ [الحج/ 9]، و ذلك عبارة عن التّنكّر و الإعراض، نحو: لوى شدقه، وَ نَأى‏ بِجانِبِهِ* [الإسراء/ 83].
و الثَّنِيُّ من الشاة: ما دخل في السنة الثانية و ما سقطت ثنيته من البعير، و قد أَثْنَى، و ثَنَيْتُ الشي‏ء أَثْنِيهِ: عقدته بِثِنَايَيْنِ غير مهموز، قيل «5»: و إنما لم يهمز لأنه بنى الكلمة على التثنية، و لم يبن عليه لفظ الواحد. و الْمُثَنَّاةُ: ما ثني من طرف الزمام، و الثُّنْيَانُ الذي يثنّى به إذا عدّ السادات. و فلان ثَنِيَّةُ أهل بيته كناية عن قصور منزلته فيهم، و الثَّنِيَّةُ من الجبل: ما يحتاج في قطعه و سلوكه إلى صعود و حدود، فكأنه يثني السير، و الثَّنِيَّةُ من السنّ تشبيها بالثّنية من الجبل في الهيئة و الصلابة. و الثُّنْيَا من الجزور: ما يثنيه جازره إلى ثنيه من الرأس و الصلب، و قيل:
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 1/ 98، و ابن الأثير في النهاية 1/ 244، و الفائق 1/ 158، و رواته ثقات.
 (2) هذا عجز بيت، و صدره:
         أ في جنب بكر قطعتني ملامة

و هو ينسب لأوس بن حجر في ديوانه ص 141، و إلى معن بن أوس كما في غريب الحديث 1/ 98، و إلى كعب بن زهير في اللسان (ثنى)، و ديوان كعب ص 128 و هو الأرجح، و انظر: المجمل 1/ 163.
 (3) هذا كله بمعنى الاستثناء.
 (4) و هي قراءة شاذة. انظر: البصائر 1/ 345.
 (5) انظر: المجمل 1/ 164.

178
مفردات ألفاظ القرآن

ثنى ص 178

الثُّنْوَى و الثَّنَاءُ: ما يذكر في محامد الناس، فيثنى حالا فحالا ذكره، يقال: أثني عليه.
و تَثَنَّى في مشيته نحو: تبختر، و سميت سور القرآن مَثَانِيَ في قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ [الحجر/ 87] لأنها تثنى على مرور الأوقات و تكرّر فلا تدرس و لا تنقطع دروس سائر الأشياء التي تضمحل و تبطل على مرور الأيام، و على ذلك قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ‏ [الزمر/ 23]، و يصح أنه قيل للقرآن: مثاني، لما يثنى و يتجدّد حالا فحالا من فوائده، كما
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ فِي صِفَتِهِ: «لَا يَعْوَجُّ فَيُقَوَّمَ وَ لَا يَزِيغُ فَيُسْتَعْتَبَ، وَ لَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ» «1».
و يصح أن يكون ذلك من الثناء، تنبيها على أنه أبدا يظهر منه ما يدعو إلى الثناء عليه و على من يتلوه، و يعلمه و يعمل به، و على هذا الوجه وصفه بالكرم في قوله تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [الواقعة/ 77]، و بالمجد في قوله:
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ [البروج/ 21].
و الِاسْتِثْنَاءُ: إيراد لفظ يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم لفظ متقدم، أو يقتضي رفع حكم اللفظ عما هو. فممّا يقتضي رفع بعض ما يوجبه عموم اللفظ قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى‏ طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً الآية: [الأنعام/ 145].
و ما يقتضي رفع ما يوجبه اللفظ فنحو قوله:
و اللّه لأفعلنّ كذا إن شاء اللّه، و امرأته طالق إن شاء اللّه، و عبده عتيق إن شاء اللّه، و على هذا قوله تعالى: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ‏ [القلم/ 17- 18].
ثوب‏
أصل الثَّوْبِ: رجوع الشي‏ء إلى حالته الأولى التي كان عليها، أو إلى الحالة المقدّرة المقصودة بالفكرة، و هي الحالة المشار إليها بقولهم: أوّل الفكرة آخر العمل «2». فمن الرجوع إلى الحالة الأولى قولهم: ثَابَ فلان إلى داره، و ثَابَتْ إِلَيَّ نفسي، و سمّي مكان المستسقي على فم البئر مَثَابَةً، و من الرجوع إلى الحالة المقدرة المقصود بالفكرة الثَّوْبُ، سمّي بذلك لرجوع الغزل إلى الحالة التي قدّرت له، و كذا ثَوَابُ العمل، و جمع الثوب أَثْوَابٌ و ثِيَابٌ، و قوله تعالى: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر/ 4] يحمل على تطهير الثوب، و قيل:
الثِّيَابُ كناية عن النفس لقول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه رزين و أبو عبيد في كتابه (فضائل القرآن)، و قال: هذا غريب من هذا الوجه. و عند الترمذي: «و لا يخلق عن كثرة الرّد و لا تنقضي عجائبه». انظر سنن الترمذي: باب فضائل القرآن رقم (2908)، قال: و إسناده مجهول. و أخرجه أحمد في المسند برقم (704)، و ابن أبي شيبة 6/ 125.
 (2) انظر: بصائر ذوي التمييز 1/ 337، و تفصيل هذا في شرح أدب الكاتب للجواليقي ص 37.

179
مفردات ألفاظ القرآن

ثوب ص 179

85-
         ثِيَابُ بني عوف طهارى نقيّة «1»
و ذلك أمر بما ذكره اللّه تعالى في قوله:
إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33]. و الثَّوَابُ:
ما يرجع إلى الإنسان من جزاء أعماله، فيسمى الجزاء ثوابا تصوّرا أنه هو هو، أ لا ترى كيف جعل اللّه تعالى الجزاء نفس العمل في قوله:
فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ [الزلزلة/ 7]، و لم يقل جزاءه، و الثَّوَابُ يقال في الخير و الشر، لكن الأكثر المتعارف في الخير، و على هذا قوله عزّ و جلّ: ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ اللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ‏ [آل عمران/ 195]، فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ [آل عمران/ 148]، و كذلك الْمَثُوبَةُ في قوله تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ‏ [المائدة/ 60]، فإنّ ذلك استعارة في الشر كاستعارة البشارة فيه. قال تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 103]، و الْإِثَابَةُ تستعمل في المحبوب، قال تعالى: فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [المائدة/ 85]، و قد قيل ذلك في المكروه فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ‏ [آل عمران/ 153]، على الاستعارة كما تقدّم، و التَّثْوِيبُ في القرآن لم يجئ إلا في المكروه، نحو: هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ [المطففين/ 36]، و قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً [البقرة/ 125]، قيل: معناه: مكانا يثوب إليه النّاس على مرور الأوقات، و قيل: مكانا يكتسب فيه الثواب. و الثَّيِّبُ: التي تثوب عن الزوج.
قال تعالى: ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً [التحريم/ 5]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا» «2».
و التَّثْوِيبُ: تكرار النداء، و منه: التثويب في الأذان، و الثُّوبَاءُ التي تعتري الإنسان سميت بذلك لتكررها، و الثُّبَةُ: الجماعة الثائب بعضهم إلى بعض في الظاهر. قال عزّ و جلّ: فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء/ 71]، قال الشاعر:
86-
         و قد أغدو على ثُبَةٍ كرام «3»


و ثُبَةُ الحوض: ما يثوب إليه الماء، و قد تقدّم «4».
__________________________________________________
 (1) الشطر لامرئ القيس، و عجزه:
         و أوجههم بيض المسافر غرّان‏

و هو في ديوانه ص 167، و اللسان (ثوب).
 (2) الحديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه (1421)، و ابن ماجة في سننه 1/ 601، و مالك في الموطأ. انظر تنوير الحوالك 2/ 62، و شرح السنة 9/ 30، و الرواية [الأيم‏] بدل [الثيب‏].
 (3) البيت تقدم قريبا برقم 80.
 (4) راجع مادة (ثبة).

180
مفردات ألفاظ القرآن

ثور ص 181

ثور
ثَارَ الغبار و السحاب و نحوهما، يَثُورُ ثَوْراً و ثَوَرَاناً: انتشر ساطعا، و قد أَثَرْتُهُ، قال تعالى:
فَتُثِيرُ سَحاباً* [الروم/ 48]، يقال: أَثَرْتُ الأرض، كقوله تعالى: وَ أَثارُوا الْأَرْضَ وَ عَمَرُوها [الروم/ 9]، و ثَارَتِ الحصبة ثَوْراً تشبيها بانتشار الغبار، و ثَوَّرَ شرّا كذلك، و ثَارَ ثَائِرُهُ كناية عن انتشار غضبه، و ثَاوَرَهُ: واثبه، و الثَّوْرُ: البقر الذي يثار به الأرض، فكأنه في الأصل مصدر جعل في موضع الفاعل «1»، نحو: ضيف و طيف في معنى: ضائف و طائف، و قولهم: سقط ثَوْرُ الشفق «2» أي: الثائر المنتثر، و الثَّارُ هو طلب الدم، و أصله الهمز، و ليس من هذا الباب.
ثوى‏
الثَّوَاءُ: الإقامة مع الاستقرار، يقال: ثَوَى يَثْوِي ثَوَاءً، قال عزّ و جلّ: وَ ما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ‏ [القصص/ 45]، و قال: أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ‏ [الزمر/ 60]، قال اللّه تعالى: فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ‏ [فصلت/ 24]، ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ* [الزمر/ 72]، و قال:
النَّارُ مَثْواكُمْ‏ [الأنعام/ 128]، و قيل: من أمّ مَثْوَاكَ «3»؟ كناية عمّن نزل به ضيف، و الثَّوِيَّةُ:
مأوى الغنم، و اللّه أعلم بالصواب.
تمّ كتاب الثاء
__________________________________________________
 (1) راجع صفحة 139 حاشية 4.
 (2) و هو ما ظهر منه و انتشر، راجع أساس البلاغة (ثور) ص 49. و قال ابن فارس: و يقال في المغرب إذا سقط ثور الشفق، فهو انتشار الشفق و ثورانه. انظر: المجمل 1/ 165.
 (3) قال الزمخشري: و هو أبو مثواي و هي أم مثواي: لمن أنت نازل به.

181
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الجيم

كتاب الجيم‏
جبَ‏
قال اللّه تعالى: وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ‏ [يوسف/ 10]، أي: بئر لم تطو، و تسميته بذلك إمّا لكونه محفورا في جَبُوبٍ، أي: في أرض غليظة، و إمّا لأنه قد جبّ، و الْجَبُّ: قطع الشي‏ء من أصله كجبّ النّخل، و قيل: زمن الْجِبَابِ، نحو: زمن الصّرام، و بعير أَجَبُّ: مقطوع السنام «1»، و ناقة جَبَّاءُ، و ذلك نحو: أقطع و قطعاء، للمقطوع اليد، و خصي مَجْبُوبٌ:
مقطوع الذّكر من أصله، و الْجُبَّةُ التي هي اللباس منه، و به شبّه ما دخل فيه الرمح من السنان، و الْجُبَابُ: شي‏ء يعلو ألبان الإبل، و جَبَّتِ المرأة النساء حسنا: إذا غلبتهن، استعارة من الجبّ الذي هو القطع، و ذلك كقولهم: قطعته في المناظرة و المنازعة، و أمّا الْجُبْجُبَةُ «2» فليست من ذلك، بل سميت به لصوتها المسموع منها.
جبت‏
قال اللّه تعالى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَ الطَّاغُوتِ‏ [النساء/ 51]، الْجِبْتُ «3» و الْجِبْسُ: الفسل «4» الذي لا خير فيه «5»، و قيل:
التاء بدل من السين، تنبيها على مبالغته في الفسولة، كقول الشاعر:
87-
         عمرو بن يربوع شرار النّاس «6»
أي: خساس الناس، و يقال لكلّ ما عبد من‏
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 1/ 358.
 (2) قال في اللسان (و الجبجبة) وعاء يتخذ من أدم يسقى فيه الإبل، و ينقع فيه الهبيد.
 (3) قال الجوهري: و هذا ليس من محض العربية، لاجتماع الجيم و التاء في كلمة من غير حرف ذولقي.
 (4) في اللسان: الفسل: الرذل و النذل الذي لا مروة له.
 (5) انظر: البصائر 1/ 359.
 (6) هذا عجز بيت، و شطره الأول:
         يا قبّح اللّه بني السّعلاة

و هو لعلباء بن أرقم، و هو في اللسان (نوت)، و البصائر 1/ 359، و الخصائص 2/ 53، و الجمهرة 3/ 32.

182
مفردات ألفاظ القرآن

جبت ص 182

دون اللّه: جِبْتٌ، و سمي الساحر و الكاهن جِبْتاً.
جبر
أصل الْجَبْرِ: إصلاح الشي‏ء بضرب من القهر، يقال: جَبَرْتُهُ فَانْجَبَرَ و اجْتَبَرَ، و قد قيل:
جَبَرْتُهُ فَجَبَرَ «1»، كقول الشاعر:
88-
         قد جَبَرَ الدين الإله فَجَبَرَ «2»
هذا قول أكثر أهل اللغة، و قال بعضهم: ليس قوله (فجبر) مذكورا على سبيل الانفعال، بل ذلك على سبيل الفعل، و كرّره، و نبّه بالأول على الابتداء بإصلاحه، و بالثاني على تتميمه، فكأنه قال: قصد جبر الدين و ابتدأ به فتمّم جبره، و ذلك أنّ «فعل» تارة يقال لمن ابتدأ بفعل، و تارة لمن فرغ منه. و تَجَبَّرَ بعد الأكل يقال إمّا لتصور معنى الاجتهاد و المبالغة، أو لمعنى التكلف، كقول الشاعر:
89-
         تَجَبَّرَ بعد الأكل فهو نميص «3»
و قد يقال الْجَبْرُ تارة في الإصلاح المجرد، نحو
قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (يَا جَابِرَ كُلِّ كَسِيرٍ، وَ يَا مُسَهِّلَ كُلِّ عَسِيرٍ).
و منه قولهم للخبز:
جَابِرُ بن حبّة «4»، و تارة في القهر المجرد نحو
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ» «5».
و الْجَبْرُ في الحساب: إلحاق شي‏ء به إصلاحا لما يريد إصلاحه، و سمي السلطان جَبْراً كقول الشاعر:
90-
         و أنعم صباحا أيها الْجَبْرُ «6»
لقهره الناس على ما يريده، أو لإصلاح أمورهم.
و الْإِجْبَارُ في الأصل: حمل الغير على أن يجبر الآخر لكن تعورف في الإكراه المجرّد، فقيل: أَجْبَرْتُهُ على كذا، كقولك: أكرهته.
و سمي الذين يدّعون أنّ اللّه تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مُجْبِرَةً، و في قول المتقدمين جَبْرِيَّةً و جَبَرِيَّةً. و الْجَبَّارُ في‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال للسرقسطي 2/ 260.
 (2) الشطر للعجاج و بعده:
         و عور الرحمن من ولى العور

و هو في ديوانه ص 4، و تهذيب اللغة 11/ 60، و الأفعال 2/ 260، و اللسان (جبر)، و البصائر 1/ 360.
 (3) هذا عجز بيت لامرئ القيس، و شطره:
         و يأكلن من قوّ لعاعا و ربة

و هو في ديوانه ص 93، و اللسان (جبر).
 (4) انظر: اللسان (جبر)، و البصائر 1/ 361.
 (5) ليس هذا بحديث بل من قول المتكلمين في مذهب أهل السنة، و هو قول جعفر الصادق. انظر نثر الدر 1/ 363.
 (6) هذا عجز بيت، و شطره:
         و اسلم براووق حبيت به‏

و هو لابن أحمر في ديوانه ص 94، و البصائر 1/ 361، و اللسان (جبر).

183
مفردات ألفاظ القرآن

جبر ص 183

صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادّعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، و هذا لا يقال إلا على طريق الذم، كقوله عزّ و جل: وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم/ 15]، و قوله تعالى:
وَ لَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا [مريم/ 32]، و قوله عزّ و جل: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ‏ [المائدة/ 22]، و قوله عزّ و جل:
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ 35]، أي: متعال عن قبول الحق و الإيمان له. يقال للقاهر غيره: جَبَّارٌ، نحو:
وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق/ 45]، و لتصور القهر بالعلو على الأقران قيل: نخلة جَبَّارَةٌ و ناقة جَبَّارٌ «1». و ما روي‏
فِي الْخَبَرِ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ فِي النَّارِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَ كَثَافَةُ جِلْدِهِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعاً بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ» «2».
فقد قال ابن قتيبة: هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له: ذراع الشاة «3». فأمّا في وصفه تعالى نحو: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر/ 23]، فقد قيل: سمي بذلك من قولهم: جَبَرْتُ الفقير، لأنّه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه، و قيل: لأنه يجبر الناس، أي: يقهرهم على ما يريده «4».
و دفع بعض أهل اللغة «5» ذلك من حيث اللفظ، فقال: لا يقال من: «أفعلت» فعّال، فجبّار لا يبنى من: أجبرت، فأجيب عنه بأنّ ذلك من لفظ الجبر المروي في‏
قَوْلِهِ: «لَا جَبْرَ وَ لَا تَفْوِيضَ».
لا من لفظ الإجبار «6»، و أنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا: يتعالى اللّه عن ذلك، و ليس ذلك بمنكر فإنّ اللّه تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة و الجهلة، و ذلك كإكراههم على المرض و الموت و البعث، و سخّر كلا منهم لصناعة يتعاطاها، و طريقة من الأخلاق و الأعمال يتحرّاها، و جعله‏
__________________________________________________
 (1) غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 615.
 (2) قوله عليه السلام: «ضرس الكافر في النار مثل أحد» هذا الشطر صحيح متفق على صحته. و أخرجه البخاري في صحيحه. انظر: فتح الباري 11/ 415، و أخرجه أحمد 2/ 328، و ابن حبان (انظر: الإحسان 9/ 284)، و مسلم (2851)، و عارضة الأحوذي 10/ 47. و قوله: «و كثافة جلده ...» قال ابن حجر: و أخرجه البزار عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ: «غلظ جلد الكافر و كثافة جلده اثنان و أربعون ذراعا بذراع الجبّار» و أخرجه البيهقي، و عند ابن المبارك في الزهد بسند صحيح: «و كثافة جلده سبعون ذراعا». انظر: فتح الباري 11/ 423، و الزهد لابن المبارك ص 87، و شرح السنة 15/ 250.
 (3) قال ابن حجر: و جزم ابن حبان لما أخرجه في صحيحه بأنّ الجبار ملك كان باليمن. انظر: فتح الباري 15/ 423.
 (4) انظر: الأسماء و الصفات للبيهقي ص 48.
 (5) و هو ابن قتيبة في غريب الحديث 2/ 145.
 (6) قال ابن الأثير: يكون من اللغة الأخرى، يقال: جبرت و أجبرت بمعنى قهرت. و انظر: النهاية 1/ 236، و معاني الفراء 3/ 81، و الغريبين 1/ 312.

184
مفردات ألفاظ القرآن

جبر ص 183

مجبرا في صورة مخيّر، فإمّا راض بصنعته لا يريد عنها حولا، و إمّا كاره لها يكابدها مع كراهيته لها، كأنه لا يجد عنها بدلا و لذلك قال تعالى: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [المؤمنون/ 53]، و قال عزّ و جل: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزخرف/ 32]، و على هذا الحدّ وصف بالقاهر، و هو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه، و
قَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (يَا بَارِئَ الْمَسْمُوكَاتِ وَ جَبَّارَ الْقُلُوبِ عَلَى فِطْرَتِهَا شَقِيِّهَا وَ سَعِيدِهَا).
و قول ابن قتيبة «1»: هو من: جبرت العظم، فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة، فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدّم. و جَبَرُوتٌ: فعلوت من التجبر، و اسْتَجْبَرْتُ حاله: تعاهدت أن أجبرها، و أصابته مصيبة لا يَجْتَبِرُهَا أي: لا يتحرّى لجبرها من عظمها، و اشتق من لفظ جبر العظم الْجَبِيرَةُ:
للخرقة التي تشد على الْمَجْبُورِ، و الْجِبَارَةُ للخشبة التي تشدّ عليه، و جمعها جَبَائِرُ، و سمّي الدّملوج «2» جِبَارَةً تشبيها بها في الهيئة، و الْجُبَارُ:
لما يسقط من الأرش.
جبل‏
الْجَبَلُ جمعه: أَجْبَالٌ و جِبَالٌ، و قال عزّ و جل:
أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً* وَ الْجِبالَ أَوْتاداً [النبأ/ 6- 7]، و قال تعالى: وَ الْجِبالَ أَرْساها [النازعات/ 32]، و قال تعالى:
وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النور/ 43]، و قال تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها [فاطر/ 27]، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه/ 105]، وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ‏ [الشعراء/ 149]، و اعتبر معانيه، فاستعير منه و اشتق منه بحسبه، فقيل: فلان جَبَلٌ لا يتزحزح تصورا لمعنى الثبات فيه.
و جَبَلَهُ اللّه على كذا، إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله، و فلان ذو جِبِلَّةٍ، أي: غليظ الجسم، و ثوب جيد الْجِبْلَةِ، و تصور منه معنى العظم، فقيل للجماعة العظيمة: جِبِلٌّ. قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً [يس/ 62]، أي: جماعة تشبيها بالجبل في العظم و قرئ: جُبُلًّا «3» مثقّلا.
قال التوزي «4»: جُبْلًا «5» و جَبْلًا و جُبُلًّا «6» و جِبِلًّا.
__________________________________________________
 (1) غريب الحديث 2/ 145.
 (2) هو الحجر الأملس.
 (3) و هي قراءة ابن كثير و حمزة و الكسائي و رويس و خلف، بضمتين و تخفيف اللام.
 (4) اسمه عبد اللّه بن محمد، توفي 230 ه. راجع أخباره في إنباه الرواة 2/ 126.
 (5) و بها قرأ أبو عمرو و ابن عامر.
 (6) و بها قرأ روح عن يعقوب.

185
مفردات ألفاظ القرآن

جبل ص 185

و قال غيره: جُبُلًّا جمع جِبِلَّةٍ، و منه قوله عزّ و جل: وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ‏ [الشعراء/ 184]، أي: المجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها، و سبلهم التي قيّضوا لسلوكها المشار إليها بقوله تعالى: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ [الإسراء/ 84]، و جَبِلَ: صار كالجبل في الغلظ.
جَبن‏
قال تعالى: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ‏ [الصافات/ 103]، فَالْجَبِينَانِ جانبا الجبهة، و الْجُبْنُ: ضعف القلب عمّا يحق أن يقوى عليه. و رجل جَبَانٌ و امرأة جَبَانٌ، و أَجْبَنْتُهُ: وجدته جبانا «1» و حكمت بجبنه، و الْجُبُنُّ: ما يؤكل. و تَجَبَّنَ اللبن: صار كالجبن.
جبه‏
الْجَبْهَةُ: موضع السجود من الرأس، قال اللّه تعالى: فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ‏ [التوبة/ 35]، و النّجم يقال له: جَبْهَةٌ تصورا أنه كالجبهة للمسمّى بالأسد، و يقال لأعيان الناس جَبْهَةٌ، و تسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه، و
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِي الْجَبْهَةِ صَدَقَةٌ» «2».
أي: الخيل.
جبى‏
يقال: جَبَيْتُ الماء في الحوض: جمعته، و الحوض الجامع له: جَابِيَةٌ، و جمعها جَوَابٍ.
قال اللّه تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ‏ [سبأ/ 13]، و منه استعير: جَبَيْتُ الخراج جِبَايَةً، و منه قوله تعالى: يُجْبى‏ إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ [القصص/ 57]، و الِاجْتِبَاءُ: الجمع على طريق الاصطفاء. قال عزّ و جل: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ‏ [القلم/ 50]، و قال تعالى: وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا: لَوْ لا اجْتَبَيْتَها [الأعراف/ 203]، أي:
يقولون: هلّا جمعتها، تعريضا منهم بأنك تخترع هذه الآيات و ليست من اللّه.
و اجْتِبَاءُ اللّه العبد: تخصيصه إياه بفيض إلهيّ يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد، و ذلك للأنبياء و بعض من يقاربهم من الصديقين و الشهداء، كما قال تعالى: وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ‏
 [يوسف/ 6]، فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ [القلم/ 50]،
__________________________________________________
 (1) انظر: صفحة 82 حاشية 1.
 (2) الحديث عن عليّ بن أبي طالب أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «ليس في الخضراوات صدقة، و لا في العرايا صدقة و لا في أقلّ من خمسة أوسق صدقة، و لا في العوامل صدقة، و لا في الجبهة صدقة». أخرجه الدارقطني، و فيه الصقر بن حبيب و أحمد بن الحارث، و كلاهما ضعيف.
و له طرق أخرى، و قال البيهقي: و هذه الأحاديث يشدّ بعضها بعضا. انظر: سنن الدارقطني 2/ 95، و الدر المنثور 2/ 51.

186
مفردات ألفاظ القرآن

جبى ص 186

وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [الأنعام/ 87]، و قوله تعالى: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى‏ [طه/ 122]، و قال عزّ و جل: يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ‏ [الشورى/ 13]، و ذلك نحو قوله تعالى: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص/ 46].
جث‏
يقال: جَثَثْتُهُ فَانْجَثَّ، و جَثَثْتُهُ فَاجْتَثَّ «1»، قال اللّه عزّ و جل: اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ‏ [إبراهيم/ 26]، أي: اقتلعت جثّتها، و الْمِجَثَّةُ:
ما يجثّ به، و جُثَّةُ الشي‏ء: شخصه الناتئ، و الْجُثُّ: ما ارتفع من الأرض، كالأكمة، و الْجَثِيثَةُ سميت به لما بان جثته بعد طبخه، و الْجَثْجَاثُ: نبت.
جثم‏
فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ* [الأعراف/ 78]، استعارة للمقيمين، من قولهم: جَثَمَ الطائرُ إذا قعد و لطئ بالأرض، و الْجُثْمَانُ: شخص الإنسان قاعدا، و رجل جُثَمَةٌ و جَثَّامَةٌ كناية عن النئوم و الكسلان.
جثى‏
جَثَا على ركبتيه يَجْثُو جُثُوّاً و جِثِيّاً فهو جَاثٍ، نحو: عتا يعتو عتوّا و عتيّا، و جمعه: جُثِيٌّ نحو: باك و بكيّ، و قوله عزّ و جل: وَ نَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا [مريم/ 72]، يصح أن يكون جمعا نحو: بكي، و أن يكون مصدرا موصوفا به، و الْجَاثِيَةُ في قوله عزّ و جل: وَ تَرى‏ كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً [الجاثية/ 28] فموضوع موضع الجمع، كقولك: جماعة قائمة و قاعدة.
جحد
الْجُحُودُ: نفي ما في القلب إثباته، و إثبات ما في القلب نفيه، يقال: جَحَدَ جُحُوداً و جَحْداً قال عزّ و جل: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ‏ [النمل/ 14]، و قال عزّ و جل: بِآياتِنا يَجْحَدُونَ* [الأعراف/ 51]. و تَجَحَّدَ تَخَصَّصَ بفعل ذلك، يقال: رجل جَحِدٌ: شحيح قليل الخير يظهر الفقر، و أرض جَحْدَةٌ: قليلة النبت، يقال: جَحْداً له و نَكْداً، و أَجْحَدَ: صار ذا جحد.
جحم‏
الْجُحْمَةُ: شدة تأجج النار، و منه: الْجَحِيمُ، و جَحَمَ وجهه من شدة الغضب، استعارة من جحمة النار، و ذلك من ثوران حرارة القلب، و جَحْمَتَا الأسد: عيناه لتوقدهما.
جد
الْجَدُّ: قطع الأرض المستوية، و منه: جَدَّ في سيره يَجِدُّ جَدّاً، و كذلك جَدَّ في أمره و أَجَدَّ: صار ذا جِدٍّ، و تصور من: جَدَدْتُ الأرض: القطع‏
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (جث)، و البصائر 1/ 367.

187
مفردات ألفاظ القرآن

جد ص 187

المجرد، فقيل: جددت الثوب إذا قطعته على وجه الإصلاح، و ثوب جديد: أصله المقطوع، ثم جعل لكل ما أحدث إنشاؤه، قال تعالى:
بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق/ 15]، إشارة إلى النشأة الثانية، و ذلك قولهم:
أَ إِذا مِتْنا وَ كُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ [ق/ 3]، و قوبل الجديد بالخلق لما كان المقصود بالجديد القريب العهد بالقطع من الثوب، و منه قيل لليل و النهار: الْجَدِيدَانِ و الْأَجَدَّانِ «1»، قال تعالى:
وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ‏ [فاطر/ 27]، جمع جُدَّةٍ، أي: طريقة ظاهرة، من قولهم:
طريق مَجْدُودٌ، أي: مسلوك مقطوع «2»، و منه:
جَادَّةُ الطريق، و الْجَدُودُ و الْجَدَّاءُ من الضأن:
التي انقطع لبنها. و جُدَّ ثدي أمه على طريق الشتم «3»، و سمي الفيض الإلهي جَدّاً، قال تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى‏ جَدُّ رَبِّنا
 [الجن/ 3]، أي: فيضه، و قيل: عظمته، و هو يرجع إلى الأوّل، و إضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه، و سمي ما جعل اللّه للإنسان من الحظوظ الدنيوية جَدّاً، و هو البخت، فقيل: جَدِدْتُ و حُظِظْتُ و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» «4».
أي: لا يتوصل إلى ثواب اللّه تعالى في الآخرة بالجدّ، و إنّما ذلك بالجدّ في الطاعة، و هذا هو الذي أنبأ عنه قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء/ 18]، وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى‏ لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء/ 19]، و إلى ذلك أشار بقوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ [الشعراء/ 88].
و الْجَدُّ: أبو الأب و أبو الأم. و قيل: معنى‏
 «لَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ».
: لا ينفع أحدا نسبه و أبوّته، فكما نفى نفع البنين في قوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ [الشعراء/ 88]، كذلك نفى نفع الأبوّة في هذا الحديث.
جدث‏
قال تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [المعارج/ 43]، جمع الْجَدَثِ،
__________________________________________________
 (1) انظر: جنى الجنتين ص 33، و البصائر 1/ 370، و المجمل 1/ 169، و يقال: لا أفعله ما اختلف الجديدان.
 (2) قال ابن مالك في مثلثه:
               قطع و حظّ و جلال جدّ             و ضدّ هزل و اجتهاد جدّ
             و البئر و الشخص العظيم جدّ             و سنوات القحط و الإجداب.


 (3) يقال ذلك إذا دعي عليه بالقطيعة.
 (4) الحديث عن المغيرة بن شعبة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم كان يقول في دبر كل صلاة: «لا إله إلّا اللّه* وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد و هو على كلّ شي‏ء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت، و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» و هو صحيح أخرجه البخاري في باب الذكر بعد الصلاة (انظر: الفتح 2/ 325)، و الاعتصام 13/ 264،.

188
مفردات ألفاظ القرآن

جدث ص 188

يقال: جَدَثٌ و جَدَفٌ «1»، و في سورة يس: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى‏ رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ‏ [يس/ 51].
جدر
الْجِدَارُ: الحائط، إلا أنّ الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة بالمكان، و الجدار يقال اعتبارا بالنتوّ و الارتفاع، و جمعه جُدُرٌ. قال تعالى: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ‏ [الكهف/ 82]، و قال:
جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ‏ [الكهف/ 77]، و قال تعالى: أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ [الحشر/ 14]، و
فِي الْحَدِيثِ: «حَتَّى يَبْلُغَ الْمَاءُ الْجُدُرَ» «2».
و جَدَرْتُ الجدار: رفعته، و اعتبر منه معنى النتوّ فقيل: جَدَرَ الشجر: إذا خرج ورقه كأنه حمّص، و سمي النبات الناتئ من الأرض جَدَراً، الواحد: جَدَرَةٌ، و أَجْدَرَتِ الأرض:
أخرجت ذلك، و جُدِرَ «3» الصبي و جُدِّرَ: إذا خرج جدريّه تشبيها بجدر الشجر.
و قيل: الْجُدَرِيُّ و الْجُدَرَةُ: سلعة تظهر في الجسد، و جمعها أَجْدَارٌ، و شاة جَدْرَاءُ «4» و الْجَيْدَرُ: القصير. اشتق ذلك من الجدار، و زيد فيه حرف على سبيل التهكم حسبما بينّاه في «أصول الاشتقاق». و الْجَدِيرُ: المنتهى لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشي‏ء إلى الجدار، و قد جَدُرَ بكذا فهو جَدِيرٌ، و ما أَجْدَرَهُ بكذا و أَجْدِرْ به.
جدل‏
الْجِدَالُ: المفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة، و أصله من: جَدَلْتُ الحبل، أي:
أحكمت فتله و منه: الْجَدِيلُ «5»، و جَدَلْتُ البناء:
أحكمته، و درع مَجْدُولَةٌ، و الْأَجْدَلُ: الصقر المحكم البنية. و الْمِجْدَلُ: القصر المحكم البناء، و منه: الْجِدَالُ، فكأنّ المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه. و قيل: الأصل في‏
__________________________________________________
و مسلم برقم (593)، و انظر: شرح السنة 3/ 225. و للسيوطي رسالة في معناه، انظرها في الحاوي للفتاوي 1/ 383.
 (1) انظر: المجمل 1/ 179.
 (2) الحديث عن عبد اللّه بن الزبير أنّ رجلا خاصم الزبير في شراج الحرّة التي يسقون بها، فقال الأنصاري: سرّح الماء يمرّ، فأبى عليه الزبير، فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلم للزبير: اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك، قال: فغضب الأنصاري فقال: يا رسول اللّه إن كان ابن عمتك؟ فتلوّن وجه رسول اللّه، ثم قال: اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير: فو اللّه إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك: فلا و ربّك لا يؤمنون حتّى يحكّموك .... و الحديث صحيح أخرجه الشيخان و أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة، انظره في فتح الباري 8/ 254، و معالم السنن 4/ 181، و سنن ابن ماجة 2/ 829، و المسند 1/ 165، و أبو داود 3637.
 (3) انظر: الأمثال 2/ 269، و اللسان (جدر).
 (4) في اللسان: و شاة جدراء: تقوّب جلدها عن داء يصيبها، و ليس من جدريّ.
 (5) الجديل و الجدالة: الأرض. راجع: المحكم 1/ 179.

189
مفردات ألفاظ القرآن

جدل ص 189

الْجِدَالُ: الصراع و إسقاط الإنسان صاحبه على الْجَدَالَةِ، و هي الأرض الصلبة. قال اللّه تعالى:
وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ‏ [النحل/ 125]، الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ* [غافر/ 35]، وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ‏ [الحج/ 68]، قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا [هود/ 32]، و قرئ: (جدلنا) «1». ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف/ 58]، وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ‏ءٍ جَدَلًا [الكهف/ 54]، و قال تعالى:
وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ‏ [الرعد/ 13]، يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود/ 74]، وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ‏ [غافر/ 5]، وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ* [الحج/ 3]، وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِ‏ [البقرة/ 197]، يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا [هود/ 32].
جذ
الْجَذُّ: كسر الشي‏ء و تفتيته، و يقال لحجارة الذهب المكسورة و لفتات الذهب: جُذَاذٌ، و منه قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً [الأنبياء/ 58]، عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود/ 108]، أي: غير مقطوع عنهم و لا محترم و قيل: ما عليه جُذَّةٌ، أي: متقطع من الثياب.
جذع‏
الْجِذْعُ جمعه جُذُوعٌ، قال: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه/ 71].
جَذَعْتُهُ: قطعته قطع الجذع، و الْجَذَعُ من الإبل: ما أتت لها خمس سنين، و من الشاة: ما تمّت له سنة. و يقال للدهر الأزنم: الْجَذَعُ، تشبيها بالجذع من الحيوان.
جذو
الْجَذْوَةُ و الْجِذْوَةُ: الذي يبقى من الحطب بعد الالتهاب، و الجمع: جذى. قال عزّ و جلّ: أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ
 [القصص/ 29]، قال الخليل: يقال: جَذَا يَجْذُو، نحو: جثا يجثو «2»، إلا أنّ جذا أدلّ على اللزوم. يقال: جَذَا القراد في جنب البعير: إذا شدّ التزامه به، و أَجْذَتِ الشجرة: صارت ذات جذوة. و
فِي الْحَدِيثِ:
 «كَمَثَلِ الْأَرْزَةِ الْمُجْذِيَةِ» «3».
و رجل جَاذٍ: مجموع الباع، كأنّ يديه جذوة، و امرأة جَاذِيَةٌ.
جرح‏
الْجَرْحُ: أثر دام في الجلد، يقال: جَرَحَهُ‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس. انظر. تفسير القرطبي 9/ 28، و إعراب القرآن للنحاس 2/ 88.
 (2) انظر: العين 6/ 171.
 (3) الحديث: «و مثل المنافق مثل الأرزة المجذية على الأرض حتى يكون انجعافها مرّة». و الحديث متفق عليه.
راجع: فتح الباري 10/ 103، و مسلم (2810)، و مسند أحمد 3/ 454، و شرح السنة 5/ 248. و المجذية:
الثابتة.

190
مفردات ألفاظ القرآن

جرح ص 190

جَرْحاً، فهو جَرِيحٌ و مَجْرُوحٌ. قال تعالى:
وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ‏ [المائدة/ 45]، و سمي القدح في الشاهد جَرْحاً تشبيها به، و تسمى الصائدة من الكلاب و الفهود و الطيور جَارِحَةً، و جمعها جَوَارِحُ، إمّا لأنها تجرح، و إمّا لأنها تكسب. قال عزّ و جلّ: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ‏ [المائدة/ 4]، و سميت الأعضاء الكاسبة جَوَارِحَ تشبيها بها لأحد هذين، و الِاجْتِرَاحُ: اكتساب الإثم، و أصله من الْجِرَاحَةِ، كما أنّ الاقتراف من: قرف القرحة «1»، قال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ‏ [الجاثية/ 21].
جرد
الْجَرَادُ معروف، قال تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ‏ [الأعراف/ 133]، و قال: كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ [القمر/ 7]، فيجوز أن يجعل أصلا فيشتق من فعله: جَرَدَ الأرض، و يصح أن يقال: إنما سمّي ذلك لجرده الأرض من النبات، يقال: أرض مَجْرُودَةٌ، أي:
أكل ما عليها حتى تجرّدت. و فرس أَجْرَدُ:
منحسر الشعر، و ثوب جَرْدٌ: خلق، و ذلك لزوال وبره و قوّته، و تَجَرَّدَ عن الثوب، و جَرَّدْتُهُ عنه، و امرأة حسنة المتجرد. و
رُوِيَ: «جَرِّدُوا الْقُرْآنَ» «2».
أي: لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه، و انْجَرَدَ بنا السير «3»، و جَرِدَ الإنسان «4»: شري جلده من أكل الجراد.
جرز
قال عزّ و جل: صَعِيداً جُرُزاً [الكهف/ 8]، أي: منقطع النبات من أصله، و أرض مَجْرُوزَةٌ: أكل ما عليها، و الْجَرُوزُ: الذي يأكل ما على الخوان، و في المثل: لا ترضى شانئة إلا بِجَرْزَةٍ «5»، أي: باستئصال، و الْجَارِزُ: الشديد من السّعال، تصوّر منه معنى الجرز، و الْجَرْزُ:
قطع بالسيف، و سيف جُرَازٌ «6».
جرع‏
جَرِعَ الماء يَجْرَعُ، و قيل: جَرَعَ «7»، و تَجَرَّعَهُ:
__________________________________________________
 (1) في اللسان: قرف القرحة فتقرّفت، أي: قشرها، و ذلك إذا يبست.
 (2) هذا من كلام ابن مسعود رضي اللّه عنه، قال: (جرّدوا القرآن ليربوا فيه صغيركم، و لا ينأى عنه كبيركم، فإنّ الشيطان يخرج من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة). أخرجه ابن أبي شيبة 6/ 150.
و راجع غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 46، و الفائق 1/ 205، و النهاية 1/ 256.
 (3) أي: امتدّ.
 (4) في اللسان: جرد الرجل بالكسر جردا فهو جرد، شري جلده من أكل الجراد.
 (5) أي: من شدة بغضها لا ترضى للذين تبغضهم إلا بالاستئصال، انظر: المجمل 1/ 182، و مجمع الأمثال 2/ 212.
 (6) جراز كغراب، أي: قطّاع.
 (7) راجع: الأفعال 2/ 300.

191
مفردات ألفاظ القرآن

جرع ص 191

إذا تكلّف جرعه. قال عزّ و جلّ: يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ‏ [إبراهيم/ 17]، و الْجُرْعَةُ: قدر ما يتجرّع، و أفلت بِجُرَيْعَةِ الذّقن «1»، بقدر جرعة من النفس. و نوق مَجَارِيعُ: لم يبق في ضروعها من اللبن إلا جرع، و الْجَرَعُ و الْجَرْعَاءُ: رمل لا ينبت شيئا كأنّه يتجرع البذر.
جرف‏
قال عزّ و جل: عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ [التوبة/ 109]، يقال للمكان الذي يأكله السيل فَيَجْرُفُهُ- أي: يذهب به-: جُرُفٌ، و قد جَرَفَ الدهر ماله، أي: اجتاحه تشبيها به، و رجل جُرَافٌ: نكحة، كأنه يجرف في ذلك العمل.
جرم‏
أصل الْجَرْمُ: قطع الثّمرة عن الشجر، و رجل جَارِمٌ، و قوم جُرَّامٌ، و ثمر جَرِيمٌ. و الْجُرَامَةُ:
ردي‏ء التمر الْمَجْرُومُ، و جعل بناؤه بناء النّفاية، و أَجْرَمَ: صار ذا جرم، نحو: أثمر و ألبن، و استعير ذلك لكل اكتساب مكروه، و لا يكاد يقال في عامّة كلامهم للكيس المحمود، و مصدره: جَرْمٌ، و قول الشاعر في صفة عقاب:
91-
         جَرِيمَةُ ناهض في رأس نيق «2»
فإنه سمّى اكتسابها لأولادها جرما من حيث إنها تقتل الطيور، أو لأنّه تصورها بصورة مرتكب الجرائم لأجل أولادها، كما قال بعضهم: ما ذو ولد- و إن كان بهيمة- إلا و يذنب لأجل أولاده.
- فمن الْإِجْرَامِ قوله عزّ و جل: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ‏ [المطففين/ 29]، و قال تعالى: فَعَلَيَّ إِجْرامِي‏ [هود/ 35]، و قال تعالى: كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ‏ [المرسلات/ 46]، و قال تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ [القمر/ 47]، و قال عزّ و جل: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ، فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ‏ [الزخرف/ 74].
- و من جَرَمَ، قال تعالى: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ‏ [هود/ 89]، فمن قرأ بالفتح «3» فنحو: بغيته مالا، و من ضمّ «4» فنحو:
__________________________________________________
 (1) الجريعة: تصغير الجرعة، و هو آخر ما يخرج من النفس.
و قال أبو زيد: يراد أنه كان قريبا من الهلاك كقرب الجرعة من الذقن. راجع: الغريبين 1/ 341، و النهاية 1/ 261، و المجمل 1/ 184.
 (2) الشطر لأبي خراش الهذلي، و عجزه:
         ترى لعظام ما جمعت صليبا

و هو في ديوان الهذليين 2/ 133، و اللسان (جرم)، و المجمل 1/ 184، و شمس العلوم 1/ 310، و ديوان الأدب 1/ 399.
 (3) أي: فتح الياء و هو قراءة الجميع.
 (4) و هو الأعمش و قراءته شاذة.

192
مفردات ألفاظ القرآن

جرم ص 192

أبغيته مالا، أي أغثته.
و قوله عزّ و جلّ: وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‏ أَلَّا تَعْدِلُوا [المائدة/ 8]، و قوله عزّ و جل: فَعَلَيَّ إِجْرامِي‏ [هود/ 35]، فمن كسر «1» فمصدر، و من فتح «2» فجمع جرم.
و استعير من الجرم- أي: القطع- جَرَمْتُ صوف الشاة، و تَجَرَّمَ الليل «3».
و الْجِرْمُ في الأصل: المجروم، نحو نقض و نفض للمنقوض و المنفوض، و جعل اسما للجسم المجروم، و قولهم: فلان حسن الْجِرْمِ، أي: اللون، فحقيقته كقولك: حسن السخاء.
و أمّا قولهم: حسن الْجِرْمِ، أي: الصوت «4».
فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت، و لكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسّر به، كقولك: فلان طيب الحلق، و إنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه. و قوله عزّ و جل: لا جَرَمَ*
 «5» قيل: إنّ «لا» يتناول محذوفا، نحو «لا» في قوله تعالى: لا أُقْسِمُ* [القيامة/ 1]، و في قول الشاعر:
92-
         لا و أبيك ابنة العامري «6»
و معنى جَرَمَ: كسب، أو جنى. و: أَنَّ لَهُمُ النَّارَ [النحل/ 62]، في موضع المفعول، كأنه قال: كسب لنفسه النار.
و قيل: جَرَمَ و جُرْمَ بمعنى، لكن خصّ بهذا الموضع «جَرَمَ» كما خصّ عمر بالقسم، و إن كان عمر و عمر «7» بمعنى، و معناه: ليس بِجُرْمٍ أنّ لهم النار، تنبيها أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى قوله تعالى: وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها* [الجاثية/ 15].
__________________________________________________
 (1) اتفق جميع القراء على كسر الهمزة من إجرامي.
 (2) و هي قراءة شاذة.
 (3) أي: ذهب.
 (4) قال ابن مالك:
         كسب و أرض ذات حرّ جرم             و عرب و القطع، أمّا الجرم‏
             فالجسم و الصوت، و أمّا الجرم             فالذّنب لا عوملت بالإذناب.


 (5) الآية: لا جرم أنّ لهم النّار من سورة النحل: رقم (62).
 (6) الشطر لامرئ القيس، و عجزه:
         لا يدعي القوم أنّي أفرّ

و هو في ديوانه ص 68.
 (7) قال الزمخشري: العمر: الحياة و البقاء، و فيه لغات ثلاث: عمر، و عمر، و عمر، و لا يستعمل في القسم من اللغات الثلاث إلا المفتوحة، لأنها أخف اللغات، و وزنها أخف الأوزان الثلاثية كلها، و القسم كثير الاستعمال عندهم فاختاروا له أخفّها، انظر: أعجب العجب ص 38- 39.

193
مفردات ألفاظ القرآن

جرم ص 192

و قد قيل في ذلك أقوال، أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق «1».
و على ذلك قوله عزّ و جل: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ [النحل/ 22]، لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ‏ [النحل/ 23]، و قال تعالى: لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ‏ [النحل/ 109].
جرى‏
الْجَرْيُ: المرّ السريع، و أصله كمرّ الماء، و لما يجري بجريه. يقال: جَرَى يَجْرِي جَرْيَةً و جَرَيَاناً. قال عزّ و جل: وَ هذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي‏ [الزخرف/ 51]، و قال تعالى:
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ [الكهف/ 31]، و قال: وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ‏ [الروم/ 46]، و قال تعالى: فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ [الغاشية/ 12]، و قال: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ [الحاقة/ 11]، أي: السفينة التي تجري في البحر، و جمعها:
جَوَارٍ، قال عزّ و جلّ: وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ‏ [الرحمن/ 24]، و قال تعالى: وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ‏ [الشورى/ 32]، و يقال للحوصلة: جِرِّيَّةٌ «2»، إمّا لانتهاء الطعام إليها في جريه، أو لأنها مجرى الطعام.
و الْإِجْرِيَّا: العادة التي يجري عليها الإنسان، و الْجَرِيُّ: الوكيل و الرسول الجاري في الأمر، و هو أخصّ من لفظ الرسول و الوكيل، و قد جَرَيْتُ جَرْياً. و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَسْتَجْرِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ» «3».
يصح أن يدّعى فيه معنى الأصل.
أي: لا يحملنّكم أن تجروا في ائتماره و طاعته، و يصح أن تجعله من الجري، أي: الرسول و الوكيل «4». و معناه: لا تتولوا وكالة الشيطان و رسالته، و ذلك إشارة إلى نحو قوله عزّ و جل:
فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ [النساء/ 76]، و قال عزّ و جل: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ [آل عمران/ 175].
جزع‏
قال تعالى: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا [إبراهيم/ 21]، الْجَزَعُ: أبلغ من الحزن، فإنّ الحزن عام و الجزع هو: حزن يصرف الإنسان‏
__________________________________________________
 (1) انظر: معاني القرآن للفراء 2/ 8- 9.
 (2) انظر: المجمل 1/ 185.
 (3) الحديث عن مطرّف قال: قال أبي: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، فقلنا: أنت سيدنا فقال: «السيّد اللّه عزّ و جل»، قلنا: و أفضلنا فضلا و أعظمنا طولا، قال: «فقولوا بقولكم أو بعض قولكم و لا يستجرينّكم الشيطان» أخرجه أبو داود. انظر: معالم السنن 4/ 112، و أحمد في المسند 3/ 241، و البيهقي في الأسماء و الصفات ص 39.
 (4) راجع: معالم السنن للخطابي 4/ 112.

194
مفردات ألفاظ القرآن

جزع ص 194

عمّا هو بصدده، و يقطعه عنه، و أصل الْجَزَعِ:
قطع الحبل من نصفه، يقال: جَزَعْتُهُ فَانْجَزَعَ، و لتصوّر الانقطاع منه قيل: جِزْعُ الوادي، لمنقطعه، و لانقطاع اللون بتغيّره قيل للخرز المتلوّن جَزْعٌ، و منه استعير قولهم: لحم مُجَزَّعٌ، إذا كان ذا لونين. و قيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفها: مُجَزَّعَةٌ. و الْجَازِعُ: خشبة تجعل في وسط البيت فتلقى عليها رءوس الخشب من الجانبين، و كأنما سمي بذلك إمّا لتصور الجزعة لما حمل من العب‏ء، و إمّا لقطعه بطوله وسط البيت.
جزء
جُزْءُ الشي‏ء: ما يتقوّم به جملته، كأجزاء السفينة، و أجزاء البيت، و أجزاء الجملة من الحساب قال تعالى: ثُمَّ اجْعَلْ عَلى‏ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً [البقرة/ 260]، و قال عزّ و جل:
لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ‏ [الحجر/ 44]، أي: نصيب، و ذلك جزء من الشي‏ء، و قال تعالى: وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً [الزخرف/ 15]، و قيل: ذلك عبارة عن الإناث، من قولهم: أَجْزَأَتِ المرأة: أتت بأنثى «1».
و جَزَأَ الإبل: مَجْزَءاً و جَزْءاً: اكتفى بالبقل عن شرب الماء. و قيل: اللّحم السمين أَجْزَأُ من المهزول «2»، و جُزْأَةُ السكين: العود الذي فيه السيلان، تصوّرا أنه جزء منه.
جزا
الْجَزَاءُ: الغناء و الكفاية، و قال تعالى: لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً [لقمان/ 33]، و الْجَزَاءُ: ما فيه الكفاية من المقابلة، إن خيرا فخير، و إن شرا فشر.
يقال: جَزَيْتُهُ كذا و بكذا. قال اللّه تعالى:
وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى‏ [طه/ 76]، و قال:
فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى‏ [الكهف/ 88]، وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى/ 40]، و قال تعالى: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً [الإنسان/ 12]، و قال عزّ و جل:
جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً [الإسراء/ 63]، أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا [الفرقان/ 75]، وَ ما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ [الصافات/ 39]، و الْجِزْيَةُ: ما يؤخذ من أهل الذمة، و تسميتها بذلك للاجتزاء بها عن حقن دمهم. قال اللّه تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ‏ [التوبة/ 29]، و يقال:
جَازِيكَ فلان، أي: كافيك.
و يقال: جَزَيْتُهُ بكذا و جَازَيْتُهُ، و لم يجئ في القرآن إلا جَزَى دون جَازَى، و ذاك أنّ المجازاة
__________________________________________________
 (1) و ردّ هذا الزمخشري في تفسيره. راجع: الكشاف 3/ 413.
 (2) انظر: المجموع المغيث 1/ 324.

195
مفردات ألفاظ القرآن

جزا ص 195

هي المكافأة، و هي المقابلة من كل واحد من الرجلين، و الْمُكَافَأَةُ هي: مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها. و نعمة اللّه تتعالى عن ذلك، و لهذا لا يستعمل لفظ المكافأة في اللّه عزّ و جل «1»، و هذا ظاهر.
جسس‏
قال اللّه تعالى: وَ لا تَجَسَّسُوا [الحجرات/ 12]، أصل الْجَسِّ: مسُّ العرق و تعرّف نبضه للحكم به على الصحة و السقم، و هو أخص من الحسّ، فإنّ الحس تعرّف ما يدركه الحس. و الْجَسُّ: تعرّف حال ما من ذلك، و من لفظ الجسّ اشتق الْجَاسُوسُ «2».
جسد
الْجَسَدُ كالجسم لكنه أخصّ، قال الخليل رحمه اللّه: لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض «3» و نحوه، و أيضا فإنّ الجسد ما له لون، و الجسم يقال لما لا يبين له لون، كالماء و الهواء.
و قوله عزّ و جلّ: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ‏ [الأنبياء/ 8]، يشهد لما قال الخليل، و قال: عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ* [طه/ 88]، و قال تعالى: وَ أَلْقَيْنا عَلى‏ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ‏ [ص/ 34].
و باعتبار اللون قيل للزعفران: جِسَادٌ، و ثوب مُجَسَّدٌ: مصبوغ بالجساد «4»، و الْمِجْسَدُ: الثوب الذي يلي الجسد، و الْجَسَدُ و الْجَاسِدُ و الْجَسِدُ من الدم ما قد يبس.
جسم‏
الْجِسْمُ: ما له طول و عرض و عمق، و لا تخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساما و إن قطع ما قطع، و جزّئ ما قد جزئ. قال اللّه تعالى:
وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ‏ [البقرة/ 247]، وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ‏ [المنافقون/ 4]، تنبيها أن لا وراء الأشباح معنى معتدّ به، و الْجُسْمَانُ قيل: هو الشخص، و الشخص قد يخرج من كونه شخصا بتقطيعه و تجزئته بخلاف الجسم.
جعل‏
جَعَلَ: لفظ عام في الأفعال كلها، و هو أعمّ من فعل و صنع و سائر أخواتها، و يتصرّف على خمسة أوجه:
الأول: يجري مجرى صار و طفق فلا يتعدّى، نحو جَعَلَ زيد يقول كذا «5»، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) راجع: البصائر 1/ 381.
 (2) و هذا الفصل منقول حرفيا في البصائر، انظر: 1/ 382.
 (3) انظر: العين 6/ 47.
 (4) انظر: العين 6/ 48.
 (5) و هذا الباب نقل السيوطي جلّه في الإتقان 2/ 210.

196
مفردات ألفاظ القرآن

جعل ص 196

93-
         فقد جَعَلَتْ قلوص بني سهيل             من الأكوار مرتعها قريب «1»

و الثاني: يجري مجرى أوجد، فيتعدّى إلى مفعول واحد نحو قوله عزّ و جل: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ [الأنعام/ 1]، وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ* [النحل/ 78].
و الثالث: في إيجاد شي‏ء من شي‏ء و تكوينه منه، نحو: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [النحل/ 72]، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً [النحل/ 81]، وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا [الزخرف/ 10].
و الرابع: في تصيير الشي‏ء على حالة دون حالة، نحو: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة/ 22]، و قوله: جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا [النحل/ 81]، وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً [نوح/ 16]، و قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الزخرف/ 3].
و الخامس: الحكم بالشي‏ء على الشي‏ء، حقا كان أو باطلا، فأمّا الحقّ فنحو قوله تعالى: إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏ [القصص/ 7]، و أمّا الباطل فنحو قوله عزّ و جل: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً [الأنعام/ 136]، وَ يَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ‏ [النحل/ 57]، الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ‏ [الحجر/ 91].
و الْجُعَالَةُ: خرقة ينزّل بها القدر، و الْجُعْلُ و الْجَعَالَةُ و الْجَعِيلَةُ: ما يجعل للإنسان بفعله فهو أعمّ من الأجرة و الثواب، و كلب مُجْعِلٌ، كناية عن طلب السفاد، و الْجُعَلُ: دويبة.
جفن‏
الْجَفْنَةُ خصت بوعاء الأطعمة، و جمعها جِفَانٌ، قال عزّ و جل: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ‏ [سبأ/ 13]، و
فِي حَدِيثٍ «وَ أَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرَّاءُ» «2».
أي: المطعام، و قيل للبئر الصغيرة جَفْنَةٌ تشبيها بها، و الْجَفْنُ خصّ بوعاء السيف و العين، و جمعه أَجْفَانٌ، و سمي الكرم جَفْناً تصوّرا أنّه وعاء العنب.
جفأ
قال تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً [الرعد/ 17]، و هو ما يرمي به الوادي أو القدر من الغثاء إلى جوانبه. يقال: أَجْفَأَتِ القدر زبدها: ألقته، إِجْفَاءً، و أَجْفَأَتِ الأرض: صارت‏
__________________________________________________
 (1) البيت لرجل من بحتر بن عتود، و هو في الخزانة 9/ 352، و مغني اللبيب ص 310، و شفاء العليل بشرح التسهيل 1/ 345، و الأشموني 1/ 259.
 (2) الحديث، عن عبد اللّه بن الشخير أنّه وفد إلى النبي في رهط بني عامر، قال: فأتيناه فسلّمنا عليه فقلنا: أنت ولينا و أنت سيدنا، و أنت أطول علينا طولا، و أنت أفضلنا علينا فضلا، و أنت الجفنة الغرّاء، فقال: «قولوا قولكم و لا يستجرنّكم الشيطان». أخرجه أحمد في المسند 4/ 250.

197
مفردات ألفاظ القرآن

جفأ ص 197

كالجفاء في ذهاب خيرها، و قيل: أصل ذلك الواو لا الهمز «1»، و يقال: جفت القدر و أجفت، و منه: الْجَفَاءُ، و قد جفوته أجفوه جفوة و جفاء، و من أصله أخذ: جَفَا السرج عن ظهر الدابة:
رفعه عنه.
جلَ‏
الْجَلَالَةُ: عظم القدر، و الْجَلَالُ بغير الهاء:
التناهي في ذلك، و خصّ بوصف اللّه تعالى، فقيل: ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏ [الرحمن/ 27]، و لم يستعمل في غيره، و الْجَلِيلُ: العظيم القدر. و وصفه تعالى بذلك «2» إمّا لخلقه الأشياء العظيمة المستدلّ بها عليه، أو لأنه يجلّ عن الإحاطة به، أو لأنه يجلّ أن يدرك بالحواس.
و موضوعه للجسم العظيم الغليظ، و لمراعاة معنى الغلظ فيه قوبل بالدقيق، و قوبل العظيم بالصغير، فقيل: جَلِيلٌ و دقيق، و عظيم و صغير، و قيل للبعير: جَلِيلٌ، و للشاة: دقيق، اعتبارا لأحدهما بالآخر، فقيل: ما له جَلِيلٌ و لا دقيق و ما أَجَلَّنِي و لا أدقّني «3». أي: ما أعطاني بعيرا و لا شاة، ثم صار مثلا في كل كبير و صغير. و خص الْجُلَالَةُ بالناقة الجسيمة، و الْجِلَّةُ بالمسانّ منها، و الْجَلَلُ:
كل شي‏ء عظيم، و جَلَلْتُ كذا: تناولت، و تَجَلَّلْتُ البقر: تناولت جُلَالَه، و الْجَلَلُ: المتناول من البقر، و عبّر به عن الشي‏ء الحقير، و على ذلك قوله: كلّ مصيبة بعده جَلَلٌ.
و الْجَلَلُ: ما معظم الشي‏ء، فقيل: جَلَّ الفرس، و جَلَّ الثمن، و الْمَجَلَّةُ: ما يغطى به الصحف، ثمّ سميت الصحف مَجَلَّةً.
و أمّا الْجَلْجَلَةُ فحكاية الصوت، و ليس من ذلك الأصل في شي‏ء، و منه: سحاب مُجَلْجِلٌ أي: مصوّت. فأمّا سحاب مُجَلِّلٌ فمن الأول، كأنه يُجَلِّلُ «4» الأرض بالماء و النبات.
جلب‏
أصل الْجَلْبُ: سوق الشي‏ء. يقال: جَلَبْتُ جَلْباً، قال الشاعر:
94-
         و قد يَجْلِبُ الشي‏ء البعيد الْجَوَالِبُ «5»


و أَجْلَبْتُ عليه: صحت عليه بقهر. قال اللّه عزّ و جل: وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ‏ [الإسراء/ 64]، و الْجَلَبُ المنهي عنه في‏
قَوْلِهِ‏
__________________________________________________
 (1) و لهذا ذكر ابن فارس هذه المادة في باب (جفو)، انظر: المجمل 1/ 192.
 (2) راجع: الأسماء و الصفات ص 39.
 (3) انظر: أساس البلاغة ص 62، و البصائر 1/ 386، و المجمل 1/ 173.
 (4) أي: يعم.
 (5) هذا عجز بيت، و صدره:
         أتيح لها من أرضه و سمائه‏

 [استدراك‏] و هو في معجم مقاييس اللغة (جلب)، و المجمل 1/ 194، و البصائر 1/ 386 بلا نسبة فيهما من المحققين.
و هو للبحتري في ديوانه 1/ 155.

198
مفردات ألفاظ القرآن

جلب ص 198

عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا جَلَبَ» «1».
قيل: هو أن يجلب المصّدّق أغنام القوم عن مرعاها فيعدها، و قيل:
هو أن يأتي أحد المتسابقين بمن يجلب على فرسه، و هو أن يزجره و يصيح به ليكون هو السابق.
و الْجُلْبَةُ: قشرة تعلو الجرح، و أجلب فيه، و الْجِلْبُ: سحابة رقيقة تشبه الجلبة.
و الْجَلابِيبُ: القمص و الخمر، الواحد: جِلْبَابٌ.
جلت‏
قال تعالى: وَ لَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ‏ [البقرة/ 250]، و ذلك أعجميّ لا أصل له في العربية.
جلد
الْجِلْدُ: قشر البدن، و جمعه جُلُودٌ. قال اللّه تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها
 [النساء/ 56]، و قوله تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ‏ [الزمر/ 23].
و الْجُلُودُ عبارة عن الأبدان، و القلوب عن النفوس. و قوله عزّ و جل: حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ [فصلت/ 20]، وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصلت/ 21]، فقد قيل: الْجُلُودُ هاهنا كناية عن الفروج «2»، و جَلَدَهُ: ضرب جلده، نحو: بطنه و ظهره، أو ضربه بالجلد، نحو: عَصَاهُ إذا ضربه بالعصا، و قال تعالى: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً [النور/ 4].
و الْجَلَدُ: الجلد المنزوع عن الحوار، و قد جَلُدَ جَلَداً فهو جَلْدٌ و جَلِيدٌ، أي: قويّ، و أصله لاكتساب الجلد قوّة، و يقال: ما له معقول و لا مَجْلُودٌ «3»، أي: عقل و جَلَدٌ.
و أرض جَلْدَةٌ تشبيها بذلك، و كذا ناقة جَلْدَةٌ، و جَلَّدْتُ كذا، أي: جعلت له جلدا. و فرس مُجَلَّدٌ: لا يفزع من الضرب، و إنما هو تشبيه بالْمُجَلَّدِ الذي لا يلحقه من الضرب ألم، و الْجَلِيدُ: الصقيع، تشبيها بالجلد في الصلابة.
جلس‏
أصل الْجَلْسُ: الغليظ من الأرض، و سمي النجد جلسا لذلك، و
رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْطَاهُمْ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ غَوْرِيَّهَا وَ جَلْسِيَّهَا» «4».
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عمران بن حصين عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام، و من انتهب نهبة فليس منا» أخرجه النسائي و الترمذي، و قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، و أخرجه أحمد و الضياء عن أنس إلى قوله: «في الإسلام» انظر: عارضة الأحوذي 5/ 52، و سنن النسائي 6/ 111، و المسند 2/ 92.
 (2) انظر: المنتخب من كنايات الأدباء للجرجاني ص 9.
 (3) انظر: الصاحبي لابن فارس ص 395، و راجع مادة (بقي) في الحاشية 5 ص 139.
 (4) الحديث عن عوف المزني أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم أقطع بلال بن الحارث معادن القبليّة جلسيّها و غوريّها و حيث يصلح الزرع.
                       

199
مفردات ألفاظ القرآن

جلس ص 199

و جَلَسَ أصله أن يقصد بمقعده جلسا من الأرض، ثم جعل الْجُلُوسُ لكل قعود، و الْمَجْلِسُ: لكلّ موضع يقعد فيه الإنسان. قال اللّه تعالى: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ‏ [المجادلة/ 11].
جلو
أصل الْجَلْوِ: الكشف الظاهر، يقال: أَجْلَيْتُ القوم عن منازلهم فَجَلَوْا عنها. أي: أبرزتهم عنها، و يقال: جَلَاهُ، نحو قول الشاعر:
95-
         فلما جَلَاهَا بالأيام تحيّزت             ثبات عليها ذلّها و اكتئابها «1»

و قال اللّه عزّ و جل: وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا [الحشر/ 3]، و منه: جَلَا لي خَبَرٌ، و خَبَرٌ جَلِيٌّ، و قياس جَلِيٌّ «2»، و لم يسمع فيه جال. و جَلَوْتُ العروس جِلْوَةً، و جَلَوْتُ السيف جِلَاءً، و السماء جَلْوَاءُ أي: مصحية، و رجل أَجْلَى: انكشف بعض رأسه عن الشعر، و التَّجَلِّي قد يكون بالذات نحو: وَ النَّهارِ إِذا تَجَلَّى‏ [الليل/ 2]، و قد يكون بالأمر و الفعل، نحو: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ‏ [الأعراف/ 143]. و قيل: فلان ابن جَلَا «3» أي: مشهور، و أَجْلَوْا عن قتيل إِجْلَاءً.
جمَ‏
قال اللّه تعالى: وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا [الفجر/ 20]، أي: كثيرا، من: جَمَّةِ الماء، أي: معظمه و مجتمعه الذي جُمَّ فيه الماء عن السيلان، و أصل الكلمة من الْجَمَامِ، أي:
الراحة للإقامة و ترك تحمّل التعب، و جُمَامُ «4» المكوك دقيقا، و جِمَامُ القدح ماء: إذا امتلأ حتى عجز عن تحمل الزيادة.
و لاعتبار معنى الكثرة قيل الْجُمَّةُ لقوم يجتمعون في تحمل مكروه، و لما اجتمع من شعر الناصية، و جَمَّةُ البئر: مكان يجتمع فيه الماء كأنه أجمّ أياما، و قيل للفرس: جَمُومُ الشدّ، تشبيها به، و الْجَمَّاءُ الغفير، و الْجَمُّ الغفير: الجماعة من الناس، و شاة جَمَّاءُ: لا قرن لها، اعتبارا بجمّة الناصية.
__________________________________________________
من قدس، و لم يعطه حق مسلم، و كتب له النبي صلّى اللّه عليه و سلم بذلك كتابا.
أخرجه أبو داود في باب إقطاع الأرضين بطريقين أحدهما عن ابن عباس و هو حسن، و الآخر عن عوف و هو ضعيف. راجع معالم السنن 3/ 41، و هو في المستدرك 3/ 17، و معالم السنن 8/ 280.
و معادن القبلية: من ناحية الفرع. قوله: غوريها و جلسيها يريد أنه أقطعه و هادها و رباها.
 (1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 79، و المجمل 1/ 193.
 (2) يسمى قياس العلة، و هو ما كانت العلة موجبة فيه للحكم، كقياس الضرب على التأفيف للوالدين في التحريم لعلة الإيذاء راجع شرح الورقات للمحلّي ص 20.
 (3) اللسان: جلا.
 (4) جمام المكوك بتثليث الجيم، و هو ما علا رأسه فوق طفافه و لا يقال: جمام بالضم إلا في الدقيق و أشباهه.

200
مفردات ألفاظ القرآن

جمح ص 201

جمح‏
قال تعالى: وَ هُمْ يَجْمَحُونَ‏ [التوبة/ 57]، الْجَمُوحُ أصله في الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه في مروره و جريانه، و ذلك أبلغ من النشاط و المرح، و الْجُمَّاحُ: سهم يجعل على رأسه كالبندقة يرمي به الصبيان «1».
جمع‏
الْجَمْعُ: ضمّ الشي‏ء بتقريب بعضه من بعض، يقال: جَمَعْتُهُ فَاجْتَمَعَ، و قال عزّ و جل:
وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ [القيامة/ 9]، وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ [المعارج/ 18]، جَمَعَ مالًا وَ عَدَّدَهُ‏ [الهمزة/ 2]، و قال تعالى:
يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِ‏ [سبأ/ 26]، و قال تعالى: لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ‏ [آل عمران/ 157]، قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُ‏ [الإسراء/ 88]، و قال تعالى: فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً [الكهف/ 99]، و قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ‏ [النساء/ 140]، وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى‏ أَمْرٍ جامِعٍ‏ [النور/ 62]، أي: أمر له خطر يجتمع لأجله الناس، فكأنّ الأمر نفسه جمعهم. و قوله تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ‏ [هود/ 103]، أي: جمعوا فيه، نحو:
وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ‏ [الشورى/ 7]، و قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ‏ [التغابن/ 9]، و يقال للمجموع: جَمْعٌ و جَمِيعٌ و جَمَاعَةٌ، و قال تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ‏
 [آل عمران/ 166]، و قال عزّ و جل:
وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ‏ [يس/ 32]، و الْجُمَّاعُ يقال في أقوام متفاوتة اجتمعوا.
قال الشاعر:
96-
         جَمْعٍ غير جُمَّاعٍ «2»
و أَجْمَعْتُ كذا أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصل إليه بالفكرة، نحو: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ‏ [يونس/ 71]، قال الشاعر:
97-
         هل أغدون يوما و أمري مُجْمَعٌ «3»

و قال تعالى: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ‏ [طه/ 64]، و يقال: أَجْمَعَ المسلمون على كذا:
اجتمعت آراؤهم عليه، و نهب مُجْمَعٌ: ما يوصل إليه بالتدبير و الفكرة، و قوله عزّ و جل: إِنَ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 197.
 (2) البيت:
         حتى تجلّت و لنا غاية             من بين جمع غير جمّاع‏

و هو لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري في المفضليات ص 285، و أساس البلاغة ص 64، و اللسان (جمع).
 (3) هذا عجز بيت، و شطره:
         يا ليت شعري و المنى لا تنفع‏

و هو في اللسان (جمع)، و معاني الفراء 1/ 473، و النوادر ص 133، و الخصائص 2/ 136.

201
مفردات ألفاظ القرآن

جمع ص 201

النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ‏ [آل عمران/ 173]، قيل: جمعوا آراءهم في التدبير عليكم، و قيل:
جمعوا جنودهم. و جَمِيعٌ و أَجْمَعُ و أَجْمَعُونَ يستعمل لتأكيد الاجتماع على الأمر، فأمّا أجمعون فتوصف به المعرفة، و لا يصح نصبه على الحال. نحو قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* [الحجر/ 30]، وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ‏ [يوسف/ 93]، فأمّا جميع فإنّه قد ينصب على الحال فيؤكّد به من حيث المعنى، نحو: اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً [البقرة/ 38]، و قال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً [هود/ 55]، و قولهم: يوم الْجُمُعَةِ، لاجتماع الناس للصلاة، قال تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ‏ [الجمعة/ 9]، و مسجد الْجَامِعِ، أي: الأمر الجامع، أو الوقت الجامع، و ليس الجامع وصفا للمسجد، و جَمَّعُوا: شهدوا الجمعة، أو الجامع أو الجماعة.
و أتانٌ جَامِعٌ «1»: إذا حملت، و قِدْر جِمَاعٌ جَامِعَةٌ: عظيمة، و اسْتَجْمَعَ الفرس جريا: بالغ، فمعنى الجمع ظاهر. و قولهم: ماتت المرأة بِجُمْعٍ: إذا كان ولدها في بطنها، فلتصور اجتماعهما، و قولهم: هي منه بِجُمْعٍ: إذا لم تفتضّ: فلاجتماع ذلك العضو منها و عدم التشقق فيه، و ضربه بِجُمْعِ كفّه: إذا جمع أصابعه فضربه بها، و أعطاه من الدراهم جُمْعَ الكف.
أي: ما جمعته كفّه. و الْجَوَامِعُ: الأغلال، لجمعها الأطراف.
جمل‏
الْجَمَالُ: الحسن الكثير، و ذلك ضربان:
أحدهما: جمال يخصّ الإنسان في نفسه أو بدنه أو فعله.
و الثاني: ما يوصل منه إلى غيره. و على هذا الوجه ما
رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ» «2».
تنبيها أنّه منه تفيض الخيرات الكثيرة، فيحبّ من يختص بذلك.
و قال تعالى: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ‏
 [النحل/ 6]، و يقال: جَمِيلٌ و جُمَالٌ على التكثير. قال اللّه تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ*
 [يوسف/ 83]، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلًا
 [المعارج/ 5]، و قد جَامَلْتُ فلانا، و أَجْمَلْتُ في‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن فارس: يقال للأتان أول ما تحمل: جامع. راجع المجمل 1/ 198.
 (2) الحديث صحيح، و قد أخرجه مسلم و الترمذي عن ابن مسعود، و الطبراني في الكبير عن أبي أمامة، و الحاكم عن ابن عمر، و ابن عساكر عن جابر و ابن عمر. انظر: الفتح الكبير 1/ 331، و رواية البيهقي عن ابن مسعود عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، و لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان»، فقال رجل: يا رسول اللّه، الرجل يحبّ أن يكون ثوبه حسنا و نعله حسنا؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال، الكبر من بطر الحق و غمص الناس» و كذا رواه البيهقي بهذه الرواية (انظر: الأسماء و الصفات ص 60)، و صحيح مسلم كتاب الإيمان 1/ 93 باب تحريم الكبر، و المستدرك 4/ 181 و 1/ 26.

202
مفردات ألفاظ القرآن

جمل ص 202

كذا، و جَمَالَكَ، أي: أجمل، و اعتبر منه معنى الكثرة، فقيل لكلّ جماعة غير منفصلة: جُمْلَةٌ، و منه قيل للحساب الذي لم يفصّل و الكلام الذي لم يبيّن: مُجْمَلٌ، و قد أَجْمَلْتُ الحساب، و أَجْمَلْتُ في الكلام. قال تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً
 [الفرقان/ 32]، أي: مجتمعا لا كما أنزل نجوما مفترقة. و قول الفقهاء: الْمُجْمَلُ: ما يحتاج إلى بيان، فليس بحدّ له و لا تفسير، و إنما هو ذكر بعض أحوال الناس معه، و الشي‏ء يجب أن تبيّن صفته في نفسه التي بها يتميز، و حقيقة الْمُجْمَلِ:
هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخّصة.
و الْجَمَلُ يقال للبعير إذا بزل «1»، و جمعه جِمَالٌ و أَجْمَالٌ و جِمَالَةٌ قال اللّه تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ
 [الأعراف/ 40]، و قوله:
جِمَالاتٌ صُفْرٌ «2» [المرسلات/ 33]، جمع جِمَالَةٍ، و الْجِمَالَةُ جمع جَمَلٍ، و قرئ:
جُمَالاتٌ «3» بالضم، و قيل: هي القلوص، و الْجَامِلُ: قطعة من الإبل معها راعيها، كالباقر، و قولهم: اتّخذ الليل جَمَلًا «4» فاستعارة، كقولهم: ركب الليل، و تسمية الجمل بذلك يجوز أن يكون لما قد أشار إليه بقوله: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ‏
 [النحل/ 6]، لأنهم كانوا يعدّون ذلك جمالا لهم. و جَمَلْتُ الشحم: أذبته، و الْجَمِيلُ: الشحم المذاب، و الِاجْتِمَالُ:
الادهان به، و قالت امرأة لبنتها: تَجَمَّلِي و تعفّفي «5»، أي: كلي الجميل، و اشربي العفافة «6».
جنَ‏
أصل الْجِنِّ: ستر الشي‏ء عن الحاسة، يقال:
جَنَّهُ الليل و أَجَنَّهُ و جَنَّ عليه، فَجَنَّهُ: ستره، و أَجَنَّهُ جعل له ما يجنّه، كقولك: قبرته و أقبرته، و سقيته و أسقيته، و جَنَّ عليه كذا: ستر عليه، قال عزّ و جل: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى‏ كَوْكَباً
 [الأنعام/ 76]، و الْجَنَانُ: القلب، لكونه مستورا عن الحاسة، و الْمِجَنُّ و الْمِجَنَّةُ: الترس الذي يجنّ صاحبه. قال عزّ و جل: اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً*
 [المجادلة/ 16]، و
فِي الْحَدِيثِ:
 «الصَّوْمُ جُنَّةٌ» «7».
__________________________________________________
 (1) بزل البعير يبزل: فطر نابه أي: انشق.
 (2) و هي قراءة نافع و أبي جعفر و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و يعقوب بخلفه و شعبة عن عاصم، و قرأ حفص و حمزة و الكسائي و خلف: جمالة.
 (3) و بها قرأ رويس عن يعقوب، و هي قراءة صحيحة متواترة. راجع: الإتحاف ص 430.
 (4) انظر: أساس البلاغة ص 64.
 (5) راجع: المجمل لابن فارس 1/ 198.
 (6) العفافة: و هو ما بقي في الضرع من اللبن.
 (7) الحديث يروى: «الصيام جنّة» و هو صحيح متفق عليه. و أخرجه مالك في الموطأ، باب جامع الصيام، انظر: تنوير.

203
مفردات ألفاظ القرآن

جن ص 203

و الْجَنَّةُ: كلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، قال عزّ و جل: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ‏ [سبأ/ 15]، وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ‏ [سبأ/ 16]، وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ‏ [الكهف/ 39]، قيل: و قد تسمى الأشجار الساترة جَنَّةً، و على ذلك حمل قول الشاعر:
98-
         من النّواضح تسقي جَنَّةً سحقا «1»


و سميت الجنّة إمّا تشبيها بالجنّة في الأرض- و إن كان بينهما بون-، و إمّا لستره نعمها عنّا المشار إليها بقوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة/ 17].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا قَالَ:
جَنَّاتٍ* «2» بِلَفْظِ الْجَمْعِ لِكَوْنِ الْجِنَانِ سَبْعاً:
جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ، وَ عَدْنٍ، وَ جَنَّةُ النَّعِيمِ، وَ دَارُ الْخُلْدِ، وَ جَنَّةُ الْمَأْوَى، وَ دَارُ السَّلَامِ، وَ عِلِّيِّينَ.
و الْجَنِينُ: الولد ما دام في بطن أمه، و جمعه:
أَجِنَّةٌ. قال تعالى: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ [النجم/ 32]، و ذلك فعيل في معنى مفعول، و الْجَنِينُ القبر «3»، و ذلك فعيل في معنى فاعل. و الْجِنُّ يقال على وجهين: أحدهما للروحانيين المستترة عن الحواس كلها بإزاء الإنس، فعلى هذا تدخل فيه الملائكة و الشياطين، فكلّ ملائكة جِنٌّ، و ليس كلّ جنّ ملائكة، و على هذا قال أبو صالح «4»: الملائكة كلها جِنٌّ، و قيل: بل الْجِنُّ بعض الروحانيين، و ذلك أنّ الروحانيين ثلاثة:
- أخيار: و هم الملائكة.
- و أشرار: و هم الشياطين.
- و أوساط فيهم أخيار و أشرار: و هم الْجِنُّ، و يدلّ على ذلك قوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ إلى قوله: وَ أَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ [الجن/ 1- 14].
و الْجِنَّةُ: جماعة الجن. قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ* [الناس/ 6]، و قال تعالى:
وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات/ 158]. و الْجِنَّةُ: الجنون، و قال تعالى: ما
__________________________________________________
الحوالك 1/ 287، و فتح الباري 4/ 87، و مسلم رقم (1151)، و انظر: شرح السنة للبغوي 6/ 225.
 (1) هذا عجز بيت، و صدره:
         كأنّ عينيّ في غربي مقتّلة

و هو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 40، و المجمل 1/ 175.
 (2) و ذلك في قوله تعالى: كانت لهم جنّات الفردوس نزلا الكهف: 107.
 (3) قال ابن فارس: و الجنين: المقبور، و كذا في اللسان، و الجنن: القبر لستره الميت.
 (4) عبد اللّه بن صالح، أبو صالح المصري، كاتب الليث، صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، و كانت فيه غفلة، شيخ الكلبي، يروي عن ابن عباس، و فيه ضعف. مات سنة 122 ه. انظر: تقريب التهذيب ص 308.

204
مفردات ألفاظ القرآن

جن ص 203

بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سبأ/ 46] أي: جنون.
و الْجُنُونُ: حائل بين النفس و العقل، و جُنَّ فلان قيل: أصابه الجن، و بني فعله كبناء الأدواء نحو: زكم و لقي «1» و حمّ، و قيل: أصيب جنانه، و قيل: حيل بين نفسه و عقله، فجن عقله بذلك و قوله تعالى: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ‏ [الدخان/ 14]، أي: ضامّة من يعلمه من الجن، و كذلك قوله تعالى: أَ إِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ‏ [الصافات/ 36]، و قيل:
99-
         جُنَّ التلاع و الآفاق «2»


أي: كثر عشبها حتى صارت كأنها مجنونة، و قوله تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ‏ [الحجر/ 27] فنوع من الجنّ، و قوله تعالى: كَأَنَّها جَانٌّ* [النمل/ 10]، قيل:
ضرب من الحيّات.
جنب‏
أصل الْجَنْبِ: الجارحة، و جمعه: جُنُوبٌ، قال اللّه عزّ و جل: فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ‏ [التوبة/ 35]، و قال تعالى: تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ‏ [السجدة/ 16]، و قال عزّ و جلّ: قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ‏ [آل عمران/ 191].
ثم يستعار من الناحية التي تليها كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك، نحو: اليمين و الشمال، كقول الشاعر:
100-
         من عن يميني مرّة و أمامي «3»


و قيل: جَنْبُ الحائط و جَنْبُهُ، [جَانِبُهُ‏] وَ الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ‏ [النساء/ 36]، أي: القريب، و
قِيلَ:
كِنَايَةٌ عَنْ الْمَرْأَةِ «4».
و
قِيلَ: عَنِ الرَّفِيقِ فِي السَّفَرِ «5».
قال تعالى: يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏ [الزمر/ 56]، أي: في أمره و حدّه الذي حدّه لنا.
و سار جَنْبَيْهِ و جَنْبَتَيْهِ، و جَنَابَيْهِ و جَنَابَتَيْهِ، و جَنَبْتُهُ: أصبت جنبه، نحو: كبدته و فأدته.
و جُنِبَ: شكا جنبه، نحو: كبد و فئد، و بني من الجنب الفعل على وجهين:
أحدهما: الذهاب على ناحيته.
و الثاني: الذهاب إليه.
__________________________________________________
 (1) أي: أصابته اللقوة، و هو داء في الوجه يعوجّ منه الشّدق.
 (2) البيت بتمامه:
         فإذا جادت الدّجى وضعوا القدح             و جنّ التلاع و الآفاق‏


و هو للأعشى في ديوانه ص 129.
 (3) هذا عجز بيت، و شطره:
         فلقد أراني للرماح دريئة

و هو لقطري بن الفجاءة، في مغني اللبيب ص 199، و شرح ابن عقيل 1/ 243، و خزانة الأدب 10/ 163.
 (4) أخرجه ابن جرير 5/ 81 عن عليّ و ابن عباس.
 (5) أخرجه ابن جرير 5/ 81 عن مجاهد.

205
مفردات ألفاظ القرآن

جنب ص 205

فالأول نحو: جَنَبْتُهُ، و أَجْنَبْتُهُ، و منه:
وَ الْجارِ الْجُنُبِ‏ [النساء/ 36]، أي:
البعيد، قال الشاعر:
101-
         فلا تحرمنّي نائلا عن جَنَابَةٍ «1»


أي: عن بعد. و رجل جَنِبٌ و جَانِبٌ. قال عزّ و جل: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ‏ [النساء/ 31]، و قال عزّ و جل: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج/ 30]، و اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ* [الزمر/ 17] عبارة عن تركهم إياه، فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏ [المائدة/ 90]، و ذلك أبلغ من قولهم: اتركوه. و جَنَّبَ بنو فلان: إذا لم يكن في إبلهم اللبن، و جُنِّبَ فلان خيرا، و جُنِّبَ شرا «2». قال تعالى في النار: وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى‏ [الليل/ 17- 18]، و ذلك إذا أطلق فقيل: جُنِّبَ فلان فمعناه: أبعد عن الخير، و ذلك يقال في الدعاء في الخير، و قوله عزّ و جل: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ‏ [إبراهيم/ 35]، من: جَنَبْتُهُ عن كذا أي: أبعدته، و قيل: هو من جَنَبْتُ الفرس، كأنما سأله أن يقوده عن جانب الشرك بألطاف منه و أسباب خفيّة. و التَّجْنِيبُ: الرّوح في الرّجلين، و ذلك إبعاد إحدى الرجلين عن الأخرى خلقة.
و قوله تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة/ 6]، أي: إن أصابتكم الجنابة، و ذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين، و قد جَنُبَ و أَجْنَبَ و اجْتَنَبَ و تَجَنَّبَ، و سميت الْجَنَابَةُ بذلك لكونها سببا لتجنب الصلاة في حكم الشرع، و الْجَنُوبُ يصح أن يعتبر فيها معنى المجي‏ء من جانب الكعبة «3»، و أن يعتبر فيها معنى الذهاب عنه، لأنّ المعنيين فيها موجودان، و اشتق من الجنوب جَنَبَتِ الريحُ: هبّت جنوبا، فَأَجْنَبْنَا:
دخلنا فيها، و جُنِبْنَا: أصابتنا، و سحابة مَجْنُوبَةٌ:
هبّت عليها.
جنح‏
الْجَنَاحُ: جناح الطائر، يقال: جُنِحَ «4» الطائر، أي: كسر جناحه، قال تعالى: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ‏ [الأنعام/ 38]، و سمّي جانبا الشي‏ء جَنَاحَيْهِ، فقيل: جَنَاحَا السفينة، و جَنَاحَا العسكر، و جَنَاحَا الوادي، و جَنَاحَا الإنسان لجانبيه، قال عزّ و جل: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         فإني امرؤ وسط القباب غريب‏

و هو لعلقمة بن عبدة، في ديوانه ص 48، و المفضليات ص 394، و المجمل 1/ 199، و اللسان (جنب)، و الأساس ص 65.
 (2) انظر: البصائر 1/ 398.
 (3) و الجنوب: ريح تخالف الشمال تأتي عن يمين القبلة، راجع: اللسان (جنب).
 (4) انظر الأفعال 2/ 288.

206
مفردات ألفاظ القرآن

جنح ص 206

جَناحِكَ‏ [طه/ 22]، أي: جانبك وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ‏ [القصص/ 32]، عبارة عن اليد، لكون الجناح كاليد، و لذلك قيل لِجَنَاحَيِ الطائر يداه، و قوله عزّ و جل: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء/ 24]، فاستعارة، و ذلك أنه لما كان الذلّ ضربين:
ضرب يضع الإنسان، و ضرب يرفعه- و قصد في هذا المكان إلى ما يرفعه لا إلى ما يضعه- فاستعار لفظ الجناح له، فكأنه قيل: استعمل الذل الذي يرفعك عند اللّه من أجل اكتسابك الرحمة، أو من أجل رحمتك لهما، وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ‏ [القصص/ 32]، و جَنَحَتِ العير في سيرها: أسرعت، كأنها استعانت بجناح، و جَنَحَ الليل: أظلّ بظلامه، و الْجُنْحُ: قطعة من الليل مظلمة. قال تعالى:
وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال/ 61]، أي: مالوا، من قولهم: جَنَحَتِ السفينة، أي: مالت إلى أحد جانبيها، و سمي الإثم المائل بالإنسان عن الحق جُنَاحاً ثم سمّي كلّ إثم جُنَاحاً، نحو قوله تعالى: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ* «1» في غير موضع، و جَوَانِحُ الصدر:
الأضلاع المتصلة رءوسها في وسط الزور، الواحدة: جَانِحَةٌ، و ذلك لما فيها من الميل.
جند
يقال للعسكر الْجُنْدُ اعتبارا بالغلظة، من الْجَنَدِ، أي: الأرض الغليظة التي فيها حجارة ثم يقال لكلّ مجتمع جُنْدٌ، نحو:
 «الْأَرْوَاحِ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ» «2».
قال تعالى: وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ‏ [الصافات/ 173]، إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ‏ [الدخان/ 24]، و جمع الجند: أَجْنَادٌ و جُنُودٌ، قال تعالى: وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ‏ [الشعراء/ 95]، وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر/ 31]، اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها [الأحزاب/ 9]، فالجنود الأولى من الكفار، و الجنود الثانية التي لم تروها الملائكة.
جنف‏
أصل الْجَنَفِ ميل في الحكم، فقوله تعالى:
فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً [البقرة/ 182]، أي: ميلا ظاهرا، و على هذا: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ‏ [المائدة/ 3]، أي: مائل إليه.
جنى‏
جَنَيْتُ الثمرة و اجْتَنَيْتُهَا، و الْجَنِيُّ: المجتنى من الثمر و العسل، و أكثر ما يستعمل الجني فيما
__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: آية 236، و هو في سورة البقرة متعدّد المواضع.
 (2) الحديث صحيح، أخرجه البخاري في الأنبياء: باب الأرواح جنود مجندة تعليقا، و مسلم في البر و الصلة برقم (2638). و انظر: فتح الباري 6/ 263، و شرح السنة 13/ 57.

207
مفردات ألفاظ القرآن

جنى ص 207

كان غضّا، قال تعالى: تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم/ 25]، و قال تعالى: وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ‏ [الرحمن/ 54]، و أَجْنَى الشجر:
أدرك ثمره، و الأرض: كثر جَنَاهَا، و استعير من ذلك جَنَى فلان جِنَايَةً كما استعير اجترم.
جهد
الْجَهْدُ و الْجُهْدُ: الطاقة و المشقة، و قيل:
الْجَهْدُ بالفتح: المشقة، و الْجُهْدُ: الوسع.
و قيل: الْجُهْدُ للإنسان، و قال تعالى: وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ‏ [التوبة/ 79]، و قال تعالى: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ* [النور/ 53]، أي: حلفوا و اجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم. و الِاجْتِهَادُ: أخذ النفس ببذل الطاقة و تحمّل المشقة، يقال:
جَهَدْتُ رأيي و أَجْهَدْتُهُ: أتعبته بالفكر، و الْجِهَادُ و الْمُجَاهَدَةُ: استفراغ الوسع في مدافعة العدو، و الْجِهَادُ ثلاثة أضرب:
- مجاهدة العدو الظاهر.- و مجاهدة الشيطان.
- و مجاهدة النفس.
و تدخل ثلاثتها في قوله تعالى: وَ جاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ‏ [الحج/ 78]، وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ [التوبة/ 41]، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ [الأنفال/ 72]، و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «جَاهِدُوا أَهْوَاءَكُمْ كَمَا تُجَاهِدُونَ أَعْدَاءَكُمْ» «1».
و الْمُجَاهَدَةُ تكون باليد و اللسان،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ «جَاهِدُوا الْكُفَّارَ بِأَيْدِيكُمْ وَ أَلْسِنَتِكُمْ» «2».
جهر
جَهْرٌ يقال لظهور الشي‏ء بإفراط حاسة البصر أو حاسة السمع.
أمّا البصر فنحو: رأيته جِهَاراً، قال اللّه تعالى:
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة/ 55]، أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء/ 153]، و منه: جَهَرَ «3» البئر و اجْتَهَرَهَا: إذا أظهر ماءها.
و قيل: ما في القوم أحد يَجْهَرُ عيني «4».
__________________________________________________
 (1) الحديث ذكره المؤلف في كتاب الذريعة ص 34، و لم أجده بهذا اللفظ في كتب الحديث. و لكن أخرج أحمد في المسند 6/ 22 عن فضالة بن عبيد أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «و المجاهد من جاهد نفسه في طاعة اللّه عزّ و جل»، و أخرجه الترمذي في الزهد 4/ 165 و في الجهاد برقم (1621) و قال: حسن صحيح، و أخرجه أبو داود في الجهاد برقم (2500).
 (2) الحديث أخرجه ابن حبان برقم (1618) و صححه، و الحاكم 2/ 81 و وافقه الذهبي، و صححه النووي أيضا في رياض الصالحين ص 515، و أخرجه أبو داود في الجهاد، و رقمه (2504)، و النسائي 6/ 7، و أحمد 3/ 124، و انظر شرح السنة 12/ 378، و الفتح الكبير 2/ 62.
 (3) راجع: كتاب الأفعال 2/ 300، و البصائر 1/ 404.
 (4) في المجمل: و جهرت الشي‏ء: إذا كان عظيما في عينك.

208
مفردات ألفاظ القرآن

جهر ص 208

و الْجَوْهَرُ: فوعل منه، و هو ما إذا بطل بطل محموله، و سمي بذلك لظهوره للحاسة.
و أمّا السمع، فمنه قوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ‏ [الرعد/ 10]، و قال عزّ و جلّ: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏ [طه/ 7]، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ‏ [الأنبياء/ 110]، وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ‏ [الملك/ 13]، وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها [الإسراء/ 110]، و قال: وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ‏ [الحجرات/ 2]، و قيل: كلام جَوْهَرِيٌّ، و جَهِيرٌ، و رجل جَهِيرٌ يقال لرفيع الصوت، و لمن يجهر لحسنه.
جهز
قال تعالى: فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ‏ [يوسف/ 70]، الْجَهَازُ: ما يعدّ من متاع و غيره، و التَّجْهِيزُ: حمل ذلك أو بعثه، و ضرب البعير بِجَهَازِهِ: إذا ألقى متاعه في رجله فنفر، و جَهِيزَةُ «1»: امرأة محمّقة. و قيل للذئبة التي ترضع ولد غيرها: جَهِيزَةٌ.
جهل‏
الْجَهْلُ على ثلاثة أضرب:
- الأول: و هو خلوّ النفس من العلم، هذا هو الأصل، و قد جعل ذلك بعض المتكلمين معنى مقتضيا للأفعال الخارجة عن النظام، كما جعل العلم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام.
- و الثاني: اعتقاد الشي‏ء بخلاف ما هو عليه.
- و الثالث: فعل الشي‏ء بخلاف ما حقّه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا، كمن يترك الصلاة متعمدا، و على ذلك قوله تعالى: قالُوا: أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً؟ قالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ‏ [البقرة/ 67]، فجعل فعل الهزو جهلا، و قال عزّ و جلّ: فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ [الحجرات/ 6].
و الْجَاهِلُ تارة يذكر على سبيل الذم، و هو الأكثر، و تارة لا على سبيل الذم، نحو:
يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ‏ [البقرة/ 273]، أي: من لا يعرف حالهم، و ليس يعني المتخصص بالجهل المذموم، و الْمَجْهَلُ: الأمر و الأرض و الخصلة التي تحمل الإنسان على الاعتقاد بالشي‏ء خلاف ما هو عليه، و اسْتَجْهَلَتِ الرّيح الغصن: حرّكته، كأنها حملته على تعاطي الجهل، و ذلك استعارة حسنة.
جهنم‏
جَهَنَّمُ اسم لنار اللّه الموقدة، قيل: و أصلها فارسيّ‏
__________________________________________________
 (1) و في المثل: (أحمق من جهيزة). و هي أمّ شبيب الخارجي، و كان أبو شبيب من مهاجرة الكوفة، اشترى جهيزة من السبي، و كانت حمراء طويلة، فأرادها على الإسلام فأبت، فواقعها، فحملت، فتحرك الولد في بطنها، فقالت: في بطني شي‏ء ينقز، فقيل: أحمق من جهيزة.

209
مفردات ألفاظ القرآن

جهنم ص 209

معرّب جِهِنَّامُ «1»، و قال أبو مسلم: كهنّام «2»، و اللّه أعلم.
جيب‏
قال اللّه تعالى: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى‏ جُيُوبِهِنَ‏ [النور/ 31]، جمع جَيْبٍ.
جوب‏
الْجَوْبُ: قطع الْجَوْبَةِ، و هي كالغائط من الأرض، ثم يستعمل في قطع كلّ أرض، قال تعالى: وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ [الفجر/ 9]، و يقال: هل عندك جَائِبَةُ خبر «3»؟
و جَوَابُ الكلام: هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع، لكن خصّ بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب، قال تعالى: فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا* [النمل/ 56]، و الْجَوَابُ يقال في مقابلة السؤال، و السؤال على ضربين:
طلب مقال، و جوابه المقال.
و طلب نوال، و جوابه النّوال.
فعلى الأول: أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ‏ [الأحقاف/ 31]، و قال: وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ‏ [الأحقاف/ 32].
و على الثاني قوله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما [يونس/ 89]، أي: أعطيتما ما سألتما.
و الِاسْتِجَابَةُ قيل: هي الْإِجَابَةُ، و حقيقتها هي التحري للجواب و التهيؤ له، لكن عبّر به عن الإجابة لقلة انفكاكها منها، قال تعالى:
اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ‏ [الأنفال/ 24]، و قال: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ‏ [غافر/ 60]، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي‏ [البقرة/ 186]، فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ‏ [آل عمران/ 195]، وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ‏ [الشورى/ 26] وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ‏ [الشورى/ 38]، و قال تعالى: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي‏ [البقرة/ 186]، الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ‏ [آل عمران/ 172].
جود
قال تعالى: وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ‏

__________________________________________________
 (1) قال السمين: و ما قاله غير مشهور في النقل، بل المشهور عندهم أنها عربية، و أنّ منعها للعلمية و التأنيث. انظر عمدة الحفاظ: جهنم.
 (2) في اللسان: قيل: هو تعريب كهنّام بالعبرانية. و أبو مسلم هو محمد بن بحر الأصفهاني من المفسرين المعتزلة توفي سنة 223.
و انظر ترجمته في طبقات المفسرين للداوودي 2/ 109، و لسان الميزان 5/ 89.
 (3) انظر: المجمل 1/ 202، و أساس البلاغة ص 68.

210
مفردات ألفاظ القرآن

جود ص 210

 [هود/ 44]، قيل: هو اسم جبل بين الموصل و الجزيرة، و هو في الأصل منسوب إلى الجود، و الْجُودُ: بذل المقتنيات مالا كان أو علما، و يقال: رجل جَوَادٌ، و فرس جَوَادٌ، يَجُودُ بمدّخر عدوه، و الجمع: الْجِيَادُ، قال تعالى: بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ [ص/ 31]، و يقال في المطر الكثير: جَوْدٌ، و وصف تعالى بِالْجَوَادِ. و في الفرس جَوْدَةٌ، و في المال جُودٌ، و جَادَ الشي‏ء جَوْدَة، فهو جَيِّدٌ، لما نبّه عليه قوله تعالى: أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ [طه/ 50].
جأر
قال تعالى: فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ‏ [النحل/ 53]، و قال تعالى: إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ‏ [المؤمنون/ 64]، لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ‏ [المؤمنون/ 65]، جَأَرَ: إذا أفرط في الدعاء و التضرّع تشبيها بِجُؤَارِ الوحشيات، كالظباء و نحوها.
جار
الْجَارُ: من يقرب مسكنه منك، و هو من الأسماء المتضايفة، فإنّ الجار لا يكون جارا لغيره إلا و ذلك الغير جار له، كالأخ و الصديق، و لمّا استعظم حقّ الجار عقلا و شرعا عبّر عن كل من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار، قال تعالى: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ الْجارِ الْجُنُبِ‏ [النساء/ 36]، و يقال: اسْتَجَرْتُهُ فَأَجَارَنِي، و على هذا قوله تعالى: وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ‏ [الأنفال/ 48]، و قال عزّ و جلّ: وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ‏ [المؤمنون/ 88]، و قد تصوّر من الْجَارِ معنى القرب، فقيل لمن يقرب من غيره:
جَارَهُ، و جَاوَرَهُ، و تَجَاوَرَ، قال تعالى: لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب/ 60]، و قال تعالى: وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ‏ [الرعد/ 4]، و باعتبار القرب قيل: جَارَ عن الطريق، ثم جعل ذلك أصلا في العدول عن كلّ حق، فبني منه الْجَوْرُ، قال تعالى: وَ مِنْها جائِرٌ [النحل/ 9]، أي: عادل عن المحجّة، و قال بعضهم: الْجَائِرُ من الناس: هو الذي يمنع من التزام ما يأمر به الشرع.
جوز
قال تعالى: فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ [البقرة/ 249]، أي: تجاوز جوزه، و قال: وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ* [الأعراف/ 138]، و جَوْزُ الطريق: وسطه، و جَازَ الشي‏ء كأنه لزم جوز الطريق، و ذلك عبارة عمّا يسوغ، و جَوْزُ السماء:
وسطها، و الْجَوْزَاءُ قيل: سميت بذلك لاعتراضها في جوز السماء، و شاة جَوْزَاءُ أي: ابيضّ وسطها، و جُزْتُ المكان: ذهبت فيه، و أَجَزْتُهُ:
أنفذته و خلّفته، و قيل: اسْتَجَزْتُ فلانا فَأَجَازَنِي:
إذا استسقيته فسقاك، و ذلك استعارة، و الْمَجَاز

211
مفردات ألفاظ القرآن

جوز ص 211

من الكلام ما تجاوز موضعه الذي وضع له، و الحقيقة ما لم يتجاوز ذلك.
جاس‏
قال تعالى: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [الإسراء/ 5]، أي: توسّطوها و تردّدوا بينها، و يقارب ذلك جازوا و داسوا، و قيل: الْجَوْسُ:
طلب ذلك الشي‏ء باستقصاء، و الْمَجُوسُ معروف.
جوع‏
الْجُوعُ: الألم الذي ينال الحيوان من خلوّ المعدة من الطعام، و الْمَجَاعَةُ: عبارة عن زمان الجدب، و يقال: رجل جَائِعٌ و جَوْعَانُ: إذا كثر جوعه.
جاء
جَاءَ يَجِي‏ءُ و مَجِيئاً، و الْمَجِي‏ءُ كالإتيان، لكن المجي‏ء أعمّ، لأنّ الإتيان مجي‏ء بسهولة، و الإتيان قد يقال باعتبار القصد و إن لم يكن منه الحصول، و الْمَجِي‏ءُ يقال اعتبارا بالحصول، و يقال «1»: جاء في الأعيان و المعاني، و لما يكون مجيئه بذاته و بأمره، و لمن قصد مكانا أو عملا أو زمانا، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى‏ [يس/ 20]، وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ‏ [غافر/ 34]، وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي‏ءَ بِهِمْ‏ [هود/ 77]، فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ‏ [الأحزاب/ 19]، إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ* [يونس/ 49]، بَلى‏ قَدْ جاءَتْكَ آياتِي‏ [الزمر/ 59]، فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً [الفرقان/ 4]، أي: قصدوا الكلام و تعدّوه، فاستعمل فيه المجي‏ء كما استعمل فيه القصد، قال تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏ [الأحزاب/ 10]، وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر/ 22]،
فَهَذَا بِالْأَمْرِ لَا بِالذَّاتِ، وَ هُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «2»
و كذا قوله تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ* [يونس/ 76]، يقال: جَاءَهُ بكذا و أَجَاءَهُ، قال اللّه تعالى: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى‏ جِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم/ 23]، قيل: ألجأها، و إنما هو معدّى عن جاء، و على هذا قولهم: (شرّ ما أَجَاءَكَ إلى مخّه عرقوب) «3»، و قول الشاعر:
102-
         أَجَاءَتْهُ المخافة و الرّجاء «4»

__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 1/ 412.
 (2) و هو مرويّ عن الحسن البصريّ. راجع تفسير القرطبي، و البصائر 1/ 412.
 (3) قال الميداني: يضرب للمضطر جدا، و المعنى: ما ألجأك إليها إلا شرّ، أي: فاقة و فقر، و ذلك أن العرقوب لا مخّ له، و إنما يحوج إليه من لا يقدر على شي‏ء. انظر: مجمع الأمثال 1/ 358، و في اللسان: عراقيب الأمور: عظامها، و صعابها و ما دخل من اللبس فيها، و أمثال أبي عبيد ص 312.
 (4) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، و شطره:
         و سار جاء معتمدا إلينا

و هو في ديوانه ص 13.

212
مفردات ألفاظ القرآن

جاء ص 212

و جَاءَ بكذا: استحضره، نحو: لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ [النور/ 13]، وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ‏ [النمل/ 22]، و جَاءَ بكذا يختلف معناه بحسب اختلاف الْمَجِي‏ءِ به.
جال‏
جَالُوتُ «1» اسم ملك طاغ رماه داود عليه السلام فقتله، و هو المذكور في قوله تعالى: وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ‏ [البقرة/ 251].
جوَّ
الْجَوُّ: الهواء، قال اللّه تعالى: فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ‏ [النحل/ 79]، و اسم اليمامة جَوٌّ «2». و اللّه أعلم.
تمّ كتاب الجيم‏
__________________________________________________
 (1) الصحيح في جالوت أنه أعجمي غير مشتق. انظر المسائل الحلبيات ص 353.
 (2) انظر: المجمل 1/ 175.

213
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الحاء

كتاب الحاء
حب‏
الْحَبُّ و الْحَبَّةُ يقال في الحنطة و الشعير و نحوهما من المطعومات، و الْحَبُّ و الْحِبَّةُ في بزور الرياحين، قال اللّه تعالى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة/ 261]، و قال: وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ‏ [الأنعام/ 59]، و قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى‏ [الأنعام/ 95]، و قوله تعالى:
فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ [ق/ 9]، أي: الحنطة و ما يجري مجراها ممّا يحصد، و
فِي الْحَدِيثِ: «كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ» «1».
و الْحِبُّ: من فرط حبّه، و الْحَبَبُ: تنضّد الأسنان تشبيها بالحب، و الْحُبَابُ من الماء:
النّفّاخات تشبيها به، و حَبَّةُ القلب تشبيها بالحبّة في الهيئة، و حَبَبْتُ فلانا، يقال في الأصل بمعنى: أصبت حبّة قلبه، نحو: شغفته و كبدته و فأدته، و أَحْبَبْتُ فلانا: جعلت قلبي معرّضا لحبّه، لكن في التعارف وضع مَحْبُوبٌ موضع مُحِبٍّ، و استعمل (حببت) أيضا موضع (أحببت). و الْمَحَبَّةُ: إرادة ما تراه أو تظنّه خيرا، و هي على ثلاثة أوجه:
- محبّة للّذة، كمحبّة الرجل المرأة، و منه:
وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً [الإنسان/ 8].
- و محبّة للنفع، كمحبة شي‏ء ينتفع به، و منه:
وَ أُخْرى‏ تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ‏ [الصف/ 13].
- و محبّة للفضل، كمحبّة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم.
و ربّما فسّرت الْمَحَبَّةُ بالإرادة في نحو قوله‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «يدخل أهل الجنّة الجنّة، و أهل النار النّار، ثمّ يقول اللّه تعالى: أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان، فيخرجون منها قد اسودّوا فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبّة في جانب السيل، أ لم تر أنها تخرج صفراء مشوية» أخرجه البخاري في باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال 1/ 72، و مسلم في باب الإيمان رقم (299).

214
مفردات ألفاظ القرآن

حب ص 214

تعالى: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة/ 108]، و ليس كذلك، فإنّ الْمَحَبَّةَ أبلغ من الإرادة كما تقدّم آنفا، فكلّ محبّة إرادة، و ليس كلّ إرادة محبّة، و قوله عزّ و جلّ: إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ‏
 [التوبة/ 23]، أي: إن آثروه عليه، و حقيقة الِاسْتِحْبَابِ: أن يتحرّى الإنسان في الشي‏ء أن يحبّه، و اقتضى تعديته ب (على) معنى الإيثار، و على هذا قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى‏ عَلَى الْهُدى‏ [فصلت/ 17]، و قوله تعالى:
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ‏ [المائدة/ 54]، فَمَحَبَّةُ اللّه تعالى للعبد إنعامه عليه، و مَحَبَّةُ العبد له طلب الزّلفى لديه.
و قوله تعالى: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي‏ [ص/ 32]، فمعناه: أحببت الخيل حبّي للخير، و قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏ [البقرة/ 222]، أي: يثيبهم و ينعم عليهم، و قال: لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ‏ [البقرة/ 276]، و قوله تعالى:
وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [الحديد/ 23]، تنبيها أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك، و إذا لم يتب لم يحبّه اللّه المحبّة التي وعد بها التوابين و المتطهرين.
و حَبَّبَ اللّه إليّ كذا، قال اللّه تعالى: وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ‏ [الحجرات/ 7]، و أَحَبَّ البعير: إذا حرن و لزم مكانه، كأنه أحبّ المكان الذي وقف فيه، و حَبَابُكَ أن تفعل كذا «1»، أي:
غاية محبّتك ذلك.
حبر
الْحِبْرُ: الأثر المستحسن، و منه ما
رُوِيَ:
 «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ رَجُلٌ قَدْ ذَهَبَ حِبْرُهُ وَ سِبْرُهُ» «2».
أي: جماله و بهاؤه، و منه سمّي الْحِبْرُ، و شاعر مُحَبِّرٌ، و شعر مُحَبَّرٌ، و ثوب حَبِيرٌ: محسّن، و منه: أرض مِحْبَارٌ «3»، و الْحَبِيرُ من السحاب، و حَبِرَ «4» فلان:
بقي بجلده أثر من قرح، و الْحَبْرُ: العالم و جمعه: أَحْبَارٌ، لما يبقى من أثر علومهم في قلوب الناس، و من آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها، قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ‏
 [التوبة/ 31]، و إلى هذا المعنى‏
أَشَارَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ:
 (الْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ الدَّهْرُ، أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ، وَ آثَارُهُمْ فِي الْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ) «5».
و قوله‏
__________________________________________________
 (1) انظر: مجمل اللغة 1/ 220.
 (2) الحديث أخرجه أبو عبيد في غريبه 1/ 85، و الفائق 1/ 229، و النهاية 1/ 327.
 (3) أي: سريعة النبات.
 (4) انظر: المجمل 1/ 261، و الأفعال 1/ 395.
 (5) راجع: جامع بيان العلم و فضله 1/ 57، و نهج البلاغة ص 692.

215
مفردات ألفاظ القرآن

حبر ص 215

عزّ و جلّ: فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ‏ [الروم/ 15]، أي: يفرحون حتى يظهر عليهم حَبَارُ نعيمهم.
حبس‏
الْحَبْسُ: المنع من الانبعاث، قال عزّ و جلّ:
تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ [المائدة/ 106]، و الْحَبْسُ: مصنع الماء الذي يحبسه، و الْأَحْبَاسُ جمع، و التَّحْبِيسُ: جعل الشي‏ء موقوفا على التأبيد، يقال: هذا حَبِيسٌ في سبيل اللّه.
حبط
قال اللّه تعالى: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ* [المائدة/ 53]، وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ [الأنعام/ 88]، وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ‏ [محمد/ 32]، لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ‏ [الزمر/ 65]، و قال تعالى: فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ‏ [الأحزاب/ 19]، و حَبْطُ العمل على أضرب:
أحدها: أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغني في القيامة غناء، كما أشار إليه بقوله: وَ قَدِمْنا إِلى‏ ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان/ 23].
و الثاني: أن تكون أعمالا أخروية، لكن لم يقصد بها صاحبها وجه اللّه تعالى، كما
رُوِيَ:
 «أَنَّهُ يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِرَجُلٍ فَيُقَالُ لَهُ: بِمَ كَانَ اشْتِغَالُكَ؟ قَالَ: بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ تَقْرَأُ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، وَ قَدْ قِيلَ ذَلِكَ، فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ» «1».
و الثالث: أن تكون أعمالا صالحة، و لكن بإزائها سيئات توفي عليها، و ذلك هو المشار إليه بخفّة الميزان.
و أصل الحبط من الْحَبَطِ، و هو أن تكثر الدابة أكلا حتى ينتفخ بطنها، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَوْ يُلِمُّ» «2».
و سمّي الحارث الْحَبَطَ «3»، لأنه أصاب ذلك، ثم سمي أولاده حَبَطَاتٍ.
__________________________________________________
 (1) الحديث ذكره المؤلف بمعناه، و هو عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إنّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، و لكنّك قاتلت لأن يقال: فلان جري‏ء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، و رجل تعلّم العلم و علّمه و قرأ القرآن، فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلّمت العلم و علّمته، و قرأت فيك القرآن، قال: كذبت و لكنّك تعلّمت ليقال: عالم، و قرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ...» الحديث أخرجه مسلم و النسائي، و الترمذي و حسّنه، و ابن حبان في صحيحه. انظر: الترغيب و الترهيب 1/ 29، و عارضة الأحوذي 9/ 226، و مسند أحمد 2/ 321، و سنن النسائي 6/ 23، و مسلم في الإمارة، باب من قاتل للرياء برقم (1905)، و انظر: شرح السنة 14/ 334.
 (2) الحديث في الصحيحين، راجع فتح الباري 11/ 244 باب ما يحذر من زهرة الدنيا، و مسلم رقم (1052). و رواية البخاري: «إنّ هذا المال خضرة حلوة، و إنّ كلّ ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلمّ إلا آكلة الخضرة».
 (3) قال في اللسان: و الحبط: الحارث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، سمّي بذلك لأنه كان في سفر فأصابه مثل.

216
مفردات ألفاظ القرآن

حبك ص 217

حبك‏
قال تعالى: وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ‏ [الذاريات/ 7]، هي ذات الطرائق فمن الناس من تصوّر منها الطرائق المحسوسة بالنجوم و المجرّة، و منهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، و إلى ذلك أشار بقوله تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [آل عمران/ 191]. و أصله من قولهم: بعير مَحْبُوكُ القرا «1»، أي: محكمه، و الِاحْتِبَاكُ: شدّ الإزار.
حبل‏
الْحَبْلُ معروف، قال عزّ و جلّ: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد/ 5]، و شبّه به من حيث الهيئة حبل الوريد و حبل العاتق، و الْحَبْلُ:
المستطيل من الرّمل، و استعير للوصل، و لكلّ ما يتوصّل به إلى شي‏ء. قال عزّ و جلّ: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [آل عمران/ 103]، فحبله هو الذي معه التوصل به إليه من القرآن و العقل، و غير ذلك ممّا إذا اعتصمت به أدّاك إلى جواره، و يقال للعهد حَبْلٌ، و قوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النَّاسِ‏ [آل عمران/ 112]، ففيه تنبيه أنّ الكافر يحتاج إلى عهدين:
- عهد من اللّه، و هو أن يكون من أهل كتاب أنزله اللّه تعالى، و إلّا لم يقرّ على دينه، و لم يجعل له ذمّة.
- و إلى عهد من الناس يبذلونه له.
و الْحِبَالَةُ خصّت بحبل الصائد، جمعها:
حَبَائِلُ، و
رُوِيَ (النِّسَاءُ حَبَائِلُ الشَّيْطَانِ) «2».
و الْمُحْتَبِلُ و الْحَابِلُ: صاحب الحبالة، و قيل:
وقع حابلهم على نابلهم «3»، و الْحُبْلَةُ: اسم لما يجعل في القلادة.
__________________________________________________
الحبط الذي يصيب الماشية، فنسبوا إليه. ا. ه.
أقول: و في شعر الفرزدق:
             بنو مسمع أكفاؤها آل دارم             و تنكح في أكفائها الحبطات‏
             و لا يدرك الغايات إلا جيادها             و لا تستطيع الجلّة البكرات‏

فردّ عليه من الحبطات فقال:
         أ ما كان عباد كفيا لدارم             بلى و أبيات بها الحجرات‏

راجع: ديوان الفرزدق ص 99، و عيار الشعر ص 152، و وضح البرهان 2/ 121.
 (1) القرا: الظّهر.
 (2) الحديث أخرجه أبو نعيم عن ابن مسعود، و الديلمي عن عبد اللّه بن عامر و عقبة بن عامر، و قال ابن الفرس:
الحديث حسن. راجع: كشف الخفاء 2/ 4، و الفتح الكبير 2/ 181.
 (3) قال في اللسان: و في المثل: ثار حابلهم على نابلهم، أي: أوقدوا بينهم الشر. راجع اللسان: (نبل).

217
مفردات ألفاظ القرآن

حتم ص 218

حتم‏
الْحَتْمُ: القضاء المقدّر، و الْحَاتِمُ: الغراب الذي يَحْتِمُ بالفراق فيما زعموا.
حَتَّى‏
حَتَّى حرف يجرّ به تارة كإلى، لكن يدخل الحدّ المذكور بعده في حكم ما قبله، و يعطف به تارة، و يستأنف به تارة، نحو: أكلت السمكة حتى رأسها، و رأسها، و رأسها، قال تعالى: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏ [يوسف/ 35]، و حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر/ 5].
و يدخل على الفعل المضارع فينصب و يرفع، و في كلّ واحد وجهان:
فأحد وجهي النصب: إلى أن.
و الثاني: كي.
و أحد وجهي الرفع أن يكون الفعل قبله ماضيا، نحو: مشيت حتى أدخل البصرة، أي:
مشيت فدخلت البصرة.
و الثاني: يكون ما بعده حالا، نحو: مرض حتى لا يرجونه، و قد قرئ: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ‏ [البقرة/ 214]، بالنصب و الرفع «1»، و حمل في كلّ واحدة من القراءتين على الوجهين. و قيل: إنّ ما بعد «حتى» يقتضي أن يكون بخلاف ما قبله، نحو قوله تعالى: وَ لا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى‏ تَغْتَسِلُوا [النساء/ 43]، و قد يجي‏ء و لا يكون كذلك نحو ما
رُوِيَ:
 «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» «2».
لم يقصد أن يثبت ملالا للّه تعالى بعد ملالهم «3».
حث‏
 «4» الْحَثُّ: السرعة، قال اللّه تعالى: يَطْلُبُهُ حَثِيثاً [الأعراف/ 54].
حج‏
أصل الْحَجِّ القصد للزيارة، قال الشاعر:
103-
         يَحُجُّونَ بيت الزّبرقان المعصفرا «5»
خصّ في تعارف الشرع بقصد بيت اللّه تعالى إقامة للنسك، فقيل: الحَجّ و الحِجّ، فَالْحَجُّ مصدر، و الْحِجُّ اسم، و يوم الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
 يوم‏
__________________________________________________
 (1) قرأ بالرفع نافع وحده، و الباقون بالنصب.
 (2) الحديث بهذا اللفظ أخرجه البزار عن أبي هريرة، و في الصحيحين عن عائشة أنّ النبي دخل عليها و عندها امرأة، قال: «من هذه»؟ قالت: هذه فلانة، تذكر من صلاتها، قال: «مه، عليكم بما تطيقون، فو اللّه لا يملّ اللّه حتى تملّوا» و كان أحبّ الدين إليه ما داوم صاحبه عليه. راجع: رياض الصالحين ص 104، و فتح الباري 3/ 31، و مسلم 785.
 (3) قال النووي: أي: لا يقطع ثوابه عنكم و جزاء أعمالكم و يعاملكم معاملة المالّ حتى تملوا فتتركوا.
 (4) هذا باب ساقط من المطبوعات.
 (5) هذا عجز بيت، و صدره:
         و أشهد من عون حلولا كثيرة

و هو للمخبّل السعدي، و البيت في المجمل 1/ 221، و أساس البلاغة ص 74، و المشوف المعلم 1/ 231.

218
مفردات ألفاظ القرآن

حج ص 218

النحر، و يوم عرفة، و
رُوِيَ: «الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ» «1».
و الْحُجَّةُ: الدلالة المبيّنة لِلْمَحَجَّةِ، أي:
المقصد المستقيم الذي يقتضي صحة أحد النقيضين. قال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ [الأنعام/ 149]، و قال: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا [البقرة/ 150]، فجعل ما يحتجّ بها الذين ظلموا مستثنى من الحجة و إن لم يكن حجة، و ذلك كقول الشاعر:
104-
         و لا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم             بهنّ فلول من قراع الكتائب «2»

و يجوز أنّه سمّى ما يحتجون به حجة، كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [الشورى/ 16]، فسمّى الداحضة حجّة، و قوله تعالى: لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ‏ [الشورى/ 15]، أي: لا احتجاج لظهور البيان، و الْمُحَاجَّةُ: أن يطلب كلّ واحد أن يردّ الآخر عن حجّته و محجّته، قال تعالى: وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ: أَ تُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ‏ [الأنعام/ 80]، فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ‏ [آل عمران/ 61]، و قال تعالى: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ‏ [آل عمران/ 65]، و قال تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏ [آل عمران/ 66]، و قال تعالى: وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ [غافر/ 47]، و سمّي سبر الجراحة حَجّاً، قال الشاعر:
105-
         يَحُجُّ مأمومة في قعرها لجف «3»
حجب‏
الْحَجْبُ و الْحِجَابُ: المنع من الوصول، يقال: حَجَبَهُ حَجْباً و حِجَاباً، و حِجَابُ الجوف:
ما يحجب عن الفؤاد، و قوله تعالى: وَ بَيْنَهُما حِجابٌ‏ [الأعراف/ 46]، ليس يعني به ما يحجب البصر، و إنما يعني ما يمنع من وصول لذّة أهل الجنّة إلى أهل النّار، و أذيّة أهل النّار إلى أهل الجنّة، كقوله عزّ و جل: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ، وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ [الحديد/ 13]، و قال عزّ و جل:
__________________________________________________
 (1) هذا مروي عن ابن عباس، و أخرجه عنه ابن أبي شيبة و ابن أبي حاتم قال: العمرة الحجة الصغرى.
و أخرج الشافعي في الأم عن عبد اللّه بن أبي بكر أنّ في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه لعمرو بن حزم: «إنّ العمرة هي الحج الأصغر» راجع: الدر المنثور 1/ 504- 505، و أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 158.
 (2) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة له يمدح عمرو بن الحارث الأصغر و هو في ديوانه ص 11، و البصائر 2/ 432.
 (3) الشطر لعذار بن درة الطائي، و عجزه:
         فاست الطبيب قذاها كالمغاريد

و هو في المجمل 1/ 221، و المعاني الكبير 2/ 977، و اللسان: (حجّ).

219
مفردات ألفاظ القرآن

حجب ص 219

وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ‏ [الشورى/ 51]، أي: من حيث ما لا يراه مكلّمه و مبلّغه، و قوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ‏ [ص/ 32]، يعني الشّمس إذا استترت بالمغيب. و الْحَاجِبُ: المانع عن السلطان، و الْحَاجِبَانِ في الرأس لكونهما كَالْحَاجِبَيْنِ للعين في الذّب عنهما. و حَاجِبُ الشمس سمّي لتقدّمه عليها تقدّم الحاجب للسلطان، و قوله عزّ و جلّ: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ‏ [المطففين/ 15]، إشارة إلى منع النور عنهم المشار إليه بقوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ [الحديد/ 13].
حجر
الْحَجَرُ: الجوهر الصلب المعروف، و جمعه:
أَحْجَارٌ و حِجَارَةٌ، و قوله تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ* [البقرة/ 24]، قيل: هي حجارة الكبريت «1»، و قيل: بل الحجارة بعينها، و نبّه بذلك على عظم حال تلك النّار، و أنها ممّا توقد بالناس و الحجارة خلاف نار الدنيا إذ هي لا يمكن أن توقد بالحجارة و إن كانت بعد الإيقاد قد تؤثّر فيها، و قيل: أراد بِالْحِجَارَةِ الذين هم في صلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة، كمن وصفهم بقوله: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً [البقرة/ 74].
و الْحَجْرُ و التَّحْجِيرُ: أن يجعل حول المكان حجارة، يقال: حَجَرْتُهُ حَجْراً، فهو مَحْجُورٌ، و حَجَّرْتُهُ تَحْجِيراً فهو مُحَجَّرٌ، و سمّي ما أحيط به الحجارة حِجْراً، و به سمّي حِجْرُ الكعبة و ديار ثمود، قال تعالى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ‏ [الحجر/ 80]، و تصوّر من الْحِجْرِ معنى المنع لما يحصل فيه، فقيل للعقل حِجْرٌ، لكون الإنسان في منع منه ممّا تدعو إليه نفسه، و قال تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر/ 5].
قال المبرّد: يقال للأنثى من الفرس حِجْرٌ، لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد.
و الْحِجْرُ: الممنوع منه بتحريمه، قال تعالى:
وَ قالُوا: هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ [الأنعام/ 138]، وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً [الفرقان/ 22]، كان الرجل إذا لقي من يخاف يقول ذلك «2»، فذكر تعالى أنّ الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك، ظنّا أنّ ذلك ينفعهم، قال تعالى:
وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً [الفرقان/ 53]، أي: منعا لا سبيل إلى رفعه‏
__________________________________________________
 (1) و هذا مرويّ عن ابن مسعود و ابن عباس. راجع: الدر المنثور 1/ 90.
 (2) و هذا مرويّ عن الحسن و قتادة، كما أخرجه عنهما عبد الرزاق و ابن جرير، راجع: الدر المنثور 6/ 245، و المجمل 1/ 265.

220
مفردات ألفاظ القرآن

حجر ص 220

و دفعه، و فلان في حَجْرِ فلان، أي: في منع منه عن التصرف في ماله و كثير من أحواله، و جمعه:
حُجُورٌ، قال تعالى: وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ‏ [النساء/ 23]، و حِجْر القميص أيضا: اسم لما يجعل فيه الشي‏ء فيمنع، و تصوّر من الْحَجْرِ دورانه فقيل: حُجِّرَتْ عين الفرس:
إذا وسمت حولها بميسم، و حَجَّرَ القمر: صار حوله دائرة، و الْحَجُّورَةُ: لعبة للصبيان يخطّون خطّا مستديرا، و مَحْجِرُ العين منه، و تَحَجَّرَ كذا:
تصلّب و صار كالأحجار، و الْأَحْجَارُ: بطون من بني تميم، سمّوا بذلك لقوم منهم أسماؤهم جندل و حَجَرُ و صخر.
حجز
الْحَجْزُ: المنع بين الشيئين بفاصل بينهما، يقال: حَجَزَ بينهما. قال عزّ و جل: وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً [النمل/ 61]، و الْحِجَازُ سمّي بذلك لكونه حاجزا بين الشام و البادية، قال تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ‏ [الحاقة/ 47]، فقوله: حاجِزِينَ‏ صفة ل أَحَدٍ في موضع الجمع، و الْحِجَازُ حبل يشدّ من حقو البعير إلى رسغه، و تصوّر منه معنى الجمع، فقيل: احْتَجَزَ فلان عن كذا و احْتَجَزَ بإزاره، و منه: حُجْزَةُ السراويل، و قيل: إن أردتم الْمُحَاجَزَةَ فقبل المناجزة «1»، أي: الممانعة قبل المحاربة، و قيل: حَجَازَيْكَ، أي: احجز بينهم.
حدَّ
الْحَدُّ: الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، يقال: حَدَدْتُ كذا:
جعلت له حدّا يميّز، و حَدُّ الدار: ما تتميز به عن غيرها، و حَدُّ الشي‏ء: الوصف المحيط بمعناه المميّز له عن غيره، و حَدُّ الزنا و الخمر سمّي به لكونه مانعا لمتعاطيه من معاودة مثله، و مانعا لغيره أن يسلك مسلكه، قال اللّه تعالى: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ‏ [الطلاق/ 1]، و قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها [البقرة/ 229]، و قال: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ‏ [التوبة/ 97]، أي: أحكامه، و قيل: حقائق معانيه، و جميع حدود اللّه على أربعة أوجه:
- إمّا شي‏ء لا يجوز أن يتعدّى بالزيادة عليه و لا القصور عنه، كأعداد ركعات صلاة الفرض.
- و إمّا شي‏ء تجوز الزيادة عليه و لا تجوز النقصان عنه «2».
- و إمّا شي‏ء يجوز النقصان عنه و لا تجوز الزيادة عليه «3».
__________________________________________________
 (1) انظر: أساس البلاغة (حجز) ص 74، و البصائر 2/ 436.
 (2) و ذلك كالزكاة.
 (3) مثل مرّات الوضوء، و التزوّج بأربع فما دونها.

221
مفردات ألفاظ القرآن

حد ص 221

- و إمّا شي‏ء يجوز كلاهما «1».
و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ* [المجادلة/ 5]، أي: يمانعون، فذلك إمّا اعتبارا بالممانعة و إمّا باستعمال الحديد. و الْحَدِيدُ معروف، قال عزّ و جل:
وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد/ 25]، و حَدَّدْتُ السكّين: رقّقت حدّه، و أَحْدَدْتُهُ:
جعلت له حدّا، ثم يقال لكلّ ما دقّ في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر و البصيرة حَدِيدٌ، فيقال: هو حديد النظر، و حديد الفهم، قال عزّ و جل: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق/ 22]، و يقال: لسان حَدِيدٌ، نحو: لسان صارم، و ماض، و ذلك إذا كان يؤثّر تأثير الحديد، قال تعالى: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ [الأحزاب/ 19]، و لتصوّر المنع سمّي البوّاب حَدَّاداً، و قيل: رجل مَحْدُودٌ: ممنوع الرزق و الحظّ.
حدب‏
يجوز أن يكون الأصل في الْحَدَبِ حَدَبُ الظهر، يقال: حَدِبَ «2» الرجل حَدَباً، فهو أَحْدَبُ، و احْدَوْدَبَ. و ناقة حَدْبَاءُ تشبيها به، ثم شبّه به ما ارتفع من ظهر الأرض، فسمّي حَدَباً، قال تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ‏ [الأنبياء/ 96].
حدث‏
الْحُدُوثُ: كون الشي‏ء بعد أن لم يكن، عرضا كان ذلك أو جوهرا، و إِحْدَاثُهُ: إيجاده.
و إحداث الجواهر ليس إلا للّه تعالى، و الْمُحْدَثُ: ما أوجد بعد أن لم يكن، و ذلك إمّا في ذاته، أو إحداثه عند من حصل عنده، نحو:
أحدثت ملكا، قال تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ‏ [الأنبياء/ 2]، و يقال لكلّ ما قرب عهده مُحْدَثٌ، فعلا كان أو مقالا. قال تعالى: حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً [الكهف/ 70]، و قال: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً [الطلاق/ 1]، و كلّ كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحي في يقظته أو منامه يقال له:
حَدِيثٌ، قال عزّ و جلّ: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً [التحريم/ 3]، و قال تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ [الغاشية/
__________________________________________________
 (1) كصلاة النفل المقيدة، مثل الضحى، فإنها ثمان، فتجوز الزيادة عليها و النقصان منها. و هذه الزيادة ليست في المخطوطة.
ذكر الراغب أن الحدود أربعة أوجه، و حين عدّها ذكر ثلاثة فقط، و في هامش إحدى مخطوطات الراغب: (و إمّا شي‏ء يجوز كلاهما)، قال السمين: و الراغب قال هي أربعة، و لم يذكر إلا ثلاثة، و لم يمثّل إلا للأول. قال:
و الرابع: قسم بعكسه كالزكاة. ا ه. أي: بعكس.
 (2) راجع: الأفعال 1/ 407.

222
مفردات ألفاظ القرآن

حدث ص 222

1]، و قال عزّ و جلّ: وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ‏ [يوسف/ 101]، أي: ما يحدّث به الإنسان في نومه، و سمّى تعالى كتابه حَدِيثاً فقال: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ‏ [الطور/ 34]، و قال تعالى: أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ‏ [النجم/ 59]، و قال: فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء/ 78]، و قال تعالى: حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ* [الأنعام/ 68]، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ‏ [الجاثية/ 6]، و قال تعالى: وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء/ 87]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مُحَدَّثٌ فَهُوَ عُمَرُ» «1».!.
و إنما يعني من يلقى في روعه من جهة الملإ الأعلى شي‏ء «2»، و قوله عزّ و جل: فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ‏ [سبأ/ 19]، أي: أخبارا يتمثّل بهم، و الْحَدِيثُ: الطّريّ من الثمار، و رجل حَدُثٌ:
حسن الحديث، و هو حِدْثُ النساء، أي:
محادثهنّ، و حَادَثْتُهُ و حَدَّثْتُهُ و تَحَادَثُوا، و صار أُحْدُوثَةً، و رجل حَدَثٌ و حَدِيثُ السن بمعنى، و الْحَادِثَةُ: النازلة العارضة، و جمعها حَوَادِثُ.
حدق‏
حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ [النمل/ 60]، جمع حَدِيقَةٍ، و هي قطعة من الأرض ذات ماء، سمّيت تشبيها بحدقة العين في الهيئة و حصول الماء فيها، و جمع الْحَدَقَةِ حِدَاقٌ و أَحْدَاقٌ، و حَدَّقَ تَحْدِيقاً: شدّد النظر، و حَدَقُوا به و أَحْدَقُوا:
أحاطوا به، تشبيها بإدارة الحدقة.
حذر
الْحَذَرُ: احتراز من مخيف، يقال: حَذِرَ حَذَراً، و حَذِرْتُهُ، قال عزّ و جل: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ [الزمر/ 9]، و قرئ: و إنّا لجميع حَذِرُونَ، و حاذِرُونَ‏
 «3»، و قال تعالى:
وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ* [آل عمران/ 28]، و قال عزّ و جل: خُذُوا حِذْرَكُمْ* [النساء/ 71]، أي: ما فيه الحذر من السلاح و غيره، و قوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ‏ [المنافقون/ 4]، و قال تعالى: إِنَّ مِنْ‏
__________________________________________________
 (1) الحديث صحيح متفق عليه.
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدّثون، فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر».
انظر: البخاري 7/ 40، و مسلم 2398، و انظر: رياض الصالحين ص 564، و أخرجه أحمد 2/ 139.
 (2) انظر الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان لابن تيمية ص 59.
 (3) سورة الشعراء: آية 56. و قرأ حاذرون ابن ذكوان و هشام من طريق الداجوني، و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف، و قرأ الباقون حذرون. راجع: الإتحاف ص 232.

223
مفردات ألفاظ القرآن

حذر ص 223

أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ‏ [التغابن/ 14]، و حَذَارِ، أي: احذر، نحو:
مَنَاعِ، أي: امنع.
حر
الْحَرَارَةُ ضدّ البرودة، و ذلك ضربان:
- حرارة عارضة في الهواء من الأجسام المحميّة، كحرارة الشمس و النار.
- و حرارة عارضة في البدن من الطبيعة، كحرارة المحموم. يقال: حَرَّ يومُنا و الريح يَحَرُّ حَرّاً و حَرَارَةً «1»، و حَرَّ يومنا فهو مَحْرُورٌ، و كذا:
حَرَّ الرّجل، قال تعالى: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ: نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [التوبة/ 81]، و الْحَرُورُ: الريح الحارّة، قال تعالى: وَ لَا الظِّلُّ وَ لَا الْحَرُورُ [فاطر/ 21]، و اسْتَحَرَّ القيظ: اشتدّ حرّه، و الْحَرَرُ: يبس عارض في الكبد من العطش. و الْحَرَّةُ: الواحدة من الحرّ، يقال: حرّة تحت قرّة «2»، و الْحَرَّةُ أيضا: حجارة تسودّ من حرارة تعرض فيها، و عن ذلك استعير: اسْتَحَرَّ القتل: اشتد، و حَرُّ العمل: شدته، و قيل: إنما يتولّى حَارَّهَا من تولّى قارّها «3»
، و الْحُرُّ: خلاف العبد، يقال: حرّ بيّن الْحَرُورِيَّةِ و الْحَرُورَةِ.
و الْحُرِّيَّةُ ضربان:
- الأول: من لم يجر عليه حكم الشي‏ء، نحو: الْحُرُّ بِالْحُرِّ [البقرة/ 178].
- و الثاني: من لم تتملّكه الصفات الذميمة من الحرص و الشّره على المقتنيات الدنيوية، و إلى العبودية التي تضادّ ذلك‏
أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِقَوْلِهِ:
 «تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ» «4».
و قول الشاعر:
106-
         و رقّ ذوي الأطماع رقّ مخلّد «5»
و قيل: عبد الشهوة أذلّ من عبد الرّق، و التَّحْرِيرُ: جعل الإنسان حرّا، فمن الأول:
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ* [النساء/ 92]، و من الثاني: نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً [آل عمران/ 35]، قيل: هو أنه جعل ولده بحيث لا
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: حرّ النهار يحرّ و يحرّ حرارة و حرّا، و أحرّ: اشتدّ حرّه. راجع: الأفعال 1/ 328.
 (2) اللسان قرّ. و انظر ص 663.
 (3) هذا مثل، أي يتولى العقوبة و الضرب من يتولى العمل و النفع.
- و جاء في الحديث: أتي بالوليد بن عقبة عند عثمان بن عفان، فشهد عليه حمران و رجل آخر، فشهد أحدهما أنه رآه يشربها- يعني الخمر- و شهد الآخر أن رآه يتقاياها، قال عثمان: إنه لم يتقاياها حتى شربها، و قال لعليّ كرّم اللّه وجهه: أقم عليه الحد، فقال عليّ للحسين: أقم عليه الحدّ، فقال الحسن: ولّ حارّها من تولّى قارّها، فقال عليّ لعبد اللّه بن جعفر: أقم عليه الحد، فأخذ السوط فجلده. راجع: معالم السنن 3/ 338.
 (4) الحديث صحيح أخرجه البخاري في الجهاد، باب الحراسة في الغزو 6/ 60، و في الرقاق باب ما يتّقى من فتنة المال 11/ 253، و أخرجه ابن ماجة في الزهد 2/ 1386، و انظر: شرح السنة 14/ 262، و الفتح الكبير 2/ 31.
 (5) الشطر في الذريعة ص 206، و عمدة الحفاظ: حرّ.

224
مفردات ألفاظ القرآن

حر ص 224

ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور في قوله عزّ و جل: بَنِينَ وَ حَفَدَةً [النحل/ 72]، بل جعله مخلصا للعبادة، و لهذا
قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَعْنَاهُ مُخْلِصاً.
و
قَالَ مُجَاهِدٌ: خَادِماً لِلْبَيْعَةِ «1».
و
قَالَ جَعْفَرٌ: مُعْتَقاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا.
و كلّ ذلك إشارة إلى معنى واحد، و حَرَّرْتُ القوم: أطلقتهم و أعتقتهم عن أسر الحبس، و حُرُّ الوجه: ما لم تسترقّه الحاجة، و حُرُّ الدّار: وسطها، و أَحْرَارُ البقل «2» معروف، و قول الشاعر:
107-
         جادت عليه كلّ بكر حُرَّةٍ «3»
و باتت المرأة بليلة حُرَّةٍ «4»، كلّ ذلك استعارة، و الْحَرِيرُ من الثياب: ما رقّ، قال اللّه تعالى: وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* [فاطر/ 33].
حرب‏
الْحَرْبُ معروف، و الْحَرَبُ: السّلب في الحرب ثم قد سمّي كل سلب حَرَباً، قال:
و الحرب فيه الْحَرَائِبُ، و قال:
         و الْحَرْبُ مشتقة المعنى من الْحَرَبِ «5»
و قد حُرِبَ فهو حَرِيبٌ، أي: سليب، و التَّحْرِيبُ: إثارة الحرب، و رجل مِحْرَبٌ، كأنه آلة في الحرب، و الْحَرْبَةُ: آلة للحرب معروفة، و أصله الفعلة من الحرب أو من الْحِرَابِ، و مِحْرَابُ المسجد قيل: سمّي بذلك لأنه موضع مُحَارَبَةِ الشيطان و الهوى، و قيل: سمّي بذلك لكون حقّ الإنسان فيه أن يكون حَرِيباً من أشغال الدنيا و من توزّع الخواطر، و قيل: الأصل فيه أنّ مِحْرَابَ البيت صدر المجلس، ثم اتّخذت المساجد فسمّي صدره به، و قيل: بل المحراب أصله في المسجد، و هو اسم خصّ به صدر المجلس، فسمّي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد، و كأنّ هذا أصح، قال عزّ و جل:
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ‏ [سبأ/ 13].
و الْحِرْبَاءُ: دويبة تتلقى الشمس كأنها تحاربها، و الْحِرْبَاءُ: مسمار، تشبيها بالحرباء التي هي دويبة في الهيئة، كقولهم في مثلها: ضبّة و كلب، تشبيها بالضبّ و الكلب.
__________________________________________________
 (1) أخرجه عن مجاهد ابن جرير و ابن أبي حاتم و عبد بن حميد. راجع: الدر المنثور 2/ 182.
 (2) قال ابن فارس: و حرّ البقل: ما يؤكل غير مطبوخ. انظر: المجمل 1/ 211.
 (3) الشطر لعنترة من معلقته، و تمامه:
         فتركن كل قرارة كالدرهم‏

و يروى:
         ... كل عين ثرّة

و هو في ديوانه ص 18، و شرح المعلقات 2/ 16، و اللسان (حرّ)، و المجمل 1/ 155.
 (4) يقال هذا إذا لم يصل إليها بعلها في أول ليلة، فإن تمكّن منها فهي بليلة شيباء. انظر: المجمل 1/ 211.
 (5) الشطر في عمدة الحفاظ: حرب، دون نسبة. عجز بيت لأبي تمام في ديوانه ص 20، و صدره:
          [لمّا رأى الحرب رأي العين توفلس‏]

و هو في الموازنة للآمدي ص 63، و توفلس قائد الروم.

225
مفردات ألفاظ القرآن

حرث ص 226

حرث‏
الْحَرْثُ: إلقاء البذر في الأرض و تهيّؤها للزرع، و يسمّى الْمَحْرُوثُ حرثا، قال اللّه تعالى:
أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ‏ [القلم/ 22]، و تصوّر منه معنى العمارة التي تحصل عنه في قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ‏ [الشورى/ 20]، و قد ذكرت في (مكارم الشريعة) كون الدنيا مَحْرَثاً للناس، و كونهم حُرَّاثاً فيها و كيفية حرثهم «1».
و
رُوِيَ: «أَصْدَقُ الْأَسْمَاءِ الْحَارِثُ» «2».
و ذلك لتصوّر معنى الكسب منه، و
رُوِيَ: «احْرُثْ فِي دُنْيَاكَ لِآخِرَتِكَ» «3».
و تصوّر معنى التهيّج من حرث الأرض، فقيل: حَرَثْتُ النّار، و لما تهيّج به النار مِحْرَثٌ، و يقال: احْرُثِ القرآن، أي: أكثر تلاوته، و حَرَثَ ناقته: إذا استعملها، و
قَالَ مُعَاوِيَةُ «4» لِلْأَنْصَارِ: مَا فَعَلَتْ نَوَاضِحُكُمْ؟ قَالُوا: حَرَثْنَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ.
و قال عزّ و جلّ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ‏ [البقرة/ 223]، و ذلك على سبيل التشبيه، فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان، كما أنّ بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم، و قوله عزّ و جل: وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ‏ [البقرة/ 205]، يتناول الحرثين.
حرج‏
أصل الْحَرَجُ و الْحَرَاجُ مجتمع الشيئين، و تصوّر منه ضيق ما بينهما، فقيل للضيّق: حَرَجٌ، و للإثم حَرَجٌ، قال تعالى: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً [النساء/ 65]، و قال عزّ و جلّ:
وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏ [الحج/ 78]، و قد حَرِجَ صدره، قال تعالى:
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً [الأنعام/ 125]،
__________________________________________________
 (1) انظر باب تفاوت أحوال المتناولين لأعراض الدنيا و ما بعده في كتابه (الذريعة إلى مكارم الشريعة) ص 210- 211.
 (2) الحديث عن ابن مسعود عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «أحبّ الأسماء إلى اللّه ما تعبّد له، و أصدق الأسماء همّام و حارث» أخرجه الشيرازي في الألقاب و الطبراني. قال في فتح الباري: في إسناده ضعف. راجع الفتح الكبير 1/ 46 و كشف الخفاء 1/ 51. و عن أبي وهب الجشمي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «تسمّوا بأسماء الأنبياء، و أحب الأسماء إلى اللّه عبد اللّه و عبد الرحمن، و أصدقها حارث و همام» أخرجه أبو داود، و انظر: معالم السنن 4/ 126، و الترغيب و الترهيب 3/ 85.
 (3) ورد بمعناه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم فيما رواه أنس عنه قال: «أصلحوا دنياكم و اعملوا لآخرتكم كأنكم تموتون غدا» أخرجه في الفردوس، و أخرجه ابن قتيبة من كلام عمرو بن العاص و لم يرفعه. انظر عيون الأخبار 3/ 244.
راجع: الفتح الكبير للسيوطي 1/ 190، و كشف الخفاء 1/ 412.
 (4) انظر غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 295.

226
مفردات ألفاظ القرآن

حرج ص 226

و قرئ حَرِجاً «1»، أي: ضيّقا بكفره، لأنّ الكفر لا يكاد تسكن إليه النفس لكونه اعتقادا عن ظن، و قيل: ضيّق بالإسلام كما قال تعالى:
خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ [البقرة/ 7]، و قوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ‏
 [الأعراف/ 2]، قيل: هو نهي، و قيل: هو دعاء، و قيل: هو حكم منه، نحو: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح/ 1]، و الْمُتَحَرِّجُ و الْمُتَحَوِّبُ: المتجنّب من الحرج و الحوب.
حرد
الْحَرْدُ: المنع من حدّة و غضب، قال عزّ و جلّ: وَ غَدَوْا عَلى‏ حَرْدٍ قادِرِينَ‏ [القلم/ 25]، أي: على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك، و نزل فلان حَرِيداً، أي ممتنعا من مخالطة القوم، و هو حَرِيدُ المحل. و حَارَدَتِ السّنة: منعت قطرها، و الناقة: منعت درّها، و حَرِدَ: غضب، و حَرَّدَهُ كذا، و بعير أَحْرَدُ: في إحدى يديه حَرَدٌ «2»، و الْحُرْدِيَّةُ: حظيرة من قصب.
حرس‏
قال اللّه تعالى: فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً [الجن/ 8]، و الْحَرَسُ و الْحُرَّاسُ جمع حَارِسٍ، و هو حافظ المكان، و الحرز و الْحَرْسُ يتقاربان معنى تقاربهما لفظا، لكن الحرز يستعمل في الناضّ و الأمتعة أكثر، و الْحَرْسُ يستعمل في الأمكنة أكثر، و قول الشاعر:
108-
         فبقيت حَرْساً قبل مجرى داحس             لو كان للنفس اللجوج خلود «3»

قيل: معناه: دهرا «4»، فإن كان الحرس دلالته على الدّهر من هذا البيت فقط فلا يدلّ، فإنّ هذا يحتمل أن يكون مصدرا موضوعا موضع الحال، أي: بقيت حارسا، و يدلّ على معنى الدهر و المدّة لا من لفظ الحرس، بل من مقتضى الكلام.
و أَحْرَسَ معناه: صار ذا حرس، كسائر هذا البناء المقتضي لهذا المعنى «5»، و حَرِيسَةُ الجبل: ما يحرس في الجبل بالليل. قال أبو عبيد: الْحَرِيسَةُ هي الْمَحْرُوسَةُ «6»، و قال: الْحَرِيسَةُ: المسروقة، يقال:
حَرَسَ يَحْرِسُ حَرْساً، و قدّر أنّ ذلك لفظ قد تصوّر من لفظ الحريسة، لأنه جاء عن العرب في معنى السرقة.
حرص‏
الْحِرْصُ: فرط الشّره، و فرط الإرادة. قال‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة نافع و أبي بكر و أبي جعفر. راجع الإتحاف ص 216.
 (2) في اللسان: و بعير أحرد: يخبط بيديه إذا مشى خلفه، و قيل: الحرد: أن ييبس عصب إحدى اليدين من العقال، و هو فصيل.
 (3) البيت للبيد، و هو في ديوانه ص 46، و اللسان (عمر).
 (4) قال ابن فارس: الحرس: الدهر، يقال منه: أحرس بالمكان: إذا أقام به حرسا. راجع: المجمل 1/ 225.
 (5) و ذلك أنّ صيغة «أفعل» من معانيها الصيرورة كما تقدم. ص 82 حاشية 1.
 (6) انظر: غريب الحديث 3/ 99.

227
مفردات ألفاظ القرآن

حرص ص 227

عزّ و جلّ: إِنْ تَحْرِصْ عَلى‏ هُداهُمْ‏ [النحل/ 37]، أي: إن تفرط إرادتك في هدايتهم، و قال تعالى: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى‏ حَياةٍ [البقرة/ 96]، و قال تعالى: وَ ما أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ‏ [يوسف/ 103]، و أصل ذلك من: حَرَصَ القصّار الثوب، أي: قشره بدقّة، و الْحَارِصَةُ: شجّة تقشر الجلد، و الْحَارِصَةُ و الْحَرِيصَةُ: سحابة تقشر الأرض بمطرها «1».
حرض‏
الْحَرَضُ: ما لا يعتدّ به و لا خير فيه، و لذلك يقال لما أشرف على الهلاك: حَرِضَ، قال عزّ و جلّ:
حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً [يوسف/ 85]، و قد أَحْرَضَهُ كذا، قال الشاعر:
109-
         إنّي امرؤ نابني همّ فَأَحْرَضَنِي «2»
و الْحُرْضَةُ: من لا يأكل إلا لحم الميسر لنذالته، و التَّحْرِيضُ: الحثّ على الشي‏ء بكثرة التزيين و تسهيل الخطب فيه، كأنّه في الأصل إزالة الحرض، نحو: مَرَّضْتُهُ و قَذَّيْتُهُ، أي: أزلت عنه المرض و القذى، و أَحْرَضْتُهُ: أفسدته، نحو: أَقْذَيْتُهُ: إذا جعلت فيه القذى.
حرف‏
حَرْفُ الشي‏ء: طرفه، و جمعه: أَحْرُفٌ و حُرُوفٌ، يقال: حرف السيف، و حرف السفينة، و حرف الجبل، و حُرُوفُ الهجاء: أطراف الكلمة، و الْحُرُوفُ العوامل في النحو: أطراف الكلمات الرابطة بعضها ببعض، و ناقة حَرْفٌ «3»، تشبيها بحرف الجبل، أو تشبيها في الدّقة بحرف من حروف الكلمة، قال عزّ و جلّ: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى‏ حَرْفٍ‏ [الحج/ 11]، قد فسّر ذلك بقوله بعده: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى‏ وَجْهِهِ [الحج/ 11]، و في معناه:
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ [النساء/ 143].
و انْحَرَفَ عن كذا، و تَحَرَّفَ، و احْتَرَفَ، و الِاحْتِرَافُ: طلب حرفة للمكسب، و الْحِرْفَةُ: حالته التي يلزمها في ذلك، نحو: القعدة و الجلسة، و الْمُحَارَفُ: المحروم الذي خلا به الخير، و تَحْرِيفُ الشي‏ء: إمالته، كتحريف القلم، و تَحْرِيفُ الكلام:
أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين، قال عزّ و جلّ: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ* [النساء/ 46]، و يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ‏ [المائدة/ 41]، وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 226.
 (2) الشطر للعرجي، و عجزه:
         حتى بليت و حتى شفّني السقم‏

و هو في اللسان (حرض)، و الأفعال 1/ 405.
 (3) هي الناقة الضامرة.

228
مفردات ألفاظ القرآن

حرف ص 228

مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ‏ [البقرة/ 75]، و الْحِرْفُ: ما فيه حرارة و لذع، كأنّه محرّف عن الحلاوة و الحرارة، و طعام حِرِّيفٌ، و
رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» «1».
و ذلك مذكور على التحقيق في «الرّسالة المنبّهة على فوائد القرآن» «2».
حرق‏
يقال: أَحْرَقَ كذا فَاحْتَرَقَ، و الْحَرِيقُ: النّار، و قال تعالى: وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ* [الحج/ 22]، و قال تعالى: فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ‏ [البقرة/ 266]، و قالُوا: حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ‏ [الأنبياء/ 68]، لَنُحَرِّقَنَّهُ‏ [طه/ 97]، و (لَنَحْرُقَنَّهُ) «3»، قرئا معا، فَحَرْقُ الشي‏ء:
إيقاع حرارة في الشي‏ء من غير لهيب، كحرق الثوب بالدّق «4»، و حَرَقَ الشي‏ء: إذا برده بالمبرد، و عنه استعير: حرق الناب، و قولهم: يَحْرُقُ عليّ الأرّم «5»، و حَرَقَ الشعر: إذا انتشر، و ماء حُرَاقٌ:
يحرق بملوحته، و الْإِحْرَاقُ: إيقاع نار ذات لهيب في الشي‏ء، و منه استعير: أَحْرَقَنِي بلومه: إذا بالغ في أذيّته بلوم.
حرك‏
قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ‏ [القيامة/ 16]، الْحَرَكَةُ: ضدّ السكون، و لا تكون إلا للجسم، و هو انتقال الجسم من مكان إلى مكان، و ربّما قيل: تَحَرَّكَ كذا: إذا استحال، و إذا زاد في أجزائه و إذا نقص من أجزائه.
حرم‏
الْحَرَامُ: الممنوع منه إمّا بتسخير إلهي و إمّا بشريّ، و إما بمنع قهريّ، و إمّا بمنع من جهة العقل أو من جهة الشرع، أو من جهة من يرتسم أمره، فقوله تعالى: وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ‏ [القصص/ 12]، فذلك تَحْرِيمٌ بتسخير، و قد حمل على ذلك:
وَ حَرامٌ عَلى‏ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الأنبياء/ 95]، و قوله تعالى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً [المائدة/ 26]، و قيل: بل كان حراما عليهم من جهة القهر لا بالتسخير الإلهي، و قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة/ 72]، فهذا من جهة القهر بالمنع، و كذلك قوله‏
__________________________________________________
 (1) الحديث صحيح متفق عليه، و رواية البخاري: «إنّ هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيّسر منه».
راجع: فتح الباري 9/ 23 كتاب فضائل القرآن، و مسلم 2/ 202، و التمهيد لابن عبد البر 8/ 272.
و قد ذكر أبو شامة في «المرشد الوجيز» هذا الحديث و رواياته كلها فمن أراد التوسع فليرجع إليه، ثم قال: (قال:
أبو عبيد: قد تواترت هذه الأحاديث كلها على الأحرف السبعة). المرشد الوجيز ص 87.
 (2) و انظر: فتح الباري 9/ 25- 30.
 (3) و بها قرأ ابن وردان عن أبي جعفر. راجع الإتحاف ص 307.
 (4) في المجمل 1/ 227 و الحرق في الثوب من الدّق.
 (5) أي: يحك أسنانه بعضها ببعض غيظا.

229
مفردات ألفاظ القرآن

حرم ص 229

تعالى: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ‏ [الأعراف/ 50]، و الْمُحَرَّمُ بالشرع: كتحريم بيع الطعام بالطعام متفاضلا، و قوله عزّ و جلّ: وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى‏ تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ‏ [البقرة/ 85]، فهذا كان محرّما عليهم بحكم شرعهم، و نحو قوله تعالى: قُلْ: لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى‏ طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ...

الآية [الأنعام/ 145]، وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام/ 146]، و سوط مُحَرَّمٌ: لم يدبغ جلده، كأنه لم يحلّ بالدباغ الذي اقتضاه‏
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» «1».
و قيل: بل المحرّم الذي لم يليّن، و الْحَرَمُ: سمّي بذلك لتحريم اللّه تعالى فيه كثيرا مما ليس بمحرّم في غيره من المواضع «2».
و كذلك الشهر الْحَرَامُ، و قيل: رجل حَرَامٌ و حلال، و محلّ و مُحْرِمٌ، قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ‏ [التحريم/ 1]، أي: لم تحكم بتحريم ذلك؟ و كلّ تحريم ليس من قبل اللّه تعالى فليس بشي‏ء، نحو: وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها [الأنعام/ 138]، و قوله تعالى: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* [الواقعة/ 67]، أي: ممنوعون من جهة الجدّ، و قوله: لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ* [الذاريات/ 19]، أي: الذي لم يوسّع عليه الرزق كما وسّع على غيره. و من قال: أراد به الكلب «3»، فلم يعن أنّ ذلك اسم الكلب كما ظنّه بعض من ردّ عليه، و إنما ذلك منه ضرب مثال بشي‏ء، لأنّ الكلب كثيرا ما يحرمه الناس، أي: يمنعونه. و الْمَحْرَمَةُ و الْمَحْرُمَةُ و الْحُرْمَةُ، و اسْتَحْرَمَتِ الماعز كناية عن إرادتها الفحل.
حرى‏
حَرَى الشي‏ء يَحْرِي، أي: قصد حَرَاهُ، أي:
جانبه، و تَحَرَّاهُ كذلك، قال تعالى: فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً [الجن/ 14]، و حَرَى الشي‏ء يَحْرِي:
نقص «4»، كأنه لزم الْحَرَى و لم يمتد، قال الشاعر:
110-
         و المرء بعد تمامه يَحْرِي «5»
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه الدارقطني في سننه عن ابن عمر 1/ 48 و قال: إسناده حسن. و أخرجه أحمد 1/ 219 و النسائي 7/ 173 و ابن ماجة برقم 3609.
 (2) راجع أحكام الحرم في الأشباه و النظائر لابن نجيم ص 438، و تحفة الراكع الساجد ص 76.
 (3) روي أنّ عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة، فجاء كلب فانتزع عمر رحمه اللّه كتف شاة فرمى بها إليه، و قال:
يقولون إنه المحروم. راجع: تفسير القرطبي 17/ 39، و انظر غرائب التفسير 2/ 1140.
 (4) انظر: الأفعال 1/ 421.
 (5) هذا عجز بيت، و شطره:
         حتى كأني خاتل قنصا

 [استدراك‏] و هو لسلمى بن عويّة الضبي في مجالس ثعلب 1/ 246، و هو في الفائق 1/ 275 بدون نسبة، و غريب الخطابي 2/ 50 دون نسبة من المحقق.

230
مفردات ألفاظ القرآن

حرى ص 230

و رماه اللّه بأفعى حَارِيَةٍ «1».
حزب‏
الْحِزْبُ: جماعة فيها غلظ، قال عزّ و جلّ: أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى‏ لِما لَبِثُوا أَمَداً [الكهف/ 12]، أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ‏ [المجادلة/ 19]، و قوله تعالى: وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ‏ [الأحزاب/ 22]، عبارة عن المجتمعين لمحاربة النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم، فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ‏ [المائدة/ 56]، يعني: أنصار اللّه، و قال تعالى:
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ‏ [الأحزاب/ 20]، و بعيده: وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ‏ [الأحزاب/ 22].
حزن‏
الْحُزْنُ و الْحَزَنُ: خشونة في الأرض و خشونة في النفس لما يحصل فيه من الغمّ، و يضادّه الفرح، و لاعتبار الخشونة بالغم قيل: خشّنت بصدره: إذا حزنته، يقال: حَزِنَ يَحْزَنُ، و حَزَنْتُهُ و أَحْزَنْتُهُ قال عزّ و جلّ: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى‏ ما فاتَكُمْ‏ [آل عمران/ 153]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ‏ [فاطر/ 34]، تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً [التوبة/ 92]، إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏ [يوسف/ 86]، و قوله تعالى:
وَ لا تَحْزَنُوا* [آل عمران/ 139]، و لا تَحْزَنْ* [الحجر/ 88]، فليس ذلك بنهي عن تحصيل الحزن، فَالْحُزْنُ ليس يحصل بالاختيار، و لكن النهي في الحقيقة إنما هو عن تعاطي ما يورث الحزن و اكتسابه، و إلى معنى ذلك أشار الشاعر بقوله:
111-
         من سرّه أن لا يرى ما يسوءه             فلا يتخذ شيئا يبالي له فقدا «2»

و أيضا فحثّ للإنسان أن يتصوّر ما عليه جبلت الدنيا، حتى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إياها، و يجب عليه أن يروض نفسه على تحمّل صغار النوب حتى يتوصل بها إلى تحمّل كبارها.
حسَ‏
الْحَاسَّةُ: القوة التي بها تدرك الأعراض الْحِسِّيَّةُ، و الْحَوَاسُّ: المشاعر الخمس، يقال:
حَسَسْتُ و حَسَيْتُ و أَحْسَسْتُ، فَحَسَسْتُ يقال على وجهين:
أحدهما: يقال: أصبته بحسّي، نحو عنته و رعته، و الثاني: أصبت حاسّته، نحو: كبدته و فأدته، و لمّا كان ذلك قد يتولّد منه القتل عبّر به‏
__________________________________________________
 (1) يقال للأفعى إذا كبرت و نقص جسمها حارية، و هي أخبث ما تكون.
 (2) البيت لابن الرومي في ديوانه 2/ 806 بيت مفرد، و هو في محاضرات الأدباء للمؤلف 2/ 325، و بصائر ذوي التمييز 2/ 458، و الذريعة ص 172.
و نسبه الثعالبي لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن طاهر في خاص الخاص ص 133 و ذكر قبله بيتا، و هو الأرجح.

231
مفردات ألفاظ القرآن

حس ص 231

عن القتل، فقيل: حَسَسْتُهُ «1»، أي: قتلته. قال تعالى: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ‏ [آل عمران/ 152]، و الْحَسِيسُ: القتيل، و منه: جراد مَحْسُوسٌ: إذا طبخ «2»، و قولهم: البرد مَحَسَّةٌ للنبت «3»، و انْحَسَّتْ أسنانه: انفعال منه، فأمّا حَسِسْتُ فنحو علمت و فهمت، لكن لا يقال ذلك إلا فيما كان من جهة الحاسة، فأمّا حَسَيْتُ فبقلب إحدى السينين ياء.
و أمّا أَحْسَسْتُهُ فحقيقته: أدركته بحاستي، و أَحَسْتُ مثله، لكن حذفت إحدى السينين تخفيفا نحو: ظلت، و قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى‏ مِنْهُمُ الْكُفْرَ [آل عمران/ 52]، فتنبيه أنه قد ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحسّ فضلا عن الفهم، و كذا قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ‏ [الأنبياء/ 12]، و قوله تعالى: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ [مريم/ 98]، أي: هل تجد بحاستك أحدا منهم؟ و عبّر عن الحركة بِالْحَسِيسِ و الْحِسِّ، قال تعالى:
لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها [الأنبياء/ 102]، و الْحُسَاسُ: عبارة عن سوء الخلق «4»، و جعل على بناء زكام و سعال.
حسب‏
الْحِسَابُ: استعمال العدد، يقال: حَسَبْتُ «5» أَحْسُبُ حِسَاباً و حُسْبَاناً، قال تعالى: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ* [يونس/ 5]، و قال تعالى: وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً [الأنعام/ 96]، و قيل: لا يعلم حسبانه إلا اللّه، و قال عزّ و جل: وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ [الكهف/ 40]، قيل: معناه:
نارا، و عذابا «6»، و إنما هو في الحقيقة ما يُحَاسَبُ عليه فيجازى بحسبه، و
فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي الرِّيحِ: «اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْهَا عَذَاباً وَ لَا حُسْبَاناً» «7».
قال تعالى: فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً [الطلاق/ 8]، إشارة إلى نحو ما
رُوِيَ: «مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ عُذِّبَ» «8».
و قال تعالى: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ‏ [الأنبياء/ 1]،
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 2/ 459.
 (2) في اللسان: و جراد محسوس: إذا مسّته النار أو قتلته.
 (3) أي: يحسّه و يحرقه. انظر: اللسان (حسّ)، و المجمل 1/ 212.
 (4) انظر: المجمل 1/ 212.
 (5) في الأفعال 1/ 364: حسب بفتح السين و كسرها و ضمها.
 (6) و هذا مروي عن ابن عباس. انظر: الدر المنثور 5/ 394.
 (7) الحديث في النهاية من حديث يحيى بن يعمر كان إذا هبت الريح يقول: (لا تجعلها حسبانا أي: عذابا). و أخرجه الطبراني في الكبير مرفوعا: «اللهم اجعلها رحمة و لا تجعلها عذابا». انظر: نزل الأبرار ص 298، و النهاية 1/ 383.
 (8) الحديث صحيح، أخرجه أحمد و عبد بن حميد و البخاري و مسلم و الترمذي، عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:

232
مفردات ألفاظ القرآن

حسب ص 232

نحو: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر/ 1]، وَ كَفى‏ بِنا حاسِبِينَ‏ [الأنبياء/ 47]، و قوله عزّ و جلّ: وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ‏ [الحاقة/ 26]، إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ‏ [الحاقة/ 20]، فالهاء فيها للوقف، نحو:
مالِيَهْ «1» و سُلْطانِيَهْ «2»، و قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ* [آل عمران/ 199]، و قوله عزّ و جلّ: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً [عم/ 36]، فقد قيل: كافيا، و قيل: ذلك إشارة إلى ما قال: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ [النجم/ 39]، و قوله: يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ* [البقرة/ 212]. ففيه أوجه:
الأول: يعطيه أكثر ممّا يستحقه.
و الثاني: يعطيه و لا يأخذه منه.
و الثالث: يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه، كقول الشاعر:
112-
         عطاياه يحصى قبل إحصائها القطر «3»
و الرابع: يعطيه بلا مضايقة، من قولهم:
حَاسَبْتُهُ: إذا ضايقته.
و الخامس: يعطيه أكثر مما يحسبه.
و السادس: أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم، و ذلك نحو ما نبّه عليه بقوله تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ ... الآية [الزخرف/ 33].
و السابع: يعطي المؤمن و لا يحاسبه عليه، و وجه ذلك أنّ المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب و كما يجب، و في وقت ما يجب، و لا ينفق إلا كذلك، و يحاسب نفسه فلا يحاسبه اللّه حسابا يضرّ، كما
رُوِيَ: «مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُحَاسِبْهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» «4».
و الثامن: يقابل اللّه المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم، بل بأكثر منه كما قال عزّ و جل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [البقرة/ 245].
و على هذه الأوجه قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ‏
 [غافر/ 40]، و قوله تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ‏
__________________________________________________
 «ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك»، فقلت: يا رسول اللّه، أ ليس قد قال اللّه تعالى: فأمّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا؟ فقال رسول اللّه: «إنما ذلك العرض، و ليس أحد يناقش الحساب إلا عذّب». انظر: المسند 6/ 91، و فتح الباري، كتاب الرقاق 11/ 40، و مسلم برقم 2876.
 (1) الآية: ما أغنى عنّي ماليه سورة الحاقة: آية 28.
 (2) هلك عنّي سلطانيه سورة الحاقة: آية 29.
 (3) الشطر نسبه المؤلف في «المحاضرات» لدعبل الخزاعي، و فيه (معاليه يحصى قبل إحصائها القطر). انظر:
محاضرات الأدباء 1/ 298.
 (4) عن عمر بن الخطاب قال: إنما يخفّ الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا. أخرجه الترمذي. انظر عارضة الأحوذي 9/ 282، و أحمد في الزهد ص 149.

233
مفردات ألفاظ القرآن

حسب ص 232

أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ [ص/ 39]، و قد قيل:
تصرّف فيه تصرّف من لا يحاسب، أي: تناول كما يجب و في وقت ما يجب و على ما يجب، و أنفقه كذلك. و الْحَسِيبُ و الْمُحَاسِبُ: من يحاسبك، ثم يعبّر به عن المكافئ بالحساب.
و حَسْبُ يستعمل في معنى الكفاية، حَسْبُنَا اللَّهُ* [آل عمران/ 173]، أي:
كافينا هو، و حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ‏ [المجادلة/ 8]، وَ كَفى‏ بِاللَّهِ حَسِيباً* [النساء/ 6]، أي: رقيبا يحاسبهم عليه، و قوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ [الأنعام/ 52]، فنحو قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة/ 105]، و نحوه: وَ ما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى‏ رَبِّي‏ [الشعراء/ 112- 113]، و قيل معناه: ما من كفايتهم عليك، بل اللّه يكفيهم و إياك، من قوله: عَطاءً حِساباً [النبأ/ 36]، أي: كافيا، من قولهم:
حسبي كذا، و قيل: أراد منه عملهم، فسمّاه بالحساب الذي هو منتهى الأعمال. و قيل:
احْتَسَبَ ابْناً له، أي: اعتدّ به عند اللّه، و الْحِسْبَةُ: فعل ما يحتسب به عند اللّه تعالى.
الم* أَ حَسِبَ النَّاسُ‏ [العنكبوت/ 1- 2]، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ‏ [العنكبوت/ 4]، وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ‏ [إبراهيم/ 42]، فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ‏ [إبراهيم/ 47]، أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ* [البقرة/ 214]، فكل ذلك مصدره الحسبان، و الْحِسْبَانُ: أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله، فيحسبه و يعقد عليه الإصبع، و يكون بعرض أن يعتريه فيه شك، و يقارب ذلك الظنّ، لكن الظنّ أن يخطر النقيضين بباله فيغلّب أحدهما على الآخر.
حسد
الْحَسَدُ: تمنّي زوال نعمة من مستحق لها، و ربما كان مع ذلك سعي في إزالتها، و
رُوِيَ:
 «الْمُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَ الْمُنَافِقُ يَحْسُدُ» «1».
و قال تعالى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ‏ [البقرة/ 109]، وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ [الفلق/ 5].
حسر
الْحَسْرُ: كشف الملبس عمّا عليه، يقال:
حَسَرْتُ عن الذراع، و الْحَاسِرُ: من لا درع عليه و لا مغفر، و الْمِحْسَرَةُ: المكنسة، و فلان كريم الْمَحْسَرِ، كناية عن المختبر، و ناقة حَسِيرٌ:
انْحَسَرَ عنها اللحم و القوّة، و نوق حَسْرَى،
__________________________________________________
 (1) الحديث ذكره الغزالي في الإحياء 3/ 186، و قال العراقي: لم أجد له أصلا مرفوعا، و إنما هو من قول الفضيل، كذلك رواه ابن أبي الدنيا في «ذم الحسد».

234
مفردات ألفاظ القرآن

حسر ص 234

و الْحَاسِرُ: المُعْيَى لانكشاف قواه، و يقال للمعيا حَاسِرٌ و مَحْسُورٌ، أمّا الْحَاسِرُ فتصوّرا أنّه قد حسر بنفسه قواه، و أما الْمَحْسُورُ فتصوّرا أنّ التعب قد حسره، و قوله عزّ و جل: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ [الملك/ 4]، يصحّ أن يكون بمعنى حاسر، و أن يكون بمعنى محسور، قال تعالى: فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء/ 29]. و الْحَسْرَةُ: الغمّ على ما فاته و الندم عليه، كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه، أو انحسر قواه من فرط غمّ، أو أدركه إعياء من تدارك ما فرط منه، قال تعالى:
لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏ [آل عمران/ 156]، وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ‏ [الحاقة/ 50]، و قال تعالى: يا حَسْرَتى‏ عَلى‏ ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏ [الزمر/ 56]، و قال تعالى: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ‏ [البقرة/ 167]، و قوله تعالى: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ [يس/ 30]، و قوله تعالى: في وصف الملائكة: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ‏ [الأنبياء/ 19]، و ذلك أبلغ من قولك: (لا يحسرون).
حسم‏
الْحَسْمُ: إزالة أثر الشي‏ء، يقال: قطعه فَحَسَمَهُ، أي: أزال مادّته، و به سمّي السيف حُسَاماً. و حَسْمُ الداء: إزالة أثره بالكيّ، و قيل للشؤم المزيل لأثر من ناله: حُسُومٌ، قال تعالى:
ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً [الحاقة/ 7]، قيل:
حَاسِماً أثرهم، و قيل: حَاسِماً خبرهم، و قيل:
قاطعا لعمرهم. و كل ذلك داخل في عمومه.
حسن‏
الْحُسْنُ: عبارة عن كلّ مبهج مرغوب فيه، و ذلك ثلاثة أضرب:
مُسْتَحْسَنٌ من جهة العقل.
و مستحسن من جهة الهوى.
و مستحسن من جهة الحسّ.
و الْحَسَنَةُ يعبّر عنها عن كلّ ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه و بدنه و أحواله، و السيئة تضادّها. و هما من الألفاظ المشتركة، كالحيوان، الواقع على أنواع مختلفة كالفرس و الإنسان و غيرهما، فقوله تعالى: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا: هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ [النساء/ 78]، أي:
خصب و سعة و ظفر، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي:
جدب و ضيق و خيبة «1»، يَقُولُوا: هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء/ 78]، و قال تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا: لَنا هذِهِ‏ [الأعراف/ 131]، و قوله تعالى: ما أَصابَكَ‏
__________________________________________________
 (1) عن مطرّف بن عبد اللّه قال: ما تريدون من القدر؟ ما يكفيكم الآية التي في سورة النساء: و إن تصبهم حسنة يقولوا: هذه من عند اللّه و إن تصبهم سيّئة يقولوا: هذه من عندك، قل: كلّ من عند اللّه الدر المنثور 2/ 597.

235
مفردات ألفاظ القرآن

حسن ص 235

مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ‏ [النساء/ 79]، أي: من ثواب، وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ [النساء/ 79]، أي: من عقاب. و الفرق بين الحسن و الحسنة و الْحُسْنَى أنّ الْحَسَنَ يقال في الأعيان و الأحداث، و كذلك الْحَسَنَةُ إذا كانت وصفا، و إذا كانت اسما فمتعارف في الأحداث، و الْحُسْنَى لا يقال إلا في الأحداث دون الأعيان، و الحسن أكثر ما يقال في تعارف العامة في المستحسن بالبصر، يقال: رجل حَسَنٌ و حُسَّانٌ، و امرأة حَسْنَاءُ و حُسَّانَةٌ، و أكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة، و قوله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ‏ [الزمر/ 18]، أي: الأبعد عن الشبهة، كما
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «إِذَا شَكَكْتَ فِي شَيْ‏ءٍ فَدَعْ» «1».
وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً [البقرة/ 83]، أي: كلمة حسنة، و قال تعالى: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً [العنكبوت/ 8]، و قوله عزّ و جل: هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ‏ [التوبة/ 52]، و قوله تعالى:
وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏ [المائدة/ 50]، إن قيل: حكمه حسن لمن يوقن و لمن لا يوقن فلم خصّ؟
قيل: القصد إلى ظهور حسنه و الاطلاع عليه، و ذلك يظهر لمن تزكّى و اطلع على حكمة اللّه تعالى دون الجهلة.
و الْإِحْسَانُ يقال على وجهين:
أحدهما: الإنعام على الغير، يقال: أحسن إلى فلان.
و الثاني: إحسان في فعله، و ذلك إذا علم علما حسنا، أو عمل عملا حسنا، و على هذا
قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ: (النَّاسُ أَبْنَاءُ مَا يُحْسِنُونَ) «2».
أي:
منسوبون إلى ما يعلمون و ما يعملونه من الأفعال الحسنة.
قوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ‏ [السجدة/ 7]، و الإحسان أعمّ من الإنعام. قال تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ‏ [الإسراء/ 7]، و قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ‏ [النحل/ 90]، فالإحسان فوق العدل، و ذاك أنّ الْعَدْلَ هو أن يعطي ما عليه، و يأخذ أقلّ مما له، و الْإِحْسَانُ أن يعطي أكثر مما عليه، و يأخذ أقلّ ممّا له «3».
فالإحسان زائد على العدل، فتحرّي العدل‏
__________________________________________________
 (1) ورد بمعناه عن أبي أمامة أنّ رجلا سأل رسول اللّه عن الإثم. قال: إذا حاك في نفسك شي‏ء فدعه. أخرجه أحمد 5/ 252.
 (2) انظر: البصائر 2/ 465، و الذريعة ص 24 و نهج البلاغة ص 674، و فيه: قيمة كلّ امرئ ما يحسنه.
 (3) انظر نهج البلاغة ص 708.

236
مفردات ألفاظ القرآن

حسن ص 235

واجب، و تحرّي الإحسان ندب و تطوّع، و على هذا قوله تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ‏ [النساء/ 125]، و قوله عزّ و جلّ: وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ‏ [البقرة/ 178]، و لذلك عظّم اللّه تعالى ثواب المحسنين، فقال تعالى: وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ‏ [العنكبوت/ 69]، و قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ* [البقرة/ 195]، و قال تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏ [التوبة/ 91]، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ* [النحل/ 30].
حشر
الْحَشْرُ: إخراج الجماعة عن مقرّهم و إزعاجهم عنه إلى الحرب و نحوها، و
رُوِيَ:
 «النِّسَاءُ لَا يُحْشَرْنَ» «1».
أي: لا يخرجن إلى الغزو، و يقال ذلك في الإنسان و في غيره، يقال:
حَشَرَتِ السنة مال بني فلان، أي: أزالته عنهم، و لا يقال الحشر إلا في الجماعة، قال اللّه تعالى:
وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ‏ [الشعراء/ 36]، و قال تعالى: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً [ص/ 19]، و قال عزّ و جلّ: وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ‏ [التكوير/ 5]، و قال: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا [الحشر/ 2]، وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ‏ [النمل/ 17]، و قال في صفة القيامة: وَ إِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً [الأحقاف/ 6]، فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً [النساء/ 172]، وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف/ 47]، و سمي يوم القيامة يوم الْحَشْرِ كما سمّي يوم البعث و النشر، و رجل حَشْرُ الأذنين، أي: في أذنيه انتشار و حدّة.
حصَ‏
حَصْحَصَ الْحَقُ‏ [يوسف/ 51]، أي:
وضح، و ذلك بانكشاف ما يغمره، و حَصَّ و حَصْحَصَ نحو: كفّ و كفكف، و كبّ و كبكب، و حَصَّهُ: قطع منه، إمّا بالمباشرة، و إمّا بالحكم، فمن الأول قول الشاعر:
113-
         قد حَصَّتِ البيضة رأسي «2»
و منه قيل: رَجُلٌ أَحَصُّ: انقطع بعض شعره، و امرأة حَصَّاءُ «3»، و قالوا: رجل أَحَصُّ: يقطع‏
__________________________________________________
 (1) في النهاية: و حديث النساء: (لا يعشرن و لا يحشرن) يعني للغزاة، فإن الغزو لا يجب عليهن. انظر: مادة (حشر)، و أخرج نحوه ابن الجارود في المنتقى ص 101 بسند حسن.
 (2) الشطر لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري و تتمته:
         .... فما             أطعم نوما غير تهجاع‏

و هو في المفضليات ص 284، و المجمل 1/ 214، و اللسان (حصّ).
 (3) أي: مشئومة. انظر: المجمل 1/ 214.

237
مفردات ألفاظ القرآن

حص ص 237

بشؤمه الخيرات عن الخلق، و الْحِصَّةُ: القطعة من الجملة، و تستعمل استعمال النصيب.
حصد
أصل الْحَصْدِ قطع الزرع، و زمن الْحَصَادِ و الْحِصَادِ، كقولك: زمن الجداد و الجداد، و قال تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ‏ [الأنعام/ 141]، فهو الحصاد المحمود في إبّانه، و قوله عزّ و جل: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ‏ [يونس/ 24]، فهو الحصاد في غير إبّانه على سبيل الإفساد، و منه استعير: حَصَدَهُمُ السيف، و قوله عزّ و جل: مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ [هود/ 100]، فَحَصِيدٌ إشارة إلى نحو ما قال:
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنعام/ 45]، وَ حَبَّ الْحَصِيدِ [ق/ 9]، أي: ما يحصد ممّا منه القوت، و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «وَ هَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» «1».
فاستعارة.
و حبل مُحْصَدٌ «2»، و درع حَصْدَاءُ «3»، و شجرة حَصْدَاءُ «4»، كلّ ذلك منه، و تَحَصَّدَ القوم: تقوّى بعضهم ببعض.
حصر
الْحَصْرُ: التضييق، قال عزّ و جلّ:
وَ احْصُرُوهُمْ‏ [التوبة/ 5]، أي: ضيقوا عليهم، و قال عزّ و جل: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً [الإسراء/ 8]، أي: حابسا.
قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ: مِهَاداً «5».
كأنه جعله الحصير المرمول كقوله: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ [الأعراف/ 41] فَحَصِيرٌ في الأول بمعنى الْحَاصِرِ، و في الثاني بمعنى الْمَحْصُورِ، فإنّ الحصير سمّي بذلك لحصر بعض طاقاته على بعض، و قول لبيد:
114-
         و معالم غلب الرّقاب كأنهم             جنّ لدى باب الْحَصِيرِ قيام «6»

أي: لدى سلطان «7»، و تسميته بذلك إمّا لكونه محصورا نحو: محجّب، و إمّا لكونه حاصرا، أي: مانعا لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه، و قوله عزّ و جلّ: وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً [آل عمران/ 39]، فَالْحَصُورُ: الذي‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر من حديث ذكره النووي في أربعينه، و عزاه للترمذي، و قال: حديث حسن صحيح. و هو في عارضة الأحوذي 10/ 88، و أخرجه أحمد 5/ 231، و راجع شرح السنة 1/ 26، و أخرجه ابن ماجة 2/ 1315.
 (2) أي: ممرّ مفتول.
 (3) أي: محكمة.
 (4) أي: كثيرة الورق.
 (5) انظر: الدر المنثور 5/ 245.
 (6) البيت في ديوانه ص 161.
 (7) و في نسخة: لدى باب الملك.

238
مفردات ألفاظ القرآن

حصر ص 238

لا يأتي النساء، إمّا من العنّة، و إمّا من العفّة و الاجتهاد في إزالة الشهوة. و الثاني أظهر في الآية، لأنّ بذلك تستحق المحمدة، و الْحَصْرُ و الْإِحْصَارُ: المنع من طريق البيت، فالإحصار يقال في المنع الظاهر كالعدوّ، و المنع الباطن كالمرض، و الحصر لا يقال إلا في المنع الباطن، فقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ‏ [البقرة/ 196]، فمحمول على الأمرين، و كذلك قوله:
لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 273]، و قوله عزّ و جل: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ‏ [النساء/ 90]، أي:
ضاقت «1» بالبخل و الجبن، و عبّر عنه بذلك كما عبّر عنه بضيق الصدر، و عن ضده بالبر و السعة.
حصن‏
الْحِصْنُ جمعه حُصُونٌ، قال اللّه تعالى:
مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ‏ [الحشر/ 2]، و قوله عزّ و جل: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ [الحشر/ 14]، أي: مجعولة بالإحكام كالحصون، و تَحَصَّنَ: إذا اتخذ الحصن مسكنا، ثم يتجوّز به في كلّ تحرّز، و منه: درع حَصِينَةٌ، لكونها حصنا للبدن و فرس حِصَانٌ: لكونه حصنا لراكبه، و بهذا النظر قال الشاعر:
115-
         أنّ الْحُصُونَ الخيل لا مدر القرى «2»
و قوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ‏ [يوسف/ 48]، أي: تحرزون في المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن، و امرأة حَصَانٌ و حَاصِنٌ، و جمع الحصان: حُصُنٌ، و جمع الحاصن حَوَاصِنُ، و يقال: حَصَانٌ للعفيفة، و لذات حرمة، و قال تعالى: وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [التحريم/ 12].
و أَحْصَنَتْ و حَصَنَتْ، قال اللّه تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ‏ [النساء/ 25]، أي:
تزوّجن، أُحْصِنَّ: زوّجن، و الْحَصَانُ في الجملة: الْمُحْصَنَةُ، إما بعفّتها، أو تزوّجها، أو بمانع من شرفها و حريتها.
و يقال: امرأة مُحْصَنٌ و مُحْصِنٌ، فالمُحْصِن يقال: إذا تصوّر حصنها من نفسها، و المُحْصَن يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها، و قوله عزّ و جل: وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ‏ [النساء/ 25]، و بعده: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ‏ [النساء/ 25]، و لهذا قيل: الْمُحْصَنَاتُ: المزوّجات، تصوّرا أنّ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الدر المنثور 2/ 613، و تفسير غريب القرآن ص 134.
 (2) هذا عجز بيت للأسعر الجعفي، شاعر جاهلي، و صدره:
         و لقد علمت على تجشمي الردى‏

و هو في الأصمعيات ص 141، و البصائر 2/ 472، و الحيوان 1/ 346.

239
مفردات ألفاظ القرآن

حصن ص 239

زوجها هو الذي أحصنها، و الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [النساء/ 24] بعد قوله: حُرِّمَتْ [النساء/ 23]، بالفتح لا غير، و في سائر المواضع بالفتح و الكسر، لأنّ اللواتي حرم التزوج بهن المزوّجات دون العفيفات، و في سائر المواضع يحتمل الوجهين.
حصل‏
التَّحْصِيلُ: إخراج اللبّ من القشور، كإخراج الذهب من حجر المعدن، و البرّ من التّبن. قال اللّه تعالى: وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ [العاديات/ 10]، أي: أظهر ما فيها و جمع، كإظهار اللبّ من القشر و جمعه، أو كإظهار الحاصل من الحساب، و قيل للحثالة: الْحَصِيلُ، و حَصِلَ الفرس: إذا اشتكى بطنه عن أكله «1»، و حَوْصَلَةُ الطير: ما يحصل فيه الغذاء.
حصا
الْإِحْصَاءُ: التحصيل بالعدد، يقال: قد أَحْصَيْتُ كذا، و ذلك من لفظ الْحَصَى، و استعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعدّ كاعتمادنا فيه على الأصابع، قال اللّه تعالى:
وَ أَحْصى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ عَدَداً [الجن/ 28]، أي: حصّله و أحاط به. و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ» «2».
و
قَالَ: «نَفْسٌ تَنْجِيهَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ إِمَارَةٍ لَا تُحْصِيهَا» «3».
أي: تريحها من العذاب، أي: أن تشتغل بنفسك خير لك من أن تشتغل بالإمارة.
و قال تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ‏ [المزمل/ 20]، و
رُوِيَ: «اسْتَقِيمُوا وَ لَنْ تُحْصُوا» «4».
أي: لن تحصلوا ذلك، و وجه تعذّر
__________________________________________________
 (1) في المجمل 1/ 237، و حصل الفراس: إذا اشتكى بطنه من أكل التراب.
 (2) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ للّه تسعة و تسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة، إنه وتر يحبّ الوتر».
أخرجه البخاري و مسلم و أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة و ابن حبّان و الطبراني و البيهقي في الأسماء و الصفات.
انظر: الدر المنثور 3/ 613، و الأسماء و الصفات ص 13، و سنن ابن ماجة 2/ 1269، و فتح الباري 5/ 262 في الشروط، و مسلم (2677)، و المسند 2/ 258.
 (3) الحديث عن عبد اللّه بن عمر قال: جاء حمزة بن عبد المطلب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال: يا رسول اللّه، اجعلني على شي‏ء أعيش به، فقال رسول اللّه: «يا حمزة نفسك تحييها أحبّ إليك أم نفس تميتها»؟ قال: بل نفس أحييها، قال: «عليك بنفسك» أخرجه أحمد في مسنده 2/ 175 و في إسناده ابن لهيعة، و انظر الترغيب و الترهيب.
 (4) الحديث عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «استقيموا و لن تحصوا، و اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن». الحديث صحيح، أخرجه مالك في الموطأ 1/ 34 في الطهارة، و أحمد في مسنده 5/ 280، و ابن ماجة 1/ 101، و الحاكم في المستدرك 1/ 130، و انظر: شرح السنة 1/ 327.

240
مفردات ألفاظ القرآن

حصا ص 240

إحصائه و تحصيله هو أنّ الحقّ واحد، و الباطل كثير بل الحقّ بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة، و كالمرمى من الهدف، فإصابة ذلك شديدة، و إلى هذا أشار ما
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ وَ أَخَوَاتُهَا»، فَسُئِلَ: مَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنْهَا؟ فَقَالَ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ «1».
و قال أهل اللغة:
 (لن تُحْصُوا) أي: لا تحصوا ثوابه.
حضَ‏
الْحَضُّ: التحريض كالحثّ، إلا أنّ الْحَثَّ يكون بسوق و سير، و الحضّ لا يكون بذلك «2».
و أصله من الحثّ على الْحَضِيضِ، و هو قرار الأرض، قال اللّه تعالى: وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ* [الحاقة/ 34].
حضب‏
الْحَضَبُ: الوقود، و يقال لما تسعّر به النار:
مِحْضَبٌ، و قرئ: (حَضَبُ جهنّم) «3».
حضر
الْحَضَرُ: خلاف البدو، و الْحَضَارَةُ و الْحِضَارَةُ: السكون بالحضر، كالبداوة و البداوة، ثمّ جعل ذلك اسما لشهادة مكان أو إنسان أو غيره، فقال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏ [البقرة/ 180]، نحو: حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ [الأنعام/ 61]، وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ [النساء/ 8]، و قال تعالى: وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ‏ [النساء/ 128]، عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ‏ [التكوير/ 14]، و قال: وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ‏ [المؤمنون/ 98]، و ذلك من باب الكناية، أي:
أن يحضرني الجن، و كني عن المجنون بِالْمُحْتَضَرِ و عمّن حضره الموت بذلك، و ذلك لما نبّه عليه قوله عزّ و جل: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق/ 16]، و قوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ [الأنعام/ 158]، و قال تعالى: ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً [آل عمران/ 30]، أي: مشاهدا معاينا في حكم الحاضر عنده، و قوله عزّ و جلّ: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف/ 163]،
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» عن أبي علي السري رضي اللّه عنه قال: رأيت النبي صلّى اللّه عليه و سلم فقلت: يا رسول اللّه روي عنك أنك قلت: شيبتني هود؟ قال: «نعم»، فقلت: ما الذي شيّبك منه، قصص الأنبياء و هلاك الأمم؟ قال: «لا و لكن قوله: فاستقم كما أمرت». [آية 112].
و عن ابن عباس قال: قال أبو بكر: يا رسول اللّه قد شبت، قال صلّى اللّه عليه و سلم: «شيبتني هود و الواقعة و المرسلات و عمّ يتساءلون و إذا الشّمس كوّرت». أخرجه الترمذي و حسّنه، و الحاكم 2/ 343 و صححه و وافقه الذهبي، انظر: الدر المنثور 4/ 396- 398، و شرح السنة 14/ 372.
 (2) انظر: المجمل 1/ 214.
 (3) سورة الأنبياء الآية 98. و هي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس و اليماني. راجع: المحتسب 2/ 66، و البحر 6/ 340.

241
مفردات ألفاظ القرآن

حضر ص 241

أي: قربه، و قوله: تِجارَةً حاضِرَةً [البقرة/ 282]، أي: نقدا، و قوله تعالى:
وَ إِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ‏ [يس/ 32]، و فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ* [سبأ/ 38]، شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر/ 28]، أي:
يحضره أصحابه، و الْحُضْرُ: خصّ بما يحضر به الفرس إذا طلب جريه، يقال: أَحْضَرَ الفرس، و اسْتَحْضَرْتُهُ: طلبت ما عنده من الحضر، و حَاضَرْتُهُ مُحَاضَرَةً و حِضَاراً: إذا حاججته، من الحضور، كأنه يحضر كلّ واحد حجّته، أو من الحضر كقولك: جاريته، و الْحَضِيرَةُ: جماعة من الناس يحضر بهم الغزو، و عبّر به عن حضور الماء، و الْمَحْضَرُ يكون مصدر حضرت، و موضع الحضور.
حطَّ
الْحَطُّ: إنزال الشي‏ء من علو، و قد حَطَطْتُ الرجل، و جارية مَحْطُوطَةُ المتنين، أي: ملساء غير مختلفة و لا داخلة، أي: مستوية الظهر، و قوله تعالى: وَ قُولُوا حِطَّةٌ* [البقرة/ 58]، كلمة أمر بها بنو إسرائيل، و معناه: حطّ عنا ذنوبنا «1»، و قيل: معناه: قولوا صوابا.
حطب‏
قال تعالى: فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [الجن/ 15]، أي: ما يعدّ للإيقاد، و قد حَطَبْتُ حَطَباً «2» و احْتَطَبْتُ، و قيل للمخلّط في كلامه: حَاطِبٌ ليل، لأنّه لا يبصر ما يجعله في حبله، و حَطَبْتُ لفلان حَطَباً: عملته له، و مكان حَطِيبٌ: كثير الحطب، و ناقة مُحَاطِبَةٌ: تأكل الحطب، و قوله تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏ [المسد/ 4]، كناية عنها بالنميمة، و حَطَبَ فلان بفلان: سعى به، و فلان يوقد بِالْحَطَبِ الجزل: كناية عن ذلك «3».
حطم‏
الْحَطْمُ: كسر الشي‏ء مثل الهشم و نحوه، ثمّ استعمل لكلّ كسر متناه، قال اللّه تعالى: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ‏ [النمل/ 18]، و حَطَمْتُهُ فَانْحَطَمَ حَطْماً، و سائقٌ حُطَمٌ: يحطم الإبل لفرط سوقه، و سميت الجحيم حُطَمَةً، قال اللّه تعالى في الحطمة: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ [الهمزة/ 5]، و قيل للأكول: حُطَمَةٌ، تشبيها بالجحيم، تصوّرا لقول الشاعر:
116-
         كأنّما في جوفه تنّور «4»
و درع حُطَمِيَّةٌ: منسوبة إلى ناسجها أو
__________________________________________________
 (1) تفسير غريب القرآن ص 50.
 (2) انظر: الأفعال 1/ 389.
 (3) قال الجرجاني: و العرب تقول: فلان يحمل الحطب: إذا كان نماما، و قالوا: هو يوقد بين الناس الحطب الرطب، و في معناه: يمشي بالحطب الرطب. انظر المنتخب من كنايات الأدباء ص 12.
 (4) الشطر في عمدة الحفاظ (حطم)، و مجمع البلاغة 2/ 577.

242
مفردات ألفاظ القرآن

حطم ص 242

مستعملها، و حَطِيمٌ و زمزم: مكانان، و الْحُطَامُ:
ما يتكسّر من اليبس، قال عزّ و جل: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً [الزمر/ 21].
حظَّ
الْحَظُّ: النصيب المقدّر، و قد حَظِظْتُ و حُظِظْتُ فأنا مَحْظُوظٌ، و قيل في جمعه: أَحَاظٍ و أَحُظٌّ، قال اللّه تعالى: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ‏ [المائدة/ 14]، و قال تعالى: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ* [النساء/ 11].
حظر
الْحَظْرُ: جمع الشي‏ء في حَظِيرَةٍ، و الْمَحْظُورُ: الممنوع، و الْمُحْتَظِرُ: الذي يعمل الحظيرة. قال تعالى: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ [القمر/ 31]، و قد جاء فلان بالحَظِرِ الرّطب، أي: الكذب المستبشع «1».
حفَ‏
قال عزّ و جلّ: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ‏ [الزمر/ 75]، أي: مطيفين بِحَافَّتَيْهِ، أي: جانبيه، و منه‏
قَوْلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَحُفُّهُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا» «2».
و قال الشاعر:
117-
         له لحظات في حِفَافَيْ سريره «3»
و جمعه: أَحِفَّةٌ، و قال عزّ و جل: وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ‏ [الكهف/ 32]، و فلان في حَفَفٍ من العيش، أي: في ضيق، كأنه حصل في حَفَفٍ منه، أي: جانب، بخلاف من قيل فيه: هو في واسطة من العيش.
و منه قيل: من حَفَّنَا أو رفّنا فليقتصد «4»
، أي:
من تفقد حفف عيشنا.
و حَفِيفُ الشجر و الجناح: صوتهما، فذلك حكاية صوتهما، و الْحَفُّ: آلة النساج، سمّي بذلك لما يسمع من حَفِّهِ، و هو صوت حركته.
حفد
قال اللّه تعالى: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً [النحل/ 72]، جمع حَافِدٍ، و هو المتحرّك المتبرّع بالخدمة، أقارب كانوا أو أجانب، قال المفسرون: هم الأسباط و نحوهم، و ذلك أنّ خدمتهم أصدق، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 242، و متخيّر الألفاظ ص 59.
 (2) الحديث: «إنّ طالب العلم تحفّه الملائكة بأجنحتها». أخرجه أحمد 4/ 240 و إسناده جيد، و الطبراني و اللفظ له. و انظر الترغيب و الترهيب 1/ 54.
 (3) هذا شطر بيت، و عجزه:
         إذا كرها فيها عقاب و نائل‏

و هو لابن هرمة. و البيت في الأغاني 10/ 5، و 5/ 172، و غرر الخصائص الواضحة ص 241.
 (4) قال الزمخشري: و من المجاز: فلان يحفّنا و يرفّنا، أي: يضمنا و يؤوينا. انظر: أساس البلاغة ص 89. و قال في اللسان: من حفّنا أو رفّنا فليقتصد، مثل، أي: من مدحنا فلا يغلونّ في ذلك و لكن ليتكلّم بالحق منه.
و انظر الأمثال لأبي عبيد ص 45.

243
مفردات ألفاظ القرآن

حفد ص 243

118-
         حَفَدَ الولائد بينهنّ «1»
و فلان مَحْفُودٌ، أي: مخدوم، و هم الأختان و الأصهار، و
فِي الدُّعَاءِ: «إِلَيْكَ نَسْعَى وَ نَحْفِدُ» «2».
و سيف مُحْتَفِدٌ: سريع القطع، قال الأصمعي: أصل الْحَفْدِ: مداركة الخطو.
حفر
قال تعالى: وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ [آل عمران/ 103]، أي: مكان مَحْفُورٍ، و يقال لها: حَفِيرَةٌ. و الْحَفَرُ: التراب الذي يخرج من الحفرة، نحو: نقض لما ينقض، و الْمِحْفَارُ و الْمِحْفَرُ و الْمِحْفَرَةُ: ما يحفر به، و سمّي حَافِرُ الفرس تشبيها لحفره في عدوه، و قوله عزّ و جل:
أَ إِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ [النازعات/ 10]، مثل لمن يردّ من حيث جاء، أي: أ نحيا بعد أن نموت «3»؟.
و قيل: الْحَافِرَةُ: الأرض التي جعلت قبورهم، و معناه: أ إنّا لمردودون و نحن في الحافرة؟ أي:
في القبور، و قوله: فِي الْحافِرَةِ
 على هذا في موضع الحال.
و قيل: رجع على حَافِرَتِهِ «4»
، و رجع الشيخ إلى حَافِرَتِهِ، أي: هرم، نحو قوله تعالى:
وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ* [النحل/ 70]، و قولهم: (النقد عند الْحَافِرَةِ) «5»، لما يباع نقدا، و أصله في الفرس إذا بيع، فيقال: لا يزول حَافِرُهُ أو ينقد ثمنه، و الْحَفْرُ: تأكّل الأسنان، و قد حَفَرَ فوه حَفْراً، و أَحْفَرَ المهر للإثناء و الإرباع «6».
حفظ
الْحِفْظُ يقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدي إليه الفهم، و تارة لضبط الشي‏ء في النفس، و يضادّه النسيان، و تارة لاستعمال تلك القوة، فيقال: حَفِظْتُ كذا حِفْظاً، ثم يستعمل في كلّ تفقّد و تعهّد و رعاية، قال اللّه تعالى: وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ* [يوسف/ 12]، حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ‏ [البقرة/ 238]، وَ الَّذِينَ هُمْ*
__________________________________________________
 (1) البيت:
         حفد الولائد حولهنّ و أسلمت             بأكفهنّ أزمّة الأجمال‏
و نسب للأخطل في غريب الحديث 3/ 374، و ليس في ديوانه، و هو في اللسان (حفد).
 (2) الدعاء جاء عن عمر بن الخطاب أنّه قنت به في الصبح بعد الركوع فذكره بطوله، انظر: (الأذكار)، باب القنوت في الصبح، و نزل الأبرار ص 90، و غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 374، و أخرجه ابن أبي شيبة 3/ 106.
أقول: قال أبو الحسن بن المنادي في كتابه (الناسخ و المنسوخ): و ممّا رفع رسمه من القرآن، و لم يرفع من القلوب حفظه سورتا القنوت في الوتر، و تسمى سورتي الخلع و الحفد. انظر: الإتقان 2/ 34.
 (3) انظر: المجمل 1/ 243.
 (4) راجع: أساس البلاغة ص 88، و المجمل 1/ 244، و مجمع الأمثال 1/ 308.
 (5) انظر: الكشاف للزمخشري 4/ 181، و مجمع الأمثال 2/ 337، و المجموع المغيث 1/ 467.
 (6) في الأفعال 1/ 348 و أحفر المهر للإثناء و الإرباع: سقطت ثناياه و رباعياته.

244
مفردات ألفاظ القرآن

حفظ ص 244

لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* [المؤمنون/ 5]، وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ‏ [الأحزاب/ 35]، كناية عن العفّة، حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ‏ [النساء/ 34]، أي:
يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهن بسبب أنّ اللّه تعالى يحفظهنّ، أي: يطّلع عليهنّ، و قرئ:
بِما حَفِظَ اللَّهَ «1» بالنصب، أي: بسبب رعايتهن حقّ اللّه تعالى لا لرياء و تصنّع منهن، و فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً* [الشورى/ 48]، أي: حافظا، كقوله: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق/ 45]، وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ* [الأنعام/ 107]، فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً [يوسف/ 64]، و قرئ: حِفْظا «2» أي: حفظه خير من حفظ غيره، وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ [ق/ 4]، أي: حافظ لأعمالهم فيكون حَفِيظٌ
 بمعنى حافظ، نحو قوله تعالى: اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ‏ [الشورى/ 6]، أو معناه: محفوظ لا يضيع، كقوله تعالى: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى‏ [طه/ 52]، و الْحِفَاظُ: الْمُحَافَظَةُ، و هي أن يحفظ كلّ واحد الآخر، و قوله عزّ و جل: وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ‏ [المؤمنون/ 9]، فيه تنبيه أنهم يحفظون الصلاة بمراعاة أوقاتها و مراعاة أركانها، و القيام بها في غاية ما يكون من الطوق، و أنّ الصلاة تحفظهم الحفظ الذي نبّه عليه في قوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ [العنكبوت/ 45]، و التَّحَفُّظُ: قيل: هو قلّة الغفلة «3»، و حقيقته إنما هو تكلّف الحفظ لضعف القوة الحافظة، و لمّا كانت تلك القوة من أسباب العقل توسّعوا في تفسيرها كما ترى. و الْحَفِيظَةُ:
الغضب الذي تحمل عليه المحافظة أي: ما يجب عليه أن يحفظه و يحميه. ثم استعمل في الغضب المجرّد، فقيل: أَحْفَظَنِي فلان، أي:
أغضبني.
حفى‏
الْإِحْفَاءُ في السؤال: التّترّع «4» في الإلحاح في المطالبة، أو في البحث عن تعرّف الحال، و على الوجه الأول يقال: أَحْفَيْتُ السؤال، و أَحْفَيْتُ فلانا في السؤال، قال اللّه تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا [محمد/ 37]، و أصل ذلك من: أَحْفَيْتُ الدابة: جعلتها حافيا، أي: منسحج «5» الحافر، و البعير: جعلته منسحج‏
__________________________________________________
 (1) و بها قرأ أبو جعفر المدني. انظر: الإتحاف ص 189.
 (2) و هي قراءة نافع و أبي جعفر و ابن عامر و أبي عمرو و يعقوب و شعبة عن عاصم. انظر: الإتحاف ص 266.
 (3) انظر: المجمل 1/ 244، و البصائر 2/ 481.
 (4) التّترّع: التسرّع.
 (5) أي مقشّر الحافر، يقال: سحجت جلده فانسحج، أي: قشرته فانقشر.

245
مفردات ألفاظ القرآن

حفى ص 245

الخفّ من المشي حتى يرقّ، و قد حَفِيَ «1» حَفاً و حُفْوَةً، و منه: أَحْفَيْتُ الشّارب: أخذته أخذا متناهيا، و الْحَفِيُّ: البرّ اللطيف في قوله عزّ و جلّ: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا [مريم/ 47]، و يقال: حَفَيْتُ بفلان و تَحَفَّيْتُ به: إذا عنيت بإكرامه، و الْحَفِيُّ: العالم بالشي‏ء.
حقَ‏
أصل الْحَقِّ: المطابقة و الموافقة، كمطابقة رجل الباب في حقّه «2» لدورانه على استقامة.
و الْحَقُّ يقال على أوجه:
الأول: يقال لموجد الشي‏ء بسبب ما تقتضيه الحكمة، و لهذا قيل في اللّه تعالى: هو الحقّ «3»، قال اللّه تعالى: وَ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ‏ «4»، و قيل بعيد ذلك: فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ‏ [يونس/ 32].
و الثاني: يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة، و لهذا يقال: فعل اللّه تعالى كلّه حق، نحو قولنا: الموت حق، و البعث حق، و قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً [يونس/ 5]، إلى قوله: ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ‏ [يونس/ 5]، و قال في القيامة: وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌ‏ [يونس/ 53]، و لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ‏ [البقرة/ 146]، و قوله عزّ و جلّ: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ* [البقرة/ 147]، وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ‏ [البقرة/ 149].
و الثالث: في الاعتقاد للشي‏ء المطابق لما عليه ذلك الشي‏ء في نفسه، كقولنا: اعتقاد فلان في البعث و الثواب و العقاب و الجنّة و النّار حقّ، قال اللّه تعالى: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ‏ [البقرة/ 213].
و الرابع: للفعل و القول بحسب ما يجب و بقدر ما يجب، و في الوقت الذي يجب، كقولنا:
فعلك حقّ و قولك حقّ، قال تعالى: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ* [يونس/ 33]، و حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ‏ [السجدة/ 13]، و قوله عزّ و جلّ: وَ لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ‏ [المؤمنون/ 71]، يصح أن يكون المراد به اللّه تعالى، و يصحّ أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة. و يقال: أَحْقَقْتُ كذا، أي: أثبتّه حقا، أو حكمت بكونه حقا، و قوله‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 1/ 374.
 (2) هي عقب الباب.
 (3) راجع: الأسماء و الصفات ص 26.
 (4) سورة يونس آية 30.

246
مفردات ألفاظ القرآن

حق ص 246

تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَ‏ [الأنفال/ 8] فَإِحْقَاقُ الحقّ على ضربين.
أحدهما: بإظهار الأدلّة و الآيات، كما قال تعالى: وَ أُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً [النساء/ 91]، أي: حجة قوية.
و الثاني: بإكمال الشريعة و بثّها في الكافّة، كقوله تعالى: وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [الصف/ 8]، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* [التوبة/ 33]، و قوله: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة/ 1]، إشارة إلى القيامة، كما فسّره بقوله: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ [المطففين/ 6]، لأنه يحقّ فيه الجزاء، و يقال: حَاقَقْتُهُ فَحَقَقْتُهُ، أي خاصمته في الحقّ فغلبته، و
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (إِذَا النِّسَاءُ بَلَغْنَ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى فِي ذَلِكَ) «1».
و فلان نَزِقُ الْحِقَاقِ: إذا خاصم في صغار الأمور «2»، و يستعمل استعمال الواجب و اللازم و الجائز نحو: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الروم/ 47]، كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ‏ [يونس/ 103]، و قوله تعالى:
حَقِيقٌ عَلى‏ أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ‏ [الأعراف/ 105]، قيل معناه: جدير، و قرئ:
حَقِيقٌ عَليَّ «3» قيل: واجب، و قوله تعالى:
وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ‏ [البقرة/ 228]، و الْحَقِيقَةُ تستعمل تارة في الشي‏ء الذي له ثبات و وجود،
كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ لِحَارِثٍ: «لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةٌ، فَمَا حَقِيقَةُ إِيمَانِكَ؟» «4».
أي: ما الذي ينبئ عن كون ما تدّعيه حقّا؟
و فلان يحمي حقيقته، أي: ما يحقّ عليه أن يحمى. و تارة تستعمل في الاعتقاد كما تقدّم، و تارة في العمل و في القول، فيقال: فلان لفعله حقيقة: إذا لم يكن مرائيا فيه، و لقوله حقيقة: إذا لم يكن مترخّصا و متزيدا، و يستعمل في ضدّه المتجوّز و المتوسّع و المتفسّح، و قيل: الدنيا باطل، و الآخرة حقيقة، تنبيها على زوال هذه‏
__________________________________________________
 (1) المعنى أنّ الجارية ما دامت صغيرة فأمّها أولى بها، فإذا بلغت فالعصبة أولى بأمرها. انظر النهاية 1/ 414، و نهج البلاغة 2/ 314، و نسبه لعليّ بن أبي طالب.
 (2) انظر: المجمل 1/ 215.
 (3) و بها قرأ نافع وحده. انظر: الإتحاف ص 217.
 (4) عن صالح بن مسمار أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال لحارث بن مالك: كيف أنت؟ أو: ما أنت يا حارث؟ قال: مؤمن يا رسول اللّه، قال: مؤمن حقا؟ قال: مؤمن حقا. قال: لكلّ حقّ حقيقة، فما حقيقة ذلك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي و أظمأت نهاري، و كأني انظر إلى عرش ربي عزّ و جل، و كأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، و كأني أسمع عواء أهل النار، فقال رسول اللّه: «مؤمن نوّر اللّه قلبه». أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 106 مرسلا و البزار و الطبراني، و هو حديث معضل. انظر: الإصابة 1/ 289، و مجمع الزوائد 1/ 57.

247
مفردات ألفاظ القرآن

حق ص 246

و بقاء تلك، و أمّا في تعارف الفقهاء و المتكلمين فهي اللفظ المستعمل فيما وضع له في أصل اللغة «1». و الْحِقُّ من الإبل: ما استحقّ أن يحمل عليه، و الأنثى: حِقَّةٌ، و الجمع: حِقَاقٌ، و أتت النّاقة على حقّها «2»، أي: على الوقت الذي ضربت فيه من العام الماضي.
حقب‏
قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً [النبأ/ 23]، قيل: جمع الْحُقُبِ، أي: الدهر «3».
قيل: و الْحِقْبَةُ ثمانون عاما، و جمعها حِقَبٌ، و الصحيح أنّ الْحِقْبَةَ مدّة من الزمان مبهمة، و الِاحْتِقَابُ: شدّ الْحَقِيبَةِ من خلف الراكب، و قيل: احْتَقَبَهُ و اسْتَحْقَبَهُ، و حَقِبَ البعير «4»: تعسّر عليه البول لوقوع حَقَبِهِ في ثيله «5»، و الْأَحْقَبُ:
من حمر الوحش، و قيل: هو الدقيق الحقوين، و قيل: هو الأبيض الحقوين، و الأنثى حَقْبَاءُ.
حقف‏
قوله تعالى: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ‏ [الأحقاف/ 21]، جمع الْحِقْفِ، أي: الرمل المائل، و ظبي حَاقِفٌ: ساكن للحقف، و احْقَوْقَفَ: مال حتى صار كحقف، قال:
119-
         سماوة الهلال حتى احْقَوْقَفَا «6»
حكم‏
حَكَمَ أصله: منع منعا لإصلاح، و منه سميت اللّجام: حَكَمَةَ الدابّة، فقيل: حَكَمْتُهُ و حَكَمْتُ الدّابة: منعتها بالحكمة، و أَحْكَمْتُهَا: جعلت لها حكمة، و كذلك: حَكَمْتُ السفيه و أَحْكَمْتُهُ، قال الشاعر:
120-
         أ بني حنيفة أَحْكِمُوا سفهاءكم «7»

و قوله: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ [السجدة/ 7]، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏ [الحج/ 52]، و الْحُكْمُ بالشي‏ء: أن تقضي بأنّه كذا، أو ليس بكذا، سواء ألزمت ذلك غيره أو لم تلزمه، قال تعالى: وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ‏ [النساء/ 58]، يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ‏ [المائدة/ 95]، و قال:
__________________________________________________
 (1) انظر: شرح تنقيح الفصول للقرافي ص 42.
 (2) انظر: اللسان (حقق) 10/ 55.
 (3) انظر: المجمل 1/ 245.
 (4) انظر: الأفعال 1/ 367.
 (5) الحقب: حبل يلي الثيل، و الثّيل: وعاء قضيب البعير.
 (6) الرجز للعجاج، و هو في ديوانه ص 496، و المجمل 1/ 246.
 (7) الشطر لجرير، و هو في ديوانه ص 47، و المجمل 1/ 246، و أساس البلاغة ص 91. و عجزه:
         إني أخاف عليكم أن أغضبا.

248
مفردات ألفاظ القرآن

حكم ص 248

121-
         فَاحْكُمْ كَحُكْمِ فتاة الحيّ إذا نظرت             إلى حمام سراع وارد الثّمد «1»

و الثّمد: الماء القليل، و قيل معناه: كن حكيما.
و قال عزّ و جلّ: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ‏ [المائدة/ 50]، و قال تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ‏ [المائدة/ 50]، و يقال: حَاكِمٌ و حُكَّامٌ لمن يحكم بين الناس، قال اللّه تعالى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ‏ [البقرة/ 188]، و الْحَكَمُ: المتخصص بذلك، فهو أبلغ. قال اللّه تعالى: أَ فَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً [الأنعام/ 114]، و قال عزّ و جلّ:
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها [النساء/ 35]، و إنما قال: حَكَماً
 و لم يقل: حاكما، تنبيها أنّ من شرط الحكمين أن يتوليا الحكم عليهم و لهم حسب ما يستصوبانه من غير مراجعة إليهم في تفصيل ذلك، و يقال الحكم للواحد و الجمع، و تَحَاكَمْنَا إلى الحاكم.
قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ‏ [النساء/ 60]، و حَكَّمْتُ فلانا، قال تعالى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ‏ [النساء/ 65]، فإذا قيل: حَكَمَ بالباطل، فمعناه:
أجرى الباطل مجرى الحكم. و الْحِكْمَةُ: إصابة الحق بالعلم و العقل، فالحكمة من اللّه تعالى:
معرفة الأشياء و إيجادها على غاية الإحكام، و من الإنسان: معرفة الموجودات و فعل الخيرات.
و هذا هو الذي وصف به لقمان في قوله عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [لقمان/ 12]، و نبّه على جملتها بما وصفه بها، فإذا قيل في اللّه تعالى: هو حَكِيمٌ «2»، فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره، و من هذا الوجه قال اللّه تعالى: أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ‏ [التين/ 8]، و إذا وصف به القرآن فلتضمنه الحكمة، نحو: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ‏ [يونس/ 1]، و على ذلك قال: وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بالِغَةٌ [القمر/ 4- 5]، و قيل: معنى الْحَكِيمِ المحكم «3»، نحو: أُحْكِمَتْ آياتُهُ‏ [هود/ 1]، و كلاهما صحيح، فإنه محكم و مفيد للحكم، ففيه المعنيان جميعا، و الحكم أعمّ من الحكمة، فكلّ حكمة حكم، و ليس كل حكم حكمة، فإنّ الْحُكْمَ أن يقضى بشي‏ء على شي‏ء، فيقول: هو كذا أو ليس بكذا،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ
__________________________________________________
 (1) البيت للنابغة الذبياني من معلقته، و هو في ديوانه ص 34، و شرح المعلقات للنحاس 2/ 168، و البصائر 2/ 491، و اللسان (حكم).
 (2) راجع: الأسماء و الصفات ص 38.
 (3) انظر المدخل لعلم التفسير ص 273.

249
مفردات ألفاظ القرآن

حكم ص 248

لَحِكْمَةً» «1».
أي: قضية صادقة «2»، و ذلك نحو قول لبيد:
122-
         إنّ تقوى ربّنا خير نفل «3»
قال اللّه تعالى: وَ آتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا [مريم/ 12]، و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الصَّمْتُ حُكْمٌ وَ قَلِيلٌ فَاعِلُهُ» «4».
أي: حكمة، وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ* [آل عمران/ 164]، و قال تعالى:
وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى‏ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ [الأحزاب/ 34]، قيل: تفسير القرآن، و يعني ما نبّه عليه القرآن من ذلك: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ [المائدة/ 1]، أي: ما يريده يجعله حكمة، و ذلك حثّ للعباد على الرضى بما يقضيه.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ:
مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ [الْأَحْزَابِ/ 34]، هِيَ عِلْمُ الْقُرْآنِ، نَاسِخِهِ، مُحْكَمِهِ وَ مُتَشَابِهِهِ.
و قال ابن زيد «5»: هي علم آياته و حكمه. و قال السّدّي «6»: هي النبوّة، و قيل: فهم حقائق القرآن، و ذلك إشارة إلى أبعاضها التي تختص بأولي العزم من الرسل، و يكون سائر الأنبياء تبعا لهم في ذلك. و قوله عزّ و جلّ: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا [المائدة/ 44]، فمن الحكمة المختصة بالأنبياء أو من الحكم قوله عزّ و جلّ: آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ‏ [آل عمران/ 7]،
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه البخاري في الأدب، باب ما يجوز من الشعر و الأدب 10/ 445، و أبو داود، و روايته: «إن من الشعر لحكما». انظر: معالم السنن 4/ 136، و جمع الفوائد 2/ 260، و شرح السنة 12/ 369.
 (2) هذا اصطلاح أهل المنطق، و القضية مرادفة للخبر، و تعريفها: مركّب احتمل الصدق و الكذب لذاته.
قال الأخضري في السّلّم:
         ما احتمل الصدق لذاته جرى             بينهم قضية و خبرا
راجع: شرح السّلّم ص 9.
 (3) و عجزه:
         و بإذن اللّه ريثي و عجل‏

انظر: ديوانه ص 139.
 (4) أخرجه البيهقي في (الشعب) عن أنس مرفوعا بسند ضعيف، و القضاعي عن أنس، و الديلمي في الفردوس عن ابن عمر، و صحّح أنه موقوف من قول لقمان، و كذا أخرجه ابن حبان في (روضة العقلاء) بسند صحيح ص 41. و قال السيوطي: أخرج العسكري في (الأمثال) و الحاكم و البيهقي في (الشعب) عن أنس أنّ لقمان كان عبدا لداود عليه السلام، و هو يسرد الدرع، فجعل يفتله هكذا بيده، فجعل لقمان عليه السلام يتعجب و يريد أن يسأله، و تمنعه حكمته أن يسأله، فلما فرغ منها صبّها على نفسه و قال: نعم درع الحرب هذه، فقال لقمان: الصمت من الحكمة و قليل فاعله، كنت أردت أن أسألك فسكتّ حتى كفيتني. راجع: الدر المنثور 6/ 513، و كشف الخفاء 2/ 32، و الفتح الكبير 2/ 202.
 (5) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، مات سنة 182 ه. انظر: طبقات المفسرين للداوودي 1/ 271.
 (6) إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، أبو محمد الأعور. انظر: طبقات المفسرين 1/ 110.

250
مفردات ألفاظ القرآن

حكم ص 248

فَالْمُحْكَمُ: ما لا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ، و لا من حيث المعنى. و المتشابه على أضرب تذكر في بابه إن شاء اللّه «1». و
فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُحْكَمِينَ» «2».
قيل: هم قوم خيّروا بين أن يقتلوا مسلمين و بين أن يرتدّوا فاختاروا القتل «3». و قيل: عنى المتخصّصين بالحكمة.
حلَ‏
أصل الْحَلِّ: حلّ العقدة، و منه قوله عزّ و جلّ: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي‏ [طه/ 27]، و حَلَلْتُ: نزلت، أصله من حلّ الأحمال عند النزول، ثم جرّد استعماله للنزول، فقيل:
حَلَّ حُلُولًا، و أَحَلَّهُ غيره، قال عزّ و جلّ: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ‏ [الرعد/ 31]، وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ [إبراهيم/ 28]، و يقال: حَلَّ الدّين: وجب «4» أداؤه، و الْحِلَّةُ:
القوم النازلون، و حيّ حِلَالٌ مثله، و الْمَحَلَّةُ:
مكان النزول، و عن حَلِّ العقدة استعير قولهم:
حَلَّ الشي‏ء حَلَالًا، قال اللّه تعالى: وَ كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً [المائدة/ 88]، و قال تعالى: هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ‏ [النحل/ 116]، و من الْحُلُولِ أَحَلَّتِ الشاة: نزل اللبن في ضرعها «5»، و قال تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ‏ [البقرة/ 196]، و أَحَلَّ اللّه كذا، قال تعالى: أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ‏ [الحج/ 30]، و قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمَّاتِكَ ...

الآية [الأحزاب/ 50]، فَإِحْلَالُ الأزواج هو في الوقت، لكونهنّ تحته، و إحلال بنات العم و ما بعدهنّ إحلال التزوج بهنّ «6»، و بلغ الأجل مَحِلَّهُ، و رجل حَلَالٌ و مُحِلٌّ: إذا خرج من الإحرام، أو خرج من الحرم، قال عزّ و جلّ:
وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة/ 2]، و قال تعالى: وَ أَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [البلد/ 2]، أي: حلال، و قوله عزّ و جلّ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ‏ [التحريم/ 2]، أي: بيّن ما تَنْحَلُّ به عقدة أيمانكم من الكفّارة، و
رُوِيَ:
 «لَا يَمُوتُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَوْلَادِ فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» «7».
أي: قدر ما يقول إن شاء اللّه تعالى، و على هذا قول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) انظر: باب (شبه).
 (2) الحديث في النهاية 1/ 419، و الفائق 1/ 303.
 (3) أخرجه عبد الرزاق في المصنف 5/ 265 عن مجاهد.
 (4) انظر: المجمل 1/ 217، و البصائر 2/ 493.
 (5) انظر: المجمل 1/ 218، و البصائر 2/ 493.
 (6) و هذا منقول في البصائر 1/ 493.
 (7) الحديث أخرجه البخاري في الأيمان و النذور 11/ 472، و مسلم في البر و الصلة (2632)، و انظر: شرح السنة 5/ 451، و هو في الموطأ كتاب الجنائز، بشرح الزرقاني 2/ 75.

251
مفردات ألفاظ القرآن

حل ص 251

123-
         وقعهنّ الأرض تَحْلِيلٌ «1»
أي: عدوهنّ سريع، لا تصيب حوافرهن الأرض من سرعتهن إلا شي‏ء يسير مقدار أن يقول القائل: إن شاء اللّه. و الْحَلِيلُ: الزوج، إمّا لحلّ كلّ واحد منهما إزاره للآخر، و إمّا لنزوله معه، و إمّا لكونه حلالا له، و لهذا يقال لمن يُحَالُّكَ أي: لمن ينزل معك: حَلِيلٌ، و الْحَلِيلَةُ:
الزوجة، و جمعها حَلَائِلُ، قال اللّه تعالى:
وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ‏ [النساء/ 23]، و الْحُلَّةُ: إزار و رداء، و الْإِحْلِيلُ:
مخرج البول لكونه مَحْلُولَ العقدة.
حلف‏
الْحِلْفُ: العهد بين القوم، و الْمُحَالَفَةُ:
المعاهدة، و جعلت للملازمة التي تكون بمعاهدة، و فلان حَلِفُ كرم، و حَلِيفُ كرم، و الْأَحْلَافُ جمع حليف، قال الشاعر و هو زهير:
124-
         تداركتما الْأَحْلَافَ قد ثلّ عرشها «2»

أي: كاد يزول استقامة أمورها، و عرش الرجل: قوام أمره.
و الْحَلِفُ أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد، ثمّ عبّر به عن كلّ يمين، قال اللّه تعالى: وَ لا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ‏ [القلم/ 10]، أي: مكثار للحلف، و قال تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا [التوبة/ 74]، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَ ما هُمْ مِنْكُمْ‏ [التوبة/ 56]، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ‏ [التوبة/ 62]، و شي‏ء مُحْلِفٌ:
يحمل الإنسان على الحلف، و كميت مُحْلِفٌ:
إذا كان يشكّ في كميتته و شقرته، فيحلف واحد أنه كميت، و آخر أنه أشقر.
و الْمُحَالَفَةُ: أن يحلف كلّ للآخر، ثم جعلت عبارة عن الملازمة مجرّدا، فقيل: حِلْفُ فلان و حَلِيفُهُ، و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ» «3».
__________________________________________________
 (1) البيت:
         يخفي التراب بأظلاف ثمانية             في أربع مسّهنّ الأرض تحليل‏


و هو لعبدة بن الطبيب في المفضليات ص 140.
و قيل البيت:
         تخدي على يسرات و هي لاحقة             كأنما وقعهنّ الأرض تحليل‏


و هو لكعب بن زهير في ديوانه ص 13، و المجمل 1/ 217.
 (2) الشطر لزهير، و عجزه:
         و ذبيان قد زلّت بأقدامها النّعل.

و هو في ديوانه ص 61، و العباب الزاخر (حلف).
 (3) الحديث عن جبير بن مطعم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لا حلف في الإسلام، و أيّما حلف كان في الجاهلية لم يزده.

252
مفردات ألفاظ القرآن

حلف ص 252

و فلان حَلِيفُ اللسان، أي: حديده، كأنه يحالف الكلام فلا يتباطأ عنه، و حَلِيفُ الفصاحة.
حلق‏
الْحَلْقُ: العضو المعروف، و حَلَقَهُ: قطع حلقه، ثم جعل الْحَلْقُ لقطع الشعر و جزّه، فقيل: حَلَقَ شعره، قال تعالى: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ‏ [البقرة/ 196]، و قال تعالى:
مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ‏ [الفتح/ 27]، و رأس حَلِيقٌ، و لحية حليق، و
 «عَقْرَى حَلْقَى» «1».
في الدعاء على الإنسان، أي: أصابته مصيبة تحلق النساء شعورهنّ، و قيل معناه: قطع اللّه حلقها. و قيل للأكسية الخشنة التي تحلق الشعر بخشونتها: مَحَالِقُ «2»، و الْحَلْقَةُ سمّيت تشبيها بالحلق في الهيئة، و قيل: حَلَقَةٌ، و قال بعضهم «3»: لا أعرف الْحَلَقَةَ إلا في الذين يحلقون الشعر، و هو جمع حَالِقٍ، ككافر و كفرة، و الْحَلَقَةُ بفتح اللام لغة غير جيدة. و إبل مُحَلَّقَةٌ:
سمتها حلق. و اعتبر في الْحَلْقَةِ معنى الدوران، فقيل: حَلْقَةُ «4» القوم، و قيل: حَلَّقَ الطائر: إذا ارتفع و دار في طيرانه.
حلم‏
الْحِلْمُ: ضبط النّفس و الطبع عن هيجان الغضب، و جمعه أَحْلَامٌ، قال اللّه تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا [الطور/ 32]، قيل معناه: عقولهم «5»، و ليس الحلم في الحقيقة هو العقل، لكن فسّروه بذلك لكونه من مسبّبات العقل «6»، و قد حَلُمَ «7» و حَلَّمَهُ العقل و تَحَلَّمَ، و أَحْلَمَتِ المرأة: ولدت أولادا حُلَمَاءَ «8»، قال اللّه تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ‏ [هود/ 75]، و قوله تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ‏ [الصافات/ 101]، أي: وجدت فيه قوّة الحلم، و قوله عزّ و جل: وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ‏ [النور/ 59]، أي: زمان البلوغ، و سمي الحلم لكون صاحبه جديرا بالحلم،
__________________________________________________
الإسلام إلا شدّة». أخرجه مسلم في الفضائل (2530)، و أبو داود في الفرائض (انظر: معالم السنن 4/ 105)، و أخرجه أحمد 1/ 190 و 2/ 180، و انظر: شرح السنة 10/ 202، و الفتح الكبير 3/ 343.
 (1) الحديث عن عائشة قالت: حاضت صفية ليلة النفر، فقالت: ما أراني إلا حابستكم، قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «عقرى حلقى، أطافت يوم النحر»؟ قيل: نعم. قال: فانفري. أخرجه البخاري في الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد ما أفاضت 3/ 586، و مسلم في الحج (2/ 964) برقم (1211)، و انظر: شرح السنة 7/ 234.
 (2) انظر: المجمل 1/ 249.
 (3) و المراد به ابن السكّيت فقد أنكر فتح اللام، و أثبته سيبويه و ثعلب و اللحياني و غيرهم.
 (4) بفتح اللام و تسكينها.
 (5) و هو قول ابن زيد كما في الدر المنثور 7/ 636.
 (6) قال السمين: و فيه نظر، إذ قد سمع إطلاقه مرادا به الحقيقة. عمدة الحفاظ: حلم.
 (7) انظر: الأفعال 3/ 365.
 (8) انظر: الأفعال 3/ 365.

253
مفردات ألفاظ القرآن

حلم ص 253

و يقال: حَلَمَ «1» في نومه يَحْلُمُ حُلْماً و حُلَماً، و قيل: حُلُماً نحو: ربع، و تَحَلَّمَ و احْتَلَمَ، و حَلَمْتُ به في نومي، أي: رأيته في المنام، قال اللّه تعالى: قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ*
 [يوسف/ 54]، و الْحَلَمَةُ: القراد الكبير، قيل: سميت بذلك لتصوّرها بصورة ذي حلم، لكثرة هدوئها، فأمّا حَلَمَةُ الثدي فتشبيها بالحلمة من القراد في الهيئة، بدلالة تسميتها بالقراد في قول الشاعر:
125-
         كأنّ قرادي زوره طبعتهما             بطين من الجولان كتّاب أعجمي «2»

و حَلِمَ الجلد: وقعت فيه الحلمة، و حَلَّمْتُ البعير: نزعت عنه الحلمة، ثم يقال: حَلَّمْتُ فلانا: إذا داريته ليسكن و تتمكّن منه تمكّنك من البعير إذا سكّنته بنزع القراد عنه «3».
حلى‏
الْحُلِيُّ جمع الْحَلْيِ، نحو: ثدي و ثديّ، قال تعالى: مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ [الأعراف/ 148]، يقال: حَلِيَ يَحْلَى «4»، قال اللّه تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ* [الكهف/ 31]، و قال تعالى: وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان/ 21]، و قيل: الْحِلْيَةُ و الجميع حِلِيٌّ «5»، قال تعالى: أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف/ 18].
حم‏
الْحَمِيمُ: الماء الشديد الحرارة، قال تعالى:
وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً [محمد/ 15]، إِلَّا حَمِيماً وَ غَسَّاقاً [عمّ/ 25]، و قال تعالى:
وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ‏ [الأنعام/ 70]، و قال عزّ و جل: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ‏ [الحج/ 19]، ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ‏ [الصافات/ 67]، هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسَّاقٌ‏ [ص/ 57]، و قيل للماء الحارّ في خروجه من منبعه:
حَمَّةٌ، و
رُوِيَ: «الْعَالِمُ كَالْحَمَّةِ يَأْتِيهَا الْبُعَدَاءُ وَ يَزْهَدُ فِيهَا الْقُرَبَاءُ» «6».
و سمي العَرَق حَمِيماً «7»
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 3/ 365، و المجمل 1/ 247، و عمدة الحفاظ: حلم. و قال بعضهم:
         حلم في النوم أتى كنصرا             و ضمّه في العقل حكم قد جرى‏
             و في الأديم جاء مثل فرح             لفاسد الدبغ فكن مصححا.

 (2) البيت للرماح بن ميادة في ديوانه ص 255، و المخصص 2/ 23، و اللسان (قرد)، و الفرق لثابت اللغوي ص 27، و جمهرة اللغة 2/ 188.
 (3) انظر: الأفعال 1/ 365، و المجمل 1/ 247.
 (4) قال صاحب كتاب الأفعال 1/ 376: و حلي الشي‏ء في عيني و صدري حلي و حلاوة: حسن، و حليت المرأة حليا:
لبست الحليّ.
 (5) بكسر الحاء و ضمها.
 (6) انظر: الفائق 1/ 322، و النهاية 1/ 445، و غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 490.
 (7) انظر: اللسان (حمم) 12/ 155.

254
مفردات ألفاظ القرآن

حم ص 254

على التشبيه، و اسْتَحَمَّ الفرس: عرق، و سمي الْحَمَّامُ حمّاما، إمّا لأنه يعرّق، و إمّا لما فيه من الماء الحارّ، و اسْتَحَمَّ فلان: دخل الحمّام، و قوله عزّ و جل: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ‏ [الشعراء/ 100- 101]، و قوله تعالى: وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً [المعارج/ 10]، فهو القريب المشفق، فكأنّه الذي يحتدّ حماية لذويه، و قيل لخاصة الرّجل: حَامَّتُهُ، فقيل:
الحامّة و العامّة، و ذلك لما قلنا، و يدلّ على ذلك أنه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان حُزَانَتُهُ «1»، أي: الذين يحزنون له، و احْتَمَّ فلان لفلان:
احتدّ «2»، و ذلك أبلغ من اهتمّ لما فيه من معنى الِاحْتِمَامِ، و أَحَمَّ الشّحم: أذابه، و صار كالحميم، و قوله عزّ و جل: وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏ [الواقعة/ 43]، للحميم، فهو يفعول من ذلك، و قيل: أصله الدخان الشديد السّواد «3»، و تسميته إمّا لما فيه من فرط الحرارة، كما فسّره في قوله: لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ [الواقعة/ 44]، أو لما تصوّر فيه من لفظ الحممة فقد قيل للأسود يَحْمُومٌ، و هو من لفظ الحممة، و إليه أشير بقوله: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ [الزمر/ 16]، و عبّر عن الموت بالحمام، كقولهم: حُمَّ كذا، أي: قدّر، و الْحُمَّى سمّيت بذلك إمّا لما فيها من الحرارة المفرطة، و على ذلك‏
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» «4».
و إمّا لما يعرض فيها من الحميم، أي:
العرق، و إمّا لكونها من أمارات الْحِمَامِ،
لِقَوْلِهِمْ: «الْحُمَّى بَرِيدُ الْمَوْتِ» «5»، وَ قِيلَ: «بَابُ الْمَوْتِ».
و سمّي حمّى البعير حُمَاماً «6» بضمة الحاء، فجعل لفظه من لفظ الحمام لما قيل: إنه قلّما يبرأ البعير من الحمّى. و قيل: حَمَّمَ الفرخ «7»: إذا اسودّ جلده من الريش، و حَمَّمَ‏
__________________________________________________
 (1) في اللسان: و الحزانة بالضمّ و التخفيف: عيال الرجل الذين يتحزّن بأمرهم و لهم.
 (2) انظر: البصائر 2/ 498.
 (3) و هو قول ابن سيده، راجع: اللسان (حمم) 12/ 157.
 (4) الحديث عن عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «الحمّى من فيح جهنّم، فأبردوها بالماء». أخرجه البخاري في الطب، باب الحمى من فيح جهنم 10/ 174، و مسلم في السلام: باب لكل داء دواء برقم (2210)، و أحمد في مسنده 1/ 291، و مالك في الموطأ، انظر: شرح الزرقاني 4/ 331، و ابن ماجة 2/ 1150.
 (5) هذا حديث: أخرجه أبو نعيم و ابن السنّي في الطب و هنّاد في الزهد، و ابن أبي الدنيا في المرض و الكفارات و لفظه:
 «الحمى رائد الموت و هي سجن اللّه للمؤمن يحبس بها عبده إذا شاء ثم يرسله إذا شاء، ففتّروها بالماء» و ذكره ابن حجر المكي في فتاويه «الحمى بريد الموت». قال في المقاصد: و بالجملة فهو حديث حسن. انظر: الفتح الكبير 2/ 81، و كشف الخفاء 1/ 366، و المقاصد الحسنة ص 194.
 (6) في اللسان: و الحمام بالضم: حمّى الإبل و الدواب، جاء على عامة ما يجي‏ء عليه الأدواء.
 (7) انظر: المجمل 1/ 218.

255
مفردات ألفاظ القرآن

حم ص 254

وجهه: اسودّ بالشعر، فهما من لفظ الحممة، و أمّا حمحمة الفرس فحكاية لصوته «1»، و ليس من الأول في شي‏ء.
حمد
الْحَمْدُ للّه تعالى: الثناء عليه بالفضيلة، و هو أخصّ من المدح و أعمّ من الشكر، فإنّ الْمَدْحَ يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، و مما يقال منه و فيه بالتسخير، فقد يمدح الإنسان بطول قامته و صباحة وجهه، كما يمدح ببذل ماله و سخائه و علمه، و الحمد يكون في الثاني دون الأول، و الشُّكْرُ لا يقال إلا في مقابلة نعمة، فكلّ شكر حمد، و ليس كل حمد شكرا، و كل حمد مدح و ليس كل مدح حمدا، و يقال: فلان مَحْمُودٌ:
إذا حُمِدَ، و مُحَمَّدٌ: إذا كثرت خصاله المحمودة، و مُحْمَدٌ: إذا وجد محمودا «2»، و قوله عزّ و جلّ:
إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود/ 73]، يصحّ أن يكون في معنى المحمود، و أن يكون في معنى الْحَامِدِ، و حُمَادَاكَ أن تفعل كذا «3»، أي: غايتك المحمودة، و قوله عزّ و جل: وَ مُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف/ 6]، فأحمد إشارة إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم باسمه و فعله، تنبيها أنه كما وجد اسمه أحمد يوجد و هو محمود في أخلاقه و أحواله، و خصّ لفظة أحمد فيما بشّر به عيسى صلّى اللّه عليه و سلم تنبيها أنه أحمد منه و من الذين قبله، و قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ‏ [الفتح/ 29]، فمحمد هاهنا و إن كان من وجه اسما له علما- ففيه إشارة إلى وصفه بذلك و تخصيصه بمعناه كما مضى ذلك في قوله تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‏ [مريم/ 7]، أنه على معنى الحياة كما بيّن في بابه «4» إن شاء اللّه.
حمر
الْحِمَارُ: الحيوان المعروف، و جمعه حَمِيرٌ و أَحْمِرَةٌ و حُمُرٌ، قال تعالى: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ [النحل/ 8]، و يعبّر عن الجاهل بذلك، كقوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً [الجمعة/ 5]، و قال تعالى: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر/ 50]، و حِمَارُ قبّان:
دويبّة، و الْحِمَارَانِ: حجران يجفّف عليهما الأقط «5»، شبّه بالحمار في الهيئة، و الْمُحَمَّرُ:
الفرس الهجين المشبّه بلادته ببلادة الحمار.
و الْحُمْرَةُ في الألوان، و قيل: (الْأَحْمَرُ
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 218، و اللسان (حمم).
 (2) انظر: البصائر 2/ 499.
 (3) انظر: المجمل 1/ 250.
 (4) هذا لم يأت بعد، و سيأتي في باب (حيي).
 (5) انظر: المجمل 1/ 251.

256
مفردات ألفاظ القرآن

حمر ص 256

و الأسود) «1» للعجم و العرب اعتبارا بغالب ألوانهم، و ربما قيل: حَمْرَاءُ العجان «2»، و الْأَحْمَرَانِ: اللحم و الخمر «3»، اعتبارا بلونيهما، و الموت الأحمر أصله فيما يراق فيه الدم، و سنة حَمْرَاءُ: جدبة، للحمرة العارضة في الجوّ منها، و كذلك حَمَّارَةُ «4» القيظ: لشدّة حرّها، و قيل:
وِطَاءَة حَمْرَاءُ: إذا كانت جديدة، و وطاءة دَهْمَاءُ:
دارسة.
حمل‏
الْحَمْلُ معنى واحد اعتبر في أشياء كثيرة، فسوّي بين لفظه في فعل، و فرّق بين كثير منها في مصادرها، فقيل في الأثقال الْمَحْمُولَةِ في الظاهر كالشي‏ء الْمَحْمُولِ على الظّهر: حِمْلٌ.
و في الأثقال المحمولة في الباطن: حَمْلٌ، كالولد في البطن، و الماء في السحاب، و الثّمرة في الشجرة تشبيها بحمل المرأة، قال تعالى:
وَ إِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى‏ حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ [فاطر/ 18]، يقال: حَمَلْتُ الثّقل و الرّسالة و الوزر حَمْلًا، قال اللّه تعالى:
وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ‏ [العنكبوت/ 13]، و قال تعالى: وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ [العنكبوت/ 12]، و قال تعالى: وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ: لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ‏ [التوبة/ 92]، و قال عزّ و جلّ: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ [النحل/ 25]، و قوله عزّ و جلّ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ [الجمعة/ 5]، أي: كلّفوا أن يتحمّلوها، أي: يقوموا بحقها، فلم يحملوها، و يقال: حَمَّلْتُهُ كذا فَتَحَمَّلَهُ، و حَمَّلْتُ عليه كذا فَتَحَمَّلَهُ، و احْتَمَلَهُ و حَمَلَهُ، و قال تعالى: فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد/ 17]، حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ [الحاقة/ 11]، و قوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ‏ [النور/ 54]، و قال تعالى: رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا، رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ‏ [البقرة/ 286]، و قال عزّ و جل:
وَ حَمَلْناهُ عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ [القمر/ 13]، ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء/ 3]، وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ‏ [الحاقة/ 14].
__________________________________________________
 (1) الحديث: «بعثت إلى الأحمر و الأسود». أخرجه مسلم في المساجد 2/ 63، و الدارمي في مسنده في السير 27.
 (2) و منه قول عليّ لرجل من الموالي: اسكت يا ابن حمراء العجان، أي: يا ابن الأمة، و العجان: ما بين القبل و الدّبر، و هي كلمة تقولها العرب في السبّ و الذم انظر: اللسان (حمر).
 (3) يقال: أهلك الرجال الأحمران، أي: اللحم و الخمر، و أهلك النساء الأحمران، أي: الذهب و الفضة.
 (4) يقال: حمارّة القيظ، و حمارته، بالتشديد و التخفيف، و حمرّة الصيف. راجع اللسان: حمر.

257
مفردات ألفاظ القرآن

حمل ص 257

و حَمَلَتِ المرأةُ: حَبِلَتْ، و كذا حملت الشّجرة، يقال: حَمْلٌ و أَحْمَالٌ، قال عزّ و جلّ:
وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ‏ [الطلاق/ 4]، وَ ما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى‏ وَ لا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ* [فصلت/ 47]، حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ‏ [الأعراف/ 189]، حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ كُرْهاً [الأحقاف/ 15]، وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف/ 15]، و الأصل في ذلك الْحِمْلُ على الظهر، فاستعير للحبل بدلالة قولهم: وَسَقَتِ الناقة «1»:
إذا حملت. و أصل الْوَسْقِ: الحمل المحمول على ظهر البعير. و قيل: الْحَمُولَةُ لما يحمل عليه، كالقتوبة «2» و الرّكوبة، و الْحُمُولَةُ: لما يحمل، و الْحَمَلُ: لِلْمَحْمُولِ، و خصّ الضأن الصغير بذلك لكونه محمولا، لعجزه، أو لقربه من حمل أمّه إياه، و جمعه: أَحْمَالٌ و حُمْلَانُ «3»، و بها شبّه السّحاب، فقال عزّ و جل:
فَالْحامِلاتِ وِقْراً [الذاريات/ 2]، و الْحَمِيلُ: السّحاب الكثير الماء، لكونه حاملا للماء «4»، و الْحَمِيلُ: ما يحمله السيل، و الغريب تشبيها بالسيل، و الولد في البطن. و الْحَمِيلُ:
الكفيل، لكونه حاملا للحق مع من عليه الحق، و ميراث الحميل لمن لا يتحقق نسبه «5»، و حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏ [المسد/ 4]، كناية عن النّمام، و قيل: فلان يَحْمِلُ الحطب الرّطب «6»، أي: ينمّ.
حمى‏
الْحَمْيُ: الحرارة المتولّدة من الجواهر الْمَحْمِيَّةِ، كالنّار و الشمس، و من القوّة الحارة في البدن، قال تعالى: في عين حَامِيَةٍ «7»، أي: حارة، و قرئ: حَمِئَةٍ «8»، و قال عزّ و جل: يَوْمَ يُحْمى‏ عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ‏ [التوبة/ 35]، و حَمِيَ النهار «9»، و أَحْمَيْتُ‏
__________________________________________________
 (1) راجع: الأفعال 4/ 232، و أساس البلاغة (وسق).
 (2) القتوبة: الإبل تقتب، و القتب واحد الأقتاب، و هي الأكف التي توضع على نقّالة الأحمال. انظر: أساس البلاغة ص 354.
 (3) انظر: اللسان (حمل).
 (4) انظر: البصائر 2/ 502.
 (5) في اللسان: و الحميل: الذي يحمل من بلده صغيرا، و لم يولد في الإسلام، و منه قول عمر رضي اللّه عنه في كتابه إلى شريح: (الحميل لا يورث إلا ببيّنة). و انظر: النهاية 1/ 442.
 (6) انظر: البصائر 2/ 502.
 (7) سورة الكهف: آية 86، و هي قراءة ابن عامر و حمزة و الكسائي و خلف و شعبة و أبي جعفر.
 (8) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و حفص و يعقوب، انظر: الإتحاف 294.
 (9) انظر: الأفعال 1/ 373.

258
مفردات ألفاظ القرآن

حمى ص 258

الحديدة إِحْمَاءً. و حُمَيَّا الكأس «1»: سورتها و حرارتها، و عبّر عن القوة الغضبية إذا ثارت و كثرت بِالْحَمِيَّةِ، فقيل: حَمِيتُ على فلان، أي:
غضبت عليه، قال تعالى: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ [الفتح/ 26]، و عن ذلك استعير قولهم: حَمَيْتُ المكان حِمىً، و
رُوِيَ: (لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ) «2».
و حَمَيْتُ أنفي مَحْمِيَةً «3»، و حَمَيْتُ المريض حَمْياً، و قوله عزّ و جل: وَ لا حامٍ‏ [المائدة/ 103]، قيل: هو الفحل إذا ضرب عشرة أبطن كأن يقال: حَمَى ظَهْرَه فلا يركب «4»، و أَحْمَاءُ المرأة: كلّ من كان من قبل زوجها «5»، و ذلك لكونهم حُمَاةً لها، و قيل: حَمَاهَا و حَمُوهَا و حَمِيهَا، و قد همز في بعض اللغات فقيل:
حم‏ء، نحو: كم‏ء «6»، و الْحَمْأَةُ و الْحَمَأُ: طين أسود منتن، قال تعالى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* [الحجر/ 26]، و يقال: حَمَأْتُ البئر: أخرجت حمأتها، و أَحْمَأْتُهَا: جعلت فيها حما، و قرئ:
فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ «7»: ذات حمأ.
حنَ‏
الْحَنِينُ: النّزاع المتضمّن للإشفاق يقال:
حَنَّتِ المرأة، و النّاقة لولدها، و قد يكون مع ذلك صوت، و لذلك يعبّر بِالْحَنِينِ عن الصّوت الدّالّ على النزاع و الشّفقة، أو متصوّر بصورته. و على ذلك حنين الجذع، و ريح حَنُونٌ، و قوس حَنَّانَةٌ: إذا رنّت عند الإنباض «8». و قيل: ما له حَانَّةٌ و لا آنّة، أي: لا ناقة و لا شاة سمينة، و وصفتا بذلك اعتبارا بصوتيهما، و لمّا كان الحنين متضمّنا للإشفاق، و الإشفاق لا ينفكّ من الرّحمة عبّر عن الرّحمة به في نحو قوله تعالى: وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا [مريم/ 13]، و منه قيل: الْحَنَّانُ المنّان «9»، و حَنَانَيْكَ: إشفاقا بعد إشفاق، و تثنيته‏
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 250.
 (2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجهاد، باب أهل الدار يبيّتون فيصاب الولدان و الذراري 6/ 146، و أحمد في مسنده 4/ 73، و أبو داود في باب الأرض يحميها الرجل. انظر: معالم السنن 3/ 49.
 (3) انظر: أساس البلاغة ص 97.
 (4) راجع: الدر المنثور في التفسير بالمأثور 3/ 212.
 (5) قال ابن فارس: الحمو: أبو الزوج، و أبو امرأة الرجل. انظر: المجمل 1/ 249.
و قال ابن الأثير: الأحماء: أقارب الزوج، و فيه (لا يخلونّ رجل بمغيّبة و إن قيل حموها، ألا حموها الموت).
انظر: النهاية 1/ 448.
 (6) و هذا منقول عن الأصمعي، انظر: المجمل 1/ 249.
 (7) سورة الكهف: آية 86، و قد مرّت في الصفحة السابقة.
 (8) انظر: المجمل 1/ 218.
 (9) انظر: الأسماء و الصفات ص 86- 105.

259
مفردات ألفاظ القرآن

حن ص 259

كتثنية لبّيك و سعديك، وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ‏ [التوبة/ 25]، منسوب إلى مكان معروف.
حنث‏
قال اللّه تعالى: وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ‏ [الواقعة/ 46]، أي: الذّنب المؤثم، و سمّي اليمين الغموس حِنْثاً لذلك، و قيل: حَنِثَ «1» في يمينه إذا لم يف بها، و عبّر بِالْحِنْثِ عن البلوغ، لمّا كان الإنسان عنده يؤخذ بما يرتكبه خلافا لما كان قبله، فقيل: بلغ فلان الحنث. و الْمُتَحَنِّثُ: النافض عن نفسه الحنث، نحو: المتحرّج و المتأثّم.
حنجر
قال تعالى: لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ‏ [غافر/ 18]، و قال عزّ و جلّ: وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب/ 10]، جمع حَنْجَرَةٍ، و هي رأس الغلصمة من خارج.
حنذ
قال تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود/ 69]، أي: مشويّ بين حجرين، و إنّما يفعل ذلك لتتصبّب عنه اللّزوجة التي فيه، و هو من قولهم: حَنَذْتُ الفرس: استحضرته شوطا أو شوطين، ثم ظاهرت عليه الجلال ليعرق «2»، و هو مَحْنُوذٌ و حَنِيذٌ، و قد حَنَذَتْنَا الشّمسُ «3»، و لمّا كان ذلك خروج ماء قليل قيل: إذا سَقَيْتَ الخَمْرَ فَأَحْنِذْ «4»، أي: قلّل الماء فيها، كالماء الذي يخرج من العرق و الحنيذ.
حنف‏
الْحَنَفُ: هو ميل عن الضّلال إلى الاستقامة، و الْجَنَفُ: ميل عن الاستقامة إلى الضّلال، و الْحَنِيفُ هو المائل إلى ذلك، قال عزّ و جلّ:
قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً [النحل/ 120]، و قال:
حَنِيفاً مُسْلِماً [آل عمران/ 67]، و جمعه حُنَفَاءُ، قال عزّ و جلّ: وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ* حُنَفاءَ لِلَّهِ‏ [الحج/ 30- 31]، و تَحَنَّفَ فلان، أي:
تحرّى طريق الاستقامة، و سمّت العرب كلّ من حجّ أو اختتن حنيفا، تنبيها أنّه على دين إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلم، و الْأَحْنَفُ: من في رجله ميل، قيل: سمّي بذلك على التّفاؤل، و قيل: بل استعير للميل المجرّد.
حنك‏
الْحَنَكُ: حنك الإنسان و الدّابّة، و قيل لمنقار الغراب: حَنَكٌ، لكونه كالحنك من الإنسان، و قيل: أسود مثل حنك الغراب، و حلك الغراب، فحنكه: منقاره، و حَلَكُهُ: سوادّ ريشه، و قوله‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 1/ 411.
 (2) انظر: المجمل 1/ 254.
 (3) أي: أحرقتنا.
 (4) انظر: أساس البلاغة ص 97، و المجمل ص 255.

260
مفردات ألفاظ القرآن

حنك ص 260

تعالى: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء/ 62]، يجوز أن يكون من قولهم: حَنَكْتُ الدّابّة:
أصبت حنكها باللّجام و الرّسن، فيكون نحو قولك: لألجمنّ فلانا و لأرسننّه «1»، و يجوز أن يكون من قولهم احْتَنَكَ الجراد الأرض، أي:
استولى بحنكه عليها، فأكلها و استأصلها، فيكون معناه: لأستولينّ عليهم استيلاءه على ذلك، و فلان حَنَّكَهُ الدّهر و احْتَنَكَهُ، كقولهم: نجّذه، و قرع سنّه، و افترّه «2»، و نحو ذلك من الاستعارات في التّجربة «3».
حوب‏
الْحُوبُ: الإثم، قال عزّ و جلّ: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً [النساء/ 2]، و الْحَوْبُ المصدر منه، و
رُوِيَ: (طَلَاقُ أُمِّ أَيُّوبَ حُوبٌ) «4».
و تسميته بذلك لكونه مزجورا عنه، من قولهم: حَابَ حُوباً و حَوْباً و حِيَابَةً، و الأصل فيه حوب لزجر الإبل، و فلان يَتَحَوَّبُ من كذا، أي: يتأثّم، و قولهم:
ألحق اللّه به الْحَوْبَةَ «5»، أي: المسكنة و الحاجة.
و حقيقتها: هي الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم، و قيل: بات فلان بِحَيْبَةِ سوء «6».
و الْحَوْبَاءُ قيل هي النّفس «7»، و حقيقتها هي النّفس المرتكبة للحوب، و هي الموصوفة بقوله تعالى:
إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف/ 53].
حوت‏
قال اللّه تعالى: نَسِيا حُوتَهُما [الكهف/ 61]، و قال تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ‏ [الصافات/ 142]، و هو السّمك العظيم، إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [الأعراف/ 163]، و قيل: حَاوَتَنِي فلان، أي: راوغني مراوغة الحوت.
حيد
قال عزّ و جلّ: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق/ 19] أي: تعدل عنه و تنفر منه.
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 2/ 505.
 (2) يقال للشيخ: قد علته كبرة و عرته فترة. انظر: اللسان: (فتر)، و أساس البلاغة ص 333.
 (3) قال ابن الأعرابي: جرّذه الدهر، و دلكه و رعسه و حنّكه، و عركه و نجّذه بمعنى واحد. و قال قدامة بن جعفر: و يقال:
قد عجمته الخطوب، و جذّعته الحروب، و نجّذته الأمور، و هذّبته الدهور، و درّبته العصور، و حنّكته التجارب، راجع: جواهر الألفاظ ص 334، و اللسان (حنك).
 (4) الحديث عن ابن عباس أنّ أبا أيوب طلّق امرأته، فقال له النّبي صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ طلاق أم أيوب كان حوبا». أخرجه الطبراني، و فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني، و هو ضعيف، انظر: مجمع الزوائد: باب فضائل أم أيوب 9/ 265.
قال ابن سيرين: الحوب: الإثم.
 (5) انظر: المجمل 1/ 255.
 (6) انظر: اللسان (حوب) 1/ 339، و المجمل 1/ 255.
 (7) انظر الغريب المصنف ورقة 8 نسخة الظاهرية.

261
مفردات ألفاظ القرآن

حيث ص 262

حيث‏
حَيْثُ عبارة عن مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده، نحو قوله تعالى: وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ* [البقرة/ 144]، وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ* [البقرة/ 149].
حوذ
الْحَوْذُ: أن يتبع السّائق حَاذِيَيِ البعير، أي:
أدبار فخذيه فيعنّف في سوقه، يقال: حَاذَ الإبلَ يَحُوذُهَا، أي: ساقها سوقا عنيفا، و قوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ‏ [المجادلة/ 19]، استاقهم مستوليا عليهم، أو من قولهم: اسْتَحْوَذَ العير على الأتان، أي: استولى على حَاذَيْهَا، أي: جانبي ظهرها، و يقال:
اسْتَحَاذَ، و هو القياس، و استعارة ذلك كقولهم:
اقتعده الشيطان و ارتكبه، و الْأَحْوَذِيُّ: الخفيف الحاذق بالشي‏ء، من الْحَوْذِ أي: السّوق.
حور
الْحَوْرُ: التّردّد إمّا بالذّات، و إمّا بالفكر، و قوله عزّ و جلّ: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ [الانشقاق/ 14]، أي: لن يبعث، و ذلك نحو قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا، قُلْ بَلى‏ وَ رَبِّي لَتُبْعَثُنَّ [التغابن/ 17]، و حَارَ الماء في الغدير: تردّد فيه، و حَارَ في أمره: تحيّر، و منه:
الْمِحْوَرُ للعود الذي تجري عليه البكرة لتردّده، و بهذا النّظر قيل: سير السّواني أبدا لا ينقطع «1»
، و السواني جمع سانية، و هي ما يستقى عليه من بعير أو ثور، و مَحَارَةُ الأذن لظاهره المنقعر، تشبيها بمحارة الماء لتردّد الهواء بالصّوت فيه كتردّد الماء في المحارة، و القوم في حَوْرٍ أي: في تردّد إلى نقصان، و
قَوْلُهُ: «نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ» «2».
أي: من التّردّد في الأمر بعد المضيّ فيه، أو من نقصان و تردّد في الحال بعد الزّيادة فيها، و قيل: حار بعد ما كار. و الْمُحَاوَرَةُ و الْحِوَارُ: المرادّة في الكلام، و منه التَّحَاوُرُ، قال اللّه تعالى: وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما [المجادلة/ 1]، و كلّمته فما رجع إليّ حَوَاراً، أو حَوِيراً أو مَحُورَةً «3»، أي: جوابا، و ما يعيش بِأَحْوَرَ، أي بعقل يحور إليه، و قوله تعالى:
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ‏ [الرحمن/ 72]، وَ حُورٌ عِينٌ‏ [الواقعة/ 22]، جمع أَحْوَرَ و حَوْرَاءَ، و الْحَوَرُ قيل: ظهور قليل من البياض في العين من بين السّواد، و أَحْوَرَتْ عينه، و ذلك نهاية الحسن من العين، و قيل:
حَوَّرْتُ الشّي‏ء: بيّضته و دوّرته، و منه: الخبز
__________________________________________________
 (1) المثل: سير السواني سفر لا ينقطع. اللسان: سنا.
 (2) الحديث عن عبد اللّه بن سرجس قال: «كان النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم إذا خرج مسافرا يقول: اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، و كآبة المنقلب، و الحور بعد الكور، و سوء المنظر في الأهل و المال» أخرجه مسلم في الحج برقم (1343)، و ابن ماجة 2/ 1279، و الترمذي (العارضة 13/ 4)، و النسائي 8/ 272.
 (3) انظر أساس البلاغة ص 98، و مجمل اللغة 1/ 256.

262
مفردات ألفاظ القرآن

حور ص 262

الْحُوَّارَى، و الْحَوَارِيُّونَ أنصار عيسى صلّى اللّه عليه و سلم،
قِيلَ:
كَانُوا قصارين «1»، وَ قِيلَ: كَانُوا صيادين.
و قال بعض العلماء: إنّما سمّوا حَوَارِيِّينَ لأنهم كانوا يطهّرون نفوس النّاس بإفادتهم الدّين و العلم المشار إليه بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33]، قال: و إنّما قيل: كانوا قصّارين على التّمثيل و التشبيه، و تصوّر منه من لم يتخصّص بمعرفته الحقائق المهنة المتداولة بين العامّة، قال: و إنّما كانوا صيّادين لاصطيادهم نفوس النّاس من الحيرة، و قودهم إلى الحقّ،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الزُّبَيْرُ ابْنُ عَمَّتِي وَ حَوَارِيَّ» «2».
و
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ» «3».
فتشبيه بهم في النّصرة حيث قال: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ* [الصف/ 14].
حاج‏
الْحَاجَةُ إلى الشي‏ء: الفقر إليه مع محبّته، و جمعها: حَاجٌ و حَاجَاتٌ و حَوَائِجُ، و حَاجَ يَحُوجُ: احْتَاجَ، قال تعالى: إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها [يوسف/ 68]، و قال:
حاجَةً مِمَّا أُوتُوا [الحشر/ 9]، و الْحَوْجَاءُ:
الحاجة «4»، و قيل: الْحَاجُ ضرب من الشّوك.
حير
يقال: حَارَ يَحَارُ حَيْرَةً، فهو حَائِرٌ و حَيْرَانُ، و تَحَيَّرَ و اسْتَحَارَ: إذا تبلّد في الأمر و تردّد فيه، قال تعالى: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ‏ [الأنعام/ 71]، و الْحَائِرُ:
الموضع الذي يتحيّر به الماء، قال الشاعر:
126-
         و اسْتَحَارَ شبابها «5»
و هو أن يمتلئ حتى يرى في ذاته حيرة، و الْحِيرَةُ: موضع، قيل سمّي بذلك لاجتماع ماء كان فيه.
حيز
قال اللّه تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى‏ فِئَةٍ [الأنفال/ 16]، أي: صائرا إلى حَيِّزٍ و أصله من الواو،
__________________________________________________
 (1) انظر غريب القرآن لليزيدي ص 106.
 (2) الحديث عن جابر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «الزبير ابن عمّتي و حواريّي من أمتي» أخرجه أحمد في المسند 3/ 314، و انظر الفتح الكبير 2/ 145، و الرياض النضرة 4/ 275.
 (3) الحديث أخرجه البخاري في الجهاد 6/ 53، و فضل أصحاب النبي 7/ 80، و مسلم في فضائل الصحابة برقم 2415، و أحمد في المسند 3/ 307، و ابن ماجة برقم 4122.
 (4) قال الزمخشري: يقال: ليس له عندي حوجاء و لا لوجاء.
 (5) البيت تمامه:
         ثلاثة أحوال فلمّا تجرّمت             علينا بهون و استحار شبابها


و هو لأبي ذؤيب الهذلي، في شرح أشعار الهذليين 1/ 43، و أساس البلاغة ص 101، و شطره في المجمل 1/ 259.

263
مفردات ألفاظ القرآن

حيز ص 263

و ذلك كلّ جمع منضمّ بعضه إلى بعض، و حُزْتُ الشي‏ء أَحُوزُهُ حَوْزاً، و حمى حَوْزَتَهُ، أي:
جمعه، و تَحَوَّزَتِ الحيّة و تَحَيَّزَتْ، أي: تلوّت «1»، و الْأَحْوَزِيُّ: الذي جمع حوزه متشمّرا، و عبّر به عن الخفيف السّريع.
حاشى‏
قال اللّه تعالى: وَ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ‏ [يوسف/ 31] أي: بعدا منه. قال أبو عبيدة: هي تنزيه و استثناء «2»، و قال أبو عليّ الفسويّ رحمه اللّه «3»: حَاشَ ليس باسم، لأنّ حرف الجرّ لا يدخل على مثله، و ليس بحرف لأن الحرف لا يحذف منه ما لم يكن مضعّفا، تقول: حَاشَ و حَاشَى، فمنهم من جعل حاش أصلا في بابه، و جعله من لفظة الحوش أي: الوحش، و منه: حُوشِيُّ الكلام.
و قيل: الْحَوْشُ فحول جنّ نسبت إليها وحشة الصّيد. و أَحَشْتَهُ: إذا جئته من حواليه، لتصرفه إلى الحبالة، و احْتَوَشُوهُ و تَحَوَّشُوهُ: أتوه من جوانبه. و الْحَوْشُ: أن يأكل الإنسان من جانب الطعام «4»، و منهم من حمل ذلك مقلوبا من حشى، و منه الْحَاشِيَةُ و قال:
127-
         و ما أُحَاشِي من الأقوام من أحد «5»
كأنه قال: لا أجعل أحدا في حشا واحد فأستثنيه من تفضيلك عليه، قال الشاعر:
128-
         و لا يَتَحَشَّى الفحل إن أعرضت به             و لا يمنع المرباع منه فصيلها «6»

يصف إنسانا بالجود، و أنه يطعم و ينحر كلّ ما يعرض له من الفحل و غيره.
حاص‏
قال تعالى: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ‏ [ق/ 36]، و قوله تعالى: ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ‏ [إبراهيم/
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 257.
 (2) انظر: مجاز القرآن 1/ 310.
 (3) قال أبو علي: و أمّا قوله تعالى: و قلن حاش للّه فإنّ «حاشا» لا يخلو من أن يكون فعلا أو حرفا، فلا يجوز أن يكون حرفا، لأنّه جارّ، و حرف الجر لا يدخل على مثله في كلام مأخوذ به، فثبت أنه فعل. راجع: المسائل الحلبيات ص 243- 244.
- و ذكر الفارسي في كتابه «الإيضاح العضدي» أن حاشا حرف، و قال: هو حرف فيه معنى الاستثناء. راجع:
الإيضاح 1/ 210.
 (4) انظر: المجمل 1/ 257.
 (5) هذا عجز بيت، و صدره:
         و لا أرى فاعلا في الناس يشبهه‏

و هو للنابغة في ديوانه ص 33، و شرح المعلقات 2/ 166، و المجمل 1/ 258.
 (6) البيت لرجل من عكل، و هو في المعاني الكبير 1/ 392، و اللسان (حشا).
قوله: لا يتحشى: لا يبالي.
                       

264
مفردات ألفاظ القرآن

حاص ص 264

21]، أصله من حَيْصَ بيص أي: شدّة، و حَاصَ عن الحقّ يَحِيصُ، أي: حاد عنه إلى شدّة و مكروه. و أمّا الْحَوْصُ فخياطة الجلد و منه حُصْتُ عين الصّقر «1».
حيض‏
الْحَيْضُ: الدّم الخارج من الرّحم على وصف مخصوص في وقت مخصوص، و الْمَحِيضُ: الحيض و وقت الحيض و موضعه، على أنّ المصدر في هذا النّحو من الفعل يجي‏ء على مفعل، نحو: معاش و معاد، و قول الشاعر:
129-
         لا يستطيع بها القراد مَقِيلًا «2»


أي مكانا للقيلولة، و إن كان قد قيل: هو مصدر، و يقال: ما في برّك مكيل و مكال «3».
حيط
الْحَائِطُ: الجدار الذي يَحُوطُ بالمكان، و الْإِحَاطَةُ تقال على وجهين:
أحدهما: في الأجسام نحو: أَحَطْتُ بمكان كذا، أو تستعمل في الحفظ نحو: إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ مُحِيطٌ [فصلت/ 54]، أي: حافظ له من جميع جهاته، و تستعمل في المنع نحو:
إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ‏ [يوسف/ 66]، أي: إلّا أن تمنعوا، و قوله: أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ‏ [البقرة/ 81]، فذلك أبلغ استعارة، و ذاك أنّ الإنسان إذا ارتكب ذنبا و استمرّ عليه استجرّه إلى معاودة ما هو أعظم منه، فلا يزال يرتقي حتى يطبع على قلبه، فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه.
و الِاحْتِيَاطُ: استعمال ما فيه الْحِيَاطَةُ، أي:
الحفظ.
و الثاني: في العلم نحو قوله: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً [الطلاق/ 12]، و قوله عزّ و جلّ:
إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران/ 120]، و قوله: إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [هود/ 92]. و الْإِحَاطَةُ بالشي‏ء علما هي أن تعلم وجوده و جنسه و قدره و كيفيّته، و غرضه المقصود به و بإيجاده، و ما يكون به و منه، و ذلك ليس إلّا للّه تعالى، و قال عزّ و جلّ: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ‏
 [يونس/ 39]، فنفى ذلك عنهم. و قال صاحب موسى: وَ كَيْفَ تَصْبِرُ عَلى‏ ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً [الكهف/
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: حاص الثوب حوصا و حياصة: خاطه. انظر: الأفعال 1/ 418، و المجمل 1/ 258، و اللسان:
حوص.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         بنيت مرافقهنّ فوق مزلّة

و هو للراعي في ديوانه ص 241، و كتاب سيبويه 2/ 247، و المخصّص 1/ 55، و البحر 2/ 167.
 (3) قولهم: مكيل شاذ، لأنّ المصدر من فعل يفعل: مفعل- بكسر العين-.
يقال: ما في برّك مكال، و قد قيل: مكيل عن الأخفش، قال الجوهري: و صوابه مفعل. راجع: اللسان (كيل).

265
مفردات ألفاظ القرآن

حيط ص 265

68]، تنبيها أنّ الصّبر التّامّ إنّما يقع بعد إحاطة العلم بالشي‏ء، و ذلك صعب إلّا بفيض إلهيّ.
و قوله عزّ و جلّ: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ‏ [يونس/ 22]، فذلك إحاطة بالقدرة، و كذلك قوله عزّ و جلّ: وَ أُخْرى‏ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها [الفتح/ 21]، و على ذلك قوله:
إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ [هود/ 84].
حيف‏
الْحَيْفُ: الميل في الحكم و الجنوح إلى أحد الجانبين، قال اللّه تعالى: أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏ [النور/ 50]، أي: يخافون أن يجور في حكمه. و يقال تَحَيَّفْتُ الشي‏ء أخذته من جوانبه «1».
حاق‏
قوله تعالى: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* [هود/ 8]. قال عزّ و جلّ: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ [فاطر/ 43]، أي: لا ينزل و لا يصيب، قيل: و أصله حقّ فقلب، نحو: زلّ و زال، و قد قرئ: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ [البقرة/ 36]، و أزالهما «2» و على هذا: ذمّه و ذامه.
حول‏
أصل الْحَوْلِ تغيّر الشي‏ء و انفصاله عن غيره، و باعتبار التّغيّر قيل: حَالَ الشي‏ء يَحُولُ حُؤُولًا، و اسْتَحَالَ: تهيّأ لأن يحول، و باعتبار الانفصال قيل: حَالَ بيني و بينك كذا، و قوله تعالى:
وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ‏ [الأنفال/ 24]، فإشارة إلى ما قيل في وصفه: (يا مقلّب القلوب و الأبصار) «3»، و هو أن يلقي في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك، و قيل: على ذلك وَ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ ما يَشْتَهُونَ‏ [سبأ/ 54]، و قال بعضهم في قوله:
يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ‏ [الأنفال/ 24]، هو أن يهلكه، أو يردّه إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً «4»، و حَوَّلْتُ الشي‏ء فَتَحَوَّلَ:
غيّرته، إمّا بالذات، و إمّا بالحكم و القول، و منه:
أَحَلْتُ على فلان بالدّين. و قولك: حَوَّلْتُ الكتاب هو أن تنقل صورة ما فيه إلى غيره من غير إزالة الصّورة الأولى، و في المثل «5»: لو كان ذا حيلة لَتَحَوَّلَ، و قوله عزّ و جلّ: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا [الكهف/ 108]، أي: تحوّلا.
و الْحَوْلُ: السّنة، اعتبارا بانقلابها و دوران الشّمس في مطالعها و مغاربها، قال اللّه تعالى:
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 259.
 (2) و بها قرأ حمزة. انظر: الإتحاف 134.
 (3) الحديث عن أنس قال: كان النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم يكثر أن يقول: يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك. أخرجه أحمد 3/ 112.
 (4) انظر غرائب التفسير و عجائب التأويل 1/ 438.
 (5) الأمثال لأبي عبيد ص 337، و مجمع الأمثال 2/ 175.

266
مفردات ألفاظ القرآن

حول ص 266

وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ‏ [البقرة/ 233]، و قوله عزّ و جلّ: مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ‏ [البقرة/ 240]. و منه:
حَالَتِ السّنة تَحُولُ، و حَالَتِ الدّار: تغيّرت، و أَحَالَتْ و أَحْوَلَتْ: أتى عليها الحول «1»، نحو:
أعامت و أشهرت، و أَحَالَ فلان بمكان كذا: أقام به حولا، و حَالَتِ النّاقة تَحُولُ حِيَالًا: إذا لم تحمل «2»، و ذلك لتغيّر ما جرت به عادتها، و الْحَالُ: لما يختصّ به الإنسان و غيره من أموره المتغيّرة في نفسه و جسمه و قنيته، و الْحَوْلُ: ما له من القوّة في أحد هذه الأصول الثّلاثة، و منه قيل: لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، و حَوْلُ الشي‏ء:
جانبه الذي يمكنه أن يحوّل إليه، قال عزّ و جلّ:
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ‏ [غافر/ 7]، و الْحِيلَةُ و الْحُوَيْلَةُ: ما يتوصّل به إلى حالة ما في خفية، و أكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث، و قد تستعمل فيما فيه حكمة، و لهذا قيل في وصف اللّه عزّ و جلّ: وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ‏ [الرعد/ 13]، أي: الوصول في خفية من النّاس إلى ما فيه حكمة، و على هذا النّحو وصف بالمكر و الكيد لا على الوجه المذموم، تعالى اللّه عن القبيح. و الحيلة من الحول، و لكن قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها، و منه قيل: رجل حُوَلٌ «3»، و أمّا الْمُحَالُ: فهو ما جمع فيه بين المتناقضين، و ذلك يوجد في المقال، نحو أن يقال: جسم واحد في مكانين في حالة واحدة، و اسْتَحَالَ الشي‏ء: صار محالا، فهو مُسْتَحِيلٌ. أي: آخذ في أن يصير محالا، و الْحِوَلَاءُ: لما يخرج مع الولد «4». و لا أفعل كذا ما أرزمت أمّ حَائِلٍ «5»، و هي الأنثى من أولاد النّاقة إذا تحوّلت عن حال الاشتباه فبان أنها أنثى، و يقال للذّكر بإزائها: سقب. و الْحَالُ تستعمل في اللّغة للصّفة التي عليها الموصوف، و في تعارف أهل المنطق لكيفيّة سريعة الزّوال، نحو: حرارة و برودة، و يبوسة و رطوبة عارضة.
حين‏
الْحِينُ: وقت بلوغ الشي‏ء و حصوله، و هو مبهم المعنى و يتخصّص بالمضاف إليه، نحو قوله تعالى: وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ‏ [ص/ 3]، و من قال حين يأتي على أوجه: للأجل، نحو:
فَمَتَّعْناهُمْ إِلى‏ حِينٍ‏ [الصافات/ 148]، و للسّنة، نحو قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ‏

__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 1/ 258.
 (2) انظر: المجمل 1/ 258.
 (3) في اللسان: و رجل حول و حولة، مثل همزة: محتال شديد الاحتيال.
 (4) قال ابن منظور: و الحولاء و الحولاء من الناقة كالمشيمة للمرأة. اللسان (حول) و الغريب المصنف ورقة 27، نسخة تركيا.
 (5) انظر: اللسان (حول) 11/ 189، و المجمل 1/ 258.

267
مفردات ألفاظ القرآن

حين ص 267

بِإِذْنِ رَبِّها [إبراهيم/ 25]، و للساعة، نحو:
حِينَ تُمْسُونَ وَ حِينَ تُصْبِحُونَ‏ [الروم/ 17]، و للزّمان المطلق، نحو: هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الدهر/ 1]، وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ‏ [ص/ 88]. فإنما فسّر ذلك بحسب ما وجده قد علق به، و يقال:
عاملته مُحَايَنَةً: حينا و حينا، و أَحْيَنْتُ بالمكان:
أقمت به حينا، و حَانَ حِينُ كذا، أي: قرب أوانه، و حَيَّنْتُ الشي‏ء: جعلت له حينا، و الْحِينُ عبّر به عن حين الموت.
حيى‏
الْحَيَاةُ تستعمل على أوجه:
الأوّل: للقوّة النّامية الموجودة في النّبات و الحيوان، و منه قيل: نبات حَيٌّ، قال عزّ و جلّ:
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [الحديد/ 17]، و قال تعالى: وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [ق/ 11]، وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍ‏ [الأنبياء/ 30].
الثانية: للقوّة الحسّاسة، و به سمّي الْحَيَوَانُ حيوانا، قال عزّ و جلّ: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لَا الْأَمْواتُ‏ [فاطر/ 22]، و قوله تعالى: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَ أَمْواتاً [المرسلات/ 25- 26]، و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ إِنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ [فصلت/ 39]، فقوله: إِنَّ الَّذِي أَحْياها إشارة إلى القوّة النّامية، و قوله:
لَمُحْيِ الْمَوْتى‏ إشارة إلى القوّة الحسّاسة.
الثالثة: للقوّة العاملة العاقلة، كقوله تعالى:
أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ‏ [الأنعام/ 122]، و قول الشاعر:
130-
         و قد أسمعت لو ناديت حَيّاً             و لكن لا حَيَاةَ لمن تنادي «1»

و الرابعة: عبارة عن ارتفاع الغمّ، و بهذا النظر قال الشاعر:
131-
         ليس من مات فاستراح بميت             إنما الميت ميّت الْأَحْيَاءِ «2»

و على هذا قوله عزّ و جلّ: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [آل عمران/ 169]، أي: هم‏
__________________________________________________
 (1) البيت لكثير عزة من قصيدة له يرثي بها خندفا الأسدي، و مطلعها:
         شجا أظعان غاضرة الغوادي             بغير مشورة عرضا فؤادي‏
و هو في ديوانه ص 223، و معجم البلدان 4/ 194، و الأغاني 12/ 173.
 (2) البيت لعدي ابن الرعلاء، و الرعلاء أمه، و بعده:
         إنما الميت من يعيش كئيبا             كاسفا باله قليل الرجاء

و هو في معجم الشعراء ص 252، و قطر الندى ص 234، و اللسان (موت)، و البصائر 2/ 512.

268
مفردات ألفاظ القرآن

حيى ص 268

متلذّذون، لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشّهداء «1».
و الخامسة: الحياة الأخرويّة الأبديّة، و ذلك يتوصّل إليه بالحياة التي هي العقل و العلم، قال اللّه تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ‏ [الأنفال/ 24] «2»، و قوله: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي‏ [الفجر/ 24]، يعني بها: الحياة الأخرويّة الدّائمة.
و السادسة: الحياة التي يوصف بها الباري، فإنه إذا قيل فيه تعالى: هو حَيٌّ، فمعناه: لا يصحّ عليه الموت، و ليس ذلك إلّا للّه عزّ و جلّ.
و الحياة باعتبار الدّنيا و الآخرة ضربان:
الحياة الدّنيا، و الحياة الآخرة: قال عزّ و جلّ:
فَأَمَّا مَنْ طَغى‏ وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا [النازعات/ 38]، و قال عزّ و جلّ: اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ [البقرة/ 86]، و قال تعالى: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ‏ [الرعد/ 26]، أي: الأعراض الدّنيويّة، و قال: وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها [يونس/ 7]، و قوله تعالى: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى‏ حَياةٍ[البقرة/ 96]، أي: حياة الدّنيا، و قوله عزّ و جلّ: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى‏ [البقرة/ 260]، كان يطلب أن يريه الحياة الأخرويّة المعراة عن شوائب الآفات الدّنيويّة. و قوله عزّ و جلّ: وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة/ 179]، أي: يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل، فيكون في ذلك حياة الناس. و قال عزّ و جلّ: وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة/ 32]، أي: من نجّاها من الهلاك، و على هذا قوله مخبرا عن إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ قالَ: أَنَا أُحْيِي وَ أُمِيتُ‏ [البقرة/ 258]، أي:
أعفو فيكون إحياء. و الْحَيَوَانُ: مقرّ الحياة، و يقال على ضربين: أحدهما: ما له الحاسّة، و الثاني:
ما له البقاء الأبديّ، و هو المذكور في قوله عزّ و جلّ: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ‏ [العنكبوت/ 64]، و قد نبّه بقوله:
لَهِيَ الْحَيَوانُ‏ أنّ الحيوان الحقيقيّ السّرمديّ الذي لا يفنى، لا ما يبقى مدّة ثم يفنى، و قال بعض أهل اللّغة: الْحَيَوَانُ و الْحَيَاةُ واحد «3»، و قيل: الْحَيَوَانُ: ما فيه الحياة، و الموتان ما ليس فيه الحياة. و الْحَيَا: المطر، لأنه يحيي الأرض بعد موتها، و إلى هذا أشار بقوله تعالى:
وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍ‏ [الأنبياء/ 30]، و قوله تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى‏ [مريم/ 7]، فقد نبّه أنه سمّاه بذلك‏
__________________________________________________
 (1) انظر في ذلك الدر المنثور 2/ 371.
 (2) و عن مجاهد في الآية قال: هو هذا القرآن، فيه الحياة و النجاة و العصمة في الدنيا و الآخرة.
 (3) و هو مروي عن قتادة، راجع اللسان (حيا).

269
مفردات ألفاظ القرآن

حيى ص 268

من حيث إنه لم تمته الذّنوب، كما أماتت كثيرا من ولد آدم صلّى اللّه عليه و سلم، لا أنه كان يعرف بذلك فقط فإنّ هذا قليل الفائدة. و قوله عزّ و جلّ: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ يُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ* [يونس/ 31]، أي: يخرج الإنسان من النّطفة، و الدّجاجة من البيضة، و يخرج النّبات من الأرض، و يخرج النّطفة من الإنسان. و قوله عزّ و جلّ: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها [النساء/ 86]، و قوله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ [النور/ 61]، فَالتَّحِيَّةُ أن يقال: حَيَّاكَ اللّه، أي: جعل لك حياة، و ذلك إخبار، ثم يجعل دعاء. و يقال: حَيَّا فلان فلانا تَحِيَّةً إذا قال له ذلك، و أصل التّحيّة من الحياة، ثمّ جعل ذلك دعاء تحيّة، لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة، أو سبب حياة إمّا في الدّنيا، و أمّا في الآخرة، و
مِنْهُ «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» «1».
و قوله عزّ و جلّ: وَ يَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ* [البقرة/ 49]، أي: يستبقونهنّ، و الْحَيَاءُ:
انقباض النّفس عن القبائح و تركه، لذلك يقال:
حَيِيَ فهو حَيٌّ [حَيِىٌ‏] «2»، و اسْتَحْيَا فهو مُسْتَحْيٍ، و قيل:
اسْتَحَى فهو مُسْتَحٍ، قال اللّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها [البقرة/ 26]، و قال عزّ و جلّ: وَ اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ‏ [الأحزاب/ 53]، و
رُوِيَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْتَحِي مِنْ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَذِّبَهُ» «3».
فليس يراد به انقباض النّفس، إذ هو تعالى منزّه عن الوصف بذلك و إنّما المراد به ترك تعذيبه، و على هذا ما
رُوِيَ: «إِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ» «4».
أي: تارك للقبائح فاعل للمحاسن.
__________________________________________________
 (1) حديث التشهد، أخرجه البخاري 2/ 311، باب التشهد في الآخرة، و مسلم برقم (402)، و الترمذي (انظر:
عارضة الأحوذي 2/ 83، و معالم السنن 1/ 226)، و ابن ماجة برقم (899)، و النسائي 2/ 240 في التشهد.
 (2) انظر: الأفعال 1/ 372.
 (3) الحديث عن عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ اللّه يستحي أن يعذّب شيبة شابت في الإسلام».
قال العجلوني: هكذا ذكره الغزالي في الدرّة الفاخرة، و رواه السيوطي في الجامع الكبير عن ابن النجار بسند ضعيف. راجع: كشف الخفاء 1/ 244.
 (4) الحديث عن سلمان عن النبي قال: «إنّ اللّه حييّ كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردّهما صفرا خائبتين» أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة و الحاكم. قال البغوي: هذا حديث حسن غريب.
و قال ابن حجر: سنده جيد. راجع: فتح الباري 11/ 143، و شرح السنة 5/ 185، و سنن ابن ماجة 2/ 1271، و سنن أبي داود برقم (1488) كتاب الصلاة، باب الدعاء، و عارضة الأحوذي 13/ 68، و الحاكم 1/ 497، و انظر:
الفتح الكبير 1/ 333.
و في حديث آخر: «إنّ اللّه تعالى حييّ ستّير، يحبّ الحياء و الستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر» أخرجه أحمد في المسند 4/ 224، و أبو داود برقم 4012 و النسائي 1/ 200، و انظر: الفتح الكبير 1/ 333.

270
مفردات ألفاظ القرآن

حوايا ص 271

حوايا
الْحَوَايَا: جمع حَوِيَّةٍ، و هي الأمعاء و يقال للكساء الذي يلفّ به السّنام: حَوِيَّةٌ، و أصله من:
حَوَيْتُ كذا حَيّاً و حَوَايَةً «1»، قال اللّه تعالى: أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ‏ [الأنعام/ 146].
قوله عزّ و جلّ: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى‏ [الأعلى/ 5]، أي: شديد السّواد و ذلك إشارة إلى الدّرين «2»، نحو:
132-
         و طال حبس بالدّرين الأسود «3»
و قيل تقديره: و الّذي أخرج المرعى أحوى، فجعله غثاء «4»، و الْحُوَّةُ: شدّة الخضرة، و قد احْوَوَى يَحْوَوِي احْوِوَاءً، نحو ارعوى، و قيل ليس لهما نظير، و حَوَى حُوَّةً، و منه: أَحْوَى و حَوَّاءُ «5».
تمّ كتاب الحاء
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: و حوى الشي‏ء حواية: ملكه. انظر: الأفعال 1/ 422.
و في اللسان: و حوى الشي‏ء يحويه حيّا و حواية، و احتواه و احتوى عليه: جمعه و أحرزه.
 (2) الدرين: النبت الذي أتى عليه سنة ثم جفّ، و اليبيس الحولي هو الدرين.
 (3) البيت:
         إذا الصبا أجلت يبيس الغرقد             و طال حبس في الدّرين الأسود

و هو في الحجة للفارسي 2/ 371 دون نسبة.
 (4) و هذا قول الفرّاء في معاني القرآن 3/ 256.
 (5) انظر عمدة الحفاظ: حوى.

271
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الخاء

كتاب الخاء
خبت‏
الْخَبْتُ: المطمئن من الأرض، و أَخْبَتَ الرّجل: قصد الخبت، أو نزله، نحو: أسهل و أنجد، ثمّ استعمل الْإِخْبَاتُ استعمال اللّين و التّواضع، قال اللّه تعالى: وَ أَخْبَتُوا إِلى‏ رَبِّهِمْ‏
 [هود/ 23]، و قال تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ‏ [الحج/ 34]، أي: المتواضعين، نحو: لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ* [الأعراف/ 206]، و قوله تعالى: فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ‏ [الحج/ 54]، أي: تلين و تخشع، و الْإِخْبَاتُ هاهنا قريب من الهبوط في قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البقرة/ 74] «1».
خبث‏
الْخُبْثُ و الْخَبِيثُ: ما يكره رداءة و خساسة، محسوسا كان أو معقولا، و أصله الرّدي‏ء الدّخلة «2» الجاري مجرى خَبَثِ الحديد، كما قال الشاعر:
133-
         سبكناه و نحسبه لجينا             فأبدى الكير عن خَبَثِ الحديد «3»

و ذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، و الكذب في المقال، و القبيح في الفعال، قال عزّ و جلّ:
وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ‏ [الأعراف/ 157]، أي: ما لا يوافق النّفس من المحظورات، و قوله تعالى: وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ‏ [الأنبياء/ 74]، فكناية عن إتيان الرّجال. و قال تعالى: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ‏ [آل عمران/ 179]، أي: الأعمال الخبيثة من الأعمال الصالحة، و النّفوس الْخَبِيثَةَ من النّفوس الزّكيّة. و قال تعالى: وَ لا تَتَبَدَّلُوا
__________________________________________________
 (1) و هذا الباب منقول بتمامه في البصائر 2/ 521.
 (2) الدّخلة: البطانة الداخلة.
 (3) البيت في البصائر 2/ 522، و المستطرف 1/ 38 دون نسبة، و التمثيل و المحاضرة ص 288.

272
مفردات ألفاظ القرآن

خبث ص 272

الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏ [النساء/ 2]، أي: الحرام بالحلال، و قال تعالى: الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَ الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ‏ [النور/ 26]، أي:
الأفعال الرّديّة و الاختيارات المبهرجة لأمثالها، و كذا: الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ، و قال تعالى: قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَ الطَّيِّبُ‏ [المائدة/ 100]، أي: الكافر و المؤمن، و الأعمال الفاسدة و الأعمال الصّالحة، و قوله تعالى: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ [إبراهيم/ 26]، فإشارة إلى كلّ كلمة قبيحة من كفر و كذب و نميمة و غير ذلك، و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْمُؤْمِنُ أَطْيَبُ مِنْ عَمَلِهِ، وَ الْكَافِرُ أَخْبَثُ مِنْ عَمَلِهِ» «1».
و يقال: خبيث مُخْبِثٌ، أي: فاعل الخبث.
خبر
الْخُبْرُ: العلم بالأشياء المعلومة من جهة الْخَبَرِ، و خَبَرْتُهُ خُبْراً و خِبْرَةً، و أَخْبَرْتُ: أعلمت بما حصل لي من الخبر، و قيل الْخِبْرَةُ المعرفة ببواطن الأمر، و الْخَبَارُ و الْخَبْرَاءُ: الأرض اللّيِّنة «2»، و قد يقال ذلك لما فيها من الشّجر، و الْمُخَابَرَةُ: مزارعة الخبار بشي‏ء معلوم، و الْخَبِيرُ: الأكّار فيه، و الْخِبْرُ «3»: المزادة العظيمة، و شبّهت بها النّاقة فسمّيت خِبْراً، و قوله تعالى: وَ اللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ*
 [آل عمران/ 153]، أي: عالم بأخبار أعمالكم، و قيل أي:
عالم ببواطن أموركم، و قيل: خبير بمعنى مخبر، كقوله: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* [المائدة/ 105]، و قال تعالى: وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ‏ [محمد/ 31]، قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ‏ [التوبة/ 94]، أي: من أحوالكم التي نخبر عنها.
خبز
الْخُبْزُ معروف قال اللّه تعالى: أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً [يوسف/ 36]، و الْخُبْزَةُ: ما يجعل في الملّة، و الْخَبْزُ: اتّخاذه، و اخْتَبَزْتَ:
إذا أمرت بخبزه، و الْخِبَازَةُ صنعته، و استعير الخبز للسّوق الشّديد، لتشبيه هيئة السّائق بِالْخَابِزِ.
خبط
الْخَبْطُ: الضّرب على غير استواء، كخبط البعير الأرض بيده، و الرّجل الشّجر بعصاه، و يقال لِلْمَخْبُوطِ: خَبَطٌ «4»، كما يقال للمضروب: ضرب، و استعير لعسف السّلطان فقيل: سلطان خَبُوطٌ، و اخْتِبَاطُ المعروف: طلبه بعسف تشبيها بخبط الورق، و قوله تعالى:
يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ‏ [البقرة/
__________________________________________________
 (1) لم أجده في الحديث، لكن جاء نحوه عن عليّ بن أبي طالب قال: فاعل الخير خير منه، و فاعل الشر شرّ منه. نهج البلاغة ص 665.
 (2) انظر: المجمل 2/ 310.
 (3) الخبر بكسر الخاء و فتحها، انظر: اللسان (خبر)، و المجمل 2/ 310.
 (4) في اللسان: الخبط بالتحريك، فعل بمعنى مفعول، و هو من علف الإبل. انظر: خبط 7/ 282.

273
مفردات ألفاظ القرآن

خبط ص 273

275]، فيصحّ أن يكون من خبط الشّجر، و أن يكون من الاختباط الذي هو طلب المعروف،
يُرْوَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ» «1».
خبل‏
الْخَبَالُ الفساد الذي يلحق الحيوان فيورثه اضطرابا، كالجنون و المرض المؤثّر في العقل و الفكر، و يقال: خَبَلٌ و خَبْلٌ و خَبَالٌ، و يقال:
خَبَلَهُ و خَبَّلَهُ فهو خَابِلٌ، و الجمع الْخُبْلُ، و رجل مُخَبَّلٌ، قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا [آل عمران/ 118]، و قال عزّ و جلّ: ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [التوبة/ 47]، و
فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثاً كَانَ حَقّاً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ» «2».
قال زهير:
134-
         هنالك إن يُسْتَخْبَلُوا المال يُخْبِلُوا «3»
أي: إن طلب منهم إفساد شي‏ء من إبلهم أفسدوه.
خبو
خَبَتِ النار تَخْبُو: سكن لهبها، و صار عليها خباء من رماد، أي غشاء، و أصل الْخِبَاءُ الغطاء الذي يتغطّى به، و قيل لغشاء السّنبلة خِبَاءٌ، قال عزّ و جلّ: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً [الإسراء/ 97].
خب‏ء
يُخْرِجُ الْخَبْ‏ءَ [النمل/ 25]، يقال ذلك لكلّ مدّخر مستور، و منه قيل: جارية مُخْبَأَةٌ، و الْخُبْأَةُ: الجارية التي تظهر مرّة، و تَخْبَأُ أخرى، و الْخِبَاءُ: سمة في موضع خفيّ.
ختر
الْخَتْرُ: غدر يَخْتِرُ فيه الإنسان، أي: يضعف و يكسر لاجتهاده فيه، قال اللّه تعالى: كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ [لقمان/ 32].
ختم‏
الْخَتْمُ و الطّبع يقال على وجهين: مصدر خَتَمْتُ و طبعت، و هو تأثير الشي‏ء كنقش الخاتم‏
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه أبو داود في الصلاة باب الاستعاذة برقم (1552)، و النسائي 8/ 282، و انظر: جامع الأصول 4/ 361. و فيهما (عند الموت) بدل (من المس). و أخرجه أحمد في المسند 2/ 356.
 (2) الحديث عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «كلّ مسكر حرام، و إنّ على اللّه عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال»، قالوا: و ما طينة الخبال؟ قال: «عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار» أخرجه مسلم في باب الأشربة رقم 2002، و قريب منه في مسند الطيالسي 1/ 339، و الترمذي 1863، و ابن ماجة (3377) و سنده صحيح، و انظر: شرح السنة 11/ 356.
 (3) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و إن يسألوا يعطوا و إنّ ييسروا يغلوا

و هو في ديوانه ص 122، و المجمل 2/ 312.

274
مفردات ألفاظ القرآن

ختم ص 274

و الطّابع. و الثاني: الأثر الحاصل عن النّقش، و يتجوّز بذلك تارة في الاستيثاق من الشي‏ء، و المنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب و الأبواب، نحو: خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏
 [البقرة/ 7]، وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ‏
 [الجاثية/ 23]، و تارة في تحصيل أثر عن شي‏ء اعتبارا بالنقش الحاصل، و تارة يعتبر منه بلوغ الآخر، و منه قيل: خَتَمْتُ القرآن، أي:
انتهيت إلى آخره، فقوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏
 [البقرة/ 7]، و قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَ أَبْصارَكُمْ وَ خَتَمَ عَلى‏ قُلُوبِكُمْ‏
 [الأنعام/ 46]، إشارة إلى ما أجرى اللّه به العادة أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل، أو ارتكاب محظور- و لا يكون منه تلفّت بوجه إلى الحقّ- يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي، و كأنما يختم بذلك على قلبه، و على ذلك: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ سَمْعِهِمْ وَ أَبْصارِهِمْ [النحل/ 108]، و على هذا النّحو استعارة الإغفال في قوله عزّ و جلّ: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف/ 28]، و استعارة الكنّ في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ* [الأنعام/ 25]، و استعارة القساوة في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً [المائدة/ 13]، قال الجبّائيّ «1»: يجعل اللّه ختما على قلوب الكفّار، ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا يدعون لهم «2»، و ليس ذلك بشي‏ء فإنّ هذه الكتابة إن كانت محسوسة فمن حقّها أن يدركها أصحاب التّشريح، و إن كانت معقولة غير محسوسة فالملائكة باطّلاعهم على اعتقاداتهم مستغنية عن الاستدلال. و قال بعضهم: ختمه شهادته تعالى عليه أنه لا يؤمن، و قوله تعالى:
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى‏ أَفْواهِهِمْ‏ [يس/ 65]، أي: نمنعهم من الكلام، وَ خاتَمَ النَّبِيِّينَ‏ [الأحزاب/ 40]، لأنه خَتَمَ النّبوّة، أي: تمّمها بمجيئه. و قوله عزّ و جلّ: خِتامُهُ مِسْكٌ‏ [المطففين/ 26]، قيل: ما يُخْتَمُ به، أي:
يطبع، و إنما معناه: منقطعه و خاتمة شربه، أي:
سؤره في الطيّب مسك، و قول من قال يختم بالمسك «3» أي: يطبع، فليس بشي‏ء، لأنّ الشّراب يجب أن يطيّب في نفسه، فأمّا ختمه بالطّيب فليس ممّا يفيده، و لا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه.
خد
قال اللّه تعالى: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ [البروج/ 4]. الْخَدُّ و الْأُخْدُودُ: شقّ في الأرض‏
__________________________________________________
 (1) أبو علي الجبّائي، شيخ المعتزلة في زمانه توفي سنة 303 ه. انظر: ترجمته في طبقات المفسرين 2/ 191.
 (2) و هذا أيضا قول القاضي عبد الجبار من المعتزلة، و قول الحسن البصري. انظر الرازي 2/ 51.
 (3) و هذا قول قتادة أخرجه عنه عبد الرزاق قال: عاقبته مسك، قوم يمزج لهم بالكافور، و يختم لهم بالمسك. راجع:
الدر المنثور 8/ 451.

275
مفردات ألفاظ القرآن

خد ص 275

مستطيل غائص، و جمع الأخدود أَخَادِيدُ، و أصل ذلك من خَدَّيِ الإنسان، و هما: ما اكتنفا الأنف عن اليمين و الشمال. و الْخَدُّ يستعار للأرض، و لغيرها كاستعارة الوجه، و تَخَدُّدُ اللّحمِ: زواله عن وجه الجسم، يقال: خَدَّدْتُهُ فَتَخَدَّدَ.
خدع‏
الْخِدَاعُ: إنزال الغير عمّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه، قال تعالى:
يُخادِعُونَ اللَّهَ* [البقرة/ 9]، أي: يخادعون رسوله و أولياءه، و نسب ذلك إلى اللّه تعالى من حيث إنّ معاملة الرّسول كمعاملته، و لذلك قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح/ 10]، و جعل ذلك خداعا تفظيعا لفعلهم، و تنبيها على عظم الرّسول و عظم أوليائه. و قول أهل اللّغة: إنّ هذا على حذف المضاف، و إقامة المضاف إليه مقامه، فيجب أن يعلم أنّ المقصود بمثله في الحذف لا يحصل لو أتي بالمضاف المحذوف لما ذكرنا من التّنبيه على أمرين: أحدهما: فظاعة فعلهم فيما تحرّوه من الْخَدِيعَةِ، و أنّهم بِمُخَادَعَتِهِمْ إيّاه يخادعون اللّه، و الثاني: التّنبيه على عظم المقصود بالخداع، و أنّ معاملته كمعاملة اللّه، كما نبّه عليه بقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ ... الآية [الفتح/ 10]، و قوله تعالى:
وَ هُوَ خادِعُهُمْ‏ [النساء/ 142]، قيل معناه:
مجازيهم بالخداع، و قيل: على وجه آخر مذكور في قوله تعالى: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ [آل عمران/ 54] «1»، و قيل: خَدَعَ الضَّبُّ أي:
استتر في جحره، و استعمال ذلك في الضّبّ أنه يعدّ عقربا تلدغ من يدخل يديه في جحره، حتى قيل: العقرب بوّاب الضّبّ و حاجبه «2»، و لاعتقاد الخديعة فيه قيل: أَخْدَعُ من ضبّ «3»
، و طريق خَادِعٌ و خَيْدَعٌ: مضلّ، كأنه يخدع سالكه. و الْمَخْدَعُ:
بيت في بيت، كأنّ بانيه جعله خادعا لمن رام تناول ما فيه، و خَدَعَ الريق: إذا قلّ «4»، متصوّرا منه هذا المعنى، و الْأَخْدَعَانِ «5» تصوّر منهما الخداع لاستتارهما تارة، و ظهورهما تارة، يقال:
خَدَعْتُهُ: قطعت أَخْدَعَهُ، و
فِي الْحَدِيثِ: «بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ» «6».
أي: محتالة لتلوّنها بالجدب مرّة، و بالخصب مرّة.
__________________________________________________
 (1) أي: هذا من باب المشاكلة في اللفظ.
 (2) انظر: البصائر 2/ 530، و عمدة الحفاظ: خدع.
 (3) انظر الأمثال ص 364.
 (4) انظر: المجمل 2/ 279.
 (5) هما عرقان خفيان في موضع الحجامة من العنق.
 (6) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «قبل الساعة سنون خداعة يكذّب فيها الصادق، و يصدّق فيها الكاذب، و يخوّن فيها الأمين، و يؤتمن الخائن، و ينطق بها الرويبضة» و يروى عن أنس عن النبي: «و إنّ أمام الدجال.

276
مفردات ألفاظ القرآن

خدن ص 277

خدن‏
قال اللّه تعالى: وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ‏
 [النساء/ 25]، جمع خِدْنٍ، أي المصاحب، و أكثر ذلك يستعمل فيمن يصاحب بشهوة، يقال:
خِدْنُ المرأة و خَدِينُهَا، و قول الشاعر:
135-
         خَدِينُ العلى «1»
فاستعارة، كقولهم: يعشق العلى، و يشبّب بالنّدى و ينسب بالمكارم.
خذل‏
قال تعالى: وَ كانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا [الفرقان/ 29]، أي: كثير الخذلان، و الْخِذْلَانُ: ترك من يظنّ به أن ينصر نصرته، و لذلك قيل: خَذَلَتِ الوحشيّة ولدها، و تَخَاذَلَتْ رجلا فلان، و منه قول الأعشى:
136-
         بين مغلوب تليل خدّه             و خَذُولِ الرّجل من غير كسح «2»

و رجل خُذَلَةٌ: كثيرا ما يَخْذُلُ.
خذ
قال اللّه تعالى: فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَ كُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ‏ [الأعراف/ 144]، و خُذُوهُ‏ «3» أصله من: أخذ، و قد تقدّم.
خر
فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ [الحج/ 31]، و قال تعالى: فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُ‏ [سبأ/ 14]، و قال تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ‏ [النحل/ 26]، فمعنى خَرَّ سقط سقوطا يسمع منه خرير، و الْخَرِيرُ يقال لصوت الماء و الرّيح و غير ذلك ممّا يسقط من علوّ.
و قوله تعالى: خَرُّوا سُجَّداً* [السجدة/ 15]، فاستعمال الخرّ تنبيه على اجتماع أمرين:
السّقوط، و حصول الصّوت منهم بالتّسبيح، و قوله من بعده: وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ [السجدة/ 15]، فتنبيه أنّ ذلك الخرير كان تسبيحا بحمد اللّه لا بشي‏ء آخر.
خرب‏
يقال: خَرِبَ المكان خَرَاباً، و هو ضدّ العمارة، قال اللّه تعالى: وَ سَعى‏ فِي خَرابِها [البقرة/ 114]، و قد أَخْرَبَه، و خَرَّبَهُ، قال اللّه تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ‏ [الحشر/ 2]، فتخريبهم بأيديهم إنما كان لئلّا تبقى للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم و أصحابه، و قيل:
كان بإجلائهم عنها. و الْخُرْبَةُ: شقّ واسع في‏
__________________________________________________
سنين خداعة» .. إلخ. قال ابن كثير: هذا إسناد قوي جيد. انظر: مسند أحمد 2/ 338، و الفتن و الملاحم لابن كثير 1/ 57، و الدر المنثور 7/ 475.
 (1) هو في عمدة الحفاظ (خدن).
 (2) البيت في ديوانه ص 41، و عجزه في المجمل 2/ 281. التليل: الصريع.
 (3) الآية خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم الدخان: 47.

277
مفردات ألفاظ القرآن

خرب ص 277

الأذن، تصوّرا أنه قد خرب أذنه، و يقال: رجل أَخْرَبُ، و امرأة خَرْبَاءُ، نحو: أقطع و قطعاء، ثمّ شبّه به الخرق في أذن المزادة، فقيل: خُرْبَةُ المزادة، و استعارة ذلك كاستعارة الأذن له، و جعل الْخَارِبُ مختصّا بسارق الإبل، و الْخَرْبُ «1»:
ذكر الحبارى، و جمعه خِرْبَانٌ، قال الشاعر:
137-
         أبصر خِرْبَانَ فضاء فانكدر «2»
خرج‏
خَرَجَ خُرُوجاً: برز من مقرّه أو حاله، سواء كان مقرّه دارا، أو بلدا، أو ثوبا، و سواء كان حاله حالة في نفسه، أو في أسبابه الخارجة، قال تعالى: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ‏
 [القصص/ 21]، و قال تعالى: فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ‏ [الأعراف/ 13]، و قال: وَ ما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَةٍ مِنْ أَكْمامِها [فصلت/ 47] «3»، فَهَلْ إِلى‏ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ‏ [غافر/ 11]، يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها [المائدة/ 37]، و الْإِخْرَاجُ أكثر ما يقال في الأعيان، نحو: أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ‏ [المؤمنون/ 35]، و قال عزّ و جلّ:
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ‏ [الأنفال/ 5]، وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً [الإسراء/ 13]، و قال تعالى: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ‏ [الأنعام/ 93]، و قال: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ‏ [النمل/ 56]، و يقال في التّكوين الذي هو من فعل اللّه تعالى: وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ‏ [النحل/ 78]، فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى‏ [طه/ 53]، و قال تعالى: يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ‏ [الزمر/ 21]، و التَّخْرِيجُ أكثر ما يقال في العلوم و الصّناعات، و قيل لما يخرج من الأرض و من وكر الحيوان و نحو ذلك: خَرْجٌ و خَرَاجٌ، قال اللّه تعالى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ [المؤمنون/ 72]، فإضافته إلى اللّه تعالى تنبيه أنه هو الذي ألزمه و أوجبه، و الخرج أعمّ من الخراج، و جعل الخرج بإزاء الدّخل، و قال تعالى: فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً [الكهف/ 94]، و الْخَرَاجُ مختصّ في الغالب بالضّريبة على الأرض، و قيل: العبد يؤدّي خرجه، أي: غلّته، و الرّعيّة تؤدّي إلى الأمير الخراج، و الْخَرْجُ أيضا من السحاب، و جمعه خُرُوجٌ، و
قِيلَ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» «4».
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 285، و حياة الحيوان 1/ 412.
 (2) الشطر للعجاج، و هو في ديوانه ص 17، و مجاز القرآن 2/ 287.
 (3) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و حمزة و الكسائي و خلف و يعقوب و شعبة عن عاصم بالإفراد ثمرة، و قرأ الباقون ثمرات بالجمع. انظر: الإتحاف ص 382.
 (4) الحديث رواه أحمد 6/ 48 و أبو داود في البيوع برقم (3058) و الترمذي برقم (1258) و حسنه عن عائشة مرفوعا،.

278
مفردات ألفاظ القرآن

خرج ص 278

أي: ما يخرج من مال البائع فهو بإزاء ما سقط عنه من ضمان المبيع، و الْخَارِجِيُّ: الذي يخرج بذاته عن أحوال أقرانه، و يقال ذلك تارة على سبيل المدح إذا خرج إلى منزلة من هو أعلى منه، و تارة يقال على سبيل الذّمّ إذا خرج إلى منزلة من هو أدنى منه، و على هذا يقال: فلان ليس بإنسان تارة على المدح كما قال الشاعر:
138-
         فلست بإنسيّ و لكن لملأك             تنزّل من جوّ السماء يصوب «1»

و تارة على الذّمّ نحو: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ [الفرقان/ 44]، و الْخَرَجُ: لونان من بياض و سواد، و يقال: ظليم أَخْرَجُ، و نعامة خَرْجَاءُ، و أرض مُخَرَّجَةٌ «2»: ذات لونين، لكون النبات منها في مكان دون مكان، و الْخَوَارِجُ لكونهم خارجين عن طاعة الإمام.
خرص‏
الْخَرْصُ: حرز الثّمرة، و الْخِرْصُ:
المحروز، كالنّقض للمنقوض، و قيل: الْخَرْصُ الكذب في قوله تعالى: إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ* [الزخرف/ 20]، قيل: معناه يكذبون. و قوله تعالى: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ‏ [الذاريات/ 10]، قيل: لعن الكذّابون، و حقيقة ذلك: أنّ كلّ قول مقول عن ظنّ و تخمين يقال:
خَرْصٌ، سواء كان مطابقا للشي‏ء أو مخالفا له، من حيث إنّ صاحبه لم يقله عن علم و لا غلبة ظنّ و لا سماع، بل اعتمد فيه على الظّنّ و التّخمين، كفعل الْخَارِصِ في خرصه، و كلّ من قال قولا على هذا النحو قد يسمّى كاذبا- و إن كان قوله مطابقا للمقول المخبر عنه- كما حكي عن المنافقين في قوله عزّ و جلّ: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ، وَ اللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ، وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ [المنافقون/ 1].
خرط
قال تعالى: سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ‏ [القلم/ 16]، أي: نلزمه عارا لا ينمحي عنه، كقولهم: جدعت أنفه، و الْخُرْطُومُ: أنف الفيل، فسمّي أنفه خرطوما استقباحا له.
خرق‏
الْخَرْقُ: قطع الشي‏ء على سبيل الفساد من‏
__________________________________________________
و النسائي 7/ 254، و ابن ماجة (2242)، و الحاكم 2/ 15. انظر: كشف الخفاء 1/ 376، و التلخيص الحبير 3/ 22.
 (1) البيت لعلقمة بن عبدة من مفضليته التي مطلعها:
         طحا بك قلب في الحسان طروب             بعيد الشّباب عصر حان مشيب‏

و هو في المفضليات ص 394.
 (2) انظر: اللسان (خرج).

279
مفردات ألفاظ القرآن

خرق ص 279

غير تدبّر و لا تفكّر، قال تعالى: أَ خَرَقْتَها لِتُغْرِقَ أَهْلَها [الكهف/ 71]، و هو ضدّ الخلق، فإنّ الْخَلْقَ هو فعل الشي‏ء بتقدير و رفق، و الخرق بغير تقدير، قال تعالى: وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ [الأنعام/ 100]، أي: حكموا بذلك على سبيل الخرق، و باعتبار القطع قيل: خَرَقَ الثوبَ، و خَرَّقَهُ، و خَرَقَ المفاوز، و اخْتَرَقَ الرّيح. و خصّ الْخَرْقُ و الْخَرِيقُ بالمفاوز الواسعة، إمّا لاختراق الريح فيها، و إمّا لتخرّقها في الفلاة، و خصّ الْخِرْقُ بمن ينخرق في السخاء «1». و قيل لثقب الأذن إذا توسّع: خَرْقٌ، و صبيّ أَخْرَقُ، و امرأة خَرْقَاءُ: مثقوبة الأذن ثقبا واسعا، و قوله تعالى: إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ‏ [الإسراء/ 37]، فيه قولان:
أحدهما: لن تقطع، و الآخر: لن تثقب الأرض إلى الجانب الآخر، اعتبارا بالخرق في الأذن، و باعتبار ترك التقدير قيل: رجل أَخْرَقُ، و خَرِقٌ، و امرأة خَرْقَاءُ، و شبّه بها الريح في تعسّف مرورها فقيل: ريح خرقاء. و
رُوِيَ: «مَا دَخَلَ الْخَرْقُ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا شَانَهُ» «2».
و من الخرق استعيرت الْمَخْرَقَةُ، و هو إظهار الخرق توصّلا إلى حيلة، و الْمِخْرَاقُ: شي‏ء يلعب به، كأنّه يخرق لإظهار الشي‏ء بخلافه، و خَرِقَ الغزال «3»: إذا لم يحسن أن يعدو لخرقه.
خزن‏
الْخَزْنُ: حفظ الشي‏ء في الْخِزَانَةِ، ثمّ يعبّر به عن كلّ حفظ كحفظ السّرّ و نحوه، و قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ‏ [الحجر/ 21]، وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [المنافقون/ 7]، فإشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده، أو إلى الحالة التي أشار إليها
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْخَلْقِ وَ الْخُلُقِ وَ الرِّزْقِ وَ الْأَجَلِ» «4».
و قوله تعالى: فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ‏ [الحجر/ 22]، قيل معناه: حافظين له بالشّكر، و قيل: هو إشارة إلى ما أنبأ عنه قوله:
أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ ...
__________________________________________________
 (1) في اللسان: و الخرق بالكسر: الكريم المتخرّق في الكرم، و في المجمل: الخرق: السخيّ يتخرّق في السخاء.
 (2) الحديث رواه العسكري من حديث عبد الرزاق عن أنس مرفوعا: «ما كان الرفق في شي‏ء قطّ إلا زانه، و لا كان الخرق في شي‏ء قط إلا شانه»، و أخرجه مسلم بلفظ: «إنّ الرفق لا يكون في شي‏ء إلا زانه، و لا نزع من شي‏ء إلا شانه».
راجع: المقاصد الحسنة ص 114، و صحيح مسلم في البر و الصلة رقم 2594.
 (3) انظر: المجمل 2/ 285، و الأفعال 1/ 490.
 (4) الحديث عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «فرغ إلى ابن آدم من أربع: الخلق و الخلق و الأجل و الرزق» أخرجه الطبراني في الأوسط 2/ 336، و هو في مجمع الزوائد 7/ 195 كتاب القدر، و الفتح الكبير 2/ 266. و فيه عيسى بن المسيب البجلي، و هو ضعيف عند الجمهور، و وثقه الحاكم و الدارقطني في سننه، و ضعفه في غيرها.
و للحديث طرق أخرى و روايات أخرى عند الطبراني و أحمد و ابن عساكر، و انظر: مسند أحمد 2/ 167.

280
مفردات ألفاظ القرآن

خزن ص 280

الآية [الواقعة/ 69]، و الْخَزَنَةُ: جمع الْخَازِنِ، وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها*
 [الزمر/ 71 و 73]، في صفة النار و صفة الجنّة، و قوله: لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ* [الأنعام/ 50]، أي:
مقدوراته التي منعها الناس، لأنّ الْخَزْنَ ضرب من المنع، و قيل: جوده الواسع و قدرته، و قيل:
هو قوله كن، و الْخَزْنُ في اللّحم أصله الادّخار، فكنّي به عن نتنه، يقال: خَزِنَ اللّحم «1»: إذا أنتن، و خَنِزَ بتقدّم النّون.
خزى‏
خَزِيَ الرّجل: لحقه انكسار، إمّا من نفسه، و إمّا من غيره. فالذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط، و مصدره الْخَزَايَةُ «2» و رجل خَزْيَانُ، و امرأة خَزْيَى و جمعه خَزَايَا. و
فِي الْحَدِيثِ:
 «اللَّهُمَّ احْشُرْنَا غَيْرَ خَزَايَا وَ لَا نَادِمِينَ» «3».
و الذي يلحقه من غيره يقال: هو ضرب من الاستخفاف، و مصدره الْخِزْيُ، و رجل خِزْيٌ. قال تعالى: ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا [المائدة/ 33]، و قال تعالى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ‏ [النحل/ 27]، فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزمر/ 26]، لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [فصلت/ 16]، و قال: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى‏ [طه/ 134]، و أَخْزَى يقال من الخزاية و الخزي جميعا، و قوله: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا [التحريم/ 8]، فهو من الخزي أقرب، و إن جاز أن يكون منهما جميعا، و قوله تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ‏ [آل عمران/ 192]، فمن الخزاية، و يجوز أن يكون من الخزي، و كذا قوله: مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ* [هود/ 39]، و قوله: وَ لا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران/ 194]، وَ لِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ‏ [الحشر/ 5]، و قال:
وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي‏ [هود/ 78]، و على نحو ما قلنا في خزي قولهم: ذلّ و هان، فإنّ ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له: الهون و الذّلّ، و يكون محمودا، و متى كان من غيره يقال له: الهون، و الهوان، و الذّلّ، و يكون مذموما.
خسر
الْخُسْرُ و الْخُسْرَانُ: انتقاص رأس المال، و ينسب ذلك إلى الإنسان، فيقال: خَسِرَ فلان، و إلى الفعل فيقال: خسرت تجارته، قال تعالى:
تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ [النازعات/ 12]، و يستعمل ذلك في المقتنيات الخارجة كالمال و الجاه في الدّنيا و هو الأكثر، و في المقتنيات‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 1/ 489، و المجمل 2/ 287، و المنتخب لكراع النمل 2/ 594.
 (2) قال السرقسطي: خزيته خزاية: استحييت منه.
 (3) انظر: النهاية 2/ 30. و في حديث مسلم 1/ 47: مرحبا بالوفد غير خزايا و لا الندامى.

281
مفردات ألفاظ القرآن

خسر ص 281

النّفسيّة كالصّحّة و السّلامة، و العقل و الإيمان، و الثّواب، و هو الذي جعله اللّه تعالى الخسران المبين، و قال: الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ أَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ‏ [الزمر/ 15]، و قوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ‏ [البقرة/ 121]، و قوله: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ*- إلى- أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ* [البقرة/ 27]، و قوله: فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ‏ [المائدة/ 30]، و قوله:
وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَ لا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ‏ [الرحمن/ 9]، يجوز أن يكون إشارة إلى تحرّي العدالة في الوزن، و ترك الحيف فيما يتعاطاه في الوزن، و يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى تعاطي ما لا يكون به ميزانه في القيامة خاسرا، فيكون ممّن قال فيه: وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ* [الأعراف/ 9]، و كلا المعنيين يتلازمان، و كلّ خسران ذكره اللّه تعالى في القرآن فهو على هذا المعنى الأخير، دون الخسران المتعلّق بالمقتنيات الدّنيويّة و التّجارات البشريّة.
خسف‏
الْخُسُوفُ للقمر، و الكسوف للشمس «1»، و قال بعضهم: الكسوف فيهما إذا زال بعض ضوئهما، و الخسوف: إذا ذهب كلّه. و يقال خَسَفَهُ اللّه و خسف هو، قال تعالى: فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ‏
 [القصص/ 81]، و قال: لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا [القصص/ 82]، و
فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَ لَا لِحَيَاتِهِ» «2».
و عين خَاسِفَةٌ: إذا غابت حدقتها، فمنقول من خسف القمر، و بئر مَخْسُوفَةٌ: إذا غاب ماؤها و نزف، منقول من خسف اللّه القمر. و تصوّر من خسف القمر مهانة تلحقه، فاستعير الْخَسْفُ للذّلّ، فقيل: تحمّل فلان خسفا.
خسأ
خَسَأْتُ الكلب فَخَسَأَ، أي: زجرته مستهينا به فانزجر، و ذلك إذا قلت له: اخْسَأْ، قال تعالى في صفة الكفّار: اخْسَؤُا فِيها وَ لا تُكَلِّمُونِ‏ [المؤمنون/ 108]، و قال تعالى: قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ* [البقرة/ 65]، و منه: خَسَأَ البَصَرُ، أي انقبض عن مهانة، قال: خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ [الملك/ 4].
خشب‏
قال تعالى: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ [المنافقون/ 4]، شبّهوا بذلك لقلّة غنائهم، و هو جمع الْخَشَبِ و من لفظ الخشب قيل خَشَبْتَ‏
__________________________________________________
 (1) و هذا قول ثعلب: اللسان: خسف.
 (2) الحديث أخرجه البخاري في باب الصلاة في كسوف القمر 2/ 547، و أبواب أخرى للخسوف، و النسائي 3/ 127.

282
مفردات ألفاظ القرآن

خشب ص 282

السيف: إذا صقلته بالخشب الذي هو المصقل، و سيف خَشِيبٌ قريب العهد بالصّقل، و جمل خَشِيبٌ أي: جديد لم يُرَضْ، تشبيها بالسّيف الخشيب، و تَخَشَّبَتِ الإبل: أكلت الخشب، و جبهة خَشْبَاءُ: يابسة كالخشب، و يعبّر بها عمّن لا يستحي، و ذلك كما يشبّه بالصّخر في نحو قول الشاعر:
139-
         و الصّخر هشّ عند وجهك في الصّلابة «1»


و الْمَخْشُوبُ: المخلوط به الخشب، و ذلك عبارة عن الشي‏ء الرّدي‏ء.
خشع‏
الْخُشُوعُ: الضّراعة، و أكثر ما يستعمل الخشوع فيما يوجد على الجوارح. و الضّراعة أكثر ما تستعمل فيما يوجد في القلب و لذلك قيل فيما روي:
رُوِيَ: «إِذَا ضَرَعَ الْقَلْبُ خَشَعَتِ الْجَوَارِحُ» «2».
قال تعالى: وَ يَزِيدُهُمْ خُشُوعاً [الإسراء/ 109]، و قال: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ‏ [المؤمنون/ 2]، وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ‏ [الأنبياء/ 90]، وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ‏ [طه/ 108]، خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ* [القلم/ 43]، أَبْصارُها خاشِعَةٌ
 [النازعات/ 9]، كناية عنها و تنبيها على تزعزعها كقوله: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الواقعة/ 4]، و إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة/ 1]، يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً وَ تَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً [الطور/ 9- 10].
خشى‏
الْخَشْيَةُ: خوف يشوبه تعظيم، و أكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، و لذلك خصّ العلماء بها في قوله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ
 [فاطر/ 28]، و قال: وَ أَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى‏* وَ هُوَ يَخْشى‏ [عبس/ 8- 9]، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ‏ [ق/ 33]، فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما [الكهف/ 80]، فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي‏ [البقرة/ 150]، يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً [النساء/ 77]، و قال: الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ‏ [الأحزاب/ 39]، وَ لْيَخْشَ الَّذِينَ ...
 الآية [النساء/ 9]، أي:
ليستشعروا خوفا من معرّته، و قال تعالى: وَ لا
__________________________________________________
 (1) البيت لمنصور بن ماذان، و هو في محاضرات الراغب 1/ 285. و فيها (الوقاحة) بدل (الصلابة).
 (2) الحديث عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنه رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال: «لو خشع قلبه لخشعت جوارحه» أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 1/ 317، قال العراقي: بسند ضعيف. و المعروف أنه من قول سعيد بن المسيب، رواه ابن أبي شيبة في المصنف و فيه رجل لم يسمّ. و روى محمد بن نصر في كتاب الصلاة من رواية عثمان بن أبي دهرس مرسلا: لا يقبل اللّه من عبده عملا حتى يشهد قلبه مع بدنه. و رواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبيّ بن كعب، و إسناده ضعيف. راجع: تخريج أحاديث الإحياء 1/ 339.

283
مفردات ألفاظ القرآن

خشى ص 283

تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ‏ [الإسراء/ 31]، أي: لا تقتلوهم معتقدين مخافة أن يلحقهم إملاق، لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ‏ [النساء/ 25]، أي:
لمن خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه.
خص‏
التَّخْصِيصُ و الِاخْتِصَاصُ و الْخُصُوصِيَّةُ و التَّخَصُّصُ: تفرّد بعض الشي‏ء بما لا يشاركه فيه الجملة، و ذلك خلاف العموم، و التّعمّم، و التّعميم، و خُصَّانُ «1» الرّجل: من يختصّه بضرب من الكرامة، و الْخاصَّةُ: ضدّ العامّة، قال تعالى: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال/ 25]، أي: بل تعمّكم، و قد خَصَّهُ بكذا يَخُصُّهُ، و اخْتَصَّهُ يَخْتَصُّهُ، قال: يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ* [آل عمران/ 74]، و خُصَاصُ البيت: فرجة، و عبّر عن الفقر الذي لم يسدّ بِالْخَصَاصَةِ، كما عبّر عنه بِالْخَلَّةِ، قال: وَ يُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الحشر/ 9]، و إن شئت قلت من الخصاص، و الْخُصُّ: بيت من قصب أو شجر، و ذلك لما يرى فيه من الخصاصة.
خصف‏
قال تعالى: وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما* [الأعراف/ 22]، أي: يجعلان عليهما خَصَفَةً، و هي أوراق، و منه قيل لجلّة التّمر: خَصَفَةٌ «2»، و للثّياب الغليظة، جمعه خَصَفٌ «3»، و لما يطرق به الخفّ: خَصَفَةٌ، و خَصَفْتُ النّعل بِالْمِخْصَفِ.
و
رُوِيَ: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ) «4».
و خَصَفْتُ الخصفة: نسجتها، و الْأَخْصَفُ و الْخَصِيفُ قيل: الأبرق من الطّعام، و هو لونان من الطّعام، و حقيقته: ما جعل من اللّبن و نحوه في خصفة فيتلوّن بلونها.
خصم‏
الْخَصْمُ مصدر خَصَمْتُهُ، أي: نازعته خَصْماً، يقال: خَاصَمْتُهُ و خَصَمْتُهُ مُخَاصَمَةً و خِصَاماً، قال تعالى: وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ‏ [البقرة/ 204]، وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏ [الزخرف/ 18]، ثم سمّي الْمُخَاصِمُ خصما، و استعمل للواحد و الجمع، و ربّما ثنّي، و أصل الْمُخَاصَمَةِ: أن يتعلّق كلّ واحد بخُصم الآخر، أي جانبه و أن يجذب كلّ واحد خُصْمَ الجوالق‏
__________________________________________________
 (1) و الخصّان و الخصّان كالخاصة، و منه قولهم: إنما يفعل هذا خصّان الناس، أي: خواصّ منهم. انظر: اللسان (خصص).
 (2) انظر: المجمل 2/ 290.
 (3) جمعه: خصف و خصاف، انظر: اللسان (خصف).
 (4) الحديث عن عائشة أنها سئلت ما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يعمل في بيته؟ قالت: كان يخيط ثوبه و يخصف نعله، و يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. أخرجه أحمد في المسند 6/ 121، و في الزهد ص 9.

284
مفردات ألفاظ القرآن

خصم ص 284

من جانب، و
رُوِيَ: (نَسِيتُهُ فِي خُصْمِ فِرَاشِي) «1».
و الجمع خُصُومٌ و أَخْصَامٌ، و قوله: خَصْمانِ اخْتَصَمُوا [الحج/ 19]، أي: فريقان، و لذلك قال: اخْتَصَمُوا
 و قال: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ‏ [ق/ 28]، و قال: وَ هُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ‏ [الشعراء/ 96]، و الْخَصِيمُ:
الكثير المخاصمة، قال: هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ* [النحل/ 4]، و الْخَصِمُ: المختصّ بالخصومة، قال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ‏ [الزخرف/ 58].
خضد
قال اللّه: فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة/ 28]، أي: مكسور الشّوك، يقال: خَضَدْتُهُ فَانْخَضَدَ، فهو مَخْضُودٌ و خَضِيدٌ، و الْخَضَدُ:
المخضود، كالنّقض في المنقوض، و منه استعير: خُضِدَ عُنُقُ البعير، أي: كسر.
خضر
قال تعالى: فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً [الحج/ 63]، وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ‏ [الكهف/ 31]، فَخُضْرٌ جمع أَخْضَرَ، و الْخُضْرَةُ: أحد الألوان بين البياض و السّواد، و هو إلى السّواد أقرب، و لهذا سمّي الأسود أخضر، و الأخضر أسود قال الشاعر:
140-
         قد أعسف النازح المجهول معسفه             في ظلّ أَخْضَرَ يدعو هامه البوم «2»

و قيل: سواد العراق للموضع الذي يكثر فيه الخضرة، و سمّيت الخضرة بالدّهمة في قوله سبحانه: مُدْهامَّتانِ [الرحمن/ 64]، أي:
خَضْرَاوَانِ، و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِيَّاكُمْ وَ خَضْرَاءَ الدِّمَنِ» «3».
فقد فسّره عليه السلام حيث‏
قَالَ: «الْمَرْأَةُ الْحَسْنَاءُ فِي مَنْبِتِ السَّوْءِ».
و الْمُخَاضَرَةُ:
المبايعة على الْخُضْرِ و الثمار قبل بلوغها، و الْخَضِيرَةُ: نخلة ينتثر بسرها أخضر.
خضع‏
قال اللّه: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ‏

__________________________________________________
 (1) الحديث: قالت له أمّ سلمة: أراك ساهم الوجه، أ من علّة؟ قال: «لا، و لكنّ السبعة الدنانير التي أتينا بها أمس نسيتها في خصم الفراش، فبتّ و لم أقسمها». أخرجه ابن قتيبة في غريب الحديث 1/ 329، و فيه عبد الملك بن عمير و هو ثقة إلّا أنه تغيّر حفظه، و ربما دلّس.
راجع: اللسان (خصم)، و النهاية 2/ 38.
 (2) البيت لذي الرّمة، من قصيدة له مطلعها البيت الشهير:
         أ عن ترسمت من خرقاء منزلة             ماء الصّبابة من عينيك مسجوم‏
و هو في ديوانه ص 656، و اللسان (عسف). أعسف: أسير على غير هداية.
 (3) الحديث عن أبي سعيد يرفعه: «إياكم و خضراء الدّمن»، قيل: و ما ذا يا رسول اللّه؟ قال: «المرأة الحسناء في المنبت السوء». أخرجه الدارقطني في الأفراد، و الرامهرمزي و العسكري في الأمثال، و ابن عدي في الكامل و القضاعي في مسند الشهاب، و الخطيب في إيضاح الملتبس، و الديلمي. و قال الدارقطني: لا يصح من وجه. انظر: المقاصد الحسنة ص 135، و كشف الخفاء 1/ 272.

285
مفردات ألفاظ القرآن

خضع ص 285

 [الأحزاب/ 32]، الْخُضُوعُ: الخشوع، و قد تقدّم، و رجل خُضَعَةٌ: كثير الخضوع، و يقال: خَضَعْتُ اللحم، أي: قطعته، و ظليم أَخْضَعُ: في عنقه تطامن «1».
خط
الْخَطُّ كالمدّ، و يقال لما له طول، و الْخُطُوطُ أضرب فيما يذكره أهل الهندسة من مسطوح، و مستدير، و مقوّس، و ممال، و يعبّر عن كلّ أرض فيها طول بالخطّ كخطّ اليمن، و إليه ينسب الرّمح الْخَطِّيُّ، و كلّ مكان يَخُطُّهُ الإنسان لنفسه و يحفره يقال له خَطٌّ و خِطَّةٌ. و الْخَطِيطَةُ:
أرض لم يصبها مطر بين أرضين ممطورتين كالخطّ المنحرف عنه، و يعبّر عن الكتابة بِالْخَطِّ، قال تعالى: وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ‏ [العنكبوت/ 48].
خطب‏
الْخَطْبُ «2» و الْمُخَاطَبَةُ و التَّخَاطُبُ: المراجعة في الكلام، و منه: الْخُطْبَةُ و الْخِطْبَةُ لكن الْخُطْبَةُ تختصّ بالموعظة، و الْخِطْبَةُ بطلب المرأة قال تعالى: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ [البقرة/ 235]، و أصل الخطبة: الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب نحو الجلسة و القعدة، و يقال من الْخُطْبَةِ: خَاطِبٌ و خَطِيبٌ، و من الْخِطْبَةِ خَاطِبٌ لا غير، و الفعل منهما خَطَبَ. و الْخَطْبُ: الأمر العظيم الذي يكثر فيه التَّخَاطُبُ، قال تعالى: فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ‏ [طه/ 95]، فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* [الذاريات/ 31]، و فصل الْخِطَابُ: ما ينفصل به الأمر من الخطاب.
خطف‏
الْخَطْفُ و الِاخْتِطَافُ: الاختلاس بالسّرعة، يقال: خَطِفَ يَخْطَفُ، و خَطَفَ يَخْطِفُ «3» و قرئ بهما جميعا قال: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ «4»، و ذلك وصف للشّياطين المسترقة للسّمع، قال تعالى: فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ‏ [الحج/ 31]، يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ‏ [البقرة/ 20]، و قال: وَ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ‏ [العنكبوت/ 67]، أي: يقتلون و يسلبون، و الْخُطَّافُ: للطائر الذي كأنه يخطف شيئا في طيرانه، و لما يخرج به الدّلو، كأنه يختطفه. و جمعه خَطَاطِيفُ، و للحديدة التي تدور عليها البكرة، و باز مِخْطَفٌ: يختطف ما يصيده،
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 292.
 (2) الخطب مصدر خطب.
 (3) راجع: الأفعال 1/ 438 و 468.
 (4) سورة الصافات: آية 10، و قراءة (خطف) شاذة.

286
مفردات ألفاظ القرآن

خطف ص 286

و الْخَطِيفُ «1»: سرعة انجذاب السّير، و أَخْطَفُ الحشا «2»، و مُخْطَفُهُ كأنه اخْتُطِفَ حشاه لضموره.
خطأ
الْخَطَأُ: العدول عن الجهة، و ذلك أضرب:
أحدها: أن تريد غير ما تحسن إرادته فتفعله، و هذا هو الخطأ التامّ المأخوذ به الإنسان، يقال:
خَطِئَ يَخْطَأُ، خِطْأً، و خَطَأً، قال تعالى: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الإسراء/ 31]، و قال:
وَ إِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ‏ [يوسف/ 91].
و الثاني: أن يريد ما يحسن فعله، و لكن يقع منه خلاف ما يريد فيقال: أَخْطَأَ إِخْطَاءً فهو مُخْطِئٌ، و هذا قد أصاب في الإرادة و أخطأ في الفعل، و هذا المعنيّ‏
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ» «3».
و
بِقَوْلِهِ: «مَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» «4».
و قوله عزّ و جلّ: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء/ 92]. و الثّالث: أن يريد ما لا يحسن فعله و يتّفق منه خلافه، فهذا مخطئ في الإرادة و مصيب في الفعل، فهو مذموم بقصده و غير محمود على فعله، و هذا المعنى هو الذي أراده في قوله:
141-
         أردت مساءتي فاجتررت مسرّتي             و قد يحسن الإنسان من حيث لا يدري «5»

و جملة الأمر أنّ من أراد شيئا فاتّفق منه غيره يقال: أَخْطَأَ، و إن وقع منه كما أراده يقال:
أصاب، و قد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن، أو أراد إرادة لا تجمل: إنه أخطأ، و لهذا يقال «6»:
أصاب الخطأ، و أخطأ الصّواب، و أصاب الصّواب، و أخطأ الخطأ، و هذه اللّفظة مشتركة كما ترى، متردّدة بين معان يجب لمن يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها. و قوله تعالى: وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ‏ [البقرة/ 81]. و الْخَطِيئَةُ و السّيّئة يتقاربان، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه، بل يكون القصد سببا
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (خطف)، و البصائر 2/ 551، و المجمل 2/ 294.
 (2) في المجمل: و مخطف الحشا: إذا كان منطوي الحشا.
 (3) الحديث عن ابن عباس أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «رفع اللّه عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه» أخرجه أبو القاسم التميمي المعروف بأخي عاصم في فوائده، و رجاله ثقات غير أنّ فيه انقطاعا. و أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 11/ 133، و الدارقطني 4/ 171، و ابن ماجة 1/ 659، و الحاكم 2/ 198، و صححه ابن حبان و الحاكم و وافقه الذهبي، و ضعّفه الإمام أحمد، فقال عبد اللّه بن أحمد في العلل: سألت أبي عنه فأنكره جدا. و انظر: كشف الخفاء 2/ 135، و المقاصد الحسنة ص 228، و تخريج أحاديث اللمع للغماري ص 149.
 (4) الحديث عن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، و إذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر». أخرجه البخاري 9/ 193 في كتاب الاعتصام بالسنة، و مسلم 15/ 1716 كتاب الأقضية، و أبو داود، معالم السنن 4/ 160، و انظر الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج للغماري ص 269.
 (5) البيت في البصائر 2/ 552 دون نسبة، و في تفصيل النشأتين ص 109.
 (6) انظر تفسير الراغب ورقة 56.

287
مفردات ألفاظ القرآن

خطأ ص 287

لتولّد ذلك الفعل منه، كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره، و السبب سببان: سبب محظور فعله، كشرب المسكر و ما يتولّد عنه من الخطإ غير متجاف عنه، و سبب غير محظور، كرمي الصّيد، قال تعالى:
وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏ [الأحزاب/ 5]، و قال تعالى:
وَ مَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً [النساء/ 112]، فالخطيئة هاهنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعله، قال تعالى: وَ لا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالًا [نوح/ 24]، مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ‏ [نوح/ 25]، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا [الشعراء/ 51]، وَ لْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَ ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ [العنكبوت/ 12]، و قال تعالى: وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ‏ [الشعراء/ 82]، و الجمع الْخَطِيئَاتُ و الْخَطَايَا، و قوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ‏ [البقرة/ 58]، فهي المقصود إليها، و الْخَاطِئُ «1» هو القاصد للذّنب، و على ذلك قوله: وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ‏ [الحاقة/ 36- 37]، و قد يسمّى الذّنب خَاطِئَةً في قوله تعالى: وَ الْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ [الحاقة/ 9]، أي:
الذنب العظيم، و ذلك نحو قولهم: شعر شاعر.
فأما ما لم يكن مقصودا فقد ذكر عليه السلام أنّه متجافى عنه، و قوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ‏ [البقرة/ 58]، فالمعنى ما تقدّم.
خطو
خَطَوْتُ أَخْطُو خَطْوَةً، أي: مرّة، و الْخُطْوَةُ ما بين القدمين «2»، قال تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ* [البقرة/ 168]، أي: لا تتّبعوه، و ذلك نحو قوله: وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ [ص/ 26].
خف‏
الْخَفِيفُ: بإزاء الثّقيل، و يقال ذلك تارة باعتبار المضايفة بالوزن، و قياس شيئين أحدهما بالآخر، نحو: درهم خفيف، و درهم ثقيل.
و الثاني: يقال باعتبار مضايفة الزّمان، نحو: فرس خفيف، و فرس ثقيل: إذا عدا أحدهما أكثر من الآخر في زمان واحد. الثالث: يقال خفيف فيما يستحليه الناس، و ثقيل فيما يستوخمه، فيكون الخفيف مدحا، و الثقيل ذمّا، و منه قوله تعالى:
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ‏ [الأنفال/ 66]، فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ* [البقرة/ 86]، و أرى أنّ‏
__________________________________________________
 (1) قال الأموي: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، و الخاطئ من تعمد لما لا ينبغي. انظر: العباب (خطأ).
 (2) قال ابن المرحّل:
              و خطوة بالفتح نقل القدمين             و خطوة مضمومة ما بين تين‏
             و جمع الأول خطاء، و الخطى             جمع الأخير، و بضمّ ضبطا.

 

288
مفردات ألفاظ القرآن

خف ص 288

من هذا قوله: حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً [الأعراف/ 189]. الرّابع: يقال خفيف فيمن يطيش، و ثقيل فيما فيه وقار، فيكون الخفيف ذمّا، و الثقيل مدحا. الخامس: يقال خفيف في الأجسام التي من شأنها أن ترجحن إلى أسفل كالأرض و الماء، يقال: خَفَّ يَخِفُّ خَفّاً و خِفَّةً، و خَفَّفَهُ تَخْفِيفاً و تَخَفَّفَ تَخَفُّفاً، و اسْتَخْفَفْتُهُ، و خَفَّ المتاع: الخفيف منه، و كلام خفيف على اللسان، قال تعالى: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ‏ [الزخرف/ 54]، أي: حملهم أن يَخِفُّوا معه، أو وجدهم خِفَافاً في أبدانهم و عزائمهم، و قيل:
معناه وجدهم طائشين، و قوله تعالى: فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ* [المؤمنون/ 102- 103]، فإشارة إلى كثرة الأعمال الصّالحة و قلّتها، وَ لا يَسْتَخِفَّنَّكَ‏ [الروم/ 60]، أي: لا يزعجنّك و يزيلنّك عن اعتقادك بما يوقعون من الشّبه، و خفّوا عن منازلهم: ارتحلوا منها في خفّة، و الْخُفُّ: الملبوس، و خُفُّ النّعامة و البعير تشبيها بخفّ الإنسان.
خفت‏
قال تعالى: يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ‏ [طه/ 103]، وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها [الإسراء/ 110]، الْمُخَافَتَةُ و الْخَفْتُ: إسرار المنطق، قال:
142-
         و شتّان بين الجهر و المنطق الْخَفْتِ «1»
خفض‏
الْخَفْضُ: ضدّ الرّفع، و الْخَفْضُ الدّعة و السّير اللّيّن و قوله عزّ و جلّ: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ‏ [الإسراء/ 24]، فهو حثّ على تليين الجانب و الانقياد، كأنّه ضدّ قوله: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ [النمل/ 31]، و في صفة القيامة:
خافِضَةٌ رافِعَةٌ [الواقعة/ 3]، أي: تضع قوما و ترفع آخرين، ف خافِضَةٌ
 إشارة إلى قوله:
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ [التين/ 5].
خفى‏
خَفِيَ الشي‏ء خُفْيَةً: استتر، قال تعالى:
ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً [الأعراف/ 55]، و الْخَفَاءُ: ما يستر به كالغطاء، و خَفَيْتَهُ:
أزلت خفاه، و ذلك إذا أظهرته «2»، و أَخْفَيْتَهُ:
أوليته خفاء، و ذلك إذا سترته، و يقابل به الإبداء و الإعلان، قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏ [البقرة/ 271]، و قال تعالى: وَ أَنَا
__________________________________________________
 (1) البيت:
         أخاطب جهرا إذ لهنّ تخافت             و شتّان بين الجهر و المنطق الخفت‏

و هو في اللسان (خفت)، و المجمل 2/ 297 دون نسبة، و خزانة الأدب 6/ 278.
 (2) انظر: المجمل 2/ 297.

289
مفردات ألفاظ القرآن

خفى ص 289

أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ‏ [الممتحنة/ 1]، بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ‏ [الأنعام/ 28]، و الِاسْتِخْفَاءُ: طلب الإخفاء، و منه قوله تعالى:
أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ‏ [هود/ 5]، و الْخَوَافِي: جمع خَافِيَةٍ، و هي: ما دون القوادم من الرّيش.
خل‏
الْخَلَلُ: فرجة بين الشّيئين، و جمعه خِلَالٌ، كخلل الدّار، و السّحاب، و الرّماد و غيرها، قال تعالى في صفة السّحاب: فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ* [النور/ 43]، فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ [الإسراء/ 5]، قال الشاعر:
143-
         أرى خَلَلَ الرّماد وميض جمر «1»
وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ‏ [التوبة/ 47]، أي:
سعوا وسطكم بالنّميمة و الفساد. و الْخِلَالُ: لما تخلّل به الأسنان و غيرها، يقال: خَلَّ سِنَّهُ، و خلّ ثوبه بالخلال يَخُلُّهُ، و لسان الفصيل بالخلال ليمنعه من الرضاع، و الرّميّة بالسّهم، و
فِي الْحَدِيثِ «خَلِّلُوا أَصَابِعَكُمْ» «2».
و الْخَلَلُ في الأمر كالوهن فيه، تشبيها بالفرجة الواقعة بين الشّيئين، و خَلَّ لحمه يَخِلُّ خَلًّا و خِلَالًا «3»: صار فيه خلل، و ذلك بالهزال، قال:
144-
         إنّ جسمي بعد خالي لَخَلٌّ «4»
و الْخَلُّ «5»: الطّريق في الرّمل، لتخلّل الوعورة، أي: الصعوبة إيّاه، أو لكون الطّريق متخلّلا وسطه، و الْخَلَّةُ: أيضا الخمر الحامضة، لتخلّل الحموضة إيّاها. و الْخِلَّةُ: ما يغطّى به جفن السّيف لكونه في خلالها، و الْخَلَّةُ:
الاختلال العارض للنّفس، إمّا لشهوتها لشي‏ء، أو لحاجتها إليه، و لهذا فسّر الْخَلَّةُ بالحاجة
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         فيوشك أن يكون له ضرام‏

و هو لنصر بن سيار، في فصل المقال ص 233، و تاريخ الطبري 6/ 36، و الأغاني 6/ 124، و الجليس الصالح 2/ 283، و عيون الأخبار 2/ 128، و الحماسة البصرية 1/ 107.
 (2) الحديث عن عائشة قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يتوضأ و يخلّل بين أصابعه، و يدلك عقبيه، و يقول: «خلّلوا بين أصابعكم، لا يخلل اللّه تعالى بينها بالنار، ويل للأعقاب من النار» أخرجه الدارقطني 1/ 95 و في سنده عمر بن قيس متروك. و انظر: الفتح الكبير 2/ 90.
و أخرج النسائي 1/ 79 عن لقيط قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إذا توضأت فأسبغ الوضوء. و خلّل بين الأصابع».
 (3) انظر: اللسان (خلل) 11/ 219.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         فاسقنيها يا سواد بن عمرو

و البيت للشنفرى، و هو في الصحاح (خلّ)، و اللسان (خلل)، و المجمل 2/ 276، و أمالي القالي 2/ 277، و قيل: لتأبط شرا و هو في العشرات ص 95.
 (5) انظر: اللسان 11/ 214، و المجمل 2/ 276.

290
مفردات ألفاظ القرآن

خل ص 290

و الخصلة، و الْخُلَّةُ: المودّة، إمّا لأنّها تتخلّل النّفس، أي: تتوسّطها، و إمّا لأنّها تخلّ النّفس، فتؤثّر فيها تأثير السّهم في الرّميّة، و إمّا لفرط الحاجة إليها، يقال منه: خَالَلْتُهُ مُخَالَّةً و خِلَالًا فهو خَلِيلٌ، و قوله تعالى: وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [النساء/ 125]، قيل: سمّاه بذلك لافتقاره إليه سبحانه في كلّ حال الافتقار المعنيّ بقوله: إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص/ 24]، و على هذا الوجه‏
قِيلَ:
 (اللَّهُمَّ أَغْنِنِي بِالافْتِقَارِ إِلَيْكَ وَ لَا تُفْقِرْنِي بِالاسْتِغْنَاءِ عَنْكَ) «1».
و قيل: بل من الخلّة، و استعمالها فيه كاستعمال المحبّة فيه، قال أبو القاسم البلخيّ «2»: هو من الخلّة لا من الخلّة، قال:
و من قاسه بالحبيب فقد أخطأ، لأنّ اللّه يجوز أن يحبّ عبده، فإنّ المحبّة منه الثناء و لا يجوز أن يخالّه، و هذا منه اشتباه، فإنّ الخلّة من تخلّل الودّ نفسه و مخالطته، كقوله:
145-
         قد تَخَلَّلْتَ مسلك الرّوح منّي             و به سمّي الْخَلِيلُ خَلِيلًا «3»

و لهذا يقال: تمازج روحانا. و المحبّة: البلوغ بالودّ إلى حبّة القلب، من قولهم: حببته: إذا أصبت حبّة قلبه، لكن إذا استعملت المحبّة في اللّه فالمراد بها مجرّد الإحسان، و كذا الخلّة، فإن جاز في أحد اللّفظين جاز في الآخر، فأمّا أن يراد بالحبّ حبّة القلب، و الخلّة التّخلّل، فحاشا له سبحانه أن يراد فيه ذلك. و قوله تعالى: لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ [البقرة/ 254]، أي: لا يمكن في القيامة ابتياع حسنة و لا استجلابها بمودّة، و ذلك إشارة إلى قوله سبحانه: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ [النجم/ 39]، و قوله: لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خِلالٌ‏ [إبراهيم/ 31]، فقد قيل: هو مصدر من خاللت، و قيل:
هو جمع، يقال: خَلِيلٌ و أَخِلَّةٌ و خِلَالٌ و المعنى كالأوّل.
خلد
الْخُلُودُ: هو تبرّي الشي‏ء من اعتراض الفساد، و بقاؤه على الحالة التي هو عليها، و كلّ ما يتباطأ عنه التغيير و الفساد تصفه العرب بالخلود، كقولهم للأثافي: خَوَالِدُ، و ذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها. يقال: خَلَدَ يَخْلُدُ خُلُوداً «4»، قال تعالى: لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ‏ [الشعراء/ 129]، و الْخَلَدُ: اسم للجزء الذي‏
__________________________________________________
 (1) و هذا من قول عمرو بن عبيد، انظر: جواهر الألفاظ ص 5.
 (2) اسمه عبد اللّه بن أحمد، أبو القاسم البلخي الكعبي، من رءوس المعتزلة، توفي 317 ه، انظر: وفيات الأعيان 3/ 45.
 (3) البيت في البصائر 2/ 557 و لم ينسبه، و هو لبشار بن برد في أدب الدنيا و الدين ص 146، و تفسير الراغب ورقة 170.
 (4) انظر: الأفعال 1/ 443.

291
مفردات ألفاظ القرآن

خلد ص 291

يبقى من الإنسان على حالته، فلا يستحيل ما دام الإنسان حيّا استحالة سائر أجزائه «1»، و أصل الْمُخَلَّدِ: الذي يبقى مدّة طويلة و منه قيل: رجل مُخَلَّدٌ لمن أبطأ عنه الشيب، و دابة مُخَلَّدَةٌ: هي التي تبقى ثناياها حتى تخرج رباعيتها، ثم استعير للمبقيّ دائما. و الْخُلُودُ في الجنّة: بقاء الأشياء على الحالة التي عليها من غير اعتراض الفساد عليها، قال تعالى: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* [البقرة/ 82]، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* [البقرة/ 39]، وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها [النساء/ 93]، و قوله تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ* [الواقعة/ 17]، قيل:
مبقون بحالتهم لا يعتريهم استحالة، و قيل:
مقرّطون بخلدة، و الْخَلَدَةُ: ضرب من القرطة «2»، و إِخْلَادُ الشي‏ء: جعله مبقى، و الحكم عليه بكونه مبقى، و على هذا قوله سبحانه: وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ‏ [الأعراف/ 176]، أي:
ركن إليها ظانّا أنه يخلد فيها.
خلص‏
الْخَالِصُ كالصافي إلّا أنّ الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه، و الصَّافِي قد يقال لما لا شوب فيه، و يقال: خَلَّصْتُهُ فَخَلَصَ، و لذلك قال الشاعر:
146-
         خِلَاصَ الخمر من نسج الفدام «3»
قال تعالى: وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا [الأنعام/ 139]، و يقال: هذا خَالِصٌ و خَالِصَةٌ، نحو: داهية و راوية، و قوله تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف/ 80]، أي: انفردوا خالصين عن غيرهم. و قوله: وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ‏ [البقرة/ 139]، إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ‏ [يوسف/ 24]، فَإِخْلَاصُ المسلمين أنّهم قد تبرّءوا ممّا يدّعيه اليهود من التشبيه، و النصارى من التثليث، قال تعالى: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ*
 [الأعراف/ 29]، و قال: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة/ 73]، و قال:
وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ‏ [النساء/ 146]، و هو
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 2/ 558.
 (2) القرطة و الأقراط و القراط جمع: قرط، و هو نوع من حليّ الأذن، و هذا قول ابن قتيبة في غريب القرآن ص 447.
 (3) هذا عجز بيت، و شطره الأول:
         و ضاقت خطة فخلصت منها

و العجز في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ للسمين مادة (خلص)، و عقد الخلاص ص 305 دون نسبة، و هو للمتنبي في الوساطة بين المتنبي و خصومه ص 120، و التبيان شرح الديوان 4/ 148.
و الفدام: ما يوضع في فم الإبريق ليصفّى به ما فيه.

292
مفردات ألفاظ القرآن

خلص ص 292

كالأوّل، و قال: إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَ كانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم/ 51]، فحقيقة الْإِخْلَاصِ: التّبرّي عن كلّ ما دون اللّه تعالى.
خلط
الْخَلْطُ: هو الجمع بين أجزاء الشيئين فصاعدا، سواء كانا مائعين، أو جامدين، أو أحدهما مائعا و الآخر جامدا، و هو أعمّ من المزج، و يقال اخْتَلَطَ الشي‏ء، قال تعالى:
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ* [يونس/ 24]، و يقال للصّديق و المجاور و الشّريك: خَلِيطٌ، و الْخَلِيطَانِ في الفقه من ذلك، قال تعالى:
وَ إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ [ص/ 24]، و يقال الخليط للواحد و الجمع، قال الشاعر:
147-
         بان الْخَلِيطُ و لم يأووا لمن تركوا «1»
و قال: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئا [التوبة/ 102]، أي: يتعاطون هذا مرّة و ذاك مرّة، و يقال: أَخْلَطَ فلان في كلامه: إذا صار ذا تخليط، و أخلط الفرس في جريه كذلك، و هو كناية عن تقصيره فيه.
خلع‏
الْخَلْعُ: خلع الإنسان ثوبه، و الفرس جلّه و عذاره، قال تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ‏ [طه/ 12]، قيل: هو على الظاهر، و أمره بخلع ذلك عن رجله، لكونه من جلد حمار ميّت «2»، و قال بعض الصوفية: هذا مثل و هو أمر بالإقامة و التمكّن، كقولك لمن رمت أن يتمكّن: انزع ثوبك و خفّك و نحو ذلك، و إذا قيل: خَلَعَ فلان على فلان، فمعناه: أعطاه ثوبا، و استفيد معنى العطاء من هذه اللفظة بأن وصل به على فلان، لا بمجرّد الخلع.
خلف‏
خَلْفُ: ضدّ القُدَّام، قال تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ* [البقرة/ 255]، و قال تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ‏ [الرعد/ 11]، و قال تعالى: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس/ 92]، و خَلَفَ ضدّ تقدّم و سلف، و المتأخّر لقصور منزلته يقال له: خَلْفٌ، و لهذا قيل: الْخَلْفُ الردي‏ء، و المتأخّر لا لقصور منزلته يقال له: خلف، قال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ* [الأعراف/ 169]، و قيل: سكت ألفا و نطق‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت لزهير، و عجزه:
         و زوّدوك اشتياقا أية سلكوا

و هو مطلع قصيدته الكافية في ديوانه ص 47.
 (2) أخرجه ابن جرير 16/ 144 عن كعب و عكرمة و قتادة، و أخرجه ابن بطّة، و قال ابن عراق في تنزيه الشريعة المرفوعة 1/ 228: و هذا لا يصحّ.

293
مفردات ألفاظ القرآن

خلف ص 293

خَلْفاً «1»
. أي: رديئا من الكلام، و قيل للاست إذا ظهر منه حبقة «2»: خَلْفَةٌ، و لمن فسد كلامه أو كان فاسدا في نفسه، يقال: تَخَلَّفَ فلان فلانا:
إذا تأخّر عنه و إذا جاء خلف آخر، و إذا قام مقامه، و مصدره الْخِلَافَةُ بالكسر، و خَلَفَ خَلَافَةً بفتح الخاء: فسد «3»، فهو خَالِفٌ، أي: ردي‏ء أحمق، و يعبّر عن الردي‏ء بخلف نحو: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ [مريم/ 59]، و يقال لمن خلف آخر فسدّ مسدّه: خَلَفٌ، و الْخِلْفَةُ يقال في أن يخلف كلّ واحد الآخر، قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً [الفرقان/ 62]، و قيل: أمرهم خلفة، أي: يأتي بعضه خلف بعض، قال الشاعر:
148-
         بها العين و الآرام يمشين خِلْفَةً «4»
و أصابته خِلْفَةٌ: كناية عن البطنة، و كثرة المشي، و خَلَفَ فلانٌ فلانا، قام بالأمر عنه، إمّا معه و إمّا بعده، قال تعالى: وَ لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ‏ [الزخرف/ 60]، و الْخِلَافَةُ النّيابة عن الغير إمّا لغيبة المنوب عنه، و إمّا لموته، و إمّا لعجزه، و إمّا لتشريف المستخلف. و على هذا الوجه الأخير استخلف اللّه أولياءه في الأرض، قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ‏ [فاطر/ 39]، وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ‏ [الأنعام/ 165]، و قال: وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ‏ [هود/ 57]، و الْخَلَائِفُ: جمع خَلِيفَةٍ، و خُلَفَاءُ جمع خَلِيفٍ، قال تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ‏ [ص/ 26]، وَ جَعَلْناهُمْ خَلائِفَ‏ [يونس/ 73]، جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ‏ [الأعراف/ 69]، و الِاخْتِلَافُ و الْمُخَالَفَةُ: أن يأخذ كلّ واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو قوله، و الْخِلَافُ أعمّ من الضّدّ، لأنّ كلّ ضدّين مختلفان، و ليس كلّ مختلفين ضدّين، و لمّا كان الِاخْتِلَافُ بين النّاس في القول قد يقتضي التّنازع استعير ذلك للمنازعة و المجادلة، قال:
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ* [مريم/ 37]، وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ‏ [هود/ 118]، وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ [الروم/ 22]، عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ* الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ‏ [النبأ/ 1- 2- 3]، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ‏ [الذاريات/ 8]، و قال: مُخْتَلِفاً*

__________________________________________________
 (1) هذا مثل يضرب للرجل يطيل الصمت، ثم يتكلم بالخطإ. راجع: مجمل اللغة 2/ 300، و البصائر 2/ 561، و مجمع الأمثال 1/ 33، و أمثال أبي عبيد ص 55.
 (2) الحبق و الحبق و الحباق: الضراط.
 (3) انظر: الأفعال 1/ 446.
 (4) الشطر لزهير، و عجزه:
         و أطلاؤها ينهضن في كل مجثم‏

و هو في ديوانه ص 75، و شرح المعلقات 1/ 100، و اللسان (خلف).

294
مفردات ألفاظ القرآن

خلف ص 293

أَلْوانُهُ* [النحل/ 13]، و قال: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ‏ [آل عمران/ 105]، و قال: فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ‏ [البقرة/ 213]، وَ ما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا [يونس/ 19]، وَ لَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ‏ [يونس/ 93]، و قال في القيامة: وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏ [النحل/ 92]، و قال:
لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ‏ [النحل/ 39]، و قوله تعالى: وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ‏ [البقرة/ 176]، قيل معناه: خلفوا، نحو كسب و اكتسب، و قيل: أتوا فيه بشي‏ء خلاف ما أنزل اللّه، و قوله تعالى: لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ [الأنفال/ 42]، فمن الخلاف، أو من الخلف، و قوله تعالى: وَ مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ‏ [الشورى/ 10]، و قوله تعالى: فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ‏ [آل عمران/ 55]، و قوله تعالى:
إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ [يونس/ 6]، أي: في مجي‏ء كلّ واحد منهما خلف الآخر و تعاقبهما، و الْخُلْفُ: المخالفة في الوعد.
يقال: وعدني فَأَخْلَفَنِي، أي: خالف في الميعاد بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ‏ [التوبة/ 77]، و قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ* [الرعد/ 31]، و قال: فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي‏ [طه/ 86]، قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا [طه/ 87]، و أَخْلَفْتُ فلانا: وجدته مُخْلِفاً، و الْإِخْلَافُ: أن يسقي واحد بعد آخر، و أَخْلَفَ الشجرُ: إذا اخضرّ بعد سقوط ورقه، و أَخْلَفَ اللّه عليك، يقال لمن ذهب ماله، أي: أعطاك خَلَفاً، و خَلَفَ اللّهُ عليك، أي: كان لك منه خليفة، و قوله:
لا يلبثون خَلْفَكَ «1»: بعدك، و قرئ:
خِلافَكَ‏ «2» أي: مخالفة لك، و قوله: أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ‏ [المائدة/ 33]، أي: إحداهما من جانب و الأخرى من جانب آخر. و خَلَّفْتُهُ: تركته خلفي، قال فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ‏ [التوبة/ 81]، أي: مخالفين، وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا [التوبة/ 118]، قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ‏ [الفتح/ 16]، و الْخَالِفُ:
المتأخّر لنقصان أو قصور كالمتخلف، قال:
فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ‏ [التوبة/ 83]، و الْخَالِفَةُ: عمود الخيمة المتأخّر، و يكنّى بها عن‏
__________________________________________________
 (1) سورة الإسراء آية 76، و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و أبي بكر و أبي جعفر.
 (2) و هي قراءة الباقي.

295
مفردات ألفاظ القرآن

خلف ص 293

المرأة لتخلّفها عن المرتحلين، و جمعها خَوَالِفُ، قال: رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ* [التوبة/ 87]، و وجدت الحيّ خَلُوفاً، أي:
تخلّفت نساؤهم عن رجالهم، و الْخَلْفُ: حدّ الفأس الذي يكون إلى جهة الخلف، و ما تخلّف من الأضلاع إلى ما يلي البطن، و الْخِلَافُ:
شجر كأنّه سمّي بذلك لأنّه فيما يظنّ به، أو لأنّه يخلف مخبره منظره، و يقال للجمل بعد بزوله:
مُخْلِفُ عام، و مخلف عامين. و
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (لَوْ لَا الْخِلِّيفَى لَأَذَّنْتُ) «1».
أي:
الخلافة، و هو مصدر خلف.
خلق‏
الْخَلْقُ أصله: التقدير المستقيم، و يستعمل في إبداع الشّي‏ء من غير أصل و لا احتذاء، قال: خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [الأنعام/ 1]، أي: أبدعهما، بدلالة قوله: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [البقرة/ 117]، و يستعمل في إيجاد الشي‏ء من الشي‏ء نحو:
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ* [النساء/ 1]، خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ [النحل/ 4]، خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ [المؤمنون/ 12]، وَ لَقَدْ خَلَقْناكُمْ‏ [الأعراف/ 11]، خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ‏ [الرحمن/ 15]، و ليس الْخَلْقُ الذي هو الإبداع إلّا للّه تعالى، و لهذا قال في الفصل بينه تعالى و بين غيره: أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ‏ [النحل/ 17]، و أمّا الذي يكون بالاستحالة، فقد جعله اللّه تعالى لغيره في بعض الأحوال، كعيسى حيث قال:
وَ إِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي‏ [المائدة/ 110]، و الْخَلْقُ لا يستعمل في كافّة النّاس إلا على وجهين: أحدهما في معنى التّقدير كقول الشاعر:
149-
         فلأنت تفري ما خَلَقْتَ و بع             ض القوم يَخْلُقُ ثمّ لا يفري «2»

و الثاني: في الكذب نحو قوله: وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً [العنكبوت/ 17]، إن قيل: قوله تعالى:
فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ‏ [المؤمنون/ 14]، يدلّ على أنّه يصحّ أن يوصف غيره بالخلق؟ قيل: إنّ ذلك معناه: أحسن المقدّرين، أو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون و يزعمون‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن الأثير في النهاية: و في حديث عمر: (لو أطقت الأذان مع الخلّيفى لأذّنت).
الخلّيفى بالكسر و التشديد: الخلافة، و هو و أمثاله مصدر يدل على معنى الكثرة، يريد به كثرة اجتهاده في ضبط أمور الخلافة، و تصريف أعنّتها. النهاية 2/ 69، و رواه أبو الشيخ في الأذان و البيهقي، راجع: المقاصد الحسنة ص 348.
 (2) البيت لزهير من قصيدة مطلعها:
         لمن الديار بقنّة الحجر             أقوين من حجج و من شهر


و هو في ديوانه ص 29، و ديوان الأدب 2/ 123.

296
مفردات ألفاظ القرآن

خلق ص 296

أنّ غير اللّه يبدع، فكأنه قيل: فاحسب أنّ هاهنا مبدعين و موجدين، فاللّه أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون، كما قال: خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ‏ [الرعد/ 16]، وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ‏ [النساء/ 119]، فقد قيل:
إشارة إلى ما يشوّهونه من الخلقة بالخصاء، و نتف اللّحية، و ما يجري مجراه، و قيل معناه:
يغيّرون حكمه، و قوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏ [الروم/ 30]، فإشارة إلى ما قدّره و قضاه، و قيل معنى: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ‏
 نهي، أي: لا تغيّروا خلقة اللّه، و قوله: وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ‏ [الشعراء/ 166]، فكناية عن فروج النساء «1». و كلّ موضع استعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب، و من هذا الوجه امتنع كثير من النّاس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن «2»، و على هذا قوله تعالى:
إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ‏ [الشعراء/ 137]، و قوله: ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ‏ [ص/ 7]، [و الْخَلْقُ يقال في معنى الْمَخْلُوقِ، و الْخَلْقُ و الْخُلْقُ في الأصل واحد، كالشّرب و الشّرب، و الصّرم و الصّرم، لكن خصّ الْخَلْقُ بالهيئات و الأشكال و الصّور المدركة بالبصر، و خصّ الْخُلْقُ بالقوى و السّجايا المدركة بالبصيرة] «3». قال تعالى: وَ إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ‏ [القلم/ 4]، و قرئ: إِنْ هذا إِلَّا خَلْقُ الْأَوَّلِينَ «4». و الْخَلَاقُ: ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه، قال تعالى: ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ* [البقرة/ 102]، و فلان خَلِيقٌ بكذا، أي: كأنّه مخلوق فيه، ذلك كقولك: مجبول على كذا، أو مدعوّ إليه من جهة الخلق. و خَلُقَ الثوبُ و أَخْلَقَ، و ثوب خَلَقٌ و مُخْلَقٌ و أَخْلَاقٌ، نحو حبل أرمام و أرمات، و تصوّر من خُلُوقَةِ الثوب الملامسة، فقيل: جبل أَخْلَقُ، و صخرة خَلْقَاءُ، و خَلَقْتُ الثوب: ملّسته، و اخْلَوْلَقَ السحاب منه، أو من قولهم: هو خَلِيقٌ بكذا، و الْخَلُوقُ: ضرب من الطّيب.
خلا
الْخَلَاءُ: المكان الذي لا ساتر فيه من بناء و مساكن و غيرهما، و الْخُلُوُّ يستعمل في الزمان و المكان، لكن لما تصوّر في الزمان المضيّ فسّر أهل اللغة: خَلَا الزمان، بقولهم: مضى الزمان و ذهب، قال تعالى: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ
__________________________________________________
 (1) قال مجاهد في الآية: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال و أدبار النساء. راجع: الدر المنثور 6/ 317.
 (2) قال السمين: قوله هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك، و ليس الأمر كذلك، بل القرآن كلامه غير مخلوق. انظر عمدة الحفاظ: خلق.
 (3) ما بين القوسين ذكره المؤلف في الذريعة ص 39.
 (4) سورة الشعراء: آية 137، و بها قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب و أبو جعفر و الكسائي. انظر: الإتحاف ص 333.

297
مفردات ألفاظ القرآن

خلا ص 297

خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ‏ [آل عمران/ 144]، وَ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ‏ [الرعد/ 6]، تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ* [البقرة/ 141]، قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ‏ [آل عمران/ 137]، إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ [فاطر/ 24]، مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ‏ [البقرة/ 214]، وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران/ 119]، و قوله: يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ‏ [يوسف/ 9]، أي: تحصل لكم مودّة أبيكم و إقباله عليكم. و خَلَا الإنسان: صار خَالِياً، و خَلَا فلان بفلان: صار معه في خَلَاءٍ، و خَلَا إليه: انتهى إليه في خَلْوَةٍ، قال تعالى:
وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ‏ [البقرة/ 14]، و خَلَّيْتُ فلانا: تركته في خَلَاءٍ، ثم يقال لكلّ ترك تَخْلِيَةٌ، نحو: فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ‏ [التوبة/ 5]، و ناقة خَلِيَّةٌ: مُخْلَاةٌ عن الحلب، و امرأة خَلِيَّة:
مخلاة عن الزّوج، و قيل للسّفينة المتروكة بلا ربّان خَلِيَّةٌ، و الْخَلِيُّ: من خلّاه الهمّ، نحو المطلّقة في قول الشاعر: 150-
         مطلّقة طورا و طورا تراجع «1»
و الخَلَاءُ: الحشيش المتروك حتّى ييبس، و يقال: خَلَيْتُ الْخَلَاءَ: جززته، و خَلَيْتُ الدّابة:
جززت لها، و منه استعير: سيف يَخْتَلِي، أي:
يقطع ما يضرب به قطعه للخلا.
خمد
قوله تعالى: جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ‏ [الأنبياء/ 15]، كناية عن موتهم، من قولهم:
خَمَدَتِ النار خُمُوداً: طفئ لهبها، و عنه استعير:
خمدت الحمّى: سكنت، و قوله تعالى: فَإِذا هُمْ خامِدُونَ‏ [يس/ 29].
خمر
أصل الْخَمْرِ: ستر الشي‏ء، و يقال لما يستر به: خِمَارٌ، لكن الْخِمَارُ صار في التعارف اسما لما تغطّي به المرأة رأسها، و جمعه خُمُرٌ، قال تعالى:
وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى‏ جُيُوبِهِنَ‏ [النور/ 31] و اخْتَمَرَتِ المرأةُ و تَخَمَّرَتْ، و خَمَّرْتُ الإناءَ: غَطَّيْتُه، و
رُوِيَ «خَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ» «2».
و أَخْمَرْتُ العجينَ: جعلت فيه‏
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، و شطره:
         تناذرها الراقون من سوء سمّها

و هو من قصيدته العينية التي مطلعها:
         عفا ذو حسا من فرقنى فالفوارع             فجبنا أريك فالقلاع الدوافع‏
و هو في ديوانه ص 80.
 (2) الحديث عن جابر بن عبد اللّه رفعه قال: «خمّروا الآنية، و أوكوا الأسقية، و أجيفوا الأبواب، و اكفتوا صبيانكم عند المساء، فإنّ للجن انتشارا و خطفة، و أطفئوا المصابيح عند الرقاد، فإنّ الفويسقة ربما اجترّت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت» أخرجه البخاري 6/ 253 في بدء الخلق: باب: إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، و انظر: شرح السنة 11/ 391.

298
مفردات ألفاظ القرآن

خمر ص 298

الْخَمِيرَ، و الْخَمِيرَةُ سمّيت لكونها مَخْمُورَةً من قبل.
و دخل في خِمَارِ الناس، أي: في جماعتهم الساترة لهم، و الْخَمْرُ سمّيت لكونها خَامِرَةً لمقرّ العقل، و هو عند بعض الناس اسم لكلّ مسكر. و عند بعضهم اسم للمتخذ من العنب و التمر، لما
رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ: النَّخْلَةِ وَ الْعِنَبَةِ» «1».
و منهم من جعلها اسما لغير المطبوخ، ثم كميّة الطّبخ التي تسقط عنه اسم الخمر مختلف فيها، و الْخُمَارُ: الداء العارض من الخمر، و جعل بناؤه بناء الأدواء كالزّكام و السّعال، و خُمْرَةُ الطيّب: ريحه، و خَامَرَهُ و خَمَرَهُ: خالطه و لزمه، و عنه استعير:
151-
         خَامِرِي أمّ عامر «2»
خمس‏
أصل الْخَمْسِ في العدد، قال تعالى:
وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ‏ [الكهف/ 22]، و قال: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً [العنكبوت/ 14]، و الْخَمِيسُ: ثوب طوله خمس أذرع، و رمح مَخْمُوسٌ كذلك. و الْخِمْسُ من أظماء الإبل، و خَمَسْتُ القومَ أَخْمُسُهُمْ: أخذت خمس أموالهم، و خَمَسْتُهُمْ أَخْمُسُهُمْ: كنت لهم خامسا، و الْخَمِيسُ في الأيّام معلوم.
خمص‏
قوله تعالى: فِي مَخْمَصَةٍ [المائدة/ 3]، أي: مجاعة تورث خَمْصَ البطن، أي: ضموره، يقال: رجل خَامِصٌ، أي: ضامر، و أَخْمَصُ القدم: باطنها و ذلك لضمورها.
خمط
الْخَمْطُ: شجر لا شوك له، قيل: هو شجر الأراك، و الْخَمْطَةُ: الخمر إذا حمضت، و تَخَمَّطَ:
إذا غضب، يقال: تَخَمَّطَ الفحل هدر «3».
خنزير
قوله تعالى: وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ [المائدة/ 60]، قيل: عنى الحيوان المخصوص، و قيل: عنى من أخلاقه و أفعاله مشابهة لأخلاقها، لا من خلقته خلقتها، و الأمران‏
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة، في باب الأشربة، برقم (1985)، و انظر: شرح السنة 11/ 353. قال البغوي: معناه: إن معظم الخمر يكون منهما، و هو الأغلب على عادات الناس فيما يتخذونه من الخمور، و في الحديث: «و الخمر ما خامر العقل» البخاري 10/ 39. قال: فيه دليل واضح على بطلان قول من زعم أن الخمر إنما هي من عصير العنب، أو الرطب، بل كل مسكر خمر. ا ه مختصرا. راجع: شرح السنة 11/ 351- 353.
 (2) البيت:
         لا تقبروني إنّ قبري محرّم             عليكم و لكن خامري أم عامر

و هو للشنفرى، في اللسان (عمر)، و أمالي القالي 3/ 36، و عيون الأخبار 3/ 200، و البرصان و العرجان ص 166.
 (3) انظر: المجمل 2/ 303.

299
مفردات ألفاظ القرآن

خنزير ص 299

مرادان بالآية،
فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ قَوْماً مُسِخُوا خِلْقَةً» «1».
و كذا أيضا في الناس قوم إذا اعتبرت أخلاقهم وجدوا كالقردة و الخنازير، و إن كانت صورهم صور الناس.
خنس‏
قوله تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ‏ [الناس/ 4]، أي: الشيطان الذي يَخْنُسُ، أي:
ينقبض إذا ذكر اللّه تعالى، و قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ‏ [التكوير/ 15]، أي: بالكواكب التي تخنس بالنهار، و قيل: الْخُنَّسُ هي زحل و المشتري و المرّيخ لأنها تخنس في مجراها «2»، أي: ترجع، و أَخْنَسْتُ عنه حَقَّه: أخّرته.
خنق‏
قوله تعالى: وَ الْمُنْخَنِقَةُ [المائدة/ 3]، أي: التي خُنِقَتْ حتى ماتت، و الْمِخْنَقَةُ: القلادة.
خاب‏
الْخَيْبَةُ: فوت الطلب، قال: وَ خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم/ 15]، وَ قَدْ خابَ مَنِ افْتَرى‏ [طه/ 61]، وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس/ 10].
خير
الْخَيْرُ: ما يرغب فيه الكلّ، كالعقل مثلا، و العدل، و الفضل، و الشي‏ء النافع، و ضدّه:
الشرّ. قيل: و الْخَيْرُ ضربان: خير مطلق، و هو أن يكون مرغوبا فيه بكلّ حال، و عند كلّ أحد كما
وَصَفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ: «لَا خَيْرَ بِخَيْرٍ بَعْدَهُ النَّارُ، وَ لَا شَرَّ بِشَرٍّ بَعْدَهُ الْجَنَّةُ» «3».
و خير و شرّ مقيّدان، و هو أن يكون خيرا لواحد شرّا لآخر، كالمال الذي ربما يكون خيرا لزيد و شرّا لعمرو، و لذلك وصفه اللّه تعالى بالأمرين فقال في موضع: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة/ 180]، و قال في موضع آخر: أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ‏ [المؤمنون/ 55- 56]، و قوله تعالى: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة/ 180]، أي: مالا. و قال بعض العلماء: لا يقال للمال خير حتى يكون كثيرا، و من مكان طيّب، كما
رُوِيَ أَنَّ عَلِيّاً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلَ عَلَى مَوْلًى لَهُ فَقَالَ: أَ لَا أُوصِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: إِنْ تَرَكَ خَيْراً [البقرة/ 180]، وَ لَيْسَ لَكَ مَالٌ‏
__________________________________________________
 (1) و ذلك ما أخرجه الطّيالسيّ ص 39 و أحمد 1/ 395 عن ابن مسعود قال: سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن القردة و الخنازير، أ هي من نسل اليهود؟ فقال: «لا، إنّ اللّه لم يلعن قوما قطّ فمسخهم فكان لهم نسل، و لكن هذا خلق، فلمّا غضب اللّه على اليهود فمسخهم جعلهم مثلهم» انظر: الدّرّ المنثور 3/ 109، و فيه مجهول.
 (2) راجع هذه الأقوال في الدّرّ المنثور 8/ 431.
 (3) لم أجده، و بمعناه قال الشّاعر:
         تفنى اللذاذة ممّن نال شهوتها             من الحرام و يبقى الإثم و العار
             تبقى عواقب سوء من مغبتها             لا خير في لذّة من بعدها النّار.

 

300
مفردات ألفاظ القرآن

خير ص 300

كَثِيرٌ «1».
و على هذا قوله: وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات/ 8]، أي: المال الكثير و قال بعض العلماء: إنما سمّي المال هاهنا خيرا تنبيها على معنى لطيف، و هو أنّ الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعا من المال من وجه محمود، و على هذا قوله: قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ‏ [البقرة/ 215]، و قال: وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ‏ [البقرة/ 273]، و قوله: فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً [النور/ 33]، قيل: عنى به مالا من جهتهم «2»، و قيل: إن علمتم أنّ عتقهم يعود عليكم و عليهم بنفع، أي: ثواب «3». و الخير و الشرّ يقالان على وجهين:
أحدهما: أن يكونا اسمين كما تقدّم، و هو قوله: وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ [آل عمران/ 104].
و الثاني: أن يكونا وصفين، و تقديرهما تقدير (أفعل منه)، نحو: هذا خير من ذاك و أفضل، و قوله: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها [البقرة/ 106]، و قوله: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏ [البقرة/ 184]، فخير هاهنا يصحّ أن يكون اسما، و أن يكون بمعنى أفعل، و منه قوله: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏ [البقرة/ 197]، تقديره تقدير أفعل منه. فَالْخَيْرُ يقابل به الشرّ مرة، و الضّرّ مرة، نحو قوله تعالى: وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ، وَ إِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ [الأنعام/ 17]، و قوله: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ‏ [الرحمن/ 70]، قيل: أصله خَيِّرَاتٌ، فخفّف، فالخيرات من النساء الخيّرات، يقال: رجل خَيْرٌ «4» و امرأة خَيْرَةٌ، و هذا خير الرجال، و هذه خيرة النساء، و المراد بذلك المختارات، أي: فيهنّ مختارات لا رذل فيهنّ. و الْخَيْرُ: الفاضل المختصّ بالخير، يقال: ناقة خِيَارٌ، و جمل خيار، و اسْتَخَارَ اللّهَ العبدُ فَخَارَ له، أي: طلب منه الخير فأولاه، و خَايَرْتُ فلانا كذا فَخِرْتُهُ، و الْخِيرَةُ: الحالة التي تحصل لِلْمُسْتَخِيرِ و الْمُخْتَارُ، نحو القعدة و الجلسة لحال القاعد و الجالس. و الِاخْتِيَارُ:
طلب ما هو خير و فعله، و قد يقال لما يراه الإنسان خيرا، و إن لم يكن خيرا، و قوله: وَ لَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى‏ عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ‏ [الدخان/ 32]، يصحّ أن يكون إشارة إلى إيجاده تعالى إياهم خيرا، و أن يكون إشارة إلى تقديمهم على غيرهم. و الْمُخْتَارُ في عرف المتكلّمين يقال لكلّ‏
__________________________________________________
 (1) الخبر ذكره البيهقي في سننه 6/ 270 و عبد الرزاق 9/ 62 و الحاكم 2/ 273، و فيه انقطاع.
 (2) و هذا قول ابن عباس و عطاء. راجع: الدر المنثور 5/ 190.
 (3) أخرج عبد الرزاق و غيره عن أنس بن مالك قال: سألني سيرين المكاتبة، فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب، فأقبل عليّ بالدّرة، و قال: كاتبه، و تلا: فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا فكاتبته. راجع: الدر المنثور 5/ 190.
 (4) يقال: رجل خير و خيّر، كميت و ميّت. راجع: البصائر 2/ 74.

301
مفردات ألفاظ القرآن

خير ص 300

فعل يفعله الإنسان لا على سبيل الإكراه، فقولهم: هو مختار في كذا، فليس يريدون به ما يراد بقولهم فلان له اختيار، فإنّ الِاخْتِيَارَ أخذ ما يراه خيرا، و الْمُخْتَارُ قد يقال للفاعل و المفعول.
خوار
قوله تعالى: عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ* [الأعراف/ 148]. الْخُوَارُ مختصّ بالبقر، و قد يستعار للبعير، و يقال: أرض خَوَّارَةٌ، و رمح خَوَّارٌ، أي: فيه خَوَرٌ. و الْخَوْرَانُ: يقال لمجرى الرّوث «1»، و صوت البهائم.
خوض‏
الْخَوْضُ: هو الشّروع في الماء و المرور فيه، و يستعار في الأمور، و أكثر ما ورد في القرآن ورد فيما يذمّ الشروع فيه، نحو قوله تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَ نَلْعَبُ‏ [التوبة/ 65]، و قوله: وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا [التوبة/ 69]، ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ‏ [الأنعام/ 91]، وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ‏ [الأنعام/ 68]، و تقول: أَخَضْتُ دابّتي في الماء، و تَخَاوَضُوا في الحديث:
تفاوضوا.
خيط
الْخَيْطُ معروف، و جمعه خُيُوطٌ، و قد خِطْتُ الثوب أَخِيطُهُ خِيَاطَةً، و خَيَّطْتُهُ تَخْيِيطاً. و الْخِيَاطُ:
الإبرة التي يخاط بها، قال تعالى: حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف/ 40]، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة/ 187]، أي: بياض النهار من سواد اللّيل، و الْخَيْطَةُ في قول الشاعر:
152-
         تدلّى عليها بين سبّ و خَيْطَةٍ «2»
فهي مستعارة للحبل، أو الوتد. و
رُوِيَ (أَنَّ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ عَمَدَ إِلَى عِقَالَيْنِ أَبْيَضَ وَ أَسْوَدَ فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَ يَأْكُلُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ بِذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّكَ لَعَرِيضُ الْقَفَا، إِنَّمَا ذَلِكَ بَيَاضُ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: مجمل اللّغة 2/ 306.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         بجرداء مثل الوكف يكبو غرابها

و هو لأبي ذؤيب الهذليّ، انظر: ديوان الهذليين 1/ 79، و اللّسان (خيط)، و المجمل 2/ 308، و الصّحاح (خيط). و السّبّ: الخيط.
قال ابن منظور: و الخيطة: خيط يكون مع حبل مشتار العسل، فإذا أراد الخليّة ثمّ أراد الحبل جذبه بذلك الخيط و هو مربوط إليه.
و أورد الجوهريّ هذا البيت مستشهدا به على الوتد.

302
مفردات ألفاظ القرآن

خيط ص 302

النَّهَارِ وَ سَوَادُ اللَّيْلِ) «1».
و خَيَّطَ الشّيب في رأسه «2»: بدا كالخيط، و الْخَيْطُ: النّعام، و جمعه خِيطَانُ، و نعامة خَيْطَاءُ: طويلة العنق، كأنما عنقها خيط.
خوف‏
الْخَوْفُ: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة، أو معلومة، كما أنّ الرّجاء و الطمع توقّع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة، و يضادّ الخوف الأمن، و يستعمل ذلك في الأمور الدنيوية و الأخروية.
قال تعالى: وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ‏ [الإسراء/ 57]، و قال: وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَ لا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ‏ [الأنعام/ 81]، و قال تعالى: تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً [السجدة/ 16]، و قال: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء/ 3]، و قوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما [النساء/ 35]، فقد فسّر ذلك بعرفتم «3»، و حقيقته: و إن وقع لكم خوف من ذلك لمعرفتكم. و الْخَوْفُ من اللّه لا يراد به ما يخطر بالبال من الرّعب، كاستشعار الخوف من الأسد، بل إنما يراد به الكفّ عن المعاصي و اختيار الطّاعات، و لذلك قيل: لا يعدّ خَائِفاً من لم يكن للذنوب تاركا. و التَّخْوِيفُ من اللّه تعالى:
هو الحثّ على التّحرّز، و على ذلك قوله تعالى:
ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ‏ [الزمر/ 16]، و نهى اللّه تعالى عن مَخَافَةِ الشيطان، و المبالاة بتخويفه فقال: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَ خافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏ [آل عمران/ 175]، أي: فلا تأتمروا لشيطان و ائتمروا للّه، و يقال: تَخَوَّفْنَاهُمْ أي: تنقّصناهم تنقّصا اقتضاه الخوف منه. و قوله تعالى: وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي‏ [مريم/ 5]، فخوفه منهم: أن لا يراعوا الشّريعة، و لا يحفظوا نظام الدّين، لا أن يرثوا ماله كما ظنّه بعض الجهلة، فالقنيّات الدّنيويّة أخسّ عند الأنبياء عليهم السّلام من أن يشفقوا عليها. و الْخِيفَةُ: الحالة التي عليها الإنسان من الخوف، قال تعالى: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى‏ قُلْنا: لا تَخَفْ‏ [طه/ 67]، و استعمل استعمال الخوف في قوله:
وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ‏ [الرعد/ 13]، و قوله:
تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ‏ [الروم/ 28]، أي: كخوفكم، و تخصيص لفظ الخيفة تنبيها أن الخوف منهم حالة لازمة لا تفارقهم، و التَّخَوُّفُ:
ظهور الخوف من الإنسان، قال: أَوْ يَأْخُذَهُمْ‏
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه البخاري و مسلم و أبو داود و أحمد 4/ 377، و النسائي 4/ 148.
انظر: فتح الباري، كتاب التفسير 8/ 182، و مسلم 1091، و أبا داود 2349.
 (2) راجع: المجمل 2/ 308، و اللسان (خيط).
 (3) قال أبو عبيدة في مجاز القرآن 1/ 126: قوله: و إن خفتم*: أيقنتم.

303
مفردات ألفاظ القرآن

خوف ص 303

عَلى‏ تَخَوُّفٍ‏ [النحل/ 47].
خيل‏
الْخَيَالُ: أصله الصّورة المجرّدة كالصّورة المتصوّرة في المنام، و في المرآة و في القلب بعيد غيبوبة المرئيّ، ثم تستعمل في صورة كلّ أمر متصوّر، و في كلّ شخص دقيق يجري مجرى الخيال، و التَّخْيِيلُ: تصوير خيال الشي‏ء في النّفس، و التَّخَيُّلُ: تصوّر ذلك، و خِلْتُ بمعنى ظننت، يقال اعتبارا بتصوّر خيال المظنون. و يقال خَيَّلَتِ السّماءُ: أبدت خيالا للمطر، و فلان مَخِيلٌ بكذا، أي: خليق.
و حقيقته: أنه مظهر خيال ذلك. و الْخُيَلَاءُ: التّكبّر عن تخيّل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه، و منها يتأوّل لفظ الخيل لما قيل: إنه لا يركب أحد فرسا إلّا وجد في نفسه نخوة، و الْخَيْلُ في الأصل اسم للأفراس و الفرسان جميعا، و على ذلك قوله تعالى: وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ‏ [الأنفال/ 60]، و يستعمل في كلّ واحد منهما منفردا نحو ما
رُوِيَ: (يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي) «1».
فهذا للفرسان، و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «عَفَوْتُ لَكُمْ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ» «2».
يعني الأفراس. و الْأَخْيَلُ:
الشّقراق «3»، لكونه متلوّنا فيختال في كلّ وقت أنّ له لونا غير اللون الأوّل، و لذلك قيل:
153-
         كأبي براقش كلّ لو             ن لونه يَتَخَيَّلُ «4»

خول‏
قوله تعالى: وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ‏ [الأنعام/ 94]، أي: ما أعطيناكم،
__________________________________________________
 (1) الحديث، رواه أبو الشيخ في الناسخ و المنسوخ، و له قصة، و العسكري عن أنس، و ابن عائذ في المغازي عن قتادة، و عند ابن إسحاق و من طريقه البيهقي في الدلائل في غزوة بني لحيان، و قال أبو داود في السنن: باب النداء عند النفير: يا خيل اللّه اركبي. انظر: المقاصد الحسنة ص 473، و كشف الخفاء 2/ 379.
 (2) الحديث عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «قد عفوت لكم عن صدقة الخيل و الرقيق، فهاتوا صدقة الرقة». أخرجه الدارقطني و أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة.
قال في مجمع الزوائد: رواته كلهم ثقات، و قال الترمذي: سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: عندي صحيح. راجع: سنن الدارقطني 2/ 126، و مسند أحمد 1/ 121، و ابن ماجة رقم 1790، و شرح السنة 6/ 47، و عارضة الأحوذي 3/ 101.
 (3) قال الدميري: الأخيل: طائر أخضر على أجنحته لمع تخالف لونه، و سمّي بذلك لخيلان فيه، و قيل: الأخيل:
الشقراق، و هو طائر صغير أخضر و في أجنحته سواد، و العرب تتشاءم به. انظر: حياة الحيوان 1/ 29 و 605.
 (4) البيت للأسدي. و قبله:
         إن يبخلوا أو يجبنوا             أو يغدروا لا يحفلوا
             يغدوا عليك مرجلي             ن، كأنهم لم يفعلوا
             كأبي براقش، كل لو             ن لونه يتخيّل‏

و هو في اللسان (برقش)، و حياة الحيوان للدميري 1/ 229، و شرح مقامات الحريري 1/ 260، و أبو براقش طائر كالعصفور يتلون ألوانا.

304
مفردات ألفاظ القرآن

خول ص 304

و التَّخْوِيلُ في الأصل: إعطاء الْخَوَلِ، و قيل:
إعطاء ما يصير له خولا، و قيل: إعطاء ما يحتاج أن يتعهّده، من قولهم: فلان خَالُ مَالٍ، و خَائِلُ مالٍ، أي: حسن القيام به. و الْخَالُ: ثوب يعلّق فيخيّل للوحوش، و الْخَالُ في الجسد: شامة فيه.
خون‏
الْخِيَانَةُ و النّفاق واحد، إلا أنّ الخيانة تقال اعتبارا بالعهد و الأمانة، و النّفاق يقال اعتبارا بالدّين، ثم يتداخلان، فَالْخِيَانَةُ: مخالفة الحقّ بنقض العهد في السّرّ. و نقيض الخيانة:
الأمانة، يقال: خُنْتُ فلانا، و خنت أمانة فلان، و على ذلك قوله: لا تَخُونُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ وَ تَخُونُوا أَماناتِكُمْ‏ [الأنفال/ 27]، و قوله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما [التحريم/ 10]، و قوله: وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى‏ خائِنَةٍ مِنْهُمْ‏ [المائدة/ 13]، أي: على جماعة خَائِنَةٍ منهم. و قيل: على رجل خَائِنٍ، يقال: رجل خائن، و خائنة، نحو: راوية، و داهية. و قيل: (خَائِنَةٌ) موضوعة موضع المصدر، نحو: قم قائما «1»، و قوله: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ‏ [غافر/ 19]، على ما تقدّم «2»، و قال تعالى: وَ إِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ‏ [الأنفال/ 71]، و قوله:
عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ‏ [البقرة/ 187]، و الِاخْتِيَانُ: مراودة الخيانة، و لم يقل: تخونون أنفسكم، لأنه لم تكن منهم الخيانة، بل كان منهم الاختيان، فإنّ الِاخْتِيَانَ تحرّك شهوة الإنسان لتحرّي الخيانة، و ذلك هو المشار إليه بقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف/ 53].
خوى‏
أصل الْخَوَاءِ: الخلا، يقال خَوَى بطنه من الطعام يَخْوِي خَوًى «3»، و خَوَى الجوز خَوًى تشبيها به، و خَوَتِ الدار تَخْوِي خَوَاءً، و خَوَى النجم و أَخْوَى: إذا لم يكن منه عند سقوطه مطر، تشبيها بذلك، و أخوى أبلغ من خوى، كما أن أسقى أبلغ من سقى. و التَّخْوِيَةُ: ترك ما بين الشيئين خاليا.
تمّ كتاب الخاء
__________________________________________________
 (1) قال السمين: قوله: على خائنة في خائنة ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها اسم فاعل، و الهاء للمبالغة، كراوية و نسّابة، أي: على شخص خائن.
الثاني: أنّ التاء للتأنيث، و أنّث على معنى: طائفة، أو نفس، أو فعلة خائنة.
الثالث: أنها مصدر كالعاقبة و العافية، و يؤيد هذا الوجه قراءة الأعمش: (على خيانة). انظر: الدر المصون 3/ 224، و عمدة الحفاظ: خون.
 (2) راجع: مادة (بقي).
 (3) انظر: الأفعال 1/ 505.

305
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الدال

كتاب الدّال‏
دب‏
الدَّبُّ و الدَّبِيبُ: مشي خفيف، و يستعمل ذلك في الحيوان، و في الحشرات أكثر، و يستعمل في الشّراب و البلى «1»، و نحو ذلك مما لا تدرك حركته الحاسّة، و يستعمل في كلّ حيوان و إن اختصّت في التّعارف بالفرس، قال تعالى:
وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ الآية [النور/ 45]، و قال: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ* [البقرة/ 164]، وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها [هود/ 6]، و قال تعالى: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ‏ [الأنعام/ 38]، و قوله تعالى: وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر/ 45]، قال أبو عبيدة: عنى الإنسان خاصّة «2»، و الأولى إجراؤها على العموم. و قوله: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ‏ [النمل/ 82]، فقد قيل: إنها حيوان بخلاف ما نعرفه يختصّ خروجها بحين القيامة، و قيل: عنى بها الأشرار الذين هم في الجهل بمنزلة الدوابّ، فتكون الدَّابَّةُ جمعا لكلّ شي‏ء يَدِبُّ، نحو: خائنة جمع خائن، و قوله: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ* [الأنفال/ 22]، فإنّها عامّ في جميع الحيوانات، و يقال: ناقة دَبُوبٌ: تدبّ في مشيها لبطئها، و ما بالدار دُبِّيٌّ، أي: من يدبّ، و أرض مَدْبُوبَةٌ:
كثيرة ذوات الدَّبِيبِ فيها.
دبر
دُبُرُ الشّي‏ء: خلاف القُبُل «3»، و كنّي بهما عن، العضوين المخصوصين، و يقال: دُبْرٌ و دُبُرٌ، و جمعه أَدْبَارٌ، قال تعالى: وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
__________________________________________________
 (1) يقال: دبّ البلى في الثوب، أي: سرى.
 (2) و عبارة أبي عبيدة: و مجاز دابة هاهنا إنسان. انظر: مجاز القرآن 2/ 156.
 (3) أكثر هذا الباب منقول من المجمل 2/ 344.

306
مفردات ألفاظ القرآن

دبر ص 306

دُبُرَهُ‏ [الأنفال/ 16]، و قال: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ* [الأنفال/ 50]، أي:
قدّامهم و خلفهم، و قال: فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ [الأنفال/ 15]، و ذلك نهي عن الانهزام، و قوله:
وَ أَدْبارَ السُّجُودِ [ق/ 40]: أواخر الصلوات، و قرئ: وَ إِدْبارَ النُّجُومِ‏ «1» أَدْبَارَ النّجوم) «2»، فَإِدْبَارٌ مصدر مجعول ظرفا، نحو: مقدم الحاجّ، و خفوق النجم، و من قرأ: (أَدْبَارَ) فجمع. و يشتقّ منه تارة باعتبار دبر الفاعل، و تارة باعتبار دبر المفعول، فمن الأوّل قولهم: دَبَرَ فلانٌ، و أمس الدَّابِرُ، وَ اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ [المدثر/ 33]، و باعتبار المفعول قولهم: دَبَرَ السهم الهدف: سقط خلفه، و دَبَرَ فلان القوم: صار خلفهم، قال تعالى: أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ‏ [الحجر/ 66]، و قال تعالى: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنعام/ 45]، و الدَّابِرُ يقال للمتأخر، و للتابع، إمّا باعتبار المكان، أو باعتبار الزمان، أو باعتبار المرتبة، و أَدْبَرَ: أعرض و ولّى دبره، قال: ثُمَّ أَدْبَرَ وَ اسْتَكْبَرَ [المدثر/ 23]، و قال: تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلَّى‏ [المعارج/ 17]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَقَاطَعُوا وَ لَا تَدَابَرُوا وَ كُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَاناً» «3».
و قيل: لا يذكر أحدكم صاحبه من خلفه، و الِاسْتِدْبَارُ:
طلب دبر الشي‏ء، و تَدَابَرَ القوم: إذا ولّى بعضهم عن بعض، و الدِّبَارُ مصدر دَابَرْتُهُ، أي: عاديته من خلفه، و التَّدْبِيرُ: التفكّر في دبر الأمور، قال تعالى: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات/ 5]، يعني: ملائكة موكّلة بتدبير أمور، و التَّدْبِيرُ: عتق العبد عن دبر، أو بعد موته. و الدَّبَارُ «4»: الهلاك الذي يقطع دابرتهم، و سمّي يوم الأربعاء في الجاهلية دِبَاراً «5»، قيل: و ذلك لتشاؤمهم به، و الدَّبِيرُ من الفتيل: الْمَدْبُورُ، أي: المفتول إلى خلف، و القبيل بخلافه. و رجل مُقَابَل مُدَابَرٌ، أي: شريف من جانبيه. و شاة مُقَابَلَة مُدَابَرَةٌ:
مقطوعة الأذن من قبلها و دبرها. و دَابِرَةُ الطائر:
إصبعه المتأخّرة، و دَابِرَةُ الحافر ما حول الرّسغ، و الدَّبُورُ من الرّياح معروف، و الدَّبْرَةُ من المزرعة، جمعها دِبَارٌ، قال الشاعر:
154-
         على جربة تعلو الدِّبَارَ غروبها «6»
__________________________________________________
 (1) سورة الطور: آية 49، و هي قراءة جميع القرّاء.
 (2) و هي قراءة شاذة، قرأ بها المطوّعي عن الأعمش. انظر: الإتحاف ص 401.
 (3) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2564). و البخاري في الفرائض 12/ 4.
 (4) قال الأصمعي: و الدّبار: الهلاك، بالفتح مثل الدّمار. انظر: اللسان (دبر).
 (5) بكسر الدال و ضمها.
 (6) هذا عجز بيت، و شطره:
         تحدّر ماء البئر عن جرشيّة

و هو لبشر بن أبي خازم، في ديوانه ص 14، و اللسان (دبر)، و المفضليات ص 330، و العجز في معجم مقاييس اللغة 1/ 450.

307
مفردات ألفاظ القرآن

دبر ص 306

و الدَّبْرُ: النّحل و الزّنابير و نحوهما مما سلاحها في أدبارها، الواحدة دَبْرَةٌ. و الدَّبْرُ: المال الكثير الذي يبقى بعد صاحبه، و لا يثنّى و لا يجمع.
و دَبِرَ «1» البعير دَبَراً، فهو أَدْبَرُ و دَبِرٌ: صار بقرحه دَبِراً، أي: متأخّرا، و الدَّبْرَةُ: الْإِدْبَارُ.
دثر
قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ «2» أصله الْمُتَدَثِّرُ فأدغم، و هو المتدرّع دِثَاره، يقال: دَثَرْتُهُ فَتَدَثَّرَ، و الدِّثَارُ: ما يتدثّر به، و قد تَدَثَّرَ الفحل الناقة: تسنّمها، و الرّجل الفرس: وثب عليه فركبه، و رجل دَثُورٌ: خامل مستتر، و سيف دَاثِرٌ:
بعيد العهد بالصّقال، و منه قيل للمنزل الدارس:
دَاثِرٌ، لزوال أعلامه، و فلان دِثْرُ مالٍ، أي: حَسَنُ القيام به.
دحر
الدَّحْرُ: الطّرد و الإبعاد، يقال: دَحَرَهُ دُحُوراً، قال تعالى: اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً [الأعراف/ 18]، و قال: فَتُلْقى‏ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً [الإسراء/ 39]، و قال: وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ* دُحُوراً [الصافات/ 8- 9].
دحض‏
قال تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [الشورى/ 16]، أي: باطلة زائلة، يقال:
أَدْحَضْتُ فلانا في حجّته فَدَحَضَ، قال تعالى:
وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ‏ [الكهف/ 56]، و أَدْحَضْتُ حجّته فَدَحَضَتْ، و أصله من دَحْضِ الرّجل، و على نحوه في وصف المناظرة:
155-
         نظرا يزيل مواقع الأقدام «3» و دَحَضَتِ الشمس مستعار من ذلك.
دحا
قال تعالى: وَ الْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها
 [النازعات/ 30]، أي: أزالها عن مقرّها، كقوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ [المزمل/ 14]، و هو من قولهم: دَحَا المطر الحصى عن وجه الأرض، أي: جرفها، و مرّ الفرس يَدْحُو دَحْواً: إذا جرّ يده على وجه الأرض، فيدحو ترابها، و منه: أُدْحِيُّ النّعام، و هو أُفْعُول من دحوت، و دِحْيَةُ «4»: اسم رجل.
__________________________________________________
 (1) دبر البعير بالكسر، يدبر، و الدّبرة: قرحة الدابة و البعير.
 (2) سورة المدثر: آية 1. انظر: اللسان (دبر).
 (3) هذا عجز بيت، و شطره الأول:
         يتقارضون إذا التقوا في منزل‏

و هو في الصناعتين ص 194، و اللسان (قلم)، و الموازنة للآمدي ص 38.
 (4) هو دحية بن خليفة الكلبي، و انظر: ترجمته في الإصابة 1/ 473.

308
مفردات ألفاظ القرآن

دخر ص 309

دخر
قال تعالى: وَ هُمْ داخِرُونَ‏ [النحل/ 48]، أي: أذلّاء، يقال: أَدْخَرْتُهُ فَدَخَرَ، أي:
أذللته فذلّ، و على ذلك قوله: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‏ [غافر/ 60]، و قوله: يَدَّخِرُ أصله:
يذتخر، و ليس من هذا الباب.
دخل‏
الدُّخُولُ: نقيض الخروج، و يستعمل ذلك في المكان، و الزمان، و الأعمال، يقال: دَخَلَ مكان كذا، قال تعالى: ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ
 [البقرة/ 58]، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ [النحل/ 32]، ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها* [الزمر/ 72]، وَ يُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [المجادلة/ 22]، و قال: يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ* [الإنسان/ 31]، وَ قُلْ: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ‏ [الإسراء/ 80]، فَمَدْخَلٌ من دخل يدخل، و مُدْخَلٌ من أدخل، لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ‏ [الحج/ 59]، و قوله: مُدْخَلًا كَرِيماً [النساء/ 31]، قرئ بالوجهين «1»، و قال أبو عليّ الفسويّ «2»: من قرأ: «مَدْخَلًا» بالفتح فكأنه إشارة إلى أنهم يقصدونه، و لم يكونوا كمن ذكرهم في قوله: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ إِلى‏ جَهَنَّمَ [الفرقان/ 34]، و قوله: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ [غافر/ 71]، و من قرأ «مُدْخَلًا»
 فكقوله:
لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ‏ [الحج/ 59]، و ادَّخَلَ: اجتهد في دخوله، قال تعالى: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا [التوبة/ 57]، و الدَّخَلُ: كناية عن الفساد و العداوة المستبطنة، كالدّغل، و عن الدّعوة في النّسب، يقال: دَخِلَ دَخَلًا «3»، قال تعالى: تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ‏ [النحل/ 92]، فيقال:
دُخِلَ «4» فلان فهو مَدْخُولٌ، كناية عن بله في عقله، و فساد في أصله، و منه قيل: شجرة مَدْخُولَةٌ. و الدِّخَالُ في الإبل: أن يدخل إبل في أثناء ما لم تشرب لتشرب معها ثانيا. و الدَّخَلُ طائر، سمّي بذلك لدخوله فيما بين الأشجار الملتفّة، و الدَّوْخَلَّةُ «5»: معروفة، و دَخَلَ بامرأته:
كناية عن الإفضاء إليها، قال تعالى: مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ‏ [النساء/ 23].
__________________________________________________
 (1) قرأ نافع و أبو جعفر بفتح الميم، و الباقون بضمها. انظر: الإتحاف ص 189.
 (2) في كتابه الحجة للقراء السبعة 3/ 154.
 (3) قال في الأفعال 3/ 327: و دخل أمره يدخل دخلا: فسد.
 (4) انظر: الأفعال 3/ 327.
 (5) قال ابن منظور: الدّوخلة: سفيفة من خوص، كالزنبيل و القوصرة يترك فيها الرطب.

309
مفردات ألفاظ القرآن

دخن ص 310

دخن‏
الدُّخَانُ كالعثان «1»: المستصحب للّهيب، قال: ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ‏ [فصلت/ 11]، أي: هي مثل الدّخان، إشارة إلى أنه لا تماسك لها، و دَخَنَتِ النار تَدْخُنُ: كثر دخانها «2»، و الدُّخْنَةُ منه، لكن تعورف فيما يتبخّر به من الطّيب. و دَخِنَ الطّبيخ: أفسده الدّخان «3». و تصوّر من الدّخان اللّون، فقيل:
شاة دَخْنَاءُ، و ذات دُخْنَةٍ، و ليلة دَخْنَانَةٌ، و تصوّر منه التّأذّي به، فقيل: هو دَخِنُ الخُلُقِ، و
رُوِيَ:
 «هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ» «4».
أي: على فساد دخلة.
در
قال تعالى: وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً [الأنعام/ 6]، يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً* [نوح/ 11]، و أصله من الدَّرِّ و الدِّرَّةِ، أي: اللّبن، و يستعار ذلك للمطر استعارة أسماء البعير و أوصافه، فقيل: للّه دَرُّهُ، و دَرَّ دَرُّكَ. و منه استعير قولهم للسّوق: دِرَّةٌ، أي: نفاق «5»، و في المثل: سبقت دِرَّتُهُ غراره «6»
، نحو: سبق سيله مطره «7»
. و منه اشتقّ: اسْتَدَرَّتِ المعزى، أي:
طلبت الفحل، و ذلك أنها إذا طلبت الفحل حملت، و إذا حملت ولدت، فإذا ولدت درّت، فكنّي عن طلبها الفحل بِالاسْتِدْرَارِ.
درج‏
الدَّرَجَةُ نحو المنزلة، لكن يقال للمنزلة: درجة إذا اعتبرت بالصّعود دون الامتداد على البسيطة، كدرجة السّطح و السّلّم، و يعبّر بها عن المنزلة الرفيعة: قال تعالى: وَ لِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة/ 228]، تنبيها لرفعة منزلة الرجال عليهنّ في العقل و السّياسة، و نحو ذلك من المشار إليه بقوله: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ ...الآية [النساء/ 34]، و قال: لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [الأنفال/ 4]، و قال: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 163]، أي: هم ذوو درجات‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: العثان و العثن: الدخان، و الجمع: عواثن على غير قياس، و كذلك جمع الدّخان دواخن، و الدواخن و العواثن لا يعرف لهما نظير. اللسان (عثن).
 (2) انظر: الأفعال 3/ 290.
 (3) انظر: الأفعال 3/ 330.
 (4) الحديث عن حذيفة و فيه: قلت: يا رسول اللّه، أ يكون بعد هذا الخير شرّ كما كان قبله شر؟ قال: نعم، قلت: فما العصمة يا رسول اللّه؟ قال: السيف، قلت: و هل بعد السيف بقيّة؟ قال: «نعم، تكون إمارة على أقذاء، و هدنة على دخن ...» إلى آخر الحديث، أخرجه أبو داود برقم (4244) في كتاب الفتن، و أحمد في المسند 5/ 386، و الحاكم 4/ 423 و صححه و وافقه الذهبي، و انظر: شرح السنة 15/ 9- 10.
 (5) انظر: المجمل 2/ 317.
 (6) الغرار: قلّة اللبن، و الدّرة: كثرته، أي: سبق شرّه خيره. و مثله: سبق مطره سيله، يضرب لمن يسبق تهديده فعله.
انظر: مجمع الأمثال 1/ 336، و أساس البلاغة ص 322، و الأمثال ص 308.
 (7) انظر أمثال أبي عبيد ص 305.

310
مفردات ألفاظ القرآن

درج ص 310

عند اللّه، و درجات النجوم تشبيها بما تقدّم.
و يقال لقارعة الطّريق: مَدْرَجَةٌ، و يقال: فلان يَتَدَرَّجُ في كذا، أي: يتصعّد فيه درجة درجة، و دَرَجَ الشيخ و الصّبيّ دَرَجَاناً: مشى مشية الصاعد في درجه. و الدَّرْجُ: طيّ الكتاب و الثّوب، و يقال للمطويّ: دَرْجٌ. و استعير الدَّرْجُ للموت، كما استعير الطيّ له في قولهم: طوته المنيّة، و قولهم: من دبّ و درج، أي: من كان حيّا فمشى، و من مات فطوى أحواله، و قوله:
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ* [الأعراف/ 182]، قيل معناه: سنطويهم طيّ الكتاب، عبارة عن إغفالهم نحو: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف/ 28]، و الدُّرْجُ: سفط يجعل فيه الشي‏ء، و الدُّرْجَةُ: خرقة تلفّ فتدخل في حياء «1» الناقة، و قيل:
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ* معناه: نأخذهم درجة فدرجة، و ذلك إدناؤهم من الشي‏ء شيئا فشيئا، كالمراقي و المنازل في ارتقائها و نزولها. و الدُّرَّاجُ: طائر يدرج في مشيته.
درس‏
دَرَسَ الدّار معناه: بقي أثرها، و بقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه، فلذلك فسّر الدُّرُوسُ بالانمحاء، و كذا دَرَسَ الكتابُ، و دَرَسْتُ العلم:
تناولت أثره بالحفظ، و لمّا كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبّر عن إدامة القراءة بِالدَّرْسِ، قال تعالى: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ‏ [الأعراف/ 169]، و قال: بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَ بِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ‏ [آل عمران/ 79]، وَ ما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها [سبأ/ 44]، و قوله تعالى:
وَ لِيَقُولُوا دَرَسْتَ‏ [الأنعام/ 105]، و قرئ:
دَارَسْتَ «2» أي: جاريت أهل الكتاب، و قيل: وَ دَرَسُوا ما فِيهِ‏ [الأعراف/ 169]، تركوا العمل به، من قولهم: دَرَسَ القومُ المكان، أي: أبلوا أثره، و دَرَسَتِ المرأةُ: كناية عن حاضت، و دَرَسَ البعيرُ: صار فيه أثر جرب.
درك‏
الدَّرَكُ كالدّرج، لكن الدّرج يقال اعتبارا بالصّعود، و الدّرك اعتبارا بالحدور، و لهذا قيل:
درجات الجنّة، و دَرَكَاتُ النار، و لتصوّر الحدور في النار سمّيت هاوية، و قال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء/ 145]، و الدَّرْكُ «3» أقصى قعر البحر.
و يقال للحبل الذي يوصل به حبل‏
__________________________________________________
 (1) الحياء: رحم الناقة، و إنما سمّي حياء باسم الحياء، من الاستحياء، لأنه يستر من الآدمي و يكنى عنه من الحيوان، و يستفحش التصريح بذكره و اسمه الموضوع له. راجع: اللسان (حيا) 14/ 219.
 (2) و بها قرأ ابن كثير و أبو عمرو. راجع: الإتحاف ص 214.
 (3) بفتح الراء، و هو أشهر، و تسكينها. القاموس.

311
مفردات ألفاظ القرآن

درك ص 311

آخر ليدرك الماء دَرَكٌ، و لما يلحق الإنسان من تبعة دَرَكٌ «1» كالدّرك في البيع «2». قال تعالى: لا تَخافُ دَرَكاً وَ لا تَخْشى‏ [طه/ 77]، أي:
تبعة. و أَدْرَكَ: بلغ أقصى الشي‏ء، و أَدْرَكَ الصّبيّ:
بلغ غاية الصّبا، و ذلك حين البلوغ، قال:
حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ‏ [يونس/ 90]، و قوله: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ [الأنعام/ 103]، فمنهم من حمل ذلك على البصر الذي هو الجارحة، و منهم من حمله على البصيرة، و ذكر أنه قد نبّه به على ما
رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: (يَا مَنْ غَايَةُ مَعْرِفَتِهِ الْقُصُورُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ).
إذ كان غاية معرفته تعالى أن تعرف الأشياء فتعلم أنه ليس بشي‏ء منها، و لا بمثلها بل هو موجد كلّ ما أدركته. و التَّدَارُكُ في الإغاثة و النّعمة أكثر، نحو قوله تعالى: لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ‏ [القلم/ 49]، و قوله:
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً [الأعراف/ 38]، أي: لحق كلّ بالآخر. و قال: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ [النمل/ 66]، أي:
تدارك، فأدغمت التاء في الدال، و توصّل إلى السكون بألف الوصل، و على ذلك قوله تعالى:
حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها [الأعراف/ 38]، و نحوه: اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة/ 38]، و اطَّيَّرْنا بِكَ [النمل/ 47]، و قرئ:
بل أَدْرَكَ علمهم في الآخرة «3»، و
قَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ جَهِلُوا أَمْرَ الْآخِرَةِ «4».
و حقيقته انتهى علمهم في لحوق الآخرة فجهلوها. و قيل معناه:
بل يدرك علمهم ذلك في الآخرة، أي: إذا حصلوا في الآخرة، لأنّ ما يكون ظنونا في الدّنيا، فهو في الآخرة يقين.
درهم‏
قال تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ [يوسف/ 20]، الدِّرْهَمُ: الفضّة المطبوعة المتعامل بها.
درى‏
الدِّرَايَةُ: المعرفة المدركة بضرب من الحيل، يقال: دَرَيْتُهُ، و دَرَيْتُ به، دِرْيَةً، نحو: فطنة، و شعرة، و ادَّرَيْتُ قال الشاعر:
156-
         و ما ذا يَدَّرِي الشّعراء منّي             و قد جاوزت رأس الأربعين «5»

و الدَّرِيَّةُ: لما يتعلّم عليه الطّعن، و للناقة التي ينصبها الصائد ليأنس بها الصّيد، فيستتر من ورائها فيرميه، و الْمِدْرَى: لقرن الشاة، لكونها دافعة به عن نفسها، و عنه استعير الْمِدْرَى لما
__________________________________________________
 (1) الدّرك: التبعة، يسكّن و يحرّك، يقال: ما لحقك من درك فعليّ خلاصه. انظر: اللسان (درك).
 (2) و منه: ضمان الدرك في عهدة البيع.
 (3) سورة النمل: آية 66، و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و أبي جعفر و يعقوب.
 (4) أخرجه ابن جرير 20/ 7 عن ابن زيد.
 (5) البيت لسحيم بن وثيل الرياحي. و هو في البصائر 2/ 597، و المجمل 2/ 354، و اللسان (درى).

312
مفردات ألفاظ القرآن

درى ص 312

يصلح به الشّعر، قال تعالى: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً [الطلاق/ 1]، و قال:
وَ إِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ‏ [الأنبياء/ 111]، و قال: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ‏ [الشورى/ 52]، و كلّ موضع ذكر في القرآن وَ ما أَدْراكَ*
، فقد عقّب ببيانه «1»، نحو وَ ما أَدْراكَ ما هِيَهْ* نارٌ حامِيَةٌ [القارعة/ 10- 11]، وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القدر/ 2- 3]، وَ ما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة/ 3]، ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ‏ [الانفطار/ 18]، و قوله: قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَ لا أَدْراكُمْ بِهِ‏ [يونس/ 16]، من قولهم: دريت، و لو كان من درأت لقيل: و لا أدرأتكموه. و كلّ موضع ذكر فيه: وَ ما يُدْرِيكَ*
 لم يعقّبه بذلك، نحو: وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى‏ [عبس/ 30]، وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ‏ [الشورى/ 17]، و الدّراية لا تستعمل في اللّه تعالى، و قول الشاعر:
157-
         لا همّ لا أَدْرِي و أنت الدَّارِي «2»
فمن تعجرف أجلاف العرب «3».
درأ
الدَّرْءُ: الميل إلى أحد الجانبين، يقال:
قوّمت دَرْأَهُ، و دَرَأْتُ عنه: دفعت عن جانبه، و فلان ذو تَدَرُّؤٍ، أي: قويّ على دفع أعدائه، و دَارَأْتُهُ: دافعته. قال تعالى: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ* [الرعد/ 22]، و قال: وَ يَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ‏ [النور/ 8]، و
فِي الْحَدِيثِ:
 «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» «4».
تنبيها على تطلّب‏
__________________________________________________
 (1) راجع: الإتقان للسيوطي 1/ 190، و قد نقل هذه القاعدة عن المؤلف و نسبها إليه، و ذكرها قبله المبرد في ما اتفق لفظه ص 73.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         كلّ امرئ منك على مقدار

و هو في اللسان (درى)، و الصحاح (درى)، و البصائر 2/ 97 بلا نسبة، و هو للعجاج في ديوانه ص 26، و الممتع في التصريف لابن عصفور 1/ 29، و تذكرة النحاة لأبي حيان ص 540، و هذا الكلام ذكره المؤلف في الذريعة ص 82.
 (3) و ذلك لأن أسماء اللّه توقيفية- أي: يتوقف في إثباتها على الشارع- فلا يصح أن نسمي اللّه اسما لم يسمّ به نفسه، أو لم يأت في السنة.
 (4) الحديث أخرجه الحارثي في مسند أبي حنيفة له عن ابن عباس مرفوعا، و أبو سعد السمعاني في ذيل تاريخ بغداد، و في سنده من لا يعرف.
و عند الترمذي عن عائشة قال رسول اللّه: «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم» و فيه يزيد بن زياد ضعيف، و أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 384 و قال: صحيح الإسناد، و تعقبه الذهبي فقال يزيد بن زياد قال فيه النسائي:
متروك. و عند الدارقطني عن علي رفعه: «ادرءوا الحدود، و لا ينبغي للإمام أن يعطل الحدود» و فيه المختار بن نافع، قال البخاري: منكر الحديث. راجع الدارقطني 3/ 84، و البيهقي في السنن 8/ 38. فالحديث ضعيف؟؟؟
عدة طرق تقويه. راجع الابتهاج بتخريج أحاديث المنهاج ص 264، و التلخيص الحبير 5674، و شرح السنة 10/ 330.

313
مفردات ألفاظ القرآن

درأ ص 313

حيلة يدفع بها الحدّ، قال تعالى: قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ‏ [آل عمران/ 168]، و قوله: فَادَّارَأْتُمْ فِيها [البقرة/ 72]، هو تفاعلتم، أصله: تَدَارَأْتُمْ، فأريد منه الإدغام تخفيفا، و أبدل من التاء دال فسكّن للإدغام، فاجتلب لها ألف الوصل فحصل على افّاعلتم.
قال بعض الأدباء: ادّارأتم افتعلتم، و غلط من أوجه:
أولا: أنّ ادّارأتم على ثمانية أحرف، و افتعلتم على سبعة أحرف.
و الثاني: أنّ الذي يلي ألف الوصل تاء، فجعلها دالا.
و الثالث: أنّ الذي يلي الثاني دال، فجعلها تاء.
و الرابع: أنّ الفعل الصحيح العين لا يكون ما بعد تاء الافتعال منه إلّا متحرّكا، و قد جعله هاهنا ساكنا.
الخامس: أنّ هاهنا قد دخل بين التاء و الدّال زائد. و في افتعلت لا يدخل ذلك.
السادس: أنه أنزل الألف منزل العين، و ليست بعين.
السابع: أنّ افتعل قبله حرفان، و بعده حرفان، و ادّارأتم بعده ثلاثة أحرف.
دس‏
الدَّسُّ: إدخال الشي‏ء في الشي‏ء بضرب من الإكراه. يقال: دَسَسْتُهُ فَدَسَّ و قد دُسَّ البعير بالهناء «1»، و قيل: ليس الهناء بِالدَّسِّ «2»
، قال اللّه تعالى: أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ‏ [النحل/ 59].
دسر
قال تعالى: وَ حَمَلْناهُ عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ [القمر/ 13]، أي: مسامير، الواحد دِسَار، و أصل الدَّسْرِ: الدّفع الشّديد بقهر، يقال:
دَسَرَهُ بالرّمح، و رجل مِدْسَرٌ، كقولك: مطعن، و
رُوِيَ: «لَيْسَ فِي الْعَنْبَرِ زَكَاةٌ، إِنَّمَا هُوَ شَيْ‏ءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ» «3».
دسى‏
قال تعالى: وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها [الشمس/ 10]، أي: دسّسها في المعاصي، فأبدل من إحدى السّينات ياء، نحو: تظنّيت، و أصله تظنّنت.
دع‏
الدَّعُّ: الدفع الشديد و أصله أن يقال للعاثر:
دع دع، كما يقال له: لعا، قال تعالى: يَوْمَ‏
__________________________________________________
 (1) الهناء: ضرب من القطران. انظر: اللسان (هني‏ء).
 (2) انظر: المجمل 2/ 317، و الأمثال ص 230.
 (3) يروى عن ابن عباس قال: (ليس العنبر بركاز، هو شي‏ء دسره البحر) أخرجه البخاري و البيهقي و ابن أبي شيبة.
و انظر: فتح الباري 3/ 363، و شرح الموطأ للزرقاني 2/ 102.

314
مفردات ألفاظ القرآن

دع ص 314

يُدَعُّونَ إِلى‏ نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا [الطور/ 13]، و قوله: فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ‏ [الماعون/ 2]، قال الشاعر:
158-
         دَعَّ الوصيّ في قفا يتيمه «1»
دعا
الدُّعَاءُ كالنّداء، إلّا أنّ النّداء قد يقال بيا، أو أيا، و نحو ذلك من غير أن يضمّ إليه الاسم، و الدُّعَاءُ لا يكاد يقال إلّا إذا كان معه الاسم، نحو: يا فلان، و قد يستعمل كلّ واحد منهما موضع الآخر. قال تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً [البقرة/ 171]، و يستعمل استعمال التسمية، نحو: دَعَوْتُ ابني زيدا، أي: سمّيته، قال تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور/ 63]، حثّا على تعظيمه، و ذلك مخاطبة من كان يقول: يا محمد، و دَعَوْتَهُ: إذا سألته، و إذا استغثته، قال تعالى: قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ* [البقرة/ 68]، أي: سله، و قال: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَ غَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ‏ [الأنعام/ 40- 41]، تنبيها أنّكم إذا أصابتكم شدّة لم تفزعوا إلّا إليه، وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً [الأعراف/ 56]، وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ [البقرة/ 23]، وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ‏ [الزمر/ 8]، وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ‏ [يونس/ 12]، وَ لا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَ لا يَضُرُّكَ‏ [يونس/ 106]، و قوله: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَ ادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً [الفرقان/ 14]، هو أن يقول: يا لهفاه، و يا حسرتاه، و نحو ذلك من ألفاظ التأسّف، و المعنى: يحصل لكم غموم كثيرة. و قوله: ادْعُ لَنا رَبَّكَ* [البقرة/ 68]، أي: سله. و الدُّعَاءُ إلى الشي‏ء: الحثّ على قصده قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ‏ [يوسف/ 33]، و قال: وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى‏ دارِ السَّلامِ‏ [يونس/ 25]، و قال:
يا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَ تَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ* تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَ أُشْرِكَ بِهِ‏ [غافر/ 41- 42]، و قوله: لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ [غافر/ 43]، أي: رفعة و تنويه.
و الدَّعْوَةُ مختصّة بادّعاء النّسبة «2»، و أصلها للحالة التي عليها الإنسان، نحو: القعدة و الجلسة.
__________________________________________________
 (1) الرجز لأبي نواس في ديوان المعاني 1/ 357، و هو بتمامه:
         يدعّه بضفتي حيزومه             دعّ الوصيّ جانبي يتيمه‏

و هو في ربيع الأبرار 1/ 49، و تفسير الماوردي، 4/ 112، و إعراب ثلاثين سورة ص 204.
 (2) قال ابن فارس: و الدّعوة في النسب بالكسر. قال أبو عبيدة: يقال في النسب دعوة، بالكسر، و إلى الطعام دعوة، بالفتح. انظر: المجمل 2/ 326.

315
مفردات ألفاظ القرآن

دعا ص 315

و قولهم: «دَعْ دَاعِيَ اللّبن» «1» أي: غُبْرَةً «2» تجلب منها اللّبن. و الِادِّعَاءُ: أن يدّعي شيئا أنّه له، و في الحرب الاعتزاء، قال تعالى: وَ لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ* نُزُلًا [فصلت/ 31- 32]، أي: ما تطلبون، و الدَّعْوَى: الادّعاء، قال: فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا [الأعراف/ 5]، و الدَّعْوَى: الدّعاء، قال: وَ آخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ [يونس/ 10].
دفع‏
الدَّفْعُ إذا عدّي بإلى اقتضى معنى الإنالة، نحو قوله تعالى: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ‏ [النساء/ 6]، و إذا عدّي بعن اقتضى معنى الحماية، نحو: إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج/ 38]، و قال: وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ* [الحج/ 40]، و قوله:
لَيْسَ لَهُ دافِعٌ* مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ‏ [المعارج/ 2- 3]، أي: حام، و الْمُدَفَّعُ: الذي يدفعه كلّ أحد «3»، و الدُّفْعَةُ من المطر، و الدُّفَّاعُ من السّيل.
دفق‏
قال تعالى: ماءٍ دافِقٍ‏ [الطارق/ 6]: سائل بسرعة. و منه استعير: جاءوا دُفْقَةً، و بعير أَدْفَقُ: سريع، و مَشَى الدِّفِقَّى، أي: يتصبّب في عدوه كتصبّب الماء الْمُتَدَفِّقُ، و مشوا دَفْقاً.
دفئ‏
الدِّفْ‏ءُ: خلاف البرد، قال تعالى: لَكُمْ فِيها دِفْ‏ءٌ وَ مَنافِعُ‏ [النحل/ 5]، و هو لما يُدْفِئُ، و رجل دَفْئانُ، و امرأة دَفْأَى، و بيت دَفِي‏ءٌ.
دك‏
الدَّكُّ: الأرض الليّنة السّهلة، و قد دَكَّهُ دَكّاً، قال تعالى: وَ حُمِلَتِ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً [الحاقة/ 14]، و قال: دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا [الفجر/ 21]، أي: جعلت بمنزلة الأرض اللّيّنة. و قال اللّه تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا [الأعراف/ 143]، و منه: الدُّكَّانُ. و الدَّكْدَاكُ «4»: رمل ليّنة.
و أرض دَكَّاءُ: مسوّاة، و الجمع الدُّكُّ، و ناقة دكّاء:
لا سنام لها، تشبيها بالأرض الدّكّاء.
دلَ‏
الدَّلَالَةُ: ما يتوصّل به إلى معرفة الشي‏ء، كدلالة الألفاظ على المعنى، و دلالة الإشارات،
__________________________________________________
 (1) هذا حديث و قد أخرجه أبو عبيد في غريبه 2/ 9، و أحمد في مسنده 4/ 76، و عنده عن ضرار بن الأزور قال: بعثني أهلي بلقوح إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فحلبتها فقال: «دع داعي اللبن»، ثم صار مثلا.
 (2) غبر كل شي‏ء: بقيّته، و قد غلب ذلك على بقية اللبن في الضرع، و على بقية دم الحيض. انظر: اللسان (غبر).
 (3) انظر: اللسان (دفع)، و المجمل 2/ 330.
 (4) انظر: المجمل 2/ 218.

316
مفردات ألفاظ القرآن

دل ص 316

و الرموز، و الكتابة، و العقود في الحساب، و سواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة، أو لم يكن بقصد، كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حيّ، قال تعالى: ما دَلَّهُمْ عَلى‏ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ‏ [سبأ/ 14]. أصل الدَّلَالَةِ مصدر كالكتابة و الإمارة، و الدَّالُّ: من حصل منه ذلك، و الدَّلِيلُ في المبالغة كعالم، و عليم، و قادر، و قدير، ثم يسمّى الدّالّ و الدليل دَلَالَةً، كتسمية الشي‏ء بمصدره.
دلو
دَلَوْتُ الدَّلْوَ: إذا أرسلتها، و أَدْلَيْتَهَا أي:
أخرجتها، و قيل: يكون بمعنى أرسلتها (قاله أبو منصور في الشامل) «1»، قال تعالى: فَأَدْلى‏ دَلْوَهُ‏ [يوسف/ 19]، و استعير للتّوصّل إلى الشي‏ء، قال الشاعر:
159-
         و ليس الرّزق عن طلب حثيث             و لكن ألق دَلْوَكَ في الدِّلَاءِ «2»

و بهذا النحو سمّي الوسيلة المائح، قال الشاعر:
160-
         و لي مائح لم يورد الناس قبله             معلّ و أشطان الطّويّ كثير «3»

قال تعالى: وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ‏ [البقرة/ 188]، و التَّدَلِّي: الدّنوّ و الاسترسال، قال تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى‏ [النجم/ 8].
دلك‏
دُلُوكُ الشمس: ميلها للغروب. قال تعالى:
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ‏ [الإسراء/ 78]، هو من قولهم: دَلَكْتُ الشمس: دفعتها بالرّاح، و منه: دلكت الشي‏ء في الرّاحة، و دَالَكْتُ الرّجلَ: إذا ماطلته، و الدَّلُوكُ: ما دلكته من طيب، و الدَّلِيكُ: طعام يتّخذ من الزّبد و التّمر «4».
دمدم‏
فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ‏ [الشمس/ 14]،
__________________________________________________
 (1) أبو منصور الجبان الرازي، و اسمه محمد بن علي، كنيته أشهر من اسمه، شيخ وقته في اللغة، و كتابه «الشامل» في اللغة كثّر فيه الألفاظ اللغوية، و قابل الشواهد، و هو كتاب كبير في ثلاثة عشر مجلدا، رتّبه على الحروف، كان يجالس علاء الدين ابن بويه، و كان الصاحب كافي الكفاة يعزّه و يجله و تعاصر مع ابن سينا و اجتمعا في مجلس العلاء. انظر: إنباه الرواة 4/ 176، و معجم الأدباء 18/ 260، و بغية الوعاة 1/ 185.
 (2) البيت لأبي الأسود الدّيلي. و هو في البصائر 2/ 606، و المحاسن و المساوئ للبيهقي ص 286، و تفسير الراغب ورقة 126.
 (3) البيت للعجير السلولي. و هو في اللسان (ميح)، و تفسير الراغب ورقة 126.
و رواية اللسان:
         و لي مائح لم يورد الماء قبله             يعلّي، و أشطان الدلاء كثير

و عنى بالمائح لسانه، لأنه يميح من قلبه، و عنى بالماء الكلام، و أشطان الدلاء، أي: أسباب الكلام كثير لديه غير متعذر عليه.
 (4) انظر: المجمل 2/ 334.

317
مفردات ألفاظ القرآن

دمدم ص 317

أي: أهلكهم، و أزعجهم، و قيل: الدَّمْدَمَةُ حكاية صوت الهرّة، و منه: دَمْدَمَ فلان في كلامه، و دَمَمْتُ الثوب: طليته بصبغ ما، و الدِّمَامُ: يطلى به، و بعير مَدْمُومٌ بالشّحم، و الدَّامَّاءُ، و الدُّمَمَةُ:
جحر اليربوع، و الدَّامَاءُ بالتخفيف، و الدَّيْمُومَةُ:
المفازة.
دم‏
أصل الدَّمِ دمي، و هو معروف، قال اللّه تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ‏ [المائدة/ 3]، و جمعه دِمَاءٌ، و قال: لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ‏ [البقرة/ 84]، و قد دَمِيَتِ الجراحةُ، و فرس مَدْمِيٌّ: شديد الشّقرة، كالدّم في اللّون، و الدُّمْيَةُ صورة حسنة، و شجّة دَامِيَةٌ.
دمر
قال: فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً [الفرقان/ 36]، و قال: ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ* [الشعراء/ 172]، وَ دَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَ قَوْمُهُ وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ‏ [الأعراف/ 137]، و التَّدْمِيرُ: إدخال الهلاك على الشي‏ء، و يقال: ما بالدّار تَدْمُرِيٌّ «1»، و قوله تعالى: دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏ [محمد/ 10]، فإنّ مفعول دمّر محذوف.
دمع‏
قال تعالى: تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً [التوبة/ 92]. فَالدَّمْعُ يكون اسما للسائل من العين، و مصدر دَمَعَتِ العينُ دَمْعاً و دَمَعَاناً.
دمغ‏
قال تعالى: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ‏ [الأنبياء/ 18]، أي: يكسر دِمَاغَهُ، و حجّة دَامِغَةٌ كذلك. و يقال للطّلعة تخرج من أصل النّخلة فتفسده إذا لم تقطع: دَامِغَةٌ، و للحديدة التي تشدّ على آخر الرّحل: دَامِغَةٌ، و كلّ ذلك استعارة من الدَّمْغِ الذي هو كسر الدّماغ.
دنر
قال تعالى: مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ [آل عمران/ 75]، أصله: دِنَّارٌ، فأبدل من إحدى النّونين ياء، و قيل: أصله بالفارسية دين‏آر، أي:
الشريعة جاءت به.
دنا
الدُّنُوُّ: القرب بالذّات، أو بالحكم، و يستعمل في المكان و الزّمان و المنزلة. قال تعالى: وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ [الأنعام/ 99]، و قال تعالى: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى‏ [النجم/ 8]، هذا بالحكم. و يعبّر بِالْأَدْنَى تارة عن الأصغر، فيقابل بالأكبر نحو: وَ لا أَدْنى‏ مِنْ ذلِكَ وَ لا

__________________________________________________
 (1) أي: أحد، و انظر: المجمل 2/ 335.

318
مفردات ألفاظ القرآن

دنا ص 318

أَكْثَرَ «1»، و تارة عن الأرذل فيقابل بالخير، نحو: أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى‏ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [البقرة/ 61]، و عن الأوّل فيقابل بالآخر، نحو: خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ [الحج/ 11]، و قوله: وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ‏ [النحل/ 122]، و تارة عن الأقرب، فيقابل بالأقصى نحو: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ [الأنفال/ 42]، و جمع الدّنيا الدُّنَى، نحو الكبرى و الكبر، و الصّغرى و الصّغر. و قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى‏ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ [المائدة/ 108]، أي: أقرب لنفوسهم أن تتحرّى العدالة في إقامة الشهادة، و على ذلك قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى‏ أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَ‏ [الأحزاب/ 51]، و قوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ [البقرة/ 220]، متناول للأحوال التي في النشأة الأولى، و ما يكون في النشأة الآخرة، و يقال: دَانَيْتُ بين الأمرين، و أَدْنَيْتُ أحدهما من الآخر. قال تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ‏ [الأحزاب/ 59]، و أَدْنَتِ الفرسُ: دنا نتاجها.
و خصّ الدَّنِي‏ءُ بالحقير القدر، و يقابل به السّيّئ، يقال: دني‏ء بيّن الدّناءة. و ما
رُوِيَ «إِذَا أَكَلْتُمْ فَدَنُّوا» «2».
من الدّون، أي: كلوا ممّا يليكم.
دهر
الدَّهْرُ في الأصل: اسم لمدّة العالم من مبدأ وجوده إلى انقضائه، و على ذلك قوله تعالى:
هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ [الدهر/ 1]، ثمّ يعبّر به عن كلّ مدّة كثيرة، و هو خلاف الزمان، فإنّ الزّمان يقع على المدّة القليلة و الكثيرة، و دَهْرُ فلان: مدّة حياته، و استعير للعادة الباقية مدّة الحياة، فقيل: ما دهري بكذا، و يقال: دَهَرَ فلانا نائبة دَهْراً، أي: نزلت به، حكاه (الخليل) «3»، فَالدَّهْرُ هاهنا مصدر، و قيل:
دَهْدَرَهُ دَهْدَرَةً، و دَهْرٌ دَاهِرٌ و دَهِيرٌ. و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ» «4».
قد قيل معناه: إنّ اللّه فاعل ما يضاف إلى الدّهر من الخير و الشّرّ و المسرّة و المساءة، فإذا سببتم الذي تعتقدون أنه فاعل ذلك فقد سببتموه تعالى عن ذلك «5». و قال بعضهم «6»: الدّهر
__________________________________________________
 (1) سورة المجادلة: آية 7. و قرأ الحسن (و لا أكبر) و هي قراءة شاذة، و هي محل الاستشهاد.
 (2) في النهاية: «سمّوا اللّه و دنّوا، و سمّتوا»، و كذا في غريب الحديث لابن قتيبة 3/ 745.
أي: إذا بدأتم بالأكل كلوا مما بين أيديكم، و سمّتوا، أي: ادعوا للمطعم بالبركة. النهاية 2/ 137.
 (3) انظر: العين 4/ 23، و في عبارة المؤلف بعض التصرف.
 (4) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة، و أحمد في المسند 5/ 399 و البخاري. فتح الباري 8/ 574.
 (5) و هذا قول أبي عبيد في غريب الحديث 2/ 47.
 (6) هو محمد بن داود الظاهري. انظر فتح الباري 8/ 574.

319
مفردات ألفاظ القرآن

دهر ص 319

الثاني في الخبر غير الدّهر الأوّل، و إنما هو مصدر بمعنى الفاعل، و معناه: أنّ اللّه هو الدَّاهِرُ، أي: المصرّف المدبّر المفيض لما يحدث، و الأول أظهر «1». و قوله تعالى إخبارا عن مشركي العرب: ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية/ 24]، قيل: عني به الزمان.
دهق‏
قال تعالى: وَ كَأْساً دِهاقاً [النبأ/ 34]، أي: مفعمة، و يقال: أَدْهَقْتُ الكأسَ فَدَهَقَ، و دَهَقَ لي من المال دَهْقَةً، كقولك: قبض قبضة.
دهم‏
الدُّهْمَةُ: سواد الليل، و يعبّر بها عن سواد الفرس، و قد يعبّر بها عن الخضرة الكاملة اللّون، كما يعبّر عن الدُّهْمَةِ بالخضرة إذا لم تكن كاملة اللّون، و ذلك لتقاربهما باللون. قال اللّه تعالى: مُدْهامَّتانِ‏
 [الرحمن/ 64]، و بناؤهما من الفعل مفعالّ، يقال: ادْهَامَّ ادْهِيمَاماً، قال الشاعر في وصف الليل:
161-
         في ظلّ أخضر يدعو هامه البوم
«2»
دهن‏
قال تعالى: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ‏ [المؤمنون/ 20]، و جمع الدّهن أَدْهَانٌ. و قوله تعالى:
فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ‏ [الرحمن/ 37]، قيل: هو درديّ الزّيت، و الْمُدْهُنُ: ما يجعل فيه الدّهن، و هو أحد ما جاء على مفعل من الآلة «3»، و قيل للمكان الذي يستقرّ فيه ماء قليل:
مُدْهُنٌ، تشبيها بذلك، و من لفظ الدّهن استعير الدَّهِينُ للناقة القليلة اللّبن، و هي فعيل في معنى فاعل، أي: تعطي بقدر ما تدهن به. و قيل:
بمعنى مفعول، كأنه مَدْهُونٌ باللبن. أي: كأنها دُهِنَتْ باللبن لقلّته، و الثاني أقرب من حيث لم يدخل فيه الهاء، و دَهَنَ المطر الأرض: بلّها بللا يسيرا، كالدّهن الذي يدهن به الرّأس، و دَهَنَهُ بالعصا: كناية عن الضّرب على سبيل التّهكّم، كقولهم: مسحته بالسّيف، و حيّيته بالرّمح.
و الْإِدْهَانُ في الأصل مثل التّدهين، لكن جعل عبارة عن المداراة و الملاينة، و ترك الجدّ، كما جعل التَّقْرِيدُ و هو نزع القراد عن البعير عبارة عن ذلك، قال: أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ‏ [الواقعة/ 81]، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) نقله ابن حجر عنه في الفتح 8/ 575.
 (2) الشطر تقدّم في باب (خضر).
 (3) و قد جمع ابن مالك ما شذّ من اسم الآلة في لاميته فقال:
         شذّ المدقّ و مسعط و مكحلة             و مدهن منصل و الآتي من نخلا

أي: المنخل.
                       

320
مفردات ألفاظ القرآن

دهن ص 320

162-
         الحزم و القوّة خير من الْ             إِدْهَانِ و الفكّة و الهاع «1»

و دَاهَنْتُ فلانا مُدَاهَنَةً، قال: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ‏ [القلم/ 9].
دأب‏
الدَّأْبُ: إدامة السّير، دَأَبَ في السّير دَأْباً. قال تعالى: وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ‏ [إبراهيم/ 33]، و الدَّأْبُ: العادة المستمرّة دائما على حالة، قال تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ* [آل عمران/ 11]، أي: كعادتهم التي يستمرّون عليها.
داود
دَاوُدُ اسم أعجميّ.
دار
الدَّارُ: المنزل اعتبارا بدورانها الذي لها بالحائط، و قيل: دَارَةٌ، و جمعها دِيَارٌ، ثم تسمّى البلدة دَاراً، و الصّقع دَاراً، و الدّنيا كما هي دارا، و الدّار الدّنيا، و الدّار الآخرة، إشارة إلى المقرّين في النّشأة الأولى، و النّشأة الأخرى. و قيل: دار الدّنيا، و دار الآخرة، قال تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [الأنعام/ 127]، أي:
الجنة، و دارَ الْبَوارِ «2» أي: الجحيم. قال تعالى: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ [البقرة/ 94]، و قال: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ‏ [البقرة/ 243]، وَ قَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا [البقرة/ 246]، و قال: سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ‏ [الأعراف/ 145]، أي:
الجحيم، و قولهم: ما بها دَيَّارٌ «3»، أي: ساكن و هو فيعال، و لو كان فعّالا لقيل: دوّار، كقولهم: قوّال و جوّاز. و الدَّائِرَةُ: عبارة عن الخطّ المحيط، يقال: دَارَ يَدُورُ دَوَرَاناً، ثم عبّر بها عن المحادثة.
و الدَّوَّارِيُّ: الدّهر الدّائر بالإنسان من حيث إنه يُدَوَّرُ بالإنسان، و لذلك قال الشاعر:
163-
         و الدّهر بالإنسان دَوَّارِيٌّ «4»
و الدَّوْرَةُ و الدَّائِرَةُ في المكروه، كما يقال: دولة في المحبوب، و قوله تعالى: نَخْشى‏ أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ [المائدة/ 52]، و الدَّوَّارُ: صنم كانوا يطوفون حوله. و الدَّارِيُّ: المنسوب إلى الدّار، و خصّص بالعطّار «5» تخصيص الهالكيّ‏
__________________________________________________
 (1) البيت لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري، شاعر جاهلي أدرك الإسلام، فقيل: أسلم، و قيل: لم يسلم. و هو في المفضليات ص 285، و اللسان (هيع).
الفكّة: الضعف، الهاع: شدة الحرص.
 (2) الآية و أحلّوا قومهم دار البوار سورة إبراهيم: آية 28.
 (3) الأمثال ص 386.
 (4) الرجز للعجاج، و هو في ديوانه 1/ 310، و مجمل اللغة 2/ 339.
 (5) قال في اللسان: و الدّاري: العطّار، يقال: إنه نسب إلى دارين، فرضة بالبحرين فيها سوق كان يحمل إليها مسك من ناحية الهند. اللسان (دور).

321
مفردات ألفاظ القرآن

دار ص 321

بالقين «1»،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ الدَّارِيِّ» «2».
و يقال للازم الدّار: دَارِيٌّ.
و قوله تعالى: وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ [التوبة/ 98]، أي: يحيط بهم السّوء إحاطة الدّائرة بمن فيها، فلا سبيل لهم إلى الانفكاك منه بوجه. و قوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ‏ [البقرة/ 282]، أي: تتداولونها و تتعاطونها من غير تأجيل.
دول‏
الدَّوْلَةُ و الدُّولَةُ واحدة، و قيل: الدُّولَةُ في المال، و الدَّوْلَةُ في الحرب و الجاه. و قيل:
الدُّولَةُ اسم الشي‏ء الذي يتداول بعينه، و الدَّوْلَةُ المصدر. قال تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ‏ [الحشر/ 7]، و تَدَاوَلَ القوم كذا، أي: تناولوه من حيث الدّولة، و دَاوَلَ اللّه كذا بينهم. قال تعالى: وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ‏ [آل عمران/ 140]، و الدُّؤْلُولُ:
الدّاهية و الجمع الدَّآلِيلُ و الدُّؤْلَاتُ «3».
دوم‏
أصل الدَّوَامِ السكون، يقال: دَامَ الماء، أي: سكن،
 «وَ نُهِيَ أَنْ يَبُولَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ» «4».
و أَدَمْتُ القدر و دَوَّمْتُهَا: سكّنت غليانها بالماء، و منه: دَامَ الشي‏ءُ: إذا امتدّ عليه الزمان، قال تعالى: وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ‏ [المائدة/ 117]، إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آل عمران/ 75]، لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها [المائدة/ 24]، و يقال:
دُمْتَ تَدَامُ، و قيل: دِمْتَ تَدُومُ، نحو: متّ تموت «5»، و دَوَّمَتِ الشمس في كبد السّماء، قال الشاعر:
164-
         و الشمس حيرى لها في الجوّ تَدْوِيمٌ «6»
و دَوَّمَ الطّير في الهواء: حلّق، و اسْتَدَمْتُ‏
__________________________________________________
 (1) في اللسان: الهالكيّ: الحداد، قال ابن الكلبي: أول من عمل الحديد من العرب الهالك بن عمرو بن أسد بن خزيمة، و كان حدّادا، نسب إليه الحديد، فقيل: الهالكي، و لذلك قيل لبني أسد: القيون. انظر: اللسان (هلك).
 (2) انظر: النهاية 2/ 140، و الفائق 1/ 443، و أخرجه أحمد 4/ 404 بلفظ: كمثل العطار.
 (3) انظر: المجمل 2/ 340.
 (4) الحديث: «نهى أن يبال في الماء الراكد» أخرجه مسلم و النسائي و أبو داود.
انظر: الفتح الكبير 3/ 266، و سنن أبي داود برقم 69.
و عند النسائي و البخاري عن أبي هريرة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه».
انظر: فتح الباري 1/ 346، سنن النسائي بشرح السندي 1/ 49، و هذه الرواية هي التي تتناسب مع المادة المذكورة.
 (5) قال الفارسي في الحجة 3/ 26: و هما شاذان.
 (6) هذا عجز بيت، و شطره:
         معروريا رمض الرّضراض يركضه‏

و هو لذي الرمّة في ديوانه ص 660، و أساس البلاغة ص 139، و المجمل 2/ 340.
اعرورى الرمض: ركبه، و الرمض: حرّ الشمس على الحجارة، الرضراض: الحصى الصغار.

322
مفردات ألفاظ القرآن

دوم ص 322

الأمر: تأنّيت فيه، و الظّلّ الدَّوْمُ: الدّائم، و الدِّيمَةُ: مطر تدوم أياما.
دين‏
يقال: دِنْتُ الرّجل: أخذت منه دَيْناً، و أَدَنْتُهُ:
جعلته دَائِناً، و ذلك بأن تعطيه دينا. قال (أبو عبيد) «1»: دِنْتُهُ: أقرضته، و رجل مَدِينٌ، و مَدْيُونٌ، و دِنْتُهُ: استقرضت منه «2»، قال الشاعر:
165-
         نَدِينُ و يقضي اللّه عنّا و قد نرى             مصارع قوم لا يَدِينُونَ ضيّعا «3»

و أَدَنْتُ مثل دِنْتُ، و أَدَنْتُ، أي: أقرضت، و التَّدَايُنُ و الْمُدَايَنَةُ: دفع الدَّيْنِ، قال تعالى:
إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى‏ [البقرة/ 282]، و قال: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ* [النساء/ 11]، و الدِّينُ يقال للطاعة و الجزاء، و استعير للشريعة، و الدِّينُ كالملّة، لكنّه يقال اعتبارا بالطاعة و الانقياد للشريعة، قال إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ‏ [آل عمران/ 19]، و قال:
وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ‏ [النساء/ 125]، أي: طاعة، وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ‏ [النساء/ 146]، و قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ* [النساء/ 171]، و ذلك حثّ على اتّباع دين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم الذي هو أوسط الأديان كما قال:
وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة/ 143]، و قوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ‏ [البقرة/ 256] قيل: يعني الطاعة، فإنّ ذلك لا يكون في الحقيقة إلّا بالإخلاص، و الإخلاص لا يتأتّى فيه الإكراه، و قيل: إنّ ذلك مختصّ بأهل الكتاب الباذلين للجزية. و قوله: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ‏ [آل عمران/ 83]، يعني: الإسلام، لقوله: وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ‏ [آل عمران/ 85]، و على هذا قوله تعالى:
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ* [الصف/ 9]، و قوله: وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ‏ [التوبة/ 29]، و قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ‏ [النساء/ 125]، فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ‏ [الواقعة/ 86]، أي: غير مجزيّين. و الْمَدِينُ و الْمَدِينَةُ: العبد و الأمة: قال (أبو زيد): هو من قولهم: دِينَ فلان يُدَانُ: إذا حمل على مكروه «4»، و قيل «5»: هو من دِنْتُهُ: إذا جازيته بطاعته، و جعل بعضهم المدينة من هذا الباب.
دون‏
يقال للقاصر عن الشي‏ء: دُونُ، قال بعضهم:
__________________________________________________
 (1) في الغريب المصنف ورقة 330 من النسخة التركية، و تهذيب اللغة 14/ 182 نقلا عن أبي عبيد.
 (2) انظر: المجمل 2/ 342.
 (3) البيت للعجير السلولي، و هو في المجمل 2/ 342، و اللسان (دين)، و الغريب المصنف ورقة 330.
 (4) انظر: المجمل 2/ 342، و تهذيب اللغة 14/ 183.
 (5) و هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 2/ 252.

323
مفردات ألفاظ القرآن

دون ص 323

هو مقلوب من الدّنوّ، و الْأَدْوَنُ: الدّني‏ء و قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ‏ [آل عمران/ 118]، أي: ممّن لم يبلغ منزلته منزلتكم في الدّيانة، و قيل: في القرابة. و قوله:
وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ* [النساء/ 48]، أي: ما كان أقلّ من ذلك، و قيل: ما سوى ذلك، و المعنيان يتلازمان. و قوله تعالى: أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُونِي وَ أُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [المائدة/ 116]، أي: غير اللّه، و قيل: معناه إلهين متوصّلا بهما إلى اللّه. و قوله لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَ لا شَفِيعٌ‏ [الأنعام/ 51]، وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ* «1» أي:
ليس لهم من يواليهم من دون أمر اللّه. و قوله:
قُلْ أَ نَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا وَ لا يَضُرُّنا [الأنعام/ 71]، مثله. و قد يغرى بلفظ دون، فيقال: دُونَكَ كذا، أي: تناوله، قال القتيبيّ:
يقال: دَانَ يَدُونُ دَوْناً: ضعف «2».
تمّ كتاب الدال‏
__________________________________________________
 (1) سورة العنكبوت: آية 22، و في المطبوعة (و ما لهم) و هو تصحيف.
 (2) انظر: المجمل 2/ 341.
                       

324
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الذال

كتاب الذّال‏
ذب‏
الذُّبَابُ يقع على المعروف من الحشرات الطائرة، و على النّحل، و الزنابير و نحوهما. قال الشاعر:
166-
         فهذا أوان العرض حيّا ذُبَابَهُ             زنابيره و الأزرق المتلمّس «1»

و قوله تعالى: وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً [الحج/ 73]، فهو المعروف، و ذُبَابُ العين:
إنسانها، سمّي به لتصوّره بهيئته، أو لطيران شعاعه طيران الذّباب. و ذُبَابُ السّيف تشبيها به في إيذائه، و فلان ذُبَابٌ: إذا كثر التأذّي به.
و ذَبَّبْتُ عن فلان: طردت عنه الذّباب، و الْمِذَبَّةُ: ما يطرد به، ثمّ استعير الذَّبُّ لمجرّد الدّفع، فقيل: ذَبَبْتُ عن فلان، و ذُبَّ البعيرُ: إذا دخل ذباب في أنفه. و جعل بناؤه بناء الأدواء نحو:
زكم. و بعير مَذْبُوبٌ، و ذَبَّ جِسْمُهُ: هزل فصار كذباب، أو كذباب السّيف، و الذَّبْذَبَةُ: حكاية صوت الحركة للشي‏ء المعلّق، ثم استعير لكلّ اضطراب و حركة، قال تعالى: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ‏ [النساء/ 143]، أي: مضطربين مائلين تارة إلى المؤمنين، و تارة إلى الكافرين، قال الشاعر:
167-
         ترى كلّ ملك دونها يَتَذَبْذَبُ «2»
و ذَبَّبْنَا إِبِلَنَا: سقناها سوقا شديدا بتذبذب، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) البيت للمتلمس الضبعي، شاعر جاهلي كان ينادم عمرو بن هند ملك الحيرة.
و هو في الشعر و الشعراء ص 100، و الأغاني 21/ 122، و المعاني الكبير 2/ 602، و العرض: وادي اليمامة، و الأزرق: ذباب ضخم.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         أ لم تر أنّ اللّه أعطاك سورة

و هو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 18.

325
مفردات ألفاظ القرآن

ذب ص 325

168-
         يُذَبِّبُ ورد على إثره «1»
ذبح‏
أصل الذَّبْحِ: شقّ حلق الحيوانات. و الذِّبْحُ:
الْمَذْبُوحُ، قال تعالى: وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏ [الصافات/ 107]، و قال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة/ 67]، و ذَبَحْتُ الفارة «2»:
شققتها، تشبيها بذبح الحيوان، و كذلك: ذَبَحَ الدّنّ «3»، و قوله: يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ* [البقرة/ 49]، على التّكثير، أي: يذبح بعضهم إثر بعض. و سعد الذَّابِحُ اسم نجم، و تسمّى الأخاديد من السّيل مَذَابِحَ.
ذخر
أصل الِادِّخَارِ اذتخار، يقال: ذَخَرْتُهُ، و ادَّخَرْتُهُ: إذا أعددته للعقبى. و
رُوِيَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئاً لِغَدٍ) «4».
و الْمَذَاخِرُ:
الجوف و العروق المدّخرة للطّعام، قال الشاعر: 169-
         فلما سقيناها العكيس تملّأت             مَذَاخِرُهَا و امتدّ رشحا وريدها «5»

و الْإِذْخِرُ: حشيشة طيّبة الرّيح.
ذر
الذُّرِّيَّةُ، قال تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي* [البقرة/ 124]، و قال: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ‏ [البقرة/ 128]، و قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [النساء/ 40]، و قد قيل: أصله الهمز، و قد تذكر بعد في بابه.
ذرع‏
الذِّرَاعُ: العضو المعروف، و يعبّر به عن الْمَذْرُوعِ، أي: الممسوح بالذّراع. قال تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ‏ [الحاقة/ 32]، يقال: ذِرَاعٌ من الثّوب و الأرض، و ذِرَاعُ الأسد: نجم، تشبيها بذراع الحيوان، و ذِرَاعُ العامل: صدر القناة «6»، و يقال: هذا على حبل ذِرَاعِكَ «7»، كقولك: هو
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و أمكنه وقع مردى خشب‏

و هو لعنترة في ديوانه ص 32 و المجمل 2/ 356، و نظام الغريب ص 222.
 (2) الفارة: المسك.
 (3) قال ابن فارس: و ذبحت الدن: إذا بزلته. المجمل 2/ 364.
و في اللسان: و بزل الخمر: ثقب إناءها. اللسان: (بزل).
 (4) الحديث عن أنس قال: (كان النبي صلّى اللّه عليه و سلم لا يدخر شيئا لغد). أخرجه الترمذي و قال: هذا حديث غريب، و قد روي عن ثابت عن النبي مرسلا. انظر: عارضة الأحوذي 9/ 215، و أخرجه ابن حبّان. الإحسان إلى ترتيب صحيح ابن حبان 8/ 99.
 (5) البيت قيل لمنظور بن مرثد، و هو في المجمل 2/ 365، و اللسان: ذخر، و المعاني الكبير 1/ 384 و نسبه في اللسان مادة: (عكس) إلى أبي منصور الأسدي، و قيل: للراعي و هو الأصح، و هو في ديوانه ص 93.
 (6) انظر: المجمل 2/ 357، و أساس البلاغة ص 142.
 (7) قال الزمخشري: و هو لك مني على حبل الذراع، أي: حاضر قريب. الأساس ص 142.

326
مفردات ألفاظ القرآن

ذرع ص 326

في كفّك، و ضاق بكذا ذَرْعِي، نحو: ضاقت به يدي، و ذَرَعْتُهُ: ضربت ذراعه، و ذَرَعْتُ: مددت الذراع، و منه: ذَرَعَ البعير في سيره، أي: مدّ ذراعه، و فرس ذَرِيعٌ و ذَرُوعٌ: واسع الخطو، و مُذَرَّعٌ: أبيض الذّراع، و زِقٌّ ذِرَاعٌ، قيل: هو العظيم، و قيل: هو الصّغير، فعلى الأوّل هو الذي بقي ذراعه، و على الثاني هو الذي فصل ذراعه عنه. و ذَرَعَهُ القي‏ء: سبقه. و قولهم: ذَرَعَ الفرس، و تَذَرَّعَتِ المرأة الخوص «1»، و تَذَرَّعَ في كلامه «2»، تشبيها بذلك، كقولهم: سفسف في كلامه، و أصله من سفيف الخوص.
ذرأ
الذَّرْءُ: إظهار اللّه تعالى ما أبداه، يقال: ذَرَأَ اللّه الخلق، أي: أوجد أشخاصهم. قال تعالى:
وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ [الأعراف/ 179]، و قال: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً [الأنعام/ 136]، و قال: وَ مِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ‏ [الشورى/ 11]، و قرئ: (تذرؤه الرّياح) «3»، و الذُّرْأَةُ: بياض الشّيب و الملح.
فيقال: ملح ذُرْآنِيٌّ، و رجل أَذْرَأُ، و امرأة ذَرْآءُ، و قد ذَرِئَ شعره.
ذرو
ذِرْوَةُ السّنام و ذُرَاهُ: أعلاه، و منه قيل: أنا في ذُرَاكَ، أي: في أعلى مكان من جنابك.
و الْمِذْرَوَانُ: طرفا الأليتين، و ذَرَتْهُ الرّيح تَذْرُوهُ و تَذْرِيهِ. قال تعالى: وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً [الذاريات/ 1]، و قال: تَذْرُوهُ الرِّياحُ‏ [الكهف/ 45]، و الذُّرِّيَّةُ أصلها: الصّغار من الأولاد، و إن كان قد يقع على الصّغار و الكبار معا في التّعارف، و يستعمل للواحد و الجمع، و أصله الجمع، قال تعالى: ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ‏ [آل عمران/ 34]، و قال: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ‏ [الإسراء/ 3]، و قال: وَ آيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ‏ [يس/ 41]، و قال: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي‏ [البقرة/ 124]، و في الذُّرِّيَّةِ ثلاثة أقوال: قيل هو من: ذرأ اللّه الخلق «4»، فترك همزه، نحو: رويّة و بريّة. و قيل: أصله ذرويّة.
و قيل: هو فعليّة من الذّرّ نحو قمريّة. و قال (أبو القاسم البلخيّ) «5»: قوله تعالى: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ [الأعراف/ 179]، من قولهم: ذريت‏
__________________________________________________
 (1) أي: تنقّته و شقّته. المجمل 2/ 356.
 (2) قال الزمخشري: و قد أذرع في كلامه و هو يذرع فيه إذراعا، و هو الإكثار. (أساس البلاغة).
 (3) سورة الكهف آية 45، و قراءة (تذرؤه) شاذة.
 (4) انظر: الخصائص لابن جني 3/ 86، و معاني القرآن للنحاس 1/ 399.
 (5) تقدمت ترجمته ص 291.

327
مفردات ألفاظ القرآن

ذرو ص 327

الحنطة، و لم يعتبر أنّ الأوّل مهموز.
ذعن‏
مُذْعِنِينَ‏ «1» أي: منقادين، يقال: ناقة مِذْعَانٌ، أي: منقادة.
ذقن‏
قوله تعالى: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ‏ [الإسراء/ 109]، الواحد: ذَقَنٌ، و قد ذَقَنْتُهُ:
ضربت ذقنه، و ناقة ذَقُونٌ: تستعين بذقنها في سيرها، و دلو ذَقُونٌ: ضخمة مائلة تشبيها بذلك.
ذكر
الذِّكْرُ: تارة يقال و يراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، و هو كالحفظ إلّا أنّ الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه، و الذِّكْرُ يقال اعتبارا باستحضاره، و تارة يقال لحضور الشي‏ء القلب أو القول، و لذلك قيل:
الذّكر ذكران:
ذكر بالقلب.
و ذكر باللّسان.
و كلّ واحد منهما ضربان:
ذكر عن نسيان.
و ذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ. و كلّ قول يقال له ذكر، فمن الذّكر باللّسان قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ‏ [الأنبياء/ 10]، و قوله تعالى: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ‏ [الأنبياء/ 50]، و قوله:
هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَ ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي‏ [الأنبياء/ 24]، و قوله: أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا [ص/ 8]، أي: القرآن، و قوله تعالى: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص/ 1]، و قوله: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ‏ [الزخرف/ 44]، أي:
شرف لك و لقومك، و قوله: فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ* [النحل/ 43]، أي: الكتب المتقدّمة.
و قوله قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولًا [الطلاق/ 10- 11]، فقد قيل: الذكر هاهنا وصف للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم «2»، كما أنّ الكلمة وصف لعيسى عليه السلام من حيث إنه بشّر به في الكتب المتقدّمة، فيكون قوله: (رَسُولًا) بدلا منه.
و قيل: (رَسُولًا) منتصب بقوله (ذِكْراً) «3» كأنه قال: قد أنزلنا إليكم كتابا ذكرا رسولا يتلو، نحو قوله: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيماً [البلد/ 14- 15]، ف (يَتِيماً) نصب بقوله (إِطْعامٌ).
و من الذّكر عن النسيان قوله: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ‏

__________________________________________________
 (1) الآية و إن يكن لهم الحقّ يأتوا إليه مذعنين سورة النور: آية 49.
 (2) و هذا قول ابن عباس، أخرجه عنه ابن مردويه. انظر: الدر المنثور 8/ 209.
 (3) انظر: الأقوال في انتصاب (ذكرا) في إعراب القرآن للعكبري 2/ 228.

328
مفردات ألفاظ القرآن

ذكر ص 328

 [الكهف/ 63]، و من الذّكر بالقلب و اللّسان معا قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة/ 200]، و قوله:
فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ‏ [البقرة/ 198]، و قوله: وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ [الأنبياء/ 105]، أي: من بعد الكتاب المتقدم. و قوله هَلْ أَتى‏ عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً
 [الدهر/ 1]، أي: لم يكن شيئا موجودا بذاته، و إن كان موجودا في علم اللّه تعالى.و قوله: أَ وَ لا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ‏ [مريم/ 67]، أي: أولا يذكر الجاحد للبعث أوّل خلقه، فيستدلّ بذلك على إعادته، و كذلك قوله تعالى: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس/ 79]، و قوله: وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الروم/ 27]، و قوله:
وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت/ 45]، أي:
ذكر اللّه لعبده أكبر من ذكر العبد له، و ذلك حثّ على الإكثار من ذكره. و الذِّكْرَى: كثرة الذّكر، و هو أبلغ من الذّكر، قال تعالى: رَحْمَةً مِنَّا وَ ذِكْرى‏ لِأُولِي الْأَلْبابِ‏ [ص/ 43]، وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى‏ تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الذاريات/ 55]، في آي كثيرة. و التَّذْكِرَةُ: ما يتذكّر به الشي‏ء، و هو أعمّ من الدّلالة و الأمارة، قال تعالى: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ‏ [المدثر/ 49]، كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ [عبس/ 11]، أي: القرآن.
و ذَكَّرْتُهُ كذا، قال تعالى: وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ‏ [إبراهيم/ 5]، و قوله: فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى [البقرة/ 282]، قيل: معناه تعيد ذكره، و قد قيل: تجعلها ذكرا في الحكم «1». قال بعض العلماء «2» في الفرق بين قوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ‏ [البقرة/ 152]، و بين قوله: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ* [البقرة/ 40]: إنّ قوله: فَاذْكُرُونِي‏ مخاطبة لأصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم الذين حصل لهم فضل قوّة بمعرفته تعالى، فأمرهم بأن يذكروه بغير واسطة، و قوله تعالى: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ*
 مخاطبة لبني إسرائيل الذين لم يعرفوا اللّه إلّا بآلائه، فأمرهم أن يتبصّروا نعمته، فيتوصّلوا بها إلى معرفته. و الذَّكَرُ: ضدّ الأنثى، قال تعالى:
وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى‏ [آل عمران/ 36]، و قال: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ* [الأنعام/ 144]، و جمعه: ذُكُورٌ و ذُكْرَانٌ، قال تعالى: ذُكْراناً وَ إِناثاً [الشورى/ 50]، و جعل الذَّكَرُ كناية عن العضو المخصوص.
و الْمُذْكِرُ: المرأة التي ولدت ذكرا، و الْمِذْكَارُ:
التي عادتها أن تذكر، و ناقة مُذَكَّرَةٌ: تشبه الذّكر في عظم خلقها، و سيف ذو ذُكْرٍ، و مُذَكَّرٌ:
صارم، تشبيها بالذّكر، و ذُكُورُ البقل: ما غلظ منه.
__________________________________________________
 (1) راجع: المدخل لعلم تفسير كتاب اللّه ص 109.
 (2) نقله الرازي في تفسيره 3/ 33.

329
مفردات ألفاظ القرآن

ذكا ص 330

ذكا
ذَكَتِ النار تَذْكُو: اتّقدت و أضاءت، و ذَكَّيْتُهَا تَذْكِيَةً. و ذُكَاءُ اسم للشمس، و ابن ذُكَاءَ للصّبح، و ذلك أنه تارة يتصوّر الصّبح ابنا للشمس، و تارة حاجبا لها فقيل: حاجب الشمس، و عبّر عن سرعة الإدراك و حدّة الفهم بِالذَّكَاءِ، كقولهم:
فلان هو شعلة نار. و ذَكَّيْتُ الشاة: ذبحتها.
و حقيقة التَّذْكِيَةِ: إخراج الحرارة الغريزيّة، لكن خصّ في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه، و يدلّ على هذا الاشتقاق قولهم في الميّت: خامد و هامد، و في النار الهامدة: ميتة.
و ذَكَّى الرَّجُلُ، إذا أسنّ «1»، و حظي بالذّكاء لكثرة رياضته و تجاربه، و بحسب هذا الاشتقاق لا يسمّى الشيخ مُذَكِّياً إلّا إذا كان ذا تجارب و رياضات. و لما كانت التجارب و الرّياضات قلّما توجد إلّا في الشّيوخ لطول عمرهم استعمل الذّكاء فيهم، و استعمل في العتاق من الخيل المسانّ، و على هذا قولهم: جري الْمُذَكِّيَاتُ غلاب «2».
ذل‏
الذُّلُّ: ما كان عن قهر، يقال: ذَلَّ يَذِلُّ ذُلًّا «3»، و الذِّلُّ، ما كان بعد تصعّب، و شماس من غير قهر «4»، يقال: ذَلَّ يَذِلُّ ذِلًّا. و قوله تعالى: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ [الإسراء/ 24]، أي: كن كالمقهور لهما، و قرئ (جناح الذِّلِّ) «5» أي: لن و انقد لهما، يقال: الذُّلُّ و القُلُّ، و الذِّلَّةُ و القِلَّةُ، قال تعالى: تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ* [المعارج/ 44]، و قال: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ [البقرة/ 61]، و قال: سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ [الأعراف/ 152]، و ذَلَّتِ الدّابة بعد شماس «6»، ذِلًّا، و هي ذَلُولٌ، أي: ليست بصعبة، قال تعالى: لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ‏ [البقرة/ 71]، و الذُّلُّ متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود، نحو قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏ [المائدة/ 54]، و قال: وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ [آل عمران/ 123]، و قال: فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا

__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و ذكّى الرجل: أسنّ و بدن، و المذكّي: المسنّ من كل شي‏ء. اللسان (ذكا).
 (2) هذا مثل: أي: جري المسانّ القرّح من الخيل أن تغالب الجري غلابا. انظر: اللسان (ذكا)، و المجمل 2/ 358.
و قال الميداني: يضرب لمن يوصف بالتبريز على أقرانه في حلبة الفضل، انظر: مجمع الأمثال 1/ 158. أي:
أن المذكي يغالب مجاريه فيغلبه لقوته، و انظر الأمثال ص 91.
 (3) راجع: الأفعال 3/ 589.
 (4) انظر: البصائر 3/ 17.
 (5) و هي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس و سعيد بن جبير، و عروة بن الزبير، انظر: تفسير القرطبي 10/ 244.
 (6) يقال: شمست الدابة و الفرس تشمس شماسا و شموسا، و هي شموس: شردت و جمحت و منعت ظهرها. اللسان: (شمس).

330
مفردات ألفاظ القرآن

ذل ص 330

 [النحل/ 69]، أي: منقادة غير متصعّبة، قال تعالى: وَ ذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلًا [الإنسان/ 14]، أي: سهّلت، و قيل: الأمور تجري على أَذْلَالِهَا «1»، أي: مسالكها و طرقها.
ذم‏
يقال: ذَمَمْتُهُ أَذُمُّهُ ذَمّاً، فهو مَذْمُومٌ و ذَمِيمٌ، قال تعالى: مَذْمُوماً مَدْحُوراً [الإسراء/ 18]، و قيل: ذَمَتُّهُ أَذُمُّهُ على قلب إحدى الميمين تاء.
و الذِّمَامُ: ما يذمّ الرّجل على إضاعته من عهد، و كذلك الْمَذَمَّةُ و الْمَذِمَّةُ. و قيل: لي مَذَمَّةٌ فلا تهتكها، و أذهب مَذَمَّتَهُمْ بشي‏ء، أي: أعطهم شيئا لما لهم من الذّمام. و أَذَمَّ بكذا: أضاع ذمامه، و رجل مُذِمٌّ: لا حراك «2» به، و بئر ذَمَّةٌ:
قليلة الماء، قال الشاعر:
170-
         و ترى الذَّمِيمَ على مراسنهم             يوم الهياج كمازن الجثل «3»

الذَّمِيمُ: شبه بثور صغار. يقال: أصله الذنة و الذنين.
ذنب‏
ذَنَبُ الدّابة و غيرها معروف، و يعبّر به عن المتأخّر و الرّذل، يقال: هم أَذْنَابُ القوم، و عنه استعير: مَذَانِبُ التّلاع، لمسائل مياهها.
و الْمُذَنِّبُ «4»: ما أرطب من قبل ذنبه، و الذَّنُوبُ:
الفرس الطويل الذنب، و الدّلو التي لها ذنب، و استعير للنّصيب، كما استعير له السّجل «5». قال تعالى: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ‏ [الذاريات/ 59]، و الذَّنْبُ في الأصل: الأخذ بذنب الشي‏ء، يقال: ذَنَبْتُهُ:
أصبت ذنبه، و يستعمل في كلّ فعل يستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشي‏ء، و لهذا يسمّى الذَّنْبُ تبعة، اعتبارا لما يحصل من عاقبته، و جمع الذّنب ذُنُوبٌ، قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ* [آل عمران/ 11]، و قال: فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ‏ [العنكبوت/ 40]، و قال: وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ‏ [آل عمران/ 135]، إلى غير ذلك من الآي.
ذهب‏
الذَّهَبُ معروف، و ربما قيل ذَهَبَةٌ، و رجل ذَهِبٌ: رأى معدن الذّهب فدهش، و شي‏ء
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 3/ 18، و المجمل 2/ 354، و الأساس ص 144.
 (2) انظر: المجمل 2/ 354، و أساس البلاغة ص 145.
 (3) البيت في اللسان (ذمم) بلا نسبة، و فيه في (جثل)، و الاشتقاق ص 181 بلا نسبة أيضا.
و البيت للحادرة الذبياني، في جمهرة اللغة 1/ 80، و ديوان الأدب 1/ 362 دون نسبة، و شمس العلوم 1/ 292.
و الجثل: جمع جثلة، و هي النملة السوداء، و المازن: بيض النمل.
 (4) المذنّب من الرّطب: ما أرطب من قبل ذنبه، انظر: المجمل 2/ 361، و الأساس ص 146.
 (5) قال ابن بري: السّجل: اسم الدلو ملأى ماء، و الذّنوب إنما يكون فيها مثل نصفها ماء. ا. ه. و يستعار السّجل للنصيب. قال الزمخشري: و أعطاه سجله من كذا، أي: نصيبه، كما يقال: ذنوبه. انظر: الأساس ص 203.

331
مفردات ألفاظ القرآن

ذهب ص 331

مُذَهَّبٌ: جعل عليه الذّهب، و كميت مُذْهَبٌ:
علت حمرته صفرة، كأنّ عليها ذهبا، و الذَّهَابُ:
المضيّ، يقال: ذَهَبَ بالشي‏ء و أَذْهَبَهُ، و يستعمل ذلك في الأعيان و المعاني، قال اللّه تعالى:
وَ قالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى‏ رَبِّي‏ [الصافات/ 99]، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ‏ [هود/ 74]، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ‏ [فاطر/ 8]، كناية عن الموت، و قال: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ* [إبراهيم/ 19]، و قال: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ‏ [فاطر/ 34]، و قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ‏ [الأحزاب/ 33]، و قوله تعالى: وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَ‏ [النساء/ 19]، أي:
لتفوزوا بشي‏ء من المهر، أو غير ذلك مما أعطيتموهنّ و قوله: وَ لا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ‏ [الأنفال/ 46]، و قال: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ‏ [البقرة/ 17]، وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ‏ [البقرة/ 20]، لَيَقُولَنَّ: ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي‏ [هود/ 10].
ذهل‏
قال تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ‏ [الحج/ 2]، الذُّهُولُ: شغل يورث حزنا و نسيانا، يقال: ذَهَلَ عن كذا و أَذْهَلَهُ كذا.
ذوق‏
الذَّوْقُ: وجود الطعم بالفم، و أصله فيما يقلّ تناوله دون ما يكثر، فإنّ ما يكثر منه يقال له:
الأكل، و اختير في القرآن لفظ الذَّوْقِ في العذاب، لأنّ ذلك- و إن كان في التّعارف للقليل- فهو مستصلح للكثير، فخصّه بالذّكر ليعمّ الأمرين، و كثر استعماله في العذاب، نحو:
لِيَذُوقُوا الْعَذابَ‏ [النساء/ 56]، وَ قِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ [السجدة/ 20]، فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* [الأنفال/ 35]، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ‏ [الدخان/ 49]، إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ‏ [الصافات/ 38]، ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ‏ [الأنفال/ 14]، وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى‏ دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ [السجدة/ 21]، و قد جاء في الرّحمة نحو: وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً [هود/ 9]، وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ‏ [هود/ 10]، و يعبّر به عن الاختبار، فيقال: أَذَقْتُهُ كذا فَذَاقَ، و يقال: فلان ذَاقَ كذا، و أنا أكلته «1»، أي: خبرته فوق ما خبر، و قوله: فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ‏ [النحل/ 112]، فاستعمال الذّوق مع اللّباس‏
__________________________________________________
 (1) قال الزمخشري: و من المجاز: ذقت النّاس و أكلتهم، و وزنتهم و كلتهم، فما استطبت طعومهم، و لا استرجحت حلومهم. انظر: الأساس ص 147 مادة: ذوق.

332
مفردات ألفاظ القرآن

ذوق ص 332

من أجل أنه أريد به التّجربة و الاختبار، أي:
فجعلها بحيث تمارس الجوع و الخوف، و قيل:
إنّ ذلك على تقدير كلامين، كأنه قيل: أذاقها طعم الجوع و الخوف، و ألبسها لباسهما. و قوله:
وَ إِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً [الشورى/ 48]، فإنه استعمل في الرّحمة الإذاقة، و في مقابلتها الإصابة، فقال: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ [الشورى/ 48]، تنبيها على أنّ الإنسان بأدنى ما يعطى من النّعمة يأشر و يبطر، إشارة إلى قوله:
كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏* أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى‏ [العلق/ 6- 7].
ذو
ذُو على وجهين: أحدهما: يتوصّل به إلى الوصف بأسماء الأجناس و الأنواع، و يضاف إلى الظاهر دون المضمر، و يثنّى و يجمع، و يقال في المؤنّث: ذَاتٌ، و في التثنية: ذَوَاتَا، و في الجمع: ذَوَاتٌ، و لا يستعمل شي‏ء منها إلّا مضافا، قال: وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ‏ [البقرة/ 251]، و قال: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏ [النجم/ 6]، وَ ذِي الْقُرْبى‏ [البقرة/ 83]، وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ‏ [هود/ 3]، ذَوِي الْقُرْبى‏ وَ الْيَتامى‏ [البقرة/ 177]، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* [الأنفال/ 43]، وَ نُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَ ذاتَ الشِّمالِ‏ [الكهف/ 18]، وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ [الأنفال/ 7]، و قال: ذَواتا أَفْنانٍ‏ [الرحمن/ 48]، و قد استعار أصحاب المعاني الذَّاتَ، فجعلوها عبارة عن عين الشي‏ء، جوهرا كان أو عرضا، و استعملوها مفردة و مضافة إلى المضمر بالألف و اللام، و أجروها مجرى النّفس و الخاصّة، فقالوا: ذَاتُهُ، و نفسه و خاصّته، و ليس ذلك من كلام العرب «1». و الثاني في لفظ ذُو:
لغة لطيّئ، يستعملونه استعمال الذي، و يجعل في الرفع، و النصب و الجرّ، و الجمع، و التأنيث على لفظ واحد «2»، نحو:
171-
         و بئري ذُو حفرت و ذُو طويت «3»
__________________________________________________
 (1) انظر ما كتبناه في ذلك في تحقيقنا كتاب (وضح البرهان في مشكلات القرآن) للنيسابوري عند قوله تعالى: حتّى عاد كالعرجون القديم سورة يس: آية 39.
 (2) و في ذلك قال ابن مالك في ألفيته:
         و من و ما و أل تساوي ما ذكر             و هكذا (ذو) عند طيئ شهر.

 (3) هذا عجز بيت، و شطره:
         فإنّ الماء ماء أبي و جدّي‏

و هو لسنان بن فحل الطائي.
و البيت في الفرائد الجديدة للسيوطي 1/ 184، و شفاء العليل في إيضاح التسهيل 1/ 227، و شرح المفصل 3/ 147، و الأمالي الشجرية 2/ 306.

333
مفردات ألفاظ القرآن

ذو ص 333

أي: التي حفرت و التي طويت، و أما (ذَا) في (هَذَا) فإشارة إلى شي‏ء محسوس، أو معقول، و يقال في المؤنّث: ذِهْ و ذِي و تَا، فيقال: هَذِهِ و هَذِي، و هَاتَا، و لا تثنّى منهنّ إلّا هاتا، فيقال:
هَاتَانِ. قال تعالى: أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَ‏ [الإسراء/ 62]، هذا ما تُوعَدُونَ* [ص/ 53]، هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ‏ [الذاريات/ 14]، إِنْ هذانِ لَساحِرانِ‏ [طه/ 63]، إلى غير ذلك هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ‏ [الطور/ 14]، هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ‏ [الرحمن/ 43]، و يقال بإزاء هذا في المستبعد بالشخص أو بالمنزلة: (ذَاكَ) و (ذَلِكَ) قال تعالى: الم ذلِكَ الْكِتابُ‏ [البقرة/ 1- 2]، ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ* [الكهف/ 17]، ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى‏ [الأنعام/ 131]، إلى غير ذلك. و قولهم: (ما ذا) يستعمل على وجهين:
أحدهما. أن يكون (ما) مع (ذا) بمنزلة اسم واحد، و الآخر: أن يكون (ذا) بمنزلة (الذي)، فالأوّل نحو قولهم: عمّا ذا تسأل؟ فلم تحذف الألف منه لمّا لم يكن ما بنفسه للاستفهام، بل كان مع ذا اسما واحدا، و على هذا قول الشاعر:
172-
         دعي ما ذا علمت سأتّقيه «1»
أي: دعي شيئا علمته. و قوله تعالى:
وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ‏ [البقرة/ 219]، فإنّ من قرأ: قُلِ الْعَفْوَ «2» بالنّصب فإنّه جعل الاسمين بمنزلة اسم واحد، كأنّه قال: أيّ شي‏ء ينفقون؟ و من قرأ: قُلِ الْعَفْوُ «3» بالرّفع، فإنّ (ذا) بمنزلة الذي، و ما للاستفهام أي: ما الذي ينفقون؟ و على هذا قوله تعالى: ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ؟ قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ [النحل/ 24]، و (أساطير) بالرّفع و النصب «4».
ذيب‏
الذِّيبُ: الحيوان المعروف، و أصله الهمز، قال تعالى: فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ‏ [يوسف/ 17]، و أرض مَذْأَبَةٌ: كثيرة الذّئاب، و ذُئِبَ فلان: وقع في غنمه الذّئب، و ذَئِبَ «5»: صار كذئب في خبثه، و تَذَاءَبَتِ الرّيحُ: أتت من كلّ جانب‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و لكن بالمغيّب نبئيني‏

و هو من شواهد سيبويه 1/ 405، و لم يعرف قائله، و هو في الخزانة 6/ 142، و اللسان (ذا)، و همع الهوامع 1/ 84.
 (2) و بها قرأ جميع القراء إلا أبا عمرو. انظر: الإتحاف ص 157.
 (3) و هي قراءة أبي عمرو.
 (4) و قراءة الرفع هي الصحيحة المتواترة. و بها قرأ القرّاء العشر، أمّا قراءة النصب فهي شاذة.
 (5) قال الفيروزآبادي: و ذؤب الرجل و ذئب ككرم و فرح: خبث و صار كالذئب. انظر: البصائر 3/ 27.

334
مفردات ألفاظ القرآن

ذيب ص 334

مجي‏ء الذّئب، و تَذَاءَبْتُ للناقة على تفاعلت: إذا تشبّهت لها بالذّئب في الهيئة لتظأر على ولدها، و الذِّئْبَةُ من القتب: ما تحت ملتقى الحنوين «1»، تشبيها بالذّئب في الهيئة.
ذود
ذُدْتُهُ عن كذا أَذُودُهُ. قال تعالى: وَ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ‏ [القصص/ 23]، أي:
تطردان، ذودا، و الذَّوْدُ من الإبل: العشرة.
ذأم‏
قال تعالى: اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً [الأعراف/ 18]، أي: مذموما. يقال: ذمته «2» أذيمه ذيما، و ذممته أذمّه ذمّا، و ذَأَمْتُهُ ذَأْماً.
تمّ كتاب الذال‏
__________________________________________________
 (1) قال في اللسان: و الذئبة من الرّحل و القتب: ما تحت مقدّم الحنوين، و هو الذي يعضّ على منسج الدابة. اللسان (ذئب).
و قال: و الحنوان: الخشبتان المعطوفتان اللتان عليهما الشّبكة، ينقل عليهما البرّ إلى الكدس ا. ه. اللسان (حنا).
 (2) يقال: ذامه يذيمه. القاموس: ذيم.

335
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الراء

كتاب الرّاء
رب‏
الرَّبُّ في الأصل: التربية، و هو إنشاء الشي‏ء حالا فحالا إلى حدّ التمام، يقال رَبَّهُ، و ربّاه و رَبَّبَهُ. و
قِيلَ: (لَأَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَرُبَّنِي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ) «1».
فَالرَّبُّ مصدر مستعار للفاعل، و لا يقال الرَّبُّ مطلقا إلا للّه تعالى المتكفّل بمصلحة الموجودات، نحو قوله: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ [سبأ/ 15].
و على هذا قوله تعالى: وَ لا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَ النَّبِيِّينَ أَرْباباً [آل عمران/ 80] أي:
آلهة، و تزعمون أنهم الباري مسبّب الأسباب، و المتولّي لمصالح العباد، و بالإضافة يقال له و لغيره، نحو قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ* [الفاتحة/ 1]، و رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ* [الصافات/ 126]، و يقال: رَبُّ الدّار، و رَبُّ الفرس لصاحبهما، و على ذلك قول اللّه تعالى:
اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ‏ [يوسف/ 42]، و قوله تعالى: ارْجِعْ إِلى‏ رَبِّكَ‏ [يوسف/ 50]، و قوله: قالَ مَعاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ‏ [يوسف/ 23]، قيل:
عنى به اللّه تعالى، و قيل: عنى به الملك الذي ربّاه «2»، و الأوّل أليق بقوله. و الرَّبَّانِيُّ قيل: منسوب إلى الرّبّان، و لفظ فعلان من: فعل يبنى نحو:
عطشان و سكران، و قلّما يبنى من فعل، و قد جاء نعسان. و قيل: هو منسوب إلى الرّبّ الذي هو المصدر، و هو الذي يربّ العلم كالحكيم، و قيل: منسوب إليه، و معناه، يربّ نفسه بالعلم، و كلاهما في التحقيق متلازمان، لأنّ من ربّ نفسه بالعلم فقد ربّ العلم، و من ربّ العلم فقد ربّ نفسه به. و قيل: هو منسوب إلى الرّبّ،
__________________________________________________
 (1) هذا من حديث صفوان بن أمية لأبي سفيان يوم حنين قالها لما انهزم الناس أول المعركة من المسلمين انظر:
الروض الأنف 4/ 124، و النهاية لابن الأثير 2/ 180.
 (2) و هو قول أكثر المفسرين، و يرجّحه قوله: «أكرمي مثواه».

336
مفردات ألفاظ القرآن

رب ص 336

أي: اللّه تعالى، فالرّبّانيّ كقولهم: إلهيّ، و زيادة النون فيه كزيادته في قولهم: لحيانيّ، و جسمانيّ «1».
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَا رَبَّانِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ).
و الجمع رَبَّانِيُّونَ. قال تعالى:
لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ [المائدة/ 63]، كُونُوا رَبَّانِيِّينَ‏ [آل عمران/ 79]، و قيل: رَبَّانيٌّ لفظ في الأصل سريانيّ، و أخلق بذلك «2»، فقلّما يوجد في كلامهم، و قوله تعالى:
رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران/ 146]، فَالرِّبِّيُّ كالرّبّانيّ. و الرُّبُوبِيَّةُ مصدر، يقال في اللّه عزّ و جلّ، و الرِّبَابَةُ تقال في غيره، و جمع الرّبّ أَرْبَابٌ، قال تعالى: أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف/ 39]، و لم يكن من حقّ الرّبّ أن يجمع إذ كان إطلاقه لا يتناول إلّا اللّه تعالى، لكن أتى بلفظ الجمع فيه على حسب اعتقاداتهم، لا على ما عليه ذات الشي‏ء في نفسه، و الرَّبُّ لا يقال في التّعارف إلّا في اللّه، و جمعه أَرِبَّةٌ، و رُبُوبٌ، قال الشاعر:
173-
         كانت أَرِبَّتَهُمْ بهز و غرّهم             عقد الجوار و كانوا معشرا غدرا «3»

و قال آخر:
174-
         و كنت امرأ أفضت إليك رِبَابَتِي             و قبلك رَبَّتَنِي فضعت رُبُوبٌ «4»

و يقال للعقد في موالاة الغير: الرِّبَابَةُ، و لما يجمع فيه القدح رَبَابَةٌ، و اختصّ الرَّابُّ و الرَّابَّةُ بأحد الزّوجين إذا تولّى تربية الولد من زوج كان قبله، و الرَّبِيبُ و الرَّبِيبَةُ بذلك الولد، قال تعالى:
وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ‏ [النساء/ 23]، و رَبَّبْتُ الأديم بالسّمن، و الدّواء بالعسل، و سقاء مَرْبُوبٌ، قال الشاعر:
175-
         فكوني له كالسّمن رَبَّتْ بالأدم «5»
و الرَّبَابُ: السّحاب، سمّي بذلك لأنّه يربّ‏
__________________________________________________
 (1) راجع: تفسير القرطبي 4/ 122، و عمدة الحفاظ: ربّ.
 (2) قال السمين: فقد اختار غير المختار. عمدة الحفاظ: ربّ.
 (3) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 44، و المجمل 2/ 371، و اللسان (ربب).
قال ابن فارس: و المعاهدون أربة. و بهز: حيّ من سليم.
 (4) البيت لعلقمة بن عبدة، و هو في ديوانه ص 43، و المجمل 2/ 371، و اللسان (ربب)، و المفضليات ص 394.
و مطلع القصيدة:
              طحا بك قلب في الحسان             بعيد الشباب عصر حان مشيب.

 (5) هذا عجز بيت لعمرو بن شأس، يخاطب امرأته، و كانت تؤذي ابنه عرارا، فقال لها:
            فإنّ عرارا إن يكن غير واضح             فإني أحبّ الجون ذا المنكب الغمم‏
             فإن كنت مني، أو تريدين صحبتي             فكوني له كالسّمن ربّ له بالأدم‏


أراد بالأدم النحي، يقول لزوجته: كوني له كسمن ربّ أديمه، أي: طلي بربّ التمر. انظر: اللسان (ربب)، و التمثيل و المحاضرة ص 282، و سمط اللآلئ 2/ 803.

337
مفردات ألفاظ القرآن

رب ص 336

النبات، و بهذا النّظر سمّي المطر درّا، و شبّه السّحاب باللّقوح. و أَرَبَّتِ السّحابة: دامت، و حقيقته أنها صارت ذات تربية، و تصوّر فيه معنى الإقامة فقيل: أَرَبَّ فلانٌ بمكان كذا تشبيها بإقامة الرّباب، وَ «رُبَّ» لاستقلال الشي‏ء، و لما يكون وقتا بعد وقت، نحو: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحجر/ 2].
ربح‏
الرِّبْحُ: الزّيادة الحاصلة في المبايعة، ثمّ يتجوّز به في كلّ ما يعود من ثمرة عمل، و ينسب الرّبح تارة إلى صاحب السّلعة، و تارة إلى السّلعة نفسها، نحو قوله تعالى: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ‏
 [البقرة/ 16] و قول الشاعر:
176-
         قروا أضيافهم رِبْحاً ببحّ «1»
فقد قيل: الرُّبَحُ: الطائر، و قيل: هو الشجر.
و عندي أنّ الرُّبَحَ هاهنا اسم لما يحصل من الرّبح، نحو: النّقص، و بُحٌّ: اسم للقداح التي كانوا يستقسمون بها، و المعنى: قروا أضيافهم ما حصّلوا منه الحمد الذي هو أعظم الرّبح، و ذلك كقول الآخر: 177-
         فأوسعني حمدا و أوسعته قرى             و أرخص بحمد كان كاسبه الأكل «2»

ربص‏
التَّرَبُّصُ: الانتظار بالشي‏ء، سلعة كانت يقصد بها غلاء، أو رخصا، أو أمرا ينتظر زواله أو حصوله، يقال: تَرَبَّصْتُ لكذا، و لي رُبْصَةٌ بكذا، و تَرَبُّصٌ، قال تعالى: وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ‏ [البقرة/ 228]، قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ‏ [الطور/ 31]، قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَ نَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ‏ [التوبة/ 52]، وَ يَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ [التوبة/ 98].
ربط
رَبْطُ الفرس: شدّه بالمكان للحفظ، و منه:
رِبَاطُ الخيل «3»، و سمّي المكان الذي يخصّ بإقامة حفظة فيه: رِبَاطاً، و الرِّبَاطُ مصدر رَبَطْتُ و رَابَطْتُ، و الْمُرَابَطَةُ كالمحافظة، قال اللّه تعالى:
وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّكُمْ‏ [الأنفال/ 60]، و قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَ صابِرُوا وَ رابِطُوا [آل‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         تجي‏ء بعبقريّ الودق سمر.

و هو لخفاف بن ندبة في شعره ص 474، و معاني الشعر للأشنانداني ص 107، و الجمهرة 1/ 220، و أساس البلاغة ص 15، و المجمل 2/ 413.
 (2) البيت في محاضرات الراغب 2/ 650 دون نسبة، و قبله:
         و قمت إليه مسرعا فغنمته             مخافة قومي أن يفوزوا به قبل‏
و هو في كتاب الكامل للمبرد ص 38، و شرح الحماسة للتبريزي 4/ 63.
 (3) في نسختي عارف حكمت: و منه: ربط الجيش.

338
مفردات ألفاظ القرآن

ربط ص 338

عمران/ 200]، فَالْمُرَابَطَةُ ضربان: مرابطة في ثغور المسلمين، و هي كمرابطة النّفس البدن، فإنها كمن أقيم في ثغر و فوّض إليه مراعاته، فيحتاج أن يراعيه غير مخلّ به، و ذلك كالمجاهدة و
قَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِنَ الرِّبَاطِ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ» «1».
و فلان رَابِطُ الجأش: إذا قوي قلبه، و قوله تعالى: وَ رَبَطْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ [الكهف/ 14]، و قوله: لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى‏ قَلْبِها [القصص/ 10]، وَ لِيَرْبِطَ عَلى‏ قُلُوبِكُمْ‏ [الأنفال/ 11]، فذلك إشارة إلى نحو قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح/ 4]، وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ [المجادلة/ 22]، فإنّه لم تكن أفئدتهم كما قال: وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم/ 43]، و بنحو هذا النّظر قيل: فلان رَابِطُ الجأش.
ربع‏
أَرْبَعَةٌ، و أَرْبَعُونَ، و رُبْعٌ، و رُبَاعٌ كلّها من أصل واحد، قال اللّه تعالى: ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ‏ [الكهف/ 22]، و أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ‏ [المائدة/ 26]، و قال:
أَرْبَعِينَ لَيْلَةً* [البقرة/ 51]، و قال: وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ‏ [النساء/ 12]، و قال:
مَثْنى‏ وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ* [النساء/ 3]، و رَبَعْتُ القومَ أَرْبَعُهُمْ: كنت لهم رَابِعاً، و أخذت ربع أموالهم، و رَبَعْتُ الحبلَ: جعلته على أربع قوى، و الرِّبْعُ من أظماء الإبل، و الحمّى «2»، و أَرْبَعَ إِبِلَهُ: أوردها رِبْعاً، و رجل مَرْبُوعٌ، و مُرْبَعٌ:
أخذته حمّى الرّبع. و الْأَرْبِعَاءُ في الأيّام رابع الأيّام من الأحد، و الرَّبِيعُ: رابع الفصول الأربعة. و منه قولهم: رَبَعَ فلان و ارْتَبَعَ: أقام في الربيع، ثم يتجوّز به في كلّ إقامة، و كلّ وقت، حتى سمّي كلّ منزل رَبْعاً، و إن كان ذلك في الأصل مختصّا بالرّبيع. و الرُّبَعُ، و الرِّبْعِيُّ: ما نتج في الرّبيع، و لمّا كان الرّبيع أولى وقت الولادة و أحمده استعير لكلّ ولد يولد في الشّباب فقيل:
178-
         أفلح من كان له رِبْعِيُّونَ «3»
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة أن رسول اللّه قال: «أ لا أدلكم على ما يمحو اللّه به الخطايا، و يرفع به الدرجات»؟ قالوا:
بلى يا رسول اللّه، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، و كثرة الخطا إلى المساجد، و انتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط». أخرجه مالك 1/ 326، و مسلم، و النسائي 1/ 90، و انظر:
الترغيب و الترهيب 1/ 97.
 (2) الرّبع في الحمّى: إتيانها في اليوم الرابع.
 (3) هذا عجز بيت، و شطره:
         إنّ بنيّ صبية صيفيّون‏

و هو لسعد بن مالك بن ضبيعة، و قيل: لأكثم بن صيفي، و هو الأشهر.
و الرجز في اللسان (ربع)، و المجمل 2/ 415، و النوادر ص 87، و الحيوان 1/ 109.

339
مفردات ألفاظ القرآن

ربع ص 339

و الْمِرْبَاعُ: ما نتج في الرّبيع، و غيث مُرْبِعٌ:
يأتي في الرّبيع. و رَبَعَ الحَجَرَ و الحمل: تناول جوانبه الأربع، و الْمِرْبَعُ: خشب يربع به، أي:
يؤخذ الشي‏ء به، و سمي الحجر المتناول رَبِيعَةً.
و قولهم: ارْبَعْ على ظلعك «1»
، يجوز أن يكون من الإقامة، أي: أقم على ظلعك، و يجوز أن يكون من ربع الحجر، أي: تناوله على ظلعك «2».
و الْمِرْبَاعُ: الرُّبُعُ الذي يأخذه الرّئيس من الغنم، من قولهم: رَبَعْتُ القومَ، و استعيرت الرِّبَاعَةُ للرّئاسة، اعتبارا بأخذ المرباع، فقيل: لا يقيم رِبَاعَةَ القومِ غَيْرُ فلانٍ. و الرَّبْعَةُ: الجونة «3»، لكونها في الأصل ذات أربع طبقات، أو لكونها ذات أربع أرجل. و الرَّبَاعِيَتَانِ قيل: سمّيتا لكون أربع أسنان بينهما، و الْيَرْبُوعُ: فأرة لجحرها أربعة أبواب. و أرض مَرْبَعَةٌ: فيها يَرَابِيعُ، كما تقول:
مضبّة في موضع الضّبّ.
ربو
رَبْوَةٌ و رِبْوَةٌ و رُبْوَةٌ و رِبَاوَةٌ و رُبَاوَةٌ، قال تعالى:
إِلى‏ رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ‏ [المؤمنون/ 50]، قال (أبو الحسن) «4»: الرَّبْوَةُ أجود لقولهم رُبًى، و رَبَا فلان: حصل في ربوة، و سمّيت الرّبوة رَابِيَةً كأنّها ربت بنفسها في مكان، و منه:
رَبَا: إذا زاد و علا، قال تعالى: فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ* [الحج/ 5]، أي: زادت زيادة المتربّي، فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد/ 17]، فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً [الحاقة/ 10]، و أربى عليه: أشرف عليه، و رَبَيْتُ الولد فَرَبَا من هذا، و قيل: أصله من المضاعف فقلب تخفيفا، نحو: تظنّيت في تظنّنت. و الرِّبَا: الزيادة على رأس المال، لكن خصّ في الشرع بالزيادة على وجه دون وجه، و باعتبار الزيادة قال تعالى: وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ‏ [الروم/ 39]، و نبّه بقوله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ‏ [البقرة/ 276]، أنّ الزيادة المعقولة المعبّر عنها بالبركة مرتفعة عن الرّبا، و لذلك قال في مقابلته: وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم/ 39]، و الْأُرْبِيَّتَان: لحمتان ناتئتان في أصول الفخذين من باطن، و الرَّبْوُ: الانبهار،
__________________________________________________
 (1) قال ابن فارس: اربع على ظلعك، أي: تمكّث، و يقال: انتظر. المجمل 2/ 415، و الأمثال ص 323.
 (2) الظّلع كالغمز، ظلع الرجل و الدابة في مشيه، عرج و غمز في مشيه.
و في النوادر: فلان يرقأ على ظلعه، أي: يسكت على دائه و عيبه.
و قيل معنى: ارق على ظلعك، أي: تصعّد في الجبل، و أنت تعلم أنك ظالع لا تجهد نفسك. انظر: اللسان (ظلع).
 (3) انظر: اللسان (ربع) 8/ 107. و هي سلّة مستديرة مغشّاة أدما يجعل فيها الطّيب. و قيل: مولّدة.
 (4) أبو الحسن الأخفش.
                       

340
مفردات ألفاظ القرآن

ربو ص 340

سمّي بذلك تصوّرا لتصعّده، و لذلك قيل: هو يتنفّس الصّعداء، و أما الرَّبِيئَةُ للطّليعة فبالهمز، و ليس من هذا الباب.
رتع‏
الرَّتْعُ أصله: أكل البهائم، يقال: رَتَعَ يَرْتَعُ رُتُوعاً و رِتَاعاً و رَتْعاً، قال تعالى: يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ‏ [يوسف/ 12]، و يستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير، و على طريق التشبيه قال الشاعر:
179-
         و إذا يخلو له لحمي رتع «1»
و يقال: رَاتِعٌ و رِتَاعٌ في البهائم، و رَاتِعُونَ في الإنسان.
رتق‏
الرَّتْقُ: الضمّ و الالتحام، خلقة كان أم صنعة، قال تعالى: كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الأنبياء/ 30]، أي: منضمّتين، و الرَّتْقَاءُ: الجارية المنضمّة الشّفرين، و فلان رَاتِقٌ و فاتق في كذا، أي: هو عاقد و حالّ.
رتل‏
الرَّتَلُ: اتّساق الشي‏ء و انتظامه على استقامة، يقال: رجل رَتِلُ الأسنان، و التَّرْتِيلُ: إرسال الكلمة من الفم بسهولة و استقامة. قال تعالى:
وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل/ 4]، وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [الفرقان/ 32].
رج‏
الرَّجُّ: تحريك الشي‏ء و إزعاجه، يقال: رَجَّهُ فَارْتَجَّ، قال تعالى: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا [الواقعة/ 4]، نحو: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة/ 1]، و الرَّجْرَجَةُ:
الاضطراب، و كتيبة رَجْرَاجَةٌ، و جارية رَجْرَاجَةٌ، و ارْتَجَّ كلامه: اضطرب، و الرِّجْرِجَةُ: ماء قليل في مقرّه يضطرب فيتكدّر.
رجز
أصل الرِّجْزِ: الاضطراب، و منه قيل: رَجَزَ البعيرُ رَجزاً، فهو أَرْجَزُ، و ناقة رَجْزَاءُ: إذا تقارب خطوها و اضطرب لضعف فيها، و شبّه الرَّجَزُ به لتقارب أجزائه و تصوّر رجز في اللسان عند إنشاده، و يقال لنحوه من الشّعر أُرْجُوزَةٌ و أَرَاجِيزُ، و رَجَزَ فلان و ارْتَجَزَ إذا عمل ذلك، أو أنشد، و هو رَاجِزٌ و رَجَّازٌ و رَجَّازَةٌ. و قوله: عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ* [سبأ/ 5]، فَالرِّجْزُ هاهنا كالزّلزلة، و قال تعالى: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى‏ أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ [العنكبوت/ 34]، و قوله:
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         و يحيّيني إذا لاقيته‏

و هو في اللسان (رتع) بلا نسبة، و البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكري من مفضليته، و هو في المفضليات ص 198، و الشعر و الشعراء ص 270.

341
مفردات ألفاظ القرآن

رجز ص 341

وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر/ 5]، قيل: هو صنم، و قيل: هو كناية عن الذّنب، فسمّاه بالمآل كتسمية النّدى شحما. و قوله: وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَ يُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ‏ [الأنفال/ 11]، و الشّيطان عبارة عن الشّهوة على ما بيّن في بابه. و قيل: بل أراد برجز الشّيطان: ما يدعو إليه من الكفر و البهتان و الفساد. و الرِّجَازَةُ: كساء يجعل فيه أحجار فيعلّق على أحد جانبي الهودج إذا مال «1»، و ذلك لما يتصوّر فيه من حركته، و اضطرابه.
رجس‏
الرِّجْسُ: الشي‏ء القذر، يقال: رجل رجس، و رجال أَرْجَاسٌ. قال تعالى: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ‏ [المائدة/ 90]، و الرِّجْسُ يكون على أربعة أوجه: إمّا من حيث الطّبع، و إمّا من جهة العقل، و إمّا من جهة الشرع، و إمّا من كلّ ذلك كالميتة، فإنّ الميتة تعاف طبعا و عقلا و شرعا، و الرِّجْسُ من جهة الشّرع: الخمر و الميسر، و قيل: إنّ ذلك رجس من جهة العقل، و على ذلك نبّه بقوله تعالى: وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة/ 219]، لأنّ كلّ ما يوفي إثمه على نفعه فالعقل يقتضي تجنّبه، و جعل الكافرين رجسا من حيث إنّ الشّرك بالعقل أقبح الأشياء، قال تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ‏ [التوبة/ 125]، و قوله تعالى: وَ يَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ‏ [يونس/ 100]، قيل: الرِّجْسُ:
النّتن، و قيل: العذاب «2»، و ذلك كقوله: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التوبة/ 28]، و قال: أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ‏ [الأنعام/ 145]، و ذلك من حيث الشرع، و قيل: رِجْسٌ و رجز للصّوت الشديد، و بعير رَجَّاسٌ: شديد الهدير، و غمام رَاجِسٌ و رَجَّاسٌ: شديد الرّعد.
رجع‏
الرُّجُوعُ: العود إلى ما كان منه البدء، أو تقدير البدء مكانا كان أو فعلا، أو قولا، و بذاته كان رجوعه، أو بجزء من أجزائه، أو بفعل من أفعاله. فَالرُّجُوعُ: العود، و الرَّجْعُ: الإعادة، و الرَّجْعَةُ و الرِّجْعَةُ في الطّلاق، و في العود إلى الدّنيا بعد الممات، و يقال: فلان يؤمن بِالرَّجْعَةِ.
و الرِّجَاعُ: مختصّ برجوع الطّير بعد قطاعها «3».
فمن الرّجوع قوله تعالى: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ [المنافقون/ 8]، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى‏ أَبِيهِمْ‏ [يوسف/ 63]، وَ لَمَّا رَجَعَ مُوسى‏ إِلى‏

__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 420.
 (2) و هذا قول قتادة، انظر: الدر المنثور 4/ 394.
 (3) انظر: المجمل 2/ 422.

342
مفردات ألفاظ القرآن

رجع ص 342

قَوْمِهِ [الأعراف/ 150]، وَ إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا [النور/ 28]، و يقال: رَجَعْتُ عن كذا رَجْعاً، و رَجَعْتُ الجواب «1» نحو قوله:
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى‏ طائِفَةٍ مِنْهُمْ‏ [التوبة/ 83]، و قوله: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ* [المائدة/ 48]، و قوله: إِنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الرُّجْعى‏ [العلق/ 8]، و قوله تعالى: ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ‏ [الأنعام/ 164]، يصحّ أن يكون من الرُّجُوعِ، كقوله: ثُمَّ إِلَيْهِ تَرْجِعُونَ «2»، و يصحّ أن يكون من الرّجع، كقوله: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* «3»، و قد قرئ: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ‏ «4» بفتح التّاء و ضمّها، و قوله: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ* [الأعراف/ 168]، أي: يرجعون عن الذّنب، و قوله: وَ حَرامٌ عَلى‏ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ‏ [الأنبياء/ 95]، أي: حرّمنا عليهم أن يتوبوا و يرجعوا عن الذّنب، تنبيها أنه لا توبة بعد الموت كما قال: قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد/ 13]، و قوله: بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ‏ [النمل/ 35]، فمن الرّجوع، أو من رجع الجواب، كقوله:
يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ الْقَوْلَ‏ [سبأ/ 31]، و قوله: ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ‏ [النمل/ 28]، فمن رجع الجواب لا غير، و كذا قوله: فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ‏ [النمل/ 35]، و قوله: وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ‏ [الطارق/ 11]، أي: المطر «5»، و سمّي رجعا لردّ الهواء ما تناوله من الماء، و سمي الغدير رَجْعاً إمّا لتسميته بالمطر الذي فيه، و إمّا لِتَرَاجُعِ أمواجه و تردّده في مكانه. و يقال: ليس لكلامه مَرْجُوعٌ، أي: جواب. و دابة لها مرجوع:
يمكن بيعها بعد الاستعمال، و ناقة رَاجِعٌ: تردّ ماء الفحل فلا تقبله، و أَرْجَعَ يده إلى سيفه ليستلّه، و الِارْتِجَاعُ: الاسترداد، و ارْتَجَعَ إبلا إذا باع الذّكور و اشترى إناثا، فاعتبر فيه معنى الرّجع تقديرا، و إن لم يحصل فيه ذلك عينا، و اسْتَرْجَعَ فلان إذا قال: إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏. و التَّرْجِيعُ: ترديد الصّوت باللّحن في القراءة و في الغناء، و تكرير قول مرّتين فصاعدا، و منه: التَّرْجِيعُ في‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و رجعان الكتاب: جوابه، يقال: رجع إليّ الجواب يرجع رجعا و رجعانا. انظر: اللسان (رجع).
 (2) سورة البقرة: آية 28، و هي قراءة يعقوب، و ما جاء منه إذا كان من رجوع الآخرة بفتح حروف المضارعة و كسر الجيم. راجع: إرشاد المبتدي و تذكرة المنتهي ص 215.
 (3) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و عاصم و أبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 131، و الآية رقمها 281 من سورة البقرة.
 (4) سورة البقرة: آية 281.
قرأ ترجعون يعقوب و أبو عمرو، و الباقون ترجعون انظر: إرشاد المبتدي ص 215، و الإتحاف ص 131.
 (5) قال ابن عباس في الآية: المطر بعد المطر. انظر: الدر المنثور 8/ 476.

343
مفردات ألفاظ القرآن

رجع ص 342

الأذان «1». و الرَّجِيعُ: كناية عن أذى البطن للإنسان و الدّابّة، و هو من الرُّجُوعِ، و يكون بمعنى الفاعل، أو من الرَّجْعِ و يكون بمعنى المفعول، و جبّة رَجِيعٌ، أعيدت بعد نقضها، و من الدابّة: ما رَجَعْتَهُ من سفر إلى سفر «2»، و الأنثى رَجِيعَةٌ. و قد يقال: دابّة رَجِيعٌ، و رِجْعُ سفر: كناية عن النّضو «3»، و الرَّجِيعُ من الكلام:
المردود إلى صاحبه أو المكرّر.
رجف‏
الرَّجْفُ: الاضطراب الشديد، يقال: رَجَفَتِ الأرض و رَجَفَ البحر، و بحر رَجَّافٌ. قال تعالى: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ [النازعات/ 6]، يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَ الْجِبالُ‏ [المزمل/ 14]، فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ* [الأعراف/ 78]، و الْإِرْجَافُ: إيقاع الرّجفة، إمّا بالفعل، و إمّا بالقول، قال تعالى: وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ «4»، و يقال: الْأَرَاجِيفُ ملاقيح الفتن.
رجل‏
الرَّجُلُ: مختصّ بالذّكر من الناس، و لذلك قال تعالى: وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلًا [الأنعام/ 9]، و يقال رَجُلَةٌ للمرأة: إذا كانت متشبّهة بالرّجل في بعض أحوالها، قال الشاعر:
180-
         لم يبالوا حرمة الرَّجُلَةِ «5»
و رجل بيّن الرُّجُولَةِ و الرُّجُولِيَّةِ، و قوله: وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى‏ [يس/ 20]، وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ‏ [غافر/ 28]، فالأولى به الرّجوليّة و الجلادة، و قوله:
أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ‏ [غافر/ 28]، و فلان أَرْجَلُ الرَّجُلَيْنِ. و الرِّجْلُ: العضو المخصوص بأكثر الحيوان، قال تعالى:
وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ‏ [المائدة/ 6]، و اشتقّ من الرِّجْلِ رَجِلٌ و رَاجِلٌ للماشي‏
__________________________________________________
 (1) قيل: هو تقارب ضروب الحركات في الصوت، و قد حكى عبد اللّه بن المغفّل ترجيعه بمدّ الصوت في القراءة، نحو آء آء آء. انظر: اللسان (رجع)، و النهاية 2/ 202، و معالم السنن 1/ 153.
 (2) قال ابن فارس: و الرّجيع من الدواب: ما رجعته من سفر إلى سفر. انظر: المجمل 2/ 422.
 (3) النّضو: البعير المهزول.
 (4) سورة الأحزاب: آية 60، و المرجفون: هم الذين يولّدون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب في الناس.
 (5) الشطر قبله:
            كلّ جار ظلّ مغتبطا             غير جيران بني جبله‏
             خرقوا جيب فتاتهم             لم يبالوا حرمة الرّجله‏

عنى بجيبها هنها.
انظر: اللسان (رجل)، و إعراب ثلاثين سورة ص 44، و نسبه الفارسي لطرفة في التكملة ص 353، و ابن يعيش 5/ 98، و تذكرة النحاة لأبي حيان 617.

344
مفردات ألفاظ القرآن

رجل ص 344

بالرِّجْل، و رَاجِلٌ بيّن الرُّجْلَةِ «1»، فجمع الرَّاجِلُ رَجَّالَةٌ و رَجْلٌ، نحو: ركب، و رِجَالٌ نحو: ركاب لجمع الرّاكب. و يقال: رَجُلٌ رَاجِلٌ، أي: قويّ على المشي، جمعه رِجَالٌ، نحو قوله تعالى:
فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة/ 239]، و كذا رَجِيلٌ و رَجْلَةٌ «2»، و حرّة رَجْلَاءُ: ضابطة للأرجل بصعوبتها، و الْأَرْجَلُ: الأبيض الرِّجل من الفرس، و العظيم الرّجل، و رَجَلْتُ الشاةَ:
علّقتها بالرّجل، و استعير الرِّجْلَ للقطعة من الجراد، و لزمان الإنسان، يقال: كان ذلك على رِجْلِ فلان، كقولك: على رأس فلان، و لمسيل الماء «3»، الواحدة رِجْلَةٌ و تسميته بذلك كتسميته بالمذانب «4». و الرِّجْلَةُ: البقلة الحمقاء، لكونها نابتة في موضع القدم. و ارْتَجَلَ الكلام: أورده قائما من غير تدبّر، و ارْتَجَلَ الفرس في عدوه «5»، و تَرَجَّلَ الرّجل: نزل عن دابّته، و تَرَجَّلَ في البئر تشبيها بذلك، و تَرَجَّلَ النهار: انحطّت الشمس عن الحيطان، كأنها تَرَجَّلَتْ، و رَجَّلَ شعره، كأنّه أنزله إلى حيث الرّجل، و الْمِرْجَلُ: القدر المنصوبة، و أَرْجَلْتُ الفصيل: أرسلته مع أمّه، كأنما جعلت له بذلك رِجْلًا.
رجم‏
الرِّجَامُ: الحجارة، و الرَّجْمُ: الرّمي بالرِّجَامِ.
يقال: رُجِمَ فهو مَرْجُومٌ، قال تعالى: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ‏ [الشعراء/ 116]، أي: المقتولين أقبح قتلة، و قال:
وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ‏ [هود/ 91]، إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ‏ [الكهف/ 20]، و يستعار الرَّجْمُ للرّمي بالظّنّ، و التّوهّم، و للشّتم و الطّرد، نحو قوله تعالى: رَجْماً بِالْغَيْبِ‏ «6»، قال الشاعر:
181-
         و ما هو عنها بالحديث الْمُرَجَّمِ «7»
و قوله تعالى: لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم/ 46]، أي: لأقولنّ فيك ما تكره «8»،
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 422.
 (2) يقال: هو راجل و رجل، و رجل، و رجيل، و رجل، و رجلان، و الجمع: رجال و رجّالة، و رجلة، و رجلة. انظر:
اللسان (رجل).
 (3) قال ابن منظور: و الرّجلة: مسيل الماء من الحرّة إلى السهل، و جمعها: الرّجل.
 (4) في اللسان: المذنب: مسيل الماء إلى الأرض، و جمعها: مذانب. اللسان: (ذنب).
 (5) ارتجل الفرس: إذا خلط العنق بالهملجة.
 (6) سورة الكهف: آية 22، قال قتادة: قذفا بالظنّ.
 (7) هذا عجز بيت، و شطره:
         و ما الحرب إلا ما علمتم و ذقتم‏

و هو لزهير بن أبي سلمى، في ديوانه ص 81، و شرح المعلقات 1/ 112.
و المرجّم هاهنا: الذي ليس بمستيقن.
 (8) انظر غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 290.

345
مفردات ألفاظ القرآن

رجم ص 345

و الشّيطان الرَّجِيمُ: المطرود عن الخيرات، و عن منازل الملإ الأعلى. قال تعالى: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ‏ [النحل/ 98]، و قال تعالى: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* [الحجر/ 34]، و قال في الشّهب: رُجُوماً لِلشَّياطِينِ‏ [الملك/ 5]، و الرَّجْمَةُ و الرُّجْمَةُ: أحجار القبر، ثم يعبّر بها عن القبر و جمعها رِجَامٌ و رُجَمٌ، و قد رَجَمْتُ القبر: وضعت عليه رِجَاماً. و
فِي الْحَدِيثِ (لَا تَرْجُمُوا قَبْرِي) «1».
و الْمُرَاجَمَةُ: المسابّة الشّديدة، استعارة كالمقاذفة. و التَّرْجُمَانُ تفعلان من ذلك.
رجا
رَجَا البئرِ و السماءِ و غيرِهِمَا: جانبها، و الجمع أَرْجَاءٌ، قال تعالى: وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها [الحاقة/ 17]، و الرَّجَاءُ ظنّ يقتضي حصول ما فيه مسرّة، و قوله تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً [نوح/ 13]، قيل: ما لكم لا تخافون «2»، و أنشد:
182-
         إذا لسعته النّحل لم يَرْجُ لسعها             و حالفها في بيت نوب عوامل «3»

و وجه ذلك أنّ الرَّجَاءَ و الخوف يتلازمان، قال تعالى: وَ تَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ‏ [النساء/ 104]، وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ‏ [التوبة/ 106]، و أَرْجَتِ النّاقة: دنا نتاجها، و حقيقته: جعلت لصاحبها رجاء في نفسها بقرب نتاجها. و الْأُرْجُوَانُ: لون أحمر يفرّح تفريح الرّجاء.
رحب‏
الرُّحْبُ: سعة المكان، و منه: رَحَبَةُ المسجد، و رَحُبَتِ الدّار: اتّسعت، و استعير للواسع الجوف، فقيل: رَحْبُ البطن، و لواسع الصدر، كما استعير الضيّق لضدّه، قال تعالى:
ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ‏ [التوبة/ 118]، و فلان رَحِيبُ الفناء: لمن كثرت غاشيته.
و قولهم: مَرْحَباً و أهلا، أي: وجدت مكانا رَحْباً.
قال تعالى: لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ* قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ‏ [ص/ 59- 60].
رحق‏
قال اللّه تعالى: يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ‏ [المطففين/ 25]، أي: خمر.
__________________________________________________
 (1) قال الجوهري: المحدّثون يروونه: «لا ترجموا قبري» مخفّفا، و الصحيح: «لا ترجّموا قبري» مشدّدا، أي: لا تجعلوا عليه الرّجم، و هي جمع رجمة، أي: الحجارة الضخام. انظر: النهاية 2/ 205.
 [استدراك‏] و هذا من كلام عبد اللّه بن المغفّل في وصيته. انظر: غريب الحديث 4/ 289، و الفائق 2/ 47.
 (2) انظر: مجاز القرآن 2/ 271.
 (3) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 143، و مجاز القرآن 1/ 275، و تفسير القرطبي 8/ 311، و تفسير الطبري 11/ 56.

346
مفردات ألفاظ القرآن

رحل ص 347

رحل‏
الرَّحْلُ ما يوضع على البعير للرّكوب، ثم يعبّر به تارة عن البعير، و تارة عمّا يجلس عليه في المنزل، و جمعه رِحَالٌ. وَ قالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ‏ [يوسف/ 62]، و الرِّحْلَةُ: الِارْتِحَالُ. قال تعالى: رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ‏ [قريش/ 2]، و أَرْحَلْتُ البعير:
وضعت عليه الرّحل، و أَرْحَلَ البعيرُ: سمن، كأنّه صار على ظهره رحل لسمنه و سنامه، و رَحَلْتُهُ:
أظعنته، أي: أزلته عن مكانه. و الرَّاحِلَةُ: البعير الذي يصلح لِلِارْتِحَالِ. و رَاحَلَهُ: عاونه على رِحْلَتِهِ، و الْمُرَحَّلُ برد عليه صورة الرّحال.
رحم‏
الرَّحِمُ: رَحِمُ المرأة، و امرأة رَحُومٌ تشتكي رحمها. و منه استعير الرَّحِمُ للقرابة، لكونهم خارجين من رحم واحدة، يقال: رَحِمٌ و رُحْمٌ.
قال تعالى: وَ أَقْرَبَ رُحْماً [الكهف/ 81]، و الرَّحْمَةُ رقّة تقتضي الإحسان إلى الْمَرْحُومِ، و قد تستعمل تارة في الرّقّة المجرّدة، و تارة في الإحسان المجرّد عن الرّقّة، نحو: رَحِمَ اللّه فلانا. و إذا وصف به الباري فليس يراد به إلّا الإحسان المجرّد دون الرّقّة، و على هذا روي أنّ الرَّحْمَةَ من اللّه إنعام و إفضال، و من الآدميّين رقّة و تعطّف. و على هذا
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ ذَاكِراً عَنْ رَبِّهِ «أَنَّهُ لَمَّا خَلَقَ الرَّحِمَ قَالَ لَهُ: أَنَا الرَّحْمَنُ، وَ أَنْتِ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ اسْمَكِ مِنِ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَ مَنْ قَطَعَكِ بَتَتُّهُ» «1».
فذلك إشارة إلى ما تقدّم، و هو أنّ الرَّحْمَةَ منطوية على معنيين: الرّقّة و الإحسان، فركّز تعالى في طبائع الناس الرّقّة، و تفرّد بالإحسان، فصار كما أنّ لفظ الرَّحِمِ من الرّحمة، فمعناه الموجود في الناس من المعنى الموجود للّه تعالى، فتناسب معناهما تناسب لفظيهما. و الرَّحْمَنُ و الرَّحِيمُ، نحو: ندمان و نديم، و لا يطلق الرَّحْمَنُ إلّا على اللّه تعالى من حيث إنّ معناه لا يصحّ إلّا له، إذ هو الذي وسع كلّ شي‏ء رَحْمَةً، و الرَّحِيمُ يستعمل في غيره و هو الذي كثرت رحمته، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* [البقرة/ 182]، و قال في صفة النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ‏ [التوبة/ 128]، و قيل: إنّ اللّه تعالى: هو رحمن الدّنيا، و رحيم الآخرة، و ذلك أنّ إحسانه في الدّنيا يعمّ المؤمنين و الكافرين، و في الآخرة يختصّ بالمؤمنين، و على هذا قال:
__________________________________________________
 (1) الحديث، عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «قال اللّه: أنا اللّه، و أنا الرحمن، خلقت الرحم، و شققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته، و من قطعها قطعته» أخرجه الترمذي و قال: حديث صحيح، انظر: عارضة الأحوذي 8/ 10، و أخرجه الحاكم 4/ 157 و صححه، و وافقه الذهبي، و أحمد برقم 1680، و أبو داود في الزكاة برقم 1694، باب صلة الرحم. و انظر: شرح السنة 1/ 179- 180.

347
مفردات ألفاظ القرآن

رحم ص 347

وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ‏ [الأعراف/ 156]، تنبيها أنها في الدّنيا عامّة للمؤمنين و الكافرين، و في الآخرة مختصّة بالمؤمنين.
رخا
الرُّخَاءُ: اللّيّنة. من قولهم: شي‏ء رِخْوٌ، و قد رَخِيَ يَرْخَى «1»، قال تعالى: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ‏ [ص/ 36]، و منه: أَرْخَيْتُ السّتر، و عن إِرْخَاءِ السّتر استعير:
183-
         إِرْخَاءُ سِرْحَان «2»
و قول أبي ذؤيب:
184-
         و هي رِخْوٌ تمزع «3»
أي: رخو السّير كريح الرّخاء، و قيل: فرس مِرْخَاءٌ، أي: واسع الجري بعيد الخطو، من خيل مَرَاخٍ، و قد أَرْخَيْتُهُ: خلّيته رخوا.
رد
الرَّدُّ: صرف الشي‏ء بذاته، أو بحالة من أحواله، يقال: رَدَدْتُهُ فَارْتَدَّ، قال تعالى: وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ‏ [الأنعام/ 147]، فمن الرّدّ بالذّات قوله تعالى: وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ‏ [الأنعام/ 28]، ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ [الإسراء/ 6]، و قال:
رُدُّوها عَلَيَ‏ [ص/ 33]، و قال: فَرَدَدْناهُ إِلى‏ أُمِّهِ‏ [القصص/ 13]، يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ‏ [الأنعام/ 27]، و من الرّدّ إلى حالة كان عليها قوله: يَرُدُّوكُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ‏ [آل عمران/ 149]، و قوله: وَ إِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ‏ [يونس/ 107]، أي: لا دافع و لا مانع له، و على ذلك: عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ [هود/ 76]، و من هذا الرَّدُّ إلى اللّه تعالى، نحو قوله: وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى‏ رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً [الكهف/ 36]، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى‏ عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ* [الجمعة/ 8]، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ‏ [الأنعام/ 62]، فالرّدّ كالرّجع في قوله: ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* [البقرة/ 28]، و منهم من قال: في الرَّدِّ قولان: أحدهما ردّهم إلى ما أشار إليه بقوله: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَ فِيها نُعِيدُكُمْ [طه/ 55]، و الثاني: ردّهم إلى‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 3/ 46.
 (2) و ذلك جاء في شعر امرئ القيس:
         له أيطلا ظبي و ساقا نعامة             و إرخاء سرحان و تقريب تتفل‏
و هو في ديوانه ص 119، و الأفعال 3/ 46، و شرح المعلقات 1/ 36.
قال النحاس: و كأنّ الإرخاء عدو في سهولة.
 (3) البيت تمامه:
         تعدو به خوصاء يفصم جريها             حلق الرّحالة فهي رخو تمزع‏

و هو في ديوان الهذليين 2/ 16، و المجمل 2/ 426.

348
مفردات ألفاظ القرآن

رد ص 348

الحياة المشار إليها بقوله: وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى‏ [طه/ 55]، فذلك نظر إلى حالتين كلتاهما داخلة في عموم اللفظ. و قوله تعالى:
فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ‏ [إبراهيم/ 9]، قيل: عضّوا الأنامل غيظا، و قيل: أومئوا إلى السّكوت و أشاروا باليد إلى الفم، و قيل: ردّوا أيديهم في أفواه الأنبياء فأسكتوهم، و استعمال الرّدّ في ذلك تنبيها أنهم فعلوا ذلك مرّة بعد أخرى. و قوله تعالى: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً [البقرة/ 109]، أي:
يرجعونكم إلى حال الكفر بعد أن فارقتموه، و على ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ‏ [آل عمران/ 100]، و الِارْتِدَادُ و الرِّدَّةُ: الرّجوع في الطّريق الذي جاء منه، لكن الرّدّة تختصّ بالكفر، و الارتداد يستعمل فيه و في غيره، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِهِمْ‏ [محمد/ 25]، و قال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ‏ [المائدة/ 54]، و هو الرّجوع من الإسلام إلى الكفر، و كذلك: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ [البقرة/ 217]، و قال عزّ و جلّ: فَارْتَدَّا عَلى‏ آثارِهِما قَصَصاً [الكهف/ 64]، إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى‏ [محمد/ 25]، و قال تعالى: وَ نُرَدُّ عَلى‏ أَعْقابِنا [الأنعام/ 71]، و قوله تعالى: وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِكُمْ‏ [المائدة/ 21]، أي: إذا تحقّقتم أمرا و عرفتم خيرا فلا ترجعوا عنه. و قوله عزّ و جلّ:
فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى‏ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً [يوسف/ 96]، أي: عاد إليه البصر، و يقال: رَدَدْتُ الحكم في كذا إلى فلان: فوّضته إليه، قال تعالى: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ‏ [النساء/ 83]، و قال: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ‏ [النساء/ 59]، و يقال: رَادَّهُ في كلامه. و قيل‏
فِي الْخَبَرِ: «الْبَيِّعَانِ يَتَرَادَّانِ» «1».
أي: يردّ كلّ واحد منهما ما أخذ، و رِدَّةُ الإبل: أن تَتَرَدَّدَ إلى الماء، و قد أَرَدَّتِ النّاقة «2»، و اسْتَرَدَّ المتاع: استرجعه.
ردف‏
الرِّدْفُ: التابع، و رِدْفُ المرأة: عجيزتها، و التَّرَادُفُ: التتابع، و الرَّادِفُ: المتأخّر، و الْمُرْدِفُ: المتقدّم الذي أَرْدَفَ غيره، قال تعالى: فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ‏
__________________________________________________
 (1) أخرجه مالك في المدونة بلاغا 4/ 188، و أحمد 1/ 466، و ابن الجارود في المنتقى ص 159.
 (2) قال في اللسان: الرّدّة: أن تشرب الإبل الماء عللا فترتدّ الألبان في ضروعها. و أردّت الناقة: ورمت أرفاغها و حياؤها من شرب الماء.

349
مفردات ألفاظ القرآن

ردف ص 349

الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ‏ [الأنفال/ 9]، قال أبو عبيدة: مُرْدِفِينَ‏: جائين بعد «1»، فجعل رَدِفَ و أَرْدَفَ بمعنى واحد، و أنشد:
185-
         إذا الجوزاء أَرْدَفَتِ الثّريّا «2»
و قال غيره: معناه مردفين ملائكة أخرى، فعلى هذا يكونون ممدّين بألفين من الملائكة، و قيل:
عنى بِالْمُرْدِفِينَ المتقدّمين للعسكر يلقون في قلوب العدى الرّعب. و قرئ مُرْدَفِينَ «3» أي:
أُرْدِفَ كلّ إنسان ملكا، (و مُرَدَّفِينَ) «4» يعني مُرْتَدِفِينَ، فأدغم التاء في الدّال، و طرح حركة التاء على الدّال. و قد قال في سورة آل عمران:
أَ لَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلى‏ إِنْ تَصْبِرُوا وَ تَتَّقُوا وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ. و أَرْدَفْتُهُ: حملته على رِدْفِ الفرس، و الرِّدَافُ: مركب الرّدف، و دابّة لا تُرَادِفُ و لا تُرْدِفُ «5»، و جاء واحد فأردفه آخر.
و أَرْدَافُ الملوكِ: الذين يخلفونهم.
ردم‏
الرَّدْمُ: سدّ الثّلمة بالحجر، قال تعالى:
أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً [الكهف/ 95]، و الرَّدْمُ: الْمَرْدُومُ، و قيل: الْمُرْدَمُ، قال الشاعر:
186-
         هل غادر الشّعراء من مُتَرَدَّمٍ «6»
و أَرْدَمَتْ عليه الحمّى «7»، و سحاب مُرْدِمٌ «8».
ردأ
الرِّدْءُ: الذي يتبع غيره معينا له. قال تعالى:
فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي‏ [القصص/ 34]، و قد أَرْدَأَهُ، و الرَّدِي‏ءُ في الأصل مثله،
__________________________________________________
 (1) انظر: مجاز القرآن 1/ 241.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         ظننت بآل فاطمة الظّنونا

و هو لخزيمة بن نهد، و البيت في العباب (ردف)، و اللسان (ردف)، و البصائر 3/ 63.
 (3) و بها قرأ نافع و أبو جعفر و يعقوب.
 (4) و هي قراءة شاذّة، قرأ بها الخليل عن أهل مكة. انظر: مختصر ابن خالويه ص 49، و إعراب القرآن للنحاس 1/ 667، و الآية رقمها 124 من سورة آل عمران.
 (5) قال الصاغاني: يقال: هذه دابّة لا ترادف، أي: لا تحمل رديفا، و جوّز الليث: لا تردف، و قال الأزهري: لا تردف مولّد من كلام أهل الحضر. العباب (ردف).
 (6) هذا شطر بيت، و عجزه:
         أم هل عرفت الدار بعد توهّم‏

و هو لعنترة من مطلع معلقته، و هو في ديوانه ص 15، و شرح المعلقات 2/ 5.
 (7) أي: دامت، انظر: المجمل 2/ 427.
 (8) انظر: المجمل 2/ 427، و اللسان: ردم.

350
مفردات ألفاظ القرآن

ردأ ص 350

لكن تعورف في المتأخّر المذموم. يقال: رَدُأَ «1» الشي‏ء رَدَاءَةً، فهو رَدِي‏ءٌ، و الرَّدَى: الهلاك، و التَّرَدِّي: التّعرّض للهلاك، قال تعالى: وَ ما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى‏
 [الليل/ 11]، و قال:
وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى‏ [طه/ 16]، و قال:
تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ‏ [الصافات/ 56]، و الْمِرْدَاةُ: حجر تكسر بها الحجارة فَتُرْدِيهَا.
رذل‏
الرَّذْلُ و الرُّذَالُ: المرغوب عنه لرداءته، قال تعالى: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ* [النحل/ 70]، و قال: إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ‏ [هود/ 27]، و قال تعالى: قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ‏ [الشعراء/ 111]، جمع الْأَرْذَلِ.
رزق‏
الرِّزْقُ يقال للعطاء الجاري تارة، دنيويّا كان أم أخرويّا، و للنّصيب تارة، و لما يصل إلى الجوف و يتغذّى به تارة «2»، يقال: أعطى السّلطان رِزْقَ الجند، و رُزِقْتُ علما، قال: وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏ [المنافقون/ 10]، أي: من المال و الجاه و العلم، و كذلك قوله: وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* [البقرة/ 3]، كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ* [البقرة/ 172]، و قوله: وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ‏ [الواقعة/ 82]، أي:
و تجعلون نصيبكم من النّعمة تحرّي الكذب.
و قوله: وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ‏ [الذاريات/ 22]، قيل: عني به المطر الذي به حياة الحيوان «3». و قيل: هو كقوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً* [المؤمنون/ 18]، و قيل: تنبيه أنّ الحظوظ بالمقادير، و قوله تعالى: فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ‏ [الكهف/ 19]، أي: بطعام يتغذّى به. و قوله تعالى: وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ* رِزْقاً لِلْعِبادِ [ق/ 10- 11]، قيل:
عني به الأغذية، و يمكن أن يحمل على العموم فيما يؤكل و يلبس و يستعمل، و كلّ ذلك ممّا يخرج من الأرضين، و قد قيّضه اللّه بما ينزّله من السماء من الماء، و قال في العطاء الأخرويّ:
وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ‏ [آل عمران/ 169]، أي: يفيض اللّه عليهم النّعم الأخروية، و كذلك قوله: وَ لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَ عَشِيًّا [مريم/ 62]، و قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ [الذاريات/ 58]، فهذا محمول على العموم.
و الرَّازِقُ يقال لخالق الرّزق، و معطيه، و المسبّب له، و هو اللّه تعالى «4»، و يقال ذلك للإنسان الذي‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 3/ 49، و البصائر 3/ 65.
 (2) و ردّه الرازي في تفسيره 2/ 30.
 (3) و هو قول الضحاك، انظر: الدر المنثور 7/ 619.
 (4) انظر: الأسماء و الصفات ص 86.

351
مفردات ألفاظ القرآن

رزق ص 351

يصير سببا في وصول الرّزق. و الرَّزَّاقُ لا يقال إلّا للّه تعالى، و قوله: وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ‏ [الحجر/ 20]، أي:
بسبب في رزقه، و لا مدخل لكم فيه، و قوله:
وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ شَيْئاً وَ لا يَسْتَطِيعُونَ‏ [النحل/ 73]، أي: ليسوا بسبب في رزق بوجه من الوجوه، و سبب من الأسباب. و يقال: ارْتَزَقَ الجند: أخذوا أرزاقهم، و الرَّزْقَةُ: ما يعطونه دفعة واحدة.
رس‏
أَصْحابَ الرَّسِّ* «1» قيل: هو واد، قال الشاعر:
187-
         و هنّ لوادي الرَّسِّ كاليد للفم «2»
و أصل الرَّسِّ: الأثر القليل الموجود في الشي‏ء، يقال: سمعت رَسّاً من خبر «3»، و رَسُّ الحديث في نفسي، و وجد رَسّاً من حمّى «4»، و رُسَّ الميّتُ: دفن و جعل أثرا بعد عين.
رسخ‏
رُسُوخُ الشي‏ء: ثباته ثباتا متمكّنا، و رَسَخَ الغدير: نضب ماؤه، و رَسَخَ تحت الأرض، و الرَّاسِخُ في العلم: المتحقّق به الذي لا يعرضه شبهة. فَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ‏
 هم الموصوفون بقوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا [الحجرات/ 15]، و كذا قوله تعالى:
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ‏ [النساء/ 162].
رسل‏
أصل الرِّسْلِ: الانبعاث على التّؤدة و يقال:
ناقة رِسْلَةٌ: سهلة السّير، و إبل مَرَاسِيلُ: منبعثة انبعاثا سهلا، و منه: الرَّسُولُ المنبعث، و تصوّر منه تارة الرّفق، فقيل: على رِسْلِكَ، إذا أمرته بالرّفق، و تارة الانبعاث فاشتقّ منه الرّسول، و الرَّسُولُ يقال تارة للقول المتحمّل كقول الشاعر:
188-
         ألا أبلغ أبا حفص رَسُولًا «5»
__________________________________________________
 (1) الآية كذّبت قبلهم قوم نوح و أصحاب الرّسّ و ثمود سورة ق: آية 12.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         بكرن بكورا و استحرن بسحرة

و هو لزهير بن أبي سلمى من معلقته، انظر: ديوانه ص 77، و شرح المعلقات 1/ 105.
 (3) انظر: الأساس 162، و المجمل 2/ 366، و البصائر 3/ 68.
 (4) قال الزمخشري: به رسّ الحمى و رسيسها: ابتداؤها قبل أن تشتدّ، و تقول:
بدأت برسّها، و أخذت في مسّها. الأساس ص 162.
 (5) شطر بيت، عجزه:
         فدى لك من أخي ثقة إزاري‏

و هو لأبي المنهال الأشجعي، و قد تقدّم في مادة (أزر).

352
مفردات ألفاظ القرآن

رسل ص 352

و تارة لمتحمّل القول و الرِّسَالَةِ. و الرَّسُولُ يقال للواحد و الجمع، قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏ [التوبة/ 128]، و للجمع:
فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ [الشعراء/ 16]، و قال الشاعر:
189-
         ألكني إليها و خير الرّسو             ل أعلمهم بنواحي الخبر «1»

و جمع الرّسول رُسُلٌ. و رُسُلُ اللّه تارة يراد بها الملائكة، و تارة يراد بها الأنبياء، فمن الملائكة قوله تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* [التكوير/ 19]، و قوله: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ‏ [هود/ 81]، و قوله: وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِي‏ءَ بِهِمْ‏ [هود/ 77]، و قال: وَ لَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى‏ [العنكبوت/ 31]، و قال: وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [المرسلات/ 1]، بَلى‏ وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‏ [الزخرف/ 80]، و من الأنبياء قوله:
وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ‏ [آل عمران/ 144]، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ [المائدة/ 67]، و قوله: وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ* [الأنعام/ 48]، فمحمول على رسله من الملائكة و الإنس.
و قوله: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً [المؤمنون/ 51]، قيل: عني به الرّسول و صفوة أصحابه، فسمّاهم رسلا لضمّهم إليه «2»، كتسميتهم المهلّب «3» و أولاده:
المهالبة. و الْإِرْسَالُ يقال في الإنسان، و في الأشياء المحبوبة، و المكروهة، و قد يكون ذلك بالتّسخير، كإرسال الريح، و المطر، نحو:
وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً [الأنعام/ 6]، و قد يكون ببعث من له اختيار، نحو إرسال الرّسل، قال تعالى: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً [الأنعام/ 61]، فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ‏ [الشعراء/ 53]، و قد يكون ذلك بالتّخلية، و ترك المنع، نحو قوله: أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا [مريم/ 83]، و الْإِرْسَالُ يقابل الإمساك. قال تعالى: ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ‏ [فاطر/ 2]، و الرَّسَلُ من الإبل و الغنم: ما يَسْتَرْسِلُ في السّير، يقال: جاءوا أَرْسَالًا، أي:
متتابعين، و الرِّسْلُ: اللّبن الكثير المتتابع الدّرّ.
__________________________________________________
 (1) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 146، و البصائر 3/ 70، و اللسان (أ لك).
 (2) و قال بعض العلماء: الخطاب في هذه الآية للنبي صلّى اللّه عليه و سلم، و أنه أقامه مقام الرسل. راجع: القرطبي 12/ 127.
 (3) هو المهلّب بن أبي صفرة، كان والي خراسان من جهة الحجاج بن يوسف الثقفي، و أولاده يقال لهم المهالبة، و له يد طولى في قتال الخوارج، توفي سنة 83 ه.
انظر: أخباره في وفيات الأعيان 5/ 350، و الكامل لابن الأثير، و شذرات الذهب 1/ 95.

353
مفردات ألفاظ القرآن

رسا ص 354

رسا
يقال: رَسَا الشي‏ء يَرْسُو: ثبت، و أَرْسَاهُ غيره، قال تعالى: وَ قُدُورٍ راسِياتٍ‏ [سبأ/ 13]، و قال: رَواسِيَ شامِخاتٍ‏ [المرسلات/ 27]، أي: جبالا ثابتات، وَ الْجِبالَ أَرْساها [النازعات/ 32]، و ذلك إشارة إلى نحو قوله تعالى: وَ الْجِبالَ أَوْتاداً [النبأ/ 7]، قال الشاعر:
190-
         و لا جبال إذا لم تُرْسَ أوتاد «1»
و ألقت السّحابة مَرَاسِيَهَا، نحو: ألقت طنبها «2»، و قال تعالى: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَ مُرْساها «3» من: أجريت، و أَرْسَيْتُ، فَالْمُرْسَى يقال للمصدر، و المكان، و الزمان، و المفعول، و قرئ: (مَجْرِيها و مَرْسِيهَا) «4» و قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها* [الأعراف/ 187]، أي: زمان ثبوتها، و رَسَوْتُ بين القوم، أي: أثبتّ بينهم إيقاع الصّلح.
رشد
الرَّشَدُ و الرُّشْدُ: خلاف الغيّ، يستعمل استعمال الهداية، يقال: رَشَدَ يَرْشُدُ، و رَشِدَ «5» يَرْشَدُ قال: لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ‏ [البقرة/ 186]، و قال: قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ‏ [البقرة/ 256]، و قال تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء/ 6]، وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ‏ [الأنبياء/ 51]، و بين الرُّشْدَيْنِ- أعني: الرّشد المؤنس من اليتيم، و الرّشد الذي أوتي إبراهيم عليه السلام- بون بعيد. و قال:
هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف/ 66]، و قال: لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً [الكهف/ 24]، و قال بعضهم: الرَّشَدُ أخصّ من الرُّشْدِ، فإنّ الرُّشْدَ يقال في الأمور الدّنيوية و الأخرويّة، و الرَّشَدُ يقال في الأمور
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         البيت لا يبتنى إلا له عمد

و هو للأفوه الأودي، من قصيدة له، و فيها يقول:
         لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم             و لا سراة إذا جهّالهم سادوا
             تلفى الأمور بأهل الرأي ما صلحت             فإن تولوا فبالأشرار تنقاد

و هو في الحماسة البصرية 2/ 69، و الاختيارين ص 76، و أمالي القالي 2/ 225، و الطرائف الأدبية ص 9.
 (2) ألقت السحابة مراسيها: استقرّت و جادت.
و الطّنب: حبل الخباء و السرادق. و انظر: المجمل 2/ 377، و البصائر 3/ 74.
 (3) سورة هود: آية 41، و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و يعقوب و ابن عامر و شعبة.
 (4) قرأ بفتح الميمين المطوّعي، و هي قراءة شاذة.
و قرأ حفص مجراها و مرساها بفتح الميم الأولى، و ضم الثانية، انظر: الإتحاف 256.
 (5) انظر: الأفعال 3/ 85، و البصائر 3/ 75.

354
مفردات ألفاظ القرآن

رشد ص 354

الأخرويّة لا غير. و الرَّاشِدُ و الرَّشِيدُ يقال فيهما جميعا، قال تعالى: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ‏ [الحجرات/ 7]، وَ ما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود/ 97].
رص‏
قال تعالى: كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ‏ [الصف/ 4]، أي: محكم كأنما بني بالرَّصَاصِ، و يقال: رَصَصْتُهُ و رَصَّصْتُهُ، و تَرَاصُّوا في الصلاة. أي: تضايقوا فيها. و تَرْصِيصُ المرأة: أن تشدّد التّنقّب، و ذلك أبلغ من التَّرَصُّصِ.
رصد
الرَّصَدُ: الاستعداد للتّرقّب، يقال: رَصَدَ له، و تَرَصَّدَ، و أَرْصَدْتُهُ له. قال عزّ و جلّ: وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ‏ [التوبة/ 107]، و قوله عزّ و جل: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [الفجر/ 14]، تنبيها أنه لا ملجأ و لا مهرب.
و الرَّصَدُ يقال لِلرَّاصِدِ الواحد، و للجماعة الرَّاصِدِينَ، و لِلْمَرْصُودِ، واحدا كان أو جمعا.
و قوله تعالى: يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً [الجن/ 27]، يحتمل كلّ ذلك. و الْمَرْصَدُ: موضع الرّصد، قال تعالى:
وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ [التوبة/ 5]، و الْمِرْصَادُ نحوه، لكن يقال للمكان الذي اختصّ بِالتَّرَصُّدِ، قال تعالى: إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً [النبأ/ 21]، تنبيها أنّ عليها مجاز الناس، و على هذا قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم/ 71].
رضع‏
يقال: رَضَعَ المولود يَرْضِعُ «1»، و رَضِعَ يَرْضَعُ رَضَاعاً و رَضَاعَةً، و عنه استعير: لئيم رَاضِعٌ: لمن تناهى لؤمه، و إن كان في الأصل لمن يرضع غنمه ليلا، لئلّا يسمع صوت شخبه «2»، فلمّا تعورف في ذلك قيل: رَضُعَ فلان، نحو: لؤم، و سمّي الثّنيّتان من الأسنان الرَّاضِعَتَيْنِ، لاستعانة الصّبيّ بهما في الرّضع، قال تعالى:
وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة/ 233]، فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ‏ [الطلاق/ 6]، و يقال: فلان أخو فلان من الرّضاعة، و
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ» «3».
و قال تعالى: وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 3/ 91.
 (2) الشّخب: صوت اللبن عند الحلب.
 (3) الحديث أخرجه ابن ماجة 1/ 623 عن عائشة، و أخرجه مالك في الموطأ عنها أيضا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة. انظر: تنوير الحوالك 2/ 117، و شرح الزرقاني 3/ 247.
و أخرجه الترمذي و لفظه: «إنّ اللّه حرّم من الرّضاعة ما حرّم من الولادة».

355
مفردات ألفاظ القرآن

رضع ص 355

تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ‏ [البقرة/ 233]، أي:
تسومونهنّ إرضاع أولادكم.
رضي‏
يقال: رَضِيَ يَرْضَى رِضًا، فهو مَرْضِيٌّ و مَرْضُوٌّ. و رِضَا العبد عن اللّه: أن لا يكره ما يجري به قضاؤه، و رِضَا اللّه عن العبد هو أن يراه مؤتمرا لأمره، و منتهيا عن نهيه، قال اللّه تعالى:
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ* [المائدة/ 119]، و قال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الفتح/ 18]، و قال تعالى:
وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة/ 3]، و قال تعالى: أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ [التوبة/ 38]، و قال تعالى:
يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى‏ قُلُوبُهُمْ‏ [التوبة/ 8]، و قال عزّ و جلّ: وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَ‏ [الأحزاب/ 51]، و الرِّضْوَانُ:
الرّضا الكثير، و لمّا كان أعظم الرِّضَا رضا اللّه تعالى خصّ لفظ الرّضوان في القرآن بما كان من اللّه تعالى: قال عزّ و جلّ: وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ‏ [الحديد/ 27]، و قال تعالى: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً* [الفتح/ 29]، و قال: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ‏ [التوبة/ 21]، و قوله تعالى: إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ‏ [البقرة/ 232]، أي: أظهر كلّ واحد منهم الرّضا بصاحبه و رَضِيَهُ.
رطب‏
الرَّطْبُ: خلاف اليابس، قال تعالى: وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ‏ [الأنعام/ 59]، و خصّ الرُّطَبُ بالرَّطْبِ من التّمر، قال تعالى: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم/ 25]، و أَرْطَبَ النّخلُ «1»، نحو: أتمر و أجنى، و رَطَبْتُ الفرس و رَطَّبْتُهُ: أطعمته الرّطب، فَرَطَبَ الفرس: أكله.
و رَطِبَ الرّجل رَطَباً: إذا تكلّم بما عنّ له من خطإ و صواب «2»، تشبيها برطب الفرس، و الرَّطِيبُ:
عبارة عن النّاعم.
رعب‏
الرُّعْبُ: الانقطاع من امتلاء الخوف، يقال:
رَعَبْتُهُ فَرَعَبَ رُعْباً، فهو رَعِبٌ، و التِّرْعَابَةُ:
الفروق. قال تعالى: وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ* [الأحزاب/ 26]، و قال: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ‏ [آل عمران/ 151]، وَ لَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً [الكهف/ 18]، و لتصوّر الامتلاء منه قيل: رَعَبْتُ الحوص: ملأته، و سيل رَاعِبٌ: يملأ الوادي،
__________________________________________________
و قال: هذا حديث حسن صحيح، و العمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي و غيرهم، لا نعلم بينهم في ذلك اختلافا. انظر: عارضة الأحوذي 5/ 88.
 (1) أرطب النخل: حان أوان رطبه.
 (2) انظر: المجمل 2/ 382.

356
مفردات ألفاظ القرآن

رعب ص 356

و باعتبار القطع قيل: رَعَبْتُ السّنام: قطعته. و جارية رُعْبُوبَةٌ: شابّة شطبة تارّة «1»، و الجمع الرَّعَابِيبُ.
رعد
الرَّعْدُ صوت السّحاب، و
رُوِيَ (أَنَّهُ مَلَكٌ يَسُوقُ السَّحَابَ) «2».
و قيل رَعَدَتِ السّماءُ و برقت، و أَرْعَدَتْ و أبرقت، و يكنّى بهما عن التّهدّد. و يقال: صلف تحت رَاعِدَةٍ «3»
: لمن يقول و لا يحقّق. و الرِّعْدِيدُ: المضطرب جبنا، و قيل: أُرْعِدَتْ فرائصه خوفا «4».
رعى‏
الرَّعْيُ في الأصل: حفظ الحيوان، إمّا بغذائه الحافظ لحياته، و إمّا بذبّ العدوّ عنه. يقال:
رَعَيْتُهُ، أي: حفظته، و أَرْعَيْتُهُ: جعلت له ما يَرْعَى. و الرِّعْيُ: ما يرعاه، و الْمَرْعَى: موضع الرّعي، قال تعالى: كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ‏ [طه/ 54]، أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَ مَرْعاها [النازعات/ 31]، وَ الَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى‏ [الأعلى/ 4]، و جعل الرَّعْيُ و الرِّعَاءُ للحفظ و السّياسة. قال تعالى: فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها [الحديد/ 27]، أي: ما حافظوا عليها حقّ المحافظة. و يسمّى كلّ سائس لنفسه أو لغيره رَاعِياً، و
رُوِيَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَ كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» «5».
قال الشاعر:
191-
         و لا الْمَرْعِيُّ في الأقوام كَالرَّاعِي «6»
و جمع الرّاعي رِعَاءٌ و رُعَاةٌ. و مُرَاعَاةُ الإنسان للأمر: مراقبته إلى ما ذا يصير، و ما ذا منه يكون، و منه: رَاعَيْتُ النجوم، قال تعالى: لا تَقُولُوا: راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا [البقرة/ 104]، و أَرْعَيْتُهُ‏
__________________________________________________
 (1) الشّطبة: الحسنة، و التارّة: الممتلئة الجسم.
 (2) أخرجه أحمد، و الترمذي و صححه، و النسائي و غيرهم عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء ...
ثم قالوا: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال: ملك من ملائكة اللّه موكّل بالسحاب، بيده مخراق من نار، يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمره اللّه ... إلخ. انظر: الدر المنثور 4/ 621، و عارضة الأحوذي 11/ 284 و قال الترمذي حسن غريب، و مسند أحمد 1/ 274.
 (3) هذا مثل يقال للذي يكثر الكلام و لا خير عنده. انظر: المجمل 2/ 385، و المستقصى 2/ 96.
 (4) راجع: المجمل 2/ 385.
 (5) الحديث عن ابن عمر يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ... إلخ.
و هو حديث متفق على صحته، أخرجه البخاري في الأحكام 13/ 100، و مسلم في الإمارة برقم (1829)، و انظر شرح السنة 10/ 61.
 (6) البيت:
         ليس قطا مثل قطّي و لا ال             مرعيّ في الأقوام كالراعي‏

و هو لأبي قيس بن الأسلت الأنصاري، و البيت في المجمل 2/ 384، و اللسان (رعى)، و المفضليات ص 285، و خاص الخاص ص 20.

357
مفردات ألفاظ القرآن

رعى ص 357

سمعي: جعلته راعيا لكلامه، و قيل: أَرْعِنِي سمعَك، و يقال: أَرْعِ على كذا، فيعدّى بعلى أي: أبق عليه، و حقيقته: أَرْعِهِ مطّلعا عليه.
رعن‏
قال تعالى: لا تَقُولُوا راعِنا [البقرة/ 104]، وَ راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ طَعْناً فِي الدِّينِ‏ [النساء/ 46]، كان ذلك قولا يقولونه للنبي صلّى اللّه عليه و سلم، على سبيل التّهكّم، يقصدون به رميه بِالرُّعُونَةِ «1»، و يوهمون أنهم يقولون راعنا، أي:
احفظنا، من قولهم: رَعُنَ الرّجل يَرْعُنُ رَعَناً، فهو رَعِنٌ و أَرْعَنُ، و امرأة رَعْنَاءُ، و تسميته بذلك لميل فيه تشبيها بالرّعن، أي: أنف الجبل لما فيه من الميل، قال الشاعر:
192-
         لو لا ابن عتبة عمرو و الرّجاء له             ما كانت البصرة الرَّعْنَاءُ لي وطنا «2»

فوصفها بذلك، إمّا لما فيها من الخفض بالإضافة إلى البدو تشبيها بالمرأة الرّعناء، و إمّا لما فيها من تكسّر، و تغيّر في هوائها.
رغب‏
أصل الرَّغْبَةِ: السّعة في الشي‏ء، يقال: رَغُبَ الشي‏ء: اتّسع «3»، و حوض رَغِيبٌ، و فلان رَغِيبُ الجوف، و فرس رَغِيبُ العدو. و الرَّغْبَةُ و الرَّغَبُ و الرَّغْبَى: السّعة في الإرادة قال تعالى:
وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً [الأنبياء/ 90]، فإذا قيل: رَغِبَ فيه و إليه يقتضي الحرص عليه، قال تعالى: إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ‏ [التوبة/ 59]، و إذا قيل: رَغِبَ عنه اقتضى صرف الرّغبة عنه و الزّهد فيه، نحو قوله تعالى: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ‏ [البقرة/ 130]، أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي‏ [مريم/ 46]، و الرَّغِيبَةُ: العطاء الكثير، إمّا لكونه مَرْغُوباً فيه، فتكون مشتقّة من الرّغبة، و إمّا لسعته، فتكون مشتقّة من الرّغبة بالأصل، قال الشاعر:
193-
         يعطي الرَّغَائِبَ من يشاء و يمنع «4»
رغد
عيش رَغَدٌ و رَغِيدٌ: طيّب واسع، قال تعالى:
وَ كُلا مِنْها رَغَداً [البقرة/ 35]، يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ‏ [النحل/ 112]، و أَرْغَدَ القوم: حصلوا في رغد من العيش، و أَرْغَدَ ماشيتَهُ. فالأوّل من باب جدب‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الدر المنثور 1/ 252- 253.
 (2) البيت ينسب للفرزدق، و لم أجده في ديوانه.
و هو في المجمل 2/ 383، و الجمهرة 2/ 388، و معجم البلدان 2/ 792، و البصائر 3/ 88.
 (3) قال في الأفعال: و رغب، اتّسع رأيه و خلقه. الأفعال 3/ 41.
 (4) عجز بيت لعبدة بن الطبيب، و صدره:
          [أوصيكم بتقى الإله فإنّه‏]

و هو في المفضليات ص 146، و الحماسة البصرية 1/ 283.

358
مفردات ألفاظ القرآن

رغد ص 358

و أجدب «1»، و الثّاني من باب دخل و أدخل غيره «2»، و الْمُرْغَادُّ من اللّبن: المختلط الدّالّ بكثرته على رغد العيش.
رغم‏
الرَّغَامُ: التّراب الدّقيق، و رَغِمَ أنفُ فلانٍ رَغْماً: وقع في الرّغام، و أَرْغَمَهُ غيره، و يعبّر بذلك عن السّخط، كقول الشاعر:
194-
         إذا رَغِمَتْ تلك الأنوف لم أرضها             و لم أطلب العتبى و لكن أزيدها «3»

فمقابلته بالإرضاء ممّا ينبّه دلالته على الإسخاط. و على هذا قيل: أَرْغَمَ اللّه أنفه، و أَرْغَمَهُ: أسخطه، و رَاغَمَهُ: ساخطه، و تجاهدا على أن يُرْغِمَ أحدهما الآخر، ثمّ تستعار الْمُرَاغَمَةُ للمنازعة. قال اللّه تعالى: يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً [النساء/ 100]، أي:
مذهبا يذهب إليه إذا رأى منكرا يلزمه أن يغضب منه، كقولك: غضبت إلى فلان من كذا، و رَغِمْتُ إليه.
رف‏
رَفِيفُ الشّجر: انتشار أغصانه، و رَفَّ الطّير: نشر جناحيه، يقال: رَفَّ الطّائرُ يَرُفُّ، و رَفَّ فرخَهُ يَرُفُّهُ: إذا نشر جناحيه متفقّدا له. و استعير الرَّفُّ للمتفقّد، فقيل: (ما لفلان حَافٌّ و لا رَافٌّ) «4»
 أي: من يحفّه أو يرفّه، و قيل: (من حفّنا أو رَفَّنَا فليقتصد) «5».
و الرَّفْرَفُ: المنتشر من الأوراق، و قوله تعالى:
عَلى‏ رَفْرَفٍ خُضْرٍ [الرحمن/ 76]، فضرب من الثّياب مشبّه بالرّياض، و قيل: الرَّفْرَفُ:
طرف الفسطاط، و الخباء الواقع على الأرض دون الأطناب و الأوتاد، و
ذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ «6»
 أَنَّهَا الْمَخَادُّ.
رفت‏
رَفَتُّ الشي‏ء أَرْفُتُهُ رَفْتاً: فتته، و الرُّفَاتُ و الْفُتَاتُ: ما تكسّر و تفرّق من التّبن و نحوه، قال تعالى: وَ قالُوا أَ إِذا كُنَّا عِظاماً وَ رُفاتاً* [الإسراء/ 49]، و استعير الرُّفَاتُ للحبل المنقطع قطعة قطعة.
رفث‏
الرَّفَثُ: كلام متضمّن لما يستقبح ذكره من ذكر الجماع، و دواعيه، و جعل كناية عن الجماع‏
__________________________________________________
 (1) أي: فعل و أفعل بمعنى واحد.
 (2) أي: من باب دخل اللازم، و أدخل المتعدي.
 (3) البيت تقدّم في مادة (أنف).
 (4) الحافّ: الذي يضمّه، و الرافّ: الذي يطعمه. انظر: المجمل 2/ 368.
 (5) هذا مثل تقدّم في مادة (حفّ)، و هو في أمثال أبي عبيد ص 45.
 (6) أخرج ابن أبي شيبة و غيره عن الحسن في قوله تعالى: على رفرف خضر قال: البسط. و أخرج ابن المنذر عن عاصم الجحدري متّكئين على رفرف قال: وسائد. انظر: الدر المنثور 7/ 723.

359
مفردات ألفاظ القرآن

رفث ص 359

في قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى‏ نِسائِكُمْ‏ [البقرة/ 187]، تنبيها على جواز دعائهنّ إلى ذلك، و مكالمتهنّ فيه، و عدّي بإلى لتضمّنه معنى الإفضاء، و قوله: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ‏ [البقرة/ 197]، يحتمل أن يكون نهيا عن تعاطي الجماع، و أن يكون نهيا عن الحديث في ذلك، إذ هو من دواعيه، و الأوّل أصحّ لما
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَنْشَدَ فِي الطَّوَافِ:
195-
         فهن يمشين بنا هميسا             إن تصدق الطير ننك لميسا «1».
يقال: رَفَثَ و أَرْفَثَ، فَرَفَثَ: فَعَلَ، و أَرْفَثَ:
صار ذا رَفَثٍ، و هما كالمتلازمين، و لهذا يستعمل أحدهما موضع الآخر.
رفد
الرِّفْدُ: المعونة و العطيّة، و الرَّفْدُ مصدر، و الْمِرْفَدُ: ما يجعل فيه الرِّفْدُ من الطعام، و لهذا فسّر بالقدح، و قد رَفَدْتُهُ: أنلته بالرّفد، قال تعالى: بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ [هود/ 99]، و أَرْفَدْتُهُ: جعلت له رِفْداً يتناوله شيئا فشيئا، فَرَفَدَهُ و أَرْفَدَهُ نحو: سقاه و أسقاه، و رُفِدَ فلان فهو مُرْفَدٌ، استعير لمن أعطي الرّئاسة، و الرَّفُودُ: الناقة التي تملأ المرفد لبنا من كثرة لبنها، فهي فَعول في معنى فاعل. و قيل: الْمَرَافِيدُ من النّوق و الشاء:
ما لا ينقطع لبنه صيفا و شتاء، و قول الشاعر:
196-
         فأطعمت العراق و رَافِدَيْهِ             فزاريّا أحذّ يد القميص «2»

أي: دجلة و الفرات، و تَرَافَدُوا: تعاونوا، و منه: الرِّفَادَةُ، و هي: معاونة للحاجّ كانت من قريش بشي‏ء كانوا يخرجونه لفقراء الحاجّ.
رفع‏
الرَّفْعُ يقال تارة في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرّها، نحو: وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ* [البقرة/ 93]، قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها [الرعد/ 2]، و تارة في البناء إذا طوّلته، نحو قوله: وَ إِذْ يَرْفَعُ‏

__________________________________________________
 (1) أخرج الحاكم و صححه و سعيد بن منصور و ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال: كنت أمشي مع ابن عباس و هو محرم، و هو يرتجز بالإبل و يقول:
         و هنّ يمشين بنا هميسا             إن يصدق الطير ننك لميسا
فقلت: أ ترفث و أنت محرم؟ قال: إنما الرّفث ما روجع به النساء. انظر: الدر المنثور 1/ 528، و المستدرك 2/ 476.
 (2) البيت للفرزدق يهجو عمر بن هبيرة، يقول:
         أمير المؤمنين و أنت وال             شفيق لست بالوالي الحريص‏
             أ أطعمت العراق و رافديه             فزاريّا أحذّ يد القميص‏

و هو في ديوانه ص 338، و المجمل 2/ 390.
الأحذّ: المقطوع اليد، أراد أنه قصير اليدين عن طلب المعالي.

360
مفردات ألفاظ القرآن

رفع ص 360

إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة/ 127]، و تارة في الذّكر إذا نوّهته نحو قوله: وَ رَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ‏ [الشرح/ 4]، و تارة في المنزلة إذا شرّفتها، نحو قوله: وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ‏ [الزخرف/ 32]، نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ* [يوسف/ 76]، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ‏ [غافر/ 15]، و قوله تعالى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ‏ [النساء/ 158]، يحتمل رفعه إلى السماء، و رفعه من حيث التّشريف. و قال تعالى: خافِضَةٌ رافِعَةٌ [الواقعة/ 3]، و قوله: وَ إِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ‏ [الغاشية/ 18]، فإشارة إلى المعنيين: إلى إعلاء مكانه، و إلى ما خصّ به من الفضيلة و شرف المنزلة.
و قوله عزّ و جل: وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة/ 34]، أي: شريفة، و كذا قوله: فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ* مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ [عبس/ 13- 14]، و قوله: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ‏ [النور/ 36]، أي: تشرّف، و ذلك نحو قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب/ 33]، و يقال: رَفَعَ البعيرُ في سيره، و رَفَعْتُهُ أنا، و مَرْفُوعُ السّير: شديدة، و رَفَعَ فلان على فلان كذا: أذاع خبر ما احتجبه، و الرِّفَاعَةُ:
ما ترفع به المرأة عجيزتها، نحو: المرفد.
رق‏
الرِّقَّةُ: كالدّقّة، لكن الدقّة تقال اعتبارا بمراعاة جوانبه، و الرِّقَّةُ اعتبارا بعمقه. فمتى كانت الرّقّة في جسم تضادّها الصّفاقة، نحو: ثوب رَقِيقٍ و صفيق، و متى كانت في نفس تضادّها الجفوة و القسوة، يقال: فلان رَقِيقُ القلب، و قاسي القلب. و الرَّقُّ: ما يكتب فيه، شبه الكاغد، قال تعالى: فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ [الطور/ 3]، و قيل لذكر السّلاحف: رَقٌّ «1»، و الرِّقُّ: ملك العبيد.
و الرَّقِيقُ: المملوك منهم، و جمعه أَرِقَّاءُ، و اسْتَرَقَّ فلان فلانا: جعله رقيقا. و الرَّقْرَاقُ: تَرَقْرُقُ الشّراب، و الرَّقْرَاقَةُ: الصافية اللون. و الرَّقَّةُ: كلّ أرض إلى جانبها ماء، لما فيها من الرّقّة بالرّطوبة الواصلة إليها. و قولهم: أ عن صبوح تُرَقِّقُ «2»؟ أي: تلين القول.
رقب‏
الرَّقَبَةُ: اسم للعضو المعروف، ثمّ يعبّر بها عن الجملة، و جعل في التّعارف اسما للمماليك، كما عبّر بالرّأس و بالظّهر عن‏
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 368، و حياة الحيوان 1/ 527.
رواه الجوهري بفتح الراء، و الأكثرون بكسرها.
 (2) هذا مثل يضرب لمن كنّى عن شي‏ء و هو يريد غيره.
انظر: مجمع الأمثال 2/ 21، و أساس البلاغة ص 174، و الأمثال ص 65.

361
مفردات ألفاظ القرآن

رقب ص 361

المركوب «1»، فقيل: فلان يربط كذا رأسا، و كذا ظهرا، قال تعالى: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ [النساء/ 92]، و قال: وَ فِي الرِّقابِ* [البقرة/ 177]، أي: المكاتبين منهم، فهم الذين تصرف إليهم الزكاة. و رَقَبْتُهُ:
أصبت رقبته، و رَقَبْتُهُ: حفظته. و الرَّقِيبُ:
الحافظ، و ذلك إمّا لمراعاته رقبة المحفوظ، و إما لرفعه رقبته، قال تعالى: وَ ارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ‏ [هود/ 93]، و قال تعالى: إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق/ 18]، و قال: لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَ لا ذِمَّةً [التوبة/ 10]، و الْمَرْقَبُ:
المكان العالي الذي يشرف عليه الرقيب، و قيل لحافظ أصحاب الميسر الذين يشربون بالقداح رَقِيبٌ، و للقدح الثالث رَقِيبٌ، و تَرَقَّبَ: احترز راقبا، نحو قوله: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ‏ [القصص/ 21]، و الرَّقُوبُ: المرأة التي تَرْقُبُ موت ولدها، لكثرة من مات لها من الأولاد، و الناقة التي ترقب أن يشرب صواحبها، ثمّ تشرب، و أَرْقَبْتُ فلانا هذه الدار هو: أن تعطيه إيّاها لينتفع بها مدّة حياته، فكأنه يرقب موته، و قيل لتلك الهبة: الرُّقْبَى و الْعُمْرَى.
رقد
الرُّقَادُ: المستطاب من النّوم القليل. يقال: رَقَدَ رُقُوداً، فهو رَاقِدٌ، و الجمع الرُّقُودُ، قال تعالى:
وَ هُمْ رُقُودٌ [الكهف/ 18]، و إنما وصفهم بالرّقود- مع كثرة منامهم- اعتبارا بحال الموت، و ذاك أنه اعتقد فيهم أنهم أموات، فكان ذلك النوم قليلا في جنب الموت. و قال تعالى: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا [يس/ 52]، و أَرْقَدَ الظّليم: أسرع، كأنّه رفض رُقَاده.
رقم‏
الرَّقْمُ: الخطّ الغليظ، و قيل: هو تعجيم الكتاب. و قوله تعالى: كِتابٌ مَرْقُومٌ* [المطففين/ 9]، حمل على الوجهين، و فلان يَرْقُمُ في الماء «2»
، يضرب مثلا للحذق في الأمور، و أصحاب الرَّقِيمِ «3»، قيل: اسم مكان، و قيل: نسبوا إلى حجر رُقِمَ فيه أسماؤهم، و رَقْمَتَا الحمار: للأثر الذي على عضديه، و أرض مَرْقُومَةٌ: بها أثر نبات، تشبيها بما عليه أثر الكتاب، و الرَّقَمِيَّاتُ: سهام منسوبة إلى موضع بالمدينة.
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و الظّهر: الرّكاب التي تحمل الأثقال في السفر، لحملها إياها على ظهورها. انظر: اللسان (ظهر).
 (2) قال الزمخشري: و من المجاز: هو يرقم في الماء، و يرقم حيث لا يثبت الرقم، مثل في الذي يعمل ما لا يعمله أحد لحذقه و رفقه. انظر: أساس البلاغة ص 174، و المجمل 2/ 393.
 (3) هم الذين قال اللّه فيهم: أم حسبت أنّ أصحاب الكهف و الرّقيم كانوا من آياتنا عجبا الكهف: 9. و انظر أخبارهم في الدر المنثور 5/ 368- 370.

362
مفردات ألفاظ القرآن

رقى ص 363

رقى‏
رَقِيتُ في الدّرج و السّلم أَرْقَى رُقِيّاً، ارْتَقَيْتُ أيضا. قال تعالى: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ‏ [ص/ 10]، و قيل: ارْقَ على ظلعك «1»
، أي:
اصعد و إن كنت ظالعا. و رَقَيْتُ من الرُّقْيَةِ.
و قيل: كيف رَقْيُكَ و رُقْيَتُكَ، فالأوّل المصدر، و الثاني الاسم. قال تعالى: لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ‏ [الإسراء/ 93]، أي: لرقيتك، و قوله تعالى:
وَ قِيلَ مَنْ راقٍ‏ [القيامة/ 27]، أي: من يَرْقِيهِ تنبيها أنه لا رَاقِيَ يَرْقِيهِ فيحميه، و ذلك إشارة إلى نحو ما قال الشاعر:
197-
         و إذا المنيّة أنشبت أظفارها             ألفيت كلّ تميمة لا تنفع «2»

و
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ مَنْ يَرْقَى بِرُوحِهِ، أَ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ أَمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ «3»؟.
و التَّرْقُوَةُ:
مقدّم الحلق في أعلى الصّدر حيث ما يَتَرَقَّى فيه النّفس كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ‏ [القيامة/ 26].
ركب‏
الرُّكُوبُ في الأصل: كون الإنسان على ظهر حيوان، و قد يستعمل في السّفينة، و الرَّاكِبُ اختصّ في التّعارف بممتطي البعير، و جمعه رَكْبٌ، و رُكْبَانٌ، و رُكُوبٌ، و اختصّ الرِّكَابُ بالمركوب، قال تعالى: وَ الْخَيْلَ وَ الْبِغالَ وَ الْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً [النحل/ 8]، فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ‏ [العنكبوت/ 65]، وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏ [الأنفال/ 42]، فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً [البقرة/ 239]، و أَرْكَبَ المُهْرُ: حان أن يركب، و الْمُرَكَّبُ «4» اختصّ بمن يركب فرس غيره، و بمن يضعف عن الرُّكُوبِ، أو لا يحسن أن يركب، و الْمُتَرَاكِبُ: ما ركب بعضه بعضا. قال تعالى: فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً [الأنعام/ 99]. و الرُّكْبَةُ معروفة، و رَكَبْتُهُ: أصبت رُكْبَتَهُ، نحو: فأدته و رأسته «5»، و رَكَبْتُهُ أيضا أصبته بِرُكْبَتِي، نحو:
يَدَيْتُهُ و عِنْتُهُ، أي: أصبته بيدي و عيني، و الرَّكَبُ‏
__________________________________________________
 (1) هذا مثل، و قد تقدّم.
 (2) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، من مفضليته التي مطلعها:
         أ من المنون و ريبها تتوجع             و الدّهر ليس بمعتب من يجزع‏
و هي من غرر القصائد.
و البيت في المفضليات ص 422، و سمط اللآلئ 2/ 888.
 (3) أخرجه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت، و ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم عن ابن عباس. انظر: الدر المنثور 8/ 361، و تفسير الطبري 29/ 195.
 (4) في اللسان: و المركّب: الذي يستعير فرسا يغزو عليه، فيكون نصف الغنيمة له، و نصفها للمغير.
 (5) راجع: مادة (بطن).

363
مفردات ألفاظ القرآن

ركب ص 363

كناية عن فرج المرأة، كما يكنّى عنها بالمطيّة، و القعيدة لكونها مقتعدة.
ركد
رَكَدَ الماء و الرّيح، أي: سكن، و كذلك السّفينة، قال تعالى: وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ [الشورى/ 32]، إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى‏ ظَهْرِهِ‏ [الشورى/ 33]، و جفنة رَكُودٌ: عبارة عن الامتلاء.
ركز
الرِّكْزُ: الصّوت الخفيّ، قال تعالى: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [مريم/ 98]، و رَكَزْتُ كذا، أي: دفنته دفنا خفيّا، و منه: الرِّكَازُ للمال المدفون، إمّا بفعل آدميّ كالكنز، و إمّا بفعل إلهيّ كالمعدن، و يتناول الرِّكَازُ الأمرين، و فسّر
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «وَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» «1».
بالأمرين جميعا، و يقال رَكَزَ رمحه، و مَرْكَزُ الجند: محطّهم الذي فيه رَكَزُوا الرّماح.
ركس‏
الرَّكْسُ: قَلْبُ الشي‏ء على رأسه، و ردّ أوّله إلى آخره. يقال: أَرْكَسْتُهُ فَرُكِسَ و ارْتَكَسَ في أمره، قال تعالى: وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا [النساء/ 88]، أي: ردّهم إلى كفرهم.
ركض‏
الرَّكْضُ: الضّرب بالرِّجْل، فمتى نسب إلى الرّاكب فهو إعداء مركوب، نحو: رَكَضْتُ الفرسَ، و متى نسب إلى الماشي فوطء الأرض، نحو قوله تعالى: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ‏ [ص/ 42]، و قوله: لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى‏ ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ‏ [الأنبياء/ 13]، فنهوا عن الانهزام.
ركع‏
الرُّكُوعُ: الانحناء، فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي، و تارة في التّواضع و التّذلّل، إمّا في العبادة، و إمّا في غيرها نحو: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَ اسْجُدُوا [الحج/ 77]، وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ‏ [البقرة/ 43]، وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ [البقرة/ 125]، الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ‏ [التوبة/ 112]، قال الشاعر:
198-
         أخبّر أخبار القرون الّتي مضت             أدبّ كأنّي كلّما قمت رَاكِعٌ «2»

__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «جرح العجماء جبار، و البئر جبار، و المعدن جبار، و في الركاز الخمس» أخرجه مالك في الموطأ (شرح الزرقاني 2/ 101)، و البخاري في الزكاة باب الركاز 3/ 364، و مسلم في الحدود برقم (1710)، و انظر: شرح السنة 6/ 57.
 (2) البيت للبيد من قصيدة له في رثاء أخيه أربد، و مطلعها:
         بلينا و ما تبلى النجوم الطوالع             و تبقى الجبال بعدنا و المصانع‏
و هو في ديوانه ص 89.

364
مفردات ألفاظ القرآن

ركم ص 365

ركم‏
يقال: (سَحابٌ مَرْكُومٌ) «1» أي: متراكم، و الرُّكَامُ: ما يلقى بعضه على بعض، قال تعالى:
ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً [النور/ 43]، و الرُّكَامُ يوصف به الرّمل و الجيش، و مُرْتَكَمُ الطّريق:
جادّتُهُ التي فيها رُكْمَةٌ، أي: أثر مُتَرَاكِمٌ.
ركن‏
رُكْنُ الشي‏ء: جانبه الذي يسكن إليه، و يستعار للقوّة، قال تعالى: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى‏ رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود/ 80]، و رَكَنْتُ إلى فلان أَرْكَنُ بالفتح، و الصحيح أن يقال: رَكَنَ يَرْكُنُ، و رَكِنَ يَرْكَنُ «2»، قال تعالى: وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [هود/ 13]، و ناقة مُرَكَّنَةُ الضّرع: له أركان تعظّمه، و الْمِرْكَنُ: الإجّانة، و أَرْكَانُ العبادات: جوانبها التي عليها مبناها «3»، و بتركها بطلانها.
رم‏
الرَّمُّ: إصلاح الشي‏ء البالي، و الرِّمَّةُ: تختصّ بالعظم البالي، قال تعالى: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ‏ [يس/ 78]، و قال: ما تَذَرُ مِنْ شَيْ‏ءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ‏ [الذاريات/ 42]، و الرُّمَّةُ تختصّ بالحبل البالي، و الرِّمُّ: الفُتات من الخشب و التّبن.
و رَمَّمْتُ المنزل: رعيت رَمَّهُ، كقولك: تفقّدت، و قولهم: ادفعه إليه بِرُمَّتِهِ «4» معروف، و الْإِرْمَامُ:
السّكوت، و أَرَمَّتْ عظامه: إذا سحقت حتى إذا نفخ فيها لم يسمع لها دويّ، و تَرَمْرَمَ القوم: إذا حرّكوا أفواههم بالكلام و لم يصرّحوا، و الرُّمَّانُ:
فُعْلانُ، و هو معروف.
رمح‏
قال تعالى: تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ‏ [المائدة/ 94]، و قد رَمَحَهُ أصابه به، و رَمَحَتْهُ الدّابة تشبيها بذلك، و السّماك الرَّامِحُ «5»، سمّي به لتصوّر كوكب يقدمه بصورة رُمْحٍ له. و قيل:
أخذت الإبل رِمَاحَهَا: إذا امتنعت عن نحرها بحسنها، و أخذت البهمى رُمْحَهَا: إذا امتنعت‏
__________________________________________________
 (1) الآية 44 من سورة الطور، و إن يروا كسفا من السّماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم.
 (2) قال السرقسطي: ركن إلى الدنيا، و إلى الشي‏ء، و ركن ركونا: مال.
و المضارع فيهما يركن على الشذوذ لركن، كأبى يأبى، و على القياس ل: ركن. و ذكر صاحب العين في لغة سفلى مضر: ركن يركن، بفتح الكاف في الماضي، و ضمّه في المضارع. انظر: الأفعال 3/ 89.
 (3) قال الناظم:
         الرّكن ما في ذات شي‏ء ولجا             و الشرط عن ماهية قد خرجا.
 (4) أي: كلّه، و أصله أنّ رجلا باع بعيرا بحبل في عنقه، فقيل له: ادفعه إليه برمّته. انظر: مجمل اللغة 2/ 369.
 (5) قال ابن منظور: و السّماك الرامح: السّماكين، و هو معروف من الكواكب، قدّام الفكّة، ليس من منازل القمر، سمّي بذلك لأنّ قدّامه كوكبا كأنّ له رمح، و قيل للآخر: الأعزل، لأنه لا كوكب أمامه. انظر: اللسان (رمح).

365
مفردات ألفاظ القرآن

رمح ص 365

بشوكها عن راعيها.
رمد
يقال: رَمَادٌ و رِمْدِدٌ «1»، و أَرْمَدُ و أَرْمِدَاءُ، قال تعالى: كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ‏ [إبراهيم/ 18]، و رَمِدَتِ النارُ: صارت رَمَاداً، و عبّر بِالرَّمَدِ عن الهلاك كما عبّر عنه بالهمود، و رَمِدَ الماء:
صار كأنّه فيه رماد لأُجُونِهِ «2»، و الْأَرْمَدُ ما كان على لون الرّماد. و قيل للبعوض: رُمْدٌ، و الرَّمَادَةُ: سَنَةُ المَحْلِ.
رمز
الرَّمْزُ: إشارة بالشّفة، و الصّوت الخفيّ، و الغمز بالحاجب، و عبّر عن كلّ كلام كإشارة بالرّمز، كما عبّر عن الشّكاية بالغمز «3»، قال تعالى: قالَ: آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً [آل عمران/ 41]، و ما ارْمَازَّ، أي: لم يتكلّم رمزا، و كتيبة رَمَّازَةٌ: لا يسمع منها إلّا رَمْزٌ من كثرتها.
رمض‏
شَهْرُ رَمَضانَ‏ [البقرة/ 185]، هو من الرَّمَضِ، أي: شدّة وقع الشمس، يقال:
أَرْمَضَتْهُ فَرَمِضَ، أي: أحرقته الرَّمْضَاءُ، و هي شدّة حرّ الشمس، و أرض رَمِضَةٌ، و رَمِضَتِ الغنم: رعت في الرّمضاء فقرحت أكبادها، و فلان يَتَرَمَّضُ الظّباء، أي: يتبعها في الرّمضاء.
رمى‏
الرَّمْيُ يقال في الأعيان كالسّهم و الحجر، نحو: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏ [الأنفال/ 17]، و يقال في المقال، كناية عن الشّتم كالقذف، نحو: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ‏ [النور/ 6]، يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ* [النور/ 4]، و أَرْمَى فلان على مائة، استعارة للزّيادة، و خرج يَتَرَمَّى: إذا رمى في الغرض.
رهب‏
الرَّهْبَةُ و الرُّهْبُ: مخافة مع تحرّز و اضطراب، قال: لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً [الحشر/ 13]، و قال: جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ‏ [القصص/ 32]، و قرئ: مِنَ الرُّهْبِ «4»، أي:
الفزع.
قَالَ مُقَاتِلٌ: خَرَجْتُ أَلْتَمِسُ تَفْسِيرَ الرُّهْبِ‏، فَلَقِيتُ أَعْرَابِيَّةً وَ أَنَا آكُلُ، فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، تَصَدَّقَ عَلَيَّ، فَمَلَأْتُ كَفِّي لِأَدْفَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ: هَاهُنَا فِي رُهْبِي «5».
أي: كمّي. و الأوّل‏
__________________________________________________
 (1) الرّمدد: أرقّ ما يكون من الرماد.
 (2) الآجن: الماء المتغير الطعم و اللون.
 (3) في اللسان: و الشّكاة توضع موضع العيب و الذم. اللسان (شكا).
 (4) و هي قراءة ابن عامر و أبي بكر و حمزة و الكسائي و خلف. و قرأ حفص الرّهب بسكون الهاء، و الباقون:
الرّهب انظر: الإتحاف 342.
 (5) انظر تفسير القرطبي 13/ 284، و عدّ هذا التفسير الكرماني من العجائب. غرائب التفسير 2/ 868.

366
مفردات ألفاظ القرآن

رهب ص 366

أصحّ. قال تعالى: وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً [الأنبياء/ 90]، و قال: تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ‏ [الأنفال/ 60]، و قوله: وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ‏ [الأعراف/ 116]، أي: حملوهم على أن يَرْهَبُوا، وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ‏ [البقرة/ 40]، أي: فخافون، و التَّرَهُّبُ: التّعبّد، و هو استعمال الرّهبة، و الرَّهْبَانِيَّةُ: غلوّ في تحمّل التّعبّد، من فرط الرّهبة. قال: وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها [الحديد/ 27]، و الرُّهْبَانُ يكون واحدا، و جمعا، فمن جعله واحدا جمعه على رَهَابِينَ، و رَهَابِنَةٌ بالجمع أليق. و الْإِرْهَابُ: فزع الإبل، و إنما هو من: أَرْهَبْتُ. و منه: الرَّهْبُ «1» من الإبل، و قالت العرب: رَهَبُوتٌ خير من رحموت «2».
رهط
الرَّهْطُ: العصابة دون العشرة، و قيل: يقال إلى الأربعين، قال: تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ‏ [النمل/ 48]، و قال: وَ لَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ‏ [هود/ 91]، يا قَوْمِ أَ رَهْطِي‏ [هود/ 92]. و الرُّهَطَاءُ «3»: جُحْرٌ من جحر اليربوع، و يقال لها رُهَطَةٌ، و قول الشاعر:
199-
         أجعلك رَهْطاً على حيّض «4»
فقد قيل: أديم تلبسه الحيّض من النساء، و قيل: الرَّهْطُ: خرقة تحشو بها الحائض متاعها عند الحيض، و يقال: هو أذلّ من الرَّهْطِ.
رهق‏
رَهِقَهُ الأمر: غشيه بقهر، يقال: رَهِقْتُهُ و أَرْهَقْتُهُ، نحو ردفته و أردفته، و بعثته و ابتعثته قال: وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ [يونس/ 27]، و قال:
سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً [المدثر/ 17]، و منه:
أَرْهَقْتُ الصّلاة: إذا أخّرتها حتّى غشي وقت الأخرى.
رهن‏
الرَّهْنُ: ما يوضع وثيقة للدّين، و الرِّهَانُ مثله، لكن يختصّ بما يوضع في الخطار «5»، و أصلهما مصدر، يقال: رَهَنْتُ الرَّهْنَ و رَاهَنْتُهُ رِهَاناً، فهو
__________________________________________________
 (1) الرّهب: الناقة المهزولة.
 (2) قال الفارابي: رهبوت خير من رحموت، يقول: لأن ترهب خير من أن ترحم. ديوان الأدب 2/ 79، و الأمثال ص 309.
 (3) يقال: الرّهطة، و الرّهطاء، و الرّاهطاء.
 (4) البيت:
         متى ما أشاء غير زهو الملو             ك أجعلك رهطا على حيّض‏

و هو لأبي المثلّم الهذلي، في شرح ديوان الهذليين 1/ 306، و اللسان (زها)، و المجمل 2/ 402.
 (5) في اللسان: الخطر: الرهن بعينه. و الخطر: السّبق الذي يترامى عليه في التّراهن، و أخطر المال: جعله خطرا بين المتراهنين.

367
مفردات ألفاظ القرآن

رهن ص 367

رَهِينٌ و مَرْهُونٌ. و يقال في جمع الرَّهْنِ: رِهَانٌ و رُهُنٌ و رُهُونٌ، و قرئ: فَرُهُنٌ مقبوضة «1» و فَرِهانٌ‏
 «2»، و قيل في قوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر/ 38]، إنه فعيل بمعنى فاعل، أي: ثابتة مقيمة. و قيل: بمعنى مفعول، أي:
كلّ نفس مقامة في جزاء ما قدّم من عمله. و لمّا كان الرّهن يتصوّر منه حبسه استعير ذلك للمحتبس أيّ شي‏ء كان، قال: بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر/ 38]، و رَهَنْتُ فلانا، و رَهَنْتُ عنده، و ارْتَهَنْتُ: أخذت الرّهن، و أَرْهَنْتُ في السِّلْعة، قيل: غاليت بها، و حقيقة ذلك: أن يدفع سلعة تقدمة في ثمنه، فتجعلها رهينة لإتمام ثمنها.
رهو
وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً [الدخان/ 24]، أي:
ساكنا، و قيل: سعة من الطّريق، و هو الصحيح، و منه: الرَّهَاءُ للمفازة المستوية، و يقال لكلّ جوبة «3» مستوية يجتمع فيها الماء رَهْوٌ، و منه‏
قِيلَ: «لَا شُفْعَةَ فِي رَهْوٍ» «4».
و نظر أعرابيّ إلى بعير فالج فقال: رَهْوٌ بين سنامين «5».
ريب‏
يقال رَابَنِي كذا، و أَرَابَنِي، فَالرَّيْبُ: أن تتوهّم بالشي‏ء أمرا ما، فينكشف عمّا تتوهّمه، قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ‏ [الحج/ 5]، وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى‏ عَبْدِنا [البقرة/ 23]، تنبيها أن لا ريب فيه، و قوله: رَيْبَ الْمَنُونِ‏ [الطور/ 30]، سمّاه ريبا لا أنه مشكّك في كونه، بل من حيث تشكّك في وقت حصوله، فالإنسان أبدا في ريب المنون من جهة وقته، لا من جهة كونه، و على هذا قال الشاعر:
200-
         النّاس قد علموا أن لا بقاء لهم             لو أنّهم عملوا مقدار ما علموا «6»

و مثله:
201-
         أ من المنون و رَيْبِهَا تتوجّع؟ «7»
و قال تعالى: لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ* [هود/ 110]، مُعْتَدٍ مُرِيبٍ‏ [ق/ 25]، و الِارْتِيابُ يجري مجرى الْإِرَابَةِ، قال: أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ‏ [النور/ 50]، وَ تَرَبَّصْتُمْ وَ ارْتَبْتُمْ‏

__________________________________________________
 (1) سورة البقرة: آية 283، و بها قرأ ابن كثير و أبو عمرو.
 (2) و هي قراءة الباقين.
 (3) الجوبة: الحفرة.
 (4) الحديث: «لا شفعة في فناء و لا منقبة، و لا طريق و لا ركح و لا رهو». انظر: النهاية 2/ 285، و غريب الحديث 3/ 121.
 (5) انظر عمدة الحفاظ: رهو.
 (6) البيت في البصائر 3/ 114 دون نسبة، و هو لديك الجن في محاضرات الأدباء 4/ 491، و عمدة الحفاظ: ريب.
 (7) شطر بيت، و عجزه:
         و الدّهر ليس بمعتب من يجزع‏

و هو مطلع قصيدة أبي ذؤيب الهذلي العينية. و هو في المفضليات ص 421، و الأغاني 6/ 58.

368
مفردات ألفاظ القرآن

ريب ص 368

[الحديد/ 14]، و نفى من المؤمنين الِارْتِيَابَ فقال: وَ لا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ‏ [المدثر/ 31]، و قال: ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا [الحجرات/ 15]، و
قِيلَ: «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ» «1».
و رَيْبُ الدّهر صروفه، و إنما قيل رَيْبٌ لما يتوهّم فيه من المكر، و الرِّيبَةُ اسم من الرّيب قال: بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ‏ [التوبة/ 110]، أي: تدلّ على دغل و قلّة يقين.
روح‏
الرَّوْحُ و الرُّوحُ في الأصل واحد، و جعل الرّوح اسما للنّفس، قال الشاعر في صفة النار:
202-
         فقلت له ارفعها إليك و أحيها             بِرُوحِكَ و اجعلها لها قيتة قدرا «2»

و ذلك لكون النّفس بعض الرّوح كتسمية النوع باسم الجنس، نحو تسمية الإنسان بالحيوان، و جعل اسما للجزء الذي به تحصل الحياة و التّحرّك، و استجلاب المنافع و استدفاع المضارّ، و هو المذكور في قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي‏ [الإسراء/ 85]، وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي* [الحجر/ 29]، و إضافته إلى نفسه إضافة ملك، و تخصيصه بالإضافة تشريفا له و تعظيما، كقوله:
وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ [الحج/ 26]، و يا عِبادِيَ* [الزمر/ 53]، و سمّي أشراف الملائكة أَرْوَاحاً، نحو: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا [النبأ/ 38]، تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ‏ [المعارج/ 4]، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ‏ [الشعراء/ 193]، سمّي به جبريل، و سمّاه بِرُوحِ القدس في قوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ‏ [النحل/ 102]، وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ* [البقرة/ 253]، و سمّي عيسى عليه السلام رُوحاً في قوله: وَ رُوحٌ مِنْهُ‏ [النساء/ 171]، و ذلك لما كان له من إحياء الأموات، و سمّي القرآن رُوحاً في قوله: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى/ 52]، و ذلك لكون القرآن سببا للحياة الأخرويّة الموصوفة في قوله:
وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت/ 64]، و الرَّوْحُ التّنفّس، و قد أَرَاحَ الإنسان إذا تنفّس. و قوله: فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ [الواقعة/ 89]، فَالرَّيْحَانُ: ما له رائحة، و قيل: رزق، ثمّ يقال‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي الجوزاء قال: قلت للحسن بن عليّ: ما حفظت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم؟ قال: حفظت منه: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». أخرجه الترمذي في صفة القيامة رقم (2520) و قال: حسن صحيح، و أخرجه الحاكم 2/ 13 و صححه و وافقه الذهبي، و ابن حبان (512) و صححه، و النسائي 8/ 327، و انظر: شرح السنة 8/ 17.
 (2) البيت لذي الرّمة من قصيدة له مطلعها:
         لقد جشأت نفسي عشية مشرف             و يوم لوى حزوى فقلت لها صبرا

و تسمى هذه القصيدة أحجية العرب، و البيت في ديوانه ص 246، و البصائر 3/ 103، و اللسان (حيا).

369
مفردات ألفاظ القرآن

روح ص 369

للحبّ المأكول رَيْحَانٌ في قوله: وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ‏ [الرحمن/ 12]، و قيل لأعرابيّ: إلى أين؟ فقال: أطلب من رَيْحَانِ اللّه، أي: من رزقه، و الأصل ما ذكرنا. و
رُوِيَ: «الْوَلَدُ مِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ» «1».
و ذلك كنحو ما قال الشاعر:
203-
         يا حبّذا رِيحُ الولد             رِيحُ الخزامى في البلد «2»

أو لأنّ الولد من رزق اللّه تعالى. و الرِّيحُ معروف، و هي فيما قيل الهواء المتحرّك. و عامّة المواضع الّتي ذكر اللّه تعالى فيها إرسال الرّيح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب، و كلّ موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرّحمة، فمن الرِّيحِ: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً [القمر/ 19]، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً [الأحزاب/ 9]، كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ [آل عمران/ 117]، اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ‏ [إبراهيم/ 18]. و قال في الجمع:
وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ‏ [الحجر/ 22]، أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ‏ [الروم/ 46]، يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً* [الأعراف/ 57]. و أمّا قوله:
يرسل الرِّيحَ فتثير سحابا «3» فالأظهر فيه الرّحمة، و قرئ بلفظ الجمع «4»، و هو أصحّ.
و قد يستعار الرّيح للغلبة في قوله: وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ‏ [الأنفال/ 46]، و قيل: أَرْوَحَ الماءُ:
تغيّرت ريحه، و اختصّ ذلك بالنّتن. و رِيحَ الغديرُ يُرَاحُ: أصابته الرِّيحُ، و أَرَاحُوا: دخلوا في الرَّوَاحِ، و دهن مُرَوَّحٌ: مطيّب الرّيح. و
رُوِيَ:
 «لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ» «5».
أي: لم يجد ريحها، و الْمَرْوَحَةُ: مهبّ الرّيح، و الْمِرْوَحَةُ: الآلة التي بها تستجلب الرّيح، و الرَّائِحَةُ: تَرَوُّحُ هواء.
و رَاحَ فلان إلى أهله إمّا أنه أتاهم في السّرعة كالرّيح، أو أنّه استفاد برجوعه إليهم روحا من‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «الولد من ريحان الجنّة». أخرجه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 4/ 1467، و أخرجه الحكيم الترمذي من طريق آخر عن خولة بنت حكيم، و انظر: الفتح الكبير 3/ 308.
 (2) البيت لأعرابية ترقّص ولدها، و بعده:
         أ هكذا كلّ ولد             أم لم تلد قبلي أحد

و هو في ربيع الأبرار 3/ 521، و شرح نهج البلاغة 3/ 22.
 (3) سورة الروم: آية 48، و هذه قراءة ابن كثير و حمزة و الكسائي و خلف.
 (4) و بها قرأ نافع و أبو جعفر المدنيان، و أبو عمرو البصري و ابن عامر الشامي و عاصم الكوفي، و يعقوب البصري.
راجع: الإتحاف 348.
 (5) الحديث عن عبد اللّه بن عمرو عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنّة، و إنّ ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما».
أخرجه البخاري في كتاب الجزية 6/ 269، و أحمد في المسند 5/ 36، و أبو داود في الجهاد برقم (2760)، و انظر: شرح السنة 10/ 152.

370
مفردات ألفاظ القرآن

روح ص 369

المسرّة. و الرَّاحَةُ من الرَّوْح، و يقال: افعل ذلك في سراح و رَوَاحٍ، أي: سهولة. و الْمُرَاوَحَةُ في العمل: أن يعمل هذا مرّة، و ذلك مرّة، و استعير الرَّوَاحُ للوقت الذي يراح الإنسان فيه من نصف النّهار، و منه قيل: أَرَحْنَا إبلَنا، و أَرَحْتُ إليه حقّه مستعار من: أرحت الإبل، و الْمُرَاحُ: حيث تُرَاحُ الإبل، و تَرَوَّحَ الشجر و رَاحَ يَراحُ: تفطّر. و تصوّر من الرّوح السّعة، فقيل: قصعة رَوْحَاءُ، و قوله:
لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ‏ [يوسف/ 87]، أي: من فرجه و رحمته، و ذلك بعض الرّوح.
رود
الرَّوْدُ: التّردّد في طلب الشي‏ء برفق، يقال:
رَادَ و ارْتَادَ، و منه: الرَّائِدُ، لطالب الكلإ، و رَادَ الإبلُ في طلب الكلإ، و باعتبار الرّفق قيل: رَادَتِ الإبلُ في مشيها تَرُودُ رَوَدَاناً، و منه بني الْمِرْوَدُ.
و أَرْوَدَ يُرْوِدُ: إذا رفق، و منه بني رُوَيْدٌ، نحو:
رُوَيْدَكَ الشّعر يغبّ «1»
. و الْإِرَادَةُ منقولة من رَادَ يَرُودُ: إذا سعى في طلب شي‏ء، و الْإِرَادَةُ في الأصل: قوّة مركّبة من شهوة و حاجة و أمل، و جعل اسما لنزوع النّفس إلى الشي‏ء مع الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل، أو لا يفعل، ثم يستعمل مرّة في المبدإ، و هو: نزوع النّفس إلى الشي‏ء، و تارة في المنتهى، و هو الحكم فيه بأنه ينبغي أن يفعل أو لا يفعل، فإذا استعمل في اللّه فإنه يراد به المنتهى دون المبدإ، فإنه يتعالى عن معنى النّزوع، فمتى قيل: أَرَادَ اللّه كذا، فمعناه:
حكم فيه أنه كذا و ليس بكذا، نحو: إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً [الأحزاب/ 17]، و قد تذكر الْإِرَادَةُ و يراد بها معنى الأمر، كقولك: أُرِيدَ منك كذا، أي: آمرك بكذا، نحو:
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة/ 185]، و قد يذكر و يراد به القصد، نحو: لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ‏ [القصص/ 83]، أي: يقصدونه و يطلبونه.
و الْإِرَادَةُ قد تكون بحسب القوّة التّسخيرية و الحسّيّة، كما تكون بحسب القوّة الاختياريّة.
و لذلك تستعمل في الجماد، و في الحيوانات نحو: جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ‏ [الكهف/ 77]، و يقال: فرسي تُرِيدُ التّبن. و الْمُرَاوَدَةُ: أن تنازع غيرك في الإرادة، فتريد غير ما يريد، أو ترود غير ما يرود، و رَاوَدْتُ فلانا عن كذا. قال:
هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي‏ [يوسف/ 26]، و قال: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ‏ [يوسف/ 30]، أي: تصرفه عن رأيه، و على ذلك قوله: وَ لَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ‏ [يوسف/ 32]، سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ‏ [يوسف/ 61].
__________________________________________________
 (1) قال في اللسان: أغبّ: بات، و منه قولهم: رويد الشّعر يغبّ، معناه: دعه يمكث يوما أو يومين. انظر: اللسان (غبّ)، و الأمثال: ص 217.

371
مفردات ألفاظ القرآن

رأس ص 372

رأس‏
الرَّأْسُ معروف، و جمعه رُءُوسٌ، قال:
وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم/ 4]، وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ‏ [البقرة/ 196]، و يعبّر بِالرَّأْسِ عن الرَّئِيسِ، و الْأَرْأَسُ: العظيم الرّأس، و شاة رَأْسَاءُ: اسودّ رأسها. و رِيَاسُ السّيف: مقبضه.
ريش‏
رِيشُ الطائر معروف، و قد يخصّ الجناح من بين سائره، و لكون الرِّيشِ للطائر كالثياب للإنسان استعير للثياب. قال تعالى: وَ رِيشاً وَ لِباسُ التَّقْوى‏ [الأعراف/ 26]، و قيل: أعطاه إبلا بِرِيشِهَا، أي: ما عليها من الثياب و الآلات، و رِشْتُ السّهم أَرِيشُهُ رَيْشاً فهو مَرِيشٌ: جعلت عليه الرّيش، و استعير لإصلاح الأمر، فقيل:
رِشْتُ فلانا فَارْتَاشَ، أي: حسن حاله، قال الشاعر:
204-
         فَرِشْنِي بخير طالما قد بريتني             فخير الموالي من يَرِيشُ و لا يبري «1»

و رمح رَاشٌ: خوّار، تصوّر منه خور الرّيش.
روض‏
الرَّوْضُ: مستنقع الماء، و الخضرة، قال:
فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ‏ [الروم/ 15]، و باعتبار الماء قيل: أَرَاضَ الوادي، و اسْتَرَاضَ، أي: كثر ماؤه، و أَرَاضَهُمْ: أرواهم. و الرِّيَاضَةُ: كثرة استعمال النّفس ليسلس و يمهر، و منه: رُضْتُ الدّابّة. و قولهم: افعل كذا ما دامت النّفس مُسْتَرَاضَةً «2»، أي: قابلة للرّياضة، أو معناه:
متّسعة، و يكون من الرّوض و الْإِرَاضَةِ. و قوله:
فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ‏ [الروم/ 15]، فعبارة عن رِيَاضِ الجنة، و هي محاسنها و ملاذّها.
و قوله: فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ‏ [الشورى/ 22]، فإشارة إلى ما أعدّ لهم في العقبى من حيث الظاهر، و قيل: إشارة إلى ما أهّلهم له من العلوم و الأخلاق التي من تخصّص بها، طاب قلبه.
ريع‏
الرِّيعُ: المكان المرتفع الذي يبدو من بعيد، الواحدة رِيعَةٌ. قال: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً [الشعراء/ 128]، أي: بكلّ مكان مرتفع، و للارتفاع قيل: رَيْعُ البئر: للجثوة المرتفعة حواليها، و رَيْعَانُ كلّ شي‏ء: أوائله التي تبدو منه، و منه استعير الرَّيْعُ للزيادة و الارتفاع الحاصل، و منه: تَرَيَّعَ السّراب «3».
روع‏
الرُّوعُ: الخلد، و
فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ رُوحَ‏
__________________________________________________
 (1) البيت لسويد بن الصّامت.
و هو في اللّسان: ريش، و البصائر 3/ 114 دون نسبة فيهما، و البيان و التبيين 4/ 130، و الفائق 2/ 60.
 (2) انظر: المجمل 2/ 406.
 (3) يقال: تريع السّراب: إذا جاء و ذهب. انظر: المجمل 2/ 410، و اللّسان (ريع).

372
مفردات ألفاظ القرآن

روع ص 372

الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي» «1».
و الرَّوْعُ: إصابة الرُّوع، و استعمل فيما ألقي فيه من الفزع، قال:
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ‏ [هود/ 74]، يقال: رُعْتُهُ و رَوَّعْتُهُ، و رِيعَ فلان، و ناقة رَوْعَاءُ:
فزعة. و الْأَرْوَعُ: الذي يروع بحسنه، كأنه يفزع، كما قال الشاعر:
205-
         يهولك أن تلقاه صدرا لمحفل «2»
روغ‏
الرَّوْغُ: الميل على سبيل الاحتيال، و منه: رَاغَ الثّعلب يَرُوغُ رَوَغَاناً، و طريق رَائِغٌ: إذا لم يكن مستقيما، كأنه يُرَاوِغُ، و رَاوَغَ فلان فلانا، و رَاغَ فلان إلى فلان: مال نحوه لأمر يريده منه بالاحتيال قال: فَراغَ إِلى‏ أَهْلِهِ‏
 [الذاريات/ 26]، فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ‏ [الصافات/ 93]، أي: مال، و حقيقته: طلب بضرب من الرَّوَغَانِ، و نبّه بقوله: (على) على معنى الاستيلاء.
رأف‏
الرَّأْفَةُ: الرّحمة، و قد رَؤُفَ فهو رَئِفٌ «3» و رَءوفٌ، نحو يقظ، و حذر، قال تعالى: لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ‏ [النور/ 2].
روم‏
الم* غُلِبَتِ الرُّومُ‏ [الروم/ 1- 2]، يقال مرّة للجيل المعروف، و تارة لجمع رُومِيٍّ كالعجم.
رين‏
الرَّيْنُ: صدأ يعلو الشي‏ء الجليّ، قال: بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ [المطففين/ 14]، أي:
صار ذلك كصدإ على جلاء قلوبهم، فعمي عليهم معرفة الخير من الشرّ، قال الشاعر:
206-
         قد رَانَ النّعاس بهم «4»

و قد رِينَ على قلبه.
رأى‏
رَأَى: «5» عينه همزة، و لامه ياء، لقولهم:
رُؤْيَةٌ، و قد قلبه الشاعر فقال:
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عبد اللّه بن مسعود عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا اللّه و أجملوا في الطلب» أخرجه الشهاب القضاعي في مسنده 2/ 185.
 (2) و هو شطر بيت لأبي تمام و عجزه:
         و نحرا لأعداء و قلبا لموكب‏

و هو في شرح ديوانه ص 31، و ديوانه المعاني 1/ 70.
 (3) انظر: الأفعال 3/ 97.
 (4) البيت بتمامه:
         أوردته القوم قد ران النعاس بهم             فقلت إذ نهلوا من جمّه: قيلوا
و هو لعبدة بن الطبيب في مفضليته، و البيت في أمالي القالي 1/ 273، و المفضليات ص 141، و الاختيارين: 93.
 (5) و قد أخذ المصنف جلّ هذا الباب من المسائل الحلبيات للفارسي و لخصه، انظر: المسائل الحلبيات ص 42- 90.

373
مفردات ألفاظ القرآن

رأى ص 373

         و كلّ خليل رَاءَنِي فهو قائل             من أجلك: هذا هامة اليوم أو غد «1»

و تحذف الهمزة من مستقبله «2»، فيقال: تَرَى و يَرَى و نَرَى، قال: فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً [مريم/ 26]، و قال: أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ [فصلت/ 29]، و قرئ:
أَرْنَا «3». و الرُّؤْيَةُ: إدراك الْمَرْئِيِّ، و ذلك أضرب بحسب قوى النّفس:
و الأوّل: بالحاسّة و ما يجري مجراها، نحو:
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ* ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ‏ [التكاثر/ 6- 7]، وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ‏ [الزمر/ 60]، و قوله: فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ [التوبة/ 105] فإنه ممّا أجري مجرى الرّؤية الحاسّة، فإنّ الحاسّة لا تصحّ على اللّه، تعالى عن ذلك، و قوله: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ‏ [الأعراف/ 27].
و الثاني: بالوهم و التّخيّل، نحو: أَرَى أنّ زيدا منطلق، و نحو قوله: وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال/ 50].و الثالث: بالتّفكّر، نحو: إِنِّي أَرى‏ ما لا تَرَوْنَ‏ [الأنفال/ 48].
و الرابع: بالعقل، و على ذلك قوله: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ [النجم/ 11]، و على ذلك حمل قوله: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ [النجم/ 13].
و رَأَى إذا عدّي إلى مفعولين اقتضى معنى العلم، نحو: وَ يَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ‏ [سبأ/ 6]، و قال: إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ‏ [الكهف/ 39]، و يجري (أَ رَأَيْتَ) مجرى أخبرني، فيدخل عليه الكاف، و يترك التاء على حالته في التّثنية، و الجمع، و التأنيث، و يسلّط التّغيير على الكاف دون التّاء، قال: أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي‏ [الإسراء/ 62]، قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ* [الأنعام/ 40]، و قوله: أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى‏ [العلق/ 9]، قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ‏ [الأحقاف/ 4]، قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ* [القصص/ 71]، قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ* [الأحقاف/ 10]، أَ رَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا [الكهف/ 63]، كلّ ذلك فيه معنى التّنبيه.
و الرَّأْيُ: اعتقاد النّفس أحد النّقيضين عن‏
__________________________________________________
 (1) البيت لكثير عزّة من قصيدة له مطلعها:
         تظلّ ابنة الضمريّ في ظل نعمة             إذا ما مشت من فوق صرح ممرّد

و هو في ديوانه ص 435، و اللسان: (رأى)، و الأغاني 15/ 111، و الأضداد لابن الأنباري ص 325، و المسائل الحلبيات ص 47.
 (2) قال سيبويه: و ممّا حذف في التخفيف لأنّ ما قبله ساكن قوله: أرى و ترى و نرى. انظر: الكتاب 2/ 165.
 (3) و بها قرأ ابن كثير و أبو عمرو بخلفه، و هشام و ابن ذكوان و أبو بكر و يعقوب. الإتحاف 382.

374
مفردات ألفاظ القرآن

رأى ص 373

غلبة الظّنّ، و على هذا قوله: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ‏ [آل عمران/ 13]، أي: يظنّونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم، تقول: فعل ذلك رأي عيني، و قيل: رَاءَةَ عيني. و الرَّوِيَّةُ و التَّرْوِيَةُ: التّفكّر في الشي‏ء، و الإمالة بين خواطر النّفس في تحصيل الرّأي، و الْمُرْتَئِي و الْمُرَوِّي: المتفكّر، و إذا عدّي رأيت بإلى اقتضى معنى النّظر المؤدّي إلى الاعتبار، نحو: أَ لَمْ تَرَ إِلى‏ رَبِّكَ‏ [الفرقان/ 45]، و قوله: بِما أَراكَ اللَّهُ‏ [النساء/ 105]، أي: بما علّمك. و الرَّايَةُ: العلامة المنصوبة للرّؤية. و مع فلان رَئِيٌّ من الجنّ، و أَرْأَتِ الناقة فهي مُرْءٍ: إذا أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها.
و الرُّؤْيَا: ما يرى في المنام، و هو فعلى، و قد يخفّف فيه الهمزة فيقال بالواو، و
رُوِيَ: «لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا» «1».
قال: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ‏ [الفتح/ 27]، وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ‏ [الإسراء/ 60]، و قوله: فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ‏ [الشعراء/ 61]، أي: تقاربا و تقابلا حتى صار كلّ واحد منهما بحيث يتمكّن من رؤية الآخر، و يتمكّن الآخر من رؤيته. و منه‏
قَوْلُهُ: «لَا تَتَرَاءَى نارهما» «2».
و منازلهم رِئَاءٌ، أي: متقابلة. و فعل ذلك رِئَاءُ الناس، أي: مُرَاءَاةً و تشيّعا. و الْمِرْآةُ ما يرى فيه صورة الأشياء، و هي مفعلة من: رأيت، نحو: المصحف من صحفت، و جمعها مَرَائِي، و الرِّئَةُ: العضو المنتشر عن القلب، و جمعه من لفظه رِءُونَ، و أنشد (أبو زيد):
208-
         فغظناهمو حتى أتى الغيظ منهمو             قلوبا و أكبادا لهم و رِئِينَا «3»

و رِئْتُهُ: إذا ضربت رِئَتَهُ.
روى‏
تقول: ماء رَوَاءٌ، و رِوًى، أي: كثير مُرْوٍ، فَرِوًى على بناء عدى: و مَكاناً سُوىً [طه/ 58]، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) الحديث تقدّم في مادة (بشر).
 (2) الحديث عن قيس بن أبي حازم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعث سرية إلى قوم من خثعم، فاستعصموا بالسجود فقتلوا، فقضى رسول اللّه بنصف العقل، و قال: «إني بري‏ء من كل مسلم مع مشرك»، ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «ألا لا تراءى نارهما». أخرجه النسائي 8/ 36.
و أخرجه أبو داود في الجهاد برقم (2645) و لفظه: «أنا بري‏ء من كل مسلم مقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى ناراهما» و الترمذي في أبواب السير. انظر: عارضة الأحوذي 8/ 104، و الحديث صحيح لكن اختلف في وصله و إرساله. و انظر: شرح السنة 10/ 373.
 (3) البيت في اللسان (رأى)، دون نسبة، و هو في نوادر أبي زيد ص 195.
و البيت للأسود بن يعفر في ديوانه ص 63، و المسائل الحلبيات للفارسي ص 61، و التكملة له ص 428.

375
مفردات ألفاظ القرآن

روى ص 375

         من شكّ في فلج فهذا فلج             ماء رَوَاءٌ و طريق نهج «1»

و قوله: هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً
 [مريم/ 74]، فمن لم يهمز «2» جعله من رَوِيَ، كأنه رَيَّانُ من الحسن «3»، و من همز فللّذي يرمق من الحسن به «4». و قيل: هو منه على ترك الهمز، و الرِّيُّ: اسم لما يظهر منه، و الرُّوَاءُ منه، و قيل: هو مقلوب من رأيت. قال أبو عليّ الفسويّ:
المروءة هو من قولهم حسن في مرآة العين. كذا قال، و هذا «5» غلط، لأنّ الميم في مرآة زائدة، و مروءة فعولة. و تقول: أنت بِمَرْأَى و مَسْمَعٍ، أي:
قريب، و قيل: أنت منّي مرأى و مسمع، بطرح الباء، و مرأى: مفعل من رأيت «6».
تمّ كتاب الرّاء
__________________________________________________
 (1) البيت في اللسان (روى)، دون نسبة، و الجمهرة لابن دريد 1/ 177، و مجاز القرآن 1/ 168.
 (2) و هم قالون و ابن ذكوان و أبو جعفر، و قراءتهم «و ريّا».
 (3) راجع: تفسير القرطبي 11/ 143، و المسائل الحلبيات ص 58.
 (4) و قرأ بالهمز الباقون.
قال الجوهري: و من همزه جعله من المنظر، من: رأيت، و هو ما رأته العين من حال حسنة و كسوة ظاهرة. و قال الفراء: الرّئي: المنظر. انظر: معاني الفراء 2/ 171، و تفسير القرطبي 11/ 143. [استدراك‏].
 (5) هذا وهم من المؤلف، فإن أبا علي لم يقل ذلك، و لكن قال:
و زعم بعض رواة اللغة أنّ المروءة مأخوذة من قولهم: هو حسن في مرآة العين. و هذا من فاحش الغلط، و ذلك أنّ الميم في «مرآة» زائدة، و مروءة: فعولة. ا. ه. فتبيّن ذلك. و انظر: المسائل الحلبيات ص 59.
و عنى الفارسي بقوله: بعض رواة اللغة ابن دريد فقد قال في الجمهرة: و من همز المروءة أخذها من حسن مرآة العين. انظر: جمهرة اللغة 3/ 252. و كذا أبا زيد، فقال: مرء مروءة، جعل الميم فاء.
 (6) انظر كتاب سيبويه 1/ 207.

376
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الزاي

كتاب الزّاي‏
زبد
الزَّبَدُ: زَبَدُ الماء، و قد أَزْبَدَ، أي: صار ذا زَبَدٍ، قال: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً [الرعد/ 17]، و الزُّبْدُ اشتقّ منه لمشابهته إيّاه في اللّون، و زَبَدْتُهُ زَبْداً: أعطيته مالا كالزّبد كثرة، و أطعمته الزُّبْدَ، و الزُّبَادُ: نور يشبهه بياضا.
زبر
الزُّبْرَةُ: قطعة عظيمة من الحديد، جمعه زُبَرٌ، قال: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ [الكهف/ 96]، و قد يقال: الزُّبْرَةُ من الشّعر، جمعه زُبُرٌ، و استعير للمجزّإ، قال: فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً [المؤمنون/ 53]، أي: صاروا فيه أحزابا.
و زَبَرْتُ الكتاب: كتبته كتابة غليظة، و كلّ كتاب غليظ الكتابة يقال له: زَبُورٌ، و خصّ الزَّبُورُ بالكتاب المنزّل على داود عليه السلام، قال: وَ آتَيْنا داوُدَ زَبُوراً* [النساء/ 163]، وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ [الأنبياء/ 105]، و قرئ زُبُوراً «1» بضم الزاي، و ذلك جمع زَبُورٍ، كقولهم في جمع ظريف: ظروف، أو يكون جمع زَبْرٍ «2»، و زَبْرٌ مصدر سمّي به كالكتاب، ثم جمع على زُبُرٍ، كما جمع كتاب على كتب، و قيل: بل الزَّبُورُ كلّ كتاب يصعب الوقوف عليه من الكتب الإلهيّة، قال: وَ إِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ‏ [الشعراء/ 196]، و قال:
وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ [آل عمران/ 184]، أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ [القمر/ 43]، و قال بعضهم: الزَّبُورُ: اسم للكتاب المقصور على الحكم العقليّة دون الأحكام الشّرعيّة، و الكتاب: لما يتضمّن الأحكام و الحكم، و يدلّ على ذلك أنّ زبور داود عليه السلام لا يتضمّن شيئا من الأحكام. و زِئْبُرُ الثّوب‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة حمزة و خلف. الإتحاف 312.
 (2) في اللسان: الزّبر: الكتاب، و الجمع زبور، مثل قدر و قدور.

377
مفردات ألفاظ القرآن

زبر ص 377

معروف «1»، و الْأَزْبَرُ: ما ضخم زُبْرَةُ كاهله، و منه قيل: هاج زَبْرَاؤُهُ، لمن يغضب «2».
زج‏
الزُّجَاجُ: حجر شفّاف، الواحدة زُجَاجَةٌ، قال: فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ‏ [النور/ 35]، و الزُّجُّ: حديدة أسفل الرّمح، جمعه زِجَاجٌ، و زَجَجْتُ الرّجل: طعنته بالزّجّ، و أَزْجَجْتُ الرّمح: جعلت له زُجّاً، و أَزْجَجْتُهُ: نزعت زُجَّهُ. و الزَّجَجُ: دقّة في الحاجبين مشبّه بالزّجّ، و ظليم أَزَجُّ، و نعامة زَجَّاءُ: للطّويلة الرّجل.
زجر
الزَّجْرُ: طرد بصوت، يقال: زَجَرْتُهُ فَانْزَجَرَ، قال: فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ* [النازعات/ 13]، ثمّ يستعمل في الطّرد تارة، و في الصّوت أخرى. و قوله: فَالزَّاجِراتِ زَجْراً [الصافات/ 2]، أي: الملائكة التي تَزْجُرُ السّحاب، و قوله: ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ [القمر/ 4]، أي: طرد و منع عن ارتكاب المآثم. و قال:
وَ قالُوا مَجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ [القمر/ 9]، أي:
طرد، و استعمال الزّجر فيه لصياحهم بالمطرود، نحو أن يقال: اعزب و تنحّ و وراءك «3».
زجا
التَّزْجِيَةُ: دَفْعُ الشّي‏ء لينساق، كَتَزْجِيَةِ ردي‏ء البعير، و تَزْجِيَةِ الرّيح السّحاب، قال: يُزْجِي سَحاباً [النور/ 43]، و قال: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ [الإسراء/ 66]، و منه: رجل مُزْجًى، و أَزْجَيْتُ ردي‏ء التّمر فَزَجَا، و منه استعير: زَجَا الخراج يَزْجُو، و خراج زَاجٍ، و قول الشاعر:
210-
         و حاجة غير مُزْجَاةٍ من الحاج «4»
أي: غير يسيرة، يمكن دفعها و سوقها لقلّة الاعتداد بها.
زحح‏
فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ [آل عمران/ 185]، أي: أزيل عن مقرّه فيها.
__________________________________________________
 (1) الزّئبر: ما يظهر من درز الثوب. و قال أبو زيد: زئبر الثوب و زغبره. اللسان (زأبر).
 (2) قال ابن منظور: و في المثل: هاجت زبراء، و هي خادم كانت للأحنف بن قيس، و كانت سليطة، فكانت إذا غضبت قال الأحنف: هاجت زبراء، فصارت مثلا لكل أحد، حتى يقال لكل إنسان، إذا هاج غضبه: هاجت زبراؤه.
اللسان (زبر)، و القصة مطوّلة في لطف التدبير ص 67.
 (3) انظر: المسائل الحلبيات للفارسي ص 106، و أصول النحو 1/ 141.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         و مرسل و رسول غير متّهم‏

و هو للراعي، من قصيدة له مطلعها:
         ألا اسلمي ذات الطّوق و العاج             و الدّل و النظر المستأنس الساجي‏


و هو في ديوانه ص 28، و تهذيب اللغة 11/ 155، و مجاز القرآن 1/ 317.

378
مفردات ألفاظ القرآن

زحف ص 379

زحف‏
أصل الزَّحْفِ: انبعاث مع جرّ الرّجل، كانبعاث الصّبيّ قبل أن يمشي و كالبعير إذا أعيا فجرّ فرسنه «1»، و كالعسكر إذا كثر فيعثر انبعاثه.
قال: إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً [الأنفال/ 15]، و الزَّاحِفُ: السّهم يقع دون الغرض.
زخرف‏
الزُّخْرُفُ: الزّينة المزوّقة، و منه قيل للذّهب:
زُخْرُفٌ، و قال: أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها [يونس/ 24]، و قال: بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ‏ [الإسراء/ 93]، أي: ذهب مزوّق، و قال:
وَ زُخْرُفاً [الزخرف/ 35]، و قال: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام/ 112]، أي:
المزوّقات من الكلام.
زرب‏
الزَّرَابِيُّ: جمع زُرْبٍ، و هو ضرب من الثياب محبّر منسوب إلى موضع «2»، و على طريق التشبيه و الاستعارة قال: وَ زَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية/ 16]، و الزَّرْبُ، و الزَّرِيبَةُ: موضع الغنم، و قترة الرّامي «3».
زرع‏
الزَّرْعُ: الإنبات، و حقيقة ذلك تكون بالأمور الإلهيّة دون البشريّة. قال: أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ‏ [الواقعة/ 64]، فنسب الحرث إليهم، و نفى عنهم الزَّرْعَ و نسبه إلى نفسه، و إذا نسب إلى العبد فلكونه فاعلا للأسباب التي هي سبب الزّرع، كما تقول أنبتّ كذا: إذا كنت من أسباب نباته، و الزَّرْعُ في الأصل مصدر، و عبّر به عن الْمَزْرُوعِ نحو قوله: فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً [السجدة/ 27]، و قال: وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ‏ [الدخان/ 26]، و يقال: زَرَعَ اللّه ولدك، تشبيها، كما تقول: أنبته اللّه، و الْمُزْرِعُ:
الزَّرَّاعُ، و ازْدَرَعَ النبات: صار ذا زرع.
زرق‏
الزُّرْقَةُ: بعض الألوان بين البياض و السواد، يقال: زَرِقَتْ عينه زُرْقَةً و زَرَقَاناً، و قوله تعالى:
زُرْقاً يَتَخافَتُونَ‏
[طه/ 102]، أي: عميا عيونهم لا نور لها. و الزُّرَّقُ طائر، و قيل: زَرَقَ الطائرُ يَزْرِقُ «4»، و زَرَقَهُ بِالْمِزْرَاقِ: رماه به «5».
زرى‏
زَرَيْتُ عليه: عبته، و أَزْرَيْتُ به: قصّرت به،
__________________________________________________
 (1) الفرسن من البعير بمنزلة الحافر من الدابة.
 (2) قيل: منسوبة إلى الزّرب، و هو الحظيرة التي تأوي إليها الغنم.
 (3) قترة الصائد: بئر يحتفرها الصائد يكمن فيها للصيد.
 (4) زرق الطائر: ذرق.
 (5) المزراق من الرماح: رمح قصير.

379
مفردات ألفاظ القرآن

زرى ص 379

و كذلك ازْدَرَيْتُ، و أصله: افتعلت قال: وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ‏ [هود/ 31]، أي:
تستقلّهم، تقديره: تَزْدَرِيهِمْ أعينكم، أي:
تستقلّهم و تستهين بهم.
زعق‏
الزُّعَاقُ: الماء الملح الشديد الملوحة، و طعام مَزْعُوقٌ: كثر ملحه حتى صار زُعَاقاً، و زَعَقَ به:
أفزعه بصياحه، فَانْزَعَقَ، أي: فزع، و الزَّعِقُ:
الكثير الزّعق، أي: الصّوت، و الزَّعَّاقُ: النّعّار «1».
زعم‏
الزَّعْمُ: حكاية قول يكون مظنّة للكذب، و لهذا جاء في القرآن في كلّ موضع ذمّ القائلون به، نحو: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا [التغابن/ 7]، بَلْ زَعَمْتُمْ‏ [الكهف/ 48]، كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ* [الأنعام/ 22]، زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ‏ [الإسراء/ 56]، و قيل للضّمان بالقول و الرّئاسة: زَعَامَةٌ، فقيل للمتكفّل و الرّئيس:
زَعِيمٌ، للاعتقاد في قوليهما أنهما مظنّة للكذب.
قال: وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ‏ [يوسف/ 72]، أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ‏ [القلم/ 40]، إمّا من الزَّعَامَةِ أي: الكفالة، أو من الزَّعْمِ بالقول.
زف‏
زَفَّ الإبل يَزِفُّ زَفّاً و زَفِيفاً، و أَزَفَّهَا سائقها، و قرئ: إِلَيْهِ يَزِفُّونَ‏ [الصافات/ 94]، أي:
يسرعون، و يُزِفُّونَ «2» أي: يحملون أصحابهم على الزَّفِيفِ. و أصل الزَّفِيفِ في هبوب الرّيح، و سرعة النّعام التي تخلط الطيران بالمشي. و زَفْزَفَ النّعام: أسرع، و منه استعير:
زَفَّ العروس، و استعارة ما يقتضي السّرعة لا لأجل مشيتها، و لكن للذّهاب بها على خفّة من السّرور.
زفر
قال: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ* [الأنبياء/ 100]، فَالزَّفِيرُ: تردّد النّفس حتى تنتفخ الضّلوع منه، و ازْدَفَرَ فلان كذا: إذا تحمّله بمشقّة، فتردّد فيه نفسه، و قيل للإماء الحاملات للماء: زَوَافِرُ.
زقم‏
إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ‏ [الدخان/ 43- 44]، عبارة عن أطعمة كريهة في النار، و منه استعير: زَقَمَ فلان و تَزَقَّمَ: إذا ابتلع شيئا كريها.
زكا
أصل الزَّكَاةِ: النّموّ الحاصل عن بركة اللّه تعالى، و يعتبر ذلك بالأمور الدّنيويّة و الأخرويّة.
يقال: زَكَا الزّرع يَزْكُو: إذا حصل منه نموّ و بركة.
و قوله: أَيُّها أَزْكى‏ طَعاماً [الكهف/ 19]،
__________________________________________________
 (1) الزاعق: الذي يسوق و يصيح بها صياحا شديدا، و هو رجل ناعق و زعّاق و نعّار. اللسان (زعق).
 (2) و هي قراءة حمزة، من أزفّ الظليم: دخل في الزفيف، و هو الإسراع.

380
مفردات ألفاظ القرآن

زكا ص 380

إشارة إلى ما يكون حلالا لا يستوخم عقباه، و منه الزَّكَاةُ: لما يخرج الإنسان من حقّ اللّه تعالى إلى الفقراء، و تسميته بذلك لما يكون فيها من رجاء البركة، أو لتزكية النّفس، أي: تنميتها بالخيرات و البركات، أو لهما جميعا، فإنّ الخيرين موجودان فيها. و قرن اللّه تعالى الزَّكَاةَ بالصّلاة في القرآن بقوله: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ* [البقرة/ 43]، و بِزَكَاءِ النّفس و طهارتها يصير الإنسان بحيث يستحقّ في الدّنيا الأوصاف المحمودة، و في الآخرة الأجر و المثوبة. و هو أن يتحرّى الإنسان ما فيه تطهيره، و ذلك ينسب تارة إلى العبد لكونه مكتسبا لذلك، نحو: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9]، و تارة ينسب إلى اللّه تعالى، لكونه فاعلا لذلك في الحقيقة نحو:
بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ [النساء/ 49]، و تارة إلى النّبيّ لكونه واسطة في وصول ذلك إليهم، نحو: تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها [التوبة/ 103]، يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَ يُزَكِّيكُمْ‏ [البقرة/ 151]، و تارة إلى العبادة التي هي آلة في ذلك، نحو: وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً [مريم/ 13]، لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا [مريم/ 19]، أي:
مُزَكًّى بالخلقة، و ذلك على طريق ما ذكرنا من الاجتباء، و هو أن يجعل بعض عباده عالما و طاهر الخلق لا بالتّعلّم و الممارسة بل بتوفيق إلهيّ، كما يكون لجلّ الأنبياء و الرّسل. و يجوز أن يكون تسميته بالمزكّى لما يكون عليه في الاستقبال لا في الحال، و المعنى: سَيَتَزَكَّى، وَ الَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ‏ [المؤمنون/ 4]، أي: يفعلون ما يفعلون من العبادة ليزكّيهم اللّه، أو لِيُزَكُّوا أنفسهم، و المعنيان واحد. و ليس قوله:
 «لِلزَّكاةِ» مفعولا لقوله: «فاعِلُونَ»، بل اللام فيه للعلة و القصد. و تَزْكِيَةُ الإنسان نفسه ضربان:
أحدهما: بالفعل، و هو محمود و إليه قصد بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9]، و قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى‏ [الأعلى/ 14].
و الثاني: بالقول، كتزكية العدل غيره، و ذلك مذموم أن يفعل الإنسان بنفسه، و قد نهى اللّه تعالى عنه فقال: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ‏ [النجم/ 32]، و نهيه عن ذلك تأديب لقبح مدح الإنسان نفسه عقلا و شرعا، و لهذا قيل لحكيم: ما الذي لا يحسن و إن كان حقّا؟ فقال: مدح الرّجل نفسه.
زل‏
الزَّلَّةُ في الأصل: استرسال الرّجل من غير قصد، يقال: زَلَّتْ رِجْل تَزِلُّ، و الْمَزِلَّةُ: المكان الزّلق، و قيل للذّنب من غير قصد: زَلَّةٌ، تشبيها بزلّة الرّجل. قال تعالى: فَإِنْ زَلَلْتُمْ‏ [البقرة/ 209]، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ‏ [البقرة/ 36]، و اسْتَزَلَّهُ: إذا تحرّى زلّته، و قوله: إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ‏ [آل عمران/ 155]، أي:

381
مفردات ألفاظ القرآن

زل ص 381

استجرّهم الشّيطان حتى زلّوا، فإنّ الخطيئة الصّغيرة إذا ترخّص الإنسان فيها تصير مسهّلة لسبيل الشّيطان على نفسه. و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
 «مَنْ أُزِلَّتْ إِلَيْهِ نِعْمَةٌ فَلْيَشْكُرْهَا» «1».
أي: من أوصل إليه نعمة بلا قصد من مسديها، تنبيها أنه إذا كان الشّكر في ذلك لازما فكيف فيما يكون عن قصده. و التَّزَلْزُلُ: الاضطراب، و تكرير حروف لفظه تنبيه على تكرير معنى الزّلل فيه، قال: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها [الزلزلة/ 1]، و قال: إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْ‏ءٌ عَظِيمٌ‏ [الحج/ 1]، وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً [الأحزاب/ 11]، أي: زعزعوا من الرّعب.
زلف‏
الزُّلْفَةُ: المنزلة و الحظوة «2»، و قوله تعالى:
فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً [الملك/ 27]، قيل: معناه:
لمّا رأوا زلفة المؤمنين و قد حرموها. و قيل:
استعمال الزّلفة في منزلة العذاب كاستعمال البشارة و نحوها من الألفاظ. و قيل لمنازل الليل: زُلَفٌ قال: وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ‏ [هود/ 114]، قال الشاعر:
211-
         طيّ الليالي زلفا فزلفا «3»
و الزُّلْفَى: الحظوة، قال اللّه تعالى: إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى‏ [الزمر/ 3]، و الْمَزَالِفُ:
المراقي، و أَزْلَفْتُهُ: جعلت له زلفى، قال:
وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ‏ [الشعراء/ 64]، وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ* [الشعراء/ 90]، و ليلة الْمُزْدَلِفَةِ: خصّت بذلك لقربهم من منى بعد الإفاضة. و
فِي الْحَدِيثِ: «ازْدَلِفُوا إِلَى اللَّهِ بِرَكْعَتَيْنِ» «4».
زلق‏
الزَّلَقُ و الزّلل متقاربان، قال: صَعِيداً زَلَقاً [الكهف/ 40]، أي: دحضا لا نبات فيه، نحو قوله: فَتَرَكَهُ صَلْداً [البقرة/ 264]، و الْمَزْلَقُ: المكان الدّحض. قال:
لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ‏ [القلم/ 51]، و ذلك كقول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) الحديث في النهاية 2/ 310، و الفائق 2/ 119.
 (2) انظر: البصائر 3/ 136، و المجمل 2/ 438.
 (3) الرجز للعجاج، و قبله:
         ناج طواه البين ممّا وجفا

و هو في ديوانه ص 231، و البصائر 3/ 137، و شرح مقصورة ابن دريد ص 214.
 (4) الحديث عن سليمان بن موسى قال: كتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى مصعب بن عمير، و هو بالمدينة: انظر من اليوم الذي تجهّز فيه اليهود لسبتها، فإذا زالت الشمس فازدلف إلى اللّه بركعتين، و اخطب فيهما. أخرجه الخطابي في غريب الحديث 2/ 25.

382
مفردات ألفاظ القرآن

زلق ص 382

212-
         نظرا يزيل مواضع الأقدام «1»
و يقال: زَلَقَهُ و أَزْلَقَهُ فَزَلِقَ، قال يونس «2»: لم يسمع الزَّلَقُ و الْإِزْلَاقُ إلّا في القرآن، و روي أنّ أبيّ بن كعب «3» قرأ: (و أَزْلَقْنَا ثمّ الآخرين) «4» أي: أهلكنا.
زمر
قال: وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الزمر/ 73]، جمع زُمْرَةٍ، و هي الجماعة القليلة، و منه قيل: شاة زَمِرَةٌ: قليلة الشّعر، و رجل زَمِرٌ: قليل المروءة، و زَمَرَتِ النّعامة تَزْمِرُ زِمَاراً، و عنه اشتقّ الزَّمْرُ، و الزَّمَّارَةُ كناية عن الفاجرة.
زمل‏
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ‏ [المزمل/ 1]، أي:
الْمُتَزَمِّلُ في ثوبه، و ذلك على سبيل الاستعارة، كناية عن المقصّر و المتهاون بالأمر و تعريضا «5» به، و الزُّمَّيْلُ: الضّعيف، قالت أمّ تأبّط شرّا:
 (
         ليس بِزُمَّيْلٍ             شروب للقيل‏

) «6».
زنم‏
الزَّنِيمُ و الْمَزَنَّمُ: الزّائد في القوم و ليس‏
__________________________________________________
 (1) البيت:
         يتقارضون إذا التقوا في منزل             نظرا يزيل مواضع الأقدام‏
و قد تقدّم في مادة (دحض)، و هو في اللسان (زلق).
 (2) يونس بن حبيب، من أصحاب أبي عمرو بن العلاء، روى عنه سيبويه و الكسائي. توفي سنة 182 ه. انظر: بغية الوعاة 2/ 365.
 (3) صحابي جليل، أحد قرّاء الصحابة، توفي سنة 30 ه.
 (4) سورة الشعراء: آية 64، و هي قراءة شاذة، قرأ بها أبيّ بن كعب و ابن عباس.
و القراءة الصحيحة المتواترة و أزلفنا بالفاء. انظر: تفسير القرطبي 13/ 107.
 (5) لعلّ المؤلف هاهنا قد تأثّر بالمعتزلة، فقد قال الزمخشري: كان رسول اللّه نائما بالليل متزمّلا في قطيفة، فنبّه و نودي بما يهجن إليه الحالة التي كان عليها من التزمل في قطيفة، و استعداده للاستثقال في النوم كما يفعل من لا يهمه أمر، و لا يعنيه شأن.
و ردّ عليه ابن المنير فقال: أما قوله: إنّ نداءه بذلك تهجين للحالة التي ذكر أنه كان عليها فخطأ و سوء أدب، و من اعتبر عادة خطاب اللّه تعالى له في الإكرام و الاحترام علم بطلان ما تخيّله الزمخشري، فقد قال العلماء:
إنه لم يخاطب باسمه نداء، و إنّ ذلك من خصائصه دون سائر الرسل، إكراما له و تشريفا، فأين نداؤه بصيغة مهجنة من ندائه باسمه؟! انظر: الكشاف، و بهامشه الانتصاف 4/ 151.
- و قال البرسوي: و في خطابه بهذا الاسم- أي المزمّل- فائدتان:
أحدهما: الملاطفة، فإنّ العرب إذا قصدت ملاطفة المخاطب و ترك المعاتبة سموه باسم مشتق من حالته التي هو عليها، كقول النبي لعلي لما رآه نائما قد لصق بجنبه التراب: قم أبا تراب، إشعارا بأنه غير عاتب عليه و ملاطفة له، و كذلك قوله عليه السلام لحذيفة: قم يا نومان، و كان نائما، فقول اللّه تعالى له: «يا أيّها المزّمّل» تأنيس و ملاطفة ليستشعر أنه غير عاتب.
و الفائدة الثانية: التنبيه لكلّ متزمل راقد ليله لينتبه إلى قيام الليل، و ذكر اللّه فيه. راجع تفسير روح البيان 10/ 203.
 (6) قالته في رثاء ابنها:
         و ابناه و ابن اللّيل             ليس بزمّيل‏
             شروب للقيل             رقود بالليل.

 

383
مفردات ألفاظ القرآن

زنم ص 383

منهم، تشبيها بِالزَّنَمَتَيْنِ من الشّاة، و هما المتدلّيتان من أذنها، و من الحلق، قال تعالى:
عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ‏ [القلم/ 13]، و هو العبد زلمة و زَنْمَةً، أي: المنتسب إلى قوم معلّق بهم لا منهم، و قال الشاعر:
213-
         فأنت زَنِيمٌ نيط في آل هاشم             كما نيط خلف الرّاكب القدح الفرد «1»

زنا
الزِّنَاءُ: وطء المرأة من غير عقد شرعيّ، و قد يقصر، و إذا مدّ يصحّ أن يكون مصدر المفاعلة، و النّسبة إليه زِنَوِيٌّ، و فلان لِزِنْيَةٍ و زَنْيَةٍ «2»، قال اللّه تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ‏ [النور/ 3]، الزَّانِيَةُ وَ الزَّانِي‏ [النور/ 2]، و زَنَأَ في الجبل بالهمز زَنْأً و زُنُوءاً، و الزَّنَاءُ: الحاقن بوله، و
 «نُهِيَ الرَّجُلُ أَنْ يُصَلِّيَ وَ هُوَ زَنَاءٌ» «3».
زهد
الزَّهِيدُ: الشي‏ء القليل، و الزَّاهِدُ في الشي‏ء: الرّاغب عنه و الرّاضي منه بالزّهيد، أي:
القليل. قال تعالى: وَ كانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ‏ [يوسف/ 20].
زهق‏
زَهَقَتْ نفسه: خرجت من الأسف على الشي‏ء، قال: وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ* [التوبة/ 55].
زيت‏
زَيْتُونٌ، و زَيْتُونَةٌ، نحو: شجر و شجرة، قال تعالى: زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ [النور/ 35]، و الزَّيْتُ: عصارة الزّيتون، قال: يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ [النور/ 35]، و قد زَاتَ طعامَهُ، نحو سمنه، و زَاتَ رأسَهُ، نحو دهنه به، و ازْدَاتَ:
ادّهن.
زوج‏
يقال لكلّ واحد من القرينين من الذّكر و الأنثى في الحيوانات الْمُتَزَاوِجَةُ زَوْجٌ، و لكلّ قرينين فيها و في غيرها زوج، كالخفّ و النّعل، و لكلّ ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادّ زوج. قال تعالى:
فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى‏ [القيامة/ 39]، و قال: وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ* [البقرة/ 35]، و زَوْجَةٌ لغة رديئة، و جمعها زَوْجَاتٌ، قال الشاعر:
__________________________________________________
انظر شرح أشعار الهذليين 2/ 846، و اللسان: زمل و القيل: شرب نصف النهار.
 (1) البيت لحسان بن ثابت يهجو أبا سفيان بن الحارث، و هو في ديوانه ص 213، و البصائر 3/ 138، و اللسان: زنم.
 (2) انظر المجمل 2/ 441، و اللسان: زنا.
 (3) النهاية 2/ 314، و الفائق 2/ 314.

384
مفردات ألفاظ القرآن

زوج ص 384

214-
         فبكا بناتي شجوهنّ و زَوْجَتِي «1»
و جمع الزّوج أَزْوَاجٌ. و قوله: هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ* [يس/ 56]، احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ‏ [الصافات/ 22]، أي:
أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم، وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى‏ ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ‏ [الحجر/ 88]، أي: أشباها و أقرانا. و قوله: سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ‏ [يس/ 36]، وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ‏ [الذاريات/ 49]، فتنبيه أنّ الأشياء كلّها مركّبة من جوهر و عرض، و مادّة و صورة، و أن لا شي‏ء يتعرّى من تركيب يقتضي كونه مصنوعا، و أنه لا بدّ له من صانع تنبيها أنه تعالى هو الفرد، و قوله: خَلَقْنا زَوْجَيْنِ‏ [الذاريات/ 49]، فبيّن أنّ كلّ ما في العالم زوج من حيث إنّ له ضدّا، أو مثلا ما، أو تركيبا ما، بل لا ينفكّ بوجه من تركيب، و إنما ذكر هاهنا زوجين تنبيها أنّ الشي‏ء- و إن لم يكن له ضدّ، و لا مثل- فإنه لا ينفكّ من تركيب جوهر و عرض، و ذلك زوجان، و قوله: أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى‏ [طه/ 53]، أي: أنواعا متشابهة، و كذلك قوله: مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ* [لقمان/ 10]، ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ* [الأنعام/ 143]، أي:
أصناف. و قوله: وَ كُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً [الواقعة/ 7]، أي: قرناء ثلاثا، و هم الذين فسّرهم بما بعد «2». و قوله: وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ‏ [التكوير/ 7]، فقد قيل: معناه: قرن كلّ شيعة بمن شايعهم في الجنّة و النار، نحو:
احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ‏ [الصافات/ 22]، و قيل: قرنت الأرواح بأجسادها حسبما نبّه عليه قوله في أحد التّفسيرين: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ* ارْجِعِي إِلى‏ رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً [الفجر/ 27- 28]، أي: صاحبك. و قيل: قرنت النّفوس بأعمالها حسبما نبّه قوله: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ [آل عمران/ 30]، و قوله: وَ زَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ* [الدخان/ 54]، أي: قرنّاهم بهنّ، و لم يجئ في القرآن زوّجناهم حورا، كما يقال زوّجته امرأة، تنبيها أن ذلك لا يكون على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة.
زاد
الزِّيَادَةُ: أن ينضمّ إلى ما عليه الشي‏ء في نفسه شي‏ء آخر، يقال: زِدْتُهُ فَازْدَادَ، و قوله وَ نَزْدادُ

__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و الأقربون ثم إليّ تصدّعوا

و هو لعبدة بن الطبيب في المفضليات ص 148، و الأضداد لابن الأنباري ص 374، و ربيع الأبرار 4/ 181.
 (2) فسّرهم بقوله تعالى: فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة* و أصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة* و السّابقون السّابقون* أولئك المقرّبون.

385
مفردات ألفاظ القرآن

زاد ص 385

كَيْلَ بَعِيرٍ [يوسف/ 65]، نحو: ازْدَدْتُ فضلا، أي: ازداد فضلي، و هو من باب: سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة/ 130]، و ذلك قد يكون زيادة مذمومة كالزّيادة على الكفاية، مثل زيادة الأصابع، و الزّوائد في قوائم الدّابّة، و زِيَادَةُ الكبد، و هي قطعة معلّقة بها يتصوّر أن لا حاجة إليها لكونها غير مأكولة، و قد تكون زيادة محمودة، نحو قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وَ زِيادَةٌ [يونس/ 26]، و روي من طرق مختلفة أنّ هذه الزّيادة النّظر إلى وجه اللّه «1»، إشارة إلى إنعام و أحوال لا يمكن تصوّرها في الدّنيا.
وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ‏ [البقرة/ 247]، أي: أعطاه من العلم و الجسم قدرا يزيد على ما أعطى أهل زمانه، و قوله: وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً‏ [مريم/ 76]، و من الزّيادة المكروهة قوله: ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً [فاطر/ 42]، و قوله: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ‏ [النحل/ 88]، فَما تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ [هود/ 63]، و قوله: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة/ 10]، فإنّ هذه الزّيادة هو ما بني عليه جبلّة الإنسان، أنّ من تعاطى فعلا إن خيرا و إن شرّا تقوّى فيما يتعاطاه فيزداد حالا فحالا. و قوله:
هَلْ مِنْ مَزِيدٍ [ق/ 30]، يجوز أن يكون ذلك استدعاء للزّيادة، و يجوز أن يكون تنبيها أنها قد امتلأت، و حصل فيها ما ذكر تعالى في قوله:
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ* [السجدة/ 13]. يقال: زِدْتُهُ، و زَادَ هو، و ازْدَادَ، قال وَ ازْدَادُوا تِسْعاً [الكهف/ 25]، و قال: ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً* [آل عمران/ 90]، وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ [الرعد/ 8]، و شرّ زَائِدٌ و زَيْدٌ. قال الشاعر:
215-
         و أنتمو معشر زَيْدٌ على مائة             فأجمعوا أمركم كيدا فكيدوني «2»

و الزَّادُ: المدّخر الزّائد على ما يحتاج إليه في الوقت، و التَّزَوُّدُ: أخذ الزّاد، قال: وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏ [البقرة/ 197]، و الْمِزْوَدُ: ما يجعل فيه الزّاد من الطّعام، و الْمَزَادَةُ: ما يجعل فيه الزّاد من الماء.
زور
الزَّوْرُ: أعلى الصّدر، و زُرْتُ فلانا: تلقّيته‏
__________________________________________________
 (1) من ذلك ما أخرجه أحمد و مسلم و غيرهما عن صهيب رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم تلا هذه الآية: للّذين أحسنوا الحسنى و زيادة قال: إذا دخل أهل الجنة الجنّة، و أهل النار النار نادى مناد: يا أهل الجنة، إنّ لكم عند اللّه موعدا يريد أن ينجزكموه، فيقولون: و ما هو؟ أ لم تثقّل موازيننا، و تبيّض وجوهنا، و تدخلنا الجنة، و تزحزحنا عن النار؟.
و قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه، فو اللّه ما أعطاهم شيئا أحبّ إليهم من النظر إليه و لا أقرّ لأعينهم.
انظر: الدر المنثور 4/ 356.
 (2) البيت لذي الإصبع العدواني، شاعر جاهلي، و هو في المفضليات ص 163، و خزانة الأدب 8/ 66.

386
مفردات ألفاظ القرآن

زور ص 386

بزوري، أو قصدت زوره، نحو: وجهته، و رجل زَائِرٌ، و قوم زَوْرٌ، نحو سافر و سفر، و قد يقال:
رجل زَوْرٌ، فيكون مصدرا موصوفا به نحو:
ضيف، و الزَّوَرُ: ميل في الزّور، و الْأَزْوَرُ: المائلُ الزّور، و قوله: تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ‏ [الكهف/ 17]، أي: تميل، قرئ بتخفيف الزاي و تشديده «1» و قرئ: تَزْوَرُّ «2». قال أبو الحسن: لا معنى لتزورّ هاهنا، لأنّ الِازْوِرَارَ الانقباض، يقال: تَزَاوَرَ عنه، و ازْوَرَّ عنه، و رجلٌ أَزْوَرُ، و قومٌ زُوَّرٌ، و بئرٌ زَوْرَاءُ: مائلة الحفر و قيل لِلْكَذِبِ: زُورٌ، لكونه مائلا عن جهته، قال: ظُلْماً وَ زُوراً [الفرقان/ 4]، و قَوْلَ الزُّورِ [الحج/ 30]، مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً [المجادلة/ 2]، لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان/ 72]، و يسمّى الصّنم زُوراً في قول الشاعر:
216-
         جاءوا بِزُورَيْهِمْ و جئنا بالأصم «3»
لكون ذلك كذبا و ميلا عن الحقّ.
زيغ‏
الزَّيْغُ: الميل عن الاستقامة، و التَّزَايُغُ: التمايل، و رجل زَائِغٌ، و قوم زَاغَةٌ، و زَائِغُونَ، و زَاغَتِ الشمس، و زَاغَ البصر، و قال تعالى:
وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ [الأحزاب/ 10]، يصحّ أن يكون إشارة إلى ما يداخلهم من الخوف حتى اظلمّت أبصارهم، و يصحّ أن يكون إشارة إلى ما قال: يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ [آل عمران/ 13]، و قال: ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ [النجم/ 17]، مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ‏ [التوبة/ 117]، فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏ [الصف/ 5]، لمّا فارقوا الاستقامة عاملهم بذلك.
زال‏
زَالَ الشي‏ء يَزُولُ زَوَالًا: فارق طريقته جانحا عنه، و قيل: أَزَلْتُهُ، و زَوَّلْتُهُ، قال: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا [فاطر/ 41]، وَ لَئِنْ زالَتا [فاطر/ 41]، لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ‏ [إبراهيم/ 46]، و الزَّوَالُ يقال في شي‏ء قد كان ثابتا قبل، فإن قيل: قد قالوا: زوال الشمس، و معلوم أن لا ثبات للشمس بوجه، قيل: إنّ ذلك قالوه لاعتقادهم في الظّهيرة أنّ لها
__________________________________________________
 (2 و 1) قرأ بالتشديد تزورّ ابن عامر و يعقوب، و قرأ: تزّاور نافع و أبو جعفر و ابن كثير و أبو عمرو. و قرأ بالتخفيف تَزاوَرُ عاصم و حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف 288.
 (3) الرجز ينسب للأغلب العجلي، و قيل: ليحيى بن منصور، و الأول أصح لوجود الأبيات في ديوان العجلي كما ذكره الجوهري.
و أول الرجز:
            إن سرّك العزّ فجخجخ بجثم             أهل البناة و العديد و الكرم‏
             جاءوا بزوريهم و جئنا بالأصم             شيخ لنا كالليث من باقي إرم‏

و هو في ديوانه ص 175، و اللسان (زور)، و المؤتلف و المختلف ص 23.

387
مفردات ألفاظ القرآن

زال ص 387

ثباتا في كبد السماء، و لهذا قالوا: قام قائم الظّهيرة، و سار النهار، و قيل: زَالَهُ يَزِيلُهُ «1» زَيْلًا، قال الشاعر:
217-
         زَالَ زَوَالَهَا «2»
أي: أذهب اللّه حركتها، و الزَّوَالُ: التّصرّف. و قيل:
هو نحو قولهم: أسكت اللّه نأمته «3»، و قال الشاعر:
218-
         إذا ما رأتنا زَالَ منها زَوِيلُهَا «4»
و من قال: زال لا يتعدّى، قال: (زوالها) نصب على المصدر، و تَزَيَّلُوا [الفتح/ 25]، تفرّقوا، قال فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ‏ [يونس/ 28]، و ذلك على التّكثير فيمن قال: زلت متعدّ، نحو: مزته و ميّزته، و قولهم: مَا زَالَ و لا يَزَالُ خصّا بالعبارة، و أجريا مجرى كان في رفع الاسم و نصب الخبر، و أصله من الياء، لقولهم:
زَيَّلْتُ، و معناه معنى ما برحت، و على ذلك:
وَ لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ‏ [هود/ 118]، و قوله:
لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ‏ [التوبة/ 110]، وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا* [الرعد/ 31]، فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍ‏ [غافر/ 34]، و لا يصحّ أن يقال: ما زال زيد إلّا منطلقا، كما يقال: ما كان زيد إلّا منطلقا، و ذلك أنّ زَالَ يقتضي معنى النّفي، إذ هو ضدّ الثّبات، و ما و لا: يقتضيان النّفي، و النّفيان إذا اجتمعا اقتضيا الإثبات، فصار قولهم: ما زَالَ يجري مجرى (كان) في كونه إثباتا فكما لا يقال: كان زيد إلا منطلقا لا يقال: ما زال زيد إلا منطلقا.
زين‏
الزِّينَةُ الحقيقيّة: ما لا يشين الإنسان في شي‏ء من أحواله لا في الدنيا، و لا في الآخرة، فأمّا ما يزينه في حالة دون حالة فهو من وجه شين، و الزِّينَةُ بالقول المجمل ثلاث: زينة نفسيّة كالعلم، و الاعتقادات الحسنة، و زينة بدنيّة، كالقوّة و طول القامة، و زينة خارجيّة كالمال و الجاه. فقوله:
حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ‏

__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: و قد زال الشي‏ء يزيله زيلا: إذا مازه منه. انظر: الأفعال 3/ 479.
 (2) البيت:
         هذا النهار بدا لها من همّها             ما بالها بالليل زال زوالها


و هو للأعشى في ديوانه ص 150، و اللسان (زول).
قيل: معناه: زال الخيال زوالها.
 (3) أي: نغمته و صوته، انظر: اللسان (نأم)، و المنتخب لكراع النمل 1/ 46.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         و بيضاء لا تنحاش منّا و أمها

و هو لذي الرّمة في ديوانه ص 637 من قصيدة مطلعها:
         أ خرقاء للبين استقلّت حمولها             نعم غربة فالعين يجري مسيلها
و رواية الديوان «زيل» و البيت في المجمل 2/ 445.

388
مفردات ألفاظ القرآن

زين ص 388

[الحجرات/ 7]، فهو من الزّينة النّفسيّة، و قوله:
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ‏ [الأعراف/ 32]، فقد حمل على الزّينة الخارجيّة، و ذلك أنه‏
قَدْ رُوِيَ: (أَنَّ قَوْماً كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ) «1».
و قال بعضهم: بل الزّينة المذكورة في هذه الآية هي الكرم المذكور في قوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات/ 13]، و على هذا قال الشاعر:
219-
         و زِينَةُ العاقل حسن الأدب «2»
و قوله: فَخَرَجَ عَلى‏ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ‏ [القصص/ 79]، فهي الزّينة الدّنيويّة من المال و الأثاث و الجاه، يقال: زَانَهُ كذا، و زَيَّنَهُ: إذا أظهر حسنه، إمّا بالفعل، أو بالقول، و قد نسب اللّه تعالى التَّزْيِينَ في مواضع إلى نفسه، و في مواضع إلى الشيطان، و في مواضع ذكره غير مسمّى فاعله، فممّا نسبه إلى نفسه قوله في الإيمان: وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ‏ [الحجرات/ 7]، و في الكفر قوله: زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ‏ [النمل/ 4]، زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ‏ [الأنعام/ 108]، و ممّا نسبه إلى الشيطان قوله: وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ‏ [الأنفال/ 48]، و قوله تعالى:
لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ‏ [الحجر/ 39]، و لم يذكر المفعول لأنّ المعنى مفهوم. و ممّا لم يسمّ فاعله قوله عزّ و جلّ: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ‏ [آل عمران/ 14]، زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ‏ [التوبة/ 37]، و قال: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا [البقرة/ 212]، و قوله:
زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادِهِمْ شُرَكائِهِمْ «3»، تقديره: زيّنه شركاؤهم «4»، و قوله: زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ* [فصلت/ 12]، و قوله: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ‏ [الصافات/ 6]، وَ زَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ‏ [الحجر/ 16]، فإشارة إلى الزّينة
__________________________________________________
 (1) أخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة، يقولون: لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها و طافت، و وضعت يدها على قبلها و قالت:
         اليوم يبدو بعضه أو كله             و ما بدا منه فلا أحله‏
فنزلت هذه الآية: خذوا زينتكم عند كلّ مسجد. انظر: الدر المنثور 3/ 439.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         لكلّ شي‏ء حسن زينة

و هو في البصائر 3/ 157، و معجم الأدباء 1/ 72، و عمدة الحفاظ: زين.
 (3) سورة الأنعام آية 137، و هذه قراءة ابن عامر الشامي، برفع (قتل) و نصب (أولادهم) و خفض (شركائهم).
و قرأ الباقي (زيّن) بالبناء للمعلوم، و (قتل) بالنصب، و (أولادهم) بالخفض، و (شركاؤهم) بالرفع. انظر:
الإتحاف ص 217.
 (4) يريد أنّ «شركاؤهم» مرفوع على أنّه فاعل لفعل محذوف مبني للفاعل، هو زيّنه.

389
مفردات ألفاظ القرآن

زين ص 388

التي تدرك بالبصر التي يعرفها الخاصّة و العامّة، و إلى الزّينة المعقولة التي يختصّ بمعرفتها الخاصّة، و ذلك أحكامها و سيرها. و تَزْيِينُ اللّه للأشياء قد يكون بإبداعها مُزَيَّنَةً، و إيجادها كذلك، و تَزْيِينُ الناس للشي‏ء: بتزويقهم، أو بقولهم، و هو أن يمدحوه و يذكروه بما يرفع منه.
تمّ كتاب الزاي‏

390
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب السين

كتاب السّين‏
سبب‏
السَّبَبُ: الحبل الذي يصعد به النّخل، و جمعه أَسْبَابٌ، قال: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ‏ [ص/ 10]، و الإشارة بالمعنى إلى نحو قوله:
أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ [الطور/ 38]، و سمّي كلّ ما يتوصّل به إلى شي‏ء سَبَباً، قال تعالى: وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ سَبَباً* فَأَتْبَعَ سَبَباً [الكهف/ 84- 85]، و معناه: أنّ اللّه تعالى آتاه من كلّ شي‏ء معرفة، و ذريعة يتوصّل بها، فأتبع واحدا من تلك الأسباب، و على ذلك قوله تعالى: لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ* أَسْبابَ السَّماواتِ‏ [غافر/ 36- 37]، أي: لعلّي أعرف الذرائع و الأسباب الحادثة في السماء، فأتوصّل بها إلى معرفة ما يدعيه موسى، و سمّي العمامة و الخمار و الثوب الطويل سَبَباً «1»، تشبيها بالحبل في الطّول. و كذا منهج الطريق وصف بِالسَّبَبِ، كتشبيهه بالخيط مرّة، و بالثوب الممدود مرّة. و السَّبُّ: الشّتم الوجيع، قال: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ [الأنعام/ 108]، و سَبَّهُمْ للّه ليس على أنهم يَسُبُّونَهُ صريحا، و لكن يخوضون في ذكره فيذكرونه بما لا يليق به، و يتمادون في ذلك بالمجادلة، فيزدادون في ذكره بما تنزّه تعالى عنه. و قول الشاعر:
220-
         فما كان ذنب بني مالك             بأن سُبَّ منهم غلاما فَسَبَ‏

221-
         بأبيض ذي شطب قاطع             يقطّ العظام و يبري العصب «2»

فإنه نبّه على ما قال الآخر:
__________________________________________________
 (1) في اللسان: السب: الخمار و العمامة، و شقّة كتّان رقيقة. اللسان (سبب).
 (2) البيتان لذي الخرق الطهوي.
و هما في أمالي القالي 3/ 54، و اللسان (سبب)، و الجمهرة 1/ 30، و الأول في المجمل 2/ 456، و غريب الحديث للخطابي 2/ 430. و انظر خبر الأبيات في الأمالي.

391
مفردات ألفاظ القرآن

سبب ص 391

222-
         و نشتم بالأفعال لا بالتّكلّم «1»

و السِّبُّ: الْمُسَابِبُ، قال الشاعر:
223-
         لا تَسُبَّنَّنِي فلست بِسِبِّي             إنّ سِبِّي من الرّجال الكريم «2»

و السُّبَّةُ: ما يسبّ، و كنّي بها عن الدّبر، و تسميته بذلك كتسميته بالسّوأة. و السَّبَّابَةُ سمّيت للإشارة بها عند السّبّ، و تسميتها بذلك كتسميتها بالمسبّحة، لتحريكها بالتسبيح.
سبت‏
أصل السَّبْتِ: القطع، و منه سَبَتَ السّير:
قطعه، و سَبَتَ شعره: حلقه، و أنفه: اصطلمه، و قيل: سمّي يوم السَّبْتِ، لأنّ اللّه تعالى ابتدأ بخلق السموات و الأرض يوم الأحد، فخلقها في ستّة أيّام كما ذكره، فقطع عمله يوم السّبت فسمّي بذلك، و سَبَتَ فلان: صار في السّبت و قوله: يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [الأعراف/ 163]، قيل: يوم قطعهم للعمل، وَ يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ‏ [الأعراف/ 163]، قيل: معناه لا يقطعون العمل، و قيل: يوم لا يكونون في السّبت، و كلاهما إشارة إلى حالة واحدة، و قوله:
إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ‏ [النحل/ 124]، أي: ترك العمل فيه، وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً [النبأ/ 9]، أي: قطعا للعمل، و ذلك إشارة إلى ما قال في صفة اللّيل: لِتَسْكُنُوا فِيهِ* [يونس/ 67].
سبح‏
السَّبْحُ: المرّ السّريع في الماء، و في الهواء، يقال: سَبَحَ سَبْحاً و سِبَاحَةً، و استعير لمرّ النجوم في الفلك نحو: وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏ [الأنبياء/ 33]، و لجري الفرس نحو:
وَ السَّابِحاتِ سَبْحاً [النازعات/ 3]، و لسرعة الذّهاب في العمل نحو: إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا [المزمل/ 7]، و التَّسْبِيحُ: تنزيه اللّه تعالى. و أصله: المرّ السّريع في عبادة اللّه تعالى، و جعل ذلك في فعل الخير كما جعل الإبعاد في الشّرّ، فقيل: أبعده اللّه، و جعل التَّسْبِيحُ عامّا في العبادات قولا كان، أو فعلا، أو نيّة، قال: فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ‏ [الصافات/ 143]، قيل: من المصلّين «3»، و الأولى أن يحمل على ثلاثتها، قال: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ‏ [البقرة/ 30]، وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِ‏ [غافر/ 55]، فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبارَ

__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت و شطره:
         و تجهل أيدينا و يحلم رأينا

و هو في الصناعتين ص 60، و شرح نهج البلاغة 2/ 118، و أدب الدنيا و الدين. و البيت لإياس بن قتادة.
 (2) البيت لعبد الرحمن بن حسان يهجو مسكين الدارمي. و هو في اللسان (سبّ)، و المجمل 2/ 456، و الجمهرة 1/ 31، و غريب الحديث للخطابي 2/ 430.
 (3) غريب القرآن لابن قتيبة ص 374.

392
مفردات ألفاظ القرآن

سبح ص 392

السُّجُودِ [ق/ 40]، قالَ أَوْسَطُهُمْ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ‏ [القلم/ 28]، أي: هلّا تعبدونه و تشكرونه، و حمل ذلك على الاستثناء، و هو أن يقول: إن شاء اللّه، و يدلّ على ذلك قوله: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ وَ لا يَسْتَثْنُونَ [القلم/ 17]، و قال: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَ الْأَرْضُ وَ مَنْ فِيهِنَّ وَ إِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‏ [الإسراء/ 44]، فذلك نحو قوله: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً [الرعد/ 15]، وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ [النحل/ 49]، فذلك يقتضي أن يكون تسبيحا على الحقيقة، و سجودا له على وجه لا نفقهه، بدلالة قوله: وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ‏ [الإسراء/ 44]، و دلالة قوله:
وَ مَنْ فِيهِنَّ [الإسراء/ 44]، بعد ذكر السّماوات و الأرض، و لا يصحّ أن يكون تقديره:
يسبّح له من في السّماوات، و يسجد له من في الأرض، لأنّ هذا ممّا نفقهه، و لأنه محال أن يكون ذلك تقديره، ثم يعطف عليه بقوله:
وَ مَنْ فِيهِنَّ و الأشياء كلّها تسبّح له و تسجد، بعضها بالتّسخير و بعضها بالاختيار، و لا خلاف أنّ السّماوات و الأرض و الدّوابّ مُسَبِّحَاتٌ بالتّسخير، من حيث إنّ أحوالها تدلّ على حكمة اللّه تعالى، و إنّما الخلاف في السموات و الأرض هل تسبّح باختيار؟ و الآية تقتضي ذلك بما ذكرت من الدّلالة، و (سُبْحَانَ) أصله مصدر نحو:
غفران، قال فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ‏ [الروم/ 17]، و سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا [البقرة/ 32]، و قول الشاعر:
224-
         سُبْحَانَ من علقمة الفاخر «1»
قيل: تقديره سبحان علقمة على طريق التّهكّم، فزاد فيه (من) ردّا إلى أصله «2»، و قيل:
أراد سبحان اللّه من أجل علقمة، فحذف المضاف إليه. و السُّبُّوحُ القدّوس من أسماء اللّه تعالى «3»، و ليس في كلامهم فعّول سواهما «4»،
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         أقول لما جاءني فخره‏

و هو للأعشى في ديوانه ص 93، و المجمل 2/ 482، و الجمهرة 1/ 222.
 (2) قال البغدادي: و زعم الراغب أن «سبحان» في هذا البيت مضاف إلى علقمة، و من زائدة، و هو ضعيف لغة و صناعة، أما الأول: فلأنّ العرب لا تستعمله إلا إلى اللّه، أو إلى ضميره، أو إلى الرب، و لم يسمع إضافته إلى [استدراك‏] غيره. أما صناعة: فلأنّ «من» لا تزاد في الواجب عند البصريين. انظر: خزانة الأدب 7/ 245.
 (3) انظر: الأسماء و الصفات ص 54- 55.
 (4) قال ابن دريد: باب ما جاء على فعّول، فألحق بالخماسي للزوائد و التضعيف الذي فيه، و هو مفتوح كله إلا السّبوح، و القدّوس، و الذّرّوح، و هو الطائر السمّ. انظر: جمهرة اللغة 3/ 397.

393
مفردات ألفاظ القرآن

سبح ص 392

و قد يفتحان، نحو: كلّوب و سمّور، و السُّبْحَةُ:
التّسبيح، و قد يقال للخرزات التي بها يسبّح:
سُبْحَةٌ.
سبخ‏
قرئ: (إنّ لك في النّهار سَبْخاً) «1» أي:
سعة في التّصرّف، و قد سَبَخَ اللّه عنه الحمّى فَتَسَبَّخَ، أي: تغشّى، و السَّبِيخُ: ريش الطائر، و القطن المندوف، و نحو ذلك ممّا ليس فيه اكتناز و ثقل.
سبط
أصل السَّبْطُ: انبساط في سهولة، يقال: شَعْرٌ سَبْطٌ، و سَبِطٌ، و قد سَبِطَ سُبُوطاً و سَبَاطَةً و سَبَاطاً، و امرأة سَبْطَةُ الخلقة، و رجل سَبْطُ الكفّين:
ممتدّهما، و يعبّر به عن الجود، و السِّبْطُ: ولد الولد، كأنه امتداد الفروع، قال: وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطِ* [البقرة/ 136]، أي: قبائل كلّ قبيلة من نسل رجل، و قال تعالى:
وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً [الأعراف/ 160]، و السَّابَاطُ: المنبسط بين دارين. و أخذت فلانا سَبَاطِ، أي: حمّى تمطّه، و السُّبَاطَةُ خط من قمامة، و سَبَّطَتِ النّاقة ولدها، أي: ألقته.
سبع‏
أصل السَّبْعِ العدد، قال: سَبْعَ سَماواتٍ* [البقرة/ 29]، سَبْعاً شِداداً [النبأ/ 16]، يعني: السموات السّبع و سَبْعَ سُنْبُلاتٍ* [يوسف/ 46]، سَبْعَ لَيالٍ‏ [الحاقة/ 7]، سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ‏ [الكهف/ 22]، سَبْعُونَ ذِراعاً [الحاقة/ 32]، سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة/ 80]، سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي‏ [الحجر/ 87]. قيل: سورة الحمد لكونها سبع آيات، السَّبْعُ الطّوال: من البقرة إلى الأعراف، و سمّي سور القرآن الْمَثَانِيَ، لأنه يثنى فيها القصص، و منه: السَّبْعُ، و السَّبِيعُ و السِّبْعُ، في الورود. و الْأُسْبُوعُ جمعه: أَسَابِيعُ، و يقال: طفت بالبيت أسبوعا، و أسابيع، و سَبَعْتُ القومَ: كنت سابعهم، و أخذت سبع أموالهم، و السَّبُعُ:
معروف. و قيل: سمّي بذلك لتمام قوّته، و ذلك أنّ السَّبْعَ من الأعداد التامّة، و قول الهذليّ:
225-
         كأنّه عبد لآل أبي ربيعة مُسْبِعٌ «2»
أي: قد وقع السّبع في غنمه، و قيل: معناه‏
__________________________________________________
و قال أبو زيد: تقول العرب: سبّوح و قدّوس و سمّور و ذرّوح، و قد قالوا بالضّم، و هو أعلى، و ذرّوح: واحد الذراريح، و هي الدود الصغار. انظر: الجمهرة 3/ 463، و ديوان الأدب 1/ 232.
 (1) سورة المزمل: آية 7، و هي قراءة شاذة، تعزى إلى ابن يعمر و عكرمة و ابن أبي عبلة. انظر: البحر المحيط 8/ 363، و أمالي القالي 2/ 112.
 (2) البيت:
         صخب الشوارب لا يزال كأنه             عبد لآل أبي ربيعة مسبع.

 

394
مفردات ألفاظ القرآن

سبع ص 394

المهمل مع السِّبَاعِ، و يروى (مُسْبَعٌ) بفتح الباء، و كنّي بِالْمُسْبَعِ عن الدّعيّ الذي لا يعرف أبوه، و سَبَعَ فلان فلانا: اغتابه، و أكل لحمه أكل السّباع، و الْمَسْبَعُ: موضع السَّبُعِ.
سبغ‏
درع سَابِغٌ: تامّ واسع. قال اللّه تعالى: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ‏ [سبأ/ 11]، و عنه استعير إِسْبَاغُ الوضوء، و إسباغ النّعم قال: وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً [لقمان/ 20].
سبق‏
أصل السَّبْقِ: التّقدّم في السّير، نحو:
فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً [النازعات/ 4]، و الِاسْتِبَاقُ: التَّسَابُقُ. قال: إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ‏ [يوسف/ 17]، وَ اسْتَبَقَا الْبابَ‏ [يوسف/ 25]، ثم يتجوّز به في غيره من التّقدّم، قال:
ما سَبَقُونا إِلَيْهِ‏ [الأحقاف/ 11]، سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ* [طه/ 129]، أي: نفدت و تقدّمت، و يستعار السَّبْقُ لإحراز الفضل و التّبريز، و على ذلك: وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ‏ [الواقعة/ 10]، أي: المتقدّمون إلى ثواب اللّه و جنّته بالأعمال الصّالحة، نحو قوله: وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ [آل عمران/ 114]، و كذا قوله:
وَ هُمْ لَها سابِقُونَ‏ [المؤمنون/ 61]، و قوله: وَ ما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ* [الواقعة/ 60]، أي:
لا يفوتوننا، و قال: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا [الأنفال/ 59]، و قال: وَ ما كانُوا سابِقِينَ‏ [العنكبوت/ 39]، تنبيه أنهم لا يفوتونه.
سبل‏
السَّبِيلُ: الطّريق الذي فيه سهولة، و جمعه سُبُلٌ، قال: وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا [النحل/ 15]، وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا [الزخرف/ 10]، لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ‏ [الزخرف/ 37]، يعني به طريق الحق، لأنّ اسم الجنس إذا أطلق يختصّ بما هو الحقّ، و على ذلك: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ‏ [عبس/ 20]، و قيل لسالكه سَابِلٌ، و جمعه سَابِلَةٌ، و سبيل سابل، نحو شعر شاعر، و ابن السَّبِيلِ: المسافر البعيد عن منزله، نسب إلى السّبيل لممارسته إيّاه، و يستعمل السَّبِيلُ لكلّ ما يتوصّل به إلى شي‏ء خيرا كان أو شرّا، قال: ادْعُ إِلى‏ سَبِيلِ رَبِّكَ‏ [النحل/ 125]، قُلْ هذِهِ سَبِيلِي‏ [يوسف/ 108]، و كلاهما واحد لكن أضاف الأوّل إلى المبلّغ، و الثاني إلى السّالك بهم، قال: قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ* [آل عمران/ 169]، إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ [غافر/ 29]، وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ‏ [الأنعام/
__________________________________________________
و هو لأبي ذؤيب الهذلي، في ديوان الهذليين 1/ 4، و المجمل 2/ 484، و الجمهرة 1/ 285، و ديوان الأدب 1/ 345.

395
مفردات ألفاظ القرآن

سبل ص 395

55]، فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ‏ [النحل/ 69]، و يعبّر به عن المحجّة، قال: قُلْ: هذِهِ سَبِيلِي‏ [يوسف/ 108]، سُبُلَ السَّلامِ‏ [المائدة/ 16]، أي: طريق الجنة، ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ‏ [التوبة/ 91]، فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ‏ [الشورى/ 41]، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ* [الشورى/ 42]، إِلى‏ ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا [الإسراء/ 42]، و قيل: أَسْبَلَ السّتر، و الذّيل، و فرس مُسْبَلُ الذّنب، و سَبَلَ المطرُ، و أَسْبَلَ، و قيل للمطر: سَبَلٌ ما دام سَابِلًا، أي:
سائلا في الهواء، و خصّ السَّبَلَةُ بشعر الشّفة العليا لما فيها من التّحدّر، و السُّنْبُلَةُ جمعها سَنَابِلُ، و هي ما على الزّرع، قال: سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ [البقرة/ 261]، و قال:
سَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ* [يوسف/ 46]، و أَسْبَلَ الزّرعُ: صار ذا سنبلة، نحو: أحصد و أجنى، و الْمُسْبِلُ اسم القدح الخامس.
سبأ
قال عزّ و جلّ: وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ‏ [النمل/ 22]، سَبَأٌ اسم بلد تفرق أهله، و لهذا يقال: ذهبوا أيادي سَبَإٍ «1»
، أي: تفرّقوا تفرّق أهل هذا المكان من كلّ جانب، و سَبَأْتُ الخمر: اشتريتها، و السَّابِيَاءُ: جِلْدٌ فيه الولد «2».
ست‏
قال تعالى: فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ* [الأعراف/ 54]، و قال: سِتِّينَ مِسْكِيناً [المجادلة/ 4]، فأصل ذلك سُدُسٌ، و يذكر في بابه إن شاء اللّه.
ستر
السَّتْرُ: تغطية الشّي‏ء، و السِّتْرُ و السُّتْرَةُ: ما يستتر به، قال: لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِها سِتْراً [الكهف/ 90]، حِجاباً مَسْتُوراً [الإسراء/ 45]، و الِاسْتِتَارُ: الاختفاء، قال:
وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ‏ [فصلت/ 22].
سجد
السُّجُودُ أصله: التّطامن «3» و التّذلّل، و جعل ذلك عبارة عن التّذلّل للّه و عبادته، و هو عامّ في الإنسان، و الحيوانات، و الجمادات، و ذلك ضربان: سجود باختيار، و ليس ذلك إلا للإنسان، و به يستحقّ الثواب، نحو قوله:
فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَ اعْبُدُوا [النجم/ 62]، أي:
تذللوا له، و سجود تسخير، و هو للإنسان، و الحيوانات، و النّبات، و على ذلك قوله: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ‏ [الرعد/ 15]، و قوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَ الشَّمائِلِ‏
__________________________________________________
 (1) المثل في المجمل 2/ 485، و اللسان (سبأ)، و مجمع الأمثال 1/ 275.
 (2) انظر الغريب المصنف ورقة 27 نسخة تركيا.
 (3) التطامن: الانحناء.

396
مفردات ألفاظ القرآن

سجد ص 396

سُجَّداً لِلَّهِ‏ [النحل/ 48]، فهذا سجود تسخير، و هو الدّلالة الصامتة الناطقة المنبّهة على كونها مخلوقة، و أنّها خلق فاعل حكيم، و قوله:
وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَ الْمَلائِكَةُ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ‏ [النحل/ 49]، ينطوي على النّوعين من السّجود، التّسخير و الاختيار، و قوله: وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ‏ [الرحمن/ 6]، فذلك على سبيل التّسخير، و قوله: اسْجُدُوا لِآدَمَ* [البقرة/ 34]، قيل: أمروا بأن يتّخذوه قبلة، و قيل: أمروا بالتّذلّل له، و القيام بمصالحه، و مصالح أولاده، فائتمروا إلّا إبليس، و قوله: ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً* [النساء/ 154]، أي: متذلّلين منقادين، و خصّ السّجود في الشريعة بالرّكن المعروف من الصلاة، و ما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن، و سجود الشّكر، و قد يعبّر به عن الصلاة بقوله: وَ أَدْبارَ السُّجُودِ [ق/ 40]، أي: أدبار الصلاة، و يسمّون صلاة الضّحى: سبحة الضّحى، و سُجُودَ الضّحى، وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ* [طه/ 130] قيل: أريد به الصلاة «1»، و الْمَسْجِدُ: موضع الصلاة اعتبارا بالسجود، و قوله: وَ أَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ‏ [الجن/ 18]، قيل:
عني به الأرض، إذ قد جعلت الأرض كلّها مسجدا و طهورا كما روي في الخبر «2»، و قيل:
الْمَسَاجِدَ: مواضع السّجود: الجبهة و الأنف و اليدان و الرّكبتان و الرّجلان، و قوله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ‏ [النمل/ 25] «3» أي: يا قوم اسجدوا، و قوله: وَ خَرُّوا لَهُ سُجَّداً [يوسف/ 100]، أي: متذلّلين، و قيل: كان السّجود على سبيل الخدمة في ذلك الوقت سائغا، و قول الشاعر:
226-
         وافى بها لدراهم الْإِسْجَادِ «4»
عنى بها دراهم عليها صورة ملك سجدوا له.
سجر
السَّجْرُ: تهييج النار، يقال: سَجَرْتُ التَّنُّورَ، و منه: وَ الْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور/ 6]، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) أخرج عبد الرزاق و غيره عن ابن عباس في الآية قال: هي الصلاة المكتوبة.
 (2) عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «نصرت بالرّعب، و أوتيت جوامع الكلم، و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا، و بينا أنا نائم أتيت بمفاتح خزائن الأرض فتلّت في يدي» أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام 13/ 209، و انظر: شرح السنة 13/ 198.
 (3) هي بتخفيف ألا، على أنها للاستفتاح، و بها قرأ الكسائي و رويس و أبو جعفر. الإتحاف 336.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         من خمر ذي نطف أغنّ منطّق‏

و هو للأسود بن يعفر، و البيت في المفضليات ص 218، و المجمل 2/ 486.

397
مفردات ألفاظ القرآن

سجر ص 397

227-
         إذا شاء طالع مَسْجُورَةً             ترى حولها النّبع و السّاسما «1»

و قوله: وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ‏ [التكوير/ 6] «2» أي: أضرمت نارا، عن الحسن «3»، و قيل: غيضت مياهها، و إنما يكون كذلك لتسجير النار فيه، ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ‏ [غافر/ 72]، نحو:
وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ* [البقرة/ 24]، و سَجَرَتِ الناقة، استعارة لالتهابها في العدو، نحو: اشتعلت الناقة، و السَّجِيرُ: الخليل الذي يسجر في مودّة خليله، كقولهم: فلان محرق في مودّة فلان، قال الشاعر:
228-
         سُجَرَاءُ نفسي غير جمع أشابة «4»


سجل‏
السَّجْلُ: الدّلو العظيمة، و سَجَلْتُ الماء فَانْسَجَلَ، أي: صببته فانصبّ، و أَسْجَلْتُهُ:
أعطيته سجلا، و استعير للعطيّة الكثيرة، و الْمُسَاجَلَةُ: المساقاة بالسّجل، و جعلت عبارة عن المباراة و المناضلة، قال:
229-
         من يُسَاجِلْنِي يُسَاجِلْ ماجدا «5»
و السِّجِّيلُ: حجر و طين مختلط، و أصله فيما قيل: فارسيّ معرّب، و السِّجِلُّ: قيل حجر كان يكتب فيه، ثم سمّي كلّ ما يكتب فيه سجلّا، قال تعالى: كطيّ السِّجِلِّ للكتاب [الأنبياء/ 104] «6»، أي: كطيّه لما كتب فيه حفظا له.
سجن‏
السَّجْنُ: الحبس في السِّجْنِ، و قرئ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ‏ [يوسف/ 33]، بفتح السين «7» و كسرها. قال: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ‏

__________________________________________________
 (1) البيت للنمر بن تولب، و هو في ديوانه ص 380، و مجاز القرآن 2/ 230، و الأضداد ص 54، و اللسان (سسم)، و تفسير القرطبي 17/ 61.
 (2) و عن ابن عباس في الآية قال: تسجر حتى تصير نارا، و عن الحسن: غار ماؤها فذهب. الدر المنثور 8/ 429.
 (3) و عن ابن عباس في الآية قال: تسجر حتى تصير نارا، و عن الحسن: غار ماؤها فذهب. الدر المنثور 8/ 429.
 (4) هذا شطر بيت، و عجزه:
         حشد و لا هلك المفارش عزّل‏

و هو في المخصص 12/ 244 دون نسبة، و هو لأبي كبير الهذلي في شرح أشعار الهذليين 3/ 1071.
و السجراء جمع سجير، و هو الصديق و الخدن.
 (5) الشّطر للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب، و عجزه:
         يملأ الدلو إلى عقد الكرب‏

و هو في اللسان (سجل)، و البصائر 3/ 192، و ديوان الأدب 2/ 390، و الحماسة البصرية 1/ 185.
 (6) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي جعفر و ابن عامر و أبي عمرو و شعبة عن عاصم و يعقوب. و قرأ الباقون للكتب بالجمع. الإتحاف 312.
 (7) و هي قراءة يعقوب، و الباقون بكسر السين. الإتحاف 264.

398
مفردات ألفاظ القرآن

سجن ص 398

 [يوسف/ 35]، وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ‏ [يوسف/ 36]، و السِّجِّينُ: اسم لجهنم، بإزاء علّيّين، و زيد لفظه تنبيها على زيادة معناه، و قيل:
هو اسم للأرض السابعة «1»، قال: لَفِي سِجِّينٍ* وَ ما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ‏ [المطففين/ 7- 8]، و قد قيل: إنّ كلّ شي‏ء ذكره اللّه تعالى بقوله: وَ ما أَدْراكَ* فسّره، و كلّ ما ذكر بقوله:
وَ ما يُدْرِيكَ* تركه مبهما «2»، و في هذا الموضع ذكر: وَ ما أَدْراكَ، و كذا في قوله:
وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ [المطففين/ 19] «3»، ثم فسّر الكتاب لا السّجّين و العليّين، و في هذه لطيفة موضعها الكتب التي تتبع هذا الكتاب إن شاء اللّه تعالى، لا هذا.
سجى‏
قال تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا سَجى‏ [الضحى/ 2]، أي: سكن، و هذا إشارة إلى ما قيل: هدأت الأرجل، و عين سَاجِيَةٌ: فاترة الطّرف، و سَجَى البحر سَجْواً: سكنت أمواجه، و منه استعير: تَسْجِيَةُ الميّت، أي: تغطيته بالثوب.
سحب‏
أصل السَّحْبِ: الجرّ كسحب الذّيل، و الإنسان على الوجه، و منه: السَّحَابُ، إمّا لجرّ الرّيح له، أو لجرّه الماء، أو لانجراره في مرّه، قال تعالى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ‏ [القمر/ 48]، و قال تعالى:
يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ‏ [غافر/ 71]، و قيل:
فلان يَتَسَحَّبُ على فلان، كقولك: ينجرّ، و ذلك إذا تجرّأ عليه، و السَّحَابُ: الغيم فيها ماء أو لم يكن، و لهذا يقال: سحاب جهام «4»، قال تعالى:
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً [النور/ 43]، حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً [الأعراف/ 57]، و قال: وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ‏ [الرعد/ 12]، و قد يذكر لفظه و يراد به الظّلّ و الظّلمة، على طريق التّشبيه، قال تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ‏ [النور/ 40].
سحت‏
السُّحْتُ: القشر الذي يستأصل، قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) أخرج ابن مردويه عن عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «سجين: الأرض السابعة السفلى».
- و هو مرويّ عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و فرقد، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص و ابن جريج. انظر: الدر المنثور 8/ 444.
 (2) انظر: الإتقان في علوم القرآن 1/ 191، و قد تقدّم في مادة درى.
 (3) و عن قتادة قال: عليون فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى.
 (4) قال في اللسان: و الجهام: السحاب الذي لا ماء فيه، و قيل: الذي قد هراق ماءه مع الريح. اللسان (جهم).

399
مفردات ألفاظ القرآن

سحت ص 399

فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ‏ «1». [طه/ 61]، و قرئ:
فَيَسْحَتَكُمْ يقال: سَحَتَهُ و أَسْحَتَهُ، و منه:
السَّحْتُ و السُّحْتُ للمحظور الذي يلزم صاحبه العار، كأنه يسحت دينه و مروءته، قال تعالى:
أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ‏ [المائدة/ 42]، أي: لما يسحت دينهم. و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ» «2».
و سمّي الرّشوة سُحْتاً لذلك، و
رُوِيَ «كَسْبُ الْحَجَّامِ سُحْتٌ» «3».
فهذا لكونه سَاحِتاً للمروءة لا للدّين، أ لا ترى أنه أذن عليه السلام في إعلافه الناضح و إطعامه المماليك «4».
سحر
السَّحَرُ «5»: طرف الحلقوم، و الرّئة، و قيل:
انتفخ سحره، و بعير سَحِيرٌ: عظيم السَّحَرِ، و السُّحَارَةُ: ما ينزع من السّحر عند الذّبح فيرمى به، و جعل بناؤه بناء النّفاية و السّقاطة. و قيل: منه اشتقّ السِّحْرُ، و هو: إصابة السّحر. و السِّحْرُ يقال على معان:
الأوّل: الخداع و تخييلات لا حقيقة لها، نحو ما يفعله المشعبذ بصرف الأبصار عمّا يفعله لخفّة يد، و ما يفعله النمّام بقول مزخرف عائق للأسماع، و على ذلك قوله تعالى:
سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَ اسْتَرْهَبُوهُمْ‏ [الأعراف/ 116]، و قال: يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ‏ [طه/ 66]، و بهذا النّظر سمّوا موسى عليه السلام سَاحِراً فقالوا: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ‏ [الزخرف/ 49].
و الثاني: استجلاب معاونة الشّيطان بضرب من التّقرّب إليه، كقوله تعالى:
هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى‏ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى‏ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الشعراء/ 221- 222]، و على ذلك قوله تعالى: وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة/
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة حفص و حمزة و الكسائي و رويس و خلف، و قرأ الباقون فيسحتكم. الإتحاف 304.
 (2) الحديث عن أبي بكر عن النبي قال: «كلّ جسد نبت من سحت فالنار أولى به» أخرجه البيهقي و أبو نعيم، قال المناوي: و سنده ضعيف، و المشهور على الألسنة: «كلّ لحم نبت من الحرام فالنّار أولى به». راجع: كشف الخفاء 2/ 121.
 (3) الحديث: «كسب الحجام خبيث» أخرجه أحمد في المسند 3/ 364، و أبو داود برقم (3421)، و الترمذي عن رافع بن خديج. و خبثه لا يقتضي حرمته، فقد احتجم عليه السلام و أعطى الحجام أجرته. انظر: كشف الخفاء 2/ 110.
 (4) عن ابن محيصة أحد بني حارثة عن أبيه أنه استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم في إجارة الحجّام فنهاه، فلم يزل يسأله و يستأذنه حتى قال: «اعلفه ناضحك، أو أطعمه رقيقك» رواه الشافعي 2/ 147، و الموطأ 2/ 974، و الترمذي برقم 1277، و ابن ماجة برقم (2166)، و قال الحافظ في الفتح: رجاله ثقات، و انظر: شرح السنة 8/ 19.
 (5) السّحر و السّحر و السّحر: ما التزق بالحلقوم و المري‏ء من أعلى البطن. اللسان (سحر).

400
مفردات ألفاظ القرآن

سحر ص 400

102]، و الثالث: ما يذهب إليه الأغتام «1»، و هو اسم لفعل يزعمون أنه من قوّته يغيّر الصّور و الطّبائع، فيجعل الإنسان حمارا، و لا حقيقة لذلك عند المحصّلين. و قد تصوّر من السّحر تارة حسنه،
فَقِيلَ: «إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ لَسِحْراً» «2».
و تارة دقّة فعله حتى قالت الأطباء: الطّبيعية سَاحِرَةٌ، و سمّوا الغذاء سِحْراً من حيث إنه يدقّ و يلطف تأثيره، قال تعالى: بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ‏ [الحجر/ 15]، أي: مصروفون عن معرفتنا بالسّحر. و على ذلك قوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ* [الشعراء/ 153]، قيل: ممّن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى الغذاء، كقوله تعالى: ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ [الفرقان/ 7]، و نبّه أنه بشر كما قال: ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا* [الشعراء/ 154]، و قيل: معناه ممّن جعل له سحر يتوصّل بلطفه و دقّته إلى ما يأتي به و يدّعيه، و على الوجهين حمل قوله تعالى: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً* [الإسراء/ 47]، و قال تعالى: فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى‏ مَسْحُوراً [الإسراء/ 101]، و على المعنى الثاني دلّ قوله تعالى:
إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ* [سبأ/ 43]، قال تعالى: وَ جاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ‏ [الأعراف/ 116]، و قال: أَ سِحْرٌ هذا وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ‏ [يونس/ 77]، و قال: فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏ [الشعراء/ 38]، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ* [طه/ 70]، و السَّحَرُ و السَّحَرَةُ: اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار، و جعل اسما لذلك الوقت، و يقال: لقيته بأعلى السَّحَرَيْنِ، و الْمُسْحِرُ: الخارج سحرا، و السَّحُورُ: اسم للطعام المأكول سحرا، و التَّسَحُّرُ: أكله.
سحق‏
السَّحْقُ: تفتيت الشي‏ء، و يستعمل في الدّواء إذا فتّت، يقال: سَحَقْتُهُ فَانْسَحَقَ، و في الثوب إذا أخلق، يقال: أَسْحَقَ، و السَّحْقُ: الثوب البالي، و منه قيل: أَسْحَقَ الضّرعُ، أي: صار سَحْقاً لذهاب لبنه، و يصحّ أن يُجعل إِسْحَاقُ منه، فيكون حينئذ منصرفا «3»، و قيل: أبعده اللّه و أَسْحَقَهُ، أي: جعله سَحِيقاً، و قيل: سَحَقَهُ، أي جعله باليا، قال تعالى: فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ [الملك/ 11]، و قال تعالى: أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ‏ [الحج/ 31]، و دم مُنْسَحِقٌ، و سَحُوقٌ مستعار، كقولهم: مدرور.
__________________________________________________
 (1) الغتمة: عجمة في المنطق، و رجل أغتم: لا يفصح شيئا، و قيل للثقيل الروح: غتمي.
 (2) الحديث عن عبد اللّه بن عمر أنه قال: قدم رجلان من المشرق، فخطبا، فعجب الناس لبيانهما، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ من البيان لسحرا، أو إنّ بعض البيان لسحر». أخرجه مالك في باب ما يكره من الكلام، شرح الزرقاني 4/ 403، و البخاري في الطب 10/ 237.
 (3) قال السمين: و هو مردود بمنعه من الصرف. عمدة الحفاظ: سحق.

401
مفردات ألفاظ القرآن

سحل ص 402

سحل‏
قال عزّ و جلّ: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ‏ [طه/ 39]، أي: شاطئ البحر أصله من:
سَحَلَ الحديد، أي: بَرَدَهُ و قَشَرَهُ، و قيل: أصله أن يكون مَسْحُولًا، لكن جاء على لفظ الفاعل، كقولهم: همّ ناصب. و قيل: بل تصوّر منه أنه يَسْحَلُ الماءَ، أي: يفرّقه و يضيّقه، و السُّحَالَةُ:
البرادة، و السَّحِيلُ و السُّحَالُ: نهيق الحمار «1»، كأنه شبّه صوته بصوت سحل الحديد، و الْمِسْحَلُ: اللسان الجهير الصوت، كأنه تصوّر منه سحيل الحمار من حيث رفع صوته، لا من حيث نكرة صوته، كما قال تعالى: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان/ 19]، و الْمِسْحَلَتَانِ: حلقتان على طرفي شكيم «2» اللّجام.
سخر
التَّسْخِيرُ: سياقة إلى الغرض المختصّ قهرا، قال تعالى: وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ‏ [الجاثية/ 13]، وَ سَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ دائِبَيْنِ‏ [إبراهيم/ 33]، وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ* [إبراهيم/ 33]، وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ‏ [إبراهيم/ 32]، كقوله: سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏ [الحج/ 36]، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا [الزخرف/ 13]، فَالْمُسَخَّرُ هو المقيّض للفعل، و السُّخْرِيُّ: هو الذي يقهر فَيَتَسَخَّرُ بإرادته، قال:
لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا [الزخرف/ 32]، و سَخِرْتُ منه، و اسْتَسْخَرْتُهُ لِلْهُزْءِ منه، قال تعالى: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏ [هود/ 38]، بَلْ عَجِبْتَ وَ يَسْخَرُونَ‏ [الصافات/ 12]، و قيل:
رجل سُخَرَةٌ: لمن سَخِرَ، و سُخْرَةٌ لمن يُسْخَرُ منه «3»، و السُّخْرِيَةُ و السِّخْرِيَةُ: لفعل الساخر.
و قوله تعالى: فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا [المؤمنون/ 110]، و سِخْرِيًّا «4»، فقد حمل على الوجهين على التّسخير، و على السّخرية قوله تعالى: وَ قالُوا ما لَنا لا نَرى‏ رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ* أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا [ص/ 62- 63]. و يدلّ على الوجه الثاني قوله بعد: وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون/ 110].
سخط
السَّخَطُ و السُّخْطُ: الغضب الشديد المقتضي للعقوبة، قال: إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ‏ [التوبة/
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 488.
 (2) الشكيمة: الحديدة المعترضة في الفم.
 (3) راجع مادة (برم) في الحاشية.
 (4) قرأ نافع و حمزة و الكسائي و أبو جعفر و خلف بضم السين، و الباقون بكسرها. الإتحاف 321.

402
مفردات ألفاظ القرآن

سخط ص 402

58]، و هو من اللّه تعالى: إنزال العقوبة، قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ‏ [محمد/ 28]، أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏ [المائدة/ 80]، كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 162].
سد
السَّدُّ و السُّدُّ قيل هما واحد، و قيل: السُّدُّ: ما كان خلقة، و السَّدُّ: ما كان صنعة «1»، و أصل السَّدِّ مصدر سَدَدْتُهُ، قال تعالى: بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا، [الكهف/ 94]، و شبّه به الموانع، نحو: وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا [يس/ 9]، و قرئ سُدًّا «2» السُّدَّةُ: كالظُّلَّة على الباب تقية من المطر، و قد يعبّر بها عن الباب، كما
قِيلَ:
 (الْفَقِيرُ الَّذِي لَا يُفْتَحُ لَهُ سُدَدُ السُّلْطَانِ) «3».
و السَّدَادُ و السَّدَدُ: الاستقامة، و السِّدَادُ: ما يُسَدُّ به الثّلمة و الثّغر، و استعير لما يسدّ به الفقر.
سدر
السِّدْرُ: شجر قليل الغناء عند الأكل، و لذلك قال تعالى: وَ أَثْلٍ وَ شَيْ‏ءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ‏ [سبأ/ 16]، و قد يخضد و يستظلّ به، فجعل ذلك مثلا لظلّ الجنة و نعيمها في قوله تعالى:
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة/ 28]، لكثرة غنائه في الاستظلال، و قوله تعالى: إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى‏ [النجم/ 16]، فإشارة إلى مكان اختصّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فيه بالإفاضة الإلهية، و الآلاء الجسيمة، و قد قيل: إنها الشجرة التي بويع النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم تحتها «4»، فأنزل اللّه تعالى السّكينة فيها على المؤمنين، و السَّدَرُ: تحيّر البصر، و السَّادِرُ: المتحيّر، و سَدَرَ شَعْرَهُ، قيل:
هو مقلوب عن دَسَرَ.
سدس‏
السُّدُسُ: جزء من ستّة، قال تعالى: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ‏ [النساء/ 11]، و السِّدْسُ في الإظماء، و سِتٌّ أصله سِدْسٌ «5»، و سَدَسْتُ القومَ: صرت سادسهم، و أخذت سُدُسَ أموالهم، و جاء سَادِساً، و سَاتّاً، و سَادِياً بمعنى، قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 3/ 204، و عمدة الحفّاظ: سدّ.
 (2) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و شعبة عن عاصم و يعقوب.
 (3) و عن أبي الدرداء أنه أتى باب معاوية فلم يأذن له، فقال: من يأت سدد السلطان يقم و يقعد. انظر: الفائق 2/ 167، و البصائر 3/ 204.
 (4) و هذا من بدع التفاسير، لأن السدرة في السماء، كما صحت الأخبار بذلك، و لأنّ اللّه تعالى قال: عندها جنّة المأوى.
 (5) في اللسان، قال الليث: السّتّ و السّتّة في الأصل: سدس و سدسة، و لكنهم أرادوا إدغام الدال في السين، فالتقيا عند مخرج التاء، فغلبت عليها، كما غلبت الحاء على العين في لغة سعد، فيقولون: كنت محهم، في معنى معهم. راجع: اللسان (ستّ)، و عمدة الحفاظ: سدس.

403
مفردات ألفاظ القرآن

سدس ص 403

وَ لا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ‏ [المجادلة/ 7]، و قال تعالى: وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ‏ [الكهف/ 22]، و يقال: لا أفعل كذا سَدِيسَ عجيس، أي: أبدا «1»، و السُّدُوسُ: الطّيلسان، و السُّنْدُسُ: الرّقيق من الدّيباج، و الْإِسْتَبْرَقُ:
الغليظ منه.
سرر
الْإِسْرَارُ: خلاف الإعلان، قال تعالى: سِرًّا وَ عَلانِيَةً* [إبراهيم/ 31]، و قال تعالى:
وَ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَ ما تُعْلِنُونَ‏ [التغابن/ 4]، و قال تعالى: وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ‏ [الملك/ 13]، و يستعمل في الأعيان و المعاني، و السِّرُّ هو الحديث المكتم في النّفس. قال تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏ [طه/ 7]، و قال تعالى: أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ‏ [التوبة/ 78]، و سَارَّهُ: إذا أوصاه بأن يسرّه، و تَسَارَّ القومُ، و قوله: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ* [يونس/ 54]، أي:
كتموها «2» و قيل: معناه أظهروها بدلالة قوله تعالى:
يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا [الأنعام/ 27]، و ليس كذلك، لأنّ النّدامة التي كتموها ليست بإشارة إلى ما أظهروه من قوله: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا [الأنعام/ 27]، و أَسْرَرْتُ إلى فلان حديثا: أفضيت إليه في خفية، قال تعالى: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُ‏ [التحريم/ 3]، و قوله: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة/ 1]، أي: يطلعونهم على ما يسرّون من مودّتهم، و قد فسّر بأنّ معناه:
يظهرون «3»، و هذا صحيح، فإنّ الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسّرّ، و إن كان يقتضي إخفاءه عن غيره، فإذا قولهم أسررت إلى فلان يقتضي من وجه الإظهار، و من وجه الإخفاء، و على هذا قوله: وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً [نوح/ 9]. و كنّي عن النكاح بِالسِّرِّ من حيث إنه يخفى، و استعير للخالص، فقيل:
هو من سِرِّ قومه «4»، و منه: سِرُّ الوادي و سَرَارَتُهُ، و سُرَّةُ البطن: ما يبقى بعد القطع، و ذلك لاستتارها بعكن البطن، و السُّرُّ و السّرَرُ يقال لما يقطع منها. و أَسِرَّةُ الرّاحة، و أَسَارِيرُ الجبهة، لغضونها، و السَّرَارُ، اليوم الذي يستتر فيه القمر آخر الشهر. و السُّرُورُ: ما ينكتم من الفرح، قال‏
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (عجس)، و المجمل 2/ 493.
 (2) و هو قول الفرّاء في معاني القرآن له 1/ 469.
 (3) و هذا مرويّ عن أبي عبيدة و قطرب، و قد ذكره ابن الأنباري في الأضداد.
و قال شمّر: و ما قال غير أبي عبيدة في قوله: و أسرّوا النّدامة* أي: أظهروها. قال: و لم أسمع ذلك لغيره.
قال الأزهري: و أهل اللغة أنكروا قول أبي عبيدة أشدّ الإنكار. انظر: اللسان (سرر)، و مجاز القرآن 2/ 34، و أضداد ابن الأنباري ص 45، و عمدة الحفاظ: سرّ، و المجمل 2/ 458.
 (4) راجع: اللسان (سرر).

404
مفردات ألفاظ القرآن

سرر ص 404

تعالى: وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً [الإنسان/ 11]، و قال: تَسُرُّ النَّاظِرِينَ‏ [البقرة/ 69]، و قوله تعالى في أهل الجنة: وَ يَنْقَلِبُ إِلى‏ أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق/ 9]، و قوله في أهل النار:
إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً [الانشقاق/ 13]، تنبيه على أنّ سُرُورَ الآخرة يضادّ سرور الدّنيا، و السَّرِيرُ: الذي يجلس عليه من السّرور، إذ كان ذلك لأولي النّعمة، و جمعه أَسِرَّةٌ، و سُرُرٌ، قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلى‏ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [الطور/ 20]، فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [الغاشية/ 13]، وَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ‏ [الزخرف/ 34]، و سَرِيرُ الميّت تشبيها به في الصّورة، و للتّفاؤل بالسّرور الذي يلحق الميّت برجوعه إلى جوار اللّه تعالى، و خلاصه من سجنه المشار إليه‏
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ» «1».
سرب‏
السَّرَبُ: الذّهاب في حدور، و السَّرَبُ:
الْمَكَانُ الْمُنْحَدِرُ، قال تعالى: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً [الكهف/ 61]، يقال: سَرَبَ سَرَباً و سُرُوباً «2»، نحو مرّ مرّا و مرورا، و انْسَرَبَ انْسِرَاباً كذلك، لكن سَرَبَ يقال على تصوّر الفعل من فاعله، و انْسَرَبَ على تصوّر الانفعال منه. و سَرَبَ الدّمع: سال، و انْسَرَبَتِ الحَيَّةُ إلى جُحْرِهَا، و سَرَبَ الماء من السّقاء، و ماء سَرَبٌ، و سَرِبٌ: متقطّر من سقائه، و السَّارِبُ: الذّاهب في سَرَبِهِ أيّ طريق كان، قال تعالى: وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ [الرعد/ 10]، و السَّرْبُ: جمع سَارِبٍ، نحو: ركب و راكب، و تعورف في الإبل حتى قيل: زُعِرَتْ سَرْبُهُ، أي: إبله. و هو آمن في سِرْبِهِ، أي: في نفسه، و قيل: في أهله و نسائه، فجعل السِّرْبُ كناية، و قيل: اذهبي فلا أنده سَرْبَكِ «3»، في الكناية عن الطّلاق، و معناه: لا أردّ إبلك الذّاهبة في سربها، و السُّرْبَةُ: قطعة من الخيل نحو العشرة إلى العشرين. و الْمَسْرُبَةُ: الشّعر المتدلّي من الصّدر، السَّرَابُ: اللامع في المفازة كالماء، و ذلك لانسرابه في مرأى العين، و كان‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر». أخرجه مسلم في كتاب الزهد برقم (2956)، و أحمد في المسند 2/ 323، و ابن ماجة (4113).
و في آخر عن عبد اللّه بن عمرو عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «الدنيا سجن المؤمن و سنته، و إذا فارق الدنيا فارق السجن و السنة». أخرجه أحمد 1/ 917، و الحاكم 4/ 315.
 (2) انظر: الأفعال 3/ 511، و البصائر 3/ 211.
 (3) قولهم: اذهب فلا أنده سربك، أي: لا أردّ إبلك حتى تذهب حيث شاءت، أي: لا حاجة لي فيك، و يقولون للمرأة عند الطلاق: اذهبي فلا أنده سربك. فتطلق بهذه الكلمة، و كان هذا في الجاهلية، و أصل النده: الزجر.
راجع: اللسان (سرب)، و عمدة الحفاظ: سرب.

405
مفردات ألفاظ القرآن

سرب ص 405

السّراب فيما لا حقيقة له كالشّراب فيما له حقيقة، قال تعالى: كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً [النور/ 39]، و قال تعالى:
وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً [النبأ/ 20]
سربل‏
السِّرْبَالُ: القميص من أيّ جنس كان، قال:
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ‏ [إبراهيم/ 50]، سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ‏ [النحل/ 81]، أي: تقي بعضكم من بأس بعض.
سرج‏
السِّرَاجُ: الزّاهر بفتيلة و دهن، و يعبّر به عن كلّ مضي‏ء، قال: وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً [نوح/ 16]، سِراجاً وَهَّاجاً [النبأ/ 13]، يعني: الشمس. يقال: أَسْرَجْتُ السّراج، و سَرَّجْتُ كذا: جعلته في الحسن كالسّراج، قال الشاعر:
230-
         و فاحما و مرسنا مُسَرَّجاً «1»
و السَّرْجُ: رحالة الدّابّة، و السَّرَّاجُ صانعه.
سرح‏
السَّرْحُ: شجر له ثمر، الواحدة: سَرْحَةٌ، و سَرَّحْتُ الإبل، أصله: أن ترعيه السَّرْحَ، ثمّ جعل لكلّ إرسال في الرّعي، قال تعالى:
وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ‏ [النحل/ 6]، و السَّارِحُ: الرّاعي، و السَّرْحُ جمع كالشّرب «2»، و التَّسْرِيحُ في الطّلاق، نحو قوله تعالى: أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ‏ [البقرة/ 229]، و قوله: وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا [الأحزاب/ 49]، مستعار من تَسْرِيحِ الإبل، كالطّلاق في كونه مستعارا من إطلاق الإبل، و اعتبر من السّرح المضيّ، فقيل: ناقة سَرْحٌ: تسرح في سيرها، و مضى سرحا سهلا. و الْمُنْسَرِحُ: ضرب من الشّعر استعير لفظه من ذلك.
سرد
السَّرْدُ: خرز ما يخشن و يغلظ، كنسج الدّرع، و خرز الجلد، و استعير لنظم الحديد.
قال: وَ قَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ/ 11]، و يقال:
سَرْدٌ و زَرْدٌ، و السِّرَادُ، و الزّراد، نحو سراط، و صراط، و زراط، و الْمِسْرَدُ: المثقب.
سردق‏
السُّرَادِقُ فارسيّ معرّب، و ليس في كلامهم‏
__________________________________________________
 (1) الرجز للعجاج في ديوانه ص 361، و المجمل 2/ 294، و اللسان (سرج)، و أمالي القالي 2/ 240، و سر الفصاحة ص 70.
 (2) قال ابن مالك في مثلثه:
         و الشّاربون قيل فيهم شرب             و كلّ حظّ من شراب شرب‏
             و شرب و إن تشأ فشرب             جمع شروب مكثر الشّراب.

 

406
مفردات ألفاظ القرآن

سردق ص 406

اسم مفرد ثالثه ألف. و بعده حرفان «1»، قال تعالى: أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها [الكهف/ 29]، و قيل: بيت مُسَرْدَقٌ، مجعول على هيئة سرادق.
سرط
السِّرَاطُ: الطّريق المستسهل، أصله من:
سَرَطْتُ الطعامَ و زَرَدْتُهُ: ابتلعته، فقيل: سِرَاطٌ، تصوّرا أنه يبتلعه سالكه، أو يبتلع سالكه، أ لا ترى أنه قيل: قتل أرضا عالمها، و قتلت أرض جاهلها، و على النّظرين قال أبو تمام:
231-
         رعته الفيافي بعد ما كان حقبة             رعاها و ماء المزن ينهلّ ساكبه «2»

و كذا سمّي الطريق اللَّقَمَ، و الْمُلْتَقِمَ، اعتبارا بأنّ سالكه يلتقمه.
سرع‏
السُّرْعَةُ: ضدّ البطء، و يستعمل في الأجسام، و الأفعال، يقال: سَرُعَ، فهو سَرِيعٌ، و أَسْرَعَ فهو مُسْرِعٌ، و أَسْرَعُوا: صارت إبلهم سِرَاعاً، نحو:
أبلدوا، و سَارَعُوا، و تَسَارَعُوا. قال تعالى:
وَ سارِعُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ‏ [آل عمران/ 133]، وَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ‏ [آل عمران/ 114]، يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً [ق/ 44]، و قال: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [المعارج/ 43]، و سَرَعَانُ القوم: أوائلهم السِّرَاعُ. و قيل: (سَرْعَانَ ذا إهالة) «3»
، و ذلك مبنيّ من سرع، كوشكان من وشك، و عجلان من عجل، و قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ* [المائدة/ 4]، و سَرِيعُ الْعِقابِ* [الأنعام/ 165]، فتنبيه على ما قال:
إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس/ 82].
سرف‏
السَّرَفُ: تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، و إن كان ذلك في الإنفاق أشهر. قال تعالى: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان/ 67]، وَ لا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَ بِداراً [النساء/ 6]، و يقال تارة اعتبارا بالقدر، و تارة بالكيفيّة، و لهذا
قَالَ سُفْيَانُ: (مَا أَنْفَقْتَ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ، وَ إِنْ كَانَ قَلِيلًا) «4».
قال اللّه تعالى: وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ*

__________________________________________________
 (1) انظر: التعريب و المعرّب ص 110.
 (2) البيت في ديوانه ص 48، من قصيدة له يمدح بها عبد اللّه بن طاهر بن الحسين، و مطلعها:
         هنّ عوادي يوسف و صواحبه             فعزما فقدما أدرك السؤل طالبه.

 (3) هذا مثل، و أصله أنّ رجلا كان يحمّق، اشترى شاة عجفاء يسيل رغامها هزالا و سوء حال فظنّ أنّه ودك، فقال:
سرعان إذا هالة. اللسان (سرع)، و الأمثال ص 305.
 (4) انظر: البصائر 3/ 216.

407
مفردات ألفاظ القرآن

سرف ص 407

الْمُسْرِفِينَ* [الأنعام/ 141]، وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ [غافر/ 43]، أي:
المتجاوزين الحدّ في أمورهم، و قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ‏ [غافر/ 28]، و سمّي قوم لوط مُسْرِفِينَ «1»، من حيث إنهم تعدّوا في وضع البذر في الحرث المخصوص له المعنيّ بقوله: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ [البقرة/ 223]، و قوله: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ [الزمر/ 53]، فتناول الإسراف في المال، و في غيره. و قوله في القصاص: فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ‏ [الإسراء/ 33]، فسرفه أن يقتل غير قاتله، إمّا بالعدول عنه إلى من هو أشرف منه، أو بتجاوز قتل القاتل إلى غيره حسبما كانت الجاهلية تفعله، و قولهم: مررت بكم فَسَرِفْتُكُمْ «2»، أي: جهلتكم، من هذا، و ذاك أنه تجاوز ما لم يكن حقّه أن يتجاوز فجهل، فلذلك فسّر به، و السُّرْفَةُ: دويبّة تأكل الورق، و سمّي بذلك لتصوّر معنى الإسراف منه، يقال:
سُرِفَتِ الشجرةُ فهي مَسْرُوفَةٌ.
سرق‏
السَّرِقَةُ: أخذ ما ليس له أخذه في خفاء، و صار ذلك في الشّرع لتناول الشي‏ء من موضع مخصوص، و قدر مخصوص، قال تعالى:
وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ [المائدة/ 38]، و قال تعالى: قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ‏ [يوسف/ 77]، و قال: أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ‏ [يوسف/ 70]، إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ‏ [يوسف/ 81]، و اسْتَرَقَ السّمع: إذا تسمّع مستخفيا، قال تعالى: إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ‏ [الحجر/ 18]، و السَّرَقُ و السَّرَقَةُ واحد، و هو الحرير.
سرمد
السَّرْمَدُ: الدّائم، قال تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً [القصص/ 71]، و بعده: النَّهارَ سَرْمَداً [القصص/ 72].
سرى‏
السُّرَى: سير اللّيل، يقال: سَرَى و أَسْرَى.
قال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ* [هود/ 81]، و قال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء/ 1]، و قيل: إنّ (أَسْرى‏) ليست من لفظة سرى يسري، و إنما هي من السَّرَاةِ، و هي أرض واسعة، و أصله من الواو، و منه قول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) قال تعالى: و لوطا إذ قال لقومه: أ تأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين* إنّكم لتأتون الرّجال شهوة من دون النّساء بل أنتم قوم مسرفون الأعراف/ 80- 81.
 (2) حكى الأصمعيّ عن بعض الأعراب و واعده أصحاب له من المسجد مكانا، فأخلفهم، فقيل له في ذلك، فقال:
مررت بكم فسرفتكم، أي: أغفلتكم. انظر الصحاح، و العباب: سرف.

408
مفردات ألفاظ القرآن

سرى ص 408

232-
         بسرو حمير أبوال البغال به «1»

فأسرى نحو أجبل و أتهم، و قوله تعالى:
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ‏ [الإسراء/ 1]، أي: ذهب به في سراة من الأرض، و سَرَاةُ كلّ شي‏ء: أعلاه، و منه: سَرَاةُ النهار، أي: ارتفاعه، و قوله تعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم/ 24] أي: نهرا يسري «2»، و قيل: بل ذلك من السّرو، أي: الرّفعة. يقال، رجل سَرْوٌ.
قال: و أشار بذلك إلى عيسى عليه السلام و ما خصّه به من سروه، يقال: سَرَوْتُ الثوبَ عنّي، أي: نزعته، و سَرَوْتُ الجُلَّ عن الفرس «3»، و قيل: و منه: رجل سَرِيٌّ، كأنه سَرَى ثوبه بخلاف المتدثّر، و المتزمّل، و الزّمّيل «4»، و قوله: و أَسَرُّوهُ بِضاعَةً [يوسف/ 19]، أي: خمّنوا في أنفسهم أن يحصّلوا من بيعه بضاعة، و السَّارِيَةُ يقال للقوم الذين يَسْرُونَ بالليل، و للسّحابة التي تسري، و للأسطوانة.
سطح‏
السَّطْحُ: أعلى البيت. يقال: سَطَحْتُ البيت: جعلت له سطحا، و سَطَحْتُ المكان:
جعلته في التّسوية كَسَطْحٍ، قال: وَ إِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ‏ [الغاشية/ 20]، و انْسَطَحَ الرّجل: امتدّ على قفاه، قيل: و سمّي سَطِيحُ الكاهن «5» لكونه مُنْسَطِحاً لزمانة.
و الْمِسْطَحُ: عمود الخيمة الذي يجعل به لها سطحا، و سَطَحْتُ الثّريدة في القصعة: بسطتها.
سطر
السَّطْرُ و السَّطَرُ: الصّفّ من الكتابة، و من الشّجر المغروس، و من القوم الوقوف، و سَطَّرَ فلان كذا: كتب سطرا سطرا، قال تعالى: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ‏ [القلم/ 1]، و قال تعالى:
وَ الطُّورِ* وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ [الطور/ 1- 2]، و قال: كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً* [الإسراء/ 58]، أي: مثبتا محفوظا، و جمع السّطر أَسْطُرٌ، و سُطُورٌ، و أَسْطَارٌ، قال الشاعر:
233-
         إنّي و أَسْطَارٍ سُطِرْنَ سَطْراً «6»

و أما قوله: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* [الأنعام/ 24]، فقد قال المبرّد: هي جمع أُسْطُورَةٍ،
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         أنّى تسدّيت وهنا ذلك البينا

و هو لابن مقبل في ديوانه ص 316، و شرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 497.
 (2) أخرجه ابن جرير 16/ 69 عن ابن عباس و مجاهد.
 (3) و جلّ الدابة و جلّها: الذي تلبسه لتصان به، و الجمع أجلال و جلال. اللسان (جلل).
 (4) الزّمّيل و الزّمل و الزّمّل بمعنى الضعيف الجبان الرذل.
 (5) راجع: خبره في أعلام النبوة للماوردي ص 165.
 (6) هذا شطر بيت، و عجزه:
         لقائل يا نصر نصر نصرا.

409
مفردات ألفاظ القرآن

سطر ص 409

نحو: أرجوحة و أراجيح، و أثفيّة و أثافي، و أحدوثة و أحاديث. و قوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ‏ [النحل/ 24]، أي: شي‏ء كتبوه كذبا و مينا، فيما زعموا، نحو قوله تعالى: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا [الفرقان/ 5]، و قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية/ 21- 22]، و قوله: أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ‏ [الطور/ 37]، فإنه يقال: تَسَيْطَرَ فلان على كذا، و سَيْطَرَ عليه: إذا أقام عليه قيام سطر، يقول: لست عليهم بقائم. و استعمال (الْمُسَيْطِرِ) هاهنا كاستعمال (القائم) في قوله:
أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الرعد/ 33]، و (حفيظ) في قوله: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ* [الأنعام/ 104]، و قيل: معناه لست عليهم بحفيظ، فيكون المسيطر (كالكاتب) في قوله: وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ[الزخرف/ 80]، و هذه الكتابة هي المذكورة في قوله:
أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج/ 70].
سطا
السَّطْوَةُ: البطش برفع اليد. يقال: سَطَا به.
قال تعالى: يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا [الحج/ 72]، و أصله من: سَطَا الفرس على الرّمكة «1» يَسْطُو إذا أقام على رجليه رافعا يديه إمّا مرحا، و إمّا نزوا على الأنثى، و سَطَا الرّاعي: أخرج الولد ميّتا من بطن أمّه، و تستعار السَّطْوَةُ للماء كالطّغو، يقال: سَطَا الماء و طغى.
سعد
السَّعْدُ و السَّعَادَةُ: معاونة الأمور الإلهية للإنسان على نيل الخير، و يضادّه الشّقاوة، يقال: سَعِدَ و أَسْعَدَهُ اللّه، و رجل سَعِيدٌ، و قوم سُعَدَاءُ، و أعظم السّعادات الجنّة، فلذلك قال تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ [هود/ 108]، و قال: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ [هود/ 105]، و الْمُسَاعَدَةُ: المعاونة فيما يظنّ به سَعَادَةً. و
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لَبَّيْكَ وَ سَعْدَيْكَ» «2».
معناه:
أسعدك اللّه إسعادا بعد إسعاد، أو سَاعَدَكُمْ مُسَاعَدَةً بعد مساعدة، و الأوّل أولى. و الْإِسْعَادُ في البكاء خاصّة، و قد اسْتَسْعَدْتُهُ فَأَسْعَدَنِي.
__________________________________________________
و هو لذي الرمّة، و قيل لرؤبة بن العجاج، و هو في ديوان رؤبة ص 174، و شواهد سيبويه 1/ 304، و شذور الذهب ص 564، و ابن يعيش 2/ 3.
 (1) الرّمكة: الأنثى من البراذين، و الجمع رماك و رمكات. اللسان (رمك).
 (2) عن عبد اللّه بن عمر أنّ تلبية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لبّيك اللهم لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك». قال نافع: و كان عبد اللّه بن عمر يزيد فيها: لبّيك لبّيك، لبّيك و سعديك، و الخير بيديك،.

410
مفردات ألفاظ القرآن

سعد ص 410

و السَّاعِدُ: العضو تصوّرا لِمُسَاعَدَتِهَا، و سمّي جناحا الطائر سَاعِدَيْنِ كما سمّيا يدين، و السَّعْدَانُ: نبت يغزر اللّبن، و لذلك قيل: مرعى و لا كَالسَّعْدَانِ «1»
، و السَّعْدَانَةُ: الحمامة، و عقدة الشّسع، و كركرة البعير، و سُعُودُ الكواكب معروفة.
سعر
السَّعْرُ: التهاب النار، و قد سَعَرْتُهَا، و سَعَّرْتُهَا، و أَسْعَرْتُهَا، و الْمِسْعَرُ: الخشب الذي يُسْعَرُ به، و اسْتَعَرَ الحرب، و اللّصوص، نحو: اشتعل، و ناقة مَسْعُورَةٌ، نحو: موقدة، و مهيّجة. السُّعَارُ:
حرّ النار، و سُعِرَ الرّجل: أصابه حرّ، قال تعالى:
وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء/ 10]، و قال تعالى: وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ‏ [التكوير/ 12]، و قرئ بالتخفيف «2»، و قوله: عَذابَ السَّعِيرِ* [الملك/ 5]، أي: حميم، فهو فعيل في معنى مفعول، و قال تعالى: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ [القمر/ 47]، و السِّعْرُ في السّوق، تشبيها بِاسْتِعَارِ النار.
سعى‏
السَّعْيُ: المشي السّريع، و هو دون العدو، و يستعمل للجدّ في الأمر، خيرا كان أو شرّا، قال تعالى: وَ سَعى‏ فِي خَرابِها [البقرة/ 114]، و قال: نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ‏ [التحريم/ 8]، و قال: وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً* [المائدة/ 64]، وَ إِذا تَوَلَّى سَعى‏ فِي الْأَرْضِ‏ [البقرة/ 205]، وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏* وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى‏ [النجم/ 39- 40]، إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى‏ [الليل/ 4]، و قال تعالى: وَ سَعى‏ لَها سَعْيَها [الإسراء/ 19]، كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً [الإسراء/ 19]، و قال تعالى: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ‏ [الأنبياء/ 94].
و أكثر ما يستعمل السَّعْيُ في الأفعال المحمودة، قال الشاعر:
234-
         إن أجز علقمة بن سعد سعيه             لا أجزه ببلاء يوم واحد «3»

و قال تعالى: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ‏ [الصافات/ 102]، أي: أدرك ما سعى في‏
__________________________________________________
لبّيك و الرّغبى إليك و العمل. زاد مسلم: قال ابن عمر: كان عمر يهلّ بهذا و يزيد: لبيك ... إلخ. أخرجه البخاري و مسلم و مالك، انظر: شرح السنة 7/ 49، و مسلم (1184)، و فتح الباري 3/ 409- 410.
 (1) السّعدان: شوك النخل، و العرب تقول: أطيب الإبل لبنا ما أكل السعدان.
و قولهم: مرعى و لا كالسّعدان، مثل، و سئلت امرأة تزوّجت عن زوجها الثاني، أين هو من الأول؟ فقالت: مرعى و لا كالسعدان، فذهبت مثلا. اللسان (سعد)، و الأمثال ص 135.
 (2) قرأ بالتخفيف ابن كثير و هشام و أبو عمرو و حمزة و الكسائي و روح عن يعقوب و خلف و شعبة عن عاصم.
 (3) البيت لفدكي بن أعبد، و هو في الحيوان 3/ 468، و البيان و التبيين 3/ 233، و اللسان (لمم).

411
مفردات ألفاظ القرآن

سعى ص 411

طلبه، و خصّ المشي فيما بين الصّفا و المروة بِالسَّعْيِ، و خصّت السِّعَايَةُ بالنميمة، و بأخذ الصّدقة، و بكسب المكاتب لعتق رقبته، و الْمُسَاعَاةُ بالفجور، و الْمَسْعَاةُ بطلب المكرمة، قال تعالى: وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ* [سبأ/ 5]، أي: اجتهدوا في أن يظهروا لنا عجزا فيما أنزلناه من الآيات.
سغب‏
قال تعالى: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ [البلد/ 14]، من السَّغَبِ، و هو الجوع مع التّعب، و قد قيل: في العطش مع التّعب، يقال: سَغِبَ سَغَباً و سُغُوباً «1»، و هو سَاغِبٌ، و سَغْبَانُ، نحو: عطشان.
سفر
السَّفْرُ: كشف الغطاء، و يختصّ ذلك بالأعيان، نحو: سَفَرَ العمامة عن الرّأس، و الخمار عن الوجه، و سَفْرُ البيتِ: كَنْسُهُ بِالْمِسْفَرِ، أي: المكنس، و ذلك إزالة السَّفِيرِ عنه، و هو التّراب الذي يكنس منه، و الْإِسْفارُ يختصّ باللّون، نحو: وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ [المدثر/ 34]، أي: أشرق لونه، قال تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ [عبس/ 38]، و «أَسْفِرُوا بالصّبح تؤجروا» «2» من قولهم:
أَسْفَرْتُ، أي: دخلت فيه، نحو: أصبحت، و سَفَرَ الرّجل فهو سَافِرٌ، و الجمع السَّفْرُ، نحو:
ركب. و سَافَرَ خصّ بالمفاعلة اعتبارا بأنّ الإنسان قد سَفَرَ عن المكان، و المكان سفر عنه، و من لفظ السَّفْرِ اشتقّ السُّفْرَةُ لطعام السَّفَرِ، و لما يوضع فيه. قال تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى‏ أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ* [النساء/ 43]، و السِّفْرُ: الكتاب الذي يُسْفِرُ عن الحقائق، و جمعه أَسْفَارٌ، قال تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً [الجمعة/ 5]، و خصّ لفظ الأسفار في هذا المكان تنبيها أنّ التّوراة- و إن كانت تحقّق ما فيها- فالجاهل لا يكاد يستبينها كالحمار الحامل لها، و قوله تعالى: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ [عبس/ 15- 16]، فهم الملائكة الموصوفون بقوله:
كِراماً كاتِبِينَ [الانفطار/ 11]، و السَّفَرَةُ:
جمع سَافِرٍ، ككاتب و كتبة، و السَّفِيرُ: الرّسول بين القوم يكشف و يزيل ما بينهم من الوحشة،
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: سغب و سغب لغتان، و لغة سغب بالضم: جاع.
و قال بعض أهل اللغة: لا يكون السّغب إلا الجوع مع التعب، و ربما سمّي العطش سغبا، و ليس بمستعمل، قال: و المصدر: السّغابة و السّغوب. انظر: الأفعال 3/ 519.
 (2) الحديث عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «أسفروا بالفجر فإنّه أعظم للأجر». أخرجه الترمذي و قال: حسن صحيح، و أحمد 3/ 465، و ابن ماجة (262) و صححه، و النسائي 1/ 272، و قال البغوي:
هذا حديث حسن، و انظر: شرح السنة 2/ 196.

412
مفردات ألفاظ القرآن

سفر ص 412

فهو فعيل في معنى فاعل، و السِّفَارَةُ: الرّسالة، فالرّسول، و الملائكة، و الكتب، مشتركة في كونها سَافِرَةٌ عن القوم ما استبهم عليهم، و السَّفِيرُ: فيما يكنس في معنى المفعول، و السِّفَارُ في قول الشاعر:
235-
         و ما السِّفَارُ قبّح السِّفَارُ «1»
فقيل: هو حديدة تجعل في أنف البعير، فإن لم يكن في ذلك حجّة غير هذا البيت، فالبيت يحتمل أن يكون مصدر سَافَرْتُ «2».
سفع‏
السَّفْعُ: الأخذ بِسُفْعَةِ الفرس، أي: سواد ناصيته، قال اللّه تعالى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ [العلق/ 15]، و باعتبار السّواد قيل للأثافي:
سُفْعٌ، و به سُفْعَةُ غضب، اعتبارا بما يعلو من اللّون الدّخانيّ وجه من اشتدّ به الغضب، و قيل للصّقر: أَسْفَعُ، لما به من لمع السّواد، و امرأة سَفْعَاءُ اللّون.
سفك‏
السَّفْكُ في الدّم: صَبُّهُ، قال تعالى: وَ يَسْفِكُ الدِّماءَ [البقرة/ 30]، و كذا في الجوهر المذاب، و في الدّمع.
سفل‏
السُّفْلُ: ضدّ العلو، و سَفُلَ فهو سَافِلٌ، قال تعالى: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها [الحجر/ 74]، و أَسْفَلُ ضدّ أعلى، قال تعالى: وَ الرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏ [الأنفال/ 42]، و سَفُلَ صار في سفل، و قال تعالى: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ‏ [التين/ 5]، و قال: وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‏ [التوبة/ 40]، و قد قوبل بفوق في قوله: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏ [الأحزاب/ 10]، و سُفَالَةُ الرّيح:
حيث تمرّ الرّيح، و العلاوة ضدّه. و السِّفْلَةُ «3» من الناس: النّذل، نحو الدّون، و أمرهم في سَفَالٍ.
سفن‏
السَّفَنُ: نحت ظاهر الشي‏ء، كَسَفَنَ العودَ، و الجلدَ، و سَفَنَ الرّيح التّراب عن الأرض، قال الشاعر:
236-
         فجاء خفيّا يَسْفِنُ الأرض صدره «4»
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         ما كان أجمالي و ما القطار

و هو في مقاييس اللغة (سفر)، و المجمل 2/ 465.
 (2) و هذا من اجتهادات الراغب في اللغة.
 (3) يقال: السّفلة، و السّفلة، كاللّبنة و اللّبنة.
 (4) هذا شطر بيت، و عجزه:
         ترى التّرب منه لاصقا كلّ ملصق‏

و هو لامرئ القيس في ديوانه ص 138، و البصائر 3/ 228، و المجمل 2/ 463، و الفرق بين الحروف الخمسة ص 446.

413
مفردات ألفاظ القرآن

سفن ص 413

و السَّفَنُ نحو النّقض لما يسفن، و خصّ السَّفَنُ بجلدة قائم السّيف، و بالحديدة التي يسفن بها، و باعتبار السفن سمّيت السَّفِينَةُ. قال اللّه تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ [الكهف/ 79]، ثمّ تجوّز بالسفينة، فشبّه بها كلّ مركوب سهل.
سفه‏
السَّفَهُ: خفّة في البدن، و منه قيل: زمام سَفِيهٌ: كثير الاضطراب، و ثوب سَفِيهٌ: ردي‏ء النّسج، و استعمل في خفّة النّفس لنقصان العقل، و في الأمور الدّنيويّة، و الأخرويّة، فقيل:
سَفِهَ نَفْسَهُ‏ [البقرة/ 130]، و أصله سَفِهَتْ نفسه، فصرف عنه الفعل «1»، نحو: بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [القصص/ 58]، قال في السَّفَهِ الدّنيويّ: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ‏ [النساء/ 5]، و قال في الأخرويّ: وَ أَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً [الجن/ 4]، فهذا من السّفه في الدّين، و قال: أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ [البقرة/ 13]، فنبّه أنهم هم السّفهاء في تسمية المؤمنين سفهاء، و على ذلك قوله: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها [البقرة/ 142].
سقر
من سَقَرَتْهُ الشمسُ «2»، و قيل: صقرته، أي:
لوّحته و أذابته، و جُعل سَقَرُ اسم علم لجهنّم قال تعالى: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر/ 42]، و قال تعالى: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر/ 48]، و لمّا كان السقر يقتضي التّلويح في الأصل نبّه بقوله: وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ* لا تُبْقِي وَ لا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ [المدثر/ 27- 29]، أنّ ذلك مخالف لما نعرفه من أحوال السّقر في الشاهد.
سقط
السُّقُوطُ: طرح الشي‏ء، إمّا من مكان عال إلى مكان منخفض كسقوط الإنسان من السّطح، قال تعالى: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة/ 49]، و سقوط منتصب القامة، و هو إذا شاخ و كبر، قال تعالى: وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً [الطور/ 44]، و قال: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [الشعراء/ 187]، و السَّقَطُ و السِّقَاطُ: لما يقلّ الاعتداد به، و منه قيل: رجل سَاقِطٌ لئيم في حَسَبِهِ، و قد أَسْقَطَهُ كذا، و أسقطت المرأة اعتبر فيه الأمران:
__________________________________________________
 (1) قال السمين الحلبي: قوله: «نفسه» في نصبه سبعة أوجه، أحدها- و هو المختار-: أن يكون مفعولا به، لأنّ ثعلبا و المبرّد حكيا أنّ «سفه» بكسر الفاء يتعدّى بنفسه.
ثم ذكر، الثالث: أنه منصوب على إسقاط حرف الجرّ، تقديره: سفه في نفسه. و راجع: الدر المصون 2/ 120، فقد أجاد و أفاد، و جمع و أوعى.
 (2) انظر: مجمل اللغة 2/ 466.

414
مفردات ألفاظ القرآن

سقط ص 414

السّقوط من عال، و الرّداءة جميعا، فإنه لا يقال: أَسْقَطَتِ المرأة إلا في الولد الذي تلقيه قبل التمام، و منه قيل لذلك الولد: سِقْطٌ «1»، و به شبّه سقط الزّند بدلالة أنه قد يسمّى الولد، و قوله تعالى: وَ لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ‏ [الأعراف/ 149]، فإنه يعني النّدم، و قرئ: تَسَّاقَطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا [مريم/ 25] «2»، أي: تسّاقط النّخلة، و قرئ: تَساقَطْ «3» بالتّخفيف، أي: تَتَسَاقَطُ فحذف إحدى التاءين، و إذا قرئ (تَسَاقَطْ) فإنّ تفاعل مطاوع فاعل، و قد عدّاه كما عدّي تفعّل في نحو: تجرّعه، و قرئ: يَسَّاقَطْ عليك «4» أي: يسّاقط الجذع.
سقف‏
سَقْفُ البيت، جمعه: سُقُفٌ، و جعل السماء سقفا في قوله تعالى: وَ السَّقْفِ الْمَرْفُوعِ‏ [الطور/ 5]، و قال تعالى: وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [الأنبياء/ 32]، و قال:
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ [الزخرف/ 33]، و السَّقِيفَةُ: كلّ مكان له سقف، كالصّفّة، و البيت، و السَّقَفُ: طول في انحناء تشبيها بالسّقف.
سقم‏
السَّقَمُ و السُّقْمُ: المرض المختصّ بالبدن و المرض قد يكون في البدن و في النّفس، نحو:
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ* [البقرة/ 10]، و قوله تعالى: إِنِّي سَقِيمٌ‏ [الصافات/ 89] فمن التّعريض، أو الإشارة إلى ماض، و إمّا إلى مستقبل، و إمّا إلى قليل ممّا هو موجود في الحال، إذ كان الإنسان لا ينفكّ من خلل يعتريه و إن كان لا يحسّ به، و يقال: مكان سَقِيمٌ، إذا كان فيه خوف.
سقى‏
السَّقْيُ و السُّقْيَا: أن يعطيه ما يشرب، و الْإِسْقَاءُ:
أن يجعل له ذلك حتى يتناوله كيف شاء، فالإسقاء أبلغ من السّقي، لأن الإسقاء هو أن تجعل له ما يسقى منه و يشرب، تقول: أَسْقَيْتُهُ نهرا، قال تعالى: وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً [الإنسان/ 21]، و قال: وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً [محمد/ 15]، وَ الَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَ يَسْقِينِ‏ [الشعراء/ 79]، و قال في الإسقاء وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً [المرسلات/ 27]، و قال: فَأَسْقَيْناكُمُوهُ‏ [الحجر/ 22]، أي:
جعلناه سَقْياً لكم، و قال: نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي‏

__________________________________________________
 (1) السّقط مثلث السين.
 (2) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و الكسائي و خلف.
 (3) و هي قراءة حمزة.
 (4) و هي قراءة شعبة و يعقوب، و قرأ حفص تساقط.

415
مفردات ألفاظ القرآن

سقى ص 415

بُطُونِها [المؤمنون/ 21]، بالفتح و الضم «1»، و يقال للنّصيب من السّقي: سقي، و للأرض الّتي تسقى سقي، لكونهما مفعولين كالنّقض، و الِاسْتِسْقاءُ: طلب السّقي، أو الإسقاء، قال تعالى: وَ إِذِ اسْتَسْقى‏ مُوسى‏ [البقرة/ 60]، و السِّقَاءُ: ما يجعل فيه ما يسقى، و أسقيتك جلدا: أعطيتكه لتجعله سقاء، و قوله تعالى:
جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ‏ [يوسف/ 70]، فهو المسمّى صواع الملك، فتسميته السِّقَايَةَ تنبيها أنه يسقى به، و تسميته صواعا أنه يكال به.
سكب‏
قال عزّ و جلّ: وَ ماءٍ مَسْكُوبٍ‏ [الواقعة/ 31]، أي: مصبوب، و فرس سَكْبُ الجري، و سَكَبْتُهُ فَانْسَكَبَ، و دمع سَاكِبٌ، متصوّر بصورة الفاعل، و قد يقال: مُنْسَكِبٌ، و ثوب سَكْبٌ، تشبيها بالمنصبّ لدقّته و رقّته كأنّه ماء مسكوب.
سكت‏
السُّكُوتُ مختصّ بترك الكلام، و رجل سِكِّيتٌ، و سَاكُوتٌ: كثير السّكوت، و السَّكْتَةُ و السُّكَاتُ: ما يعتري من مرض، و السَّكْتُ يختصّ بسكون النّفس في الغناء، و السَّكَتَاتُ في الصلاة: السّكوت في حال الافتتاح، و بعد الفراغ، و السُّكَيْتُ: الذي يجي‏ء آخر الحلبة، و لمّا كان السّكوت ضربا من السّكون استعير له في قوله: وَ لَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ‏ [الأعراف/ 154].
سكر
السُّكْرُ: حالة تعرض بيت المرء و عقله، و أكثر ما يستعمل ذلك في الشّراب، و قد يعتري من الغضب و العشق، و لذلك قال الشاعر:
237-
         سُكْرَانِ: سُكْرُ هوى، و سُكْرُ مدامة «2»
و منه: سَكَرَاتُ الموت، قال تعالى:
وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ‏ [ق/ 19]، و السَّكَرُ:
اسم لما يكون منه السّكر. قال تعالى: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً [النحل/ 67]، و السَّكْرُ: حبس الماء، و ذلك باعتبار ما يعرض من السّدّ بين المرء و عقله، و السِّكْرُ: الموضع المسدود، و قوله تعالى: إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا [الحجر/ 15]، قيل: هو من السكر، و قيل: هو من السكر، و ليلة سَاكِرَةٌ، أي: ساكنة اعتبارا
__________________________________________________
 (1) قرأ نسقيكم بفتح النون نافع و ابن عامر و أبو بكر و يعقوب، و قرأ أبو جعفر تسقيكم بالتاء المفتوحة، و الباقون بالنون المضمومة. الإتحاف 318.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         أنّى يفيق فتى به سكران‏

و هو في البصائر 3/ 233، و الدر المصون 3/ 689، و عمدة الحفاظ: سكر، و تاج العروس: سكر، دون نسبة في الجميع، و هو للخليع الدمشقي من أبيات له في يتيمة الدهر 1/ 333.
و انظر الإكسير في صناعة التفسير ص 328.

416
مفردات ألفاظ القرآن

سكر ص 416

بالسّكون العارض من السّكر.
سكن‏
السُّكُونُ: ثبوت الشي‏ء بعد تحرّك، و يستعمل في الاستيطان نحو: سَكَنَ فلان مكان كذا، أي:
استوطنه، و اسم المكان مَسْكَنُ، و الجمع مَسَاكِنُ، قال تعالى: لا يُرى‏ إِلَّا مَساكِنُهُمْ‏ [الأحقاف/ 25]، و قال تعالى: وَ لَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَ النَّهارِ [الأنعام/ 13]، و لِتَسْكُنُوا فِيهِ* [يونس/ 67]، فمن الأوّل يقال: سكنته، و من الثاني يقال: أَسْكَنْتُهُ نحو قوله تعالى:
رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي‏ [إبراهيم/ 37]، و قال تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ‏ [الطلاق/ 6]، و قوله تعالى: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ‏ [المؤمنون/ 18]، فتنبيه منه على إيجاده و قدرته على إفنائه، و السَّكَنُ: السّكون و ما يُسْكَنُ إليه، قال تعالى: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً [النحل/ 80]، و قال تعالى:
إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏ [التوبة/ 103]، وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً [الأنعام/ 96]، و السَّكَنُ: النّار الّتي يسكن بها، و السُّكْنَى: أن يجعل له السّكون في دار بغير أجرة، و السَّكْنُ:
سكان الدّار، نحو سفر في جمع سافر، و قيل في جمع ساكن: سُكَّانٌ، و سُكَّانُ السّفينة: ما يسكّن به، و السِّكِّينُ سمّي لإزالته حركة المذبوح، و قوله تعالى: أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الفتح/ 4]، فقد قيل: هو ملك يُسَكِّنُ قلب المؤمن و يؤمّنه «1»، كما
رُوِيَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: (إِنَّ السَّكِينَةَ لَتَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ) «2».
و قيل: هو العقل، و قيل له سكينة إذا سكّن عن الميل إلى الشّهوات، و على ذلك دلّ قوله تعالى: وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ [الرعد/ 28]. و قيل: السَّكِينَةُ و السَّكَنُ واحد، و هو زوال الرّعب، و على هذا قوله تعالى: أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏ [البقرة/ 248]، و ما ذكر أنّه شي‏ء رأسه كرأس الهرّ فما أراه قولا يصحّ «3». و الْمِسْكِينُ قيل: هو الذي لا شي‏ء له، و هو أبلغ من الفقير،
__________________________________________________
 (1) و يؤيد ذلك ما أخرجه أحمد و البخاري و مسلم عن أبي العالية قال: قرأ رجل سورة الكهف و في الدار دابة، فجعلت تنفر، فينظر فإذا صبابة أو سحابة قد غشيته، فذكر للنبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «اقرأ فلان، فإنها السكينة نزلت للقرآن». و في رواية: «تلك الملائكة كانت تستمع لك، و لو قرأت لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم».
انظر: الدر المنثور 5/ 354، و تفسير القرطبي 3/ 249، و فتح الباري 9/ 57.
 (2) و هذا مرويّ عن ابن مسعود، بلفظ: «كنّا أصحاب محمد لا نشك أن السكينة تكلّم على لسان عمر». انظر: النهاية 2/ 386، و الفرقان بين أولياء الرحمن و أولياء الشيطان ص 29.
 (3) و هذا مرويّ عن مجاهد أنه قال: السّكينة من اللّه كهيئة الهرّ، لها وجه كوجه الهرّ و جناحان و ذنب مثل ذنب الهر.
انظر: الدر المنثور 1/ 758. و غرائب التفسير 1/ 222. و هذا أشبه بروايات الإسرائيليات. و اللّه أعلم.

417
مفردات ألفاظ القرآن

سكن ص 417

و قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ‏ [الكهف/ 79]، فإنه جعلهم مساكين بعد ذهاب السّفينة، أو لأنّ سفينتهم غير معتدّ بها في جنب ما كان لهم من المسكنة، و قوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ [البقرة/ 61]، فالميم في ذلك زائدة في أصحّ القولين.
سل‏
سَلُّ الشي‏ء من الشي‏ء: نزعه، كسلّ السّيف من الغمد، و سل الشي‏ء من البيت على سبيل السّرقة، و سل الولد من الأب، و منه قيل للولد:
سَلِيلٌ. قال تعالى: يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً [النور/ 63]، و قوله تعالى: مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ‏ [المؤمنون/ 12]، أي: من الصّفو الذي يُسَلُّ من الأرض، و قيل: السُّلَالَةُ كناية عن النطفة تصوّر دونه صفو ما يحصل منه. و السُّلُّ «1»: مرض ينزع به اللّحم و القوّة، و قد أَسَلَّهُ اللّه، و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا إِسْلَالَ وَ لَا إغلال» «2».
و تَسَلْسَلَ الشي‏ء اضطرب، كأنه تصوّر منه تَسَلُّلٌ متردّد، فردّد لفظه تنبيها على تردّد معناه، و منه السِّلْسِلَةُ، قال تعالى: فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً [الحاقة/ 32]، و قال تعالى: سَلاسِلَ وَ أَغْلالًا وَ سَعِيراً [الإنسان/ 4]، و قال: وَ السَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ‏ [غافر/ 71]، و
رُوِيَ: «يَا عَجَباً لِقَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلَاسِلِ» «3».
و ماء سَلْسَلٌ:
متردّد في مقرّه حتى صفا، قال الشاعر:
238-
         أشهى إليّ من الرّحيق السَّلْسَلِ «4»
و قوله تعالى: سَلْسَبِيلًا [الإنسان/ 18]، أي: سهلا لذيذا سلسا حديد الجرية، و قيل: هو اسم عين في الجنّة، و ذكر بعضهم أنّ ذلك مركّب من قولهم: سل سبيلا «5»، نحو: الحوقلة
__________________________________________________
 (1) يقال: السّلّ و السّلّ و السّلال.
 (2) الحديث أخرجه أبو داود في الجهاد برقم 156، و أحمد في مسنده 4/ 325 في حديث صلح الحديبية، و السهيلي في الروض الأنف 4/ 28.
 (3) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «عجب اللّه من قوم يدخلون الجنة في السلاسل» أخرجه البخاري في الجهاد 6/ 145، و أبو داود (2677)، و انظر: شرح السنة 11/ 76.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         أم لا سبيل إلى الشباب، و ذكره‏

و هو لأبي كبير الهذلي، في شرح أشعار الهذليين 3/ 1069، و اللسان (سلسل)، و تفسير القرطبي 19/ 263.
 (5) الذي ذكر هذا هو أبو نصر الحدادي السمرقندي في كتابه المدخل لعلم تفسير كتاب اللّه تعالى، و قد طبع بتحقيقنا، فليراجع فيه ما كتبناه على ذلك، و قد نسبه المؤلف فيه لعليّ بن أبي طالب انظر: المدخل ص 106، و انظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 4.
و قال الزمخشري: و قد عزوا إلى علي بن أبي طالب أنّ معناه: سل سبيلا إليها، و هذا غير مستقيم على ظاهره، إلا أن يراد أنّ جملة قول القائل: سل سبيلا جعلت علما للعين، كما قيل تأبط شرا، و هو مع استقامته في العربية تكلّف و ابتداع، و عزوه إلى مثل عليّ رضي اللّه عنه أبدع. راجع: الكشاف 4/ 170، و غرائب التفسير 2/ 1289.

418
مفردات ألفاظ القرآن

سل ص 418

و البسملة و نحوهما من الألفاظ المركّبة، و قيل:
بل هو اسم لكلّ عين سريع الجرية، و أَسَلَةُ اللّسان: الطّرف الرّقيق.
سلب‏
السَّلْبُ: نزع الشي‏ء من الغير على القهر.
قال تعالى: وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ‏ [الحج/ 73]، و السَّلِيبُ:
الرّجل المسلوب، و النّاقة التي سلب ولدها، و السَّلَبُ: المسلوب، و يقال للحاء الشجر المنزوع منه سَلَبٌ، و السُّلُبُ في قول الشاعر:
239-
         في السُّلُبُ السّود و في الأمساح «1»

فقد قيل: هي الثياب السّود التي يلبسها المصاب، و كأنها سمّيت سلبا لنزعه ما كان يلبسه قبل. و قيل: تَسَلَّبَتِ المرأة، مثل: أحدّت، و الْأَسَالِيبُ: الفنون المختلفة.
سلح‏
السِّلَاحُ: كلّ ما يقاتل به، و جمعه أَسْلِحَةٌ، قال تعالى: وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ‏ [النساء/ 102]، أي: أمتعتهم، و الْإِسْلِيحُ: نبت إذا أكلته الإبل غزرت و سمنت، و كأنّما سمّي بذلك لأنها إذا أكلته أخذت السّلاح، أي: منعت أن تنحر، إشارة إلى ما قال الشاعر:
240-
         أزمان لم تأخذ عليّ سِلَاحَهَا             إبلي بجلّتها و لا أبكارها «2»

و السُّلَاحُ: ما يقذف به البعير من أكل الإسليح، و جعل كناية عن كلّ عذرة حتى قيل في الحبارى: سلاحه سلاحه «3».
سلخ‏
السَّلْخُ: نزع جلد الحيوان، يقال: سَلَخْتُهُ فَانْسَلَخَ، و عنه استعير: سَلَخْتُ درعه: نزعتها، و سَلَخَ الشهر و انْسَلَخَ، قال تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ‏ [التوبة/ 5]، و قال تعالى:
نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس/ 37]، أي: ننزع، و أسود سَالِخٌ، سلخ جلده، أي: نزعه، و نخلة مِسْلَاخٌ: ينتثر بسرها الأخضر.
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و صدره:
         يخمشن حرّ أوجه صحاح‏

و هو للبيد من قصيدة له في رثاء عمّه أبي براء مالك بن عامر، ملاعب الأسنّة و هي من أراجيز النواح.
و الرجز في ديوانه ص 41، و البصائر 2/ 244، و المجمل 2/ 470.
 (2) البيت للنمر بن تولب في ديوانه ص 350، و أمالي المرتضى 2/ 119، و غريب الحديث 1/ 205، و المعاني الكبير 1/ 391، و اللسان (سلح)، و سمط اللآلئ 2/ 632.
 (3) قال الجاحظ: الحبارى لها خزانة في دبرها و أمعائها، لها أبدا فيها سلح رقيق، فمتى ألحّ عليها الصقر سلحت عليه، فينتف ريشه كله، و في ذلك هلاكه، و قد جعل اللّه تعالى سلحها سلاحا لها. انظر: حياة الحيوان الكبرى 1/ 321، و الحيوان 1/ 29، و البصائر 3/ 245.

419
مفردات ألفاظ القرآن

سلط ص 420

سلط
السَّلَاطَةُ: التّمكّن من القهر، يقال: سَلَّطْتُهُ فَتَسَلَّطَ، قال تعالى: وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ‏ [النساء/ 90]، و قال تعالى: وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ [الحشر/ 6]، و منه سمّي السُّلْطَانُ، و السُّلْطَانُ يقال في السلاطة، نحو:
وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً [الإسراء/ 33]، إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ‏ [النحل/ 99]، إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ‏ [النحل/ 100]، لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ‏ [الرحمن/ 33]، و قد يقال لذي السلاطة، و هو الأكثر، و سمّي الحجّة سُلْطَاناً، و ذلك لما يلحق من الهجوم على القلوب، لكن أكثر تسلّطه على أهل العلم و الحكمة من المؤمنين، قال تعالى:
الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ* [غافر/ 35]، و قال: فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ‏ [إبراهيم/ 10]، و قال تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى‏ بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ* [غافر/ 23]، و قال: أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً [النساء/ 144]، و قوله عزّ و جلّ:
هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ‏ [الحاقة/ 29]، يحتمل السّلطانين. و السَّلِيطُ: الزّيت بلغة أهل اليمن، و سَلَاطَةُ اللسان: القوّة على المقال، و ذلك في الذّمّ أكثر استعمالا. يقال: امرأة سَلِيطَةٌ، و سنابك سَلِطَاتٌ «1»: لها تسلّط بقوّتها و طولها.
سلف‏
السَّلَفُ: المتقدّم، قال تعالى: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَ مَثَلًا لِلْآخِرِينَ‏ [الزخرف/ 56]، أي:
معتبرا متقدّما، و قال تعالى: فَلَهُ ما سَلَفَ‏ [البقرة/ 275]، أي: يتجافى عمّا تقدّم من ذنبه، و كذا قوله: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ‏ [النساء/ 23]، أي: ما تقدّم من فعلكم، فذلك متجافى عنه، فالاستثناء عن الإثم لا عن جواز الفعل، و لفلان سَلَفٌ كريم، أي:
آباء متقدّمون، جمعه أَسْلَافٌ، و سُلُوفٌ.
و السَّالِفَةُ صفحة العنق، و السَّلَفُ: ما قدّم من الثّمن على المبيع، و السَّالِفَةُ و السُّلَافُ:
المتقدّمون في حرب، أو سفر، و سُلَافَةُ الخمر:
ما بقي من العصير، و السُّلْفَةُ: ما يقدّم من الطعام على القرى، يقال: سَلِّفُوا ضيفكم و لهّنوه «2».
سلق‏
السَّلْقُ: بسط بقهر، إمّا باليد أو باللسان، و التَّسَلُّقُ على الحائط منه، قال: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ [الأحزاب/ 19]، يقال: سَلَقَ امرأته: إذا بسطها فجامعها، قال مسيلمة:
__________________________________________________
 (1) السّنبك: طرف الحافر، و جانباه من قدم، و جمعه: سنابك. انظر: اللسان (سنبك)، و (سلط).
 (2) انظر عمدة الحفاظ: سلف، و اللسان: لهن.

420
مفردات ألفاظ القرآن

سلق ص 420

          (و إن شئت سَلَقْنَاكِ             و إن شئت على أربع) «1»

و السَّلْقُ: أن تدخل إحدى عروتي الجوالق في الأخرى، و السَّلِيقَةُ: خبز مرقّق، و جمعها سَلَائِقُ، و السَّلِيقَةُ أيضا: الطّبيعة المتباينة، و السَّلَقُ: المطمئنّ من الأرض.
سلك‏
السُّلُوكُ: النّفاذ في الطّريق، يقال: سَلَكْتُ الطّريق، و سَلَكْتُ كذا في طريقه، قال تعالى:
لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلًا فِجاجاً [نوح/ 20]، و قال: فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا [النحل/ 69]، يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ‏ [الجن/ 27]، وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا [طه/ 53]، و من الثاني قوله: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر/ 42]، و قوله: كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ‏ [الحجر/ 12]، كَذلِكَ سَلَكْناهُ‏ [الشعراء/ 200]، فَاسْلُكْ فِيها [المؤمنون/ 27]، يَسْلُكْهُ عَذاباً [الجن/ 17]. قال بعضهم: سَلَكْتُ فلانا طريقا، فجعل عَذاباً مفعولا ثانيا، و قيل: (عَذاباً) هو مصدر لفعل محذوف، كأنه قيل: نعذّبه به عذابا، و الطّعنة السُّلْكَةُ: تلقاء وجهك، و السُّلَكَةُ: الأنثى من ولد الحجل، و الذّكر: السُّلَكُ.
سلم‏
السِّلْمُ و السَّلَامَةُ: التّعرّي من الآفات الظاهرة و الباطنة، قال: بِقَلْبٍ سَلِيمٍ* [الشعراء/ 89]، أي: متعرّ من الدّغل، فهذا في الباطن، و قال تعالى: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها [البقرة/ 71]، فهذا في الظاهر، و قد سَلِمَ يَسْلَمُ سَلَامَةً، و سَلَاماً، و سَلَّمَهُ اللّه، قال تعالى: وَ لكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ‏ [الأنفال/ 43]، و قال: ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ‏ [الحجر/ 46]، أي: سلامة، و كذا قوله: اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود/ 48].
و السّلامة الحقيقيّة ليست إلّا في الجنّة، إذ فيها بقاء بلا فناء، و غنى بلا فقر، و عزّ بلا ذلّ، و صحّة بلا سقم، كما قال تعالى: لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [الأنعام/ 127]، أي:
السلامة، قال: وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلى‏ دارِ السَّلامِ‏ [يونس/ 25]، و قال تعالى: يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ‏ [المائدة/ 16]، يجوز أن يكون كلّ ذلك من السّلامة. و قيل:
__________________________________________________
 (1) البيت قاله مسيلمة لسجاح التي ادّعت النبوة، و قبله:
         ألا قومي إلى النيك             فقد هيئ لك المضجع‏
             فإن شئت ففي البيت             و إن شئت ففي المخدع‏
             و إن شئت سلقناك             و إن شئت على أربع‏
             و إن شئت بثلثيه             و إن شئت به أجمع‏

انظر: غرر الخصائص الواضحة 172، و شرح مقامات الحريري للشريشي 2/ 164.

421
مفردات ألفاظ القرآن

سلم ص 421

السَّلَامُ اسم من أسماء اللّه تعالى «1»، و كذا قيل في قوله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ‏ [الأنعام/ 127]، و السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ‏ [الحشر/ 23]، قيل: وصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب و الآفات التي تلحق الخلق، و قوله: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ‏ [يس/ 58]، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ‏ [الرعد/ 24]، سَلَامٌ على آل ياسين «2» كلّ ذلك من الناس بالقول، و من اللّه تعالى بالفعل، و هو إعطاء ما تقدّم ذكره ممّا يكون في الجنّة من السّلامة، و قوله: وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان/ 63]، أي: نطلب منكم السّلامة، فيكون قوله (سَلاماً) نصبا بإضمار فعل، و قيل: معناه: قالُوا سَلاماً، أي: سدادا من القول، فعلى هذا يكون صفة لمصدر محذوف. و قوله تعالى: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ‏ [الذاريات/ 25]، فإنما رفع الثاني، لأنّ الرّفع في باب الدّعاء أبلغ «3»، فكأنّه تحرّى في باب الأدب المأمور به في قوله: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها [النساء/ 86]، و من قرأ سِلْمٌ «4» فلأنّ السّلام لمّا كان يقتضي السّلم، و كان إبراهيم عليه السلام قد أوجس منهم خيفة، فلمّا رآهم مُسَلِّمِينَ تصوّر من تَسْلِيمِهِمْ أنهم قد بذلوا له سلما، فقال في جوابهم: (سلم)، تنبيها أنّ ذلك من جهتي لكم كما حصل من جهتكم لي. و قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً [الواقعة/ 25- 26]، فهذا لا يكون لهم بالقول فقط، بل ذلك بالقول و الفعل جميعا. و على ذلك قوله تعالى: فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ‏ [الواقعة/ 91]، و قوله:
وَ قُلْ سَلامٌ‏ [الزخرف/ 89]، فهذا في الظاهر أن تسلم عليهم، و في الحقيقة سؤال اللّه السلامة منهم، و قوله تعالى: سَلامٌ عَلى‏ نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ‏ [الصافات/ 79]، سَلامٌ عَلى‏ مُوسى‏ وَ هارُونَ‏ [الصافات/ 120]، سَلامٌ عَلى‏ إِبْراهِيمَ‏ [الصافات/ 109]، كلّ هذا تنبيه من اللّه تعالى أنّه جعلهم بحيث يثنى‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأسماء و الصفات للبيهقي ص 53، و المقصد الأسنى للغزالي ص 47.
 (2) سورة الصافات: آية 130، و هي قراءة نافع و ابن عامر و يعقوب. انظر: الإتحاف ص 370.
 (3) قال ابن القيم: إنّ سلام الملائكة تضمّن جملة فعلية، لأنّ نصب السلام يدل على: سلمنا عليك سلاما، و سلام إبراهيم تضمن جملة اسمية، لأن رفعه يدل على أن المعنى: سلام عليكم، و الجملة الاسمية تدل على الثبوت و التقرر، و الفعلية تدل على الحدوث و التجدد، فكان سلامه عليهم أكمل من سلامهم عليه. انظر: بدائع الفوائد 2/ 157.
 (4) و هي قراءة حمزة و الكسائي. انظر: الإتحاف ص 399.

422
مفردات ألفاظ القرآن

سلم ص 421

عليهم، و يدعى لهم. و قال تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ‏ [النور/ 61]، أي:
ليسلّم بعضكم على بعض. و السَّلَامُ و السِّلْمُ و السَّلَمُ: الصّلح قال: وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى‏ إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً «1» [النساء/ 94]، و
قِيلَ: نَزَلَتْ فِيمَنْ قُتِلَ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالْإِسْلَامِ وَ مُطَالَبَتِهِ بِالصُّلْحِ «2».
و قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً
 [البقرة/ 208]، وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسِّلْمِ [الأنفال/ 61]، و قرئ لِلسَّلْمِ‏
 «3» بالفتح، و قرئ: وَ أَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ‏
 «4»، و قال: يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَ هُمْ سالِمُونَ‏ [القلم/ 43]، أي:
مُسْتَسْلِمُونَ، و قوله: و رجلا سَالِماً لرجل «5» و قرئ سَلَماً و (سِلْماً)
 «6»، و هما مصدران، و ليسا بوصفين كحسن و نكد. يقول: سَلِمَ سَلَماً و سِلْماً، و ربح ربحا و ربحا. و قيل: السِّلْمُ اسم بإزاء حرب، و الْإِسْلَامُ: الدّخول في السّلم، و هو أن يسلم كلّ واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه، و مصدر أَسْلَمْتُ الشي‏ء إلى فلان: إذا أخرجته إليه، و منه: السَّلَمُ في البيع. و الْإِسْلَامُ في الشّرع على ضربين:
أحدهما: دون الإيمان، و هو الاعتراف باللسان، و به يحقن الدّم، حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل، و إيّاه قصد بقوله: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا [الحجرات/ 14].
و الثاني: فوق الإيمان، و هو أن يكون مع الاعتراف اعتقاد بالقلب، و وفاء بالفعل، و استسلام للّه في جميع ما قضى و قدّر، كما ذكر عن إبراهيم عليه السلام في قوله: إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏
 [البقرة/ 131]، و قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ‏ [آل عمران/ 19].
و قوله: تَوَفَّنِي مُسْلِماً [يوسف/ 101]، أي: اجعلني ممّن استسلم لرضاك، و يجوز أن يكون معناه: اجعلني سالما عن أسر الشّيطان حيث قال: لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* [الحجر/ 40]، و قوله: إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ* [النمل/ 81]، أي: منقادون للحقّ مذعنون له.
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة نافع و ابن عامر و حمزة و أبي جعفر و خلف. الإتحاف 193.
 (2) راجع: الدر المنثور 2/ 632- 634.
 (3) و هي قراءة الجميع إلا شعبة. انظر: إرشاد المبتدي و تذكرة المنتهي ص 348.
 (4) سورة النحل: آية 87، و هي قراءة حفص.
 (5) سورة الزمر: آية 29، و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و يعقوب.
 (6) و قرأ الباقون سلما، أما قراءة (سلما) فهي شاذة، قرأ بها سعيد بن جبير. انظر: الإتحاف 375، و البحر المحيط 7/ 424.

423
مفردات ألفاظ القرآن

سلم ص 421

و قوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة/ 44]، أي: الذين انقادوا من الأنبياء الذين ليسوا من العزم لأولي العزم الذين يهتدون بأمر اللّه، و يأتون بالشّرائع. و السُّلَّمُ: ما يتوصّل به إلى الأمكنة العالية، فيرجى به السّلامة، ثمّ جعل اسما لكلّ ما يتوصّل به إلى شي‏ء رفيع كالسّبب، قال تعالى: أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ‏ [الطور/ 38]، و قال: أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ [الأنعام/ 35]، و قال الشاعر:
242-
         و لو نال أسباب السماء بِسُلَّمٍ «1»
و السَّلَمُ و السَّلَامُ: شجر عظيم، كأنه سمّي لاعتقادهم أنه سليم من الآفات، و السِّلَامُ:
الحجارة الصّلبة.
سلا
قال تعالى: وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى‏ [البقرة/ 57]، أصلها ما يُسَلِّي الإنسانَ، و منه: السُّلْوَانُ و التَّسَلِّي، و قيل: السَّلْوَى: طائر كالسّمانى.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَنُّ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ السَّمَاءِ، وَ السَّلْوَى: طَائِرٌ «2».
قال بعضهم: أشار ابن عباس بذلك إلى ما رزق اللّه تعالى عباده من اللّحوم و النّبات و أورد بذلك مثالا، و أصل السّلوى من التّسلّي، يقال: سَلَّيْتُ عن كذا، و سَلَوْتُ عنه و تَسَلَّيْتُ: إذا زال عنك محبّته.
قيل: و السُّلْوَانُ: ما يسلّي، و كانوا يتداوون من العشق بخرزة يحكّونها و يشربونها، و يسمّونها السُّلْوَانَ.
سمم‏
السَّمُّ و السُّمُّ: كلّ ثقب ضيّق كخرق الإبرة، و ثقب الأنف، و الأذن، و جمعه سُمُومٌ. قال تعالى:
حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف/ 40]، و قد سَمَّهُ، أي: دخل فيه، و منه: السَّامَّةُ «3» للخاصّة الذين يقال لهم:
الدّخلل «4»، الذين يتداخلون في بواطن الأمر، و السَّمُّ القاتل، و هو مصدر في معنى الفاعل، فإنه بلطف تأثيره يدخل بواطن البدن، و السَّمُومُ:
الرّيح الحارّة التي تؤثّر تأثير السّمّ. قال تعالى:
وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ‏ [الطور/ 27]، و قال:
فِي سَمُومٍ وَ حَمِيمٍ‏ [الواقعة/ 42]، وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ‏ [الحجر/ 27].
سمد
السَّامِدُ: اللاهي الرّافع رأسه، من قولهم: سَمَدَ
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، و شطره:
         و من هاب أسباب المنايا ينلنه‏

و هو في ديوانه ص 87.
 (2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 178، و سنده ضعيف، و ابن قتيبة في غريب القرآن ص 50.
 (3) في اللسان: و السّامة: الخاصة، يقال: كيف السّامة و العامة؟.
 (4) انظر: البصائر 3/ 256.

424
مفردات ألفاظ القرآن

سمد ص 424

البعير في سيره. قال: وَ أَنْتُمْ سامِدُونَ‏ [النجم/ 61]، و قولهم: سَمَدَ رَأْسَهُ و سبد «1» أي: استأصل شعره.
سمر
السُّمْرَةُ أحد الألوان المركّبة بين البياض و السواد، و السَّمْرَاءُ كنّي بها عن الحنطة، و السَّمَارُ: اللّبن الرّقيق المتغيّر اللّون، و السَّمُرَةُ:
شجرة تشبه أن تكون للونها سمّيت بذلك، و السَّمَرُ سواد اللّيل، و منه قيل: لا آتيك السَّمَرَ و القمر «2»
، و قيل للحديث بالليل: السَّمَرُ، و سَمَرَ فلان: إذا تحدّث ليلا، و منه قيل: لا آتيك ما سَمَرَ ابنا سَمِيرٍ «3»، و قوله تعالى: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ‏ [المؤمنون/ 67]، قيل معناه:
سُمَّاراً، فوضع الواحد موضع الجمع، و قيل: بل السَّامِرُ: اللّيل المظلم. يقال: سَامِرٌ و سُمَّارٌ و سَمَرَةُ و سَامِرُونَ، و سَمَرْتُ الشي‏ءَ، و إبل مُسْمَرَةٌ: مهملة، و السَّامِرِيُّ: منسوب إلى رجل.
سمع‏
السَّمْعُ: قوّة في الأذن به يدرك الأصوات، و فعله يقال له السَّمْعُ أيضا، و قد سمع سمعا.
و يعبّر تارة بِالسَّمْعِ عن الأذن نحو: خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ وَ عَلى‏ سَمْعِهِمْ‏ [البقرة/ 7]، و تارة عن فعله كَالسَّمَاعِ نحو: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ‏ [الشعراء/ 212]، و قال تعالى:
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ [ق/ 37]، و تارة عن الفهم، و تارة عن الطاعة، تقول: اسْمَعْ ما أقول لك، و لم تَسْمَعْ ما قلت، و تعني لم تفهم، قال تعالى: وَ إِذا تُتْلى‏ عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا [الأنفال/ 31]، و قوله:
سَمِعْنا وَ عَصَيْنا* [النساء/ 46]، أي: فهمنا قولك و لم نأتمر لك، و كذلك قوله: سَمِعْنا وَ أَطَعْنا* [البقرة/ 285]، أي: فهمنا و ارتسمنا.
و قوله: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَ هُمْ لا يَسْمَعُونَ‏ [الأنفال/ 21]، يجوز أن يكون معناه: فهمنا و هم لا يفهمون، و أن يكون معناه:
فهمنا و هم لا يعملون بموجبه، و إذا لم يعمل بموجبه فهو في حكم من لم يسمع. ثم قال تعالى:
وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا [الأنفال/ 23]، أي: أفهمهم بأن جعل لهم قوّة يفهمون بها، و قوله: وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ‏ [النساء/ 46]، يقال على وجهين:
أحدهما: دعاء على الإنسان بالصّمم.
و الثاني: دعاء له.
فالأوّل نحو: أَسْمَعَكَ اللّه، أي: جعلك اللّه أصمّ.
و الثاني: أن يقال: أَسْمَعْتُ فلانا: إذا سببته، و ذلك متعارف في السّبّ، و
رُوِيَ «4»
 أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: ديوان الأدب للفارابي 2/ 349.
 (2) المثل في المستقصى 2/ 243.
 (3) انظر: اللّسان (سمر)، و المستقصى 2/ 249.
 (4) عن ابن زيد، كما أخرجه الطّبريّ في تفسيره 5/ 118.

425
مفردات ألفاظ القرآن

سمع ص 425

كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يُوهِمُونَ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهُ، وَ يَدْعُونَ لَهُ وَ هُمْ يَدْعُونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
و كلّ موضع أثبت اللّه السّمع للمؤمنين، أو نفى عن الكافرين، أو حثّ على تحرّيه فالقصد به إلى تصوّر المعنى و التّفكر فيه، نحو: أَمْ لَهُمْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها [الأعراف/ 195]، و نحو: صُمٌّ بُكْمٌ* [البقرة/ 18]، و نحو:
فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ [فصلت/ 44]، و إذا وصفت اللّه تعالى بِالسَّمْعِ فالمراد به علمه بِالْمَسْمُوعَاتِ، و تحرّيه بالمجازاة بها نحو: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها [المجادلة/ 1]، لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا [آل عمران/ 181]، و قوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏ وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ* [النمل/ 80]، أي: لا تفهمهم، لكونهم كالموتى في افتقادهم بسوء فعلهم القوّة العاقلة التي هي الحياة المختصّة بالإنسانيّة، و قوله: أَبْصِرْ بِهِ وَ أَسْمِعْ‏ [الكهف/ 26]، أي: يقول فيه تعالى ذلك من وقف على عجائب حكمته، و لا يقال فيه: ما أبصره و ما أسمعه، لما تقدّم ذكره أنّ اللّه تعالى لا يوصف إلّا بما ورد به السّمع و قوله في صفة الكفّار: أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مريم/ 38]، معناه: أنهم يسمعون و يبصرون في ذلك اليوم ما خفي عليهم، و ضلّوا عنه اليوم لظلمهم أنفسهم، و تركهم النّظر، و قال: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اسْمَعُوا [البقرة/ 93]، سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ* [المائدة/ 42]، أي: يسمعون منك لأجل أن يكذبوا، سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ‏ [المائدة/ 41]، أي: يسمعون لمكانهم، و الِاسْتِمَاعُ: الإصغاء نحو: نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ، إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ‏ [الإسراء/ 47]، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ* [محمد/ 16]، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ‏ [يونس/ 42]، وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ [ق/ 41]، و قوله: أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ [يونس/ 31]، أي:
من الموجد لِأَسْمَاعِهِمْ، و أبصارهم، و المتولّي لحفظها؟ و الْمِسْمَعُ و الْمَسْمَعُ: خرق الأذن، و به شبّه حلقة مِسْمَعِ الغرب «1».
سمك‏
السَّمْكُ: سَمْكُ البيت، و قد سَمَكَهُ أي:
رفعه. قال: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها [النازعات/ 28]، و قال الشاعر:
243-
         إنّ الذي سَمَكَ السماء بنى لنا «2»
__________________________________________________
 (1) الغرب: الدلو العظيمة.
 (2) هذا شطر بيت للفرزدق، و عجزه:
         بيتا دعائمه أعزّ و أطول‏

و هو في ديوانه ص 489.

426
مفردات ألفاظ القرآن

سمك ص 426

و
فِي بَعْضِ الْأَدْعِيَةِ: (يَا بَارِئَ السَّمَوَاتِ الْمَسْمُوكَاتِ) «1».
و سنام سَامِكٌ: عال. و السِّمَاكُ:
ما سَمَكْتَ به البيت، و السِّمَاكُ: اسم نجم، و السَّمَكُ معروف.
سمن‏
السِّمَنُ: ضدّ الهزال، يقال: سَمِينٌ و سِمَانٌ، قال: أَفْتِنا فِي سَبْعِ بَقَراتٍ سِمانٍ‏ [يوسف/ 46]، و أَسْمَنْتُهُ و سَمَّنْتُهُ: جعلته سمينا، قال:
لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ‏ [الغاشية/ 7]، و أَسْمَنْتُهُ: اشتريته سمينا، أو أعطيته كذا، و اسْتَسْمَنْتُهُ: وجدته سمينا: و السُّمْنَةُ: دواء يستجلب به السِّمَنُ، و السَّمْنُ سمّي به لكونه من جنس السِّمَنِ، و تولّده عنه. و السُّمَانَى: طائر.
سما
سَمَاءُ كلّ شي‏ء: أعلاه، قال الشاعر في وصف فرس:
244-
         و أحمر كالدّيباج أمّا سَمَاؤُهُ             فريّا و أمّا أرضه فمحول «2»

قال بعضهم: كلّ سماء بالإضافة إلى ما دونها فسماء، و بالإضافة إلى ما فوقها فأرض إلّا السّماء العليا فإنها سماء بلا أرض، و حمل على هذا قوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ‏ [الطلاق/ 12]، و سمّي المطر سَمَاءً لخروجه منها، قال بعضهم: إنما سمّي سماء ما لم يقع بالأرض اعتبارا بما تقدّم، و سمّي النّبات سَمَاءً، إمّا لكونه من المطر الذي هو سماء، و إمّا لارتفاعه عن الأرض. و السماء المقابل للأرض مؤنّثة، و قد تذكّر، و يستعمل للواحد و الجمع، لقوله: ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَ‏ [البقرة/ 29]، و قد يقال في جمعها: سَمَوَاتٍ. قال: خَلْقِ السَّماواتِ* [الزمر/ 5]، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ* [المؤمنون/ 86]، و قال: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ‏ [المزمل/ 18]، فذكّر، و قال: إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ‏ [الانشقاق/ 1]، إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ‏ [الانفطار/ 1]، فأنّث، و وجه ذلك أنها كالنّخل في الشجر، و ما يجري مجراه من أسماء الجنس الذي يذكّر و يؤنّث، و يخبر عنه بلفظ الواحد و الجمع، و السماء الذي هو المطر يذكّر، و يجمع على أَسْمِيَةٍ. و السَّمَاوَةُ الشّخص العالي، قال الشاعر:
245-
         سَمَاوَةُ الهلال حتى احقوقفا «3»
و سَمَا لي «4»: شخص، و سَمَا الفحل على‏
__________________________________________________
 (1) و هذا من دعاء عليّ رضي اللّه عنه. انظر: النهاية 2/ 403، و البصائر 3/ 261.
 (2) البيت تقدّم في مادة (أرض)، و هو في اللسان (سما).
 (3) الرجز للعجاج، و هو في ديوانه ص 496، و اللسان (سما). و قد تقدّم برقم 119.
 (4) في اللسان: سما لي شخص فلان: ارتفع حتى استثبتّه.

427
مفردات ألفاظ القرآن

سما ص 427

الشّول سَمَاوَةً «1» لتخلله إيّاها، و الِاسْمُ: ما يعرف به ذات الشي‏ء، و أصله سِمْوٌ، بدلالة قولهم: أَسْمَاءٌ و سُمَيٌّ، و أصله من السُّمُوِّ و هو الذي به رفع ذكر الْمُسَمَّى فيعرف به، قال اللّه:
بِسْمِ اللَّهِ‏ [الفاتحة/ 1]، و قال: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها [هود/ 41]، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏ [النمل/ 30]، وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ [البقرة/ 31]، أي:
الألفاظ و المعاني مفرداتها و مركّباتها. و بيان ذلك أنّ الاسم يستعمل على ضربين:
أحدهما: بحسب الوضع الاصطلاحيّ، و ذلك هو في المخبر عنه نحو: رجل و فرس.
و الثاني: بحسب الوضع الأوّليّ.
و يقال ذلك للأنواع الثلاثة المخبر عنه، و الخبر عنه، و الرّابط بينهما المسمّى بالحرف، و هذا هو المراد بالآية، لأنّ آدم عليه السلام كما علم الاسم علم الفعل، و الحرف، و لا يعرف الإنسان الاسم فيكون عارفا لمسمّاه إذا عرض عليه المسمّى، إلا إذا عرف ذاته. أ لا ترى أنّا لو علمنا أَسَامِيَ أشياء بالهنديّة، أو بالرّوميّة، و لم نعرف صورة ما له تلك الأسماء لم نعرف الْمُسَمَّيَاتِ إذا شاهدناها بمعرفتنا الأسماء المجرّدة، بل كنّا عارفين بأصوات مجرّدة، فثبت أنّ معرفة الأسماء لا تحصل إلا بمعرفة المسمّى، و حصول صورته في الضّمير، فإذا المراد بقوله:
وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة/ 31]، الأنواع الثلاثة من الكلام و صور المسمّيات في ذواتها، و قوله: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها [يوسف/ 40]، فمعناه أنّ الأسماء التي تذكرونها ليس لها مسمّيات، و إنما هي أسماء على غير مسمّى إذ كان حقيقة ما يعتقدون في الأصنام بحسب تلك الأسماء غير موجود فيها، و قوله: وَ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ‏ [الرعد/ 33]، فليس المراد أن يذكروا أساميها نحو اللّات و العزّى، و إنما المعنى إظهار تحقيق ما تدعونه إلها، و أنه هل يوجد معاني تلك الأسماء فيها، و لهذا قال بعده: أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ [الرعد/ 33]، و قوله: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ‏ [الرحمن/ 78]، أي: البركة و النّعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت، و ذلك نحو: الكريم و العليم و الباري، و الرّحمن الرّحيم، و قال: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏ [الأعلى/ 1]، وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ [الأعراف/ 180]، و قوله: اسْمُهُ يَحْيى‏ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم/ 7]، لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى‏ [النجم/ 27]، أي: يقولون للملائكة بنات اللّه، و قوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/ 65]،
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و سما الفحل سماوة: تطاول على شوله و سطا. اللسان (سما).

428
مفردات ألفاظ القرآن

سما ص 427

أي: نظيرا له يستحقّ اسمه، و موصوفا يستحقّ صفته على التّحقيق، و ليس المعنى هل تجد من يتسمّى باسمه إذ كان كثير من أسمائه قد يطلق على غيره، لكن ليس معناه إذا استعمل فيه كما كان معناه إذا استعمل في غيره.
سنن‏
السِّنُّ معروف، و جمعه أَسْنَانٌ. قال: وَ السِّنَّ بِالسِّنِ‏ [المائدة/ 45]، و سَانَّ البعير الناقة:
عاضّها حتى أبركها، و السَّنُونُ: دواء يعالج به الأسنان، و سَنُّ الحديد: إسالته و تحديده، و الْمِسَنُّ: ما يُسَنُّ به، أي: يحدّد به، و السِّنَانُ يختصّ بما يركّب في رأس الرّمح، و سَنَنْتُ البعير: صقلته، و ضمّرته تشبيها بسن الحديد، و باعتبار الإسالة قيل: سَنَنْتُ الماء، أي: أسلته.
و تنحّ عن سَنَنِ الطّريق، و سُنَنِهِ و سِنَنِهِ، فالسُّنَنُ:
جمع سُنَّةٍ، و سُنَّةُ الوجه: طريقته، و سُنَّةُ النّبيّ:
طريقته التي كان يتحرّاها، و سُنَّةُ اللّه تعالى: قد تقال لطريقة حكمته، و طريقة طاعته، نحو:
سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الفتح/ 23]، وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر/ 43]، فتنبيه أنّ فروع الشّرائع- و إن اختلفت صورها- فالغرض المقصود منها لا يختلف و لا يتبدّل، و هو تطهير النّفس، و ترشيحها للوصول إلى ثواب اللّه تعالى و جواره، و قوله: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* [الحجر/ 26]، قيل: متغيّر، و قوله: لَمْ يَتَسَنَّهْ‏ [البقرة/ 259]، معناه: لم يتغيّر، و الهاء للاستراحة «1».
سنم‏
قال: وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏ [المطففين/ 27]، قيل: هو عين في الجنّة رفيعة القدر «2»، و فسّر بقوله: عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [المطففين/ 28].
سنا
السَّنَا: الضّوء الساطع، و السَّنَاءُ: الرِّفعة، و السَّانِيَةُ: التي يسقى بها سمّيت لرفعتها، قال:
يَكادُ سَنا بَرْقِهِ‏ [النور/ 43]، و سَنَتِ الناقة تَسْنُو، أي: سقت الأرض، و هي السَّانِيَةُ.
سنه‏
السَّنَةُ في أصلها طريقان: أحدهما: أنّ أصلها سَنَهَةٌ، لقولهم: سَانَهْتُ فلانا، أي: عاملته سنة فسنة، و قولهم: سُنَيْهَةٌ، قيل: و منه قوله تعالى:
لَمْ يَتَسَنَّهْ‏ [البقرة/ 259]، أي: لم يتغيّر بمرّ السّنين عليه، و لم تذهب طراوته. و قيل:
أصله من الواو، لقولهم سَنَوَاتٌ، و منه: سَانَيْتُ،
__________________________________________________
 (1) و هي التي تسمّى هاء السكت.
 (2) سئل ابن عباس عن قوله تعالى: و مزاجه من تسنيم؟ قال: هذا ممّا قال اللّه: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين انظر: الدر المنثور 8/ 452.

429
مفردات ألفاظ القرآن

سنه ص 429

و الهاء للوقف، نحو: كِتابِيَهْ* [الحاقة/ 19]، و حِسابِيَهْ* [الحاقة/ 20]، و قال عزّ و جلّ: أَرْبَعِينَ سَنَةً* [المائدة/ 26]، سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً [يوسف/ 47]، ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ‏ [الكهف/ 25]، وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ‏ [الأعراف/ 130]، فعبارة عن الجدب، و أكثر ما تستعمل السَّنَةُ في الحول الذي فيه الجدب، يقال: أَسْنَتَ القوم: أصابتهم السَّنَةُ، قال الشاعر:
246-
         لها أرج ما حولها غير مُسْنِتٍ «1»
و قال آخر:
247-
         فليست بِسَنْهَاءَ و لا رجبيّة «2»


فمن الهاء كما ترى، و قول الآخر:
248-
         يأكل أزمان الهزال و السِّنِي «3»
فليس بمرخّم، و إنما جمع فعلة على فعول، كمائة و مئين و مؤن، و كسر الفاء كما كسر في عصيّ، و خفّفه للقافية، و قوله: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ [البقرة/ 255]، فهو من الوسن لا من هذا الباب.
سهر
السَّاهِرَةُ «4» قيل: وجه الأرض، و قيل: هي أرض القيامة، و حقيقتها: التي يكثر الوطء بها، فكأنها سَهَرَتْ بذلك إشارة إلى قول الشاعر:
249-
         تحرّك يقظان التّراب و نائمة «5»
و الْأَسْهَرَانِ: عرقان في الأنف «6».
سهل‏
السَّهْلُ: ضدّ الحزن، و جمعه سُهُولٌ، قال تعالى: تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً

__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         بريحانة من بطن حلية نوّرت‏

و هو للشنفرى من مفضليته. انظر: المفضليات ص 110، و الحجة في القراءات 2/ 273، و المخصص 10/ 167.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و لكن عرايا في السنين الجوائح‏

و هو لسويد بن الصامت، و البيت في اللسان (سنه)، و ديوان الأدب 2/ 270، و مجالس ثعلب ص 76.
 (3) الرجز لامرأة من عقيل تفخر بأخوالها من اليمن.
و هو في الحجة في القراءات للفارسي 2/ 284، و خزانة الأدب 7/ 377، و نوادر أبي زيد 91، و اللسان (مأى).
و قبله: و حاتم الطائي وهّاب المئي.
 (4) يريد قوله تعالى: فإذا هم بالسّاهرة النازعات: 14.
 (5) هذا عجز بيت، و صدره:
         إذا نحن سرنا بين شرق و بين مغرب‏

و هو لحريث بن عناب الطائي في الحماسة البصرية 1/ 8، و أساس البلاغة مادة (يقظ)، و شرح الحماسة 2/ 94.
 (6) قال كراع النمل: الأسهران: عرقان في المتن يجري فيهما الماء ثم يقع في الذّكر. المنتخب 1/ 74.

430
مفردات ألفاظ القرآن

سهل ص 430

 [الأعراف/ 74]، و أَسْهَلَ: حصل في السَّهْلِ، و رجل سَهْلِيٌّ منسوب إلى السّهل، و نهر سَهْلٌ، و رجل سَهْلُ الخلق، و حزن الخلق، و سُهَيْلٌ نجم.
سهم‏
السَّهْمُ: ما يرمى به، و ما يضرب به من القداح و نحوه، قال تعالى: فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ‏ [الصافات/ 141]، و اسْتَهَمُوا:
اقترعوا، و برد مُسَهَّمٌ: عليه صورة سَهْمٍ، و سَهَمَ وجهه: تغيّر، و السُّهَامُ: داء يتغيّر منه الوجه.
سها
السَّهْوُ: خطأ عن غفلة، و ذلك ضربان:
أحدهما أن لا يكون من الإنسان جوالبه و مولّداته، كمجنون سبّ إنسانا، و الثاني أن يكون منه مولّداته، كمن شرب خمرا، ثم ظهر منه منكر لا عن قصد إلى فعله. و الأوّل معفوّ عنه، و الثاني مأخوذ به، و على نحو الثاني ذمّ اللّه تعالى فقال:
فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ‏ [الذاريات/ 11]، عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏ [الماعون/ 5].
سيب‏
السَّائِبَةُ: التي تَسَيَّبَ في المرعى، فلا تردّ عن حوض، و لا علف، و ذلك إذا ولدت خمسة أبطن، و انْسَابَتِ الحيّةُ انْسِيَاباً، و السَّائِبَةُ: العبد يعتق، و يكون ولاؤه لمعتقه، و يضع ماله حيث شاء، و هو الذي ورد النهي «1» عنه، و السَّيْبُ:
العطاء، و السِّيبُ: مجرى الماء، و أصله من:
سَيَّبْتُهُ فَسَابَ.
ساح‏
السَّاحَةُ: المكان الواسع، و منه: سَاحَةُ الدّار، قال: فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ‏ [الصافات/ 177]،
 [سيح‏]
و السَّائِحُ: الماء الدّائم الجرية في ساحة، و سَاحَ فلان في الأرض: مرّ مرّ السائح قال: فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة/ 2]، و رجل سائح في الأرض و سَيَّاحٌ، و قوله: السَّائِحُونَ‏ [التوبة/ 112]، أي:
الصائمون، و قال: سائِحاتٍ‏ [التحريم/ 5]، أي: صائمات، قال بعضهم: الصّوم ضربان: حكميّ، و هو ترك المطعم و المنكح، و صوم حقيقيّ، و هو حفظ الجوارح عن المعاصي كالسّمع و البصر و اللّسان، فَالسَّائِحُ: هو الذي يصوم هذا الصّوم دون الصّوم الأوّل، و قيل:
السَّائِحُونَ هم الذين يتحرّون ما اقتضاه قوله:
أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها [الحج/ 46].
__________________________________________________
 (1) أخرج البخاري عن عبد اللّه بن مسعود قال: إنّ أهل الإسلام لا يسيّبون، و إنّ أهل الجاهلية كانوا يسيبون.
كتاب الفرائض 12/ 40.

431
مفردات ألفاظ القرآن

سود ص 432

سود
السَّوَادُ: اللّون المضادّ للبياض، يقال: اسْوَدَّ و اسْوَادَّ، قال: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏ [آل عمران/ 106] فابيضاض الوجوه عبارة عن المسرّة، و اسْوِدَادُهَا عبارة عن المساءة، و نحوه:
وَ إِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى‏ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَ هُوَ كَظِيمٌ‏ [النحل/ 58]، و حمل بعضهم الابيضاض و الاسوداد على المحسوس، و الأوّل أولى، لأنّ ذلك حاصل لهم سُوداً كانوا في الدّنيا أو بيضا، و على ذلك دلّ قوله في البياض:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ [القيامة/ 22]، و قوله:
وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ [القيامة/ 24]، وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ* تَرْهَقُها قَتَرَةٌ [عبس/ 40- 41]، و قال: وَ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً [يونس/ 27]، و على هذا النحو ما
رُوِيَ «أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُحْشَرُونَ غُرّاً مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ» «1».
و يعبّر بِالسَّوَادِ عن الشّخص المرئيّ من بعيد، و عن سواد العين، قال بعضهم: لا يفارق سَوَادِي سَوَادَهُ، أي: عيني شخصه، و يعبّر به عن الجماعة الكثيرة، نحو
قَوْلِهِمْ: (عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ) «2».
و السَّيِّدُ: المتولّي للسّواد، أي: الجماعة الكثيرة، و ينسب إلى ذلك فيقال:
سيّد القوم، و لا يقال: سيّد الثّوب، و سيّد الفرس، و يقال: سَادَ القومَ يَسُودُهُمْ، و لمّا كان من شرط المتولّي للجماعة أن يكون مهذّب النّفس قيل لكلّ من كان فاضلا في نفسه:
سَيِّدٌ. و على ذلك قوله: وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً [آل عمران/ 39]، و قوله: وَ أَلْفَيا سَيِّدَها [يوسف/ 25]، فسمّي الزّوج سَيِّداً لسياسة زوجته، و قوله: رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا [الأحزاب/ 67]، أي: ولاتنا و سَائِسِينَا.
سار
السَّيْرُ: المضيّ في الأرض، و رجل سَائِرٌ، و سَيَّارٌ، و السَّيَّارَةُ: الجماعة، قال تعالى:
وَ جاءَتْ سَيَّارَةٌ [يوسف/ 19]، يقال:
سِرْتُ، و سِرْتُ بفلان، و سِرْتُهُ أيضا، و سَيَّرْتُهُ على التّكثير، فمن الأوّل قوله: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا* [الحج/ 46]، قُلْ سِيرُوا* [الأنعام/ 11]، سِيرُوا فِيها لَيالِيَ‏ [سبأ/ 18]، و من الثاني‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة و فيه: «فإنّهم يأتون يوم القيامة غرّا محجّلين من الوضوء» أخرجه مسلم برقم (249)، و مالك في الموطأ 1/ 28، و انظر: شرح السنة 1/ 323.
 (2) الحديث عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، و من لم يشكر الناس لم يشكر اللّه، و التحدث بنعمة اللّه شكر، و تركها كفر، و الجماعة رحمة، و الفرقة عذاب». قال: فقال أبو أمامة:
عليكم بالسواد الأعظم، قال: فقال رجل: و ما السّواد الأعظم؟ فقال أبو أمامة: هذه الآية في سورة النور فإن تولّوا فإنّما عليه ما حمّل و عليكم ما حمّلتم أخرجه أحمد 4/ 278، و أخرج الترمذي: «يد اللّه على الجماعة، اتبعوا السواد الأعظم، فإنّ من شذّ شذّ في النار». و انظر: كشف الخفاء 1/ 333.

432
مفردات ألفاظ القرآن

سار ص 432

قوله: سارَ بِأَهْلِهِ‏ [القصص/ 29]، و لم يجئ في القرآن القسم الثالث، و هو سِرْتُهُ.
و الرابع قوله: وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ‏ [النبأ/ 20]، هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [يونس/ 22]، و أمّا قوله: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ‏ [النمل/ 69] فقد قيل: حثّ على السّياحة في الأرض بالجسم، و قيل: حثّ على إجالة الفكر، و مراعاة أحواله كما
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ قِيلَ فِي وَصْفِ الْأَوْلِيَاءِ: (أَبْدَانُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَائِرَةٌ وَ قُلُوبُهُمْ فِي الْمَلَكُوتِ جَائِلَةٌ) «1».
و منهم من حمل ذلك على الجدّ في العبادة المتوصّل بها إلى الثواب، و على ذلك حمل‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «سَافِرُوا تَغْنَمُوا» «2».
و التَّسْيِيرُ ضربان:
أحدهما: بالأمر، و الاختيار، و الإرادة من السائر نحو: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ‏ [يونس/ 22].
و الثاني: بالقهر و التّسخير كتسخير الجبال وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ‏ [التكوير/ 3]، و قوله:
وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ‏ [النبأ/ 20]، و السِّيرَةُ: الحالة التي يكون عليها الإنسان و غيره، غريزيّا كان أو مكتسبا، يقال: فلان له سيرة حسنة، و سيرة قبيحة، و قوله: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى‏ [طه/ 21]، أي: الحالة التي كانت عليها من كونها عودا.
سور
السَّوْرُ: وثوب مع علوّ، و يستعمل في الغضب، و في الشراب، يقال: سَوْرَةُ الغضب، و سَوْرَةُ الشراب، و سِرْتُ إليك، و سَاوَرَنِي فلان، و فلان سَوَّارٌ: وثّاب. و الْإِسْوَارُ من أَسَاوِرَةِ الفرس أكثر ما يستعمل في الرّماة، و يقال: هو فارسيّ معرّب. و سِوَارُ المرأة معرّب، و أصله دستوار «3»، و كيفما كان فقد استعملته العرب، و اشتقّ منه: سَوَّرْتُ الجارية، و جارية مُسَوَّرَةٌ و مخلخلة، قال: فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ‏
 [الزخرف/ 53]، وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان/ 21]، و استعمال الْأَسْوِرَةِ في الذهب، و تخصيصها بقوله: «أُلْقِيَ»، و استعمال أَسَاوِرَ في الفضّة و تخصيصه بقوله: حُلُّوا «4» فائدة ذلك تختصّ بغير هذا الكتاب. و السُّورَةُ:
__________________________________________________
 (1) لم أجده.
 (2) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «سافروا تربحوا، و صوموا تصحوا، و اغزوا تغنموا» أخرجه أحمد في مسنده 2/ 380. و أخرجه الطبراني بلفظ: (اغزوا تغنموا، و صوموا تصحوا، و سافروا تستغنوا). و للطبراني و الحاكم عن ابن عباس مرفوعا: «سافروا تصحوا و تغنموا». انظر: كشف الخفاء 1/ 445.
 (3) انظر: تاج العروس (سور)، و عمدة الحفاظ: سور.
 (4) قال إسماعيل حقي: قوله: و حلّوا فيه تعظيم لهم بالنسبة إلى أن يقال: و تحلوا. انظر: روح البيان 10/ 275.

433
مفردات ألفاظ القرآن

سور ص 433

المنزلة الرفيعة، قال الشاعر:
250-
         أ لم تر أنّ اللّه أعطاك سُورَةً             ترى كلّ ملك دونها يتذبذب «1»

و سُورُ المدينة: حائطها المشتمل عليها، و سُورَةُ القرآن تشبيها بها لكونه محاطا بها إحاطة السّور بالمدينة، أو لكونها منزلة كمنازل القمر، و من قال: سُؤْرَةٌ «2» فمن أَسْأَرْتُ، أي: أبقيت منها بقيّة، كأنها قطعة مفردة من جملة القرآن و قوله: سُورَةٌ أَنْزَلْناها [النور/ 1]، أي:
جملة من الأحكام و الحكم، و قيل: أَسْأَرْتُ في القدح، أي: أبقيت فيه سُؤْراً، أي: بقيّة، قال الشاعر:
251-
         لا بالحصور و لا فيها بِسَآرٍ «3»
و يروى‏
          (... بِسَوَّارٍ)

، من السَّوْرَةِ، أي: الغضب.
سوط
السَّوْطُ: الجلد المضفور الذي يضرب به، و أصل السَّوْطِ: خلط الشي‏ء بعضه ببعض، يقال: سُطْتُهُ و سَوَّطْتُهُ، فَالسَّوْطُ يسمّى سوطا لكونه مخلوط الطاقات بعضها ببعض، و قوله:
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ‏ [الفجر/ 13] تشبيها بما يكون في الدّنيا من العذاب بالسّوط، و قيل: إشارة إلى ما خلط لهم من أنواع العذاب، المشار إليه بقوله: حَمِيماً وَ غَسَّاقاً [النبأ/ 25].
ساعة
السَّاعَةُ: جزء من أجزاء الزّمان، و يعبّر به عن القيامة، قال: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ [القمر/ 1]، يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ* [الأعراف/ 187]، وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف/ 85]، تشبيها بذلك لسرعة حسابه، كما قال: وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ [الأنعام/ 62]، أو لما نبّه عليه بقوله: كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات/ 46]، لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ
 [الأحقاف/ 35]، وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ [الروم/ 55]، فالأولى هي القيامة، و الثانية الوقت القليل من الزمان.
__________________________________________________
و قال: و إلقاء الأسورة كناية عن إلقاء مقاليد الملك، أي: أسبابه التي هي كالمفاتيح له.
و كانوا إذا سودوا رجلا سوروه و طوقوه بطوق من ذهب علما على رئاسته، و دلالة لسيادته. انظر: روح البيان 8/ 379.
 (1) البيت للنابغة الذبياني في ديوانه ص 18.
 (2) هو أبو الهيثم الرازي و ابن الأنباري انظر تهذيب اللغة 13/ 50.
 (3) هذا عجز بيت للأخطل، و شطره:
         و شارب مربح بالكأس نادمني‏

و هو في ديوانه ص 141، و اللسان (سور).
قال ابن منظور: و السوّار: الذي تسور الخمر في رأسه سريعا.

434
مفردات ألفاظ القرآن

ساعة ص 434

و قيل: السَّاعَاتُ التي هي القيامة ثلاثة: السَّاعَةُ الكبرى، هي بعث الناس للمحاسبة و هي التي أشار إليها
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَ التَّفَحُّشُ وَ حَتَّى يُعْبَدَ الدِّرْهَمُ وَ الدِّينَارُ» «1».
إلى غير ذلك و ذكر أمورا لم تحدث في زمانه و لا بعده. و السَّاعَةُ الوسطى، و هي موت أهل القرن الواحد و ذلك نحو ما
رُوِيَ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَنِيسٍ فَقَالَ: (إِنْ يَطُلْ عُمْرُ هَذَا الْغُلَامِ لَمْ يَمُتْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) «2» فَقِيلَ: إِنَّهُ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ.
و السَّاعَةُ الصّغرى، و هي موت الإنسان، فَسَاعَةُ كلّ إنسان موته، و هي المشار إليها بقوله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً [الأنعام/ 31]، و معلوم أنّ هذه الحسرة تنال الإنسان عند موته لقوله: وَ أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ ...
الآية [المنافقون/ 10]، و على هذا قوله: قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ [الأنعام/ 40]، و
رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا هَبَّتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: «تَخَوَّفْتُ السَّاعَةَ» «3».
و
قَالَ: «مَا أَمُدُّ طَرْفِي وَ لَا أَغُضُّهَا إِلَّا وَ أَظُنُّ أَنَّ السَّاعَةَ قَدْ قَامَتْ» «4».
يعني موته. و يقال:
عاملته مُسَاوَعَةً، نحو: معاومة و مشاهرة، و جاءنا بعد سَوْعٍ من اللّيل، و سُوَاعٍ، أي: بعد هدء، و تصوّر من السَّاعَةِ الإهمال، فقيل: أَسَعْتُ الإبل أُسِيعُهَا، و هو ضائع سَائِعٌ، و سُوَاعٌ: اسم صنم، قال تعالى: وَدًّا وَ لا سُواعاً [نوح/ 23].
ساغ‏
سَاغَ الشّراب في الحلق: سهل انحداره، و أَسَاغَهُ كذا. قال: سائِغاً لِلشَّارِبِينَ‏ [النحل/ 66]، وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ‏ [إبراهيم/ 17]، و سَوَّغْتُهُ مالا مستعار منه، و فلان سوغ أخيه: إذا ولد إثره عاجلا تشبيها بذلك.
سوف‏
سَوْفَ حرف يخصّص أفعال المضارعة بالاستقبال، و يجرّدها عن معنى الحال، نحو:
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي‏ [يوسف/ 98]، و قوله: فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ* [الأنعام/ 135]،
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه أحمد عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش و التفاحش و قطيعة الرحم و سوء المجاورة» انظر: المسند 2/ 162.
 (2) الحديث عن أنس بن مالك أن رجلا قال: يا رسول اللّه متى تقوم الساعة؟ و عنده غلام من الأنصار يقال له محمد، فقال: «إن يعش هذا فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة». أخرجه أحمد في مسنده 3/ 270، و مسلم برقم 2269، و البخاري في الأدب، فتح الباري 10/ 553 و اسم الغلام محمد.
 (3) الحديث عن عائشة أنها قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إذا رأى الريح قد اشتدت تغيّر وجهه. أخرجه أحمد 6/ 66، و البخاري في الاستسقاء. فتح الباري 2/ 520 دون قوله تخوّفت ... الخ.
 (4) لم أجده.

435
مفردات ألفاظ القرآن

سوف ص 435

تنبيه أنّ ما يطلبونه- و إن لم يكن في الوقت حاصلا- فهو ممّا يكون بعد لا محالة، و يقتضي معنى المماطلة و التأخير، و اشتقّ منه التَّسْوِيفُ اعتبارا بقول الواعد: سوف أفعل كذا، و السَّوْفُ:
شمّ التّراب و البول، و منه قيل للمفازة التي يَسُوفُ الدليل ترابها: مَسَافَةٌ، قال الشاعر:
252-
         إذا الدّليل اسْتَافَ أخلاق الطّرق «1»
و السُّوَافُ: مرض الإبل يشارف بها الهلاك، و ذلك لأنها تشمّ الموت، أو يشمّها الموت، و إمّا لأنه ممّا سوف تموت منه.
ساق‏
سَوْقُ الإبل: جلبها و طردها، يقال: سُقْتُهُ فَانْسَاقَ، و السَّيِّقَةُ: ما يُسَاقُ من الدّوابّ. و سُقْتُ المهر إلى المرأة، و ذلك أنّ مهورهم كانت الإبل، و قوله: إِلى‏ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ‏ [القيامة/ 30]، نحو قوله: وَ أَنَّ إِلى‏ رَبِّكَ الْمُنْتَهى‏ [النجم/ 42]، و قوله: سائِقٌ وَ شَهِيدٌ [ق/ 21]، أي: ملك يَسُوقُهُ، و آخر يشهد عليه و له، و قيل: هو كقوله: كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ‏ [الأنفال/ 6]، و قوله: وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ‏ [القيامة/ 29]، قيل:
عني التفاف الساقين عند خروج الروح. و قيل:
التفافهما عند ما يلفّان في الكفن، و قيل: هو أن يموت فلا تحملانه بعد أن كانتا تقلّانه، و قيل:
أراد التفاف البليّة بالبليّة نحو قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ‏ [القلم/ 42]، من قولهم:
كشفت الحرب عن ساقها، و قال بعضهم في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ‏ [القلم/ 42]:
إنه إشارة إلى شدّة «2»، و هو أن يموت الولد في بطن الناقة فيدخل المذمّر يده في رحمها فيأخذ بساقه فيخرجه ميّتا، قال: فهذا هو الكشف عن الساق، فجعل لكلّ أمر فظيع. و قوله:
فَاسْتَوى‏ عَلى‏ سُوقِهِ‏ [الفتح/ 29]، قيل:
هو جمع ساق نحو: لابة و لوب، و قارة و قور، و على هذا: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ‏ [ص/ 33]، و رجل أَسْوَقُ، و امرأة سَوْقَاءُ بيّنة السّوق، أي: عظيمة السّاق، و السُّوقُ: الموضع الذي يجلب إليه المتاع للبيع، قال: وَ قالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ‏ [الفرقان/ 7]، و السَّوِيقُ سمّي لِانْسِوَاقِهِ في الحلق من غير مضغ.
__________________________________________________
 (1) الرجز لرؤبة، و هو في اللسان (سوف).
 (2) عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق سأله عن قوله: يوم يكشف عن ساق قال: عن شدّة الآخرة. قال: و هل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أ ما سمعت قول الشاعر:
         قد قامت الحرب بنا على ساق‏

انظر: الدر المنثور 8/ 254.

436
مفردات ألفاظ القرآن

سول ص 437

سول‏
السُؤْلُ: الحاجة التي تحرص النّفس عليها، قال: قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى‏ [طه/ 36]، و ذلك ما سأله بقوله: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه/ 25]، و التَّسْوِيلُ: تزيين النّفس لما تحرص عليه، و تصوير القبيح منه بصورة الحسن، قال: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً*
 [يوسف/ 18]، الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ‏ [محمد/ 25]، و قال بعض الأدباء:
253-
         سَالَتْ هذيلٌ رسولَ اللّه فاحشة «1»
أي: طلبت منه سُؤلًا. قال: و ليس من سال كما قال كثير من الأدباء. و السُّؤلُ يقارب الأمنيّة، لكن الأمنيّة تقال فيما قدّره الإنسان، و السُّؤْلُ فيما طلب، فكأنّ السُّؤْلَ يكون بعد الأمنيّة.
سال‏
سَالَ الشي‏ء يَسِيلُ، و أَسَلْتُهُ أنا، قال:
وَ أَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ [سبأ/ 12]، أي: أذبنا له، و الْإِسَالَةُ في الحقيقة: حالة في القطر تحصل بعد الإذابة، و السَّيْلُ أصله مصدر، و جعل اسما للماء الذي يأتيك و لم يصبك مطره، قال:
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً [الرعد/ 17]، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ‏ [سبأ/ 16]، و السِّيلَانُ: الممتدّ من الحديد، الدّاخل من النّصاب في المقبض.
سأل‏
السُّؤَالُ: استدعاء معرفة، أو ما يؤدّي إلى المعرفة، و استدعاء مال، أو ما يؤدّي إلى المال، فاستدعاء المعرفة جوابه على اللّسان، و اليد خليفة له بالكتابة، أو الإشارة، و استدعاء المال جوابه على اليد، و اللّسان خليفة لها إمّا بوعد، أو بردّ. إن قيل: كيف يصحّ أن يقال السّؤال يكون للمعرفة، و معلوم أنّ اللّه تعالى: يَسْأَلُ عباده نحو: وَ إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة/ 116]؟ قيل: إنّ ذلك سُؤَالٌ لتعريف القوم، و تبكيتهم لا لتعريف اللّه تعالى، فإنه علّام الغيوب، فليس يخرج عن كونه سؤالا عن المعرفة، و السُّؤَالُ للمعرفة يكون تارة للاستعلام، و تارة للتّبكيت، كقوله تعالى: وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ‏ [التكوير/ 8]، و لتعرّف الْمَسْئُولِ.
و السُّؤَالُ إذا كان للتّعريف تعدّى إلى المفعول الثاني تارة بنفسه، و تارة بالجارّ، تقول: سألته كذا، و سألته عن كذا، و بكذا، و بعن أكثر، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ‏ [الإسراء/ 85]، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ‏ [الكهف/ 83]، يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ‏ [الأنفال/ 1]، و قال تعالى: وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي‏ [البقرة/ 186]، و قال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏ [المعارج/ 1]، و إذا كان السّؤال لاستدعاء مال فإنه يتعدّى بنفسه‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت لحسان بن ثابت و هو في ديوانه ص 34. و انظر: كتاب الألفات لابن خالويه ص 38- 39.
و أبدلت الهمزة ألفا.

437
مفردات ألفاظ القرآن

سأل ص 437

أو بمن، نحو: وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ‏ [الأحزاب/ 53]، وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا [الممتحنة/ 10]، و قال: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏ [النساء/ 32]، و يعبّر عن الفقير إذا كان مستدعيا لشي‏ء بالسّائل، نحو: وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى/ 10]، و قوله: لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ* [الذاريات/ 19].
سام‏
السَّوْمُ أصله: الذّهاب في ابتغاء الشي‏ء، فهو لفظ لمعنى مركّب من الذّهاب و الابتغاء، و أجري مجرى الذّهاب في قولهم: سَامَتِ الإبل، فهي سَائِمَةٌ، و مجرى الابتغاء في قولهم: سُمْتُ كذا، قال: يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ* [إبراهيم/ 6]، و منه قيل: سِيمَ فلان الخسف، فهو يُسَامُ الخسف، و منه: السَّوْمُ في البيع،
فَقِيلَ:
 (صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَحَقُّ بِالسَّوْمِ) «1».
و يقال: سُمْتُ الإبل في المرعى، و أَسَمْتُهَا، و سَوَّمْتُهَا، قال:
وَ مِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ‏ [النحل/ 10]، و السِّيمَاءُ و السِّيمِيَاءُ: العلامة، قال الشاعر:
254-
         له سِيمِيَاءُ لا تشق على البصر «2»
و قال تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ‏ [الفتح/ 29]، و قد سَوَّمْتُهُ أي: أعلمته، و قوله عزّ و جلّ في الملائكة: مُسَوَّمِينَ «3» أي:
معلَّمين و مُسَوِّمِينَ‏ «4» معلِّمين لأنفسهم أو لخيولهم، أو مرسلين لها، و
رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: «تَسَوَّمُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ تَسَوَّمَتْ» «5».
سأم‏
السَّآمَةُ: الملالة ممّا يكثر لبثه، فعلا كان أو انفعالا قال: وَ هُمْ لا يَسْأَمُونَ‏ [فصلت/ 38]، و قال: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ [فصلت/ 49]، و قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) لم أجده.
 (2) الرجز لأسيد بن عنقاء الفزاري يمدح عميلة حين قاسمه ماله، و يقول:
         غلام رماه اللّه بالحسن يافعا             له سيمياء لا تشقّ على البصر
             كأنّ الثريا علّقت فوق نحره             و في جيده الشعرى و في وجهه القمر

انظر: اللسان (سوم)، و الأغاني 17/ 117، و قيل: هي لعويف القوافي.
 (3) سورة آل عمران: آية 125، و قرأ مسوّمين بفتح الواو نافع و أبو جعفر و ابن عامر و حمزة و الكسائي و خلف.
 (4) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و عاصم و يعقوب. الإتحاف 179.
 (5) الحديث عن عمير بن إسحاق قال: إنّ أول ما كان الصوف ليوم بدر، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «تسوّموا فإنّ الملائكة قد تسوّمت، فهو أول يوم وضع الصوف» أخرجه ابن أبي شيبة و ابن جرير.
و أخرج الطبراني و ابن مردويه بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: مسوّمين: معلّمين، و كانت سيما الملائكة يوم بدر عمائم سودا، و يوم أحد عمائم حمرا». راجع: الدر المنثور 2/ 309- 310.

438
مفردات ألفاظ القرآن

سأم ص 438

255-
         سَئِمْتُ تكاليف الحياة و من يعش             ثمانين حولا لا أبا لك يَسْأَمُ «1»

سين‏
طور سَيْنَاءَ: جبل معروف، قال: تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ [المؤمنون/ 20]. قرئ بالفتح و الكسر «2»، و الألف في سَيْناءَ
 بالفتح ليس إلّا للتأنيث، لأنه ليس في كلامهم فعلال إلّا مضاعفا، كالقلقال و الزّلزال، و في سِينَاءَ يصحّ أن تكون الألف فيه كالألف في علباء و حرباء «3»، و أن تكون الألف للإلحاق بسرداح «4»، و قيل أيضا:
وَ طُورِ سِينِينَ‏ «5». و السِّينُ من حروف المعجم.
سوا
الْمُسَاوَاةُ: المعادلة المعتبرة بالذّرع و الوزن، و الكيل، يقال: هذا ثوب مُسَاوٍ لذاك الثّوب، و هذا الدّرهم مساو لذلك الدّرهم، و قد يعتبر بالكيفيّة، نحو: هذا السّواد مساو لذلك السّواد، و إن كان تحقيقه راجعا إلى اعتبار مكانه دون ذاته، و لاعتبار المعادلة التي فيه استعمل استعمال العدل، قال الشاعر:
256-
         أبينا فلا نعطي السَّوَاءَ عدوّنا «6»

و اسْتَوَى يقال على وجهين:
أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعدا، نحو:
اسْتَوَى زيد و عمرو في كذا، أي: تَسَاوَيَا، و قال:
لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ‏ [التوبة/ 19].
و الثاني: أن يقال لاعتدال الشي‏ء في ذاته، نحو: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏ [النجم/ 6]، و قال:
فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ‏ [المؤمنون/ 28]، لِتَسْتَوُوا عَلى‏ ظُهُورِهِ‏ [الزخرف/ 13]، فَاسْتَوى‏ عَلى‏ سُوقِهِ‏ [الفتح/ 29]، و استوى فلان على عمالته، و استوى أمر فلان، و متى عدّي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء، كقوله:
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى‏ [طه/ 5]، و قيل: معناه استوى له ما في السموات و ما في الأرض، أي: استقام الكلّ على مراده بِتَسْوِيَةِ اللّه تعالى إيّاه، كقوله: ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَ‏ [البقرة/ 29]، و قيل: معناه استوى كلّ شي‏ء في النّسبة إليه، فلا شي‏ء أقرب إليه من شي‏ء، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان، و إذا عدّي بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه، إمّا بالذّات، أو بالتّدبير،
__________________________________________________
 (1) البيت لزهير بن أبي سلمى من معلقته، و هو في ديوانه ص 86، و شرح المعلقات 1/ 124.
 (2) قرأ نافع و ابن كثير و أبو عمرو و أبو جعفر بكسر السين، و الباقون بالفتح. الإتحاف 318.
 (3) راجع: الممتع في التصريف 1/ 122 و 363.
 (4) و هي ألف الإلحاق، و السرداح: الناقة الطويلة، و قيل: الكثيرة اللحم.
 (5) سورة التين: آية 2.
 (6) هذا شطر بيت لعنترة، و عجزه:
         قياما بأعضاد السّراء المعطّف‏

و هو في ديوانه ص 52، و الحجة للفارسي 1/ 246، و النوادر لأبي زيد ص 122، و المخصص 12/ 160.

439
مفردات ألفاظ القرآن

سوا ص 439

و على الثاني قوله: ثُمَّ اسْتَوى‏ إِلَى السَّماءِ وَ هِيَ دُخانٌ‏ [فصلت/ 11]، و تَسْوِيَةُ الشي‏ء: جعله سواء، إمّا في الرّفعة، أو في الضّعة، و قوله:
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ‏ [الانفطار/ 7]، أي:
جعل خلقتك على ما اقتضت الحكمة، و قوله:
وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها [الشمس/ 7]، فإشارة إلى القوى التي جعلها مقوّمة للنّفس، فنسب الفعل إليها، و قد ذكر في غير هذا الموضع أنّ الفعل كما يصحّ أن ينسب إلى الفاعل يصحّ أن ينسب إلى الآلة، و سائر ما يفتقر الفعل إليه، نحو:
سيف قاطع. و هذا الوجه أولى من قول من قال:
أراد وَ نَفْسٍ وَ ما سَوَّاها [الشمس/ 7]، يعني اللّه تعالى «1»، فإنّ «ما» لا يعبّر به عن اللّه تعالى، إذ هو موضوع للجنس، و لم يرد به سمع يصحّ، و أمّا قوله: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى* الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى‏ [الأعلى/ 1- 2]، فالفعل منسوب إليه تعالى، و كذا قوله: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي* [الحجر/ 29]، و قوله: رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها [النازعات/ 28]، فَتَسْوِيَتُهَا يتضمّن بناءها، و تزيينها المذكور في قوله: إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ [الصافات/ 6].
و السَّوِيُّ يقال فيما يصان عن الإفراط، و التّفريط من حيث القدر، و الكيفيّة. قال تعالى: ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا [مريم/ 10]، و قال تعالى: مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ‏ [طه/ 135]، و رجل سَوِيٌّ: استوت أخلاقه و خلقته عن الإفراط و التّفريط، و قوله تعالى: عَلى‏ أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ‏ [القيامة/ 4]، قيل: نجعل كفّه كخفّ الجمل لا أصابع لها، و قيل: بل نجعل أصابعه كلّها على قدر واحد حتى لا ينتفع بها، و ذاك أنّ الحكمة في كون الأصابع متفاوتة في القدر و الهيئة ظاهرة، إذ كان تعاونها على القبض أن تكون كذلك، و قوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها [الشمس/ 14]، أي: سوّى بلادهم بالأرض، نحو: خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها* [الكهف/ 42]، و قيل: سوّى بلادهم بهم، نحو: لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ‏ [النساء/ 42]، و ذلك إشارة إلى ما قال عن الكفّار: وَ يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً [النبأ/ 40]، و مكان سُوىً، و سَوَاءٌ: وسط. و يقال: سَوَاءٌ، و سِوىً، و سُوىً أي: يستوي طرفاه، و يستعمل ذلك وصفا و ظرفا، و أصل ذلك مصدر، و قال:
فِي سَواءِ الْجَحِيمِ‏ [الصافات/ 55]، و سَواءَ السَّبِيلِ* [القصص/ 22]، فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى‏ سَواءٍ [الأنفال/ 58]، أي: عدل من الحكم، و كذا قوله: إِلى‏ كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمْ‏ [آل عمران/ 64]، و قوله: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ* [البقرة/ 6]،
__________________________________________________
 (1) و هو قول ابن جرير 30/ 210. قال: و «ما» موضع «من».

440
مفردات ألفاظ القرآن

سوا ص 439

سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ‏ [المنافقون/ 6]، سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا [إبراهيم/ 21]، أي: يَسْتَوِي الأمران في أنهما لا يغنيان سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ [الحج/ 25]، و قد يستعمل سِوىً و سَوَاءٌ بمعنى غير، قال الشاعر:
257-
         فلم يبق منها سِوَى هامد «1»

و قال آخر:
258-
         و ما قصدت من أهلها لِسِوَائِكَا «2»

و عندي رجل سِوَاكَ، أي: مكانك، و بدلك، و السِّيُّ: المساوي، مثل: عدل و معادل، و قتل و مقاتل، تقول: سِيَّانِ زيد و عمرو، و أَسْوَاءٌ جمع سِيٍّ، نحو: نقض و أنقاض، يقال: قوم أَسْوَاءٌ، و مُسْتَوُونَ، و الْمُسَاوَاةُ متعارفة في المثمنات، يقال: هذا الثّوب يساوي كذا، و أصله من سَاوَاهُ في القدر، قال: حَتَّى إِذا ساوى‏ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ‏ [الكهف/ 96].
سوأ
السُّوءُ: كلّ ما يغمّ الإنسان من الأمور الدّنيويّة، و الأخروية، و من الأحوال النّفسيّة، و البدنيّة، و الخارجة، من فوات مال، و جاه، و فقد حميم، و قوله: بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ* [طه/ 22]، أي: من غير آفة بها، و فسّر بالبرص، و ذلك بعض الآفات التي تعرض لليد. و قال:
إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ‏ [النحل/ 27]، و عبّر عن كلّ ما يقبح بِالسُّوأَى، و لذلك قوبل بالحسنى، قال: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ [الروم/ 10]، كما قال:
لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ [يونس/ 26]، و السَّيِّئَةُ: الفعلة القبيحة، و هي ضدّ الحسنة، قال: بَلى‏ مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً [البقرة/ 81]، قال: لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ [النمل/ 46]، يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ‏ [هود/ 114]، ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ‏ [النساء/ 79]، فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا [النحل/ 34]، ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون/ 96]، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «يَا أَنَسُ أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» «3».
و الحسنة و السّيئة ضربان: أحدهما
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و سفع الخدود معا و النؤي‏

و هو لأبي ذؤيب الهذلي، في ديوان الهذليين 1/ 66، و البصائر 3/ 187.
 (2) هذا عجز بيت، و صدره:
         تجانف عن أهل اليمامة ناقتي‏

و هو للأعشى في ديوانه ص 131، و اللسان (سوى)، و البصائر 3/ 87، و المجمل 2/ 477.
 (3) الحديث عن معاذ و أبي ذر قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «اتق اللّه حيثما كنت، و أتبع السيئة الحسنة تمحها، و خالق الناس بخلق حسن» أخرجه أحمد و الترمذي و الحاكم و الدارمي 2/ 323.
انظر: الفتح الكبير 1/ 33، و المسند 5/ 153، و المستدرك 1/ 54.

441
مفردات ألفاظ القرآن

سوأ ص 441

بحسب اعتبار العقل و الشرع، نحو المذكور في قوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‏ إِلَّا مِثْلَها [الأنعام/ 160]، و حسنة و سيّئة بحسب اعتبار الطّبع، و ذلك ما يستخفّه الطّبع و ما يستثقله، نحو قوله:
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى‏ وَ مَنْ مَعَهُ‏ [الأعراف/ 131]، و قوله: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ [الأعراف/ 95]، و قوله تعالى: إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَ السُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ‏ [النحل/ 27]، و يقال: سَاءَنِي كذا، و سُؤْتَنِي، و أَسَأْتَ إلى فلان، قال: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك/ 27]، و قال: لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ‏ [الإسراء/ 7]، مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏ [النساء/ 123]، أي: قبيحا، و كذا قوله:
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ‏ [التوبة/ 37]، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ* [الفتح/ 6]، أي: ما يسوءهم في العاقبة، و كذا قوله: وَ ساءَتْ مَصِيراً* [النساء/ 97]، و ساءَتْ مُسْتَقَرًّا [الفرقان/ 66]، و أما قوله تعالى: فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ‏ [الصافات/ 177]، و ساءَ ما يَعْمَلُونَ‏ [المائدة/ 66]، ساءَ مَثَلًا [الأعراف/ 177]، فساء هاهنا تجري مجرى بئس، و قال: وَ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ [الممتحنة/ 2]، و قوله: سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الملك/ 27]، نسب ذلك إلى الوجه من حيث إنه يبدو في الوجه أثر السّرور و الغمّ، و قال:
سِي‏ءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً* [هود/ 77]:
حلّ بهم ما يسوءهم، و قال: سُوءُ الْحِسابِ* [الرعد/ 21]، وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ* [الرعد/ 25]، و كنّي عن الْفَرْجِ بِالسَّوْأَةِ «1». قال: كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ‏ [المائدة/ 31]، فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي‏ [المائدة/ 31]، يُوارِي سَوْآتِكُمْ‏ [الأعراف/ 26]، بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما* [الأعراف/ 22]، لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما [الأعراف/ 20].
تمّ كتاب السين‏
__________________________________________________
 (1) انظر مجاز القرآن 1/ 162.

442
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الشين

كتاب الشّين‏
شبه‏
الشِّبْهُ و الشَّبَهُ و الشَّبِيهُ: حقيقتها في المماثلة من جهة الكيفيّة، كاللّون و الطّعم، و كالعدالة و الظّلم، و الشُّبْهَةُ: هو أن لا يتميّز أحد الشّيئين من الآخر لما بينهما من التّشابه، عينا كان أو معنى، قال: وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً
 [البقرة/ 25]، أي: يشبه بعضه بعضا لونا لا طعما و حقيقة، و قيل: متماثلا في الكمال و الجودة، و قرئ قوله: مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ‏ [الأنعام/ 99]، و قرئ: مُتَشابِهاً [الأنعام/ 141]، جميعا، و معناهما متقاربان. و قال: إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا [البقرة/ 70]، على لفظ الماضي، فجعل لفظه مذكّرا، و (تَشَّابَهُ) «1» أي:
تتشابه علينا على الإدغام، و قوله: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ‏ [البقرة/ 118]، أي: في الغيّ و الجهالة، قال: آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ‏ [آل عمران/ 7].
و الْمُتَشَابِهُ من القرآن: ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره، إمّا من حيث اللّفظ، أو من حيث المعنى، فقال الفقهاء: الْمُتَشَابِهُ: ما لا ينبئ ظاهره عن مراده «2»، [و حقيقة ذلك أنّ الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب: محكم على الإطلاق، و مُتَشَابِهٌ على الإطلاق، و محكم من وجه متشابه من وجه. فالمتشابه في الجملة ثلاثة أضرب: متشابه من جهة اللّفظ فقط، و متشابه من جهة المعنى فقط، و متشابه من جهتهما.
و المتشابه من جهة اللّفظ ضربان:
أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة، و ذلك إمّا من جهة غرابته نحو: الأبّ «3»، و يَزِفُّونَ «4»، و إمّا من جهة مشاركة في اللّفظ كاليد و العين.
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة شاذة، قرأ بها الأعرج.
 (2) انظر: بصائر ذوي التمييز 3/ 293، و التعريفات للجرجاني ص 200.
 (3) الأبّ: الكلأ، و قيل: الأبّ من المرعى للدواب، كالفاكهة للإنسان. انظر: اللسان (أبّ).
 (4) يزفّون أي: يسرعون، و أصله من: زفيف النعامة، و هو ابتداء عدوها. انظر: اللسان (زفّ).

443
مفردات ألفاظ القرآن

شبه ص 443

و الثاني يرجع إلى جملة الكلام المركّب، و ذلك ثلاثة أضرب:
ضرب لاختصار الكلام نحو: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى‏ فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء/ 3].
و ضرب لبسط الكلام نحو: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ [الشورى/ 11]، لأنه لو قيل: ليس مثله شي‏ء كان أظهر للسامع.
و ضرب لنظم الكلام نحو: أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً* قَيِّماً [الكهف/ 1- 2]، تقديره: الكتاب قيّما و لم يجعل له عوجا، و قوله: وَ لَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ إلى قوله: لَوْ تَزَيَّلُوا «1». و المتشابه من جهة المعنى: أوصاف اللّه تعالى، و أوصاف يوم القيامة، فإنّ تلك الصّفات لا تتصوّر لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسّه، أو لم يكن من جنس ما نحسّه. و المتشابه من جهة المعنى و اللّفظ جميعا خمسة أضرب:
الأوّل: من جهة الكمّيّة كالعموم و الخصوص نحو: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [التوبة/ 5].
و الثاني: من جهة الكيفيّة كالوجوب و النّدب، نحو:
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ [النساء/ 3]. و الثالث: من جهة الزّمان كالنّاسخ و المنسوخ، نحو: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ [آل عمران/ 102].
و الرّابع: من جهة المكان و الأمور الّتي نزلت فيها، نحو: وَ لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها [البقرة/ 189]، و قوله: إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة/ 37]، فإنّ من لا يعرف عادتهم في الجاهليّة يتعذّر عليه معرفة تفسير هذه الآية.
و الخامس: من جهة الشّروط التي بها يصحّ الفعل، أو يفسد كشروط الصلاة و النكاح. و هذه الجملة إذا تصوّرت علم أنّ كلّ ما ذكره المفسّرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن هذه التقاسيم، نحو قول من قال: المتشابه الم* [البقرة/ 1]، و
قَوْلِ قَتَادَةَ: الْمُحْكَمُ: النَّاسِخُ، وَ الْمُتَشَابِهُ: الْمَنْسُوخُ «2».
و
قَوْلِ الْأَصَمِّ «3»:
الْمُحْكَمُ: مَا أُجْمِعَ عَلَى تَأْوِيلِهِ، وَ الْمُتَشَابِهُ: مَا اخْتُلِفَ فِيهِ.
ثمّ جميع المتشابه على ثلاثة أضرب: ضرب لا سبيل للوقوف عليه، كوقت السّاعة، و خروج دابّة الأرض، و كيفيّة الدّابّة و نحو ذلك. و ضرب للإنسان سبيل إلى معرفته، كالألفاظ الغريبة و الأحكام الغلقة. و ضرب متردّد بين الأمرين يجوز أن يختصّ بمعرفة حقيقته‏
__________________________________________________
 (1) الآية: و لو لا رجال مؤمنون و نساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرّة بغير علم، ليدخل اللّه في رحمته من يشاء، لو تزيّلوا لعذّبنا الّذين كفروا منهم عذابا أليما سورة الفتح: آية 25.
 (2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 2/ 48.
 (3) عبد الرحمن بن كيسان، أبو بكر الأصم المعتزلي، له تفسير عجيب، ينقل عنه الرازي. انظر لسان الميزان 3/ 427.

444
مفردات ألفاظ القرآن

شبه ص 443

بعض الرّاسخين في العلم، و يخفى على من دونهم، و هو الضّرب المشار إليه‏
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَ عَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» «1».
و قوله لابن عبّاس مثل ذلك «2». و إذ عرفت هذه الجملة علم أنّ الوقف على قوله: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران/ 7]، و وصله بقوله: وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران/ 7] جائز، و أنّ لكلّ واحد منهما وجها حسبما دلّ عليه التّفصيل المتقدّم «3». و قوله: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً [الزمر/ 23]، فإنّه يعني ما يشبه بعضه بعضا في الأحكام، و الحكمة و استقامة النّظم. و قوله: وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ‏ «4» أي: مثّل لهم من حسبوه إيّاه، و الشَّبَهُ من الجواهر: ما يشبه لونه لون الذّهب.
شتت‏
الشَّتُّ: تفريق الشّعب، يقال: شَتَّ جمعهم شَتّاً و شَتَاتاً، و جاءوا أَشْتَاتاً، أي: متفرّقي النّظام، قال: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً [الزلزلة/ 6]، و قال: مِنْ نَباتٍ شَتَّى‏ [طه/ 53]، أي: مختلفة الأنواع، وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى‏ [الحشر/ 14]، أي: هم بخلاف من وصفهم بقوله: وَ لكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال/ 63].
و (شَتَّانَ): اسم فعل، نحو: وشكان، يقال:
شتّان ما هما، و شتّان ما بينهما: إذا أخبرت عن ارتفاع الالتئام بينهما.
شتا
قال عزّ و جل: رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ‏ [قريش/ 2]، يقال: شَتَّى و أَشْتَى، و صاف و أصاف، و الْمَشْتَى و الْمَشْتَاةُ للوقت، و الموضع، و المصدر، قال الشاعر:
259-
         نحن في الْمَشْتَاةِ ندعو الجفلى «5»
__________________________________________________
 (1) لم أجده، لكن جاء عن عليّ رضي اللّه عنه قال: بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم إلى اليمن لأقضي بينهم، فقلت: يا رسول اللّه لا علم لي بالقضاء، فضرب بيده على صدري، و قال: «اللهم اهد قلبه، و سدد لسانه». أخرجه النسائي في تهذيب خصائص عليّ بن أبي طالب ص 43، و هو ضعيف.
 (2) الحديث عن ابن عباس أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءا، قال: «من وضع هذا»؟ فأخبر فقال:
 «اللهم فقهه في الدين». أخرجه البخاري في باب وضع الماء عند الخلاء 1/ 224.
و قال ابن حجر: و هذه اللفظة اشتهرت على الألسنة: «اللهم فقهه في الدين، و علّمه التأويل» حتى نسبها بعضهم للصحيحين و لم يصب، و الحديث عند أحمد بهذا اللفظ، و عند الطبراني من وجهين آخرين. انظر فتح الباري 7/ 100 فضائل ابن عباس، و مسند أحمد 1/ 266، و مجمع الزوائد 9/ 279.
 (3) ما بين [] نقله السيوطي بطوله في الإتقان 2/ 6.
 (4) سورة النساء: آية 157. و قد نقل أكثر هذا الباب الفيروزآبادي حرفيا في البصائر 3/ 294- 297.
 (5) هذا شطر بيت لطرفة، و عجزه:

445
مفردات ألفاظ القرآن

شجر ص 446

شجر
الشَّجَرُ من النّبات: ما له ساق، يقال: شَجَرَةٌ و شَجَرٌ، نحو: ثمرة و ثمر. قال تعالى: إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح/ 18]، و قال:
أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها [الواقعة/ 72]، و قال: وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ [الرحمن/ 6]، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ‏ [الواقعة/ 52]، إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ‏ [الدخان/ 43]. و واد شَجِيرٌ: كثير الشّجر، و هذا الوادي أَشْجَرُ من ذلك، و الشِّجَارُ الْمُشَاجَرَةُ، و التَّشَاجُرُ:
المنازعة. قال تعالى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ‏ [النساء/ 65]. و شَجَرَنِي عنه:
صرفني عنه بالشّجار، و
فِي الْحَدِيثِ: «فَإِنِ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ منْ لَا وَلِيَّ لَهُ» «1».
و الشِّجَارُ: خشب الهودج، و الْمِشْجَرُ: ما يلقى عليه الثّوب، و شَجَرَهُ بالرّمح أي: طعنه بالرّمح، و ذلك أن يطعنه به فيتركه فيه.
شح‏
الشُّحُّ: بخل مع حرص، و ذلك فيما كان عادة. قال تعالى: وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ‏ [النساء/ 128]، و قال سبحانه: وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ* [الحشر/ 9]. يقال: رجل شَحِيحٌ، و قوم أَشِحَّةٌ، قال تعالى: أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ [الأحزاب/ 19]، أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏ [الأحزاب/ 19]. و خطيب شَحْشَحٌ: ماض في خطبته، من قولهم: شَحْشَحَ البعير في هديره «2».
شحم‏
قال تعالى: حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُم [الأنعام/ 146]. و شَحْمَةُ الأذن: معلّق القرط لتصوّره بصورة الشَّحْمِ، و شَحْمَةُ الأرض لدودة بيضاء، و رجل مُشْحِمٌ:
كثر عنده الشّحم، و شَحِمٌ: محبّ للشّحم، و شَاحِمٌ: يطعمه أصحابه «3»، و شَحِيمٌ: كثر على بدنه.
__________________________________________________
         لا ترى الآدب فينا ينتقر

و هو في ديوانه ص 55، و اللسان (جفل). و الجفلى: أن تدعو الناس إلى طعامك عامة، و النقرى: أن تدعو الخاصة.
 (1) الحديث عن عائشة أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل، ثلاثا، و لها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فإنّ السلطان وليّ من لا وليّ له». أخرجه أحمد في المسند 6/ 166، و في سنده سليمان بن موسى، و فيه لين (انظر: تقريب التهذيب ص 255)، و أخرجه الترمذي، و قال: حديث حسن، انظر عارضة الأحوذي 3/ 13.
 (2) في المجمل 2/ 500: شحشح البعير في هديره: و ذلك إذا لم يكن هديره خالصا.
 (3) انظر: البصائر 3/ 300، و المجمل 2/ 523.

446
مفردات ألفاظ القرآن

شحن ص 447

شحن‏
قال تعالى: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* [الشعراء/ 119]، أي: المملوء، و الشَّحْنَاءُ:
عداوة امتلأت منها النّفس. يقال: عدوّ مُشَاحِنٌ، و أَشْحَنَ للبكاء: امتلأت نفسه لتهيّئه له.
شخص‏
الشَّخْصُ: سواد الإنسان القائم المرئيّ من بعيد، و قد شَخَصَ من بلده: نفذ، و شَخَصَ سهمه، و بصره، و أَشْخَصَهُ صاحبه، قال تعالى:
لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ [إبراهيم/ 42]، شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنبياء/ 97]، أي: أجفانهم لا تطرف.
شد
الشَّدُّ: العقد القويّ. يقال: شَدَدْتُ الشّي‏ء:
قوّيت عقده، قال اللّه: وَ شَدَدْنا أَسْرَهُمْ‏ [الإنسان/ 28]، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ [محمد/ 4]. و الشِّدَّةُ تستعمل في العقد، و في البدن، و في قوى النّفس، و في العذاب، قال: وَ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فاطر/ 44]، عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‏ [النجم/ 5]، يعني: جبريل عليه السلام، و قال تعالى: عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ [التحريم/ 6]، و قال:
بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ [الحشر/ 14]، فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ [ق/ 26]. و الشَّدِيدُ و الْمُتَشَدِّدُ: البخيل. قال تعالى: وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات/ 8]. فَالشَّدِيدُ يجوز أن يكون بمعنى مفعول، كأنه شدّ، كما يقال:
غلّ عن الأفضال «1»، و إلى نحو هذا: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة/ 64]، و يجوز أن يكون بمعنى فاعل، فَالْمُتَشَدِّدُ كأنه شدّ صرّته، و قوله تعالى: حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف/ 15]، [ففيه تنبيه أنّ الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوّى خلقه الذي هو عليه، فلا يكاد يزايله بعد ذلك، و ما أحسن ما نبّه له الشاعر حيث يقول:
260-
         إذا المرء وافى الأربعين و لم يكن             له دون ما يهوى حياء و لا ستر

261-
         فدعه و لا تنفس عليه الّذي مضى             و إن جرّ أسباب الحياة له العمر «2»

] «3» و شَدَّ فلان و اشْتَدَّ: إذا أسرع، يجوز أن يكون من قولهم: شدّ حزامه للعدو، كما يقال: ألقى ثيابه: إذا طرحه للعدو، و أن يكون من قولهم:
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 3/ 302، و اللسان (غلل)، و عمدة الحفاظ: شدّ.
 (2) البيتان اختلف في قائلهما، فقيل لمالك بن أسماء، و قيل للأقيشر، و قيل غير ذلك. و هما في البصائر 3/ 302 دون نسبة، و الحماسة البصرية 2/ 73، و شرح المقامات للشريشي 2/ 16، و الدر المصون 6/ 462، و أمالي القالي 1/ 78، و سمط اللآلئ 1/ 263. يقال: نفست عليه الشي‏ء، أنفسه نفاسة: إذا لم تره أهلا له.
 (3) ما بين قوسين نقله السمين في الدرّ المصون 6/ 462.

447
مفردات ألفاظ القرآن

شد ص 447

اشتدّت الرّيح، قال تعالى: اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ‏ [إبراهيم/ 18].
شر
الشَّرُّ: الذي يرغب عنه الكلّ، كما أنّ الخير هو الذي يرغب فيه الكلّ قال تعالى: شَرٌّ مَكاناً* [يوسف/ 77]، و إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُ‏ [الأنفال/ 22]، و قد تقدّم تحقيق الشّرّ مع ذكر الخير و ذكر أنواعه «1»، و رجل شَرٌّ و شِرِّيرٌ:
متعاط للشّرّ، و قوم أَشْرَارٌ، و قد أَشْرَرْتُهُ: نسبته إلى الشّرّ، و قيل: أَشْرَرْتُ كذا: أظهرته «2»، و احتجّ بقول الشاعر:
262-
         إذا قيل: أيّ الناس شَرٌّ قبيلة             أُشِرَّتْ كليبٌ بالأكفّ الأصابع «3»

فإن لم يكن في هذا إلّا هذا البيت فإنه يحتمل أنها نسبت الأصابع إلى الشّرّ بالإشارة إليه، فيكون من: أشررته: إذا نسبته إلى الشّرّ، و الشُّرُّ بالضّمّ خصّ بالمكروه، و شَرَارُ النّار: ما تطاير منها، و سمّيت بذلك لاعتقاد الشّرّ فيه، قال تعالى: تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات/ 32].
شرب‏
الشُّرْبُ: تناول كلّ مائع، ماء كان أو غيره. قال تعالى في صفة أهل الجنّة: وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً [الإنسان/ 21]، و قال في صفة أهل النّار: لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ* [يونس/ 4]، و جمع الشَّرَابِ أَشْرِبَةٌ، يقال: شَرِبْتُهُ شَرْباً و شُرْباً. قال عزّ و جلّ: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي‏
- إلى قوله- فَشَرِبُوا مِنْهُ‏ «4»، و قال:
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏ [الواقعة/ 55]، و الشِّرْبُ: النّصيب منه «5» قال تعالى: هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَ لَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏ [الشعراء/ 155]، و قال: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ [القمر/ 28]. و الْمَشْرَبُ المصدر، و اسم زمان الشّرب، و مكانه. قال تعالى: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ*
__________________________________________________
 (1) راجع مادة (خير).
 (2) انظر: المجمل 2/ 501.
 (3) البيت للفرزدق في ديوانه ص 362، و المجمل 2/ 501، و مغني اللبيب ص 15.
و الرواية المشهورة: (أشارت). و (الأصابع) بالرفع، و هي هكذا في مخطوطة المحمودية. و يروى:
         ... الأصابعا.

 (4) الآية: فمن شرب منه فليس منّي، و من لم يطعمه فإنّه منّي إلّا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه سورة البقرة:
آية 249.
 (5) قال ابن مالك في مثلثه:
         و الشّاربون قيل فيهم شرب             و كلّ حظّ من شراب شرب‏
             و شرب و إن تشأ فشرب             جمع شروب مكثر الشّراب.

 

448
مفردات ألفاظ القرآن

شرب ص 448

مَشْرَبَهُمْ* [البقرة/ 60]. و الشَّرِيبُ: الْمُشَارِبُ و الشَّرَابُ، و سمّي الشّعر الذي على الشّفة العليا، و العرق الذي في باطن الحلق شَارِباً، و جمعه: شَوَارِبُ، لتصوّرهما بصورة الشّاربين، قال الهذليّ في صفة عير:
263-
         صخب الشَّوَارِبِ لا يزال كأنه «1»

و قوله تعالى: وَ أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ‏ [البقرة/ 93]، قيل: هو من قولهم: أَشْرَبْتُ البعير أي: شددت حبلا في عنقه، قال الشاعر:
264-
         فَأَشْرَبْتُهَا الأقران حتى وقصتها             بقرح و قد ألقين كلّ جنين «2»

فكأنّما شدّ في قلوبهم العجل لشغفهم، و قال بعضهم «3»: معناه: أُشْرِبَ في قلوبهم حبّ العجل، و ذلك أنّ من عادتهم إذا أرادوا العبارة عن مخامرة حبّ، أو بغض، استعاروا له اسم الشّراب، إذ هو أبلغ إنجاع في البدن «4»، و لذلك قال الشاعر:
265-
         تغلغل حيث لم يبلغ شَرَابٌ             و لا حزن و لم يبلغ سرور «5»

و لو قيل: حبّ العجل لم يكن له المبالغة، [فإنّ في ذكر العجل تنبيها أنّ لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي‏] «6» و في مثل: أَشْرَبْتَنِي ما لم أَشْرَبْ «7»
، أي:
ادّعيت عليّ ما لم أفعل.
شرح‏
أصل الشَّرْحِ: بسط اللّحم و نحوه، يقال:
شَرَحْتُ اللّحم، و شَرَّحْتُهُ، و منه: شَرْحُ الصّدر أي: بسطه بنور إلهي و سكينة من جهة اللّه و روح منه. قال تعالى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي‏ [طه/ 25]، و قال: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ‏ [الشرح/ 1]، أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ‏ [الزمر/ 22]، و شَرْحُ المشكل من الكلام: بسطه و إظهار ما يخفى من معانيه.
شرد
شَرَدَ البعير: ندّ، و شَرَّدْتُ فلانا في البلاد، و شَرَّدْتُ به أي: فعلت به فعلة تُشَرِّدُ غيره أن يفعل فعله، كقولك: نكّلت به: أي: جعلت ما فعلت به نكالا لغيره. قال تعالى: فَشَرِّدْ بِهِمْ‏

__________________________________________________
 (1) شطر بيت للهذلي، و قد تقدّم عجزه في مادة (سبع). و هو في مجمع البلاغة للراغب 1/ 105.
 (2) البيت لأحد اللصوص من بني أسد.
و هو في البصائر 3/ 305، و معجم البلدان 4/ 321، و اللسان و عمدة الحفاظ: شرب.
و قرح: سوق وادي القرى.
 (3) هو الفرّاء في معاني القرآن 1/ 61.
 (4) في مخطوطتي المحمودية: أبلغ منجاع.
 (5) البيت لعبيد بن عبد اللّه بن عتبة، أحد فقهاء المدينة، و هو في البصائر 3/ 306، و شرح الحماسة للتبريزي 3/ 298، و مجمع البلاغة 1/ 479.
 (6) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 3/ 148.
 (7) انظر: المجمل 2/ 528.

449
مفردات ألفاظ القرآن

شرد ص 449

مَنْ خَلْفَهُمْ [الأنفال/ 57]، أي: اجعلهم نكالا لمن يعرض لك بعدهم، و قيل: فلان طريد شَرِيدٌ.
شرذم‏
الشِّرْذِمَةُ: جماعة منقطعة. قال تعالى: إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ‏ [الشعراء/ 54]، و هو من قولهم: ثوب شَرَاذِمُ، أي: متقطّع.
شرط
الشَّرْطُ: كلّ حكم معلوم متعلّق بأمر يقع بوقوعه، و ذلك الأمر كالعلامة له، و شَرِيطٌ و شَرَائِطُ، و قد اشْتَرَطْتُ كذا، و منه قيل:
للعلامة: الشَّرَطُ، و أَشْرَاطُ السّاعة علاماتها، قال تعالى: فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها [محمد/ 18]، و الشُّرَطُ قيل: سمّوا بذلك لكونهم ذوي علامة يعرفون بها «1»، و قيل: لكونهم أرذال الناس، فَأَشْرَاطُ الإبل: أرذالها. و أَشْرَطَ نفسه للهلكة:
إذا عمل عملا يكون علامة للهلاك، أو يكون فيه شرط الهلاك.
شرع‏
الشَّرْعُ: نهج الطّريق الواضح. يقال: شَرَعْتُ له طريقا، و الشَّرْعُ: مصدر، ثم جعل اسما للطريق النّهج فقيل له: شِرْعٌ، و شَرْعٌ، و شَرِيعَةٌ، و استعير ذلك للطريقة الإلهيّة. قال تعالى:
لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً [المائدة/ 48]، فذلك إشارة إلى أمرين:
أحدهما: ما سخّر اللّه تعالى عليه كلّ إنسان من طريق يتحرّاه ممّا يعود إلى مصالح العباد و عمارة البلاد، و ذلك المشار إليه بقوله:
وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا [الزخرف/ 32].
الثاني: ما قيّض له من الدّين و أمره به ليتحرّاه اختيارا ممّا تختلف فيه الشَّرَائِعُ، و يعترضه النّسخ، و دلّ عليه قوله: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى‏ شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها [الجاثية/ 18].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الشِّرْعَةُ: مَا وَرَدَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَ الْمِنْهَاجُ مَا وَرَدَ بِهِ السُّنَّةُ «2».
و قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً [الشورى/ 13]، فإشارة إلى الأصول التي تتساوى فيها الملل، فلا يصحّ عليها النّسخ كمعرفة اللّه تعالى: و نحو ذلك من نحو ما دلّ عليه قوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ [النساء/ 136]. قال بعضهم: سمّيت الشَّرِيعَةُ شَرِيعَةً تشبيها بشريعة الماء «3» من حيث إنّ من شرع فيها على الحقيقة المصدوقة روي و تطهّر، قال: و أعني‏
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 3/ 308، و المجمل 2/ 525.
 (2) انظر: البصائر 3/ 309، و تفسير الماوردي 1/ 51.
 (3) و هذا قول الليث بن المظفر، و هو الذي نحل الخليل بن أحمد تأليف كتاب العين، و قيل: هو أكمله. انظر: اللسان (شرع)، و العين 1/ 252.

450
مفردات ألفاظ القرآن

شرع ص 450

بالرّيّ ما قال بعض الحكماء: كنت أشرب فلا أروى، فلمّا عرفت اللّه تعالى رويت بلا شرب.
و بالتّطهّر ما قال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33]، و قوله تعالى: إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [الأعراف/ 163]، جمع شَارِعٍ. و شَارِعَةُ الطّريق جمعها: شَوَارِعُ، و أَشْرَعْتُ الرّمح قبله، و قيل: شَرَعْتُهُ فهو مَشْرُوعٌ، و شَرَعْتُ السّفينة: جعلت لها شِرَاعاً ينقذها، و هم في هذا الأمر شَرَعٌ، أي: سواء.
أي: يَشْرَعُونَ فيه شروعا واحدا. و (شَرْعُكَ) من رجل زيد، كقولك: حسبك. أي: هو الذي تشرع في أمره، أو تشرع به في أمرك، و الشِّرْعُ خصّ بما يشرع من الأوتار على العود.
شرق‏
شَرَقَتِ الشمس شُرُوقاً: طلعت، و قيل: لا أفعل ذلك ما ذرّ شَارِقٌ «1»، و أَشْرَقَتْ: أضاءت.
قال اللّه: بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ‏ [ص/ 18] أي: وقت الإشراق.
و الْمَشْرِقُ و المغرب إذا قيلا بالإفراد فإشارة إلى ناحيتي الشَّرْقِ و الغرب، و إذا قيلا بلفظ التّثنية فإشارة إلى مطلعي و مغربي الشتاء و الصّيف، و إذا قيلا بلفظ الجمع فاعتبار بمطلع كلّ يوم و مغربه، أو بمطلع كلّ فصل و مغربه، قال تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ* [الشعراء/ 28]، رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ‏ [الرحمن/ 17]، بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ‏ [المعارج/ 40]، و قوله تعالى:
مَكاناً شَرْقِيًّا [مريم/ 16]، أي: من ناحية الشّرق. و الْمَشْرَقَةُ «2»: المكان الذي يظهر للشّرق، و شَرَّقْتُ اللّحم: ألقيته في المشرقة، و الْمُشَرَّقُ: مصلّى العيد لقيام الصلاة فيه عند شُرُوقِ الشمس، و شَرَقَتِ الشمس: اصفرّت للغروب، و منه: أحمر شَرِقٌ: شديد الحمرة، و أَشْرَقَ الثّوب بالصّبغ، و لحم شَرِقٌ: أحمر لا دسم فيه.
شرك‏
الشِّرْكَةُ و الْمُشَارَكَةُ: خلط الملكين، و قيل:
هو أن يوجد شي‏ء لاثنين فصاعدا، عينا كان ذلك الشي‏ء، أو معنى، كَمُشَارَكَةِ الإنسان و الفرس في الحيوانيّة، و مُشَارَكَةِ فرس و فرس في الكمتة، و الدّهمة، يقال: شَرَكْتُهُ، و شَارَكْتُهُ، و تَشَارَكُوا،
__________________________________________________
 (1) يقال: لا أفعل ذلك ما ذرّ شارق، و ما درّ بارق.
ذرّ: طلع، و درّ: سال بالمطر.
انظر: أساس البلاغة ص 234، و البصائر 3/ 311، و المجمل 2/ 527.
 (2) قال ابن منظور: و المشرقة: موضع القعود للشمس، و فيه أربع لغات: مشرقة، و مشرقة بضم الراء و فتحها، و شرقة، بتسكين الراء، و مشراق. اللسان (شرق).

451
مفردات ألفاظ القرآن

شرك ص 451

و اشْتَرَكُوا، و أَشْرَكْتُهُ في كذا. قال تعالى:
وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي‏ [طه/ 32]، و
فِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي دُعَاءِ الصَّالِحِينَ» «1».
و
رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنِّي شَرَّفْتُكَ وَ فَضَّلْتُكَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي وَ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمْرِي» «2».
أي: جعلتك بحيث تذكر معي، و أمرت بطاعتك مع طاعتي في نحو: أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ* [محمد/ 33]، و قال تعالى: أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ‏ [الزخرف/ 39]. و جمع الشَّرِيكِ شُرَكاءُ. قال تعالى: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ* [الإسراء/ 111]، و قال: شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ‏ [الزمر/ 29]، أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ‏ [الشورى/ 21]، وَ يَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ‏ [النحل/ 27].
و شِرْكُ الإنسان في الدّين ضربان:
أحدهما: الشِّرْكُ العظيم، و هو: إثبات شريك للّه تعالى. يقال: أَشْرَكَ فلان باللّه، و ذلك أعظم كفر. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ* [النساء/ 48]، و قال: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [النساء/ 116]، و مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة/ 72]، يُبايِعْنَكَ عَلى‏ أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً [الممتحنة/ 12]، و قال: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا [الأنعام/ 148].
و الثاني: الشِّرْكُ الصّغير، و هو مراعاة غير اللّه معه في بعض الأمور، و هو الرّياء و النّفاق المشار إليه بقوله: جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ [الأعراف/ 190]، وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ‏ [يوسف/ 106]، و قال بعضهم: معنى قوله إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ‏
 أي: واقعون في شرك الدّنيا، أي:
حبالتها، قال: و من هذا ما
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
 «الشِّرْكُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا» «3».
قال: و لفظ الشِّرْكِ من الألفاظ المشتركة، و قوله تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف/ 110]، محمول على الشّركين، و قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ‏ [التوبة/ 5]، فأكثر الفقهاء يحملونه على الكفّار جميعا
__________________________________________________
 (1) جاء بمعناه عند الترمذي: «اللهم ما قصر عنه رأيي، و لم تبلغه نيّتي، و لم تبلغه مسألتي من خير وعدته أحدا من خلقك، أو خير أنت معطيه أحدا من عبادك فإني أرغب إليك فيه، و أسألكه برحمتك ربّ العالمين» أخرجه في الدعاء، انظر: عارضة الأحوذي 12/ 302.
 (2) لم أجده.
 (3) الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ذات يوم، فقال: يا أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء اللّه أن يقول: و كيف نتقيه و هو أخفى من دبيب النمل يا رسول اللّه؟ قال:
قولوا: «اللهم إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، و نستغفرك لما لا نعلم» أخرجه أحمد و الطبراني، قال المنذري:

452
مفردات ألفاظ القرآن

شرك ص 451

كقوله: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ ... الآية [التوبة/ 30]، و قيل: هم من عدا أهل الكتاب، لقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى‏ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [الحج/ 17]، أفرد الْمُشْرِكِينَ عن اليهود و النّصارى.
شرى‏
الشِّرَاءُ و البيع يتلازمان، فَالْمُشْتَرِي دافع الثّمن، و آخذ المثمن، و البائع دافع المثمن، و آخذ الثّمن. هذا إذا كانت المبايعة و الْمُشَارَاةُ بناضّ و سلعة، فأمّا إذا كانت بيع سلعة بسلعة صحّ أن يتصور كلّ واحد منهما مُشْتَرِياً و بائعا، و من هذا الوجه صار لفظ البيع و الشّراء يستعمل كلّ واحد منهما في موضع الآخر. و شَرَيْتُ بمعنى بعت أكثر، و ابتعت بمعنى اشْتَرَيْتُ أكثر، قال اللّه تعالى: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ‏ [يوسف/ 20]، أي: باعوه، و كذلك قوله:
يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ [النساء/ 74]، و تجوّز بالشّراء و الاشتراء في كلّ ما يحصل به شي‏ء، نحو: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 77]، لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 199]، اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا [البقرة/ 86]، أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏* [البقرة/ 16]، و قوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ [التوبة/ 111]، فقد ذكر ما اشتري به، و هو قوله: يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ [التوبة/ 111].
و يسمّى الخوارج بِالشُّرَاةِ متأوّلين فيه قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ‏
 [البقرة/ 207]، فمعنى «يَشْرِي»:
يبيع، فصار ذلك كقوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ ...

الآية [التوبة/ 111].
شطط
الشَّطَطُ: الإفراط في البعد. يقال: شَطَّتِ الدّارُ، و أَشَطَّ، يقال في المكان، و في الحكم، و في السّوم، قال:
266-
         شَطَّ المزار بجدوى و انتهى الأمل «1»

و عبّر بِالشَّطَطِ عن الجور. قال تعالى: لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً [الكهف/ 14]، أي: قولا بعيدا عن الحقّ.
و شَطُّ النّهر حيث يبعد عن الماء من حافته.
شطر
شَطْرُ الشي‏ء: نصفه و وسطه. قال تعالى:
فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ* [البقرة/ 144]، أي: جهته و نحوه، و قال: وَ حَيْثُ ما*
__________________________________________________
و فيه أبو علي رجل من بني كاهل، وثقه ابن حبان، و لم أر أحدا جرحه و باقي رواته ثقات. انظر: المسند 4/ 403، و الترغيب و الترهيب 1/ 39.
 (1) الشطر لابن أحمر، و هو في اللسان مادة (جدا)، و ديوانه ص 133 و جدوى: اسم امرأة، و عجزه:
          [فلا خيال و لا عهد و لا طلل‏].

453
مفردات ألفاظ القرآن

شطر ص 453

كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ* [البقرة/ 150]، و يقال: شَاطَرْتُهُ شِطَاراً، أي: ناصفته، و قيل:
شَطَرَ بصره، أي: نصّفه، و ذلك إذا أخذ ينظر إليك و إلى آخر، و حلب فلان الدّهر أَشْطُرَهُ «1»، و أصله في الناقة أن يحلب خلفين، و يترك خلفين، و ناقة شَطُورٌ: يبس خلفان من أخلافها، و شاة شَطُورٌ: أحد ضرعيها أكبر من الآخر، و شَطَرَ: إذا أخذ شَطْراً، أي: ناحية، و صار يعبّر بِالشَّاطِرِ عن البعيد، و جمعه: شُطُرٌ، نحو:
267-
         أشاقك بين الخليط الشُّطُرِ «2»
و الشَّاطِرُ أيضا لمن يتباعد عن الحقّ، و جمعه: شُطَّارٌ.
شطن‏
الشَّيْطَانُ النون فيه أصليّة «3»، و هو من: شَطَنَ أي: تباعد، و منه: بئر شَطُونٌ، و شَطَنَتِ الدّار، و غربة شَطُونٌ، و قيل: بل النون فيه زائدة، من:
شَاطَ يَشِيطُ: احترق غضبا، فَالشَّيْطَانُ مخلوق من النار كما دلّ عليه قوله تعالى: وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ [الرحمن/ 15]، و لكونه من ذلك اختصّ بفرط القوّة الغضبيّة و الحميّة الذّميمة، و امتنع من السّجود لآدم، قال أبو عبيدة «4»: الشَّيْطَانُ اسم لكلّ عارم من الجنّ و الإنس و الحيوانات. قال تعالى: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِ‏ [الأنعام/ 112]، و قال:
وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى‏ أَوْلِيائِهِمْ‏ [الأنعام/ 121]، وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ‏ [البقرة/ 14]، أي: أصحابهم من الجنّ و الإنس، و قوله: كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ‏ [الصافات/ 65]، قيل: هي حيّة خفيفة الجسم، و قيل: أراد به عارم الجنّ، فتشبّه به لقبح تصوّرها، و قوله: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ‏ [البقرة/ 102]، فهم مردة الجنّ، و يصحّ أن يكونوا هم مردة الإنس أيضا، و قال الشاعر:
268-
         لو أنّ شَيْطَانَ الذّئاب العسّل «5»
جمع الْعَاسِلِ، و هو الذي يضطرب في‏
__________________________________________________
 (1) يقال للشخص ذي التجربة الكثيرة الذي مرت عليه ضروب من خير و شر. و انظر: جواهر الألفاظ ص 334، و البصائر 3/ 319، و أساس البلاغة ص 235، و المجمل 2/ 503.
 (2) شطر بيت لامرئ القيس، و عجزه:
         و فيمن أقام من الحيّ هر

هكذا في اللسان: (شطر)، و في ديوانه ص 68 الرواية:
         و في من أقام من الحي هر             أم الظاعنون بها في الشّطر.
 (3) قال ابن منظور: و الشيطان: فيعال من: شطن: إذا بعد، فيمن جعل النون أصلا، و قولهم: الشياطين دليل عن ذلك. اللسان (شطن).
 (4) انظر: مجاز القرآن 1/ 32.
 (5) لم أجده.

454
مفردات ألفاظ القرآن

شطن ص 454

عدوه، و اختصّ به عسلان الذئب.
و قال آخر:
269-
         ما ليلة الفقير إلّا شَيْطَان «1»
و سمّي كلّ خلق ذميم للإنسان شَيْطَاناً،
فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْحَسَدُ شَيْطَانٌ وَ الْغَضَبُ شَيْطَانٌ» «2».
شطا
شَاطِئُ الوادي: جانبه. قال عزّ و جلّ:
نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ [القصص/ 30]، و يقال: شَاطَأْتُ فلانا: ماشيته في شاطئ الوادي، و شَطْءُ الزّرع: فروخ الزّرع، و هو ما خرج منه، و تفرّغ في شَاطِئَيْهِ أي: في جانبيه، و جمعه: أَشْطَاءٌ، قال تعالى: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ‏ [الفتح/ 29]، أي: فراخه، و قرئ:
شَطَأَهُ «3»، و ذلك نحو: الشّمْع و الشّمَع، و النّهْر و النّهَر.
شعب‏
الشِّعْبُ: القبيلة المتشعّبة من حيّ واحد، و جمعه: شُعُوبٌ، قال تعالى: شُعُوباً وَ قَبائِلَ‏ [الحجرات/ 13]، و الشِّعْبُ من الوادي: ما اجتمع منه طرف و تفرّق طرف، فإذا نظرت إليه من الجانب الذي تفرّق أخذت في وهمك واحدا يتفرّق، و إذا نظرت من جانب الاجتماع أخذت في وهمك اثنين اجتمعا، فلذلك قيل: شَعِبْتَ الشي‏ء: إذا جمعته، و شَعِبْتُهُ إذا فرّقته «4»، و شُعَيْبٌ تصغير شعب الذي هو مصدر، أو الذي هو اسم، أو تصغير شعب، و الشَّعِيبُ «5»: المزادة الخلق التي قد أصلحت و جمعت. و قوله: إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ‏ [المرسلات/ 30]، يختصّ بما بعد هذا الكتاب.
شعر
الشَّعْرُ معروف، و جمعه أَشْعَارٌ قال اللّه تعالى:
وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها [النحل/ 80]،
__________________________________________________
 (1) الرجز للشماخ، و بعده:
         ساهرة تؤدي بروح الإنسان             يدعى بها القوم دعاء الصّمان‏
و هو في ديوانه ص 413، و الملاحن ص 52، و اللسان (شطن)، و تفسير الراغب ورقة 22.
 (2) جاء في الحديث: «إنّ الغضب من الشيطان، و إنّ الشيطان خلق من النار، و إنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ» أخرجه أحمد 4/ 226، و أبو نعيم في الحلية 2/ 130، و أبو داود برقم 4784.
و في حديث آخر: «الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» أخرجه أبو داود، و لا يصح، و رقمه 4903، و ابن ماجة من حديث أنس بإسناد ضعيف 1/ 1408.
 (3) و هي قراءة ابن كثير و ابن ذكوان. انظر: الإتحاف ص 396.
 (4) قال السرقسطي: شعبت الشي‏ء شعبا: جمعته و فرّقته، بفتح العين و كسرها. الأفعال 2/ 339، و الأضداد ص 53.
 (5) انظر: المجمل 2/ 505، و البصائر 3/ 322.

455
مفردات ألفاظ القرآن

شعر ص 455

و شَعَرْتُ: أصبت الشَّعْرَ، و منه استعير: شَعَرْتُ كذا، أي علمت علما في الدّقّة كإصابة الشَّعر، و سمّي الشَّاعِرُ شاعرا لفطنته و دقّة معرفته، فَالشِّعْرُ في الأصل اسم للعلم الدّقيق في قولهم: ليت شِعْرِي، و صار في التّعارف اسما للموزون المقفّى من الكلام، و الشَّاعِرُ للمختصّ بصناعته، و قوله تعالى حكاية عن الكفّار: بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ [الأنبياء/ 5]، و قوله: لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ‏ [الصافات/ 36]، شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ‏ [الطور/ 30]، و كثير من المفسّرين حملوه على أنهم رموه بكونه آتيا بشعر منظوم مقفّى، حتى تأوّلوا ما جاء في القرآن من كلّ لفظ يشبه الموزون من نحو:
وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ [سبأ/ 13]، و قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد/ 1]. و قال بعض المحصّلين: لم يقصدوا هذا المقصد فيما رموه به، و ذلك أنه ظاهر من الكلام أنّه ليس على أساليب الشّعر، و لا يخفى ذلك على الأغتام «1» من العجم فضلا عن بلغاء العرب، و إنما رموه بالكذب، فإنّ الشعر يعبّر به عن الكذب، و الشَّاعِرُ: الكاذب حتى سمّى قوم الأدلة الكاذبة الشِّعْرِيَّةَ، و لهذا قال تعالى في وصف عامّة الشّعراء: وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ‏ [الشعراء/ 224]، إلى آخر السّورة، و لكون الشِّعْرِ مقرّ الكذب قيل: أحسن الشّعر أكذبه. و قال بعض الحكماء: لم ير متديّن صادق اللّهجة مفلقا في شعره. و الْمَشَاعِرُ:
الحواسّ، و قوله: وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* [الحجرات/ 2]، و نحو ذلك، معناه: لا تدركونه بالحواسّ، و لو في كثير ممّا جاء فيه لا يَشْعُرُونَ*: لا يعقلون، لم يكن يجوز، إذ كان كثير ممّا لا يكون محسوسا قد يكون معقولا.
و مَشَاعِرُ الحَجِّ: معالمه الظاهرة للحواسّ، و الواحد مَشْعَرٌ، و يقال: شَعَائِرُ الحجّ، الواحد:
شَعِيرَةٌ، قال تعالى: ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ‏ [الحج/ 32]، و قال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ‏ [البقرة/ 198]، لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ‏ [المائدة/ 2]، أي: ما يهدى إلى بيت اللّه، و سمّي بذلك لأنها تُشْعَرُ، أي: تُعَلَّمُ بأن تُدمى بِشَعِيرَةٍ، أي: حديدة يُشعر بها.
و الشِّعَارُ: الثّوب الذي يلي الجسد لمماسّته الشَّعَرَ، و الشِّعَارُ أيضا ما يشعر به الإنسان نفسه في الحرب، أي: يعلّم. و أَشْعَرَهُ الحبّ، نحو:
ألبسه، و الْأَشْعَرُ: الطّويل الشعر، و ما استدار بالحافر من الشّعر، و داهية شَعْرَاءُ «2»، كقولهم:
داهية وبراء، و الشَّعْرَاءُ: ذباب الكلب لملازمته‏
__________________________________________________
 (1) الغتمة: العجمة في المنطق، من الغتم، و هو الأخذ بالنفس. و تقول: بقيت بين ثلّة أغتام، كأنهم ثلة أغنام. انظر:
أساس البلاغة ص 320، و ذكر هذا الكلام الراغب في مقدمة تفسيره ص 108.
 (2) انظر: المجمل 2/ 505، و الجمهرة 2/ 342، و أساس البلاغة ص 236، و الغريب المصنف.

456
مفردات ألفاظ القرآن

شعر ص 455

شعره، و الشَّعِيرُ: الحبّ المعروف، و الشِّعْرَى:
نجم، و تخصيصه في قوله: وَ أَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى‏ [النجم/ 49]، لكونها معبودة لقوم منهم.
شعف‏
قرئ: (شَعَفَهَا) «1» و هي من شَعَفَةِ القلب، و هي رأسه معلّق النّياط، و شَعَفَةُ الجبل: أعلاه، و منه قيل: فلان مَشْعُوفٌ بكذا، كأنما أصيب شعفة قلبه.
شعل‏
الشَّعْلُ: التهاب النّار، يقال: شُعْلَةٌ من النّار، و قد أَشْعَلْتُهَا، و أجاز أبو زيد: شَعَلْتَهَا «2»، و الشَّعِيلَةُ: الفتيلة إذا كانت مُشْتَعِلَةً، و قيل:
بياض يَشْتَعِلُ، قال تعالى: وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم/ 4]، تشبيها بِالاشْتِعَالِ من حيث اللّون، و اشْتَعَلَ فلان غضبا تشبيها به من حيث الحركة، و منه: أَشْعَلْتُ الخيل في الغارة، نحو:
أوقدتها، و هيّجتها، و أضرمتها.
شغف‏
قال تعالى: شَغَفَها حُبًّا [يوسف/ 30]، أي: أصاب شَغَافَ قلبها، أي: باطنه، عن الحسن. و قيل: وسطه، عن أبي عليّ «3»، و هما متقاربان.
شغل‏
الشَّغْلُ و الشُّغْلُ: العارض الذي يذهل الإنسان. قال عزّ و جلّ: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغْلٍ فاكِهُونَ [يس/ 55]، و قرئ:
شُغُلٍ‏ «4»، و قد شُغِلَ «5» فهو مَشْغُولٌ، و لا يقال: أَشْغَلَ «6»، و شُغُلٌ شَاغِلٌ.
شفع‏
الشَّفْعُ: ضمّ الشي‏ء إلى مثله، و يقال لِلْمَشْفُوعِ: شَفْعٌ، و قوله تعالى: وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ [الفجر/ 3]، قيل: الشَّفْعُ المخلوقات من حيث إنها مركّبات، كما قال: وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الذاريات/ 49]، و الوتر:
هو اللّه من حيث إنّ له الوحدة من كلّ وجه.
و قيل: الشَّفْعُ: يوم النّحر من حيث إنّ له نظيرا يليه، و الوتر يوم عرفة «7»، و قيل: الشَّفْعُ: ولد آدم، و الوتر: آدم لأنه لا عن والد «8»، و الشَّفَاعَةُ: الانضمام إلى آخر ناصرا له و سائلا عنه، و أكثر ما يستعمل‏
__________________________________________________
 (1) سورة يوسف: آية 30، و هي قراءة شاذة.
 (2) انظر: النوادر لأبي زيد ص 161.
 (3) هو الفارسي.
 (4) و هي قراءة ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و أبي جعفر و يعقوب و خلف. انظر: الإتحاف ص 365.
 (5) انظر: المجمل 2/ 506.
 (6) قال السرقسطي: و أشغلي: لغة رديئة. الأفعال 2/ 325.
 (7) انظر تفسير ابن جرير 30/ 170.
 (8) رواه ابن أبي نجيح. انظر تفسير القرطبي 20/ 40 و قال بعض الأفاضل: لا إشعار للفظ الشفع و الوتر بتخصيص شي‏ء مما ذكروه، بل هو إنما يدلّ على معنى كليّ متناول لذلك.

457
مفردات ألفاظ القرآن

شفع ص 457

في انضمام من هو أعلى حرمة و مرتبة إلى من هو أدنى. و منه: الشَّفَاعَةُ في القيامة. قال تعالى:
لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً [مريم/ 87]، لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ‏ [طه/ 109]، لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً [النجم/ 26]، وَ لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏ [الأنبياء/ 28]، فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ‏ [المدثر/ 48]، أي: لا يشفع لهم، وَ لا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ [الزخرف/ 86]، مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ‏ [غافر/ 18]، مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً [النساء/ 85]، وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً [النساء/ 85]، أي: من انضمّ إلى غيره و عاونه، و صار شَفْعاً له، أو شَفِيعاً في فعل الخير و الشّرّ، فعاونه و قوّاه، و شاركه في نفعه و ضرّه.
و قيل: الشَّفَاعَةُ هاهنا: أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير، أو طريق شرّ فيقتدي به، فصار كأنّه شفع له، و ذلك كما
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» «1».
أي: إثمها و إثم من عمل بها، و قوله: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ‏ [يونس/ 3]، أي:
يدبّر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلّا أن يأذن للمدبّرات، و المقسّمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه. و اسْتَشْفَعْتُ بفلان على فلان فَتَشَفَّعَ لي، و شَفَّعَهُ: أجاب شفاعته، و منه‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْقُرْآنُ شَافِعٌ مُشَفَّعٌ» «2».
و الشُّفْعَةُ هو: طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمّه إلى ملكه، و هو من الشّفع، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ فَلَا شُفْعَةَ» «3».
شفق‏
الشَّفَقُ: اختلاط ضوء النّهار بسواد اللّيل عند غروب الشمس. قال تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ‏ [الانشقاق/ 16]، و الْإِشْفَاقُ: عناية مختلطة بخوف، لأنّ الْمُشْفِقَ يحبّ المشفق عليه و يخاف ما يلحقه، قال تعالى: وَ هُمْ مِنَ‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن جرير بن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة فله أجرها و أجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شي‏ء، و من سنّ في الإسلام سنّة سيئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شي‏ء».
أخرجه مسلم، و له قصة، باب الزكاة برقم (1017)، و أخرجه أحمد 4/ 362.
 (2) الحديث عن جابر رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «القرآن شافع مشفّع، و ماحل مصدّق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، و من جعله خلف ظهره ساقه إلى النار». أخرجه ابن حبان. انظر: الترغيب و الترهيب 2/ 207، و موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان ص 443، و ابن أبي شيبة 6/ 130.
 (3) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود و صرفت الطرق فلا شفعة». أخرجه ابن حبان و الشيخان. انظر: موارد الظمآن ص 281، و فتح الباري 4/ 436، كتاب البيوع باب الشفعة، و أبو داود (3514) البيوع، باب الشفعة.

458
مفردات ألفاظ القرآن

شفق ص 458

السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ‏ [الأنبياء/ 49]، فإذا عدّي (بمن) فمعنى الخوف فيه أظهر، و إذا عدّي ب (في) فمعنى العناية فيه أظهر. قال تعالى:
إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ‏ [الطور/ 26]، مُشْفِقُونَ مِنْها [الشورى/ 18]، مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا [الشورى/ 22]، أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا [المجادلة/ 13].
شفا
شَفَا البئر و غيرها: حرفه، و يضرب به المثل في القرب من الهلاك. قال تعالى: عَلى‏ شَفا جُرُفٍ‏ [التوبة/ 109]، وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ [آل عمران/ 103]، و أَشْفَى فلان على الهلاك، أي: حصل على شفاه، و منه استعير: ما بقي من كذا إلّا شَفًا «1»، أي: قليل كشفا البئر. و تثنية شفا شَفَوَانِ، و جمعه أَشْفَاءٌ، و الشِّفَاءُ من المرض: موافاة شفا السّلامة، و صار اسما للبرء. قال في صفة العسل: فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ‏
 [النحل/ 69]، و قال في صفة القرآن:
هُدىً وَ شِفاءٌ [فصلت/ 44]، وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ [يونس/ 57]، وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ‏ [التوبة/ 14].
شق‏
الشَّقُّ: الخرم الواقع في الشي‏ء. يقال:
شَقَقْتُهُ بنصفين. قال تعالى: ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا [عبس/ 26]، يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً [ق/ 44]، وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ [الحاقة/ 16]، إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ‏ [الانشقاق/ 1]، وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر/ 1]، و قيل: انْشِقَاقُهُ في زمن النّبيّ عليه الصلاة و السلام، و قيل: هو انْشِقَاقٌ يعرض فيه حين تقرب القيامة «2»، و قيل معناه: وضح الأمر «3»، و الشِّقَّةُ: القطعة الْمُنْشَقَّةُ كالنّصف، و منه قيل:
طار فلان من الغضب شِقَاقاً، و طارت منهم شِقَّةٌ، كقولك: قطع غضبا «4». و الشِّقُّ: الْمَشَقَّةُ و الانكسار الذي يلحق النّفس و البدن، و ذلك كاستعارة الانكسار لها. قال عزّ و جلّ: لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ‏ [النحل/ 7]، و الشُّقَّةُ:
النّاحية التي تلحقك المشقّة في الوصول إليها، و قال: بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ [التوبة/ 42]، و الشِّقَاقُ: المخالفة، و كونك في شِقٍّ غير شِقِ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 3/ 330، و أساس البلاغة ص 238، و المجمل 2/ 507.
 (2) و هذا قول الحسن البصري، انظر: تفسير الماوردي 4/ 135.
 (3) و ذلك لأنّ العرب تضرب بالقمر مثلا فيما وضح أمره، قال الشاعر:
            أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم             فإني إلى قوم سواكم لأميل‏
             فقد حمّت الحاجات، و الليل مقمر             و شدّت لطيّات مطايا و أرحل‏

انظر: تفسير الماوردي 4/ 134.
 (4) انظر عمدة الحفاظ: شق.

459
مفردات ألفاظ القرآن

شق ص 459

صاحبك، أو مَن: شَقَّ العصا بينك و بينه. قال تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما [النساء/ 35]، فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ‏ [البقرة/ 137]، أي: مخالفة، لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي‏ [هود/ 89]، وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ [البقرة/ 176]، وَ مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ [الأنفال/ 13]، أي: صار في شقّ غير شقّ أوليائه، نحو: مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ [التوبة/ 63]، و نحوه: وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ‏ [النساء/ 115]، و يقال: المال بينهما شَقَّ الشّعرة، و شَقَّ الإبلمة «1»، أي: مقسوم كقسمتهما، و فلان شِقُّ نفسي، و شَقِيقُ نفسي، أي: كأنه شقّ منّي لمشابهة بعضنا بعضا، و شَقَائِقُ النّعمان: نبت معروف. و شَقِيقَةُ الرّمل:
ما يُشَقَّقُ، و الشَّقْشَقَةُ: لهاة البعير لما فيه من الشّقّ، و بيده شُقُوقٌ، و بحافر الدّابّة شِقَاقٌ، و فرس أَشَقُّ: إذا مال إلى أحد شِقَّيْهِ، و الشُّقَّةُ في الأصل نصف ثوب و إن كان قد يسمّى الثّوب كما هو شُقَّةً.
شقا
الشَّقَاوَةُ: خلاف السّعادة، و قد شَقِيَ «2» يَشْقَى شَقْوَة، و شَقَاوَة، و شَقَاءً، و قرئ شِقْوَتُنا «3»، و شَقَاوَتُنَا «4» فَالشِّقْوَةُ كالرّدّة، و الشَّقَاوَةُ كالسّعادة من حيث الإضافة، فكما أنّ السّعادة في الأصل ضربان: سعادة أخرويّة، و سعادة دنيويّة، ثمّ السّعادة الدّنيويّة ثلاثة أضرب: سعادة نفسيّة و بدنيّة و خارجيّة، كذلك الشّقاوة على هذه الأضرب، و هي الشَّقَاوَةُ الأخرويّة. قال عزّ و جلّ: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى‏ [طه/ 123]، و قال: غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا [المؤمنون/ 106]، و قرئ: شَقَاوَتُنَا «5» و في الدّنيويّة: فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى‏ [طه/ 117]، قال بعضهم: قد يوضع الشَّقَاءُ موضع التّعب، نحو: شَقِيتُ في كذا،
__________________________________________________
 (1) و في حديث السقيفة: «الأمر بيننا و بينكم كقدّ الأبلمة».
يقول: نحن و إياكم في الحكم سواء، لا فضل لأمير على مأمور، كالخوصة إذا شقّت طولا باثنتين، فتساوى شقّاها، فلم يكن لأحدهما فضل على الآخر.
الأبلمة: واحدها: الأبلم، و هي خوص المقل، و فيها ثلاث لغات: فتح الهمزة و اللام، و ضمهما، و كسرهما.
انظر: المجموع المغيث 1/ 20، و النهاية 1/ 17، و اللسان (بلم).
 (2) انظر: البصائر 3/ 332.
 (3) و الآية: قالوا ربّنا غلبت علينا شقوتنا سورة المؤمنين: آية 106، و هي القراءة المشهورة.
 (4) و هي قراءة حمزة و الكسائي و خلف.
 (5) تقدّمت قريبا.

460
مفردات ألفاظ القرآن

شقا ص 460

و كلّ شَقَاوَةٍ تعب، و ليس كلّ تعب شقاوة، فالتّعب أعمّ من الشّقاوة.
شكك‏
الشَّكُّ: اعتدال النّقيضين عند الإنسان و تساويهما، و ذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النّقيضين، أو لعدم الأمارة فيهما، و الشَّكُّ ربّما كان في الشي‏ء هل هو موجود أو غير موجود؟ و ربّما كان في جنسه، من أيّ جنس هو؟ و ربّما كان في بعض صفاته، و ربّما كان في الغرض الذي لأجله أوجد.
و الشَّكُّ: ضرب من الجهل، و هو أخصّ منه، لأنّ الجهل قد يكون عدم العلم بالنّقيضين رأسا، فكلّ شَكٍّ جهل، و ليس كلّ جهل شكّا، قال اللّه تعالى: وَ إِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ* [هود/ 110]، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ‏ [الدخان/ 9]، فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ‏ [يونس/ 94].
و اشتقاقه إمّا من شَكَكْتُ الشي‏ء أي: خرقته، قال:
270-
         و شَكَكْتُ بالرّمح الأصمّ ثيابه             ليس الكريم على القنا بمحرّم «1»

فكأنّ الشَّكَّ الخرق في الشي‏ء، و كونه بحيث لا يجد الرأي مستقرّا يثبت فيه و يعتمد عليه.
و يصحّ أن يكون مستعارا من الشَّكِّ، و هو لصوق العضد بالجنب، و ذلك أن يتلاصق النّقيضان فلا مدخل للفهم و الرّأي، لتخلّل ما بينهما، و يشهد لهذا قولهم: التبس الأمر، و اختلط، و أشكل، و نحو ذلك من الاستعارات. و الشِّكَّةُ: السّلاح الّذي به يُشَكُّ، أي: يفصل.
شكر
الشُّكْرُ: تصوّر النّعمة و إظهارها، قيل: و هو مقلوب عن الكشر، أي: الكشف، و يضادّه الْكُفْرُ، و هو: نسيان النّعمة و سترها، و دابّة شكور: مظهرة بسمنها إسداء صاحبها إليها، و قيل: أصله من عين شَكْرَى، أي:
ممتلئة، فَالشُّكْرُ على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه. و الشُّكْرُ ثلاثة أضرب:
شُكْرُ القلب، و هو تصوّر النّعمة.
و شُكْرُ اللّسان، و هو الثّناء على المنعم.
و شُكْرُ سائر الجوارح، و هو مكافأة النّعمة بقدر استحقاقه.
و قوله تعالى: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ/ 13]، فقد قيل (شُكْراً) انتصب على التّمييز «2». و معناه: اعملوا ما تعملونه شكرا للّه.
و قيل: (شُكْراً) مفعول لقوله: (اعْمَلُوا)، و ذكر اعملوا و لم يقل اشكروا، لينبّه على التزام‏
__________________________________________________
 (1) البيت لعنترة من معلقته، و هو في ديوانه ص 26، و شرح المعلقات للنحاس 2/ 33.
 (2) و تبعه الفيروزآبادي على هذا في البصائر 2/ 335. و قال النحاس: و نصب «شكرا» عند أبي إسحاق من وجهين:
أحدهما: اعملوا للشكر، أي: لتشكروا اللّه عزّ و جل.
و الأخرى: أن يكون التقدير: اشكروا شكرا. راجع: إعراب القرآن 2/ 661.

461
مفردات ألفاظ القرآن

شكر ص 461

الأنواع الثّلاثة من الشّكر بالقلب و اللّسان و سائر الجوارح. قال: اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ‏ [لقمان/ 14]، وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ‏ [آل عمران/ 145]، وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ‏ [النمل/ 40]، و قوله: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ/ 13]، ففيه تنبيه أنّ توفية شكر اللّه صعب، و لذلك لم يثن بالشّكر من أوليائه إلّا على اثنين، قال في إبراهيم عليه السلام: شاكِراً لِأَنْعُمِهِ‏ [النحل/ 121]، و قال في نوح: إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء/ 3]، و إذا وصف اللّه بالشّكر في قوله:
وَ اللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ‏ [التغابن/ 17]، فإنما يعنى به إنعامه على عباده، و جزاؤه بما أقاموه من العبادة. و يقال: ناقة شَكِرَةٌ: ممتلئة الضّرع من اللّبن، و قيل: هو أَشْكَرُ من بَرْوَقٍ «1»، و هو نبت يخضرّ و يتربّى بأدنى مطر، و الشَّكْرُ يكنّى به عن فرج المرأة، و عن النكاح. قال بعضهم «2»:
271-
         أ إن سألتك ثمن شَكْرِهَا             و شبرك أنشأت تطلّها

و الشَّكِيرُ: نبت في أصل الشّجرة غضّ، و قد شَكَرَتِ الشّجرةُ: كَثُرَ غصنها.
شكس‏
الشَّكِسُ: السّيّئ الخلق، و قوله تعالى:
شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ‏ [الزمر/ 29]، أي:
متشاجرون لِشَكَاسَةِ خُلُقِهِمْ.
شكل‏
الْمُشَاكَلَةُ في الهيئة و الصّورة، و النّدّ في الجنسيّة، و الشّبه في الكيفيّة، قال تعالى:
وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ‏ [ص/ 58]، أي:
مثله في الهيئة و تعاطي الفعل، و الشِّكْلُ قيل: هو الدّلّ، و هو في الحقيقة الأنس الذي بين المتماثلين في الطّريقة، و من هذا قيل: الناس أَشْكَالٌ و ألّاف «3»، و أصل الْمُشَاكَلَةِ من الشَّكْل.
أي: تقييد الدّابّة، يقال شَكَلْتُ الدّابّةَ.
و الشِّكَالُ: ما يقيّد به، و منه استعير: شَكَلْتُ الكتاب، كقوله: قيدته، و دابّة بها شِكَالٌ: إذا كان تحجيلها بإحدى رجليها و إحدى يديها كهيئة الشِّكَالِ، و قوله: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ‏ [الإسراء/ 84]، أي: على سجيّته التي قيّدته، و ذلك أنّ سلطان السّجيّة على الإنسان قاهر
__________________________________________________
 (1) في اللسان: البروق: نبت ضعيف ريان، واحدها بروقة.
يقال: أشكر من بروقة. و أقصف من بروقة. راجع: اللسان (برق)، و أساس البلاغة ص 20.
 (2) الكلام ليحيى بن يعمر، و قد قاله لرجل طالبته امرأته بمهرها.
و هو في عمدة الحفاظ (شكر)، و مجالس ثعلب 2/ 465، و شرح أدب الكاتب ص 76، تطلّها: تبطل حقّها.
 (3) انظر: البصائر 3/ 341، و عمدة الحفاظ: شكل.

462
مفردات ألفاظ القرآن

شكل ص 462

حسبما بيّنت في الذّريعة إلى مكارم الشّريعة «1»، و هذا كما
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» «2».
و الْأَشْكَلَةُ: الحاجة التي تقيّد الإنسان، و الْإِشْكَالُ في الأمر استعارة، كالاشتباه من الشّبه.
شكا
الشَّكْوُ و الشِّكَايَةُ و الشَّكَاةُ و الشَّكْوَى: إظهار البثّ، يقال: شَكَوْتُ و اشْتَكَيْتُ «3»، قال تعالى:
إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ‏ [يوسف/ 86]، و قال: وَ تَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ‏ [المجادلة/ 1]، و أَشْكَاهُ أي: يجعل له شكوى، نحو:

أمرضه، و يقال: أَشْكَاهُ أي: أزال شكايته، و
رُوِيَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ حُرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَ أَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» «4».
و أصل الشَّكْوِ فتح الشَّكْوَةِ و إظهار ما فيه، و هي: سقاء صغير يجعل فيه الماء، و كأنه في الأصل استعارة، كقولهم: بثثت له ما في وعائي، و نفضت ما في جرابي «5»: إذا أظهرت ما في قلبك. و المِشْكَاةُ:
كوّة غير نافذة. قال تعالى: كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ‏ [النور/ 35]، و ذلك مثل القلب، و المصباح مثل نور اللّه فيه.
شمت‏
الشَّمَاتَةُ: الفرح ببليّة من تعاديه و يعاديك، يقال: شَمِتَ به فهو شَامِتٌ، و أَشْمَتَ اللّه به العدوّ، قال عزّ و جلّ: فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ [الأعراف/ 150]، و التَّشْمِيتُ:
الدّعاء للعاطس، كأنه إزالة الشّماتة عنه بالدّعاء له، فهو كالتّمريض في إزالة المرض، و قول الشاعر:
272-
         .... فبات له             طوع الشَّوَامِتِ «6».

...
__________________________________________________
 (1) و في ذلك قال المؤلف: و أمّا حدوث السجية إلى خلاف ما خلقت له فمحال، فالسجية فعل الخالق عزّ و جل، و العادة فعل المخلوق، و لا يبطل فعل المخلوق فعل الخالق. انظر: الذريعة ص 39 باب الفرق بين الطبع و السجية.
 (2) الحديث عن عمران بن حصين قال: قال رجل: يا رسول اللّه، أ يعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: نعم، قال:
فلم يعمل العاملون؟ قال: «كلّ يعمل لما خلق له، أو لما ييسر له». أخرجه البخاري في كتاب القدر 11/ 491.
 (3) انظر: اللسان (شكا).
 (4) الحديث عن خبّاب قال: شكونا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حرّ الرمضاء في جباهنا و أكفّنا فلم يشكنا. أخرجه مسلم في المساجد برقم 619، و انظر: شرح السنة 2/ 201.
 (5) انظر: البصائر 3/ 341.
و مثله يقال: أبديت لك عجري و بجري، و كشفت لك عن خمري و ستري، و صرحت لك عن سري و مضمري.
راجع: جواهر الألفاظ ص 24.
 (6) البيت:
         فارتاع من صوت كلاب فبات له             طوع الشوامت من خوف و من صرد

و هو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 32، و أساس البلاغة ص 241، و البصائر 3/ 344.

463
مفردات ألفاظ القرآن

شمت ص 463

أي: على حسب ما تهواه اللاتي تَشْمَتُ به، و قيل: أراد بِالشَّوَامِتِ: القوائم، و في ذلك نظر إذ لا حجّة له في هذا البيت «1».
شمخ‏
قال اللّه عزّ و جلّ: رَواسِيَ شامِخاتٍ‏ [المرسلات/ 27]، أي: عاليات، و منه: شَمَخَ بأنفه عبارة عن الكبر.
شمأز
قال اللّه تعالى: اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الزمر/ 45]، أي: نَفَرَتْ.
شمس‏
الشَّمْسُ يقال للقرصة، و للضّوء المنتشر عنها، و تجمع على شُمُوسٍ. قال تعالى: وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها [يس/ 38]، و قال:
الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ‏ [الرحمن/ 5]، و شَمَسَ يومنا، و أَشْمَسَ: صار ذا شَمْسٍ، و شَمَسَ فلان شِمَاساً: إذا ندّ و لم يستقرّ تشبيها بالشمس في عدم استقرارها.
شمل‏
الشِّمَالُ: المقابل لليمين. قال عزّ و جلّ: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ [ق/ 17]، و يقال للثّوب الذي يغطّى به: الشِّمَالُ «2»، و ذلك كتسمية كثير من الثّياب باسم العضو الذي يستره، نحو: تسمية كمّ القميص يدا، و صدره، و ظهره صدرا و ظهرا، و رجل السّراويل رجلا، و نحو ذلك. و الِاشْتِمَالُ بالثوب: أن يلتفّ به الإنسان فيطرحه على الشّمال. و
فِي الْحَدِيثِ:
 «نُهِيَ عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ» «3».
و الشَّمْلَةُ و الْمِشْمَلُ: كساء يشتمل به مستعار منه، و منه:
شَمَلَهُمُ الأمر، ثم تجوّز بالشّمال، فقيل: شَمَلْتُ الشاة: علّقت عليها شمالا، و قيل: للخليقة شِمَالٌ لكونه مشتملا على الإنسان اشتمال الشّمال على البدن، و الشَّمُولُ: الخمر لأنها تشتمل على العقل فتغطّيه، و تسميتها بذلك كتسميتها بالخمر لكونها خامرة له. و الشَّمَالُ:
الرّيح الهابّة من شمال الكعبة، و قيل في لغة:
شَمْأَلٌ، و شَأْمَلٌ، و أَشْمَلَ الرّجل من الشّمال، كقولهم: أجنب من الجنوب، و كنّي بِالْمِشْمَلِ عن السّيف، كما كنّي عنه بالرّداء، و جاء مُشْتَمِلًا بسيفه، نحو: مرتديا به و متدرّعا له، و ناقة شِمِلَّةٌ و شِمْلَالٌ: سريعة كالشَّمال، و قول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) انظر: أساس البلاغة ص 241.
 (2) الشّمال جمع شملة، و هي كساء يشتمل به، انظر: اللسان (شمل).
 (3) الحديث عن أبي سعيد الخدري أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم نهى عن اشتمال الصماء، و أن يحتبي الرجل في ثوب واحد ليس على فرجه منه شي‏ء. أخرجه أحمد في المسند 3/ 13 و 46، و البخاري في اللباس. انظر: فتح الباري 10/ 279.

464
مفردات ألفاظ القرآن

شمل ص 464

273-
         و لتعرفنّ خلائقا مَشْمُولَةً             و لتندمنّ و لات ساعة مندم «1»

قيل: أراد خلائق طيّبة، كأنّها هبّت عليها شمال فبردت و طابت.
شنأ
شَنِئْتُهُ: تقذّرته بغضا له. و منه اشتقّ:
أزد شَنُوءَةَ، و قوله تعالى: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ* [المائدة/ 8]، أي: بغضهم، و قرئ:
شَنْأَنُ «2» فمن خفّف أراد: بغيض قوم، و من ثقّل جعله مصدرا، و منه: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ 3].
شهب‏
الشِّهَابُ: الشّعلة السّاطعة من النار الموقدة، و من العارض في الجوّ، نحو: فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ‏ [الصافات/ 10]، شِهابٌ مُبِينٌ‏ [الحجر/ 18]، شِهاباً رَصَداً [الجن/ 9].
و الشُّهْبَةُ: البياض المختلط بالسّواد تشبيها بالشّهاب المختلط بالدّخان، و منه قيل: كتيبة شَهْبَاءُ: اعتبارا بسواد القوم و بياض الحديد.
شهد
الشُّهُودُ و الشَّهَادَةُ: الحضور مع المشاهدة، إمّا بالبصر، أو بالبصيرة، و قد يقال للحضور مفردا قال اللّه تعالى: عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ* [السجدة/ 6]، لكن الشهود بالحضور المجرّد أولى، و الشّهادة مع المشاهدة أولى، و يقال للمحضر: مَشْهَدٌ، و للمرأة التي يحضرها زوجها: مُشْهِدٌ، و جمع مَشْهَدٍ: مَشَاهِدُ، و منه:
مَشَاهِدُ الحجّ، و هي مواطنه الشريفة التي يحضرها الملائكة و الأبرار من الناس. و قيل:
مَشَاهِدُ الحجّ: مواضع المناسك. قال تعالى:
لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ‏ [الحج/ 28]، وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما [النور/ 2]، ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ‏ [النمل/ 49]، أي: ما حضرنا، وَ الَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان/ 72]، أي: لا يحضرونه بنفوسهم و لا بهمّهم و إرادتهم.
و الشَّهَادَةُ: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر. و قوله: أَ شَهِدُوا خَلْقَهُمْ‏ [الزخرف/ 19]، يعني مُشَاهَدَةَ البصر ثم قال:
سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ‏ [الزخرف/ 19]، تنبيها أنّ الشّهادة تكون عن شُهُودٍ، و قوله: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏ [آل عمران/ 70]، أي: تعلمون، و قوله: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ‏ [الكهف/ 51]، أي: ما جعلتهم ممّن اطّلعوا ببصيرتهم على خلقها، و قوله:
__________________________________________________
 (1) البيت لرجل من سعد، و هو في خزانة الأدب 4/ 174، و الأضداد لابن الأنباري ص 168، و أضداد الأصمعي ص 18، و أضداد ابن السكيت ص 173. و عجزه في معاني القرآن للفراء 2/ 396، و قال الفراء: و لا أحفظ صدره.
 (2) و هي قراءة ابن عامر و شعبة و ابن وردان و ابن جمّاز بخلف عنه. الإتحاف 197.

465
مفردات ألفاظ القرآن

شهد ص 465

عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ* [السجدة/ 6]، أي:
ما يغيب عن حواسّ الناس و بصائرهم و ما يشهدونه بهما. و شَهِدْتُ يقال على ضربين:
أحدهما جار مجرى العلم، و بلفظه تقام الشّهادة، و يقال: أَشْهَدُ بكذا، و لا يرضى من الشّاهد أن يقول: أعلم، بل يحتاج أن يقول:
أشهد. و الثاني يجري مجرى القسم، فيقول:
أشهد باللّه أنّ زيدا منطلق، فيكون قسما، و منهم من يقول: إن قال: أشهد، و لم يقل: باللّه يكون قسما، و يجري علمت مجراه في القسم، فيجاب بجواب القسم نحو قول الشاعر:
274-
         و لقد علمت لتأتينّ منيّتي «1»
و يقال: شَاهِدٌ و شَهِيدٌ و شُهَدَاءُ، قال تعالى:
وَ لا يَأْبَ الشُّهَداءُ [البقرة/ 282]، قال:
وَ اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ‏ [البقرة/ 282]، و يقال: شَهِدْتُ كذا، أي: حضرته، و شَهِدْتُ على كذا، قال: شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ‏ [فصلت/ 20]، و قد يعبّر بِالشَّهَادَةِ عن الحكم نحو: وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها [يوسف/ 26]، و عن الإقرار نحو: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ‏ [النور/ 6]، أن كان ذلك شَهَادَةٌ لنفسه. و قوله وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا [يوسف/ 81] أي:
ما أخبرنا، و قال تعالى: شاهِدِينَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة/ 17]، أي: مقرّين. لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا [فصلت/ 21]، و قوله:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ‏ [آل عمران/ 18]، فشهادة اللّه تعالى بوحدانيّته هي إيجاد ما يدلّ على وحدانيّته في العالم، و في نفوسنا كما قال الشاعر:
275-
         ففي كلّ شي‏ء له آية             تدلّ على أنه واحد «2»

قال بعض الحكماء: إنّ اللّه تعالى لمّا شهد لنفسه كان شهادته أن أنطق كلّ شي‏ء كما نطق بالشّهادة له، و شهادة الملائكة بذلك هو إظهارهم أفعالا يؤمرون بها، و هي المدلول عليها بقوله:
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات/ 5]، و شهادة أولي العلم: اطّلاعهم على تلك الحكم‏
__________________________________________________
 (1) الشطر للبيد، من معلقته، و عجزه:
         إنّ المنايا لا تطيش سهامها

و هو من شواهد سيبويه 1/ 465، و مغني اللبيب ص 524، و يروى عجزه:
         لا بعدها خوف عليّ و لا عدم‏

و هو بهذه الرواية لم ينسب، و انظر: خزانة الأدب 9/ 159.
 (2) البيت لأبي العتاهية، و هو في ديوانه ص 62، و الزهرة 2/ 502، و هو في البصائر 3/ 352، و نظم الدرر 4/ 289، دون نسبة.

466
مفردات ألفاظ القرآن

شهد ص 465

و إقرارهم بذلك «1»، و هذه الشّهادة تختصّ بأهل العلم، فأمّا الجهّال فمبعدون منها، و لذلك قال في الكفّار: ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ‏ [الكهف/ 51]، و على هذا نبّه بقوله: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر/ 28]، و هؤلاء هم المعنيّون بقوله: وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ‏ [النساء/ 69]، و أمّا الشَّهِيدُ فقد يقال لِلشَّاهِدِ، و الْمُشَاهِدِ للشي‏ء، و قوله: مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ [ق/ 21]، أي: من شهد له و عليه، و كذا قوله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى‏ هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء/ 41]، و قوله: أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ [ق/ 37]، أي: يشهدون ما يسمعونه بقلوبهم على ضدّ من قيل فيهم: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت/ 44]، و قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ «2»، إلى قوله: مَشْهُوداً
 «3» أي: يشهد صاحبه الشّفاء و الرّحمة، و التّوفيق و السّكينات و الأرواح المذكورة في قوله: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء/ 82]، و قوله: وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ‏ [البقرة/ 23]، فقد فسّر بكلّ ما يقتضيه معنى الشهادة،
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ أَعْوَانُكُمْ «4».
و
قَالَ مُجَاهِدٌ: الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لَكُمْ.
و
قَالَ بَعْضُهُمْ: الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِحُضُورِهِمْ وَ لَمْ يَكُونُوا كَمَنْ قِيلَ فِيهِمْ شِعْرٌ:
276-
         مخلفون وَ يَقْضِي اللَّهِ أمرهمو             وَ هُمْ بِغَيْبٍ وَ فِي عَمْيَاءَ مَا شَعَرُوا «5».
و قد حمل على هذه الوجوه قوله: وَ نَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً [القصص/ 75]، و قوله:
وَ إِنَّهُ عَلى‏ ذلِكَ لَشَهِيدٌ [العاديات/ 7]، أَنَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ شَهِيدٌ [فصلت/ 53]، وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً* [النساء/ 79]، فإشارة إلى قوله: لا يَخْفى‏ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْ‏ءٌ
__________________________________________________
 (1) قال ابن القيم: و هذا يدل على فضل العلم و أهله من وجوه:
أحدها: استشهادهم دون غيرهم من البشر.
الثاني: اقتران شهادتهم بشهادته.
و الثالث: اقترانها بشهادة الملائكة.
الرابع: أنّ في ضمن هذا تزكيتهم و تعديلهم، فإنّ اللّه لا يستشهد من خلقه إلا العدول.
راجع: مفتاح دار السعادة 1/ 48.
 (2) الآية: أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل و قرآن الفجر، إنّ قرآن الفجر كان مشهودا سورة الإسراء:
آية 78.
 (3) الآية: أقم الصّلاة لدلوك الشّمس إلى غسق اللّيل و قرآن الفجر، إنّ قرآن الفجر كان مشهودا سورة الإسراء:
آية 78.
 (4) انظر: تفسير الماوردي 1/ 77، و البصائر 3/ 353.
 (5) البيت للأخطل في ديوانه ص 109.
و هو في البصائر 3/ 353 دون نسبة، و عجزه في مقدمة جامع التفاسير للمؤلف ص 155، و لم يعرفه المحقق.

467
مفردات ألفاظ القرآن

شهد ص 465

 [غافر/ 16]، و قوله: يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى‏ [طه/ 7]، و نحو ذلك ممّا نبّه على هذا النحو، و الشَّهِيدُ: هو المحتضر، فتسميته بذلك لحضور الملائكة إيّاه إشارة إلى ما قال: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا ... الآية [فصلت/ 30]، قال: وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ‏ [الحديد/ 19]، أو لأنهم يَشْهَدُونَ في تلك الحالة ما أعدّ لهم من النّعيم، أو لأنهم تشهد أرواحهم عند اللّه كما قال: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران/ 169- 170]، و على هذا دلّ قوله:
وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ‏، و قوله: وَ شاهِدٍ وَ مَشْهُودٍ [البروج/ 3]، قيل: الْمَشْهُودُ يوم الجمعة «1»، و قيل: يوم عرفة، و يوم القيامة، و شَاهِدٌ: كلّ من شهده، و قوله:
يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود/ 103]، أي: مشاهد تنبيها أن لا بدّ من وقوعه، و التَّشَهُّدُ هو أن يقول:
أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أنّ محمدا رسول اللّه، و صار في التّعارف اسما للتّحيّات المقروءة في الصّلاة، و للذّكر الذي يقرأ ذلك فيه.
شهر
الشَّهْرُ: مدّة مَشْهُورَةٌ بإهلال الهلال، أو باعتبار جزء من اثني عشر جزءا من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النّقطة. قال تعالى:
شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏ [البقرة/ 185]، فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ‏ [البقرة/ 185]، الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ‏ [البقرة/ 197]، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً [التوبة/ 36]، فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ [التوبة/ 2]، و الْمُشَاهَرَةُ:
المعاملة بالشّهور كالمسانهة و المياومة، و أَشْهَرْتُ بالمكان: أقمت به شهرا، و شُهِرَ فلان و اشْتُهِرَ يقال في الخير و الشّرّ.
شهق‏
الشَّهِيقُ: طول الزّفير، و هو ردّ النّفس، و الزَّفِيرُ: مدّه. قال تعالى: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ‏ [هود/ 106]، سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً [الفرقان/ 12]، و قال تعالى:
سَمِعُوا لَها شَهِيقاً [الملك/ 7]، و أصله من جبل شَاهِقٍ. أي: متناهي الطّول.
شها
أصل الشَّهْوَةِ: نزوع النّفس إلى ما تريده، و ذلك في الدّنيا ضربان: صادقة، و كاذبة، فالصّادقة: ما يختلّ البدن من دونه كشهوة الطّعام عند الجوع، و الكاذبة: ما لا يختلّ من‏
__________________________________________________
 (1) أخرج الترمذي و البيهقي و غيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «اليوم الموعود يوم القيامة، و اليوم المشهود يوم عرفة، و الشاهد يوم الجمعة». انظر: الدر المنثور 8/ 463، و عارضة الأحوذي 12/ 237.

468
مفردات ألفاظ القرآن

شها ص 468

دونه، و قد يسمّى الْمُشْتَهَى شهوة، و قد يقال للقوّة التي تَشْتَهِي الشي‏ء: شهوة، و قوله تعالى:
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ‏ [آل عمران/ 14]، يحتمل الشّهوتين، و قوله: اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ‏ [مريم/ 59]، فهذا من الشّهوات الكاذبة، و من الْمُشْتَهَيَاتِ المستغنى عنها، و قوله في صفة الجنّة: وَ لَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ‏ [فصلت/ 31]، و قوله: فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ‏ [الأنبياء/ 102]، و قيل:
رجل شَهْوَانٌ، و شَهَوَانِيٌّ، و شي‏ء شَهِيٌّ.
شوب‏
الشَّوْبُ: الخلط. قال اللّه تعالى: لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ‏ [الصافات/ 67]، و سمّي العسل شَوْباً، إمّا لكونه مزاجا للأشربة، و إمّا لما يختلط به من الشّمع. و قيل: ما عنده شَوْبٌ و لا رَوْبٌ «1»
، أي: عسل و لبن.
شيب‏
الشَّيْبُ و الْمَشِيبُ: بياض الشّعر. قال تعالى:
وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم/ 4]، و باتت المرأة بليلة شَيْبَاءَ: إذا افتضّت، و بليلة حرّة «2»:
إذا لم تفتضّ.
شيخ‏
يقال لمن طعن في السّنّ: الشَّيْخُ، و قد يعبّر به فيما بيننا عمّن يكثر علمه، لما كان من شأن الشَّيْخِ أن يكثر تجاربه و معارفه، و يقال: شَيْخٌ بيّن الشَّيْخُوخَةِ، و الشَّيْخِ، و التَّشْيِيخِ. قال اللّه تعالى: هذا بَعْلِي شَيْخاً [هود/ 72]، وَ أَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص/ 23].
شيد
قال عزّ و جل: وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج/ 45]، أي: مبنيّ بِالشِّيدِ. و قيل: مطوّل، و هو يرجع إلى الأوّل. و يقال: شَيَّدَ قواعده:
أحكمها، كأنه بناها بِالشِّيدِ، و الْإِشَادَةُ: عبارة عن رفع الصّوت.
شور
الشُّوَارُ: ما يبدو من المتاع، و يكنّى به عن الفرج، كما يكنّى به عن المتاع، و شَوَّرْتُ به:
فعلت به ما خجّلته، كأنّك أظهرت شَوْرَهُ، أي:
فرجه، و شِرْتُ العسل و أَشَرْتُهُ: أخرجته، قال الشاعر:
277-
         و حديث مثل ماذيّ مُشَارٍ «3»
و شِرْتُ الدّابّة: استخرجت عدوه تشبيها
__________________________________________________
 (1) هذا مثل يضرب لمن لا خير عنده، انظر: المستقصى 2/ 327، و المجمل 2/ 515، و اللسان (شوب).
 (2) و باتت المرأة بليلة شيباء، لأنّ ماء الرجل خالط ماء المرأة. انظر: اللسان (شيب)، و عمدة الحفاظ: شيب.
 (3) هذا عجز بيت، و صدره:
         بسماع يأذن الشيخ له‏

و هو لعدي بن زيد في ديوانه ص 95، و المجمل 2/ 516، و الجمهرة 3/ 439.

469
مفردات ألفاظ القرآن

شور ص 469

بذلك، و قيل: الخطب مِشْوَارٌ كثير العثار «1»
، و التَّشَاوُرُ و الْمُشَاوَرَةُ و الْمَشُورَةُ: استخراج الرّأي بمراجعة البعض إلى البعض، من قولهم:
شِرْتُ العسل: إذا اتّخذته من موضعه، و استخرجته منه. قال اللّه تعالى: وَ شاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران/ 159]، و الشُّورَى: الأمر الذي يُتَشَاوَرُ فيه. قال: وَ أَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ‏ [الشورى/ 38].
شيط
الشَّيْطَانُ قد تقدّم ذكره «2».
شوظ
الشُّوَاظُ: اللّهب الذي لا دخان فيه. قال تعالى: شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ‏ [الرحمن/ 35].
شيع‏
الشِّيَاعُ: الانتشار و التّقوية. يقال: شَاعَ الخبر، أي: كثر و قوي، و شَاعَ القوم: انتشروا و كثروا، و شَيَّعْتُ النّار بالحطب: قوّيتها، و الشِّيعَةُ: من يتقوّى بهم الإنسان و ينتشرون عنه، و منه قيل للشّجاع: مَشِيعٌ، يقال: شِيعَةٌ و شِيَعٌ و أَشْيَاعٌ، قال تعالى: وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ‏ [الصافات/ 83]، هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَ هذا مِنْ عَدُوِّهِ‏ [القصص/ 15]، وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً [القصص/ 4]، فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ‏ [الحجر/ 10]، و قال تعالى: وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ‏ [القمر/ 51].
شوك‏
الشَّوْكُ: ما يدقّ و يصلب رأسه من النّبات، و يعبّر بِالشَّوْكِ و الشِّكَةِ عن السّلاح و الشّدّة. قال تعالى: غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ [الأنفال/ 7]، و سمّيت إبرة العقرب شَوْكاً تشبيها به، و شجرة شَاكَةٌ و شَائِكَةٌ، و شَاكَنِي الشَّوْكُ: أصابني، و شَوَّكَ الفرخ: نبت عليه مثل الشّوك، و شَوَّكَ ثدي المرأة: إذا انتهد، و شَوَّكَ البعير: طال أنيابه كالشّوك.
شأن‏
الشَّأْنُ: الحال و الأمر الذي يتّفق و يصلح، و لا يقال إلّا فيما يعظم من الأحوال و الأمور. قال اللّه تعالى: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ‏ [الرحمن/ 29]، و شَأْنُ الرّأس جمعه: شئُونٌ، و هو الوصلة بين متقابلاته التي بها قوام الإنسان.
شوى‏
شَوَيْتُ اللّحم و اشْتَوَيْتُهُ. قال تعالى: يَشْوِي الْوُجُوهَ‏ [الكهف/ 29]، و قال الشاعر:
278-
         فَاشْتَوَى ليلة ريح و اجتمل «3»
__________________________________________________
 (1) انظر مجمع الأمثال 1/ 244.
 (2) في مادة (شطن).
 (3) هذا عجز بيت، و صدره:
         أو نهته فأتاه رزقه‏

و هو للبيد في ديوانه ص 140، و المجمل 2/ 515.

470
مفردات ألفاظ القرآن

شوى ص 470

و الشَّوَى: الأطراف، كاليد و الرّجل. يقال:
رماه فَأَشْوَاهُ، أي: أصاب شَوَاهُ. قال تعالى:
نَزَّاعَةً لِلشَّوى‏
 [المعارج/ 16]، و منه قيل للأمر الهيّن: شَوَى «1»، من حيث إنّ الشَّوَى ليس بمقتل. و الشَّاةُ قيل: أصلها شَاهَةٌ بدلالة قولهم:
شِيَاهٌ و شُوَيْهَةٌ.
شي‏ء
الشَّيْ‏ءُ قيل: هو الذي يصحّ أن يعلم و يخبر عنه، و عند كثير من المتكلّمين هو اسم مشترك المعنى إذ استعمل في اللّه و في غيره، و يقع على الموجود و المعدوم. و عند بعضهم: الشَّيْ‏ءُ عبارة عن الموجود «2»، و أصله: مصدر شَاءَ، و إذا وصف به تعالى فمعناه: شَاءٍ، و إذا وصف به غيره فمعناه الْمَشِي‏ءُ، و على الثاني قوله تعالى: قُلِ اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ [الرعد/ 16]، فهذا على العموم بلا مثنويّة إذ كان الشي‏ء هاهنا مصدرا في معنى المفعول. و قوله: قُلْ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً [الأنعام/ 19]، فهو بمعنى الفاعل كقوله: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [المؤمنون/ 14]. و الْمَشِيئَةُ عند أكثر المتكلّمين كالإرادة سواء، و عند بعضهم: الْمَشِيئَةُ في الأصل: إيجاد الشي‏ء و إصابته، و إن كان قد يستعمل في التّعارف موضع الإرادة، فَالْمَشِيئَةُ من اللّه تعالى هي الإيجاد، و من الناس هي الإصابة، قال: و المشيئة من اللّه تقتضي وجود الشي‏ء، و لذلك‏
قِيلَ: (مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَ مَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ) «3».
و الإرادة منه لا تقتضي وجود المراد لا محالة، أ لا ترى أنه قال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة/ 185]، وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ [غافر/ 31]، و معلوم أنه قد يحصل العسر و التّظالم فيما بين الناس، قالوا: و من الفرق بينهما أنّ إرادة
__________________________________________________
 (1) و منه حديث مجاهد: كلّ ما أصاب الصائم شوى إلا الغيبة و الكذب، فهي له كالمقتل، اللسان (شوا).
 (2) قال صاحب الجوهرة:
         و عندنا الشي‏ء هو الموجود             و ثابت في الخارج الموجود.
 (3) هذا حديث لا قول، عن زيد بن ثابت و أبي الدرداء أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «ما شاء اللّه كان، و ما لم يشأ لم يكن» أخرجه البيهقي في الاعتقاد و الهداية ص 106، و أخرجه أحمد و الطبراني عن زيد بن ثابت أنّ رسول اللّه علّمه دعاء و أمره أن يتعاهد به أهله، كلّ يوم حين يصبح: لبّيك اللهم لبيك، لبيك و سعديك، و الخير في يديك، و منك و بك و إليك، اللهم ما قلت من قول، أو نذرت من نذر، أو حلفت من حلف فمشيئتك بين يديك، ما شئت كان، و ما لم تشأ لم يكن، و لا حول و لا قوة إلا بك، إنّك على كلّ شي‏ء قدير* ...» الحديث.
قال الهيثمي: و أحد إسنادي الطبراني رجاله وثقوا، و في بقية الأسانيد أبو بكر ابن أبي مريم و هو ضعيف. انظر:
مسند أحمد 5/ 191، و مجمع الزوائد 10/ 116.
و سئل الشافعي عن القدر فأنشأ يقول:
         ما شئت كان و إن لم أشأ             و ما شئت إن لم تشأ لم يكن.

 

471
مفردات ألفاظ القرآن

شي‏ء ص 471

الإنسان قد تحصل من غير أن تتقدّمها إرادة اللّه، فإنّ الإنسان قد يريد أن لا يموت، و يأبى اللّه ذلك، و مشيئته لا تكون إلّا بعد مشيئته لقوله:
وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ* [الإنسان/ 30]،
رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ‏ [التكوير/ 28]، قَالَ الْكُفَّارُ: الْأَمْرُ إِلَيْنَا إِنْ شِئْنَا اسْتَقَمْنَا، وَ إِنْ شِئْنَا لَمْ نَسْتَقِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ* «1».
و قال بعضهم: لو لا أن الأمور كلّها موقوفة على مشيئة اللّه تعالى، و أنّ أفعالنا معلّقة بها و موقوفة عليها لما أجمع الناس على تعليق الاستثناء به في جميع أفعالنا نحو: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ‏ [الصافات/ 102]، سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً [الكهف/ 69]، يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شاءَ [هود/ 33]، ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ‏ [يوسف/ 69]، قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ‏ [الأعراف/ 188]، وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا [الأعراف/ 89]، وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ‏ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ‏ [الكهف/ 24].
شيه‏
شِيَةٌ: أصلها وِشْيَةٌ «2»، و ذلك من باب الواو.
تمّ كتاب الشين‏
__________________________________________________
 (1) أخرج هذا ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن أبي هريرة. انظر: الدر المنثور 8/ 436.
 (2) انظر تفسير غريب القرآن ص 54.

472
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الصاد

كتاب الصّاد
صبب‏
صَبُّ الماء: إراقته من أعلى، يقال: صَبَّهُ فَانْصَبَّ، و صَبَبْتُهُ فَتَصَبَّبَ. قال تعالى: أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا [عبس/ 25]، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ‏ [الفجر/ 13]، يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ‏ [الحج/ 19]، و صَبَا إلى كذا صبابة: مالت نفسه نحوه محبّة له، و خصّ اسم الفاعل منه بِالصَّبِّ، فقيل: فلان صَبٌّ بكذا، و الصُّبَّةُ كالصرمة «1»، و الصَّبِيبُ: الْمَصْبُوبُ من المطر، و من عصارة الشي‏ء، و من الدّم، و الصُّبَابَةُ و الصُّبَّةُ: البقيّة التي من شأنها أن تصبّ، و تَصَابَبْتُ الإناء:
شربت صُبَابَتَهُ، و تَصَبْصَبَ: ذهبت صبابته.
صبح‏
الصُّبْحُ و الصَّبَاحُ، أوّل النهار، و هو وقت ما احمرّ الأفق بحاجب الشمس. قال تعالى: أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ‏ [هود/ 81]، و قال: فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ‏ [الصافات/ 177]، و التَّصَبُّحُ: النّوم بالغداة، و الصَّبُوحُ: شرب الصّباح، يقال: صَبَحْتُهُ: سقيته صبوحا، و الصَّبْحَانُ: الْمُصْطَبَحُ، و الْمِصْبَاحُ: ما يسقى منه، و من الإبل ما يبرك فلا ينهض حتى يُصْبَحَ، و ما يجعل فيه الْمِصْبَاحُ، قال: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ [النور/ 35]، و يقال للسّراج: مِصْبَاحٌ، و الْمِصْبَاحُ: مقرّ السّراج، و الْمَصَابِيحُ: أعلام الكواكب. قال تعالى: وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ‏ [الملك/ 5]، و صَبِحْتُهُمْ ماء كذا:
أتيتهم به صَبَاحاً، و الصُّبْحُ: شدّة حمرة في الشّعر، تشبيها بالصّبح و الصّباح، و قيل: صَبُحَ فلان أي: وَضُؤَ «2».
__________________________________________________
 (1) الصّبة: القطعة من الخيل، و كذلك من الغنم، انظر المجمل 2/ 532.
 (2) يقال: صبح يصبح صباحة، انظر اللسان: صبح.

473
مفردات ألفاظ القرآن

صبر ص 474

صبر
الصَّبْرُ: الإمساك في ضيق، يقال: صَبَرْتُ الدّابّة: حبستها بلا علف، و صَبَرْتُ فلانا: خلفته خلفة لا خروج له منها، و الصَّبْرُ: حبس النّفس على ما يقتضيه العقل و الشرع، أو عمّا يقتضيان حبسها عنه، فَالصَّبْرُ لفظ عامّ، و ربّما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه، فإن كان حبس النّفس لمصيبة سمّي صبرا لا غير، و يُضَادُّهُ الجزع، و إن كان في محاربة سمّي شجاعة، و يضادّه الجبن، و إن كان في نائبة مضجرة سمّي رحب الصّدر، و يضادّه الضّجر، و إن كان في إمساك الكلام سمّي كتمانا، و يضادّه المذل، و قد سمّى اللّه تعالى كلّ ذلك صبرا، و نبّه عليه بقوله: وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَ الضَّرَّاءِ [البقرة/ 177]، وَ الصَّابِرِينَ عَلى‏ ما أَصابَهُمْ‏ [الحج/ 35]، وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ‏ [الأحزاب/ 35]، و سمّي الصّوم صبرا لكونه كالنّوع له، وقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
 «صِيَامُ شَهْرِ الصَّبْرِ وَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرِ يَذْهَبُ وَحَرَ الصَّدْرِ» «1».
و قوله تعالى: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة/ 175]، قال أبو عبيدة «2»:
إنّ ذلك لغة بمعنى الجرأة، و احتجّ بقول أعرابيّ قال لخصمه: ما أَصْبَرَكَ على اللّه، و هذا تصوّر مجاز بصورة حقيقة، لأنّ ذلك معناه: ما أصبرك على عذاب اللّه في تقديرك إذا اجترأت على ارتكاب ذلك، و إلى هذا يعود قول من قال: ما أبقاهم على النار، و قول من قال «3»: ما أعملهم بعمل أهل النار، و ذلك أنه قد يوصف بالصّبر من لا صبر له في الحقيقة اعتبارا بحال الناظر إليه، و استعمال التّعجّب في مثله اعتبار بالخلق لا بالخالق، و قوله تعالى: اصْبِرُوا وَ صابِرُوا [آل عمران/ 200]، أي: احبسوا أنفسكم على العبادة و جاهدوا أهواءكم، و قوله: وَ اصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ‏ [مريم/ 65]، أي: تحمّل الصّبر بجهدك، و قوله: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا [الفرقان/ 75]، أي: بما تحمّلوا من الصّبر في الوصول إلى مرضاة اللّه، و قوله:
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ* [يوسف/ 18]، معناه: الأمر و الحثّ على ذلك، و الصَّبُورُ: القادر على الصّبر، و الصَّبَّارُ يقال: إذا كان فيه ضرب من التّكلّف و المجاهدة، قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ* [الشورى/ 33]، و يعبّر عن الانتظار بالصّبر لما كان حقّ الانتظار أن لا ينفكّ عن الصّبر بل هو نوع من الصّبر، قال: فَاصْبِرْ*

__________________________________________________
 (1) الحديث عن يزيد بن عبد اللّه بن الشخير عن الأعرابي قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «صوم شهر الصبر، و ثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وحر الصدر» أخرجه أحمد و الطبراني في الكبير، و رجال أحمد رجال الصحيح، و أخرجه البزار عن ابن عباس، و رجاله رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد 3/ 199، و المسند 5/ 154.
 (2) انظر: مجاز القرآن 1/ 64، و معاني القرآن للفراء 1/ 103.
 (3) انظر معاني القرآن و إعرابه للزجّاج 1/ 245.

474
مفردات ألفاظ القرآن

صبر ص 474

لِحُكْمِ رَبِّكَ* [الطور/ 48]، أي: انتظر حكمه لك على الكافرين.
صبغ‏
الصَّبْغُ: مصدر صَبَغْتُ، و الصِّبْغُ: الْمَصْبُوغُ، و قوله تعالى: صِبْغَةَ اللَّهِ‏ [البقرة/ 138]، إشارة إلى ما أوجده اللّه تعالى في الناس من العقل المتميّز به عن البهائم كالفطرة، و كانت النّصارى إذا ولد لهم ولد غمسوه بعد السّابع في ماء عموديّة يزعمون أنّ ذلك صِبْغَةٌ، فقال تعالى له ذلك، و قال: وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً [البقرة/ 138]، و قال: وَ صِبْغٍ لِلْآكِلِينَ‏ [المؤمنون/ 20]، أي: أدم لهم، و ذلك من قولهم: اصْطَبَغْتُ بالخلّ «1».
صبا
الصَّبِيُّ: من لم يبلُغ الحلم، و رجل مُصْبٍ:
ذو صِبْيَانٍ. قال تعالى: قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم/ 29]. و صَبَا فلان يَصْبُو صَبْواً و صَبْوَةً: إذا نزع و اشتاق، و فعل فِعْل الصِّبْيَانِ. قال: أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ‏ [يوسف/ 33]، و أَصْبَانِي فَصَبَوْتُ، و الصَّبَا: الرّيح المستقبل للقبلة. و صَابَيْتُ السّيف: أغمدته مقلوبا، و صَابَيْتُ الرّمح: أملته، و هيّأته للطّعن. و الصَّابِئُونَ: قوم كانوا على دين نوح، و قيل لكلّ خارج من الدّين إلى دين آخر:
صَابِئٌ، من قولهم: صَبَأَ نابُ البعير: إذا طلع، و من قرأ: صَابِينَ «2» فقد قيل: على تخفيف الهمز كقوله: لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطُونَ «3» [الحاقة/ 37]، و قد قيل: بل هو من قولهم: صَبَا يَصْبُو، قال تعالى: وَ الصَّابِئِينَ وَ النَّصارى‏ [الحج/ 17]. و قال أيضا: وَ النَّصارى‏ وَ الصَّابِئِينَ‏ [البقرة/ 62].
صحب‏
الصَّاحِبُ: الملازم إنسانا كان أو حيوانا، أو مكانا، أو زمانا. و لا فرق بين أن تكون مُصَاحَبَتُهُ بالبدن- و هو الأصل و الأكثر-، أو بالعناية و الهمّة، و على هذا قال:
279-
         لئن غبت عن عيني لما غبت عن قلبي «4»
و لا يقال في العرف إلّا لمن كثرت ملازمته، و يقال للمالك للشي‏ء: هو صَاحِبُهُ، و كذلك لمن‏
__________________________________________________
 (1) قال الزمخشري: و من المجاز: نعم الصّبغ و الصباغ الخل، لأن الخبز يغمس فيه و يتلون به. انظر: أساس البلاغة ص 248.
 (2) و هي قراءة نافع و أبي جعفر المدنيين. الإتحاف 138.
 (3) و هي قراءة أبي جعفر.
 (4) هذا عجز بيت لأبي العتاهية، و صدره:
         أما و الذي لو شاء لم يخلق النوى‏

و هو في عيون الأخبار 4/ 86، و مجمع البلاغة 1/ 501، و أمالي القالي 2/ 196، و لم أجده في ديوان أبي العتاهية.

475
مفردات ألفاظ القرآن

صحب ص 475

يملك التّصرّف فيه. قال تعالى: إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ‏ [التوبة/ 40]، قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَ هُوَ يُحاوِرُهُ‏ [الكهف/ 34]، أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ‏ [الكهف/ 9]، وَ أَصْحابِ مَدْيَنَ* [الحج/ 44]، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* [البقرة/ 82]، أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ* [البقرة/ 217]، مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ [فاطر/ 6]، و أما قوله: وَ ما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً [المدثر/ 31] أي: الموكّلين بها لا المعذّبين بها كما تقدّم.
و قد يضاف الصَّاحِبُ إلى مسوسه نحو: صاحب الجيش، و إلى سائسه نحو: صاحب الأمير.
و الْمُصَاحَبَةُ و الِاصْطِحَابُ أبلغ من الاجتماع، لأجل أنّ المصاحبة تقتضي طول لبثه، فكلّ اصْطِحَابٍ اجتماع، و ليس كلّ اجتماع اصطحابا، و قوله: وَ لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ‏
 [القلم/ 48]، و قوله: ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ [سبأ/ 46]، و قد سمّي النبيّ عليه السلام صاحبهم تنبيها أنّكم صحبتموه، و جرّبتموه و عرفتموه ظاهره و باطنه، و لم تجدوا به خبلا و جنّة، و كذلك قوله: وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ‏ [التكوير/ 22]. و الْإِصحَابُ للشي‏ء: الانقياد له. و أصله أن يصير له صاحبا، و يقال: أَصْحَبَ فلان: إذا كَبُرَ ابنه فصار صاحبه، و أَصْحَبَ فلان فلانا: جعل صاحبا له. قال:
وَ لا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ‏ [الأنبياء/ 43]، أي:
لا يكون لهم من جهتنا ما يَصْحَبُهُمْ من سكينة و روح و ترفيق، و نحو ذلك ممّا يصحبه أولياءه، و أديم مُصْحَبٌ: أُصْحِبَ الشّعر الذي عليه و لم يُجَزَّ عنه.
صحف‏
الصَّحِيفَةُ: المبسوط من الشي‏ء، كصحيفة الوجه، و الصَّحِيفَةُ: التي يكتب فيها، و جمعها:
صَحَائِفُ و صُحُفٌ. قال تعالى: صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى‏ [الأعلى/ 19]، يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة/ 2- 3]، قيل: أريد بها القرآن، و جعله صحفا فيها كتب من أجل تضمّنه لزيادة ما في كتب اللّه المتقدّمة. و الْمُصْحَفُ: ما جعل جامعا لِلصُّحُفِ المكتوبة، و جمعه: مَصَاحِفُ، و التَّصْحِيفُ:
قراءة المصحف و روايته على غير ما هو لاشتباه حروفه، و الصَّحْفَةُ مثل قصعة عريضة.
صخ‏
الصَّاخَّةُ: شدّة صوت ذي النّطق، يقال: صَخَّ يَصِخُّ صَخّاً فهو صَاخٌّ. قال تعالى: فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ [عبس/ 33]، و هي عبارة عن القيامة حسب المشار إليه بقوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ* [الأنعام/ 73]، و قد قلب عنه: أَصَاخَ يُصِيخُ.

476
مفردات ألفاظ القرآن

صخر ص 477

صخر
الصَّخْرُ: الحجر الصّلب. قال تعالى:
فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ [لقمان/ 16]، و قال:
وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ [الفجر/ 9].
صدد
الصُّدُودُ و الصَّدُّ قد يكون انصرافا عن الشّي‏ء و امتناعا، نحو: يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً، [النساء/ 61]، و قد يكون صرفا و منعا نحو:
وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ* [النمل/ 24]، الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ* [محمد/ 1]، وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ* [الحج/ 25]، قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 217]، وَ لا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ‏ [القصص/ 87]، إلى غير ذلك من الآيات.
و قيل: صَدَّ يَصُدُّ صُدُوداً، و صَدَّ يَصُدُّ صَدّاً «1»، و الصَّدُّ من الجبل: ما يحول، و الصَّدِيدُ: ما حال بين اللّحم و الجلد من القيح، و ضرب مثلا لمطعم أهل النار. قال تعالى: وَ يُسْقى‏ مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ* يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ‏ [إبراهيم/ 16- 17].
صدر
الصَّدْرُ: الجارحة. قال تعالى: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي‏ [طه/ 25]، و جمعه: صُدُورٌ.
قال: وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ [العاديات/ 10]، وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج/ 46]، ثم استعير لمقدّم الشي‏ء كَصَدْرِ القناة، و صَدْرِ المجلس، و الكتاب، و الكلام، و صَدَرَهُ أَصَابَ صَدْرَهُ، أو قَصَدَ قَصْدَهُ نحو: ظَهَرَهُ، و كَتَفَهُ، و منه قيل: رجل مَصْدُورٌ:
يشكو صَدْرَهُ، و إذا عدّي صَدَرَ ب (عن) اقتضى الانصراف، تقول: صَدَرَتِ الإبل عن الماء صَدَراً، و قيل: الصَّدْرُ، قال: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً [الزلزلة/ 6]، و الْمَصْدَرُ في الحقيقة: صَدَرٌ عن الماء، و لموضع المصدر، و لزمانه، و قد يقال في تعارف النّحويّين للّفظ الذي روعي فيه صدور الفعل الماضي و المستقبل عنه. و الصِّدَارُ: ثوب يغطّى به الصَّدْرُ، على بناء دثار و لباس، و يقال له:
الصُّدْرَةُ، و يقال ذلك لسمة على صَدْرِ البعير.
و صَدَّرَ الفرس: جاء سابقا بصدره، قال بعض الحكماء: حيثما ذكر اللّه تعالى القلب فإشارة إلى العقل و العلم نحو: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ [ق/ 37]، و حيثما ذكر الصَّدْرَ فإشارة إلى ذلك، و إلى سائر القوى من الشّهوة و الهوى و الغضب و نحوها، و قوله:
رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي‏ [طه/ 25]، فسؤال‏
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: و صدّ عن الشي‏ء صدودا، أعرض، و صدّ أيضا: ضجّ. انظر: الأفعال 3/ 385.
و في اللسان: صدّ يصدّ صدا: ضجّ و عجّ.

477
مفردات ألفاظ القرآن

صدر ص 477

لإصلاح قواه، و كذلك قوله: وَ يَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ‏ [التوبة/ 14]، إشارة إلى اشتفائهم، و قوله: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج/ 46]، أي: العقول التي هي مندرسة فيما بين سائر القوى و ليست بمهتدية، و اللّه أعلم بذلك، و بوجه الصواب فيه.
صدع‏
الصَّدْعُ: الشّقّ في الأجسام الصّلبة كالزّجاج و الحديد و نحوهما. يقال: صَدَعْتُهُ فَانْصَدَعَ، و صَدَّعْتُهُ فَتَصَدَّعَ، قال تعالى: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ‏ [الروم/ 43]، و عنه استعير:
صَدَعَ الأمرَ، أي: فَصَلَهُ، قال: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر/ 94]، و كذا استعير منه الصُّدَاعُ، و هو شبه الاشتقاق في الرّأس من الوجع. قال: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَ لا يُنْزِفُونَ‏ [الواقعة/ 19]، و منه الصَّدِيعُ للفجر «1»، و صَدَعْتُ الفلاة: قطعتها «2»، و تَصَدَّعَ القومُ أي: تفرّقوا.
صدف‏
صَدَفَ عنه: أعرض إعراضا شديدا يجري مجرى الصَّدَفِ، أي: الميل في أرجل البعير، أو في الصّلابة كَصَدَفِ الجبل أي: جانبه، أو الصَّدَفِ الذي يخرج من البحر. قال تعالى:
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَ صَدَفَ عَنْها [الأنعام/ 157]، سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ ... الآية إلى بِما كانُوا يَصْدِفُونَ‏ [الأنعام/ 157] «3».
صدق‏
الصِّدْقُ و الكذب أصلهما في القول، ماضيا كان أو مستقبلا، وعدا كان أو غيره، و لا يكونان بالقصد الأوّل إلّا في القول، و لا يكونان في القول إلّا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام، و لذلك قال: وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء/ 122]، وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء/ 87]، وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ [مريم/ 54]، و قد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام، كالاستفهام و الأمر و الدّعاء، و ذلك نحو قول القائل: أزيد في الدّار؟ فإنّ في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا بحال زيد، [و كذا إذا قال: واسني في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة، و إذا قال: لا تؤذني ففي ضمنه أنه يؤذيه‏] «4». و الصِّدْقُ: مطابقة القول الضّمير و المخبر عنه معا، و متى انخرم شرط من ذلك لم يكن صِدْقاً تامّا، بل إمّا أن لا يوصف بالصّدق،
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 552، و البصائر 3/ 395، و اللسان: صدع.
 (2) انظر: المجمل 2/ 552.
 (3) تمام الآية: فمن أظلم ممّن كذّب بآيات اللّه و صدف عنها، سنجزي الّذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون.
 (4) ما بين [] نقله السمين في عمدة الحفاظ (صدق)، ثم قال: و فيه نظر من حيث التّصديق و التكذيب لم يرد على.

478
مفردات ألفاظ القرآن

صدق ص 478

و إمّا أن يوصف تارة بالصّدق، و تارة بالكذب على نظرين مختلفين، كقول كافر إذا قال من غير اعتقاد: محمّد رسول اللّه، فإنّ هذا يصحّ أن يقال: صِدْقٌ، لكون المخبر عنه كذلك، و يصحّ أن يقال: كذب، لمخالفة قوله ضميره، و بالوجه الثاني إكذاب اللّه تعالى المنافقين حيث قالوا:
نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ... الآية [المنافقون/ 1]، و الصِّدِّيقُ: من كثر منه الصّدق، و قيل: بل يقال لمن لا يكذب قطّ، و قيل: بل لمن لا يتأتّى منه الكذب لتعوّده الصّدق، و قيل: بل لمن صدق بقوله و اعتقاده و حقّق صدقه بفعله، قال:
وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا [مريم/ 41]، و قال: وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا [مريم/ 56]، و قال: وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ [المائدة/ 75]، و قال:
فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ [النساء/ 69]، فَالصِّدِّيقُونَ هم قوم دُوَيْنَ الأنبياء في الفضيلة على ما بيّنت في «الذّريعة إلى مكارم الشّريعة» «1». و قد يستعمل الصّدق و الكذب في كلّ ما يحقّ و يحصل في الاعتقاد، نحو: صدق ظنّي و كذب، و يستعملان في أفعال الجوارح، فيقال:
صَدَقَ في القتال: إذا وفّى حقّه، و فعل ما يجب و كما يجب، و كذب في القتال: إذا كان بخلاف ذلك.
قال: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏ [الأحزاب/ 23]، أي: حقّقوا العهد بما أظهروه من أفعالهم، و قوله: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ‏ [الأحزاب/ 8]، أي: يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيها أنه لا يكفي الاعتراف بالحقّ دون تحرّيه بالفعل، و قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ‏ [الفتح/ 27]، فهذا صِدْقٌ بالفعل و هو التّحقّق، أي: حقّق رؤيته، و على ذلك قوله: وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ‏ [الزمر/ 33]، أي: حقّق ما أورده قولا بما تحرّاه فعلا، و يعبّر عن كلّ فعل فاضل ظاهرا و باطنا بالصّدق، فيضاف إليه ذلك الفعل الذي يوصف به نحو قوله: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر/ 55]، و على هذا: أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [يونس/ 2]، و قوله:
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ‏ [الإسراء/ 80]، وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ‏ [الشعراء/ 84]، فإنّ ذلك سؤال أن يجعله اللّه تعالى صالحا، بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن ذلك الثّناء كذبا بل‏
__________________________________________________
معنى الاستفهام، و ما بعده إنما ورد على ما هو لازم، و لا كلام في ذلك، فلم يصح أن يقال: إنهما وردا على غير الخبر.
 (1) انظر: الذريعة ص 71، باب أصناف الناس.

479
مفردات ألفاظ القرآن

صدق ص 478

يكون كما قال الشاعر:
280-
         إذا نحن أثنينا عليك بصالح             فأنت الذي نثني و فوق الذي نثني «1»

و صَدَقَ قد يتعدّى إلى مفعولين نحو: وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ‏ [آل عمران/ 152]، و صَدَّقْتُ فلانا: نسبته إلى الصّدق، و أَصْدَقْتُهُ:
وجدته صادقا، و قيل: هما واحد، و يقالان فيهما جميعا. قال: وَ لَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ‏ [البقرة/ 101]، وَ قَفَّيْنا عَلى‏ آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ‏ [المائدة/ 46]، و يستعمل التَّصْدِيقُ في كلّ ما فيه تحقيق، يقال: صدقني فعله و كتابه.
قال تعالى: وَ لَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ‏ [البقرة/ 89]، نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ‏ [آل عمران/ 3]، وَ هذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا [الأحقاف/ 12]، أي: مصدّق ما تقدّم، و قوله: «لِساناً» منتصب على الحال، و في المثل: صَدَقَنِي سنّ بكره «2»
. و الصَّدَاقَةُ: صدق الاعتقاد في المودّة، و ذلك مختصّ بالإنسان دون غيره، قال: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ‏ [الشعراء/ 100- 101]. و ذلك إشارة إلى نحو قوله: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف/ 67]، و الصَّدَقَةُ: ما يخرجه الإنسان من ماله على وجه القربة كالزّكاة، لكن الصّدقة في الأصل تقال للمتطوّع به، و الزّكاة للواجب، و قد يسمّى الواجب صَدَقَةً إذا تحرّى صاحبها الصّدق في فعله. قال: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة/ 103]، و قال:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ [التوبة/ 60]، يقال: صَدَّقَ و تَصَدَّقَ قال: فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى‏ [القيامة/ 31]، إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ‏ [يوسف/ 88]، إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ‏ [الحديد/ 18]، في آي كثيرة.
و يقال لما تجافى عنه الإنسان من حقّه: تَصَدَّقَ به، نحو قوله: وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ‏ [المائدة/ 45]، أي: من تجافى عنه، و قوله: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ، وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ‏ [البقرة/ 280]، فإنه أجرى ما يسامح به المعسر مجرى الصّدقة «3». و على هذا ما
وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ «مَا
__________________________________________________
 (1) البيت لأبي نواس، و بعده:
         و إن جرت الألفاظ منّا بمدحة             لغيرك إنسانا فأنت الّذي نعني‏

و هو في مختارات البارودي 1/ 114، و الوساطة بين المتنبي و خصومه ص 56، و تفسير القرطبي 1/ 135.
 (2) هذا مثل يضرب في الصّدق، انظر: مجمع الأمثال 1/ 392، و أساس البلاغة ص 251. و يجوز في (سنّ) الرّفع و النّصب.
 (3) راجع: تفسير الماوردي 1/ 292.

480
مفردات ألفاظ القرآن

صدق ص 478

تَأْكُلُهُ الْعَافِيَةُ فَهُوَ صَدَقَةٌ» «1».
و على هذا قوله تعالى: وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء/ 92]، فسمّى إعفاءه صَدَقَةً، و قوله:
فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً، [المجادلة/ 12]، أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ‏ [المجادلة/ 13]، فإنهم كانوا قد أمروا بأن يتصدّق من يناجي الرّسول بصدقة ما غير مقدّرة. و قوله: رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى‏ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَ أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ [المنافقون/ 10]، فمن الصّدق أو من الصّدقة. و صَداقُ المرأة و صِدَاقُهَا و صُدْقَتُهَا:
ما تعطى من مهرها، و قد أَصْدَقْتُهَا. قال تعالى:
وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء/ 4].
صدى‏
الصَّدَى: صوت يرجع إليك من كلّ مكان صقيل، و التَّصْدِيَةُ: كلّ صوت يجري مجرى الصَّدَى في أن لا غناء فيه، و قوله: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً [الأنفال/ 35]، أي: غناء ما يوردونه غناء الصّدى، و مكاء الطّير. و التَّصَدِّي: أن يقابل الشي‏ء مقابلة الصَّدَى، أي: الصّوت الرّاجع من الجبل، قال: أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى‏* فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى‏ [عبس/ 5- 6]، و الصَّدَى يقال لذكر البوم «2»، و للدّماغ لكون الدّماغ متصوّرا بصورة الصّدى، و لهذا يسمّى: هامة، و قولهم: أصمّ اللّه صَدَاهُ «3»
، فدعاء عليه بالخرس، و المعنى: لا جعل اللّه له صوتا حتّى لا يكون له صدى يرجع إليه بصوته، و قد يقال للعطش: صَدَى، يقال:
رجل صَدْيَانُ، و امرأة صَدْيَا، و صَادِيَةٌ.
صر
الْإِصْرَارُ: التّعقّد في الذّنب و التّشدّد فيه، و الامتناع من الإقلاع عنه. و أصله من الصَّرِّ أي:
الشّدّ، و الصُّرَّةُ: ما تعقد فيه الدّراهم، و الصِّرَارُ:
خرقة تشدّ على أطباء الناقة لئلا ترضع. قال اللّه تعالى: وَ لَمْ يُصِرُّوا عَلى‏ ما فَعَلُوا [آل عمران/ 135]، ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً [الجاثية/ 8]، وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً [نوح/ 7]، وَ كانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ‏

__________________________________________________
 (1) الحديث عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من أحيا أرضا ميتة فهي له، و ما أكلت العافية فهو له صدقة» أخرجه أحمد في المسند 3/ 338.
و عن أم سلمة أنها سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «ما من امرئ يحيي أرضا فتشرب منها كبد حرّى، أو تصيب منها عافية إلا كتب اللّه له به أجرا». أخرجه الطبراني في الأوسط، و فيه موسى بن يعقوب الزمعي، وثقه ابن معين و ابن حبان، و ضعّفه ابن المديني، انظر: مجمع الزوائد 4/ 160.
 (2) انظر: المجمل 2/ 553.
 (3) و الصدى: الدماغ، و يقال: بل هو الموضع الذي جعل فيه السمع من الدماغ، و لذلك يقولون: أصمّ اللّه صداه.
راجع: المجمل 2/ 553، و مجمع الأمثال 1/ 404.

481
مفردات ألفاظ القرآن

صر ص 481

الْعَظِيمِ [الواقعة/ 46]، و الْإِصْرَارُ: كلّ عزم شددت عليه، يقال: هذا منّي صِرِّي «1»، و أَصِرِّي و صِرَّى و أَصِرَّى و صُرِّي و صُرَّى أي: جدّ و عزيمة، و الصَّرُورَةُ من الرّجال و النساء: الذي لم يحجّ، و الّذي لا يريد التّزوّج، و قوله: رِيحاً صَرْصَراً* [فصلت/ 16]، لفظه من الصَّرِّ، و ذلك يرجع إلى الشّدّ لما في البرودة من التّعقّد، و الصَّرَّةُ: الجماعة المنضمّ بعضهم إلى بعض كأنّهم صُرُّوا، أي: جُمِعُوا في وعاء. قال تعالى:
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ [الذاريات/ 29]، و قيل: الصَّرَّةُ الصّيحةُ.
صرح‏
الصَّرْحُ: بيت عال مزوّق سمّي بذلك اعتبارا بكونه صَرْحاً عن الشّوب أي: خالصا. قال اللّه تعالى: صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ [النمل/ 44]، قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ‏ [النمل/ 44]، و لبن صَرِيحٌ بيّن الصَّرَاحَةِ، و الصَّرُوحَةِ، و صَرِيحُ الحقّ: خلص عن محضه، و صَرَّحَ فلان بما في نفسه، و قيل: عاد تعريضك تَصْرِيحًا، و جاء صُرَاحاً جهارا.
صرف‏
الصَّرْفُ: ردّ الشي‏ء من حالة إلى حالة، أو إبداله بغيره، يقال: صَرَفْتُهُ فَانْصَرَفَ. قال تعالى: ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ‏ [آل عمران/ 152]، و قال: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ‏ [هود/ 8]، و قوله: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ‏ [التوبة/ 127]، فيجوز أن يكون دعاء عليهم، و أن يكون ذلك إشارة إلى ما فعله بهم، و قوله تعالى: فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَ لا نَصْراً [الفرقان/ 19]، أي: لا يقدرون أن يَصْرِفُوا عن أنفسهم العذاب، أو أن يصرفوا أنفسهم عن النّار. و قيل: أن يصرفوا الأمر من حالة إلى حالة في التّغيير، و منه قول العرب: (لا يقبل منه صَرْفٌ و لا عدل) «2»، و قوله: وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ‏ [الأحقاف/ 29]، أي: أقبلنا بهم إليك و إلى الاستماع منك، و التَّصْرِيفُ كالصّرف إلّا في التّكثير، و أكثر ما يقال في صرف الشي‏ء من حالة إلى حالة، و من أمر إلى أمر. و تَصْرِيفُ الرّياح هو صرفها من حال إلى حال. قال تعالى: وَ صَرَّفْنَا الْآياتِ‏ [الأحقاف/ 27]، وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ [طه/ 113]، و منه: تصريف الكلام، و تَصْرِيفُ الدّراهم، و تصريف النّاب، يقال: لنا به صريف، و الصَّرِيفُ: اللّبن إذا سكنت رغوته،
__________________________________________________
 (1) قال في الصحاح: قال أبو السّمال الأسدي- و قد ضلّت ناقته-: ايمنك لئن لم تردّها عليّ لا عبدتك، فأصاب ناقته و قد تعلق زمامها بعوسجة فأخذها و قال: علم ربي أنها مني صرّي.
 (2) جاء في الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من تعلّم صرف الكلام ليسبي به قلوب الرجال أو الناس، لم يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا و لا عدلا» أخرجه أبو داود في الأدب برقم (5006)، قال المنذري: و فيه انقطاع. انظر: الترغيب و الترهيب 1/ 69.

482
مفردات ألفاظ القرآن

صرف ص 482

كأنه صُرِفَ عن الرّغوة، أو صُرِفَتْ عنه الرّغوة، و رجلٌ صَيْرَفٌ و صَيْرَفِيٌّ و صَرَّافٌ، و عنز صَارِفٌ كأنّها تَصْرِفُ الفحلَ إلى نفسها. و الصِّرْفُ: صِبغٌ أحمر خالص، و قيل لكلّ خالص عن غيره:
صِرْفٌ، كأنه صُرِفَ عنه ما يشوبه. و الصَّرَفَانُ:
الرّصاص، كأنه صُرِفَ عن أن يبلغ منزلة الفضّة.
صرم‏
الصَّرْمُ: القطيعة، و الصَّرِيمَةُ: إحكام الأمر و إبرامه، و الصَّرِيمُ: قطعةٌ مُنْصَرِمَةٌ عن الرّمل.
قال تعالى: فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ‏ [القلم/ 20]، قيل: أصبحت كالأشجار الصَّرِيمَةِ، أي:
الْمَصْرُومِ حملُهَا، و قيل: كاللّيل، لأنّ اللّيل يقال له: الصَّرِيمُ، أي: صارت سوداء كاللّيل لاحتراقها، قال: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ‏ [القلم/ 17]، أي: يجتنونها و يتناولونها، فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ* أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ‏ [القلم/ 21- 22].
و الصَّارِمُ: الماضي، و ناقةٌ مَصْرُومَةٌ: كأنها قطع ثديها، فلا يخرج لبنها حتّى يقوى. و تَصَرَّمَتِ السَّنَةُ.
و انْصَرَمَ الشي‏ءُ: انقطع، و أَصْرَمَ: ساءت حاله.
صرط
الصِّرَاطُ: الطّريقُ المستقيمُ. قال تعالى:
وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً [الأنعام/ 153]، و يقال له: سِرَاطٌ، و قد تقدّم.
صطر
صَطَرَ و سَطَرَ واحدٌ. قال تعالى: أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ‏ [الطور/ 37]، و هو مفيعل من السَّطْرِ، و التَّسْطِيرُ أي: الكتابة، أي: أ هم الذين تولّوا كتابة ما قدّر لهم قبل أن خلق، إشارة إلى قوله: إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج/ 70]، و قوله: فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس/ 12]، و قوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية/ 22]، أي: متولّ أن تكتب عليهم و تثبت ما يتولّونه، و سَيْطَرْتُ، و بَيْطَرْتُ لا ثالث لهما في الأبنية، و قد تقدّم ذلك في السّين «1».
صرع‏
الصَّرْعُ: الطّرح. يقال: صَرَعْتُهُ صَرْعاً، و الصَّرْعَةُ: حالة المَصْرُوعِ، و الصَّرَاعَةُ: حرفة الْمُصَارِعُ، و رجلٌ صَرِيعٌ، أي: مَصْرُوعٌ، و قومٌ صَرْعَى. قال تعالى: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى‏ [الحاقة/ 7]، و هما صِرْعَانِ، كقولهم قِرْنَانِ. و الْمِصْرَاعَانِ من الأبواب، و به شبّه المِصْرَاعَانِ في الشِّعْرِ «2».
صعد
الصُّعُودُ: الذّهاب في المكان العالي،
__________________________________________________
 (1) راجع باب (سطر).
 (2) قال الأزهري: و المصراعان من الشعر: ما كان فيه قافيتان في بيت واحد. انظر: اللسان (صرع).

483
مفردات ألفاظ القرآن

صعد ص 483

و الصَّعُودُ و الْحَدُورُ لمكان الصُّعُودِ و الانحدار، و هما بالذّات واحد، و إنّما يختلفان بحسب الاعتبار بمن يمرّ فيهما، فمتى كان المارّ صَاعِداً يقال لمكانه: صَعُودٌ، و إذا كان منحدرا يقال لمكانه: حَدُورٌ، و الصَّعَدُ و الصَّعِيدُ و الصَّعُودُ في الأصل واحدٌ، لكنِ الصَّعُودُ و الصَّعَدُ يقال للعَقَبَةِ، و يستعار لكلّ شاقٍّ. قال تعالى: وَ مَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً [الجن/ 17]، أي: شاقّا، و قال: سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً [المدثر/ 17]، أي: عقبة شاقّة، و الصَّعِيدُ يقال لوجه الأرض، قال: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* [النساء/ 43]، و قال بعضهم:
الصَّعِيدُ يقال للغبار الذي يَصْعَدُ من الصُّعُودِ «1»، و لهذا لا بدّ للمتيمّم أن يعلق بيده غبار، و قوله:
كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [الأنعام/ 125]، أي: يَتَصَعَّدُ. و أما الْإِصْعَادُ فقد قيل: هو الإبعاد في الأرض، سواء كان ذلك في صُعُودٍ أو حدور. و أصله من الصُّعُودُ، و هو الذّهاب إلى الأمكنة المرتفعة، كالخروج من البصرة إلى نجد، و إلى الحجاز، ثم استعمل في الإبعاد و إن لم يكن فيه اعتبار الصُّعُودِ، كقولهم: تعال، فإنّه في الأصل دعاء إلى العلوّ صار أمرا بالمجي‏ء، سواء كان إلى أعلى، أو إلى أسفل. قال تعالى:
إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ [آل عمران/ 153]، و قيل: لم يقصد بقوله إِذْ تُصْعِدُونَ‏
 إلى الإبعاد في الأرض و إنّما أشار به إلى علوّهم فيما تحرّوه و أتوه، كقولك: أبعدت في كذا، و ارتقيت فيه كلّ مرتقى، و كأنه قال: إذ بعدتم في استشعار الخوف، و الاستمرار على الهزيمة. و استعير الصُّعُودُ لما يصل من العبد إلى اللّه، كما استعير النُّزُولُ لما يصل من اللّه إلى العبد، فقال سبحانه: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ‏ [فاطر/ 10]، و قوله: يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً [الجن/ 17]، أي: شاقّا، يقال:
تَصَعَّدَنِي كذا، أي: شَقَّ علَيَّ.
قَالَ عُمَرُ: مَا تَصَعَّدَنِي أَمْرٌ مَا تَصَعَّدَنِي خِطْبَةُ النِّكَاحِ «2».
صعر
الصَّعَرُ: ميل في العنق، و التَّصْعِيرُ: إمالته عن النّظر كبرا، قال تعالى: وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ‏ [لقمان/ 18]، و كلّ صعب يقال له:
مُصْعَرٌ، و الظَّليم أَصْعَرُ خلقةً «3».
صعق‏
الصَّاعِقَةُ و الصَّاقِعَةُ يتقاربان، و هما الهدّة الكبيرة، إلّا أن الصَّقْعَ يقال في الأجسام‏
__________________________________________________
 (1) و هذا قول الشافعي، فعنده لا يقع اسم صعيد إلا على تراب ذي غبار. انظر: اللسان (صعد).
 (2) قيل: إنما تصعب عليه لقرب الوجوه من الوجوه، و نظر بعضهم إلى بعض، و لأنهم إذا كان جالسا معهم كانوا نظراء و أكفاء، و إذا كان على المنبر كانوا سوقة و رعيّة. انظر: النهاية 3/ 30، و الفائق 2/ 24، و عمدة الحفاظ: صعد.
 (3) انظر المجمل 2/ 534.

484
مفردات ألفاظ القرآن

صعق ص 484

الأرضيّة، و الصَّعْقَ في الأجسام العُلويَّةِ. قال بعض أهل اللّغة: الصَّاعِقَةُ على ثلاثة أوجه:
1- الموت، كقوله: فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ‏ [الزمر/ 68]، و قوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ* [النساء/ 153].
2- و العذاب، كقوله: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ [فصلت/ 13].
3- و النار، كقوله: وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ [الرعد/ 13]. و ما ذكره فهو أشياء حاصلة من الصَّاعِقَةِ، فإنّ الصَّاعِقَةَ هي الصّوت الشّديد من الجوّ، ثم يكون منها نار فقط، أو عذاب، أو موت، و هي في ذاتها شي‏ء واحد، و هذه الأشياء تأثيرات منها.
صغر
الصِّغَرُ و الكبر من الأسماء المتضادّة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشي‏ء قد يكون صَغِيراً في جنب الشي‏ء، و كبيرا في جنب آخر.
و قد تقال تارة باعتبار الزّمان، فيقال: فلان صَغِيرٌ، و فلان كبير: إذا كان ما له من السّنين أقلّ ممّا للآخر، و تارة تقال باعتبار الجثّة، و تارة باعتبار القدر و المنزلة، و قوله: وَ كُلُّ صَغِيرٍ وَ كَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر/ 53]، و قوله: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف/ 49]، و قوله:
وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ* [يونس/ 61]، كلّ ذلك بالقدر و المنزلة من الخير و الشّرّ باعتبار بعضها ببعض. يقال: صَغُرَ «1» صِغَراً في ضدّ الكبير، و صَغِرَ «2» صَغَراً و صَغَاراً في الذِّلَّة، و الصَّاغِرُ: الرّاضي بالمنزلة الدّنيّة، قال تعالى:
حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ‏ [التوبة/ 29].
صغا
الصَّغْوُ: الميل. يقال: صَغَتِ النّجومُ، و الشمس صَغْواً «3»: مالت للغروب، و صَغَيْتُ الإناءَ، و أَصْغَيْتُهُ، و أَصْغَيْتُ إلى فلان: ملت بسمعي نحوه، قال تعالى: وَ لِتَصْغى‏ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الأنعام/ 113]، و حكي: صَغَوْتُ إليه أَصْغُو، و أَصْغَى، صَغْواً و صُغِيّاً، و قيل: صَغَيْتُ أَصْغَى، و أَصْغَيْتُ أُصْغِي «4». و صَاغِيَةُ الرّجلِ: الذين يميلون إليه، و فلانٌ مُصْغًى إناؤُهُ «5»، أي: منقوص حظّه، و قد
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: صغر الجسم و الشي‏ء: صغرا: ضدّ كبر.
 (2) و قال: صغر الرجل صغارا و صغارة، فهو صاغر صغر: هان قدره و ذل.
و يقال أيضا: صغر الصاغر صغارة. انظر: الأفعال 3/ 395.
 (3) يقال: صغوا و صغوّا. اللسان (صغا).
 (4) في اللسان: و أصغيت إلى فلان: إذا ملت بسمعك نحوه.
 (5) يقال: فلان مصغى إناؤه: إذا نقص حقّه. انظر: المجمل 2/ 534.

485
مفردات ألفاظ القرآن

صغا ص 485

يكنّى به عن الهلاك. و عينه صَغْوَاءُ إلى كذا، و الصَّغْيُ: ميل في الحنك و العين.
صف‏
الصَّفُّ: أن تجعل الشي‏ء على خط مستو، كالناس و الأشجار و نحو ذلك، و قد يجعل فيما قاله أبو عبيدة بمعنى الصَّافِّ «1». قال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا [الصف/ 4]، ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا [طه/ 64]، يحتمل أن يكون مصدرا، و أن يكون بمعنى الصَّافِّينَ، و قال تعالى: وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ‏ [الصافات/ 165]، وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا [الصافات/ 1]، يعني به الملائكة. وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر/ 22]، وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ‏ [النور/ 41]، فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَ‏ [الحج/ 36]، أي:
مُصْطَفَّةً، و صَفَفْتُ كذا: جعلته على صَفٍّ.
قال: عَلى‏ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ [الطور/ 20]، و صَفَفْتُ اللّحمَ: قدّدته، و ألقيته صفّا صفّا، و الصَّفِيفُ: اللّحمُ الْمَصْفُوفُ، و الصَّفْصَفُ:
المستوي من الأرض كأنه على صفٍّ واحدٍ.
قال: فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً [طه/ 106]، و الصُّفَّةُ من البنيان، و صُفَّةُ السَّرج تشبيها بها في الهيئة، و الصَّفُوفُ:
ناقةٌ تُصَفُّ بين مَحْلَبَيْنِ فصاعدا لغزارتها، و التي تَصُفُّ رجلَيْها، و الصَّفْصَافُ: شجرُ الخلاف.
صفح‏
صَفْحُ الشي‏ءِ: عرضه و جانبه، كَصَفْحَةِ الوجهِ، و صَفْحَةِ السّيفِ، و صَفْحَةِ الحَجَرِ.
و الصَّفْحُ: تركُ التّثريب، و هو أبلغ من العفو، و لذلك قال: فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ‏ [البقرة/ 109]، و قد يعفو الإنسان و لا يَصْفَحُ. قال: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَ قُلْ سَلامٌ‏ [الزخرف/ 89]، فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ‏ [الحجر/ 85]، أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً [الزخرف/ 5]، و صَفَحْتُ عنه:
أوليته مني صَفْحَةً جميلةً معرضا عن ذنبه، أو لقيت صَفْحَتَهُ متجافيا عنه، أو تجاوزت الصَّفْحَةَ التي أثبتّ فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها، من قولك: تَصَفَّحْتُ الكتابَ، و قوله: إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ‏ [الحجر/ 85]، فأمر له عليه السلام أن يخفّف كفر من كفر كما قال: وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل/ 127]، و الْمُصَافَحَةُ: الإفضاء بِصَفْحَةِ اليدِ.
صفد
الصَّفَدُ و الصِّفَادُ: الغلُّ، و جمعه أَصْفَادٌ.
و الْأَصْفَادُ: الأغلالُ. قال تعالى: مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* [إبراهيم/ 49]، و الصَّفَدُ: العطيّةُ
__________________________________________________
 (1) راجع: مجاز القرآن 2/ 257.

486
مفردات ألفاظ القرآن

صفد ص 486

اعتبارا بما قيل: أنا مغلولُ أياديك، و أسيرُ نعمتِكَ «1»، و نحو ذلك من الألفاظ الواردة عنهم في ذلك.
صفر
الصُّفْرَةُ: لونٌ من الألوان التي بين السّواد و البياض، و هي إلى السّواد أقرب، و لذلك قد يعبّر بها عن السّواد.
قَالَ الْحَسَنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها [البقرة/ 69]، أَيْ:
سَوْدَاءُ «2».
و قال بعضهم: لا يقال في السواد فاقع، و إنّما يقال فيها حالكة. قال تعالى: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا* [الزمر/ 21]، كأنّه جمالات صُفْرٌ «3» [المرسلات/ 33]، قيل: هي جمع أَصْفَرَ، و قيل: بل أراد الصُّفْرَ المُخْرَجَ من المعادن، و منه قيل للنّحاس: صُفْرٌ، و لِيَبِيسِ البُهْمَى: صُفَارٌ، و قد يقال الصَّفِيرُ للصّوت حكاية لما يسمع، و من هذا: صَفِرَ الإناءُ: إذا خلا حتى يُسْمَعَ منه صَفِيرٌ لخلوّه، ثم صار متعارفا في كلّ حال من الآنية و غيرها. و سمّي خلوّ الجوف و العروق من الغذاء صَفَراً، و لمّا كانت العروق الممتدّة من الكبد إلى المعدة إذا لم تجد غذاء امتصّت أجزاء المعدة اعتقدت جهلة العرب أنّ ذلك حيّة في البطن تعضّ بعض الشّراسف حتى نفى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم،
فَقَالَ: «لَا صَفَرَ» «4».
أي: ليس في البطن ما يعتقدون أنه فيه من الحيّة، و على هذا قول الشاعر:
281-
         و لا يعضّ على شرسوفه الصَّفَرُ «5»
و الشّهر يسمّى صَفَراً لخلوّ بيوتهم فيه من الزّاد، و الصَّفَرِيُّ من النِّتَاجِ: ما يكون في ذلك الوقت.
صفن‏
الصَّفْنُ: الجمعُ بين الشّيئين ضامّا بعضهما إلى بعض. يقال: صَفَنَ الفرسُ قوائمَهُ، قال تعالى: الصَّافِناتُ الْجِيادُ [ص/ 31]، و قرئ: (فاذكروا اسم اللّه عليها صَوَافِنَ) «6»، و الصَّافِنُ: عِرْقٌ في باطن الصّلب يجمع نياط القلب. و الصَّفْنُ: وعاءٌ يجمع الخصية، و الصُّفْنُ: دلوٌ مجموع بحلقة.
صفو
أصل الصَّفَاءِ: خلوصُ الشي‏ءِ من الشّوب، و منه: الصَّفَا، للحجارة الصَّافِيَةِ. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 3/ 423.
 (2) قال الكرماني: و أنكره جماعة، و قالوا: الصفرة بمعنى السواد يستعمل في الإبل خاصة. غرائب التفسير 1/ 147.
 (3) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و أبي جعفر و يعقوب، و ابن عامر، و شعبة. و قرأ الباقي: جمالت.
 (4) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لا عدوى و لا صفر و لا هامة». أخرجه البخاري في الطب 10/ 205، و مسلم في السلام برقم (2221)، و انظر: شرح السنة 12/ 167.
 (5) هذا عجز بيت، و شطره:
         لا يتأرى لما في القدر يرقبه‏

و هو لأعشى باهلة من قصيدة يرثي بها أخاه، و البيت في اللسان (صفر)، و الكامل 2/ 291، و مجمع البلاغة 2/ 579، و أمالي القالي 2/ 200، و تهذيب إصلاح المنطق 1/ 431.
 (6) سورة الحج: آية 36، و هي قراءة شاذة.

487
مفردات ألفاظ القرآن

صفو ص 487

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 158]، و ذلك اسم لموضع مخصوص، و الِاصْطِفَاءُ: تناولُ صَفْوِ الشي‏ءِ، كما أنّ الِاخْتِيَارَ: تناول خيره، و الِاجْتِبَاءَ: تناول جبايته.
و اصْطِفَاءُ اللّهِ بعضَ عباده قد يكون بإيجاده تعالى إيّاه صَافِياً عن الشّوب الموجود في غيره، و قد يكون باختياره و بحكمه و إن لم يتعرّ ذلك من الأوّل، قال تعالى: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَ مِنَ النَّاسِ‏ [الحج/ 75]، إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً [آل عمران/ 33]، اصْطَفاكِ وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ‏ [آل عمران/ 42]، اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ‏ [الأعراف/ 144]، وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ [ص/ 47]، و اصْطَفَيْتُ كذا على كذا، أي: اخترت. أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ‏ [الصافات/ 153]، وَ سَلامٌ عَلى‏ عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى‏ [النمل/ 59]، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا [فاطر/ 32]، و الصَّفِيُّ و الصَّفِيَّةُ: ما يَصْطَفِيهِ الرّئيسُ لنفسه، قال الشاعر:
282-
         لك المرباع منها و الصَّفَايَا «1»

و قد يقالان للناقة الكثيرة اللّبن، و النّخلة الكثيرة الحمل، و أَصْفَتِ الدّجاجةُ: إذا انقطع بيضها كأنها صَفَتْ منه، و أَصْفَى الشاعرُ: إذا انقطع شعره تشبيها بذلك، من قولهم: أَصْفَى الحافرُ: إذا بلغ صَفًا، أي: صخرا منعه من الحفر، كقولهم: أكدى و أحجر «2»، و الصَّفْوَانُ كالصَّفَا، الواحدةُ: صَفْوَانَةٌ، قال تعالى:
كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ‏ [البقرة/ 264]، و يقال: يوم صَفْوَانٌ: صَافِي الشّمسِ، شديد البرد.
صلل‏
أصل الصَّلْصَالِ: تردُّدُ الصّوتِ من الشي‏ء اليابس، و منه قيل: صَلَّ المسمارُ «3»، و سمّي الطّين الجافّ صَلْصَالًا. قال تعالى: مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ [الرحمن/ 14]، مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* [الحجر/ 26]، و الصَّلْصَلَةُ: بقيّةُ ماءٍ، سمّيت بذلك لحكاية
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت لعبد اللّه بن عنمة يخاطب بسطام بن قيس، و عجزه:
         و حكمك و النشيطة و الفضول‏

و هو في اللسان (صفا)، و أساس البلاغة (صفا)، و الأصمعيات ص 37.
و مطلع القصيدة:
         لأمّ الأرض ويل ما أجنّت             غداة أضرّ بالحسن السبيل.

 (2) يقال: أكدى الحافر: إذا حفر فبلغ الكدى، و هي الصخور. اللسان (كدا). و مثله: أحجر.
 (3) قال في اللسان: و صلّ المسمار يصلّ صليلا: إذا ضرب فأكره أن يدخل في شي‏ء. و في التهذيب: أن يدخل في القتير فأنت تسمع له صوتا. انظر: اللسان (صلل).

488
مفردات ألفاظ القرآن

صلل ص 488

صوت تحرّكه في المزادة، و قيل: الصَّلْصَالُ:
المنتن من الطين، من قولهم: صَلَّ اللحمُ، قال: و كان أصله صَلَّالٌ، فقلبت إحدى اللامين، و قرئ: (أ إذا صَلَلْنَا) «1» أي: أنتنّا و تغيّرنا، من قولهم: صَلَّ اللّحمُ و أَصَلَّ.
صلب‏
الصُّلْبُ: الشّديدُ، و باعتبار الصَّلَابَةِ و الشّدّة سمّي الظّهر صُلْباً. قال تعالى:
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ‏ [الطارق/ 7]، و قوله: وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ‏ [النساء/ 23]، تنبيه أنّ الولد جزء من الأب، و على نحوه نبّه قول الشاعر:
283-
         و إنّما أولادنا بيننا             أكبادنا تمشي على الأرض «2»

و قال الشاعر:
284-
         في صَلَبٍ مثل العنان المؤدم «3»
و الصَّلَبُ و الِاصْطِلَابُ: استخراج الودك من العظم، و الصَّلْبُ الذي هو تعليق الإنسان للقتل، قيل: هو شدّ صُلْبِهِ على خشب، و قيل: إنما هو من صَلْبِ الوَدَكِ. قال تعالى: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ‏ [النساء/ 157]، وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ‏ [الشعراء/ 49]، وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ‏ [طه/ 71]، أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا [المائدة/ 33]، و الصَّلِيبُ: أصله الخشب الذي يُصْلَبُ عليه، و الصَّلِيبُ: الذي يتقرّب به النّصارى، هو لكونه على هيئة الخشب الّذي زعموا أنه صُلِبَ عليه عيسى عليه السلام، و ثوب مُصَلَّبٌ، أي:
عليه آثار الصَّلِيبِ، و الصَّالِبُ من الحمّى: ما يكسر الصُّلْبَ، أو ما يُخْرِجُ الودَكَ بالعرق، و صَلَّبْتُ السّنانَ: حدّدته، و الصُّلْبِيَّةُ: حجارة المسنّ.
صلح‏
الصَّلَاحُ: ضدّ الفساد، و هما مختصّان في أكثر الاستعمال بالأفعال، و قوبل في القرآن تارة بالفساد، و تارة بالسّيّئة. قال تعالى: خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً [التوبة/ 102]، وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها* [الأعراف/ 56]، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ* [البقرة/ 82]، في مواضع كثيرة. و الصُّلْحُ يختصّ بإزالة النّفار بين الناس، يقال منه:
__________________________________________________
 (1) سورة السجدة: آية 10، و هي قراءة شاذة.
 (2) البيت لحطّان بن المعلّى، و هو في الزهرة 2/ 660، و أمالي القالي 2/ 189، و عيون الأخبار 3/ 95.
 (3) الرجز للعجاج، و هو في ديوانه ص 293، و غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 364، و تهذيب إصلاح المنطق 1/ 134.
و صدره:
         ريّا العظام فخمة المخدّم.

489
مفردات ألفاظ القرآن

صلح ص 489

اصْطَلَحُوا و تَصَالَحُوا، قال: أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ [النساء/ 128]، وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا [النساء/ 129]، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما* [الحجرات/ 9]، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏ [الحجرات/ 10]، و إِصْلَاحُ اللّهِ تعالى الإنسانَ يكون تارة بخلقه إيّاه صَالِحاً، و تارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده، و تارة يكون بالحكم له بِالصَّلَاحِ. قال تعالى:
وَ أَصْلَحَ بالَهُمْ‏ [محمد/ 2]، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ‏ [الأحزاب/ 71]، وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي‏ [الأحقاف/ 15]، إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ‏ [يونس/ 81]، أي: المفسد يضادّ اللّه في فعله، فإنّه يفسد و اللّه تعالى يتحرّى في جميع أفعاله الصَّلَاحَ، فهو إذا لا يُصْلِحُ عملَه، و صَالِحٌ: اسم للنّبيّ عليه السلام. قال تعالى: يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا [هود/ 62].
صلد
 «1» قال تعالى: فَتَرَكَهُ صَلْداً [البقرة/ 264]، أي: حجرا صلبا و هو لا ينبت، و منه قيل: رأس صَلْدٌ: لا ينبت شعرا، و ناقة صَلُودٌ و مِصْلَادٌ: قليلة اللّبن، و فرس صَلُودٌ: لا يعرق، و صَلَدَ الزَّنْدُ: لا يخرج ناره.
صلا
أصل الصَّلْيِ الإيقادُ بالنار، و يقال: صَلِيَ بالنار و بكذا، أي: بلي بها، و اصْطَلَى بها، و صَلَيْتُ الشاةَ: شويتها، و هي مَصْلِيَّةٌ. قال تعالى: اصْلَوْهَا الْيَوْمَ‏ [يس/ 64]، و قال:
يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى‏ [الأعلى/ 12]، تَصْلى‏ ناراً حامِيَةً [الغاشية/ 4]، وَ يَصْلى‏ سَعِيراً [الانشقاق/ 12]، وَ سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً [النساء/ 10]، قرئ:
سَيَصْلَوْنَ‏ «2» بضمّ الياء و فتحها، حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها [المجادلة/ 8]، سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر/ 26]، وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ‏ [الواقعة/ 94]، و قوله: لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلَّى‏ [الليل/ 15- 16]، فقد قيل:
معناه لا يَصْطَلِي بها إلّا الأشقى الذي. قال الخليل: صَلِيَ الكافرُ النار: قاسى حرّها «3»، يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ [المجادلة/ 8]، و قيل: صَلَى النارَ: دخل فيها، و أَصْلَاهَا غيرَهُ، قال: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً [النساء/ 30]، ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى‏ بِها صِلِيًّا [مريم/ 70]، قيل: جمع صَالٍ، و الصَّلَاءُ يقال للوقود و للشّواء. و الصَّلَاةُ، قال كثير من أهل اللّغة: هي الدّعاء، و التّبريك‏
__________________________________________________
 (1) هذه المادة سقطت من نسخة المحمودية 1.
 (2) و هي قراءة ابن عامر و شعبة. انظر: الإتحاف ص 186.
 (3) انظر: العين 7/ 154.

490
مفردات ألفاظ القرآن

صلا ص 490

و التّمجيد «1»، يقال: صَلَّيْتُ عليه، أي: دعوت له و زكّيت،
وَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ، وَ إِنْ كَانَ صَائِماً فَلْيُصَلِّ» «2».
أي: ليدع لأهله، وَ صَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ‏ [التوبة/ 103]، يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ‏ [الأحزاب/ 56]، وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ‏ [التوبة/ 99]، و صَلَاةُ اللّهِ للمسلمين هو في التّحقيق: تزكيته إيّاهم. و قال: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ [البقرة/ 157]، و من الملائكة هي الدّعاء و الاستغفار، كما هي من النّاس «3». قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ‏ [الأحزاب/ 56]، و الصَّلَاةُ التي هي العبادة المخصوصة، أصلها: الدّعاء، و سمّيت هذه العبادة بها كتسمية الشي‏ء باسم بعض ما يتضمّنه، و الصَّلَاةُ من العبادات التي لم تنفكّ شريعة منها، و إن اختلفت صورها بحسب شرع فشرع. و لذلك قال: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النساء/ 103]، و قال بعضهم: أصلُ الصَّلَاةِ من الصَّلَى «4»، قال: و معنى صَلَّى الرّجلُ، أي: أنه ذاد و أزال عن نفسه بهذه العبادة الصَّلَى الذي هو نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ. و بناء صَلَّى كبناء مَرَّضَ لإزالة المرض، و يسمّى موضع العبادة الصَّلَاةَ، و لذلك سمّيت الكنائس صَلَوَاتٌ، كقوله: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ وَ صَلَواتٌ وَ مَساجِدُ [الحج/ 40]، و كلّ موضع مدح اللّه تعالى بفعل الصَّلَاةِ أو حثّ عليه ذكر بلفظ الإقامة، نحو:
وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء/ 162]، وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ* [البقرة/ 43]، وَ أَقامُوا الصَّلاةَ* [البقرة/ 277]، و لم يقل: الْمُصَلِّينَ إلّا في المنافقين، نحو قوله: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ‏ [الماعون/ 4- 5]، وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى‏ [التوبة/ 54]، و إنما خصّ لفظ الإقامة تنبيها أنّ المقصود من فعلها توفية حقوقها
__________________________________________________
 (1) و نقل هذا السخاوي في القول البديع ص 11، و هو قول الخارزنجي صاحب تكملة العين. انظر تفسير الرازي 2/ 29.
 (2) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، و إن كان صائما فليصلّ» أخرجه مسلم في النكاح، باب الأمر بإجابة الداعي برقم (1431)، و أحمد في المسند 3/ 392، و انظر: شرح السنة 6/ 375.
 (3) قال السخاوي: نقل الترمذي عن سفيان الثوري و غير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الربّ الرحمة، و صلاة الملائكة الاستغفار، و قيل: صلاة الملائكة الدعاء. انظر: القول البديع ص 10.
- و ردّ هذا القول ابن القيم في جلاء الأفهام ص 81.
 (4) صلاء النار: حرّها.

491
مفردات ألفاظ القرآن

صلا ص 490

و شرائطها، لا الإتيان بهيئتها فقط، و لهذا
رُوِيَ (أَنَّ الْمُصَلِّينَ كَثِيرٌ وَ الْمُقِيمِينَ لَهَا قَلِيلٌ) «1».
و قوله تعالى: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ‏ [المدثر/ 43]، أي: من أتباع النّبيّين، و قوله: فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى‏ [القيامة/ 31]، تنبيها أنه لم يكن ممّن يُصَلِّي، أي يأتي بهيئتها فضلا عمّن يقيمها. و قوله: وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً [الأنفال/ 35]، فتسمية صَلَاتِهِمْ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً تنبيه على إبطال صلاتهم، و أنّ فعلهم ذلك لا اعتداد به، بل هم في ذلك كطيور تمكو و تصدي، و فائدة تكرار الصلاة في قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ‏ [المؤمنون/ 1- 2] إلى آخر القصّة حيث قال: وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى‏ صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ‏ [المؤمنون/ 9]، فإنّا نذكره فيما بعد هذا الكتاب إن شاء اللّه «2».
صمم‏
الصَّمَمُ: فقدانُ حاسّة السّمع، و به يوصف من لا يُصغِي إلى الحقّ و لا يقبله. قال تعالى:
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ* [البقرة/ 18]، و قال: صُمًّا وَ عُمْياناً [الفرقان/ 73]، وَ الْأَصَمِّ وَ الْبَصِيرِ وَ السَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ‏ [هود/ 24]، و قال:
وَ حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا [المائدة/ 71]، و شبّه ما لا صوت له به، و لذلك قيل: صَمَّتْ حَصَاةٌ بِدَمٍ «3»
، أي: كثر الدّم حتى لو ألقي فيه حصاة لم تسمع لها حركة، و ضربة صَمَّاءُ. و منه:
الصِّمَّةُ للشّجاع الذي يُصِمُّ بالضّربة، و صَمَمْتُ القارورةَ: شددت فاها تشبيها بالأَصَمِّ الذي شدّ أذنه، و صَمَّمَ في الأمر: مضى فيه غير مصغ إلى من يردعه، كأنه أَصَمُّ، و الصَّمَّانُ: أرض غليظة، و اشتمالُ الصَّمَّاءِ: ما لا يبدو منه شي‏ءٌ.
صمد
الصَّمَدُ: السَّيِّدُ: الذي يُصْمَدُ إليه في الأمر، و صَمَدَهُ: قصد معتمدا عليه قصده، و قيل:
الصَّمَدُ الذي ليس بأجوف، و الذي ليس بأجوف شيئان: أحدهما لكونه أدون من الإنسان كالجمادات، و الثاني أعلى منه، و هو الباري و الملائكة، و القصد بقوله: اللَّهُ الصَّمَدُ [الإخلاص/ 2]، تنبيها أنه بخلاف من أثبتوا له‏
__________________________________________________
 (1) و مثله قول عمر رضي اللّه عنه: الموسم كثير، و الحج قليل، ذكره المؤلف في مقدمة تفسيره ص 157.
 (2) قال البقاعي: و لمّا كانت الصلاة من أجلّ ما عهد فيه من أمر الدين و آكده، و هي من الأمور الخفية التي وقع الائتمان عليها، لما خفف اللّه فيها على هذه الأمة بإيساع زمانها و مكانها قال: و الّذين هم على صلواتهم التي وصفوا بالخشوع فيها يحافظون أي: يجدّدون تعهدها بغاية جهدهم، لا يتركون شيئا من مفروضاتها و لا مسنوناتها، و يجتهدون في كمالاتها. ا. ه. نظم الدرر: 13/ 109.
 (3) انظر الأمثال ص 346، و مجمع الأمثال 1/ 393، و المستقصى 2/ 142.

492
مفردات ألفاظ القرآن

صمد ص 492

الإلهيّة، و إلى نحو هذا أشار بقوله: وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ [المائدة/ 75] «1».
صمع‏
الصَّوْمَعَةُ: كلّ بناء مُتَصَمِّعِ الرّأسِ، أي:
متلاصقه، و جمعها صَوَامِعُ. قال تعالى:
لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَ بِيَعٌ‏ [الحج/ 40]، و الْأَصْمَعُ: اللاصق أذنه برأسه، و قلبٌ أَصْمَعُ:
جري‏ءٌ، كأنه بخلاف من قال اللّه فيهم:
وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم/ 43]، و الصَّمْعَاءُ:
البُهْمَى قبل أن تتفقّأ «2»، و كلابٌ صُمُعُ الكُعُوبِ:
ليسوا بأجوفها.
صنع‏
الصُّنْعُ: إجادةُ الفعل، فكلّ صُنْعٍ فِعْلٌ، و ليس كلّ فعل صُنْعاً، و لا ينسب إلى الحيوانات و الجمادات كما ينسب إليها الفعل. قال تعالى:
صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ [سورة النمل/ 88]، وَ يَصْنَعُ الْفُلْكَ‏ [هود/ 38]، وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ‏ [هود/ 37]، أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف/ 104]، صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ‏ [الأنبياء/ 80]، تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ‏ [الشعراء/ 129]، لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ‏ [المائدة/ 63]، حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها [هود/ 16]، تَلْقَفْ ما صَنَعُوا، إِنَّما صَنَعُوا [طه/ 69]، وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ‏ [العنكبوت/ 45]، و للإجادة يقال للحاذق المُجِيدِ: صَنَعٌ، و للحاذقة المُجِيدَةِ: صَنَاعٌ «3»، و الصَّنِيعَةُ: ما اصْطَنَعْتُهُ من خيرٍ، و فرسٌ صَنِيعٌ: أُحْسِنَ القيامُ عليه. و عبّر عن الأمكنة الشّريفة بِالْمَصَانِعِ. قال تعالى: وَ تَتَّخِذُونَ مَصانِعَ‏ [الشعراء/ 129]، و كنّي بالرّشوة عن الْمُصَانَعَةِ، و الِاصْطِنَاعُ: المبالغة في إصلاح الشي‏ء، و قوله: وَ اصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي‏ [طه/ 41]، وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَيْنِي‏ [طه/ 39]، إشارة إلى نحو ما
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْداً تَفَقَّدَهُ كَمَا يَتَفَقَّدُ الصَّدِيقُ صَدِيقَهُ).
صنم‏
الصَّنَمُ: جُثَّةٌ متّخذة من فضّة، أو نحاس، أو خشب، كانوا يعبدونها متقرّبين به إلى اللّه تعالى، و جمعه: أَصْنَامٌ. قال اللّه تعالى: أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً [الأنعام/ 74]، لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ‏ [الأنبياء/ 57]،
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَشْغَلُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ‏
__________________________________________________
 (1) و موضع الإشارة أن في هذه الآية كناية، لأنّ من يأكل الطّعام لا بدّ له من قضاء الحاجة، و من كان كذلك لا يكون إلها.
 (2) تفقأت البهمى تفقؤا: انشقّت لفائفها عن نورها. اللّسان (فقأ).
 (3) انظر: اللّسان (صنع).

493
مفردات ألفاظ القرآن

صنم ص 493

لَهُ: صَنَمٌ.
و على هذا الوجه قال إبراهيم صلوات اللّه عليه: اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ‏ [إبراهيم/ 35]، فمعلوم أنّ إبراهيم مع تحقّقه بمعرفة اللّه تعالى، و اطّلاعه على حكمته لم يكن ممّن يخاف أن يعود إلى عبادة تلك الجثث التي كانوا يعبدونها، فكأنّه قال: اجنبني عن الاشتغال بما يصرفني عنك.
صنو
الصِّنْوُ: الغصنُ الخارج عن أصل الشّجرة، يقال: هُمَا صِنْوَا نخلةٍ، و فلانٌ صِنْوُ أبيه، و التّثنية: صِنْوَانِ، و جمعه صِنْوَانٌ «1». قال تعالى:
صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ‏ [الرعد/ 4].
صهر
الصِّهْرُ: الختنُ، و أهل بيت المرأة يقال لهم الْأَصْهَارُ، كذا قال الخليل «2». قال ابن الأعرابيّ: الْإِصْهَارُ: التَّحَرُّمُ بجوارٍ، أو نسب، أو تزوّج، يقال: رجلٌ مُصْهِرٌ: إذا كان له تحرّم من ذلك. قال تعالى: فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً [الفرقان/ 54]، و الصَّهْرُ: إذابةُ الشّحمِ. قال تعالى: يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ‏ [الحج/ 20]، و الصُّهَارَةُ: ما ذاب منه، و قال أعرابيّ: لَأَصْهَرَنَّكَ بيمينٍ مُرَّةٍ «3»، أي: لأُذِيبَنَّكَ.
صوب‏
الصَّوَابُ يقال على وجهين: أحدهما: باعتبار الشي‏ء في نفسه، فيقال: هذا صَوَابٌ: إذا كان في نفسه محمودا و مرضيّا، بحسب مقتضى العقل و الشّرع، نحو قولك: تَحَرِّي العدلِ صَوَابٌ، و الكَرَمُ صَوَابٌ. و الثاني: يقال باعتبار القاصد إذا أدرك المقصود بحسب ما يقصده، فيقال: أَصَابَ كذا، أي: وجد ما طلب، كقولك: أَصَابَهُ السّهمُ، و ذلك على أضرب:
الأوّل: أن يقصد ما يحسن قصده فيفعله، و ذلك هو الصَّوَابُ التّامُّ المحمودُ به الإنسان.
و الثاني: أن يقصد ما يحسن فعله، فيتأتّى منه غيره لتقديره بعد اجتهاده أنّه صَوَابٌ، و ذلك هو المراد
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ» «4».
و
رُوِيَ «الْمُجْتَهِدُ مُصِيبٌ وَ إِنْ أَخْطَأَ
__________________________________________________
 (1) قال أبو زيد: هاتان نخلتان صنوان، و نخيل صنوان و أصناء، و يقال للاثنين: قنوان و صنوان، و للجماعة: قنوان و صنوان. اللّسان (صنا).
 (2) انظر: العين 3/ 411.
 (3) انظر: أساس البلاغة ص 261، و المجمل 2/ 543، و اللّسان (صهر).
 (4) هذه قاعدة فقهية، و ليست حديثا. و هي ظاهر قول مالك و أبي حنيفة.
و معناها: كلّ مجتهد في الفروع الّتي لا قاطع فيها مصيب في اجتهاده، و ليست على إطلاقها، إذ لا يجوز أن.

494
مفردات ألفاظ القرآن

صوب ص 494

فَهَذَا لَهُ أَجْرٌ» «1».
كما
رُوِيَ: «مَنِ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَ مَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» «2».
و الثالث: أن يقصد صَوَاباً، فيتأتّى منه خطأ لعارض من خارج، نحو من يقصد رمي صيد، فَأَصَابَ إنسانا، فهذا معذور.
و الرّابع: أن يقصد ما يقبح فعله، و لكن يقع منه خلاف ما يقصده، فيقال: أخطأ في قصده، و أَصَابَ الذي قصده، أي: وجده، و الصَّوْبُ:
الْإِصَابَةُ: يقال: صَابَهُ و أَصَابَهُ، و جُعِلَ الصَّوْبُ لنزول المطر إذا كان بقدر ما ينفع، و إلى هذا القدر من المطر أشار بقوله: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ [المؤمنون/ 18]، قال الشاعر:
285-
         فسقى ديارك غير مفسدها             صَوْبُ الرّبيعِ و دِيمَةٌ تهمي «3»

و الصَّيِّبُ: السّحابُ المختصّ بالصَّوْبِ، و هو فيعل من: صَابَ يَصُوبُ. قال الشاعر: 286-
         فكأنما صَابَتْ عليه سحابة «4»
و قوله: أَوْ كَصَيِّبٍ‏ [البقرة/ 19]، قيل:
هو السّحاب، و قيل: هو المطر، و تسميته به كتسميته بالسّحاب، و أَصَابَ السّهمَ: إذا وصل إلى المرمى بالصَّوَابِ، و الْمُصِيبَةُ أصلها في الرّمية، ثم اختصّت بالنّائبة نحو: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها [آل عمران/ 165]، فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ [النساء/ 62]، وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ‏ [آل عمران/ 166]، وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ‏ [الشورى/ 30]، و أَصَابَ: جاء في الخير و الشّرّ. قال تعالى:
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ [التوبة/ 50]، وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ‏ [النساء/ 73]، فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ [النور/ 43]، فَإِذا أَصابَ بِهِ‏

__________________________________________________
يقال: كلّ مجتهد في الأصول الكلامية- أي: العقائد الدينية- مصيب، لأنّ ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضلالة من النصارى القائلين بالتثليث، و الثنوية من المجوس في قولهم بالأصلين للعالم: النور و الظلمة، و الكفار في نفيهم التوحيد، و بعثة الرسل، و المعاد في الآخرة. انظر: لطائف الإشارات شرح منظومة الورقات في الأصول ص 59، و اللمع ص 358.
 (1) المرويّ في ذلك عن عمرو بن العاص أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، و إن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» متفق عليه: البخاري 13/ 318 كتاب الاعتصام، مسلم (1342) كتاب الأقضية.
 (2) المرويّ في ذلك عن عمرو بن العاص أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، و إن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد» متفق عليه: البخاري 13/ 318 كتاب الاعتصام، مسلم (1342) كتاب الأقضية.
 (3) البيت لطرفة بن العبد، في ديوانه ص 88، و البصائر 3/ 448.
 (4) هذا شطر بيت، و عجزه:
         صواعقها لطيرهنّ دبيب‏

و هو لعلقمة بن عبدة من مفضليته التي مطلعها:
         طحا بك قلب في الحسان طروب             بعيد الشباب عصر حان مشيب‏

و هو في المفضليات ص 395، و اللسان (صوب).

495
مفردات ألفاظ القرآن

صوب ص 494

مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [الروم/ 48]، قال:
الْإِصَابَةُ في الخير اعتبارا بالصَّوْبِ، أي:
بالمطر، و في الشّرّ اعتبارا بِإِصَابَةِ السّهمِ، و كلاهما يرجعان إلى أصل.
صوت‏
الصَّوْتُ: هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين، و ذلك ضربان: صَوْتٌ مجرّدٌ عن تنفّس بشي‏ء كَالصَّوْتِ الممتدّ، و تنفّس بِصَوْتٍ ما.
و المتنفّس ضربان: غير اختياريّ: كما يكون من الجمادات و من الحيوانات، و اختياريّ: كما يكون من الإنسان، و ذلك ضربان: ضرب باليد كصَوْتِ العود و ما يجري مجراه، و ضرب بالفم.
و الذي بالفم ضربان: نطق و غير نطق، و غير النّطق كصَوْتِ النّاي، و النّطق منه إما مفرد من الكلام، و إمّا مركّب، كأحد الأنواع من الكلام. قال تعالى: وَ خَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه/ 108]، و قال: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان/ 19]، لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ‏ [الحجرات/ 2]، و تخصيص الصَّوْتِ بالنّهي لكونه أعمّ من النّطق و الكلام، و يجوز أنه خصّه لأنّ المكروه رفع الصَّوْتِ فوقه، لا رفع الكلام، و رجلٌ صَيِّتٌ: شديد الصَّوْتِ، و صَائِتٌ: صائح، و الصِّيتُ خُصَّ بالذّكر الحسن، و إن كان في الأصل انتشار الصَّوْتِ.
و الْإِنْصَاتُ: هو الاستماع إليه مع ترك الكلام.
قال تعالى: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا [الأعراف/ 204]، و قال: يقال للإجابة إِنْصَاتٌ، و ليس ذلك بشي‏ء، فإنّ الإجابة تكون بعد الإِنْصَاتِ، و إن استعمل فيه فذلك حثّ على الاستماع لتمكّن الإجابة.
صاح‏
الصَّيْحَةُ: رفع الصّوت. قال تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً* [يس/ 29]، يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ‏ [ق/ 42]، أي:
النّفخ في الصّور، و أصله: تشقيق الصّوت، من قولهم: انْصَاحَ الخشبُ، أو الثّوب، إذا انشقّ، فسمع منه صوت، و صِيحَ الثّوبُ إذا انشقّ، كذلك، و يقال: بأرض فلان شجر قد صَاحَ: إذا طال فتبيّن للنّاظر لطوله، و دلّ على نفسه دلالة الصَّائِحِ على نفسه بصوته، و لمّا كانت الصَّيْحَةُ قد تفزع عبّر بها عن الفزع في قوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ‏ [الحجر/ 73]، و الصَّائِحَةُ:
صَيْحَةُ المناحة، و يقال: ما ينتظرون إلّا مثل صَيْحَةِ الحبلى «1»، أي: شرّا يعاجلهم، و الصَّيْحَانِيُّ: ضربٌ من التّمر.
صيد
الصَّيْدُ: مصدرُ صَادَ، و هو تناول ما يظفر به‏
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (صيح)، و عمدة الحفاظ: صيح.

496
مفردات ألفاظ القرآن

صيد ص 496

ممّا كان ممتنعا، و في الشّرع: تناول الحيوانات الممتنعة ما لم يكن مملوكا، و المتناول منه ما كان حلالا، و قد يسمّى الْمَصِيدُ صَيْداً بقوله: أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ [المائدة/ 96]، أي: اصْطِيَادُ ما في البحر، و أما قوله: لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ‏ [المائدة/ 95]، و قوله: وَ إِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة/ 2]، و قوله: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ‏ [المائدة/ 1]، فإنّ الصَّيْدَ في هذه المواضع مختصّ بما يؤكل لحمه فيما قال بدلالة ما
رُوِيَ: «خَمْسَةٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ وَ الْحَرَمِ: الْحَيَّةُ وَ الْعَقْرَبُ وَ الْفَأْرَةُ وَ الذِّئْبُ وَ الْكَلْبُ الْعَقُورُ» «1».
و الْأَصْيَدُ: من في عنقه ميل، و جعل مثلا للمتكبّر. و الصِّيدَانُ برامُ الأحجارِ، قال:
287-
         و سود من الصِّيدَانِ فيها مذانب «2»
و قيل له: صَادٌ، قال:
288-
         رأيت قدورَ الصَّادِ حول بيوتنا «3»
و قيل في قوله تعالى: ص وَ الْقُرْآنِ [ص/ 1]، هو الحروف، و قيل: تلقّه بالقبول، من:
صَادَيْتُ كذا، و اللّه أعلم.
صور
الصُّورَةُ: ما ينتقش به الأعيان، و يتميّز بها غيرها، و ذلك ضربان: أحدهما محسوس يدركه الخاصّة و العامّة، بل يدركه الإنسان و كثير من الحيوان، كَصُورَةِ الإنسانِ و الفرس، و الحمار بالمعاينة، و الثاني: معقول يدركه الخاصّة دون العامّة، كَالصُّورَةِ التي اختصّ الإنسان بها من العقل، و الرّويّة، و المعاني التي خصّ بها شي‏ء بشي‏ء، و إلى الصُّورَتَيْنِ أشار بقوله تعالى: ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ‏ [الأعراف/ 11]، وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ* [غافر/ 64]، و قال: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ‏ [الانفطار/ 8]، يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ‏ [آل عمران/ 6]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» «4».
فَالصُّورَةُ أراد بها ما خصّ الإنسان بها من الهيئة المدركة بالبصر و البصيرة، و بها فضّله‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عائشة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحلّ و الحرم: الحيّة، و الغراب الأبقع، و الفأرة، و الكلب العقور، و الحديّا» أخرجه مسلم 1198 في الحج، باب ما يندب للمحرم و غيره قتله، و أحمد 6/ 33.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         نضار إذا لم نستفدها نعارها

و هو في ديوان الهذليين 1/ 27، و المجمل 2/ 547، و أساس البلاغة ص 263.
 (3) هذا شطر بيت، و عجزه:
         قنابل دهما في المحلّة صيّما

و هو لحسان بن ثابت في ديوانه ص 220، و المجمل 2/ 547، و أساس البلاغة ص 263.
 (4) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإنّ اللّه خلق آدم على صورته».

497
مفردات ألفاظ القرآن

صور ص 497

على كثير من خلقه، و إضافته إلى اللّه سبحانه على سبيل الملك، لا على سبيل البعضيّة و التّشبيه، تعالى عن ذلك، و ذلك على سبيل التشريف له كقوله: بيت اللّه، و ناقة اللّه، و نحو ذلك. قال تعالى: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي* [الحجر/ 29]، وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
 [النمل/ 87]، فقد قيل: هو مثل قرن ينفخ فيه، فيجعل اللّه سبحانه ذلك سببا لعود الصُّوَرِ و الأرواح إلى أجسامها، و
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ الصُّورَ فِيهِ صُورَةُ النَّاسِ كُلِّهِمْ» «1».
و قوله تعالى:
فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصِرْهُنَّ «2» أي: أَمِلْهُنَّ من الصَّوْرِ، أي: الميل، و قيل: قَطِّعْهُنَّ صُورَةً صورة، و قرئ: صُرْهُنَّ «3» و قيل: ذلك لغتان، يقال: صِرْتُهُ و صُرْتُهُ «4»، و قال بعضهم: صُرْهُنَّ، أي: صِحْ بِهِنَّ، و ذكر الخليل أنه يقال: عصفور صَوَّارٌ «5»، و هو المجيب إذا دعي، و ذكر أبو بكر النّقاش «6» أنه قرئ: (فَصُرَّهُنَّ) «7» بضمّ الصّاد و تشديد الرّاء و فتحها من الصَّرِّ، أي:
الشّدّ، و قرئ: (فَصِرَّهُنَّ) «8» من الصَّرِيرِ، أي: الصّوت، و معناه: صِحْ بهنّ. و الصِّوَارُ:
القطيع من الغنم اعتبارا بالقطع، نحو: الصّرمة و القطيع، و الفرقة، و سائر الجماعة المعتبر فيها معنى القطع.
صير
الصِّيرُ: الشِّقُّ، و هو المصدرُ، و منه قرئ:
فَصِرْهُنَّ «9»، و صَارَ إلى كذا: انتهى إليه،
__________________________________________________
أخرجه أحمد 2/ 244.
و عنه أيضا قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «خلق اللّه تعالى آدم على صورته، طوله ستون ذراعا ...» إلخ. أخرجه البخاري في الأنبياء، باب خلق آدم 6/ 362، و مسلم في الجنة برقم (2841).
 (1) قال ابن الأثير: الصّور: هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام عند بعث الموتى إلى المحشر.
و قال بعضهم: إنّ الصور جمع صورة، يريد: صور الموتى ينفخ فيه الأرواح، و الصحيح الأول. قلت: و الذي [استدراك‏] ذكره المؤلف لم يرد في الحديث، و إنما حكاه الجوهري عن الكلبي في قوله تعالى: يوم ينفخ في الصّور* و يقال: هو جمع صورة، مثل: بسر و بسرة، أي: ينفخ في صور الموتى و الأرواح. اللسان (صور).
 (2) سورة البقرة: آية 260، و هي قراءة حمزة و أبي جعفر و رويس بكسر الصاد.
 (3) و هي قراءة الباقي.
 (4) و صرهن من الصّور، و هو القطع، يقال: صار يصير، و قيل: صرهنّ و صرهنّ لغتان. انظر: الحجة للفارسي 2/ 392، و اللسان (صور).
 (5) انظر: المجمل 2/ 545، و العين 7/ 149.
 (6) اسمه محمد بن الحسن، مقرئ مفسر له كتاب (شفاء الصدور في التفسير). توفي 351 ه.
قال الذهبي: متروك ليس بثقة على جلالته و نبله. راجع: غاية النهاية 2/ 119، و طبقات المفسرين للسيوطي ص 80.
 (7) كل منهما قراءة شاذة.
 (8) كل منهما قراءة شاذة.
 (9) تقدّمت الإشارة لها.

498
مفردات ألفاظ القرآن

صير ص 498

و منه: صِيرُ البابِ لِمَصِيرِهِ الذي ينتهي إليه في تنقّله و تحرّكه، قال: وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ* [الشورى/ 15].
و «صَارَ» عبارةٌ عن التّنقل من حال إلى حال.
صاع‏
صُوَاعُ الملكِ: كان إناء يشرب به و يكال به، و يقال له: الصَّاعُ، و يذكّر و يؤنّث. قال تعالى:
نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ‏ [يوسف/ 72]، ثم قال: ثُمَّ اسْتَخْرَجَها [يوسف/ 76]، و يعبّر عن المكيل باسم ما يكال به في‏
قَوْلِهِ: «صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ» «1».
و قيل: الصَّاعُ بطنُ الأرض، قال:
289-
         تكرو بِكَفَّيْ لاعبٍ في صَاعٍ «2»


و قيل: بل الصَّاعُ هنا هو الصَّاعُ يلعب به مع كرة. و تَصَوَّعَ النّبتُ و الشَّعَر: هاج و تفرّق، و الكميُّ يَصُوعُ أقرانَهُ «3»، أي: يفرِّقُهم.
صوغ‏
قرئ: (صَوْغَ الملكِ) «4» يذهب به إلى أنه كان مَصُوغاً من الذّهب.
صوف‏
قال تعالى: وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى‏ حِينٍ‏ [النحل/ 80]، و أخذ بِصُوفَةِ قفاه، أي: بشعره النابت، و كبش صَافٍ، و أَصْوَفُ، و صَائِفٌ: كثيرُ الصُّوفِ.
و الصُّوفَةُ «5»: قومٌ كانوا يخدمون الكعبة، فقيل:
سمّوا بذلك لأنّهم تشبّكوا بها كتشبّك الصُّوفِ بما نبت عليه، و الصُّوفَانُ: نبت أزغب. و الصُّوفِيُّ قيل: منسوب إلى لبسه الصُّوفَ، و قيل: منسوب إلى الصُّوفَةِ الذين كانوا يخدمون الكعبة لاشتغالهم بالعبادة، و قيل: منسوب إلى الصُّوفَانِ الذي هو نبت، لاقتصادهم و اقتصارهم في الطّعم على ما يجري مجرى الصُّوفَانِ في قلّة الغناء في الغذاء.
صيف‏
الصَّيْفُ: الفصل المقابل للشّتاء. قال تعالى:
رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ‏ [قريش/ 2]، و سمّي المطر الآتي في الصَّيْفِ صَيْفاً، كما سمّي المطر الآتي في الرّبيع ربيعا. و صَافُوا: حصلوا في‏
__________________________________________________
 (1) هذا من قول عبد اللّه بن عمر أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس، صاعا من تمر أو صاعا من شعير، على كل حرّ أو عبد، ذكر أو أنثى من المسلمين. أخرجه مالك في الموطأ 1/ 284، و البخاري 3/ 293 في الزكاة، و مسلم 984 في الزكاة.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         مرحت يداها للنجاء كأنما

و هو للمسيب بن علس في اللسان (صوع)، و الأساس ص 262.
 (3) انظر: المجمل 2/ 545.
 (4) و هي قراءة شاذة.
 (5) الصّوفة: أبو حيّ من مضر، كانوا يخدمون الكعبة في الجاهلية و يجيزون الحاج، أي: يفيضون بهم. اللسان:
صوف.

499
مفردات ألفاظ القرآن

صيف ص 499

الصَّيْفِ، و أَصَافُوا: دخلوا فيه.
صوم‏
الصَّوْمُ في الأصل: الإمساك عن الفعل مطعما كان، أو كلاما، أو مشيا، و لذلك قيل للفرس الممسك عن السّير، أو العلف: صَائِمٌ.
قال الشاعر:
290-
         خيل صِيَامٌ و أخرى غير صَائِمَةٍ «1»
و قيل للرّيح الرّاكدة: صَوْمٌ، و لاستواء النهار:
صَوْمٌ، تصوّرا لوقوف الشمس في كبد السماء، و لذلك قيل: قام قائم الظّهيرة. و مَصَامُ الفرسِ، و مَصَامَتُهُ: موقفُهُ. و الصَّوْمُ في الشّرع: إمساك المكلّف بالنّية من الخيط الأبيض إلى الخيط الأسود عن تناول الأطيبين، و الاستمناء و الاستقاء، و قوله: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [مريم/ 26]، فقد قيل: عني به الإمساك عن الكلام بدلالة قوله تعالى: فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [مريم/ 26].
صيص‏
قوله تعالى: وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ‏ [الأحزاب/ 26]، أي: حصونهم، و كلّ ما يتحصّن به يقال له:
صِيصَةٌ، و بهذا النّظر قيل لقرن البقر: صِيصَةٌ، و للشّوكة التي يقاتل بها الدّيك: صِيصَةٌ، و اللّه أعلم بمراده و أسرار كتابه.
تمّ كتاب الصاد بتوفيق اللّه تعالى‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         تحت العجاج و أخرى تعلك اللّجما

و هو للنابغة الذبياني في ديوانه ص 112، و اللسان (صوم)، و المجمل 2/ 546.

500
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الضاد

كتاب الضّاد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*، نستعين باللّه تعالى، و هو خير معين، الحمد للّه حق حمده، و الصلاة على خير خلقه، و مظهر حقّه محمد و آله و صحبه «1».
ضبح‏
قال تعالى: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً [العاديات/ 1]، قيل: الضَّبْحُ: صوتُ أنفاس الفرس تشبيها بالضُّبَاحِ، و هو صوت الثّعلب، و قيل: هو الخفيف العدو، و قد يقال ذلك للعدو، و قيل: الضَّبْحُ كالضّبع، و هو مدّ الضّبع في العدو، و قيل: أصله إحراق العود، شبّه عدوه به كتشبيهه بالنار في كثرة حركتها.
ضحك‏
الضَّحِكُ: انبساطُ الوجه و تكشّر الأسنان من سرور النّفس، و لظهور الأسنان عنده سمّيت مقدّمات الأسنان الضَّوَاحِكَ. و استعير الضَّحِكُ للسّخرية، فقيل: ضَحِكْتُ منه، و رجلٌ ضُحَكَةٌ:
يَضْحَكُ من النّاس، و ضُحْكَةٌ: لمن يُضْحَكُ منه «2». قال تعالى: وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ‏ [المؤمنون/ 110]، إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ‏ [الزخرف/ 47]، تَعْجَبُونَ* وَ تَضْحَكُونَ‏ [النجم/ 59- 60]، و يستعمل في السّرور المجرّد نحو: مُسْفِرَةٌ* ضاحِكَةٌ [عبس/ 38- 39]، فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا [التوبة/ 82]، فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً [النمل/ 19]، قال الشاعر:
291-
         يَضْحَكُ الضّبع لقتلى هذيل             و ترى الذّئب لها يستهلّ «3»

و استعمل للتّعجّب المجرّد تارة، و من هذا
__________________________________________________
 (1) زيادة من نسخة المحمودية رقم 218.
 (2) قال الراجز:
         إن ضحكت منك كثيرا فتية             فأنت ضحكة و هم ضحكة
و تقدّم ذلك في مادة (برم) ص 121.
 (3) البيت في اللسان (ضحك)، و هو لتأبّط شرا في ديوانه ص 250.

501
مفردات ألفاظ القرآن

ضحك ص 501

المعنى قَصَدَ مَن قال: الضَّحِكُ يَختصُّ بالإنسان، و ليس يوجد في غيره من الحيوان، قال: و لهذا المعنى قال تعالى: وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَ أَبْكى‏ [النجم/ 43]، وَ امْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ‏ [هود/ 71]، و ضَحِكُهَا كان للتّعجّب بدلالة قوله: أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ [هود/ 73]، و يدلّ على ذلك أيضا قوله: أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ إلى قوله: عَجِيبٌ [هود/ 72]، و قول من قال: حاضت، فليس ذلك تفسيرا لقوله: فَضَحِكَتْ‏
 كما تصوّره بعض المفسّرين «1»، فقال: ضَحِكَتْ بمعنى حاضت، و إنّما ذكر ذلك تنصيصا لحالها، و أنّ اللّه تعالى جعل ذلك أمارة لما بشّرت به، فحاضت في الوقت ليعلم أنّ حملها ليس بمنكر، إذ كانت المرأة ما دامت تحيض فإنها تحبل، و قول الشاعر في صفة روضة:
292-
         يُضَاحِكُ الشمسَ منها كوكب شرِقٌ «2»

فإنّه شبّه تلألؤها بِالضَّحِكِ، و لذلك سمّي البرق العارض ضَاحِكاً، و الحجر يبرق ضَاحِكاً، و سمّي البلح حين يتفتَّقُ ضَاحِكاً، و طريقٌ ضَحُوكٌ: واضحٌ، و ضَحِكَ الغديرُ: تلألأ من امتلائه، و قد أَضْحَكْتُهُ.
ضحى‏
الضُّحَى: انبساطُ الشمس و امتداد النهار، و سمّي الوقت به. قال اللّه عزّ و جل: وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها [الشمس/ 1]، إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات/ 46]، وَ الضُّحى‏* وَ اللَّيْلِ‏ [الضحى/ 1- 2]، وَ أَخْرَجَ ضُحاها [النازعات/ 29]، وَ أَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى‏ [طه/ 59]، و ضَحَى يَضْحَى: تَعَرَّضَ للشمس.
قال: وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى‏ [طه/ 119]، أي: لك أن تتصوّن من حرّ الشمس، و تَضَحَّى: أَكَلَ ضُحًى، كقولك: تغدّى، و الضَّحَاءُ و الغداءُ لطعامهما، و ضَاحِيَةُ كلِّ شي‏ءٍ:
ناحيتُهُ البارزةُ، و قيل للسماء: الضَّوَاحِي و ليلة إِضْحِيَانَةٌ، و ضَحْيَاءُ: مُضيئةٌ إضاءةَ الضُّحَى.
و الْأُضْحِيَّةُ جمعُها أَضَاحِي و قيل: ضَحِيَّةٌ
__________________________________________________
 (1) و في ذلك قال أبو عمرو: و سمعت أبا موسى الحامض يسأل أبا العباس- ثعلبا- عن قوله: فضحكت أي:
حاضت، و قال: إنّه قد جاء في التفسير؟ فقال: ليس في كلام العرب، و التفسير مسلّم لأهل التفسير، فقال له:
فأنت أنشدتنا:
         تضحك الضبع لقتلى هذيل             و ترى الذئب بها يستهلّ‏

فقال أبو العباس: تضحك هاهنا: تكشر. انظر اللسان: ضحك.
 (2) هذا شطر بيت، و عجزه:
         مؤزّر بعميم النبت مكتهل‏

و هو للأعشى في ديوانه ص 145، و أساس البلاغة ص 266.

502
مفردات ألفاظ القرآن

ضحى ص 502

و ضَحَايَا، و أَضْحَاةٌ و أَضْحًى، و تسميتها بذلك في الشّرع‏
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلَاتِنَا هَذِهِ فَلْيُعِدْ» «1».
ضد
قال قوم: الضِّدَّانِ الشيئان اللّذان تحت جنس واحدٍ «2»، و ينافي كلّ واحد منهما الآخر في أوصافه الخاصّة، و بينهما أبعد البعد كالسّواد و البياض، و الشّرّ و الخير، و ما لم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما ضِدَّانِ، كالحلاوة و الحركة. قالوا: و الضِّدُّ هو أحد المتقابلات، فإنّ المتقابلين هما الشيئان المختلفان، اللّذان كلّ واحد قبالة الآخر، و لا يجتمعان في شي‏ء واحد في وقت واحد، و ذلك أربعة أشياء:
الضِّدَّانِ كالبياض و السّواد، و المتناقضان:
كالضّعف و النّصف، و الوجود و العدم، كالبصر و العمى، و الموجبة و السّالبة في الأخبار، نحو: كلّ إنسان هاهنا، و ليس كلّ إنسان هاهنا «3». و كثير من المتكلّمين و أهل اللغة يجعلون كلّ ذلك من الْمُتَضَادَّاتِ، و يقولون: الضِّدَّانِ ما لا يصحّ اجتماعهما في محلّ واحد. و قيل: اللّه تعالى لا ندّ له و لا ضِدَّ، لأنَّ النِّدَّ هو الاشتراك في الجوهر، و الضِّدَّ هو أن يعتقب الشيئان المتنافيان على جنس واحد، و اللّه تعالى منزّه عن أن يكون جوهرا، فإذا لا ضِدَّ له و لا ندّ، و قوله:
وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم/ 82]، أي:
منافين لهم.
ضر
الضُّرُّ: سوءُ الحال، إمّا في نفسه لقلّة العلم و الفضل و العفّة، و إمّا في بدنه لعدم جارحة و نقص، و إمّا في حالة ظاهرة من قلّة مال و جاه، و قوله: فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ [الأنبياء/ 84]، فهو محتمل لثلاثتها، و قوله: وَ إِذا مَسَ‏
__________________________________________________
 (1) عن الأسود بن قيس قال: سمعت جندب بن سفيان يقول: شهدت مع النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم العيد يوم النحر، ثم خطب فقال: «من ذبح قبل أن نصلي فليعد أضحيته، و من لم يذبح فليذبح على اسم اللّه عزّ و جلّ» أخرجه أحمد في المسند 4/ 312.
و أخرجه البزار بلفظ: «من كان ذبح قبل الصلاة فليعد ذبيحته». و فيه بكر بن سليمان البصري، وثقه الذهبي، و بقية رجاله موثقون، انظر: مجمع الزوائد 4/ 27.
 (2) انظر: التعريفات، ص 37.
 (3) قال الأخضري في السّلّم:
         تناقض خلف القضيتين في             كيف، و صدق واحد أمر قفي‏
ثم قال:
         فإن تكن موجبة كلية             نقيضها سالبة جزئية


و التناقض: ثبوت الشي‏ء و سلبه، ففي الكلية: كل إنسان حيوان، بعض الإنسان ليس بحيوان. انظر: إيضاح المبهم من معاني السلم ص 11.

503
مفردات ألفاظ القرآن

ضر ص 503

الْإِنْسانَ الضُّرُّ [يونس/ 12]، و قوله: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى‏ ضُرٍّ مَسَّهُ‏ [يونس/ 12]، يقال: ضَرَّهُ ضُرّاً: جلب إليه ضُرّاً، و قوله: لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً‏ [آل عمران/ 111]، ينبّههم على قلّة ما ينالهم من جهتهم، و يؤمّنهم من ضَرَرٍ يلحقهم نحو: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران/ 120]، وَ لَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً [المجادلة/ 10]، وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 102]، و قال تعالى: وَ يَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَ لا يَنْفَعُهُمْ‏ [البقرة/ 102]، و قال:
يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُ وَ ما لا يَنْفَعُهُ‏ [الحج/ 12]، و قوله: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ‏ [الحج/ 13]. فالأوّل يعنى به الضُّرُّ و النّفع، اللّذان بالقصد و الإرادة، تنبيها أنه لا يقصد في ذلك ضَرّاً و لا نفعا لكونه جمادا. و في الثاني يريد ما يتولّد من الاستعانة به و من عبادته، لا ما يكون منه بقصده، و الضَّرَّاءُ يقابل بالسَّرَّاء و النّعماء، و الضرّ بالنّفع. قال تعالى: وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ [هود/ 10]، وَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً [الفرقان/ 3]، و رجلٌ ضَرِيرٌ: كناية عن فقد بصره، و ضَرِيرُ الوادي: شاطئه الذي ضَرَّهُ الماءُ، و الضَّرِيرُ:
المَضَارُّ، و قد ضَارَرْتُهُ. قال تعالى: وَ لا تُضآرُّوهُنَ‏ [الطلاق/ 6]، و قال: وَ لا يُضَارَّ كاتِبٌ وَ لا شَهِيدٌ [البقرة/ 282]، يجوز أن يكون مسندا إلى الفاعل، كأنه قال: لا يُضَارِرْ، و أن يكون مفعولا، أي: لا يُضَارَرْ، بأن يشعل عن صنعته و معاشه باستدعاء شهادته، و قال:
لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها [البقرة/ 233]، فإذا قرئ بالرّفع فلفظه خبر و معناه أمر، و إذا فتح فأمر «1». قال تعالى: ضِراراً لِتَعْتَدُوا [البقرة/ 231]، و الضَّرَّةُ أصلُها الفَعْلة التي تَضُرُّ، و سمّي المرأتان تحت رجل واحد كلّ واحدة منهما ضَرَّةٌ، لاعتقادهم أنّها تَضُرُّ بالمرأة الأخرى، و لأجل هذا النّظر منهم‏
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ:
 «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي صَحْفَتِهَا» «2».
و الضَّرَّاءُ: التّزويج بِضَرَّةٍ، و رجلٌ مُضِرٌّ: ذو زوجين فصاعدا. و امرأةٌ مُضِرٌّ: لها ضَرَّةٌ. و الِاضْطِرَارُ: حمل الإنسان على ما يَضُرُّهُ، و هو في التّعارف حمله على أمر يكرهه، و ذلك على ضربين:
__________________________________________________
 (1) قرأ: لا تضارّ بالرفع ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب، و قرأ أبو جعفر بسكونها مخففة و الباقون بفتح الراء. انظر:
الإتحاف ص 158، و الحجة للفارسي 2/ 333.
 (2) الحديث عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها و لتنكح، فإنما لها ما قدّر لها» أخرجه مالك في الموطأ (انظر: تنوير الحوالك 3/ 93 جامع ما جاء في القدر)، و البخاري 11/ 432 في القدر، و مسلم (1408) في النكاح.

504
مفردات ألفاظ القرآن

ضر ص 503

أحدهما: اضطرار بسبب خارج كمن يضرب، أو يهدّد، حتى يفعل منقادا، و يؤخذ قهرا، فيحمل على ذلك كما قال: ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى‏ عَذابِ النَّارِ [البقرة/ 126]، ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى‏ عَذابٍ غَلِيظٍ [لقمان/ 24].
و الثاني: بسبب داخل و ذلك إمّا بقهر قوّة له لا يناله بدفعها هلاك، كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار، و إمّا بقهر قوّة يناله بدفعها الهلاك، كمن اشتدّ به الجوع فَاضْطُرَّ إلى أكل ميتة، و على هذا قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ* [البقرة/ 173]، فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ [المائدة/ 3]، و قال: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ‏ [النمل/ 62]، فهو عامّ في كلّ ذلك، و الضَّرُورِيُّ يقال على ثلاثة أضرب:
أحدها: إما يكون على طريق القهر و القسر، لا على الاختيار كالشّجر إذا حرّكته الرّيح الشّديدة.
و الثاني: ما لا يحصل وجوده إلّا به نحو الغذاء الضَّرُورِيِّ للإنسان في حفظ البدن.
و الثالث: يقال فيما لا يمكن أن يكون على خلافه، نحو أن يقال: الجسم الواحد لا يصحّ حصوله في مكانين في حالة واحدة بِالضَّرُورَةِ.
و قيل: الضَّرَّةُ أصلُ الأنملة، و أصلُ الضّرع، و الشّحمةُ المتدلّيةُ من الألية.
ضرب‏
الضَّرْبُ: إيقاعُ شي‏ءٍ على شي‏ء، و لتصوّر اختلاف الضّرب خولف بين تفاسيرها، كَضَرْبِ الشي‏ءِ باليد، و العصا، و السّيف و نحوها، قال:
فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ‏ [الأنفال/ 12]، فَضَرْبَ الرِّقابِ‏ [محمد/ 4]، فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها [البقرة/ 73]، أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ [الأعراف/ 160]، فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ‏ [الصافات/ 93]، يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ* [محمد/ 27]، و ضَرْبُ الأرضِ بالمطر، و ضَرْبُ الدّراهمِ، اعتبارا بِضَرْبِ المطرقةِ، و قيل له: الطّبع، اعتبارا بتأثير السّمة فيه، و بذلك شبّه السّجيّة، و قيل لها: الضَّرِيبَةُ و الطَّبِيعَةُ. و الضَّرْبُ في الأَرْضِ: الذّهاب فيها و ضَرْبُهَا بالأرجلِ.
قال تعالى: وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ‏ [النساء/ 101]، وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ‏ [آل عمران/ 156]، و قال: لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ‏ [البقرة/ 273]، و منه: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ [طه/ 77]، و ضَرَبَ الفحلُ الناقةَ تشبيها بالضَّرْبِ بالمطرقة، كقولك: طَرَقَهَا، تشبيها بالطّرق بالمطرقة، و ضَرَبَ الخيمةَ بضرب أوتادها بالمطرقة، و تشبيها بالخيمة قال: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ* [آل عمران/ 112]، أي:

505
مفردات ألفاظ القرآن

ضرب ص 505

التحفتهم الذّلّة التحاف الخيمة بمن ضُرِبَتْ عليه، و على هذا: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ [آل عمران/ 112]، و منه استعير: فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً [الكهف/ 11]، و قوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ [الحديد/ 13]، و ضَرْبُ العودِ، و الناي، و البوق يكون بالأنفاس، و ضَرْبُ اللَّبِنِ بعضِهِ على بعض بالخلط، و ضَرْبُ المَثلِ هو من ضَرْبِ الدّراهمِ، و هو ذكر شي‏ء أثره يظهر في غيره. قال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا* [الزمر/ 29]، وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا* [الكهف/ 32]، ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ‏ [الروم/ 28]، وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ* [الروم/ 58]، وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا [الزخرف/ 57]، ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا [الزخرف/ 58]، وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الكهف/ 45]، أَ فَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً [الزخرف/ 5].
و الْمُضَارَبَةُ: ضَرْبٌ من الشَّرِكَةِ. و الْمُضَرَّبَةُ:
ما أُكْثِرَ ضربُهُ بالخياطة. و التَّضْرِيبُ: التّحريضُ، كأنه حثّ على الضَّرْبِ الذي هو بعد في الأرض، و الِاضْطِرَابُ: كثرةُ الذّهاب في الجهات من الضّرب في الأرض، و اسْتِضْرَابُ الناقةِ: استدعاء ضرب الفحل إيّاها.
ضرع‏
الضَّرْعُ: ضَرْعُ الناقةِ، و الشاة، و غيرهما، و أَضْرَعَتِ الشاةُ: نزل اللّبن في ضَرْعِهَا لقرب نتاجها، و ذلك نحو: أتمر، و ألبن: إذا كثر تمره و لبنه، و شاةٌ ضَرِيعٌ: عظيمةُ الضَّرْعِ، و أما قوله:
لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ‏ [الغاشية/ 6]، فقيل: هو يَبِيسُ الشَّبْرَقِ «1»، و قيل: نباتٌ أحمرُ منتنُ الرّيحِ يرمي به البحر، و كيفما كان فإشارة إلى شي‏ء منكر. و ضَرَعَ إليهم: تناول ضَرْعَ أُمِّهِ، و قيل منه: ضَرَعَ الرّجلُ ضَرَاعَةً:
ضَعُفَ و ذَلَّ، فهو ضَارِعٌ، و ضَرِعٌ، و تَضَرَّعَ:
أظهر الضَّرَاعَةَ. قال تعالى: تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً* [الأنعام/ 63]، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ‏ [الأنعام/ 42]، لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ‏ [الأعراف/ 94]، أي: يَتَضَرَّعُونَ فأدغم، فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا [الأنعام/ 43]، و الْمُضَارَعَةُ أصلُها:
التّشارك في الضَّرَاعَةِ، ثمّ جرّد للمشاركة، و منه استعار النّحويّون لفظَ الفعلِ الْمُضَارِعِ.
ضعف‏
الضَّعْفُ: خلافُ القوّة، و قد ضَعُفَ فهو
__________________________________________________
 (1) الشّبرق بالكسر: شجر منبته نجد و تهامة، و ثمرته شاكة، و القول الذي ذكره المؤلف هو لأبي عبيدة في المجاز 2/ 296.
و قالوا: إذا يبس الضريع فهو الشبرق. و قال الزجاج: الشبرق: جنس من الشوك، إذا كان رطبا فهو شبرق، فإذا يبس فهو الضريع. انظر: اللسان (شبرق).

506
مفردات ألفاظ القرآن

ضعف ص 506

ضَعِيفٌ. قال عزّ و جلّ: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ‏ [الحج/ 73]، و الضَّعْفُ قد يكون في النّفس، و في البدن، و في الحال، و قيل:
الضَّعْفُ و الضُّعْفُ لغتان «1». قال تعالى: وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً [الأنفال/ 66]، قال: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [القصص/ 5]، قال الخليل رحمه اللّه: الضُّعْفُ بالضم في البدن، و الضَّعْفُ في العقل و الرّأي «2»، و منه قوله تعالى: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً [البقرة/ 282]، و جمع الضَّعِيفِ:
ضِعَافٌ، و ضُعَفَاءُ. قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ [التوبة/ 91]، و اسْتَضْعَفْتُهُ: وجدتُهُ ضَعِيفاً، قال وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ‏ [النساء/ 75]، قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ‏ [النساء/ 97]، إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي‏ [الأعراف/ 150]، و قوبل بالاستكبار في قوله:
قالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا [سبأ/ 33]، و قوله: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ‏ «3» ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً [الروم/ 54]. و الثاني غير الأوّل، و كذا الثالث فإن قوله: خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ‏ [الروم/ 54]، أي: من نطفة، أو من تراب، و الثاني هو الضَّعْفُ الموجودُ في الجنين و الطّفل. الثالث: الذي بعد الشّيخوخة، و هو المشار إليه بأرذل العمر. و القوّتان الأولى هي التي تجعل للطّفل من التّحرّك، و هدايته و استدعاء اللّبن، و دفع الأذى عن نفسه بالبكاء، و القوّة الثانية هي التي بعد البلوغ، و يدلّ على أنّ كلّ واحد من قوله: (ضَعْفٍ) إشارةٌ إلى حالة غير الحالة الأولى ذكره منكّرا، و المنكّر متى أعيد ذكره و أريد به ما تقدّم عرّف «4»، كقولك: رأيت رجلا، فقال لي الرّجل: كذا. و متى ذكر ثانيا منكّرا أريد به غير الأوّل، و لذلك‏
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشَّرْحِ/ 5- 6]، لَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ «5».
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 2/ 562، و البصائر 3/ 474.
 (2) انظر: العين 1/ 281.
 (3) قال قتادة: خلقكم من ضعف قال: من النطفة، ثمّ جعل من بعد قوّة ضعفا قال: الهرم. راجع: اللسان (ضعف)، و الدر المنثور 6/ 501.
 (4) و هذا حسب القاعدة: إنّ النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى، و إذا أعيدت معرفة، أو أعيدت المعرفة معرفة، أو نكرة كان الثاني عين الأول.
قال ابن هشام: فإذا ادعي أنّ القاعدة فيهنّ إنما هي مستمرة مع عدم القرينة، فأمّا إن وجدت قرينة فالتعويل عليها، سهل الأمر. راجع: مغني اللبيب ص 863.
 (5) يروى هذا عن ابن مسعود كما أخرجه عنه عبد الرزاق و سعيد بن منصور و عبد بن حميد، و ابن أبي الدنيا في الصبر،.

507
مفردات ألفاظ القرآن

ضعف ص 506

و قوله: وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً [النساء/ 28]، فَضَعْفُهُ: كثرةُ حاجاته التي يستغني عنها الملأ الأعلى، و قوله: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً [النساء/ 76]، فَضَعْفُ كيدِهِ إنما هو مع من صار من عباد اللّه المذكورين في قوله:
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ* [الإسراء/ 65]، و الضِّعْفُ هو من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدهما وجود الآخر، كالنّصف و الزّوج، و هو تركّب قدرين متساويين، و يختصّ بالعدد، فإذا قيل: أَضْعَفْتُ الشي‏ءَ، و ضَعَّفْتُهُ، و ضَاعَفْتُهُ: ضممت إليه مثله فصاعدا. قال بعضهم: ضَاعَفْتُ أبلغ من ضَعَّفْتُ «1»، و لهذا قرأ أكثرهم: يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ‏ [الأحزاب/ 30]، وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها [النساء/ 40]، و قال: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها [الأنعام/ 160]، و الْمُضَاعَفَةُ على قضيّة هذا القول تقتضي أن يكون عشر أمثالها، و قيل: ضَعَفْتُهُ بالتّخفيف ضَعْفاً، فهو مَضْعُوفٌ، فَالضَّعْفُ مصدرٌ، و الضِّعْفُ اسمٌ، كالثَّنْيِ و الثِّنْيِ «2»، فَضِعْفُ الشي‏ءِ هو الّذي يُثَنِّيهِ، و متى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد و مثله، نحو أن يقال: ضِعْفُ العشرةِ، و ضِعْفُ المائةِ، فذلك عشرون و مائتان بلا خلاف، و على هذا قول الشاعر:
293-
         جزيتك ضِعْفَ الودِّ لمّا اشتكيته             و ما إن جزاك الضِّعْفَ من أحد قبلي «3»

و إذا قيل: أعطه ضِعْفَيْ واحدٍ، فإنّ ذلك اقتضى الواحد و مثليه، و ذلك ثلاثة، لأن معناه الواحد و اللّذان يزاوجانه و ذلك ثلاثة، هذا إذا كان الضِّعْفُ مضافا، فأمّا إذا لم يكن مضافا فقلت: الضِّعْفَيْنِ فإنّ ذلك يجري مجرى الزّوجين في أنّ كلّ واحد منهما يزاوج الآخر،
__________________________________________________
و البيهقي في شعب الإيمان.
و يروى مرفوعا، فقد أخرج عبد الرزاق و ابن جرير و الحاكم و البيهقي عن الحسن قال: خرج النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم فرحا مسرورا و هو يضحك و يقول: «لن يغلب عسر يسرين، فإنّ مع العسر يسرا إنّ مع العسر يسرا».
و أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن مردويه عن الحسن قال: «لما نزلت هذه الآية: إنّ مع العسر يسرا* قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: أبشروا، أتاكم اليسر، لن يغلب عسر يسرين» راجع: الدر المنثور للسيوطي 8/ 550- 551، و المستدرك 2/ 528، و هو مرسل.
 (1) و هذا قول أبي عمرو بن العلاء، فقد قال مكيّ: إنّ أبا عمرو حكى أنّ «ضاعفت» أكثر من «ضعّفت»، لأنّ «ضعّفت» معناه مرتان، و حكى أنّ العرب تقول: ضعّفت درهمك أي: جعلته درهمين، و تقول: ضاعفته، أي: جعلته أكثر من درهمين.
و اللّه يعطي الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. انظر: الكشف عن وجوه القراءات 1/ 300.
 (2) انظر: البصائر 3/ 478.
 (3) البيت لأبي ذويب الهذلي في ديوان الهذليين 1/ 35، و اللسان (ضعف)، و البصائر 3/ 478.

508
مفردات ألفاظ القرآن

ضعف ص 506

فيقتضي ذلك اثنين، لأنّ كلّ واحد منهما يُضَاعِفُ الآخرَ، فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف الضِّعْفَانِ إلى واحد فيثلّثهما، نحو:
ضِعْفَيِ الواحدِ، و قوله: فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ‏ [سبأ/ 37]، و قوله: لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً [آل عمران/ 130]، فقد قيل:
أتى باللّفظين على التأكيد، و قيل: بل الْمُضَاعَفَةُ من الضَّعْفِ لا من الضِّعْفِ، و المعنى: ما يعدّونه ضِعْفاً فهو ضَعْفٌ، أي: نقص، كقوله: وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللَّهِ [الروم/ 39]، و كقوله: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ [البقرة/ 276]، و هذا المعنى أخذه الشاعر فقال:
294-
         زيادة شيب و هي نقص زيادتي «1»

و قوله: فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف/ 38]، فإنهم سألوه أن يعذّبهم عذابا بضلالهم، و عذابا بإضلالهم كما أشار إليه بقوله:
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ [النحل/ 25]، و قوله:
لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَ لكِنْ لا تَعْلَمُونَ‏ [الأعراف/ 38]، أي: لكلّ منهم ضِعْفُ ما لكم من العذاب، و قيل: أي: لكلّ منهم و منكم ضِعْفُ ما يرى الآخر، فإنّ من العذاب ظاهرا و باطنا، و كلّ يدرك من الآخر الظاهر دون الباطن فيقدّر أن ليس له العذاب الباطن.
ضغث‏
الضِّغْثُ: قبضةُ ريحانٍ، أو حشيشٍ أو قُضْبَانٍ، و جمعه: أَضْغَاثٌ. قال تعالى: وَ خُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً [ص/ 44]، و به شبّه الأحلام المختلطة التي لا يتبيّن حقائقها، قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ* [يوسف/ 44]: حزم أخلاط من الأحلام.
ضغن‏
الضِّغْنُ و الضَّغْنُ: الحِقْدُ الشّديدُ، و جمعه:
أَضْغَانٌ. قال تعالى: أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ‏ [محمد/ 29]، و به شبّه الناقة، فقالوا: ذاتُ ضِغْنٍ «2»، و قناةٌ ضَغِنَةٌ: عوجاءُ و الْإِضْغَانُ: الاشتمالُ بالثّوب و بالسّلاح و نحوهما.
ضل‏
الضَّلَالُ: العدولُ عن الطّريق المستقيم، و يضادّه الهداية، قال تعالى: فَمَنِ اهْتَدى‏ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها
 [الإسراء/ 15]، و يقال الضَّلَالُ لكلّ عدولٍ عن المنهج، عمدا كان أو سهوا، يسيرا كان أو كثيرا، فإنّ الطّريق المستقيم الذي هو المرتضى‏
__________________________________________________
 (1) شطر بيت للمتنبي، و عجزه:
          [و قوّة عشق و هي من قوتي ضعف‏].

التبيان شرح الديوان 2/ 283.
 (2) قال ابن فارس: و يقولون: ناقة ذات ضغن: عند نزاعها إلى وطنها.

509
مفردات ألفاظ القرآن

ضل ص 509

صعب جدا،
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «اسْتَقِيمُوا وَ لَنْ تُحْصُوا» «1».
و
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَوْنُنَا مُصِيبِينَ مِنْ وَجْهٍ وَ كَوْنُنَا ضَالِّينَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، فَإِنَّ الِاسْتِقَامَةَ وَ الصَّوَابَ يَجْرِي مَجْرَى الْمُقَرْطِسِ مِنَ الْمَرْمَى، وَ مَا عَدَاهُ مِنَ الْجَوَانِبِ كُلُّهَا ضَلَالٌ.
و لما قلنا
رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّالِحِينَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي مَنَامِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يُرْوَى لَنَا أَنَّكَ قُلْتُ: «شَيَّبَتْنِي سُورَةُ هُودٍ وَ أَخَوَاتُهَا فَمَا الَّذِي شَيَّبَكَ مِنْهَا؟ فَقَالَ: قَوْلُهُ: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ» «2».
و إذا كان الضَّلَالُ تركَ الطّريق المستقيم عمدا كان أو سهوا، قليلا كان أو كثيرا، صحّ أن يستعمل لفظ الضَّلَالِ ممّن يكون منه خطأ ما، و لذلك نسب الضَّلَالُ إلى الأنبياء، و إلى الكفّار، و إن كان بين الضَّلَالَيْنِ بون بعيد، أ لا ترى أنه قال في النّبي صلّى اللّه عليه و سلم: وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى‏ [الضحى/ 7]، أي: غير مهتد لما سيق إليك من النّبوّة. و قال في يعقوب: إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ‏ [يوسف/ 95]، و قال أولاده:
إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ [يوسف/ 8]، إشارة إلى شغفه بيوسف و شوقه إليه، و كذلك:
قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ‏ [يوسف/ 30]، و قال عن موسى عليه السلام: فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضَّالِّينَ‏ [الشعراء/ 20]، تنبيه أنّ ذلك منه سهو، و قوله: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما [البقرة/ 282]، أي: تنسى، و ذلك من النّسيان الموضوع عن الإنسان. و الضَّلَالُ من وجه آخر ضربان: ضَلَالٌ في العلوم النّظريّة، كالضَّلَالِ في معرفة اللّه و وحدانيّته، و معرفة النّبوّة، و نحوهما المشار إليهما بقوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً [النساء/ 136]. و ضَلَالٌ في العلوم العمليّة، كمعرفة الأحكام الشّرعيّة التي هي العبادات، و الضَّلَالُ البعيدُ إشارةٌ إلى ما هو كفر كقوله على ما تقدّم من قوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ [النساء/ 136]، و قوله: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً [النساء/ 167]، و كقوله: فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ [سبأ/ 8]، أي: في عقوبة الضَّلَالِ البعيدِ، و على ذلك قوله: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ [الملك/ 9]، قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَ أَضَلُّوا كَثِيراً وَ ضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ‏ [المائدة/ 77]، و قوله: أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ‏ [السجدة/ 10]، كناية عن الموت و استحالة البدن. و قوله: وَ لَا
__________________________________________________
 (1) الحديث عن ثوبان قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «استقيموا و لن تحصوا، و اعلموا أنّ خير أعمالكم الصلاة، و لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن» أخرجه مالك في الموطأ 1/ 34، و أحمد 5/ 280، و الحاكم 1/ 130، و الدارمي من طرق صحاح 1/ 168.
 (2) الحديث تقدّم في مادة (حصا) ص 241.

510
مفردات ألفاظ القرآن

ضل ص 509

الضَّالِّينَ‏ [الفاتحة/ 7]، فقد قيل: عني بِالضَّالِّينَ النّصارى «1». و قوله: فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى‏ [طه/ 52]، أي: لا يَضِلُّ عن ربّي، و لا يَضِلُّ ربّي عنه: أي: لا يغفله، و قوله: أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ‏ [الفيل/ 2]، أي: في باطل و إِضْلَالٍ لأنفسهم.
و الْإِضْلَالُ ضربان: أحدهما: أن يكون سببه الضَّلَالَ، و ذلك على وجهين: إمّا بأن يَضِلَّ عنك الشي‏ءُ كقولك: أَضْلَلْتُ البعيرَ، أي: ضَلَّ عنّي، و إمّا أن تحكم بِضَلَالِهِ، و الضَّلَالُ في هذين سبب الإِضْلَالِ.
و الضّرب الثاني: أن يكون الْإِضْلَالُ سببا لِلضَّلَالِ، و هو أن يزيّن للإنسان الباطل ليضلّ كقوله: لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَ ما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ‏ [النساء/ 113]، أي يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تَضِلَّ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلّا ما فيه ضَلَالُ أنفسِهِم، و قال عن الشيطان: وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ‏ [النساء/ 119]، و قال في الشّيطان: وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً [يس/ 62]، وَ يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً [النساء/ 60]، وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ [ص/ 26]، و إِضْلَالُ اللّهِ تعالى للإنسان على أحد وجهين:
أحدهما أن يكون سببُهُ الضَّلَالَ، و هو أن يَضِلَّ الإنسانُ فيحكم اللّه عليه بذلك في الدّنيا، و يعدل به عن طريق الجنّة إلى النار في الآخرة، و ذلك إِضْلَالٌ هو حقٌّ و عدلٌ، فالحكم على الضَّالِّ بضَلَالِهِ و العدول به عن طريق الجنّة إلى النار عدل و حقّ.
و الثاني من إِضْلَالِ اللّهِ: هو أنّ اللّه تعالى وضع جبلّة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا، محمودا كان أو مذموما، ألفه و استطابه و لزمه، و تعذّر صرفه و انصرافه عنه، و يصير ذلك كالطّبع الذي يأبى على الناقل، و لذلك قيل: العادة طبع ثان «2». و هذه القوّة في الإنسان فعل إلهيّ، و إذا كان كذلك- و قد ذكر في غير هذا الموضع أنّ كلّ شي‏ء يكون سببا في وقوع فعل- صحّ نسبة ذلك الفعل إليه، فصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى اللّه من هذا الوجه، فيقال: أَضَلَّهُ اللّهُ لا على الوجه الذي يتصوّره الجهلة، و لما قلناه جعل الإِضْلَالَ المنسوب إلى نفسه للكافر و الفاسق دون المؤمن، بل نفى عن نفسه إِضْلَالَ المؤمنِ فقال:
وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ‏ [التوبة/ 115]، فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ‏ [محمد/ 4- 5]، و قال في الكافر
__________________________________________________
 (1) أخرج أحمد و الترمذي و حسّنه و ابن أبي حاتم 1/ 23 عن عديّ بن حاتم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ المغضوب عليهم اليهود، و إنّ الضالين النصارى» انظر: الدر المنثور 1/ 42. المسند 4/ 378.
 (2) انظر: بسط المقال في ذلك في كتاب (الذريعة) للمؤلف ص 38- 39.

511
مفردات ألفاظ القرآن

ضل ص 509

و الفاسق: فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ‏ [محمد/ 8]، وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ‏ [البقرة/ 26]، كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ‏ [غافر/ 74]، وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ‏ [إبراهيم/ 27]، و على هذا النّحو تقليب الأفئدة في قوله: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ [الأنعام/ 110]، و الختم على القلب في قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ [البقرة/ 7]، و زيادة المرض في قوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة/ 10].
ضم‏
الضَّمُّ: الجمعُ بين الشّيئين فصاعدا. قال تعالى: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى‏ جَناحِكَ‏ [طه/ 22]، وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ‏ [القصص/ 32]، و الْإِضْمَامَةُ: جماعة من النّاس أو من الكتب أو الرّيحان أو نحو ذلك «1»، و أسد ضَمْضَمٌ و ضُمَاضِمٌ: يَضُمُّ الشّي‏ءَ إلى نفسه.
و قيل: بل هو المجتمع الخلق، و فرس سبّاقُ الْأَضَامِيمِ: إذا سبق جماعة من الأفراس دفعة واحدة.
ضمر
الضَّامِرُ من الفرس: الخفيف اللّحم من الأعمال لا من الهزال. قال تعالى: وَ عَلى‏ كُلِّ ضامِرٍ [الحج/ 27]، يقال: ضَمَرَ ضُمُوراً «2»، و اضْطَمَرَ فهو مُضْطَمِرٌ، و ضَمَّرْتُهُ أنا، و الْمِضْمَارُ: الموضع الذي يُضْمَرُ فيه. و الضَّمِيرُ:
ما ينطوي عليه القلب، و يدقّ على الوقوف عليه، و قد تسمّى القوّة الحافظة لذلك ضَمِيراً.
ضن‏
قال تعالى: وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ‏ [التكوير/ 24]، أي: ما هو ببخيل، و الضِّنَّةُ هو البخل بالشي‏ء النّفيس، و لهذا قيل: عِلْقُ مَضَنَّةٍ و مَضِنَّةٍ، و فلانٌ ضِنِّي بين أصحابي، أي: هو النّفيس الذي أَضِنُّ به، يقال: ضَنَنْتُ بالشي‏ء ضَنّاً و ضَنَانَةً، و قيل: ضَنِنْتُ «3».
ضنك‏
قال تعالى: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه/ 124]. أي: ضيّقا، و قد ضَنُكَ عيشُهُ، و امرأة ضِنَاكٌ: مُكْتَنِزَةٌ، و الضُّنَاكُ:
الزُّكَامُ، و الْمَضْنُوكُ: المزكوم.
ضاهى‏
قال تعالى: يُضاهِؤُنَ‏ «4» قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا [التوبة/ 30]، أي: يشاكلون، و قيل:
أصله الهمز، و قد قرئ به «5»، و الضَّهْيَاءُ: المرأةُ
__________________________________________________
 (1) في اللسان: الأضاميم: الحجارة، واحدتها: إضمامة، و قد يشبّه بها الجماعات المختلفة من الناس.
 (2) قال السرقسطي: و ضمر الشي‏ء ضمورا: رقّ، و أضمرتك البلاد: غيّبتك. الأفعال 2/ 210.
 (3) ضنّ يضنّ ضنانة و ضنّا: بخل، قال أبو عثمان: و زاد يعقوب: ضننت أضنّ. انظر: الأفعال 2/ 222.
 (4) و هذه قراءة جميع القراء إلا عاصما. انظر: الإتحاف ص 241.
 (5) و به قرأ عاصم.

512
مفردات ألفاظ القرآن

ضاهى ص 512

التي لا تحيض، و جمعه: ضُهًى.
ضير
الضَّيْرُ: المَضَرَّةُ، يقال: ضَارَّهُ و ضرّه. قال تعالى: لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ‏ [الشعراء/ 50]، و قوله: لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران/ 120].
ضيز
قال تعالى: تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى‏ [النجم/ 22]، أي: ناقصة. أصله: فُعْلَى، فكسرت الضّاد للياء، و قيل: ليس في كلامهم فُعْلَى «1».
ضيع‏
ضَاعَ الشي‏ءُ يَضِيعُ ضَيَاعاً، و أَضَعْتُهُ و ضَيَّعْتُهُ.
قال تعالى: لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ‏ [آل عمران/ 195]، إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا [الكهف/ 30]، وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ‏ [البقرة/ 143]، لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* [التوبة/ 120]، و ضَيْعَةُ الرّجلِ: عقاره الذي يَضِيعُ ما لم يفتقد، و جمعه: ضِيَاعٌ، و تَضَيَّعَ الرّيحُ: إذا هبّت هبوبا يُضَيِّعُ ما هبّت عليه.
ضيف‏
أصلُ الضَّيْفِ الميلُ. يقال: ضِفْتُ إلى كذا، و أَضَفْتُ كذا إلى كذا، و ضَافَتِ الشّمسُ للغروب و تَضَيَّفَتْ، و ضَافَ السّهمُ عن الهدف، و تَضَيَّفَ، و الضَّيْفُ: من مال إليك نازلا بك، و صارت الضِّيَافَةُ متعارفة في القرى، و أصل الضَّيْفِ مصدرٌ، و لذلك استوى فيه الواحد و الجمع في عامّة كلامهم، و قد يجمع فيقال:
أَضْيَافٌ، و ضُيُوفٌ، و ضِيفَانٌ. قال تعالى:
ضَيْفِ إِبْراهِيمَ* [الحجر/ 51]، وَ لا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي‏ [هود/ 78]، إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي‏ [الحجر/ 68]، و يقال: اسْتَضَفْتُ فلاناً فَأَضَافَنِي، و قد ضِفْتُهُ ضَيْفاً فأنا ضَائِفٌ و ضَيْفٌ. و تستعمل الْإِضَافَةُ في كلام النّحويّين في اسم مجرور يضمّ إليه اسم قبله، و في كلام بعضهم في كلّ شي‏ء يثبت بثبوته آخر، كالأب و الابن، و الأخ و الصّديق، فإنّ كلّ ذلك يقتضي وجوده وجود آخر، فيقال لهذه: الأسماء الْمُتَضَايِفَةُ.
ضيق‏
الضِّيقُ: ضدّ السّعة، و يقال: الضَّيْقُ أيضا، و الضَّيْقَةُ يستعمل في الفقر و البخل و الغمّ و نحو ذلك. قال تعالى: وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً* [هود/ 77]، أي: عجز عنهم، و قال: وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ‏ [هود/ 12]، وَ يَضِيقُ صَدْرِي‏ [الشعراء/ 13]، ضَيِّقاً حَرَجاً [الأنعام/ 125]، وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ‏ [التوبة/ 25]، وَ ضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ‏

__________________________________________________
 (1) في النعوت لا مطلقا. قال ابن خالويه: ليس في كلام العرب صفة على فعلى. كتاب ليس في كلام العرب ص 256.

513
مفردات ألفاظ القرآن

ضيق ص 513

 [التوبة/ 118]، وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ‏ [النحل/ 127]. كلّ ذلك عبارة عن الحزن، و قوله: وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَ‏ [الطلاق/ 6]، ينطوي على تَضْيِيقِ النفقة و تَضْيِيقِ الصّدر، و يقال في الفقر: ضَاقَ، و أَضَاقَ فهو مُضِيقٌ. و استعمال ذلك فيه كاستعمال الوسع في ضدّه.
ضأن‏
الضَّأْنُ معروفٌ. قال تعالى: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ‏ [الأنعام/ 143]، و أَضْأَنَ الرّجلُ: إذا كثر ضَأْنُهُ، و قيل: الضَّائِنَةُ واحد الضَّأْنِ.
ضوأ
الضَّوْءُ: ما انتشر من الأجسام النّيّرة، و يقال:
ضَاءَتِ النارُ، و أَضَاءَتْ، و أَضَاءَهَا غيرُها. قال تعالى: فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ‏ [البقرة/ 17]، كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ‏ [البقرة/ 20]، يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ [النور/ 35]، يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ [القصص/ 71]، و سَمَّى كُتُبَهُ المُهْتَدَى بها ضِيَاءً في نحو قوله: وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‏ وَ هارُونَ الْفُرْقانَ وَ ضِياءً وَ ذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ‏ [الأنبياء/ 48].
تمّ كتاب الضّاد

514
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الطاء

كتاب الطّاء
طبع‏
الطَّبْعُ: أن تصوّر الشي‏ء بصورة ما، كَطَبْعِ السّكّةِ، و طَبْعِ الدّراهمِ، و هو أعمّ من الختم و أخصّ من النّقش، و الطَّابَعُ و الخاتم: ما يُطْبَعُ و يختم. و الطَّابِعُ: فاعل ذلك، و قيل لِلطَّابَعِ طَابِعٌ، و ذلك كتسمية الفعل إلى الآلة، نحو:
سيف قاطع. قال تعالى: فَطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ‏ [المنافقون/ 3]، كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ [الروم/ 59]، كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى‏ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ‏ [يونس/ 74]، و قد تقدّم الكلام في قوله: خَتَمَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ [البقرة/ 7]، و به اعتبر الطَّبْعُ و الطَّبِيعَةُ التي هي السجيّة، فإنّ ذلك هو نقش النّفس بصورة ما، إمّا من حيث الخلقة، و إمّا من حيث العادة، و هو فيما ينقش به من حيث الخلقة أغلب، و لهذا قيل:
295-
         و تأبى الطِّبَاعُ على الناقل «1»
و طَبِيعَةُ النارِ، و طَبِيعَةُ الدّواءِ: ما سخّر اللّه له من مزاجه. و طَبَعُ السَّيْفِ، صدؤه و دنسه، و قيل:
رجلٌ طَبِعٌ «2»، و قد حمل بعضهم: طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ* [محمد/ 16]، و كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى‏ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ‏ [يونس/ 74]، على ذلك، و معناه: دنّسه، كقوله: بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ [المطففين/ 14]، و قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [المائدة/ 41]، و قيل: طَبَعْتُ المكيالَ: إذا ملأته، و ذلك لكون المل‏ء كالعلامة المانعة من تناول بعض ما فيه، و الطَّبْعُ: الْمَطْبُوعُ، أي: المملوء: قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         يراد من القلب نسيانكم‏

و هو للمتنبي، في ديوانه شرح البرقوقي 3/ 153، و شرح المقامات للشريشي 1/ 244، و مجمع البلاغة 1/ 263.
 (2) قال الزمخشري: و من المجاز: و إنّ فلانا لطمع طبع: دنس الأخلاق. أساس البلاغة 275 مادة: طبع.

515
مفردات ألفاظ القرآن

طبع ص 515

296-
         كروايا الطّبع همّت بالوحل «1»


طبق‏
الْمُطَابَقَةُ من الأسماء المتضايفة، و هو أن تجعل الشي‏ء فوق آخر بقدره، و منه: طَابَقْتُ النّعلَ، قال الشاعر:
297-
         إذا لاوذ الظّلّ القصير بخفّه             و كان طِبَاقَ الخُفِّ أو قَلَّ زائدا «2»

ثم يستعمل الطِّبَاقُ في الشي‏ء الذي يكون فوق الآخر تارة، و فيما يوافق غيره تارة، كسائر الأشياء الموضوعة لمعنيين، ثم يستعمل في أحدهما دون الآخر كالكأس و الرّاوية و نحوهما.
قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً [الملك/ 3]، أي: بعضها فوق بعض، و قوله:
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ‏ [الانشقاق/ 19]، أي: يترقّى منزلا عن منزل، و ذلك إشارة إلى أحوال الإنسان من ترقّيه في أحوال شتّى في الدّنيا، نحو ما أشار إليه بقوله: خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ* [الروم/ 20]، و أحوال شتّى في الآخرة من النشور، و البعث، و الحساب، و جواز الصّراط إلى حين المستقرّ في إحدى الدّارين. و قيل لكلّ جماعة مُتَطَابِقَةٍ: هم في أُمِّ طَبَقٍ «3»، و قيل: الناس طَبَقَاتٌ، و طَابَقْتُهُ على كذا، و تَطَابَقُوا و أَطْبَقُوا عليه، و منه: جوابٌ يُطَابِقُ السّؤالَ. و الْمُطَابَقَةُ في المشي كمشي المقيّد، و يقال لما يوضع عليه الفواكهُ، و لما يوضع على رأس الشي‏ء: طَبَقٌ، و لكلّ فقرة من فقار الظّهر: طَبَقٌ لِتَطَابُقِهَا، و طَبَّقْتُهُ بالسّيف اعتبارا بِمُطَابَقَةِ النّعلِ، و طَبَقُ اللَّيلِ و النهارِ:
ساعاته الْمُطَابِقَةُ، و أَطْبَقْتُ عليه البابَ و رجل عياياءُ طَبَاقَاءُ «4»: لمن انغلق عليه الكلام، من قولهم: أَطْبَقْتُ البابَ، و فحلٌ طَبَاقَاءُ: انْطَبَقَ عليه الضِّرابُ فعجز عنه، و عُبِّرَ عن الدّاهية بِبِنْتِ الطَّبَقِ، و قولهم: وَافَقَ شِنٌّ طَبَقَةً و هما قبيلتان «5».
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         فتولّوا فاترا مشيهم‏

و هو للبيد في ديوانه ص 148، و المجمل 2/ 592، و إصلاح المنطق ص 9.
الروايا: الإبل يحمل عليها الماء. و قيل: الطّبع: النهر هاهنا.
 (2) البيت في البصائر 3/ 496 بلا نسبة، و عمدة الحفاظ (طبق).
 (3) الطّبق: الجماعة من الناس، و الطّبق: الجماعة من الناس يعدلون جماعة مثلهم. اللسان (طبق).
 (4) انظر: المجمل 2/ 592.
 (5) قال ابن الكلبي: طبقة: قبيلة من إياد كانت لا تطاق، فوقع بها شن بن أفصى بن عبد القيس فانتصف منها، و أصابت منه، فصار مثلا للمتفقين في الشدة و غيرها.
و قيل: شنّ: رجل من دهاة العرب، و طبقة: اسم امرأته. انظر: مجمع الأمثال 2/ 359، و الأمثال ص 177.

516
مفردات ألفاظ القرآن

طحا ص 517

طحا
الطَّحْوُ: كالدّحو، و هو بسط الشي‏ء و الذّهاب به. قال تعالى: وَ الْأَرْضِ وَ ما طَحاها [الشمس/ 6]، قال الشاعر:
298-
         طَحَا بك قلب في الحسان طروب «1»
أي: ذهب.
طرح‏
الطَّرْحُ: إلقاء الشي‏ء و إبعاده، و الطَّرُوحُ:
المكان البعيد، و رأيته من طَرْحٍ أي: بُعْدٍ، و الطِّرْحُ: الْمَطْرُوحُ لقلّة الاعتداد به. قال تعالى:
اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً [يوسف/ 9].
طرد
الطَّرْدُ: هو الإزعاج و الإبعاد على سبيل الاستخفاف، يقال: طَرَدْتُهُ، قال تعالى: وَ يا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ‏ [هود/ 30]، وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ‏ [الأنعام/ 52]، وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الشعراء/ 114]، فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ‏ [الأنعام/ 52]، و يقال: أَطْرَدَهُ السّلطانُ، و طَرَدَهُ: إذا أخرجه عن بلده، و أمر أن يَطْرُدَ من مكان حلّه.
و سمّي ما يثار من الصّيد: طَرْداً و طَرِيدَةً. و مُطَارَدَةُ الأقرانِ: مدافعةُ بعضِهِمْ بعضاً، و الْمِطْرَدُ: ما يُطْرَدُ به، و اطِّرَادُ الشي‏ءِ متابعة بعضه بعضا.
طرف‏
طَرَفُ الشي‏ءِ: جانبُهُ، و يستعمل في الأجسام و الأوقات و غيرهما. قال تعالى: فَسَبِّحْ وَ أَطْرافَ النَّهارِ [طه/ 130]، أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ [هود/ 114]، و منه استعير: هو كريمُ الطَّرَفَيْنِ «2»، أي: الأب و الأمّ. و قيل:
الذَّكَرُ و اللِّسَانُ، إشارة إلى العفّة، و طَرْفُ العينِ:
جَفْنُهُ، و الطَّرْفُ: تحريك الجفن، و عبّر به عن النّظر إذ كان تحريك الجفن لازمه النّظر، و قوله:
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ‏ [النمل/ 40]، فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ‏ [الرحمن/ 56]، عبارة عن إغضائهنّ لعفّتهنّ، و طُرِفَ فلانٌ:
أصيب طَرْفُهُ، و قوله: لِيَقْطَعَ طَرَفاً [آل عمران/ 127]، فتخصيصُ قطعِ الطَّرَفِ من حيث إنّ تنقيصَ طَرَفِ الشّي‏ءِ يُتَوَصَّلُ به إلى توهينه و إزالته، و لذلك قال: نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها* [الرعد/ 41]، و الطِّرَافُ: بيتُ أَدَمٍ يؤخذ طَرَفُهُ، و مِطْرَفُ الخزِّ و مُطْرَفٌ: ما يجعل له طَرَفٌ، و قد أَطْرَفْتُ مالًا، و ناقة طَرِفَةٌ و مُسْتَطْرِفَةٌ: ترعى‏
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت، و عجزه:
         بعيد الشباب عصر حان مشيب‏

و هو مطلع قصيدة مفضلية لعلقمة بن عبدة في المفضليات ص 391، و ديوانه ص 33.
 (2) يقال: فلان كريم الطرفين، شريف الجانبين. انظر: سحر البلاغة ص 59.

517
مفردات ألفاظ القرآن

طرف ص 517

أطرافَ المرعى كالبعير، و الطَّرِيفُ: ما يتناوله، و منه قيل: مالٌ طَرِيفٌ، و رَجُلٌ طَرِيفٌ: لا يثبت على امرأة، و الطِّرْفُ: الفرسُ الكريمُ، و هو الذي يُطْرَفُ من حسنه، فَالطِّرْفُ في الأصل هو الْمَطْرُوفُ، أي: المنظور إليه، كالنّقض في معنى المنقوض، و بهذا النّظر قيل: هو قيد النّواظر «1»، فيما يحسن حتى يثبت عليه النّظر.
طرق‏
الطَّرِيقُ: السّبيل الذي يُطْرَقُ بالأَرْجُلِ، أي يضرب. قال تعالى: طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ [طه/ 77]، و عنه استعير كلّ مسلك يسلكه الإنسان في فِعْلٍ، محمودا كان أو مذموما. قال:
وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى‏ [طه/ 63]، و قيل: طَرِيقَةٌ من النّخل، تشبيها بالطَّرِيقِ في الامتداد، و الطَّرْقُ في الأصل: كالضَّرْبِ، إلا أنّه أخصّ، لأنّه ضَرْبُ تَوَقُّعٍ كَطَرْقِ الحديدِ بِالْمِطْرَقَةِ، و يُتَوَسَّعُ فيه تَوَسُّعَهُم في الضّرب، و عنه استعير: طَرْقُ الحَصَى للتَّكَهُّنِ، و طَرْقُ الدّوابِّ الماءَ بالأرجل حتى تكدّره، حتى سمّي الماء الدّنق طَرْقاً «2»، و طَارَقْتُ النّعلَ، و طَرَقْتُهَا، و تشبيها بِطَرْقِ النّعلِ في الهيئة، قيل: طَارَقَ بين الدِّرْعَيْنِ، و طَرْقُ الخوافي «3»: أن يركب بعضها بعضا، و الطَّارِقُ: السالك للطَّرِيقِ، لكن خصّ في التّعارف بالآتي ليلا، فقيل: طَرَقَ أهلَهُ طُرُوقاً، و عبّر عن النّجم بِالطَّارِقِ لاختصاص ظهوره باللّيل. قال تعالى: وَ السَّماءِ وَ الطَّارِقِ‏ [الطارق/ 1]، قال الشاعر:
299-
         نحن بنات طَارِقٍ «4»

و عن الحوادث التي تأتي ليلا بِالطَّوَارِقِ، و طُرِقَ فلانٌ: قُصِدَ ليلًا. قال الشاعر:
300-
         كأنّي أنا الْمَطْرُوقُ دونك بالّذي             طُرِقْتَ به دوني و عيني تهمل «5»

و باعتبار الضّرب قيل: طَرَقَ الفحلُ النّاقةَ، و أَطْرَقْتُهَا، و اسْتَطْرَقْتُ فلاناً فحلًا، كقولك:
ضربها الفحل، و أضربتها، و استضربته فحلا.
و يقال للنّاقة: طَرُوقَةٌ، و كنّي بِالطَّرُوقَةِ عن المرأة.
و أَطْرَقَ فلانٌ: أغضى، كأنه صار عينه طَارِقاً للأرض، أي: ضاربا له كالضّرب بالمِطْرَقَةِ،
__________________________________________________
 (1) قيد النواظر أي: مقيّد النواظر. انظر عمدة الحفاظ. طرف.
 (2) قال ابن فارس: و الطّرق: الماء الذي قد كدّرته الإبل. المجمل 2/ 595.
 (3) ريش الطائر، و يقابلها القوادم.
 (4) الرجز لهند بنت بياضة، و هو في اللسان (طرق)، و المجمل 2/ 595، و البصائر 3/ 504.
و قيل: لهند بنت عتبة.
 (5) البيت لأمية بن أبي الصلت، من أبيات أولها:
         غذوتك مولودا و علتك يافعا             تعلّ بما أدني إليك و تنهل‏

و هو في الحماسة البصرية 2/ 306، و شرح الحماسة للتبريزي 2/ 133، و تفسير القرطبي 10/ 246.

518
مفردات ألفاظ القرآن

طرق ص 518

و باعتبارِ الطَّرِيقِ، قيل: جاءت الإبلُ مَطَارِيقَ، أي: جاءت على طَرِيقٍ واحدٍ، و تَطَرَّقَ إلى كذا نحو توسّل، و طَرَّقْتُ له: جعلت له طَرِيقاً، و جمعُ الطَّرِيقِ طُرُقٌ، و جمعُ طَرِيقَةٍ طرَائِقُ. قال تعالى:
كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً [الجن/ 11]، إشارة إلى اختلافهم في درجاتهم، كقوله: هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران/ 163]، و أطباق السّماء يقال لها: طَرَائِقُ. قال اللّه تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ‏
 [المؤمنون/ 17]، و رجلٌ مَطْرُوقٌ: فيه لين و استرخاء، من قولهم: هو مَطْرُوقٌ، أي: أصابته حادثةٌ لَيَّنَتْهُ، أو لأنّه مضروب، كقولك: مقروع، أو مدوخ، أو لقولهم: ناقة مَطْرُوقَةٌ تشبيها بها في الذِّلَّةِ.
طرى‏
قال تعالى: لَحْماً طَرِيًّا* [النحل/ 14]، أي: غضّا جديدا، من الطَّرَاءِ و الطَّرَاوَةِ. يقال:
طَرَّيْتُ كذا فطَرِيَ، و منه: الْمُطَرَّاةُ من الثّياب، و الْإِطْرَاءُ: مدحٌ يُجَدَّدُ ذِكْرُهُ، و طَرَأَ بالهمز: طلع.
طسَ‏
طس هما حرفان «1»، و ليس من قولهم: طَسٌّ و طُسُوسٌ في شي‏ء.
طعم‏
الطَّعْمُ: تناول الغذاء، و يسمّى ما يتناول منه طَعْمٌ و طَعَامٌ. قال تعالى: وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ‏ [المائدة/ 96]، قال: و قد اختصّ بالبرّ فيما
رَوَى أَبُو سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعاً مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ» «2».
قال تعالى:
وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ‏ [الحاقة/ 36]، طَعاماً ذا غُصَّةٍ [المزمل/ 13]، طَعامُ الْأَثِيمِ‏ [الدخان/ 44]، وَ لا يَحُضُّ عَلى‏ طَعامِ الْمِسْكِينِ* [الماعون/ 3]، أي: إِطْعَامِهِ الطَّعَامَ، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا [الأحزاب/ 53]، و قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا [المائدة/ 93]، قيل: و قد يستعمل طَعِمْتُ في الشّراب كقوله:
فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي‏ [البقرة/ 249]، و قال بعضهم: إنّما قال:
وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ‏
 تنبيها أنه محظور أن يتناول إلّا غرفة مع طَعَامٍ، كما أنه محظور عليه أن يشربه إلّا غرفة، فإنّ الماء قد يُطْعَمُ إذا كان مع شي‏ء يمضغ، و لو قال: و من لم يشربه لكان يقتضي أن يجوز تناوله إذا كان في طَعَامٍ، فلما قال: وَ مَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ بَيَّنَ أنه لا يجوز تناوله على كلّ حال إلّا قدر المستثنى، و هو الغرفة باليد، و
قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي زَمْزَمَ: «إِنَّهُ طَعَامُ طُعْمٍ وَ شِفَاءُ سُقْمٍ» «3».
فتنبيه منه أنه يغذّي بخلاف سائر
__________________________________________________
 (1) آية من سورة النمل رقم 1.
 (2) الحديث تقدّم في مادة (صاع).
 (3) الحديث عن أبي ذر قال: قال رسول اللّه: «زمزم طعام طعم، و شفاء سقم» أخرجه البزار بإسناد صحيح. انظر:
الترغيب و الترهيب 2/ 133.

519
مفردات ألفاظ القرآن

طعم ص 519

المياه، و اسْتَطْعَمَهُ فَأَطْعَمَهُ. قال تعالى:
اسْتَطْعَما أَهْلَها [الكهف/ 77]، وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ [الحج/ 36]، وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ‏ [الإنسان/ 8]، أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ‏ [يس/ 47]، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ‏ [قريش/ 4]، وَ هُوَ يُطْعِمُ وَ لا يُطْعَمُ‏ [الأنعام/ 14]، وَ ما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ‏ [الذاريات/ 57]، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:
 «إِذَا اسْتَطْعَمَكُمُ الْإِمَامُ فَأَطْعِمُوهُ» «1».
أي: إذا استفتحكم عند الارتياح فلقّنوه، و رجلٌ طَاعِمٌ:
حَسَنُ الحالِ، و مُطْعَمٌ: مرزوقٌ، و مِطْعَامٌ: كثيرُ الإِطْعَامِ، و مِطْعَمٌ: كثيرُ الطَّعْمِ، و الطُّعْمَةُ: ما يُطْعَمُ.
طعن‏
الطَّعْنُ: الضّربُ بالرّمح و بالقرن و ما يجري مجراهما، و تَطَاعَنُوا، و اطَّعَنُوا، و استعير للوقيعة.
قال تعالى: وَ طَعْناً فِي الدِّينِ‏ [النساء/ 46]، وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ‏ [التوبة/ 12].
طغى‏
طَغَوْتُ و طَغَيْتُ «2» طَغَوَاناً و طُغْيَاناً، و أَطْغَاهُ كذا: حمله على الطُّغْيَانِ، و ذلك تجاوز الحدّ في العصيان. قال تعالى: اذْهَبْ إِلى‏ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى‏* [النازعات/ 17]، إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى‏ [العلق/ 6]، و قال: قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى‏ [طه/ 45]، وَ لا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي‏ [طه/ 81]، و قال تعالى: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَ كُفْراً [الكهف/ 80]، فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ* [البقرة/ 15]، إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً [الإسراء/ 60]، وَ إِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ‏ [ص/ 55]، قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ‏ [ق/ 27]، و الطَّغْوَى الاسمُ منه. قال تعالى:
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها [الشمس/ 11]، تنبيها أنهم لم يصدّقوا إذا خوّفوا بعقوبة طُغْيَانِهِمْ.
و قوله: هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى‏ [النجم/ 52]، تنبيها أنّ الطُّغْيَان لا يخلّص الإنسان، فقد كان قوم نوح أَطْغَى منهم فأهلكوا. و قوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ [الحاقة/ 11]، فاستعير الطُّغْيَانُ فيه لتجاوز الماء الحدّ، و قوله: فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ [الحاقة/ 5]، فإشارة إلى الطّوفان المعبّر عنه بقوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ [الحاقة/ 11]، و الطَّاغُوتُ عبارةٌ عن كلِّ متعدٍّ، و كلِّ معبود
__________________________________________________
 (1) قال ابن الأثير: أي: إذا أرتج عليه في قراءة الصلاة و استفتحكم فافتحوا عليه و لقنوه، و هو من باب التمثيل، تشبيها بالطعام، كأنهم يدخلون القراءة في فيه كما يدخل الطعام. النهاية 3/ 127.
و هذا ليس من كلام النبي صلّى اللّه عليه و سلم كما ذكره المؤلف، و إنما هو من كلام عليّ بن أبي طالب. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 325، و المجموع المغيث 2/ 353.
 (2) انظر: اللسان (طغا)، و عمدة الحفاظ: طغا.

520
مفردات ألفاظ القرآن

طغى ص 520

من دون اللّه، و يستعمل في الواحد و الجمع. قال تعالى: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ‏ [البقرة/ 256]، وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ‏ [الزمر/ 17]، أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ‏ [البقرة/ 257]، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ‏ [النساء/ 60]، فعبارة عن كلّ متعدّ، و لما تقدّم سمّي السّاحر، و الكاهن، و المارد من الجنّ، و الصارف عن طريق الخير طاغوتا، و وزنه فيما قيل: فعلوت، نحو: جبروت و ملكوت، و قيل:
أصله: طَغَوُوتُ، و لكن قلب لام الفعل نحو صاعقة و صاقعة، ثم قلب الواو ألفا لتحرّكه و انفتاح ما قبله.
طف‏
الطَّفِيفُ: الشي‏ءُ النَّزْرُ، و منه: الطَّفَافَةُ: لما لا يعتدّ به، و طَفَّفَ الكيلَ: قلّل نصيب المكيل له في إيفائه و استيفائه. قال تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏ [المطففين/ 1].
طفق‏
يقال: طَفِقَ يفعل كذا، كقولك: أخذ يفعل كذا، و يستعمل في الإيجاب دون النّفي، لا يقال: ما طَفِقَ. قال تعالى: فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ‏ [ص/ 33]، وَ طَفِقا يَخْصِفانِ* [الأعراف/ 22].
طفل‏
الطِّفْلُ: الولدُ ما دام ناعما، و قد يقع على الجمع، قال تعالى: ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [غافر/ 67]، أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا [النور/ 31]، و قد يجمع على أَطْفَالٍ. قال:
وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ‏ [النور/ 59]، و باعتبار النّعومة قيل: امرأة طَفْلَةٌ، و قد طَفِلَتْ طُفُولَةً و طَفَالَةً، و الْمُطْفَلُ من الظبية: التي معها طِفْلُهَا، و طَفَلَتِ الشمسُ: إذا همَّت بالدَّوْرِ، و لمّا يستمكن الضّحُّ من الأرضِ قال:
301-
         و على الأرض غياياتُ الطَّفَلِ «1»
و أما طَفَّلَ: إذا أتى طعاما لم يدع إليه، فقيل، إنما هو من: طَفَلَ النّهارُ، و هو إتيانه في ذلك الوقت، و قيل: هو أن يفعل فِعْلَ طُفَيْلِ العرائسِ، و كان رجلا معروفا بحضور الدّعوات يسمّى طُفَيْلًا «2».
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         فتدلّيت عليه قافلا

و هو للبيد في ديوانه ص 145، و اللسان (طفل).
و الغيايات جمع غاية، و هي الظل.
 (2) طفيل العرائس: رجل من أهل الكوفة من بني عبد اللّه بن غطفان، كان يأتي الولائم دون أن يدعى إليها، و كان يقول: وددت لو أنّ الكوفة كلّها بركة مصهرجة فلا يخفى عليّ منها شي‏ء. انظر: اللسان (طفل).

521
مفردات ألفاظ القرآن

طلل ص 522

طلل‏
الطَّلُّ: أضعف المطر، و هو ما له أثر قليل.
قال تعالى: فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ‏ [البقرة/ 265]، و طَلَّ الأرضَ، فهي مَطْلُولَةٌ، و منه: طُلَّ دمُ فلانٍ: إذا قلّ الاعتداد به، و يصير أثره كأنّه طَلٌّ، و لما بينهما من المناسبة قيل لأثر الدّار: طَلَلٌ، و لشخص الرّجل المترائي:
طَلَلٌ، و أَطَلَّ فلانٌ: أشرف طَلَلُهُ «1».
طفى‏
طَفِئَتِ النارُ و أَطْفَأْتُهَا. قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ‏ [التوبة/ 32]، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ‏ [الصف/ 8]، و الفرق بين الموضعين أنّ في قوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا يقصدون إِطْفَاءَ نورِ اللّه، و في قوله: لِيُطْفِؤُا يقصدون أمرا يتوصّلون به إلى إِطْفَاءِ نور اللّه «2».
طلب‏
الطَّلَبُ: الفحص عن وجود الشي‏ء، عينا كان أو معنى. قال تعالى: أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً [الكهف/ 41]، و قال:
ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ‏ [الحج/ 73]، و أَطْلَبْتُ فلاناً: إذا أسعفته لما طَلَبَ، و إذا أحوجته إلى الطَّلَبِ، و أَطْلَبَ الكلأُ: إذا تباعد حتى احتاج أن يُطْلَبَ.
طلت‏
طَالُوتُ اسمٌ أعجميٌّ.
طلح‏
الطَّلْحُ شجرٌ، الواحدةُ طَلْحَةٌ. قال تعالى:
وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة/ 29]، و إبل طِلَاحِيٌّ: منسوبٌ إليه، و طَلِحَةٌ: مشتكية من أكله. و الطَّلْحُ و الطَّلِيحُ: المهزولُ المجهود، و منه: ناقة طَلِيحُ أسفارٍ «3»، و الطَّلَاحُ منه، و قد يُقَابَلُ به الصّلاح.
طلع‏
طَلَعَ الشمسُ طُلُوعاً و مَطْلَعاً. قال تعالى:
وَ سَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ* [طه/ 130]، حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القدر/ 5]، و الْمَطْلِعُ: موضعُ الطُّلُوعِ، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَطْلُعُ عَلى‏ قَوْمٍ‏ [الكهف/ 90]، و عنه استعير: طَلَعَ علينا فلانٌ، و اطَّلَعَ. قال تعالى: هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ‏ [الصافات/ 54]، فَاطَّلَعَ* [الصافات/ 55]، قال: فَأَطَّلِعَ إِلى‏ إِلهِ مُوسى‏ [غافر/ 37]، و قال: أَطَّلَعَ الْغَيْبَ [مريم/ 78]، لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى‏ إِلهِ مُوسى‏ [القصص/ 38]، و اسْتَطْلَعْتُ رأيَهُ، و أَطْلَعْتُكَ على كذا، و طَلَعْتُ‏
__________________________________________________
 (1) الطّلل: شخص الرجل. انظر: المجمل 2/ 580.
 (2) راجع درّة التنزيل للإسكافي ص 195.
 (3) يقال: ناقة طليح أسفار: إذا جهدها السير و هزلها. المجمل 2/ 585.

522
مفردات ألفاظ القرآن

طلع ص 522

عنه: غبت، و الطِّلَاعُ: ما طَلَعَتْ عليه الشمسُ و الإنسان، و طَلِيعَةُ الجيشِ: أوّل من يَطْلُعُ، و امرأةٌ طُلَعَةٌ قُبَعَةٌ «1»: تُظْهِرُ رأسَها مرّةً و تستر أخرى، و تشبيها بالطُّلُوعِ قيل: طَلْعُ النَّخْلِ.
لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق/ 10]، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ‏ [الصافات/ 65]، أي: ما طَلَعَ منها، وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ‏ [الشعراء/ 148]، و قد أَطْلَعَتِ النّخلُ، و قوسٌ طِلَاعُ الكفِّ: مل‏ءُ الكفِّ.
طلق‏
أصل الطَّلَاقِ: التّخليةُ من الوثاق، يقال:
أَطْلَقْتُ البعيرَ من عقاله، و طَلَّقْتُهُ، و هو طَالِقٌ و طَلِقٌ بلا قيدٍ، و منه استعير: طَلَّقْتُ المرأةَ، نحو: خلّيتها فهي طَالِقٌ، أي: مُخَلَّاةٌ عن حبالة النّكاح. قال تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَ‏ [الطلاق/ 1]، الطَّلاقُ مَرَّتانِ‏ [البقرة/ 229]، وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَ‏ [البقرة/ 228]، فهذا عامّ في الرّجعيّة و غير الرّجعيّة، و قوله: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة/ 228]، خاصّ في الرّجعيّة، و قوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ [البقرة/ 230]، أي: بعد البين، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا [البقرة/ 230]، يعني الزّوج الثّاني. وَ انْطَلَقَ فلانٌ: إذا مرّ متخلّفا، و قال تعالى: فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ‏، [القلم/ 23]، انْطَلِقُوا إِلى‏ ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ‏ [المرسلات/ 29]، و قيل للحلال:
طَلْقٌ، أي: مُطْلَقٌ لا حَظْرَ عليه، و عدا الفرس طَلْقاً أو طَلْقَيْنِ اعتبارا بتخلية سبيله. و الْمُطْلَقُ في الأحكام: ما لا يقع منه استثناء «2»، و طَلَقَ يَدَهُ، و أَطْلَقَهَا عبارةٌ عن الجود، و طَلْقُ الوجهِ، و طَلِيقُ الوجهِ: إذا لم يكن كالحا، و طَلَّقَ السّليمُ: خَلَّاهُ الوجعُ، قال الشاعر:
302-
         تُطَلِّقُهُ طوراً و طورا تراجع «3»
و ليلة طَلْقَةٌ: لتخلية الإبل للماء، و قد أَطْلَقَهَا.
طم‏
الطَّمُّ: البحرُ الْمَطْمُومُ، يقال له: الطَّمُّ و الرَّمُّ، و طَمَّ على كذا، و سمِّيَت القيامةُ طَامَّةً لذلك. قال تعالى: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى‏ [النازعات/ 34].
__________________________________________________
 (1) في اللسان: و جارية قبعة طلعة: تطلع ثم تقبع رأسها، أي: تدخله.
و قال الزبرقان بن بدر: أبغض كنائني إليّ الطّلعة القبعة. انظر الغريب المصنف ورقة 143.
 (2) انظر: التعريفات ص 218، و شرح تنقيح الفصول ص 266، و الإبهاج 2/ 199.
 (3) هذا عجز بيت للنابغة، و صدره:
         تناذرها الراقون من سوء سمها

و هو في ديوانه ص 80، و المجمل 2/ 586، و اللسان (طلق).

523
مفردات ألفاظ القرآن

طمث ص 524

طمث‏
الطَّمْثُ: دم الحيض و الافتضاض، و الطَّامِثُ: الحائض، و طَمِثَ المرأةَ: إذا افتضَّها. قال تعالى: لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ*
 [الرحمن/ 56]، و منه استعير: ما طَمِثَ هذه الرّوضةَ أحدٌ قبلنا «1»، أي: ما افتضَّها، و ما طَمِثَ الناقةَ جَمَلٌ «2».
طمس‏
الطَّمْسُ: إزالةُ الأثرِ بالمحو. قال تعالى:
فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ‏ [المرسلات/ 8]، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى‏ أَمْوالِهِمْ‏ [يونس/ 88]، أي: أزل صورتها، وَ لَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى‏ أَعْيُنِهِمْ‏ [يس/ 66]، أي: أزلنا ضوأها و صورتها كما يُطْمَسُ الأثرُ، و قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً [النساء/ 47]، منهم من قال: عنى ذلك في الدّنيا، و هو أن يصير على وجوههم الشّعر فتصير صورهم كصورة القردة و الكلاب «3»، و منهم من قال: ذلك هو في الآخرة إشارة إلى ما قال: وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ [الانشقاق/ 10]، و هو أن تصير عيونهم في قفاهم، و قيل: معناه يردّهم عن الهداية إلى الضّلالة كقوله: وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلى‏ سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ [الجاثية/ 23]، و قيل: عنى بالوجوه الأعيان و الرّؤساء، و معناه: نجعل رؤساءهم أذنابا، و ذلك أعظم سبب البوار.
طمع‏
الطَّمَعُ: نزوعُ النّفسِ إلى الشي‏ء شهوةً له، طَمِعْتُ أَطْمَعُ طَمَعاً و طُمَاعِيَةً، فهو طَمِعٌ و طَامِعٌ.
قال تعالى: إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا [الشعراء/ 51]، أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ‏ [البقرة/ 75]، خَوْفاً وَ طَمَعاً* [الأعراف/ 56]، و لمّا كان أكثر الطَّمَعِ من أجل الهوى قيل: الطَّمَعُ طَبْعٌ، و الطَّمَعُ يُدَنِّسُ الإهابَ «4».
طمن‏
الطُّمَأْنِينَةُ و الِاطْمِئْنَانُ: السّكونُ بعد الانزعاج. قال تعالى: وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ‏ [الأنفال/ 10]، وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي‏ [البقرة/ 260]، يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [الفجر/ 27]، و هي أن لا تصير أمّارة بالسّوء، و قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏ [الرعد/ 28]، تنبيها أنّ بمعرفته تعالى و الإكثار من عبادته يكتسب اطْمِئْنَانَ النّفسِ المسئول بقوله: وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي‏ [البقرة/ 260]، و قوله: وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ‏ [النحل/
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (طمث)، و المجمل 2/ 586، و أساس البلاغة: طمث.
 (2) طمثت البعير: إذا عقلته. انظر العين 7/ 412، و مجاز القرآن 2/ 145، و الجمهرة 2/ 44.
 (3) و به قال قتادة و عبد اللّه بن سلام. انظر: تفسير القرطبي 5/ 244.
 (4) أصل الإهاب الجلد، و هذا استعارة، و انظر تفسير الراغب ورقة 67.

524
مفردات ألفاظ القرآن

طمن ص 524

106]، و قال: فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ‏ [النساء/ 103]، وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها [يونس/ 7]، و اطْمَأَنَّ و تَطَامَنَ يتقاربان لفظا و معنى.
طهر
يقال: طَهُرَتِ المرأةُ طُهْراً و طَهَارَةً، و طَهَرَتْ «1»، و الفتح أقيس، لأنها خلاف طمثت، و لأنه يقال: طَاهِرَةٌ، و طَاهِرٌ، مثل: قائمة و قائم، و قاعدة و قاعد. و الطَّهَارَةُ ضربان: طَهَارَةُ جسمٍ، و طَهَارَةُ نفسٍ، و حمل عليهما عامّة الآيات. يقال: طَهَّرْتُهُ فَطَهُرَ، و تَطَهَّرَ، وَ اطَّهَّرَ فهو طَاهِرٌ و مُتَطَهِّرٌ. قال تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا [المائدة/ 6]، أي: استعملوا الماء، أو ما يقوم مقامه، قال: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ‏ [البقرة/ 222]، فدلّ باللّفظين على أنه لا يجوز وطؤهنّ إلّا بعد الطَّهَارَةِ و التَّطْهِيرِ «2»، و يؤكّد قراءة من قرأ:
حَتَّى يَطَّهَّرْنَ «3» أي: يفعلن الطَّهَارَةَ التي هي الغسل. قال تعالى: وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ‏ [البقرة/ 222]، أي: التاركين للذنب و العاملين للصّلاح، و قال: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة/ 108]، أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ‏ [الأعراف/ 82]، وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ‏ [التوبة/ 108]، فإنه يعني تَطْهِيرَ النّفسِ، وَ مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران/ 55]، أي: مخرجك من جملتهم و منزّهك أن تفعل فعلهم و على هذا:
وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33]، وَ طَهَّرَكِ وَ اصْطَفاكِ‏ [آل عمران/ 42]، ذلِكُمْ أَزْكى‏ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ [البقرة/ 232]، أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ‏ [الأحزاب/ 53]، لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ‏ [الواقعة/ 79]، أي: إنه لا يبلغ حقائق معرفته إلّا من طَهَّرَ نفسه و تنقّى من درن الفساد «4». و قوله: إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ* [الأعراف/ 82]، فإنهم قالوا ذلك على سبيل التّهكّم حيث قال لهم: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ‏ [هود/ 78]، و قوله تعالى: لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ* [النساء/ 57، البقرة/ 25]، أي:
مُطَهَّرَاتٌ من درن الدّنيا و أنجاسها «5»، و قيل: من الأخلاق السّيّئة بدلالة قوله: عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 37]، و قوله في صفة القرآن:
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ
 [عبس/ 14]، و قوله:
__________________________________________________
 (1) الفعل مثلّث العين، يقال: طهر، و طهر، و طهر. انظر: الأفعال 3/ 273.
 (2) و هذا مذهب الشافعي. انظر: أحكام القرآن لالكياهراسي 1/ 137.
 (3) و هي قراءة شعبة و حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 157.
 (4) راجع: روح المعاني 27/ 154.
 (5) قال قتادة: طهرهنّ اللّه من كل بول و غائط، و قذر، و مآثم. الدر المنثور 1/ 98.

525
مفردات ألفاظ القرآن

طهر ص 525

وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر/ 4]، قيل: معناه نفسك فنقّها من المعايب، و قوله: وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ‏ [الحج/ 26]، و قوله: وَ عَهِدْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ‏ [البقرة/ 125]، فحثّ على تَطْهِيرِ الكعبة من نجاسة الأوثان. و قال بعضهم: في ذلك حثّ على تَطْهِيرِ القلبِ لدخول السّكينة فيه المذكورة في قوله:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ [الفتح/ 4]، و الطَّهُورُ قد يكون مصدرا فيما حكى سيبويه «1» في قولهم: تَطَهَّرْتُ طَهُوراً، و تَوَضَّأْتُ وَضُوءاً، فهذا مصدر على فَعُولٍ، و مثله وَقَدْتُ وَقُوداً، و يكون اسما غير مصدر كالفَطُورِ في كونه اسما لما يفطر به، و نحو ذلك: الوَجُور و السَّعُوط و الذَّرُور «2»، و يكون صفة كالرّسول و نحو ذلك من الصّفات، و على هذا وَ سَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً [الإنسان/ 21]، تنبيها أنه بخلاف ما ذكره في قوله: وَ يُسْقى‏ مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ [إبراهيم/ 16]، وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً [الفرقان/ 48]. قال أصحاب الشّافعيّ رضي اللّه عنه: الطَّهُورُ بمعنى الْمُطَهِّرِ، و ذلك لا يصحّ من حيث اللّفظ لأنّ فَعُولا لا يُبْنَى من أَفْعَلَ و فَعَّلَ، و إنما يبنى ذلك من فَعُلَ «3».
و قيل: إنّ ذلك اقتضى التَّطْهِيرَ من حيث المعنى، و ذلك أنّ الطَّاهِرَ ضربان: ضربٌ لا يتعدّاه الطَّهَارَةُ كطَهَارَةِ الثّوبِ، فإنه طَاهِرٌ غيرُ مُطَهَّرٍ به، و ضرب يتعدّاه، فيجعل غيره طَاهِراً به، فوصف اللّه تعالى الماء بأنّه طهور تنبيها على هذا المعنى.
__________________________________________________
 (1) الكتاب 4/ 42.
 (2) السّعوط: كل شي‏ء صببته في الأنف، و الوجور: في الفم و مثله النّشوق، و اللّدود. راجع في ذلك المخصص 5/ 101- 102، و تصحيح الفصيح 1/ 155 و الحجة للفارسي 2/ 323، و ما بين [] مأخوذ من الحجة للفارسي.
 (3) قال أبو بكر ابن العربي: إنّي تأملته من طريق العربية فوجدت فيها مطلعا شريفا، و هو أنّ بناء (فعول) للمبالغة، إلا أنّ المبالغة قد تكون في الفعل المتعدي، كما قال الشاعر:
         ضروب بنصل السيف سوق سمائها

و قد تكون في الفعل القاصر، كما قال الشاعر:
         نؤوم الضّحى لم تنتطق عن تفضّل‏

فوصفه الأول بالمبالغة في الضرب، و هو فعل يتعدّى، و وصفها الثاني بالمبالغة في النوم، و هو فعل لا يتعدّى، و إنما تؤخذ طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة، و من الشرع طهارة.
و قد يأتي بناء (فعول) لوجه آخر، و هو العبارة به عن آلة الفعل لا عن الفعل، كقولنا: وقود و سحور، فإنه عبارة عن الحطب، و عن الطعام المتسحّر به، و كذلك وصف الماء بأنه طهور يكون بفتح الطاء خبرا عن الآلة التي يتطهر بها.
فإذا ضممت الفاء في الوقود و السحور و الطهور عاد إلى الفعل، و كان خبرا عنه فثبت بهذا أنّ اسم الفعول يكون بناء للمبالغة، و يكون خبرا عن الآلة، و بعد هذا يقف البيان به عن المبالغة، أو عن الآلة على الدليل، مثاله قوله تعالى: و أنزلنا من السّماء ماء طهورا و قوله صلّى اللّه عليه و سلم: «و جعلت لي الأرض مسجدا و طهورا». راجع: أحكام القرآن 3/ 1417.

526
مفردات ألفاظ القرآن

طيب ص 527

طيب‏
يقال: طَابَ الشي‏ءُ يَطِيبُ طَيْباً، فهو طَيِّبٌ.
قال تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ‏ [النساء/ 3]، فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ‏ [النساء/ 4]، و أصل الطَّيِّبِ:
ما تستلذّه الحواسّ، و ما تستلذّه النّفس، و الطّعامُ الطَّيِّبُ في الشّرع: ما كان متناولا من حيث ما يجوز، و من المكان الّذي يجوز فإنّه متى كان كذلك كان طَيِّباً عاجلا و آجلا لا يستوخم، و إلّا فإنّه- و إن كان طَيِّباً عاجلا- لم يَطِبْ آجلا، و على ذلك قوله:
كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ* [البقرة/ 172]، فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً [النحل/ 114]، لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ‏ [المائدة/ 87]، كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً [المؤمنون/ 51]، و هذا هو المراد بقوله: وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ‏ [الأعراف/ 32]، و قوله: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ‏ [المائدة/ 5]، قيل: عنى بها الذّبائح، و قوله:
وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ* [غافر/ 64]، إشارةٌ إلى الغنيمة. و الطَّيِّبُ من الإنسان: من تعرّى من نجاسة الجهل و الفسق و قبائح الأعمال، و تحلّى بالعلم و الإيمان و محاسن الأعمال، و إيّاهم قصد بقوله: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ‏ [النحل/ 32]، و قال: طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ‏ [الزمر/ 73]، و قال تعالى: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [آل عمران/ 38]، و قال تعالى: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ‏ [الأنفال/ 37]، و قوله: وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ‏ [النور/ 26]، تنبيه أنّ الأعمال الطَّيِّبَةَ تكون من الطَّيِّبِينَ، كما
رُوِيَ: «الْمُؤْمِنُ أَطْيَبُ مِنْ عَمَلِهِ، وَ الْكَافِرُ أَخْبَثُ مِنْ عَمَلِهِ» «1».
قال تعالى: وَ لا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ‏ [النساء/ 2]، أي:
الأعمال السّيّئة بالأعمال الصالحة، و على هذا قوله تعالى: مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ [إبراهيم/ 24]، و قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ‏ [فاطر/ 10]، وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً* [التوبة/ 72]، أي: طاهرة ذكيّة مستلذّة. و قوله:
بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ [سبأ/ 15]، و قيل:
أشار إلى الجنّة، و إلى جوار ربّ العزّة، و أما قوله: وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ‏ [الأعراف/ 58]، إشارة إلى الأرض الزّكيّة، و قوله: صَعِيداً طَيِّباً* [المائدة/ 6]، أي: ترابا لا نجاسة به، و سمّي الاستنجاء اسْتِطَابَةً لما فيه من التَّطَيُّبِ و التَّطَهُّرِ. و قيل الْأَطْيَبَانِ الأكلُ و النّكاحُ «2»، و طعام مَطْيَبَةٌ للنَّفسِ: إذا طَابَتْ به النّفسُ، و يقال‏
__________________________________________________
 (1) الحديث تقدّم في مادة (خبث).
 (2) انظر: البصائر 3/ 532، و المجمل 2/ 590.
و قيل: هما النوم و النكاح، و قيل: التمر و اللبن. انظر: جنى الجنتين ص 20.

527
مفردات ألفاظ القرآن

طيب ص 527

لِلطَّيِّبِ: طَابٌ، و بالمدينة تمر يقال له: طَابٌ، و سمّيتِ المدينةُ طَيِّبَةً، و قوله: طُوبى‏ لَهُمْ‏ [الرعد/ 29]، قيل: هو اسم شجرة في الجنّة «1»، و قيل: بل إشارة إلى كلّ مُسْتَطَابٍ في الجنّة من بقاءٍ بلا فناءٍ، و عِزٍّ بلا زوالٍ، و غنى بلا فقرٍ.
طود
قال تعالى: كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏ [الشعراء/ 63]، الطَّوْدُ: هو الجبلُ العظيمُ، و وصفه بالعظم لكونه فيما بين الْأَطْوَادِ عظيما، لا لكونه عظيما فيما بين سائر الجبال.
طور
طَوَارُ الدّارِ و طِوَارُهُ: ما امتدّ منها من البناء، يقال: عدا فلانٌ طَوْرَهُ، أي: تجاوز حدَّهُ، و لا أَطُورُ به، أي: لا أقرب فناءه. يقال: فعل كذا طَوْراً بعد طَوْرٍ، أي: تارة بعد تارة، و قوله:
وَ قَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً [نوح/ 14]، قيل: هو إشارة إلى نحو قوله تعالى: خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ [الحج/ 5]، و قيل: إشارة إلى نحو قوله: وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ [الروم/ 22]، أي:
مختلفين في الخَلْقِ و الخُلُقِ. و الطُّورُ اسمُ جبلٍ مخصوصٍ، و قيل: اسمٌ لكلّ جبلٍ و قيل: هو جبل محيط بالأرض «2». قال تعالى: وَ الطُّورِ* وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ

[الطور/ 1- 2]، وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ [القصص/ 46]، وَ طُورِ سِينِينَ‏ [التين/ 2]، وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ‏ [مريم/ 52]، وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ [النساء/ 154].
طير
الطَّائِرُ: كلُّ ذي جناحٍ يسبح في الهواء، يقال: طَارَ يَطِيرُ طَيَرَاناً، و جمعُ الطَّائِرِ: طَيْرٌ «3»، كرَاكِبٍ و رَكْبٍ. قال تعالى: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ‏ [الأنعام/ 38]، وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً [ص/ 19]، وَ الطَّيْرُ صَافَّاتٍ‏ [النور/ 41] وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ [النمل/ 17]، وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ [النمل/ 20]، و تَطَيَّرَ فلانٌ، و اطَّيَّرَ أصله التّفاؤل بالطَّيْرِ ثمّ يستعمل في كلّ ما يتفاءل به و يتشاءم، قالُوا: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ‏ [يس/ 18]، و لذلك‏
__________________________________________________
 (1) و هذا مرويّ عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فقد أخرج أحمد و أبو يعلى و ابن حبان عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أنّ رجلا قال: يا رسول اللّه، طوبى لمن رآك، و آمن بك.
قال: طوبى لمن رآني و آمن، و طوبى ثم طوبى لمن آمن بي، و لم يرني. قال رجل: و ما طوبى؟ قال: «شجرة في الجنة مسيرة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» انظر: الدر المنثور 4/ 644، و المسند 3/ 71.
 (2) و هذا من الإسرائيليات مما لا يصح.
 (3) في اللسان: و الطير: اسم لجماعة ما يطير، مؤنث، و الواحد: طائر، و الأنثى: طائرة.

528
مفردات ألفاظ القرآن

طير ص 528

قِيلَ: «لَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ «1»».
و قال تعالى: إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا [الأعراف/ 131]، أي:
يتشاءموا به، أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ‏ [الأعراف/ 131]، أي: شؤمهم: ما قد أعدّ اللّه لهم بسوء أعمالهم. و على ذلك قوله: قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ قالَ طائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ‏ [النمل/ 47]، قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ‏ [يس/ 19]، وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ‏ [الإسراء/ 13]، أي: عمله الذي طَارَ عنه من خيرٍ و شرٍّ، و يقال: تَطَايَرُوا: إذا أسرعوا، و يقال:
إذا تفرّقوا «2»، قال الشاعر:
303-
         طَارُوا إليه زَرَافَاتٍ و وُحْدَاناً «3»


و فجرٌ مُسْتَطِيرٌ، أي: فاشٍ. قال تعالى:
وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً [الإنسان/ 7]، و غبارٌ مُسْتَطَارٌ، خولف بين بنائهما فتصوّر الفجر بصورة الفاعل، فقيل: مُسْتَطِيرٌ، و الغبارُ بصورة المفعول، فقيل: مُسْتَطَارٌ «4». و فرسٌ مُطَارٌ للسّريع، و لحديد الفؤاد، و خذ ما طَارَ من شَعْر رأسك، أي: ما انتشر حتى كأنه طَارَ.
طوع‏
الطَّوْعُ: الانقيادُ، و يضادّه الكره قال عزّ و جلّ:
ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً [فصلت/ 11]، وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً [آل عمران/ 83]، و الطَّاعَةُ مثله لكن أكثر ما تقال في الائتمار لما أمر، و الارتسام فيما رسم.
قال تعالى: وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ [النساء/ 81]، طاعَةٌ وَ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ‏ [محمد/ 21]، أي:
أَطِيعُوا، و قد طَاعَ له يَطُوعُ، و أَطَاعَهُ يُطِيعُهُ «5».
قال تعالى: وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ* [التغابن/ 12]، مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ‏ [النساء/ 80]، وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ* [الأحزاب/ 48]، و قوله في صفة جبريل عليه السلام: مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ‏ [التكوير/ 21]، و التَّطَوُّعُ في الأصل: تكلُّفُ الطَّاعَةِ، و هو في‏
__________________________________________________
 (1) هذا حديث و ليس قيلا.
عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك». قالوا: يا [استدراك‏] رسول اللّه، ما كفارة ذلك؟ قال: «يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، و لا طير إلا طيرك، و لا إله غيرك» أخرجه أحمد في المسند 2/ 220، و الطبراني، قال في مجمع الزوائد: فيه ابن لهيعة، و حديثه حسن، و فيه ضعف، و بقية رجاله ثقات، و أخرجه البزار من حديث بريدة. راجع: نزل الأبرار ص 382، و مجمع الزوائد 5/ 108.
 (2) انظر: اللسان (طير).
 (3) هذا عجز بيت، صدره:
         قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه‏

و هو لقريط بن أنيف من بلعنبر. انظر: شرح الحماسة للتبريزي 1/ 8، و اللسان (طير).
 (4) انظر: اللسان (طير). يقال: فجر مستطير، و غبار مستطار. عمدة الحفاظ: طير.
 (5) راجع: الأفعال 3/ 249، 3/ 283.

529
مفردات ألفاظ القرآن

طوع ص 529

التّعارف التّبرّع بما لا يلزم كالتّنفّل، قال: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ‏ [البقرة/ 184]، و قرئ:
 (و من يَطَّوَّعْ خيراً) «1». وَ الِاسْتِطَاعَةُ: استفالة من الطَّوْعِ، و ذلك وجود ما يصير به الفعل متأتّيا، و هي عند المحقّقين اسم للمعاني التي بها يتمكّن الإنسان ممّا يريده من إحداث الفعل، و هي أربعة أشياء: بنية مخصوصة للفاعل. و تصوّر للفعل، و مادّة قابلة لتأثيره، و آلة إن كان الفعل آليّا كالكتابة، فإنّ الكاتب يحتاج إلى هذه الأربعة في إيجاده للكتابة، و كذلك يقال: فلان غير مستطيع للكتابة: إذا فقد واحدا من هذه الأربعة فصاعدا، و يضادّه العجز، و هو أن لا يجد أحد هذه الأربعة فصاعدا، و متى وجد هذه الأربعة كلّها فَمُسْتَطِيعٌ مطلقا، و متى فقدها فعاجز مطلقا، و متى وجد بعضها دون بعض فَمُسْتَطِيعٌ من وجه عاجز من وجه، و لأن يوصف بالعجز أولى. و الِاسْتِطَاعَةُ أخصّ من القدرة. قال تعالى: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ‏ [الأنبياء/ 43]، فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ‏ [الذاريات/ 45]، مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران/ 97]، فإنه يحتاج إلى هذه الأربعة، و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الِاسْتِطَاعَةُ الزَّادُ وَ الرَّاحِلَةُ» «2».
فإنّه بيان ما يحتاج إليه من الآلة، و خصّه بالذّكر دون الآخر إذ كان معلوما من حيث العقل و مقتضى الشّرع أنّ التّكليف من دون تلك الأخر لا يصحّ، و قوله: لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ‏ [التوبة/ 42]، فإشارة بِالاسْتِطَاعَةِ هاهنا إلى عدم الآلة من المال، و الظّهر، و النّحو، و كذلك قوله: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء/ 25]، و قوله: لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً [النساء/ 98]، و قد يقال: فلانٌ لا يَسْتَطِيعُ كذا:
لما يصعب عليه فعله لعدم الرّياضة، و ذلك يرجع إلى افتقاد الآلة، أو عدم التّصوّر، و قد يصحّ معه التّكليف و لا يصير الإنسان به معذورا، و على هذا الوجه قال تعالى: لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً*
 [الكهف/ 67]، ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَ ما كانُوا يُبْصِرُونَ‏ [هود/ 20]، و قال:
وَ كانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً [الكهف/ 101]، و قد حمل على ذلك قوله: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا [النساء/ 129]، و قوله تعالى: هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا

__________________________________________________
 (1) و هي قراءة شاذة.
 (2) أخرج الدارقطني و الحاكم و صححه عن أنس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم سئل عن قول اللّه: من استطاع إليه سبيلا فقيل:
ما السبيل؟ قال: «الزاد و الراحلة». انظر: الدر المنثور 2/ 273، و سنن الدارقطني 2/ 216، قال إسحاق: و طرقه كلها ضعيفة. انظر المستدرك 1/ 442.
و أخرجه الترمذي عن ابن عمر ثم قال: هذا حديث حسن، و العمل عليه عند أهل العلم و ضعّفه ابن العربي.
انظر: عارضة الأحوذي 4/ 28.

530
مفردات ألفاظ القرآن

طوع ص 529

 [المائدة/ 112]، فقيل: إنهم قالوا ذلك قبل أن قويت معرفتهم باللّه. و قيل: إنهم لم يقصدوا قصد القدرة «1»، و إنما قصدوا أنه هل تقتضي الحكمة أن يفعل ذلك؟ و قيل: يَسْتَطِيعُ و يُطيعُ بمعنى واحدٍ «2»، و معناه: هل يجيب؟ كقوله:
ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ يُطاعُ‏ [غافر/ 18]، أي: يجاب، و قرئ: هل تَسْتَطِيعُ رَبَّكَ «3» أي: سؤالَ رَبِّكَ، كقولك:
هل يَسْتَطِيعُ الأَمِيرُ أن يفعل كذا، و قوله:
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ‏ [المائدة/ 30]، نحو:
أسمحت له قرينته، و انقادت له، و سوّلت، و طَوَّعَتْ أبلغُ من أَطَاعَتْ، و طَوَّعَتْ له نفسُهُ بإزاء قولهم: تأبَّتْ عن كذا نفسُهُ، و تَطَوَّعَ كذا: تحمّله طَوْعاً. قال تعالى: وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ‏ [البقرة/ 158]، الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ [التوبة/ 79]، و قيل:
طَاعَتْ و تَطَوَّعَتْ بمعنًى، و يقال: اسْتَطَاعَ و اسْطَاعَ بمعنى، قال تعالى: فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ، وَ مَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً [الكهف/ 97].
طوف‏
الطَّوْفُ: المشيُ حولَ الشي‏ءِ، و منه: الطَّائِفُ لمن يدور حول البيوت حافظا. يقال: طَافَ به يَطُوفُ. قال تعالى: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ* [الواقعة/ 17]، قال: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما [البقرة/ 158]، و منه استعير الطَّائِفُ من الجنّ، و الخيال، و الحادثة و غيرها.
قال: إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ‏ [الأعراف/ 201]، و هو الذي يدور على الإنسان من الشّيطان يريد اقتناصه، و قد قرئ:
طَيْفٌ «4» و هو خَيالُ الشي‏ء و صورته المترائي له في المنام أو اليقظة. و منه قيل للخيال: طَيْفٌ.
قال تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ‏ [القلم/ 19]، تعريضا بما نالهم من النّائبة، و قوله: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ‏ [البقرة/ 125]، أي:
لقصّاده الذين يَطُوفُونَ به، و الطَّوَّافُونَ في قوله:
طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ [النور/ 58] عبارة عن الخدم، و على هذا الوجه‏
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْهِرَّةِ: (إِنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَ الطَّوَّافَاتِ) «5».
وَ الطَّائِفَةُ من الناس: جماعة
__________________________________________________
 (1) قال عائشة: كان الحواريون أعلم باللّه من أن يقولوا: هل يستطيع ربّك، إنما قالوا: هل تستطيع أنت؟ ربك هل تستطيع أن تدعوه؟ انظر: الدر المنثور 3/ 231.
 (2) و هذا قول الشعبي. انظر: الدر المنثور 3/ 231.
 (3) و بها قرأ الكسائي. انظر: الإتحاف ص 204.
 (4) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و الكسائي و يعقوب. انظر: الإتحاف ص 234.
 (5) الحديث عن كبشة بنت كعب بن مالك- و كانت تحت ابن أبي قتادة- أنّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءا، فجاءت هرّة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتى شربت، قالت كبشة: فرآني انظر إليه، فقال: أ تعجبين يا ابنة أخي؟.

531
مفردات ألفاظ القرآن

طوف ص 531

منهم، و من الشي‏ء: القطعة منه، و قوله تعالى:
فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏ [التوبة/ 122]، قال بعضهم: قد يقع ذلك على واحد فصاعدا «1»، و على ذلك قوله:
وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الحجرات/ 9]، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ‏ [آل عمران/ 122]، و الطَّائِفَةُ إذا أريد بها الجمع فجمع طَائِفٍ، و إذا أريد بها الواحد فيصحّ أن يكون جمعا، و يكنى به عن الواحد، و يصحّ أن يجعل كراوية و علامة و نحو ذلك. و الطُّوفَانُ: كلُّ حادثة تحيط بالإنسان، و على ذلك قوله: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ‏ [الأعراف/ 133]، و صار متعارفا في الماء المتناهي في الكثرة لأجل أنّ الحادثة التي نالت قوم نوح كانت ماء. قال تعالى: فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ‏ [العنكبوت/ 14]، و طَائِفُ القوسِ: ما يلي أبهرها «2»، و الطَّوْفُ كُنِيَ به عن العذرَةِ.
طوق‏
أصل الطَّوْقِ: ما يجعل في العنق، خلقة كَطَوْقِ الحمامِ، أو صنعة كطَوْقِ الذّهب و الفضّة، و يتوسّع فيه فيقال: طَوَّقْتُهُ كذا، كقولك: قلّدته.
قال تعالى: سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ‏ [آل عمران/ 180]، و ذلك على التشبيه، كما
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ «يَأْتِي أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ لَهُ زَبِيبَتَانِ فَيَتَطَوَّقُ بِهِ فَيَقُولُ أَنَا الزَّكَاةُ الَّتِي مَنَعْتَنِي» «3».
وَ الطَّاقَةُ: اسمٌ لمقدار ما يمكن للإنسان أن يفعله بمشقّة، و ذلك تشبيه بِالطَّوْقِ المحيطِ بالشي‏ء، فقوله: وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ‏ [البقرة/ 286]، أي: ما يصعب علينا مزاولته، و ليس معناه: لا تحمّلنا ما لا قدرة لنا «4» به، و ذلك لأنه تعالى قد يحمّل الإنسان ما يصعب عليه كما قال: وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ‏
__________________________________________________
قالت: قلت: نعم، فقال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: إنّها ليس بنجس، إنها من الطوّافين عليكم أو الطّوافات.
أخرجه مالك 1/ 23، و أحمد 5/ 296، و أبو داود رقم 75، و النّسائي 1/ 55 و انظر شرح السنة 2/ 69.
 (1) و هذا مروي عن ابن عباس و غيره، فقد أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عباس في قوله تعالى:
و ليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين سورة النور: آية 2.
قال: الطائفة: الرجل فما فوقه.
و عن مجاهد قال: الطائفة: واحد إلى الألف. انظر: الدر المنثور 6/ 126، و اللسان (طوف).
 (2) قال الأصمعي: الأبهر من القوس كبدها، و هو ما بين طرفي العلاقة. انظر: اللسان (بهر).
 (3) الحديث ذكره المؤلف بمعناه، فقد جاء عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من آتاه اللّه مالا فلم يؤدّ زكاته مثّل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا: لا يحسبنّ الّذين يبخلون ... الآية، سورة آل عمران: آية 180. أخرجه البخاري 3/ 214 في الزكاة.
 (4) و هذا مروي عن الضحاك كما أخرجه عنه ابن جرير في الآية قال: لا تحمّلنا من الأعمال ما لا نطيق. انظر: الدر المنثور 2/ 136.

532
مفردات ألفاظ القرآن

طوق ص 532

 [الأعراف/ 157]، وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ [الشرح/ 2]، أي: خفّفنا عنك العبادات الصّعبة التي في تركها الوزر، و على هذا الوجه: قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ‏ [البقرة/ 249]، و قد يعبّر بنفي الطَّاقَةِ عن نفي القدرة.
و قوله: وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ‏ [البقرة/ 184]، ظاهره يقتضي أنّ المُطِيقَ له يلزمه فدية أفطر أو لم يفطر، لكن أجمعوا أنه لا يلزمه إلّا مع شرط آخر «1». و روي:
 (و على الّذين يُطَوَّقُونَهُ) «2» أي: يُحَمَّلُونَ أن يَتَطَوَّقُوا.
طول‏
الطُّولُ و القِصَرُ من الأسماء المتضايفة كما تقدّم، و يستعمل في الأعيان و الأعراض كالزّمان و غيره قال تعالى: فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ [الحديد/ 16]، سَبْحاً طَوِيلًا [المزمل/ 7]، و يقال: طَوِيلٌ و طُوَالٌ، و عريض و عُرَاضٌ، و للجمع: طِوَالٌ، و قيل: طِيَالٌ، و باعتبار الطُّولِ قيل للحبل المَرخيِّ على الدّابة: طِوَلٌ «3»، و طَوِّلْ فرسَكَ، أي: أَرْخِ طِوَلَهُ، و قيل: طِوَالُ الدّهرِ لمدّته الطَّوِيلَةِ، وَ تَطَاوَلَ فلانٌ: إذا أظهر الطُّولَ، أو الطَّوْلَ. قال تعالى: فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ [القصص/ 45]، وَ الطَّوْلُ خُصَّ به الفضلُ و المنُّ، قال: شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ‏ [غافر/ 3]، و قوله تعالى: اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ‏ [التوبة/ 86]، وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء/ 25]، كناية عمّا يصرف إلى المهر و النّفقة.
و طَالُوتُ اسمٌ عَلَمٌ و هو أعجميٌّ.
طين‏
الطِّينُ: التّراب و الماء المختلط، و قد يسمّى بذلك و إن زال عنه قوّة الماء قال تعالى: مِنْ طِينٍ لازِبٍ‏ [الصافات/ 11]، يقال: طِنْتُ كذا، و طَيَّنْتُهُ. قال تعالى: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ‏ [ص/ 76]، و قوله تعالى:
فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ‏ [القصص/ 38].
طوى‏
طَوَيْتُ الشي‏ءَ طَيّاً، و ذلك كَطَيِّ الدَّرَجِ و على ذلك قوله: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِ‏ [الأنبياء/ 104]، و منه: طَوَيْتُ الفلاةَ، و يعبّر بِالطَّيِّ عن مُضِيِّ العمر. يقال: طَوَى اللّهُ عُمرَهُ،
__________________________________________________
 (1) أخرج الشيخان عن سلمة بن الأكوع قال: لما نزلت هذه الآية: و على الّذين يطيقونه فدية طعام مسكين من شاء منا صام، و من شاء منا أن يفطر و يفتدي فعل ذلك حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها فمن شهد منكم الشّهر فليصمه انظر: فتح الباري 8/ 181 كتاب التفسير، و مسلم رقم 1145.
 (2) و هي قراءة شاذة، قرأت بها عائشة و سعيد بن جبير و عكرمة. انظر: الدر المنثور 1/ 431.
 (3) انظر: أساس البلاغة ص 287، و المجمل 2/ 590.

533
مفردات ألفاظ القرآن

طوى ص 533

قال الشاعر:
304-
         طَوَتْكَ خطوبُ دهرك بعد نشر «1»
و قوله تعالى: وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏ [الزمر/ 67]، يصحّ أن يكون من الأوّل، و أن يكون من الثاني، و المعنى: مهلكات. و قوله:
إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً‏ [طه/ 12]، قيل: هو اسم الوادي الذي حصل فيه «2»، و قيل:
إن ذلك جعل إشارة إلى حالة حصلت له على طريق الاجتباء، فكأنّه طَوَى عليه مسافةً لو احتاج أن ينالها في الاجتهاد لبعد عليه، و قوله: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً‏ [طه/ 12]، قيل: هو اسم أرض، فمنهم من يصرفه، و منهم من لا يصرفه، و قيل: هو مصدر طَوَيْتُ، فيصرف و يفتح أوّله و يكسر «3»، نحو: ثنى و ثنى، و معناه: ناديته مرّتين «4»، و اللّه أعلم.
تمّ كتاب الطاء.
__________________________________________________
 (1) الشطر لدعبل الخزاعي، و عجزه:
         كذاك خطوبه نشرا و طيّا

و هو في الكامل 1/ 238، و سيأتي مزيد الكلام عليه في مادة (نشر).
 (2) و هذا قول ابن عباس كما أخرجه عنه ابن المنذر و ابن أبي حاتم. الدر المنثور 5/ 559.
 (3) قرأ طوى بضم الطاء و التنوين ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف، و قرأ الباقون بالضم بلا تنوين. انظر:
الإتحاف ص 302.
 (4) أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: واد بفلسطين قدّس مرتين.
و عن قتادة قال: واد قدّس مرتين، و اسمه طوى. الدر المنثور 5/ 559- 560.

534
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الظاء

كتاب الظّاء
ظعن‏
يقال: ظَعَنَ يَظْعَنُ ظَعْناً: إذا شخص. قال تعالى: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ‏ [النحل/ 80]، و الظَّعِينَةُ: الهودج إذا كان فيه المرأة، و قد يكنّى به عن المرأة و إن لم تكن في الهودج.
ظفر
الظُّفْرُ يقال في الإنسان و في غيره، قال تعالى: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام/ 146]، أي: ذي مخالب، و يعبّر عن السّلاح به تشبيها بِظُفُرِ الطائرِ، إذ هو له بمنزلة السّلاح، و يقال: فلان كَلِيلُ الظُّفُرِ، و ظَفَرَهُ فلانٌ: نشب ظُفُرَهُ فيه، و هو أَظْفَرُ: طويلُ الظُّفُرِ، و الظَّفَرَةُ «1»: جُلَيْدَةٌ يُغَشَّى البصرُ بها تشبيها بِالظُّفُرِ في الصّلابة، يقال: ظَفِرَتْ عينُهُ، و الظَّفَرُ: الفوزُ، و أصله من: ظَفِرَ عليه. أي:
نشب ظُفْرُهُ فيه. قال تعالى: مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ‏ [الفتح/ 24].
ظلل‏
الظِّلُّ: ضدُّ الضّحِّ، و هو أعمُّ من الفي‏ء، فإنه يقال: ظِلُّ اللّيلِ، و ظِلُّ الجنّةِ، و يقال لكلّ موضع لم تصل إليه الشّمس: ظِلٌّ، و لا يقال الْفَيْ‏ءُ إلّا لما زال عنه الشمس، و يعبّر بِالظِّلِّ عن العزّة و المنعة، و عن الرّفاهة، قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ‏ [المرسلات/ 41]، أي:
في عزّة و مناع، قال: أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها [الرعد/ 35]، هُمْ وَ أَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ‏ [يس/ 56]، يقال: ظَلَّلَنِي الشّجرُ، و أَظَلَّنِي.
قال تعالى: وَ ظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ‏ [البقرة/ 57]، و أَظَلَّنِي فلانٌ: حرسني، و جعلني في ظِلِّهِ و عزّه و مناعته. و قوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ‏ [النحل/ 48]، أي: إنشاؤه يدلّ على وحدانيّة اللّه، و ينبئ عن حكمته. و قوله: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ إلى قوله: وَ ظِلالُهُمْ‏
 «2». قال الحسن: أمّا ظِلُّكَ‏
__________________________________________________
 (1) الظّفرة و الظّفرة لغتان.
 (2) و للّه يسجد من في السّماوات و الأرض طوعا و كرها* و ظلالهم بالغدوّ و الآصال سورة الرعد: آية 15.

535
مفردات ألفاظ القرآن

ظلل ص 535

فيسجد للّه، و أمّا أنت فتكفر به «1»، و ظِلٌّ ظَلِيلٌ:
فائض، و قوله: وَ نُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا [النساء/ 57]، كناية عن غضارة العيش، وَ الظُّلَّةُ: سحابةٌ تُظِلُّ، و أكثر ما يقال فيما يستوخم و يكره. قال تعالى: كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ [الأعراف/ 171]، عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ [الشعراء/ 189]، أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ‏ [البقرة/ 210]، أي: عذابه يأتيهم، و الظُّلَلُ: جمعُ ظُلَّةٍ، كغُرْفَةٍ و غُرَفٍ، و قُرْبَةٍ و قُرَبٍ، و قرئ: (في ظِلَالٍ) «2» و ذلك إمّا جمع ظُلَّةٍ نحو: غُلْبَةٍ و غِلَابٍ، و حُفْرَةٍ و حِفَارٍ، و إمّا جمعُ ظِلّ نحو: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ‏ [النحل/ 48]، و قال بعض أهل اللّغة: يقال للشّاخص ظِلٌّ. قال: و يدلّ على ذلك قول الشاعر:
305-
         لمّا نزلنا رفعنا ظِلَّ أخبيةٍ «3»
و قال: ليس ينصبون الظِّلَّ الذي هو الفي‏ء إنّما ينصبون الأخبية، و قال آخر:
306-
         يتبع أفياء الظِّلَالِ عشيّة «4»
أي: أفياء الشّخوص، و ليس في هذا دلالة فإنّ قوله:
          (... رفعنا ظِلَّ أخبيةٍ)

، معناه: رفعنا الأخبية فرفعنا به ظِلَّهَا، فكأنّه رفع الظِّلَّ. و قوله:
أفياءُ الظِّلَالِ فَالظِّلَالُ عامٌّ و الفي‏ءُ خاصّ، و قوله:
          (... أفياءُ الظِّلَالِ ...)
، هو من إضافة الشي‏ء إلى جنسه. و الظُّلَّةُ أيضا: شي‏ءٌ كهيئة الصُّفَّة، و عليه حمل قوله تعالى: وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ‏ [لقمان/ 32]، أي: كقطع السّحاب. و قوله تعالى: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ‏ [الزمر/ 16]، و قد يقال: ظِلٌّ لكلّ ساتر محمودا كان أو مذموما، فمن المحمود قوله: وَ لَا الظِّلُّ وَ لَا الْحَرُورُ [فاطر/ 21]، و قوله: وَ دانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها [الإنسان/ 14]، و من المذموم قوله: وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ‏ [الواقعة/ 43]، و قوله: إِلى‏ ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ‏ [المرسلات/ 30]، الظِّلُّ هاهنا كالظُّلَّةِ لقوله: ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ [الزمر/ 16]، و قوله: لا ظَلِيلٍ‏ [المرسلات/ 31]، لا يفيد فائدة الظِّلِّ في كونه واقيا عن الحرّ،
وَ رُوِيَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا
__________________________________________________
 (1) انظر: الدّرّ المنثور 4/ 630.
 (2) و هي قراءة شاذّة، قرأ بها قتادة و أبيّ بن كعب و ابن مسعود. انظر: إعراب القرآن للنحاس، و البحر المحيط 2/ 125.
 (3) هذا شطر بيت لعبدة بن الطّيب، و عجزه:
         و فار باللّحم للقوم المراجيل‏

و هو في المفضليات ص 141، و شرح المفضليات للتبريزي 2/ 671.
المعنى: رفعنا الأخبية فتظللنا بها.
 (4) الشّطر في عمدة الحفاظ (ظلّل) دون نسبة.

536
مفردات ألفاظ القرآن

ظلل ص 535

مَشَى لَمْ يَكُنْ لَهُ ظِلٌّ» «1».
و لهذا تأويل يختصّ بغير هذا الموضع «2». و ظَلْتُ و ظَلِلْتُ بحذف إحدى اللّامين يعبّر به عمّا يفعل بالنهار، و يجري مجرى صرت، فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏ [الواقعة/ 65]، لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ‏ [الروم/ 51]، ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً [طه/ 97].
ظلم‏
الظُّلْمَةُ: عدمُ النّور، و جمعها: ظُلُمَاتٌ. قال تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ‏ [النور/ 40]، ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ‏ [النور/ 40]، و قال تعالى: أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [النمل/ 63]، وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ [الأنعام/ 1]، و يعبّر بها عن الجهل و الشّرك و الفسق، كما يعبّر بالنّور عن أضدادها.
قال اللّه تعالى: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ* [البقرة/ 257]، أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [إبراهيم/ 5]، فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ‏ [الأنبياء/ 87]، كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ‏ [الأنعام/ 122]، هو كقوله:
كَمَنْ هُوَ أَعْمى‏ [الرعد/ 19]، و قوله في سورة الأنعام: وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَ بُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ‏ [الأنعام/ 39]، فقوله: فِي الظُّلُماتِ‏
 هاهنا موضوع موضع العمى في قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة/ 18]، و قوله: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ‏ [الزمر/ 6]، أي:
البطن و الرّحم و المشيمة، وَ أَظْلَمَ فلانُ: حصل في ظُلْمَةٍ. قال تعالى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ‏ [يس/ 37]، وَ الظُّلْمُ عند أهل اللّغة و كثير من العلماء: وضع الشي‏ء في غير موضعه المختصّ به، إمّا بنقصان أو بزيادة، و إمّا بعدول عن وقته أو مكانه، و من هذا يقال: ظَلَمْتُ السِّقَاءَ: إذا تناولته في غير وقته، و يسمّى ذلك اللّبن الظَّلِيمَ.
و ظَلَمْتُ الأرضَ: حفرتها و لم تكن موضعا للحفر، و تلك الأرض يقال لها: الْمَظْلُومَةُ، و التّراب الّذي يخرج منها: ظَلِيمٌ. و الظُّلْمُ يقال في مجاوزة الحقّ الذي يجري مجرى نقطة الدّائرة، و يقال فيما يكثر و فيما يقلّ من التّجاوز، و لهذا يستعمل في الذّنب الكبير، و في الذّنب الصّغير، و لذلك قيل لآدم في تعدّيه ظَالِمٌ «3»، و في إبليس ظالم، و إن كان بين الظُّلْمَيْنِ بون بعيد. قال بعض الحكماء: الظُّلْمُ ثلاثةٌ:
الأوّل: ظُلْمٌ بين الإنسان و بين اللّه تعالى، و أعظمه: الكفر و الشّرك و النّفاق، و لذلك قال:
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏ [لقمان/ 13]، و إيّاه‏
__________________________________________________
 (1) ذكر ذلك القاضي عياض في الشفاء 1/ 268، و قال السيوطي: أخرج الحكيم الترمذي عن ذكوان أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم لم يكن له ظلّ في شمس و لا قمر. انظر: الخصائص الكبرى 1/ 68، و مناهل الصفا ص 173.
 (2) لعلّ له كتابا في ذلك أو فيما يتعلق بخصائص النبي صلّى اللّه عليه و سلم.
 (3) و ذلك في قوله تعالى: و لا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين* سورة البقرة: آية 35.
و قوله: ربّنا ظلمنا أنفسنا [الأعراف/ 23] و لا يقال ذلك إلا مع الآية دون الإطلاق.

537
مفردات ألفاظ القرآن

ظلم ص 537

قصد بقوله: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏ [هود/ 18]، وَ الظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [الإنسان/ 31]، في آي كثيرة، و قال: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ‏ [الزمر/ 32]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً* [الأنعام/ 93].
و الثاني: ظُلْمٌ بينه و بين الناس، و إيّاه قصد بقوله: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ إلى قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ‏
 «1»، و بقوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ‏ [الشورى/ 42]، و بقوله:
وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً [الإسراء/ 33].
و الثالث: ظُلْمٌ بينه و بين نفسه، و إيّاه قصد بقوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ‏ [فاطر/ 32]، و قوله: ظَلَمْتُ نَفْسِي* [النمل/ 44]، إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ‏ [النساء/ 64]، فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ* [البقرة/ 35]، أي: من الظَّالِمِينَ أنفسهم، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏ [البقرة/ 231].
و كلّ هذه الثّلاثة في الحقيقة ظُلْمٌ للنّفس، فإنّ الإنسان في أوّل ما يهمّ بالظُّلْمِ فقد ظَلَمَ نفسه، فإذا الظَّالِمُ أبدا مبتدئ في الظُّلْمِ، و لهذا قال تعالى في غير موضع: وَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ‏ [النحل/ 33]، وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ* [البقرة/ 57]، و قوله: وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ‏ [الأنعام/ 82]، فقد قيل: هو الشّرك، بدلالة أنه لمّا نزلت هذه الآية شقّ ذلك على أصحاب النبيّ عليه السلام، و قال لهم: «أ لم تروا إلى قوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏
» «2»، و قوله: وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً [الكهف/ 33]، أي: لم تنقص، و قوله: وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [الزمر/ 47]، فإنه يتناول الأنواع الثّلاثة من الظُّلْمِ، فما أحد كان منه ظُلْمٌ ما في الدّنيا إلّا و لو حصل له ما في الأرض و مثله معه لكان يفتدي به، و قوله: هُمْ أَظْلَمَ وَ أَطْغى‏ [النجم/ 52]، تنبيها أنّ الظُّلْمَ لا يغني و لا يجدي و لا يخلّص بل يردي بدلالة قوم نوح. و قوله: وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ [غافر/ 31]، و في موضع: وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق/ 29]، و تخصيص أحدهما بالإرادة مع لفظ العباد، و الآخر بلفظ الظَّلَّامِ للعبيد
__________________________________________________
 (1) الآية: و جزاء سيّئة سيّئة مثلها فمن عفا و أصلح فأجره على اللّه إنّه لا يحبّ الظّالمين. الشورى: 40.
 (2) سورة لقمان: آية 13.
أخرج أحمد و البخاري و مسلم عن عبد اللّه بن مسعود قال: لمّا نزلت هذه الآية: الّذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم شقّ ذلك على الناس، فقالوا: يا رسول اللّه، و أينا لا يظلم نفسه؟! قال: «إنّه ليس الذي تعنون، أ لم تسمعوا ما قال العبد الصالح: إنّ الشّرك لظلم عظيم إنما هو الشرك». انظر: الدر المنثور 3/ 308، و فتح الباري 8/ 294 كتاب التفسير، و مسلم برقم 124، و المسند 1/ 424.

538
مفردات ألفاظ القرآن

ظلم ص 537

يختصّ بما بعد هذا الكتاب «1». و الظَّلِيمُ: ذَكَرُ النعامِ، و قيل: إنّما سمّي بذلك لاعتقادهم أنه مَظْلُومٌ، للمعنى الذي أشار إليه الشاعر:
307-
         فصرت كالهيق عدا يبتغي             قرنا فلم يرجع بأذنين «2»

و الظَّلْمُ: ماء الأسنان. قال الخليل «3»: لقيته أوّل ذي ظَلَمٍ، أو ذي ظَلَمَةٍ، أي: أوّل شي‏ء سدّ بصرك، قال: و لا يشتقّ منه فعل، و لقيته أدنى ظَلَمٍ كذلك.
ظمأ
الظِّمْ‏ءُ: ما بين الشّربتين، و الظَّمَأُ: العطش الذي يعرض من ذلك. يقال: ظَمِئَ يَظْمَأُ فهو ظَمْآنُ. قال تعالى: لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى‏ [طه/ 119]، و قال: يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً [النور/ 39].
ظن‏
الظَّنُّ: اسم لما يحصل عن أمارة، و متى قويت أدّت إلى العلم، و متى ضعفت جدّا لم يتجاوز حدّ التّوهّم، و متى قوي أو تصوّر تصوّر القويّ استعمل معه (أنّ) المشدّدة، و (أن) المخفّفة منها. و متى ضعف استعمل أن المختصّة بالمعدومين من القول و الفعل «4»، فقوله: الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ‏ [البقرة/ 46]، و كذا: يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ‏ [البقرة/ 249]، فمن اليقين، وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ‏ [القيامة/ 28]، و قوله:
أَ لا يَظُنُّ أُولئِكَ‏ [المطففين/ 4]، و هو نهاية في ذمّهم. و معناه: ألا يكون منهم ظَنٌّ لذلك تنبيها أنّ أمارات البعث ظاهرة. و قوله: وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها [يونس/ 24]، تنبيها أنهم صاروا في حكم العالمين لفرط طمعهم و أملهم، و قوله: وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ‏ [ص/ 24]، أي: علم، و الفتنة هاهنا. كقوله:
وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه/ 40]، و قوله: وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ‏ [الأنبياء/ 87]، فقد قيل: الأولى أن يكون من الظَّنِّ الذي هو التّوهّم، أي: ظَنَّ أن لن نضيّق عليه «5». و قوله: وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ‏ [القصص/ 39]، فإنّه استعمل فيه (أنّ) المستعمل مع الظَّنِّ الذي هو للعلم، تنبيها أنهم اعتقدوا ذلك اعتقادهم للشي‏ء المتيقّن و إن لم‏
__________________________________________________
 (1) يريد كتاب تحقيق الألفاظ المترادفة على المعنى الواحد.
 (2) البيت لبشار بن برد، و قبله:
         طالبتها ديني فراغت به             و علقت قلبي مع الدين‏

و هو في الأغاني 3/ 51، و عيون الأخبار 3/ 141، و عمدة الحفاظ: ظلم.
 (3) انظر: العين 8/ 162.
 (4) هذا النقل حرفيا في البصائر 3/ 545، و عمدة الحفاظ: ظنّ.
 (5) و هذا قول عطاء و سعيد بن جبير، و كثير من العلماء. انظر: تفسير القرطبي 11/ 331.

539
مفردات ألفاظ القرآن

ظن ص 539

يكن ذلك متيقنا، و قوله: يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ [آل عمران/ 154]، أي:
يَظُنُّونَ أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم لم يصدقهم فيما أخبرهم به كما ظَنَّ الجاهليّة، تنبيها أنّ هؤلاء المنافقين هم في حيّز الكفار، و قوله: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ‏ [الحشر/ 2]، أي: اعتقدوا اعتقادا كانوا منه في حكم المتيقّنين، و على هذا قوله:
وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ‏ [فصلت/ 22]، و قوله: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ [الفتح/ 6]، هو مفسّر بما بعده، و هو قوله: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ‏ [الفتح/ 12]، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا [الجاثية/ 32]، و الظَّنُّ في كثير من الأمور مذموم، و لذلك قال تعالى: وَ ما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا [يونس/ 36]، وَ إِنَّ الظَّنَ‏ [النجم/ 28]، وَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ‏ [الجن/ 7]، و قرئ: و ما هو على الغيب بِظَنِينٍ «1» أي: بمتّهم.
ظهر
الظَّهْرُ الجارحةُ، و جمعه ظُهُورٌ. قال عزّ و جل:
وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ‏ [الانشقاق/ 10]، مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ‏ [الأعراف/ 172]، أَنْقَضَ ظَهْرَكَ‏ [الشرح/ 3]، و الظَّهْرُ هاهنا استعارة تشبيها للذّنوب بالحمل الذي ينوء بحامله، و استعير لِظَاهِرِ الأرضِ، فقيل: ظَهْرُ الأرضِ و بطنها. قال تعالى: ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر/ 45]، و رجلٌ مُظَهَّرٌ: شديدُ الظَّهْرِ، و ظَهِرٌ: يشتكي ظَهْرَهُ.
و يعبّر عن المركوب بِالظَّهْرِ، و يستعار لمن يتقوّى به، و بعير ظَهِيرٌ: قويّ بيّن الظَّهَارَةِ، و ظِهْرِيٌّ:
معدّ للرّكوب، و الظِّهْرِيُّ أيضا: ما تجعله بِظَهْرِكَ فتنساه. قال تعالى: وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا [هود/ 92]، وَ ظَهَرَ عليه: غلبه، و قال: إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ‏ [الكهف/ 20]، و ظاهَرْتُهُ:
عاونته. قال تعالى: وَ ظاهَرُوا عَلى‏ إِخْراجِكُمْ‏ [الممتحنة/ 9]، وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ‏ [التحريم/ 4]، أي: تعاونا، تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‏ [البقرة/ 85]، و قرئ: (تَظَّاهَرَا) «2»، الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ‏ [الأحزاب/ 26]، وَ ما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ [سبأ/ 22]، أي: معين «3». فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ‏ [القصص/ 86]، وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ [التحريم/ 4]، وَ كانَ الْكافِرُ عَلى‏ رَبِّهِ ظَهِيراً [الفرقان/
__________________________________________________
 (1) سورة التكوير: آية 24، و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و الكسائي و رويس. انظر: إرشاد المبتدي ص 623.
 (2) و هي قراءة نافع و أبي جعفر و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و يعقوب. انظر الإتحاف ص 419.
 (3) و هو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن 2/ 147.

540
مفردات ألفاظ القرآن

ظهر ص 540

55]، أي: معينا للشّيطان على الرّحمن. و قال أبو عبيدة «1»: الظَّهِيرُ هو الْمَظْهُورُ به. أي: هيّنا على ربّه كالشّي‏ء الذي خلّفته، من قولك:
ظَهَرْتُ بكذا، أي: خلفته و لم ألتفت إليه.
و الظِّهَارُ: أن يقول الرّجل لامرأته: أنت عليّ كَظَهْرِ أمّي، يقال: ظَاهَرَ من امرأته. قال تعالى:
وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ‏ [المجادلة/ 3]، و قرئ: يَظَّاهَرُونَ «2» أي: يَتَظَاهَرُونَ، فأدغم، و يَظْهَرُونَ‏ «3»، و ظَهَرَ الشّي‏ءُ أصله:
أن يحصل شي‏ء على ظَهْرِ الأرضِ فلا يخفى، و بَطَنَ إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى، ثمّ صار مستعملا في كلّ بارز مبصر بالبصر و البصيرة. قال تعالى: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ [غافر/ 26]، ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ* [الأعراف/ 33]، إِلَّا مِراءً ظاهِراً [الكهف/ 22]، يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا [الروم/ 7]، أي: يعلمون الأمور الدّنيويّة دون الأخرويّة، و العلمُ الظَّاهِرُ و الباطن تارة يشار بهما إلى المعارف الجليّة و المعارف الخفيّة، و تارة إلى العلوم الدّنيوية، و العلوم الأخرويّة، و قوله: باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ‏ [الحديد/ 13]، و قوله: ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [الروم/ 41]، أي: كثر و شاع، و قوله: نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَ باطِنَةً [لقمان/ 20]، يعني بِالظَّاهِرَةِ: ما نقف عليها، و بالباطنة: ما لا نعرفها، و إليه أشار بقوله: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [النحل/ 18]، و قوله: قُرىً ظاهِرَةً [سبأ/ 18]، فقد حمل ذلك على ظَاهِرِهِ، و قيل: هو مثل لأحوال تختصّ بما بعد هذا الكتاب إن شاء اللّه، و قوله:
فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً [الجن/ 26]، أي: لا يطلع عليه، و قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* [التوبة/ 33]، يصحّ أن يكون من البروز، و أن يكون من المعاونة و الغلبة، أي: ليغلّبه على الدّين كلّه. و على هذا قوله: إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ‏ [الكهف/ 20]، و قوله تعالى: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ‏ [غافر/ 29]، فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ‏ [الكهف/ 97]، و صلاة الظُّهْرِ معروفةٌ، و الظَّهِيرَةُ: وقتُ الظُّهْرِ، و أَظْهَرَ فلانٌ: حصل في ذلك الوقت، على بناء أصبح و أمسى «4». قال تعالى:
وَ لَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ عَشِيًّا وَ حِينَ تُظْهِرُونَ‏ [الروم/ 18].
تمّ كتاب الظاء
__________________________________________________
 (1) انظر: مجاز القرآن 2/ 77.
 (2) قرأ يظّاهرون بفتح الياء و تشديد الظاء و بألف، ابن عامر و حمزة و الكسائي و خلف و أبو جعفر. انظر: إرشاد المبتدي ص 586.
 (3) و قرأ يظّهرون نافع و ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب. انظر: إرشاد المبتدي 586.
 (4) راجع صفحة 82 حاشية 1.

541
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب العين

كتاب العين‏
عبد
الْعُبُودِيَّةُ: إظهار التّذلّل، و الْعِبَادَةُ أبلغُ منها، لأنها غاية التّذلّل، و لا يستحقّها إلا من له غاية الإفضال، و هو اللّه تعالى، و لهذا قال: أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ* [الإسراء/ 23].
و الْعِبَادَةُ ضربان:
عِبَادَةٌ بالتّسخير، و هو كما ذكرناه في السّجود.
و عِبَادَةٌ بالاختيار، و هي لذوي النّطق، و هي المأمور بها في نحو قوله: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ* [البقرة/ 21]، وَ اعْبُدُوا اللَّهَ‏ [النساء/ 36].
و الْعَبْدُ يقال على أربعة أضرب:
الأوّل: عَبْدٌ بحكم الشّرع، و هو الإنسان الذي يصحّ بيعه و ابتياعه، نحو: الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ [البقرة/ 178]، و عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ [النحل/ 75].
الثاني: عَبْدٌ بالإيجاد، و ذلك ليس إلّا للّه، و إيّاه قصد بقوله: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [مريم/ 93].
و الثالث: عَبْدٌ بِالْعِبَادَةِ و الخدمة، و الناس في هذا ضربان:
عبد للّه مخلص، و هو المقصود بقوله:
وَ اذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ‏ [ص/ 41]، إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً [الإسراء/ 3]، نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ‏ [الفرقان/ 1]، عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ‏ [الكهف/ 1]، إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ* [الحجر/ 42]، كُونُوا عِباداً لِي‏ [آل عمران/ 79]، إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* [الحجر/ 40]، وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ‏ [مريم/ 61]، وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان/ 63]، فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلًا [الدخان/ 23]، فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا [الكهف/ 65].
و عَبْدٌ للدّنيا و أعراضها، و هو المعتكف على خدمتها و مراعاتها، و إيّاه‏
قَصَدَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ: «تَعَسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعَسَ عَبْد

542
مفردات ألفاظ القرآن

عبد ص 542

الدِّينَارِ» «1».
و على هذا النحو يصحّ أن يقال:
ليس كلّ إنسان عَبْداً للّه، فإنّ العَبْدَ على هذا بمعنى الْعَابِدِ، لكن الْعَبْدَ أبلغ من العَابِدِ، و الناس كلّهم عِبَادُ اللّه بل الأشياء كلّها كذلك، لكن بعضها بالتّسخير و بعضها بالاختيار، و جمع العَبْدِ الذي هو مُسترَقٌّ: عَبِيدٌ، و قيل: عِبِدَّى «2»، و جمع العَبْدِ الذي هو العَابِدُ عِبَادٌ، فَالْعَبِيدُ إذا أضيف إلى اللّه أعمّ من الْعِبَادِ. و لهذا قال: وَ ما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق/ 29]، فنبّه أنه لا يظلم من يختصّ بِعِبَادَتِهِ و من انتسب إلى غيره من الّذين تسمّوا بِعَبْدِ الشمس و عَبْدِ اللّات و نحو ذلك.
و يقال: طريق مُعَبَّدٌ، أي: مذلّل بالوطء، و بعير مُعَبَّدٌ: مذلّل بالقطران، و عَبَّدتُ فلاناً: إذا ذلّلته، و إذا اتّخذته عَبْداً. قال تعالى: أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ [الشعراء/ 22].
عبث‏
الْعَبَثُ: أن يَخْلُطَ بعمله لعبا، من قولهم:
عَبَثْتُ الأَقِطَ «3»، و الْعَبَثُ: طعامٌ مخلوط بشي‏ء، و منه قيل: الْعَوْبَثَانِيُّ «4» لتمرٍ و سمن و سويق مختلط. قال تعالى: أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ‏ [الشعراء/ 128]، و يقال لما ليس له غرض صحيح: عَبَثٌ. قال: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [المؤمنون/ 115].
عبر
أصل الْعَبْرِ: تجاوزٌ من حال إلى حال، فأمّا الْعُبُورُ فيختصّ بتجاوز الماء، إمّا بسباحة، أو في سفينة، أو على بعير، أو قنطرة، و منه: عِبْرُ النّهر: لجانبه حيث يَعْبُرُ إليه أو منه، و اشتقّ منه:
عِبَرُ العينُ للدّمع، و الْعَبْرَةُ كالدّمعة، و قيل: عَابِرُ سبيلٍ. قال تعالى: إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ‏ [النساء/ 43]، و ناقةٌ عُبْرُ أسفارٍ، و عَبَرَ القومُ: إذا ماتوا، كأنّهم عَبَرُوا قنطرةَ الدّنيا، و أما الْعِبَارَةُ فهي مختصّة بالكلام الْعَابِرِ الهواءِ من لسان المتكلّم إلى سمع السّامع، وَ الِاعْتبَارُ و الْعِبْرَةُ: بالحالة التي يتوصّل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد. قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً* [آل عمران/ 13]، فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ [الحشر/ 2]، وَ التَّعْبِيرُ: مختصّ بِتَعْبِيرِ الرّؤيا، و هو الْعَابِرُ من ظاهرها إلى باطنها، نحو: إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ‏ [يوسف/ 43]، و هو أخصّ من التّأويل، فإنّ التّأويل يقال فيه و في غيره. و الشِّعْرَى الْعَبُورُ، سمّيت بذلك لكونها عَابِرَةً، و الْعُبْرِيُّ: ما ينبت على عبر النّهرِ، و شطّ مُعْبَرٌ: تُرِكَ عليه العبريُّ.
__________________________________________________
 (1) أخرجه البخاري في كتاب الرقائق 7/ 175.
 (2) في اللسان: و من الجمع: عبدان، و عبدان، و عبدّان.
 (3) العبث: تجفيف الأقط في الشمس. انظر: المجمل 3/ 642.
 (4) انظر: المجمل 3/ 642، و اللسان (عبث) 2/ 167.

543
مفردات ألفاظ القرآن

عبس ص 544

عبس‏
الْعُبُوسُ: قُطُوبُ الوجهِ من ضيق الصّدر. قال تعالى: عَبَسَ وَ تَوَلَّى‏ [عبس/ 1]، ثُمَّ عَبَسَ وَ بَسَرَ [المدثر/ 22]، و منه قيل: يوم عَبُوسٌ. قال تعالى: يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً [الإنسان/ 10]، و باعتبار ذلك قيل الْعَبَسُ: لِمَا يَبِسَ على هُلْبِ «1» الذَّنَبِ من البعر و البول، و عَبِسَ الوسخُ على وجهه «2».
عبقر
عَبْقَرٌ قيل: هو موضعٌ للجنّ ينسب إليه كلّ نادر من إنسان، و حيوان، و ثوب، و لهذا
قِيلَ فِي عُمَرَ: «لَمْ أَرَ عَبْقَرِيّاً مِثْلَهُ!» «3».
قال تعالى:
وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ‏ [الرحمن/ 76]، و هو ضرب من الفرش فيما قيل، جعله اللّه مثلا لفرش الجنّة.
عبأ
ما عَبَأْتُ به، أي: لم أبال به، و أصله من الْعِبْ‏ءِ، أي: الثّقل، كأنه قال: ما أرى له وزنا و قدرا. قال تعالى: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي‏ [الفرقان/ 77]، و قيل أصله من: عَبَأْتُ الطّيبَ، كأنه قيل: ما يبقيكم لو لا دعاؤكم، و قيل: عَبَأْتُ الجيشُ، و عَبَّأْتُهُ: هيّأته، و عَبْأَةُ الجاهليّةِ: ما هي مدّخرة في أنفسهم من حميّتهم المذكورة في قوله: فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ [الفتح/ 26].
عتب‏
الْعَتَبُ: كلّ مكان نابٍ بنازله، و منه قيل للمرقاة و لأُسْكُفَّةِ البابِ: عَتَبَةٌ، و كنّي بها عن المرأة فيما
رُوِيَ: «أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِامْرَأَةِ إِسْمَاعِيلَ: قُولِي لِزَوْجِكِ غَيِّرْ عُتْبَةَ بَابِكَ» «4».
و استعير الْعَتْبُ و الْمَعْتَبَةُ لغِلْظَةٍ يجدها الإنسان في نفسه على غيره، و أصله من الْعَتبِ، و بحسبه قيل: خَشُنْتُ بصدر فلان، و وجدت في صدره غلظة، و منه قيل: حمل فلان على عَتَبَةٍ صعبةٍ «5»، أي: حالة شاقّة كقول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 644، و الهلب: شعر الذّنب.
 (2) يقال: عبس الوسخ على وجهه: إذا يبس. انظر: المجمل 3/ 644، و القاموس: عبس.
 (3) الحديث عن أبي هريرة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء اللّه، ثمّ أخذها ابن أبي قحافة، فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين، و في نزعه ضعف، و اللّه يغفر له، ثم استحالت عزبا، فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن» أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي 7/ 22، و مسلم برقم 2392، و انظر: شرح السنة 14/ 89.
 (4) شطر من خبر طويل ذكره الفاسي في شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 2/ 4 عن ابن عباس، و أخرجه البخاري في الأنبياء 6/ 397 و النسائي في فضائل الصحابة ص 84 و عبد الرزاق في المصنف 5/ 109.
 (5) انظر: أساس البلاغة ص 292، و عمدة الحفاظ: عتب.

544
مفردات ألفاظ القرآن

عتب ص 544

308-
         و حملناهم على صعبة زو             راءَ يعلونها بغير وطاء «1»

و قولهم أَعْتَبْتُ فلاناً، أي: أبرزت له الغلظة التي وُجِدَتْ له في الصّدر، و أَعْتَبْتُ فلاناً:
حملته على العَتْبِ. و يقال: أَعْتَبْتُهُ، أي: أزلت عَتْبَهُ عنه، نحو: أشكيته. قال تعالى: فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ‏ [فصلت/ 24]، و الِاسْتِعْتَابُ:
أن يطلب من الإنسان أن يذكر عَتْبَهُ لِيُعْتَبَ، يقال: اسْتَعْتَبَ فلانٌ. قال تعالى: وَ لا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ* [النحل/ 84]، يقال: «لك الْعُتْبَى» «2»، و هو إزالة ما لأجله يُعْتَبُ، و بينهم أُعْتُوبَةٌ، أي: ما يَتَعَاتَبُونَ به، و يقال: عَتَبَ عَتْباً: إذا مشى على رجل مشي المرتقي في درجة.
عتد
الْعَتَادُ: ادّخار الشي‏ء قبل الحاجة إليه كالإعداد، و الْعَتِيدُ: المُعِدُّ و المُعَدُّ. قال تعالى: هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ [ق/ 23]، رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق/ 18]، أي: مُعْتَدٌّ أعمالَ العباد، و قوله: أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً* [النساء/ 18]، قيل: هو أفعلنا من العَتَادِ، و قيل: أصله أعددنا، فأبدل من إحدى الدّالين تاء «3». و فرس عَتِيدٌ و عَتِدٌ: حاضر العدو، و الْعَتُودُ من أولاد المعز، جمعه: أَعْتِدَةٌ، و عِدَّانٌ على الإدغام.
عتق‏
الْعَتِيقُ: المتقدّم في الزمان، أو المكان، أو الرّتبة، و لذلك قيل للقديم: عَتِيقٌ، و للكريم عَتِيقٌ، و لمن خلا عن الرّقّ: عَتِيقٌ. قال تعالى:
وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ‏ [الحج/ 29]، قيل: وصفه بذلك لأنه لم يزل مُعْتَقاً أن تسومه الجبابرة صغارا «4». و الْعَاتِقَانِ: ما بين المنكبين، و ذلك لكونه مرتفعا عن سائر الجسد، و الْعَاتِقُ:
الجارية التي عَتَقَتْ عن الزّوج، لأنّ المتزوّجة مملوكة. و عَتَقَ الفرسُ: تقدّم بسبقه، و عَتَقَ منّي‏
__________________________________________________
 (1) البيت لأبي زبيد الطائي من قصيدة مطلعها:
         خبّرتنا الركبان أن قد فخرتم             و فرحتم بضربة المكّاء
و هو في ديوانه ص 584، و نقائض جرير و الأخطل ص 160، و شرح أشعار الهذليين 1/ 214.
 (2) هذا من دعاء النبي صلّى اللّه عليه و سلم لما خرج إلى الطائف، و صدّه أهلها فقال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، و قلّة حيلتي، و هواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربّ المستضعفين و أنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدوّ ملّكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، و صلح عليه أمر الدنيا و الآخرة، أن يحلّ عليّ غضبك أو أن ينزل بي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، و لا حول و لا قوة إلا بك». راجع: الروض الأنف 2/ 172، و زاد المعاد 2/ 52.
 (3) انظر: البصائر 3/ 18.
 (4) انظر: البصائر 3/ 18، و الدر المنثور 6/ 41، و تذكرة الأريب في تفسير الغريب 2/ 8.

545
مفردات ألفاظ القرآن

عتق ص 545

يمينٌ: تقدّمت، قال الشاعر:
309-
         عليّ أليّة عَتُقَتْ قديما             فليس لها و إن طلبت مرام «1»

عتل‏
الْعَتْلُ: الأخذ بمجامع الشي‏ء و جرّه بقهر، كَعَتْلِ البعيرِ. قال تعالى: فَاعْتِلُوهُ إِلى‏ سَواءِ الْجَحِيمِ‏ [الدخان/ 47]، و الْعُتُلُّ: الأَكُولُ المنوع الذي يَعْتِلُ الشي‏ءَ عَتْلًا. قال: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ‏ [القلم/ 13].
عتو
الْعُتُوُّ: النبوّ عن الطاعة، يقال: عَتَا يَعْتُو عُتُوّاً و عِتِيّاً. قال تعالى: وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً [الفرقان/ 21]، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ‏ [الذاريات/ 44]، عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها [الطلاق/ 8]، بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَ نُفُورٍ [الملك/ 21]، مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا [مريم/ 8]، أي:
حالة لا سبيل إلى إصلاحها و مداواتها. و قيل:
إلى رياضة، و هي الحالة المشار إليها بقول الشاعر: 310-
         و من العناء رياضة الهرم «2»

و قوله تعالى: أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا [مريم/ 69]، قيل: الْعِتِيُّ هاهنا مصدرٌ، و قيل هو جمعُ عَاتٍ «3»، و قيل: الْعَاتِي: الجاسي.
عثر
عَثَرَ الرّجلُ يَعْثُرُ عِثَاراً و عُثُوراً: إذا سقط، و يتجوّز به فيمن يطّلع على أمر من غير طلبه. قال تعالى: فَإِنْ عُثِرَ عَلى‏ أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً [المائدة/ 107]، يقال: عَثَرْتُ على كذا. قال:
وَ كَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ‏ [الكهف/ 21]، أي:
وقّفناهم عليهم من غير أن طلبوا.
عثى‏
الْعَيْثُ و الْعِثِيُّ يتقاربان، نحو: جَذَبَ و جَبَذَ، إلّا أنّ الْعَيْثَ أكثر ما يقال في الفساد الذي يدرك حسّا، و الْعِثِيَّ فيما يدرك حكما. يقال: عَثِيَ يَعْثَى عِثِيّاً «4»، و على هذا: وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* [البقرة/ 60]، و عَثَا يَعْثُو عُثُوّاً، و الْأَعْثَى: لونٌ إلى السّواد، و قيل للأحمق الثّقيل: أَعْثَى.
__________________________________________________
 (1) البيت لأوس بن حجر، و هو في ديوانه ص 115، و المجمل 3/ 646.
يقال: عتق و عتق. انظر: الأفعال 1/ 297.
 (2) الشطر في البصائر 3/ 19 بلا نسبة، و لم يذكر المحقق صدره، و صدره:
         أ تروض عرسك بعد ما هرمت‏

و هو لمالك بن دينار في أمالي القالي 2/ 50، و مجمع البلاغة 1/ 63، و الأمثال و الحكم ص 124، و شرح المقامات للشريشي 2/ 256، و الحيوان 1/ 41 و لم ينسبه المحقق.
 (3) و هو قول مرجوح.
 (4) قال ابن سيده: عثا عثوّا، و عثي عثوا: أفسد أشد الإفساد. و قال ابن منظور: عثى يعثى، عن كراع، نادر. اللسان (عثا).

546
مفردات ألفاظ القرآن

عجب ص 547

عجب‏
الْعَجَبُ و التَّعَجُّبُ: حالةٌ تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشي‏ء، و لهذا قال بعض الحكماء:
الْعَجَبُ ما لا يُعرف سببه، و لهذا قيل: لا يصحّ على اللّه التَّعَجُّبُ، إذ هو علّام الغيوب لا تخفى عليه خافية. يقال: عَجِبْتُ عَجَباً، و يقال للشي‏ء الذي يُتَعَجَّبُ منه: عَجَبٌ، و لما لم يعهد مثله عَجِيبٌ.
قال تعالى: أَ كانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنا [يونس/ 2]، تنبيها أنهم قد عهدوا مثل ذلك قبله، و قوله: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ‏ [ق/ 2]، وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ‏ [الرعد/ 5]، كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً [الكهف/ 9]، أي: ليس ذلك في نهاية العَجَبِ بل في أمورنا أعظم و أَعْجَبُ منه. قُرْآناً عَجَباً [الجن/ 1]، أي: لم يعهد مثله، و لم يعرف سببه. و يستعار مرّة للمونق فيقال: أَعْجَبَنِي كذا أي: راقني. قال تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ‏ [البقرة/ 204]، وَ لا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ‏ [التوبة/ 85]، وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ‏ [التوبة/ 25]، أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ‏ [الحديد/ 20]، و قال: بَلْ عَجِبْتَ وَ يَسْخَرُونَ‏ [الصافات/ 12]، أي: عَجِبْتَ من إنكارهم للبعث لشدّة تحقّقك معرفته، و يسخرون لجهلهم. و قيل: عَجِبْتَ من إنكارهم الوحيَ، و قرأ بعضهم: بَلْ عَجِبْتُ «1» بضمّ التاء، و ليس ذلك إضافة الْمُتَعَجِّبِ إلى نفسه في الحقيقة بل معناه: أنه ممّا يقال عنده: عَجِبْتُ، أو يكون عَجِبْتُ مستعارا بمعنى أنكرت، نحو:
أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ‏ [هود/ 73]، إِنَّ هذا لَشَيْ‏ءٌ عُجابٌ‏ [ص/ 5]، و يقال لمن يروقه نفسه: فلانٌ مُعْجِبٌ بنفسه، و الْعَجْبُ من كلّ دابّة: ما ضَمرَ وَرِكُهُ.
عجز
عَجُز الإنسانِ: مُؤَخَّرُهُ، و به شُبِّهَ مُؤَخَّرُ غيرِهِ.
قال تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر/ 20]، و الْعَجْزُ أصلُهُ التَّأَخُّرُ عن الشي‏ء، و حصوله عند عَجُزِ الأمرِ، أي: مؤخّره، كما ذكر في الدّبر، و صار في التّعارف اسما للقصور عن فعل الشي‏ء، و هو ضدّ القدرة. قال تعالى:
أَ عَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ‏ [المائدة/ 31]، و أَعْجَزْتُ فلاناً و عَجَّزْتُهُ و عَاجَزْتُهُ: جعلته عَاجِزاً. قال: وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ‏ [التوبة/ 2]، وَ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ* [الشورى/ 31]، وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ* [الحج/ 51]، و قرئ: مُعْجِزِينَ «2» فَ مُعاجِزِينَ*
 قيل: معناه ظانّين و مقدّرين أنهم يُعْجِزُونَنَا، لأنهم‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة حمزة و الكسائي و خلف. انظر: إرشاد المبتدي ص 521.
 (2) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو بن العلاء. انظر: إرشاد المبتدي ص 450.

547
مفردات ألفاظ القرآن

عجز ص 547

حسبوا أن لا بعث و لا نشور فيكون ثواب و عقاب، و هذا في المعنى كقوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا [العنكبوت/ 4]، و «مُعَجِّزِينَ»: يَنسُبُون إلى العَجْزِ مَن تَبِعَ النبيَّ صلّى اللّه عليه و سلم، و ذلك نحو: جهّلته و فسّقته، أي: نسبته إلى ذلك. و قيل معناه:
مثبّطين، أي: يثبّطون الناس عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم «1»، كقوله: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ* [الأعراف/ 45]، وَ الْعَجُوزُ سمّيت لِعَجْزِهَا في كثير من الأمور. قال تعالى: إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ*
 [الصافات/ 135]، و قال: أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ [هود/ 72].
عجف‏
قال تعالى: سَبْعٌ عِجافٌ* [يوسف/ 43]، جمعُ أَعْجَفَ، و عَجْفَاءَ، أي: الدّقيق من الهُزال، من قولهم: نصلٌ أَعْجَفُ: دقيق، و أَعْجَفَ الرّجلُ: صارت مواشيه عِجَافاً، و عَجَفَتْ نفسي عن الطّعام، و عن فلان أي: نبت عنهما.
عجل‏
الْعَجَلَةُ: طلب الشي‏ء و تحرّيه قبل أوانه، و هو من مقتضى الشّهوة، فلذلك صارت مذمومة في عامّة القرآن حتى‏
قِيلَ: «الْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ» «2».
قال تعالى: سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ‏ [الأنبياء/ 37]، وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ‏ [طه/ 114]، وَ ما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ‏ [طه/ 83]، وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ‏ [طه/ 84]، فذكر أنّ عَجَلَتَهُ- و إن كانت مذمومة- فالذي دعا إليها أمر محمود، و هو طلب رضا اللّه تعالى. قال تعالى: أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ‏ [النحل/ 1]، وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ [الرعد/ 6]، لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ [النمل/ 46]، وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ* [الحج/ 47]، وَ لَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ [يونس/ 11]، خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ‏ [الأنبياء/ 37]، قال بعضهم: من حمإ «3»، و ليس بشي‏ء بل تنبيه على أنه لا يتعرّى من ذلك، و أنّ ذلك‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الكشف عن وجوه القراءات 2/ 123.
 (2) عن أنس بن مالك عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «التأني من اللّه، و العجلة من الشيطان، و ما أحد أكثر معاذير من اللّه، و ما من شي‏ء أحبّ إلى اللّه من الحمد». أخرجه أبو يعلى و رجاله رجال الصحيح، و أخرجه الترمذي بلفظ: «الأناة من اللّه، و العجلة من الشيطان» و قال: حسن غريب. انظر: عارضة الأحوذي 8/ 172، و مجمع الزوائد 8/ 22، و كشف الخفاء 1/ 195.
 (3) قال اليزيدي: روي عن ابن عباس أنه قال: العجل: الطين، و أنشدوا هذا البيت:
         النبع في الصخرة الصماء منبته             و النخل منبته في السهل و العجل‏

انظر: غريب القرآن و تفسيره ص 254.

548
مفردات ألفاظ القرآن

عجل ص 548

أحد الأخلاق التي ركّب عليها، و على ذلك قال:
وَ كانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا [الإسراء/ 11]، و قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء/ 18]، أي:
الأعراض الدّنيويّة، وهبنا ما نشاء لمن نريد أن نعطيه ذلك. عَجِّلْ لَنا قِطَّنا [ص/ 16]، فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ‏ [الفتح/ 20]، و الْعُجَالَةُ:
ما يُعَجَّلُ أكلُهُ كاللُّهْنَةِ «1»، و قد عَجَّلْتُهُمْ و لهّنتهم، و الْعِجْلَةُ: الإداوةُ الصّغيرةُ التي يُعَجَّلُ بها عند الحَاجة، و الْعَجَلَةُ: خشبة معترضة على نعامة البئر، و ما يحمل على الثّيران، و ذلك لسرعة مرّها. وَ الْعِجْلُ: ولد البقرة لتصوّر عَجَلَتِهَا التي تعدم منه إذا صار ثورا. قال: عِجْلًا جَسَداً* [الأعراف/ 148]، و بقرةٌ مُعْجِلٌ: لها عِجْلٌ.
عجم‏
الْعُجْمَةُ: خلافُ الإبانة، و الْإِعْجَامُ: الإبهام، و اسْتَعْجَمْتُ الدّارَ: إذا بان أهلها و لم يبق فيها عريب، أي: من يبين جوابا، و لذلك قال بعض العرب: خرجت عن بلاد تنطق، كناية عن عمارتها و كون السّكان فيها. و الْعَجَمُ: خلاف العَرَبِ، و الْعَجَمِيُّ منسوبٌ إليهم، و الْأَعْجَمُ: من في لسانه عُجْمَةٌ، عربيّا كان، أو غير عربيّ، اعتبارا بقلّة فهمهم عن العجم. و منه قيل للبهيمة:
عَجْمَاءُ و الْأَعْجَمِيُّ منسوبٌ إليه. قال: وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ‏ [الشعراء/ 198]، على حذف الياءات. قال تعالى: وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌ‏ [فصلت/ 44]، يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ [النحل/ 103]، و سمّيت البهيمة عَجْمَاءَ من حيث إنها لا تبين عن نفسها بالعبارة إبانة النّاطق. و
قِيلَ: «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» «2».
أي: لا يجهر فيها بالقراءة،
 «وَ جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» «3».
و أَعْجَمْتُ الكلامَ ضدّ أَعْرَبْتُ، و أَعْجَمْتُ الكتابةَ: أزلت عُجْمَتَهَا، نحو:
أشكيته: إذا أزلت شكايته. و حروف الْمُعْجَمُ، روي عن الخليل «4» أنها هي الحروف المقطّعة لأنها أَعْجَمِيَّةٌ. قال بعضهم: معنى قوله: أَعْجَمِيَّةٌ أنّ الحروف المتجرّدة لا تدلّ على ما تدلّ عليه‏
__________________________________________________
 (1) في المجمل: و يقال: عجّلت القوم كما يقال: لهّنتهم. انظر: المجمل 3/ 649.
 (2) هذا القيل لأبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود، و ليس حديثا كما يظنه بعض الناس.
و قال الدارقطني: لم يرو عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم، و إنما هو من قول بعض الفقهاء، و حكاه الروياني في بحره، و قال:
المراد أن معظم الصلوات النهارية لا جهر فيها و قيل: هو كلام الحسن البصري. راجع: كشف الخفاء 2/ 28.
 (3) الحديث عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «جرح العجماء جبار، و البئر جبار، و المعدن جبار، و في الركاز الخمس» أخرجه مالك في الموطأ باب جامع العقل (انظر: شرح الزرقاني 4/ 198)، و البخاري في الزكاة 3/ 364، و مسلم في الحدود برقم 1710.
 (4) العين 1/ 238.

549
مفردات ألفاظ القرآن

عجم ص 549

الحروف الموصولة «1». و باب مُعْجَمٌ: مُبْهَمٌ، و الْعَجَمُ: النّوى، الواحدة: عَجَمَةٌ، إمّا لاستتارها في ثَنْيِ ما فيه، و إمّا بما أخفي من أجزائه بضغط المضغ، أو لأنّه أدخل في الفم في حال ما عضّ عليه فأخفي، و الْعَجْمُ: العَضُّ عليه، و فلانٌ صُلْبُ الْمَعْجَمِ، أي: شديدٌ عند المختبر.
عد
الْعَدَدُ: آحاد مركّبة، و قيل: تركيب الآحاد، و هما واحد. قال تعالى: عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ* [يونس/ 5]، و قوله تعالى:
فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً [الكهف/ 11]، فَذِكْرُهُ لِلْعَدَدِ تنبيه على كثرتها.
و الْعَدُّ ضمُّ الأَعْدَادِ بعضها إلى بعض. قال تعالى: لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا [مريم/ 94]، فَسْئَلِ الْعادِّينَ‏ [المؤمنون/ 113]، أي: أصحاب العَدَدِ و الحساب. و قال تعالى:
كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ‏ [المؤمنون/ 112]، وَ إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ‏ [الحج/ 47]، و يتجوّز بِالْعَدِّ على أوجه، يقال: شي‏ءٌ مَعْدُودٌ و محصور، للقليل مقابلة لما لا يحصى كثرة، نحو المشار إليه بقوله: بِغَيْرِ حِسابٍ* [البقرة/ 212]، و على ذلك: إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة/ 80]، أي: قليلة، لأنّهم قالوا: نعذّب الأيّام التي فيها عبدنا العجل، و يقال على الضّدّ من ذلك، نحو: جيشٌ عَدِيدٌ: كثيرٌ، و إنهم لذو عَدَدٍ، أي: هم بحيث يجب أن يُعَدُّوا كثرةً، فيقال في القليل: هو شي‏ء غير مَعْدُودٍ، و قوله: فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً [الكهف/ 11]، يحتمل الأمرين، و منه قولهم: هذا غير مُعْتَدٍّ به، و له عُدَّةٌ، أي: شي‏ء كثير يُعَدُّ من مال و سلاح و غيرهما، قال: لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً [التوبة/ 46]، و ماءٌ عِدٌّ «2»، وَ الْعِدَّةُ: هي الشي‏ء المَعْدُودُ. قال تعالى: وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ‏ [المدثر/ 31]، أي: عَدَدَهُمْ، و قوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ* [البقرة/ 184]، أي: عليه أيّام بِعَدَدِ ما فاته من زمان آخر غير زمان شهر رمضان، إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ [التوبة/ 36]، و الْعِدَّةُ:
عِدَّةُ المرأةِ: و هي الأيّام التي بانقضائها يحلّ لها التّزوّج. قال تعالى: فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها [الأحزاب/ 49]، فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق/ 1]، و الْإِعْدَادُ مِنَ العَدِّ كالإسقاء من السَّقْيِ، فإذا قيل: أَعْدَدْتُ هذا لك، أي: جعلته بحيث تَعُدُّهُ و تتناوله بحسب حاجتك إليه. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 650.
 (2) العدّ: الماء الذي لا ينقطع، كماء العين و البئر. انظر: المجمل 3/ 612.

550
مفردات ألفاظ القرآن

عد ص 550

وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏ [الأنفال/ 60]، و قوله: أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً [النساء/ 18]، وَ أَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ‏ [الفرقان/ 11]، و قوله: وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً [يوسف/ 31]، قيل: هو منه، و قوله: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة/ 184]، أي: عدد ما قد فاته، و قوله: وَ لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ [البقرة/ 185]، أي: عِدَّةَ الشّهر، و قوله: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ* [البقرة/ 184]، فإشارة إلى شهر رمضان. و قوله: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ‏ [البقرة/ 203]، فهي ثلاثة أيّام بعد النّحر، و المعلومات عشر ذي الحجّة. و عند بعض الفقهاء: الْمَعْدُودَاتُ يومُ النّحر و يومان بعده «1»، فعلى هذا يوم النّحر يكون من المَعْدُودَاتِ و المعلومات، و الْعِدَادُ: الوقت الذي يُعَدُّ لمعاودة الوجع، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:
 «مَا زَالَتِ أُكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادُّنِي» «2».
و عِدَّانُ الشي‏ءِ: عهده و زمانه.
عدس‏
الْعَدَسُ: الحبّ المعروف. قال تعالى:
وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها [البقرة/ 61]، و الْعَدَسَةُ:
بَثْرَةٌ على هيئته، و عَدَسْ: زجرٌ للبغل و نحوه، و منه: عَدَسَ في الأرض «3»، و هي عَدُوسٌ «4».
عدل‏
الْعَدَالَةُ و الْمُعَادَلَةُ: لفظٌ يقتضي معنى المساواة، و يستعمل باعتبار المضايفة، و الْعَدْلُ و الْعِدْلُ يتقاربان، لكن الْعَدْلَ يستعمل فيما يدرك بالبصيرة كالأحكام، و على ذلك قوله: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [المائدة/ 95]، و الْعِدْلَ و الْعَدِيلَ فيما يدرك بالحاسّة، كالموزونات و المعدودات و المكيلات، فَالْعَدْلُ هو التّقسيط على سواء، و على هذا
رُوِيَ: «بِالْعَدْلِ قَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ» «5».
تنبيها أنه لو كان ركن من الأركان الأربعة في العالم زائدا على الآخر، أو ناقصا عنه‏
__________________________________________________
 (1) و هذا قول علي بن أبي طالب، أخرجه عنه عبد بن حميد و ابن أبي الدنيا و ابن أبي حاتم. انظر: الدر المنثور 1/ 561.
 (2) شطر من حديث اليهودية التي سمّت النبي صلّى اللّه عليه و سلم، أخرجه أبو داود بلفظ: «ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري» في الديات: باب من سقى رجلا سمّا 4/ 175.
و أخرجه الدارمي 1/ 32، و ذكره القاضي عياض في الشفاء 1/ 317، و قال السيوطي: الحديث ذكره ابن سعد، و هو في الصحيح من حديث عائشة. انظر: مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا ص 134.
 (3) يقال: عدس في الأرض: ذهب فيها. انظر: المجمل 3/ 651.
 (4) يقال: امرأة عدوس السّرى: إذا كانت قويّة عليها.
 (5) أخرج أبو داود عن ابن عباس قال: افتتح رسول اللّه خيبر، و اشترط أنّ له الأرض و كلّ صفراء و بيضاء، قال أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض منكم فأعطناها على أنّ لكم نصف الثمرة، و لنا نصف، فزعم أنه أعطاهم على ذلك،.

551
مفردات ألفاظ القرآن

عدل ص 551

على مقتضى الحكمة لم يكن العالم منتظما.
و الْعَدْلُ ضربان:
مطلق: يقتضي العقل حسنه، و لا يكون في شي‏ء من الأزمنة منسوخا، و لا يوصف بالاعتداء بوجه، نحو: الإحسان إلى من أحسن إليك، و كفّ الأذيّة عمّن كفّ أذاه عنك.
و عَدْلٌ يُعرَف كونه عَدْلًا بالشّرع، و يمكن أن يكون منسوخا في بعض الأزمنة، كالقصاص و أروش الجنايات، و أصل مال المرتدّ. و لذلك قال: فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ [البقرة/ 194]، و قال: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشورى/ 40]، فسمّي اعتداء و سيئة، و هذا النحو هو المعنيّ بقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ‏ [النحل/ 90]، فإنّ الْعَدْلَ هو المساواة في المكافأة إن خيرا فخير، و إن شرّا فشرّ، و الإحسان أن يقابل الخير بأكثر منه، و الشرّ بأقلّ منه، و رجلٌ عَدْلٌ: عَادِلٌ، و رجالٌ عَدْلٌ، يقال في الواحد و الجمع، قال الشاعر: 311-
         فهم رضا و هم عَدْلٌ «1»

و أصله مصدر كقوله: وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ‏ [الطلاق/ 2]، أي: عَدَالَةٍ. قال تعالى:
وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ‏ [الشورى/ 15]، و قوله: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ [النساء/ 129]، فإشارة إلى ما عليه جبلّة النّاس من الميل، فالإنسان لا يقدر على أن يسوّي بينهنّ في المحبّة، و قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً [النساء/ 3]، فإشارة إلى الْعَدْلِ الذي هو القسم و النّفقة، و قال: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‏ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا [المائدة/ 8]، و قوله: أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً [المائدة/ 95]، أي: ما يُعَادِلُ من الصّيام الطّعام، فيقال للغذاء: عَدْلٌ إذا اعتبر فيه معنى المساواة. و
قَوْلُهُمْ:
 «لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَ لَا عَدْلٌ» «2».
فَالْعَدْلُ قيل: هو كناية عن الفريضة، و حقيقته ما تقدّم، و الصّرف: النّافلة، و هو الزّيادة على ذلك فهما كالعَدْلِ و الإحسان. و معنى أنه لا يقبل منه أنه لا
__________________________________________________
فلما كان حين يصرم النخل بعث إليهم عبد اللّه بن رواحة، فحزر عليهم النخل- و هو الذي يسميه أهل المدينة الخرص- فقال: في ذه كذا و كذا، قالوا: أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا، ألي حزر النخل و أعطيكم نصف الذي قلت. قالوا: هذا الحق، و به تقوم السماء و الأرض، قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت. سنن أبي داود رقم (3410) باب في المخابرة.
 (1) البيت:
         متى يشتجر قوم يقل سرواتهم             هم بيننا فهم رضا و هم عدل‏

و هو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص 61، و المجمل 3/ 651.
 (2) شطر حديث تقدم في مادة (صرف)، و هو أيضا عند البخاري: «المدينة حرام ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين، لا يقبل منه صرف و لا عدل» أخرجه في الجهاد، انظر فتح الباري 6/ 200، و أخرجه مسلم أيضا في الحج برقم 1370.

552
مفردات ألفاظ القرآن

عدل ص 551

يكون له خير يقبل منه، و قوله: بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ* [الأنعام/ 1]، أي: يجعلون له عَدِيلًا فصار كقوله: هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ [النحل/ 100]، و قيل: يَعْدِلُونَ بأفعاله عنه و ينسبونها إلى غيره، و قيل: يَعْدِلُونَ بعبادتهم عنه تعالى، و قوله: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ‏ [النمل/ 60]، يصحّ أن يكون من قولهم: عَدَلَ عن الحقّ: إذا جار عُدُولًا، و أيّام مُعْتَدِلَاتٌ: طيّبات لِاعْتِدَالِهَا، و عَادَلَ بين الأمرين: إذا نظر أيّهما أرجح، و عَادَلَ الأمرَ: ارتبك فيه، فلا يميل برأيه إلى أحد طرفيه، و قولهم: (وضع على يدي عَدْلٍ) فمثل مشهور «1».
عدن‏
قال تعالى: جَنَّاتِ عَدْنٍ* [النحل/ 31]، أي: استقرار و ثبات، و عَدَنَ بمكان كذا: استقرّ، و منه الْمَعْدِنُ: لمستقرّ الجواهر، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْمَعْدِنُ جُبَارٌ» «2».
عدا
الْعَدْوُ: التّجاوز و منافاة الالتئام، فتارة يعتبر بالقلب، فيقال له: الْعَدَاوَةُ و الْمُعَادَاةُ، و تارة بالمشي، فيقال له: الْعَدْوُ، و تارة في الإخلال بالعدالة في المعاملة، فيقال له: الْعُدْوَانُ و الْعَدْوُ. قال تعالى: فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ [الأنعام/ 108]، و تارة بأجزاء المقرّ، فيقال له: الْعَدْوَاءُ. يقال: مكان ذو عَدْوَاءَ «3»، أي: غير متلائم الأجزاء. فمن الْمُعَادَاةِ يقال:
رجلٌ عَدُوٌّ، و قومٌ عَدُوٌّ. قال تعالى: بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ* [طه/ 123]، و قد يجمع على عِدًى و أَعْدَاءٍ. قال تعالى: وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ‏ [فصلت/ 19]، و الْعَدُوُّ ضربان:
أحدهما: بقصد من المُعَادِي نحو: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ‏ [النساء/ 92]، جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ‏ [الفرقان/ 31]، و في أخرى: عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِ‏ [الأنعام/ 112].
و الثاني: لا بقصده بل تعرض له حالة يتأذّى بها كما يتأذّى ممّا يكون من الْعِدَى، نحو قوله:
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ‏ [الشعراء/ 77]، و قوله في الأولاد: عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ‏ [التغابن/ 14]، و من الْعَدْوِ يقال:
__________________________________________________
 (1) و هو مثل يضرب لكل شي‏ء قد يئس منه. و العدل هو العدل بن جزء، كان ولي شرط تبّع، فكان تبّع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه، فقيل: وضع على يدي عدل. ثم قيل ذلك لكل شي‏ء يئس منه. انظر: المجمل 3/ 652، و مجمع الأمثال 2/ 8.
 (2) عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «السائبة جبار، و الجبّ جبار، و المعدن جبار، و في الركاز الخمس» أخرجه أحمد في المسند 3/ 354، و فيه مجالد بن سعيد و قد اختلط، و أبو يعلى، و الدارقطني 3/ 178. و انظر: مجمع الزوائد 6/ 306.
 (3) العدواء: المكان الذي لا يطمئن من قعد عليه. انظر: المجمل 3/ 653.

553
مفردات ألفاظ القرآن

عدا ص 553

312-
         فَعَادَى عِدَاءً بين ثور و نعجة «1»

أي: أَعْدَى أحدهما إثر الآخر، و تَعَادَتِ المواشي بعضها في إثر بعض، و رأيت عِدَاءَ القوم الّذين يَعْدُونَ من الرَّجَّالَةِ. و الِاعْتِدَاءُ:
مجاوزة الحقّ. قال تعالى: وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا [البقرة/ 231]، و قال: وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ‏ [النساء/ 14]، اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ‏ [البقرة/ 65]، فذلك بأخذهم الحيتان على جهة الاستحلال، قال: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها [البقرة/ 229]، و قال: فَأُولئِكَ هُمُ الْعادُونَ* [المؤمنون/ 7]، فَمَنِ اعْتَدى‏ بَعْدَ ذلِكَ* [البقرة/ 178]، بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ‏ [الشعراء/ 166]، أي: مُعْتَدُونَ، أو مُعَادُونَ، أو متجاوزون الطّور، من قولهم: عَدَا طوره، وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ* [البقرة/ 190]. فهذا هو الِاعْتِدَاءُ على سبيل الابتداء لا على سبيل المجازاة، لأنه قال:
فَمَنِ اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى‏ عَلَيْكُمْ‏ [البقرة/ 194]، أي: قابلوه بحسب اعْتِدَائِهِ و تجاوزوا إليه بحسب تجاوزه.
و من الْعُدْوَانِ المحظور ابتداء قوله: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‏ [المائدة/ 2]، و من العُدْوَانِ الذي هو على سبيل المجازاة، و يصحّ أن يتعاطى مع من ابتدأ قوله: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ‏ [البقرة/ 193]، وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً [النساء/ 30]، و قوله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ* [البقرة/ 173]، أي: غَيْرَ باغٍ* لتناول لذّة، وَ لا عادٍ*
 أي متجاوز سدّ الجوعة. و قيل: غَيْرَ باغٍ* على الإمام وَ لا عادٍ* في المعصية طريق المخبتين «2». و قد عَدَا طورَهُ: تجاوزه، و تَعَدَّى إلى غيره، و منه: التَّعَدِّي في الفعل. و تَعْدِيَةُ الفعلِ في النّحو هو تجاوز معنى الفعل من الفاعل إلى المفعول. و ما عَدَا كذا يستعمل في الاستثناء، و قوله: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ [الأنفال/ 42]، أي: الجانب المتجاوز للقرب.
عذب‏
ماءٌ عَذْبٌ طيّب بارد. قال تعالى: هذا عَذْبٌ فُراتٌ* [الفرقان/ 53]، و أَعْذَبَ القومُ:
صار لهم ماءٌ عَذْبٌ، و الْعَذَابُ: هو الإيجاع الشّديد، و قد عَذَّبَهُ تَعْذِيباً: أكثر حبسه في‏
__________________________________________________
 (1) شطر بيت، و عجزه:
         دراكا و لم ينضح بماء فيغسل‏

و هو لامرئ القيس في ديوانه ص 120.
 (2) و هذا قول مجاهد. و انظر: الدر المنثور 1/ 408.

554
مفردات ألفاظ القرآن

عذب ص 554

العَذَابِ. قال: لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً [النمل/ 21]، وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ‏ [الأنفال/ 33]، أي: ما كان يُعَذِّبُهُمْ عَذَابَ الاستئصالِ، و قوله: وَ ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ‏ [الأنفال/ 34]، لا يُعَذِّبُهُمْ بالسّيف، و قال:
وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ‏ [الإسراء/ 15]، وَ ما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ* [الشعراء/ 138]، وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ‏ [الصافات/ 9]، وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* [البقرة/ 10]، وَ أَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ‏ [الحجر/ 50]، و اختلف في أصله، فقال بعضهم: هو من قولهم: عَذَبَ الرّجلُ: إذا ترك المأكل و النّوم «1»، فهو عَاذِبٌ و عَذُوبٌ، فَالتَّعْذِيبُ في الأصل هو حمل الإنسان أن يُعَذَّبَ، أي: يجوع و يسهر، و قيل: أصله من الْعَذْبِ، فَعَذَّبْتُهُ أي: أزلت عَذْبَ حياته على بناء مرّضته و قذّيته، و قيل: أصل التَّعْذِيبِ إكثارُ الضّرب بِعَذَبَةِ السّوطِ، أي: طرفها، و قد قال بعض أهل اللّغة: التَّعْذِيبُ هو الضّربُ، و قيل:
هو من قولهم: ماءٌ عَذِبٌ إذا كان فيه قذى و كدر، فيكون عَذَّبْتُهُ كقولك: كدّرت عيشه، و زلّقت حياته، و عَذَبَةُ السّوطِ و اللّسانِ و الشجرِ: أطرافُها.
عذر
الْعُذْرُ: تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه.
و يقال: عُذْرٌ و عُذُرٌ، و ذلك على ثلاثة أضرب:
إمّا أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا، أو يقول: فعلت و لا أعود، و نحو ذلك من المقال. و هذا الثالث هو التّوبة، فكلّ توبة عُذْرٌ و ليس كلُّ عُذْرٍ توبةً، و اعْتذَرْتُ إليه: أتيت بِعُذْرٍ، و عَذَرْتُهُ:
قَبِلْتُ عُذْرَهُ. قال تعالى: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا [التوبة/ 94]، و الْمُعْذِرُ: من يرى أنّ له عُذْراً و لا عُذْرَ له. قال تعالى: وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ‏ [التوبة/ 90]، و قرئ (الْمُعْذِرُونَ) «2» أي: الذين يأتون بالعُذْرِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُعَذِّرِينَ وَ رَحِمَ الْمُعْذِرِينَ «3».
و قوله: قالُوا مَعْذِرَةً إِلى‏ رَبِّكُمْ‏ [الأعراف/ 164]، فهو مصدر عَذَرْتُ، كأنه قيل: أطلب منه أن يَعْذُرَنِي، و أَعْذَرَ: أتى بما صار به مَعْذُوراً، و
قِيلَ: أَعْذَرَ مَنْ أَنْذَرَ «4».
: أتى بما صار به مَعْذُوراً، قال بعضهم: أصل الْعُذْرِ من الْعَذِرَةِ و هو الشي‏ء النجس «5»، و منه سمّي القُلْفَةُ
__________________________________________________
 (1) و هذا قول الأزهري، فإنه قال: القول في العذوب و العاذب أنه الذي لا يأكل و لا يشرب. انظر: اللسان (عذب).
 (2) و بها قرأ يعقوب الحضرمي. انظر: إرشاد المبتدي ص 355.
 (3) انظر: الدر المنثور 4/ 260، و الأضداد لابن الأنباري ص 321، و اللسان (عذر). قال ابن الأنباري: كأنّ المعذر عنده الذي يأتي بمحض العذر، و المعذّر: المقصر، و انظر عمدة الحفاظ: عذر.
 (4) انظر: الأضداد ص 321، و البصائر 4/ 36.
 (5) راجع: اللسان مادة (عذر).

555
مفردات ألفاظ القرآن

عذر ص 555

الْعُذْرَةُ، فقيل: عَذَرْتُ الصّبيَّ: إذا طهّرته و أزلت عُذْرَتَهُ، و كذا عَذَرْتُ فلاناً: أزلت نجاسة ذنبه بالعفو عنه، كقولك: غفرت له، أي: سترت ذنبه، و سمّي جلدة البكارة عُذْرَةً تشبيها بِعُذْرَتِهَا التي هي القُلْفَةُ، فقيل: عَذَرْتُهَا، أي:
افْتَضَضْتُهَا، و قيل للعارض في حلق الصّبيّ عُذْرَةٌ، فقيل: عُذِرَ الصّبيُّ إذا أصابه ذلك، قال الشاعر:
313-
         غمز الطّبيب نغانغ الْمَعْذُورِ «1»

و يقال: اعْتَذَرَتِ المياهُ: انقطعت، و اعْتَذَرَتِ المنازلُ: درست، على طريق التّشبيه بِالْمُعْتَذِرِ الذي يندرس ذنبه لوضوح عُذْرِهِ، و الْعَاذِرَةُ قيل:
المستحاضة «2»، و الْعَذَوَّرُ: السّيّئُ الخُلُقِ اعتبارا بِالْعَذِرَةِ، أي: النّجاسة، و أصل الْعَذِرَةِ: فناءُ الدّارِ، و سمّي ما يلقى فيه باسمها.
عرَّ
قال تعالى: أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ [الحج/ 36]، و هو المعترض للسّؤال، يقال: عَرَّهُ يَعُرُّهُ، و اعْتَرَرْتُ بك حاجتي، وَ الْعَرُّ و الْعُرُّ:
الجرب الذي يَعُرُّ البدنَ. أي: يعترضه «3»، و منه قيل للمضرّة: مَعَرَّةٌ، تشبيها بالعُرِّ الذي هو الجرب.
قال تعالى: فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ‏ [الفتح/ 25]. و الْعِرَارُ: حكايةُ حفيفِ الرّيحِ، و منه: الْعِرَارُ لصوت الظّليم حكاية لصوتها، و قد عَارَّ الظّليم، و الْعَرْعَرُ: شجرٌ سمّي به لحكاية صوت حفيفها، و عَرْعَارٌ: لُعبةٌ لهم حكاية لصوتها.
عرب‏
الْعَرَبُ: وُلْدُ إسماعيلَ، و الْأَعْرَابُ جمعه في الأصل، و صار ذلك اسما لسكّان البادية.
قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا [الحجرات/ 14]، الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً [التوبة/ 97]، وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة/ 99]، و قيل في جمع الأَعْرَابِ:
أَعَارِيبُ، قال الشاعر:
314-
         أَعَارِيبُ ذوو فخر بإفك             و ألسنة لطاف في المقال «4»

__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت لجرير، و شطره:
         غمز ابن مرّة يا فرزدق كينها

و هو في ديوان ص 885، و المجمل 3/ 655، و الأضداد ص 322، و تهذيب اللغة 2/ 310. النغانغ: لحمات عند اللهوات.
 (2) قال ابن فارس: و يقال: إنّ العاذرة: المرأة المستحاضة، و فيه نظر، كأنهم أقاموا الفاعل مقام المفعول، لأنها تعذر في ترك الوضوء و الاغتسال. انظر: المجمل 3/ 656.
 (3) انظر: المجمل 3/ 612.
 (4) البيت في شرح الحماسة للتبريزي 4/ 44 دون نسبة، و بعده:
         رضوا بصفات ما عدموه جهلا             و حسن القول من حسن الفعال‏

و شطره الأول في عمدة الحفاظ: عرب.

556
مفردات ألفاظ القرآن

عرب ص 556

و الْأَعْرَابِيُّ في التّعارف صار اسما للمنسوبين إلى سكّان البادية، و الْعَرَبِيُّ: المفصح، و الْإِعْرَابُ: البيانُ. يقال: أَعْرَبَ عن نفسه. و
فِي الْحَدِيثِ: «الثَّيِّبُ تُعْرِبُ عَنْ نَفْسِهَا» «1».
أي:
تبيّن. و إِعْرَابُ الكلامِ: إيضاح فصاحته، و خصّ الْإِعْرَابُ في تعارف النّحويّين بالحركات و السّكنات المتعاقبة على أواخر الكلم، و الْعَرَبِيُّ: الفصيح البيّن من الكلام، قال تعالى:
قُرْآناً عَرَبِيًّا* [يوسف/ 2]، و قوله: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ‏ [الشعراء/ 195]، فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [فصلت/ 3]، حُكْماً عَرَبِيًّا [الرعد/ 37]، و ما بالدّار عَرِيبٌ. أي: أحدٌ يُعْرِبُ عن نفسه، و امرأةٌ عَرُوبَةٌ: مُعْرِبَةٌ بحالها عن عفّتها و محبّة زوجها، و جمعها: عُرُبٌ. قال تعالى: عُرُباً أَتْراباً [الواقعة/ 37]، و عَرَّبْتُ عليه: إذا رددت من حيث الإعراب. و
فِي الْحَدِيثِ: «عَرِّبُوا عَلَى الْإِمَامِ» «2».
و الْمُعْرِبُ:
صاحب الفرس الْعَرَبِيِّ، كقولك: الْمُجْرِبُ لصاحب الجرب. و قوله: حُكْماً عَرَبِيًّا [الرعد/ 37]، قيل: معناه: مفصحا يحقّ الحقّ و يبطل الباطل، و قيل: معناه شريفا كريما، من قولهم: عُرُبٌ أتراب، أو وصفه بذلك كوصفه بكريم في قوله: كِتابٌ كَرِيمٌ [النمل/ 29]. و قيل: معناه: مُعْرِباً من قولهم: عَرِّبُوا على الإمام. و معناه ناسخا لما فيه من الأحكام، و قيل: منسوب إلى النّبيّ العربيّ، و الْعَرَبِيُّ إذا نسب إليه قيل عَرَبِيٌّ، فيكون لفظه كلفظ المنسوب إليه، و يَعْرُبُ «3» قيل: هو أوّل من نقل السّريانيّة إلى العَرَبِيَّةِ، فسمّي باسم فعله.
عرج‏
الْعُرُوجُ: ذهابٌ في صعود. قال تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ‏ [المعارج/ 4]، فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ‏ [الحجر/ 14]، و الْمَعَارِجُ:
المصاعد. قال: ذِي الْمَعارِجِ [المعارج/ 3]، و ليلة الْمِعْرَاجِ سمّيت لصعود الدّعاء فيها إشارة إلى قوله: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر/ 10]، و عَرَجَ عُرُوجاً و عَرَجَاناً: مشى مشي الْعَارِجِ. أي: الذاهب في صعود، كما يقال: درج: إذا مشى مشي الصاعد في درجه، و عَرِجَ: صار ذلك خلقة له «4»، و قيل للضّبع:
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عدي بن عدي الكندي عن أبيه عن رسول اللّه قال: «أشيروا على النساء في أنفسهن»، فقالوا: إن البكر تستحي يا رسول اللّه. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «الثيب تعرب عن نفسها بلسانها، و البكر رضاها صمتها» أخرجه أحمد في المسند 4/ 192.
 (2) لم أجده.
 (3) هو يعرب بن قحطان، أبو اليمن كلهم، و هم العرب العاربة، و نشأ سيدنا إسماعيل معهم فتكلّم بلسانهم.
 (4) انظر: الأفعال 1/ 287.

557
مفردات ألفاظ القرآن

عرج ص 557

عَرْجَاءُ، لكونها في خلقتها ذات عَرَجٍ، و تَعَارَجَ نحو: تضالع، و منه استعير:
315-
         عَرِّجْ قليلا عن مدى غلوائكا «1»

أي: احبسه عن التّصعّد. و الْعَرْجُ: قطيعٌ ضخم من الإبل، كأنّه قد عَرَجَ كثرةً، أي:
صعد.
عرجن‏
قال تعالى: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ‏ [يس/ 39]، أي: ألفافه من أغصانه.
عرش‏
الْعَرْشُ في الأصل: شي‏ء مسقّف، و جمعه عُرُوشٌ. قال تعالى: وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى‏ عُرُوشِها* [البقرة/ 259]، و منه قيل: عَرَشْتُ الكرمَ و عَرَّشْتُهُ: إذا جعلت له كهيئة سقف، و قد يقال لذلك الْمُعَرَّشُ. قال تعالى: مَعْرُوشاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ‏ [الأنعام/ 141]، وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ‏ [النحل/ 68]، وَ ما كانُوا يَعْرِشُونَ‏ [الأعراف/ 137]. قال أبو عبيدة «2»: يبنون، و اعْتَرَشَ العنبَ: رَكَّبَ عَرْشَهُ، و الْعَرْشُ: شبهُ هودجٍ للمرأة شبيها في الهيئة بِعَرْشِ الكرمِ، و عَرَّشْتُ البئرَ: جعلت له عَرِيشاً. و سمّي مجلس السّلطان عَرْشاً اعتبارا بعلوّه. قال: وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ‏ [يوسف/ 100]، أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها [النمل/ 38]، نَكِّرُوا لَها عَرْشَها [النمل/ 41]، أَ هكَذا عَرْشُكِ‏ [النمل/ 42]، و كنّي به عن العزّ و السّلطان و المملكة، قيل: فلان ثُلَّ عَرْشُهُ. و
رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رُئِيَ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: لَوْ لَا أَنْ تَدَارَكَنِي بِرَحْمَتِهِ لَثُلَّ عَرْشِي «3».
و عَرْشُ اللّهِ: ما لا يعلمه البشر على الحقيقة إلّا بالاسم، و ليس كما تذهب إليه أوهام العامّة، فإنه لو كان كذلك لكان حاملا له، تعالى عن ذلك، لا محمولا، و اللّه تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر/ 41]، و قال قوم: هو الفلك الأعلى و الكرسيّ فلك الكواكب، و استدلّ بما
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَ الْأَرَضُونَ السَّبْعُ فِي جَنْبِ الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ وَ الْكُرْسِيُّ عِنْدَ الْعَرْشِ‏
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت للصولي، و صدره:
         أبا جعفر خفّ نبوّة بعد صولة

و هو في ديوانه ص 161، و محاضرات الأدباء 1/ 109، و الصّداقة و الصّديق ص 35، و الممتع للقيرواني ص 249.
 (2) راجع: مجاز القرآن 1/ 227.
 (3) انظر: البصائر 4/ 42، و عمدة الحفاظ: عرش.

558
مفردات ألفاظ القرآن

عرش ص 558

كَذَلِكَ» «1».
و قوله تعالى: وَ كانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ [هود/ 7]، تنبيه أنّ العَرْشَ لم يزل منذ أوجد مستعليا على الماء، و قوله: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج/ 15]، رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ‏ [غافر/ 15]، و ما يجري مجراه قيل:
هو إشارة إلى مملكته و سلطانه لا إلى مقرّ له يتعالى عن ذلك.
عرض‏
الْعَرْضُ: خلافُ الطّولِ، و أصله أن يقال في الأجسام، ثمّ يستعمل في غيرها كما قال:
فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ‏ [فصلت/ 51].
و الْعُرْضُ خصّ بالجانب، و أَعْرَضَ الشي‏ءُ: بدا عُرْضُهُ، و عَرَضْتُ العودَ على الإناء، و اعْتَرَضَ الشي‏ءُ في حلقه: وقف فيه بِالْعَرْضِ، و اعْتَرَضَ الفرسُ في مشيه، و فيه عُرْضِيَّةٌ. أي: اعْتِرَاضٌ في مشيه من الصّعوبة، و عَرَضْتُ الشي‏ءَ على البيع، و على فلان، و لفلان نحو: ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ [البقرة/ 31]، وَ عُرِضُوا عَلى‏ رَبِّكَ صَفًّا [الكهف/ 48]، إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ [الأحزاب/ 72]، وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً [الكهف/ 100]، وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ* [الأحقاف/ 20]. و عَرَضْتُ الجندَ، و الْعَارِضُ:
البادي عَرْضُهُ، فتارةً يُخَصُّ بالسّحاب نحو:
هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا [الأحقاف/ 24]، و بما يَعْرِضُ من السَّقَمِ، فيقال: به عَارِضٌ من سُقْمٍ، و تارة بالخدِّ نحو: أَخَذَ من عَارِضَيْهِ، و تارة بالسِّنِّ، و منه قيل: الْعَوَارِضُ للثّنايا التي تظهر عند الضّحك، و قيل: فلانٌ شديدُ الْعَارِضَةِ «2» كناية عن جودة البيان، و بعيرٌ عَرُوضٌ: يأكل الشّوك بِعَارِضَيْهِ، و الْعُرْضَةُ: ما يُجْعَلُ مُعَرَّضاً للشي‏ء. قال تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ‏ [البقرة/ 224]، و بعيرٌ عُرْضَةٌ للسّفر. أي: يجعل مُعَرَّضاً له، و أَعْرَضَ: أظهر عرضه. أي: ناحيته. فإذا قيل: أَعْرَضَ لي كذا.
أي: بَدَا عرضه فأمكن تناولُهُ، و إذا قيل: أَعْرَضَ عنّي، فمعناه: ولّى مُبدئا عرضه. قال: ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها [السجدة/ 22]، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ‏ [النساء/ 63]، وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ‏ [الأعراف/ 199]، وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي‏ [طه/ 124]، وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ‏ [الأنبياء/ 32]، و ربما حذف عنه استغناء عنه نحو: إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ‏ [النور/ 48]، ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول اللّه أيما أنزل عليك أعظم؟ قال: «آية الكرسي»، ثم قال: «يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، و فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة». أخرجه البيهقي في الأسماء و الصفات ص 511، و ابن أبي شيبة في كتاب العرش ص 77. و هو ضعيف.
 (2) انظر: البصائر 4/ 44. و منه سمّى ابن العربي شرحه للترمذي: عارضة الأحوذي.

559
مفردات ألفاظ القرآن

عرض ص 559

مُعْرِضُونَ [آل عمران/ 23]، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ‏ [سبأ/ 16]، و قوله: وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ‏ [آل عمران/ 133]، فقد قيل: هو الْعَرْضُ الذي خلاف الطّول، و تصوُّرُ ذلك على أحد وجوه: إمّا أن يريد به أن يكون عَرْضُهَا في النّشأة الآخرة كَعَرْضِ السّماوات و الأرض في النّشأة الأولى، و ذلك أنه قد قال: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَ السَّماواتُ [إبراهيم/ 48]، و لا يمتنع أن تكون السّماوات و الأرض في النّشأة الآخرة أكبر ممّا هي الآن. و
رُوِيَ أَنَّ يَهُودِيّاً سَأَلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِذَا جَاءَ اللَّيْلُ فَأَيْنَ النَّهَارُ «1».
و قيل: يعني بِعَرْضِهَا سَعَتَهَا لا من حيث المساحة و لكن من حيث المسرّة، كما يقال في ضدّه:
الدّنيا على فلان حلقة خاتم، و كفّة حابل، و سعة هذه الدار كسعة الأرض، و قيل: الْعَرْضُ هاهنا من عَرْضِ البيعِ «2»، من قولهم: بيع كذا بِعَرْضٍ: إذا بيع بسلعة، فمعنى عَرْضِهَا أي: بدلها و عوضها، كقولك: عَرْضُ هذا الثّوب كذا و كذا. و الْعَرَضُ: ما لا يكون له ثباتٌ، و منه استعار المتكلّمون الْعَرَضَ لما لا ثبات له إلّا بالجوهر كاللّون و الطّعم، و قيل: الدّنيا عَرَضٌ حاضرٌ «3»، تنبيها أن لا ثبات لها. قال تعالى:
تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [الأنفال/ 67]، و قال: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى‏ وَ يَقُولُونَ: سَيُغْفَرُ لَنا وَ إِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ‏ [الأعراف/ 169]، و قوله: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً [التوبة/ 42]، أي: مطلبا سهلا.
و التَّعْرِيضُ: كلامٌ له وجهان من صدق و كذب، أو ظاهر و باطن. قال: وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ [البقرة/ 235]، قيل: هو أن يقول لها: أنت جميلةٌ، و مرغوب فيك و نحو ذلك.
عرف‏
الْمَعْرِفَةُ و الْعِرْفَانُ: إدراك الشي‏ء بتفكّر و تدبّر لأثره، و هو أخصّ من العلم، و يضادّه الإنكار، و يقال: فلان يَعْرِفُ اللّهَ و لا يقال: يعلم اللّه متعدّيا
__________________________________________________
 (1) أخرج البزار و الحاكم و صححه عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال: أ رأيت قوله: و جنّة عرضها السّماوات و الأرض فأين النار؟ قال: أ رأيت الليل إذا لبس كلّ شي‏ء فأين النهار؟ قال: حيث شاء اللّه. قال: فكذلك حيث شاء اللّه. المستدرك 1/ 36.
- و أخرج عبد بن حميد و ابن جرير و ابن المنذر عن طارق بن شهاب أنّ ناسا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب عن: جنّة عرضها السّماوات و الأرض فأين النار؟ فقال عمر: إذا جاء الليل فأين النهار، و إذا جاء النهار فأين الليل؟ فقالوا: لقد نزعت مثلها من التوراة. راجع: الدر المنثور 2/ 315.
 (2) و هذا قول أبي مسلم الأصفهاني محمد بن بحر. قال بيان الحق النيسابوري: و تعسّف ابن بحر في تأويلها فقال:
عرضها: ثمنها لو جاز بيعها، من المعاوضة في عقود البياعات. انظر: وضح البرهان بتحقيقنا 1/ 251.
 (3) انظر البصائر 4/ 46، و عمدة الحفاظ: عرض.

560
مفردات ألفاظ القرآن

عرف ص 560

إلى مفعول واحد، لمّا كان مَعْرِفَةُ البشرِ للّه هي بتدبّر آثاره دون إدراك ذاته، و يقال: اللّه يعلم كذا، و لا يقال: يَعْرِفُ كذا، لمّا كانت الْمَعْرِفَةُ تستعمل في العلم القاصر المتوصّل به بتفكّر، و أصله من: عَرَفْتُ. أي: أصبت عَرْفَهُ. أي:
رائحتَهُ، أو من أصبت عُرْفَهُ. أي: خدّه، يقال:
عَرَفْتُ كذا. قال تعالى: فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا [البقرة/ 89]، فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ‏ [يوسف/ 58]، فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ‏ [محمد/ 30]، يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ* [البقرة/ 146]. و يضادّ الْمَعْرِفَةَ الإنكار، و العلم الجهل. قال: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها [النحل/ 83]، و الْعَارِفُ في تَعَارُفِ قومٍ:
هو المختصّ بمعرفة اللّه، و معرفة ملكوته، و حسن معاملته تعالى، يقال: عَرَّفَهُ كذا. قال تعالى:
عَرَّفَ بَعْضَهُ وَ أَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ‏ [التحريم/ 3]، و تَعَارَفُوا: عَرَفَ بعضهم بعضا. قال:
لِتَعارَفُوا [الحجرات/ 13]، و قال:
يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ‏ [يونس/ 45]، و عَرَّفَهُ:
جعل له عَرْفاً. أي: ريحا طيّبا. قال في الجنّة:
عَرَّفَها لَهُمْ‏ [محمد/ 6]، أي: طيّبها و زيّنها «1» لهم، و قيل: عَرَّفَها لَهُمْ‏
 بأن وصفها لهم، و شوّقهم إليها و هداهم. و قوله: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ‏ [البقرة/ 198]، فاسم لبقعة مخصوصة، و
قِيلَ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُقُوعِ الْمَعْرِفَةِ فِيهَا بَيْنَ آدَمَ وَ حَوَّاءَ «2»، وَ قِيلَ: بَلْ لِتَعَرُّفِ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَاتِ وَ الْأَدْعِيَةِ.
و الْمَعْرُوفُ:
اسمٌ لكلّ فعل يُعْرَفُ بالعقل أو الشّرع حسنه، و الْمُنْكَرُ: ما ينكر بهما. قال: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ* [آل عمران/ 104]، و قال تعالى: وَ أْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَ انْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ [لقمان/ 17]، وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً [الأحزاب/ 32]، و لهذا قيل للاقتصاد في الجود:
مَعْرُوفٌ، لمّا كان ذلك مستحسنا في العقول و بالشّرع. نحو: وَ مَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ‏ [النساء/ 6]، إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ‏ [النساء/ 114]، وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏ [البقرة/ 241]، أي:
بالاقتصاد و الإحسان، و قوله: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏ [الطلاق/ 2]، و قوله: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَ مَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ [البقرة/ 263]، أي: ردّ بالجميل و دعاء خير من صدقة كذلك، و الْعُرْفُ: المَعْرُوفُ من الإحسان، و قال: وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ‏ [الأعراف/ 199]. و عُرْفُ الفرسِ و الدّيك مَعْرُوفٌ، و جاء القطا عُرْفاً. أي: متتابعة. قال‏
__________________________________________________
 (1) انظر وضح البرهان بتحقيقنا 2/ 235.
 (2) و هذا قول الضحاك: انظر: شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام 1/ 306.

561
مفردات ألفاظ القرآن

عرف ص 560

تعالى: وَ الْمُرْسَلاتِ عُرْفاً [المرسلات/ 1]، و الْعَرَّافُ كالكاهن إلّا أنّ الْعَرَّافَ يختصّ بمن يخبر بالأحوال المستقبلة، و الْكَاهِنَ بمن يخبر بالأحوال الماضية، و الْعَرِيفَ بمن يَعْرِفُ النّاسَ و يُعَرِّفُهُمْ، قال الشاعر:
316-
         بعثوا إليّ عَرِيفَهُمْ يتوسّم «1»

و قد عَرُفَ فلانٌ عَرَافَةً: إذا صار مختصّا بذلك، فَالْعَرِيفُ: السّيدُ المعروفُ قال الشاعر:
317-
         بل كلّ قوم و إن عزّوا و إن كثروا             عَرِيفُهُمْ بأثافي الشّرّ مرجوم «2»

و يومُ عَرَفَةَ يومُ الوقوفِ بها، و قوله: وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ‏ [الأعراف/ 46]، فإنه سور بين الجنّة و النار، و الِاعْتِرَافُ: الإقرارُ، و أصله:
إظهار مَعْرِفَةِ الذّنبِ، و ذلك ضدّ الجحود. قال تعالى: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ‏ [الملك/ 11]، فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا [غافر/ 11].
عرم‏
الْعَرَامَةُ: شراسةٌ و صعوبةٌ في الخُلُقِ، و تَظْهَرُ بالفعل، يقال: عَرَمَ فلانٌ فهو عَارِمٌ، و عَرَمَ «3»:
تَخَلَّقَ بذلك، و منه: عُرَامُ الجيشِ، و قوله تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ‏ [سبأ/ 16]، قيل: أراد سيلَ الأمرِ العَرِمِ، و قيل: الْعَرِمُ المَسْنَاةُ «4»، و قيل: الْعَرِمُ الجُرَذُ الذَّكَرُ، و نسب إليه السّيلُ من حيث إنه نَقَبَ المسناةَ.
عرى‏
يقال: عَرِيَ من ثوبه يَعْرَى «5»، فهو عَارٍ و عُرْيَانٌ. قال تعالى: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى‏ [طه/ 118]، و هو عِرْوٌ من الذّنب.
أي: عَارٍ، و أَخَذَهُ عُرَوَاءُ أي: رِعْدَةٌ تعرض من الْعُرْيِ، و مَعَارِي الإنسانِ: الأعضاءُ التي من شأنها أن تعرى كالوجه و اليد و الرّجل، و فلانٌ حَسَنُ الْمَعْرَى، كقولك: حسن المحسر و المجرّد، وَ الْعَرَاءُ: مكان لا سترة به، قال:
فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَ هُوَ سَقِيمٌ‏ [الصافات/ 145]، و الْعَرَا مقصورٌ: النّاحيةُ «6»، و عَرَاهُ وَ اعْتَرَاهُ: قصد عراه. قال تعالى: إِلَّا اعْتَراكَ‏

__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         أو كلما وردت عكاظ قبيلة

و البيت لطريف بن تميم العنبري، و هو في اللسان (عرف)، و كتاب سيبويه 2/ 378، و شرح الأبيات لابن السيرافي 2/ 389.
 (2) البيت لعلقمة بن عبدة، و هو في ديوانه ص 64، و المفضليات ص 401، و اللسان (عرف).
 (3) يقال: عرم الغلام يعرم: إذا اشتد و تنكر. انظر: الأفعال 1/ 286، و المثلث 2/ 304.
 (4) عن مجاهد قال: العرم بالحبشة، و هي المسناة التي يجتمع فيها الماء ثم ينبثق. انظر: الدر المنثور 6/ 690، و غريب القرآن و تفسيره لليزيدي ص 307.
 (5) انظر: الأفعال 1/ 251.
 (6) انظر: المجمل 3/ 664، و المقصور و الممدود للفراء ص 21.

562
مفردات ألفاظ القرآن

عرى ص 562

بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ [هود/ 54]. و الْعُرْوَةُ: ما يتعلّق به من عراه. أي: ناحيته. قال تعالى: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‏* [البقرة/ 256]، و ذلك على سبيل التّمثيل.
و الْعُرْوَةُ أيضا: شجرةٌ يتعلّق بها الإبل، و يقال لها: عُرْوَةٌ و عَلْقَةٌ. و الْعَرِيُّ و الْعَرِيَّةُ: ما يَعْرُو من الرّيح الباردة، و النّخلةُ الْعَرِيَّةُ: ما يُعْرَى عن البيع و يعزل، و قيل: هي التي يُعْرِيهَا صاحبها محتاجا، فجعل ثمرتها له و رخّص أن يبتاع بتمر «1» لموضع الحاجة، و قيل: هي النّخلة للرّجل وسط نخيل كثيرة لغيره، فيتأذّى به صاحب الكثير «2»، فرخّص له أن يبتاع ثمرته بتمر، و الجميع الْعَرَايَا.
 «وَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا» «3».
عز
الْعِزَّةُ: حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب. من قولهم: أرضٌ عَزَازٌ. أي: صُلْبةٌ. قال تعالى:
أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء/ 139]. و تَعَزَّزَ اللّحمُ: اشتدّ و عَزَّ، كأنه حصل في عَزَازٍ يصعب الوصول إليه، كقولهم: تظلّف أي: حصل في ظلف من الأرض «4»، وَ الْعَزِيزُ: الذي يقهر و لا يقهر. قال تعالى: إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏ [العنكبوت/ 26]، يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا [يوسف/ 88]، قال:
وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ‏ [المنافقون/ 8]، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ [الصافات/ 180]، فقد يمدح بِالْعِزَّةِ تارة كما ترى، و يذمّ بها تارة كَعِزَّةِ الكفّارِ. قال: بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَ شِقاقٍ‏ [ص/ 2]. و وجه ذلك أن الْعِزَّةَ التي للّه و لرسوله و للمؤمنين هي الدائمة الباقية التي هي العِزَّةُ الحقيقيّة، و الْعِزَّةُ التي هي للكافرين هي التَّعَزُّزُ، و هو في الحقيقة ذلّ كما
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كُلُّ عِزّ لَيْسَ بِاللَّهِ فَهُوَ ذُلٌّ» «5».
و على هذا قوله: وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا [مريم/ 81]، أي:
ليتمنّعوا به من العذاب، و قوله: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر/ 10]، معناه:
من كان يريد أن يُعَزَّ يحتاج أن يكتسب منه تعالى العِزَّةَ فإنها له، و قد تستعار الْعِزَّةُ للحميّة و الأنفة المذمومة، و ذلك في قوله: أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ

__________________________________________________
 (1) راجع شرح الموطأ للزرقاني 3/ 262، و فتح الباري 4/ 390.
 (2) و هو قول الإمام مالك.
 (3) الحديث عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق.
أخرجه مالك في الموطأ 3/ 263. و عند البخاري عن زيد بن ثابت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: رخّص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلا. انظر: فتح الباري 4/ 390.
 (4) الظّلف و الظّلف من الأرض: الغليظ الذي لا يؤدي أثرا. انظر: اللسان (ظلف).
 (5) جاء بمعناه عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: من اعتزّ بالعبد أذلّه اللّه.
أخرجه أحمد في الزهد ص 466، بسند ضعيف.

563
مفردات ألفاظ القرآن

عز ص 563

بِالْإِثْمِ [البقرة/ 206]، و قال: تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ [آل عمران/ 26]. يقال: عَزَّ عَلَيَّ كذا: صَعُبَ، قال: عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏ [التوبة/ 128]، أي: صَعُبَ، و عَزَّهُ كذا: غلبه، و
قِيلَ: مَنْ عَزَّ بَزَّ «1»
.
أي: من غلب سلب. قال تعالى: وَ عَزَّنِي فِي الْخِطابِ‏ [ص/ 23]، أي: غلبني، و قيل: معناه: صار أَعَزَّ مني في المخاطبة و المخاصمة، و عَزَّ المطرُ الأرضَ:
غلبها، و شاة عَزُوزٌ: قَلَّ دَرُّهَا، و عَزَّ الشي‏ءُ: قَلَّ اعتبارا بما قيل: كلّ موجود مملول، و كلّ مفقود مطلوب، و قوله: إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ [فصلت/ 41]، أي: يصعب مناله و وجود مثله، و الْعُزَّى:
صَنَمٌ «2». قال: أَ فَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَ الْعُزَّى‏ [النجم/ 19]، و اسْتَعَزَّ بفلان: إذا غلب بمرض أو بموت.
عزب‏
الْعَازِبُ: المتباعد في طلب الكلإ عن أهله، يقال: عَزَبَ يَعْزُبُ و يَعْزِبُ «3». قال تعالى: وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ [يونس/ 61]، لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ [سبأ/ 3]. يقال: رجلٌ عَزَبٌ، و امرأةٌ عَزَبَةٌ، و عَزَبَ عنه حِلْمُهُ، و عَزَبَ طهْرُهَا: إذا غاب عنها زوجها، و قومٌ مُعَزَّبُونَ: عَزَبَتْ إبلُهُم. و
رُوِيَ: «مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعِينَ يَوْماً فَقَدْ عَزَبَ» «4».
أي: بَعُدَ عَهْدُهُ بالخَتْمَةِ.
عزر
التَّعْزِيرُ: النّصرة مع التّعظيم. قال تعالى:
وَ تُعَزِّرُوهُ‏ [الفتح/ 9]، و قال عزّ و جلّ وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ‏ [المائدة/ 12]، و التَّعْزِيرُ:
ضربٌ دون الحدّ، و ذلك يرجع إلى الأوّل، فإنّ ذلك تأديب، و التّأديب نصرة ما لكن الأوّل نصرة بقمع ما يضرّه عنه، و الثاني: نصرة بقمعه عمّا يضرّه. فمن قمعته عما يضرّه فقد نصرته. و على هذا الوجه‏
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً، قَالَ: أَنْصُرُهُ مَظْلُوماً فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِماً؟ فَقَالَ: كُفَّهُ عَنِ الظُّلْمِ» «5».
و عُزَيْرٌ في قوله: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ‏ [التوبة/ 30]، اسمُ نبيٍّ.
عزل‏
الِاعْتِزَالُ: تجنّب الشي‏ء عمالة كانت أو
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 4/ 62، و اللسان (عزّ)، و الأمثال ص 113.
 (2) العزى صنم لقريش، بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم خالد بن الوليد بعد فتح مكة فهدمها. انظر: الدر المنثور 7/ 652.
 (3) انظر: الأفعال 1/ 214، و البصائر 4/ 60.
 (4) الحديث في النهاية 3/ 227، و الفائق 2/ 426، و غريب الحديث لابن قتيبة 3/ 760.
 (5) عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما»، قيل: يا رسول اللّه، نصرته مظلوما، فكيف أنصره ظالما؟ قال: «تمنعه من الظلم، فذلك نصرك إياه» أخرجه البخاري في المظالم 5/ 98، و مسلم في البر و الصلة برقم (2584).

564
مفردات ألفاظ القرآن

عزل ص 564

براءة، أو غيرهما، بالبدن كان ذلك أو بالقلب، يقال: عَزَلْتُهُ، و اعْتَزَلْتُهُ، و تَعَزَّلْتُهُ فَاعْتَزَلَ. قال تعالى: وَ إِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ‏ [الكهف/ 16]، فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ‏ [النساء/ 90]، وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [مريم/ 48]، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ [البقرة/ 222]، و قال الشاعر:
318-
         يا بيت عاتكة الّتي أَتَعَزَّلُ «1»


و قوله: إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ‏ [الشعراء/ 212]، أي: ممنوعون بعد أن كانوا يمكّنون، و الْأَعْزَلُ: الذي لا رمح معه. و من الدوابّ: ما يميل ذنبه، و من السحاب: ما لا مطر فيه، و السّماك الْأَعْزَلُ: نجمٌ سمّي به لتصوّره بخلاف السّماك الرّامح الذي معه نجم لتصوّره بصورة رمحه.
عزم‏
الْعَزْمُ و الْعَزِيمَةُ: عقد القلب على إمضاء الأمر، يقال: عَزَمْتُ الأمرَ، و عَزَمْتُ عليه، و اعْتَزَمْتُ. قال: فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ‏ [آل عمران/ 159]، وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ‏ [البقرة/ 235]، وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ‏ [البقرة/ 227]، إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [الشورى/ 43]، وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه/ 115]، أي: محافظة على ما أمر به و عَزِيمَةً على القيام. و الْعَزِيمَةُ: تعويذ، كأنّه تصوّر أنّك قد عقدت بها على الشّيطان أن يمضي إرادته فيك. و جمعها: الْعَزَائِمُ.
عزا
عِزِينَ‏ «2» أي: جماعات في تفرقة، واحدتها عِزَةٌ، و أصله من: عَزَوْتُهُ فَاعْتَزَى: أي: نسبته فانتسب، فكأنّهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض، إمّا في الولادة، أو في المصاهرة، و منه:
الِاعْتِزَاءُ في الحرب و هو أن يقول: أنا ابن فلان، و صاحب فلان. و
رُوِيَ: «مَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَعِضُّوهُ بِهَنِ أَبِيهِ» «3».
و قيل: عِزِينَ‏ من: عَزِيَ عَزَاءً فهو عَزٍ «4»: إذا تصبّر و تَعَزَّى. أي: تصبّر و تأسّى، فكأنها اسم للجماعة التي يتأسّى بعضهم ببعض.
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت للأحوص، و عجزه:
         حذر العدى و به الفؤاد موكّل‏

و هو في ديوانه ص 166، و المجمل 3/ 666.
 (2) الآية: عن اليمين و عن الشّمال عزين سورة المعارج آية 37.
 (3) الحديث عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه و لا تكنوا». أخرجه أحمد في المسند 5/ 136، و البخاري في الأدب المفرد رقم 936، و الطبراني في الكبير 1/ 27، و رجاله ثقات، و إسناده صحيح.
 (4) انظر: الأفعال 1/ 314، و المجمل 3/ 666.

565
مفردات ألفاظ القرآن

عسعس ص 566

عسعس‏
قال تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ‏ [التكوير/ 17]، أي: أقبل و أدبر «1»، و ذلك في مبدإ اللّيل و منتهاه، فَالْعَسْعَسَةُ و الْعِسَاسُ: رقّةُ الظلامِ، و ذلك في طرفي الليل، و الْعَسُّ و الْعَسَسُ: نفض الليل عن أهل الرّيبة. و رجلٌ عَاسٌّ و عَسَّاسٌ، و الجميع الْعَسَسُ. و قيل: كلبٌ عَسَّ خيرٌ من أسد رَبَضَ «2»
، أي: طلب الصّيد بالليل، و الْعَسُوسُ من النساء: المتعاطية للرّيبة بالليل. و الْعُسُّ: القدح الضّخم، و الجمع عِسَاسٌ.
عسر
الْعُسْرُ: نقيض اليسر. قال تعالى: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح/ 5- 6]، و الْعُسْرَةُ: تَعَسُّرُ وجودِ المالِ. قال:
فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة/ 117]، و قال:
وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ [البقرة/ 280]، و أَعْسَرَ فلانٌ، نحو: أضاق، و تَعَاسَرَ القومُ: طلبوا تَعْسِيرَ الأمرِ. وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى‏ [الطلاق/ 6]، و يَوْمٌ عَسِيرٌ: يتصعّب فيه الأمر، قال: وَ كانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً [الفرقان/ 26]، يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ [المدثر/ 9- 10]، و عَسَّرَنِي الرّجلُ:
طالبني بشي‏ء حين الْعُسْرَةِ.
عسل‏
الْعَسَلُ: لُعَابُ النّحلِ. قال تعالى: مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى‏ [محمد/ 15]، و كنّي عن الجماع بِالْعُسَيْلَةِ.
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَ يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» «3».
و الْعَسَلَانُ:
اهتزاز الرّمح، و اهتزاز الأعضاء في العدو، و أكثر ما يستعمل في الذّئب. يقال: مَرَّ يَعْسِلُ و يَنْسِلُ «4».
عسى‏
عَسَى طَمِعَ و ترجّى، و كثير من المفسّرين فسّروا «لعلّ» و «عَسَى» في القرآن باللّازم، و قالوا: إنّ الطّمع و الرّجاء لا يصحّ من اللّه، و في هذا منهم قصورُ نظرٍ، و ذاك أن اللّه تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه راجيا لا لأن يكون هو تعالى يرجو، فقوله: عَسى‏ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ‏ [الأعراف/ 129]، أي: كونوا راجين‏
__________________________________________________
 (1) فهو من الأضداد. انظر: البصائر 4/ 65، و المخصص 13/ 264، و المجمل 3/ 614.
 (2) في اللسان: و في المثل في الحثّ على الكسب: كلب اعتسّ خير من كلب ربض. انظر: مادة (عسّ)، و مجمع الأمثال 2/ 145، و الأمثال ص 200.
 (3) شطر حديث أخرجه البخاري في الطلاق 9/ 361، و مسلم في النكاح برقم (1433).
 (4) قال الزمخشري: و من المجاز: هو عسّال نسّال. انظر: أساس البلاغة (نسل) ص 455.

566
مفردات ألفاظ القرآن

عسى ص 566

في ذلك. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ‏ [المائدة/ 52]، عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَ‏ [التحريم/ 5]، وَ عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏ [البقرة/ 216]، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ‏ [محمد/ 22]، هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ‏ [البقرة/ 246]، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ يَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً [النساء/ 19]. و الْمُعْسِيَاتُ «1» من الإبل: ما انقطع لبنه فيرجى أن يعود لبنها، فيقال: عَسِيَ الشّي‏ءُ يَعْسُو: إذا صَلُبَ، و عَسِيَ اللّيلُ يَعْسَى. أي: أَظْلَمَ «2» ..
عشر
الْعَشْرَةُ و الْعُشْرُ و الْعِشْرُونَ و الْعِشْرُ معروفةٌ.
قال تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [البقرة/ 196]، عِشْرُونَ صابِرُونَ‏ [الأنفال/ 65]، تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر/ 30]، و عَشَرْتُهُمْ أَعْشِرُهُمْ: صِرْتُ عَاشِرَهُمْ، و عَشَرَهُمْ: أَخَذَ عُشْرَ مالِهِمْ، و عَشَرْتُهُمْ: صيّرتُ مالهم عَشَرَةً، و ذلك أن تجعل التِّسْعَ عَشَرَةً، و مِعْشَارُ الشّي‏ءِ: عُشْرُهُ، قال تعالى: وَ ما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ‏ [سبأ/ 45]، و ناقة عُشَرَاءُ: مرّت من حملها عَشَرَةُ أشهرٍ، و جمعها عِشَارٌ. قال تعالى: وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ‏ [التكوير/ 4]، و جاءوا عُشَارَى:
عَشَرَةً عَشَرَةً، و الْعُشَارِيُّ: ما طوله عَشَرَةُ أذرع، و الْعِشْرُ في الإظماء، و إبل عَوَاشِرُ، و قَدَحٌ أَعْشَارٌ:
منكسرٌ، و أصله أن يكون على عَشَرَةِ أقطاعٍ، و عنه استعير قول الشاعر:
319-
         بسهميك في أَعْشَارِ قلب مقتّل «3»

و الْعُشُورُ في المصاحف: علامةُ العَشْرِ الآياتِ، و التَّعْشِيرُ: نُهَاقُ الحميرِ لكونه عَشَرَةَ أصواتٍ، و الْعَشِيرَةُ: أهل الرجل الذين يتكثّر بهم. أي:
يصيرون له بمنزلة العدد الكامل، و ذلك أنّ الْعَشَرَةَ هو العدد الكامل. قال تعالى:
وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ‏ [التوبة/ 24]، فصار الْعَشِيرَةُ اسما لكلّ جماعة من أقارب الرجل الذين يتكثّر بهم. وَ عَاشَرْتُهُ: صرت له كَعَشَرَةٍ في المصاهرة، وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ‏ [النساء/ 19]. و الْعَشِيرُ: المُعَاشِرُ قريبا كان أو معارف.
عشا
الْعَشِيُّ من زوال الشمس إلى الصّباح. قال تعالى: إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها [النازعات/
__________________________________________________
 (1) المعسيات جمع المعسية، و هي الناقة التي يشك فيها أ بها لبن أم لا؟ اللسان (عسا).
 (2) و يقال بالغين، غسى الليل يغسو غسوّا، و غسي يغسى. انظر: اللسان (غسى)، و المجمل 3/ 667.
 (3) هذا عجز بيت لامرئ القيس، و شطره:
         و ما ذرفت عيناك إلا لتضر بي‏

و هو في ديوانه ص 114، و شرح المعلقات للنحاس 1/ 16.

567
مفردات ألفاظ القرآن

عشا ص 567

46]، و الْعِشَاءُ: من صلاة المغرب إلى العتمة، و الْعِشَاءَانِ: المغرب و العتمة «1»، و الْعَشَا: ظلمةٌ تعترض في العين، يقال: رجلٌ أَعْشَى، و امرأةٌ عَشْوَاءُ. و قيل: يخبط خبط عَشْوَاءَ «2». و عَشَوْتُ النارَ: قصدتها ليلا، و سمّي النار التي تبدو بالليل عَشْوَةً و عُشْوَةً كالشُّعْلَةِ، عَشِيَ عن كذا نحو: عَمِيَ عنه. قال تعالى:
وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ‏ [الزخرف/ 36]. و الْعَوَاشِي: الإبلُ التي ترعى ليلا.
الواحدة عَاشِيَةٌ، و منه قيل: الْعَاشِيَةُ تهيّج الآبية «3»
، و الْعَشَاءُ: طعامُ العشاءِ، و بالكسر صلاة الْعِشَاءِ، و قد عَشِيتُ و عَشَّيْتُهُ «4»، و قيل: عَشِّ و لا تغترَّ «5»
.
عصب‏
الْعَصَبُ: أطنابُ المفاصلِ، و لحمٌ عَصِبٌ:
كثيرُ العَصَبِ، و الْمَعْصُوبُ: المشدودُ بالعَصَبِ المنزوع من الحيوان، ثمّ يقال لكلّ شدّ: عَصْبٌ، نحو قولهم: لَأُعَصِّبَنَّكُمْ عَصْبَ السَّلِمَةِ «6»، و فلانٌ شديدُ الْعَصْبِ، و مَعْصُوبُ الخَلْقِ. أي: مُدْمَجُ الخِلْقَةِ، و يَوْمٌ عَصِيبٌ‏ [هود/ 77]، شديدٌ، يصحّ أن يكون بمعنى فاعل، و أن يكون بمعنى مفعول. أي: يوم مجموع الأطراف، كقولهم: يوم ككفّة حابل «7»، و حلقة خاتم، و الْعُصْبَةُ: جماعةٌ مُتَعَصِّبَةٌ متعاضدة. قال تعالى: لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ [القصص/ 76]، وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ* [يوسف/ 14]، أي: مجتمعة الكلام متعاضدة، و اعْصَوْصَبَ القومُ: صاروا عصبا، و عَصَبُوا به أمراً، و عَصَبَ الرّيقُ بفمه: يبس حتى صار كالعَصَبِ أو كَالْمَعْصُوبِ به. و الْعَصْبُ: ضربٌ من برود اليمن قد عُصِبَ به نقوشٌ، و الْعِصَابَةُ:
ما يُعْصَبُ به الرأسُ و العمامةُ، و قد اعْتَصَبَ فلانٌ نحو: تعمّم. و الْمَعْصُوبُ: الناقةُ التي لا تدرّ حتى تُعْصَبَ، و الْعَصِيبُ في بطن الحيوان لكونه‏
__________________________________________________
 (1) انظر: جنى الجنتين ص 79.
 (2) و العشواء: الناقة التي لا تبصر ما أمامها، فهي تخبط بيدها كلّ شي‏ء. انظر: المجمل 3/ 668.
 (3) معناه: إذا رأت التي تأبى الرعي التي تتعشى هاجتها للرعي فرعت معها. انظر: اللسان (عشا)، و مجمع الأمثال 2/ 9، و الأمثال ص 394.
 (4) في المجمل 3/ 669: تقول: عشوت فلانا و عشيته بمعنى واحد، إذا أطعمته عشاء.
 (5) المثل يضرب للاحتياط و الأخذ بالثقة في الأمور. انظر: المجمل 3/ 669، و مجمع الأمثال 2/ 16، و الأمثال 212.
 (6) هذه العبارة من خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي لمّا دخل البصرة، و الخطبة كاملة في عيون الأخبار 2/ 244، و العقد الفريد 4/ 181.
 (7) و في ذلك يقول الطّرمّاح:
         كأنّ بلاد اللّه و هي عريضة             على الخائف المذعور كفة حابل.

 

568
مفردات ألفاظ القرآن

عصب ص 568

مَعْصُوباً. أي: مطويّا.
عصر
الْعَصْرُ: مصدرُ عَصَرْتُ، و الْمَعْصُورُ: الشي‏ءُ الْعَصِيرُ، و الْعُصَارَةُ: نفاية ما يُعْصَرُ. قال تعالى:
إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً [يوسف/ 36]، و قال: وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ‏ [يوسف/ 49]، أي:
يستنبطون منه الخير، و قرئ: (يُعْصَرُونَ) «1» أي: يمطرون، و اعْتَصَرْتُ من كذا: أخذت ما يجري مجرى العُصَارَةِ، قال الشاعر:
320-
         و إنّما العيش بربّانه             و أنت من أفنانه مُعْتَصِرٌ «2»

وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً [عم/ 14]، أي: السحائب التي تَعْتَصِرُ بالمطر.
أي: تصبّ، و قيل: التي تأتي بِالْإِعْصَارِ، و الْإِعْصَارُ:
ريحٌ تثير الغبار. قال تعالى: فَأَصابَها إِعْصارٌ [البقرة/ 266]. و الِاعْتِصَارُ: أن يغصّ فَيُعْتَصَرَ بالماء، و منه: الْعَصْرُ، و الْعَصَرُ: الملجأُ، و الْعَصْرُ و الْعِصْرُ: الدّهرُ، و الجميع الْعُصُورُ.
قال: وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر/ 1- 2]، و الْعَصْرُ: العشيُّ، و منه: صلاة الْعَصْرِ و إذا قيل: الْعَصْرَانِ، فقيل: الغداة و العشيّ «3»، و قيل: اللّيل و النهار، و ذلك كالقمرين للشمس و القمر «4». و الْمُعْصِرُ: المرأةُ التي حاضت، و دخلت في عَصْرِ شبابِهَا.
عصف‏
الْعَصْفُ و الْعَصِيفَةُ: الذي يُعْصَفُ من الزّرعِ، و يقال لحطام النّبت المتكسّر: عَصْفٌ.
قال تعالى: وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ‏ [الرحمن/ 12]، كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ‏ [الفيل/ 5]، و رِيحٌ عاصِفٌ‏ [يونس/ 22]، و عَاصِفَةٌ و مُعْصِفَةٌ: تَكْسِرُ الشي‏ءَ فتجعله كَعَصْفٍ، و عَصَفَتْ بهم الرّيحُ تشبيها بذلك.
عصم‏
الْعَصْمُ: الإمساكُ، و الِاعْتِصَامُ: الاستمساك.
قال تعالى: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ‏ [هود/ 43]، أي: لا شي‏ء يَعْصِمُ منه، و من قال معناه: لا مَعْصُومَ «5» فليس يعني أنّ العَاصِمَ بمعنى المَعْصُومِ، و إنّما ذلك تنبيه منه على‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة شاذة.
 (2) البيت لابن أحمر، و هو في ديوانه ص 61، و المجمل 3/ 672، و اللسان (عصر).
 (3) انظر: المجمل 3/ 672، و جنى الجنتين ص 79.
 (4) انظر: البصائر 4/ 71، و اللسان (قمر).
 (5) و هو قول ابن قتيبة و مكي القيسي. انظر: تفسير غريب القرآن لابن قتيبة ص 204، و تفسير المشكل من غريب القرآن لمكي ص 106، و انظر: المدخل لعلم التفسير ص 159.
- و قال الفرّاء: لا يجوز لك في وجه أن تقول: المعصوم عاصم، و لكن لو جعلت العاصم في تأويل معصوم، كأنك قلت: لا معصوم اليوم من أمر اللّه لجاز رفع (من)، و لا تنكرنّ أن يخرج المفعول على فاعل، أ لا ترى قوله: من ماء دافق فمعناه- و اللّه أعلم-: مدفوق. راجع: معاني القرآن 2/ 15.

569
مفردات ألفاظ القرآن

عصم ص 569

المعنى المقصود بذلك، و ذلك أنّ العَاصِمَ و المَعْصُومَ يتلازمان، فأيّهما حصل حصل معه الآخر. قال: ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ‏ [غافر/ 33]، و الِاعْتِصَامُ: التّمسّك بالشي‏ء، قال: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً [آل عمران/ 103]، وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ‏ [آل عمران/ 101]، و اسْتَعْصَمَ: استمسك، كأنّه طلب ما يَعْتَصِمُ به من ركوب الفاحشة، قال:
فَاسْتَعْصَمَ‏ [يوسف/ 32]، أي: تحرّى ما يَعْصِمُهُ، و قوله: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة/ 10]، و الْعِصَامُ: ما يُعْصَمُ به. أي:
يشدّ، و عِصْمَةُ الأنبياءِ: حِفْظُهُ إيّاهم أوّلا بما خصّهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسميّة، ثمّ بالنّصرة و بتثبّت أقدامهم، ثمّ بإنزال السّكينة عليهم و بحفظ قلوبهم و بالتّوفيق، قال تعالى: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ‏ [المائدة/ 67]. و الْعِصْمَةُ: شِبْهُ السِّوَارِ، و الْمِعْصَمُ: موضعها من اليد، و قيل للبياض بالرّسغ: عِصْمَةٌ تشبيها بالسّوار، و ذلك كتسمية البياض بالرّجل تحجيلا، و على هذا قيل: غراب أَعْصَمُ.
عصا
الْعَصَا أصله من الواو، لقولهم في تثنيته:
عَصَوَانِ، و يقال في جمعه: عِصِيٌّ. و عَصَوْتُهُ:
ضربته بِالْعَصَا، و عَصِيتُ بالسّيف. قال تعالى:
وَ أَلْقِ عَصاكَ‏ [النمل/ 10]، فَأَلْقى‏ عَصاهُ* [الأعراف/ 107]، قالَ هِيَ عَصايَ‏ [طه/ 18]، فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ‏ [الشعراء/ 44]. و يقال: ألقى فلانٌ عَصَاهُ: إذا نزل، تصوّرا بحال من عاد من سفره، قال الشاعر:
321-
         فألقت عَصَاهَا و استقرّت بها النّوى «1»

و عَصَى عِصْيَاناً: إذا خرج عن الطاعة، و أصله أن يتمنّع بِعَصَاهُ. قال تعالى: وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ‏ [طه/ 121]، وَ مَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ* [النساء/ 14]، آلْآنَ وَ قَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ‏ [يونس/ 91]. و يقال فيمن فارق الجماعة: فلان شقّ الْعَصَا «2»
.
عض‏
الْعَضُّ: أَزْمٌ بالأسنان. قال تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ‏ [آل عمران/ 119]، وَ يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ‏ [الفرقان/ 27]، و ذلك عبارة عن النّدم لما جرى به عادة الناس أن يفعلوه عند
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت لمعقر بن حمار البارقي، هذا هو الأشهر، و قيل: لغيره، و عجزه:
         كما قرّ عينا بالإياب المسافر

و هو في مجمع الأمثال 1/ 364، و معجم الشعراء ص 92، و الحماسة البصرية 1/ 76.
 (2) انظر: مجمع الأمثال 1/ 364.

570
مفردات ألفاظ القرآن

عض ص 570

ذلك، و الْعُضُّ للنّوى «1»، و الذي يَعَضُّ عليه الإبلُ، و الْعِضَاضُ: مُعَاضَّةُ الدّوابِّ بعضها بعضا، و رجلٌ مُعِضٌّ: مبالغٌ في أمره كأنّه يَعَضُّ عليه، و يقال ذلك في المدح تارة، و في الذّمّ تارة بحسب ما يبالغ فيه، يقال: هو عِضُّ سفرٍ، و عِضٌّ في الخصومة «2»، و زمنٌ عَضُوضٌ: فيه جدب، و التَّعْضُوضُ: ضربٌ من التّمر يصعُبُ مَضْغُهُ.
عضد
الْعَضُدُ: ما بين المرفق إلى الكتف، و عَضَدْتُهُ: أصبت عضده، و عنه استعير: عَضَدْتُ الشّجر بِالْمِعْضَدِ، و جمل عَاضِدٌ: يأخذ عضد النّاقة فيتنوّخها، و يقال: عَضَدْتُهُ: أخذت عضده و قوّيته، و يستعار الْعَضُدُ للمعين كاليد قال تعالى:
وَ ما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً [الكهف/ 51]. و رجل أَعْضَدُ: دقيق العضد، و عَضِدٌ:
مشتك من الْعَضَدِ، و هو داء يناله في عضده، و مُعَضَّدٌ: موسوم في عضده و يقال لسمته عِضَادٌ، و الْمِعْضَدُ: دملجة، و أَعْضَادُ الحوض: جوانبه تشبيها بالعضد.
عضل‏
الْعَضَلَةُ: كلّ لحم صلب في عصب، و رجل عَضِلٌ: مكتنز اللّحم، و عَضَلْتُهُ: شددته بالعضل المتناول من الحيوان، نحو: عصبته، و تجوّز به في كلّ منع شديد، قال: فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَ‏ [البقرة/ 232]، قيل:
خطاب للأزواج، و قيل للأولياء، و عَضَّلَتِ الدّجاجةُ ببيضها، و المرأة بولدها: إذا تعسّر خروجهما تشبيها بها. قال الشاعر:
322-
         ترى الأرض منّا بالفضاء مريضة             مُعَضَّلَةٌ منّا بجمع عرمرم «3»

و داء عُضَالٌ: صعب البرء، و الْعُضْلَةُ: الدّاهية المنكرة.
عضه‏
قال تعالى: جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ‏ [الحجر/ 91]، أي: مفرّقا، فقالوا: كهانة، و قالُوا: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ* إلى غير ذلك ممّا وصفوه به. و قيل: معنى عِضِينَ‏ ما قال تعالى:
أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة/ 85]، خلاف من قال فيه: وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ [آل عمران/ 119]. و عِضُونَ جمع، كقولهم: ثبون و ظبون، في جمع ثبة و ظبة و من هذا الأصل الْعُضْوُ و الْعِضْوُ، و التَّعْضِيَةُ: تجزئة الأعضاء، و قد عَضَّيْتُهُ. قال‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن فارس: و العضّ: النوى المرضوخ. انظر: المجمل 3/ 614.
 (2) راجع: أساس البلاغة ص 305 مادة: عضّ.
 (3) البيت لأوس بن حجر، و هو في ديوانه ص 121، و أساس البلاغة ص 308.

571
مفردات ألفاظ القرآن

عضه ص 571

الكسائيّ: هو من العضو أو من الْعَضْهِ، و هي شجر، و أصل عِضَة في لغة عِضَهَةٌ «1»، لقولهم:
عُضَيْهَةٌ، و عضوة في لغة «2»، لقولهم: عضوان و
رُوِيَ: «لَا تَعْضِيَةَ فِي الْمِيرَاثِ» «3».
أي: لا يفرّق ما يكون تفريقه ضررا على الورثة كسيف يكسر بنصفين، و نحو ذلك.
عطف‏
الْعَطْفُ يقال في الشي‏ء إذا ثني أحد طرفيه إلى الآخر، كعطف الغصن و الوسادة و الحبل، و منه قيل للرّداء المثنيّ: عِطَافٌ، و عِطْفَا الإنسان: جانباه من لدن رأسه إلى وركه، و هو الذي يمكنه أن يلقيه من بدنه. و يقال: ثنى عِطْفَهُ: إذا أعرض و جفا، نحو: نَأى‏ بِجانِبِهِ* [الإسراء/ 83]، و صعّر بخدّه، و نحو ذلك من الألفاظ «4»، و يستعار للميل و الشّفقة إذا عدّي بعلى، يقال: عَطَفَ عليه و ثناه، عَاطِفَةُ رحم، و ظبية عَاطِفَةٌ على ولدها، و ناقة عَطُوفٌ على بوّها «5»، و إذا عدّي بعن يكون على الضّدّ، نحو:
عَطَفْتُ عن فلان.
عطل‏
الْعَطَلُ: فقدان الزّينة و الشّغل، يقال: عَطِلَتِ المرأةُ «6»، فهي عُطُلٌ و عَاطِلٌ، و منه: قوس عُطُلٌ: لا وتر عليه، و عَطَّلْتُهُ من الحليّ، و من العمل فَتَعَطَّلَ. قال تعالى: وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ [الحج/ 45]، و يقال لمن يجعل العالم بزعمه فارغا عن صانع أتقنه و زيّنه: مُعَطِّلٌ، و عَطَّلَ الدّار عن ساكنها، و الإبل عن راعيها.
عطا
الْعَطْوُ: التّناول، و الْمُعَاطَاةُ: المناولة، و الْإِعْطَاءُ:
الإنالة. قال تعالى: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ [التوبة/ 29]. و اختصّ الْعَطِيَّةُ و الْعَطَاءُ بالصّلة.
قال: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ [ص/ 39]. يُعْطِي من يشاء «7»، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ‏

__________________________________________________
 (1) قال الأزهري: من جعل تفسير عضين السحر، جعل واحدتها عضة، قال: و هي في الأصل عضهة. انظر: اللسان (عضا)، و تهذيب اللغة 1/ 131.
 (2) قال ابن منظور: و العضة من الأسماء الناقصة، و أصلها: عضوة، فنقصت الواو، كما قالوا: عزة، و أصلها عزوة، و ثبة، و أصلها: ثبوة. انظر: اللسان (عضا).
 (3) الحديث في النهاية 3/ 256، و أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 2/ 7، و رواه عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم مرسلا، و ذكره في كنز العمال 11/ 9.
 (4) يقال: نأى بجانبه، و طوى كشحه، و ثنى عطفه، و صعّر خدّه، و زوى طرفه، و شمخ أنفه، و ازورّ جانبه، و اكفهرّ حاجبه. انظر: جواهر الألفاظ ص 399.
 (5) البوّ: ولد الناقة، و يسمى الحوار. انظر: اللسان (بوا).
 (6) انظر: الأفعال 1/ 303.
 (7) في نسختي المحمودية جعلها آية، و هو وهم.

572
مفردات ألفاظ القرآن

عطا ص 572

يَسْخَطُونَ [التوبة/ 58]، و أَعْطَى البعيرُ:
انقاد، و أصله: أن يعطي رأسه فلا يتأبّى، و ظبي عُطْوٌ، و عَاطٍ: رفع رأسه لتناول الأوراق.
عظم‏
الْعَظْمُ جمعه: عِظَامٌ. قال تعالى: عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً [المؤمنون/ 14]، و قرئ: عظاما «1» فيهما، و منه قيل: عَظْمَةُ الذّراع لمستغلظها، و عَظْمُ الرّحل: خشبة بلا أنساع «2»، و عَظُمَ الشي‏ء أصله: كبر عظمه، ثم استعير لكلّ كبير، فأجري مجراه محسوسا كان أو معقولا، عينا كان أو معنى. قال: عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ* [الزمر/ 13]، قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ‏ [ص/ 67]، عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ‏ [عمّ/ 1- 2]، مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏ [الزخرف/ 31]. و الْعَظِيمُ إذا استعمل في الأعيان فأصله: أن يقال في الأجزاء المتّصلة، و الكثير يقال في المنفصلة، ثمّ قد يقال في المنفصل عَظِيمٌ، نحو: جيش عظيم، و مال عظيم، و ذلك في معنى الكثير، و الْعَظِيمَةُ:
النازلة، و الْإِعْظَامَةُ و الْعِظَامَةُ: شبه وسادة تعظّم بها المرأة عجيزتها.
عف‏
الْعِفَّةُ: حصول حالة للنّفس تمتنع بها عن غلبة الشّهوة، و الْمُتَعَفِّفُ: المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة و القهر، و أصله: الاقتصار على تناول الشي‏ء القليل الجاري مجرى الْعُفَافَةِ، و الْعُفَّةِ، أي: البقيّة من الشي‏ء، أو مجرى الْعَفْعَفِ، و هو ثمر الأراك، و الِاسْتِعْفَافُ: طلب العفّة. قال تعالى: وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏ [النساء/ 6]، و قال: وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً [النور/ 33].
عفر
قال تعالى: قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِ‏ [النمل/ 39]. الْعِفْرِيتُ من الجنّ: هو العارم الخبيث، و يستعار ذلك للإنسان استعارة الشّيطان له، يقال: عِفْرِيتٌ نفريت «3»، قال ابن قتيبة:
الْعِفْرِيتُ الموثّق الخلق «4»، و أصله من الْعَفَرِ، أي: التّراب، و عَافَرَهُ: صارعه، فألقاه في العَفَرِ، و رجل عِفْرٌ نحو: شرّ «5» و شمر «6».
و ليث عِفِرِّينَ: دابّة تشبه الحرباء تتعرّض للرّاكب، و قيل: عِفْرِيَةُ الدّيك و الحبارى للشّعر الذي على رأسهما.
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة ابن عامر الشامي، و شعبة عن عاصم. انظر: إرشاد المبتدي ص 453.
 (2) الأنساع جمع نسع، و هو سير يضفر على هيئة أعنّة النعال تشدّ به الرّحال. انظر: اللسان (نسع).
 (3) انظر: البصائر 4/ 80، و غريب القرآن لابن قتيبة ص 324.
 (4) انظر: غريب القرآن ص 324.
 (5) يقال للرجل إذا تمادى في غيّه و فساده: شري يشرى شرى. انظر: اللسان (شري).
 (6) يقال: رجل شمر و شمّير: ماض في الأمور و الحوائج مجرّب. انظر: اللسان (شمر).

573
مفردات ألفاظ القرآن

عفا ص 574

عفا
الْعَفْوُ: القصد لتناول الشي‏ء، يقال: عَفَاهُ و اعْتَفَاهُ، أي: قصده متناولا ما عنده، و عَفَتِ الرّيحُ الدّار: قصدتها متناولة آثارها، و بهذا النّظر قال الشاعر:
323-
         أخذ البلى أبلادها «1»

و عَفَتِ الدّار: كأنها قصدت هي البلى، و عَفَا النبت و الشجر: قصد تناول الزيادة، كقولك:
أخذ النبت في الزّيادة، و عَفَوْتُ عنه: قصدت إزالة ذنبه صارفا عنه، فالمفعول في الحقيقة متروك، و «عن» متعلّق بمضمر، فَالْعَفْوُ: هو التّجافي عن الذّنب. قال تعالى: فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ‏ [الشورى/ 40]، وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏ [البقرة/ 237]، ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ‏ [البقرة/ 52]، إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ‏ [التوبة/ 66]، فَاعْفُ عَنْهُمْ* [آل عمران/ 159]، و قوله: خُذِ الْعَفْوَ [الأعراف/ 199]، أي:
ما يسهل قصده و تناوله، و قيل معناه: تعاط العفو عن الناس، و قوله: وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ [البقرة/ 219]، أي: ما يسهل إنفاقه. و قولهم: أعطى عَفْواً، فَعَفْواً مصدر في موضع الحال، أي: أعطى و حاله حال الْعَافِي، أي: القاصد للتّناول إشارة إلى المعنى الذي عدّ بديعا، و هو قول الشاعر:
324-
         كأنّك تعطيه الذي أنت سائله «2»

و
قَوْلُهُمْ فِي الدُّعَاءِ: «أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَ الْعَافِيَةَ» «3».
أي: ترك العقوبة و السّلامة، و قال في وصفه تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً [النساء/ 43]، و
قَوْلُهُ: «وَ مَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ فَصَدَقَةٌ» «4».
أي:
طلّاب الرّزق من طير و وحش و إنسان، و أَعْفَيْتُ كذا، أي: تركته يعفو و يكثر، و منه‏
قِيلَ: «أَعْفُوا اللِّحَى» «5».
و الْعَفَاءُ: ما كثر من الوبر و الرّيش،
__________________________________________________
 (1) عجز بيت لعدي بن الرقاع العاملي في ديوانه ص 49، و تمامه:
 [
         عرف الديار توهّما فاعتادها             من بعد ما أخذ البلى أبلادها

] و هو في تفسير الراغب ورقة 52.
 (2) العجز لزهير بن أبي سلمى من قصيدة يمدح بها حصن بن حذيفة بن بدر، و شطره:
         تراه إذا ما جئته متهلّلا

و هو في ديوانه ص 68.
 (3) عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «اللهم إني أسألك العفو و العافية في ديني و دنياي، و أهلي و مالي» أخرجه البزار و فيه يونس بن خباب، و هو ضعيف.
و عن معاذ بن جبل قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «ما من دعوة أحبّ إلى اللّه أن يدعو بها عبد من أن يقول: اللهم إني أسألك المعافاة و العافية في الدنيا و الآخرة». أخرجه الطبراني و رجاله رجال الصحيح، لكن العلاء بن زياد لم يسمع من معاذ. انظر: مجمع الزوائد 10/ 178.
 (4) الحديث أخرجه أحمد 3/ 338، و قد تقدم في مادة (صدق).
 (5) الحديث عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «أعفوا اللحى و حفّوا الشوارب». أخرجه أحمد 2/ 52، و رجاله ثقات.

574
مفردات ألفاظ القرآن

عفا ص 574

و الْعَافِي: ما يردّه مستعير القدر من المرق في قدره.
عقب‏
الْعَقِبُ: مؤخّر الرّجل، و قيل: عَقْبٌ، و جمعه: أَعْقَابٌ، و
رُوِيَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» «1».
و استعير الْعَقِبُ للولد و ولد الولد. قال تعالى: وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ‏ [الزخرف/ 28]، و عَقِبُ الشّهر، من قولهم:
جاء في عقب الشّهر، أي: آخره، و جاء في عُقْبِهِ: إذا بقيت منه بقيّة، و رجع على عَقِبِهِ: إذا انثنى راجعا، و انقلب على عَقِبَيْهِ، نحو رجع على حافرته «2»، و نحو: فَارْتَدَّا عَلى‏ آثارِهِما قَصَصاً [الكهف/ 64]، و قولهم: رجع عوده على بدئه «3»، قال: وَ نُرَدُّ عَلى‏ أَعْقابِنا [الأنعام/ 71]، انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ‏ [آل عمران/ 144]، وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ‏ [آل عمران/ 144]، و نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ‏ [الأنفال/ 48]، فَكُنْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ‏ [المؤمنون/ 66]. و عَقَبَهُ: إذا تلاه عقبا، نحو دبره و قفاه، و الْعُقْبُ و الْعُقْبَى يختصّان بالثّواب نحو: خَيْرٌ ثَواباً وَ خَيْرٌ عُقْباً [الكهف/ 44]، و قال تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد/ 22]، و الْعَاقِبَةُ إطلاقها يختصّ بالثّواب نحو: وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* [القصص/ 83]، و بالإضافة قد تستعمل في العقوبة نحو: ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا [الروم/ 10]، و قوله تعالى: فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ [الحشر/ 17]، يصحّ أن يكون ذلك استعارة من ضدّه، كقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران/ 21]. و الْعُقُوبَةُ و الْمُعَاقَبَةُ و الْعِقَابُ يختصّ بالعذاب، قال:
فَحَقَّ عِقابِ‏ [ص/ 14]، شَدِيدُ الْعِقابِ* [الحشر/ 4]، وَ إِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ‏ [النحل/ 126]، وَ مَنْ عاقَبَ بِمِثْلِ ما عُوقِبَ بِهِ‏ [الحج/ 60].
و التَّعْقِيبُ: أن يأتي بشي‏ء بعد آخر، يقال: عَقَّبَ الفرسُ في عدوه. قال: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ‏ [الرعد/ 11]، أي: ملائكة يَتَعَاقَبُونَ عليه حافظين له. و قوله: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ‏ [الرعد/ 41]، أي: لا أحد يتعقّبه و يبحث عن فعله، من قولهم: عَقَّبَ الحاكم على حكم من قبله: إذا تتبّعه. قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عبد اللّه بن عمرو قال: تخلّف النبيّ عنّا في سفرة سافرناها، فأدركنا و قد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ و نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار. أخرجه البخاري في الوضوء باب غسل الرجلين 1/ 265، و مسلم برقم (241).
 (2) و مثلها يقال: ارتدّ على أدباره، و نكس على رأسه، و ارتكس في أمره. انظر: جواهر الألفاظ ص 384.
 (3) و مثله يقال: عاد إلى أصله، و اعتمد على جذله، و صار في معدنه، و تبوّأ ضواحي عطنه، و أوى إلى محكم أساسه.
انظر: جواهر الألفاظ ص 222.

575
مفردات ألفاظ القرآن

عقب ص 575

325-
         و ما بعد حكم اللّه تَعْقِيبٌ «1»

و يجوز أن يكون ذلك نهيا للنّاس أن يخوضوا في البحث عن حكمه و حكمته إذا خفيت عليهم، و يكون ذلك من نحو النّهي عن الخوض في سرّ القدر «2». و قوله تعالى: وَلَّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ* [النمل/ 10]، أي: لم يلتفت وراءه. و الِاعْتِقَابُ: أن يَتَعَاقَبَ شي‏ء بعد آخر كاعتقاب اللّيل و النهار، و منه: الْعُقْبَةُ أن يتعاقب اثنان على ركوب ظهر، و عُقْبَةُ الطائر:
صعوده و انحداره، و أَعْقَبَهُ كذا: إذا أورثه ذلك، قال: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً [التوبة/ 77]، قال الشاعر:
326-
         له طائف من جنّة غير مُعْقِبٍ «3»

أي: لا يعقب الإفاقة، و فلان لم يُعْقِبْ، أي:
لم يترك ولدا، و أَعْقَابُ الرّجل: أولاده. قال أهل اللغة: لا يدخل فيه أولاد البنت، لأنهم لم يعقبوه بالنّسب، قال: و إذا كان له ذرّيّة فإنّهم يدخلون فيها، و امرأة مِعْقَابٌ: تلد مرّة ذكرا و مرّة أنثى، و عَقَبْتُ الرّمح: شددته بالعَقَبِ، نحو: عصبته:
شددته بالعصب، و الْعَقَبَةُ: طريق وعر في الجبل، و الجمع: عُقُبٌ و عِقَابٌ، و الْعُقَابُ سمّي لتعاقب جريه في الصّيد، و به شبّه في الهيئة الرّاية، و الحجر الذي على حافتي البئر، و الخيط الذي في القرط، و الْيَعْقُوبُ: ذكر الحجل لما له من عقب الجري «4».
عقد
الْعَقْدُ: الجمع بين أطراف الشي‏ء، و يستعمل ذلك في الأجسام الصّلبة كعقد الحبل و عقد البناء، ثم يستعار ذلك للمعاني نحو: عَقْدِ البيع، و العهد، و غيرهما، فيقال: عَاقَدْتُهُ، و عَقَدْتُهُ، و تَعَاقَدْنَا، و عَقَدْتُ يمينه. قال تعالى:
عَاقَدَتْ أيمانكم «5» و قرئ: عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ‏ «6»، و قال: بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ‏ [المائدة/ 89]، و قرئ: بِما عَقَدْتُمُ‏
__________________________________________________
 (1) لم أجده.
 (2) لقوله صلّى اللّه عليه و سلم: «إذا ذكر القدر فأمسكوا» أخرجه الطبراني و أبو نعيم.
 (3) هذا عجز بيت لامرئ القيس، و يروى:
         به عرّة أو طائف غير معقب‏

و صدره:
         و يخضد في الآري حتى كأنما

و هو في ديوانه ص 34.
 (4) انظر: المجمل 3/ 620.
 (5) سورة النساء: آية 33، و هي قراءة نافع و ابن كثير و ابن عامر و أبي عمرو و أبي جعفر و يعقوب.
 (6) و هي قراءة الكوفيين: حمزة و الكسائي و عاصم و خلف. انظر: إرشاد المبتدي ص 282.

576
مفردات ألفاظ القرآن

عقد ص 576

الْأَيْمانَ «1»، و منه قيل: لفلان عَقِيدَةٌ، و قيل للقلادة: عِقْدٌ. و الْعَقْدُ مصدر استعمل اسما فجمع، نحو: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة/ 1]، و الْعُقْدَةُ: اسم لما يعقد من نكاح أو يمين أو غيرهما، قال: وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ‏ [البقرة/ 235]، و عُقِدَ لسانه: احتبس، و بلسانه عُقْدَةٌ، أي: في كلامه حبسة، قال: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي‏ [طه/ 27]، النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق/ 4]، جمع عُقْدَةٍ، و هي ما تعقده الساحرة، و أصله من العزيمة، و لذلك يقال لها: عَزِيمَةٌ كما يقال لها: عُقْدَة، و منه قيل للساحر: مُعْقِدٌ، و له عقدة ملك «2»، و قيل: ناقة عَاقِدَةٌ و عَاقِدٌ: عقدت بذنبها للقاحها، و تيس و كلب أَعْقَدُ: ملتوي الذّنب، و تَعَاقَدَتِ الكلاب:
تعاظلت «3».
عقر
عُقْرُ الحوض و الدّار و غيرهما: أصلها و يقال:
له: عَقْرٌ، و
قِيلَ: (مَا غُزِيَ قَوْمٌ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ قَطُّ إِلَّا ذَلُّوا) «4».
و قيل للقصر: عُقْرَةٌ. و عَقَرْتُهُ أصبت: عُقْرَهُ، أي: أصله، نحو، رأسته، و منه:
عَقَرْتُ النّخل: قطعته من أصله، و عَقَرْتُ البعير: نحرته، و عَقَرْتُ ظهر البعير فَانْعَقَرَ، قال:
فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ‏ [هود/ 65]، و قال تعالى: فَتَعاطى‏ فَعَقَرَ [القمر/ 29]، و منه استعير: سرج مُعْقَرٌ، و كلب عَقُورٌ، و رجل عَاقِرٌ، و امرأة عَاقِرٌ: لا تلد، كأنّها تعقر ماء الفحل. قال: وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً* [مريم/ 5]، وَ امْرَأَتِي عاقِرٌ [آل عمران/ 40]، و قد عَقِرَتْ، و الْعُقْرُ: آخر الولد. و بيضة العقر كذلك، و الْعُقَارُ: الخمر لكونه كالعاقر للعقل، و الْمُعَاقَرَةُ: إدمان شربه، و قولهم للقطعة من الغنم: عُقْرٌ فتشبيه بالقصر، فقولهم: رفع فلان عَقِيرَتَهُ، أي: صوته فذلك لما روي أنّ رجلا عُقِرَ رِجْلُهُ فرفع صوته «5»، فصار ذلك مستعارا للصّوت، و الْعَقَاقِيرُ: أخلاط الأدوية، الواحد:
عَقَّارٌ.
عقل‏
الْعَقْلُ يقال للقوّة المتهيّئة لقبول العلم، و يقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوّة عَقْلٌ، و لهذا
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
327-
         رَأَيْتُ الْعَقْلَ عَقْلَيْنِ             فَمَطْبُوعٌ وَ مَسْمُوعٌ‏

__________________________________________________
 (1) و هي قراءة الكوفيّين إلّا حفصا انظر: إرشاد المبتدي ص 299.
 (2) قال الفيروزآبادي: و العقدة: الضّيعة و العقار الّذي اعتقده صاحبه ملكا. انظر: البصائر 4/ 83.
 (3) انظر: المجمل 3/ 621.
 (4) هذا القيل لعليّ بن أبي طالب من خطبة له في الجهاد، انظر: نهج البلاغة ص 122.
 (5) انظر: الخصائص 1/ 66، و المجمل 3/ 622، و الجمهرة 2/ 383.

577
مفردات ألفاظ القرآن

عقل ص 577

328-
         وَ لَا يَنْفَعُ مَسْمُوعٌ             إِذَا لَمْ يَكُ مَطْبُوعٌ‏


329-
         كَمَا لَا يَنْفَعُ الشَّمْسُ             وَ ضَوْءُ الْعَيْنِ مَمْنُوعٌ «1».


و إلى الأوّل‏
أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَا خَلَقَ اللَّهُ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَقْلِ» «2».
و إلى الثاني أشار
بِقَوْلِهِ: «مَا كَسَبَ أَحَدٌ شَيْئاً أَفْضَلَ مِنْ عَقْلٍ يَهْدِيهِ إِلَى هُدًى أَوْ يَرُدُّهُ عَنْ رَدًى» «3».
و هذا العقل هو المعنيّ بقوله: وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ‏ [العنكبوت/ 43]، و كلّ موضع ذمّ اللّه فيه الكفّار بعدم العقل فإشارة إلى الثاني دون الأوّل، نحو: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ «4» إلى قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ‏ «5» و نحو ذلك من الآيات، و كلّ موضع رفع فيه التّكليف عن العبد لعدم العقل فإشارة إلى الأوّل. و أصل الْعَقْلِ: الإمساك و الاستمساك، كعقل البعير بِالْعِقَالِ، و عَقْل الدّواء البطن، و عَقَلَتِ المرأة شعرها، و عَقَلَ لسانه: كفّه، و منه قيل للحصن: مَعْقِلٌ، و جمعه مَعَاقِلُ. و باعتبار عقل البعير قيل: عَقَلْتُ المقتول: أعطيت ديته، و قيل: أصله أن تعقل الإبل بفناء وليّ الدّم، و قيل: بل بعقل الدّم أن يسفك، ثم سمّيت الدّية بأيّ شي‏ء كان عَقْلًا، و سمّي الملتزمون له عَاقِلَةً، و عَقَلْتُ عنه: نبت عنه في إعطاء الدّية، و دية مَعْقُلَةٌ على قومه: إذا صاروا بدونه، و اعْتَقَلَهُ بالشّغزبيّة «6»: إذا صرعه، و اعْتَقَلَ رمحه بين ركابه و ساقه، و قيل: الْعِقَالُ:
صدقة عام،
لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا لَقَاتَلْتُهُمْ) «7».
و لقولهم: أخذ النّقد
__________________________________________________
 (1) الأبيات في ديوانه ص 121، و أدب الدنيا و الدين ص 15، و إحياء علوم الدين 1/ 86.
 (2) الحديث عن أبي هريرة عن النبي قال: «إنّ اللّه لما خلق العقل قال له: أقبل: فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال: و عزتي و جلالي ما خلقت خلقا أشرف منك، فبك آخذ و بك أعطي».
قال ابن تيمية: إنه كذب موضوع باتفاق، و قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: أخرجه الطبراني في الكبير و الأوسط و أبو نعيم بإسنادين ضعيفين. انظر: الإحياء مع تخريجه 1/ 83، و حلية الأولياء 7/ 318، و كشف الخفاء 1/ 236.
 (3) الحديث عن عمر قال: قال رسول اللّه: «ما اكتسب رجل مثل فضل عقل يهدي صاحبه إلى هدى، و يردّه عن ردى، و ما تم إيمان عبد و لا استقام دينه حتى يكمل عقله» ا. ه. قال العراقي: أخرجه ابن المحبّر في العقل، و عنه الحارث بن أبي أسامة. انظر: الإحياء 1/ 83. قلت: داود بن المحبّر كذّاب، و قال ابن حجر: و أكثر (كتاب العقل) الذي صنّفه موضوعات. مات سنة 206 ه. انظر: تقريب التهذيب ص 200.
 (4) الآية: و مثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء و نداء صمّ بكم ... سورة البقرة: آية 171.
 (5) الآية: و مثل الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاء و نداء صمّ بكم ... سورة البقرة: آية 171.
 (6) الشّغزبيّة: ضرب من العقل.
 (7) و قال أبو بكر هذا لما ارتدّت العرب و منعت الزكاة. و انظر: فتح الباري 3/ 262.

578
مفردات ألفاظ القرآن

عقل ص 577

و لم يأخذ الْعِقَالَ «1»، و ذلك كناية عن الإبل بما يشدّ به، أو بالمصدر، فإنه يقال: عَقَلْتُهُ عَقْلًا و عِقَالًا، كما يقال: كتبت كتابا، و يسمّى المكتوب كتابا، كذلك يسمّى الْمَعْقُولُ عِقَالًا، و الْعَقِيلَةُ من النّساء و الدّرّ و غيرهما: التي تُعْقَلُ، أي: تحرس و تمنع، كقولهم: علق مضنّة «2» لما يتعلّق به، و الْمَعْقِلُ: جبل أو حصن يُعْتَقَلُ به، و الْعُقَّالُ: داء يعرض في قوائم الخيل، و الْعَقَلُ:
اصطكاك فيها.
عقم‏
أصل الْعُقْمِ: اليبس المانع من قبول الأثر «3» يقال: عَقُمَتْ مفاصله، و داء عُقَامٌ: لا يقبل البرء، و الْعَقِيمُ من النّساء: التي لا تقبل ماء الفحل. يقال: عَقِمَتِ المرأة و الرّحم. قال تعالى: فَصَكَّتْ وَجْهَها وَ قالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ‏
 [الذاريات/ 29]، و ريح عَقِيمٌ: يصحّ أن يكون بمعنى الفاعل، و هي التي لا تلقح سحابا و لا شجرا، و يصحّ أن يكون بمعنى المفعول كالعجوز الْعَقِيمِ «4» و هي التي لا تقبل أثر الخير، و إذا لم تقبل و لم تتأثّر لم تعط و لم تؤثّر، قال تعالى: إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ‏ [الذاريات/ 41]، و يوم عَقِيمٌ: لا فرح فيه.
عكف‏
الْعُكُوفُ: الإقبال على الشي‏ء و ملازمته على سبيل التّعظيم له، و الِاعْتِكَافُ في الشّرع: هو الاحتباس في المسجد على سبيل القربة و يقال:
عَكَفْتُهُ على كذا، أي: حبسته عليه، لذلك قال:
سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ [الحج/ 25]، وَ الْعاكِفِينَ‏ [البقرة/ 125]، فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ‏ [الشعراء/ 71]، يَعْكُفُونَ عَلى‏ أَصْنامٍ لَهُمْ‏ [الأعراف/ 138]، ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً [طه/ 97]، وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ [البقرة/ 187]، وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً [الفتح/ 25]، أي: محبوسا ممنوعا.
علق‏
الْعَلَقُ: التّشبّث بالشّي‏ء، يقال: عَلِقَ الصّيد في الحبالة، و أَعْلَقَ الصّائد: إذا علق الصّيد في حبالته، و الْمِعْلَقُ و الْمِعْلَاقُ: ما يُعَلَّقُ به، و عِلَاقَةُ السّوط كذلك، و عَلَقُ القربة كذلك، و عَلَقُ البكرة: آلاتها التي تَتَعَلَّقُ بها، و منه: الْعُلْقَةُ لما يتمسّك به، و عَلِقَ دم فلان بزيد: إذا كان زيد قاتله، و الْعَلَقُ: دود يتعلّق بالحلق، و الْعَلَقُ: الدّم الجامد و منه: الْعَلَقَةُ التي يكون منها الولد. قال تعالى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ‏ [العلق/
__________________________________________________
 (1) انظر: جمهرة اللغة 3/ 129.
 (2) قال ابن منظور: و يقال: هذا الشي‏ء علق مضنّة، أي: يضنّ به، و جمعه أعلاق. انظر: اللسان (علق).
 (3) قال كراع: العقم أصله اللّي، و منه قيل: امرأة عقيم: لا تلد، كأنّ رحمها عقمت عن الولادة. المنتخب 2/ 664.
 (4) انظر: المدخل لعلم تفسير كتاب اللّه بتحقيقنا ص 267- 268.

579
مفردات ألفاظ القرآن

علق ص 579

2]، و قال: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ إلى قوله:
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً «1» و الْعِلْقُ: الشّي‏ء النّفيس الذي يتعلّق به صاحبه فلا يفرج عنه، و الْعَلِيقُ: ما عُلِّقَ على الدّابّة من القضيم، و الْعَلِيقَةُ: مركوب يبعثها الإنسان مع غيره فيغلق أمره. قال الشاعر:
330-
         أرسلها عَلِيقَةً و قد علم             أنّ الْعَلِيقَاتِ يلاقين الرّقم «2»

و الْعَلُوقُ: النّاقة التي ترأم ولدها فتعلق به، و قيل للمنيّة: عَلُوقٌ، و الْعَلْقَى: شجر يتعلّق به، و عَلِقَتِ المرأة: حبلت، و رجل مِعْلَاقٌ: يتعلق بخصمه.
علم‏
الْعِلْمُ: إدراك الشي‏ء بحقيقته، و ذلك ضربان:
أحدهما: إدراك ذات الشي‏ء.
و الثاني: الحكم على الشي‏ء بوجود شي‏ء هو موجود له، أو نفي شي‏ء هو منفيّ عنه.
فالأوّل: هو المتعدّي إلى مفعول واحد نحو:
لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ‏ [الأنفال/ 60].
و الثاني: المتعدّي إلى مفعولين، نحو قوله:
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ‏ [الممتحنة/ 10]، و قوله: يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ إلى قوله:
لا عِلْمَ لَنا «3» فإشارة إلى أنّ عقولهم طاشت. و الْعِلْمُ من وجه ضربان: نظريّ و عمليّ.
فالنّظريّ: ما إذا علم فقد كمل، نحو: العلم بموجودات العالَم.
و العمليّ: ما لا يتمّ إلا بأن يعمل كالعلم بالعبادات.
و من وجه آخر ضربان: عقليّ و سمعيّ، و أَعْلَمْتُهُ و عَلَّمْتُهُ في الأصل واحد، إلّا أنّ الإعلام اختصّ بما كان بإخبار سريع، و التَّعْلِيمُ اختصّ بما يكون بتكرير و تكثير حتى يحصل منه أثر في نفس الْمُتَعَلِّمِ. قال بعضهم: التَّعْلِيمُ:
تنبيه النّفس لتصوّر المعاني، و التَّعَلُّمُ: تنبّه النّفس لتصوّر ذلك، و ربّما استعمل في معنى الْإِعْلَامِ إذا كان فيه تكرير، نحو: أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ‏ [الحجرات/ 16]، فمن التَّعْلِيمِ قوله: الرَّحْمنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ‏ [الرحمن/ 1- 2]، عَلَّمَ بِالْقَلَمِ‏ [العلق/ 4]، وَ عُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا [الأنعام/ 91]، عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [النمل/ 16]، وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ* [البقرة/ 129]، و نحو ذلك. و قوله:
وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها [البقرة/ 31]،
__________________________________________________
 (1) الآية: و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين* ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين* ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة سورة المؤمنون: آية 12- 14.
 (2) الرجز لسالم بن دارة الغطفاني، و هو في جمهرة اللغة 3/ 130، و اللسان (علق).
 (3) الآية: يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ما ذا أجبتم قالوا لا علم لنا سورة المائدة: آية 109.

580
مفردات ألفاظ القرآن

علم ص 580

فَتَعْلِيمُهُ الأسماء: هو أن جعل له قوّة بها نطق و وضع أسماء الأشياء و ذلك بإلقائه في روعه و كَتعلِيمِهِ الحيوانات كلّ واحد منها فعلا يتعاطاه، و صوتا يتحرّاه قال: وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف/ 65]، قالَ لَهُ مُوسى‏ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى‏ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [الكهف/ 66]، قيل: عنى به الْعِلْمَ الخاصّ الخفيّ على البشر الذي يرونه ما لم يعرّفهم اللّه منكرا، بدلالة ما رآه موسى منه لمّا تبعه فأنكره حتى عرّفه سببه، قيل: و على هذا العلم في قوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ‏ [النمل/ 40]، و قوله تعالى: وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ‏ [المجادلة/ 11]، فتنبيه منه تعالى على تفاوت منازل العلوم و تفاوت أربابها. و أما قوله:
وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ‏ [يوسف/ 76]، فَعَلِيمٌ يصحّ أن يكون إشارة إلى الإنسان الذي فوق آخر، و يكون تخصيص لفظ العليم الذي هو للمبالغة تنبيها أنه بالإضافة إلى الأوّل عليم و إن لم يكن بالإضافة إلى من فوقه كذلك، و يجوز أن يكون قوله: عَلِيمٌ عبارة عن اللّه تعالى و إن جاء لفظه منكّرا، إذ كان الموصوف في الحقيقة بالعليم هو تبارك و تعالى، فيكون قوله: وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف/ 76]، إشارة إلى الجماعة بأسرهم لا إلى كلّ واحد بانفراده، و على الأوّل يكون إشارة إلى كلّ واحد بانفراده. و قوله: عَلَّامُ الْغُيُوبِ*
 [المائدة/ 109]، فيه إشارة إلى أنه لا يخفى عليه خافية.
و قوله: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ‏ [الجن/ 26- 27]، فيه إشارة أنّ للّه تعالى علما يخصّ به أولياءه، و الْعَالِمُ في وصف اللّه هو الّذي لا يخفى عليه شي‏ء كما قال: لا تَخْفى‏ مِنْكُمْ خافِيَةٌ [الحاقة/ 18]، و ذلك لا يصحّ إلا في وصفه تعالى. و الْعَلَمُ: الأثر الذي يُعْلَمُ به الشي‏ء كعلم الطّريق و علم الجيش، و سمّي الجبل عَلَماً لذلك، و جمعه أَعْلَامٌ، و قرئ: (و إنّه لَعَلَمٌ للسّاعة) «1» و قال: وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ‏ [الشورى/ 32]، و في أخرى: وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ‏ [الرحمن/ 24]. و الشّقّ في الشّفة العليا عَلَمٌ، و علم الثّوب، و يقال: فلان عَلَمٌ، أي: مشهور يشبّه بعلم الجيش. و أَعْلَمْتُ كذا:
جعلت له علما، و مَعَالِمُ الطّريق و الدّين، الواحد مَعْلَمٌ، و فلان معلم للخير، و الْعُلَّامُ: الحنّاء و هو منه، و الْعَالَمُ: اسم للفلك و ما يحويه من الجواهر و الأعراض، و هو في الأصل اسم لما يعلم به كالطابع و الخاتم لما يطبع به و يختم به، و جعل بناؤه على هذه الصّيغة لكونه كالآلة، و الْعَالَمُ آلة
__________________________________________________
 (1) سورة الزخرف: آية 61، و هي قراءة شاذة، قرأ بها الأعمش. انظر: الإتحاف ص 386.

581
مفردات ألفاظ القرآن

علم ص 580

في الدّلالة على صانعه، و لهذا أحالنا تعالى عليه في معرفة وحدانيّته، فقال: أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [الأعراف/ 185]، و أمّا جمعه فلأنّ من كلّ نوع من هذه قد يسمّى عَالَماً، فيقال: عالم الإنسان، و عالم الماء، و عالم النّار، و أيضا
قَدْ رُوِيَ: (إِنَّ لِلَّهِ بِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ عَالَمٍ) «1».
و أمّا جمعه جمع السّلامة فلكون النّاس في جملتهم، و الإنسان إذا شارك غيره في اللّفظ غلب حكمه، و
قِيلَ: إِنَّمَا جُمِعَ هَذَا الْجَمْعُ لِأَنَّهُ عُنِيَ بِهِ أَصْنَافُ الْخَلَائِقِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ دُونَ غَيْرِهَا. وَ قَدْ رُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ «2»

و
قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: عُنِيَ بِهِ النَّاسُ وَ جُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَالَماً «3»، وَ قَالَ «4»: الْعَالَمُ عَالَمَانِ الْكَبِيرُ وَ هُوَ الْفَلَكُ بِمَا فِيهِ، وَ الصَّغِيرُ وَ هُوَ الْإِنْسَانُ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ عَلَى هَيْئَةِ الْعَالَمِ، وَ قَدْ أَوْجَدَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ كُلَّ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْعَالَمِ الْكَبِيرِ.
قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ* [الفاتحة/ 1]، و قوله تعالى:
وَ أَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* [البقرة/ 47]، قيل: أراد عالمي زمانهم. و قيل: أراد فضلاء زمانهم الذين يجري كلّ واحد منهم مجرى كلّ عالم لما أعطاهم و مكّنهم منه، و تسميتهم بذلك كتسمية إبراهيم عليه السلام بأمّة في قوله: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً[النحل/ 120]، و قوله: أَ وَ لَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ‏ [الحجر/ 70].
علن‏
الْعَلَانِيَةُ: ضدّ السّرّ، و أكثر ما يقال ذلك في المعاني دون الأعيان، يقال: عَلَنَ كذا، و أَعْلَنْتُهُ أنا. قال تعالى: أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً [نوح/ 9]، أي: سرّا و علانية. و قال:
ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَ ما يُعْلِنُونَ* [القصص/ 69]. و عِلْوَانُ الكتابِ يصحّ أن يكون من: عَلَنَ اعتبارا بظهور المعنى الذي فيه لا بظهور ذاته.
علا
الْعُلْوُ: ضدّ السُّفْل، و الْعُلْوِيُّ و السُّفْليُّ المنسوب إليهما، و الْعُلُوُّ: الارتفاعُ، و قد عَلَا يَعْلُو عُلُوّاً و هو عَالٍ «5»، و عَلِيَ يَعْلَى عَلَاءً فهو عَلِيٌّ «6»، فَعَلَا
__________________________________________________
 (1) أخرج ابن جرير و ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله تعالى: ربّ العالمين* قال: الإنس عالم، و الجن عالم، و ما سوى ذلك ثمانية عشر ألف عالم من الملائكة.
و أخرج أبو الشيخ و أبو نعيم في الحلية عن وهب قال: إنّ للّه عزّ و جل ثمانية عشر ألف عالم. الدنيا منها عالم واحد. انظر: الدر المنثور 1/ 34.
 (2) انظر: البصائر 4/ 95، و الدر المنثور 1/ 34.
 (3) انظر: البصائر 4/ 95.
 (4) انظر تفصيل النشأتين ص 78.
 (5) راجع: الأفعال للسرقسطي 1/ 204.
 (6) راجع: الأفعال للسرقسطي 1/ 252.

582
مفردات ألفاظ القرآن

علا ص 582

بالفتح في الأمكنة و الأجسام أكثر. قال تعالى:
عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ‏ [الإنسان/ 21].
و قيل: إنّ (عَلَا) يقال في المحمود و المذموم، و (عَلِيَ) لا يقال إلّا في المحمود، قال: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ‏ [القصص/ 4]، لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ‏ [يونس/ 83]، و قال تعالى: فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ‏ [المؤمنون/ 46]، و قال لإبليس:
أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ‏ [ص/ 75]، لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ‏ [القصص/ 83]، وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ [المؤمنون/ 91]، وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً [الإسراء/ 4]، وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا [النمل/ 14]. و الْعَلِيُّ: هو الرّفيع القدر من: عَلِيَ، و إذا وصف اللّه تعالى به في قوله:
أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ* [الحج/ 62]، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً [النساء/ 34]، فمعناه:
يعلو أن يحيط به وصف الواصفين بل علم العارفين. و على ذلك يقال: تَعَالَى، نحو:
تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ‏ [النمل/ 63]، [و تخصيص لفظ التّفاعل لمبالغة ذلك منه لا على سبيل التّكلّف كما يكون من البشر] «1»، و قال عزّ و جلّ: تَعالى‏ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيراً [الإسراء/ 43]، فقوله: (عُلُوًّا) ليس بمصدر تعالى. كما أنّ قوله (نَباتاً) في قوله:
أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح/ 17]، و (تَبْتِيلًا) في قوله: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا [المزمل/ 8]، كذلك «2». و الْأَعْلى: الأشرف.
قال تعالى: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى‏ [النازعات/ 24]، و الِاسْتِعْلاءُ: قد يكون طلب العلوّ المذموم، و قد يكون طلب الْعَلَاءِ، أي: الرّفعة، و قوله: وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى‏ [طه/ 64]، يحتمل الأمرين جميعا. و أما قوله:
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏ [الأعلى/ 1]، فمعناه: أعلى من أن يقاس به، أو يعتبر بغيره، و قوله: وَ السَّماواتِ الْعُلى‏ [طه/ 4]، فجمع تأنيث الأعلى، و المعنى: هي الأشرف و الأفضل بالإضافة إلى هذا العالم، كما قال: أَ أَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها [النازعات/ 27]، و قوله: لَفِي عِلِّيِّينَ‏ [المطففين/ 18]، فقد قيل هو اسم أشرف الجنان «3»، كما أنّ سجّينا اسم شرّ النّيران، و قيل: بل ذلك في الحقيقة اسم سكّانها، و هذا أقرب في العربيّة، إذ كان هذا الجمع يختصّ بالناطقين، قال: و الواحد عِلِّيٌ‏
__________________________________________________
 (1) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 2/ 395.
 (2) إنما هي أسماء مصادر، و انظر في ذلك: المدخل لعلم التفسير ص 290 بتحقيقنا.
 (3) انظر: الدر المنثور 8/ 448، و البصائر 4/ 97.

583
مفردات ألفاظ القرآن

علا ص 582

نحو بطّيخ. و معناه: إن الأبرار في جملة هؤلاء فيكون ذلك كقوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [النساء/ 69]، الآية.
و باعتبار العلوّ قيل للمكان المشرف و للشّرف:
الْعَلْيَاءُ، و الْعُلِّيَّةُ: تصغير عَالِيَةٍ فصار في التّعارف اسما للغرفة، و تَعَالَى النهار: ارتفع، و عَالِيَةُ الرّمحِ: ما دون السّنان، جمعها عَوَالٍ، و عَالِيَةُ المدينةِ، و منه قيل: بعث إلى أهل الْعَوَالِي «1»، و نسب إلى العَالِيَة فقيل: عُلْوِيٌّ «2». و الْعَلَاةُ:
السّندان حديدا كان أو حجرا. و يقال: الْعُلِّيَّةُ للغرفة، و جمعها عَلَالِي، و هي فعاليل، و الْعِلْيَانُ: البعير الضّخم، و عِلَاوَةُ الشي‏ءِ:
أعلاه. و لذلك قيل للرّأس و العنق: عِلَاوَةٌ، و لما يحمل فوق الأحمال: عِلَاوَةٌ. و قيل: عِلَاوَةُ الرّيح و سفالته، و الْمُعَلَّى: أشرف القداح، و هو السابع، و اعْلُ عنّي، أي: ارتفع «3». و (تَعَالَ) قيل: أصله أن يدعى الإنسان إلى مكان مرتفع، ثم جعل للدّعاء إلى كلّ مكان، قال بعضهم: أصله من الْعُلُوِّ، و هو ارتفاع المنزلة، فكأنه دعا إلى ما فيه رفعة، كقولك:
افعل كذا غير صاغر تشريفا للمقول له. و على ذلك قال: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا [آل عمران/ 61]، تَعالَوْا إِلى‏ كَلِمَةٍ [آل عمران/ 64]، تَعالَوْا إِلى‏ ما أَنْزَلَ اللَّهُ* [النساء/ 61]، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَ‏ [النمل/ 31]، تَعالَوْا أَتْلُ‏ [الأنعام/ 151]. و تَعَلَّى: ذهب صعدا. يقال:
عَلَّيْتُهُ فَتَعَلَّى، و (عَلَى): حَرْفُ جرٍّ، و قد يوضع موضع الاسم في قولهم:
331-
         غدت من عَلَيْهِ «4»
عم‏
الْعَمُّ: أخو الأب، و الْعَمَّةُ أخته. قال تعالى:
أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ‏ [النور/
__________________________________________________
 (1) العوالي: ناحية بالمدينة المنورة.
 (2) و هي نادرة.
 (3) انظر: المجمل 3/ 625.
 (4) هذا شطر بيت، و هو بتمامه:
              غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها             تصلّ و عن قيض بزيزاء مجهل‏
و هو لمزاحم العقيلي، في اللسان (علا)، و المدخل لعلم التفسير ص 448، و خزانة الأدب 4/ 253.
- فائدة: ممّا سلف تبيّن أنّ (على) تأتي اسما و فعلا و حرفا.
و مثلها ثماني عشرة كلمة، جمعها العلّامة السيوطي فقال:
             وردت في النحو كلمات أتت             تارة حرفا، و فعلا، و سما
             و هي: من و الهاء و الهمز و هل             ربّ و النون و في أعني فما
             علّ لمّا و بلى حاشا ألا             و على و الكاف فيما نظما
             و خلا لات و ها فيما رووا             و إلى أنّ فروّ الكلما

انظر: الأشباه و النظائر في النحو 2/ 8.

584
مفردات ألفاظ القرآن

عم ص 584

61]، و رجل مُعَمٌّ مخولٌ «1»، و اسْتَعَمَّ عَمّاً، و تَعَمَّمَهُ، أي: اتّخذه عَمّاً، و أصل ذلك من الْعُمُومِ، و هو الشّمول و ذلك باعتبار الكثرة.
و يقال: عَمَّهُمْ كذا، و عَمَّهُمْ بكذا. عَمّاً و عُمُوماً، و الْعَامَّةُ سمّوا بذلك لكثرتهم و عُمُومِهِمْ في البلد، و باعتبار الشّمول سُمِّيَ المِشْوَذُ «2» الْعِمَامَةَ، فقيل: تَعَمَّمَ نحو: تقنّع، و تقمّص، و عَمَّمْتُهُ، و كنّي بذلك عن السّيادة. و شاة مُعَمَّمَةٌ: مُبْيَضَّةُ الرّأس، كأنّ عليها عِمَامَةً نحو: مقنّعة و مخمّرة.
قال الشاعر:
332-
         يا عامر بن مالك يا عَمَّا             أفنيت عَمّاً و جبرت عَمّاً «3»

أي: يا عمّاه سلبت قوما، و أعطيت قوما. و قوله:
عَمَّ يَتَساءَلُونَ [عمّ/ 1]، أي: عن ما، و ليس من هذا الباب.
عمد
الْعَمْدُ: قصد الشي‏ء و الاستناد إليه، و الْعِمَادُ: ما يُعْتَمَدُ. قال تعالى: إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ [الفجر/ 7]، أي: الذي كانوا يَعْتَمِدُونَهُ، يقال:
عَمَّدْتُ الشي‏ء: إذا أسندته، و عَمَّدْتُ الحائِطَ مثلُهُ. و الْعَمُودُ: خشب تَعْتَمِدُ عليه الخيمة، و جمعه: عُمُدٌ و عَمَدٌ. قال: فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ، [الهمزة/ 9] و قرئ: فِي عُمُدٍ «4»، و قال:
بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها* [الرعد/ 2]، و كذلك ما يأخذه الإنسان بيده مُعْتَمِداً عليه من حديد أو خشب. و عَمُودُ الصّبحِ: ابتداء ضوئه تشبيها بالعمود في الهيئة، و الْعَمْدُ و التَّعَمُّدُ في التّعارف خلاف السّهو، و هو المقصود بالنّيّة، قال: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً [النساء/ 93]، وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏ [الأحزاب/ 5]، و قيل: فلان رفيع الْعِمَادِ «5» أي: هو رفيع عند الِاعْتِمَادِ عليه، و الْعُمْدَةُ: كلُّ ما يعتمد عليه من مال و غيره، و جمعها: عُمُدٌ. و قرئ: فِي عُمُدٍ «6» و الْعَمِيدُ: السَّيِّدُ الذي يَعْمُدُهُ الناسُ، و القلب الذي يَعْمُدُهُ الحزن، و السّقيم الذي يعمده‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و العرب تقول: رجل معمّ مخول: إذا كان كريم الأعمام و الأخوال كثيرهم. انظر: اللسان (عمم).
 (2) المشوذ: العمامة، و جمعها: المشاوذ، و يقال: فلان حسن الشّيذة، أي: حسن العمّة.
 (3) البيت للبيد يرثي عمّه ملاعب الأسنة عامر بن مالك.
و هو في ديوانه ص 205، و جمهرة اللغة 1/ 114.
 (4) و هي قراءة شعبة و حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 443، و الإقناع لابن الباذش 2/ 814.
 (5) انظر: المجمل 3/ 629، و أساس البلاغة ص 313.
قال قدامة بن جعفر: و يقال: عالي العماد، واري الزناد، رحيب الباع، مشبوح الذراع، ضخم الدسيعة، جمّ الصنيعة. انظر: جواهر الألفاظ ص 55.
 (6) تقدمت قريبا.

585
مفردات ألفاظ القرآن

عمد ص 585

السّقم، و قد عَمَدَ «1»: توجّع من حزن أو غضب أو سقم، و عَمِدَ البعيرُ «2»: توجّع من عقر ظهره.
عمر
الْعِمَارَةُ: نقيض الخراب: يقال: عَمَرَ أرضَهُ:
يَعْمُرُهَا عِمَارَةً. قال تعالى: وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ [التوبة/ 19]. يقال: عَمَّرْتُهُ فَعَمَرَ فهو مَعْمُورٌ. قال: وَ عَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها [الروم/ 9]، وَ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ [الطور/ 4]، و أَعْمَرْتُهُ الأرضَ و اسْتَعْمَرْتُهُ: إذا فوّضت إليه الْعِمَارَةَ، قال: وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها [هود/ 61]. و الْعَمْرُ و الْعُمُرُ: اسم لمدّة عمارة البدن بالحياة، فهو دون البقاء، فإذا قيل: طال عُمُرُهُ، فمعناه: عِمَارَةُ بدنِهِ بروحه، و إذا قيل: بقاؤه فليس يقتضي ذلك، فإنّ البقاء ضدّ الفناء، و لفضل البقاء على العمر وصف اللّه به، و قلّما وصف بالعمر. و التَّعْمِيرُ: إعطاء العمر بالفعل، أو بالقول على سبيل الدّعاء. قال: أَ وَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ‏ [فاطر/ 37]، وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ‏ [فاطر/ 11]، وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ [البقرة/ 96]، و قوله تعالى: وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ‏ [يس/ 68]، قال تعالى: فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ [القصص/ 45]، وَ لَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ‏ [الشعراء/ 18]. و العُمُرُ و الْعَمْرُ واحد لكن خُصَّ القَسَمُ بِالْعَمْرِ دون العُمُرِ «3»، نحو: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ‏ [الحجر/ 72]، و عَمَّرَكَ اللّه، أي:
سألت اللّه عمرك، و خصّ هاهنا لفظ عمر لما قصد به قصد القسم، و الِاعْتِمَارُ و الْعُمْرَةُ: الزيارة التي فيها عِمَارَةُ الودّ، و جعل في الشّريعة للقصد المخصوص. و قوله: إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ‏ [التوبة/ 18]، إمّا من الْعِمَارَةِ التي هي حفظ البناء، أو من الْعُمْرَةِ التي هي الزّيارة، أو من قولهم: عَمَرْتُ بمكان كذا، أي: أقمت به لأنه يقال: عَمَرْتُ المكانَ و عَمَرْتُ بالمكانِ، و الْعِمَارَةُ أخصّ من القبيلة، و هي اسم لجماعة بهم عِمَارَةُ المكانِ، قال الشاعر:
333-
         لكلّ أناس من معدّ عِمَارَةٌ «4»
و الْعَمَارُ: ما يضعه الرّئيس على رأسه عِمَارَةً لرئاسته و حفظا له، ريحانا كان أو عمامة. و إذا
__________________________________________________
 (1) يقال: عمد بفتح الميم و كسرها. قال السرقسطي: و عمد الإنسان: جهده المرض.
 (2) قال السرقسطي أيضا: عمد البعير عمدا: انكسر سنامه، فهو عمد. راجع: الأفعال 1/ 224.
 (3) راجع: أعجب العجب ص 38، و المخصص 2/ 64.
 (4) هذا شطر بيت، و عجزه:
         عروض يلجئون إليها و جانب‏

و هو للأخنس بن شهاب التغلبي في اللسان (عمر)، و جمهرة اللغة 2/ 387، و المفضليات ص 204.

586
مفردات ألفاظ القرآن

عمر ص 586

سمّي الرَّيْحان من دون ذلك عَمَاراً فاستعارة منه و اعتبار به. و الْمَعْمَرُ: المَسْكَنُ ما دام عَامِراً بسكّانه. و الْعَوْمَرَةُ «1»: صَخَبٌ يدلّ على عمارة الموضع بأربابه. و الْعُمْرَى في العطية: أن تجعل له شيئا مدّة عمرك أو عمره كالرّقبى «2»، و في تخصيص لفظه تنبيه أنّ ذلك شي‏ء معار.
و الْعَمْرُ: اللّحم الذي يُعْمَرُ به ما بين الأسنان، و جمعه عُمُورٌ. و يقال للضّبع: أمّ عَامِرٍ «3»، و للإفلاس: أبو عَمْرَةَ «4».
عمق‏
قال تعالى: مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‏ [الحج/ 27]، أي: بعيد. و أصل الْعُمْقِ: البعد سفلا، يقال: بئر عَمِيقٌ و مَعِيقٌ «5»: إذا كانت بعيدة القعر.
عمل‏
الْعَمَلُ: كلّ فعل يكون من الحيوان بقصد، فهو أخصّ من الفعل «6»، لأنّ الفعل قد ينسب إلى الحيوانات التي يقع منها فعل بغير قصد، و قد ينسب إلى الجمادات، و العَمَلُ قلّما ينسب إلى ذلك، و لم يستعمل العَمَلُ في الحيوانات إلّا في قولهم: البقر الْعَوَامِلُ، و الْعَمَلُ يستعمل في الْأَعْمَالِ الصالحة و السّيّئة، قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ* [البقرة/ 277]، وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ* [النساء/ 124]، مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ‏ [النساء/ 123]، وَ نَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَ عَمَلِهِ‏ [التحريم/ 11]، و أشباه ذلك. إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ‏ [هود/ 46]، وَ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ «7»، و قوله تعالى: وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها [التوبة/ 60]: هم المتولّون على الصّدقة، و الْعَمَالَةُ: أجرته، و عَامِلُ الرُّمْحِ: ما يلي‏
__________________________________________________
 (1) يقال: تركت القوم في عومرة: أي: صياح و جلبة. انظر: اللسان (عمر)، و المجمل 3/ 629، و الجمهرة 2/ 387.
 (2) الرّقبى: أن يهب شخصا دارا مثلا و يقول له: إن متّ قبلي رجعت إليّ، و إن متّ قبلك فهي لك. و راجع أحكام العمرى و الرقبى في كتب الفقه.
 (3) انظر: اللسان (عمر)، و حياة الحيوان 1/ 634، و ثمار القلوب ص 258.
 (4) قال ابن فارس: و يقال للإفلاس: أبو عمرة، و قال ابن منظور: و أبو عمرة كنية الجوع. قال الثعالبي: أبو عمرة: كنية الإفلاس و كنية الجوع، و أنشد:
         إنّ أبا عمرة حلّ حجرتي             و حلّ نسج العنكبوت برمتي‏
راجع: المجمل 3/ 629، و اللسان (عمر)، و ثمار القلوب ص 248.
 (5) انظر: جمهرة اللغة 3/ 131، و اللسان (عمق).
 (6) قال أبو هلال العسكري: و الفرق بين الفعل و العمل: أنّ العمل إيجاد الأثر في الشي‏ء. يقال: فلان يعمل الطين خزفا، و يعمل الخوص زنبيلا، و الأديم سقاء. و لا يقال: يفعل ذلك، لأنّ فعل الشي‏ء عبارة عمّا وجد في حال كان قبلها مقدورا، سواء كان عن سبب أو لا. انظر: الفروق اللغوية ص 109- 110.
 (7) في المطبوعة و المخطوطات: و الذين يعملون السيئات لهم عذاب شديد و هذا خطأ و الصحيح ما أثبتناه، و هي الآية 10 من سورة فاطر. و الظاهر أن الخطأ من المؤلف نفسه لأنه استشهد به في مادة (عمل). [استدراك‏].

587
مفردات ألفاظ القرآن

عمل ص 587

السّنان، و الْيَعْمَلَةُ: مشتقّة من الْعَمَلِ «1».
عمه‏
الْعَمَهُ: التّردُّدُ في الأمر من التّحيّر. يقال: عَمَهَ فهو عَمِهٌ و عَامِهٌ «2»، و جمعه عُمَّهٌ. قال تعالى: فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ* [الأعراف/ 186]، فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ* [البقرة/ 15]، و قال تعالى:
زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ‏ [النمل/ 4].
عمى‏
الْعَمَى يقال في افتقاد البصر و البصيرة، و يقال في الأوّل: أَعْمَى، و في الثاني: أَعْمَى و عَمٍ، و على الأوّل قوله: أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى‏ [عبس/ 2]، و على الثاني ما ورد من ذمّ الْعَمَى في القرآن نحو قوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ* [البقرة/ 18]، و قوله: فَعَمُوا وَ صَمُّوا [المائدة/ 71]، بل لم يعدّ افتقاد البصر في جنب افتقاد البصيرة عَمًى حتى قال: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج/ 46]، و على هذا قوله:
الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي [الكهف/ 101]، و قال: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى‏ حَرَجٌ* [الفتح/ 17]، و جمع أَعْمَى عُمْيٌ و عُمْيَانٌ. قال تعالى: بُكْمٌ عُمْيٌ* [البقرة/ 171]، صُمًّا وَ عُمْياناً [الفرقان/ 73]، و قوله: وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى‏ وَ أَضَلُّ سَبِيلًا [الإسراء/ 72]، فالأوّل اسم الفاعل، و الثاني قيل: هو مثله، و قيل: هو أفعل من كذا، الذي للتّفضيل لأنّ ذلك من فقدان البصيرة، و يصحّ أن يقال فيه: ما أفعله، و هو أفعل من كذا، و منهم من حمل قوله تعالى:
وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى‏ [الإسراء/ 72]، على عمى البصيرة و الثاني على عمى البصر، و إلى هذا ذهب أبو عمرو «3»، فأمال الأولى لمّا كان من عمى القلب، و ترك الإمالة في الثاني لما كان اسما، و الاسم أبعد من الإمالة.
قال تعالى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَ هُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى‏ [فصلت/ 44]، إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ‏ [الأعراف/ 64]، و قوله: وَ نَحْشُرُهُ‏
__________________________________________________
 (1) اليعملة: الناقة.
 (2) قال السرقسطي: يقال: عمه فلان في الأرض، و عمه عمها و عموها و عمهانا: إذا تردّد لا يدري أين يتوجه فهو عامه و عمه. انظر: الأفعال 1/ 293.
 (3) هو أبو عمرو بن العلاء توفي سنة 154. انظر: ترجمته في بغية الوعاة 2/ 231، و انظر: قول أبي عمرو هذا في البصائر 4/ 103.
قال الدمياطي: و قرأ أبو عمرو بإمالة الأول محضة بكونه ليس أفعل تفضيل، و فتح الثاني لأنه للتفضيل، و لذا عطف عليه: و (أضلّ). انظر: الإتحاف ص 285.
و هو عكس ما قاله الراغب.

588
مفردات ألفاظ القرآن

عمى ص 588

يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى‏ [طه/ 124]، وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا [الإسراء/ 97]، فيحتمل لعمى البصر و البصيرة جميعا. وَ عَمِيَ عليه، أي: اشتبه حتى صار بالإضافة إليه كالأعمى قال: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ [القصص/ 66]، وَ آتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ‏ [هود/ 28].
و الْعَمَاءُ: السّحاب، و الْعَمَاءُ: الجهالة، و على الثاني حمل بعضهم ما روي أنه [قيل: أين كان ربّنا قبل أن خلق السماء و الأرض؟ قال: في عَمَاءٍ تحته عماء و فوقه عماء] «1»، قال: إنّ ذلك إشارة إلى أنّ تلك حالة تجهل، و لا يمكن الوقوف عليها، و الْعَمِيَّةُ: الجهل، و الْمَعَامِي:
الأغفال من الأرض التي لا أثر بها.
عن‏
عَنْ: يقتضي مجاوزة ما أضيف إليه، تقول:
حدّثتك عن فلان، و أطعمته عن جوع، قال أبو محمد البصريّ «2»: «عَنْ» يستعمل أعمّ من «على» لأنه يستعمل في الجهات السّتّ، و لذلك وقع موقع على في قول الشاعر:
334-
         إذا رضيت عليّ بنو قشير «3»
قال: و لو قلت: أطعمته على جوع و كسوته على عري لصحّ.
عنب‏
الْعِنَبُ يقال لثمرة الكرم، و للكرم نفسه، الواحدة: عِنَبَةٌ، و جمعه: أَعْنَابٌ. قال تعالى:
وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ‏ [النحل/ 67]، و قال تعالى: جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ‏ [الإسراء/ 91]، وَ جَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ* [الرعد/ 4]، حَدائِقَ وَ أَعْناباً [النبأ/ 32]، وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً [عبس/ 28- 29]، جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ‏ [الكهف/ 32]، و الْعِنَبَةُ:
بَثْرَةٌ على هيئته.
عنت‏
الْمُعَانَتَةُ كالمعاندة لكن المُعَانَتَة أبلغ، لأنها معاندة فيها خوف و هلاك، و لهذا يقال: عَنِتَ فلان: إذا وقع في أمر يخاف منه التّلف، يَعْنَتُ عَنَتاً. قال تعالى: لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ‏

__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول اللّه، أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: «كان في عماء ما تحته هواء، و ما فوقه هواء، و خلق عرشه على الماء». أخرجه الترمذي و قال: حديث حسن، و قال ابن العربي: قد رويناه من طرقه، و هو صحيح سندا و متنا.
انظر: عارضة الأحوذي 11/ 273، و أخرجه أحمد في المسند 4/ 11، و ابن ماجة 1/ 64.
 (2) هو ابن قتيبة.
 (3) هذا شطر بيت، و عجزه:
         لعمر اللّه أعجبني رضاها

و هو للقحيف العقيلي في مغني اللبيب ص 191، و الجنى الداني ص 445، و خزانة الأدب 10/ 132.

589
مفردات ألفاظ القرآن

عنت ص 589

 [النساء/ 25]، وَدُّوا ما عَنِتُّمْ‏ [آل عمران/ 118]، عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ‏ [التوبة/ 128]، وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ‏ «1» أي: ذلّت و خضعت، و يقال: أَعْنَتَهُ غيرُهُ. وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ‏ [البقرة/ 220]، و يقال للعظم المجبور إذا أصابه ألم فهاضه: قد أَعْنَتَهُ.
عند
عِنْد: لفظ موضوع للقرب، فتارة يستعمل في المكان، و تارة في الاعتقاد، نحو أن يقال: عِنْدِي كذا، و تارة في الزّلفى و المنزلة، و على ذلك قوله: بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [آل عمران/ 169]، إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ‏ [الأعراف/ 206]، فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ [فصلت/ 38]، قالَتْ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم/ 11]، و على هذا النّحو قيل: الملائكة المقرّبون عِنْدَ اللّه، قال: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَ أَبْقى‏* [الشورى/ 36]، و قوله: وَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف/ 85]، وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ‏ [الرعد/ 43]، أي: في حكمه، و قوله: فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ‏ [النور/ 13]، وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ‏ [النور/ 15]، و قوله تعالى: إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ‏ [الأنفال/ 32]، فمعناه في حكمه، و الْعَنِيدُ: المعجب بما عنده، و الْمُعَانِدُ: المباهي بما عنده. قال: كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق/ 24]، إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً [المدثر/ 16]، و الْعَنُودُ قيل مثله، قال: لكن بينهما فرق، لأنّ الْعَنِيدَ الذي يُعَانِدُ و يخالف، و الْعَنُودُ الذي يَعْنُدُ عن القصد، قال: و يقال: بعير عَنُودٌ و لا يقال عَنِيدٌ. و أما الْعُنَّدُ فجمعُ عَانِدٍ، و جمع الْعَنُودِ: عَنَدَةٌ، و جمعُ الْعَنِيدِ: عِنَدٌ. و قال بعضهم: الْعُنُودُ: هو العدول عن الطريق «2» لكن الْعَنُودُ خصّ بالعادل عن الطريق المحسوس، و الْعَنِيدُ بالعادل عن الطريق في الحكم، و عَنَدَ عن الطريق: عدل عنه، و قيل: عَانَدَ لَازَمَ، و عَانَدَ: فارَقَ، و كلاهما من عَنَدَ لكن باعتبارين مختلفين كقولهم: الْبَيْنُ «3»، في الوصل و الهجر باعتبارين مختلفين.
عنق‏
الْعُنُقُ: الجارحة، و جمعه أَعْنَاقٌ. قال تعالى:
وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ‏ [الإسراء/
__________________________________________________
 (1) سورة طه: آية 111، و هذه الآية ليست من هذا الباب، إذا أصله من: عنيته، أي: حبسته، و منه قيل للأسير: عان.
و يقال: عنا يعنو: إذا خضع. انظر: غريب القرآن لابن قتيبة ص 282، و المجمل 3/ 630.
 (2) انظر: الجمهرة 2/ 283، و المجمل 3/ 631.
 (3) قال ابن الأنباري: يكون البين الفراق، و يكون البين الوصال، فإذا كان الفراق فهو مصدر بان يبين بينا: إذا ذهب.
انظر: الأضداد ص 75.

590
مفردات ألفاظ القرآن

عنق ص 590

 [13]، مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ‏ [ص/ 33]، إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ [غافر/ 71]، و قوله تعالى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ‏ [الأنفال/ 12]، أي: رءوسهم. و منه: رجل أَعْنَقُ: طويل العُنُقِ، و امرأة عَنْقَاءُ، و كلب أَعْنَقُ:
في عنقه بياض، و أَعْنَقْتُهُ كذا: جعلته في عنقه، و منه استعير: اعْتَنَقَ الأمرَ، و قيل لأشراف القوم:
أَعْنَاقٌ. و على هذا قوله: فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ‏ [الشعراء/ 4]. و تَعَنَّقَ الأرنب: رفع عنقه، و الْعَنَاقُ: الأنثى من المعز، و عَنْقَاءُ مغربٍ، قيل: هو طائر متوهّم لا وجود له في العالم «1».
عنا
وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ‏ [طه/ 111]، أي: خضعت مستأسرة بعناء، يقال:
عَنَيْتُهُ بكذا، أي: أنصبته، و عَنِيَ: نصب و استأسر، و منه الْعَانِي للأسير، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً فَإِنَّهُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ» «2».
و عُنِيَ بحاجته فهو مَعْنِيٌّ بها، و قيل: عَنِيَ فهو عَانٍ، و قرئ: لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يَعْنِيهِ «3» و الْعَنِيَّةُ: شي‏ء يطلى به البعير الأجرب و في الأمثال: عَنِيَّةٌ تشفي الجرب «4»
. و الْمَعْنَى: إظهار ما تضمّنه اللّفظ، من قولهم: عَنَتِ الأرض بالنّبات: أنبتته حسنا، و عَنَتِ القربة: أظهرت ماءها، و منه: عِنْوَانُ الكتابِ في قول من يجعله من: عَنِيَ «5».
و الْمَعْنَى يقارن التّفسير و إن كان بينهما فرق «6».
عهد
الْعَهْدُ: حفظ الشي‏ء و مراعاته حالا بعد حال، و سمّي الموثق الذي يلزم مراعاته عَهْداً.
قال: وَ أَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا [الإسراء/ 34]، أي: أوفوا بحفظ الأيمان، قال: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ‏ [البقرة/ 124]، أي: لا أجعل عهدي لمن كان ظالما، قال: وَ مَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ‏ [التوبة/ 111]. و عَهِدَ فلان إلى فلان يَعْهَدُ «7»، أي: ألقى إليه العهد و أوصاه بحفظه، قال: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ‏ [طه/ 115]، أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ‏ [يس/ 60]، الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا

__________________________________________________
 (1) راجع: حياة الحيوان 2/ 86.
 (2) شطر حديث أخرجه ابن ماجة في كتاب النكاح، باب: حق المرأة على الزوج برقم (1851)، انظر: سنن ابن ماجة 1/ 594.
 (3) سورة عبس آية 37، و هي قراءة شاذة، و معناها: يأسره و يذله.
 (4) المثل يضرب للرجل يستشفى برأيه و عقله. انظر: مجمع الأمثال 1/ 18، و المجمل 3/ 630.
 (5) قال السرقسطي: و عنوت الكتاب عنوا، و عنيته عينا: كتبت عنوانه و عنيانه. انظر: الأفعال 1/ 315.
 (6) الفرق: أنّ التفسير هو الكشف و الإيضاح، و المعنى يطلق على مدلول الألفاظ، و به يقال اللفظ، و قد يراد به التقدير، كقوله تعالى: و سئل القرية و المعنى: أهل القرية. انظر عمدة الحفاظ: عنا.
 (7) انظر: الأفعال 1/ 306.

591
مفردات ألفاظ القرآن

عهد ص 591

 [آل عمران/ 183]، وَ عَهِدْنا إِلى‏ إِبْراهِيمَ‏ [البقرة/ 125]. و عَهْدُ اللّهِ تارة يكون بما ركزه في عقولنا، و تارة يكون بما أمرنا به بالكتاب و بالسّنّة رسله، و تارة بما نلتزمه و ليس بلازم في أصل الشّرع كالنّذور و ما يجري مجراها، و على هذا قوله: وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ‏ [التوبة/ 75]، أَ وَ كُلَّما عاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ‏ [البقرة/ 100]، وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ‏ [الأحزاب/ 15]. و الْمُعَاهَدُ في عرف الشّرع يختصّ بمن يدخل من الكفّار في عَهْدِ المسلمين، و كذلك ذو الْعَهْدِ،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَ لَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» «1».
و باعتبار الحفظ قيل للوثيقة بين المتعاقدين: عُهْدَةٌ، و قولهم: في هذا الأمر عُهْدَةٌ لما أمر به أن يستوثق منه، و للتّفقّد «2» قيل للمطر: عَهْدٌ، و عِهَادٌ، و روضة مَعْهُودَةٌ: أصابها الْعِهَادُ.
عهن‏
الْعِهْنُ: الصّوف المصبوغ. قال تعالى: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ‏ [القارعة/ 5]، و تخصيص الْعِهْنِ لما فيه من اللّون كما ذكر في قوله: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ [الرحمن/ 37]، و رمى بالكلام على عَوَاهِنِهِ «3» أي: أورده من غير فكر و رويّة، و ذلك كقولهم: أورد كلامه غير مفسّر.
عاب‏
الْعَيْبُ و الْعَابُ: الأمر الذي يصير به الشي‏ء عَيْبَةً. أي: مقرّا للنّقص، و عِبْتُهُ جعلته مَعِيباً إما بالفعل كما قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها [الكهف/ 79]، و إما بالقول، و ذلك إذا ذممته نحو قولك: عِبْتُ فلانا، و الْعَيْبَةُ: ما يستر فيه الشي‏ء، و منه‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:
 «الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَ عَيْبَتِي» «4».
أي: موضع سرّي.
عوج‏
الْعَوْجُ: العطف عن حال الانتصاب، يقال:
عُجْتُ البعير بزمامه، و فلان ما يَعُوجُ عن شي‏ء يهمّ به، أي: ما يرجع، و الْعَوَجُ يقال فيما يدرك بالبصر سهلا كالخشب المنتصب و نحوه. و الْعِوَجُ يقال فيما يدرك بالفكر و البصيرة كما يكون في أرض بسيط يعرف تفاوته بالبصيرة و الدّين و المعاش، قال تعالى: قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عليّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: «المسلمون تتكافأ دماؤهم، و يسعى بذمتهم أدناهم، و يردّ عليهم أقصاها، و هم يد على من سواهم، لا يقتل مسلم بكافر، و لا ذو عهد في عهده» أخرجه أبو داود في الديات برقم 4530، و انظر معالم السنن 4/ 16، و أخرجه النسائي في القسامة 8/ 24 و حسّنه ابن حجر في الفتح 12/ 262، و أخرجه أبو يعلى.
و انظر: مجمع الزوائد 6/ 296.
 (2) في اللسان: تعهّد الشي‏ء: تفقّده.
 (3) انظر: المجمل 3/ 634.
 (4) الحديث عن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «الأنصار كرشي و عيبتي، و إنّ الناس سيكثرون و يقلّون، فاقبلوا من محسنهم، و تجاوزوا عن مسيئهم» أخرجه البخاري 7/ 93، و مسلم 2510.

592
مفردات ألفاظ القرآن

عوج ص 592

عِوَجٍ‏ [الزمر/ 28]، وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً [الكهف/ 1]، و الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً* [الأعراف/ 45]. و الْأَعْوَجُ يكنّى به عن سيّئ الخلق، و الْأَعْوَجِيَّةُ «1»:
منسوبة إلى أَعْوَجَ، و هو فحل معروف.
عود
الْعَوْدُ: الرّجوع إلى الشي‏ء بعد الانصراف عنه إمّا انصرافا بالذات، أو بالقول و العزيمة. قال تعالى: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ‏ [المؤمنون/ 107]، وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ‏ [الأنعام/ 28]، وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ‏ [المائدة/ 95]، وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ‏ [الروم/ 27]، وَ مَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ‏ [البقرة/ 275]، وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا [الإسراء/ 8]، وَ إِنْ تَعُودُوا نَعُدْ [الأنفال/ 19]، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا* [الأعراف/ 88]، فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ‏ [المؤمنون/ 107]، إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ‏
 وَ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها [الأعراف/ 89]، و قوله: وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة/ 3]، فعند أهل الظّاهر هو أن يقول للمرأة ذلك ثانيا، فحينئذ يلزمه الكفّارة. و قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ‏
 كقوله: فَإِنْ فاؤُ [البقرة/ 226].
و عند أبي حنيفة: الْعَوْدُ في الظّهار هو أن يجامعها بعد أن يظاهر منها «2». و عند الشافعيّ:
هو إمساكها بعد وقوع الظّهار عليها مدّة يمكنه أن يطلّق فيها فلم يفعل «3»، و قال بعض المتأخّرين: المظاهرة هي يمين نحو أن يقال:
امرأتي عليّ كظهر أمّي إن فعلت كذا. فمتى فعل ذلك و حنث يلزمه من الكفّارة ما بيّنه تعالى في هذا المكان. و قوله: ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة/ 3]، يحمل على فعل ما حلف له أن لا يفعل، و ذلك كقولك: فلان حلف ثم عَادَ: إذا فعل ما حلف عليه. قال الأخفش: قوله لِما قالُوا «4» متعلّق بقوله: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ «5»، و هذا يقوّي القول الأخير. قال: و لزوم هذه‏
__________________________________________________
 (1) أعوج اسم فرس كان لهلال بن عامر، و قيل: هو فرس غنيّ بن أعصر، و قيل: هما فرسان: أعوج الأكبر، و أعوج الأصغر. قال الغندجاني: و ليس لهم فحل أشهر في العرب و لا أكثر نسلا، و لا الشعراء و الفرسان أكثر ذكرا له و افتخارا به من أعوج. انظر: أسماء خيل العرب ص 36، و أنساب الخيل ص 16، و العقد الفريد 1/ 109.
 (2) قال الجصاص: قال أصحابنا و الليث بن سعد: الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة، و معنى العود عندهم استباحة وطئها، فلا يفعله إلا بكفارة يقدّمها.
و قال الحسن: إذا أجمع رأي المظاهر على أن يجامع امرأته فقد لزمته الكفارة و إن أراد تركها بعد ذلك، لأنّ العود هو الإجماع على مجامعتها. انظر: أحكام القرآن للجصاص 3/ 418.
 (3) انظر: أحكام القرآن لالكياهراسي 4/ 404.
 (4) سورة المجادلة: آية 3. و انظر: معاني القرآن للأخفش 2/ 496.
 (5) سورة المجادلة: آية 3. و انظر: معاني القرآن للأخفش 2/ 496.

593
مفردات ألفاظ القرآن

عود ص 593

الكفّارة إذا حنث كلزوم الكفّارة المبيّنة في الحلف باللّه، و الحنث في قوله فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ [المائدة/ 89]، و إعَادَةُ الشي‏ء كالحديث و غيره تكريره. قال تعالى: سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى‏ [طه/ 21]، أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ‏ [الكهف/ 20]. و الْعَادَةُ: اسم لتكرير الفعل و الانفعال حتى يصير ذلك سهلا تعاطيه كالطّبع، و لذلك قيل: العَادَةُ طبيعة ثانية.
و الْعِيدُ: ما يُعَاوِدُ مرّة بعد أخرى، و خصّ في الشّريعة بيوم الفطر و يوم النّحر، و لمّا كان ذلك اليوم مجعولا للسّرور في الشريعة كما
نَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «أَيَّامُ أَكْلٍ وَ شُرْبٍ وَ بِعَالٍ» «1».
صار يستعمل الْعِيدُ في كلّ يوم فيه مسرّة، و على ذلك قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً [المائدة/ 114]. [و الْعِيدُ: كلّ حالة تُعَاوِدُ الإنسان، و الْعَائِدَةُ: كلّ نفع يرجع إلى الإنسان من شي‏ء ما] «2»، و الْمَعَادُ يقال للعود و للزّمان الذي يَعُودُ فيه، و قد يكون للمكان الذي يَعُودُ إليه، قال تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى‏ مَعادٍ [القصص/ 85]، قيل: أراد به مكّة «3»، و الصحيح ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام و ذكره ابن عباس أنّ ذلك إشارة إلى الجنّة التي خلقه فيها بالقوّة في ظهر آدم «4»، و أظهر منه حيث قال: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ... الآية [الأعراف/ 172]. و الْعَوْدُ:
البعير المسنّ اعتبارا بِمُعَاوَدَتِهِ السّير و العمل، أو بِمُعَاوَدَةِ السّنين إيّاه، و عَوْدِ سنة بعد سنة عليه، فعلى الأوّل يكون بمعنى الفاعل، و على الثاني بمعنى المفعول. و الْعَوْدُ: الطريق القديم الذي يَعُودُ إليه السّفر، و من العَوْدِ: عِيَادَةُ المريض، و الْعِيدِيَّةُ: إبل منسوبة إلى فحل يقال له: عِيدٌ، و الْعُودُ قيل: هو في الأصل الخشب الذي من شأنه أن يَعُودُ إذا قطع، و قد خصّ بالمزهر المعروف و بالذي يتبخّر به.
عوذ
الْعَوْذُ: الالتجاء إلى الغير و التّعلّق به. يقال:
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عمر بن خلدة الأنصاري عن أمّه رفعته قالت: بعث النبي صلّى اللّه عليه و سلم عليا أيام التشريق ينادي: أيها الناس، إنها أيام أكل و شرب و بعال. أخرجه أحمد بن منيع و مسدّد و ابن أبي شيبة و عبد بن حميد، و فيه ضعف. انظر:
المطالب العالية 1/ 298.
و لمسلم برقم (1141): «أيام التشريق أيام أكل و شرب و ذكر اللّه»، و ليس فيه: (و بعال).
 (2) ما بين [] نقله السمين في الدر المصون 4/ 504.
 (3) و هذا قول ابن عباس و الضحاك و مجاهد. انظر: الدر المنثور 6/ 445.
 (4) أخرج الحاكم في التاريخ و الديلمي عن عليّ رضي اللّه عنه عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم في قوله: لرادّك إلى معاد قال:
الجنة.
و عن ابن عباس في الآية قال: إلى معدنك من الجنة. انظر: الدر المنثور 6/ 447.

594
مفردات ألفاظ القرآن

عوذ ص 594

عَاذَ فلان بفلان، و منه قوله تعالى: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ‏ [البقرة/ 67]، وَ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ‏ [الدخان/ 20]، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ* [الفلق/ 1]، إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ‏ [مريم/ 18]. و أَعَذْتُهُ باللّه أُعِيذُهُ.
قال: إِنِّي أُعِيذُها بِكَ‏ [آل عمران/ 36]، و قوله: مَعاذَ اللَّهِ* [يوسف/ 79]، أي:
نلتجئ إليه و نستنصر به أن نفعل ذلك، فإنّ ذلك سوء نتحاشى من تعاطيه. و الْعُوذَةُ: ما يُعَاذُ به من الشي‏ء، و منه قيل للتّميمة و الرّقية: عُوذَةٌ، و عَوَّذَهُ: إذا وقاه، و كلّ أنثى وضعت فهي عَائِذٌ إلى سبعة أيام.
عور
الْعَوْرَةُ سوأة الإنسان، و ذلك كناية، و أصلها من الْعَارِ و ذلك لما يلحق في ظهوره من العار أي: المذمّة، و لذلك سمّي النساء عَوْرَةً، و من ذلك: الْعَوْرَاءُ للكلمة القبيحة، و عَوِرَتْ عينه عَوَراً «1»، و عَارَتْ عينه عَوَراً «2»، و عَوَّرْتُهَا، و عنه اسْتُعِيرَ: عَوَّرْتُ البئر، و قيل للغراب: الْأَعْوَرُ، لحدّة نظره، و ذلك على عكس المعنى و لذلك قال الشاعر:
335-
         و صحاح العيون يدعون عُوراً «3»
و الْعَوَارُ و الْعَوْرَةُ: شقّ في الشي‏ء كالثّوب و البيت و نحوه. قال تعالى: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ [الأحزاب/ 13]، أي: متخرّقة ممكنة لمن أرادها، و منه قيل: فلان يحفظ عَوْرَتَهُ، أي: خلله، و قوله: ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ‏ [النور/ 58]، أي: نصف النهار و آخر الليل، و بعد العشاء الآخرة، و قوله: الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى‏ عَوْراتِ النِّساءِ [النور/ 31]، أي: لم يبلغوا الحلم. و سهم عَائِرٌ: لا يدرى من أين جاء، و لفلان عَائِرَةُ عين من المال «4». أي:
ما يعور العين و يحيّرها لكثرته، و الْمُعَاوَرَةُ قيل في معنى الاستعارة. و الْعَارِيَّةُ فعليّة من ذلك، و لهذا يقال: تَعَاوَرَهُ الْعَوَارِي «5»، و قال بعضهم «6»: هو من العَارِ، لأنّ دفعها يورث المذمّة و العَارَ، كما قيل في المثل: (إنه قيل لِلْعَارِيَّةِ أين تذهبين؟
فقالت: أجلب إلى أهلي مذمّة و عَاراً) «7»، و قيل:
هذا لا يصحّ من حيث الاشتقاق، فإنّ الْعَارِيَّةَ من الواو بدلالة: تَعَاوَرْنَا، و العار من الياء لقولهم:
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: عورت العين عورا، و أعورت: ذهب بصرها. انظر: الأفعال 1/ 201.
 (2) قال السرقسطي: عار عين الرجل عورا، و أعورها: فقأها. قال: و زاد أبو حاتم: و أعرتها و عوّرتها. انظر: الأفعال 1/ 203.
 (3) الشطر في اللسان (عور) دون نسبة، و تهذيب اللغة 3/ 171، و عمدة الحفاظ: عور.
 (4) انظر: المجمل 3/ 636، و أساس البلاغة ص 316.
 (5) انظر: اللسان (عور).
 (6) هو الخليل في العين 2/ 239 قال ابن منظور: و هو قويل ضعيف.
 (7) انظر: البصائر 4/ 112، و أمثال أبي عبيد ص 297، و مجمع الأمثال 2/ 189.

595
مفردات ألفاظ القرآن

عور ص 595

عيّرته بكذا.
عير
الْعِيرُ: القوم الذين معهم أحمال الميرة، و ذلك اسم للرّجال و الجمال الحاملة للميرة، و إن كان قد يستعمل في كلّ واحد من دون الآخر. قال تعالى: وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ [يوسف/ 94]، أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ‏ [يوسف/ 70]، وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها [يوسف/ 82]، و الْعَيْرُ يقال للحمار الوحشيّ، و للنّاشز على ظهر القدم، و لإنسان العين، و لما تحت غضروف الأذن، و لما يعلو الماء من الغثاء، و للوتد، و لحرف النّصل في وسطه، فإن يكن استعماله في كلّ ذلك صحيحا ففي مناسبة بعضها لبعض منه تعسّف. و الْعِيَارُ:
تقدير المكيال و الميزان، و منه قيل: عَيَّرْتُ الدّنانير، و عَيَّرْتُهُ: ذممته، من الْعَارِ، و قولهم:
تَعَايَرَ بنو فلان، قيل: معناه تذاكروا العَارَ. و قيل:
تعاطوا الْعِيَارَةَ، أي: فِعْلَ العَيْرِ في الانفلات و التّخلية، و منه: عَارَتِ الدّابّة تَعِيرُ «1» إذا انفلتت، و قيل: فلان عَيَّارٌ.
عيس‏
عِيسَى اسم علم، و إذا جعل عربيّا أمكن أن يكون من قولهم: بعير أَعْيَسُ، و ناقة عَيْسَاءُ، و جمعها عِيسٌ، و هي إبل بيض يعتري بياضها ظلمة، أو من الْعَيْسِ و هو ماء الفحل يقال:
عَاسَهَا يَعِيسُهَا «2».
عيش‏
الْعَيْشُ: الحياة المختصّة بالحيوان، و هو أخصّ من الحياة، لأنّ الحياة تقال في الحيوان، و في الباري تعالى، و في الملك، و يشتقّ منه الْمَعِيشَةُ لما يُتَعَيَّشُ منه. قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [الزخرف/ 32]، مَعِيشَةً ضَنْكاً [طه/ 124]، لَكُمْ فِيها مَعايِشَ* [الأعراف/ 10]، وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ* [الحجر/ 20].
و قال في أهل الجنّة: فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* [القارعة/ 7]، و
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ» «3».
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: عار الفرس و الكلب: أفلت و ذهب في الناس، و عار البعير يعير عيارا و عيرانا: ترك شوله و ذهب إلى أخرى ليقرعها. انظر: الأفعال 1/ 245.
 (2) في الأفعال 1/ 310: عاس الفحل عيسا: ضرب النوق، و العيس: ماؤه.
 (3) عن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار يوم الخندق:
         نحن الذين بايعوا محمدا             على الجهاد ما بقينا أبدا

فأجابهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار و المهاجرة» رواه البخاري 7/ 90 في فضائل الصحابة، و مسلم 1805، و أحمد 3/ 170.

596
مفردات ألفاظ القرآن

عوق ص 597

عوق‏
الْعَائِقُ: الصارف عمّا يراد من خير، و منه:
عَوَائِقُ الدّهر، يقال: عَاقَهُ و عَوَّقَهُ و اعْتَاقَهُ. قال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ‏ [الأحزاب/ 18]، أي: المثبّطين الصّارفين عن طريق الخير، و رجل عَوْقٌ و عَوْقَةٌ: يَعُوقُ النّاسَ عن الخير، و يَعُوقُ: اسم صنم.
عول‏
عَالَهُ و غاله يتقاربان. الْعَوْلُ يقال فيما يهلك، و الْعَوْلُ فيما يثقل، يقال: ما عَالَكَ فهو عَائِلٌ لي «1»، و منه: الْعَوْلُ، و هو ترك النّصفة بأخذ الزيادة. قال تعالى: ذلِكَ أَدْنى‏ أَلَّا تَعُولُوا [النساء/ 3]، و منه: عَالَتِ الفريضة: إذا زادت في القسمة المسمّاة لأصحابها بالنّصّ، و التَّعْوِيلُ: الاعتماد على الغير فيما يثقل، و منه:
الْعَوْلُ و هو ما يثقل من المصيبة، فيقال: ويله و عَوْلَهُ «2»، و منه: الْعِيَالُ، الواحد عَيِّلٌ لما فيه من الثّقل، و عَالَهُ: تحمّل ثقل مئونته، و منه‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» «3».
و أَعَالَ:
إذا كثر عِيَالُهُ «4».
عيل‏
قال تعالى: وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً [التوبة/ 28]، أي: فقرأ. يقال: عَالَ الرّجل: إذا افتقر يَعِيلُ عَيْلَةً فهو عَائِلٌ «5»، و أما أَعَالَ: إذا كثر عِيَالُهُ فمن بنات الواو، و قوله: وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏ «6» أي: أزال عنك فقر النّفس و جعل لك الغنى الأكبر المعنيّ‏
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
 «الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» «7».
و
قِيلَ: «مَا عَالَ مُقْتَصِدٌ» «8».
و قيل: و وجدك فقيرا إلى رحمة اللّه و عفوه، فأغناك بمغفرته لك ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَ ما تَأَخَّرَ.
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 639.
 (2) قال الأزهري: و أمّا قولهم: ويله و عوله، فإنّ العول البكاء، و قال أبو طالب: النصب فيهما على الدعاء و الذم.
انظر: اللسان (عول)، (بتصرف).
 (3) أخرجه بهذه الرواية الحكيم الترمذي في نوادر الأصول 1/ 65.
و عن حكيم بن حزام عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى و ابدأ بمن تعول» أخرجه البخاري و النسائي. انظر: فتح الباري 3/ 294: الزكاة: باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى، و النسائي 5/ 61- 62.
 (4) و هذا قال به الشافعي، و نقله الكسائي عن العرب الفصحاء. انظر: تهذيب اللغة (عول)، و غريب الحديث للخطابي 2/ 138.
 (5) انظر: الأفعال 1/ 244.
 (6) سورة الضحى: آية 8.
 (7) الحديث سيأتي ثانية في مادة (غنى)، و انظر الكلام عليه فيها.
 (8) الحديث عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «ما عال مقتصد قط» أخرجه الطبراني في الكبير و الأوسط و رجاله وثّقوا، و في بعضهم خلاف. انظر: مجمع الزوائد 10/ 255. و قد تقدّم ص 591.

597
مفردات ألفاظ القرآن

عوم ص 598

عوم‏
الْعَامُ كالسّنة، لكن كثيرا ما تستعمل السّنة في الحول الذي يكون فيه الشّدّة أو الجدب. و لهذا يعبّر عن الجدب بالسّنة، و العام بما فيه الرّخاء و الخصب، قال: عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ‏ [يوسف/ 49]، و قوله: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً [العنكبوت/ 14]، ففي كون المستثنى منه بالسّنة و المستثنى بِالْعَامِ لطيفة «1» موضعها فيما بعد هذا الكتاب إن شاء اللّه، و الْعَوْمُ السّباحة، و قيل: سمّي السّنة عَاماً لِعَوْمِ الشمس في جميع بروجها، و يدلّ على معنى الْعَوْمِ قوله: وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [الأنبياء/ 33].
عون‏
الْعَوْنُ: الْمُعَاوَنَةُ و المظاهرة، يقال: فلان عَوْنِي، أي: مُعِينِي، و قد أَعَنْتُهُ. قال تعالى:
فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ [الكهف/ 95]، وَ أَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ‏ [الفرقان/ 4]. و التَّعَاوُنُ:
التّظاهر. قال تعالى: وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ‏ [المائدة/ 2]. و الِاسْتِعَانَةُ: طلب العَوْنِ. قال:
اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ* [البقرة/ 45]، و الْعَوَانُ: المتوسّط بين السّنين، و جعل كناية عن المسنّة من النّساء اعتبارا بنحو قول الشاعر:
336-
         فإن أتوك فقالوا: إنها نصف             فإنّ أمثل نصفيها الذي ذهبا «2»

قال: عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ‏ [البقرة/ 68]، و استعير للحرب التي قد تكرّرت و قدّمت. و قيل الْعَوَانَةُ للنّخلة القديمة، و الْعَانَةُ: قطيع من حمر الوحش، و جمع على عَانَاتٍ و عُونٍ، و عَانَةُ الرّجل: شعره النابت على فرجه، و تصغيره:
عُوَيْنَةٌ.
عين‏
الْعَيْنُ الجارحة. قال تعالى: وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ‏ [المائدة/ 45]، لَطَمَسْنا عَلى‏ أَعْيُنِهِمْ‏ [يس/ 66]، وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ‏ [التوبة/ 92]، قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ‏ [القصص/ 9]، كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها* [طه/ 40]، و يقال لذي الْعَيْنِ: عَيْنٌ «3»، و للمراعي للشي‏ء عَيْنٌ، و فلان بِعَيْنِي، أي: أحفظه و أراعيه، كقولك: هو بمرأى منّي و مسمع، قال: فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [الطور/ 48]، و قال: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا [القمر/ 14]، وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود/ 37]، أي: بحيث نرى‏
__________________________________________________
 (1) قال برهان الدين البقاعي: و عبّر بلفظ (سنة) ذمّا لأيام الكفر، و قال: (عاما) إشارة إلى أنّ زمان حياته عليه الصلاة و السلام بعد إغراقهم كان رغدا واسعا حسنا بإيمان المؤمنين، و خصب الأرض. انظر: نظم الدرر 14/ 404.
 (2) البيت في اللسان (نصف) دون نسبة، و المخصص 1/ 41، و عيون الأخبار 10/ 423.
 (3) قال ابن منظور: و العين: الذي ينظر للقوم، سمي بذلك لأنه إنما ينظر بعينه. انظر: اللسان (عين).

598
مفردات ألفاظ القرآن

عين ص 598

و نحفظ. وَ لِتُصْنَعَ عَلى‏ عَيْنِي‏ [طه/ 39]، أي: بكلاءتي و حفظي. و منه: عَيْنُ اللّه عليك أي: كنت في حفظ اللّه و رعايته، و قيل: جعل ذلك حفظته و جنوده الذين يحفظونه، و جمعه: أَعْيُنٌ و عُيُونٌ. قال تعالى: وَ لا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ‏ [هود/ 31]، رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ‏ [الفرقان/ 74].
و يستعار الْعَيْنُ لمعان هي موجودة في الجارحة بنظرات مختلفة، و استعير للثّقب في المزادة تشبيها بها في الهيئة، و في سيلان الماء منها فاشتقّ منها: سقاء عَيِّنٌ و مُتَعَيِّنٌ: إذا سال منها الماء، و قولهم: عَيِّنْ قربتك «1»، أي: صبّ فيها ما ينسدّ بسيلانه آثار خرزه، و قيل للمتجسّس:
عَيْنٌ تشبيها بها في نظرها، و ذلك كما تسمّى المرأة فرجا، و المركوب ظهرا، فيقال: فلان يملك كذا فرجا و كذا ظهرا لمّا كان المقصود منهما العضوين، و قيل للذّهب: عَيْنٌ تشبيها بها في كونها أفضل الجواهر، كما أنّ هذه الجارحة أفضل الجوارح و منه قيل: أَعْيَانُ القوم لأفاضلهم، و أَعْيَانُ الإخوة: لبني أب و أمّ، قال بعضهم: الْعَيْنُ إذا استعمل في معنى ذات الشي‏ء فيقال: كلّ ما له عَيْنٌ، فكاستعمال الرّقبة في المماليك، و تسمية النّساء بالفرج من حيث إنه هو المقصود منهنّ، و يقال لمنبع الماء: عَيْنٌ تشبيها بها لما فيها من الماء، و من عَيْنِ الماء اشتقّ: ماء مَعِينٌ. أي: ظاهر للعيون، و عَيِّنٌ أي: سائل. قال تعالى: عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا [الإنسان/ 18]، وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً [القمر/ 12]، فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ‏ [الرحمن/ 50]، عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ‏ [الرحمن/ 66]، وَ أَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ [سبأ/ 12]، فِي جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ* [الحجر/ 45]، مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ* [الشعراء/ 57]، و جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ زُرُوعٍ* [الدخان/ 25- 26]. و عِنْتُ الرّجل: أصبت عَيْنَهُ، نحو: رأسته و فأدته، و عِنْتُهُ: أصبته بعيني نحو سِفْتُهُ: أصبته بسيفي، و ذلك أنه يجعل تارة من الجارحة المضروبة نحو: رأسته و فأدته، و تارة من الجارحة التي هي آلة في الضّرب فيجري مجرى سفته و رمحته، و على نحوه في المعنيين قولهم:
يَدَيْتُ، فإنه يقال: إذا أصبت يده، و إذا أصبته بيدك، و تقول: عِنْتُ البئر أثرت عَيْنَ مائها، قال:
إِلى‏ رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ‏ [المؤمنون/ 50]، فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ‏ [الملك/ 30]. و قيل: الميم فيه أصليّة، و إنما هو من:
معنت «2». و تستعار الْعَيْنُ للميل في الميزان و يقال لبقر الوحش: أَعْيَنُ و عَيْنَاءُ لحسن عينه، و جمعها: عِينٌ، و بها شبّه النّساء. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 641، و اللسان (عين).
 (2) انظر معاني القرآن للفرّاء 2/ 237.

599
مفردات ألفاظ القرآن

عين ص 598

قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ‏ [الصافات/ 48]، وَ حُورٌ عِينٌ‏ [الواقعة/ 22].
عيى‏
الْإِعْيَاءُ: عجز يلحق البدن من المشي، و الْعِيُّ. عجز يلحق من تولّي الأمر و الكلام.
قال: أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ‏ [ق/ 15]، وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ‏ [الأحقاف/ 33]، و منه:
عَيَّ في منطقه عَيّاً فهو عَيِيٌّ «1»، و رجل عَيَايَاءُ طباقاء «2». إذا عَيِيَ بالكلام و الأمر، و داء عَيَاءٌ «3»: لا دواء له، و اللّه أعلم.
تمّ كتاب العين‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 1/ 241.
 (2) في اللسان: و رجل عياياء: إذا عيّ بالأمر و المنطق.
و قال أبو عبيد: العياياء من الإبل: الذي لا يضرب و لا يلقح، و كذلك هو من الرجال. انظر: لسان العرب (عين).
- و قال ابن منظور: و رجل طباقاء: أحمق، و قيل: هو الذي لا ينكح.
و في حديث أم زرع: فقالت إحداهن: زوجي عياياء طباقاء، كلّ داء له داء. انظر: اللسان (طبق).
 (3) في اللسان: الداء العياء: الذي لا دواء له، و يقال: الداء العياء: الحمق. انظر: اللسان (عيى).

600
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الغين

كتاب الغين‏
غبر
الْغَابِرُ: الماكث بعد مضيّ ما هو معه. قال:
إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ* [الشعراء/ 171]، يعني: فيمن طال أعمارهم، و قيل: فيمن بقي و لم يسر مع لوط. و قيل: فيمن بقي بعد في العذاب، و في آخر: إِلَّا امْرَأَتَكَ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ‏ [العنكبوت/ 33]، و في آخر:
قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ‏ [الحجر/ 60]، و منه: الْغُبْرَةُ: البقيّة في الضّرع من اللّبن، و جمعه: أَغْبَارٌ، و غُبْرُ الحيض، و غُبْرُ الليل.
و الْغُبَارُ: ما يبقى من التراب المثار، و جعل على بناء الدّخان و العثار و نحوهما من البقايا، و قد غَبَرَ الغُبَارُ، أي: ارتفع، و قيل: يقال للماضي غَابِرٌ، و للباقي غَابِرٌ «1»، فإن يك ذلك صحيحا، فإنما قيل للماضي غابر تصوّرا بمضيّ الغُبَارِ عن الأرض، و قيل للباقي غَابِرٌ تصوّرا بتخلّف الغُبَارِ عن الذي يعدو فيخلفه، و من الغُبَارِ اشتقّ الْغَبَرَةُ: و هو ما يعلق بالشي‏ء من الغُبَارِ و ما كان على لونه، قال:
وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ [عبس/ 40]، كناية عن تغيّر الوجه للغمّ، كقوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا* [النحل/ 58]، يقال: غَبَرَ غَبْرَةً، و اغْبَرَّ و اغْبَارَّ، قال طرفة:
337-
         رأيت بني غَبْرَاءَ لا ينكرونني «2»
أي: بني المفازة الْمُغْبَرَّةِ، و ذلك كقولهم: بنو السّبيل. و داهية غَبْرَاءُ، إما من قولهم: غَبَرَ الشي‏ء: وقع في الْغُبَارِ كأنها تُغَبِّرُ الإنسانَ، أو من الْغُبْرِ، أي: البقيّة، و المعنى: داهية باقية لا تنقضي، أو من غَبَرَةِ اللّون فهو كقولهم: داهية
__________________________________________________
 (1) قال ابن الأنباري: الغابر حرف من الأضداد. يقال: غابر للماضي، و غابر للباقي. انظر: الأضداد ص 129.
 (2) شطر بيت من معلقته، و عجزه:
         و لا أهل هذاك الطّرف الممدّد

و هو في ديوانه ص 31، و شرح القصائد المشهورات 1/ 79.

601
مفردات ألفاظ القرآن

غبر ص 601

زبّاء «1»، أو من غُبْرَةِ اللّبن فكلّها الدّاهية التي إذا انقضت بقي لها أثر، أو من قولهم: عرق غَبِرٌ، أي ينتفض مرّة بعد أخرى، و قد غَبِرَ العرق، و الْغُبَيْرَاءُ: نبت معروف، و ثمر على هيئته و لونه.
غبن‏
الْغَبْنُ: أن تبخس صاحبك في معاملة بينك و بينه بضرب من الإخفاء، فإن كان ذلك في مال يقال: غَبَنَ فلانٌ، و إن كان في رأي يقال:
غَبِنَ «2»، و غَبِنْتُ كذا غَبَناً: إذا غفلت عنه فعددت ذلك غَبَناً، و يَوْمُ التَّغابُنِ‏: يوم القيامة لظهور الغَبْنِ في المبايعة المشار إليها بقوله: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [البقرة/ 207]، و بقوله: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...الآية [التوبة/ 111]، و بقوله: الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَ أَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلًا [آل عمران/ 77]، فعلموا أنّهم غُبِنُوا فيما تركوا من المبايعة، و فيما تعاطوه من ذلك جميعا،
وَ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ يَوْمِ التَّغَابُنِ؟ فَقَالَ: تَبْدُو الْأَشْيَاءُ لَهُمْ بِخِلَافِ مَقَادِيرِهِمْ فِي الدُّنْيَا.
قال بعض المفسرين: أصل الْغَبْنِ: إخفاء الشي‏ء، و الْغَبَنُ بالفتح: الموضع الذي يخفى فيه الشي‏ء، و أنشد:
338-
         و لم أر مثل الفتيان في غَبَنِ ال             أيام ينسون ما عواقبها «3»

و سمّي كلّ منثن من الأعضاء كأصول الفخذين و المرافق مَغَابِنَ لاستتاره، و يقال للمرأة: إنها طيّبة الْمَغَابِنِ.
غثا
الْغُثَاءُ: غُثَاءُ السّيل و القدر، و هو ما يطفح و يتفرّق من النّبات اليابس، و زبد القدر، و يضرب به المثل فيما يضيع و يذهب غير معتدّ به، و يقال: غَثَا الوادي غَثْواً، و غَثَتْ نفسُه تَغْثِي «4» غَثَيَاناً: خبثت.
غدر
الْغَدْرُ: الإخلال بالشي‏ء و تركه، و الْغَدْرُ يقال لترك العهد، و منه قيل: فلان غَادِرٌ، و جمعه:
غَدَرَةٌ، و غَدَّارٌ: كثير الْغَدْرِ، و الْأَغْدَرُ و الْغَدِيرُ:
الماء الذي يُغَادِرُهُ السّيل في مستنقع ينتهي إليه، و جمعه: غُدُرٌ و غُدْرَانٌ، و اسْتَغْدَرَ الْغَدِيرُ: صار فيه الماء، و الْغَدِيرَةُ: الشّعر الذي ترك حتى‏
__________________________________________________
 (1) يقال: داهية دهواء، و زبّاء، و شعراء، و غبراء.
 (2) قال أبو عثمان السرقسطي: غبنه في البيع غبنا: نقصه، و غبن الثوب: كفّه، و غبن الشي‏ء: أخفاه. و غبن رأيه غبنا:
ضعف، و غبن رأيه: ضعف. انظر: الأفعال 2/ 33.
و قال ابن منظور: الغبن بالتسكين في البيع، و الغبن بالفتح في الرأي.
 (3) البيت لعدي بن زيد، و هو في الشعر و الشعراء ص 131، و المسائل العضديات ص 166، و ديوانه ص 45.
 (4) قال أبو عثمان السرقسطي: غثت النفس تغثي غثيا و غثى و غثيانا: دارت للقي‏ء.
و قال: قال صاحب العين: و غثيت أيضا، و أنكره الأصمعي. راجع: الأفعال 2/ 42.

602
مفردات ألفاظ القرآن

غدر ص 602

طال، و جمعها غَدَائِرُ، و غَادَرَهُ: تركه. قال تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف/ 49]، و قال: فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف/ 47]، و غَدِرَتِ الشاة:
تخلّفت فهي غَدِرَةٌ، و قيل للجحرة و اللّخافيق «1» التي يُغَادِرُهَا البعير و الفرس غائرا: غَدَرٌ «2»، و منه قيل: ما أثبت غَدَرَ هذا الفرس، ثم جعل مثلا لمن له ثبات، فقيل: ما أثبت غَدَرَهُ «3».
غدق‏
قال تعالى: لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً [الجن/ 16]، أي: غزيرا، و منه: غَدِقَتْ عينه تَغْدَقُ «4»، و الْغَيْدَاقُ يقال فيما يغزر من ماء و عدو و نطق.
غدا
الْغُدْوَةُ و الْغَدَاةُ من أول النهار، و قوبل في القرآن الْغُدُوُّ بالآصال، نحو قوله: بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ* [الأعراف/ 205]، و قوبل الْغَدَاةُ بالعشيّ، قال:
بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ* [الأنعام/ 52]، غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ [سبأ/ 12]. و الْغَادِيَةُ:
السّحاب ينشأ غُدْوَةً، و الْغَدَاءُ: طعام يتناول في ذلك الوقت، و قد غَدَوْتُ أَغْدُو، قال: أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ‏ [القلم/ 22]، و غَدٌ يقال لليوم الذي يلي يومك الذي أنت فيه، قال: سَيَعْلَمُونَ غَداً [القمر/ 26]، و نحوه.
غرر
يقال: غَرَرْتُ فلانا: أصبت غِرَّتَهُ و نلت منه ما أريده، و الْغِرَّةُ: غفلة في اليقظة، و الْغِرَارُ: غفلة مع غفوة، و أصل ذلك من الْغُرِّ، و هو الأثر الظاهر من الشي‏ء، و منه: غُرَّةُ الفرس. و غِرَارُ السّيف أي: حدّه، و غَرُّ الثّوب: أثر كسره، و قيل: اطوه على غَرِّهِ «5»، و غَرَّهُ كذا غُرُوراً كأنما طواه على غَرِّهِ. قال تعالى: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ‏ [الانفطار/ 6]، لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ [آل عمران/ 196]، و قال: وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً* [النساء/ 120]، و قال: بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً [فاطر/ 40]، و قال: يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام/ 112]، و قال: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ* [آل عمران/ 185]، وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا* [الأنعام/ 70]، ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ*
__________________________________________________
 (1) اللخافيق واحدها: لخفوق، و هي شقوق في الأرض، و قال بعضهم: أصلها الأخافيق. انظر: اللسان (غدر).
 (2) انظر: المجمل 3/ 692، و اللسان (غدر). و الجحرة: جمع جحر، و انظر ديوان الأدب 1/ 212.
 (3) يقال هذا للرجل إذا كان لسانه يثبت في موضع الزلل و الخصومة. انظر: اللسان (غدر)، و عمدة الحفاظ: غدر.
 (4) انظر: المجمل 3/ 6692، و الأفعال 2/ 4.
 (5) انظر: المجمل 3/ 681، و اللسان (غرر)، و عمدة الحفاظ: غرر.

603
مفردات ألفاظ القرآن

غرر ص 603

إِلَّا غُرُوراً* [الأحزاب/ 12]، وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ* [لقمان/ 33]، فَالْغَرُورُ: كلّ ما يَغُرُّ الإنسان من مال و جاه و شهوة و شيطان، و قد فسّر بالشيطان إذ هو أخبث الْغَارِّينَ، و بالدّنيا لما قيل: الدّنيا تَغُرُّ و تضرّ و تمرّ «1»، و الْغَرَرُ: الخطر، و هو من الْغَرِّ،
 «وَ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» «2».
و الْغَرِيرُ: الخلق الحسن اعتبارا بأنّه يَغُرُّ، و قيل:
فلان أدبر غَرِيرُهُ و أقبل هريرة «3»، فباعتبار غُرَّةِ الفرس و شهرته بها قيل: فلان أَغَرُّ إذا كان مشهورا كريما، و قيل: الْغُرَرُ لثلاث ليال من أوّل الشّهر لكون ذلك منه كالْغُرَّةِ من الفرس، و غِرَارُ السّيفِ: حدّه، و الْغِرَارُ: لَبَنٌ قليل، و غَارَتِ النّاقةُ: قلّ لبنها بعد أن ظنّ أن لا يقلّ، فكأنّها غَرَّتْ صاحبها.
غرب‏
الْغَرْبُ: غيبوبة الشّمس، يقال: غَرَبَتْ تَغْرُبُ غَرْباً و غُرُوباً، و مَغْرِبُ الشّمس و مُغَيْرِبَانُهَا. قال تعالى: رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ* [الشعراء/ 28]، رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَ رَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ‏ [الرحمن/ 17]، بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ‏ [المعارج/ 40]، و قد تقدّم الكلام في ذكرهما مثنّيين و مجموعين «4»، و قال: لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ [النور/ 35]، و قال: حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ‏ [الكهف/ 86]، و قيل لكلّ متباعد:
غَرِيبٌ، و لكلّ شي‏ء فيما بين جنسه عديم النّظير: غَرِيبٌ، و على هذا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيباً وَ سَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ» «5».
و قيل: العلماء غُرَبَاءُ، لقلّتهم فيما بين الجهّال، و الْغُرَابُ سمّي لكونه مبعدا في الذّهاب. قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ غُراباً يَبْحَثُ‏ [المائدة/ 31]، و غَارِبُ السّنام لبعده عن المنال، و غَرْبُ السّيف لِغُرُوبِهِ في الضّريبة «6»، و هو مصدر في معنى الفاعل، و شبّه به حدّ اللّسان كتشبيه اللّسان‏
__________________________________________________
 (1) لم أجد صاحب هذا القول. و هو في البصائر 4/ 129، و عمدة الحفاظ: غرر.
 (2) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم نهى عن بيع الغرر، و بيع الحصاة.
أخرجه مسلم في البيوع برقم (1513)، و أبو داود: باب بيع الغرر برقم (3376)، و النسائي 7/ 262، و ابن ماجة في التجارات (برقم 2194). و انظر: جامع الأصول 1/ 527.
 (3) قال ابن فارس: يقال للشيخ: أدبر غريره و أقبل هريرة. انظر: المجمل 3/ 682، و عمدة الحفاظ: غرر.
 (4) تقدّم هذا في مادة (شرق).
 (5) عن عبد اللّه بن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ الإسلام بدأ غريبا، و سيعود كما بدأ، فطوبى للغرباء. قيل:
و من الغرباء؟ قال: النزّاع من القبائل».
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، دون قوله: و من الغرباء ... إلخ، و أخرجه أحمد 5/ 296.
 (6) قال ابن منظور: غرب السيف، أي: كانت تدارى حدّته و تتقى. انظر: اللسان (غرب).

604
مفردات ألفاظ القرآن

غرب ص 604

بالسّيف، فقيل: فلان غَرْبُ اللّسان، و سمّي الدّلو غَرْباً لتصوّر بعدها في البئر، و أَغْرَبَ الساقي: تناول الْغَرْبَ، و الْغَرَبُ: الذّهب «1» لكونه غَرِيباً فيما بين الجواهر الأرضيّة، و منه: سهم غَرْبٌ: لا يدرى من رماه. و منه: نظر غَرْبٌ:
ليس بقاصد، و، الْغَرْبُ: شجر لا يثمر لتباعده من الثّمرات، و عنقاء مُغْرِبٌ، وصف بذلك لأنه يقال: كان طيرا تناول جارية فَأَغْرَبَ «2» بها. يقال عنقاء مُغْرِبٌ، و عنقاء مُغْرِبٍ بالإضافة.
و الْغُرَابَانِ: نقرتان عند صلوي العجز تشبيها بِالْغُرَابِ في الهيئة، و الْمُغْرِبُ: الأبيض الأشفار، كأنّما أَغْرَبَتْ عينُهُ في ذلك البياض. وَ غَرابِيبُ سُودٌ [فاطر/ 27]، قيل: جَمْعُ غِرْبِيبٍ، و هو المُشْبِهُ لِلْغُرَابِ في السّواد كقولك: أسود كحلك الْغُرَابِ.
غرض‏
الْغَرَضُ الهدف المقصود بالرّمي، ثم جعل اسما لكلّ غاية يتحرّى إدراكها، و جمعه:
أَغْرَاضٌ، فَالْغَرَضُ ضربان: غَرَضٌ ناقص و هو الذي يتشوّق بعده شي‏ء آخر كاليسار و الرّئاسة و نحو ذلك مما يكون من أَغْرَاضِ الناس، و تامّ و هو الذي لا يتشوّق بعده شي‏ء آخر كالجنّة.
غرف‏
الْغَرْفُ: رفع الشي‏ء و تناوله، يقال: غَرَفْتُ الماء و المرق، و الْغُرْفَةُ: ما يُغْتَرَفُ، و الْغَرْفَةُ للمرّة، و الْمِغْرَفَةُ: لما يتناول به. قال تعالى:
إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ‏ [البقرة/ 249]، و منه استعير: غَرَفْتُ عرف الفرس: إذا جززته «3»، و غَرَفْتُ الشّجرةَ، و الْغَرَفُ: شجر معروف، و غَرِفَتِ الإبل: اشتكت من أكله «4»، و الْغُرْفَةُ: علّيّة من البناء، و سمّي منازل الجنّة غُرَفاً. قال تعالى: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا [الفرقان/ 75]، و قال: لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً [العنكبوت/ 58]، وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ‏ [سبأ/ 37].
غرق‏
الْغَرَقُ: الرّسوب في الماء و في البلاء، و غَرِقَ فلان يَغْرَقُ غَرَقاً، و أَغْرَقَهُ. قال تعالى: حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ‏ [يونس/ 90]، و فلان غَرِقَ في نعمة فلان تشبيها بذلك. قال تعالى:
وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ* [البقرة/ 50]، فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً [الإسراء/ 103]، ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ* [الشعراء/ 66]، ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ‏ [الشعراء/
__________________________________________________
 (1) في اللسان: الغرب: الذهب، و قيل: الفضة.
 (2) انظر: ثمار القلوب ص 450، و الحيوان 7/ 120، و حياة الحيوان 2/ 87.
 (3) راجع المجمل 3/ 694.
 (4) قال السرقسطي: غرفت الإبل: اشتكت بطونها من أكل الغرف. انظر: الأفعال 2/ 16.

605
مفردات ألفاظ القرآن

غرق ص 605

120]، وَ إِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ‏ [يس/ 43]، أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً [نوح/ 25]، فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ‏ [هود/ 43].
غرم‏
الْغُرْمُ: ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر لغير جناية منه، أو خيانة، يقال: غَرِمَ كذا غُرْماً و مَغْرَماً، و أُغْرِمَ فلان غَرَامَةً. قال تعالى: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ‏ [الواقعة/ 66]، فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ* [القلم/ 46]، يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً [التوبة/ 98]. و الْغَرِيمُ يقال لمن له الدّين، و لمن عليه الدّين. قال تعالى:
وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ [التوبة/ 60]، و الْغَرَامُ: ما ينوب الإنسان من شدّة و مصيبة، قال: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [الفرقان/ 65]، من قولهم: هو مُغْرَمٌ بالنّساء، أي: يلازمهنّ ملازمة الْغَرِيمِ. قال الحسن: كلّ غَرِيمٍ مفارق غَرِيمَهُ إلا النّار «1»، و قيل: معناه: مشغوفا بإهلاكه.
غرا
غَرِيَ بكذا «2»، أي: لهج به و لصق، و أصل ذلك من الْغِرَاءِ، و هو ما يلصق به، و قد أَغْرَيْتُ فلانا بكذا، نحو: ألهجت به. قال تعالى: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ [المائدة/ 14]، لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ‏ [الأحزاب/ 60].
غزل‏
قال تعالى: وَ لا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها [النحل/ 92]، و قد غَزَلَتْ غَزْلَهَا.
و الْغَزَالُ: ولد الظّبية، و الْغَزَالَةُ: قرصة الشمس، و كني بالغَزْلِ و الْمُغَازَلَةِ عن مشافنة «3» المرأة التي كأنها غَزَالٌ، و غَزِلَ الكلب غَزَلًا: إذا أدرك الْغَزَالَ فلهي عنه بعد إدراكه.
غزا
الْغَزْوُ: الخروج إلى محاربة العدوّ، و قد غَزَا يَغْزُو غَزْواً، فهو غَازٍ، و جمعه غُزَاةٌ و غُزًّى. قال تعالى: أَوْ كانُوا غُزًّى‏ [آل عمران/ 156].
غسق‏
غَسَقُ الليل: شدّة ظلمته. قال تعالى: إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ‏ [الإسراء/ 78]، و الْغَاسِقُ: الليل المظلم. قال: وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ‏ [الفلق/ 3]، و ذلك عبارة عن النائبة بالليل كالطارق، و قيل: القمر إذا كسف فاسودّ.
و الْغَسَّاقُ: ما يقطر من جلود أهل النار، قال:
إِلَّا حَمِيماً وَ غَسَّاقاً [عمّ/ 25].
__________________________________________________
 (1) أخرج هذا ابن أبي شيبة و عبد بن حميد و غيرهما. انظر: الدر المنثور 6/ 274.
 (2) انظر: الأفعال 2/ 4.
 (3) الشّفن: النظر بمؤخر العين.
                       

606
مفردات ألفاظ القرآن

غسل ص 607

غسل‏
غَسَلْتُ الشي‏ء غَسْلًا: أَسَلْتُ عليه الماءَ فأَزَلْتُ دَرَنَهُ، و الْغَسْلُ الاسم، و الْغِسْلُ: ما يُغْسَلُ به. قال تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ ...

الآية [المائدة/ 6]، و الِاغْتِسَالُ: غَسْلُ البدنِ، قال:
حَتَّى‏ تَغْتَسِلُوا [النساء/ 43]، و الْمُغْتَسَلُ: الموضعُ الذي يُغْتَسَلُ منه، و الماء الذي يُغْتَسَلُ به، قال: هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَ شَرابٌ‏ [ص/ 42].
و الْغِسْلِينُ: غُسَالَةُ أبدانِ الكفّار في النار «1». قال تعالى: وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ‏ [الحاقة/ 36].
غشي‏
غَشِيَهُ غِشَاوَةً و غِشَاءً: أتاه إتيان ما قد غَشِيَهُ، أي: ستره. و الْغِشَاوَةُ: ما يغطّى به الشي‏ء، قال:
وَ جَعَلَ عَلى‏ بَصَرِهِ غِشاوَةً [الجاثية/ 23]، وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة/ 7]، يقال:
غَشِيَهُ و تَغَشَّاهُ، و غَشَّيْتُهُ كذا. قال: وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ‏ [لقمان/ 32]، فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ‏ [طه/ 78]، وَ تَغْشى‏ وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم/ 50]، إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى‏ [النجم/ 16]، وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ [الليل/ 1]، إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ‏ [الأنفال/ 11]. و غَشِيتُ موضع كذا: أتيته، و كنّي بذلك عن الجماع. يقال: غَشَّاهَا و تَغَشَّاهَا. فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ‏ [الأعراف/ 189]. و كذا الْغِشْيَانُ، و الْغَاشِيَةُ: كلّ ما يغطّي الشي‏ء كَغَاشِيَةِ السّرج، و قوله: أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ [يوسف/ 107] أي: نائبة تَغْشَاهُمْ و تجلّلهم. و قيل:
الْغَاشِيَةُ في الأصل محمودة و إنما استعير لفظها هاهنا على نحو قوله: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ‏ [الأعراف/ 41]، و قوله:
هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ [الغاشية/ 1]، كناية عن القيامة، و جمعها: غَوَاشٍ، و غُشِيَ على فلان: إذا نابه ما غَشِيَ فهمه. قال تعالى:
كَالَّذِي يُغْشى‏ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏ [الأحزاب/ 19]، نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏ [محمد/ 20]، فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ‏ [يس/ 9]، وَ عَلى‏ أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة/ 7]، كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ‏ [يونس/ 27]، وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ‏ [نوح/ 7]، أي: جعلوها غِشَاوَةً على أسماعهم، و ذلك عبارة عن الامتناع من الإصغاء، و قيل: (اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ)
 كناية عن العدو كقولهم: شمّر ذيلا و ألقى ثوبه، و يقال:
غَشَيْتُهُ سوطا أو سيفا، ككسوته و عمّمته.
غص‏
الْغُصَّةُ: الشّجاة التي يُغَصُّ بها الحلق. قال تعالى: وَ طَعاماً ذا غُصَّةٍ [المزمل/ 13].
غض‏
الْغَضُّ: النّقصان من الطّرف، و الصّوت، و ما
__________________________________________________
 (1) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس 29/ 65.

607
مفردات ألفاظ القرآن

غض ص 607

في الإناء. يقال: غَضَّ و أَغَضَّ. قال تعالى:
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ‏ [النور/ 30]، وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ‏ [النور/ 31]، وَ اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ‏ [لقمان/ 19]، و قول الشاعر:
339-
         فَغُضَّ الطّرفَ إنّك من نمير «1»
فعلى سبيل التّهكّم، و غَضَضْتُ السّقاء:
نقصت ممّا فيه، و الْغَضُّ: الطّريّ الذي لم يطل مكثه.
غضب‏
الْغَضَبُ: ثوران دم القلب إرادة الانتقام، و لذلك‏
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «اتَّقُوا الْغَضَبَ فَإِنَّهُ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَ لَمْ تَرَوْا إِلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ وَ حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ» «2».
و إذا وصف اللّه تعالى به فالمراد به الانتقام دون غيره: قال فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى‏ غَضَبٍ‏ [البقرة/ 90]، وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ* [آل عمران/ 112]، و قال:
وَ مَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي‏ [طه/ 81]، غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ* [المجادلة/ 14]، و قوله:
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ‏ [الفاتحة/ 7]، قيل:
هم اليهود «3». و الْغَضْبَةُ كالصّخرة، و الْغَضُوبُ:
الكثير الغضب. و توصف به الحيّة و النّاقة الضجور، و قيل: فلان غُضُبَّةٌ: سريع الغضب «4»، و حكي أنّه يقال: غَضِبْتُ لفلان: إذا كان حيّا و غَضِبْتُ به إذا كان ميّتا «5».
غطش‏
قال تعالى: أَغْطَشَ لَيْلَها [النازعات/ 29]، أي: جعله مظلما، و أصله من الْأَغْطَشِ، و هو الذي في عينه شبه عمش، و منه قيل: فلاة غَطْشَى: لا يهتدى فيها، و التَّغَاطُشُ: التّعامي عن الشي‏ء.
__________________________________________________
 (1) الشطر لجرير، و عجزه:
         فلا كعبا بلغت و لا كلابا

و هو من قصيدة يهجو بها الراعي، و مطلعها:
         أقلّي اللوم عاذل و العتابا             و قولي إن أصبت لقد أصابا
و هو في ديوانه ص 61.
 (2) الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «ألا و إنّ الغضب جمرة في قلب ابن آدم، أ ما رأيتم إلى حمرة عينيه، و انتفاخ أوداجه، فمن أحسّ بشي‏ء من ذلك فليلصق بالأرض».
أخرجه الترمذي من حديث طويل، و قال: حسن صحيح (انظر: كتاب الفتن في عارضة الأحوذي 9/ 43)، و تخريج أحاديث الإحياء 4/ 1802، و مسند أحمد 3/ 19، و عبد الرزاق في المصنف 11/ 347.
 (3) أخرجه أحمد و الترمذي و حسّنه و ابن حبّان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ المغضوب عليهم اليهود، و إنّ الضالين النصارى». مسند أحمد 4/ 378، و عارضة الأحوذي 11/ 75، و انظر: الدر المنثور 1/ 42.
 (4) قال ابن دريد: و رجل غضبّة: إذا كان كثير الغضب.
 (5) انظر: الجمهرة 1/ 303.

608
مفردات ألفاظ القرآن

غطا ص 609

غطا
الْغِطَاءُ: ما يجعل فوق الشي‏ء من طبق و نحوه، كما أنّ الْغِشَاءَ ما يجعل فوق الشي‏ء من لباس و نحوه، و قد استعير للجهالة. قال تعالى: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق/ 22].
غفر
الْغَفْرُ: إلباس ما يصونه عن الدّنس، و منه قيل:
اغْفِرْ ثوبك في الوعاء، و اصبغ ثوبك فإنّه أَغْفَرُ للوسخ «1»، و الْغُفْرَانُ و الْمَغْفِرَةُ من اللّه هو أن يصون العبد من أن يمسّه العذاب. قال تعالى:
غُفْرانَكَ رَبَّنا [البقرة/ 285]، و مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ* [آل عمران/ 133]، وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ‏ [آل عمران/ 135]، و قد يقال: غَفَرَ لَهُ إذا تجافى عنه في الظاهر و إن لم يتجاف عنه في الباطن، نحو: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ‏ [الجاثية/ 14]. و الِاسْتِغْفَارُ: طلب ذلك بالمقال و الفعال، و قوله: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً [نوح/ 10]، لم يؤمروا بأن يسألوه ذلك باللّسان فقط بل باللّسان و بالفعال، فقد قيل: الِاسْتِغْفَارُ باللّسان من دون ذلك بالفعال فعل الكذّابين، و هذا معنى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر/ 60].
و قال: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ‏ [التوبة/ 80]، وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا [غافر/ 7]. و الْغَافِرُ و الْغَفُورُ في وصف اللّه نحو:
غافِرِ الذَّنْبِ‏ [غافر/ 3]، إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر/ 30]، هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* [الزمر/ 53]، و الْغَفِيرَةُ: الْغُفْرَانُ، و منه قوله:
اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ* [نوح/ 28]، أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي‏ [الشعراء/ 82]، وَ اغْفِرْ لَنا* [البقرة/ 286]. و قيل: اغْفِرُوا هذا الأمر بِغُفْرَتِهِ «2»، أي: استروه بما يجب أن يستر به، و الْمِغْفَرُ: بيضةُ الحديد، و الْغِفَارَةُ: خرقة تستر الخمار أن يمسّه دهن الرأس، و رقعة يغشّى بها محزّ الوتر، و سحابة فوق سحابة.
غفل‏
الْغَفْلَةُ: سهو يعتري الإنسان من قلّة التّحفّظ و التّيقّظ، يقال: غَفَلَ فهو غَافِلٌ «3». قال تعالى:
لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا [ق/ 22]، وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ‏ [الأنبياء/ 1]، وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى‏ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها [القصص/ 15]، وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ‏ [الأحقاف/ 5]، لَمِنَ الْغافِلِينَ‏ [يوسف/ 3]، هُمْ غافِلُونَ* [الروم/ 7]، بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ* [البقرة/ 144]، لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ‏ [النساء/ 102]، فَهُمْ غافِلُونَ‏ [يس/ 6]، عَنْها غافِلِينَ* [الأعراف/ 146]. و أرض غُفْلٌ: لا منار بها، و رجل غُفْلٌ: لم تسمه‏
__________________________________________________
 (1) انظر المجمل 3/ 863.
 (2) انظر اللسان: غفر، و المنتخب لكراع 1/ 223.
 (3) انظر: الأفعال 2/ 11.

609
مفردات ألفاظ القرآن

غفل ص 609

التّجارب، و إِغْفَالُ الكتاب: تركه غير معجم، و قوله: مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف/ 28]، أي: تركناه غير مكتوب فيه الإيمان، كما قال: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ [المجادلة/ 22]، و قيل: معناه من جعلناه غَافِلًا عن الحقائق.
غل‏
الْغَلَلُ أصله: تدرّع الشي‏ء و توسّطه، و منه:
الْغَلَلُ للماء الجاري بين الشّجر، و قد يقال له:
الْغَيْلُ، و انْغَلَّ فيما بين الشّجر: دخل فيه، فَالْغُلُّ مختصّ بما يقيّد به فيجعل الأعضاء وسطه، و جمعه أَغْلَالٌ، و غُلَّ فلان: قيّد به. قال تعالى:
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ‏ [الحاقة/ 30]، و قال: إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ‏ [غافر/ 71]. و قيل للبخيل: هو مَغْلُولُ اليد. قال: وَ يَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَ الْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ‏ [الأعراف/ 157]، وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‏ عُنُقِكَ‏ [الإسراء/ 29]، وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ‏ [المائدة/ 64]، أي:
ذمّوه بالبخل. و قيل: إنّهم لمّا سمعوا أنّ اللّه قد قضى كلّ شي‏ء قالوا: إذا يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ «1»، أي:
في حكم المقيّد لكونها فارغة، فقال اللّه تعالى ذلك. و قوله: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا [يس/ 8]، أي: منعهم فعل الخير، و ذلك نحو وصفهم بالطّبع و الختم على قلوبهم، و على سمعهم و أبصارهم، و قيل: بل ذلك- و إن كان لفظه ماضيا- فهو إشارة إلى ما يفعل بهم في الآخرة كقوله: وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا [سبأ/ 33]. و الْغِلَالَةُ: ما يلبس بين الثّوبين، فَالشِّعَارُ: لما يلبس تحت الثّوب، و الدِّثَارُ: لما يلبس فوقه، و الْغِلَالَةُ: لما يلبس بينهما. و قد تستعار الْغِلَالَةُ للدّرع كما يستعار الدّرع لها، و الْغُلُولُ: تدرّع الخيانة، و الْغِلُّ:
العداوة. قال تعالى: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ* [الأعراف/ 43]، وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ‏ [الحشر/ 10]. و غَلَّ يَغِلُّ: إذا صار ذا غِلٍّ «2»، أي: ضغن، و أَغَلَّ، أي: صار ذا إِغْلَالٍ. أي:
خيانة، و غَلَّ يَغُلُّ: إذا خان، و أَغْلَلْتُ فلانا: نسبته إلى الغُلُولِ. قال: وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ‏ [آل عمران/ 161]، و قرئ: أَنْ يُغَلَّ «3» أي: ينسب إلى الخيانة، من أَغْلَلْتُهُ. قال:
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 4/ 144.
 (2) انظر: الأفعال 2/ 1 و 7.
 (3) و هي قراءة نافع و ابن عامر و حمزة و الكسائي و خلف و يعقوب و أبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 181، و إرشاد المبتدي ص 271.

610
مفردات ألفاظ القرآن

غل ص 610

وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران/ 161]، و
رُوِيَ: «لَا إِغْلَالَ وَ لَا إِسْلَالَ» «1».
أي: لا خيانة و لا سرقة. و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «ثَلَاثٌ لَا يَغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ» «2».
أي: لا يضطغن. و
رُوِيَ: «لَا يُغِلُّ».
أي: لا يصير ذا خيانة، و أَغَلَّ الجازر و السالخ:
إذا ترك في الإهاب من اللّحم شيئا، و هو من الْإِغْلَالِ، أي: الخيانة، فكأنّه خان في اللّحم و تركه في الجلد الذي يحمله. و الْغُلَّةُ و الْغَلِيلُ:
ما يتدرّعه الإنسان في داخله من العطش، و من شدّة الوجد و الغيظ. يقال: شفا فلان غَلِيلَهُ، أي: غيظه. و الْغَلَّةُ: ما يتناوله الإنسان من دخل أرضه، و قد أَغَلَّتْ ضيعته. و الْمُغَلْغَلَةُ: الرّسالة التي تَتَغَلْغَلُ بين القوم الذين تَتَغَلْغَلُ نفوسُهُمْ، كما قال الشاعر:
340-
         تَغَلْغَلُ حيث لم يبلغ شراب             و لا حزن و لم يبلغ سرور «3»

غلب‏
الْغَلَبَةُ القهر يقال: غَلَبْتُهُ غَلْباً و غَلَبَةً و غَلَباً «4»، فأنا غَالِبٌ. قال تعالى: الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ‏ [الروم/ 1- 2- 3]، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة/ 249]، يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ*، [الأنفال/ 65]، يَغْلِبُوا أَلْفاً [الأنفال/ 65]، لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي‏ [المجادلة/ 21]، لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ‏ [الأنفال/ 48]، إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ* [الأعراف/ 113]، إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ‏ [الشعراء/ 44]،
__________________________________________________
 (1) شطر من حديث طويل في صلح الحديبية أخرجه الإمام أحمد عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم في مسنده 4/ 325، و أبو داود في كتاب الجهاد، باب: صلح العدو. انظر: سنن أبي داود رقم 2766، و معالم السنن 2/ 336.
و قد تقدّم الحديث في باب (سل).
 (2) الحديث عن أبي سعيد الخدري عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال في حجة الوداع: «نضّر اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها، فربّ حامل فقه ليس بفقيه. ثلاث لا يغلّ عليهن قلب امرئ مؤمن: إخلاص العمل للّه، و المناصحة لأئمة المسلمين، و لزوم جماعتهم، فإنّ دعاءهم يحيط من ورائهم».
أخرجه البزار بإسناد حسن، و ابن حبان في صحيحه من حديث زيد بن ثابت، و الترمذي و قال: حديث حسن، و أحمد، و ابن ماجة.
و قال الحافظ المنذري: و قد روي هذا الحديث أيضا عن ابن مسعود و معاذ بن جبل و النعمان بن بشير و جبير بن مطعم و أبي الدرداء و غيرهم، و بعض أسانيدهم صحيحة. ا. ه و صححه ابن العربي.
انظر: عارضة الأحوذي 10/ 124، و مسند أحمد 4/ 81، و الترغيب و الترهيب 1/ 23.
 (3) البيت لعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود، أحد الفقهاء السبعة.
و هو في نوادر القالي ص 217، و وفيات الأعيان 3/ 116، و سمط اللآلئ 2/ 781، و تقدّم ص 449.
 (4) انظر: الأفعال 2/ 32، و البصائر 4/ 142.

611
مفردات ألفاظ القرآن

غلب ص 611

فَغُلِبُوا هُنالِكَ‏ [الأعراف/ 119]، أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ‏ [الأنبياء/ 44]، سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ‏ [آل عمران/ 12]، ثُمَّ يُغْلَبُونَ‏ [الأنفال/ 36]، و غَلَبَ عليه كذا أي: استولى.
غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا [المؤمنون/ 106]، قيل: و أصل غَلَبَتْ أن تناول و تصيب غَلَبَ رقبته، و الْأَغْلَبُ: الغليظ الرّقبة، يقال: رجل أَغْلَبُ، و امرأة غَلْبَاءُ، و هضبة غَلْبَاءُ، كقولك: هضبة عَنْقَاءُ و رَقْبَاءُ، أي: عظيمة العنق و الرّقبة، و الجمع: غُلْبٌ، قال وَ حَدائِقَ غُلْباً [عبس/ 30].
غلظ
الْغِلْظَةُ ضدّ الرّقّة، و يقال: غِلْظَةٌ و غُلْظَةٌ، و أصله أن يستعمل في الأجسام لكن قد يستعار للمعاني كالكبير و الكثير «1». قال تعالى:
وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً [التوبة/ 123]، أي:
خشونة. و قال: ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى‏ عَذابٍ غَلِيظٍ [لقمان/ 24]، مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ* [هود/ 58]، و جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ* [التوبة/ 73]، و اسْتَغْلَظَ: تهيّأ لذلك، و قد يقال إذا غَلُظَ. قال: فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى‏ عَلى‏ سُوقِهِ‏ [الفتح/ 29].
غلف‏
قوله تعالى: قُلُوبُنا غُلْفٌ* [البقرة/ 88]، قيل: هو جمع أَغْلَفَ، كقولهم: سيف أَغْلَفُ.
أي: هو في غِلَافٍ، و يكون ذلك كقوله:
وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ [فصلت/ 5]، فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا* [ق/ 22]. و قيل: معناه قلوبنا أوعية للعلم «2». و قيل: معناه قلوبنا مغطّاة، و غلام أَغْلَفُ كناية عن الأقلف، و الْغُلْفَةُ كالقلفة، و غَلَّفْتُ السّيفَ، و القارورة، و الرّحل، و السّرج:
جعلت لها غِلَافاً، و غَلَّفْتُ لحيته بالحنّاء، و تَغَلَّفَ نحو تخضّب، و قيل: قُلُوبُنا غُلْفٌ* [البقرة/ 88]، هي جمع غِلَافٍ، و الأصل: غُلُفٌ بضمّ اللام، و قد قرئ به «3»، نحو: كتب، أي: هي أوعية للعلم تنبيها أنّا لا نحتاج أن نتعلّم منك، فلنا غنية بما عندنا.
غلق‏
الْغَلَقُ و الْمِغْلَاقُ: ما يُغْلَقُ به، و قيل: ما يفتح به لكن إذا اعتبر بِالْإِغْلَاقِ يقال له: مِغْلَقٌ و مِغْلَاقٌ، و إذا اعتبر بالفتح يقال له: مفتح و مفتاح، و أَغْلَقْتُ الباب، و غَلَّقْتُهُ على التّكثير، و ذلك إذا أَغْلَقْتَ أبوابا كثيرة، أو أَغْلَقْتَ بابا واحدا مرارا، أو أحكمت إِغْلَاقَ باب، و على‏
__________________________________________________
 (1) انظر: مادة (كبر).
 (2) انظر: الدر المنثور 1/ 214، و تفسير المشكل لمكي ص 31، و معاني القرآن للزجاج 1/ 169.
 (3) و هي قراءة شاذة قرأ بها ابن عباس و الأعرج و ابن محيصن. انظر: البحر 1/ 301.

612
مفردات ألفاظ القرآن

غلق ص 612

هذا: وَ غَلَّقَتِ الْأَبْوابَ‏ [يوسف/ 23].
و للتّشبيه به قيل: غَلِقَ الرّهن غُلُوقاً «1»، و غَلِقَ ظهره دبرا «2»، و الْمِغْلَقُ: السّهم السابع لِاسْتِغْلَاقِهِ ما بقي من أجزاء الميسر، و نخلة غَلِقَةٌ: ذويت أصولها فَأُغْلِقَتْ عن الإثمار، و الْغَلْقَةُ: شجرة مرّة كالسّمّ.
غلم‏
الْغُلَامُ الطّارّ «3» الشّارب. يقال: غُلَامٌ بيّن الْغُلُومَةِ و الْغُلُومِيَّةِ. قال تعالى: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ* [آل عمران/ 40]، وَ أَمَّا الْغُلامُ فَكانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ‏ [الكهف/ 80]، و قال: وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ‏ [يوسف/ 19]، و قال في قصة يوسف: هذا غُلامٌ‏ [يوسف/ 19]، و الجمع: غِلْمَةٌ و غِلْمَانٌ، و اغْتَلَمَ الْغُلَامُ:
إذا بلغ حدّ الغلومة، و لمّا كان من بلغ هذا الحدّ كثيرا ما يغلب عليه الشّبق قيل للشّبق: غُلْمَةٌ، و اغْتَلَمَ الفحلُ.
غلا
الْغُلُوُّ: تجاوز الحدّ، يقال ذلك إذا كان في السّعر غَلَاءٌ، و إذا كان في القدر و المنزلة غُلُوٌّ و في السّهم: غَلْوٌ، و أفعالها جميعا: غَلَا يَغْلُو «4». قال تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ* [النساء/ 171]. وَ الْغَلْيُ و الْغَلَيَانُ يقال في القدر إذا طفحت، و منه استعير قوله: طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ‏ [الدخان/ 44- 46]، و به شبّه غليان الغضب و الحرب، و تَغَالَى النّبت يصحّ أن يكون من الغلي، و أن يكون من الغلوّ. و الْغَلْوَاءُ: تجاوز الحدّ في الجماح، و به شبّه غَلْوَاءُ الشّباب.
غم‏
الْغَمُّ: ستر الشي‏ء، و منه: الْغَمَامُ لكونه ساترا لضوء الشمس. قال تعالى: يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ‏ [البقرة/ 210]. و الْغَمَّى مثله، و منه: غُمَّ الهلالُ، و يوم غَمٌّ، و ليلة غَمَّةٌ و غُمَّى، قال:
341-
         ليلة غُمَّى طامس هلالها «5»

و غُمَّةُ الأمر. قال: ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً [يونس/ 71]، أي: كربة. يقال: غَمٌ‏
__________________________________________________
 (1) غلق الرهن: ترك فكاكه. انظر: الأفعال 2/ 19.
 (2) قال ابن فارس: يقال: غلق ظهر البعير فلا يبرأ من الدبر. انظر: المجمل 3/ 685.
 (3) طرّ الشارب: طلع و نبت.
 (4) قال السرقسطي: غلا في القول و الأمر و الدين غلوّا: جاوز الحدّ، و غلا السعر غلاء: مثله، و غلوت بالسهم و غلا السهم غلوا: رفع يده برميه. انظر: الأفعال 2/ 40.
 (5) الرجز في اللسان (غمّ)، و المجمل 3/ 680، و المشوف المعلم 2/ 553، و أساس البلاغة (غمم)، و لم ينسب.
و إصلاح المنطق ص 282. و عجزه:
         أوغلتها و مكره إيغالها.

613
مفردات ألفاظ القرآن

غم ص 613

و غُمَّةٌ. أي: كرب و كربة، و الْغَمَامَةُ: خرقة تشدّ على أنف النّاقة و عينها، و ناصية غَمَّاءُ: تستر الوجه.
غمر
أصل الْغَمْرِ: إزالة أثر الشي‏ء، و منه قيل للماء الكثير الذي يزيل أثر سيله، غَمْرٌ و غَامِرٌ، قال الشاعر:
342-
         و الماء غَامِرُ جدّادها «1».
و به شبّه الرّجل السّخيّ، و الفرس الشّديد العدو، فقيل لهما: غَمْرٌ كما شبّها بالبحر، و الْغَمْرَةُ: معظم الماء الساترة لمقرّها، و جعل مثلا للجهالة التي تَغْمُرُ صاحبها، و إلى نحوه أشار بقوله: فَأَغْشَيْناهُمْ [يس/ 9]، و نحو ذلك من الألفاظ قال: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ‏ [المؤمنون/ 54]، الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ‏ [الذاريات/ 11]، و قيل للشَّدائِد:
غَمَرَاتٌ. قال تعالى: فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ‏ [الأنعام/ 93]، و رجل غَمْرٌ، و جمعه: أَغْمَارٌ.
و الْغِمْرُ: الحقد المكنون «2»، و جمعه غُمُورٌ و الْغَمَرُ: ما يَغْمَرُ من رائحة الدّسم سائر الرّوائح، و غَمِرَتْ يده، و غَمِرَ عِرْضُهُ: دنس، و دخل في غُمَارِ الناس و خمارهم، أي: الذين يَغْمُرُونَ.
و الْغُمْرَةُ: ما يطلى به من الزّعفران، و قد تَغَمَّرْتُ بالطّيب، و باعتبار الماء قيل للقدح الذي يتناول به الماء: غُمَرٌ، و منه اشتقّ: تَغَمَّرْتُ: إذا شربت ماء قليلا، و قولهم: فلان مُغَامِرٌ: إذا رمى بنفسه في الحرب، إمّا لتوغّله و خوضه فيه كقولهم يخوض الحرب، و إمّا لتصوّر الْغَمَارَةِ منه، فيكون وصفه بذلك كوصفه بالهوج «3» و نحوه.
غمز
أصل الْغَمْزِ: الإشارة بالجفن أو اليد طلبا إلى ما فيه معاب، و منه قيل: ما في فلان غَمِيزَةٌ «4»، أي: نقيصة يشار بها إليه، و جمعها: غَمَائِزُ. قال تعالى: وَ إِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ‏

__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت للأعشى، و شطره:
          [أضاء مظلّته بالسراج‏]

من قصيدة له يمدح بها سلامة بن يزيد الحميري، و مطلعها:
         أجدّك لم تغتمض ليلة             فترقدها مع رقّادها
و هو في ديوانه ص 59، و المحكم 7/ 138.
 (2) قال الراجز في نظم مثلث قطرب:
         الغمر ماء غزرا             و الغمر حقد سترا
             و الغمر ذو جهل سرى             فيه و لم يجرّب.

 (3) قال ابن منظور: و المغامر الذي رمى بنفسه في الأمور المهلكة، و قيل: هو من الغمر، و هو الحقد. اللسان (غمر).
و الهوج: الحمق، و الأهوج: الذي يرمي بنفسه في الحرب، على التشبيه بذلك. اللسان (هوج).
 (4) انظر: أساس البلاغة (غمز)، و عمدة الحفاظ: غمز.

614
مفردات ألفاظ القرآن

غمز ص 614

 [المطففين/ 30]، و أصله من: غَمَزْتُ الكبش:
إذا لمسته هل به طرق «1»، نحو: غبطته.
غمض‏
الْغَمْضُ: النّوم العارض، تقول: ما ذقت غَمْضاً و لا غِمَاضاً، و باعتباره قيل: أرض غَامِضَةٌ، و غَمْضَةٌ، و دار غَامِضَةٌ، و غَمَضَ عينه و أَغْمَضَهَا: وضع إحدى جفنتيه على الأخرى ثمّ يستعار للتّغافل و التّساهل، قال: وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ‏ [البقرة/ 267].
غنم‏
الْغَنَمُ معروف. قال تعالى: وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما [الأنعام/ 146]. و الْغُنْمُ: إصابته و الظّفر به، ثم استعمل في كلّ مظفور به من جهة العدى و غيرهم. قال تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ [الأنفال/ 41]، فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً [الأنفال/ 69]، و الْمَغْنَمُ: ما يُغْنَمُ، و جمعه مَغَانِمُ. قال: فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء/ 94].
غنى‏
الْغِنَى يقال على ضروب: أحدها: عدم الحاجات، و ليس ذلك إلا للّه تعالى، و هو المذكور في قوله: إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحج/ 64]، أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر/ 15]، الثاني: قلّة الحاجات، و هو المشار إليه بقوله: وَ وَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى‏ [الضحى/ 8]، و ذلك هو المذكور في‏
قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» «2».
و الثالث: كثرة القنيّات بحسب ضروب الناس كقوله: وَ مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ‏ [النساء/ 6]، الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ [التوبة/ 93]، لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ [آل عمران/ 181]، قالوا ذلك حيث سمعوا: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً* «3»، و قوله:
يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ‏ [البقرة/ 273]، أي: لهم غنى النّفس، و يحسبهم الجاهل أن لهم القنيّات لما يرون فيهم من التّعفّف و التّلطّف، و على هذا
قَوْلُهُ عَلَيْهِ‏
__________________________________________________
 (1) الطّرق (الشّحم).
قال ابن فارس: غمزت الكبش مثل: غبطت، لتنظر السّمن. انظر: المجمل 3/ 686.
 (2) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «ليس الغنى عن كثرة العرض، و لكن الغنى غنى النّفس» أخرجه البخاريّ 11/ 271، و الطّبرانيّ في الأوسط و رجاله رجال الصّحيح، و أبو يعلى، و أحمد 2/ 315.
انظر: مجمع الزّوائد 10/ 240، و قد تقدّم ص 597.
 (3) سورة البقرة: آية 245. و انظر: الدّرّ المنثور 2/ 397، و أسباب النّزول للواحدي ص 76.

615
مفردات ألفاظ القرآن

غنى ص 615

السَّلَامُ لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَ رُدَّ فِي فُقَرَائِهِمْ» «1».
و هذا المعنى هو المعنيّ بقول الشاعر:
343-
         قد يكثر المال و الإنسان مفتقر «2»


يقال: غَنَيْتُ بكذا غُنْيَاناً و غَنَاءً، و اسْتَغْنَيْتُ و تَغَنَّيْتُ، و تَغَانَيْتُ، قال تعالى: وَ اسْتَغْنَى اللَّهُ وَ اللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [التغابن/ 6]. و يقال: أَغْنَانِي كذا، و أَغْنَى عنه كذا: إذا كفاه. قال تعالى:
ما أَغْنى‏ عَنِّي مالِيَهْ‏ [الحاقة/ 28]، ما أَغْنى‏ عَنْهُ مالُهُ‏ [المسد/ 2]، لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً* [آل عمران/ 10]، ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ‏ [الشعراء/ 207]، لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ‏ [يس/ 23]، وَ لا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ‏ [المرسلات/ 31]. و الْغَانِيَةُ: الْمُسْتَغْنِيَةُ بزوجها عن الزّينة، و قيل: الْمُسْتَغْنِيَةُ بحسنها عن التّزيّن.
و غَنِيَ في مكان كذا: إذا طال مقامه فيه مستغنيا به عن غيره بغنى، قال: كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا* [الأعراف/ 92]. و الْمَغْنَى يقال للمصدر و للمكان، و غَنَّى أُغْنِيَةً و غِنَاءً، و قيل: تَغَنَّى بمعنى استغنى و حمل‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «... مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» «3».
على ذلك.
غيب‏
الْغَيْبُ: مصدر غَابَتِ الشّمسُ و غيرها: إذا استترت عن العين، يقال: غَابَ عنّي كذا. قال تعالى: أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ‏ [النمل/ 20]، و استعمل في كلّ غَائِبٍ عن الحاسّة، و عمّا يَغِيبُ عن علم الإنسان بمعنى الْغَائِبِ، قال: وَ ما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ‏ [النمل/ 75]، و يقال للشي‏ء: غَيْبٌ و غَائِبٌ باعتباره بالناس لا باللّه تعالى، فإنه لا يغيب عنه شي‏ء، كما لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ. و قوله: عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ* [الأنعام/ 73]، أي: ما يغيب عنكم و ما تشهدونه، و الْغَيْبُ في قوله: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ‏ [البقرة/ 3]، ما لا يقع تحت الحواسّ و لا
__________________________________________________
 (1) الحديث عن ابن عباس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم بعث معاذا إلى اليمن، فقال: «إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا اللّه و أني رسول اللّه، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ اللّه تعالى افترض عليهم خمس صلوات في اليوم و الليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أنّ اللّه افترض عليهم صدقة أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم و تردّ على فقرائهم ...» الحديث.
أخرجه البخاري في الزكاة 3/ 322، و مسلم في الإيمان برقم 19.
 (2) هذا عجز بيت و صدره:
          [العيش لا عيش إلا ما قنعت به‏].

و هو في التمثيل و المحاضرة للثعالبي ص 85، و نهاية الأرب 3/ 84.
 (3) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «ليس منّا من لم يتغنّ بالقرآن» أخرجه البخاري في التوحيد 13/ 418، و أحمد في المسند 1/ 172.

616
مفردات ألفاظ القرآن

غيب ص 616

تقتضيه بداية العقول، و إنما يعلم بخبر الأنبياء عليهم السلام، و بدفعه يقع على الإنسان اسم الإلحاد، و من قال: الْغَيْبُ هو القرآن «1»، و من قال: هو القدر «2» فإشارة منهم إلى بعض ما يقتضيه لفظه. و قال بعضهم «3»: معناه يؤمنون إذا غَابُوا عنكم، و ليسوا كالمنافقين الذين قيل فيهم: وَ إِذا خَلَوْا إِلى‏ شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ [البقرة/ 14]، و على هذا قوله: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ* [فاطر/ 18]، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ‏ [ق/ 33]، وَ لِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [النحل/ 77]، أَطَّلَعَ الْغَيْبَ‏ [مريم/ 78]، فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً [الجن/ 26]، لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ‏ [النمل/ 65]، ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ* [آل عمران/ 44]، وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ‏ [آل عمران/ 179]، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ* [المائدة/ 109]، إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏ [سبأ/ 48]، و أَغَابَتِ المرأة: غاب زوجها. و قوله في صفة النّساء: حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ‏ [النساء/ 34]، أي: لا يفعلن في غيبة الزّوج ما يكرهه الزّوج. و الْغِيبَةُ: أن يذكر الإنسان غيره بما فيه من عيب من غير أن أحوج إلى ذكره، قال تعالى: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات/ 12]، و الْغَيَابَةُ: منهبط من الأرض، و منه: الْغَابَةُ للأجمة، قال: فِي غَيابَتِ الْجُبِّ* [يوسف/ 10]، و يقال: هم يشهدون أحيانا، و يَتَغَايَبُونَ أحيانا، و قوله: وَ يَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [سبأ/ 53]، أي: من حيث لا يدركونه ببصرهم و بصيرتهم.
غوث‏
الْغَوْثُ يقال في النّصرة، و الْغَيْثُ في المطر، و اسْتَغَثْتُهُ: طلبت الغوث أو الغيث، فَأَغَاثَنِي من الغوث، و غَاثَنِي من الغيث، و غَوَّثْتُ من الغوث، قال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ‏ [الأنفال/ 9]، و قال: فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ‏ [القصص/ 15]، و قوله:
وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ‏ [الكهف/ 29]، فإنّه يصحّ أن يكون من الغيث، و يصحّ أن يكون من الغوث، و كذا يُغَاثُوا، يصحّ فيه المعنيان. و الغيْثُ: المطر في قوله: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ‏ [الحديد/ 20]، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) و هو قول زرّ بن حبيش، حكاه عنه الماوردي. انظر: تفسير الماوردي 1/ 65.
 (2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره 1/ 36، عن زيد بن أسلم، و فيه ضعف.
 (3) و هو أبو مسلم الأصفهاني، انظر تفسير الرازي 2/ 27.

617
مفردات ألفاظ القرآن

غوث ص 617

344-
         سمعت النّاس ينتجعون غَيْثاً             فقلت لصيدح انتجعي بلالا «1»

غور
الْغَوْرُ: المُنْهَبِطُ من الأرض، يقال: غَارَ الرجل، و أَغَارَ، و غَارَتْ عينه غَوْراً و غُئُوراً «2»، و قوله تعالى: ماؤُكُمْ غَوْراً [الملك/ 30]، أي: غَائِراً. و قال: أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً [الكهف/ 41]. و الْغَارُ في الجبل. قال: إِذْ هُما فِي الْغارِ [التوبة/ 40]، و كنّي عن الفرج و البطن بِالْغَارَيْنِ «3»، و الْمَغَارُ من المكان كالغور، قال: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا [التوبة/ 57]، و غَارَتِ الشّمس غِيَاراً، قال الشاعر:
345-
         هل الدّهر إلّا ليلة و نهارها             و إلّا طلوع الشّمس ثمّ غِيَارُهَا «4»

و غَوَّرَ: نزل غورا، و أَغَارَ على العدوّ إِغَارَةً و غَارَةً. قال تعالى: فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً [العاديات/ 3]، عبارة عن الخيل.
غير
غَيْرٌ يقال على أوجه:
الأوّل: أن تكون للنّفي المجرّد من غير إثبات معنى به، نحو: مررت برجل غير قائم. أي: لا قائم، قال: وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ‏ [القصص/ 50]، وَ هُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ‏ [الزخرف/ 18].
الثاني: بمعنى (إلّا) فيستثنى به، و توصف به النّكرة، نحو: مررت بقوم غَيْرِ زيد. أي: إلّا زيدا، و قال: ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي‏ [القصص/ 38]، و قال: ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ* [الأعراف/ 59]، هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ‏ [فاطر/ 3].
الثالث: لنفي صورة من غير مادّتها. نحو:
الماء إذا كان حارّا غيره إذا كان باردا، و قوله:
كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها [النساء/ 56].
الرابع: أن يكون ذلك متناولا لذات نحو:
الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِ‏ [الأنعام/ 93]، أي:
الباطل، و قوله: وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ [القصص/ 39]،
__________________________________________________
 (1) البيت لذي الرمة من قصيدة يمدح بها بلال بن أبي بردة، و مطلعها:
         أراح فريق جيرتك الجمالا             كأنهم يريدون احتمالا
و هو في ديوانه ص 528.
 (2) قال أبو عثمان: غار الماء غورا: فاض، و غار النهار: اشتد، و غارت الشمس و القمر و النجوم غيارا: غابت، و غارت العين تغور غئورا، و غار الرجل على أهله يغار غيرة و غارا. انظر: الأفعال 2/ 22.
 (3) انظر: جنى الجنتين ص 82.
 (4) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 21، و العضديات ص 24.

618
مفردات ألفاظ القرآن

غير ص 618

أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا [الأنعام/ 164]، وَ يَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ‏ [هود/ 57]، ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا [يونس/ 15].
و التَّغْيِيرُ يقال على وجهين:
أحدهما: لتغيير صورة الشي‏ء دون ذاته. يقال:
غَيَّرْتُ داري: إذا بنيتها بناء غير الذي كان.
و الثاني: لتبديله بغيره. نحو: غَيَّرْتُ غلامي و دابّتي: إذا أبدلتهما بغيرهما. نحو: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ‏ [الرعد/ 11].
و الفرق بين غيرين و مختلفين أنّ الغيرين أعمّ، فإنّ الغيرين قد يكونان متّفقين في الجواهر بخلاف المختلفين، فالجوهران المتحيّزان هما غيران و ليسا مختلفين، فكلّ خلافين غيران، و ليس كلّ غيرين خلافين.
غوص‏
الْغَوْصُ: الدّخول تحت الماء، و إخراج شي‏ء منه، و يقال لكلّ من انهجم على غامض فأخرجه له: غَائِصٌ، عينا كان أو علما. و الْغَوَّاصُ: الذي يكثر منه ذلك، قال تعالى: وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَ غَوَّاصٍ‏ [ص/ 37]، وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ‏ [الأنبياء/ 82]، أي: يستخرجون له الأعمال الغريبة و الأفعال البديعة، و ليس يعني استنباط الدّرّ من الماء فقط.
غيض‏
غَاضَ الشي‏ء، و غَاضَهُ غيره «1». نحو: نقص و نقصه غيره. قال تعالى: وَ غِيضَ الْماءُ [هود/ 44]، وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ‏ [الرعد/ 8]، أي: تفسده الأرحام، فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض، و الْغَيْضَةُ: المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه، و ليلة غَائِضَةٌ أي: مظلمة.
غيظ
الْغَيْظُ: أشدّ غضب، و هو الحرارة التي يجدها الإنسان من فوران دم قلبه، قال: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ‏ [آل عمران/ 119]، لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح/ 29]، و قد دعا اللّه الناس إلى إمساك النّفس عند اعتراء الغيظ. قال:
وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران/ 134].
قال: و إذا وصف اللّه سبحانه به فإنه يراد به الانتقام. قال: وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ‏ [الشعراء/ 55]، أي: داعون بفعلهم إلى الانتقام منهم، و التَّغَيُّظُ: هو إظهار الغيظ، و قد يكون ذلك مع صوت مسموع كما قال:
سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً [الفرقان/ 12].
غول‏
الْغَوْلُ: إهلاك الشي‏ء من حيث لا يحسّ به، يقال: غَالَ يَغُولُ غَوْلًا، و اغْتَالَهُ اغْتِيَالًا، و منه سمّي السّعلاة غُولًا. قال في صفة خمر الجنّة:
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 2/ 40.

619
مفردات ألفاظ القرآن

غول ص 619

لا فِيها غَوْلٌ‏ [الصافات/ 47]، نفيا لكلّ ما نبّه عليه بقوله: وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة/ 219]، و بقوله: رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة/ 90].
غوى‏
الْغَيُّ: جهل من اعتقاد فاسد، و ذلك أنّ الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحا و لا فاسدا، و قد يكون من اعتقاد شي‏ء فاسد، و هذا النّحو الثاني يقال له غَيٌّ. قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى‏ [النجم/ 2]، وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ‏ [الأعراف/ 102]. و قوله: فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم/ 59]، أي: عذابا، فسمّاه الغيّ لمّا كان الغيّ هو سببه، و ذلك كتسمية الشي‏ء بما هو سببه، كقولهم للنّبات ندى «1».
و قيل معناه: فسوف يلقون أثر الغيّ و ثمرته. قال:
وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ‏ [الشعراء/ 91]، وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ‏ [الشعراء/ 224]، إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ‏ [القصص/ 18]، و قوله: وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏ [طه/ 121]، أي: جهل، و قيل: معناه خاب نحو قول الشاعر:
346-
         و من يَغْوِ لا يعدم على الْغَيِّ لائما «2»
و قيل: معنى (غَوَى) فسد عيشُه. من قولهم:
غَوِيَ الفصيلُ، و غَوَى. نحو: هوي و هوى، و قوله: إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ‏ [هود/ 34]، فقد قيل: معناه أن يعاقبكم على غيّكم، و قيل: معناه يحكم عليكم بغيّكم. و قوله تعالى:
قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ [القصص/ 63]، إعلاما منهم أنّا قد فعلنا بهم غاية ما كان في وسع الإنسان أن يفعل بصديقه، فإنّ حقّ الإنسان أن يريد بصديقه ما يريد بنفسه، فيقول: قد أفدناهم ما كان لنا و جعلناهم أسوة أنفسنا، و على هذا قوله تعالى: فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ‏ [الصافات/ 32]، فَبِما أَغْوَيْتَنِي‏ [الأعراف/ 16]، و قال: رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ‏ [الحجر/ 39].
تمّ كتاب الغين بتوفيق اللّه‏
__________________________________________________
 (1) و مثله قوله تعالى: ذلك بما قدّمت يداك اللّه هو المقدّم في الحقيقة، و لكنه تسبب إليه بكفره و معصيته. و قوله:
من عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون الماهد على الحقيقة هو اللّه، فنسب المهد إليهم لتسببهم إليه بالعمل الصالح. انظر: الإشارة إلى الإيجاز ص 59.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره‏

و هو للمرقّش، و البيت في المشوف المعلم 2/ 555، و اللسان (غوى).

620
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الفاء

كتاب الفاء
فتح‏
الْفَتْحُ: إزالة الإغلاق و الإشكال، و ذلك ضربان:
أحدهما: يدرك بالبصر كفتح الباب و نحوه، و كفتح القفل و الغلق و المتاع، نحو قوله:
وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ‏ [يوسف/ 65]، وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ [الحجر/ 14].
و الثاني: يدرك بالبصيرة كفتح الهمّ، و هو إزالة الغمّ، و ذلك ضروب: أحدها: في الأمور الدّنيويّة كغمّ يفرج، و فقر يزال بإعطاء المال و نحوه، نحو: فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ [الأنعام/ 44]، أي:
وسعنا، و قال: لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأعراف/ 96]، أي: أقبل عليهم الخيرات. و الثاني: فتح المستغلق من العلوم، نحو قولك: فلان فَتَحَ من العلم بابا مغلقا، و قوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً [الفتح/ 1]، قيل: عنى فتح مكّة «1»، و قيل: بل عنى ما فتح على النّبيّ من العلوم و الهدايات التي هي ذريعة إلى الثّواب، و المقامات المحمودة التي صارت سببا لغفران ذنوبه «2». و فَاتِحَةُ كلّ شي‏ء:
مبدؤه الذي يفتح به ما بعده، و به سمّي فاتحة الكتاب، و قيل: افْتَتَحَ فلان كذا: إذا ابتدأ به، و فَتَحَ عليه كذا: إذا أعلمه و وقّفه عليه، قال:
أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏ [البقرة/ 76]، ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ‏ [فاطر/ 2]، و فَتَحَ الْقَضِيَّةَ فِتَاحاً: فصل الأمر فيها، و أزال الإغلاق عنها. قال تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ‏
 [الأعراف/ 89]، و منه الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ‏ [سبأ/ 26]، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) و هذا قول عائشة. انظر: الدر المنثور 7/ 510.
 (2) انظر: روح المعاني 26/ 129.

621
مفردات ألفاظ القرآن

فتح ص 621

347-
         بأني عن فُتَاحَتِكُمْ غنيّ «1»


و قيل: الْفُتَاحَةُ بالضمّ و الفتح، و قوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ‏ [النصر/ 1]، فإنّه يحتمل النّصرة و الظّفر و الحكم، و ما يفتح اللّه تعالى من المعارف، و على ذلك قوله: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ‏ [الصف/ 13]، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ‏ [المائدة/ 52]، وَ يَقُولُونَ مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ‏ [السجدة/ 28]، قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ‏ [السجدة/ 29]، أي: يوم الحكم. و قيل: يوم إزالة الشّبهة بإقامة القيامة، و قيل: ما كانوا يَسْتَفْتِحُونَ من العذاب و يطلبونه، و الِاسْتِفْتَاحُ:
طلب الفتح أو الفتاح. قال: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ‏ [الأنفال/ 19]، أي: إن طلبتم الظّفر أو طلبتم الْفِتَاحَ- أي: الحكم أو طلبتم مبدأ الخيرات- فقد جاءكم ذلك بمجي‏ء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم. و قوله: وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة/ 89]، أي:
يستنصرون اللّه ببعثة محمد عليه الصلاة و السلام و قيل: يستعلمون خبره من الناس مرّة، و يستنبطونه من الكتب مرّة، و قيل: يطلبون من اللّه بذكره الظّفر، و قيل: كانوا يقولون إنّا لننصر بمحمّد عليه السلام على عبدة الأوثان. و الْمِفْتَحُ وَ الْمِفْتَاحُ: ما يفتح به، و جمعه: مَفَاتِيحُ و مَفَاتِحُ.
و قوله: وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ‏ [الأنعام/ 59]، يعني: ما يتوصّل به إلى غيبه المذكور في قوله:
فَلا يُظْهِرُ عَلى‏ غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ [الجن/ 26- 27]. و قوله: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص/ 76]، قيل: عنى مفاتح خزائنه. و قيل: بل عني بالمفاتح الخزائن أنفسها. و باب فُتُحٌ: مَفْتُوحٌ في عامّة الأحوال، و غلق خلافه. و
رُوِيَ: (مَنْ وَجَدَ بَاباً غُلُقاً وَجَدَ إِلَى جَنْبِهِ بَاباً فُتُحاً) «2».
و قيل: فَتْحٌ:
واسع.
فتر
الْفُتُورُ: سكون بعد حدّة، و لين بعد شدّة، و ضعف بعد قوّة. قال تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى‏ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ‏ [المائدة/ 19]، أي: سكون حال عن مجي‏ء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و قوله: لا يَفْتُرُونَ‏ [الأنبياء/ 20]، أي: لا يسكنون عن نشاطهم في العبادة. و
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لِكُلِّ عَالِمٍ شِرَّةٌ، وَ لِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ فَتَرَ
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت للشويعر الجعفيّ، و شطره:
         ألا أبلغ بني عمرو رسولا

و هو في الأساس (فتح)، و المشوف المعلّم 2/ 589، و الجمهرة 2/ 4، و اللّسان (فتح).
 (2) هذا من كلام أبي الدّرداء. انظر: النّهاية 3/ 408، و اللّسان (فتح)، و عمدة الحفاظ: فتح.

622
مفردات ألفاظ القرآن

فتر ص 622

إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ نَجَا وَ إِلَّا فَقَدْ هَلَكَ» «1».
فَقَوْلُهُ:
 «لِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ».
فإشارة إلى ما
قِيلَ: لِلْبَاطِلِ جَوْلَةٌ ثُمَّ يَضْمَحِلُّ، وَ لِلْحَقِّ دَوْلَةٌ لَا تَذِلُّ وَ لَا تَقِلُّ.
و
قَوْلُهُ: «مَنْ فَتَرَ إِلَى سُنَّتِي».
أي: سكن إليها، و الطّرف الْفَاتِرُ: فيه ضعف مستحسن، و الْفِتْرُ: ما بين طرف الإبهام و طرف السّبّابة، يقال: فَتَرْتُهُ بِفِتْرِي، و شبرته بشبري.
فتق‏
الْفَتْقُ: الفصل بين المتّصلين، و هو ضدّ الرّتق، قال تعالى: أَ وَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الأنبياء/ 30]، و الْفَتْقُ و الْفَتِيقُ: الصّبح، و أَفْتَقَ القمر: صادف فتقا فطلع منه، و نصل فَتِيقُ الشّفرتين: إذا كان له شعبتان كأنّ إحداهما فُتِقَتْ من الأخرى. و جمل فَتِيقٌ: تَفَتَّقَ سمنا، و قد فَتَقَ فَتْقاً «2».
فتل‏
فَتَلْتُ الحبل فَتْلًا، و الْفَتِيلُ: الْمَفْتُولُ، و سمّي ما يكون في شقّ النّواة فتيلا لكونه على هيئته.
قال تعالى: وَ لا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا* [النساء/ 49]، و هو ما تَفْتِلُهُ بين أصابعك من خيط أو وسخ، و يضرب به المثل في الشي‏ء الحقير.
و ناقة فَتْلَاءُ الذّراعين: محكمة.
فتن‏
أصل الْفَتْنِ: إدخال الذّهب النار لتظهر جودته من رداءته، و استعمل في إدخال الإنسان النار.
قال تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ‏ [الذاريات/ 13]، ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ‏ [الذاريات/ 14]، أي: عذابكم، و ذلك نحو قوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ [النساء/ 56]، و قوله:
النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها ... الآية [غافر/ 46]، و تارة يسمّون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه. نحو قوله: أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة/ 49]، و تارة في الاختبار نحو: وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً [طه/ 40]، و جعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدّة و رخاء، و هما في الشّدّة أظهر معنى و أكثر استعمالا، و قد قال فيهما: وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء/ 35]. و قال في الشّدّة:
__________________________________________________
 (1) الحديث عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبيّ تصوم النهار و تقوم الليل، فقيل له: إنها تصوم النهار و تقوم الليل.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ لكل عمل شرّة، و الشرّة إلى فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، و من كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضلّ» أخرجه البزار و رجاله رجال الصحيح، و ابن حبان و ابن أبي عاصم. انظر: مجمع الزوائد 2/ 260، و الترغيب و الترهيب 1/ 46.
الشّرّة: النشاط.
 (2) قال أبو عثمان السرقسطي: فتقت الشي‏ء فتقا: خرقته. انظر: الأفعال 4/ 14.

623
مفردات ألفاظ القرآن

فتن ص 623

إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ [البقرة/ 102]، وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ‏ [البقرة/ 191]، وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ* [البقرة/ 193]، و قال:
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا [التوبة/ 49]، أي: يقول لا تبلني و لا تعذّبني، و هم بقولهم ذلك وقعوا في البليّة و العذاب. و قال: فَما آمَنَ لِمُوسى‏ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى‏ خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ‏ [يونس/ 83]، أي: يبتليهم و يعذّبهم، و قال: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ‏ [المائدة/ 49]، وَ إِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ‏ [الإسراء/ 73]، أي: يوقعونك في بليّة و شدّة في صرفهم إيّاك عمّا أوحي إليك، و قوله: فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ‏ [الحديد/ 14]، أي: أوقعتموها في بليّة و عذاب، و على هذا قوله: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال/ 25]، و قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ [التغابن/ 15]، فقد سمّاهم هاهنا فتنة اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، و سمّاهم عدوّا في قوله: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ [التغابن/ 14]، اعتبارا بما يتولّد منهم، و جعلهم زينة في قوله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ ...
الآية [آل عمران/ 14]، اعتبارا بأحوال الناس في تزيّنهم بهم، و قوله: الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ‏ [العنكبوت/ 1- 2]، أي: لا يختبرون فيميّز خبيثهم من طيّبهم، كما قال: لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [الأنفال/ 37]، و قوله: أَ وَ لا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَ لا هُمْ يَذَّكَّرُونَ‏ [التوبة/ 126]، فإشارة إلى ما قال: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ ... الآية [البقرة/ 155]، و على هذا قوله: وَ حَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ [المائدة/ 71]، و الْفِتْنَةُ من الأفعال التي تكون من اللّه تعالى، و من العبد كالبليّة و المصيبة، و القتل و العذاب و غير ذلك من الأفعال الكريهة، و متى كان من اللّه يكون على وجه الحكمة، و متى كان من الإنسان بغير أمر اللّه يكون بضدّ ذلك، و لهذا يذمّ اللّه الإنسان بأنواع الفتنة في كلّ مكان نحو قوله: وَ الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ‏ [البقرة/ 191]، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ‏ [البروج/ 10]، ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ‏ [الصافات/ 162]، أي: بمضلّين، و قوله: بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ‏ [القلم/ 6]. قال الأخفش.
الْمَفْتُونُ‏: الفتنة، كقولك: ليس له معقول «1»،
__________________________________________________
 (1) أي: إنّ المفعول هاهنا بمعنى المصدر، و مثله كما ذكر المؤلف: المعقول بمعنى العقل، و الميسور بمعنى اليسر و المعسور بمعنى العسر، و أيضا: المحلوف بمعنى الحلف، و المجهود بمعنى الجهد.
و انظر في ذلك الصاحبي ص 395.

624
مفردات ألفاظ القرآن

فتن ص 623

و خذ ميسوره و دع معسوره، فتقديره بأيّكم الفتون، و قال غيره: أيّكم المفتون «1»، و الباء زائدة كقوله: كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً* [الفتح/ 28]، و قوله: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ‏ [المائدة/ 49]، فقد عدّي ذلك ب (عن) تعدية خدعوك لمّا أشار بمعناه إليه.
فتى‏
الْفَتَى الطّريُّ من الشّباب، و الأنثى فَتَاةٌ، و المصدر فَتَاءٌ، و يكنّى بهما عن العبد و الأمة.
قال تعالى: تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ‏ [يوسف/ 30]. و الْفَتِيُّ من الإبل كالفتى من الناس، و جمع الفتى فِتْيَةٌ و فِتْيَانٌ، و جمع الفتاة فَتَيَاتٌ، و ذلك قوله: مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ‏ [النساء/ 25]، أي: إمائكم، و قال: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ [النور/ 33]، أي:
إماءكم. وَ قالَ لِفِتْيانِهِ‏ [يوسف/ 62]، أي:
لمملوكيه و قال: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ‏ [الكهف/ 10]، إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ‏ [الكهف/ 13]. و الْفُتْيَا و الْفَتْوَى: الجواب عمّا يشكل من الأحكام، و يقال: اسْتَفْتَيْتُهُ فَأَفْتَانِي بكذا. قال: وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَ‏ [النساء/ 127]، فَاسْتَفْتِهِمْ* [الصافات/ 11]، أَفْتُونِي فِي أَمْرِي‏ [النمل/ 32].
فتئ‏
يقال: ما فَتِئْتُ أفعل كذا، و ما فَتَأْتُ «2»، كقولك: ما زلت. قال تعالى: تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ‏ [يوسف/ 85].
فجج‏
الْفَجُّ: شُقَّةٌ يكتنفها جبلان، و يستعمل في الطّريق الواسع، و جمعه فِجَاجٌ. قال: مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ‏ [الحج/ 27]، فِيها فِجاجاً سُبُلًا [الأنبياء/ 31]. و الْفَجَجُ: تباعد الرّكبتين، و هو أَفَجُّ بيّن الفجج، و منه: حافر مُفَجَّجٌ، و جرح فَجٌّ: لم ينضج.
فجر
الْفَجْرُ: شقّ الشي‏ء شقّا واسعا كَفَجَرَ الإنسان السّكرَ «3»، يقال: فَجَرْتُهُ فَانْفَجَرَ و فَجَّرْتُهُ فَتَفَجَّرَ. قال تعالى: وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً [القمر/ 12]، وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الكهف/ 33]، فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ [الإسراء/ 91]، تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً [الإسراء/ 90]، و قرئ‏
__________________________________________________
 (1) هذا الذي نسبه المصنف لغير الأخفش قد قاله الأخفش في معاني القرآن 2/ 505، و القول الأول الذي نسبه [استدراك‏] للأخفش هو قول الفراء، فقد قال الفراء: المفتون هاهنا بمعنى الجنون، و هو في مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأي. انظر: معاني القرآن 3/ 173.
 (2) قال أبو زيد: ما فتأت أذكره، و ما فتئت أذكره. و زاد الفراء: فتؤت أفتؤ. انظر: الهمز لأبي زيد ص 23، و العباب:
 (فتأ).
 (3) سكر النهر: ما يسدّ به.

625
مفردات ألفاظ القرآن

فجر ص 625

تُفَجِّرَ «1». و قال: فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً [البقرة/ 60]، و منه قيل للصّبح: فَجْرٌ، لكونه فجر الليل. قال تعالى: وَ الْفَجْرِ* وَ لَيالٍ عَشْرٍ [الفجر/ 1- 2]، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء/ 78]، و قيل: الْفَجْرُ فجران: الكاذب، و هو كذَنَبِ السِّرْحان، و الصّادق، و به يتعلّق حكم الصّوم و الصّلاة، قال: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ‏ [البقرة/ 187]. و الْفُجُورُ: شقّ ستر الدّيانة، يقال: فَجَرَ فُجُوراً فهو فَاجِرٌ، و جمعه:
فُجَّارٌ و فَجَرَةٌ. قال: كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ‏ [المطففين/ 7]، وَ إِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ‏ [الانفطار/ 14]، أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس/ 42]، و قوله: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ‏ [القيامة/ 5]، أي: يريد الحياة ليتعاطى الفجور فيها. و قيل: معناه ليذنب فيها. و قيل: معناه يذنب و يقول غدا أتوب، ثم لا يفعل فيكون ذلك فجورا لبذله عهدا لا يفي به.
و سمّي الكاذب فاجرا لكون الكذب بعض الفجور. و قولهم: (و نخلع و نترك من يَفْجُرُكَ) «2» أي: من يكذبك. و قيل: من يتباعد عنك، و أيّام الْفِجَارِ: وقائع اشتدّت بين العرب.
فجا
قال تعالى: وَ هُمْ فِي فَجْوَةٍ [الكهف/ 17]، أي: ساحة واسعة، و منه: قوس فَجَّاءُ و فَجْوَاءٌ: بان وتراها عن كبدها، و رجل أَفْجَى بيّن الْفَجَا، أي: متباعد ما بين العرقوبين.
فحش‏
الْفُحْشُ و الْفَحْشَاءُ و الْفَاحِشَةُ: ما عظم قبحه من الأفعال و الأقوال، و قال: إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ [الأعراف/ 28]، وَ يَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏ [النحل/ 90]، مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الأحزاب/ 30]، إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ [النور/ 19]، إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ‏ [الأعراف/ 33]، إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ* [النساء/ 19]، كناية عن الزّنا، و كذلك قوله: وَ اللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ‏ [النساء/ 15]، و فَحُشَ فلان: صار فاحشا. و منه قول الشاعر:
348-
         عقيلة مال الْفَاحِشِ المتشدّد «3»
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة نافع و ابن كثير و ابن عامر و أبي عمرو بن العلاء و أبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 286.
 (2) هذا من دعاء القنوت في الوتر، و هذا الدعاء مما رفع رسمه من القرآن، و لم يرفع من القلوب حفظه. انظر: النهاية لابن الأثير 3/ 414، و الإتقان 2/ 34، و الفائق 3/ 90، و مصنف ابن أبي شيبة 3/ 106.
 (3) عجز بيت لطرفة، و صدره:
         أرى الموت يعتام الكرام و يصطفي‏

و هو في ديوانه ص 34.

626
مفردات ألفاظ القرآن

فحش ص 626

يعني به: العظيم القبح في البخل، و الْمُتَفَحِّشُ: الذي يأتي بالفحش.
فخر
الْفَخْرُ: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال و الجاه، و يقال: له الْفَخَرُ، و رجل فَاخِرٌ، و فَخُورٌ، و فَخِيرٌ، على التّكثير. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ [لقمان/ 18]، و يقال: فَخَرْتُ فلانا على صاحبه أَفْخَرُهُ فَخْراً: حكمت له بفضل عليه، و يعبّر عن كلّ نفيس بِالْفَاخِرِ. يقال: ثوب فَاخِرٌ، و ناقة فَخُورٌ: عظيمة الضّرع، كثيرة الدّر، و الْفَخَّارُ:
الجرار، و ذلك لصوته إذا نقر كأنما تصوّر بصورة من يكثر التَّفَاخُرَ. قال تعالى: مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ [الرحمن/ 14].
فدى‏
الْفِدَى و الْفِدَاءُ: حفظ الإنسان عن النّائبة بما يبذله عنه، قال تعالى: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً [محمد/ 4]، يقال: فَدَيْتُهُ بمال، و فديته بنفسي، و فَادَيْتُهُ بكذا، قال تعالى: إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى‏ تُفادُوهُمْ‏ [البقرة/ 85]، و تَفَادَى فلان من فلان، أي: تحامى من شي‏ء بذله. و قال:
وَ فَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ‏ [الصافات/ 107]، و افْتَدَى: إذا بذل ذلك عن نفسه، قال تعالى:
فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ‏ [البقرة/ 229]، وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى‏ تُفادُوهُمْ‏ [البقرة/ 85]، و الْمُفَادَاةُ: هو أن يردّ أسر العدى و يسترجع منهم من في أيديهم، قال: وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ*
 [الرعد/ 18]، لَافْتَدَتْ بِهِ‏
[يونس/ 54]، و لِيَفْتَدُوا بِهِ‏ [المائدة/ 36]، وَ لَوِ افْتَدى‏ بِهِ‏ [آل عمران/ 91]، لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ‏ [المعارج/ 11]، و ما يقي به الإنسان نفسه من مال يبذله في عبادة قصّر فيها يقال له: فِدْيَةٌ، ككفّارة اليمين، و كفّارة الصّوم.
نحو قوله: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ [البقرة/ 196]، فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ‏ [البقرة/ 184].
فر
أصل الْفَرِّ: الكشف عن سنّ الدّابّة. يقال:
فَرَرْتُ فِرَاراً، و منه: فَرَّ الدّهرُ جذعا «1»
، و منه:
الِافْتِرَارُ، و هو ظهور السّنّ من الضّحك، و فَرَّ عن الحرب فِرَاراً. قال تعالى: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ‏ [الشعراء/ 21]، و قال: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر/ 51]، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً [نوح/ 6]، لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ‏ [الأحزاب/ 16]، فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ‏ [الذاريات/ 50]، و أَفْرَرْتُهُ: جعلته فَارّاً، و رجل‏
__________________________________________________
 (1) هذا مثل يقال إذا رجع عوده على بدئه. و الجذع: قبل الثني بستة أشهر. أي: إن الدهر لا يهرم. انظر: الجمهرة 1/ 86، و مجمع الأمثال 2/ 73.

627
مفردات ألفاظ القرآن

فر ص 627

فَرٌّ و فَارٌّ، و الْمَفَرُّ: موضع الفرار، و وقته، و الفرار نفسه، و قوله: أَيْنَ الْمَفَرُّ [القيامة/ 10]، يحتمل ثلاثتها.
فرت‏
الْفُرَاتُ: الماء العذب. يقال للواحد و الجمع، قال تعالى: وَ أَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً [المرسلات/ 27]، و قال: هذا عَذْبٌ فُراتٌ* [الفرقان/ 53].
فرث‏
قال تعالى: مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً [النحل/ 66]، أي: ما في الكرش، يقال: فَرَثْتُ كبده. أي: فتنتها، و أَفْرَثَ فلان أصحابه: أوقعهم في بليّة جارية مجرى الفرث.
فرج‏
الْفَرْجُ و الْفُرْجَةُ: الشّقّ بين الشّيئين كفرجة الحائط، و الْفَرْجُ: ما بين الرّجلين، و كنّي به عن السّوءة، و كثر حتى صار كالصّريح فيه. قال تعالى: وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [الأنبياء/ 91]، لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* [المؤمنون/ 5]، وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَ‏ [النور/ 31]، و استعير الْفَرْجُ للثّغر و كلّ موضع مخافة. و قيل: الْفَرْجَانِ في الإسلام: التّرك و السّودان «1»، و قوله: وَ ما لَها مِنْ فُرُوجٍ‏ [ق/ 6]، أي: شقوق و فتوق، قال: وَ إِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ‏ [المرسلات/ 9]، أي: انشقّت، و الْفَرَجُ: انكشاف الغمّ. يقال: فَرَّجَ اللّه عنك، و قوس فُرُجٌ: انفرجت سيتاها، و رجل فُرُجٌ: لا يكتم سرّه، و فَرِجٌ: لا يزال ينكشف فرجه «2»، و فَرَارِيجُ الدّجاج لانفراج البيض عنها، و دجاجة مُفْرِجٌ: ذات فراريج، و الْمُفْرَجُ:
القتيل الذي انكشف عنه القوم فلا يدرى من قتله.
فرح‏
الْفَرَحُ: انشراح الصّدر بلذّة عاجلة، و أكثر ما يكون ذلك في اللّذات البدنيّة الدّنيوية، فلهذا قال تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ‏ [الحديد/ 23]، وَ فَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا [الرعد/ 26]، ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ‏ [غافر/ 75]، حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا [الأنعام/ 44]، فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ‏ [غافر/ 83]، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ‏ [القصص/ 76]، و لم يرخّص في الفرح إلا في قوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس/ 58]، وَ يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ‏ [الروم/ 4]. و الْمِفْرَاحُ: الكثير الفرح، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) انظر: جنى الجنتين ص 86، و المجمل 3/ 917.
 (2) انظر: المجمل 3/ 920.

628
مفردات ألفاظ القرآن

فرح ص 628

349-
         و لست بِمِفْرَاحٍ إذا الخير مسّني             و لا جازع من صرفه المتقلّب «1»

و ما يسرّني بهذا الأمر مُفْرِحٌ و مَفْرُوحٌ به، و رجل مُفْرَحٌ: أثقله الدين «2»، و
فِي الْحَدِيثِ:
 «لَا يُتْرَكُ فِي الْإِسْلَامِ مُفْرَحٌ» «3».
فكأنّ الْإِفْرَاحَ يستعمل في جلب الفرح، و في إزالة الفرح، كما أنّ الْإِشْكَاءَ يستعمل في جلب الشّكوى و في إزالتها، فالمدان قد أزيل فرحه، فلهذا
قِيلَ: (لَا غَمَّ إِلَّا غَمُّ الدَّيْنِ) «4».
فرد
الْفَرْدُ: الذي لا يختلط به غيره، فهو أعمّ من الوتر و أخصّ من الواحد، و جمعه: فُرَادَى. قال تعالى: لا تَذَرْنِي فَرْداً [الأنبياء/ 89]، أي:
وحيدا، و يقال في اللّه: فرد، تنبيها أنه بخلاف الأشياء كلّها في الازدواج المنبّه عليه بقوله:
وَ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ [الذاريات/ 49]، و قيل: معناه المستغني عمّا عداه، كما نبّه عليه بقوله: غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ* [آل عمران/ 97]، و إذا قيل: هو مُنْفَرِدٌ بوحدانيّته، فمعناه:
هو مستغن عن كلّ تركيب و ازدواج تنبيها أنه مخالف للموجودات كلّها. و فَرِيدٌ: واحد، و جمعه فُرَادَى، نحو: أسير و أسارى. قال:
وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى‏ [الأنعام/ 94].
فرش‏
الْفَرْشُ: بسط الثّياب، و يقال لِلْمَفْرُوشِ:
فَرْشٌ و فِرَاشٌ. قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة/ 22]، أي: ذلّلها و لم يجعلها ناتئة لا يمكن الاستقرار عليها، و الفِرَاشُ جمعه: فُرُشٌ. قال: وَ فُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة/ 34]، فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ‏ [الرحمن/ 54]. و الْفَرْشُ: ما يُفْرَشُ من الأنعام، أي: يركب، قال تعالى: حَمُولَةً وَ فَرْشاً [الأنعام/ 142]، و كنّي بِالْفِرَاشِ عن كلّ واحد من الزّوجين،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْوَلَدُ
__________________________________________________
 (1) البيت لهدبة بن خشرم. و هو في الحماسة البصريّة 1/ 115، و الشّعر و الشّعراء ص 462.
 (2) انظر: المجمل 3/ 720، و الجمهرة 2/ 139، و اللّسان (فرح).
 (3) الحديث عن عمرو بن عوف المزنيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «لا يترك مفرّح في الإسلام حتّى يضمّ إلى قبيلة» أخرجه الطّبرانيّ، و البغويّ في شرح السّنّة 10/ 210، و فيه كثير بن عبد اللّه المزنيّ و هو ضعيف، و بقيّة رجاله ثقات.
و الحديث يروى بالجيم و الحاء، و معناه بالجيم: القتيل يوجد بالفلاة، فإنّه يؤدي من بيت المال، و لا يطلّ دمه.
انظر: مجمع الزّوائد 6/ 296، و غريب الحديث لأبي عبيد 1/ 30.
 (4) (لا همّ إلّا همّ الدّين، و لا وجع إلّا وجع العين) أخرجه الطّبرانيّ في الصّغير، و البيهقيّ في الشّعب عن جابر رفعه، و قال البيهقيّ: إنّه منكر. انظر: معجم الطّبرانيّ الصّغير ص 311، و كشف الخفاء 2/ 369.
و قال الصغاني في موضوعاته ص 38: إنّه موضوع.

629
مفردات ألفاظ القرآن

فرش ص 629

لِلْفِرَاشِ» «1».
و فلان كريم الْمَفَارِشِ «2»، أي:
النّساء. و أَفْرَشَ الرّجل صاحبه، أي: اغتابه و أساء القول فيه، و أَفْرَشَ عنه: أقلع، و الْفَرَاشُ:
طير معروف، قال: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ‏ [القارعة/ 4]، و به شبّه فَرَاشَةُ القفل، و الْفَرَاشَةُ:
الماء القليل في الإناء.
فرض‏
الْفَرْضُ: قطع الشي‏ء الصّلب و التأثير فيه، كفرض الحديد، و فرض الزّند و القوس، و الْمِفْرَاضُ و الْمِفْرَضُ: ما يقطع به الحديد، و فُرْضَةُ الماء: مقسمه. قال تعالى: لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً [النساء/ 118]، أي: معلوما، و قيل: مقطوعا عنهم، و الْفَرْضُ كالإيجاب لكن الإيجاب يقال اعتبارا بوقوعه و ثباته، و الفرض بقطع الحكم فيه «3». قال تعالى: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها [النور/ 1]، أي: أوجبنا العمل بها عليك، و قال: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ‏ [القصص/ 85]، أي: أوجب عليك العمل به، و منه يقال لما ألزم الحاكم من النّفقة: فَرْضٌ. و كلّ موضع ورد (فَرَضَ اللّه عليه) ففي الإيجاب الذي أدخله اللّه فيه، و ما ورد من: (فَرَضَ اللّه له) فهو في أن لا يحظره على نفسه. نحو. ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ‏ [الأحزاب/ 38]، و قوله: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ‏ [التحريم/ 2]، و قوله: وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة/ 237]، أي: سمّيتم لهنّ مهرا، و أوجبتم على أنفسكم بذلك، و على هذا يقال: فَرَضَ له في العطاء، و بهذا النّظر و من هذا الغرض قيل للعطية: فَرْضٌ، و للدّين:
فَرْضٌ، و فَرَائِضُ اللّه تعالى: ما فرض لأربابها، و رجل فَارِضٌ و فَرْضِيٌّ: بصير بحكم الفرائض.
قال تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ‏ إلى قوله: فِي الْحَجِّ* «4» أي: من عيّن على نفسه إقامة الحجّ «5»، و إضافة فرض الحجّ إلى الإنسان دلالة أنه هو معيّن الوقت، و يقال لما أخذ
__________________________________________________
 (1) قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «الولد للفراش، و للعاهر الحجر». جزء من حديث أخرجه البخاري في الأحكام 13/ 152.
و مسلم في الرضاع (1457).
 (2) انظر: الجمهرة 2/ 345، و المجمل 3/ 715.
 (3) الفرض و الواجب مترادفان، و قالت الحنفية: الفرض: ما ثبت بقطعي، و الواجب بظنّي.
قال أبو زيد الدبوسي: الفرض: التقدير، و الوجوب: السقوط، فخصصنا اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، لأنه الذي يعلم من حاله أنّ اللّه قدّره علينا، و الذي عرف وجوبه بدليل ظني نسميه بالواجب، لأنه ساقط علينا. انظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 55.
 (4) الآية: فمن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحجّ سورة البقرة: آية 197.
 (5) انظر: تذكرة الأريب في تفسير الغريب 1/ 71.

630
مفردات ألفاظ القرآن

فرض ص 630

في الصّدقة فرِيضَةٌ. قال: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ إلى قوله: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ‏ «1» و على هذا ما
رُوِيَ (أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ كِتَاباً وَ كَتَبَ فِيهِ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) «2».
و الْفَارِضُ: المسنّ من البقر «3».
قال تعالى: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ [البقرة/ 68]، و قيل: إنما سمّي فَارِضاً لكونه فارضا للأرض، أي: قاطعا، أو فارضا لما يحمّل من الأعمال الشاقّة، و قيل: بل لأنّ فَرِيضَةَ البقر اثنان: تبيع و مسنّة، فالتّبيع يجوز في حال دون حال، و المسنّة يصحّ بذلها في كلّ حال، فسمّيت المسنّة فَارِضَةً لذلك، فعلى هذا يكون الْفَارِضُ اسما إسلاميّا.
فرط
فَرَطَ: إذا تقدّم تقدّما بالقصد يَفْرُطُ «4»، و منه: الْفَارِطُ إلى الماء، أي: المتقدّم لإصلاح الدّلو، يقال: فَارِطٌ و فَرَطٌ، و منه‏
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ» «5».
و
قِيلَ فِي الْوَلَدِ الصَّغِيرِ إِذَا مَاتَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطاً» «6».
و قوله: أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا [طه/ 45]، أي: يتقدّم، و فرس فُرُطٌ: يسبق الخيل، و الْإِفْرَاطُ: أن يسرف في التّقدّم، و التَّفْرِيطُ: أن يقصّر في الفَرَط، يقال: ما فَرَّطْتُ في كذا. أي:
ما قصّرت. قال تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ‏ [الأنعام/ 38]، ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ‏ [الزمر/ 56]، ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ‏ [يوسف/ 80]. و أَفْرَطْتُ القربةَ: ملأتها وَ كانَ‏
__________________________________________________
 (1) إنّما الصّدقات للفقراء و المساكين و العاملين عليها و المؤلّفة قلوبهم و في الرّقاب و الغارمين و في سبيل اللّه و ابن السّبيل فريضة من اللّه سورة التوبة: آية 60.
 (2) عن ثمامة حدّثني أنس بن مالك أنّ أبا بكر الصديق كتب له: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم*، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على المسلمين التي أمر اللّه بها رسول اللّه ...» الحديث بطوله أخرجه ابن ماجة في الزكاة 1/ 575، و أخرجه البخاري مختصرا في الزكاة: باب: لا يجمع بين متفرق، و لا يفرّق بين مجتمع. انظر: فتح الباري 3/ 314.
 (3) انظر: المجمل 3/ 716، و اللسان (فرض).
 (4) انظر: الأفعال 4/ 12.
 (5) الحديث عن سهل بن سعد قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه و سلم: «إنّي فرطكم على الحوض، من مرّ عليّ شرب، و من شرب لم يظمأ أبدا ...» الحديث أخرجه البخاري في الرقاق 11/ 412، و مسلم في باب إثبات حوض نبينا برقم (2290).
 (6) انظر: غريب الحديث 1/ 45، و النهاية 3/ 434. و أخرج الطحاوي عن سمرة بن جندب أنّ صبيا له مات، فقال:
ادفنوه و لا تصلوا عليه، فإنه ليس عليه إثم، ثم ادعوا اللّه لأبويه أن يجعله لهما فرطا و سلفا. انظر: معاني الآثار 1/ 507، و أخرجه البخاري في الجنائز عن الحسن. فتح الباري 3/ 203.

631
مفردات ألفاظ القرآن

فرط ص 631

أَمْرُهُ فُرُطاً [الكهف/ 28]، أي: إسرافا و تضييعا.
فرع‏
فَرْعُ الشّجر: غصنه، و جمعه: فُرُوعٌ. قال تعالى: أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ [إبراهيم/ 24]، و اعتبر ذلك على وجهين:
أحدهما: بالطّول، فقيل: فَرَعَ كذا: إذا طال، و سمّي شعر الرأس فَرْعاً لعلوّه، و قيل: رجل أَفْرَعُ، و امرأة فَرْعَاءُ، و فَرَّعْتُ الجبل، و فَرَّعْتُ رأسَهُ بالسّيف، و تَفَرَّعْتُ في بني فلان: تزوّجت في أعاليهم و أشرافهم. و الثاني: اعتبر بالعرض، فقيل: تَفَرَّعَ كذا، و فُرُوعُ المسألة، و فُرُوعُ الرّجل: أولاده.
و (فِرْعَوْنُ): اسم أعجميّ، و قد اعتبر عرامته، فقيل: تَفَرْعَنَ فلان: إذا تعاطى فعل فرعون، كما يقال: أبلس و تبلّس، و منه قيل للطّغاة: الْفَرَاعِنَةُ و الأبالسة.
فرغ‏
الْفَرَاغُ: خلاف الشّغل، و قد فَرَغَ فَرَاغاً و فُرُوغاً، و هو فَارِغٌ. قال تعالى: سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ‏ [الرحمن/ 31]، و قوله تعالى:
وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى‏ فارِغاً [القصص/ 10]، أي: كأنّما فَرَغَ من لبّها لما تداخلها من الخوف و ذلك كما قال الشاعر:
350-
         كأنّ جؤجؤه هواء «1»
و قيل: فارِغاً من ذكره، أي أنسيناها ذكره حتى سكنت و احتملت أن تلقيه في اليمّ، و قيل:
فارِغاً، أي: خاليا إلّا من ذكره، لأنه قال: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى‏ قَلْبِها [القصص/ 10]، و منه قوله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ‏ [الشرح/ 7]، و أَفْرَغْتُ الدّلو:
صببت ما فيه، و منه استعير: أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً* [الأعراف/ 126]، و ذهب دمه فِرْغاً «2»، أي: مصبوبا. و معناه: باطلا لم يطلب به، و فرس فَرِيغٌ: واسع العدو كأنّما يُفْرِغُ العدو إِفْرَاغاً، و ضربة فَرِيغَةٌ: واسعة ينصبّ منها الدّم.
فرق‏
الْفَرْقُ يقارب الفلق لكن الفلق يقال اعتبارا بالانشقاق، و الفرق يقال اعتبارا بالانفصال. قال تعالى: وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة/ 50]، و الْفِرْقُ: القطعة المنفصلة، و منه: الْفِرْقَةُ للجماعة المتفرّدة من النّاس، و قيل: فَرَقُ الصّبح، و فلق الصّبح. قال: فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏ [الشعراء/ 63]،
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت لزهير، و شطره:
         كأنّ الرّحل منها فوق صعل‏

و هو في ديوانه ص 9.
 (2) قال الصغاني: و يقال: ذهب دمه فرغا و فرغا، أي: هدرا لم يطلب به. انظر: العباب (فرغ)، و انظر أيضا:
الجمهرة 2/ 395، و المجمل 3/ 717، و اللسان (فرغ).

632
مفردات ألفاظ القرآن

فرق ص 632

و الْفَرِيقُ: الجماعة المتفرّقة عن آخرين، قال:
وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ‏ [آل عمران/ 78]، فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ‏ [البقرة/ 87]، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى/ 7]، إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي‏ [المؤمنون/ 109]، أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ‏ [مريم/ 73]، وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ‏ [البقرة/ 85]، وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ‏ [البقرة/ 146]، و فَرَقْتُ بين الشّيئين: فصلت بينهما سواء كان ذلك بفصل يدركه البصر، أو بفصل تدركه البصيرة. قال تعالى: فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ‏ [المائدة/ 25]، و قوله تعالى:
فَالْفارِقاتِ فَرْقاً [المرسلات/ 4]، يعني:
الملائكة الّذين يفصلون بين الأشياء حسبما أمرهم اللّه، و على هذا قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ‏ [الدخان/ 4]، و قيل: عمر الْفَارُوقُ رضي اللّه عنه لكونه فارقا بين الحقّ و الباطل، و قوله: وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ‏ [الإسراء/ 106]، أي: بيّنا فيه الأحكام و فصّلناه. و قيل: (فَرَقْنَاهُ) أي: أنزلناه مُفَرَّقاً، و التَّفْرِيقُ أصله للتّكثير، و يقال ذلك في تشتيت الشّمل و الكلمة. نحو:
يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ‏ [البقرة/ 102]، فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ [طه/ 94]، و قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ‏ [البقرة/ 285]، و قوله: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ* [البقرة/ 136]، إنما جاز أن يجعل التّفريق منسوبا إلى (أحد) من حيث إنّ لفظ (أحد) يفيد في النّفي، و قال: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ‏ [الأنعام/ 159]، و قرئ:
فَارَقُوا «1» و الْفِرَاقُ و الْمُفَارَقَةُ تكون بالأبدان أكثر. قال: هذا فِراقُ بَيْنِي وَ بَيْنِكَ‏ [الكهف/ 78]، و قوله: وَ ظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ‏ [القيامة/ 28]، أي: غلب على قلبه أنه حين مفارقته الدّنيا بالموت، و قوله: وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ‏ [النساء/ 150]، أي:
يظهرون الإيمان باللّه و يكفرون بالرّسل خلاف ما أمرهم اللّه به. و قوله: وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ‏ [النساء/ 152]، أي: آمنوا برسل اللّه جميعا، و الْفُرْقَانُ أبلغ من الفرق، لأنه يستعمل في الفرق بين الحقّ و الباطل، و تقديره كتقدير: رجل قُنْعَانٌ: يقنع به في الحكم، و هو اسم لا مصدر فيما قيل، و الْفَرْقُ يستعمل في ذلك و في غيره، و قوله: يَوْمَ الْفُرْقانِ‏ [الأنفال/ 41]، أي: اليوم الذي يفرق فيه بين الحقّ و الباطل، و الحجّة و الشّبهة، و قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً [الأنفال/ 29]، أي: نورا و توفيقا على قلوبكم‏
__________________________________________________
 (1) و بها قرأ حمزة و الكسائي. من المفارقة، و هي الترك. انظر: الإتحاف ص 220.

633
مفردات ألفاظ القرآن

فرق ص 632

يفرق به بين الحق و الباطل «1»، فكان الفرقان هاهنا كالسّكينة و الرّوح في غيره، و قوله: وَ ما أَنْزَلْنا عَلى‏ عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ‏ [الأنفال/ 41]، قيل:
أريد به يوم بدر «2»، فإنّه أوّل يوم فُرِقَ فيه بين الحقّ و الباطل، و الْفُرْقَانُ: كلام اللّه تعالى، لفرقه بين الحقّ و الباطل في الاعتقاد، و الصّدق و الكذب في المقال، و الصالح و الطّالح في الأعمال، و ذلك في القرآن و التوراة و الإنجيل، قال: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ‏ [البقرة/ 53]، وَ لَقَدْ آتَيْنا مُوسى‏ وَ هارُونَ الْفُرْقانَ‏ [الأنبياء/ 48]، تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ‏ [الفرقان/ 1]، شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ‏ [البقرة/ 185].
و الْفَرَقُ: تَفَرُّقُ القلب من الخوف، و استعمال الفرق فيه كاستعمال الصّدع و الشّقّ فيه. قال تعالى: وَ لكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ‏ [التوبة/ 56]، و يقال: رجل فَرُوقٌ و فَرُوقَةٌ، و امرأة كذلك، و منه قيل للناقة التي تذهب في الأرض نادّة من وجع المخاض: فَارِقٌ و فَارِقَةٌ «3»، و بها شبّه السّحابة المنفردة فقيل: فَارِقٌ، و الْأَفْرَقُ من الدّيك: ما عُرْفُهُ مَفْرُوقٌ، و من الخيل: ما أحد وركيه أرفع من الآخر، و الْفَرِيقَةُ: تمر يطبخ بحلبة، و الْفَرُوقَةُ: شحم الكليتين.
فره‏
الْفَرِهُ: الأَشِرُ، و ناقة مُفْرِهٌ و مُفْرِهَةٌ: تنتج الفُرَّهَ «4»، و قوله: وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ‏ [الشعراء/ 149]، أي: حاذقين، و جمعه فُرَّهٌ، و يقال ذلك في الإنسان و في غيره، و قرئ: فَرِهِينَ «5» في معناه. و قيل:
معناهما أشرين.
فرى‏
الْفَرْيُ: قطع الجلد للخرز و الإصلاح، و الْإِفْرَاءُ للإفساد، و الِافْتِرَاءُ فيهما، و في الإفساد أكثر، و كذلك استعمل في القرآن في الكذب و الشّرك و الظّلم. نحو: وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى‏ إِثْماً عَظِيماً [النساء/ 48]، انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏ [النساء/ 50].
و في الكذب نحو: افْتِراءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا [الأنعام/ 140]، وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏ [المائدة/ 103]، أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ* [السجدة/ 3]، وَ ما ظَنُّ الَّذِينَ‏
__________________________________________________
 (1) و هو قول ابن جريح و ابن زيد. انظر: روح المعاني 9/ 196.
 (2) و هو قول ابن عباس و ابن مسعود. انظر: الدر المنثور 4/ 71.
 (3) انظر: المجمل 3/ 718.
 (4) انظر: المجمل 3/ 719، و اللسان (فره).
 (5) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و أبي جعفر و يعقوب. انظر: الإتحاف ص 333.

634
مفردات ألفاظ القرآن

فرى ص 634

يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ‏ [يونس/ 60]، أَنْ يُفْتَرى‏ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [يونس/ 37]، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ‏ [هود/ 50]، و قوله: لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا [مريم/ 27]، قيل: معناه عظيما «1». و قيل: عجيبا «2». و قيل: مصنوعا «3».
و كل ذلك إشارة إلى معنى واحد.
فز
قال تعالى: وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ‏ [الإسراء/ 64]، أي: أزعج، و قال تعالى: فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ‏ [الإسراء/ 103]، أي: يزعجهم، و فَزَّنِي فلان، أي: أزعجني، و الْفَزُّ: ولد البقرة، و سمّي بذلك لما تصوّر فيه من الخفّة، كما يسمّى عجلا لما تصوّر فيه من العجلة.
فزع‏
الْفَزَعُ: انقباض و نفار يعتري الإنسان من الشي‏ء المخيف، و هو من جنس الجزع، و لا يقال: فَزِعْتُ من اللّه، كما يقال: خفت منه.
و قوله تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ [الأنبياء/ 103]، فهو الفزع من دخول النار.
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ‏ [النمل/ 87]، وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ‏ [النمل/ 89]، و قوله تعالى: حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ‏ [سبأ/ 23]، أي: أزيل عنها الفزع، و يقال: فَزِعَ إليه: إذا استغاث به عند الفزع، و فَزِعَ له: أغاثه. و قول الشاعر:
351-
         كنّا إذا ما أتانا صارخ فَزِعٌ «4»
أي: صارخ أصابه فزع، و من فسّره بأنّ معناه المستغيث، فإنّ ذلك تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ الفزع.
فسح‏
الْفُسْحُ و الْفَسِيحُ: الواسع من المكان، و التَّفَسُّحُ: التّوسّع، يقال: فَسَّحْتُ مجلسه فَتَفَسَّحَ فيه. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ‏ [المجادلة/ 11]، و منه قيل: فَسَّحْتُ لفلان أن يفعل كذا، كقولك: وسّعت له، و هو في فُسْحَةٍ من هذا الأمر.
__________________________________________________
 (1) انظر: تذكرة الأريب 1/ 329، و تفسير القرطبي 11/ 99.
 (2) انظر: مجاز القرآن 2/ 6.
 (3) انظر: غريب القرآن و تفسيره ص 238.
 (4) شطر بيت لسلامة بن جندل، و عجزه:
         كان الصّراخ له قرع الظنابيب‏

و هو من مفضليته التي مطلعها:
         أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب             أودى، و ذلك شأو غير مطلوب‏


و هو في ديوانه ص 123، و المفضليات ص 124.

635
مفردات ألفاظ القرآن

فسد ص 636

فسد
الْفَسَادُ: خروج الشي‏ء عن الاعتدال، قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، و يضادّه الصّلاح، و يستعمل ذلك في النّفس، و البدن، و الأشياء الخارجة عن الاستقامة، يقال: فَسَدَ فَسَاداً و فُسُوداً «1»، و أَفْسَدَهُ غيره. قال تعالى: لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ‏ [المؤمنون/ 71]، لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء/ 22]، ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ [الروم/ 41]، وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ [البقرة/ 205]، وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ‏ [البقرة/ 11]، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ‏ [البقرة/ 12]، لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ‏ [البقرة/ 205]، إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها [النمل/ 34]، إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ‏ [يونس/ 81]، وَ اللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ‏ [البقرة/ 220].
فسر
 [الْفَسْرُ: إظهار المعنى المعقول، و منه قيل لما ينبئ عنه البول: تَفْسِرَةٌ، و سمّي بها قارورة الماء] «2» و التَّفْسِيرُ في المبالغة كالفسر، و التَّفْسِيرُ قد يقال فيما يختصّ بمفردات الألفاظ و غريبها، و فيما يختصّ بالتأويل، و لهذا يقال: تَفْسِيرُ الرّؤيا و تأويلها. قال تعالى: وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان/ 33].
فسق‏
فَسَقَ فلان: خرج عن حجر الشّرع، و ذلك من قولهم: فَسَقَ الرُّطَبُ، إذا خرج عن قشره «3»، و هو أعمّ من الكفر. و الْفِسْقُ يقع بالقليل من الذّنوب و بالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا، و أكثر ما يقال الْفَاسِقُ لمن التزم حكم الشّرع و أقرّ به، ثمّ أخلّ بجميع أحكامه أو ببعضه، و إذا قيل للكافر الأصليّ: فَاسِقٌ، فلأنّه أخلّ بحكم ما ألزمه العقل و اقتضته الفطرة، قال اللّه تعالى: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ‏ [الكهف/ 50]، فَفَسَقُوا فِيها [الإسراء/ 16]، وَ أَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ‏ [آل عمران/ 110]، وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ‏ [النور/ 4]، أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً [السجدة/ 18]، وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ‏ [النور/ 55]، أي: من يستر نعمة اللّه فقد خرج عن طاعته، وَ أَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ [السجدة/ 20]، وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ‏ [الأنعام/ 49]، وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ* [المائدة/ 108]، إِنَّ الْمُنافِقِينَ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 4/ 18.
 (2) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 2/ 148.
 (3) و هذا قول الفرّاء. انظر تفسير الرازي 2/ 147.

636
مفردات ألفاظ القرآن

فسق ص 636

هُمُ الْفاسِقُونَ‏ [التوبة/ 67]، كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا [يونس/ 33]، أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً [السجدة/ 18]، فقابل به الإيمان. فالفاسق أعمّ من الكافر، و الظالم أعمّ من الفاسق. وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ إلى قوله: وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ‏ «1» و سمّيت الفأرة فُوَيْسِقَةً لما اعتقد فيها من الخبث و الفسق. و قيل: لخروجها من بيتها مرّة بعد أخرى. و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:
 (اقْتُلُوا الْفُوَيْسِقَةَ فَإِنَّهَا تُوهِي السِّقَاءَ وَ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ) «2».
قال ابن الأعرابيّ: لم يسمع الْفَاسِقُ في وصف الإنسان في كلام العرب، و إنما قالوا: فَسَقَتِ الرّطبة عن قشرها «3».
فشل‏
الْفَشَلُ: ضعف مع جبن. قال تعالى: حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ‏ [آل عمران/ 152]، فَتَفْشَلُوا وَ تَذْهَبَ رِيحُكُمْ‏ [الأنفال/ 46]، لَفَشِلْتُمْ وَ لَتَنازَعْتُمْ‏ [الأنفال/ 43]، و تَفَشَّلَ الماء:
سال.
فصح‏
 [الْفَصْحُ: خلوص الشي‏ء مما يشوبه. و أصله في اللّبن، يقال: فَصَّحَ اللّبن و أَفْصَحَ «4»، فهو مُفْصِحٌ و فَصِيحٌ: إذا تعرّى من الرّغوة، و قد روي:
352-
         و تحت الرّغوة اللّبن الْفَصِيحُ «5»
و منه استعير: فَصُحَ الرّجل: جادت لغته، و أَفْصَحَ: تكلّم بالعربيّة، و قيل بالعكس، و الأوّل أصحّ‏] «6». و قيل: الْفَصِيحُ: الذي ينطق، و الأعجميّ: الذي لا ينطق، قال: وَ أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً [القصص/ 34]، و عن هذا استعير: أَفْصَحَ الصّبحُ: إذا بدا ضوؤه، و أَفْصَحَ النصارى: جاء فصْحُهُمْ، أي: عيدهم.
__________________________________________________
 (1) الآية: و الّذين يرمون المحصنات ثمّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبدا و أولئك هم الفاسقون سورة النور: آية 4.
 (2) في البخاري: عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «خمّروا الآنية، و أجيفوا الأبواب، و أطفئوا المصابيح، فإنّ الفويسقة ربّما جرّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت». انظر: فتح الباري 11/ 85 باب: لا تترك النار عند النوم.
 (3) قال ابن الأعرابي: و لم يسمع في كلام الجاهلية في شعر و لا كلام فاسق. قال: و هذا عجب: هو كلام عربيّ و لم يأت في شعر جاهلي. انظر: المجمل 3/ 721، و غلّطه السمين في عمدة الحفاظ: فسق، لكنه لم يذكر مثالا على استعمالهم.
 (4) انظر: الأفعال 4/ 30، و القاموس. فصح.
 (5) هذا عجز بيت، و صدره:
         و لم يخشوا مصالته عليهم‏

و اختلف في نسبته فقيل لأبي محجن الثقفي، و قيل: لنضلة السلمي، و نسبه ابن دريد للحارث. انظر: البيان و التبيين 3/ 338، و اللسان (فصح)، و المجمل 3/ 722، و الجمهرة 2/ 163، و المزهر 1/ 184.
 (6) ما بين [] نقله السيوطي في المزهر 1/ 184.

637
مفردات ألفاظ القرآن

فصل ص 638

فصل‏
الْفَصْلُ: إبانة أحد الشّيئين من الآخر: حتى يكون بينهما فرجة، و منه قيل: الْمَفَاصِلُ، الواحد مَفْصِلٌ، و فَصَلْتُ الشاة: قطعت مفاصلها، و فَصَلَ القوم عن مكان كذا، و انْفَصَلُوا: فارقوه.
قال تعالى: وَ لَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قالَ أَبُوهُمْ‏ [يوسف/ 94]، و يستعمل ذلك في الأفعال و الأقوال نحو قوله: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ‏ [الدخان/ 40]، هذا يَوْمُ الْفَصْلِ* [الصافات/ 21]، أي: اليوم يبيّن الحقّ من الباطل، و يَفْصِلُ بين الناس بالحكم، و على ذلك قوله: يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ* [الحج/ 17]، وَ هُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ‏ [الأنعام/ 57].
و فَصْلُ الخطاب: ما فيه قطع الحكم، و حكم فَيْصَلٌ، و لسان مِفْصَلٌ. قال: وَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا [الإسراء/ 12]، الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود/ 1]، إشارة إلى ما قال: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً [النحل/ 89]. و فَصِيلَةُ الرّجل: عشيرته الْمُنْفَصِلَةُ عنه، قال: وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ‏ [المعارج/ 13]، و الْفِصَالُ:
التّفريق بين الصّبيّ و الرّضاع، قال: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما [البقرة/ 233]، وَ فِصالُهُ فِي عامَيْنِ‏ [لقمان/ 14]، و منه:
الْفَصِيلُ، لكن اختصّ بالحُوَارِ، و الْمُفَصَّلُ من القرآن، السّبع الأخير «1»، و ذلك للفصل بين القصص بالسّور القصار، و الْفَوَاصِلُ: أواخر الآي، و فَوَاصِلُ القلادة: شذر يفصل به بينها، و قيل: الْفَصِيلُ: حائط دون سور المدينة «2»، و
فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فَاصِلَةً فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَذَا» «3».
أي: نفقة تَفْصِلُ بين الكفر و الإيمان.
فض‏
الْفَضُّ: كسر الشي‏ء و التّفريق بين بعضه و بعضه، كفَضِّ ختم الكتاب، و عنه استعير:
انْفَضَّ القومُ. قال اللّه تعالى: وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الجمعة/ 11]، لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏ [آل عمران/ 159]، و الْفِضَّةُ
__________________________________________________
 (1) المفصّل في القرآن من الحجرات إلى الناس، و قيل غير ذلك. انظر: البصائر 4/ 194.
 (2) انظر: المجمل 3/ 722، و البصائر 4/ 194.
 (3) الحديث عن أبي عبيدة قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «من أنفق نفقة فاصلة في سبيل اللّه فبسبعمائة، و من أنفق على نفسه و أهله و عاد مريضا أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثالها و الصوم جنة ما لم يخرقها، و من ابتلاه في جسده فهو له حطة» أخرجه أحمد 1/ 195، قال الهيثمي: و فيه بشار بن أبي سيف و لم أر من وثقه و لا جرحه، و بقية رجاله ثقات. مجمع الزوائد 2/ 303. قلت: و له طريق آخر عند أحمد. انظر: المسند 1/ 196، و قال ابن حجر:
بشار بن أبي سيف مقبول. انظر: تقريب التهذيب ص 122.

638
مفردات ألفاظ القرآن

فض ص 638

اختصّت بأدون المتعامل بها من الجواهر، و درع فَضْفَاضَةٌ، و فَضْفَاضٌ: واسعة.
فضل‏
الْفَضْلُ: الزّيادة عن الاقتصاد، و ذلك ضربان: محمود: كفضل العلم و الحلم، و مذموم: كفضل الغضب على ما يجب أن يكون عليه. و الْفَضْلُ في المحمود أكثر استعمالا، و الْفُضُولُ في المذموم، و الْفَضْلُ إذا استعمل لزيادة أحد الشّيئين على الآخر فعلى ثلاثة أضرب:
فضل من حيث الجنس، كفضل جنس الحيوان على جنس النّبات.
و فضل من حيث النّوع، كفضل الإنسان على غيره من الحيوان، و على هذا النحو قوله:
وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ [الإسراء/ 70]، إلى قوله: تَفْضِيلًا «1».
و فضل من حيث الذّات، كفضل رجل على آخر. فالأوّلان جوهريّان لا سبيل للناقص فيهما أن يزيل نقصه و أن يستفيد الفضل، كالفرس و الحمار لا يمكنهما أن يكتسبا الفضيلة التي خصّ بها الإنسان، و الفضل الثالث قد يكون عرضيّا فيوجد السّبيل على اكتسابه، و من هذا النّوع التّفضيل المذكور في قوله: وَ اللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى‏ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ‏ [النحل/ 71]، لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ‏ [الإسراء/ 12]، يعني: المال و ما يكتسب، و قوله:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ [النساء/ 34]، فإنه يعني بما خصّ به الرّجل من الفضيلة الذّاتيّة له، و الفضل الذي أعطيه من المكنة و المال و الجاه و القوّة، و قال: وَ لَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى‏ بَعْضٍ‏ [الإسراء/ 55]، فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ‏ [النساء/ 95]، و كلّ عطيّة لا تلزم من يعطي يقال لها: فَضْلٌ.
نحو قوله: وَ سْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏ [النساء/ 32]، ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ* [المائدة/ 54]، ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ* [آل عمران/ 74]، و على هذا قوله: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ‏ [يونس/ 58]، وَ لَوْ لا فَضْلُ اللَّهِ* [النساء/ 83].
فضا
الْفَضَاءُ: المكان الواسع، و منه: أَفْضَى بيده إلى كذا، و أَفْضَى إلى امرأته: في الكناية أبلغ، و أقرب إلى التّصريح من قولهم: خلا بها. قال تعالى: وَ قَدْ أَفْضى‏ بَعْضُكُمْ إِلى‏ بَعْضٍ‏ [النساء/ 21]. و قول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) الآية: و لقد كرّمنا بني آدم و حملناهم في البرّ و البحر و رزقناهم من الطّيّبات، و فضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلا سورة الإسراء: آية 70.

639
مفردات ألفاظ القرآن

فضا ص 639

353-
         طعامهم فَوْضَى فَضًا في رحالهم «1»
أي: مباح، كأنّه موضوع في فضاء يَفِيضُ فيه من يريده.
فطر
أصل الْفَطْرِ: الشّقُّ طولا، يقال: فَطَرَ فلان كذا فَطْراً، و أَفْطَرَ هو فُطُوراً، و انْفَطَرَ انْفِطَاراً. قال تعالى: هَلْ تَرى‏ مِنْ فُطُورٍ [الملك/ 3]، أي: اختلال و وهي فيه، و ذلك قد يكون على سبيل الفساد، و قد يكون على سبيل الصّلاح قال: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا [المزمل/ 18]. و فَطَرْتُ الشاة: حلبتها بإصبعين، و فَطَرْتُ العجين: إذا عجنته فخبزته من وقته، و منه: الْفِطْرَةُ. و فَطْرُ اللّه الخلق، و هو إيجاده الشي‏ء و إبداعه على هيئة مترشّحة لفعل من الأفعال، فقوله: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم/ 30]، فإشارة منه تعالى إلى ما فَطَرَ. أي: أبدع و ركز في النّاس من معرفته تعالى، و فِطْرَةُ اللّه: هي ما ركز فيه من قوّته على معرفة الإيمان، و هو المشار إليه بقوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف/ 87]، و قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [فاطر/ 1]، و قال: الَّذِي فَطَرَهُنَ‏ [الأنبياء/ 56]، وَ الَّذِي فَطَرَنا [طه/ 72]، أي: أبدعنا و أوجدنا. يصحّ أن يكون الِانْفِطَارُ في قوله: السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ‏ [المزمل/ 18]، إشارة إلى قبول ما أبدعها و أفاضه علينا منه. و الْفِطْرُ: ترك الصّوم. يقال:
فَطَرْتُهُ، و أَفْطَرْتُهُ، و أَفْطَرَ هو «2»، و قيل للكمأة:
فُطْرٌ، من حيث إنّها تَفْطِرُ الأرض فتخرج منها.
فظ
الْفَظُّ: الكريه الخلق، مستعار من الْفَظِّ، أي:
ماء الكرش، و ذلك مكروه شربه لا يتناول إلّا في أشدّ ضرورة. قال تعالى: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ‏ [آل عمران/ 159].
فعل‏
الْفِعْلُ: التأثير من جهة مؤثّر، و هو عامّ لما كان بإجادة أو غير إجادة، و لما كان بعلم أو غير علم، و قصد أو غير قصد، و لما كان من الإنسان و الحيوان و الجمادات، و العمل مثله، و الصّنع أخصّ منهما كما تقدّم ذكرهما «3»، قال: وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ‏ [البقرة/ 197]،
__________________________________________________
 (1) هذا شطر بيت للمعذّل البكري، و عجزه:
          [و لا يحسنون السّرّ إلا تناديا]

 [استدراك‏] و هو في اللسان (فضا)، و غريب الحديث للخطابي 2/ 531 و لم ينسبه المحقق، و شرح الحماسة 4/ 136.
 (2) انظر: الأفعال 4/ 12.
 (3) تقدّم في مادة (عمل)، و مادة (صنع).

640
مفردات ألفاظ القرآن

فعل ص 640

وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَ ظُلْماً [النساء/ 30]، يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ‏ [المائدة/ 67]، أي: إن لم تبلّغ هذا الأمر فأنت في حكم من لم يبلّغ شيئا بوجه، و الذي من جهة الْفَاعِلِ يقال له: مَفْعُولٌ و مُنْفَعِلٌ، و قد فصل بعضهم بين المفعول و المنفعل، فقال: الْمَفْعُولُ يقال إذا اعتبر بفعل الفاعل، و الْمُنْفَعِلُ إذا اعتبر قبول الفعل في نفسه، قال: فَالْمَفْعُولُ أعمّ من المنفعل، لأنّ الْمُنْفَعِلُ يقال لما لا يقصد الْفَاعِلُ إلى إيجاده و إن تولّد منه، كحمرة اللّون من خجل يعتري من رؤية إنسان، و الطّرب الحاصل عن الغناء، و تحرّك العاشق لرؤية معشوقه. و قيل لكلّ فِعْلٍ: انْفِعَالٌ إلّا للإبداع الذي هو من اللّه تعالى، فذلك هو إيجاد عن عدم لا في عرض و في جوهر بل ذلك هو إيجاد الجوهر.
فقد
الْفَقْدُ: عدم الشي‏ء بعد وجوده، فهو أخصّ من العدم، لأن العدم يقال فيه و فيما لم يوجد بعد. قال تعالى: ما ذا تَفْقِدُونَ* قالُوا: نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ‏ [يوسف/ 71- 72]. و التَّفَقُّدُ: التّعهّد لكن حقيقة التّفقّد: تعرّف فِقْدَانِ الشي‏ء، و التّعهّد: تعرّف العهد المتقدّم، قال: وَ تَفَقَّدَ الطَّيْرَ [النمل/ 20]، و الْفَاقِدُ: المرأة التي تَفْقِدُ ولدَهَا، أو بعلَهَا.
فقر
الْفَقْرُ يستعمل على أربعة أوجه:
الأوّل: وجود الحاجة الضّرورية، و ذلك عامّ للإنسان ما دام في دار الدّنيا بل عامّ للموجودات كلّها، و على هذا قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ‏ [فاطر/ 15]، و إلى هذا الْفَقْرِ أشار بقوله في وصف الإنسان: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ [الأنبياء/ 8].
و الثاني: عدم المقتنيات، و هو المذكور في قوله: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا [البقرة/ 273]، إلى قوله: مِنَ التَّعَفُّفِ [البقرة/ 273]، إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏ [النور/ 32]. و قوله: إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ‏ [التوبة/ 60].
الثالث: فَقْرُ النّفس، و هو الشّره المعنيّ‏
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْراً» «1».
و هو المقابل‏
بِقَوْلِهِ: «الْغِنَى غِنًى‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أنس قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «كاد الحسد أن يغلب القدر، و كاد الفقر أن يكون كفرا» أخرجه أبو نعيم في الحلية 3/ 53، و ابن عديّ في الكامل 7/ 2692. و هو ضعيف، و فيه يحيى بن اليمان العجليّ الكوفيّ سريع النّسيان، و حديثه خطأ عن الثّوريّ.

641
مفردات ألفاظ القرآن

فقر ص 641

النَّفْسِ» «1».
و المعنيّ بقولهم: من عدم القناعة لم يفده المال غنى.
الرابع: الْفَقْرُ إلى اللّه المشار إليه‏
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: (اللَّهُمَّ أَغْنِنِي بِالافْتِقَارِ إِلَيْكَ، وَ لَا تُفْقِرْنِي بِالاسْتِغْنَاءِ عَنْكَ) «2».
و إيّاه عني بقوله تعالى: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص/ 24]، و بهذا ألمّ الشاعر فقال:
354-
         و يعجبني فَقْرِي إليك و لم يكن             ليعجبني لو لا محبّتك الْفَقْرُ «3»

و يقال: افْتَقَرَ فهو مُفْتَقِرٌ و فَقِيرٌ، و لا يكاد يقال:
فَقَرَ، و إن كان القياس يقتضيه. و أصل الْفَقِيرِ: هو المكسورُ الْفِقَارِ، يقال: فَقَرَتْهُ فَاقِرَةٌ، أي داهية تكسر الفِقَارَ، و أَفْقَرَكَ الصّيدُ فارمه، أي: أمكنك من فِقَارِهِ، و قيل: هو من الْفُقْرَةِ أي: الحفرة، و منه قيل لكلّ حفيرة يجتمع فيها الماء: فَقِيرٌ، و فَقَّرْتُ للفسيل: حفرت له حفيرة غرسته فيها، قال الشاعر:
355-
         ما ليلة الْفَقِيرِ إلّا شيطان «4»

فقيل: هو اسم بئر، و فَقَرْتُ الخَرَزَ: ثقبته، و أَفْقَرْتُ البعير: ثقبت خطمه.
فقع‏
يقال: أصفر فَاقِعٌ: إذا كان صادق الصّفرة، كقولهم: أسود حالك. قال تعالى: صَفْراءُ فاقِعٌ [البقرة/ 69]، و الْفَقْعُ: ضرب من الكمأة، و به يشبّه الذّليل، فيقال: أذلّ من فَقْعٍ بقاع «5»، قال الخليل «6»: سمّي الْفُقَّاعُ لما يرتفع من زبده، و فَقَاقِيعُ الماء تشبيها به.
فقه‏
الْفِقْهُ: هو التّوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخصّ من العلم. قال تعالى: فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً [النساء/ 78]، وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ‏ [المنافقون/ 7]، إلى غير ذلك من الآيات، و الْفِقْهُ: العلم بأحكام الشريعة، يقال: فَقُهَ الرّجل فَقَاهَةً: إذا صار فَقِيهاً «7»، و فَقِهَ أي: فهم‏
__________________________________________________
 (1) الحديث تقدّم في مادة (غنى). [استدراك‏].
 (2) ليس هذا من كلام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، و إنما هو من دعاء عمرو بن عبيد. انظر: جواهر الألفاظ ص 5، و مجمع البلاغة للراغب 1/ 346.
 (3) البيت في البصائر 4/ 205 دون نسبة. و هو للبحتري من قصيدة له يمدح بها الفتح بن خاقان، و مطلعها:
         متى لاح برق أو بدا طلل قفر             جرى مستهلّ لا بكيّ و لا نزر

و هو في ديوانه 1/ 102، و الصناعتين ص 128، و الزهرة 1/ 68، و عمدة الحفاظ: فقر.
 (4) هذا شطر بيت، و عجزه:
         مجنونة تؤدي بروح الإنسان‏

و هو للجليح بن شديد رفيق الشماخ. و قيل: هو للشماخ في ديوانه ص 413، و اللسان (فقر)، و المجمل 3/ 703، و الأوّل أصح، و تقدّم ص 455.
 (5) انظر: المجمل 3/ 703.
 (6) العين 1/ 176.
 (7) قال السرقسطي: فقهت عنك فقها: فهمت، و فقه فقها: صار فقيها، و فقهت الرجل: غلبته في الفقه. انظر: الأفعال 4/ 48، و المثلث للبطليوسي 2/ 344.

642
مفردات ألفاظ القرآن

فقه ص 642

فَقَهاً، و فَقِهَهُ أي: فهمه، و تَفَقَّهَ: إذا طلبه فتخصّص به. قال تعالى: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ‏ [التوبة/ 122].
فكك‏
الْفَكَكُ: التّفريج، و فَكُّ الرّهن: تخليصه، و فَكُّ الرّقبة: عتقها. و قوله: فَكُّ رَقَبَةٍ [البلد/ 13]، قيل: هو عتق المملوك «1»، و قيل: بل هو عتق الإنسان نفسه من عذاب اللّه بالكلم الطيّب و العمل الصّالح، و فكّ غيره بما يفيده من ذلك، و الثاني يحصل للإنسان بعد حصول الأوّل، فإنّ من لم يهتد فليس في قوّته أن يهدي كما بيّنت في (مكارم الشّريعة) «2»، و الْفَكَكُ: انفراج المنكب عن مفصله ضعفا، و الْفَكَّانِ: ملتقى الشّدقين. و قوله: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ‏ [البينة/ 1]، أي: لم يكونوا متفرّقين بل كانوا كلّهم على الضّلال، كقوله: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً ... الآية [البقرة/ 213]، و (ما انْفَكَّ) يفعل كذا، نحو: ما زال يفعل كذا.
فكر
الْفِكْرَةُ: قوّة مطرقة للعلم إلى المعلوم، و التَّفَكُّرُ: جولان تلك القوّة بحسب نظر العقل، و ذلك للإنسان دون الحيوان، و لا يقال إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب، و لهذا
رُوِيَ: «تَفَكَّرُوا فِي آلَاءِ اللَّهِ وَ لَا تَفَكَّرُوا فِي اللَّهِ» «3».
إذ كان اللّه منزّها أن يوصف بصورة. قال تعالى:
أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ‏ [الروم/ 8]، أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ [الأعراف/ 184]، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* [الرعد/ 3]، يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ [البقرة/ 219- 220]. و رجل فَكِيرٌ: كثير الْفِكْرَةُ، قال بعض الأدباء: الْفِكْرُ مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني، و هو فرك الأمور و بحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها.
فكه‏
الْفَاكِهَةُ قيل: هي الثّمار كلها، و قيل: بل هي الثّمار ما عدا العنب و الرّمّان «4». و قائل هذا كأنه نظر إلى اختصاصهما بالذّكر، و عطفهما على الفاكهة. قال تعالى: وَ فاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ‏ [الواقعة/ 20]، وَ فاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ [الواقعة/
__________________________________________________
 (1) و هو مرويّ عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم. انظر: الدر المنثور 8/ 524.
 (2) راجع الذريعة ص 26، باب: السياسة التي يستحق بها خلافة اللّه تعالى.
 (3) الحديث تقدّم في مادة (أله).
 (4) و هذا قول أبي حنيفة، و قد قال: إذا حلف لا يأكل الفاكهة فأكل رمانا أو رطبا لم يحنث، و استدلّ بقوله تعالى:
فيهما فاكهة و نخل و رمّان، و خالفه صاحباه. انظر: روح المعاني 27/ 122.

643
مفردات ألفاظ القرآن

فكه ص 643

32]، وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا [عبس/ 31]، فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ‏ [الصافات/ 42]، وَ فَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ [المرسلات/ 42]، و الْفُكَاهَةُ:
حديث ذوي الأنس، و قوله: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ‏ «1» قيل: تتعاطون الْفُكَاهَةَ، و قيل:
تتناولون الْفَاكِهَةَ. و كذلك قوله: فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ‏ [الطور/ 18].
فلح‏
الْفَلَحُ: الشّقّ، و قيل: الحديد بالحديد يُفْلَحُ «2»
، أي: يشقّ. و الْفَلَّاحُ: الأكّار لذلك، و الْفَلَاحُ: الظَّفَرُ و إدراك بغية، و ذلك ضربان:
دنيويّ و أخرويّ، فالدّنيويّ: الظّفر بالسّعادات التي تطيب بها حياة الدّنيا، و هو البقاء و الغنى و العزّ، و إيّاه قصد الشاعر بقوله:
356-
         أَفْلِحْ بما شئت فقد يدرك بال             ضعف و قد يخدّع الأريب «3»

و فَلَاحٌ أخرويّ، و ذلك أربعة أشياء: بقاء بلا فناء، و غنى بلا فقر، و عزّ بلا ذلّ، و علم بلا جهل. و لذلك‏
قِيلَ:
          «لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ» «4».

و قال تعالى:
وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت/ 64]، أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ‏ [المجادلة/ 22]، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى‏ [الأعلى/ 14]، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها [الشمس/ 9]، قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ‏ [المؤمنون/ 1]، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* [البقرة/ 189]، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ* [المؤمنون/ 117]، فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* [الحشر/ 9]، و قوله: وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى‏ [طه/ 64]، فيصحّ أنهم قصدوا به الفلاح الدّنيويّ، و هو الأقرب، و سمّي السّحور الْفَلَاحَ، و يقال: إنه سمّي بذلك لقولهم عنده: حيّ على الفلاح، و قولهم في الأذان: (حي على الْفَلَاحِ) أي: على الظّفر الذي جعله اللّه لنا بالصلاة، و على هذا
قَوْلُهُ (حَتَّى خِفْنَا أَنْ يَفُوتَنَا الْفَلَاحُ) «5».
أي: الظّفر الذي جعل لنا بصلاة العتمة.
__________________________________________________
 (1) سورة الواقعة: آية 65. و القول الأصلح في الآية أنها بمعنى تتندمون أو تعجبون، لأنّ أوّل الآية: لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكّهون.
 (2) انظر: المجمل 3/ 705، و اللسان (فلح)، و الأمثال ص 96.
 (3) البيت لعبيد بن الأبرص، من قصيدة له مطلعها:
         أقفر من أهله ملحوب             فالقطبيّات فالذّنوب‏

و هو في ديوانه ص 26، و تفسير القرطبي 1/ 182.
 (4) الحديث عن أنس بن مالك قال: قالت الأنصار يوم الخندق:
         نحن الذين بايعوا محمدا             على الجهاد ما بقينا أبدا

فأجابهم النبي صلّى اللّه عليه و سلم:
         لا عيش إلا عيش الآخرة،             فأكرم الأنصار و المهاجرة».

أخرجه البخاري في فضائل الصحابة 7/ 90، و مسلم برقم 1805، و أحمد 3/ 170.
 (5) شطر من حديث و فيه: «فجمع نساءه و أهله و اجتمع الناس، قال: فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح. قيل: و ما.

644
مفردات ألفاظ القرآن

فلق ص 645

فلق‏
الْفَلْقُ: شقّ الشي‏ء و إبانة بعضه عن بعض.
يقال: فَلَقْتُهُ فَانْفَلَقَ. قال تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ‏ [الأنعام/ 96]، إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى‏ [الأنعام/ 95]، فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏ [الشعراء/ 63]، و قيل للمطمئنّ من الأرض بين ربوتين: فَلَقٌ، و قوله: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ‏ [الفلق/ 1]، أي: الصّبح، و قيل: الأنهار المذكورة في قوله: أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً [النمل/ 61]، و قيل: هو الكلمة التي علّم اللّه تعالى موسى فَفَلَقَ بها البحر، و الْفِلْقُ: الْمَفْلُوقُ، كالنّقض و النّكث للمنقوض و المنكوث، و قيل الْفِلْقُ: العجب، و الْفَيْلَقُ كذلك، و الْفَلِيقُ و الْفَالِقُ: ما بين الجبلين و ما بين السّنامين من ظهر البعير.
فلك‏
الْفُلْكُ: السّفينة، و يستعمل ذلك للواحد و الجمع، و تقديراهما مختلفان، فإنّ الْفُلْكَ إن كان واحدا كان كبناء قفل، و إن كان جمعا فكبناء حمر.
قال تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ‏ [يونس/ 22]، وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ [البقرة/ 164]، وَ تَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ [فاطر/ 12]، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ‏ [الزخرف/ 12]. و الْفَلَكُ: مجرى الكواكب، و تسميته بذلك لكونه كالفلك، قال: وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏ [يس/ 40]. و فَلْكَةُ المِغْزَلِ، و منه اشتقّ: فَلَّكَ ثديُ المرأة «1»، و فَلَكْتُ الجديَ: إذا جعلت في لسانه مثل فَلْكَةٍ يمنعه عن الرّضاع.
فلن‏
فُلَانٌ و فُلَانَةُ: كنايتان عن الإنسان، و الْفُلَانُ و الْفُلَانَةُ: كنايتان عن الحيوانات، قال: يا وَيْلَتى‏ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا [الفرقان/ 28]، تنبيها أنّ كلّ إنسان يندم على من خالَّه و صاحَبَهُ في تحرّي باطل، فيقول: ليتني لم أخالّه، و ذلك إشارة إلى ما قال:
الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف/ 67].
فنن‏
الْفَنَنُ: الغصن الغضّ الورق، و جمعه أَفْنَانٌ، و يقال ذلك للنّوع من الشي‏ء، و جمعه فُنُونٌ، و قوله:
ذَواتا أَفْنانٍ‏ [الرحمن/ 48]، أي: ذواتا غصون «2» و قيل: ذواتا ألوان مختلفة.
__________________________________________________
الفلاح؟ قال: السحور. قال: ثم لم يقم بنا شيئا من بقية الشهر».
أخرجه أبو داود برقم (1375)، و ابن ماجة 1/ 420، و النسائي 3/ 83: باب من صلّى مع الإمام حتى ينصرف، و أحمد 5/ 160.
 (1) قال في المجمل: فلّك ثدي المرأة: إذا استدار. المجمل 3/ 706.
 (2) مجاز القرآن 2/ 245.

645
مفردات ألفاظ القرآن

فند ص 646

فند
التَّفْنِيدُ: نسبة الإنسان إلى الْفَنَدِ، و هو ضعف الرّأي. قال تعالى: لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ‏ [يوسف/ 94]، قيل: أن تلوموني «1»، و حقيقته ما ذكرت، و الْإِفْنَادُ: أن يظهر من الإنسان ذلك، و الْفِنْدُ: شمراخ الجبل، و به سمّي الرّجل فِنْداً.
فهم‏
الْفَهْمُ: هيئة للإنسان بها يتحقّق معاني ما يحسن، يقال: فَهِمْتُ كذا، و قوله: فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ‏ [الأنبياء/ 79]، و ذلك إمّا بأن جعل اللّه له من فضل قوّة الفهم ما أدرك به ذلك، و إمّا بأن ألقى ذلك في روعه، أو بأن أوحى إليه و خصّه به، و أَفْهَمْتُهُ:
إذا قلت له حتى تصوّره، و الِاسْتِفْهَامُ: أن يطلب من غيره أن يُفَهِّمَهُ.
فوت‏
الْفَوْتُ: بُعْدُ الشي‏ء عن الإنسان بحيث يتعذّر إدراكه، قال: وَ إِنْ فاتَكُمْ شَيْ‏ءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ [الممتحنة/ 11]، و قال: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى‏ ما فاتَكُمْ‏ [الحديد/ 23]، وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ‏ [سبأ/ 51]، أي: لا يَفُوتُونَ ما فزعوا منه، و يقال: هو منّي فَوْتَ الرّمح «2»، أي: حيث لا يدركه الرّمح، و جعل اللّه رزقه فَوْتَ فمه. أي:
حيث يراه و لا يصل إليه فمه، و الِافْتِيَاتُ: افتعال منه، و هو أن يفعل الإنسان الشي‏ء من دون ائتمار من حقّه أن يؤتمر فيه، و التَّفَاوُتُ: الاختلاف في الأوصاف، كأنه يُفَوِّتُ وصف أحدهما الآخر، أو وصف كلّ واحد منهما الآخر. قال تعالى: ما تَرى‏ فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ‏ [الملك/ 3]، أي: ليس فيها ما يخرج عن مقتضى الحكمة.
فوج‏
الْفَوْجُ: الجماعة المارّة المسرعة، و جمعه أَفْوَاجٌ. قال تعالى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ‏ [الملك/ 8]، هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ‏ [ص/ 59]، فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً [النصر/ 2].
فأد
الْفُؤَادُ كالقلب لكن يقال له: فُؤَادٌ إذا اعتبر فيه معنى التَّفَؤُّدِ، أي: التّوقّد، يقال: فَأَدْتُ اللّحمَ: شَوَيْتُهُ، و لحم فَئِيدٌ: مشويٌّ. قال تعالى: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ [النجم/ 11]، إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ [الإسراء/ 36]، و جمع الفؤاد: أَفْئِدَةٌ.
قال: فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ‏ [إبراهيم/ 37]، وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ* [الملك/ 23]، وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم/ 43]، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة/ 6- 7]. و تخصيص الأفئدة تنبيه على فرط تأثير له «3»، و ما بعد هذا الكتاب من الكتب‏
__________________________________________________
 (1) مجاز القرآن 1/ 318.
 (2) انظر: المجمل 3/ 707.
 (3) قال البرهان البقاعي: و خصّ بالذكر لأنه ألطف ما في البدن، و أشده تألما بأدنى شي‏ء من الأذى، و لأنه منشأ العقائد.

646
مفردات ألفاظ القرآن

فأد ص 646

في علم القرآن موضع ذكره.
فور
الْفَوْرُ: شِدَّةُ الغَلَيَانِ، و يقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت، و في القدر، و في الغضب نحو: وَ هِيَ تَفُورُ [الملك/ 7]، وَ فارَ التَّنُّورُ* [هود/ 40]، قال الشاعر:
357-
         و لا العرق فَارَا «1»


و يقال: فَارَ فلان من الحمّى يَفُورُ، و الْفَوَّارَةُ:
ما تقذف به القدر من فَوَرَانِهِ، و فَوَّارَةُ الماء سمّيت تشبيها بغليان القدر، و يقال: فعلت كذا من فَوْرِي، أي: غليان الحال، و قيل: سكون الأمر.
قال تعالى: وَ يَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا [آل عمران/ 125]، و الْفَارُ جمعه فِيرَانٌ، و فَأْرَةُ المسك تشبيها بها في الهيئة، و مكان فَئِرٌ: فيه الفأر.
فوز
الْفَوْزُ: الظّفر بالخير مع حصول السّلامة.
قال تعالى: ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ [البروج/ 11]، فازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب/ 71]، ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ‏ [الجاثية/ 30]، و في أخرى الْعَظِيمُ* «2» أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ* [التوبة/ 20]، و الْمَفَازَةُ قيل: سمّيت تفاؤلا لِلْفَوْزِ، و سمّيت بذلك إذا وصل بها إلى الْفَوْزِ، فإنّ الفقر كما يكون سببا للهلاك فقد يكون سببا للفوز، فيسمّى بكلّ واحد منهما حسبما يتصوّر منه و يعرض فيه، و قال بعضهم: سمّيت مَفَازَةً من قولهم: فَوَّزَ الرّجل: إذا هلك «3»، فإن يكن فوّز بمعنى هلك صحيحا فذلك راجع إلى الفوز تصوّرا لمن مات بأنه نجا من حبالة الدّنيا، فالموت- و إن كان من وجه هلكا- فمن وجه فَوْزٌ، و لذلك قيل: ما أحد إلّا و الموت خير له «4»، هذا إذا اعتبر بحال الدّنيا، فأما إذا اعتبر بحال الآخرة فيما يصل إليه من النّعيم فهو الفوز الكبير: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ [آل عمران/ 185]، و قوله: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ‏ [آل عمران/ 188]، فهي مصدر فَازَ، و الاسم الْفَوْزُ، أي: لا تحسبنّهم يَفُوزُونَ و يتخلّصون من العذاب.
و قوله: إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً [النبأ/ 31]، أي:
__________________________________________________
الفاسدة، و معدن حبّ المال الذي هو منشأ الفساد و الضلال، و عنه تصدر الأفعال القبيحة. انظر: نظم الدرر 22/ 248.
 (1) البيت:
         لها رسغ أيّد مكرب             فلا العظم واه و لا العرق فارا


و هو لعوف بن الخرع يصف قوسا. و البيت في اللسان (فور)، و المفضليات ص 414، و مطلع القصيدة:
         أ من آل ميّ عرفت الديارا             بحيث الشقيق خلاء قفارا.


 (2) و ذلك هو الفوز العظيم* سورة غافر: آية 9.
 (3) انظر: المجمل 3/ 707.
 (4) قال بعض السلف: ما من أحد، إلا و الموت خير له من الحياة، لأنّه إن كان محسنا فاللّه تعالى يقول: و ما عند اللّه خير و أبقى*، و إن كان مسيئا فاللّه تعالى يقول: إنّما نملي لهم ليزدادوا إثما. تحسين القبيح ص 72.

647
مفردات ألفاظ القرآن

فوز ص 647

فَوْزاً، أي: مكان فوز، ثم فسّر فقال: حَدائِقَ وَ أَعْناباً ... الآية [النبأ/ 32]، و قوله: وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ إلى قوله فَوْزاً عَظِيماً
 «1» أي: يحرصون على أغراض الدنيا، و يعدّون ما ينالونه من الغنيمة فوزا عظيما.
فوض‏
قال تعالى: وَ أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ‏
 [غافر/ 44]، أردّه إليه، و أصله من قولهم:
مالهم فَوْضَى بينهم قال الشاعر:
358-
         طعامهم فَوْضَى فضا في رحالهم «2»


و منه: شركة الْمُفَاوَضَةِ.
فيض‏
فَاضَ الماء: إذا سال منصبّا. قال تعالى:
تَرى‏ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ‏ [المائدة/ 83]، و أَفَاضَ إناءه: إذا ملأه حتى أساله، و أَفَضْتُهُ. قال: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ [الأعراف/ 50]، و منه: فَاضَ صدرُهُ بالسّرّ.
أي: سال، و رجل فَيَّاضٌ، أي: سخيّ، و منه استعير: أَفَاضُوا في الحديث: إذا خاضوا فيه.
قال: لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ‏ [النور/ 14]، هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ‏ [الأحقاف/ 8]، إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ‏ [يونس/ 61]، و حديث مُسْتَفِيضٌ: منتشر، و الْفَيْضُ: الماء الكثير، يقال: إنه أعطاه غيضا من فَيْضٍ «3»، أي: قليلا من كثير و قوله: فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ‏ [البقرة/ 198]، و قوله: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ‏ [البقرة/ 199]، أي:
دفعتم منها بكثرة تشبيها بِفَيْضِ الماء، و أَفَاضَ بالقداح: ضرب بها، و أَفَاضَ البعير بجرّته «4»:
رمى بها، و درع مُفَاضَةٌ: أُفِيضَتْ على لابسها كقولهم: درع مسنونة، من: سننت أي: صببت.
فوق‏
فَوْقُ يستعمل في المكان، و الزمان، و الجسم، و العدد، و المنزلة، و ذلك أضرب:
الأول: باعتبار العلوّ. نحو: وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ* [البقرة/ 63]، مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ [الزمر/ 16]، وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها [فصلت/ 10]، و يقابله تحت. قال:
قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى‏ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ‏ [الأنعام/ 65].
الثاني: باعتبار الصّعود و الحدور. نحو قوله:
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏ [الأحزاب/ 10].
الثالث: يقال في العدد. نحو قوله: فَإِنْ‏
__________________________________________________
 (1) الآية: و لئن أصابكم فضل من اللّه ليقولنّ كأن لم تكن بينكم و بينه مودّة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما سورة النساء: آية 73.
 (2) الشطر تقدّم في مادة (فضى)، و هو في غريب الحديث للخطابي 2/ 531، و كشف المشكل 1/ 253.
 (3) انظر: المجمل 3/ 709، و أساس البلاغة (غيض).
 (4) انظر: المجمل 3/ 709.
                       

648
مفردات ألفاظ القرآن

فوق ص 648

كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ‏ [النساء/ 11].
الرابع: في الكبر و الصّغر مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها [البقرة/ 26]. قيل: أشار بقوله فَما فَوْقَها إلى العنكبوت المذكور في الآية، و قيل: معناه ما فوقها في الصّغر، و من قال: أراد ما دونها فإنما قصد هذا المعنى، و تصوّر بعض أهل اللّغة أنه يعني أنّ فَوْقَ يستعمل بمعنى دون فأخرج ذلك في جملة ما صنّفه من الأضداد «1»، و هذا توهّم منه.
الخامس: باعتبار الفضيلة الدّنيويّة. نحو:
وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ‏ [الزخرف/ 32]، أو الأخرويّة: وَ الَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [البقرة/ 212]، فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران/ 55].
السادس: باعتبار القهر و الغلبة. نحو قوله:
وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ* [الأنعام/ 18]، و قوله عن فرعون: وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ‏ [الأعراف/ 127]، و من فوق، قيل: فَاقَ فلان غيره يَفُوقُ: إذا علاه، و ذلك من (فَوْقِ) المستعمل في الفضيلة، و من فَوْق يشتقّ فُوقُ السّهم، و سهم أَفْوَقُ: انكسر فُوقُهُ، و الْإِفَاقَةُ:
رجوع الفهم إلى الإنسان بعد السّكر، أو الجنون، و القوّة بعد المرض، و الْإِفَاقَةُ في الحلب: رجوع الدّرّ، و كلّ درّة بعد الرّجوع يقال لها: فِيقَةٌ، و الْفُوَاقُ: ما بين الحلبتين. و قوله:
ما لَها مِنْ فَواقٍ‏ [ص/ 15]، أي: من راحة ترجع إليها، و قيل: ما لها من رجوع إلى الدّنيا.
قال أبو عبيدة «2»: (من قرأ: مِنْ فُواقٍ «3» بالضمّ فهو من فُوَاقِ الناقة. أي: ما بين الحلبتين، و قيل: هما واحد نحو: جمام و جمام) «4». و قيل: اسْتَفِقْ ناقتَكَ، أي: اتركها حتى يَفُوقَ لبنها، و فَوِّقْ فصيلَكَ، أي: اسقه ساعة بعد ساعة، و ظلّ يَتَفَوَّقُ المخض، قال الشاعر:
359-
         حتى إذا فِيقَةٌ في ضرعها اجتمعت «5»

فيل‏
الْفِيلُ معروف. جمعه فِيلَةٌ و فُيُولٌ. قال:
أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ‏ [الفيل/ 1]، و رجل فَيْلُ الرأي، و فَالُ الرأيِ،
__________________________________________________
 (1) يريد بذلك ابن الأنباري، فقد ذكر أنّ فوق من الأضداد. انظر: كتاب الأضداد ص 250.
 (2) انظر: مجاز القرآن 2/ 179.
 (3) قرأ حمزة و الكسائي و خلف بضم الفاء، و هي لغة تميم و أسد و قيس. انظر: الإتحاف 372.
 (4) يقال: جمام المكّوك دقيقا بالكسر و الضم. انظر: اللسان (جمّ).
 (5) هذا شطر بيت للأعشى، و عجزه:
         جاءت لترضع شقّ النفس لو رضعا

و هو من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي، و مطلعها:
         بانت سعاد و أمسى حبلها انقطعا             و احتلّت الغمر فالجدّين فالفرعا
و هو في ديوانه ص 107، و اللسان (فوق).

649
مفردات ألفاظ القرآن

فيل ص 649

أي: ضعيفه، و الْمُفَايَلَةُ: لعبة يخبّئون شيئا في التراب و يقسمونه و يقولون في أيّها هو، و الْفَائِلُ:
عرق في خربة الورك، أو لحم عليها.
فوم‏
الْفُومُ: الحنطة، و قيل: هي الثّوم، يقال: ثوم و فُومٌ، كقولهم: جدث و جدف «1». قال تعالى:
وَ فُومِها وَ عَدَسِها [البقرة/ 61].
فوه‏
أَفْوَاهُ جمع فَمٍ، و أصل فَمٍ فَوَهٌ، و كلّ موضع علّق اللّه تعالى حكم القول بِالْفَمِ فإشارة إلى الكذب، و تنبيه أنّ الاعتقاد لا يطابقه. نحو:
ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ‏ [الأحزاب/ 4]، و قوله: كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ‏ [الكهف/ 5]، يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَ تَأْبى‏ قُلُوبُهُمْ‏ [التوبة/ 8]، فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ‏ [إبراهيم/ 9]، مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ‏ [المائدة/ 41]، يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ‏ [آل عمران/ 167]، و من ذلك: فَوْهَةُ النّهر، كقولهم: فم النّهر، و أَفْوَاهُ الطّيب. الواحد: فُوهٌ.
فيأ
الْفَيْ‏ءُ و الْفَيْئَةُ: الرّجوع إلى حالة محمودة. قال تعالى: حَتَّى تَفِي‏ءَ إِلى‏ أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ‏ [الحجرات/ 9]، و قال: فَإِنْ فاؤُ [البقرة/ 226]، و منه: فَاءَ الظّلُّ، و الْفَيْ‏ءُ لا يقال إلّا للرّاجع منه. قال تعالى: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ‏ [النحل/ 48]. و قيل للغنيمة التي لا يلحق فيها مشقّة: فَيْ‏ءٌ، قال: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ* [الحشر/ 7]، وَ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ‏ [الأحزاب/ 50]، قال بعضهم: سمّي ذلك بِالْفَيْ‏ءِ الذي هو الظّلّ تنبيها أنّ أشرف أعراض الدّنيا يجري مجرى ظلّ زائل، قال الشاعر:
360-
         أرى المال أَفْيَاءَ الظّلال عشيّة «2»

و كما قال:
361-
         إنّما الدّنيا كظلّ زائل «3»

و الْفِئَةُ: الجماعة المتظاهرة التي يرجع بعضهم إلى بعض في التّعاضد. قال تعالى:
إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال/ 45]، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة/ 249]، فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا [آل عمران/ 13]، فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ‏ [النساء/ 88]، مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ‏ [القصص/ 81]، فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ‏ [الأنفال/ 48].
تمّ كتاب الفاء بتوفيق اللّه، و للّه الحمد و المنّة.
__________________________________________________
 (1) انظر الغريب المصنف ورقة 261 نسخة تركيا.
 (2) الشطر في تفسير الراغب ورقة 148، دون نسبة.
و عجزه:
          [يئوب و أخرى يخبل المال خابله‏]

و هو في أساس البلاغة: خبل.
 (3) شطر بيت للوزير ابن الزيّات، و عجزه:
          [نحمد اللّه كذا قدّرها]

و قبله:
         و هل الدّنيا إذا ما أقبلت             صيّرت معروفها منكرها


انظر الوافي للصفدي 4/ 33.

650
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب القاف

كتاب القاف‏
قبح‏
الْقَبِيحُ: ما ينبو عنه البصر من الأعيان، و ما تنبو عنه النّفس من الأعمال و الأحوال، و قد قَبُحَ قَبَاحَةً فهو قَبِيحٌ، و قوله تعالى: مِنَ الْمَقْبُوحِينَ‏ [القصص/ 42]، أي: من الموسومين بحالة منكرة، و ذلك إشارة إلى ما وصف اللّه تعالى به الكفّار من الرّجاسة و النجاسة إلى غير ذلك من الصّفات، و ما وصفهم به يوم القيامة من سواد الوجوه، و زرقة العيون، و سحبهم بالأغلال و السّلاسل و نحو ذلك.
يقال: قَبَحَهُ اللّه عن الخير، أي: نحّاه، و يقال لعظم الساعد، مما يلي النّصف منه إلى المرفق: قَبِيحٌ «1».
قبر
الْقَبْرُ: مقرّ الميّت، و مصدر قَبَرْتُهُ: جعلته في الْقَبْرِ، و أَقْبَرْتُهُ: جعلت له مكانا يُقْبَرُ فيه. نحو: أسقيته: جعلت له ما يسقى منه. قال تعالى: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ‏ [عبس/ 21]، قيل: معناه ألهم كيف يدفن، و الْمَقْبَرَةُ و الْمَقْبُرَةُ موضع الْقُبُورِ، و جمعها: مَقَابِرُ. قال: حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ [التكاثر/ 2]، كناية عن الموت. و قوله: إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ [العاديات/ 9]، إشارة إلى حال البعث. و قيل: إشارة إلى حين كشف السّرائر، فإنّ أحوال الإنسان ما دام في الدّنيا مستورة كأنّها مَقْبُورَةٌ، فتكون القبور على طريق الاستعارة، و قيل: معناه إذا زالت الجهالة بالموت، فكأنّ الكافر و الجاهل ما دام في الدّنيا فهو مَقْبُورٌ، فإذا مات فقد أنشر و أخرج من قبره.
أي: من جهالته، و ذلك حسبما
رُوِيَ: (الْإِنْسَانُ نَائِمٌ فَإِذَا مَاتَ انْتَبَهَ) «2».
و إلى هذا المعنى أشار بقوله: وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر/ 22]، أي: الذين هم في حكم الأموات.
__________________________________________________
 (1) انظر الغريب المصنف ورقة 4 نسخة الظاهرية.
 (2) الرواية المعروفة: (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا). قال الملا علي قاري: هو من قول عليّ كرّم اللّه وجهه. انظر:
الموضوعات الكبرى ص 250.

651
مفردات ألفاظ القرآن

قبس ص 652

قبس‏
الْقَبَسُ: المتناول من الشّعلة، قال: أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ‏ [النمل/ 7]، و الْقَبَسُ و الِاقْتِبَاسُ: طلب ذلك، ثم يستعار لطلب العلم و الهداية. قال: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ‏ [الحديد/ 13]. و أَقْبَسْتُهُ نارا أو علما: أعطيته، و الْقَبِيسُ: فحل سريع الإلقاح تشبيها بالنار في السّرعة.
قبص‏
الْقَبْصُ: التّناول بأطراف الأصابع، و المتناول بها يقال له: الْقَبْصُ و الْقَبِيصَةُ، و يعبّر عن القليل بِالْقَبِيصِ و قرئ: (فَقَبَصْتُ قَبْصَةً) «1» و الْقَبُوصُ:
الفرس الذي لا يمسّ في عدوه الأرض إلّا بسنابكه، و ذلك استعارة كاستعارة الْقَبْصِ له في العدو.
قبض‏
الْقَبْضُ: تناول الشي‏ء بجميع الكفّ. نحو:
قَبَضَ السّيفَ و غيرَهُ. قال تعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً [طه/ 96]، فَقَبْضُ اليد على الشي‏ء جمعها بعد تناوله، و قَبْضُهَا عن الشي‏ء جمعها قبل تناوله، و ذلك إمساك عنه، و منه قيل لإمساك اليد عن البذل: قَبْضٌ. قال: يَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ‏ [التوبة/ 67]، أي: يمتنعون من الإنفاق، و يستعار الْقَبْضُ لتحصيل الشي‏ء و إن لم يكن فيه مراعاة الكفّ، كقولك: قَبَضْتُ الدّار من فلان، أي: حزتها. قال: تعالى: وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر/ 67]، أي:
في حوزه حيث لا تمليك لأحد. و قوله: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً [الفرقان/ 46]، فإشارة إلى نسخ الظّلّ الشمس. و يستعار الْقَبْضُ للعدو، لتصوّر الذي يعدو بصورة المتناول من الأرض شيئا، و قوله: يَقْبِضُ وَ يَبْصُطُ [البقرة/ 245]، أي: يسلب تارة و يعطي تارة، أو يسلب قوما و يعطي قوما، أو يجمع مرّة و يفرّق أخرى، أو يميت و يحيي، و قد يكنّى بِالْقَبْضِ عن الموت، فيقال: قَبَضَهُ اللّه، و على هذا النّحو
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَ قَلْبُهُ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ» «2».
أي: اللّه قادر على تصريف أشرف جزء منه، فكيف ما دونه، و قيل: راعٍ قُبَضَةٌ: يجمع الإبلَ «3»، و الِانْقِبَاضُ: جمع الأطراف، و يستعمل في ترك التّبسّط.
__________________________________________________
 (1) سورة طه: آية 96. و هي قراءة شاذة، قرأ بها ابن الزبير و أبو العالية و قتادة.
 (2) الحديث عن النواس بن سمعان قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «ما من قلب إلا و هو بين إصبعين من أصابع ربّ العالمين، إذا شاء أن يقيمه أقامه، و إذا شاء أن يزيغه أزاغه». أخرجه أحمد 4/ 182، و إسناده صحيح.
 (3) يقال: راع قبضة: إذا كان منقبضا لا يتفسّح في رعي غنمه. انظر: الجمهرة 1/ 303، و المجمل 3/ 741.

652
مفردات ألفاظ القرآن

قبل ص 653

قبل‏
قَبْلُ يستعمل في التّقدّم المتّصل و المنفصل، و يضادّه بعد، و قيل: يستعملان في التّقدّم المتّصل، و يضادّهما دبر و دبر. هذا في الأصل و إن كان قد يتجوّز في كلّ واحد منهما.
 (فَقَبْلُ) يستعمل على أوجه:
الأوّل: في المكان بحسب الإضافة، فيقول الخارج من أصبهان إلى مكّة: بغداد قبل الكوفة، و يقول الخارج من مكّة إلى أصبهان: الكوفة قبل بغداد.
الثاني: في الزّمان نحو: زمان عبد الملك قبل المنصور، قال: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ‏ [البقرة/ 91].
الثالث: في المنزلة نحو: عبد الملك قبل الحجّاج.
الرابع: في الترتيب الصّناعيّ. نحو تعلّم الهجاء قبل تعلّم الخطّ، و قوله: ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ [الأنبياء/ 6]، و قوله: قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَ قَبْلَ غُرُوبِها [طه/ 130]، قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ‏ [النمل/ 39]، أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ‏ [الحديد/ 16]، فكلّ إشارة إلى التّقدّم الزّمانيّ. و الْقُبُلُ و الدّبر يكنّى بهما عن السّوأتين، و الْإِقْبَالُ: التّوجّه نحو الْقُبُلِ، كَالاسْتِقْبَالِ. قال تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ* [الصافات/ 50]، وَ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ‏ [يوسف/ 71]، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ‏ [الذاريات/ 29]، و الْقَابِلُ: الذي يَسْتَقْبِلُ الدّلو من البئر فيأخذه، و الْقَابِلَةُ: التي تَقْبَلُ الولد عند الولادة، و قَبِلْتُ عذره و توبته و غيره، و تَقَبَّلْتُهُ كذلك. قال:
وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ‏ [البقرة/ 123]، وَ قابِلِ التَّوْبِ‏ [غافر/ 3]، وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ‏ [الشورى/ 25].
و التَّقَبُّلُ: قَبُولُ الشي‏ء على وجه يقتضي ثوابا كالهديّة و نحوها. قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا [الأحقاف/ 16]، و قوله: إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ‏ [المائدة/ 27]، تنبيه أن ليس كل عبادة مُتَقَبَّلَةً، بل إنّما يتقبّل إذا كان على وجه مخصوص. قال تعالى:
إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي‏ [آل عمران/ 35]. و قيل للكفالة: قُبَالَةٌ فإنّ الكفالة هي أوكد تَقَبُّلٍ، و قوله: فَتَقَبَّلْ مِنِّي‏ [آل عمران/ 35]، فباعتبار معنى الكفالة، و سمّي العهد المكتوب: قُبَالَةً، و قوله:
فَتَقَبَّلَها [آل عمران/ 37]، قيل: معناه قبلها، و قيل: معناه تكفّل بها، و يقول اللّه تعالى:
كلّفتني أعظم كفالة في الحقيقة و إنما قيل:
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ‏ [آل عمران/ 37]، و لم يقل بتقبّل للجمع بين الأمرين: التَّقَبُّلِ الذي هو التّرقّي في القَبُولِ، و القَبُولِ الذي يقتضي‏

653
مفردات ألفاظ القرآن

قبل ص 653

الرّضا و الإثابة «1». و قيل: الْقَبُولُ هو من قولهم:
فلان عليه قَبُولٌ: إذا أحبّه من رآه، و قوله: كُلَّ شَيْ‏ءٍ قُبُلًا [الأنعام/ 111] «2» قيل: هو جمع قَابِلٍ، و معناه: مُقَابِلٌ لحواسهم، و كذلك قال مجاهد: جماعة جماعة «3»، فيكون جمع قَبِيلٍ، و كذلك قوله:
أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ قُبُلًا [الكهف/ 55] و من قرأ قِبَلًا «4» فمعناه: عيانا «5». و الْقَبِيلُ: جمع قَبِيلَةٍ، و هي الجماعة المجتمعة التي يقبل بعضها على بعض. قال تعالى: وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ‏ [الحجرات/ 13]، وَ الْمَلائِكَةِ قَبِيلًا [الإسراء/ 92]، أي: جماعة جماعة.
و قيل: معناه كفيلا. من قولهم: قَبَلْتُ فلانا و تَقَبَّلْتُ به، أي: تكفّلت به، و قيل مُقَابَلَةً، أي:
معاينة، و يقال: فلان لا يعرف قَبِيلًا من دبير «6»، أي: ما أَقْبَلَتْ به المرأة من غزلها و ما أدبرت به.
و الْمُقَابَلَةُ و التَّقَابُلُ: أن يُقْبِلَ بعضهم على بعض، إمّا بالذّات، و إمّا بالعناية و التّوفّر و المودّة. قال تعالى: مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ‏ [الواقعة/ 16]، إِخْواناً عَلى‏ سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ‏ [الحجر/ 47]، و لي قِبَلَ فلانٍ كذا، كقولك:
عنده. قال تعالى: وَ جاءَ فِرْعَوْنُ وَ مَنْ قِبَلَهُ‏
 «7» [الحاقة/ 9]، فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ‏ [المعارج/ 36]، و يستعار ذلك للقوّة و القدرة على الْمُقَابَلَةِ، أي: المجازاة، فيقال: لا قِبَلَ لي بكذا، أي: لا يمكنني أن أُقَابِلَهُ، قال:
فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها [النمل/ 37]، أي: لا طاقة لهم على اسْتِقْبَالِهَا و دفاعها، و الْقِبْلَةُ في الأصل اسم للحالة التي عليها الْمُقَابِلُ نحو: الجلسة و القعدة، و في التّعارف صار اسما للمكان الْمُقَابَلِ المتوجّهِ إليه للصلاة.
نحو: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة/ 144]، و الْقَبُولُ: ريح الصّبا، و تسميتها بذلك لِاسْتِقْبَالِهَا القِبْلَةَ، و قَبِيلَةُ الرأس: موصل الشّؤن.
و شاة مُقَابَلَةٌ: قطع من قِبَلِ أذنها، و قِبَالُ النّعلِ:
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 4/ 235.
 (2) هذه قراءة ابن كثير و أبي عمرو و حمزة و الكسائي و خلف و يعقوب و عاصم. انظر: الإتحاف ص 215.
 (3) انظر: البصائر 4/ 235، و الدر المنثور 3/ 341.
 (4) و هي قراءة نافع و ابن عامر و أبي جعفر. انظر: الإتحاف ص 215.
 (5) قال شيخنا أحمد بن محمد حامد الحسين الشنقيطي:
            و جا قبل وفق اقتدار، و قد أتى             لردف عيان لكن القاف تكسر
             و في النوع فاضمم قافه جامعا له             و ذلك في الصاوي إذا كنت تنظر.


 (6) انظر: أساس البلاغة (دبر)، و اللسان (دبر).
 (7) و هي قراءة أبي عمرو و الكسائي و يعقوب. الإتحاف ص 422.

654
مفردات ألفاظ القرآن

قبل ص 653

زمامها، و قد قَابَلْتُهَا: جعلت لها قِبالا، و الْقَبَلُ:
الفحج «1»، و الْقُبْلَةُ: خرزة يزعم السّاحر أنه يُقْبِلُ بالإنسان على وجه الآخر، و منه: الْقُبْلَةُ، و جمعها قُبَلٌ، و قَبَّلْتُهُ تَقْبِيلًا.
قتر
الْقَتْرُ: تقليل النّفقة، و هو بإزاء الإسراف، و كلاهما مذمومان، قال تعالى: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً [الفرقان/ 67]. و رجل قَتُورٌ و مُقْتِرٌ، و قوله: وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً [الإسراء/ 100]، تنبيه على ما جبل عليه الإنسان من البخل، كقوله: وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [النساء/ 128]، و قد قَتَرْتُ الشي‏ء و أَقْتَرْتُهُ و قَتَّرْتُهُ، أي: قلّلته. و مُقْتِرٌ: فقير، قال: وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ‏ [البقرة/ 236]، و أصل ذلك من الْقُتَارِ و الْقَتَرِ، و هو الدّخان الساطع من الشِّواء و العود و نحوهما، فكأنّ الْمُقْتِرَ و الْمُقَتِّرَ يتناول من الشي‏ء قُتاره، و قوله: تَرْهَقُها قَتَرَةٌ [عبس/ 41]، نحو: غَبَرَةٌ «2» و ذلك شبه دخان يغشى الوجه من الكذب. و الْقُتْرَةُ: ناموس الصائد الحافظ لقُتار الإنسان، أي: الريح، لأنّ الصائد يجتهد أن يخفي ريحه عن الصّيد لئلّا يندّ، و رجل قَاتِرٌ: ضعيف كأنّه قَتَرَ في الخفّة كقوله: هو هباء، و ابن قِتْرَةَ: حيّة صغيرة خفيفة، و الْقَتِيرُ: رءوس مسامير الدّرع.
قتل‏
أصل الْقَتْلِ: إزالة الروح عن الجسد كالموت، لكن إذا اعتبر بفعل المتولّي لذلك يقال: قَتْلٌ، و إذا اعتبر بفوت الحياة يقال: موت.
قال تعالى: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ‏ [آل عمران/ 144]، و قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ‏ [الأنفال/ 17]، قُتِلَ الْإِنْسانُ‏ [عبس/ 17]، و قيل قوله: قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ‏ [الذاريات/ 10]، لفظ قتل دعاء عليهم، و هو من اللّه تعالى: إيجاد ذلك، و قوله: فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ‏ [البقرة/ 54]، قيل معناه: ليقتل بعضكم بعضا. و قيل: عني بقتل النّفس إماطة الشهوات، و عنه استعير على سبيل المبالغة:
قَتَلْتُ الخمرَ بالماء: إذا مزجته، و قَتَلْتُ فلانا، و قَتَّلْتُهُ إذا: ذلّلته، قال الشاعر:
362-
         كأنّ عينيّ في غربي مُقَتَّلَةٍ «3»
و قَتَلْتُ كذا عِلْماً قال تعالى: وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء/ 157]، أي: ما علموا كونه مصلوبا علما يقينا «4». و الْمُقَاتَلَةُ: المحاربة و تحرّي‏
__________________________________________________
 (1) و هو تباعد ما بين الرجلين. انظر المجمل 3/ 742.
 (2) الآية: و وجوه يومئذ عليها غبرة سورة عبس: آية 40.
 (3) الشطر لزهير، و عجزه:
         من النواضح تسقي جنّة سحقا.

 (4) انظر المدخل لعلم التفسير ص 214.

655
مفردات ألفاظ القرآن

قتل ص 655

القتل. قال: وَ قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ* [البقرة/ 193]، وَ لَئِنْ قُوتِلُوا [الحشر/ 12]، قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ‏ [التوبة/ 123]، وَ مَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ‏ [النساء/ 74]، و قيل: الْقِتْلُ: العدوّ و القرن «1»، و أصله الْمُقَاتِلُ، و قوله: قاتَلَهُمُ اللَّهُ* [التوبة/ 30]، قيل: معناه لعنهم اللّه، و قيل: معناه قَتَلَهُمْ، و الصحيح أنّ ذلك هو المفاعلة، و المعنى: صار بحيث يتصدّى لمحاربة اللّه، فإنّ من قَاتَلَ اللّه فَمَقْتُولٌ، و من غالبه فهو مغلوب، كما قال:
وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ [الصافات/ 173]، و قوله: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ‏ [الأنعام/ 151]، فقد قيل: إن ذلك نهي عن وأد البنات «2»، و قال بعضهم: بل نهي عن تضييع البذر بالعزلة و وضعه في غير موضعه.
و قيل: إنّ ذلك نهي عن شغل الأولاد بما يصدّهم عن العلم، و تحرّي ما يقتضي الحياة الأبديّة، إذ كان الجاهل و الغافل عن الآخرة في حكم الأموات، أ لا ترى أنه وصفهم بذلك في قوله: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ [النحل/ 21]، و على هذا: وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ‏ [النساء/ 29]، أ لا ترى أنه قال: وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ* [النساء/ 30]، و قوله: لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ‏ [المائدة/ 95]، فإنه ذكر لفظ القتل دون الذّبح و الذّكاة، إذ كان الْقَتْلُ أعمّ هذه الألفاظ تنبيها أنّ تفويت روحه على جميع الوجوه محظور، يقال: أَقْتَلْتُ فلانا: عرّضته للقتل، و اقْتَتَلَهُ العشقُ و الجنُّ، و لا يقال ذلك في غيرهما، و الِاقْتِتَالُ: كالمقاتلة. قال تعالى:
وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما [الحجرات/ 9].
قحم‏
الِاقْتِحَامُ: توسّط شدّة مخيفة. قال تعالى:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [البلد/ 11]، هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ‏ [ص/ 59]، و قَحَّمَ الفرسُ فارسَهُ:
توَغَّلَ به ما يخاف عليه، و قَحَمَ فلان نفسه في كذا من غير رويّة، و الْمَقَاحِيمُ: الذين يَقْتَحِمُون في الأمر، قال الشاعر:
363-
         مَقَاحِيمُ في الأمر الذي يتجنّب «3»
و يروى:
         ... يتهيّب.

_________________________________________________
من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان، مطلعها:
         إنّ الخليط أجدّ البين فانفرقا             و علّق القلب من أسماء ما علقا

و هو في ديوانه ص 40، و اللسان (قتل).
 (1) انظر: المجمل 3/ 743، و الجمهرة 2/ 25.
 (2) انظر تفسير الطبري 8/ 82.
 (3) لم أجده.

656
مفردات ألفاظ القرآن

قدد ص 657

قدد
الْقَدُّ: قطع الشي‏ء طولا. قال تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ‏ [يوسف/ 26]، وَ إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ [يوسف/ 27].
و الْقِدُّ: الْمَقْدُودُ، و منه قيل لقامة الإنسان: قَدٌّ، كقولك: تقطيعه «1»، و قَدَّدْتُ اللّحم فهو قَدِيدٌ، و الْقِدَدُ: الطّرائق. قال: طَرائِقَ قِدَداً [الجن/ 11]، الواحدة: قِدَّةٌ، و الْقِدَّةُ: الفِرقة من الناس، و الْقِدَّةُ كالقطعة، و اقْتَدَّ الأمر: دبّره، كقولك: فصله و صرمه.
و (قَدْ): حرف يختصّ بالفعل، و النّحويّون يقولون: هو للتّوقّع. و حقيقته أنه إذا دخل على فعل ماض فإنما يدخل على كلّ فعل متجدّد، نحو قوله: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا [يوسف/ 90]، قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ‏ [آل عمران/ 13]، قَدْ سَمِعَ اللَّهُ* [المجادلة/ 1]، لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الفتح/ 18]، لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِ‏ [التوبة/ 117]، و غير ذلك، و لما قلت لا يصحّ أن يستعمل في أوصاف اللّه تعالى الذّاتيّة، فيقال: قد كان اللّه عليما حكيما، و أما قوله: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى‏ [المزمل/ 20]، فإنّ ذلك متناول للمرض في المعنى، كما أنّ النّفي في قولك:
ما علم اللّه زيدا يخرج، هو للخروج، و تقدير ذلك: قد يمرضون فيما علم اللّه، و ما يخرج زيد فيما علم اللّه، و إذا دخل (قَدْ) على المستقبَل من الفعل فذلك الفعل يكون في حالة دون حالة.
نحو: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً [النور/ 63]، أي: قد يتسلّلون أحيانا فيما علم اللّه.
و (قَدْ) و (قط) «2» يكونان اسما للفعل بمعنى حسب، يقال: قَدْنِي كذا، و قطني كذا، و حكي: قَدِي. و حكى الفرّاء: قَدْ زيدا، و جعل ذلك مقيسا على ما سمع من قولهم: قدني و قدك، و الصحيح أنّ ذلك لا يستعمل مع الظاهر، و إنما جاء عنهم في المضمر.
قدر
الْقُدْرَةُ إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكّن من فعل شي‏ء ما، و إذا وصف اللّه تعالى بها فهي نفي العجز عنه، و محال أن يوصف غير اللّه بالقدرة المطلقة معنى و إن أطلق عليه لفظا، بل حقّه أن يقال: قَادِرٌ على كذا، و متى قيل: هو قادر، فعلى سبيل معنى التّقييد، و لهذا لا أحد غير اللّه يوصف بالقدرة من وجه إلّا
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و إنه لحسن التقطيع: أي: القدّ، و يقال: فلان قطيع فلان، أي: شبيهه في قدّه و خلقه، و جمعه أقطعاء. انظر: اللسان (قطع) 8/ 282.
 (2) انظر: الجنى الداني ص 269، و مغني اللبيب ص 226 و 233، و البصائر 4/ 241.

657
مفردات ألفاظ القرآن

قدر ص 657

و يصحّ أن يوصف بالعجز من وجه، و اللّه تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كلّ وجه. و الْقَدِيرُ:
هو الفاعل لما يشاء على قَدْرِ ما تقتضي الحكمة، لا زائدا عليه و لا ناقصا عنه، و لذلك لا يصحّ أن يوصف به إلا اللّه تعالى، قال: إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ* [البقرة/ 20]. و الْمُقْتَدِرُ يقاربه نحو: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر/ 55]، لكن قد يوصف به البشر، و إذا استعمل في اللّه تعالى فمعناه الْقَدِيرُ، و إذا استعمل في البشر فمعناه: المتكلّف و المكتسب للقدرة، يقال: قَدَرْتُ على كذا قُدْرَةً. قال تعالى: لا يَقْدِرُونَ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة/ 264].
و الْقَدْرُ و التَّقْدِيرُ: تبيين كمّيّة الشي‏ء. يقال:
قَدَرْتُهُ و قَدَّرْتُهُ، و قَدَّرَهُ بالتّشديد: أعطاه الْقُدْرَةَ.
يقال: قَدَّرَنِي اللّه على كذا و قوّاني عليه، فَتَقْدِيرُ اللّه الأشياء على وجهين:
أحدهما: بإعطاء القدرة.
و الثاني: بأن يجعلها على مقدار مخصوص و وجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة، و ذلك أنّ فعل اللّه تعالى ضربان:
ضرب أوجده بالفعل، و معنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزّيادة و النّقصان إلى إن يشاء أن يفنيه، أو يبدّله كالسماوات و ما فيها. و منها ما جعل أصوله موجودة بالفعل و أجزاءه بالقوّة، و قدّره على وجه لا يتأتّى منه غير ما قدّره فيه، كتقديره في النّواة أن ينبت منها النّخل دون التّفّاح و الزّيتون، و تقدير منيّ الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات.
فَتَقْدِيرُ اللّه على وجهين:
أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا، إمّا على سبيل الوجوب، و إمّا على سبيل الإمكان. و على ذلك قوله: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً [الطلاق/ 3].
و الثاني: بإعطاء الْقُدْرَةِ عليه. و قوله:
فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ‏ [المرسلات/ 23]، تنبيها أنّ كلّ ما يحكم به فهو محمود في حكمه، أو يكون من قوله: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدْراً [الطلاق/ 3]، و قرئ: فَقَدَّرْنا «1» بالتّشديد، و ذلك منه، أو من إعطاء القدرة، و قوله: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ‏ [الواقعة/ 60]، فإنه تنبيه أنّ ذلك حكمة من حيث إنه هو الْمُقَدِّرُ، و تنبيه أنّ ذلك ليس كما زعم المجوس أنّ اللّه يخلق و إبليس يقتل، و قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر/ 1]، إلى آخرها. أي: ليلة قيّضها لأمور مخصوصة. و قوله: إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر/ 49]، و قوله: وَ اللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ‏

__________________________________________________
 (1) قرأ بالتشديد نافع و الكسائي و أبو جعفر. انظر: الإتحاف ص 430.

658
مفردات ألفاظ القرآن

قدر ص 657

[المزمل/ 20]، إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار، و تكوير النهار على الليل، و أن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما و توفية حقّ العبادة منهما في وقت معلوم، و قوله: مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ‏ [عبس/ 19]، فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوّة، فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصّورة، و قوله: وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً [الأحزاب/ 38]، فَقَدَرٌ إشارة إلى ما سبق به القضاء، و الكتابة في اللّوح المحفوظ و المشار إليه‏
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «فَرَغَ رَبُّكُمْ مِنَ الْخَلْقِ وَ الْخُلْقَ وَ الْأَجَلِ وَ الرِّزْقِ» «1».
و الْمَقْدُورُ إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا ممّا قدّر، و هو المشار إليه بقوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/ 29]، و على ذلك قوله: وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ [الحجر/ 21]، قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا و بقدر كذا، و فلان يخاصم بقدر و قدر، و قوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ‏ [البقرة/ 236]، أي:
ما يليق بحاله مقدّرا عليه، و قوله: وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى‏ [الأعلى/ 3]، أي: أعطى كلّ شي‏ء ما فيه مصلحته، و هداه لما فيه خلاصه، إمّا بالتّسخير، و إمّا بالتّعليم كما قال: أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ [طه/ 50]، و التَّقْدِيرُ من الإنسان على وجهين: أحدهما: التّفكّر في الأمر بحسب نظر العقل، و بناء الأمر عليه، و ذلك محمود، و الثاني: أن يكون بحسب التّمنّي و الشّهوة، و ذلك مذموم كقوله: فَكَّرَ وَ قَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ [المدثر/ 18- 19]، و تستعار الْقُدْرَةُ و الْمَقْدُورُ للحال، و السّعة في المال، و الْقَدَرُ: وقت الشي‏ء المقدّر له، و المكان المقدّر له، قال: إِلى‏ قَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ [المرسلات/ 22]، و قال: فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [الرعد/ 17]، أي: بقدر المكان المقدّر لأن يسعها، و قرئ:
 (بِقَدْرِهَا) «2» أي: تقديرها. و قوله: وَ غَدَوْا عَلى‏ حَرْدٍ قادِرِينَ‏ [القلم/ 25]، قاصدين، أي: معيّنين لوقت قَدَّرُوهُ، و كذلك قوله:
فَالْتَقَى الْماءُ عَلى‏ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر/ 12]، و قَدَرْتُ عليه الشي‏ء: ضيّقته، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب. قال تعالى:
وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ‏ [الطلاق/ 7]، أي:
ضيّق عليه، و قال: يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَ يَقْدِرُ* [الروم/ 37]، و قال: فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ‏ [الأنبياء/ 87]، أي: لن نضيّق عليه، و قرئ: (لن نُقَدِّرَ عليه) «3»، و من هذا
__________________________________________________
 (1) الحديث تقدّم في مادة (خزن)، و أخرجه ابن حبان في روضة العقلاء ص 149 من كلام ابن مسعود.
 (2) و هي قراءة شاذة، قرأ بها الحسن و الأشهب العقيلي. انظر: تفسير القرطبي 9/ 305.
 (3) و هي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس و الزهري و عمر بن عبد العزيز. انظر: تفسير القرطبي 11/ 332.

659
مفردات ألفاظ القرآن

قدر ص 657

المعنى اشتقّ الْأَقْدَرُ، أي: القصيرُ العنق. و فرس أَقْدَرُ: يضع حافر رجله موضع حافر يده، و قوله:
وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ* [الأنعام/ 91]، أي: ما عرفوا كنهه تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه، و هذا وصفه، و هو قوله:
وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر/ 67]، و قوله: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَ قَدِّرْ فِي السَّرْدِ [سبأ/ 11]، أي: أحكمه، و قوله:
فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ‏ [الزخرف/ 42]، و مِقْدَارُ الشي‏ء: للشي‏ء المقدّر له، و به، وقتا كان أو زمانا أو غيرهما، قال: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج/ 4]، و قوله:
لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ‏ [الحديد/ 29]، فالكلام فيه مختصّ بالتّأويل. و الْقِدْرُ: اسم لما يطبخ فيه اللّحم، قال تعالى: وَ قُدُورٍ راسِياتٍ‏ [سبأ/ 13]، و قَدَرْتُ اللّحم: طبخته في الْقِدْرِ، و الْقَدِيرُ: المطبوخ فيها، و الْقُدَارُ: الذي ينحر و يُقْدَرُ، قال الشاعر:
364-
         ضرب الْقُدَارِ نقيعة القدّام «1»
قدس‏
التَّقْدِيسُ: التّطهير الإلهيّ المذكور في قوله: وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب/ 33]، دون التّطهير الذي هو إزالة النّجاسة المحسوسة، و قوله: وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ‏ [البقرة/ 30]، أي: نطهّر الأشياء ارتساما لك. و قيل: نُقَدِّسُكَ، أي: نَصِفُكَ بالتّقديس.
و قوله: قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ‏ [النحل/ 102]، يعني به جبريل من حيث إنه ينزل بِالْقُدْسِ من اللّه، أي: بما يطهّر به نفوسنا من القرآن و الحكمة و الفيض الإلهيّ، و البيتُ الْمُقَدَّسُ هو المطهّر من النّجاسة، أي: الشّرك، و كذلك الأرض الْمُقَدَّسَةُ. قال تعالى: يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ‏ [المائدة/ 21]، و حظيرة الْقُدْسِ. قيل: الجنّة.
و قيل: الشّريعة. و كلاهما صحيح، فالشّريعة حظيرة منها يستفاد القُدْسُ، أي: الطّهارة.
قدم‏
الْقَدَمُ: قَدَمُ الرّجل، و جمعه أَقْدَامٌ، قال تعالى: وَ يُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ‏ [الأنفال/ 11]، و به اعتبر التّقدم و التّأخّر، و التَّقَدُّمُ على أربعة أوجه كما ذكرنا في (قبل) «2»، و يقال: حديث و قَدِيمٌ، و ذلك إمّا باعتبار الزّمانين، و إمّا بالشّرف. نحو: فلان مُتَقَدِّمٌ على فلان، أي:
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         إنّا لنضرب بالسيوف رءوسهم‏

و هو لمهلهل. و البيت في الجمهرة 2/ 253، و المجمل 3/ 745، و اللسان (قدر)، و شرح الحماسة 3/ 36.
 (2) راجع: مادة (قبل).

660
مفردات ألفاظ القرآن

قدم ص 660

أشرف منه، و إمّا لما لا يصحّ وجود غيره إلّا بوجوده، كقولك: الواحد مُتَقَدِّمٌ على العدد.
بمعنى أنه لو توهّم ارتفاعه لارتفعت الأعداد، و الْقِدَمُ: وجود فيما مضى، و البقاء: وجود فيما يستقبل، و قد ورد في وصف اللّه (يا قَدِيمَ الإحسان) «1»، و لم يرد في شي‏ء من القرآن و الآثار الصحيحة: الْقَدِيمُ في وصف اللّه تعالى، و المتكلّمون يستعملونه، و يصفونه به «2»، و أكثر ما يستعمل القديم باعتبار الزمان نحو: كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ‏ [يس/ 39]، و قوله: قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ [يونس/ 2]، أي: سابقة فضيلة، و هو اسم مصدر، و قَدَّمْتُ كذا، قال: أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ‏ [المجادلة/ 13]، و قال: لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ‏ [المائدة/ 80]، و قَدَمْتُ فلانا أَقْدُمُهُ: إذا تَقَدَّمْتَهُ. قال: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [هود/ 98]، بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ* [البقرة/ 95]، و قوله: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ [الحجرات/ 1]، قيل: معناه لا تَتَقَدَّمُوهُ. و تحقيقه: لا تسبقوه بالقول و الحكم بل افعلوا ما يرسمه لكم كما يفعله العباد المكرمون، و هم الملائكة حيث قال: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [الأنبياء/ 27]، و قوله: لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ* [الأعراف/ 34]، أي: لا يريدون تأخّرا و لا تقدّما. و قوله: وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ‏ [يس/ 12]، أي: ما فعلوه، قيل: و قَدَّمْتُ إليه بكذا: إذا أمرته قبل وقت الحاجة إلى فعله، و قبل أن يدهمه الأمر و الناس.
و قَدَّمْتُ به: أعلمته قبل وقت الحاجة إلى أن يعمله، و منه: وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ «3» و (قُدَّامُ) بإزاء خَلْفُ، و تصغيره قُدَيْدِمَةٌ «4»، و ركب فلان مَقَادِيمَهُ «5»، إذا مرّ على وجهه، و قَادِمَةُ الرّحل، و قادمة الأطباء، و قادمة الجناح، و مُقَدِّمَةُ الجيش، و الْقَدُومُ. كلّ ذلك يعتبر فيه معنى التّقدّم.
قذف‏
الْقَذْفُ: الرّمي البعيد، و لاعتبار البعد فيه قيل: منزل قَذَفٌ و قَذِيفٌ، و بلدة قَذُوفٌ: بعيدة،
__________________________________________________
 (1) لم أجده في المرفوع لكن جاء عن محمد بن وزير أنه رأى النبي صلّى اللّه عليه و سلم في المنام، و شكا له، فقال له قل: يا قديم الإحسان و يا من إحسانه فوق كل إحسان و يا مالك الدنيا و الآخرة. أخرجه الصابوني. انظر: الرياض النضرة للطبري 1/ 50. و معلوم أنّ مثل هذا لا تثبت به حجة.
 (2) انظر: الأسماء و الصفات للبيهقي ص 33، و المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/ 188، و المواقف للإيجي ص 76، و ورد اسم القديم في حديث أسماء اللّه الحسنى، أخرجه ابن ماجة 2/ 1270، و فيه ضعف.
 (3) سورة ق: آية 28.
 (4) يصغّر قديدمة و قديديمة، و هو شاذ. انظر: اللسان (قدم).
 (5) انظر: المجمل 3/ 745، و أساس البلاغة (قدم).

661
مفردات ألفاظ القرآن

قذف ص 661

و قوله: فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِ‏ [طه/ 39]، أي:
اطرحيه فيه، و قال: وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ* [الأحزاب/ 26]، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ‏ [الأنبياء/ 18]، يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ‏ [سبأ/ 48]، وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ* دُحُوراً [الصافات/ 8- 9]، و استعير الْقَذْفُ للشّتم و العيب كما استعير الرّمي.
قر
قَرَّ في مكانه يَقِرُّ قَرَاراً، إذا ثبت ثبوتا جامدا، و أصله من الْقُرِّ، و هو البرد، و هو يقتضي السّكون، و الحرّ يقتضي الحركة، و قرئ: وَ قِرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب/ 33] «1» قيل «2»: أصله اقْرِرْنَ فحذف إحدى الرّاءين تخفيفا نحو: فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ [الواقعة/ 65]، أي: ظللتم. قال تعالى: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً [غافر/ 64]، أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً [النمل/ 61]، أي: مستقرّا، و قال في صفة الجنّة:
ذاتِ قَرارٍ وَ مَعِينٍ‏ «3»، و في صفة النّار قال:
فَبِئْسَ الْقَرارُ [ص/ 60]، و قوله: اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ [إبراهيم/ 26]، أي: ثبات، و قال الشاعر:
365-
         و لا قَرَارَ على زأر من الأسد «4»
أي: أمن و اسْتِقْرَارٍ، و يوم الْقَرِّ: بعد يوم النّحر لاستقرار الناس فيه بمنى، و اسْتَقَرَّ فلان: إذا تحرّى الْقَرَارَ، و قد يستعمل في معنى قرّ، كاستجاب و أجاب. قال في الجنّة: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان/ 24]، و في النار: ساءَتْ مُسْتَقَرًّا [الفرقان/ 66]، و قوله: فَمُسْتَقَرٌّ وَ مُسْتَوْدَعٌ‏ [الأنعام/ 98]، قال ابن مسعود: مُسْتَقَرٌّ في الأرض و مستودع في القبور «5». و
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُسْتَقَرٌّ فِي الْأَرْضِ وَ مُسْتَوْدَعٌ فِي الْأَصْلَابِ.
و
قَالَ الْحَسَنُ: مُسْتَقَرٌّ فِي الْآخِرَةِ وَ مُسْتَوْدَعٌ فِي الدُّنْيَا.
و جملة الأمر أنّ كلّ حال ينقل عنها الإنسان فليس بالمستقرّ التّامّ. و الْإِقْرَارُ: إثبات الشي‏ء، قال: وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى‏ أَجَلٍ‏ [الحج/ 5]، و قد يكون ذلك إثباتا، إمّا بالقلب، و إمّا باللّسان، و إمّا بهما، و الإقرار بالتّوحيد و ما يجري مجراه لا يغنى‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و حمزة و الكسائي و خلف و يعقوب. انظر: الإتحاف ص 355.
 (2) ذكره الفرّاء في معاني القرآن 2/ 342.
 (3) سورة المؤمنون: آية 50، و أولها: و جعلنا ابن مريم و أمّه آية، و آويناهما إلى ربوة ذات قرار و معين و ليست الآية في صفة الجنة كما قال المؤلف، بل المراد بالربوة: دمشق، و قيل غيرها من القرى. انظر: الدر المنثور 6/ 100.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         أنبئت أنّ أبا قابوس أوعدني‏

و هو للنابغة من معلقته، و البيت في ديوانه ص 36.
 (5) انظر: الأقوال في الدر المنثور 3/ 332.

662
مفردات ألفاظ القرآن

قر ص 662

باللّسان ما لم يضامّه الإقرار بالقلب، و يضادّ الإقرار الإنكار، و أمّا الجحود فإنما يقال فيما ينكر باللّسان دون القلب، و قد تقدّم ذكره «1»، قال:
ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ‏ [البقرة/ 84]، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَ أَقْرَرْتُمْ وَ أَخَذْتُمْ عَلى‏ ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا [آل عمران/ 81]، و قيل: قَرَّتْ ليلتنا تَقِرُّ، و يوم قَرٌّ، و ليلة قِرَّةٌ، و قُرَّ فلان فهو مَقْرُورٌ: أصابه الْقُرُّ، و قيل: حرّة تحت قِرَّةٍ «2»
، و قَرَرْتُ القدر أَقُرُّهَا: صببت فيها ماء قَارّاً، أي:
باردا، و اسم ذلك الماء الْقَرَارَةُ و الْقَرِرَةُ. و اقْتَرَّ فلان اقْتِرَاراً نحو: تبرّد، و قَرَّتْ عينه تَقَرُّ: سُرّت، قال: كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها* [طه/ 40]، و قيل لمن يسرّ به: قُرَّةُ عين، قال: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ‏ [القصص/ 9]، و قوله: هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ‏ [الفرقان/ 74]، قيل: أصله من الْقُرِّ، أي: البرد، فَقَرَّتْ عينه، قيل: معناه بردت فصحّت، و قيل: بل لأنّ للسّرور دمعة باردة قَارَّةً، و للحزن دمعة حارّة، و لذلك يقال فيمن يدعى عليه: أسخن اللّه عينه، و قيل: هو من الْقَرَارِ. و المعنى: أعطاه اللّه ما تسكن به عينه فلا يطمح إلى غيره، و أَقَرَّ بالحقّ: اعترف به و أثبته على نفسه. و تَقَرَّرَ الأمرُ على كذا أي:
حصل، و الْقَارُورَةُ معروفة، و جمعها: قَوَارِيرُ قال: قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان/ 16]، و قال: صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ [النمل/ 44]، أي: من زجاج.
قرب‏
الْقُرْبُ و البعد يتقابلان. يقال: قَرُبْتُ منه أَقْرُبُ «3»، و قَرَّبْتُهُ أُقَرِّبُهُ قُرْباً و قُرْبَاناً، و يستعمل ذلك في المكان، و في الزمان، و في النّسبة، و في الحظوة، و الرّعاية، و القدرة.
فمن الأوّل نحو: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ* [البقرة/ 35]، وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ* [الأنعام/ 152]، وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ [الإسراء/ 32]، فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا [التوبة/ 28]. و قوله: وَ لا تَقْرَبُوهُنَ‏ [البقرة/ 222]، كناية عن الجماع كقوله: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ‏ [التوبة/ 28]، و قوله: فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ‏ [الذاريات/ 27].
و في الزّمان نحو: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ‏ [الأنبياء/ 1]، و قوله: وَ إِنْ أَدْرِي أَ قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ‏ [الأنبياء/ 109].
__________________________________________________
 (1) راجع: مادة (جحد).
 (2) قال ابن منظور: و مثل العرب للذي يظهر خلاف ما يضمر: حرّة تحت قرّة. انظر: اللسان (قر)، و المجمل 3/ 727، و مجمع الأمثال 1/ 197، و تقدّم في مادة: حرّ.
 (3) انظر: الأفعال 2/ 82.

663
مفردات ألفاظ القرآن

قرب ص 663

و في النّسبة نحو: وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى‏ [النساء/ 8]، و قال: الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ* [النساء/ 7]، و قال: وَ لَوْ كانَ ذا قُرْبى‏* [فاطر/ 18]، وَ لِذِي الْقُرْبى‏* [الأنفال/ 41]، وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى‏ [النساء/ 36]، يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ [البلد/ 15].
و في الحظوة: وَ لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ‏ [النساء/ 172]، و قال في عيسى: وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏ [آل عمران/ 45]، عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ‏ [المطففين/ 28]، فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏ [الواقعة/ 88]، قالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏ [الأعراف/ 114]، وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا [مريم/ 52]. و يقال للحظوة: الْقُرْبَةُ، كقوله: قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَ صَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ‏ [التوبة/ 99]، تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى‏ [سبأ/ 37].
و في الرّعاية نحو: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ‏ [الأعراف/ 56]، و قوله:
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ‏ [البقرة/ 186].
و في القدرة نحو: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق/ 16]. قوله وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ‏ [الواقعة/ 85]، يحتمل أن يكون من حيث القدرة. و الْقُرْبَانُ: ما يُتَقَرَّبُ به إلى اللّه، و صار في التّعارف اسما للنّسيكة التي هي الذّبيحة، و جمعه: قَرَابِينُ. قال تعالى: إِذْ قَرَّبا قُرْباناً [المائدة/ 27]، حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ‏ [آل عمران/ 183]، و قوله: قُرْباناً آلِهَةً [الأحقاف/ 28]، فمن قولهم: قُرْبَانُ الملك: لِمَن يَتَقَرَّبُ بخدمته إلى الملك، و يستعمل ذلك للواحد و الجمع، و لكونه في هذا الموضع جمعا قال:
 (آلهة)، و التَّقَرُّبُ: التّحدّي بما يقتضي حظوة، و قُرْبُ اللّه تعالى من العبد: هو بالإفضال عليه و الفيض لا بالمكان، و لهذا
رُوِيَ «أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: إِلَهِي أَ قَرِيبٌ أَنْتَ فَأُنَاجِيَكَ؟ أَمْ بَعِيدٌ فَأُنَادِيَكَ؟ فَقَالَ: لَوْ قَدَّرْتُ لَكَ الْبُعْدَ لَمَا انْتَهَيْتَ إِلَيْهِ، وَ لَوْ قَدَّرْتُ لَكَ الْقُرْبَ لَمَا اقْتَدَرْتَ عَلَيْهِ» «1».
و قال: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق/ 16]، و قُرْبُ العبد من اللّه في الحقيقة: التّخصّص بكثير من الصّفات التي يصحّ أن يوصف اللّه تعالى بها و إن لم يكن وصف الإنسان بها على الحدّ الذي يوصف تعالى به نحو: الحكمة و العلم و الحلم و الرّحمة
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف 1/ 108 و أحمد في الزهد عن كعب قال: قال موسى: أي رب، أ قريب أنت فأناجيك، أم بعيد فأناديك؟ قال: يا موسى أنا جليس من ذكرني. قال: يا رب فإنا نكون من الحال على حال نعظمك أو نجلّك أن نذكرك عليها. قال: و ما هي؟ قال: الجنابة و الغائط. قال: يا موسى اذكرني على كل حال.
انظر: الزهد لأحمد ص 86، و الدر المنثور 1/ 470.

664
مفردات ألفاظ القرآن

قرب ص 663

و الغنى، و ذلك يكون بإزالة الأوساخ من الجهل و الطّيش و الغضب، و الحاجات البدنيّة بقدر طاقة البشر، و ذلك قرب روحانيّ لا بدنيّ، و على هذا الْقُرْبِ‏
نَبَّهَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ فِيمَا ذَكَرَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى: «مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً» «1».
و
قَوْلُهُ عَنْهُ: «مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدٌ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَيَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ...» «2».
الخبر. و قوله: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ* [الأنعام/ 152]، هو أبلغ من النّهي عن تناوله، لأنّ النّهي عن قربه أبلغ من النّهي عن أخذه، و على هذا قوله: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ* [البقرة/ 35]، و قوله: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ‏ [البقرة/ 222]، كناية عن الجماع، و قال: وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ [الإسراء/ 32]، و الْقِرَابُ: الْمُقَارَبَةُ. قال الشاعر:
366-
         فإنّ قِرَابَ البطن يكفيك ملؤه «3»
و قدح قَرْبَانُ: قَرِيبٌ من المل‏ء، و قِرْبَانُ المرأة: غشيانها، و تَقْرِيبُ الفرس: سير يقرُبُ من عدوه، و الْقُرَابُ: القريب، و فرس لاحق الْأَقْرَابِ، أي: الخواصر، و الْقِرَابُ: وعاء السّيف، و قيل: هو جلد فوق الغمد لا الغمد نفسه، و جمعه: قُرُبٌ، و قَرَبْتُ السّيف و أَقْرَبْتُهُ، و رجل قَارِبٌ: قرب من الماء، و ليلة الْقُرْبِ، و أَقْرَبُوا إبلهم، و الْمُقْرِبُ: الحامل التي قرُبت ولادتُها.
قرح‏
الْقَرْحُ: الأثر من الجراحة من شي‏ء يصيبه من خارج، و الْقُرْحُ: أثرها من داخل كالبثرة و نحوها، يقال: قَرَحْتُهُ نحو: جرحته، و قَرِحَ:
خرج به قرح «4»، و قَرَحَ قلبُهُ و أَقْرَحَهُ اللّه، و قد يقال الْقَرْحُ للجراحة، و الْقُرْحُ للألم. قال تعالى:
مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ‏ [آل عمران/ 172]، إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ‏ [آل عمران/ 140]، و قرئ:
__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة قال: قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «يقول اللّه عزّ و جلّ: أنا عند ظنّ عبدي، و أنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، و إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، و إن تقرّب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، و إن تقرّب إليّ ذراعا تقرّبت إليه باعا، و من أتاني يمشي أتيته هرولة» متفق عليه: البخاري في التوحيد 13/ 384، و مسلم في الذكر و الدعاء برقم 2675.
 (2) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه: «إنّ اللّه تبارك و تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، و ما تقرّب إليّ عبدي بشي‏ء أحبّ إليّ مما افترضته عليه، و ما يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، و بصره الذي يبصر به ...» الحديث أخرجه البخاري في الرقاق، باب التواضع 11/ 341.
 (3) هذا شطر بيت، و عجزه:
         و يكفيك سوءات الأمور اجتنابها

و هو لهلال بن خثعم، و البيت في الحيوان للجاحظ 1/ 383، و البخلاء ص 202، و عيون الأخبار 3/ 184.
 (4) انظر: الأفعال 2/ 77.

665
مفردات ألفاظ القرآن

قرح ص 665

بالضمّ «1». و الْقُرْحَانُ: الذي لم يصبه الجُدْرِيُّ، و فرس قَارِحٌ: إذا ظهر به أثر من طلوع نابه، و الأنثى قَارِحَةٌ، و أَقْرَحُ: به أثر من الغرّة، و روضة قَرْحَاءُ: وسطها نور، و ذلك لتشبيهها بالفرس القرحاء، و اقْتَرَحْتُ الجَمَل: ابتدعت ركوبه، و اقْتَرَحْتُ كذا على فلان: ابتدعت التّمنّي عليه، و اقْتَرَحْتُ بئرا: استخرجت منه ماء قَرَاحاً، و نحوه: أرض قَرَاحٌ، أي: خالصة، و الْقَرِيحَةُ حيث يستنقر فيه الماء المستنبط، و منه استعير قَرِيحَةُ الإنسان.
قرد
الْقِرْدُ جمعه قِرَدَةٌ. قال تعالى: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ* [البقرة/ 65]، و قال: وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ [المائدة/ 60]، قيل: جعل صورهم المشاهدة كصور القردة. و قيل: بل جعل أخلاقهم كأخلاقها و إن لم تكن صورتهم كصورتها. و الْقُرَادُ جمعه: قِرْدَانٌ، و الصّوف الْقَرِدُ: المتداخل بعضه في بعض، و منه قيل:
سحاب قَرِدٌ، أي: متلبّد، و أَقْرَدَ، أي: لصق بالأرض لصوق القراد، و قَرَدَ: سكن سكونه، و قَرَّدْتُ البعير: أزلت قراده، نحو: قذّيت و مرّضت، و يستعار ذلك للمداراة المتوصّل بها إلى خديعة، فيقال: فلان يُقَرِّدُ فلانا، و سمّي حلمة الثّدي قُرَاداً كما تسمّى حلمة تشبيها بها في الهيئة.
قرطس‏
الْقِرْطَاسُ: ما يكتب فيه. قال اللّه تعالى:
وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ‏ [الأنعام/ 7]، قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى‏ نُوراً وَ هُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ‏ [الأنعام/ 91].
قرض‏
الْقَرْضُ: ضرب من القطع، و سمّي قطع المكان و تجاوزه قَرْضاً، كما سمّي قطعا. قال: وَ إِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ‏ [الكهف/ 17]، أي: تجوزهم و تدعهم إلى أحد الجانبين، و سمّي ما يدفع إلى الإنسان من المال بشرط ردّ بدله قَرْضاً، قال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً* [البقرة/ 245]، و سمّي المفاوضة في الشّعر مُقَارَضَةً، و الْقَرِيضُ للشّعر، مستعار استعارة النّسج و الحوك.
قرع‏
الْقَرْعُ: ضرب شي‏ء على شي‏ء، و منه: قَرَعْتُهُ بِالْمِقْرَعَةِ. قال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ [الحاقة/ 4]، الْقارِعَةُ* مَا الْقارِعَةُ [القارعة/ 1- 2].
__________________________________________________
 (1) قرأ بالضم أبو بكر و حمزة و الكسائي و خلف. و هما لغتان، و قيل: المفتوح: الجرح، و المضموم: ألمه. انظر:
الإتحاف ص 179.

666
مفردات ألفاظ القرآن

قرف ص 667

قرف‏
أصل الْقَرْفِ و الِاقْتِرَافِ: قشر اللّحاء عن الشّجر، و الجلدة عن الجرح، و ما يؤخذ منه:
قِرْفٌ، و استعير الِاقْتِرَافُ للاكتساب حسنا كان أو سوءا. قال تعالى: سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ‏ [الأنعام/ 120]، وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ‏ [الأنعام/ 113] وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها [التوبة/ 24]. و الِاقْتِرَافُ في الإساءة أكثر استعمالا، و لهذا يقال: الاعتراف يزيل الاقتراف، و قَرَفْتُ فلانا بكذا: إذا عبته به أو اتّهمته، و قد حمل على ذلك قوله: وَ لِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ‏ [الأنعام/ 113]، و فلان قَرَفَنِي، و رجل مُقْرِفٌ: هجين، و قَارَفَ فلان أمرا: إذا تعاطى ما يعاب به.
قرن‏
الِاقْتِرَانُ كالازدواج في كونه اجتماع شيئين، أو أشياء في معنى من المعاني. قال تعالى: أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ‏ [الزخرف/ 53].
يقال: قَرَنْتُ البعير بالبعير: جمعت بينهما، و يسمّى الحبل الذي يشدّ به قَرَناً، و قَرَّنْتُهُ على التّكثير قال: وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ [ص/ 38] و فلان قَرْنُ فلان في الولادة، و قَرِينُهُ و قِرْنُهُ في الجلادة «1»، و في القوّة، و في غيرها من الأحوال. قال تعالى: إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ‏ [الصافات/ 51]، وَ قالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَ‏ [ق/ 23] إشارة إلى شهيده. قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ‏ [ق/ 27]، فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ‏ [الزخرف/ 36] و جمعه: قُرَنَاءُ. قال: وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ [فصلت/ 25]. و الْقَرْنُ: القوم الْمُقْتَرِنُونَ في زمن واحد، و جمعه قُرُونٌ. قال تعالى:
وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ‏ [يونس/ 13]، وَ كَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ‏ [الإسراء/ 17]، وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ* [مريم/ 98]، و قال: وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [الفرقان/ 38]، ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ‏ [المؤمنون/ 31]، قُرُوناً آخَرِينَ‏ [المؤمنون/ 42]. و الْقَرُونُ: النّفس لكونها مقترنة بالجسم، و الْقَرُونُ من البعير: الذي يضع رجله موضع يده، كأنّه يَقْرِنُهَا بها، و الْقَرَنُ: الجعبة، و لا يقال لها قرن إلّا إذا قرنت بالقوس، و ناقة قَرُونٌ:
إذا دنا أحد خلفيها من الآخر، و الْقِرَانُ: الجمع بين الحجّ و العمرة، و يستعمل في الجمع بين الشّيئين. و قَرْنُ الشاة و البقرة، و الْقَرَنُ: عظم القرن «2»، و كبش أَقْرَنُ، و شاة قَرْنَاءُ، و سمّي عفل «3» المرأة قَرَناً تشبيها بالقرن في الهيئة، و تأذّي عضو الرّجل عند مباضعتها به كالتّأذّي‏
__________________________________________________
 (1) قال الأصمعي: هو قرنه في السن، بالفتح، و هو قرنه، بالكسر، إذا كان مثله في الشجاعة و الشدة. اللسان (قرن).
 (2) انظر: المجمل 3/ 749.
 (3) العفل: نبات لحم في قبل المرأة، و هو القرن، قال أبو عمرو الشيباني: القرن بالناقة مثل العفل بالمرأة، فيؤخذ.

667
مفردات ألفاظ القرآن

قرن ص 667

بالقرن، و قَرْنُ الجبل: الناتئ منه، و قَرْنُ المرأة: ذؤابتها، و قَرْنُ المرآة: حافتها، و قَرْنُ الفلاة: حرفها، و قَرْنُ الشمس، و قَرْنُ الشّيطان، كلّ ذلك تشبيها بالقرن. و ذو الْقَرْنَيْنِ معروف.
و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
 «إِنْ لَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَ إِنَّكَ لَذُو قَرْنَيْهَا» «1».
يعني:
ذو قرني الأمّة. أي: أنت فيهم كذي القرنين.
قرأ
قَرَأَتِ المرأة: رأت الدّم، و أَقْرَأَتْ: صارت ذات قُرْءٍ، و قَرَأْتُ الجاريةَ: استبرأتُها بالقُرء.
و الْقُرْءُ في الحقيقة: اسم للدّخول في الحيض عن طهر. و لمّا كان اسما جامعا للأمرين الطّهر و الحيض المتعقّب له أطلق على كلّ واحد منهما، لأنّ كلّ اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كلّ واحد منهما إذا انفرد، كالمائدة:
للخوان و للطّعام، ثم قد يسمّى كلّ واحد منهما بانفراده به. و ليس الْقُرْءُ اسما للطّهر مجرّدا، و لا للحيض مجرّدا بدلالة أنّ الطّاهر التي لم تر أثر الدّم لا يقال لها: ذات قرء. و كذا الحائض التي استمرّ بها الدّم و النّفساء لا يقال لها ذلك. و قوله:
يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة/ 228] أي: ثلاثة دخول من الطّهر في الحيض. و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اقْعُدِي عَنْ الصَّلَاةِ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ» «2».
أي أيّام حيضك، فإنما هو كقول القائل: افعل كذا أيّام ورود فلان، و وروده إنما يكون في ساعة و إن كان ينسب إلى الأيّام. و قول أهل اللّغة: إنّ الْقُرْءَ من: قَرَأَ، أي: جمع، فإنّهم اعتبروا الجمع بين زمن الطّهر و زمن الحيض حسبما ذكرت لاجتماع الدّم في الرّحم، و الْقِرَاءَةُ: ضمّ الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض في التّرتيل، [و ليس يقال ذلك لكلّ جمع‏] «3». لا يقال: قرأت القوم: إذا جمعتهم، و يدلّ على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوّه به قراءة، و الْقُرْآنُ في الأصل مصدر، نحو: كفران و رجحان. قال تعالى:
إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏ [القيامة/ 17- 18]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا جَمَعْنَاهُ وَ أَثْبَتْنَاهُ فِي صَدْرِكَ فَاعْمَلْ بِهِ.
و قد خصّ‏
__________________________________________________
الرّضف فيحمى ثم يكوى به ذلك القرن. انظر: اللسان (عفل).
 (1) الحديث عن عليّ بن أبي طالب أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال له: «يا عليّ إنّ لك كنزا في الجنة، و إنك ذو قرنيها، فلا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى و ليست لك الآخرة» أخرجه أحمد في المسند 5/ 353، فيه ابن إسحاق، و هو مدلس، و بقية رجاله ثقات، و الطبراني في الأوسط 1/ 388.
 (2) عن عدي بن ثابت أن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال لامرأة: «دعي الصلاة أيام أقرائك» أخرجه أبو داود برقم 297، و الترمذي (انظر: العارضة 1/ 199)، و ابن ماجة 1/ 204 و هو ضعيف.
 (3) ما بين [] ذكره الزركشي في البرهان 1/ 277، و تعقبه فقال: و لعلّ مراده بذلك في العرف و الاستعمال لا في أصل اللغة.

668
مفردات ألفاظ القرآن

قرأ ص 668

بالكتاب المنزّل على محمد صلّى اللّه عليه و سلم، فصار له كالعلم كما أنّ التّوراة لما أنزل على موسى، و الإنجيل على عيسى صلّى اللّه عليهما و سلم. قال بعض العلماء: (تسمية هذا الكتاب قُرْآناً من بين كتب اللّه لكونه جامعا لثمرة كتبه) بل لجمعه ثمرة جميع العلوم، كما أشار تعالى إليه بقوله: وَ تَفْصِيلَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ [يوسف/ 111]، و قوله: تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ [النحل/ 89]، قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ‏ [الزمر/ 28]، وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ‏ [الإسراء/ 106]، فِي هذَا الْقُرْآنِ* [الروم/ 58]، وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ [الإسراء/ 78] أي:
قراءته، لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ‏ [الواقعة/ 77] و أقرأت فلانا كذا. قال: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ [الأعلى/ 6]، و تَقَرَّأْتُ: تفهّمت، و قَارَأْتُهُ:
دارسته.
قرى‏
الْقَرْيَةُ: اسم للموضع الذي يجتمع فيه الناس، و للناس جميعا، و يستعمل في كلّ واحد منهما. قال تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف/ 82] قال كثير من المفسّرين معناه: أهل القرية.
و قال بعضهم «1» بل الْقَرْيَةُ هاهنا: القوم أنفسهم، و على هذا قوله: وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً [النحل/ 112]، و قال: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ‏ [محمد/ 13] و قوله: وَ ما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى‏ [هود/ 117] فإنّها اسم للمدينة، و كذا قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى‏ [يوسف/ 109]، رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها [النساء/ 75]، و
حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْقُضَاةِ دَخَلَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً [سَبَأَ/ 18] مَا يَقُولُ فِيهِ عُلَمَاؤُكُمْ؟ قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّهَا مَكَّةُ «2»، فَقَالَ: وَ هَلْ رَأَيْتَ؟ فَقُلْتُ: مَا هِيَ؟ قَالَ: إِنَّمَا عُنِيَ الرِّجَالُ، فَقَالَ: فَقُلْتُ: فَأَيْنَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَقَالَ:
أَ لَمْ تَسْمَعُ قَوْلَهُ تَعَالَى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ ... الْآيَةِ. [الطلاق/ 8] «3». و قال:
وَ تِلْكَ الْقُرى‏ أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [الكهف/ 59]، وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ [البقرة/ 58]، و قَرَيْتُ الماء في الحوض، و قَرَيْتُ الضّيف قِرًى، و قَرَى الشي‏ء في فمه: جمعه، و قُرْيَانُ الماء: مجتمعه.
__________________________________________________
 (1) هو المبرّد في كتابه ما اتفق لفظه ص 77.
 (2) المعروف أنّ المراد بها بلاد الشام. انظر: الدر المنثور 6/ 693، و روح المعاني 22/ 129، و تفسير القرطبي 14/ 289، و تفسير الماوردي 3/ 357.
 (3) و هذه القصة في البصائر 4/ 266، و عمدة الحفاظ: قرى.

669
مفردات ألفاظ القرآن

قسس ص 670

قسس‏
الْقِسُّ و الْقِسِّيسُ: العالم العابد من رءوس النصارى. قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَ رُهْباناً [المائدة/ 82] و أصل الْقَسِّ: تتبّع الشي‏ء و طلبه بالليل، يقال: تَقَسَّسْتُ أصواتهم بالليل، أي: تتبّعتها، و الْقَسْقَاسُ و الْقَسْقَسُ:
الدّليل بالليل.
قسر
الْقَسْرُ: الغلبة و القهر. يقال: قَسَرْتُهُ و اقْتَسَرْتُهُ، و منه: الْقَسْوَرَةُ. قال تعالى: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر/ 51] قيل: هو الأسد «1»، و قيل: الرّامي، و قيل: الصّائد.
قسط
الْقِسْطُ: هو النّصيب بالعدل كالنّصف و النّصفة. قال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ [يونس/ 4]، وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ [الرحمن/ 9] و الْقِسْطُ: هو أن يأخذ قسط غيره، و ذلك جور، و الْإِقْسَاطُ: أن يعطي قسط غيره، و ذلك إنصاف، و لذلك قيل: قَسَطَ الرّجل: إذا جار، و أَقْسَطَ: إذا عدل. قال: وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [الجن/ 15] و قال: وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ‏ [الحجرات/ 9]، و تَقَسَّطْنَا بيننا، أي: اقتسمنا، و الْقَسَطُ: اعوجاج في الرّجلين بخلاف الفحج، و الْقِسْطَاسُ: الميزان، و يعبّر به عن العدالة كما يعبّر عنها بالميزان، قال: وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ* [الإسراء/ 35].
قسم‏
الْقَسْمُ: إفراز النّصيب، يقال: قَسَمْتُ كذا قَسْماً و قِسْمَةً، و قِسْمَةُ الميراث، و قِسْمَةُ الغنيمة:
تفريقهما على أربابهما، قال: لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ‏ [الحجر/ 44]، وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ‏ [القمر/ 28]، و اسْتَقْسَمْتُهُ:
سألته أن يَقْسِمَ، ثم قد يستعمل في معنى قسم.
قال تعالى: وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ‏ [المائدة/ 3]. و رجل مُنْقَسِمُ القلب.
أي: اقْتَسَمَهُ الهمّ، نحو: متوزّع الخاطر، و مشترك اللّبّ، و أَقْسَمَ: حلف، و أصله من الْقَسَامَةِ، و هي أيمان تُقْسَمُ على أولياء المقتول، ثم صار اسما لكلّ حلف. قال: وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ* [الأنعام/ 109]، أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ‏ [الأعراف/ 49]، و قال: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ* وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة/ 1- 2]، فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَ الْمَغارِبِ‏ [المعارج/ 40]، إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ‏ [القلم/ 17]، فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ* [المائدة/ 106]، و قَاسَمَهُ، و تَقَاسَمَا، قال تعالى: وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏

__________________________________________________
 (1) مجاز القرآن 2/ 276.

670
مفردات ألفاظ القرآن

قسم ص 670

 [الأعراف/ 21]، قالُوا تَقاسَمُوا بِاللَّهِ‏ [النمل/ 49]، و فلان مُقْسِمُ الوجه، و قَسِيمُ الوجه أي: صبيحة، و الْقَسَامَةُ: الحسن، و أصله من القسمة كأنما آتى كلّ موضع نصيبه من الحسن فلم يتفاوت، و قيل: إنما قيل مُقسمٌ لأنه يقسم بحسنه الطّرف، فلا يثبت في موضع دون موضع، و قوله: كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ‏ [الحجر/ 90] أي: الذين تَقَاسَمُوا شعب مكّة ليصدّوا عن سبيل اللّه من يريد رسول اللّه «1»، و قيل: الذين تحالفوا على كيده عليه الصلاة و السلام «2».
قسو
الْقَسْوَةُ: غلظ القلب، و أصله من: حجر قَاسٍ، و الْمُقَاسَاةُ: معالجة ذلك. قال تعالى:
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ‏ [البقرة/ 74]، فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ‏ [الزمر/ 22]، و قال: وَ الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ‏ [الحج/ 53]، وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً [المائدة/ 13]، و قرئ: قَسِيَّةً «3» أي: ليست قلوبهم بخالصة، من قولهم: درهم قَسِيٌّ، و هو جنس من الفضّة المغشوشة، فيه قَسَاوَةٌ، أي: صلابة، قال الشاعر:
367-
         صاح الْقَسِيَّاتُ في أيدي الصّياريف «4»
قشعر
قال اللّه تعالى: تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ‏ [الزمر/ 23] أي: يعلوها قَشْعَرِيرَةٌ.
قصص‏
الْقَصُّ: تتبّع الأثر، يقال: قَصَصْتُ أثره، و الْقَصَصُ: الأثر. قال تعالى: فَارْتَدَّا عَلى‏ آثارِهِما قَصَصاً [الكهف/ 64]، وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ‏ [القصص/ 11] و منه قيل لما يبقى من الكلإ فيتتبّع أثره: قَصِيصٌ، و قَصَصْتُ ظُفْرَهُ، و الْقَصَصُ: الأخبار المتتبّعة، قال: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُ‏ [آل عمران/ 62]، لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ [يوسف/ 111]، وَ قَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ‏ [القصص/ 25]، نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏ [يوسف/ 3]، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ‏ [الأعراف/ 7]،
__________________________________________________
 (1) و هذا قول الفراء. انظر: معاني القرآن 2/ 91، و تفسير الماوردي 2/ 378.
 (2) انظر: تفسير الماوردي 2/ 378، و الدر المنثور 5/ 98، و تفسير مشكل القرآن لمكي ص 127.
 (3) و هي قراءة حمزة و الكسائي. انظر: الإتحاف ص 198.
 (4) هذا عجز بيت، و شطره:
         لها صواهل في صمّ السّلام كما

و هو لأبي زبيد الطائي من أبيات له يرثي عثمان بن عفان، مطلعها:
         على جنابيه من مظلومة قيم             تبادرتها مساح كالمناسيف‏
و هو في ديوانه ص 650، و غريب الحديث 4/ 68، و اللسان: (قسا).

671
مفردات ألفاظ القرآن

قصص ص 671

يَقُصُّ عَلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ [النمل/ 76]، فَاقْصُصِ الْقَصَصَ‏ [الأعراف/ 176].
و الْقِصَاصُ: تتبّع الدّم بالقود. قال تعالى:
وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة/ 179] وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ‏ [المائدة/ 45] و يقال:
قَصَّ فلان فلانا، و ضربه ضربا فَأَقَصَّهُ، أي: أدناه من الموت، و الْقَصُّ: الجصّ، و
 «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ» «1».
قصد
الْقَصْدُ: استقامة الطريق، يقال: قَصَدْتُ قَصْدَهُ، أي: نحوت نحوه، و منه: الِاقْتِصَادُ، و الِاقْتِصَادُ على ضربين: أحدهما محمود على الإطلاق، و ذلك فيما له طرفان: إفراط و تفريط كالجود، فإنه بين الإسراف و البخل، و كالشّجاعة فإنّها بين التّهوّر و الجبن، و نحو ذلك، و على هذا قوله: وَ اقْصِدْ فِي مَشْيِكَ‏ [لقمان/ 19] و إلى هذا النحو من الاقتصاد أشار بقوله: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا «2» [الفرقان/ 67]. و الثاني يكنّى به عمّا يتردّد بين المحمود و المذموم، و هو فيما يقع بين محمود و مذموم، كالواقع بين العدل و الجور، و القريب و البعيد، و على ذلك قوله: فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَ مِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ [فاطر/ 32]، و قوله: وَ سَفَراً قاصِداً [التوبة/ 42] أي: سفرا متوسّط غير متناهي هي البعد، و ربما فسّر بقريب. و الحقيقة ما ذكرت، و أَقْصَدَ السّهم: أصاب و قتل مكانه، كأنه وجد قَصْدَهُ قال:
368-
         فأصاب قلبك غير أن لم تُقْصِدْ «3»
و انْقَصَدَ الرّمحُ: انكسر، و تَقَصَّدَ: تكسّر، و قَصَدَ الرّمحَ: كسره، و ناقة قَصِيدٌ: مكتنزة ممتلئة من اللّحم، و الْقَصِيدُ من الشّعر: ما تمّ شطر أبنيته «4».
قصر
الْقِصَرُ: خلاف الطّول، و هما من الأسماء المتضايفة التي تعتبر بغيرها، و قَصَرْتُ كذا:
__________________________________________________
 (1) الحديث عن جابر بن عبد اللّه يقول: «نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عن تقصيص القبور، أو يبنى عليها أو يجلس عليها أحد» أخرجه مسلم 2/ 667، و النسائي 4/ 87، و أبو داود 3/ 552، و الترمذي 3/ 368.
 (2) الآية: و الّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا و كان بين ذلك قواما.
 (3) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، و صدره:
         في إثر غانية رمتك بسهمها

و هو من قصيدة مطلعها:
         أ من آل ميّة رائح أو مغتد             عجلان ذا زاد و غير مزوّد
و البيت في ديوانه ص 39، و التبيان شرح الديوان للعكبري 2/ 307.
 (4) انظر: تهذيب اللغة 8/ 352.

672
مفردات ألفاظ القرآن

قصر ص 672

جعلته قَصِيراً، و التَّقْصِيرُ: اسم للتّضجيع، و قَصَرْتُ كذا: ضممت بعضه إلى بعض، و منه سمّي الْقَصْرُ، و جمعه: قُصُورٌ. قال تعالى:
وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ [الحج/ 45]، وَ يَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً [الفرقان/ 10]، إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ [المرسلات/ 32]، و قيل: الْقَصْرُ أصول الشّجر، الواحدة قَصْرَةٌ، مثل: جمرة و جمر، و تشبيهها بالقصر كتشبيه ذلك في قوله:
كأنّه جمالات صفر [المرسلات/ 33]، و قَصَرْتُهُ جعلته: في قصر، و منه قوله تعالى:
حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ‏ [الرحمن/ 72]، و قَصَرَ الصلاةَ: جعلها قَصِيرَةً بترك بعض أركانها ترخيصا. قال: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء/ 101] و قَصَرْتُ اللّقحة على فرسي: حبست درّها عليه، و قَصَرَ السّهم عن الهدف، أي: لم يبلغه، و امرأة قَاصِرَةُ الطَّرْفِ: لا تمدّ طرفها إلى ما لا يجوز. قال تعالى: فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ‏ [الرحمن/ 56]. و قَصَّرَ شعره: جزّ بعضه، قال: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ‏ [الفتح/ 27]، و قَصَّرَ في كذا، أي: توانى، و قَصَّرَ عنه لم: ينله، و أَقْصَرَ عنه: كفّ مع القدرة عليه، و اقْتَصَرَ على كذا: اكتفى بالشي‏ء الْقَصِيرِ منه، أي: القليل، و أَقْصَرَتِ الشاة: أسنّت حتى قَصَرَ أطراف أسنانها، و أَقْصَرَتِ المرأة: ولدت أولادا قِصَاراً، و التِّقْصَارُ: قلادة قَصِيرَةٌ، و الْقَوْصَرَةُ معروفة «1».
قصف‏
قال اللّه تعالى: فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ‏ [الإسراء/ 69] و هي التي تَقْصِفُ ما مرّت عليه من الشّجر و البناء، و رعد قَاصِفٌ: في صوته تكسّر، و منه قيل لصوت المعازف:
قَصْفٌ، و يتجوّز به في كلّ لهو.
قصم‏
قال تعالى: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً [الأنبياء/ 11] أي: حطمناها و هشمناها، و ذلك عبارة عن الهلاك، و يسمّى الهلاك قَاصِمَةَ الظّهر، و قال في آخر: وَ ما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى‏ [القصص/ 59]. و الْقُصَمُ:
الرجل الذي يَقْصِمُ مَنْ قاومه.
قصى‏
الْقَصَى: البعد، و الْقَصِيُّ: البعيد. يقال:
قَصَوْتُ عنه، و أَقْصَيْتُ: أبعدت، و المكان الْأَقْصَى، و الناحية الْقَصْوَى، و منه قوله: وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى‏ [القصص/
__________________________________________________
 (1) القوصرة يكنى بها عن المرأة، و أصل القوصرة: وعاء من تمر يرفع فيه التمر من البواري. و ينسب إلى عليّ رضي اللّه عنه:
         أفلح من كانت له قوصره             يأكل منها كلّ يوم مرّه‏
انظر: اللسان (قصر).
             

673
مفردات ألفاظ القرآن

قصى ص 673

20]، و قوله: إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى‏ [الإسراء/ 1] يعني: بيت المقدس، فسمّاه الْأَقْصَى اعتبارا بمكان المخاطبين به من النبيّ و أصحابه، و قال: إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَ هُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى‏ [الأنفال/ 42]. و قَصَوْتُ البعير: قطعت أذنه، و ناقة قَصْوَاءُ، و حكوا أنه يقال: بعير أَقْصَى، و الْقَصِيَّةُ من الإبلِ: البعيدةُ عن الاستعمال.
قض‏
قَضَضْتُهُ فَانْقَضَّ، و انْقَضَّ الحائط: وقع. قال تعالى: يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ‏ [الكهف/ 77] و أَقَضَّ عليه مضجعه: صار فيه قَضَضٌ، أي: حجارة صغار.
قضب‏
قال اللّه تعالى: فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً [عبس/ 27- 28] أي: رطبة، و الْمَقَاضِبُ: الأرض التي تنبتها، و الْقَضِيبُ نحو الْقَضْبِ، لكن الْقَضِيبُ يستعمل في فروع الشّجر، و الْقَضْبُ يستعمل في البقل، و الْقَضْبُ: قطع القضب و القضيب. و
رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى فِي ثَوْبٍ تَصْلِيباً قَضَبَهُ» «1».
و سيف قَاضِبٌ و قَضِيبٌ، أي: قاطع، فَالْقَضِيبُ هاهنا بمعنى الفاعل، و في الأوّل بمعنى المفعول، و كذا قولهم: ناقة قَضِيبٌ: مُقْتَضَبَةٌ من بين الإبل و لمّا ترض، و يقال لكلّ ما لم يهذّب: مُقْتَضَبٌ، و منه: اقْتَضَبَ حديثا: إذا أورده قبل أن راضه و هذّبه في نفسه.
قضى‏
الْقَضَاءُ: فصل الأمر قولا كان ذلك أو فعلا، و كلّ واحد منهما على وجهين: إلهيّ، و بشريّ. فمن القول الإلهيّ قوله تعالى:
وَ قَضى‏ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ‏ [الإسراء/ 23] أي: أمر بذلك، و قال: وَ قَضَيْنا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ‏ [الإسراء/ 4] فهذا قَضَاءٌ بالإعلام و الفصل في الحكم، أي: أعلمناهم و أوحينا إليهم وحيا جزما، و على هذا: وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ‏ [الحجر/ 66]، و من الفعل الإلهيّ قوله: وَ اللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْ‏ءٍ [غافر/ 20]، و قوله: فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ‏ [فصلت/ 12] إشارة إلى إيجاده الإبداعيّ و الفراغ منه نحو: بَدِيعُ*
__________________________________________________
 (1) الحديث أخرجه أبو عبيد، و قال: في حديثه عليه السلام في الثوب المصلّب أنّه كان إذا رآه في ثوب قضبه.
انظر: غريب الحديث 1/ 32، و الفائق 2/ 356.
و الحديث في البخاري عن عائشة أن النبي لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه.
قال ابن حجر: و في رواية أبان: «إلا قضبه» و كذا عند ابن أبي شيبة. راجع: فتح الباري، باب: نقض الصور 10/ 385. قلت: و كذا عند الطبراني في الأوسط 3/ 227.

674
مفردات ألفاظ القرآن

قضى ص 674

السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [البقرة/ 117]، و قوله:
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ‏ [الشورى/ 14] أي: لفصل، و من القول البشريّ نحو: قضى الحاكم بكذا، فإنّ حكم الحاكم يكون بالقول، و من الفعل البشريّ: فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ‏ [البقرة/ 200]، ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ‏ [الحج/ 29]، و قال تعالى: قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَ‏ [القصص/ 28]، و قال: فَلَمَّا قَضى‏ زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [الأحزاب/ 37]، و قال: ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَ لا تُنْظِرُونِ‏ [يونس/ 71] أي: افرغوا من أمركم، و قوله: فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ‏ [طه/ 72]، إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا [طه/ 72]، و قول الشاعر:
369-
         قَضَيْتُ أمورا ثمّ غادرت بعدها «1»
يحتمل القَضَاءَ بالقول و الفعل جميعا، و يعبّر عن الموت بالقضاء، فيقال: فلان قَضَى نحبه، كأنه فصل أمره المختصّ به من دنياه، و قوله: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب/ 23]. قيل قَضَى نذره، لأنه كان قد ألزم نفسه أن لا ينكل عن العدى أو يقتل، و قيل:
معناه منهم من مات «2»، و قال تعالى: ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ‏ [الأنعام/ 2] قيل:
عني بالأوّل: أجل الحياة، و بالثاني: أجل البعث، و قال: يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ [الحاقة/ 27]، و قال: وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ‏ [الزخرف/ 77] و ذلك كناية عن الموت، و قال: فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى‏ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ‏ [سبأ/ 14] و قَضَى الدّينَ: فصل الأمر فيه بردّه، و الِاقْتِضَاءُ:
المطالبة بقضائه، و منه قولهم: هذا يَقْضِي كذا، و قوله: لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ‏ [يونس/ 11] أي: فرغ من أجلهم و مدّتهم المضروبة للحياة، و الْقَضَاءُ من اللّه تعالى أخصّ من القدر، لأنه الفصل بين التّقدير، فالقدر هو التّقدير، و القضاء هو الفصل و القطع، و قد ذكر بعض العلماء أنّ القدر بمنزلة المعدّ للكيل، و القضاء بمنزلة
__________________________________________________
 (1) الشطر للشماخ، و عجزه:
         بوائج في أكمامها لم تفتق‏

و هو من قصيدة له يرثي بها عمر بن الخطاب، و مطلعها:
         جزى اللّه خيرا من أمير و باركت             يد اللّه في ذاك الأديم الممزق‏
و هو في ديوانه ص 449، و الحماسة 1/ 453، و قيل: هي لجزء بن ضرار أخيه.
 (2) انظر: أسباب النزول للواحدي ص 202.

675
مفردات ألفاظ القرآن

قضى ص 674

الكيل «1»، و هذا كما قال أبو عبيدة لعمر رضي اللّه عنهما لما أراد الفرار من الطّاعون بالشام:
أ تفرّ من القضاء؟ قال: أفرّ من قضاء اللّه إلى قدر اللّه «2»، تنبيها أنّ القدر ما لم يكن قضاء فمرجوّ أن يدفعه اللّه، فإذا قضى فلا مدفع له و يشهد لذلك قوله: وَ كانَ أَمْراً مَقْضِيًّا [مريم/ 21] و قوله: كانَ عَلى‏ رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا [مريم/ 71]، وَ قُضِيَ الْأَمْرُ* [البقرة/ 210] أي:
فصل تنبيها أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه.
و قوله: إِذا قَضى‏ أَمْراً* [آل عمران/ 47].
و كلّ قول مقطوع به من قولك: هو كذا أو ليس بكذا يقال له: قَضِيَّةٌ، و من هذا يقال: قضيّة صادقة، و قضيّة كاذبة «3»، و إيّاها عنى من قال:
التّجربة خطر و الْقَضَاءُ عسر، أي: الحكم بالشي‏ء أنه كذا و ليس بكذا أمر صعب، و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «عَلِيٌّ أَقْضَاكُمْ» «4».
قط
قال تعالى: وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ‏ [ص/ 16] الْقِطُّ: الصّحيفة، و هو اسم للمكتوب و المكتوب فيه، ثم قد يسمّى المكتوب بذلك كما يسمّى الكلام كتابا و إن لم يكن مكتوبا، و أصل الْقِطِّ: الشي‏ء المقطوع عرضا، كما أنّ الْقِدَّ هو المقطوع طولا، و الْقِطُّ:
النّصيب المفروز كأنّه قُطَّ، أي: أفرز، و قد فسّر ابن عباس رضي اللّه عنه الآية به «5»، و قَطَّ السّعر أي: علا، و ما رأيته قَطْ، عبارة عن مدّة الزمان المقطوع به.
و قَطْنِي: حسبي.
__________________________________________________
 (1) انظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 9/ 43 نقلا عن المفردات.
و قال بعضهم: القضاء: الحكم بالكليات على سبيل الإجمال في الأزل، و القدر: الحكم بوقوع الجزئيات التي لتلك الكليات على سبيل التفصيل. انظر: فتح الباري، كتاب الدعوات: التعوذ من جهد البلاء 11/ 149.
 (2) انظر: بصائر ذوي التمييز 4/ 278، و هذا شطر من حديث طويل أخرجه البخاري في الطاعون، و فيه: (فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة: أ فرارا من قدر اللّه؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفرّ من قدر اللّه إلى قدر اللّه ...) الحديث في فتح الباري 10/ 179.
 (3) هذا اصطلاح أهل المنطق، و عند أهل البلاغة تسمى خبرا. قال الأخضري:
         ما احتمل الصدق لذاته جرى             بينهم قضية و خبرا.
 (4) الحديث عن عمر قال: قال النبي صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ أرأف أمتي بها أبو بكر، و إنّ أصلبها في أمر اللّه لعمر، و إنّ أشدّها حياء لعثمان، و إنّ أقرأها لأبيّ، و إنّ أفرضها لزيد، و إنّ أقضاها لعليّ» أخرجه ابن عدي في الضعفاء 6/ 2097، و عزاه صاحب كشف الخفاء لأحمد، و ليس عنده: «أقضاهم علي» و انظر: كشف الخفاء 1/ 108.
 (5) أخرج الطستي عن ابن عباس أنّ نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: عجّل لنا قطّنا؟ قال: القطّ:
الجزاء، قال: و هل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أ ما سمعت الأعشى و هو يقول:
         و لا الملك النعمان يوم لقيته             بأمته يعطي القطوط و يأفق‏

انظر: الدر المنثور 7/ 147.

676
مفردات ألفاظ القرآن

قطر ص 677

قطر
الْقُطْرُ: الجانب، و جمعه: أَقْطَارٌ. قال تعالى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الرحمن/ 33]، و قال:
وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها [الأحزاب/ 14] و قَطَرْتُهُ: ألقيته على قُطْرِهِ، و تَقَطَّرَ: وقع على قُطْره، و منه: قَطَرَ المطر، أي: سقط، و سمّي لذلك قَطْراً، و تَقَاطَرَ القوم: جاءوا أرسالا كالقَطْر، و منه قِطَارُ الإبل، و قيل: الإنفاض يُقَطِّرُ الجلب «1» .. أي: إذا أنفض القوم فقلّ زادهم قطروا الإبل و جلبوها للبيع، و الْقَطِرَانُ: ما يَتَقَطَّرُ من الهناء. قال تعالى: سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ‏
 [إبراهيم/ 50]، و قرئ: (من قِطْرٍ آنٍ) «2» أي:
من نحاس مذاب قد أني حرّها، و قال: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً [الكهف/ 96] أي: نحاسا مذابا،
 [قنطر]
و قال: وَ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ‏ [آل عمران/ 75] و قوله:
وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً [النساء/ 20] و الْقَنَاطِيرُ جمع الْقَنْطَرَةِ، و الْقَنْطَرَةُ من المال: ما فيه عبور الحياة تشبيها بالقنطرة، و ذلك غير محدود القدر في نفسه، و إنما هو بحسب الإضافة كالغنى، فربّ إنسان يستغني بالقليل، و آخر لا يستغني بالكثير، و لما قلنا اختلفوا في حدّه فقيل: أربعون أوقيّة. و
قَالَ الْحَسَنُ: أَلْفٌ وَ مِائَتَا دِينَارٍ.
و قيل: مل‏ء مسك ثور ذهبا إلى غير ذلك، و ذلك كاختلافهم في حدّ الغنى، و قوله:
وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ [آل عمران/ 14] أي:
المجموعة قنطارا قنطارا، كقولك: دراهم مدرهمة، و دنانير مدنّرة.
قطع‏
الْقَطْعُ: فصل الشي‏ء مدركا بالبصر كالأجسام، أو مدركا بالبصيرة كالأشياء المعقولة، فمن ذلك قَطْعُ الأعضاء نحو قوله:
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ* [الأعراف/ 124]، و قوله: وَ السَّارِقُ وَ السَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما [المائدة/ 38] و قوله:
وَ سُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ‏ [محمد/ 15] و قَطْعُ الثوب، و ذلك قوله تعالى: فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ [الحج/ 19] و قَطْعُ الطَّريقِ يقال على وجهين: أحدهما: يراد به السّير و السّلوك، و الثاني: يراد به الغصب من المارّة و السالكين للطّريق نحو قوله: أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَ تَقْطَعُونَ السَّبِيلَ‏ [العنكبوت/ 29] و ذلك إشارة إلى قوله: الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ* [الأعراف/ 45]، و قوله:
فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ* [النمل/ 24] و إنما
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 759، و الجمهرة 3/ 373، و اللسان (قطر).
 (2) و هي قراءة شاذة.

677
مفردات ألفاظ القرآن

قطع ص 677

سمّي ذلك قطع الطريق، لأنه يؤدّي إلى انْقِطَاعِ الناس عن الطريق، فجعل ذلك قطعا للطريق، و قَطْعُ الماء بالسّباحة: عبوره، و قَطْعُ الوصل:
هو الهجران، و قَطْعُ الرَّحِمِ يكون بالهجران، و منع البرّ. قال تعالى: وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ‏ [محمد/ 22]، و قال: وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ* [البقرة/ 27]، ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ [الحج/ 15] و قد قيل: ليقطع حبله حتى يقع، و قد قيل: ليقطع أجله بالاختناق، و هو معنى‏
قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ثُمَّ ليَخْتَنِقْ «1».
و قَطْعُ الأمرِ: فصله، و منه قوله: ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً [النمل/ 32]، و قوله: لِيَقْطَعَ طَرَفاً [آل عمران/ 127] أي: يهلك جماعة منهم.
و قَطْعُ دابرِ الإنسان: هو إفناء نوعه. قال:
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنعام/ 45]، و أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ‏ [الحجر/ 66]، و قوله: إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ‏ [التوبة/ 110] أي: إلا أن يموتوا، و قيل: إلا أن يتوبوا توبة بها تَنْقَطِعُ قلوبهم ندما على تفريطهم، و قِطْعٌ مِنَ اللّيْل: قطعة منه. قال تعالى: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ* [هود/ 81]. و الْقَطِيعُ من الغنم جمعه قُطْعَانٌ، و ذلك كالصّرمة و الفرقة، و غير ذلك من أسماء الجماعة المشتقّة من معنى القطع «2»، و الْقَطِيعُ:
السّوط، و أصاب بئرهم قُطْعٌ أي: انقطع ماؤها، و مَقَاطِعُ الأودية: مآخيرها.
قطف‏
يقال: قَطَفْتُ الثّمرة قَطْفاً، و الْقِطَفُ:
الْمَقْطُوفُ منه، و جمعه قُطُوفٌ. قال تعالى:
قُطُوفُها دانِيَةٌ [الحاقة/ 23] و قَطَفَتِ الدّابّةُ قَطْفاً فهي قَطُوفٌ، و استعمال ذلك فيه استعارة، و تشبيه بِقَاطِفِ شي‏ء كما يوصف بالنّقض على ما تقدّم ذكره، و أَقْطَفَ الكَرْم: دنا قِطَافُهُ، و الْقُطَافَةُ:
ما يسقط منه كالنّفاية.
قطمر
قال تعالى: وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ [فاطر/ 13] أي: الأثر في ظهر النّواة، و ذلك مثل للشي‏ء الطّفيف.
قطن‏
قال تعالى: وَ أَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ‏ [الصافات/ 146]، و الْقُطْنُ، و قَطَنُ الحيوانِ معروفان.
قعد
الْقُعُودُ يقابل به القيام، و الْقَعْدَةُ للمرّة،
__________________________________________________
 (1) أخرج الحاكم و صححه و غيره عن ابن عباس قال: من كان يظن أن لن ينصر اللّه محمدا في الدنيا و الآخرة فليمدد بسبب قال: فليربط حبلا إلى السّماء إلى سماء بيته السقف، ثمّ ليقطع قال: ثم يختنق به حتى يموت.
انظر: الدر المنثور 6/ 15، و المستدرك.
 (2) انظر: جواهر الألفاظ لقدامة بن جعفر ص 359.

678
مفردات ألفاظ القرآن

قعد ص 678

و الْقِعْدَةُ للحال التي يكون عليها الْقَاعِدُ، و الْقُعُودُ قد يكون جمع قاعد. قال: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً [النساء/ 103]، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً [آل عمران/ 191]، و الْمَقْعَدُ:
مكان القعود، و جمعه: مَقَاعِدُ. قال تعالى:
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر/ 55] أي في مكان هدوّ، و قوله: مَقاعِدَ لِلْقِتالِ‏ [آل عمران/ 121] كناية عن المعركة التي بها المستقرّ، و يعبّر عن المتكاسل في الشي‏ء بِالْقَاعدِ نحو قوله: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ [النساء/ 95]، و منه: رجل قُعَدَةٌ و ضجعة، و قوله: وَ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً [النساء/ 95] و عن التّرصّد للشي‏ء بالقعود له.
نحو قوله: لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الأعراف/ 16]، و قوله: إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ‏ [المائدة/ 24] يعني متوقّفون. و قوله: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ [ق/ 17] أي:
ملك يترصّده و يكتب له و عليه، و يقال ذلك للواحد و الجمع، و الْقَعِيدُ من الوحش: خلاف النّطيح. و قَعِيدَكَ اللّه، و قِعْدَكَ اللّه، أي: أسأل اللّه الذي يلزمك حفظك، و الْقَاعِدَةُ: لمن قعدت عن الحيض و التّزوّج، و الْقَوَاعِدُ جمعها. قال: وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ [النور/ 60]، و الْمُقْعَدُ:
من قَعَدَ عن الدّيون، و لمن يعجز عن النّهوض لزمانة به، و به شبّه الضّفدع فقيل له: مُقْعَدٌ «1»، و جمعه: مُقْعَدَاتٌ، و ثدي مُقْعَدٌ للكاعب: ناتئ مصوّر بصورته، و الْمُقْعَدُ كناية عن اللئيم الْمُتَقَاعِدِ عن المكارم، و قَوَاعِدُ البِنَاءِ: أساسه.
قال تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ‏ [البقرة/ 127]، و قَوَاعِدُ الهودج:
خشباته الجارية مجرى قواعد البناء.
قعر
قَعْرُ الشي‏ء: نهاية أسفله. و قوله: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر/ 20] أي: ذاهب في قعر الأرض. و قال بعضهم: انْقَعَرَتِ الشّجرة: انقلعت من قعرها، و قيل: معنى انْقَعَرَتْ: ذهبت في قعر الأرض، و إنما أراد تعالى أنّ هؤلاء اجتثّوا كما اجتثّ النّخل الذاهب في قعر الأرض، فلم يبق لهم رسم و لا أثر، و قصعة قَعِيرَةٌ: لها قعر، و قَعَّرَ فلان في كلامه: إذا أخرج الكلام من قعر حلقه، و هذا كما يقال:
شدّق في كلامه: إذا أخرجه من شدقه.
قفل‏
الْقُفْلُ جمعه: أَقْفَالٌ. يقال: أَقْفَلْتُ الباب، و قد جعل ذلك مثلا لكلّ مانع للإنسان من‏
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: المقعد: الذي لا يقدر على القيام لزمانة به، كأنه قد ألزم القعود. و قيل: هو من القعاد الذي هو الداء الذي يأخذ الإبل بأوراكها فيميلها إلى الأرض. و المقعدات: الضفادع. انظر: اللسان (قعد).

679
مفردات ألفاظ القرآن

قفل ص 679

تعاطي فعل، فيقال: فلان مُقْفَلٌ عن كذا. قال تعالى: أَمْ عَلى‏ قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد/ 24] و قيل للبخيل: مُقْفَلُ اليدين، كما يقال: مغلول اليدين، و الْقُفُولُ: الرّجوع من السّفر، و الْقَافِلَةُ:
الرّاجعة من السّفر، و الْقَفِيلُ: اليابس من الشي‏ء، إمّا لكون بعضه راجعا إلى بعض في اليبوسة، و إمّا لكونه كالمقفل لصلابته، يقال: قَفَلَ النّباتُ و قَفَلَ الفحل «1»، و ذلك إذا اشتدّ هياجه فيبس من ذلك و هزل.
قفا
الْقَفَا معروف، يقال: قَفَوْتُهُ: أصبت قَفَاهُ، و قَفَوْتُ أثره، و اقْتَفَيْتُهُ: تبعت قَفَاهُ، و الِاقْتِفَاءُ:
اتّباع القفا، كما أنّ الارتداف اتّباع الرّدف، و يكنّى بذلك عن الاغتياب و تتبّع المعايب، و قوله تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ‏ [الإسراء/ 36] أي: لا تحكم بِالْقِيَافَةِ و الظنّ، و الْقِيَافَةُ مقلوبة عن الاقتفاء فيما قيل، نحو:
جذب و جبذ و هي صناعة «2»، و قَفَّيْتُهُ: جعلته خلفه. قال: وَ قَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ‏ [البقرة/ 87]. و الْقَافِيَةُ: اسم للجزء الأخير من البيت الذي حقّه أن يراعى لفظه فيكرّر في كلّ بيت، و الْقَفَاوَةُ: الطّعام الذي يتفقّد به من يعنى به فيتّبع.
قل‏
الْقِلَّةُ و الكثرة يستعملان في الأعداد، كما أنّ العظم و الصّغر يستعملان في الأجسام، ثم يستعار كلّ واحد من الكثرة و العظم، و من القلّة و الصّغر للآخر. و قوله تعالى: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب/ 60] أي: وقتا، و كذا قوله: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل/ 2]، وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب/ 16]، و قوله: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا [لقمان/ 24] و قوله: ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا [الأحزاب/ 20] أي: قتالا قليلا و قوله: وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى‏ خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا [المائدة/ 13] أي: جماعة قَلِيلَةً، و كذلك قوله: إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا [الأنفال/ 43]، وَ يُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ‏ [الأنفال/ 44] و يكنّى بِالْقِلَّةِ عن الذّلّة اعتبارا بما قال الشاعر:
370-
         و لست بالأكثر منهم حصا             و إنما العزّة للكاثر «3»

و على ذلك قوله: وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا

__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال للسرقسطي 2/ 67.
 (2) و هذا ما يسمى الاشتقاق الأكبر. انظر: الخصائص 1/ 5. و الغريب المصنف ورقة 260 نسخة تركيا.
 (3) البيت للأعشى يفضّل فيه عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة في المنافرة التي جرت بينهما، و مطلع القصيدة:
         شاقتك من قتلة أطلالها             بالشط فالوتر إلى حاجر
و هو في ديوانه ص 94، و اللسان (حصا).

680
مفردات ألفاظ القرآن

قل ص 680

فَكَثَّرَكُمْ [الأعراف/ 86] و يكنّى بها تارة عن العزّة اعتبارا بقوله: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ/ 13]، وَ قَلِيلٌ ما هُمْ‏ [ص/ 24] و ذاك أنّ كلّ ما يعزّ يَقِلُّ وجوده. و قوله:
وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء/ 85] يجوز أن يكون استثناء من قوله: وَ ما أُوتِيتُمْ أي: ما أوتيتم العلم إلّا قليلا منكم، و يجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف. أي:
علما قليلا، و قوله: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا* [البقرة/ 41] يعني بِالْقَلِيلِ هاهنا أعراض الدّنيا كائنا ما كان، و جعلها قليلا في جنب ما أعدّ اللّه للمتّقين في القيامة، و على ذلك قوله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ‏ [النساء/ 77]. و قليل يعبّر به عن النّفي، نحو: قَلَّمَا يفعل فلان كذا، و لهذا يصحّ أن يستثنى منه على حدّ ما يستثنى من النّفي، فيقال: قلّما يفعل كذا إلّا قاعدا أو قائما و ما يجري مجراه، و على ذلك حمل قوله:
قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ‏ [الحاقة/ 41] و قيل: معناه تؤمنون إيمانا قليلا، و الإيمان الْقَلِيلُ هو الإقرار و المعرفة العامّيّة المشار إليها بقوله: وَ ما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف/ 106]. و أَقْلَلْتُ كذا: وجدته قَلِيلَ المحمل، أي: خفيفا، إمّا في الحكم، أو بالإضافة إلى قوّته، فالأول نحو: أَقْلَلْتَ ما أعطيتني. و الثاني قوله: أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا [الأعراف/ 57] أي: احتملته فوجدته قليلا باعتبار قوّتها، و اسْتَقْلَلْتُهُ: رأيته قليلا. نحو: استخففته: رأيته خفيفا، و الْقُلَّةُ «1»: ما أَقَلَّهُ الإنسان من جرّة و حبّ «2»، و قُلَّةُ الجبل: شَعَفُهُ اعتبارا بقلّته إلى ما عداه من أجزائه، فأمّا تَقَلْقَلَ الشي‏ء: إذا اضطرب، و تَقَلْقَلَ المسمار فمشتقّ من الْقَلْقَلَةِ، و هي حكاية صوت الحركة.
قلب‏
قَلْبُ الشي‏ء: تصريفه و صرفه عن وجه إلى وجه، كقلب الثّوب، و قلب الإنسان، أي: صرفه عن طريقته. قال تعالى: وَ إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ‏ [العنكبوت/ 21]. و الِانْقِلَابُ: الانصراف، قال: انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ‏ [آل عمران/ 144]، و قال: إِنَّا إِلى‏ رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ* [الأعراف/ 125]، و قال: أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ‏ [الشعراء/ 227]، و قال:
وَ إِذَا انْقَلَبُوا إِلى‏ أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ‏ [المطففين/ 31]. و قَلْبُ الإِنْسان قيل: سمّي به لكثرة تَقَلُّبِهِ، و يعبّر بالقلب عن المعاني التي تختصّ به من الرّوح و العلم و الشّجاعة و غير ذلك، و قوله: وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الأحزاب/ 10] أي: الأرواح. و قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ‏ [ق/ 37] أي:
__________________________________________________
 (1) انظر المجمل 3/ 726.
 (2) الحبّ: الجرّة الضخمة.

681
مفردات ألفاظ القرآن

قلب ص 681

علم و فهم، و كذلك: وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ* [الأنعام/ 25]، و قوله: وَ طُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ‏ [التوبة/ 87]، و قوله: وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ‏ [الأنفال/ 10] أي: تثبت به شجاعتكم و يزول خوفكم، و على عكسه: وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ* [الحشر/ 2]، و قوله: ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَ‏ [الأحزاب/ 53] أي: أجلب للعفّة، و قوله:
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الفتح/ 4]، و قوله: وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى‏ [الحشر/ 14] أي: متفرّقة، و قوله: وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج/ 46] قيل: العقل، و قيل: الرّوح. فأمّا العقل فلا يصحّ عليه ذلك، قال: و مجازه مجاز قوله: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ* [البقرة/ 25]. و الأنهار لا تجري و إنما تجري المياه التي فيها. و تَقْلِيبُ الشي‏ء: تغييره من حال إلى حال نحو: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [الأحزاب/ 66] و تَقْلِيبُ الأمور: تدبيرها و النّظر فيها، قال:
وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ [التوبة/ 48]. و تَقْلِيبُ اللّه القلوب و البصائر: صرفها من رأي إلى رأي، قال: وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ‏ [الأنعام/ 110]، و تَقْلِيبُ اليد: عبارة عن النّدم ذكرا لحال ما يوجد عليه النادم. قال: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ‏ [الكهف/ 42] أي: يصفّق ندامة.
قال الشاعر:
371-
         كمغبون يعضّ على يديه             تبيّن غبنه بعد البياع «1»

و التَّقَلُّبُ: التّصرّف، قال تعالى: وَ تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ‏ [الشعراء/ 219]، و قال: أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ‏ [النحل/ 46]. و رجل قُلَّبٌ حُوَّلٌ: كثير التّقلّب و الحيلة «2»، و الْقُلَابُ: داء يصيب القلب، و ما به قَلَبَةٌ «3»: علّة يُقَلِّبُ لأجلها، و الْقَلِيبُ. البئر التي لم تطو، و الْقُلْبُ: الْمَقْلُوبُ من الأسورة.
قلد
الْقَلْدُ: الفتل. يقال قَلَدْتُ الحبل فهو قَلِيدٌ و مَقْلُودٌ، و الْقِلَادَةُ: المفتولة التي تجعل في العنق من خيط و فضّة و غيرهما، و بها شبّه كلّ ما يتطوّق، و كلّ ما يحيط بشي‏ء. يقال: تَقَلَّدَ سيفه تشبيها بالقِلادة، كقوله: توشّح به تشبيها بالوشاح، و قَلَّدْتُهُ سيفا يقال تارة إذا وشّحته به، و تارة إذا ضربت عنقه. و قَلَّدْتُهُ عملا: ألزمته.
و قَلَّدْتُهُ هجاء: ألزمته، و قوله: لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [الزمر/ 63] أي: ما يحيط بها، و قيل: خزائنها، و قيل: مفاتحها
__________________________________________________
 (1) البيت في البصائر 4/ 288 دون نسبة، و هو لقيس بن ذريح صاحب لبنى في شرح الفصيح لابن درستويه 1/ 152، و الأغاني 8/ 114.
 (2) انظر: اللسان (قلب) و (حول).
 (3) قال ابن منظور: و ما بالعليل قلبة. أي: ما به شي‏ء، لا يستعمل إلا في النفي. انظر: اللسان (قلب).

682
مفردات ألفاظ القرآن

قلد ص 682

و الإشارة بكلّها إلى معنى واحد، و هو قدرته تعالى عليها و حفظه لها.
قلم‏
أصل الْقَلْمِ: القصّ من الشي‏ء الصّلب، كالظفر و كعب الرّمح و القصب، و يقال لِلْمَقْلُومِ: قَلَمٌ. كما يقال للمنقوض: نقض.
و خصّ ذلك بما يكتب به، و بالقدح الذي يضرب به، و جمعه: أَقْلَامٌ. قال تعالى: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ‏ [القلم/ 1]. و قال: وَ لَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ‏ [لقمان/ 27]، و قوله: إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ‏ [آل عمران/ 44] أي: أقداحهم، و قوله تعالى: عَلَّمَ بِالْقَلَمِ‏ [العلق/ 4] تنبيه لنعمته على الإنسان بما أفاده من الكتابة و ما
رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ كَانَ يَأْخُذُ الْوَحْيَ عَنْ جِبْرِيلَ وَ جِبْرِيلُ عَنْ مِيكَائِيلَ وَ مِيكَائِيلُ [عَنْ‏] إِسْرَافِيلَ وَ إِسْرَافِيلُ عَنِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَ اللَّوْحُ عَنِ الْقَلَمِ» «1».
فإشارة إلى معنى إلهيّ، و ليس هذا موضع تحقيقه. و الْإِقْلِيمُ:
واحد الْأَقَالِيمِ السّبعة. و ذلك أنّ الدّنيا مقسومة على سبعة أسهم على تقدير أصحاب الهيئة.
قلى‏
الْقِلَى: شدّة البغض. يقال: قَلَاهُ يَقْلِيهِ و يَقْلُوهُ. قال تعالى: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ ما قَلى‏ [الضحى/ 3]، و قال: إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ‏ [الشعراء/ 168] فمن جعله من الواو فهو من الْقَلْوِ، أي: الرّمي، من قولهم: قلت الناقة براكبها قلوا، و قلوت بالقلّة «2»، فكأنّ المقلوّ هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله، و من جعله من الياء فمن: قَلَيْتُ البسر و السّويق على الْمِقْلَاةِ.
قمح‏
قال الخليل «3»: الْقَمْحُ: البرّ إذا جرى في السّنبل من لدن الإنضاج إلى حين الاكتناز، و يسمّى السّويق المتّخذ منه قَمِيحَةً، و الْقَمْحُ:
رفع الرأس لسفّ الشي‏ء، ثم يقال لرفع الرأس كيفما كان: قَمْحٌ، و قَمَحَ البعير: رفع رأسه، و أَقْمَحْتُ البعير: شددت رأسه إلى خلف.
و قوله: مُقْمَحُونَ‏ [يس/ 8] تشبيه بذلك، و مثل لهم، و قصد إلى وصفهم بالتّأبّي عن الانقياد للحقّ، و عن الإذعان لقبول الرّشد، و التأبّي عن الإنفاق في سبيل اللّه، و قيل: إشارة إلى حالهم في القيامة إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَ السَّلاسِلُ [غافر/ 71].
__________________________________________________
 (1) أخرجه السجزي في الإبانة و فيه محمد بن عكاشة الكرماني، و هو كذّاب كان يضع الحديث. تنزيه الشريعة 1/ 318 و 331.
 (2) قال السرقسطي: قلوت القلّة قلوا: ضربتها بالعود لترتفع، و قلت الدواب في السير: تقدّمت و قلوت الشي‏ء و قليته قلوا و قليا: طبخته في المقلى. انظر: الأفعال 2/ 129.
 (3) العين 3/ 55، و عبارته: القمح: البرّ، و أقمح البرّ: جرى الدقيق في السّنبل.

683
مفردات ألفاظ القرآن

قمر ص 684

قمر
الْقَمَرُ: قَمَرُ السّماء. يقال عند الامتلاء و ذلك بعد الثالثة، قيل: و سمّي بذلك لأنه يَقْمُرُ ضوء الكواكب و يفوز به. قال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً [يونس/ 5]، و قال: وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ‏ [يس/ 39]، وَ انْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر/ 1]، وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها [الشمس/ 2]، و قال: كَلَّا وَ الْقَمَرِ [المدثر/ 32]. و الْقَمْرَاءُ: ضوؤه، و تَقَمَّرْتُ فلانا: أتيته في القمراء، و قَمَرَتِ القربة: فسدت بالقمراء، و قيل: حمار أَقْمَرُ: إذا كان على لون القمراء، و قَمَرْتُ فلانا: كذا خدعته عنه.
قمص‏
الْقَمِيصُ معروف، و جمعه قُمُصٌ و أَقْمِصَةٌ و قُمْصَانٌ. قال تعالى: إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ‏ [يوسف/ 26]، وَ إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ [يوسف/ 27] و تَقَمَّصَهُ: لبسه، و قَمَصَ البعير يَقْمُصُ و يَقْمِصُ: إذا نزا، و الْقُمَاصُ: داء يأخذه فلا يستقرّ به موضعه و منه (الْقَامِصَةُ) «1» في الحديث.
قمطر
قوله تعالى: عَبُوساً قَمْطَرِيراً [الإنسان/ 10] أي: شديدا. يقال: قَمْطَرِيرٌ و قَمَاطِيرٌ.
قمع‏
قال تعالى: وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج/ 21] جمع مِقْمَعٍ، و هو ما يضرب به و يذلّل، و لذلك يقال: قَمَعْتُهُ فَانْقَمَعَ، أي: كففته فكفّ، و الْقَمْعُ و الْقَمَعُ: ما يصبّ به الشي‏ء فيمنع من أن يسيل. و
فِي الْحَدِيثِ: «وَيْلٌ لِأَقْمَاعِ الْقَوْلِ» «2».
أي: الذين يجعلون آذانهم كالأقماع فيتّبعون أحاديث الناس، و الْقَمَعُ: الذّباب الأزرق لكونه مَقْمُوعاً، و تَقَمَّعَ الحمار: إذا ذبّ القَمَعَةَ عن نفسه.
قمل‏
الْقُمَّلُ: صغار الذّباب. قال تعالى:
وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ‏ [الأعراف/ 133]. و الْقَمْلُ معروف، و رجل قَمِلٌ: وقع فيه الْقَمْلُ، و منه قيل: رجل قَمِلٌ، و امرأة قَمِلَةٌ:
صغيرة قبيحة كأنّها قَمْلَةٌ أو قُمَّلَةٌ.
قنت‏
الْقُنُوتُ: لزوم الطّاعة مع الخضوع، و فسّر
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عليّ أنّه قضى في القارصة و القامصة و الواقصة بالدية أثلاثا. و القامصة: النافرة الضاربة برجليها.
انظر: النهاية 4/ 108.
 (2) الحديث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنه قال- و هو على المنبر-: «ارحموا ترحموا، و اغفروا يغفر اللّه لكم، ويل لأقماع القول، ويل للمصرّين الذين يصرون على ما فعلوا و هم يعلمون» أخرجه أحمد في المسند 2/ 165.

684
مفردات ألفاظ القرآن

قنت ص 684

بكلّ واحد منهما في قوله تعالى: وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ‏ [البقرة/ 238]، و قوله تعالى: كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ* [الروم/ 26] قيل: خاضعون، و قيل:
طائعون، و قيل: ساكتون و لم يعن به كلّ السّكوت، و إنما عني به ما
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصِحُّ فِيهَا شَيْ‏ءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، إِنَّمَا هِيَ قُرْآنٌ وَ تَسْبِيحٌ» «1».
و على هذا
قِيلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: «طُولُ الْقُنُوتِ» «2».
أي: الاشتغال بالعبادة و رفض كلّ ما سواه. و قال تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً [النحل/ 120]، وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ‏ [التحريم/ 12]، أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً [الزمر/ 9]، اقْنُتِي لِرَبِّكِ‏ [آل عمران/ 43]، وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ [الأحزاب/ 31]، و قال: وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ‏ [الأحزاب/ 35]، فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ‏ [النساء/ 34].
قنط
الْقُنُوطُ: اليأس من الخير. يقال: قَنَطَ يَقْنِطُ قُنُوطاً، و قَنِطَ يَقْنَطُ «3». قال تعالى: فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ‏ [الحجر/ 55]، قال: وَ مَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ‏ [الحجر/ 56]، و قال: يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ‏ [الزمر/ 53]، وَ إِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ [فصلت/ 49]، إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ‏ [الروم/ 36].
قنع‏
الْقَنَاعَةُ: الاجتزاء باليسير من الأعراض المحتاج إليها. يقال: قَنِعَ يَقْنَعُ قَنَاعَةً و قَنَعَاناً:
إذا رضي، و قَنَعَ يَقْنَعُ قُنُوعاً: إذا سأل «4». قال تعالى: وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ [الحج/ 36]. قال بعضهم «5»: الْقَانِعُ هو السّائل الذي لا يلحّ في السّؤال، و يرضى بما يأتيه عفوا، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) شطر من حديث معاوية بن الحكم السلمي الطويل، و فيه: ثم قال صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ هذه الصلاة لا يحلّ فيها شي‏ء من كلام الناس، إنما هو التسبيح و التكبير و قراءة القرآن ...» إلخ. أخرجه مسلم برقم (537)، و النسائي 3/ 14، و أبو داود برقم (930)، و انظر: شرح السنة 3/ 238.
 (2) الحديث عن جابر قال: قيل للنبي صلّى اللّه عليه و سلم: أيّ الصلاة أفضل؟ قال: «طول القنوت». أخرجه مسلم برقم (756)، و الترمذي (انظر: عارضة الأحوذي 2/ 178).
 (3) انظر: الأفعال 2/ 117.
 (4) و في ذلك أنشد بعضهم:
         العبد حرّ إن قنع             و الحرّ عبد إن قنع‏
             فاقنع و لا تقنع فما             شي‏ء يشين سوى الطمع.


 (5) هو الزجاج في معاني القرآن 3/ 428.

685
مفردات ألفاظ القرآن

قنع ص 685

372-
         لمال المرء يصلحه فيغني             مفاقره أعفّ من الْقَنُوعِ «1»

و أَقْنَعَ رأسه: رفعه. قال تعالى: مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ‏ [إبراهيم/ 43] و قال بعضهم: أصل هذه الكلمة من الْقِنَاعِ، و هو ما يغطّى به الرّأس، فَقَنِعَ، أي: لبس القِنَاعَ ساترا لفقره كقولهم:
خَفِيَ، أي: لبس الخفاء، و قَنَعَ: إذا رفع قِنَاعَهُ كاشفا رأسه بالسّؤال نحو خفى إذا رفع الخفاء، و من الْقَنَاعَةِ قولهم: رجل مَقْنَعٌ يُقْنَعُ به، و جمعه:
مَقَانِعُ. قال الشاعر:
373-
         شهودي على ليلى عدول مَقَانِعُ «2»

و من القِنَاعِ قيل: تَقَنَّعَتِ المرأة، و تَقَنَّعَ الرّجل: إذا لبس المغفر تشبيها بِتَقَنُّعِ المرأة، و قَنَّعْتُ رأسه بالسّيف و السّوط.
قنى‏
قوله تعالى: أَغْنى‏ وَ أَقْنى‏ [النجم/ 48] أي: أعطى ما فيه الغنى و ما فيه الْقِنْيَةُ، أي:
المال المدّخر، و قيل: «أَقْنى‏»: أرضى. و تحقيق ذلك أنه جعل له قِنْيَةً من الرّضا و الطّاعة، و ذلك أعظم الغناءين، و جمع القِنْيَةِ: قِنْيَاتٌ، و قَنَيْتُ كذا و اقْتَنَيْتُهُ و منه:
374-
         قَنِيتُ حيائي عفّة و تكرّما «3»

قنو
الْقِنْوُ: العذق، و تثنيته: قِنْوَانِ، و جمعه قِنْوَانٌ «4». قال تعالى: قِنْوانٌ دانِيَةٌ [الأنعام/ 99] و الْقَنَاةُ تشبه الْقِنْوَ في كونهما غصنين، و أمّا الْقَنَاةُ التي يجري فيها الماء فإنما قيل ذلك تشبيها بِالْقَنَاةِ في الخطّ و الامتداد، و قيل: أصله من قنيت الشي‏ء: ادّخرته، لأنّ القَنَاةَ مدّخرة للماء، و قيل: هو من قولهم قَانَاهُ، أي: خالطه، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) البيت للشماخ من قصيدة مطلعها:
         أ عائش ما لأهلك لا أراهم             يضيعون الهجان مع المضيع‏

و هو في ديوانه ص 221، و اللسان (قنع)، و الأفعال 2/ 71.
 (2) هذا عجز بيت للبعيث، و شطره:
         و بايعت ليلى بالخلاء، و لم يكن‏

و هو في اللسان (قنع)، و المجمل 3/ 735.
 (3) هذا عجز بيت، و شطره:
         إذا قلّ مالي أو نكبت بنكبة

و نسبه لحاتم الطائي في اللسان (قنو)، و ليس في ديوانه، و التذكرة السعدية ص 211، و نسبه لعمرو بن العاص مع أبيات معه، و هي ليست له، بل تمثّل بها، و الصحيح أنها لبشر الضبعي، كما نسبها إليه الأصبهاني في [استدراك‏] الزهرة 2/ 665. و عجزه في مجمع البلاغة 1/ 379 دون نسبة من المحقق.
 (4) و مثله: صنو و صنوان.

686
مفردات ألفاظ القرآن

قنو ص 686

375-
         كبكر الْمُقَانَاةِ البياض بصفرة «1»
و أما الْقَنَا الذي هو الاحديداب في الأنف فتشبيه في الهيئة بالقنا. يقال: رجل أَقْنَى، و امرأة قَنْوَاءُ.
قهر
الْقَهْرُ: الغلبة و التّذليل معا، و يستعمل في كلّ واحد منهما. قال تعالى: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ* [الأنعام/ 18]، و قال: وَ هُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [الرعد/ 16]، فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ‏ [الأعراف/ 127]، فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ [الضحى/ 9] أي: لا تذلل، و أَقْهَرَهُ: سلّط عليه من يقهره، و الْقَهْقَرَى: المشي إلى خلف.
قاب‏
الْقَابُ: ما بين المقبض و السّية من القوس.
قال تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ [النجم/ 9].
قوت‏
الْقُوتُ: ما يمسك الرّمق، و جمعه: أَقْوَاتٌ.
قال تعالى: وَ قَدَّرَ فِيها أَقْواتَها [فصلت/ 10] و قَاتَهُ يَقُوتُهُ قُوتاً: أطعمه قوته، و أَقَاتَهُ يُقِيتُهُ:
جعل له ما يَقُوتُهُ، و
فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ أَنْ يُضَيِّعَ الرَّجُلُ مَنْ يَقُوتُ» «2»، وَ يُرْوَى: «مَنْ يُقِيتُ».
قال تعالى: وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مُقِيتاً [النساء/ 85] قيل: مقتدرا. و قيل:
حافظا. و قيل: شاهدا، و حقيقته: قائما عليه يحفظه و يقيته. و يقال: ما له قُوتُ ليلة، و قِيتُ ليلة، و قِيتَةُ ليلة، نحو الطعم و الطّعمة، قال الشاعر في صفة نار:
376-
         فقلت له ارفعها إليك و أحيها             بروحك و اقْتَتْهُ لها قِيتَةً قدرا «3»

قوس‏
الْقَوْسُ: ما يرمى عنه. قال تعالى: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ [النجم/ 9]، و تصوّر منها هيئتها، فقيل للانحناء: التَّقَوُّسُ، و قَوَّسَ الشّيخ و تَقَوَّسَ: إذا انحنى، و قَوَّسْتُ الخطّ فهو مُقَوَّسٌ، و الْمِقْوَسُ: المكان الذي يجري منه القوس، و أصله: الحبل الذي يمدّ على هيئة قوس، فيرسل الخيل من خلفه.
قيض‏
قال تعالى: وَ قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ [فصلت/ 25]، و قوله: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً [الزخرف/ 36] أي: نُتِحْ،
__________________________________________________
 (1) الشطر لإمرئ القيس، و عجزه:
         غذاها نمير الماء غير المحلل‏

و هو من معلقته، و البيت في ديوانه ص 116.
 (2) الحديث أخرجه مسلم برقم (996) بلفظ: «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت». و أخرجه أحمد 2/ 160.
 (3) البيت تقدّم في مادة (روح).

687
مفردات ألفاظ القرآن

قيض ص 687

ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض، و هو القشر الأعلى.
قيع‏
قوله تعالى: كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ [النور/ 39]. و الْقِيعُ و الْقَاعُ: المستوي من الأرض، جمعه قِيعَانٌ، و تصغيره: قُوَيْعٌ، و استعير منه: قَاعَ الفحل الناقة: إذا ضربها.
قول‏
الْقَوْلُ و الْقِيلُ واحد. قال تعالى: وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء/ 122]، و الْقَوْلُ يستعمل على أوجه:
أظهرها أن يكون للمركّب من الحروف المبرز بالنّطق، مفردا كان أو جملة، فالمفرد كقولك:
زيد، و خرج. و المركّب، زيد منطلق، و هل خرج عمرو، و نحو ذلك، و قد يستعمل الجزء الواحد من الأنواع الثلاثة أعني: الاسم و الفعل و الأداة قَوْلًا، كما قد تسمّى القصيدة و الخطبة و نحوهما قَوْلًا.
الثاني: يقال للمتصوّر في النّفس قبل الإبراز باللفظ: قَوْلٌ، فيقال: في نفسي قول لم أظهره. قال تعالى: وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ‏ [المجادلة/ 8]. فجعل ما في اعتقادهم قولا.
الثالث: للاعتقاد نحو فلان يقول بقول أبي حنيفة.
الرابع: يقال للدّلالة على الشي‏ء نحو قول الشاعر:
377-
         امتلأ الحوض و قَالَ قطني «1»
الخامس: يقال للعناية الصادقة بالشي‏ء، كقولك: فلان يَقُولُ بكذا.
السادس: يستعمله المنطقيّون دون غيرهم في معنى الحدّ، فيقولون: قَوْلُ الجوهر كذا، و قَوْلُ العرض كذا، أي: حدّهما.
السابع: في الإلهام نحو: قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ‏ [الكهف/ 86] فإنّ ذلك لم يكن بخطاب ورد عليه فيما روي و ذكر، بل كان ذلك إلهاما فسماه قولا. و قيل في قوله: قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ‏ [فصلت/ 11] إنّ ذلك كان بتسخير من اللّه تعالى لا بخطاب ظاهر و رد عليهما، و كذا قوله تعالى: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً [الأنبياء/ 69]، و قوله: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ‏ [آل عمران/ 167] فذكر أفواههم تنبيها على أن ذلك كذب مقول، لا عن صحّة اعتقاد كما ذكر في الكتابة باليد «2»، فقال‏
__________________________________________________
 (1) الرجز لم يعرف قائله، و تتمته:
         مهلا رويدا قد ملأت بطني‏

و هو في اللسان (قول)، و الخصائص 1/ 23، و المحكم 6/ 347.
 (2) النقل هذا حرفيا في البصائر 4/ 304.

688
مفردات ألفاظ القرآن

قول ص 688

تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 79]، و قوله: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى‏ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ‏ [يس/ 7] أي: علم اللّه تعالى بهم و كلمته عليهم كما قال تعالى: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ* [الأعراف/ 137] و قوله: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ [يونس/ 96] و قوله: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ‏ [مريم/ 34] فإنما سمّاه قول الحقّ تنبيها على ما قال: إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏ عِنْدَ اللَّهِ [آل عمران/ 59] «1» إلى قوله: ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏
 و تسميته قولا كتسميته كلمة في قوله: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ [النساء/ 171] و قوله: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ‏ [الذاريات/ 8] أي: لفي أمر من البعث، فسمّاه قولا، فإنّ الْمَقُولَ فيه يسمّى قولا، كما أنّ المذكور يسمّى ذكرا و قوله: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ‏ [الحاقة/ 40- 41] فقد نسب القول إلى الرّسول، و ذلك أنّ القول الصادر إليك عن الرّسول يبلّغه إليك عن مرسل له، فيصحّ أن تنسبه تارة إلى الرّسول، و تارة إلى المرسل، و كلاهما صحيح. فإن قيل: فهل يصحّ على هذا أن ينسب الشّعر و الخطبة إلى راويهما كما تنسبهما إلى صانعهما؟ قيل: يصحّ أن يقال للشّعر: هو قَوْلُ الراوي. و لا يصحّ أن يقال هو:
شعره و خطبته، لأنّ الشّعر يقع على القول إذا كان على صورة مخصوصة، و تلك الصّورة ليس للرّاوي فيها شي‏ء. و القول هو قول الرّاوي كما هو قول المرويّ عنه. و قوله تعالى: إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ‏ [البقرة/ 156] لم يرد به القول المنطقيّ فقط بل أراد ذلك إذا كان معه اعتقاد و عمل. و يقال للّسان: الْمِقْوَلُ، و رجل مِقْوَلٌ: منطيق، و قَوَّالٌ و قَوَّالَةٌ كذلك. و الْقَيْلُ: الملك من ملوك حمير سمّوه بذلك لكونه معتمدا على قوله و مقتدى به، و لكونه مُتَقَيِّلًا لأبيه. و يقال: تَقَيَّلَ فلان أباه، و على هذا النّحو سمّوا الملك بعد الملك تبّعا، و أصله من الواو، لقولهم في جمعه: أَقْوَالٌ نحو:
ميت و أموات، و الأصل قَيِّلٌ نحو: ميْت، أصله:
ميّت فخفّف. و إذا قيل: أَقْيَالٌ فذلك نحو:
أعياد، و تقيّل أباه نحو: تعبّد، و اقْتَالَ قَوْلًا: قال ما اجترّ به إلى نفسه خيرا أو شرّا. و يقال ذلك في معنى احتكم قال الشاعر:
378-
         تأبى حكومة الْمُقْتَالِ «2»

و الْقَالُ و الْقَالَةُ: ما ينشر من القول. قال‏
__________________________________________________
 (1) الآية إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثمّ قال له كن فيكون.
 (2) البيت:
         و لمثل الذي جمعت من العدّة             تأبى حكومة المقتال.

 

689
مفردات ألفاظ القرآن

قول ص 688

الخليل: يوضع الْقَالُ موضع الْقَائِلِ «1». فيقال:
أنا قَالُ كذا، أي: قَائِلُهُ.
قيل‏
قوله تعالى: أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان/ 24] مصدر:
قِلْتُ قَيْلُولَةً: نمت نصف النهار، أو موضع القيلولة، و قد يقال: قِلْتُهُ في البيع قِيلًا و أَقَلْتُهُ، و تَقَايَلَا بعد ما تبايعا.
قوم‏
يقال: قَامَ يَقُومُ قِيَاماً، فهو قَائِمٌ، و جمعه:
قِيَامٌ، و أَقَامَهُ غيره. و أَقَامَ بالمكان إِقَامَةً، و الْقِيَامُ على أضرب: قيام بالشّخص، إمّا بتسخير أو اختيار، و قيام للشي‏ء هو المراعاة للشي‏ء و الحفظ له، و قيام هو على العزم على الشي‏ء، فمن القِيَامِ بالتّسخير قوله تعالى: مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ [هود/ 100]، و قوله: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى‏ أُصُولِها [الحشر/ 5]، و من القِيَامِ الذي هو بالاختيار قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً [الزمر/ 9]. و قوله: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ‏ [آل عمران/ 191]، و قوله: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ [النساء/ 34]، و قوله: وَ الَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَ قِياماً [الفرقان/ 64]. و الْقِيَامُ في الآيتين جمع قائم. و من المراعاة للشي‏ء قوله:
كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ [المائدة/ 8]، قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران/ 18]، و قوله: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ‏ [الرعد/ 33] أي: حافظ لها. و قوله تعالى: لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ [آل عمران/ 113]، و قوله: إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً [آل عمران/ 75] أي: ثابتا على طلبه. و من القِيَامِ الذي هو العزم قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة/ 6]، و قوله: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ* [المائدة/ 55] أي: يديمون فعلها و يحافظون عليها. و الْقِيَامُ و الْقِوَامُ: اسم لما يقوم به الشي‏ء.
أي: يثبت، كالعماد و السّناد: لما يعمد و يسند به، كقوله: وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي‏
__________________________________________________
و هو للأعشى من قصيدة يمدح بها الأسود بن المنذر اللخمي، و مطلعها:
         ما بكاء الكبير بالأطلال             و سؤالي فهل تردّ سؤالي‏
و هو في ديوانه ص 168، و اللسان (قال)، و المعاني الكبير 2/ 924.
 (1) و عبارة الخليل: و القالة تكون في موضع القائلة، كما قال بشار: (أنا قالها).
أي: قائلها. انظر: العين 5/ 213.

690
مفردات ألفاظ القرآن

قوم ص 690

جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً [النساء/ 5]، أي:
جعلها ممّا يمسككم. و قوله: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ‏ [المائدة/ 97] أي: قِوَاما لهم يقوم به معاشهم و معادهم.
قال الأصمّ: قائما لا ينسخ، و قرئ:
قِيَماً «1» بمعنى قياما، و ليس قول من قال:
جمع قيمة بشي‏ء. و يقال: قَامَ كذا، و ثبت، و ركز بمعنى. و قوله: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى‏ [البقرة/ 125]، و قَامَ فلان مَقَامَ فلان: إذا ناب عنه. قال: فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ‏ [المائدة/ 107]. و قوله: دِيناً قَيِّماً [الأنعام/ 161]، أي: ثابتا مُقَوِّماً لأمور معاشهم و معادهم. و قرئ: قِيَماً «2» مخفّفا من قيام. و قيل: هو وصف، نحو:
قوم عدى، و مكان سوى، و لحم زيم «3»، و ماء روى، و على هذا قوله تعالى: ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ* [يوسف/ 40]، و قوله: وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً [الكهف/ 1- 2]، و قوله: وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة/ 5] فَالْقَيِّمَةُ هاهنا اسم للأمّة القائمة بالقسط المشار إليهم بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران/ 110]، و قوله: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ‏ [النساء/ 135]، يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة/ 2- 3] فقد أشار بقوله: صُحُفاً مُطَهَّرَةً إلى القرآن، و بقوله: كُتُبٌ قَيِّمَةٌ [البينة/ 3] إلى ما فيه من معاني كتب اللّه تعالى، فإنّ القرآن مجمع ثمرة كتب اللّه تعالى المتقدّمة. و قوله: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* [البقرة/ 255] أي:
القائم الحافظ لكلّ شي‏ء، و المعطى له ما به قِوَامُهُ، و ذلك هو المعنى المذكور في قوله:
الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ [طه/ 50]، و في قوله: أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى‏ كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ‏ [الرعد/ 33]. و بناء قَيُّومٍ:
فيعول، و قَيَّامٌ: فيعال. نحو: ديّون و ديّان، و الْقِيَامَةُ: عبارة عن قيام الساعة المذكور في قوله: وَ يَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ* [الروم/ 12]، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ‏ [المطففين/ 6]، وَ ما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً* [الكهف/ 36]، و الْقِيَامَةُ أصلها ما يكون من الإنسان من القيام دُفْعَةً واحدة، أدخل فيها الهاء تنبيها على وقوعها دُفْعَة، و الْمَقَامُ يكون مصدرا، و اسم مكان القيام، و زمانه. نحو: إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي‏ [يونس/ 71]، ذلِكَ لِمَنْ‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة ابن عامر. الإتحاف ص 203.
 (2) و هي قراءة ابن عامر و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف. الإتحاف ص 220.
 (3) لحم زيم: متعضّل ليس بمجتمع في مكان فيبدن. اللسان (زيم).

691
مفردات ألفاظ القرآن

قوم ص 690

خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ [إبراهيم/ 14]، وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ‏ [الرحمن/ 46]، وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى‏ [البقرة/ 125]، فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ‏ [آل عمران/ 97]، و قوله: وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ‏ [الدخان/ 26]، إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ‏ [الدخان/ 51]، خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم/ 73]، و قال: وَ ما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ‏ [الصافات/ 164]، و قال: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ‏ [النمل/ 39] قال الأخفش: في قوله قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ [النمل/ 39]: إنّ الْمَقَامَ المقعد، فهذا إن أراد أنّ المقام و المقعد بالذّات شي‏ء واحد، و إنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصّعود و الحدور فصحيح، و إن أراد أنّ معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد، فإنه يسمى المكان الواحد مرّة مقاما إذا اعتبر بقيامه، و مقعدا إذا اعتبر بقعوده، و قيل: الْمَقَامَةُ: الجماعة، قال الشاعر: 379-
         و فيهم مَقَامَاتٌ حسان وجوههم «1»
و إنما ذلك في الحقيقة اسم للمكان و إن جعل اسما لأصحابه. نحو قول الشاعر:
380-
         و استبّ بعدك يا كليب المجلس «2»
فسمّى المستبّين المجلس. و الِاسْتِقَامَةُ يقال في الطريق الذي يكون على خطّ مستو، و به شبّه طريق المحقّ. نحو: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الفاتحة/ 6]، وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً [الأنعام/ 153]، إِنَّ رَبِّي عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [هود/ 56]. و اسْتِقَامَةُ الإنسان: لزومه المنهج المستقيم. نحو قوله:
إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا* [فصلت/ 30] و قال: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ‏ [هود/ 112]، فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ‏ [فصلت/ 6] و الْإِقَامَةُ في المكان: الثبات. و إِقَامَةُ الشي‏ء:
توفية حقّه، و قال: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ‏ [المائدة/ 68] أي: توفّون حقوقهما بالعلم و العمل، و كذلك قوله: وَ لَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ

__________________________________________________
 (1) الشطر لزهير بن أبي سلمى، و عجزه:
         و أندية ينتابها القول و الفعل‏

و هو في ديوانه ص 60 من قصيدة مطلعها:
         صحا القلب عن سلمى و قد كاد لا يسلو             و أقفر من سلمى التعانيق فالثقل.

 (2) هذا عجز بيت لمهلهل بن ربيعة من أبيات يرثي بها أخاه.
و صدره:
         نبّئت أنّ النار بعدك أوقدت‏

و هو في ديوانه ص 280.

692
مفردات ألفاظ القرآن

قوم ص 690

وَ الْإِنْجِيلَ [المائدة/ 66] و لم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر، و لا مدح بها حيثما مدح إلّا بلفظ الإقامة، تنبيها أنّ المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بهيئاتها، نحو: أَقِيمُوا الصَّلاةَ* [البقرة/ 43]، في غير موضع وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ [النساء/ 162].
و قوله: وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏ [النساء/ 142] فإنّ هذا من القيام لا من الإقامة، و أمّا قوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ [إبراهيم/ 40] أي: وفّقني لتوفية شرائطها، و قوله: فَإِنْ تابُوا وَ أَقامُوا الصَّلاةَ* [التوبة/ 11] فقد قيل: عني به إقامتها بالإقرار بوجوبها لا بأدائها، و الْمُقَامُ يقال للمصدر، و المكان، و الزّمان، و المفعول، لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله: إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً [الفرقان/ 66]، و الْمُقَامَةُ:
الإقامة، قال: الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ‏ [فاطر/ 35] نحو: دارُ الْخُلْدِ [فصلت/ 28]، و جَنَّاتِ عَدْنٍ* [التوبة/ 72] و قوله: لا مَقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا [الأحزاب/ 13]، من قام، أي: لا مستقرّ لكم، و قد قرئ:
لا مُقامَ لَكُمْ‏ «1» من: أَقَامَ. و يعبّر بالإقامة عن الدوام. نحو: عَذابٌ مُقِيمٌ* [هود/ 39]، و قرئ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ‏ «2» [الدخان/ 51]، أي: في مكان تدوم إقامتهم فيه، و تَقْوِيمُ الشي‏ء: تثقيفه، قال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏ [التين/ 4] و ذلك إشارة إلى ما خصّ به الإنسان من بين الحيوان من العقل و الفهم، و انتصاب القامة الدّالّة على استيلائه على كلّ ما في هذا العالم، و تَقْوِيمُ السّلعة: بيان قيمتها. و الْقَوْمُ: جماعة الرّجال في الأصل دون النّساء، و لذلك قال: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ‏ الآية [الحجرات/ 11]، قال الشاعر:
381-
         أ قَوْمٌ آل حصن أم نساء «3»
و في عامّة القرآن أريدوا به و النّساء جميعا، و حقيقته للرّجال لما نبّه عليه قوله: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ‏ الآية [النساء/ 34].
قوى‏
الْقُوَّةُ تستعمل تارة في معنى القدرة نحو قوله‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة حفص وحده، و الباقون بفتح الميم. الإتحاف ص 353.
 (2) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و عاصم و حمزة و الكسائي و خلف و يعقوب.
 (3) عجز بيت لزهير، و صدره:
         و ما أدري و سوف إخال أدري‏

و هو من قصيدة مطلعها:
         عفا من آل فاطمة الجواء             فيمن فالقوادم فالحساء
و هو في ديوانه ص 12، و اللسان (قوم).

693
مفردات ألفاظ القرآن

قوى ص 693

تعالى: خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ* [البقرة/ 63]، و تارة للتهيّؤ الموجود في الشي‏ء، نحو أن يقال: النّوى بِالْقُوَّةِ نخل «1»، أي: متهيّأ و مترشّح أن يكون منه ذلك. و يستعمل ذلك في البدن تارة، و في القلب أخرى، و في المعاون من خارج تارة، و في القدرة الإلهيّة تارة. ففي البدن نحو قوله: وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت/ 15]، فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ [الكهف/ 95] فالقوّة هاهنا قوّة البدن بدلالة أنه رغب عن القوّة الخارجة، فقال: ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ [الكهف/ 95]، و في القلب نحو قوله: يا يَحْيى‏ خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ [مريم/ 12] أي:
بقوّة قلب. و في المعاون من خارج نحو قوله:
لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً [هود/ 80] قيل: معناه:
من أَتَقَوَّى به من الجند، و ما أتقوّى به من المال، و نحو قوله: قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وَ أُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ [النمل/ 33]، و في القدرة الإلهيّة نحو قوله: إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ* [المجادلة/ 21]، وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب/ 25] و قوله: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏ [الذاريات/ 58] فعامّ فيما اختصّ اللّه تعالى به من القدرة و ما جعله للخلق. و قوله: وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى‏ قُوَّتِكُمْ‏ [هود/ 52] فقد ضمن تعالى أن يعطي كلّ واحد منهم من أنواع الْقُوَى قدر ما يستحقّه، و قوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ‏ [التكوير/ 20] يعني به جبريل عليه السلام، و وصفه بالقوّة عند ذي العرش، و أفرد اللّفظ و نكّره فقال: ذِي قُوَّةٍ تنبيها أنه إذا اعتبر بالملإ الأعلى فقوّته إلى حدّ ما، و قوله فيه:
عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‏ [النجم/ 5] فإنه وصف القوّة بلفظ الجمع، و عرّفها تعريف الجنس تنبيها أنه إذا اعتبر بهذا العالم، و بالذين يعلّمهم و يفيدهم هو كثير القوى عظيم القدرة. و الْقُوَّةُ التي تستعمل للتّهيّؤ أكثر من يستعملها الفلاسفة، و يقولونها على وجهين: أحدهما: أن يقال لما كان موجودا و لكن ليس يستعمل، فيقال: فلان كاتب بالقوّة. أي: معه المعرفة بالكتابة لكنه ليس يستعمل، و الثاني: يقال فلان كاتب بالقوّة، و ليس يعنى به أنّ معه العلم بالكتابة، و لكن معناه: يمكنه أن يتعلّم الكتابة. و سمّيت المفازة قَوَاءً، و أَقْوَى الرّجل: صار في قوَاءٍ «2»، أي: قفر، و تصوّر من حال الحاصل في القفر الفقر، فقيل: أَقْوَى فلان، أي: افتقر، كقولهم: أرمل و أترب. قال اللّه تعالى: وَ مَتاعاً لِلْمُقْوِينَ‏ [الواقعة/ 73].
تمّ كتاب القاف‏
__________________________________________________
 (1) أي: يمكنه أن يصير نخلا.
 (2) قال الخليل: أرض قواء: لا أهل فيها. العين 5/ 237.

694
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الكاف

كتاب الكاف‏
كب‏
الْكَبُّ: إسقاط الشي‏ء على وجهه. قال عزّ و جل: فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ [النمل/ 90]. و الْإِكْبَابُ: جعل وجهه مَكْبُوباً على العمل. قال تعالى: أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى‏ وَجْهِهِ أَهْدى‏ [الملك/ 22] و الْكَبْكَبَةُ: تدهور الشي‏ء في هوّة. قال: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ‏ [الشعراء/ 94]. يقال كَبَّ و كَبْكَبَ، نحو: كفّ و كفكف، و صرّ الرّيح و صرصر.
و الْكَوَاكِبُ: النّجوم البادية، و لا يقال لها كواكب إلّا إذا بدت. قال تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى‏ كَوْكَباً [الأنعام/ 76]، و قال: كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ‏ [النور/ 35]، إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ‏ [الصافات/ 6]، وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ‏ [الانفطار/ 2] و يقال: ذهبوا تحت كلّ كوكب «1»: إذا تفرّقوا، و كَوْكَبُ العسكرِ: ما يلمع فيها من الحديد.
كبت‏
الْكَبْتُ: الرّدّ بعنف و تذليل. قال تعالى:
كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ [المجادلة/ 5]، و قال: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ‏ [آل عمران/ 127].
كبد
الْكَبِدُ معروفة، و الْكَبَدُ و الْكُبَادُ توجّعها، و الْكَبْدُ إصابتها، و يقال: كَبَدْتُ الرجل: إذا أصبتَ كَبِدَهُ، و كَبِدُ السّماء: وسطها تشبيها بكبد الإنسان لكونها في وسط البدن. و قيل: تَكَبَّدَتِ الشمس: صارت في كبد السّماء، و الْكَبَدُ:
المشقّة. قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ [البلد/ 4] تنبيها أنّ الإنسان خلقه اللّه تعالى على حالة لا ينفكّ من المشاقّ ما لم يقتحم العقبة و يستقرّ به القرار، كما قال:
لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ [الانشقاق/ 19].
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 766.

695
مفردات ألفاظ القرآن

كبر ص 696

كبر
الْكَبِيرُ و الصّغير من الأسماء المتضايفة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشي‏ء قد يكون صغيرا في جنب شي‏ء، و كبيرا في جنب غيره، و يستعملان في الكمّيّة المتّصلة كالأجسام، و ذلك كالكثير و القليل، و في الكمّيّة المنفصلة كالعدد، و ربما يتعاقب الكثير و الكبير على شي‏ء واحد بنظرين مختلفين نحو: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ [البقرة/ 219] و: كثير «1» قرئ بهما. و أصل ذلك أن يستعمل في الأعيان، ثم استعير للمعاني نحو قوله: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف/ 49]، و قوله:
وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ* [سبأ/ 3]، و قوله: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ [التوبة/ 3] إنما وصفه بالأكبر تنبيها أنّ العمرة هي الحجّة الصّغرى كما
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْعُمْرَةُ هِيَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ» «2».
فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان، فيقال: فلان كَبِيرٌ، أي: مسنّ. نحو قوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما [الإسراء/ 23]، و قال: وَ أَصابَهُ الْكِبَرُ [البقرة/ 266]، وَ قَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ [آل عمران/ 40]، و منه ما اعتبر فيه المنزلة و الرّفعة نحو: قُلْ أَيُّ شَيْ‏ءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ‏ [الأنعام/ 19]، و نحو: الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ‏ [الرعد/ 9]، و قوله: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ‏ [الأنبياء/ 58] فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر و رفعة له على الحقيقة، و على ذلك قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا [الأنبياء/ 63]، و قوله: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها [الأنعام/ 123] أي:
رؤساءها و قوله: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ* [طه/ 71] أي: رئيسكم. و من هذا النّحو يقال: ورثه كَابِراً عن كابر، أي: أبا كبير القدر عن أب مثله. و الْكَبِيرَةُ متعارفة في كلّ ذنب تعظم عقوبته، و الجمع: الْكَبَائِرُ. قال: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ‏ [النجم/ 32]، و قال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ‏ [النساء/ 31] قيل: أريد به الشّرك لقوله: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان/ 13]. و قيل: هي الشّرك و سائر المعاصي الموبقة، كالزّنا و قتل النّفس المحرّمة، و لذلك قال: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الإسراء/ 31]، و قال: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما [البقرة/ 219].
و تستعمل الكبيرة فيما يشقّ و يصعب نحو:
وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ‏ [البقرة/
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة حمزة و الكسائي، و وافقهما الأعمش انظر: الإتحاف ص 157.
 (2) الحديث تقدّم في مادة (حج).

696
مفردات ألفاظ القرآن

كبر ص 696

45]، و قال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ‏ [الشورى/ 13]، و قال: وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ‏ [الأنعام/ 35]، و قوله:
كَبُرَتْ كَلِمَةً [الكهف/ 5] ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذّنوب و عظم عقوبته.
و لذلك قال: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ* [الصف/ 3]، و قوله: وَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ‏ [النور/ 11] إشارة إلى من أوقع حديث الإفك. و تنبيها أنّ كلّ من سنّ سنّة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر.
و قوله: إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ‏ [غافر/ 56]، أي تكبّر. و قيل: أمر كَبِيرٌ من السّنّ، كقوله:
وَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ‏ [النور/ 11]، و الْكِبْرُ و التَّكَبُّرُ و الِاسْتِكْبَارُ تتقارب، فالكبر الحالة التي يتخصّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، و ذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. و أعظم التّكبّر التّكبّر على اللّه بالامتناع من قبول الحقّ و الإذعان له بالعبادة. و الِاسْتِكْبَارُ يقال على وجهين:
أحدهما: أن يتحرّى الإنسان و يطلب أن يصير كبيرا، و ذلك متى كان على ما يجب، و في المكان الذي يجب، و في الوقت الذي يجب فمحمود.
و الثاني: أن يتشبّع فيظهر من نفسه ما ليس له، و هذا هو المذموم، و على هذا ما ورد في القرآن. و هو ما قال تعالى: أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ [البقرة/ 34]. و قال تعالى: أَ فَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى‏ أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ‏ [البقرة/ 87]، و قال: وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً [نوح/ 7]، اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ‏ [فاطر/ 43]، فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ* [فصلت/ 15]، تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ [الأحقاف/ 20]، و قال: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ [الأعراف/ 40]، قالُوا ما أَغْنى‏ عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ‏ [الأعراف/ 48]، و قوله:
فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا [غافر/ 47] قابل المستكبرين بالضّعفاء تنبيها أنّ استكبارهم كان بما لهم من القوّة من البدن و المال. و قال تعالى: قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [الأعراف/ 75] فقابل المستكبرين بالمستضعفين فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ* [الأعراف/ 133] نبّه بقوله:
فَاسْتَكْبَرُوا* على تكبّرهم و إعجابهم بأنفسهم و تعظّمهم عن الإصغاء إليه، و نبّه بقوله: وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ* [الأعراف/ 133] أنّ الذي حملهم على ذلك هو ما تقدّم من جرمهم، و أنّ ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل. و قال تعالى: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَ هُمْ مُسْتَكْبِرُونَ‏ [النحل/ 22]،

697
مفردات ألفاظ القرآن

كبر ص 696

و قال بعده: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ‏ [النحل/ 23]. و التَّكَبُّرُ يقال على وجهين:
أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة و زائدة على محاسن غيره، و على هذا وصف اللّه تعالى بالتّكبّر. قال: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر/ 23].
و الثاني: أن يكون متكلّفا لذلك متشبّعا، و ذلك في وصف عامّة الناس نحو قوله: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ* [الزمر/ 72]، و قوله:
كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ 35] و من وصف بالتّكبّر على الوجه الأوّل فمحمود، و من وصف به على الوجه الثاني فمذموم، و يدلّ على أنه قد يصحّ أن يوصف الإنسان بذلك و لا يكون مذموما، و قوله:
سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ [الأعراف/ 146] فجعل متكبّرين بغير الحقّ، و قال: عَلى‏ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ [غافر/ 35] بإضافة القلب إلى المتكبّر.
و من قرأ: بالتّنوين «1» جعل المتكبّر صفة للقلب، و الْكِبْريَاءُ: الترفع عن الانقياد، و ذلك لا يستحقه غير اللّه، فقال: وَ لَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الجاثية/ 37] و لما قلنا
رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ يَقُولُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَ الْعَظَمَةُ إِزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَصَمْتُهُ» «2».
و قال تعالى: قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَ تَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ‏ [يونس/ 87]، و أَكْبَرْتُ الشي‏ء:
رأيته كَبِيراً. قال تعالى: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ‏ [يوسف/ 31]. و التَّكْبِيرُ يقال لذلك، و لتعظيم اللّه تعالى بقولهم: اللّه أَكْبَرُ، و لعبادته و استشعار تعظيمه، و على ذلك: وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَداكُمْ‏ [البقرة/ 185]، وَ كَبِّرْهُ تَكْبِيراً [الإسراء/ 111]، و قوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ‏ [غافر/ 57] فهي إشارة إلى ما خصّهما اللّه تعالى به من عجائب صنعه، و حكمته التي لا يعلمها إلّا قليل ممّن وصفهم بقوله: وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [آل عمران/ 191] فأمّا عظم جثّتهما فأكثرهم يعلمونه. و قوله: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى‏ [الدخان/ 16] فتنبيه أنّ كلّ ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك في الدّنيا و في البرزخ صغير في جنب عذاب ذلك اليوم.
و الْكُبَارُ أبلغ من الْكَبِيرُ، و الْكُبَّارُ أبلغ من ذلك.
قال تعالى: وَ مَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً [نوح/ 22].
__________________________________________________
 (1) قرأ: على كلّ قلب متكبّر جبّار بالتنوين أبو عمرو و ابن عامر بخلفه. انظر: الإتحاف ص 378.
 (2) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «يقول اللّه عزّ و جلّ: الكبرياء ردائي، و العظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار» أخرجه مسلم في البر و الصلة برقم (2620)، و البيهقي في الأسماء و الصفات ص 173.

698
مفردات ألفاظ القرآن

كتب ص 699

كتب‏
الْكَتْبُ: ضمّ أديم إلى أديم بالخياطة، يقال: كَتَبْتُ السّقاء، و كَتَبْتُ البغلة: جمعت بين شفريها بحلقة، و في التّعارف ضمّ الحروف بعضها إلى بعض بالخطّ، و قد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللّفظ، فالأصل في الْكِتَابَةِ: النّظم بالخطّ لكن يستعار كلّ واحد للآخر، و لهذا سمّي كلام اللّه- و إن لم يُكْتَبْ- كِتَاباً كقوله: الم* ذلِكَ الْكِتابُ‏ [البقرة/ 1- 2]، و قوله: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ‏ [مريم/ 30]. و الْكِتَابُ في الأصل مصدر، ثم سمّي المكتوب فيه كتابا، و الْكِتَابُ في الأصل اسم للصّحيفة مع المكتوب فيه، و في قوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ [النساء/ 153] فإنّه يعني صحيفة فيها كِتَابَةٌ، و لهذا قال: وَ لَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ‏ الآية [الأنعام/ 7]. و يعبّر عن الإثبات و التّقدير و الإيجاب و الفرض و العزم بِالْكِتَابَةِ، و وجه ذلك أن الشي‏ء يراد، ثم يقال، ثم يُكْتَبُ، فالإرادة مبدأ، و، الْكِتَابَةُ منتهى. ثم يعبّر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى، قال: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِي‏ [المجادلة/ 21]، و قال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا [التوبة/ 51]، لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ‏ [آل عمران/ 154]، و قال: وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ* [الأنفال/ 75] أي: في حكمه، و قوله: وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ‏ [المائدة/ 45] أي: أوجبنا و فرضنا، و كذلك قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ‏ [البقرة/ 180]، و قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ‏ [البقرة/ 183]، لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ‏ [النساء/ 77]، ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ‏ [الحديد/ 27]، لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ [الحشر/ 3] أي: لو لا أن أوجب اللّه عليهم الإخلاء لديارهم، و يعبّر بالكتابة عن القضاء الممضى، و ما يصير في حكم الممضى، و على هذا حمل قوله: بَلى‏ وَ رُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ‏ [الزخرف/ 80] قيل: ذلك مثل قوله:
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ [الرعد/ 39]، و قوله: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ‏ [المجادلة/ 22] فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا [الكهف/ 28]، لأنّ معنى «أَغْفَلْنا» من قولهم: أغفلت الكتاب: إذا جعلته خاليا من الكتابة و من الإعجام، و قوله:
فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَ إِنَّا لَهُ كاتِبُونَ‏ [الأنبياء/ 94] فإشارة إلى أنّ ذلك مثبت له و مجازى به.
و قوله: فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ* [آل عمران/ 53] أي: اجعلنا في زمرتهم إشارة إلى قوله:

699
مفردات ألفاظ القرآن

كتب ص 699

فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... الآية [النساء/ 69] و قوله: ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها [الكهف/ 49] فقيل إشارة إلى ما أثبت فيه أعمال العباد. و قوله:
إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها [الحديد/ 22] قيل: إشارة إلى اللّوح المحفوظ، و كذا قوله: إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج/ 70]، و قوله: وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ‏ [الأنعام/ 59]، فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً* [الإسراء/ 58]، لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ‏ [الأنفال/ 68] يعني به ما قدّره من الحكمة، و ذلك إشارة إلى قوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى‏ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام/ 54] و قيل: إشارة إلى قوله: وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال/ 33]، و قوله: لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا [التوبة/ 51] يعني: ما قدّره و قضاه، و ذكر «لَنا» و لم يقل «علينا» تنبيها أنّ كلّ ما يصيبنا نعدّه نعمة لنا، و لا نعدّه نقمة علينا، و قوله: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ‏ [المائدة/ 21] قيل: معنى ذلك وهبها اللّه لكم، ثم حرّمها عليكم بامتناعكم من دخولها و قبولها، و قيل:
كتب لكم بشرط أن تدخلوها، و قيل: أوجبها عليكم، و إنما قال: «لَكُمْ» و لم يقل: «عليكم» لأنّ دخولهم إيّاها يعود عليهم بنفع عاجل و آجل، فيكون ذلك لهم لا عليهم، و ذلك كقولك لمن يرى تأذّيا بشي‏ء لا يعرف نفع مآله:
هذا الكلام لك لا عليك، و قوله: وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‏ وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا [التوبة/ 40] جعل حكمهم و تقديرهم ساقطا مضمحلّا، و حكم اللّه عاليا لا دافع له و لا مانع، و قال تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ الْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى‏ يَوْمِ الْبَعْثِ‏ [الروم/ 56] أي: في علمه و إيجابه و حكمه، و على ذلك قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ‏ [الرعد/ 38]، و قوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ‏ [التوبة/ 36] أي:
في حكمه. و يعبّر بِالْكِتَابِ عن الحجّة الثابتة من جهة اللّه نحو: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ* [الحج/ 8]، أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ‏ [الزخرف/ 21]، فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ‏ [الصافات/ 157]، أُوتُوا الْكِتابَ* [البقرة/ 144] «1»، كِتابَ اللَّهِ* [النساء/ 24]، أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً* [فاطر/ 40]، فَهُمْ يَكْتُبُونَ* [الطور/ 41] فذلك إشارة إلى العلم و التّحقّق و الاعتقاد، و قوله: وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ‏ [البقرة/ 187] إشارة في تحرّي النّكاح إلى لطيفة، و هي‏
__________________________________________________
 (1) الآية: و إنّ الّذين أوتوا الكتاب ليعلمون.

700
مفردات ألفاظ القرآن

كتب ص 699

أنّ اللّه جعل لنا شهوة النّكاح لنتحرّى طلب النّسل الذي يكون سببا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرها، فيجب للإنسان أن يتحرّى بالنّكاح ما جعل اللّه له على حسب مقتضى العقل و الدّيانة، و من تحرّى بالنّكاح حفظ النّسل و حصانة النّفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب اللّه له، و إلى هذا أشار من قال: عنى بما كتب اللّه لكم الولد «1»، و يعبّر عن الإيجاد بالكتابة، و عن الإزالة و الإفناء بالمحو. قال: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ‏ [الرعد/ 38]، يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ [الرعد/ 39] نبّه أنّ لكلّ وقت إيجادا، و هو يوجد ما تقتضي الحكمة إيجاده، و يزيل ما تقتضي الحكمة إزالته، و دلّ قوله: لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ‏ [الرعد/ 38] على نحو ما دلّ عليه قوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن/ 29] و قوله: وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ‏ [الرعد/ 39]، و قوله: وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ‏ [آل عمران/ 78] فَالْكِتَابُ الأوّل: ما كتبوه بأيديهم المذكور في قوله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ‏ [البقرة/ 79].
و الْكِتَابُ الثاني: التّوراة، و الثالث: لجنس كتب اللّه، أي: ما هو من شي‏ء من كتب اللّه سبحانه و تعالى [و كلامه‏] «2»، و قوله: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ‏ [البقرة/ 53] فقد قيل: هما عبارتان عن التّوراة، و تسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الأحكام، و تسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحقّ و الباطل. و قوله:
وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا [آل عمران/ 145] أي: حكما لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ‏ [الأنفال/ 68]، و قوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ‏ [التوبة/ 36] كلّ ذلك حكم منه. و أمّا قوله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ‏ [البقرة/ 79] فتنبيه أنّهم يختلقونه و يفتعلونه، و كما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم، فقال: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ [التوبة/ 30] و الِاكْتِتَابُ متعارف في المختلق نحو قوله:
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها [الفرقان/ 5].
و حيثما ذكر اللّه تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التّوراة و الإنجيل، أو إيّاهما جميعا، و قوله: وَ ما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى‏ إلى قوله: وَ تَفْصِيلَ الْكِتابِ‏ [يونس/ 37] «3»،
__________________________________________________
 (1) و هو قول ابن عباس. انظر: الدر المنثور 1/ 479.
 (2) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 4/ 97.
 (3) الآية: و ما كان هذا القرآن أن يفترى من دون اللّه و لكن تصديق الّذي بين يديه و تفصيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين.

701
مفردات ألفاظ القرآن

كتب ص 699

فإنما أراد بالكتاب هاهنا ما تقدّم من كتب اللّه دون القرآن، أ لا ترى أنّه جعل القرآن مصدّقا له، و قوله: وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا [الأنعام/ 114] فمنهم من قال: هو القرآن، و منهم من قال: هو القرآن و غيره من الحجج و العلم و العقل «1»، و كذلك قوله: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ‏ [العنكبوت/ 47]، و قوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ‏ [النمل/ 40] فقد قيل: أريد به علم الكتاب، و قيل: علم من العلوم التي آتاها اللّه سليمان في كتابه المخصوص به، و به سخّر له كلّ شي‏ء، و قوله: وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ‏ [آل عمران/ 119] أي: بِالْكُتُبِ المنزّلة، فوضع ذلك موضع الجمع، إمّا لكونه جنسا كقولك: كثر الدّرهم في أيدي الناس، أو لكونه في الأصل مصدرا نحو: عدل، و ذلك كقوله:
يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ* [البقرة/ 4] و قيل: يعني أنّهم ليسوا كمن قيل فيهم: وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ [النساء/ 150]. و كِتَابَةُ العَبْدِ: ابتياع نفسه من سيّده بما يؤدّيه من كسبه، قال: وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ‏ [النور/ 33] و اشتقاقها يصحّ أن يكون من الكتابة التي هي الإيجاب، و أن يكون من الكتب الذي هو النّظم و الإنسان يفعل ذلك.
كتم‏
الْكِتْمَانُ: ستر الحديث، يقال: كَتَمْتُهُ كَتْماً و كِتْمَاناً. قال تعالى: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ‏ [البقرة/ 140]، و قال:
وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ‏ [البقرة/ 146]، وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ [البقرة/ 283]، وَ تَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏ [آل عمران/ 71]، و قوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَ يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ‏ [النساء/ 37] فَكِتْمَانُ الفضل: هو كفران النّعمة، و لذلك قال بعده:
وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً* [النساء/ 37]، و قوله: وَ لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء/ 42]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا رَأَوْا أَهْلَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِكاً قَالُوا: وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَامِ/ 23] فَتَشْهَدُ عَلَيْهِمْ جَوَارِحَهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَوَدُّونَ أَنْ لَمْ يَكْتُمُوا اللَّهَ حَدِيثاً «2».
و
قَالَ الْحَسَنُ: فِي الْآخِرَةِ مَوَاقِفُ فِي بَعْضِهَا يَكْتُمُونَ، وَ فِي بَعْضِهَا لَا يَكْتُمُونَ.
و
عَنْ بَعْضِهِمْ: لا يَكْتُمُونَ‏
__________________________________________________
 (1) أخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال: إنّ اللّه تبارك و تعالى أنزل الكتاب، و ترك فيه موضعا للسّنّة، و سنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و ترك فيها موضعا للرأي. انظر: الدّرّ المنثور 3/ 344.
 (2) أخرجه ابن جرير 5/ 94.

702
مفردات ألفاظ القرآن

كتم ص 702

اللَّهَ حَدِيثاً [النِّسَاءِ/ 42] هُوَ أَنْ تَنْطِقَ جَوَارِحُهُمْ.
كثب‏
قال تعالى: وَ كانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا [المزمل/ 14] أي: رملا متراكما، و جمعه:
أَكْثِبَةٌ، و كُثُبٌ، و كُثْبَانٌ، و الْكَثِيبَةُ: القليل من اللّبن، و القطعة من التّمر، سمّيت بذلك لاجتماعها، و كَثَبَ: إذا اجتمع، و الْكَاثِبُ:
الجامع، و التَّكْثِيبُ: الصّيد إذا أمكن من نفسه، و العرب تقول: أَكْثَبَكَ الصّيدُ فارمه «1»، و هو من الْكَثْبِ، أي: القُرْبِ.
كثر
قد تقدّم أنّ الْكَثْرَةَ و القلّة يستعملان في الكمّيّة المنفصلة كالأعداد «2». قال تعالى: وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً* [المائدة/ 64]، وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ‏ [المؤمنون/ 70]، بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ‏ [الأنبياء/ 24]، قال: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة/ 249]، و قال:
وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً [النساء/ 1]، وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ‏ [البقرة/ 109] إلى آيات كثيرة، و قوله: بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ [ص/ 51] فإنه جعلها كثيرة اعتبارا بمطاعم الدّنيا، و ليست الْكَثْرَةُ إشارة إلى العدد فقط بل إلى الفضل، و يقال: عدد كَثِيرٌ و كُثَارٌ و كَاثِرٌ: زائد، و رجل كَاثِرٌ: إذا كان كَثِيرَ المال، قال الشاعر:
382-
         و لست بِالْأَكْثَرِ منهم حصى             و إنما العزة لِلْكَاثِرِ «3»

و الْمُكَاثَرَةُ و التَّكَاثُرُ: التّباري في كثرة المال و العزّ. قال تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ [التكاثر/ 1] و فلان مَكْثُورٌ، أي: مغلوب في الكثرة، و الْمِكْثَارُ متعارف في كثرة الكلام، و الْكَثَرُ:
الجمّار الكثير، و قد حكي بتسكين الثاء، و
رُوِيَ:
 «لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَ لَا كَثَرٍ» «4».
و قوله: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر/ 1]
قِيلَ: هُوَ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ يَتَشَعَّبُ عَنْهُ الْأَنْهَارُ، وَ قِيلَ: بَلْ هُوَ الْخَيْرُ الْعَظِيمُ الَّذِي أَعْطَاهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ.
و قد يقال للرّجل السّخيّ: كَوْثَرٌ، و يقال: تَكَوْثَرَ الشي‏ءُ: كَثُرَ كَثْرَةً متناهية، قال الشاعر:
383-
         و قد ثار نقع الموت حتى تَكَوْثَرَا «5»
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 779، و أساس البلاغة (كثب).
 (2) راجع مادة (كبر).
 (3) البيت تقدّم في مادة (قلّ).
 (4) الحديث عن رافع بن خديج قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «لا قطع في ثمر و لا كثر» أخرجه أحمد في المسند 3/ 463، و مالك في الموطأ 2/ 839، و النسائي 8/ 87. و هو حديث منقطع لكن له متابعات.
 (5) هذا عجز بيت، و صدره:
         أبوا أن يبيحوا جارهم لعدوهم‏

و هو لحسان بن نشيبة، و البيت في اللسان (كثر)، و أساس البلاغة (كثر)، و شرح الحماسة 1/ 177.

703
مفردات ألفاظ القرآن

كدح ص 704

كدح‏
الْكَدْحُ: السّعي و العناء. قال تعالى: إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً [الانشقاق/ 6] و قد يستعمل استعمال الكدم في الأسنان، قال الخليل «1»: الْكَدْحُ دون الكدم.
كدر
الْكَدَرُ: ضدّ الصّفاء، يقال: عيش كَدِرٌ، و الْكُدْرَةُ في اللّون خاصّة، و الْكُدُورَةُ في الماء، و في العيش، و الِانْكِدَارُ: تغيّر من انتثار الشي‏ء.
قال تعالى: وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ‏ [التكوير/ 2]، و انْكَدَرَ القوم على كذا: إذا قصدوا متناثرين عليه.
كدى‏
الْكُدْيَةُ: صلابة في الأرض. يقال: حفر فَأَكْدَى: إذا وصل إلى كُدْيَةٍ، و استعير ذلك للطالب المخفق، و المعطي المقلّ. قال تعالى:
أَعْطى‏ قَلِيلًا وَ أَكْدى‏ [النجم/ 34].
كذب‏
قد تقدّم القول في الْكِذْبِ مع الصّدق «2»، و أنه يقال في المقال و الفعال، قال تعالى:
إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ‏ [النحل/ 105]، و قوله: وَ اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ‏ [المنافقون/ 1] و قد تقدّم أنه كذبهم في اعتقادهم لا في مقالهم، و مقالهم كان صدقا، و قوله: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ [الواقعة/ 2] فقد نُسِبَ الْكَذِبُ إلى نفس الفعل، كقولهم: فعلة صادقة، و فعلة كاذبة، قوله: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ [العلق/ 16]، يقال: رجل كَذَّابٌ و كَذُوبٌ و كُذُبْذُبٌ و كَيْذُبَانُ.
كلّ ذلك للمبالغة، و يقال: لا مَكْذُوبَةَ، أي: لا أكذبك، و كذبتك حديثا، قال تعالى: الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ [التوبة/ 90]، و يتعدّى إلى مفعولين نحو: صدق في قوله: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ [الفتح/ 27]. يقال:
كَذَبَهُ كَذِباً و كِذَّاباً، و أَكْذَبْتُهُ: وجدته كاذبا، و كَذّبْتُهُ: نسبته إلى الكذب صادقا كان أو كاذبا، و ما جاء في القرآن ففي تَكْذِيبِ الصادق نحو:
كَذَّبُوا بِآياتِنا* [آل عمران/ 11]، رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ* [المؤمنون/ 26]، بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ‏ [ق/ 5]، كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا [القمر/ 9]، كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَ عادٌ بِالْقارِعَةِ [الحاقة/ 4]، وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ‏ [الحج/ 42]، وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏ [فاطر/ 25]، و قال: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ‏ [الأنعام/ 33] قرئ بالتخفيف و التّشديد «3»،
__________________________________________________
 (1) العين 3/ 60.
 (2) راجع: مادة (صدق).
 (3) قرأ نافع و الكسائي بالتخفيف، و الباقون بالتشديد. انظر: الإتحاف ص 207.

704
مفردات ألفاظ القرآن

كذب ص 704

و معناه: لا يجدونك كاذبا و لا يستطيعون أن يثبتوا كذبك، و قوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا [يوسف/ 110] أي: علموا أنهم تلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب، ف «كذّبوا» نحو: فسّقوا و زنّوا و خطّئوا: إذا نسبوا إلى شي‏ء من ذلك، و ذلك قوله: فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ‏ [فاطر/ 4] و قوله: فَكَذَّبُوا رُسُلِي‏ [سبأ/ 45]، و قوله: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ‏ [ص/ 14]، و قرئ: كُذِبُوا «1» بالتّخفيف. من قولهم: كذبتك حديثا.
أي: ظنّ المرسل إليهم أنّ المرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب، و إنما ظنّوا ذلك من إمهال اللّه تعالى إيّاهم و إملائه لهم، و قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً [عمّ/ 35] الْكِذَّابُ:
التّكذيب. و المعنى: لا يُكَذِّبُونَ فَيُكَذِّبُ بعضهم بعضا، و نفي التّكذيب عن الجنة يقتضي نفي الكذب عنها، و قرئ: كِذَاباً «2» من الْمُكَاذَبَةِ.
أي: لا يَتَكَاذَبُونَ تَكَاذُبَ الناس في الدنيا، يقال:
حمل فلان على قرنه فكذب «3»، كما يقال في ضدّه: صدق. و كَذَبَ لبنُ الناقة: إذا ظنّ أن يدوم مدّة فلم يدم. و
قَوْلُهُمْ: (كَذَبَ عَلَيْكَ الْحَجُّ) «4».
قيل: معناه وجب فعليك به، و حقيقته أنه في حكم الغائب البطي‏ء وقته، كقولك: قد فات الحجّ فبادر، أي: كاد يفوت. و كَذَبَ عليك العسلَ «5» بالنّصب، أي: عليك بالعسل، و ذلك إغراء، و قيل: العسل هاهنا العسلان، و هو ضرب من العدو، و الْكَذَّابَةُ: ثَوْبٌ يُنْقَشُ بلونِ صِبْغٍ كأنه موشى، و ذلك لأنه يُكَذبُ بحاله.
كر
الْكَرُّ: العطف على الشي‏ء بالذّات أو بالفعل، و يقال للحبل المفتول: كَرٌّ، و هو في الأصل مصدر، و صار اسما، و جمعه: كُرُورٌ.
قال تعالى: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ‏

__________________________________________________
 (1) و هي قراءة عاصم و حمزة و الكسائي و أبي جعفر و خلف. انظر: الإتحاف ص 268.
 (2) و هي قراءة الكسائي. انظر: الإتحاف ص 431.
 (3) قال الزمخشري: و من المجاز: حمل فلان ثم كذّب: إذا جبن و نكل، و معناه: كذّب الظن به، أو جعل حملته كاذبة غير صادقة. انظر: أساس البلاغة (كذب). و قال شمّر: يقال للرجل إذا حمل ثم ولّى و لم يمض: قد كذّب عن قرنه تكذيبا، و التكذيب في القتال ضد الصدق فيه. اللسان (كذب).
 (4) قال أبو عبيد: في حديث عمر: (كذب عليكم الحج، كذب عليكم العمرة، كذب عليكم الجهاد ثلاثة أسفار كذبن عليكم) انظر: غريب الحديث 3/ 248، و أخرجه عبد الرزاق في المصنّف 5/ 172.
 (5) الحديث: إنّ عمرو بن معديكرب شكا إلى عمر بن الخطاب المعص، فقال: كذب عليك العسل. يريد:
العسلان، و هو مشي الذئب. أي: عليك بسرعة المشي.
و المعص: التواء في عصب الرّجل. انظر: النهاية 4/ 158، و الفائق 2/ 200، و اللسان (كذب).

705
مفردات ألفاظ القرآن

كر ص 705

 [الإسراء/ 6]، فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الشعراء/ 102]، وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً [البقرة/ 167]، لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً [الزمر/ 58] و الْكِرْكِرَةُ: رحى زَوْرِ البعير، و يعبّر بها عن الجماعة المجتمعة، و الْكَرْكَرَةُ:
تصريف الرّيحِ السّحابَ، و ذلك مُكَرَّرٌ من كَرَّ.
كرب‏
الْكَرْبُ: الغمّ الشّديد. قال تعالى: فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ‏ [الأنبياء/ 76].
و الْكُرْبَةُ كالغمّة، و أصل ذلك من: كَرْبِ الأرض، و هو قَلْبُها بالحفر، فالغمّ يثير النّفس إثارة ذلك، و قيل في مَثَلٍ: الْكِرَابُ على البقر «1»
، و ليس ذلك من قولهم: (الكلاب على البقر) في شي‏ء. و يصحّ أن يكون الْكَرْبُ من:
كَرَبَتِ الشمس: إذا دنت للمغيب. و قولهم: إناء كَرْبَانُ، أي: قريب. نحو: قَرْبانَ، أي: قريب من المل‏ء، أو من الْكَرَبِ، و هو عقد غليظ في رشا الدّلو، و قد يوصف الغمّ بأنه عقدة على القلب، يقال: أَكْرَبْتُ الدّلوَ.
كرس‏
الْكُرْسِيُّ في تعارف العامّة: اسم لما يقعد عليه. قال تعالى: وَ أَلْقَيْنا عَلى‏ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ‏ [ص/ 34] و هو في الأصل منسوب إلى الْكِرْسِ، أي: المتلبّد أي: المجتمع.
و منه: الْكُرَّاسَةُ لِلْمُتَكَرِّسِ من الأوراق، و كَرَسْتُ البناءَ فَتَكَرَّسَ، قال العجاج:
384-
         يا صاح هل تعرف رسما مُكْرَسَا             قال: نعم أعرفه، و أبلسا «2»

و الْكِرْسُ: أصل الشي‏ء، يقال: هو قديم الْكِرْسِ. و كلّ مجتمع من الشي‏ء كِرْسٌ، و الْكَرُّوسُ: المتركّب بعض أجزاء رأسه إلى بعضه لكبره، و قوله عزّ و جل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ‏ [البقرة/ 255]
فَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْكُرْسِيَّ الْعِلْمُ «3».
و
قِيلَ:
كُرْسِيُّهُ مُلْكُهُ.
و قال بعضهم: هو اسم الفلك المحيط بالأفلاك، قال: و يشهد لذلك ما
رُوِيَ «مَا السَّمَوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ» «4».
__________________________________________________
 (1) قال ابن فارس: و يقولون: الكراب على البقر، كأنهم أرادوا كرب الأرض للحرث. و يقال: الكلاب على البقر، يراد: صدنا بالبقر الكلاب، و يقال: تأويله: خلّ أمرا و صناعته.
انظر: المجمل 3/ 783، و جمهرة الأمثال 2/ 169، و الأمثال ص 284.
 (2) الرجز للعجاج، و هو في ديوانه ص 16، و مجاز القرآن 1/ 192، و تفسير القرطبي 6/ 427.
 (3) عن ابن عباس في قوله تعالى: وسع كرسيّه السّماوات و الأرض قال: كرسيه: علمه، أ لا ترى إلى قوله: و لا يؤده حفظهما انظر: الدر المنثور 2/ 16، و الأسماء و الصفات ص 497.
 (4) الحديث تقدّم في مادة (عرش). و قال ابن حجر: صحّحه ابن حبان، و له شاهد عن مجاهد، أخرجه سعيد بن منصور في التفسير بسند صحيح. فتح الباري 13/ 411.

706
مفردات ألفاظ القرآن

كرم ص 707

كرم‏
الْكَرَمُ إذا وصف اللّه تعالى به فهو اسم لإحسانه و إنعامه المتظاهر، نحو قوله: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ‏ [النمل/ 40]، و إذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق و الأفعال المحمودة التي تظهر منه، و لا يقال: هو كريم حتى يظهر ذلك منه. قال بعض العلماء: الْكَرَمُ كالحرّيّة إلّا أنّ الحرّيّة قد تقال في المحاسن الصّغيرة و الكبيرة، و الكرم لا يقال إلا في المحاسن الكبيرة، كمن ينفق مالا في تجهيز جيش في سبيل اللّه، و تحمّل حمالة ترقئ دماء قوم، و قوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ‏ [الحجرات/ 13] فإنما كان كذلك لأنّ الْكَرَمَ الأفعال المحمودة، و أكرمها و أشرفها ما يقصد به وجه اللّه تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التّقيّ، فإذا أكرم الناس أتقاهم، و كلّ شي‏ء شرف في بابه فإنه يوصف بِالْكَرَمِ. قال تعالى:
فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏ [لقمان/ 10]، وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ‏ [الدخان/ 26]، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ‏ [الواقعة/ 77]، وَ قُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً [الإسراء/ 23].
و الْإِكْرَامُ و التَّكْرِيمُ: أن يوصل إلى الإنسان إكرام، أي: نفع لا يلحقه فيه غضاضة، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كَرِيماً، أي: شريفا، قال: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ‏ [الذاريات/ 24]. و قوله: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ‏ [الأنبياء/ 26] أي: جعلهم كراما، قال: كِراماً كاتِبِينَ‏ [الانفطار/ 11]، و قال: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ* كِرامٍ بَرَرَةٍ [عبس/ 15 16]، وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ‏ [يس/ 27]، و قوله: ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏ [الرحمن/ 27] منطو على المعنيين.
كره‏
قيل: الْكَرْهُ و الْكُرْهُ واحد، نحو: الضّعف و الضّعف، و قيل: الْكَرْهُ: المشقّة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بِإِكْرَاهٍ، و الْكُرْهُ:
ما يناله من ذاته و هو يعافه، و ذلك على ضربين:
أحدهما: ما يعاف من حيث الطّبع.
و الثاني: ما يعاف من حيث العقل أو الشّرع، و لهذا يصحّ أن يقول الإنسان في الشي‏ء الواحد:
إني أريده و أَكْرَهُهُ، بمعنى أنّي أريده من حيث الطّبع، و أكرهه من حيث العقل أو الشّرع، أو أريده من حيث العقل أو الشّرع، و أَكْرَهُهُ من حيث الطّبع، و قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ‏ [البقرة/ 216] أي: تَكْرَهُونَهُ من حيث الطّبع، ثم بيّن ذلك بقوله: وَ عَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏ [البقرة/ 216] أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كَرَاهِيَتَهُ للشي‏ء أو محبّته له حتى يعلم حاله. و كَرِهْتُ يقال فيهما جميعا إلّا أنّ استعماله في الكره أكثر. قال‏

707
مفردات ألفاظ القرآن

كره ص 707

تعالى: وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ* [التوبة/ 32]، وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ* [التوبة/ 33]، وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ‏ [الأنفال/ 5]، و قوله: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ‏ [الحجرات/ 12] تنبيه أنّ أكل لحم الأخ شي‏ء قد جبلت النّفس على كَرَاهَتِهَا له و إن تحرّاه الإنسان، و قوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [النساء/ 19] و قرئ:
كُرْهاً «1»، و الْإِكْرَاهُ يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه، و قوله: وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ [النور/ 33] فنهي عن حملهنّ على ما فيه كَرْهٌ و كُرْهٌ، و قوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ‏ [البقرة/ 256] فقد قيل: كان ذلك في ابتداء الإسلام، فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب و إلّا ترك «2».
و الثاني: أنّ ذلك في أهل الكتاب، فإنّهم إن أرادوا الجزية و التزموا الشّرائط تركوا «3».
و الثالث أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به و دخل فيه، كما قال تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ‏ [النحل/ 106].
الرابع: لا اعتداد في الآخرة بما يفعل الإنسان في الدّنيا من الطاعة كرها، فإنّ اللّه تعالى يعتبر السّرائر و لا يرضى إلّا الإخلاص، و لهذا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» «4».
و
قَالَ: «أَخْلِصْ يَكْفِكَ الْقَلِيلُ مِنَ الْعَمَلِ» «5».
الخامس: معناه لا يحمل الإنسان على أمر مَكْرُوهٍ في الحقيقة مما يكلّفهم اللّه بل يحملون على نعيم الأبد، و لهذا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «عَجِبَ رَبُّكُمْ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ بِالسَّلَاسِلِ» «6».
السادس: أنّ الدّين الجزاء. معناه: أنّ اللّه ليس بِمُكْرَهٍ على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء.
و قوله: أَ فَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ إلى قوله:
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 188.
 (2) و يؤيد هذا ما أخرجه ابن إسحاق و ابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، و كان هو رجلا مسلما، فقال للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: أ لا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل اللّه فيه ذلك. انظر: الدر المنثور 2/ 21، و تفسير الطبري 3/ 14.
 (3) و هذا مروي عن ابن عباس أيضا، و أخرجه عنه ابن جرير و ابن أبي حاتم.
 (4) الحديث متفق عليه، أخرجه البخاري في بدء الوحي 1/ 7، و مسلم في الإمارة برقم (1907)، و غيرهما.
 (5) الحديث عن معاذ بن جبل أنه قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم حين بعثه إلى اليمن: أوصني. قال: «أخلص دينك يكفك العمل القليل» أخرجه الحاكم في الرقاق 4/ 306، و قال: صحيح الإسناد، و لم يوافقه الذهبي، و أبو نعيم في الحلية 1/ 244. و قال العراقي: رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ، و إسناده منقطع. انظر: تخريج أحاديث الإحياء 6/ 2406.
 (6) الحديث تقدّم في مادة (سلّ).

708
مفردات ألفاظ القرآن

كره ص 707

طَوْعاً وَ كَرْهاً* [آل عمران/ 83] «1» قيل معناه: أسلم من في السموات طوعا، و من في الأرض كرها. أي: الحجّة أكرهتهم و ألجأتهم، كقولك: الدّلالة أكرهتني على القول بهذه المسألة، و ليس هذا من الكره المذموم.
الثاني: أسلم المؤمنون طوعا، و الكافرون كرها إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم و يقضيه عليهم.
الثالث:
عَنْ قَتَادَةَ: أَسْلَمَ الْمُؤْمِنُونَ طَوْعاً وَ الْكَافِرُونَ كَرْهاً عِنْدَ الْمَوْتِ حَيْثُ قَالَ: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا ....الآية [غافر/ 85].
الرابع: عني بالكره من قوتل و ألجئ إلى أن يؤمن.
الخامس:
عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ «2» وَ مُجَاهِدٍ أَنَّ كُلًّا أَقَرَّ بِخَلْقِهِ إِيَّاهُمْ وَ إِنْ أَشْرَكُوا مَعَهُ، كَقَوْلِهِ:
وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ. [الزخرف/ 87].
السادس:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَسْلَمُوا بِأَحْوَالِهِمْ الْمُنْبِئَةِ عَنْهُمْ وَ إِنْ كَفَرَ بَعْضُهُمْ بِمَقَالِهِمْ، وَ ذَلِكَ هُوَ الْإِسْلَامُ فِي الذَّرِّ الْأَوَّلِ «3» حَيْثُ قَالَ: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏. [الأعراف/ 172] و ذلك هو دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضي لأن يسلموا، و إلى هذا أشار بقوله: وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ [الرعد/ 15].
السابع:
عَنْ بَعْضِ الصُّوفِيَّةِ: أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ طَوْعاً هُوَ مَنْ طَالَعَ الْمُثِيبَ وَ الْمُعَاقِبَ لَا الثَّوَابَ وَ الْعِقَابَ فَأَسْلَمَ لَهُ، وَ مَنْ أَسْلَمَ كَرْهاً هُوَ مَنْ طَالَعَ الثَّوَابَ وَ الْعِقَابَ فَأَسْلَمَ رَغْبَةً وَ رَهْبَةً.
و نحو هذه الآية قوله: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً [الرعد/ 15].
كسب‏
الْكَسْبُ: ما يتحرّاه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع، و تحصيل حظّ، كَكَسْبِ المال، و قد يستعمل فيما يظنّ الإنسان أنه يجلب منفعة، ثم استجلب به مضرّة. و الْكَسْبُ يقال فيما أخذه لنفسه و لغيره، و لهذا قد يتعدّى إلى مفعولين، فيقال: كَسَبْتُ فلانا كذا، و الِاكْتِسَابُ لا يقال إلّا فيما استفدته لنفسك، فكلّ اكْتِسَابٍ كسب، و ليس كلّ كَسْبٍ اكتسابا، و ذلك نحو: خبز و اختبز، و شوى و اشتوى، و طبخ و اطّبخ، و قوله تعالى:
أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ‏ [البقرة/ 267]
رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ «4»: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟
__________________________________________________
 (1) الآية: أ فغير دين اللّه يبغون و له أسلم من في السّماوات و الأرض طوعا و كرها.
 (2) أبو العالية الرّياحيّ، و اسمه رفيع بن مهران، ثقة كثير الإرسال، من الثّانية. مات سنة تسعين. راجع: تقريب التّهذيب ص 210.
 (3) أخرجه ابن جرير 3/ 336 بسند صحيح.
 (4) انظر سنن النّسائيّ 7/ 241، و أخرجه أحمد 4/ 141، و فيه المسعوديّ، و هو ثقة لكنّه اختلط.

709
مفردات ألفاظ القرآن

كسب ص 709

فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ، «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ».
و
قَالَ: «إِنَّ أَطْيَبَ مَا يَأْكُلُ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَ إِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ» «1».
و قال تعالى: لا يَقْدِرُونَ عَلى‏ شَيْ‏ءٍ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة/ 264] و قد ورد في القرآن في فعل الصالحات و السيئات، فممّا استعمل في الصالحات قوله: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً [الأنعام/ 158]، و قوله:
وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً إلى قوله: مِمَّا كَسَبُوا [البقرة/ 201- 202] «2». و ممّا يستعمل في السّيّئات: أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ‏ [الأنعام/ 70]، أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا [الأنعام/ 70]، إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ‏ [الأنعام/ 120]، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ‏ [البقرة/ 79]، و قال: فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ [التوبة/ 82]، وَ لَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا [فاطر/ 45]، وَ لا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها [الأنعام/ 164]، و قوله: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ* [آل عمران/ 161] فمتناول لهما.
و الِاكْتِسَابُ قد ورد فيهما. قال في الصالحات:
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَ لِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ‏ [النساء/ 32]، و قوله: لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ‏ [البقرة/ 286] فقد قيل خصّ الْكَسْبُ هاهنا بالصالح، و الِاكْتِسَابُ بالسّيّئ، و قيل: عني بالكسب ما يتحرّاه من الْمَكَاسِبِ الأخرويّة، و بالاكتساب ما يتحرّاه من المكاسب الدّنيويّة، و قيل: عني بِالْكَسْبِ ما يفعله الإنسان من فعل خير و جلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز، و بِالاكْتِسَابِ ما يحصّله لنفسه من نفع يجوز تناوله، فنبّه على أنّ ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصّله إليه فله الثّواب، و أنّ ما يحصّله لنفسه- و إن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه- فقلّما ينفكّ من أن يكون عليه، إشارة إلى ما
قِيلَ: (مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا فَلْيُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى الْمَصَائِبِ) «3».
و قوله تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ* [التغابن/ 15]، و نحو ذلك.
__________________________________________________
 (1) الحديث عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ أطيب ما أكل الرجل كسبه، و إنّ ولده من كسبه» أخرجه ابن حبان و صحّحه، في صحيحه برقم (1091)، و أبو داود برقم 3530، و ابن ماجة برقم (2292)، و سنده حسن، و أحمد 6/ 31، و قال المنذري: رجاله ثقات.
 (2) الآية: و منهم من يقول: ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النّار* أولئك لهم نصيب ممّا كسبوا و اللّه سريع الحساب.
 (3) هذا من كلام عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق. انظر مجمع الأمثال 2/ 274، و التمثيل و المحاضرة ص 32.

710
مفردات ألفاظ القرآن

كسف ص 711

كسف‏
كُسُوفُ الشمس و القمر: استتارهما بعارض مخصوص، و به شبّه كُسُوفُ الوجه و الحال، فقيل: كَاسِفُ الوجه و كَاسِفُ الحال، و الْكِسْفَةُ:
قطعة من السّحاب و القطن، و نحو ذلك من الأجسام المتخلخلة الحائلة، و جمعها كِسَفٌ، قال: وَ يَجْعَلُهُ كِسَفاً [الروم/ 48]، فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ [الشعراء/ 187]، أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً [الإسراء/ 92] و كِسْفاً «1» بالسّكون. فَكِسَفٌ جمع كِسْفَةٍ، نحو: سدرة و سِدَرٍ. وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ [الطور/ 44]. قال أبو زيد: كَسَفْتُ الثّوب أَكْسِفُهُ كِسْفاً:
إذا قطعته قطعا «2»، و قيل: كَسَفْتُ عرقوب الإبل، قال بعضهم: هو كَسَحْتُ لا غيرُ.
كسل‏
الْكَسَلُ: التثاقل عمّا لا ينبغي التثاقل عنه، و لأجل ذلك صار مذموما. يقال: كَسِلَ فهو كَسِلٌ و كَسْلَانُ «3»، و جمعه: كُسَالَى و كَسَالَى، قال تعالى: وَ لا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ كُسالى‏ [التوبة/ 54] و قيل: فلان لا يُكْسِلُهُ الْمَكَاسِلُ «4»، و فحل كَسِلٌ: يَكْسَلُ عن الضّراب، و امرأة مِكْسَالٌ: فاترة عن التّحرّك.
كسا
الْكِسَاءُ و الْكِسْوَةُ: اللّباس. قال تعالى: أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة/ 89]، و قد كَسَوْتُهُ و اكْتَسَى. قال: وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ‏ [النساء/ 5]، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً [المؤمنون/ 14]، و اكْتَسَتِ الأرض بالنّبات، و قول الشاعر:
385-
         فبات له دون الصّبا و هي قرّة             لحاف و مصقول الْكِسَاءِ رقيق «5»

فقد قيل: هو كناية عن اللّبن إذا علته الدّواية «6»، و قول الآخر:
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو و حمزة و الكسائي و خلف و يعقوب. انظر: الإتحاف ص 286.
 (2) انظر: تهذيب اللغة 10/ 76.
 (3) انظر: الأفعال للسرقسطي 2/ 144.
 (4) قال ابن منظور: و يقال: فلان لا تكسله المكاسل. يقول: لا تثقله وجوه الكسل. انظر: اللسان (كسل)، و تهذيب اللغة 10/ 61.
 (5) البيت لعمرو بن الأهتم، و هو شاعر مخضرم، من قصيدته المفضلية، و مطلعها:
         أ لا طرقت أسماء و هي طروق             و بانت على أنّ الخيال يشوق‏


و البيت في المفضليات ص 127، و المجمل 3/ 784، و اللسان (كسأ)، و المعاني الكبير 1/ 398.
البيت لعمرو بن الأهتم من مفضليته. المفضليات ص 127.
 (6) قال التبريزي: أي: صار للضيف في مدافعة أذى الريح- و هي باردة- لحاف. أي: دثار يلتحف به. و قال الأصمعي: أراد بالكساء الدّواية، و هي الجلدة الرقيقة التي تعلو اللبن إذا برد. انظر: شرح المفضليات للتبريزي 2/ 609.

711
مفردات ألفاظ القرآن

كسا ص 711

386-
         حتى أرى فارس الصّموت على             أَكْسَاءِ خيل كأنها الإبل «1»

قيل: معناه: على أعقابها، و أصله أن تعدى الإبل فتثير الغبار، و يعلوها فيكسوها، فكأنه تولّى إِكْسَاءَ الإبل، أي: ملابسها من الغبار.
كشف‏
كَشَفْتُ الثّوب عن الوجه و غيره، و يقال:
كَشَفَ غمّه. قال تعالى: وَ إِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ* [الأنعام/ 17]، فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ‏ [الأنعام/ 41]، لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ‏ [ق/ 22]، أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ [النمل/ 62]، و قوله:
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ‏ [القلم/ 42] قيل:
أصله من: قامت الحرب على ساق، أي:
ظهرت الشّدّة، و قال بعضهم: أصله من تذمير الناقة، و هو أنه إذا أخرج رجل الفصيل من بطن أمّه، فيقال: كُشِفَ عن السّاق.
كشط
قال عزّ و جل: وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ‏ [التكوير/ 11] و هو من: كَشْطِ الناقة، أي: تنحية الجلد عنها، و منه استعير: انْكَشَطَ روعه «2»، أي: زال.
كظم‏
الْكَظَمُ: مخرج النّفس، يقال: أخذ بِكَظَمِهِ، و الْكُظُومُ: احتباس النّفس، و يعبّر به عن السّكوت كقولهم: فلان لا يتنفّس: إذا وصف بالمبالغة في السّكوت، و كُظِمَ فلان: حبس نفسه. قال تعالى: إِذْ نادى‏ وَ هُوَ مَكْظُومٌ‏ [القلم/ 48]، و كَظْمُ الغَيْظِ: حبسه، قال:
وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران/ 134] و منه:
كَظَمَ البعيرُ: إذا ترك الاجترار، و كَظَمَ السّقاء:
شدّه بعد ملئه مانعا لنفسه، و الْكِظَامَةُ: حلقة تجمع فيها الخيوط في طرف حديدة الميزان، و السّير الذي يوصل بوتر القوس، و الْكَظَائِمُ:
خروق بين البئرين يجري فيها الماء، كلّ ذلك تشبيه بمجرى النّفس، و تردّده فيه.
كعب‏
كَعْبُ الرّجل: العظم الذي عند ملتقى القدم و الساق. قال: وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ‏ [المائدة/ 6]. و الْكَعْبَةُ: كلّ بيت على هيئته في التّربيع، و بها سمّيت الْكَعْبَةُ. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) البيت للمثلّم بن عمرو التنوخي، و يقال: للبريق بن عياض الهذلي.
و هو في المجمل 3/ 784، و العباب الزاخر (كسأ)، و اللسان (كسأ)، و التاج (كسأ)، و شرح الحماسة للمرزوقي 1/ 479، و شرح أشعار الهذليين 2/ 759.
 (2) انظر: المجمل 3/ 786.

712
مفردات ألفاظ القرآن

كعب ص 712

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ‏ [المائدة/ 97]. و ذو الْكَعْبَاتِ: بيت كان في الجاهلية لبني ربيعة، و فلان جالس في كَعْبَتِهِ، أي: غرفته و بيته على تلك الهيئة، و امرأة كَاعِبٌ:
تَكَعَّبَ ثدياها، و قد كَعَبَتْ كِعَابَةً، و الجمع كَوَاعِبُ، قال: وَ كَواعِبَ أَتْراباً [النبأ/ 33]، و قد يقال: كَعَبَ الثّدي كَعْباً، و كَعَّبَ تَكْعِيباً «1»، و ثوب مُكَعَّبٌ: مطويّ شديد الإدراج، و كلّ ما بين العقدتين من القصب و الرّمح يقال له:
كَعْبٌ، تشبيها بالكعب في الفصل بين العقدتين، كفصل الكعب بين السّاق و القدم.
كف‏
الْكَفُّ: كَفُّ الإنسان، و هي ما بها يقبض و يبسط، و كَفَفْتُهُ: أصبت كَفَّهُ، و كَفَفْتُهُ: أصبته بالكفّ و دفعته بها. و تعورف الكفّ بالدّفع على أيّ وجه كان، بالكفّ كان أو غيرها حتى قيل:
رجل مَكْفُوفٌ لمن قبض بصره، و قوله تعالى:
وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ‏ [سبأ/ 28] أي: كافّا لهم عن المعاصي، و الهاء فيه للمبالغة كقولهم: راوية، و علّامة، و نسّابة، و قوله:
وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً [التوبة/ 36] قيل: معناه: كَافِّينَ لهم كما يقاتلونكم كافّين «2»، و قيل: معناه جماعة كما يقاتلونكم جماعة، و ذلك أن الجماعة يقال لهم الكافّة، كما يقال لهم الوازعة لقوّتهم باجتماعهم، و على هذا قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً [البقرة/ 208]، و قوله: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى‏ ما أَنْفَقَ فِيها [الكهف/ 42] فإشارة إلى حال النادم و ما يتعاطاه في حال ندمه. و تَكَفَّفَ الرّجل: إذا مدّ يده سائلا، و اسْتَكَفَّ: إذا مدّ كفّه سائلا أو دافعا، و اسْتَكَفَّ الشمس: دفعها بكفّه، و هو أن يضع كفّه على حاجبه مستظلّا من الشمس ليرى ما يطلبه، و كِفَّةُ الميزان تشبيه بالكفّ في كفّها ما يوزن بها، و كذا كِفَّةُ الحبالة، و كَفَّفْتُ الثوب: إذا خطت نواحيه بعد الخياطة الأولى.
كفت‏
الْكَفْتُ: القبض و الجمع. قال تعالى:
أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَ أَمْواتاً [المرسلات/ 25- 26] أي: تجمع الناس أحياءهم و أمواتهم، و قيل: معناه تضمّ الأحياء التي هي الإنسان و الحيوانات و النّبات، و الأموات‏
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (كعب).
 (2) قال الزجاج في الآية: و هذا مشتقّ من كفّة الشي‏ء، و هي حرفه، و إنما أخذ من أنّ الشي‏ء إذا انتهى إلى ذلك كفّ عن الزيادة، و لا يجوز أن يثنى و لا يجمع، و لا يقال: قاتلوهم كافات و لا كافين، كما أنك إذا قلت: قاتلوهم عامّة لم تثنّ و لم تجمع، و كذلك خاصّة. هذا مذهب النحويين. انظر: معاني القرآن و إعرابه للزجاج 2/ 446.

713
مفردات ألفاظ القرآن

كفت ص 713

التي هي الجمادات من الأرض و الماء و غير ذلك. و الْكِفَاتُ، قيل: هو الطّيران السّريع، و حقيقته: قبض الجناح للطّيران، كما قال:
أَ وَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَ يَقْبِضْنَ [الملك/ 19] فالقبض هاهنا كالكفات هناك.
و الْكَفْتُ: السّوق الشّديد، و استعمال الكفت في سوق الإبل كاستعمال القبض فيه، كقولهم:
قبض الرّاعي الإبل، و راعي قبضة، و كَفَتَ اللّه فلانا إلى نفسه، كقولهم: قبضه، و
فِي الْحَدِيثِ:
 «اكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ بِاللَّيْلِ» «1».
كفر
الْكُفْرُ في اللّغة: ستر الشي‏ء، و وصف الليل بِالْكَافِرِ لستره الأشخاص، و الزّرّاع لستره البذر في الأرض، و ليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللّغة لمّا سمع:
387-
         ألقت ذكاء يمينها في كَافِرٍ «2»


و الْكَافُورُ: اسم أكمام الثّمرة التي تَكْفُرُهَا، قال الشاعر:
388-
         كالكرم إذ نادى من الْكَافُورِ «3»
و كُفْرُ النّعمة و كُفْرَانُهَا: سترها بترك أداء شكرها، قال تعالى: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ‏ [الأنبياء/ 94]. و أعظم الْكُفْرِ: جحود الوحدانيّة أو الشريعة أو النّبوّة، و الْكُفْرَانُ في جحود النّعمة أكثر استعمالا، و الْكُفْرُ في الدّين أكثر، و الْكُفُورُ فيهما جميعا قال: فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً [الإسراء/ 99]، فَأَبى‏ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً* [الفرقان/ 50] و يقال منهما: كَفَرَ فهو كَافِرٌ. قال في الكفران: لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ‏ [النمل/ 40]، و قال: وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ‏ [البقرة/ 152]، و قوله:
وَ فَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَ أَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ‏ [الشعراء/ 19] أي: تحرّيت كفران نعمتي، و قال: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَ لَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم/ 7] و لمّا كان الكفران يقتضي جحود النّعمة صار يستعمل في الجحود، قال: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ‏ [البقرة/ 41] أي: جاحد له و ساتر، و الْكَافِرُ على‏
__________________________________________________
 (1) عن جابر رفعه قال: «خمّروا الآنية، و أوكوا الأسقية، و أجيفوا الأبواب، و اكفتوا صبيانكم عند المساء، فإن للجن انتشارا و خطفة» أخرجه البخاري في الأشربة 10/ 88، و الاستئذان، و انظر: شرح السنة 11/ 391.
 (2) هذا عجز بيت لثعلبة بن صعير المازني، و شطره:
         فتذكّرت ثقلا رثيدا بعد ما

و هو من مفضليته التي مطلعها:
         هل عند عمرة من بتات مسافر             ذي حاجة متروّح أو باكر


و البيت في المفضليات ص 130، و اللسان (كفر)، و الأفعال 2/ 174.
 (3) الرجز للعجاج، و هو في اللسان (كفر)، و تهذيب اللغة 10/ 201.

714
مفردات ألفاظ القرآن

كفر ص 714

الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانيّة، أو النّبوّة، أو الشريعة، أو ثلاثتها، و قد يقال: كَفَرَ لمن أخلّ بالشّريعة، و ترك ما لزمه من شكر اللّه عليه. قال: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ* [الروم/ 44] يدلّ على ذلك مقابلته بقوله: وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [الروم/ 44]، و قال: وَ أَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ‏ [النحل/ 83]، و قوله: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ‏ [البقرة/ 41] أي: لا تكونوا أئمّة في الكفر فيقتدى بكم، و قوله: وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ‏ [النور/ 55] عني بالكافر السّاتر للحقّ، فلذلك جعله فاسقا، و معلوم أنّ الكفر المطلق هو أعمّ من الفسق، و معناه: من جحد حقّ اللّه فقد فسق عن أمر ربّه بظلمه. و لمّا جعل كلّ فعل محمود من الإيمان جعل كلّ فعل مذموم من الكفر، و قال في السّحر: وَ ما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ [البقرة/ 102] و قوله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا، إلى قوله: كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ‏ [البقرة/ 275- 276] «1» و قال: وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى قوله: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ‏ [آل عمران/ 97] «2» و الْكَفُورُ: المبالغ في كفران النعمة، و قوله:
إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ* [الزخرف/ 15]، و قال:
ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ [سبأ/ 17] إن قيل: كيف وصف الإنسان هاهنا بالكفور، و لم يرض بذلك حتى أدخل عليه إنّ، و اللّام، و كلّ ذلك تأكيد، و قال في موضع وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ [الحجرات/ 7]، فقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ‏ [الزخرف/ 15] تنبيه على ما ينطوي عليه الإنسان من كفران النّعمة، و قلّة ما يقوم بأداء الشّكر، و على هذا قوله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ‏ [عبس/ 17] و لذلك قال: وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ [سبأ/ 13]، و قوله: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً [الإنسان/ 3] تنبيه أنه عرّفه الطّريقين كما قال: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد/ 10] فمن سالك سبيل الشّكر، و من سالك سبيل الكفر، و قوله: وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء/ 27] فمن الكفر، و نبّه بقوله: كانَ أنه لم يزل منذ وجد منطويا على الكفر. و الْكَفَّارُ أبلغ من الكفور
__________________________________________________
 (1) الآية: الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلّا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ، ذلك بأنّهم قالوا: إنّما البيع مثل الرّبا و أحلّ اللّه البيع و حرّم الرّبا، فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف، و أمره إلى اللّه، و من عاد فأولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون* يمحق اللّه الرّبا و يربي الصّدقات، و اللّه لا يحبّ كلّ كفّار أثيم.
 (2) الآية: و للّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا و من كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين.

715
مفردات ألفاظ القرآن

كفر ص 714

لقوله: كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق/ 24] و قال:
وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ‏ [البقرة/ 276]، إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر/ 3]، إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً [نوح/ 27] و قد أجري الكفّار مجرى الكفور في قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم/ 34]. و الْكُفَّارُ في جمع الكافر المضادّ للإيمان أكثر استعمالا كقوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ [الفتح/ 29]، و قوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح/ 29].
و الْكَفَرَةُ في جمع كافر النّعمة أشدّ استعمالا، و في قوله: أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس/ 42] أ لا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة؟
و الفجرة قد يقال للفسّاق من المسلمين. و قوله:
جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ [القمر/ 14] أي: من الأنبياء و من يجري مجراهم ممّن بذلوا النّصح في أمر اللّه فلم يقبل منهم. و قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [النساء/ 137] قيل: عني بقوله إنهم آمَنُوا بموسى، ثُمَّ كَفَرُوا بمن بعده. و النصارى آمَنُوا بعيسى، ثُمَّ كَفَرُوا بمن بعده. و قيل: آمَنُوا بموسى ثُمَّ كَفَرُوا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره، و قيل: هو ما قال: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي إلى قوله:
وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ‏ [آل عمران/ 72] «1» و لم يرد أنّهم آمنوا مرّتين و كفروا مرّتين، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة. و قيل: كما يصعد الإنسان في الفضائل في ثلاث درجات ينعكس في الرّذائل في ثلاث درجات. و الآية إشارة إلى ذلك، و قد بيّنته في كتاب «الذّريعة إلى مكارم الشّريعة» «2».
و يقال: كَفَرَ فلانٌ: إذا اعتقد الكفر، و يقال ذلك إذا أظهر الكفر و إن لم يعتقد، و لذلك قال:
مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ‏ [النحل/ 106] و يقال: كَفَرَ فلان بالشّيطان: إذا كفر بسببه، و قد يقال ذلك إذا آمن و خالف الشّيطان، كقوله: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ‏ [البقرة/ 256] و أَكْفَرَهُ إِكْفَاراً: حكم بكفره، و قد يعبّر عن التّبرّي بالكفر نحو: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ...الآية [العنكبوت/ 25]، و قوله تعالى: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ‏ [إبراهيم/ 22]، و قوله: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ‏ [الحديد/ 20] قيل: عنى بالكفّار الزّرّاع «3»، لأنّهم يغطّون البذر في التّراب ستر الكفّار حقّ اللّه‏
__________________________________________________
 (1) قالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار و اكفروا آخره لعلّهم يرجعون.
 (2) قال الراغب في كتاب «الذريعة»: و للإنسان مع كل فضيلة و رذيلة ثلاثة أحوال: إمّا أن يكون في ابتدائها، فيقال: هو عبدها و ابنها، و لهذا قال بعضهم: من لم يخدم العلم لم يرعه. و الثاني: أن يتوسطها فيقال: هو أخوها و صاحبها.
و الثالث: أن ينتهي فيها بقدر وسعه، و يتصرف فيها كما أراد، فيقال: هو ربّها و سيدها. انظر: كتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 44.
 (3) و هذا قول ابن قتيبة في تفسير غريب القرآن ص 454.

716
مفردات ألفاظ القرآن

كفر ص 714

تعالى بدلالة قوله: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ [الفتح/ 29] و لأنّ الكافر لا اختصاص له بذلك. و قيل: بل عنى الكفار، و خصّهم بكونهم معجبين بالدّنيا و زخارفها و راكنين إليها.
و الْكَفَّارَةُ: ما يغطّي الإثم، و منه: كَفَّارَةُ اليمين نحو قوله: ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ‏ [المائدة/ 89] و كذلك كفّارة غيره من الآثام ككفارة القتل و الظّهار. قال: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ‏ [المائدة/ 89] و التَّكْفِيرُ: ستره و تغطيته حتى يصير بمنزلة ما لم يعمل، و يصحّ أن يكون أصله إزالة الكفر و الكفران، نحو:
التّمريض في كونه إزالة للمرض، و تقذية العين في إزالة القذى عنه، قال: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ‏ [المائدة/ 65]، نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ‏ [النساء/ 31] و إلى هذا المعنى أشار بقوله: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ [هود/ 114] و قيل: صغار الحسنات لا تكفّر كبار السّيّئات، و قال:
لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ‏ [آل عمران/ 195]، لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا [الزمر/ 35] و يقال: كَفَرَتِ الشمس النّجومَ: سترتها، و يقال الْكَافِرُ للسّحاب الذي يغطّي الشمس و الليل، قال الشاعر:
389-
         ألقت ذكاء يمينها في كَافِرٍ «1»
و تَكَفَّرَ في السّلاح. أي: تغطّى فيه، و الْكَافُورُ: أكمام الثمرة. أي: التي تكفُرُ الثّمرةَ، قال الشاعر:
390-
         كالكرم إذ نادى من الْكَافُورِ «2»
و الْكَافُورُ الذي هو من الطّيب. قال تعالى:
كانَ مِزاجُها كافُوراً [الإنسان/ 5].
كفل‏
الْكَفَالَةُ: الضّمان، تقول: تَكَفَّلْتُ بكذا، و كَفَّلْتُهُ فلانا، و قرئ: وَ كَفَّلَها زَكَرِيَّا [آل عمران/ 37] «3» أي: كفّلها اللّه تعالى، و من خفّف «4» جعل الفعل لزكريّا، المعنى: تضمّنها.
قال تعالى: وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا [النحل/ 91]، و الْكَفِيلُ: الحظّ الذي فيه الكفاية، كأنّه تَكَفَّلَ بأمره. نحو قوله تعالى:
فَقالَ أَكْفِلْنِيها [ص/ 23] أي: اجعلني كفلا لها، و الْكِفْلُ: الكفيل، قال: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ‏ [الحديد/ 28] أي: كفيلين من نعمته في الدّنيا و الآخرة، و هما المرغوب إلى اللّه تعالى فيهما بقوله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة/ 201]
__________________________________________________
 (1) تقدم قريبا ص 714.
 (2) الشطر تقدّم قريبا ص 714.
 (3) و هي قراءة عاصم و حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 173.
 (4) قرأ بالتخفيف نافع و ابن كثير و ابن عامر و أبو عمرو و أبو جعفر و يعقوب.

717
مفردات ألفاظ القرآن

كفل ص 717

و قيل: لم يعن بقوله: «كِفْلَيْنِ» أي: نعمتين اثنتين بل أراد النّعمة المتوالية المتكفّلة بكفايته، و يكون تثنيته على حدّ ما ذكرنا في قولهم: (لبّيك و سعديك) «1»، و أما قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً إلى قوله: يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها [النساء/ 85] فإنّ الْكِفْلَ هاهنا ليس بمعنى الأوّل، بل هو مستعار من الْكِفْلِ «2»، و هو الشي‏ء الرّدي‏ء، و اشتقاقه من الْكَفَلِ «3»، و هو أنّ الكفل لمّا كان مركبا ينبو براكبه صار متعارفا في كلّ شدّة، كالسّيساء: و هو العظم النّاتئ من ظهر الحمار، فيقال: لأحملنّك على الْكِفْلِ، و على السّيساء «4»، و لأركبنّك الحسرى الرّذايا «5»
، قال الشاعر:
391-
         و حملناهم على صعبة زو             راء يعلونها بغير وطاء «6»

و معنى الآية: من ينضمّ إلى غيره معينا له في فعلة حسنة يكون له منها نصيب، و من ينضمّ إلى غيره معينا له في فعلة سيئة يناله منها شدّة.
و قيل: الْكِفْلُ الْكَفِيلُ. و نبّه أنّ من تحرّى شرّا فله من فعله كفيل يسأله، كما قيل: من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه، تنبيها أنه لا يمكنه التّخلّص من عقوبته.
كفؤ
الْكُفْ‏ءُ: في المنزلة و القدر، و منه: الْكِفَاءُ لشقّة تنصح «7» بالأخرى، فيجلّل بها مؤخّر البيت. يقال: فلان كف‏ء لفلان في المناكحة، أو في المحاربة، و نحو ذلك. قال تعالى: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص/ 4] و منه:
الْمُكَافَأَةُ. أي: المساواة و المقابلة في الفعل، و فلان كُفْؤٌ لك في المضادّة، و الْإِكْفَاءُ: قلب الشي‏ء كأنه إزالة المساواة، و منه: الْإِكْفَاءُ في الشّعر «8»، و مُكْفَأُ الوجه، أي: كاسد اللّون و كَفِيئُهُ، و يقال لنتاج الإبل ليست تامّة: كَفْأَةٌ «9»، و جعل فلان إبله كَفْأَتَيْنِ: إذا لقح كلّ سنة قطعة منها.
__________________________________________________
 (1) انظر: مادة (سعد).
 (2) الكفل من الرجال: الذي يكون في مؤخّر الحرب، إنما همته التأخر و الفرار. انظر: تهذيب اللغة 10/ 253.
 (3) لكن قال في اللسان: الكفل لا يشتقّ منه فعل و لا صفة.
 (4) يقال: اركب لكلّ حال سيساءه، و السيساء: ظهر الحمار، و معناه: اصبر على كل حال. راجع: مجمع الأمثال 1/ 301.
 (5) الرذايا: جمع الرذيّ، و هو الذي أثقله المرض، و الرذيّ من الإبل: المهزول الهالك الذي لا يستطيع براحا و لا ينبعث. اللسان (رذي).
 (6) البيت تقدّم في مادة (عتب).
 (7) أي: تخاط. يقال: نصحت الثوب: إذا خطته. و النّصاح: السلك يحاط به. انظر: اللسان (نصح).
 (8) الإكفاء في الشعر: أن ترفع قافية و تخفض أخرى. انظر: المجمل 3/ 788.
 (9) قال الصغاني: و الكفأة و الكفأة بالفتح و الضم: نتاج الإبل سنة. العباب الزاخر (كفأ).

718
مفردات ألفاظ القرآن

كفى ص 719

كفى‏
الْكِفَايَةُ: ما فيه سدّ الخلّة و بلوغ المراد في الأمر. قال تعالى: وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ‏ [الأحزاب/ 25]، إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ‏ [الحجر/ 95]. و قوله: وَ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً* [النساء/ 79] قيل: معناه: كفى اللّه شهيدا، و الباء زائدة. و قيل: معناه: اكْتَفِ باللّه شهيدا «1»، و الْكُفْيَةُ من القوت: ما فيه كِفَايَةٌ، و الجمع: كُفًى، و يقال: كَافِيكَ فلان من رجل، كقولك: حسبك من رجل.
كل‏
لفظ كُلٍّ هو لضمّ أجزاء الشي‏ء، و ذلك ضربان:
أحدهما: الضّامّ لذات الشي‏ء و أحواله المختصّة به، و يفيد معنى التمام. نحو قوله تعالى: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء/ 29]. أي: بسطا تامّا، قال الشاعر:
392-
         ليس الفتى كُلُّ الفتى             إلّا الفتى في أدبه «2»

أي: التامّ الفتوّة.
و الثاني: الضّامّ للذّوات، و ذلك يضاف، تارة إلى جمع معرّف بالألف و اللام. نحو قولك:
كُلُّ القوم، و تارة إلى ضمير ذلك. نحو:
فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* [الحجر/ 30]. و قوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ* [التوبة/ 33]. أو إلى نكرة مفردة نحو: وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ‏ [الإسراء/ 13]، وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ* [البقرة/ 29] إلى غيرها من الآيات، و ربما عري عن الإضافة، و يقدّر ذلك فيه نحو:
وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ‏ [يس/ 40]، وَ كُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ‏ [النمل/ 87]، وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً [مريم/ 95]، وَ كُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ‏ [الأنبياء/ 72]، و كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ‏ [الأنبياء/ 85]، وَ كُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ‏ [الفرقان/ 39] إلى غير ذلك في القرآن ممّا يكثر تعداده. و لم يرد في شي‏ء من القرآن و لا في شي‏ء من كلام الفصحاء الْكُلُّ بالألف و اللام، و إنما ذلك شي‏ء يجري في كلام المتكلّمين و الفقهاء و من نحا نحوهم «3».
و الْكَلَالَةُ: اسم لما عدا الولد و الوالد من الورثة، و
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ اسْمٌ لِمَنْ عَدَا الْوَلَدَ «4».
و
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ: «مَنْ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: معاني القرآن و إعرابه للزجاج 2/ 57، و مغني اللّبيب ص 144.
 (2) البيت نسبه السّمين في عمدة الحفاظ: كلّ، إلى لبيد، و ليس في ديوانه و هو لليزيدي في الموشى ص 17.
 (3) قال ابن منظور: و كل و بعض معرفتان، و لم يجئ عن العرب بالألف و اللّام، و هو جائز، لأنّ فيهما معنى الإضافة، أضفت أو لم تضف. اللّسان (كلل).
 (4) انظر: الدّرّ المنثور 2/ 757.

719
مفردات ألفاظ القرآن

كل ص 719

مَاتَ وَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَ لَا وَالِدٌ» «1».
فجعله اسما للميّت، و كلا القولين صحيح. فإنّ الْكَلَالَةَ مصدر يجمع الوارث و الموروث جميعا، و تسميتها بذلك، إمّا لأنّ النّسب كلّ عن اللّحوق به، أو لأنّه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه، و ذلك لأنّ الانتساب ضربان:
أحدهما: بالعمق كنسبة الأب و الابن.
و الثاني: بالعرض كنسبة الأخ و العمّ، قال قطرب: الْكَلَالَةُ: اسم لما عدا الأبوين و الأخ، و ليس بشي‏ء، و قال بعضهم: هو اسم لكلّ وارث، كقول الشاعر:
393-
         و المرء يبخل في الحقو             ق و لِلْكَلَالَةِ ما يسيم «2»

من أسام الإبل: إذا أخرجها للمرعى، و لم يقصد الشاعر ما ظنّه هذا، و إنما خصّ الكلالة ليزهد الإنسان في جمع المال، لأنّ ترك المال لهم أشدّ من تركه للأولاد، و تنبيها أنّ من خلّفت له المال فجار مجرى الكلالة، و ذلك كقولك: ما تجمعه فهو للعدوّ، و تقول العرب: لم يرث فلان كذا كَلَالَةً: لمن تخصّص بشي‏ء قد كان لأبيه، قال الشاعر:
394-
         ورثتم قناة الملك غير كَلَالَةٍ             عن ابني مناف عبد شمس و هاشم «3»

و الْإِكْلِيلُ سمّي بذلك لإطافته بالرأس، يقال:
كَلَّ الرّجل في مشيته كَلَالًا، و السّيف عن ضريبته كُلُولًا، و كِلَّةً، و اللّسان عن الكلام كذلك، و أَكَلَّ فلان: كَلَّتْ راحلتُهُ، و الْكَلْكَلُ: الصّدر.
كلب‏
الْكَلْبُ: الحيوان النّبّاح، و الأنثى كَلْبَةٌ، و الجمع: أَكْلُبٌ و كِلَابٌ، و قد يقال للجمع كَلِيبٌ. قال تعالى: كَمَثَلِ الْكَلْبِ‏ [الأعراف/ 176] قال: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف/ 18] و عنه اشتقّ الْكَلَبِ‏
__________________________________________________
 (1) أخرج عبد بن حميد و أبو داود في المراسيل ص 272 عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم فسأله عن الكلالة؟ فقال: أ ما سمعت الآية التي أنزلت في الصيف يستفتونك قل اللّه يفتيكم في الكلالة فمن لم يترك ولدا و لا والدا فورثته كلالة. و أخرجه الحاكم موصولا عن أبي سلمة عن أبي هريرة، و قال: صحيح الإسناد على شرط مسلم، و لم يخرجاه. و فيه الحماني، و قال الذهبي: الحماني ضعيف. انظر: المستدرك 4/ 336، و الدر المنثور 2/ 754.
 (2) البيت ليزيد بن الحكم، و بعده:
         ما بخل من هو للمنو             ن و ريبها غرض رجيم‏
             و يرى القرون أمامه             همدوا كما همد الهشيم‏

و هو في شرح الحماسة للتبريزي 3/ 106.
 (3) البيت للفرزدق من قصيدة يمدح بها سليمان عبد الملك.
و هو في ديوانه ص 612، و المجمل 3/ 765، و اللسان (كلل).

720
مفردات ألفاظ القرآن

كلب ص 720

للحرص، و منه يقال: هو أحرص من كَلْبٍ «1»
، و رجل كَلِبٌ: شديد الحرص، و كَلْبٌ كَلِبٌ.
أي: مجنون يَكْلَبُ بلحوم الناس فيأخذه شبه جنون، و من عقره كُلِبَ. أي: يأخذه داء، فيقال: رجل كَلِبٌ، و قوم كَلْبَى. قال الشاعر:
395-
         دماؤهم من الْكَلَبِ الشّفاء «2»
و قد يصيب الْكَلَبُ البعيرَ: و يقال: أَكْلَبَ الرّجلُ: أصاب إبله ذلك، و كَلِبَ الشّتاءُ: اشتدّ برده و حدّته تشبيها بِالْكَلْبِ الْكَلِبِ، و دهر كَلِبٌ، و يقال: أرض كَلِبَةٌ: إذا لم ترو فتيبس تشبيها بالرّجل الكلب، لأنه لا يشرب فييبس. و الْكَلَّابُ وَ الْمُكَلِّبُ: الذي يعلّم الكلب. قال تعالى:
وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَ‏ [المائدة/ 4]. و أرض مَكْلَبَةٌ: كثيرة الكلاب، و الْكَلْبُ: المسمار في قائم السّيف، و الْكَلْبَةُ:
سير يدخل تحت السّير الذي تشدّ به المزادة فيخرز به، و ذلك لتصوّره بصورة الكلب في الاصطياد به، و قد كَلَبْتُ الأديم: خرزته، بذلك، قال الشاعر:
396-
         سير صناع في أديم تَكْلُبُهُ «3»
و الْكَلْبُ: نجم في السّماء مشبّه بالكلب لكونه تابعا لنجم يقال له: الرّاعي، و الْكَلْبَتَانِ: آلة مع الحدّادين سمّيا بذلك تشبيها بكلبين في اصطيادهما، و ثنّي اللّفظ لكونهما اثنين، و الْكَلُّوبُ: شي‏ء يمسك به، و كَلَالِيبُ البازي:
مخالبه. اشتقّ من الكلب لإمساكه ما يعلق عليه إمساك الكلب.
كلف‏
الْكَلَفُ: الإيلاع بالشي‏ء. يقال: كَلِفَ فلان بكذا، و أَكْلَفْتُهُ به: جعلته كَلِفاً، و الْكَلَفُ في الوجه سمّي لتصوّر كُلْفَةٍ به، و تَكَلُّفُ الشي‏ءِ: ما يفعله الإنسان بإظهار كَلَفٍ مع مشقّة تناله في تعاطيه، و صارت الْكُلْفَةُ في التّعارف اسما للمشقّة، و التَّكَلُّفُ: اسم لما يفعل بمشقّة، أو تصنّع، أو تشبّع، و لذلك صار التَّكَلُّفُ على ضربين:
محمود: و هو ما يتحرّاه الإنسان ليتوصّل به إلى‏
__________________________________________________
 (1) انظر: الذريعة إلى مكارم الشريعة ص 29، و الحيوان 1/ 226 و 271، و المستقصى 1/ 64.
 (2) هذا عجز بيت، و صدره:
         بناة مكارم و أساة كلم‏

و قبله:
         هم حلّوا من الشرف المعلّى             و من حسب العشيرة حيث شاءوا
و هو للقاسم بن حنبل المري في شرح الحماسة 4/ 96، و المعاني الكبير 1/ 243، و الحيوان 2/ 5.
 (3) هذا عجز بيت، و شطره:
         كأنّ غرّ متنه إذ نجبته‏

و هو لدكين الراجز، في اللسان (كلب)، و المجمل 3/ 769، و الاشتقاق ص 14، و جمهرة اللغة 3/ 506.

721
مفردات ألفاظ القرآن

كلف ص 721

أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلا عليه، و يصير كَلِفاً به و محبّا له، و بهذا النّظر يستعمل التَّكْلِيفُ في تكلّف العبادات.
و الثاني: مذموم، و هو ما يتحرّاه الإنسان مراءاة، و إياه عني بقوله تعالى: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ‏ [ص/ 86] و
قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «أَنَا وَ أَتْقِيَاءُ أُمَّتِي بُرَآءُ مِنَ التَّكَلُّفِ» «1».
و قوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة/ 286] أي: ما يعدّونه مشقّة فهو سعة في المآل. نحو قوله: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ [الحج/ 78]، و قوله: فَعَسى‏ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً الآية [النساء/ 19].
كلم‏
الْكلْمُ: التأثير المدرك بإحدى الحاسّتين، فَالْكَلَامُ: مدرك بحاسّة السّمع، و الْكَلْمُ: بحاسّة البصر، و كَلَّمْتُهُ: جرحته جراحة بَانَ تأثيرُها، و لاجتماعهما في ذلك قال الشاعر:
397-
         و الْكَلِمُ الأصيل كأرغب الْكَلْمِ «2»
الْكَلمُ الأوّل جمع كَلِمَةٍ، و الثاني جراحات، و الأرغب: الأوسع، و قال آخر:
398-
         و جرح اللّسان كجرح اليد «3»
فَالْكَلَامُ يقع على الألفاظ المنظومة، و على المعاني التي تحتها مجموعة، و عند النحويين يقع على الجزء منه، اسما كان، أو فعلا، أو أداة. و عند كثير من المتكلّمين لا يقع إلّا على الجملة المركّبة المفيدة، و هو أخصّ من القول، فإن القول يقع عندهم على المفردات، و الْكَلِمَةُ تقع عندهم على كلّ واحد من الأنواع الثّلاثة، و قد قيل بخلاف ذلك «4». قال تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ‏ [الكهف/ 5]، و قوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ‏ [البقرة/ 37] قيل: هي قوله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف/ 23]. و
قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ قَوْلُهُ: «أَ لَمْ‏
__________________________________________________
 (1) الحديث ذكره الغزاليّ في الإحياء، و قال النووي: ليس بثابت. و قال العراقيّ: أخرجه الدارقطني في الأفراد من حديث الزّبير بن العوّام مرفوعا: «ألا إنّي بري‏ء من التّكلّف و صالحو أمّتي» و سنده ضعيف. انظر: إحياء علوم الدّين 2/ 187، و تخريج أحاديث الإحياء 4/ 1560، و كشف الخفاء 1/ 205.
 (2) هذا عجز بيت لطرفة بن العبد من أبيات له يهدّد المسيّب بن علس، و البيت بتمامه:
         بحسام سيفك أو لسانك و ال             كلّم الأصيل كأرغب الكلم‏

و هو في ديوانه ص 87، و الصناعتين ص 439، و المعاني الكبير 2/ 823.
 (3) هذا عجز بيت لامرئ القيس، و شطره:
         و لو عن نثا جاءني غيره‏

و هو في ديوانه ص 53، و منثور الفوائد ص 23، و الخصائص 1/ 7، و الصناعتين ص 439.
 (4) قال ابن هشام الأنصاريّ: تطلّق الكلمة في الاصطلاح على القول المفرد، و القول هو اللّفظ الدّالّ على معنى.
انظر: شرح قطر النّدى ص 11.

722
مفردات ألفاظ القرآن

كلم ص 722

تَخْلُقْنِي بِيَدِكَ؟ أَ لَمْ تُسْكِنِّي جَنَّتَكَ؟ أَ لَمْ تُسْجِدْ لِي مَلَائِكَتَكَ؟ أَ لَمْ تَسْبِقْ رَحْمَتُكَ غَضَبَكَ؟ أَ رَأَيْتَ إِنْ تُبْتُ أَ كُنْتَ مُعِيدِي إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ» «1».
و قيل: هي الأمانة المعروضة على السموات و الأرض و الجبال في قوله: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ الآية [الأحزاب/ 72]، و قوله: وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ‏ [البقرة/ 124] قيل: هي الأشياء التي امتحن اللّه إبراهيم بها من ذبح ولده، و الختان و غيرهما «2». و قوله لزكريّا: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى‏ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 39] قيل: هي كَلِمَةُ التّوحيد. و قيل: كتاب اللّه. و قيل: يعني به عيسى، و تسمية عيسى بكلمة في هذه الآية، و في قوله: وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‏ مَرْيَمَ‏ [النساء/ 171] لكونه موجدا بكن المذكور في قوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى‏[آل عمران/ 59] و قيل: لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام اللّه تعالى، و قيل: سمّي به لما خصّه اللّه تعالى به في صغره حيث قال و هو في مهده:
إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ الآية [مريم/ 30]، و قيل: سمّي كَلِمَةَ اللّه تعالى من حيث إنه صار نبيّا كما سمّي النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم ذِكْراً* رَسُولًا [الطلاق/ 10- 11] «3». و قوله: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ* الآية [الأنعام/ 115]. فَالْكَلِمَةُ هاهنا القضيّة، فكلّ قضيّة تسمّى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا، و وصفها بالصّدق، لأنه يقال: قول صدق، و فعل صدق، و قوله: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ* [الأنعام/ 115] إشارة إلى نحو قوله:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية [المائدة/ 3]، و نبّه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا، و قيل:
إشارة إلى ما
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْقَلَمُ فَقَالَ لَهُ: اجْرِ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» «4».
و قيل: الْكَلِمَةُ هي القرآن، و تسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كَلِمَةً، فذكر أنّها تتمّ و تبقى بحفظ اللّه تعالى إيّاها، فعبّر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيها أن ذلك في حكم‏
__________________________________________________
 (1) عن ابن عباس في الآية قال: أي ربّ أ لم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: أي ربّ أ لم تنفخ فيّ من روحك؟ قال:
بلى. قال: أي رب، أ لم تسبق إليّ رحمتك قبل غضبك؟ قال: نعم. قال: أي رب، أ رأيت إن تبت و أصلحت أ راجعي أنت إلى الجنة. قال: نعم. انظر: الدر المنثور 1/ 143.
 (2) عن ابن عباس قال: ابتلاء اللّه بالطهارة: خمس في الرأس، و خمس في الجسد. في الرأس: قص الشارب، و المضمضة، و الاستنشاق، و السواك، و فرق الرأس. و في الجسد: تقليم الأظفار، و حلق العانة، و الختان، و نتف الإبط، و غسل مكان الغائط و البول بالماء. انظر: الدر المنثور 1/ 273.
 (3) الآية: قد أنزل اللّه إليكم ذكرا* رسولا يتلوا.
 (4) عن عبادة بن الصامت قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «أول ما خلق اللّه تبارك و تعالى القلم، ثم قال له: اكتب.
قال: و ما أكتب؟ قال: فاكتب ما يكون و ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة» أخرجه أحمد في المسند 5/ 317، و في.

723
مفردات ألفاظ القرآن

كلم ص 722

الكائن، و إلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ الآية [الأنعام/ 89]، و قيل: عنى به ما وعد من الثّواب و العقاب، و على ذلك قوله تعالى: بَلى‏ وَ لكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ‏ [الزمر/ 71]، و قوله:
كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا الآية [يونس/ 33]، و قيل: عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها، فنبّه أنّ ما أرسل من الآيات تامّ و فيه بلاغ، و قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ* [الأنعام/ 115] ردّ لقولهم: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا الآية [يونس/ 15]، و قيل: أراد بِكَلِمَةِ ربّك: أحكامه التي حكم بها و بيّن أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ، و قوله: وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى‏ عَلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [الأعراف/ 137] و هذه الْكَلِمَةُ فيما قيل هي قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ الآية [القصص/ 5]، و قوله: وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً [طه/ 129]، وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ‏ [الشورى/ 14] فإشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته، و أنه لا تبديل لكلماته، و قوله تعالى: وَ يُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ‏ [يونس/ 82] أي: بحججه التي جعلها اللّه تعالى لكم عليهم سلطانا مبينا، أي: حجّة قوية.
و قوله: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ‏ [الفتح/ 15] هو إشارة إلى ما قال: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ الآية [التوبة/ 83]، و ذلك أنّ اللّه تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ [الفتح/ 15] «1» تبديلا لكلام اللّه تعالى، فنبه أنّ هؤلاء لا يفعلون و كيف يفعلون- و قد علم اللّه تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم-؟ و قد سبق بذلك حكمه. و مُكَالَمَةُ اللّه تعالى العبد على ضربين:
أحدهما: في الدّنيا.
و الثاني: في الآخرة.
فما في الدّنيا فعلى ما نبّه عليه بقوله: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ‏ الآية [الشورى/ 51]، و ما في الآخرة ثواب للمؤمنين و كرامة لهم تخفى علينا كيفيّته، و نبّه أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ [آل عمران/ 77]. و قوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ* [النساء/ 46] جمع الكلمة، و قيل: إنهم كانوا يبدّلون الألفاظ
__________________________________________________
إسناده ابن لهيعة، و الترمذي و قال: حسن غريب (انظر: عارضة الأحوذي 12/ 217)، و الحاكم 2/ 454 برواية أخرى، و قال: صحيح الإسناد، و أقرّه الذهبي.
قال ابن حجر في الفتاوى الحديثية: قد ورد- أي هذا الحديث- بل صحّ من طرق.
 (1) الآية: ذرونا نتّبعكم يريدون أن يبدّلوا كلام اللّه.

724
مفردات ألفاظ القرآن

كلم ص 722

و يغيّرونها، و قيل: إنه كان من جهة المعنى، و هو حمله على غير ما قصد به و اقتضاه، و هذا أمثل القولين، فإنّ اللفظ إذا تداولته الألسنة و اشتهر يصعب تبديله، و قوله: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ [البقرة/ 118] أي: لو لا يكلّمنا اللّه مواجهة، و ذلك نحو قوله:
يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ إلى قوله: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء/ 153] «1».
كلا
كَلَّا: ردع و زجر و إبطال لقول القائل، و ذلك نقيض «إي» في الإثبات. قال تعالى: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ إلى قوله كَلَّا [مريم/ 77- 79] «2»، و قال تعالى: لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا [المؤمنون/ 100] إلى غير ذلك من الآيات، و قال: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ‏ [عبس/ 23].
كلأ
الْكِلَاءَةُ: حفظ الشي‏ء و تبقيته، يقال: كَلَأَكَ اللّه، و بلغ بك أَكْلَأَ العُمرِ، و اكْتَلَأْتُ بعيني كذا.
قال: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ‏ الآية [الأنبياء/ 43].
و الْمُكَلَّأُ: موضع تحفظ فيه السُّفُنُ، و الْكَلَّاءُ:
موضع بالبَصْرَةِ، سمّي بذلك لأنهم يَكْلَئُونَ سفنهم هناك، و عبّر عن النّسيئة بِالْكَالِئِ. و
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «نَهَى عَنِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» «3».
و الْكَلَأُ: العُشْبُ الذي يحفظ.
و مكان مَكْلَأٌ و كَالِئٌ: يكثر كَلَؤُهُ.
كلا
 «4» كِلَا في التّثنية ك «كلّ» في الجمع، و هو مفرد اللفظ مثنّى المعنى. عبّر عنه بلفظ الواحد مرّة اعتبارا بلفظه، و بلفظ الاثنين مرّة اعتبارا بمعناه. قال: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما [الإسراء/ 23] و يقال في المؤنّث:
__________________________________________________
 (1) الآية: يسئلك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتابا من السّماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا: أرنا اللّه جهرة فأخذتهم الصّاعقة بظلمهم.
 (2) الآية: أ فرأيت الّذي كفر بآياتنا و قال: لأوتينّ مالا و ولدا* أطّلع الغيب أم اتّخذ عند الرّحمن عهدا* كلّا سنكتب ما يقول و نمدّ له من العذاب مدّا.
 (3) الحديث عن ابن عمر أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم: «نهى عن بيع الكالئ بالكالئ» أخرجه الحاكم 2/ 57، و قال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، و لم يخرجاه، و الدارقطني 3/ 71، و البيهقي 5/ 290، و سنده ضعيف، فيه موسى بن عبيدة الربذي ضعيف.
و قال البيهقي: و موسى هذا ابن عبيدة الربذي، و شيخنا أبو عبد اللّه- أي: الحاكم- قال في روايته: عن [استدراك‏] موسى بن عقبة، و هو خطأ، و العجب من الدارقطني شيخ عصره روى هذا الحديث في كتاب السنن فقال: عن موسى بن عقبة.
 (4) هذا الفصل نقله السيوطي في الإتقان 1/ 220.

725
مفردات ألفاظ القرآن

كلا ص 725

كِلْتَا. و متى أضيف إلى اسم ظاهر بقي ألفه على حالته في النّصب و الجرّ و الرّفع، و إذا أضيف إلى مضمر قلبت في النّصب و الجرّ ياء، فيقال: رأيت كِلَيْهِمَا، و مررت بكليهما، قال: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها
 [الكهف/ 33]. و تقول في الرفع:
جاءني كِلَاهُمَا.
كم‏
كَمْ: عبارة عن العدد، و يستعمل في باب الاستفهام، و ينصب بعده الاسم الذي يميّز به نحو: كَمْ رجلا ضربت؟ و يستعمل في باب الخبر، و يجرّ بعده الاسم الذي يميّز به. نحو:
كَمْ رجلٍ. و يقتضي معنى الكثرة، و قد يدخل «من» في الاسم الذي يميّز بعده. نحو: وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الأعراف/ 4]، وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً [الأنبياء/ 11]، و الْكُمُّ: ما يغطّي اليد من القميص، و الْكِمُّ «1»:
ما يغطّي الثّمرةَ، و جمعه: أَكْمَامٌ. قال:
وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ‏ [الرحمن/ 11].
و الْكُمَّةُ: ما يغطّي الرأس كالقلنسوة.
كمل‏
كَمَالُ الشي‏ء: حصول ما فيه الغرض منه. فإذا قيل: كَمُلَ ذلك، فمعناه: حصل ما هو الغرض منه، و قوله تعالى: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ‏ [البقرة/ 233] تنبيها أنّ ذلك غاية ما يتعلّق به صلاح الولد. و قوله:
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ [النحل/ 25] تنبيها أنه يحصل لهم كمال العقوبة. و قوله:
تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ [البقرة/ 196] قيل: إنما ذكر العشرة و وصفها بالكاملة لا ليعلمنا أنّ السّبعة و الثّلاثة عشرة، بل ليبيّن أنّ بحصول صيام العشرة يحصل كَمَالُ الصوم القائم مقام الهدي، و قيل: إنّ وصفه العشرة بالكاملة استطراد في الكلام، و تنبيه على فضيلة له فيما بين علم العدد، و أنّ العشرة أوّل عقد ينتهي إليه العدد فيكمل، و ما بعده يكون مكرّرا ممّا قبله.
فالعشرة هي العدد الكامل.
كمه‏
الْأَكْمَهُ: هو الذي يولد مطموس العين، و قد يقال لمن تذهب عينه، قال:
399-
         كَمِهَتْ عيناه حتى ابيضّتا «2»
كن‏
الْكِنُّ: ما يحفظ فيه الشي‏ء. يقال: كَنَنْتُ‏
__________________________________________________
 (1) قال الجوهري: و الكمّ بالكسر و الكمامة: وعاء الطلع، و غطاء النّور. و في اللسان: و كمّ كل نور: وعاؤه. انظر:
اللسان (كم)، و الصحاح (كم)، و المجمل 3/ 766.
 (2) الشطر لسويد بن أبي كاهل، و عجزه:
         فهو يلحى نفسه لمّا نزع‏

و البيت في مفضليته. انظر: المفضليات ص 20، و المجمل 3/ 770، و تهذيب اللغة 6/ 29، و اللسان (كمه)، و أضداد ابن الأنباري ص 374.

726
مفردات ألفاظ القرآن

كن ص 726

الشي‏ء كَنّاً: جعلته في كِنٍّ «1»، و خُصَّ كَنَنْتُ بما يستر ببيت أو ثوب، و غير ذلك من الأجسام، قال تعالى: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ‏ [الصافات/ 49]، كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ‏ [الطور/ 24].
و أَكْنَنْتُ: بما يُستَر في النّفس. قال تعالى: أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ‏ [البقرة/ 235] و جمع الكنّ أَكْنَانٌ. قال تعالى: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً [النحل/ 81]. و الْكِنَانُ:
الغطاء الذي يكنّ فيه الشي‏ء، و الجمع أَكِنَّةٌ.
نحو: غطاء و أغطية، قال: وَ جَعَلْنا عَلى‏ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ* [الأنعام/ 25]، و قوله تعالى: وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ [فصلت/ 5]. قيل: معناه في غطاء عن تفهّم ما تورده علينا، كما قالوا: يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ الآية [هود/ 91]، و قوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ‏ [الواقعة/ 77- 78] قيل: عنى بالكتاب الْمَكْنُونِ اللّوح المحفوظ، و قيل: هو قلوب المؤمنين، و قيل: ذلك إشارة إلى كونه محفوظا عند اللّه تعالى، كما قال: وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر/ 9] و سمّيت المرأة المتزوجة كَنَّةً لكونها في كنّ من حفظ زوجها، كما سمّيت محصنة لكونها في حصن من حفظ زوجها، و الْكِنَانَةُ: جُعْبة غير مشقوقة.
كند
قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات/ 6] أي: كفور لنعمته، كقولهم:
أرض كَنُودٌ: إذا لم تنبت شيئا.
كنز
الْكَنْزُ: جعل المال بعضه على بعض و حفظه. و أصله من: كَنَزْتُ التّمرَ في الوعاء، و زمن الْكَنَازِ «2»: وقت ما يُكْنَزُ فيه التّمر، و ناقة كِنَازٌ مُكْتَنِزَةُ اللّحم. و قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَ الْفِضَّةَ [التوبة/ 34] أي:
يدّخرونها، و قوله: فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ‏ [التوبة/ 35]، و قوله: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ [هود/ 12] أي: مال عظيم. وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما [الكهف/ 82] قيل: كان صحيفة علم «3».
كهف‏
الْكَهْفُ: الغار في الجبل، و جمعه كُهُوفٌ.
قال تعالى: أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ‏ الآية [الكهف/ 9].
كهل‏
الْكَهْلُ: من وَخَطَهُ الشَّيْبُ، قال: وَ يُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَ كَهْلًا وَ مِنَ الصَّالِحِينَ‏ [آل‏
__________________________________________________
 (1) انظر: تهذيب اللغة 9/ 452، و المجمل 3/ 766، و الأفعال 2/ 141.
 (2) قال ابن السكيت: لم يسمع إلا بالفتح، كالجداد. انظر: إصلاح المنطق ص 105.
و ذكر أبو عبيد عن الأموي: أتيتهم عند الكناز و الكناز يعني: حين كنزوا التمر. انظر: تهذيب اللغة 10/ 98.
 (3) قال ابن عباس: سمعنا أنّ ذلك الكنز كان علما، فورثا ذلك العلم. الدر المنثور 5/ 431.

727
مفردات ألفاظ القرآن

كهل ص 727

عمران/ 46] و اكْتَهَلَ النّباتُ: إذا شارف اليبوسة مشارفة الْكَهْلِ الشّيبَ، قال:
400-
         مؤزّر بهشيم النّبت مُكْتَهِلٌ «1»
كهن‏
الْكَاهِنُ: هو الذين يخبر بالأخبار الماضية الخفيّة بضرب من الظّنّ، و العرّاف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك، و لكون هاتين الصّناعتين مبنيّتين على الظّنّ الذي يخطئ و يصيب‏
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ» «2».
و يقال: كَهُنَ فلان كَهَانَةً:
إذا تعاطى ذلك، و كَهَنَ: إذا تخصّص بذلك، و تَكَهَّنَ: تكلّف ذلك «3». قال تعالى: وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ‏ [الحاقة/ 42].
كوب‏
الْكُوبُ: قدح لا عروة له، و جمعه أَكْوَابٌ.
قال: بِأَكْوابٍ وَ أَبارِيقَ وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ‏ [الواقعة/ 18]. و الْكُوبَةُ: الطّبل الّذي يُلْعَبُ به.
كيد
الْكَيْدُ: ضرب من الاحتيال، و قد يكون مذموما و ممدوحا، و إن كان يستعمل في المذموم أكثر، و كذلك الاستدراج و المكر، و يكون بعض ذلك محمودا، قال: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ‏ [يوسف/ 76] و قوله: وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ* [الأعراف/ 183] قال بعضهم: أراد بِالْكَيْدِ العذاب «4»، و الصّحيح: أنه هو الإملاء و الإمهال المؤدّي إلى العقاب كقوله: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آل عمران/ 178] وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ‏ [يوسف/ 52] فخصّ الخائنين تنبيها أنه قد يهدي كيد من لم يقصد بكيده خيانة، ككيد يوسف بأخيه، و قوله: لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ‏ [الأنبياء/ 57] أي: لأريدنّ بها سوءا. و قال: فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ‏ [الصافات/ 98] و قوله:
فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ‏ [المرسلات/ 39]، و قال: كَيْدُ ساحِرٍ [طه/ 69]،
__________________________________________________
 (1) البيت يروى:
         يضاحك الشمس منها كوكب شرق             مؤزّر بعميم النبت مكتهل‏
و هو للأعشى في ديوانه ص 145، و اللسان (شرق).
 (2) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «من أتى كاهنا أو عرّافا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلّى اللّه عليه و سلم» أخرجه أحمد 2/ 429، و أبو داود في الطب برقم (3904) (انظر: معالم السنن 4/ 228)، و الحاكم 1/ 8، و قال: صحيح على شرطهما جميعا، و الترمذي: باب النهي عن إتيان الحائض (انظر: عارضة الأحوذي 1/ 217)، و قال الحافظ العراقي في أماليه: حديث صحيح. و انظر: شرح السنة 12/ 181.
 (3) انظر: البصائر 4/ 398.
 (4) يروى عن ابن عباس قوله: كيد اللّه العذاب و النقمة. الدر المنثور 3/ 618.

728
مفردات ألفاظ القرآن

كيد ص 728

فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ‏ [طه/ 64] و يقال: فلان يَكِيدُ بنفسه، أي: يجود بها، و كَادَ الزّندُ: إذا تباطأ بإخراج ناره.
و وُضِعَ‏
 [كود]
 «كَادَ» لمقاربة الفعل، يقال: كَادَ يفعل: إذا لم يكن قد فعل، و إذا كان معه حرف نفي يكون لما قد وقع، و يكون قريبا من أن لا يكون. نحو قوله تعالى: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا [الإسراء/ 74]، وَ إِنْ كادُوا* [الإسراء/ 73]، تَكادُ السَّماواتُ* [مريم/ 90]، يَكادُ الْبَرْقُ‏ [البقرة/ 20]، يَكادُونَ يَسْطُونَ‏ [الحج/ 72]، إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ‏ [الصافات/ 56] و لا فرق بين أن يكون حرف النّفي متقدما عليه أو متأخّرا عنه. نحو:
وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ‏ [البقرة/ 71]، لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ* [النساء/ 78]. و قلّما يستعمل في كاد أن إلا في ضرورة الشّعر «1». قال:
401-
         قد كَادَ من طول البلى أن يمصحا «2»
أي: يمضي و يدرس.
كور
كَوْرُ الشي‏ءِ: إدارته و ضمّ بعضه إلى بعض، كَكَوْرِ العمامةِ، و قوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ‏ [الزمر/ 5] فإشارة إلى جريان الشمس في مطالعها و انتقاص الليل و النهار و ازديادهما. و طعنه فَكَوَّرَهُ: إذا ألقاه مجتمعا «3»، و اكْتَارَ الفَرَسُ: إذا أدار ذنبه في عدوه، و قيل لإبل كثيرة: كَوْرٌ، و كُوَّارَةُ النّحل معروفة. و الْكُورُ: الرّحلُ، و قيل لكلّ مصر:
كُورَةٌ، و هي البقعة التي يجتمع فيها قرى و محالّ.
كأس‏
قال تعالى: مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً [الإنسان/ 5]، كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا [الإنسان/ 17] و الْكَأْسُ: الإناء بما فيه من الشراب، و سمّي كلّ واحد منهما بانفراده كأسا. يقال: شربت كَأْساً، و كَأْسٌ طيّبة يعني بها الشَّرَابَ. قال تعالى: وَ كَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ‏ [الواقعة/ 18]. و كَاسَتِ الناقة تَكُوسُ «4»: إذا مشت على ثلاثة قوائم، و الكيس:
جودة القريحة، و أَكْأَسَ الرّجلُ و أكيس: إذا ولد أولادا أكياسا، و سمّي الغدر كَيْسَانَ تصوّرا أنه ضرب من استعمال الكيس، أو لأنّ كيسان كان‏
__________________________________________________
 (1) و في ذلك يقول ابن مالك في ألفيته:
         و كونه بدون «أن» بعد عسى             نزر، و كاد الأمر فيه عكسا.


 (2) الرجز لرؤبة بن العجاج، و هو في اللسان (مصح)، و ديوانه ص 72، و المساعد 1/ 295.
 (3) عن الأصمعي: طعنه فكوّره و جوّره: إذا صرعه. تهذيب اللغة 10/ 346.
 (4) انظر: تهذيب اللغة 10/ 312، و المجمل 3/ 774.

729
مفردات ألفاظ القرآن

كأس ص 729

رجلا عرف بالغدر، ثمّ سمّي كلّ غادر به «1»، كما أنّ الهالكيّ كان حدّادا عرف بالحدادة ثمّ سمّي كلّ حدّاد هالكيّا «2».
كيف‏
كَيْفَ: لفظ يسأل به عمّا يصحّ أن يقال فيه:
شبيه و غير شبيه، كالأبيض و الأسود، و الصحيح و السّقيم، و لهذا لا يصحّ أن يقال في اللّه عزّ و جلّ: كيف، و قد يعبّر بِكَيْفَ عن المسئول عنه كالأسود و الأبيض، فإنّا نسمّيه كيف، و كلّ ما أخبر اللّه تعالى بلفظة كَيْفَ عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب، أو توبيخا نحو: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ‏ [البقرة/ 28]، كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ‏ [آل عمران/ 86]، كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ [التوبة/ 7]، انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ* [الإسراء/ 48]، فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ‏ [العنكبوت/ 20]، أَ وَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ‏ [العنكبوت/ 19].
كيل‏
الْكَيْلُ: كيل الطعام. يقال: كِلْتُ له الطعام:
إذا تولّيت ذلك له، و كِلْتُهُ الطّعام: إذا أعطيته كَيْلًا، و اكْتَلْتُ عليه: أخذت منه كيلا. قال اللّه تعالى: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَ إِذا كالُوهُمْ‏ [المطففين/ 1- 3] و ذلك إن كان مخصوصا بالكيل فحثّ على تحرّي العدل في كلّ ما وقع فيه أخذ و دفع. و قوله: فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ‏ [يوسف/ 88]، فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ‏ [يوسف/ 63]، كَيْلَ بَعِيرٍ [يوسف/ 65] مقدار حمل بعير.
كان‏
كَانَ «3»: عبارة عمّا مضى من الزمان، و في كثير من وصف اللّه تعالى تنبئ عن معنى الأزليّة، قال: وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً* [الأحزاب/ 40]، وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً* [الأحزاب/ 27] و ما استعمل منه في جنس الشي‏ء متعلّقا بوصف له هو موجود فيه فتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له، قليل الانفكاك منه. نحو قوله في الإنسان: وَ كانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً [الإسراء/ 67] وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً [الإسراء/ 100]، وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْ‏ءٍ جَدَلًا [الكهف/ 54] فذلك تنبيه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه، و قوله في وصف الشّيطان: وَ كانَ الشَّيْطانُ‏

__________________________________________________
 (1) في اللسان: كيسان: اسم للغدر، و قال ابن الأعرابي: الغدر يكنى أبا كيسان، و قال كراع: هي طائية. قال: و كلّ هذا من الكيس. اللسان (كيس).
 (2) انظر: مادة (مسخ)، و مادة (هلك).
 (3) و قد نقل أكثر هذا الباب ابن حجر في فتح الباري 13/ 410 في التوحيد.

730
مفردات ألفاظ القرآن

كان ص 730

لِلْإِنْسانِ خَذُولًا [الفرقان/ 29]، وَ كانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً [الإسراء/ 27]. و إذا استعمل في الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدّم ذكره آنفا، و يجوز أن يكون قد تغيّر نحو: كَانَ فلان كذا ثم صار كذا. و لا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدّم تقدما كثيرا، نحو أن تقول: كان في أوّل ما أوجد اللّه تعالى، و بين أن يكون في زمان قد تقدّم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان، نحو أن تقول: كان آدم كذا، و بين أن يقال: كان زيد هاهنا، و يكون بينك و بين ذلك الزمان أدنى وقت، و لهذا صحّ أن يقال: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم/ 29] فأشار بكان أنّ عيسى و حالته التي شاهده عليها قبيل. و ليس قول من قال: هذا إشارة إلى الحال بشي‏ء، لأنّ ذلك إشارة إلى ما تقدّم، لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا.
و قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ [آل عمران/ 110] فقد قيل: معنى كُنْتُمْ‏
 معنى الحال «1»، و ليس ذلك بشي‏ء بل إنما ذلك إشارة إلى أنّكم كنتم كذلك في تقدير اللّه تعالى و حكمه، و قوله: وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ [البقرة/ 280] فقد قيل:
معناه: حصل و وقع، و الْكَوْنُ يستعمله بعض الناس في استحالة جوهر إلى ما هو دونه، و كثير من المتكلّمين يستعملونه في معنى الإبداع.
و كَيْنُونَةٌ عند بعض النّحويين فعلولة، و أصله:
كَوْنُونَةٌ، و كرهوا الضّمة و الواو فقلبوا، و عند سيبويه «2» كَيْوِنُونَةٌ على وزن فيعلولة، ثم أدغم فصار كَيِّنُونَةً، ثم حذف فصار كَيْنُونَةً، كقولهم في ميّت: ميت. و أصل ميّت: ميوت، و لم يقولوا كيّنونة على الأصل، كما قالوا: ميّت، لثقل لفظها. و «الْمَكَانُ» قيل أصله من: كَانَ يَكُونُ، فلمّا كثر في كلامهم توهّمت الميم أصليّة فقيل:
تمكّن كما قيل في المسكين: تمسكن، و اسْتَكانَ فلان: تضرّع و كأنه سكن و ترك الدّعة لضراعته.
قال تعالى: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ‏ [المؤمنون/ 76].
كوى‏
كَوَيْتُ الدّابة بالنار كَيّاً. قال: فَتُكْوى‏ بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ‏ [التوبة/ 35]. و:
كيْ علّة لفعل الشي‏ء، و «كَيْلَا» لانتفائه، نحو:
__________________________________________________
 (1) قال القرطبي: و قيل: «كان» زائدة، و المعنى: أنتم خير أمة. و أنشد سيبويه:
         و جيران لنا كانوا كرام‏

و مثله قوله تعالى: كيف نكلّم من كان في المهد صبيّا، و قوله: و اذكروا إذ كنتم قليلا فكثّركم.
انظر: تفسير القرطبي 4/ 170- 171.
 (2) الكتاب 4/ 365.

731
مفردات ألفاظ القرآن

كوى ص 731

كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً [الحشر/ 7].
كاف‏
الْكَافُ: للتشبيه و التمثيل، قال تعالى:
فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ [البقرة/ 264] معناه: وصفهم كوصفه «1»، و قوله: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ الآية [البقرة/ 264]. فإن ذلك ليس بتشبيه، و إنما هو تمثيل كما يقول النّحويّون مثلا:
فالاسم كقولك: زيد، أي: مثاله قولك: زيد، و التمثيل أكثر من التشبيه، لأنّ كلّ تمثيل تشبيه، و ليس كلّ تشبيه تمثيلا.
تمّ كتاب الكاف بحمد اللّه و عونه، و حسن توفيقه‏
__________________________________________________
 (1) سأل مقاتل صاحب التفسير أبا عمرو بن العلاء عن قول اللّه تعالى: مثل الجنّة الّتي وعد المتّقون ما مثلها؟
قال: فيها أنهار من ماء غير آسن. قال: ما مثلها؟ فسكت أبو عمرو. قال: فسألت يونس عنها، فقال: مثلها:
صفتها. تهذيب اللغة 15/ 95.

732
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب اللام

كتاب اللّام‏
لب‏
اللُّبُّ: العقل الخالص من الشّوائب، و سمّي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه، كَاللُّبَابِ و اللُّبِّ من الشي‏ء، و قيل: هو ما زكى من العقل، فكلّ لبّ عقل و ليس كلّ عقل لبّا.
و لهذا علّق اللّه تعالى الأحكام التي لا يدركها إلّا العقول الزّكيّة بأولي الْأَلْبَابِ نحو قوله: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً إلى قوله:
أُولُوا الْأَلْبابِ‏ [البقرة/ 269] و نحو ذلك من الآيات، و لَبَّ فلان يَلَبُّ: صار ذا لبّ «1». و قالت امرأة في ابنها: اضربه كي يلبّ، و يقود الجيش ذا اللّجب «2». و رجل أَلْبَبُ: من قوم أَلِبَّاءَ، و مَلْبُوبٌ: معروف باللّبّ، و أَلَبَّ بالمكان: أقام. و أصله في البعير، و هو أن يلقي لَبَّتَهُ فيه، أي:
صدره، و تَلَبَّبَ: إذا تحزّم، و أصله أن يشدّ لبّته، و لَبَّبْتُهُ: ضربت لبّته، و سمّي اللَّبَّةَ لكونه موضع اللّبّ، و فلان في لَبَبٍ رخيّ، أي: في سعة.
و قولهم: «لَبَّيْكَ» «3» قيل: أصله من: لَبَّ بالمكان و ألبّ: أقام به، و ثنّي لأنه أراد إجابة بعد إجابة، و قيل: أصله لبّب فأبدل من أحد الباءات ياء.
نحو: تظنّيت، و أصله تظنّنت، و قيل: هو من قولهم: امرأة لَبَّةٌ. أي: محبّة لولدها، و قيل:
معناه: إخلاص لك بعد إخلاص. من قولهم:
لُبُّ الطّعام، أي: خالصه، و منه: حسب لُبَابٌ.
لبث‏
لَبِثَ بالمكان: أقام به ملازما له. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 791، و الأفعال 2/ 418.
 (2) قيل لصفية بنت عبد المطلب و ضربت الزبير: لم تضربيه؟ فقالت: ليلبّ، و يقود الجيش ذا اللجب. انظر: اللسان (لبب)، و الأفعال 2/ 419، و الجمهرة 1/ 38، و شرح أدب الكاتب ص 81.
 (3) هذا من قول النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فعن عبد اللّه بن عمر أنّ تلبية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إنّ الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك له» أخرجه مالك في الموطأ 1/ 331، و البخاري في الحج 3/ 408، و مسلم في الحج برقم (1184).

733
مفردات ألفاظ القرآن

لبث ص 733

فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ [العنكبوت/ 14]، فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ‏ [طه/ 40]، قال:
كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ‏ [الكهف/ 19]، لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً [النازعات/ 46]، لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ [الأحقاف/ 35]، ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ‏ [سبأ/ 14].
لبد
قال تعالى: يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً [الجن/ 19] أي: مجتمعة، الواحدة: لُبْدَةٌ، كَاللِّبْدِ الْمُتَلَبِّدِ، أي: المجتمع، و قيل: معناه: كانوا يسقطون عليه سقوط اللّبد، و قرئ: لُبَداً «1» أي: متلبّدا ملتصقا بعضها ببعض للتّزاحم عليه، و جمع اللبد: أَلْبَادٌ و لُبُودٌ. و قد أَلْبَدْتُ السرجَ: جعلت له لبدا، و أَلْبَدْتُ الفرسَ: ألقيت عليه اللّبد. نحو: أسرجته، و ألجمته، و ألببته، و اللِّبْدَةُ: القطعة منها. و قيل: هو أمنع من لِبْدَةِ الأسد «2». أي: من صدره، و لَبَّدَ الشّعَرَ، و أَلْبَدَ بالمكان: لزمه لزوم لبده، و لَبِدَتِ الإبل لَبَداً:
أكثرت من الكلإ حتى أتعبها. و قوله: مالًا لُبَداً [البلد/ 6] «3» أي: كثيرا متلبّدا، و قيل:
ما له سبد و لا لَبَدٌ «4»
، و لُبَدُ: طائر من شأنه أن يلصق بالأرض، و آخر نسور لقمان كان يقال له لُبَدُ «5»، و أَلْبَدَ البعيرُ: صار ذا لبد من الثّلط «6»، و قد يكنّى بذلك عن حسنه لدلالة ذلك منه على خصبه و سمنه، و أَلْبَدْتُ القرْبَةَ: جعلتها في لَبِيدٍ أي: في جوالق صغير.
لبس‏
لَبِسَ الثّوب: استتر به، و أَلْبَسَهُ غيره، و منه:
يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً [الكهف/ 31] و اللِّبَاسُ و اللَّبُوسُ و اللَّبْسُ ما يلبس. قال تعالى: قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ‏ [الأعراف/ 26] و جعل اللِّبَاسُ لكلّ ما يغطّي من الإنسان عن قبيح، فجعل الزّوج لزوجه لباسا من حيث إنه‏
__________________________________________________
 (1) و بها قرأ هشام عن ابن عامر الدمشقي. انظر: الإتحاف ص 425.
 (2) انظر: المجمل 3/ 801.
 (3) أساس البلاغة (لبد).
 (4) السبد: الوبر. أي: ما له ذو وبر و لا صوف متلبد، و يكنى بهما عن الإبل و الغنم. و قال الأصمعي: أي: ما له قليل و لا كثير. انظر: اللسان (سبد)، و أساس البلاغة (لبد)، و المشوف المعلم 1/ 381، و الأمثال ص 388.
 (5) تزعم العرب أنّ لقمان هو الذي بعثته عاد في وفدها إلى الحرم يستسقي لها، فلما أهلكوا خيّر لقمان بين بقاء سبع بعرات سمر، من أظب عفر، في جبل وعر، لا يمسها القطر، أو بقاء سبعة أنسر، كلما أهلك نسر خلف بعده نسر، فاختار النسور، فكان آخر نسوره يسمى لبدا، و قد ذكره النابغة فقال:
         أضحت خلاء و أضحى أهلها احتملوا             أخنى عليها الذي أخنى على لبد.


 (6) ثلط البعير: إذا ألقى بعره رقيقا. انظر: اللسان (لبد).

734
مفردات ألفاظ القرآن

لبس ص 734

يمنعها و يصدّها عن تعاطي قبيح. قال تعالى:
هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ‏ [البقرة/ 187] فسمّاهنّ لباسا كما سمّاها الشاعر إزارا في قوله:
402-
         فدى لك من أخي ثقة إزاري «1»
و جعل التّقوى لِبَاساً على طريق التّمثيل و التّشبيه، قال تعالى: وَ لِباسُ التَّقْوى‏ ذلِكَ خَيْرٌ [الأعراف/ 26] و قوله: صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ‏ [الأنبياء/ 80] يعني به: الدِّرْعَ، و قوله:
فَأَذاقَهَا اللَّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ‏ [النحل/ 112]، و جعل الجوع و الخوف لباسا على التّجسيم و التشبيه تصويرا له، و ذلك بحسب ما يقولون: تدرّع فلان الفقر، و لَبِسَ الجوعَ، و نحو ذلك. قال الشاعر:
403-
         كَسَوْتُهُمْ من حبر بزّ منجم «2»
نوع من برود اليمن يعني به شعرا. و قرأ بعضهم «3»: وَ لِباسَ التَّقْوى‏ من اللّبس. أي: السّتر. و أصل اللَّبْسِ: ستر الشي‏ء، و يقال ذلك في المعاني، يقال: لَبَسْتُ عليه أمره. قال:
وَ لَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ‏ [الأنعام/ 9] و قال: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ‏ [البقرة/ 42]، لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ‏ [آل عمران/ 71]، الَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ‏ [الأنعام/ 82] و يقال: في الأمر لُبْسَةٌ أي: الْتِبَاسٌ، و لَابَسْتُ الأمر: إذا زاولته، و لَابَسْتُ فلانا: خالطته، و في فلان مَلْبَسٌ. أي:
مستمتع، قال الشاعر:
404-
         و بعد المشيب طول عمر و مَلْبَساً «4»
لبن‏
اللَّبَنُ جمعه: أَلْبَانٌ. قال تعالى: وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ‏ [محمد/ 15]، و قال:
مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَ دَمٍ لَبَناً خالِصاً [النحل/ 66]، و لَابِنٌ: كثر عنده لبن، و لَبَنْتُهُ: سقيته إياه، و فرس مَلْبُونٌ، و أَلْبَنَ فلان: كثر لبنه، فهو مُلْبِنٌ.
__________________________________________________
 (1) الشطر تقدّم في مادة (أزر).
 (2) هذا عجز بيت لأوس بن حجر، و صدره:
         و إن هزّ أقوام إليّ و حدّدوا

و هو في قصيدة مطلعها:
         تنكّرت منا بعد معرفة لمي             و بعد التصابي و الشباب المكرّم‏
و البيت في ديوانه ص 123، و المعاني الكبير 1/ 484، و الشعر و الشعراء ص 114.
 (3) قرأ: لباس بالنصب نافع و ابن عامر و الكسائي و أبو جعفر. الإتحاف ص 223.
 (4) هذا عجز بيت لامرئ القيس، و شطره:
         ألا إنّ بعد العدم للمرء قنوة

و هو في ديوانه ص 87، و المجمل 3/ 801.

735
مفردات ألفاظ القرآن

لبن ص 735

و أَلْبَنَتِ الناقة فهي مُلْبِنٌ: إذا كثر لبنها، إمّا خلقة، و إمّا أن يترك في ضرعها حتى يكثر، و الْمِلْبَنُ: ما يجعل فيه اللّبن، و أخوه بِلِبَانِ أمّه، قيل: و لا يقال: بلبن أمّه «1». أي: لم يسمع ذلك من العرب، و كم لِبْنُ غنمك «2» أي: ذوات الدّرّ منها. و اللُّبَانُ: الصّدر، و اللُّبَانَةُ أصلها الحاجة إلى اللّبن، ثم استعمل في كلّ حاجة، و أمّا اللَّبِنُ الذي يبنى به فليس من ذلك في شي‏ء، الواحدة:
لَبِنَةٌ، يقال: لَبَّنَه يُلَبِّنُهُ «3»، و اللَّبَّانُ: ضاربه.
لج‏
اللَّجَاجُ: التّمادي و العناد في تعاطي الفعل المزجور عنه، و قد لَجَّ في الأمر يَلَجُّ لَجَاجاً، قال تعالى: وَ لَوْ رَحِمْناهُمْ وَ كَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ [المؤمنون/ 75]، بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَ نُفُورٍ [الملك/ 21] و منه: لَجَّةُ الصّوت بفتح اللام. أي: تردّده، و لُجَّةُ البحر بالضّم: تردّد أمواجه، و لُجَّةُ الليل:
تردّد ظلامه، و يقال في كلّ واحد لَجَّ و الْتَجَّ.
قال: فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ‏ [النور/ 40] منسوب إلى لجّة البحر، و ما
رُوِيَ: (وَضَعَ اللُّجَّ عَلَى قَفَيَّ) «4».
أصله: قفاي، فقلب الألف ياء، و هو لغة فعبارة عن السّيف المتموّج ماؤه، و اللَّجْلَجَةُ: التّردّد في الكلام و في ابتلاع الطّعام، قال الشاعر:
405-
         يُلَجْلِجُ مضغة فيها أنيض «5»
أي: غير منضج، و رجل لَجْلَجٌ و لَجْلَاجٌ: في‏
__________________________________________________
 (1) قال العكبري: و هو أخوه بلبان أمّه، لا بلبن أمه، لأنّ اللبن ما يحتلب من البهائم. قال الأعشى:
         رضيعي لبان ثدي أم تقاسما             بأسحم داج عوض لا نتفرق‏
و قال أبو الأسود الدؤلي:
         فإلا يكنها أو تكنه فإنّه             أخوها غذته أمّه بلبانها

انظر: المشوف المعلم 2/ 692.
 (2) قال التبريزي: و كم لبن غنمك، و لبن غنمك؟ أي: كم لبون غنمك؟.
الكسائي: إنما سمع: كم لبن غنمك، كما تقول: كم رسل غنمك، أي: كم فيها مما يحلب؟ انظر: تهذيب إصلاح المنطق 1/ 124.
 (3) انظر: اللسان (لبن).
 (4) هذا مرويّ عن طلحة بن عبيد اللّه رضي اللّه عنه، و ذلك حين قام إليه رجل بالبصرة فقال: إنّا أناس بهذه الأمصار، و إنه أتانا قتل أمير و تأمير آخر، و أتتنا بيعتك، فأنشدك اللّه لا تكن أول من غدر، فقال طلحة: أنصتوني، ثم قال:
إني أخذت فأدخلت في الحش، و قربوا فوضعوا اللجّ على قفيّ، فقالوا: لتبايعنّ أو لنقتلنّك، فبايعت و أنا مكره.
قوله: اللج. قال الأصمعي: يعني السيف. قال: و نرى أن اللجّ اسم سمّي به السيف كما قالوا:
الصمصامة، و ذو الفقار و نحوه. انظر: غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 10، و النهاية 4/ 234، و اللسان (لج).
 (5) الشطر لزهير، و عجزه:
         أصلّت فهي تحت الكشح داء

و هو في ديوانه ص 14، و اللسان (لجج).

736
مفردات ألفاظ القرآن

لج ص 736

كلامه تردّد، و قيل: الحقّ أبلج و الباطل لَجْلَجٌ.
أي: لا يستقيم في قول قائله، و في فعل فاعله بل يتردّد فيه.
لحد
اللَّحْدُ: حفرة مائلة عن الوسط، و قد لَحَدَ القبرَ: حفره، كذلك و أَلْحَدَهُ، و قد لَحَدْتُ الميّت و أَلْحَدْتُهُ: جعلته في اللّحد، و يسمّى اللَّحْدُ مُلْحَداً، و ذلك اسم موضع من: ألحدته، و لَحَدَ بلسانه إلى كذا: مال. قال تعالى: لِسانُ الَّذِي يَلْحَدُونَ إِلَيْهِ [النحل/ 103] «1» من: لحد، و قرئ: يُلْحِدُونَ‏ «2» من: ألحد، و أَلْحَدَ فلان: مال عن الحقّ، و الْإِلْحَادُ ضربان: إلحاد إلى الشّرك باللّه، و إلحاد إلى الشّرك بالأسباب.
فالأوّل ينافي الإيمان و يبطله.
و الثاني: يوهن عراه و لا يبطله. و من هذا النحو قوله: وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ‏ [الحج/ 25]، و قوله: وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ‏ [الأعراف/ 180]، و الْإِلْحَادُ في أسمائه على وجهين:
أحدهما أن يوصف بما لا يصحّ وصفه به.
و الثاني: أن يتأوّل أوصافه على ما لا يليق به، و الْتَحَدَ إلى كذا: مال إليه. قال تعالى: وَ لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً [الكهف/ 27] أي:
التجاء، أو موضع التجاء. و أَلْحَدَ السّهم الهدف:
مال في أحد جانبيه.
لحف‏
قال تعالى: لا يَسْئَلُونَ النَّاسَ إِلْحافاً [البقرة/ 273]، أي: إلحاحا، و منه استعير:
أَلْحَفَ شاربه: إذا بالغ في تناوله و جزّه. و أصله من اللِّحَافِ، و هو ما يتغطّى به، يقال: أَلْحَفْتُهُ فَالْتَحَفَ.
لحق‏
لَحِقْتُهُ و لَحِقْتُ به: أدركته. قال تعالى:
بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ‏ [آل عمران/ 170]، وَ آخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ‏ [الجمعة/ 3] و يقال: أَلْحَقْتُ كذا. قال بعضهم: يقال: أَلْحَقَهُ بمعنى لحقه «3»، و على هذا
قَوْلُهُ: «إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحَقٌ» «4».
و قيل:
هو من: ألحقت به كذا، فنسب الفعل إلى العذاب تعظيما له، و كنّي عن الدّعيّ بالملحق.
لحم‏
اللَّحْمُ جمعه: لِحَامٌ، و لُحُومٌ، و لُحْمَانٌ.
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 280.
 (2) و هي قراءة الباقي.
 (3) و هذا قول ابن فارس. ذكره في مجمل اللغة 3/ 804.
 (4) و هذا من دعاء القنوت. انظر: النهاية 4/ 238، و راجع صفحة 244.
قال ابن الأثير: الرواية بكسر الحاء، أي: من نزل به عذابك ألحقه بالكفار. و يروى بفتح الحاء.

737
مفردات ألفاظ القرآن

لحم ص 737

قال: وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ* [البقرة/ 173]. و لَحُمَ الرّجل: كثر عليه اللّحم فضخم، فهو لَحِيمٌ، و لَاحِمٌ و شَاحِمٌ: صار ذا لَحْمٍ و شحم. نحو:
لابن و تامر، و لَحِمَ: ضري باللّحم، و منه: باز لَحِمٌ، و ذئب لحم. أي: كثيرُ أَكْلِ اللّحم. و بيت لَحْمٍ: أي: فيه لحم، و
فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ قَوْماً لَحِمِينَ» «1».
و أَلْحَمَهُ: أطعمه اللّحم، و به شبّه المرزوق من الصّيد، فقيل: مُلْحِمٌ، و قد يوصف المرزوق من غيره به، و به شبّه ثوب مُلْحَمٌ: إذا تداخل سداه «2»، و يسمّى ذلك الغزل لُحْمَةٌ تشبيها بلحمة البازي، و منه‏
قِيلَ: «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» «3».
و شجّة مُتَلَاحِمَةٌ:
اكتست اللّحم، و لَحَمْتُ اللّحم عن العظم:
قشرته، و لَحَمْتُ الشي‏ءَ، و أَلْحَمْتُهُ، و لَاحَمْتُ بين الشّيئين: لأمتهما تشبيها بالجسم إذا صار بين عظامه لحمٌ يلحم به، و اللِّحَامُ: ما يلحم به الإناء، و أَلْحَمْتُ فلانا: قتلته و جعلته لحما للسّباع، و أَلْحَمْتُ الطائر: أطعمته اللّحم، و أَلْحَمْتُكَ فلانا: أمكنتك من شتمه و ثلبه، و ذلك كتسمية الاغتياب و الوقيعة بأكل اللَّحْمِ. نحو قوله تعالى: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً [الحجرات/ 12]، و فلان لَحِيمٌ فعيل كأنّه جعل لحما للسّباع، و الْمَلْحَمَةُ: المعركة، و الجمع الْمَلَاحِمُ.
لحن‏
اللَّحْنُ: صرف الكلام عن سننه الجاري عليه، إما بإزالة الإعراب، أو التّصحيف، و هو المذموم، و ذلك أكثر استعمالا، و إمّا بإزالته عن التّصريح و صرفه بمعناه إلى تعريض و فحوى، و هو محمود عند أكثر الأدباء من حيث البلاغة، و إيّاه قصد الشاعر بقوله:
406-
         و خير الحديث ما كان لَحْناً «4»
__________________________________________________
 (1) انظر: الفائق 3/ 311، و النهاية 4/ 339، و أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن كعب الأحبار. الدر المنثور 3/ 315.
و عن سفيان الثوري أنه سئل عن اللحمين، أهم الذين يكثرون أكل اللحم؟ فقال: هم الذين يكثرون أكل لحوم الناس.
 (2) السّدى: خلاف لحمة الثوب، و قيل: أسفله، و قيل: ما مدّ منه. واحدته: سداة. انظر: اللسان (سدى)، و تهذيب اللغة 12/ 39.
 (3) الحديث عن ابن عمر رضي اللّه عنهما أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «الولاء لحمة كلحمة النسب، لا تباع و لا توهب» أخرجه الحاكم في المستدرك 4/ 341، و قال: هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه. و أقرّه الذهبي. و أخرجه البيهقي 10/ 294، و الشافعي في الأم 4/ 77، و الدارمي في الفرائض 2/ 398 و لم يرفعه، و الطبراني في الأوسط 2/ 189. و قال ابن حجر: و المحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري موقوفا عليه: الولاء لحمة كلحمة النسب. انظر: فتح الباري 12/ 44، و مجمع الزوائد 4/ 234، و مصنف عبد الرزاق 9/ 4.
 (4) هذا عجز بيت، و قبله:
             و حديث ألذّه هو مما             ينعت الناعتون يوزن وزنا
             منطق صائب و تلحن أحيا             نا، و خير الحديث ما كان لحنا.

 

738
مفردات ألفاظ القرآن

لحن ص 738

و إيّاه قصد بقوله تعالى: وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ‏ [محمد/ 30] و منه قيل للفطن بما يقتضي فحوى الكلام: لَحِنٌ، و
فِي الْحَدِيثِ:
 «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» «1».
أي:
ألسن و أفصح، و أبين كلاما و أقدر على الحجّة.
لدد
الْأَلَدُّ: الخصيم الشّديد التّأبّي، و جمعه: لُدٌّ.
قال تعالى: وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ‏ [البقرة/ 204]، و قال: وَ تُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا [مريم/ 97]. و أصل الألدّ: الشّديد اللَّدَدُ، أي: صفحة العنق، و ذلك إذا لم يمكن صرفه عمّا يريده، و فلان يَتَلَدَّدُ، أي: يتلفّت، و اللَّدُودُ ما سقي الإنسان من دواء في أحد شقّي فمه، و قد الْتَدَدْتُ ذلك.
لدن‏
لَدُنْ أخصّ من «عند»، لأنه يدلّ على ابتداء نهاية. نحو: أقمت عنده من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فيوضع لدن موضع نهاية الفعل.
و قد يوضع موضع «عند» فيما حكي. يقال:
أصبت عنده مالا، و لدنه مالا. قال بعضهم: لَدُنْ أبلغ من عند و أخصّ «2». قال تعالى: فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً [الكهف/ 76]، رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [الكهف/ 10]، فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم/ 5]، وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً [الإسراء/ 80]، عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً [الكهف/ 65]، لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ‏ [الكهف/ 2]. و يقال من لَدُنْ، و لَدْ، و لُدْ، و لَدَى «3». و اللَّدْنُ: اللَّيِّن.
لدى‏
لَدَى يقارب لدن. قال تعالى: وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ‏ [يوسف/ 25].
لزب‏
اللَّازِبُ: الثابت الشّديد الثّبوت. قال تعالى:
مِنْ طِينٍ لازِبٍ‏ [الصافات/ 11]، و يعبّر بِاللَّازِبِ عن الواجب، فيقال: ضربة لازب، و اللَّزْبَةُ السّنة الجدبة الشّديدة، و جمعها:
اللَّزَبَاتُ.
لزم‏
لُزُومُ الشي‏ء: طول مكثه، و منه يقال: لَزِمَهُ‏
__________________________________________________
و البيتان لمالك بن أسماء الفزاري. انظر: الملاحن لابن دريد ص 18، و اللسان (لحن)، و معجم الأدباء 16/ 90.
 (1) الحديث عن أم سلمة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّكم تختصمون إليّ، و لعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشي‏ء من حقّ أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار» متفق عليه. انظر: فتح الباري 13/ 172، و مسلم في الأقضية 3/ 1337.
 (2) انظر مغني اللبيب ص 208.
 (3) انظر: اللسان (لدن).

739
مفردات ألفاظ القرآن

لزم ص 739

يَلْزَمُهُ لُزُوماً، و الْإِلْزَامُ ضربان: إلزام بالتّسخير من اللّه تعالى، أو من الإنسان، و إلزام بالحكم و الأمر. نحو قوله: أَ نُلْزِمُكُمُوها وَ أَنْتُمْ لَها كارِهُونَ‏ [هود/ 28]، و قوله: وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى‏ [الفتح/ 26]، و قوله: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً [الفرقان/ 77] أي: لازما. و قوله:
وَ لَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى‏ [طه/ 129].
لسن‏
اللِّسَانُ: الجارحة و قوّتها، و قوله: وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي‏ [طه/ 27] يعني به من قوّة لسانه، فإنّ العقدة لم تكن في الجارحة، و إنما كانت في قوّته التي هي النّطق به، و يقال: لكلّ قوم لِسَانٌ و لِسْنٌ بكسر اللام، أي: لغة. قال تعالى: فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ* [الدخان/ 58]، و قال: بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ‏ [الشعراء/ 195]، وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَ أَلْوانِكُمْ‏ [الروم/ 22] فاختلاف الْأَلْسِنَةِ إشارة إلى اختلاف اللّغات، و إلى اختلاف النّغمات، فإنّ لكلّ إنسان نغمة مخصوصة يميّزها السّمع، كما أنّ له صورة مخصوصة يميّزها البصر.
لطف‏
اللَّطِيفُ إذا وصف به الجسم فضدّ الجثل، و هو الثّقيل، يقال: شعر جثل «1»، أي: كثير، و يعبّر بِاللَّطَافَةِ و اللُّطْفِ عن الحركة الخفيفة، و عن تعاطي الأمور الدّقيقة، و قد يعبّر بِاللَّطَائِفِ عمّا لا تدركه الحاسة، و يصحّ أن يكون وصف اللّه تعالى به على هذا الوجه، و أن يكون لمعرفته بدقائق الأمور، و أن يكون لرفقه بالعباد في هدايتهم. قال تعالى: اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ‏ [الشورى/ 19]، إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ [يوسف/ 100] أي: يحسن الاستخراج. تنبيها على ما أوصل إليه يوسف حيث ألقاه إخوته في الجبّ، و قد يعبّر عن التّحف المتوصّل بها إلى المودّة بِاللُّطْفِ، و لهذا
قَالَ: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» «2».
و قد أَلْطَفَ فلان أخاه بكذا.
لظى‏
اللَّظَى: اللّهب الخالص، و قد لَظِيَتِ النارُ و تَلَظَّتْ. قال تعالى: ناراً تَلَظَّى‏ [الليل/ 14] أي: تَتَلَظَّى، و لَظَى غير مصروفة: اسم لجهنم. قال تعالى: إِنَّها لَظى‏ [المعارج/ 15].
__________________________________________________
 (1) الجثل و الجثيل من الشجر و الثياب و الشعر: الكثير الملتف، و قيل: هو من الشعر ما غلظ و قصر. و قيل: ما كثف و اسودّ. انظر: اللسان (جثل)، و تهذيب اللغة 11/ 20.
 (2) الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «تهادوا تحابوا» أخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم (594)، و سنده حسن كما قال الحافظ ابن حجر، و أخرجه ابن عدي في الكامل 4/ 1424.

740
مفردات ألفاظ القرآن

لعب ص 741

لعب‏
أصل الكلمة اللُّعَابُ، و هو البزاق السائل، و قد لَعَبَ يَلْعَبُ لَعْباً «1»: سال لُعَابُهُ، و لَعِبَ فلان: إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا، يَلْعَبُ لَعِباً. قال: وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ‏ [العنكبوت/ 64]، وَ ذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَ لَهْواً [الأنعام/ 70]، و قال: أَ وَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرى‏ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَ هُمْ يَلْعَبُونَ‏ [الأعراف/ 98]، قالُوا أَ جِئْتَنا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ‏ [الأنبياء/ 55]، وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما لاعِبِينَ‏ [الدخان/ 38]. و اللَّعْبَةُ للمرّة الواحدة، و اللِّعْبَةُ: الحالة التي عليها اللّاعب، و رجل تِلْعَابَةٌ: ذو تَلَعُّبٍ «2»، و اللُّعْبَةُ: ما يلعب به، و الْمَلْعَبُ: موضع اللّعب، و قيل: لُعَابُ النّحل للعسل، و لُعَابُ الشمس: ما يرى في الجوّ كنسج العنكبوت، و مُلَاعِبُ ظلّه «3»: طائر كأنه يلعب بالظّلّ.
لعن‏
اللَّعْنُ: الطّرد و الإبعاد على سبيل السّخط، و ذلك من اللّه تعالى في الآخرة عقوبة، و في الدّنيا انقطاع من قبول رحمته و توفيقه، و من الإنسان دعاء على غيره. قال تعالى: أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏ [هود/ 18]، وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ‏ [النور/ 7]، لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ [المائدة/ 78]، وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ‏ [البقرة/ 159]. و اللُّعْنَةُ: الذي يلتعن كثيرا، و اللُّعَنَةُ الذي يلعن كثيرا «4»، و الْتَعَنَ فلان: لعن نفسه.
و التَّلَاعُنُ و الْمُلَاعَنَةُ: أن يلعن كلّ واحد منهما نفسه أو صاحبه.
لعل‏
لَعَلَّ: طمع و إشفاق، و ذكر بعض المفسّرين أنّ «لَعَلَّ» من اللّه واجب، و فسّر في كثير من المواضع ب «كي»، و قالوا: إنّ الطّمع و الإشفاق لا يصحّ على اللّه تعالى، و «لعلّ» و إن كان طمعا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب، و تارة طمع غيرهما. فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون: لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ [الشعراء/ 40] فذلك طمع منهم، و قوله في‏
__________________________________________________
 (1) قال أبو عثمان السرقسطي: و لعب لعبا، و ألعب: سال لعابه. و يقال في الصغير: لعب، و في الكبير: ألعب. انظر:
الأفعال 2/ 413.
 (2) قال أبو بكر ابن دريد: و كل ما جاء من هذا الباب- أي: باب تفعال- ممّا تدخله الهاء للمبالغة فهو معروف لا يتجاوز إلى غيره، نحو: تكلامة، و تلعابة، و تلقامة، و ما أشبهه. انظر: الجمهرة 3/ 388.
 (3) انظر: المجمل 3/ 809.
 (4) راجع مادة (برم).

741
مفردات ألفاظ القرآن

لعل ص 741

فرعون: لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى‏ [طه/ 44] فإطماع لموسى عليه السلام مع هارون، و معناه:
فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً راجيين أن يتذكّر أو يخشى.
و قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ‏ [هود/ 12] أي: يظنّ بك الناس ذلك، و على ذلك قوله: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ‏ [الكهف/ 6]، و قال: وَ اذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* [الأنفال/ 45] أي: اذكروا اللّه راجين الفلاح، كما قال في صفة المؤمنين:
يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ [الإسراء/ 57] «1».
لغب‏
اللُّغُوبُ: التّعب و النصب. يقال: أتانا ساغبا لَاغِباً «2»، أي: جائعا تعبا. قال: وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ‏ [ق/ 38]. و سهم لَغْبٌ: إذا كان قذذه «3» ضعيفة، و رجل لَغْبٌ: ضعيف بيّن اللَّغَابَةِ. و قال أعرابيّ: فلان لَغُوبٌ أحمق، جاءته كتابي فاحتقرها. أي: ضعيف الرّأي، فقيل له في ذلك: لم أنّثت الكتاب و هو مذكّر؟ فقال:
أ و ليس صحيفة «4».
لغا
اللَّغْوُ من الكلام: ما لا يعتدّ به، و هو الذي يورد لا عن رويّة و فكر، فيجري مجرى اللَّغَا، و هو صوت العصافير و نحوها من الطّيور، قال أبو عبيدة: لَغْوٌ و لَغًا، نحو: عيب و عاب و أنشدهم:
407-
         عن اللَّغَا و رفث التّكلّم «5»
يقال: لَغِيتُ تَلْغَى. نحو: لقيت تلقى، و قد يسمّى كلّ كلام قبيح لغوا. قال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذَّاباً [النبأ/ 35]، و قال: وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ‏ [القصص/ 55]، لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً [الواقعة/ 25]، و قال: وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ‏ [المؤمنون/ 3]، و قوله: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان/ 72]، أي: كنّوا عن القبيح لم يصرّحوا، و قيل: معناه: إذا صادفوا أهل اللّغو لم يخوضوا معهم. و يستعمل اللغو فيما لا يعتدّ به، و منه اللَّغْوُ في الأيمان. أي: ما لا عقد عليه، و ذلك ما يجري وصلا للكلام بضرب من العادة. قال: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ* [البقرة/ 225] و من هذا أخذ الشاعر
__________________________________________________
 (1) الزركشي في البرهان 4/ 393، و مادة «لعل» نقلها كلها.
 (2) انظر: أساس البلاغة (لغب)، و المجمل 3/ 810.
 (3) القذذ: جمع قذّة، و هي ريش السهم. و للسهم ثلاث قذذ، و هي آذانه. اللسان (قذذ).
 (4) و هذه الرواية حكاها أبو عمرو بن العلاء عن أعرابيّ من أهل اليمن. انظر: اللسان (لغب)، و المجمل 3/ 810.
 (5) هذا عجز بيت للعجاج، و صدره:
         و ربّ أسراب حجيج كظّم‏

و هو في ديوانه ص 59، و اللسان (رفث)، و مجاز القرآن 1/ 70.

742
مفردات ألفاظ القرآن

لغا ص 742

فقال:
408-
         و لست بمأخوذ بِلَغْوٍ تقوله             إذا لم تعمّد عاقدات العزائم «1»

و قوله: لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً [الغاشية/ 11] أي: لغوا، فجعل اسم الفاعل وصفا للكلام نحو: كاذبة، و قيل لما لا يعتدّ به في الدّية من الإبل: لغو، و قال الشاعر:
409-
         كما أَلْغَيْتَ في الدّية الحوارا «2»
و لَغِيَ بكذا. أي: لهج به لهج العصفور بِلَغَاه. أي: بصوته، و منه قيل للكلام الذي يلهج به فرقة فرقة: لُغَةٌ.
لفف‏
قال تعالى: فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً [الإسراء/ 104] أي: منضمّا بعضكم إلى بعض. يقال: لَفَفْتُ الشي‏ء لَفّاً، و جاءوا و من لَفَّ لِفَّهُمْ، أي: من انضمّ إليهم، و قوله:
وَ جَنَّاتٍ أَلْفافاً [النبأ/ 16] أي: التفّ بعضها ببعض لكثرة الشّجر. قال: وَ الْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ‏ [القيامة/ 29] و الْأَلَفُّ: الذي يتدانى فخذاه من سمنه، و الْأَلَفُّ أيضا: السّمين الثقيل البطي‏ء من الناس، و لَفَّ رأسه في ثيابه، و الطّائر رأسه تحت جناحه، و اللَّفِيفُ من الناس:
المجتمعون من قبائل شتّى، و سمّى الخليل كلّ كلمة اعتلّ منها حرفان أصليّان لَفِيفاً.
لفت‏
يقال: لَفَتَهُ عن كذا: صرفه عنه. قال تعالى:
قالُوا أَ جِئْتَنا لِتَلْفِتَنا [يونس/ 87] أي:
تصرفنا، و منه: الْتَفَتَ فلان: إذا عدل عن قبله بوجهه، و امرأة لَفُوتٌ: تَلْفِتُ من زوجها إلى ولدها من غيره، و اللَّفِيتَةُ: ما يغلظ من العصيدة «3».
لفح‏
يقال: لَفَحَتْهُ الشمس و السّموم. قال تعالى:
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ [المؤمنون/ 104] و عنه استعير: لَفَحْتُهُ بالسّيف.
لفظ
اللَّفْظُ بالكلام مستعار من: لَفْظِ الشي‏ء من الفم، و لَفْظِ الرّحى الدّقيق، و منه سمّي الدّيك‏
__________________________________________________
 (1) البيت للفرزدق من قصيدة قالها في قتل قتيبة بن مسلم، و فيها مدح سليمان بن عبد الملك، و مطلعها:
         تحنّ بزوراء المدينة ناقتي             حنين عجول تبتغي البوّ رائم‏
و هو في ديوانه ص 611، و طبقات فحول الشعراء 1/ 336، و الأغاني 19/ 14.
 (2) البيت لذي الرّمة من قصيدة مطلعها:
         نبت عيناك عن طلل بحزوى             عفته الريح و امتنح القطارا

و هو في ديوانه ص 276، و أمالي القالي 2/ 142، و اللسان (لغا).
 (3) العصيدة: دقيق يلتّ بالسمن و يطبخ. و قيل: اللفيتة: مرقة تشبه الحيس. انظر: اللسان (لفت) و (عصد)، و المجمل 3/ 811.

743
مفردات ألفاظ القرآن

لفظ ص 743

اللَّافِظَةَ، لطرحه بعض ما يلتقطه للدّجاج. قال تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق/ 18].
لفو
أَلْفَيْتُ: وجدت. قال اللّه: قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا [البقرة/ 170]، وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ‏ [يوسف/ 25].
لقب‏
اللَّقَبُ: اسم يسمّى به الإنسان سوى اسمه الأول، و يراعى فيه المعنى بخلاف الأعلام، و لمراعاة المعنى فيه قال الشاعر:
410-
         و قلما أبصرت عيناك ذا لَقَبٍ             إلّا و معناه إن فتشت في لَقَبِهِ «1»

و اللَّقَبُ ضربان: ضرب على سبيل التشريف كَأَلْقَابِ السّلاطين، و ضرب على سبيل النّبز، و إيّاه قصد بقوله: وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ‏ [الحجرات/ 11].
لقح‏
يقال: لَقِحَتِ الناقة تَلْقَحُ لَقْحاً و لَقَاحاً «2»، و كذلك الشجرة، و أَلْقَحَ الفحل الناقة، و الريح السّحاب. قال تعالى: وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ‏ [الحجر/ 22] أي: ذوات لقاح، و أَلْقَحَ فلان النّخل، و لَقَّحَهَا، و اسْتَلْقَحْتُ النّخلة، و حرب لَاقِحٌ: تشبيها بالناقة اللاقح، و قيل: اللِّقْحَةُ:
الناقة التي لها لبن، و جمعها: لِقَاحٌ و لُقَّحٌ، و الْمَلَاقِيحُ: النّوق التي في بطنها أولادها، و يقال ذلك أيضا للأولاد، و
 «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَلَاقِيحِ وَ الْمَضَامِينِ» «3».
فَالْمَلَاقِيحُ هي: ما في بطون الأمّهات، و الْمَضَامِينُ: ما في أصلاب الفحول.
و اللِّقَاحُ: ماء الفحل، و اللَّقَاحُ: الحيّ الذي لا يدين لأحد من الملوك، كأنه يريد أن يكون حاملا لا محمولا.
لقف‏
لَقِفْتُ الشي‏ء أَلْقَفُهُ، و تَلَقَّفْتُهُ: تناولته بالحذق، سواء في ذلك تناوله بالفم أو اليد.
قال: فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ* [الأعراف/ 117].
لقم‏
لُقْمَانُ: اسم الحكيم المعروف، و اشتقاقه يجوز أن يكون من: لَقِمْتُ الطّعام أَلْقَمُهُ‏
__________________________________________________
 (1) البيت في بصائر ذوي التمييز 4/ 438 دون نسبة، و شرح المقامات للشريشي 1/ 8، و الفرق بين الفرق ص 165.
 (2) انظر: الأفعال 2/ 431.
 (3) عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «نهى عن بيع الملاقيح و المضامين» أخرجه البزار، و قال: لا نعلم أحدا رواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة إلا صالح بن أبي الأخضر، و لم يكن بالحافظ. انظر: كشف الأستار 2/ 87، و أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عباس، و فيه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، وثّقه أحمد، و ضعفه جمهور الأئمة. انظر: مجمع الزوائد 4/ 107، و تحفة المحتاج 2/ 216.

744
مفردات ألفاظ القرآن

لقم ص 744

و تَلَقَّمْتُهُ، و رجل تِلْقَامٌ: كثير اللُّقَمِ، و اللَّقَمُ أصله الملتقم، و يقال لطرف الطريق: اللَّقَمُ.
لقى‏
اللِّقَاءُ: مقابلة الشي‏ء و مصادفته معا، و قد يعبّر به عن كلّ واحد منهما، يقال: لَقِيَهُ يَلْقَاهُ لِقَاءً و لُقِيّاً و لُقْيَةً، و يقال ذلك في الإدراك بالحسّ، و بالبصر، و بالبصيرة. قال: لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ‏ [آل عمران/ 143]، و قال: لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً [الكهف/ 62]. و مُلَاقَاةُ اللّه عزّ و جل عبارة عن القيامة، و عن المصير إليه. قال تعالى:
وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ‏ [البقرة/ 223] و قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ‏ [البقرة/ 249] و اللِّقَاءُ: الملاقاة. قال: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا [يونس/ 15]، إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ‏ [الانشقاق/ 6]، فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا [السجدة/ 14] أي: نسيتم القيامة و البعث و النّشور، و قوله: يَوْمَ التَّلاقِ‏ [غافر/ 15] أي: يوم القيامة، و تخصيصه بذلك لِالْتِقَاءِ من تقدّم و من تأخّر، و الْتِقَاءِ أهل السماء و الأرض، و ملاقاة كلّ أحد بعمله الذي قدّمه، و يقال: لَقِيَ فلان خيرا و شرّا.
قال الشاعر:
411-
         فمن يَلْقَ خيرا يحمد الناس أمره «1»
و قال آخر:
412-
         تَلْقَى السّماحة منه و النّدى خلقا «2»
و يقال: لَقِيتُه بكذا: إذا استقبلته به، قال تعالى: وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً [الفرقان/ 75]، وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً [الإنسان/ 11]. و تَلَقَّاهُ كذا، أي: لقيه. قال: وَ تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ [الأنبياء/ 103]، و قال: وَ إِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ‏ [النمل/ 6] و الْإِلْقَاءُ: طرح الشي‏ء حيث تلقاه، أي: تراه، ثم صار في التّعارف اسما لكلّ طرح. قال: فَكَذلِكَ أَلْقَى‏

__________________________________________________
 (1) الشطر للمرقش الأصغر، و عجزه:
         و من يغو لا يعدم على الغي لائما

و هو في اللسان (غوى)، و المفضليات ص 247.
و هو من قصيدته التي مطلعها:
         ألا يا اسلمي لا صرم لي اليوم فاطما             و لا أبدا ما دام وصلك دائما.
 (2) هذا عجز بيت لزهير بن أبي سلمى، و صدره:
         إن تلق يوما على علّاته هرما

و هو من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان و أباه، و مطلعها:
         إنّ الخليط أجدّ البين فانفرقا             و علّق القلب من أسماء ما علقا
و هو في ديوانه ص 41.

745
مفردات ألفاظ القرآن

لقى ص 745

السَّامِرِيُّ [طه/ 87]، قالُوا يا مُوسى‏ إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ‏ [الأعراف/ 115]، و قال تعالى: قالَ أَلْقُوا [الأعراف/ 116]، قالَ: أَلْقِها يا مُوسى‏* فَأَلْقاها [طه/ 19- 20]، و قال: فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ‏ [طه/ 39]، وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها [الفرقان/ 13]، كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ‏ [الملك/ 8]، وَ أَلْقَتْ ما فِيها وَ تَخَلَّتْ‏ [الانشقاق/ 4] و هو نحو قوله: وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار/ 4]، و يقال: أَلْقَيْتُ إليك قولا، و سلاما، و كلاما، و مودّة. قال تعالى:
تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة/ 1]، فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ‏ [النحل/ 86]، وَ أَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ‏ [النحل/ 87]، و قوله:
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل/ 5] فإشارة إلى ما حمّل من النّبوّة و الوحي، و قوله:
أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ [ق/ 37]، فعبارة عن الإصغاء إليه، و قوله: فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً [طه/ 70] فإنما قال: «أُلْقِيَ» تنبيها على أنه دهمهم و جعلهم في حكم غير المختارين.
لمَ‏
تقول: لَمَمْتُ الشي‏ء: جمعته و أصلحته، و منه: لَمَمْتُ شعثه. قال تعالى: وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا [الفجر/ 19] و اللَّمَمُ: مقاربة المعصية، و يعبّر به عن الصّغيرة، و يقال: فلان يفعل كذا لَمَماً. أي: حينا بعد حين، و كذلك قوله: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ‏ [النجم/ 32] و هو من قولك:
أَلْمَمْتُ بكذا. أي: نزلت به، و قاربته من غير مواقعة، و يقال: زيارته إِلْمَامٌ. أي: قليلة.
وَ «لَمْ» نفي للماضي و إن كان يدخل على الفعل المستقبل، و يدخل عليه ألف الاستفهام للتّقرير. نحو: أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً [الشعراء/ 18]، أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ [الضحى/ 6].
لَمَّا يستعمل على وجهين:
أحدهما: لنفي الماضي و تقريب الفعل.
نحو: وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا* [آل عمران/ 142].
و الثاني: عَلَماً للظّرف نحو: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ [يوسف/ 96] أي: في وقت مجيئه، و أمثلتها تكثر.
لمح‏
اللَّمْحُ: لمعان البرق، و رأيته لَمْحَةَ البرق.
قال تعالى: كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ [القمر/ 50] و يقال: لأرينّك لَمْحاً باصرا «1»
. أي: أمرا واضحا.
__________________________________________________
 (1) هذا مثل يضرب للتوعد و التهدد. انظر: جمهرة الأمثال 2/ 199، و المستقصى 2/ 237، و المجمل 3/ 794.

746
مفردات ألفاظ القرآن

لمز ص 747

لمز
اللَّمْزُ: الاغتياب و تتبّع المعاب. يقال: لَمَزَهُ يَلْمِزُهُ و يَلْمُزُهُ. قال تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ‏ [التوبة/ 58]، الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ‏ [التوبة/ 79]، وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ‏ [الحجرات/ 11] أي: لا تلمزوا الناس فيلمزونكم، فتكونوا في حكم من لمز نفسه، و رجل لَمَّازٌ و لُمَزَةٌ: كثير اللّمز، قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة/ 1].
لمس‏
اللَّمْسُ: إدراك بظاهر البشرة، كالمسّ، و يعبّر به عن الطّلب، كقول الشاعر:
413-
         و أَلْمِسُهُ فلا أجده «1»
و قال تعالى: وَ أَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَ شُهُباً [الجن/ 8]، و يكنّى به و بِالْمُلَامَسَةِ عن الجماع، و قرئ:
لامَسْتُمُ* [المائدة/ 6] «2»، و لَمَسْتُمُ النّساء «3» حملا على المسّ، و على الجماع،
 «وَ نَهَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ» «4».
و هو أن يقول: إذا لَمَسْتَ ثوبي، أو لَمَسْتُ ثوبك فقد وجب البيع بيننا، و اللُّمَاسَةُ:
الحاجة المقاربة.
لهب‏
اللَّهَبُ: اضطرام النار. قال تعالى: لا ظَلِيلٍ وَ لا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ‏ [المرسلات/ 31]، سَيَصْلى‏ ناراً ذاتَ لَهَبٍ‏ [المسد/ 3]. و اللَّهِيبُ: ما يبدو من اشتعال النار، و يقال للدّخان و للغبار: لَهَبٌ، و قوله: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ‏ [المسد/ 1] فقد قال بعض المفسّرين:
إنه لم يقصد بذلك مقصد كنيته التي اشتهر بها، و إنما قصد إلى إثبات النار له، و أنه من أهلها، و سمّاه بذلك كما يسمّى المثير للحرب و المباشر لها: أبا الحرب، و أخا الحرب. و فرس مُلْهِبٌ:
شديد العدو تشبيها بالنّار الْمُلْتَهِبَةِ، و الْأُلْهُوبُ من ذلك، و هو العدو الشّديد، و يستعمل اللُّهَابُ في الحرّ الذي ينال العطشانَ.
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         ألام على تبكّيه‏

و بعده:
         و كيف يلام محزون             كبير فاته ولده‏
و البيت في شرح الحماسة للتبريزي 2/ 184 دون نسبة، و هو من ثاني الوافر. و في كشف المشكل 2/ 502.
 (2) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و عاصم و أبي جعفر و يعقوب.
 (3) و بها قرأ حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 191.
 (4) الحديث عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «نهى عن الملامسة و المنابذة» أخرجه البخاري (انظر فتح الباري 4/ 359)، و شرح الزرقاني على الموطأ 3/ 315، و النسائي 7/ 259.

747
مفردات ألفاظ القرآن

لهث ص 748

لهث‏
لَهِثَ يَلْهَثُ لَهَثاً «1». قال اللّه تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ‏ [الأعراف/ 176] و هو أن يدلع لسانه من العطش. قال ابن دريد: اللَّهَثُ يقال للإعياء و للعطش جميعا «2».
لهم‏
الْإِلْهَامُ: إلقاء الشي‏ء في الرّوع، و يختصّ ذلك بما كان من جهة اللّه تعالى، و جهة الملإ الأعلى. قال تعالى: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها [الشمس/ 8] و ذلك نحو ما عبّر عنه بِلَمَّةِ المَلَك، و بالنّفْث في الرّوْع‏
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةً وَ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً» «3».
و
كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي» «4».
و أصله من الْتِهَامِ الشي‏ء، و هو ابتلاعه، و الْتَهَمَ الفصيل ما في الضّرع، و فرس لهم: كأنه يَلْتَهِمُ الأرض لشدّة عدوه.
لهى‏
 [اللَّهْوُ: ما يشغل الإنسان عمّا يعنيه و يهمّه.
يقال: لَهَوْتُ بكذا، و لهيت عن كذا: اشتغلت عنه بِلَهْوٍ] «5». قال تعالى: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ* [محمد/ 36]، وَ ما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ‏ [العنكبوت/ 64]، و يعبّر عن كلّ ما به استمتاع باللّهو. قال تعالى: لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً [الأنبياء/ 17] و من قال: أراد باللّهو المرأة و الولد «6» فتخصيص لبعض ما هو من زينة الحياة الدّنيا التي جعل لهوا و لعبا.
و يقال: أَلْهَاهُ كذا. أي: شغله عمّا هو أهمّ إليه.
قال تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ [التكاثر/ 1]، رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ‏ [النور/ 37] و ليس ذلك نهيا عن التّجارة و كراهية لها، بل هو نهي عن التّهافت فيها و الاشتغال عن‏
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: و لهث الكلب لهثا، و لهث أيضا: إذا أدلع لسانه عطشا. انظر: الأفعال 2/ 462.
 (2) و عبارته: و اللهث من قولهم: لهث الكلب: إذا أخرج لسانه من حرّ أو عطش. الجمهرة 2/ 51.
 (3) عن ابن مسعود قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «إنّ للشيطان لمّة بابن آدم، و للملك لمّة، فأمّا لمّة الشيطان فإيعاد بالشر، و تكذيب بالحق، و أمّا لمّة الملك فإيعاد بالخير، و تصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من اللّه، فليحمد اللّه، و من وجد الأخرى فليتعوّذ باللّه من الشيطان الرجيم، ثم قرأ: الشّيطان يعدكم الفقر و يأمركم بالفحشاء» أخرجه الترمذي و قال: حسن غريب (عارضة الأحوذي 11/ 109)، و النسائي.
 (4) الحديث عن عبد اللّه بن مسعود عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ روح القدس نفث في روعي أنّ نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، ألا فاتقوا اللّه و أجملوا في الطلب» أخرجه البغوي في شرح السنة 14/ 304، و انظر ص 373.
 (5) ما بين قوسين نقله السمين في الدر المصون 4/ 599.
 (6) عن عكرمة قال في الآية: اللهو: الولد. و عن الحسن قال: اللهو بلسان اليمن: المرأة. انظر: الدر المنثور 5/ 619- 620.

748
مفردات ألفاظ القرآن

لهى ص 748

الصّلوات و العبادات بها. أ لا ترى إلى قوله:
لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ [الحج/ 28]، لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة/ 198]، و قوله تعالى: لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ‏ [الأنبياء/ 3] أي: ساهية مشتغلة بما لا يعنيها، و اللَّهْوَةُ: ما يشغل به الرّحى ممّا يطرح فيه، و جمعها: لُهًا، و سمّيت العطيّة لُهْوَةً تشبيها بها، و اللَّهَاةُ: اللّحمة المشرفة على الحلق، و قيل: بل هو أقصى الفم.
لات‏
اللَّاتُ و الْعُزَّى صنمان، و أصل اللّات اللاه، فحذفوا منه الهاء، و أدخلوا التاء فيه، و أنّثوه تنبيها على قصوره عن اللّه تعالى، و جعلوه مختصّا بما يتقرّب به إلى اللّه تعالى في زعمهم، و قوله تعالى: وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ‏ [ص/ 3] قال الفرّاء «1»: تقديره: لا حين، و التاء زائدة فيه كما زيدت في ثمّت و ربّت. و قال بعض البصريّين:
معناه ليس، و قال أبو بكر العلّاف «2»: أصله ليس، فقلبت الياء ألفا و أبدل من السين تاء، كما قالوا: نات في ناس. و قال بعضهم: أصله لا، و زيد فيه تاء التأنيث تنبيها على الساعة أو المدّة «3»، كأنه قيل: ليست الساعة أو المدّة حين مناص.
ليت‏
يقال: لَاتَهُ عن كذا يَلِيتُهُ: صرفه عنه، و نقصه حقّا له، لَيْتاً. قال تعالى: لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً [الحجرات/ 14] أي: لا ينقصكم من أعمالكم، لات و أَلَاتَ بمعنى نقص، و أصله: ردّ اللَّيْتِ، أي: صفحة العنق.
و لَيْتَ: طمع و تمنٍّ. قال تعالى: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلًا [الفرقان/ 28]، وَ يَقُولُ‏
__________________________________________________
 (1) ليس هذا قول الفراء، و إنما قال الفراء: ليس بحين فرار، و الكلام أن ينصب بها لأنها في معنى ليس. انظر: معاني [استدراك‏] القرآن 2/ 397.
و هذا القول الذي نسبه للفراء هو قول أبي عبيد. انظر: غريب الحديث 4/ 250، و اللسان: ليت.
 (2) هو الحسن بن علي، الضرير النهرواني، الشاعر المشهور، حدّث عن أبي عمر الدوري، و نصر الجهضمي، و روى عنه أبو حفص بن شاهين، و غيره، كان ينادم المعتضد باللّه. توفي سنة 318 ه. انظر: وفيات الأعيان 2/ 107.
 (3) و في ذلك يقول العلّامة محمد حامد الحسني الشنقيطي والد شيخنا رحمه اللّه:
         و أصل لات عندهم «لا» النافية             و زيدت التاء بها، و هل هيه‏
             إذ ذاك تأنيث أو المبالغة             أو لهما معا، و ليست سائغة
             و زيدها أحسن من زيادة             ما اتصلت بثمّت و ربّت‏
             إذ زيدها في هذه حملا على             ليس، و من ثمّ بها ما اتصلا
             إن عملت عمل «إنّ»، أو هيه             كلمتان، و هما «لا» النافية
             و تاء تأنيث، و لالتقاء             مع ساكن تحريكنا للتاء

و قال ابن هشام: هذا قول الجمهور. انظر مغني اللبيب ص 335.

749
مفردات ألفاظ القرآن

ليت ص 749

الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً [النبأ/ 40]، يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا [الفرقان/ 27]، و قول الشاعر:
414-
         و ليلة ذات دجى سريت             و لم يَلِتْنِي عن سراها لَيْتُ «1»

معناه: لم يصرفني عنه قولي: ليته كان كذا.
و أعرب «ليت» هاهنا فجعله اسما، كقول الآخر:
415-
         إنّ لَيْتاً و إنّ لوّا عناء «2»
و قيل: معناه: لم يلتني عن هواها لَائِتٌ.
أي: صارف، فوضع المصدر موضع اسم الفاعل.
لوح‏
اللَّوْحُ: واحد أَلْوَاحِ السّفينة. قال تعالى:
وَ حَمَلْناهُ عَلى‏ ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ [القمر/ 13] و ما يكتب فيه من الخشب و نحوه، و قوله تعالى: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج/ 22] فكيفيّته تخفى علينا إلا بقدر ما روي لنا في الأخبار، و هو المعبّر عنه بالكتاب في قوله: إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج/ 70] و اللُّوحُ: العَطَشُ، و دابّة مِلْوَاحٌ: سريع العطش، و اللُّوحُ أيضا، بضمّ اللام: الهواء بين السماء و الأرض، و الأكثرون على فتح اللام إذا أريد به العطش، و بضمّه إذا كان بمعنى الهواء، و لا يجوز فيه غير الضّمّ. و لَوَّحَهُ الحرّ: غيّره، و لَاحَ الحرّ لَوْحاً: حصل في اللوح، و قيل: هو مثل لمح. و لَاحَ البرق، و أَلَاحَ: إذا أومض، و أَلَاحَ بسيفه: أشار به.
لوذ
قال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً [النور/ 63] هو من قولهم: لَاوَذَ بكذا يُلَاوِذُ لِوَاذاً و مُلَاوَذَةً: إذا استتر به. أي:
يستترون فيلتجئون بغيرهم فيمضون واحدا بعد واحد، و لو كان من: لَاذَ يَلُوذُ لقيل: لِيَاذاً إلّا أنّ اللِّوَاذَ هو فعال من: لاوذ. و اللِّيَاذَ من فعل، و اللَّوْذُ: ما يطيف بالجبل منه.
لوط
لُوطٌ: اسم علم، و اشتقاقه من لَاطَ الشي‏ء بقلبي يَلُوطُ لَوْطاً و لَيْطاً، و
فِي الْحَدِيثِ: «الْوَلَدُ أَلْوَطُ.
- أي: ألصق- بالكبد» «3» و هذا أمر لا يَلْتَاطُ
__________________________________________________
 (1) البيت لرؤبة بن العجاج، و هو في اللسان (ليت)، و المجمل 3/ 799.
 (2) هذا عجز بيت لأبي زبيد الطائي، و صدره:
         ليت شعري و أين مني ليت‏

من أبيات له مطلعها:
         و لقد متّ غير أني حيّ             يوم بانت بودّها خنساء

و هو في ديوانه ص 578، و الجمهرة 1/ 122، و مجمع الأمثال 2/ 371.
 (3) و هذا من حديث أبي بكر رضي اللّه عنه، فقد قال: (إنّ عمر لأحبّ الناس إليّ، ثم قال: كيف قلت؟ قالت عائشة:
قلت: و اللّه، إنّ عمر أحبّ الناس إليّ، فقال: اللهم أعزّ، و الولد ألوط). انظر: الفائق 3/ 334، و النهاية 4/ 277.

750
مفردات ألفاظ القرآن

لوط ص 750

بصفري «1»
. أي: لا يلصق بقلبي، و لُطْتُ الحوض بالطّين لَوْطاً: ملطته به، و قولهم: لَوَّطَ فلان: إذا تعاطى فعل قوم لوط، فمن طريق الاشتقاق، فإنّه اشتقّ من لفظ لوط الناهي عن ذلك لا من لفظ المتعاطين له.
لوم‏
اللَّوْمُ: عذل الإنسان بنسبته إلى ما فيه لوم.
يقال: لُمْتُهُ فهو مَلُومٌ. قال تعالى: فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ‏ [إبراهيم/ 22]، فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ‏ [يوسف/ 32]، وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ‏ [المائدة/ 54]، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* [المؤمنون/ 6]، فإنه ذكر اللّوم تنبيها على أنه إذا لم يُلَامُوا لم يفعل بهم ما فوق اللّوم. و أَلَامَ: استحقّ اللّوم. قال تعالى:
فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَ هُوَ مُلِيمٌ‏ [الذاريات/ 40] و التَّلاوُمُ: أن يلوم بعضهم بعضا. قال تعالى: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ‏ [القلم/ 30]، و قوله: وَ لا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ [القيامة/ 2] قيل: هي النّفس التي اكتسبت بعض الفضيلة، فتلوم صاحبها إذا ارتكب مكروها، فهي دون النّفس المطمئنة «2»، و قيل: بل هي النّفس التي قد اطمأنّت في ذاتها، و ترشّحت لتأديب غيرها، فهي فوق النّفس المطمئنة، و يقال: رجل لُوَمَةٌ: يَلُومُ الناسَ، و لُومَةٌ: يَلُومُهُ الناسُ، نحو سخرة و سخرة، و هزأة و هزأة، و اللَّوْمَةُ: الْمَلَامَةُ، و اللَّائِمَةُ: الأمر الذي يُلَامُ عليه الإنسان.
ليل‏
يقال: لَيْلٌ و لَيْلَةٌ، و جمعها: لَيَالٍ و لَيَائِلُ و لَيْلَاتٌ، و قيل: لَيْلٌ أَلْيَلُ، و ليلة لَيْلَاءُ. و قيل:
أصل ليلة لَيْلَاةٌ بدليل تصغيرها على لُيَيْلَةٍ، و جمعها على ليال. قال اللّه تعالى: وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ* [إبراهيم/ 33]، وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى‏ [الليل/ 1]، وَ واعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142]، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر/ 1]، وَ الْفَجْرِ* وَ لَيالٍ عَشْر [الفجر/ 1- 2]، ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا [مريم/ 10].
لون‏
اللَّوْنُ معروف، و ينطوي على الأبيض و الأسود و ما يركّب منهما، و يقال: تَلَوَّنَ: إذا اكتسى لونا غير اللّون الذي كان له. قال تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها [فاطر/ 27]، و قوله: وَ اخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ‏
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 456، و المنتخب من غريب كلام العرب 1/ 52، و مجمع الأمثال 2/ 226.
 (2) يقال: النفوس ثلاث مراتب: الأولى: النفس الأمّارة بالسوء. قال تعالى: و ما أبرّئ نفسي إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء و الثانية- و هي فوقها-: النفس اللوامة. كما ذكر. و الثالثة: النفس المطمئنة. قال تعالى: يا أيّتها النّفس المطمئنّة* ارجعي إلى ربّك راضية مرضيّة.

751
مفردات ألفاظ القرآن

لون ص 751

وَ أَلْوانِكُمْ‏ [الروم/ 22] فإشارة إلى أنواع الألوان و اختلاف الصّور التي يختصّ كلّ واحد بهيئة غير هيئة صاحبه، و سحناء غير سحنائه مع كثرة عددهم، و ذلك تنبيه على سعة قدرته. و يعبّر بِالْأَلْوَانِ عن الأجناس و الأنواع. يقال: فلان أتى بالألوان من الأحاديث، و تناول كذا ألوانا من الطّعام.
لين‏
اللِّينُ: ضدّ الخشونة، و يستعمل ذلك في الأجسام، ثمّ يستعار للخلق و غيره من المعاني، فيقال: فلان لَيِّنٌ، و فلان خشن، و كلّ واحد منهما يمدح به طورا، و يذمّ به طورا بحسب اختلاف المواقع. قال تعالى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ‏ [آل عمران/ 159]، و قوله:
ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى‏ ذِكْرِ اللَّهِ‏ [الزمر/ 23] فإشارة إلى إذعانهم للحقّ و قبولهم له بعد تأبّيهم منه، و إنكارهم إيّاه، و قوله: ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ [الحشر/ 5] أي: من نخلة ناعمة، و مخرجه مخرج فعلة نحو: حنطة، و لا يختصّ بنوع منه دون نوع.
لؤلؤ
قال تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ [الرحمن/ 22]، و قال: كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ‏ [الطور/ 24] جمعه: لَآلِئٌ، و تَلَأْلَأَ الشي‏ء:
لَمَعَ لَمَعان اللّؤلؤ، و قيل: لا أفعل ذلك ما لَأْلَأَتِ الظِّبَاءُ بأذنابها «1».
لوى‏
اللَّيُّ: فتل الحبل، يقال: لَوَيْتُهُ أَلْوِيهِ لَيّاً، و لَوَى يدَهُ، قال:
416-
         لَوَى يده اللّه الذي هو غالبه «2»
و لَوَى رأسَهُ، و برأسه أماله، قال تعالى:
لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ‏ [المنافقون/ 5]: أمالوها، و لَوَى لسانه بكذا: كناية عن الكذب و تخرّص الحديث. قال تعالى: يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ‏ [آل عمران/ 78]، و قال: لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ‏ [النساء/ 46]، و يقال فلان لا يلْوِي على أحد: إذا أمعن في الهزيمة. قال تعالى:
إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلى‏ أَحَدٍ [آل عمران/ 153] و ذلك كما قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) انظر: اللسان (لألأ)، و مجمع الأمثال 2/ 225.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         تغمّد حقي ظالما، و لوى يدي‏

و هو لفرعان بن الأعرف، و البيت في اللسان (لوى)، و الأضداد لابن الأنباري ص 191، و معجم الشعراء ص 317.

752
مفردات ألفاظ القرآن

لوى ص 752

417-
         ترك الأحبّة أن تقاتل دونه             و نجا برأس طمرّة وثّاب «1»

و اللِّوَاءُ: الراية سمّيت لِالْتِوَائِهَا بالرّيح، و اللَّوِيَّةُ: ما يلوى فيدّخر من الطّعام، و لَوَى مدينَهُ، أي: ماطله، و أَلْوَى: بلغ لوى الرّمل، و هو منعطفه.
لو
لَوْ: قيل: هو لامتناع الشي‏ء لامتناع غيره، و يتضمّن معنى الشرط نحو: قوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ‏ [الإسراء/ 100].
 «لَوْ لَا» يجي‏ء على وجهين:
أحدهما: بمعنى امتناع الشي‏ء لوقوع غيره، و يلزم خبره الحذف، و يستغنى بجوابه عن الخبر. نحو: لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ‏ [سبأ/ 31].
و الثاني: بمعنى هلّا، و يتعقّبه الفعل نحو:
لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا* [طه/ 134] أي:
هلّا. و أمثلتهما تكثر في القرآن.
لا
 «لَا» يستعمل للعدم المحض. نحو: زيد لا عالم، و ذلك يدلّ على كونه جاهلا، و ذلك يكون للنّفي، و يستعمل في الأزمنة الثّلاثة، و مع الاسم و الفعل غير أنه إذا نفي به الماضي، فإمّا أن لا يؤتى بعده بالفعل، نحو أن يقال لك: هل خرجت؟ فتقول: لَا، و تقديره: لا خرجت.
و يكون قلّما يذكر بعده الفعل الماضي إلا إذا فصل بينهما بشي‏ء. نحو: لا رجلا ضربت و لا امرأة، أو يكون عطفا. نحو: لا خرجت و لَا ركبت، أو عند تكريره. نحو: فَلا صَدَّقَ وَ لا صَلَّى‏ [القيامة/ 31] أو عند الدّعاء. نحو قولهم: لا كان، و لا أفلح، و نحو ذلك. فممّا نفي به المستقبل قوله: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ [سبأ/ 3] و في أخرى: وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ [يونس/ 61] و قد يجي‏ء «لَا» داخلا على كلام مثبت، و يكون هو نافيا لكلام محذوف و قد حمل على ذلك قوله: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ [القيامة/ 1]، فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ [المعارج/ 40]، فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ‏ [الواقعة/ 75]، فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ‏ [النساء/ 65] و على ذلك قول الشاعر:
__________________________________________________
 (1) البيت لحسان بن ثابت يعيّر الحارث بن هشام بفراره يوم بدر و الرواية المعروفة: [و لجام‏] بدل [وثّاب‏]، و قبله:
         إن كنت كاذبة الذي حدثتني             فنجوت منجى الحارث بن هشام‏
و هو في ديوانه ص 215.

753
مفردات ألفاظ القرآن

لا ص 753

418-
         لا و أبيك ابنة العامريّ «1»
و قد حمل على ذلك‏
قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَ قَدْ أَفْطَرَ يَوْماً فِي رَمَضَانَ فَظَنَّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرُبَتْ ثُمَّ طَلَعَتْ-: لَا، نَقْضِيهِ مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ فِيهِ، وَ ذَلِكَ أَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ قَدْ أَثِمْنَا فَقَالَ لَا، نَقْضِيهِ.
فقوله: «لَا» ردّ لكلامه قد أثمنا، ثم استأنف فقال: نقضيه «2». و قد يكون لَا للنّهي نحو: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ‏ [الحجرات/ 11]، وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ‏ [الحجرات/ 11]، و على هذا النّحو: يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ‏ [الأعراف/ 27]، و على ذلك: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ‏ [النمل/ 18]، و قوله: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ‏ [البقرة/ 83] فنفي قيل تقديره: إنهم لا يعبدون، و على هذا: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ‏ [البقرة/ 84] و قوله:
ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ‏ [النساء/ 75] يصحّ أن يكون «لا تُقاتِلُونَ»
 في موضع الحال «3»: ما لكم غير مقاتلين. و يجعل «لَا» مبنيّا مع النّكرة بعده فيقصد به النّفي. نحو: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ‏
 [البقرة/ 197]، [و قد يكرّر الكلام في المتضادّين و يراد إثبات الأمر فيهما جميعا. نحو أن يقال: ليس زيد بمقيم و لا ظاعن. أي: يكون تارة كذا و تارة كذا، و قد يقال ذلك و يراد إثبات حالة بينهما. نحو أن يقال: ليس بأبيض و لا أسود] «4»، و إنما يراد إثبات حالة أخرى له، و قوله: لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ [النور/ 35].
فقد قيل معناه: إنها شرقيّة و غربيّة «5». و قيل معناه:
مصونة عن الإفراط و التّفريط. و قد يذكر «لَا» و يراد به سلب المعنى دون إثبات شي‏ء، و يقال له الاسم غير المحصّل. نحو: لا إنسان، إذا قصدت سلب الإنسانيّة، و على هذا قول العامّة:
لا حدّ. أي: لا أحد.
لام‏
اللَّامُ التي هي للأداة على أوجه:
الأول: الجارّة، و ذلك أضرب: ضرب لتعدية الفعل و لا يجوز حذفه. نحو: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات/ 103]. و ضرب للتّعدية لكن قد
__________________________________________________
 (1) الشطر لامرئ القيس، و عجزه:
         لا يدّعي القوم أني أفرّ

و هو في ديوانه ص 68.
 (2) لم أجد هذه القصة.
 (3) انظر: التبيان في إعراب القرآن للعكبري 1/ 373، و إعراب القرآن للنحاس 1/ 434.
 (4) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 4/ 353.
 (5) قال اليزيدي: لا شرقية: لا تضحى للشرق، و لا غربية: لا تضحى للغرب، و لكنها شرقية غربية يصيبها الشرق و الغرب. أي: الشمس و الظل. انظر: غريب القرآن و تفسيره ص 272.

754
مفردات ألفاظ القرآن

لام ص 754

يحذف. كقوله: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النساء/ 26]، فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً [الأنعام/ 125] فأثبت في موضع و حذف في موضع.
الثاني: للملك و الاستحقاق، و ليس نعني بالملك ملك العين بل قد يكون ملكا لبعض المنافع، أو لضرب من التّصرّف. فملك العين نحو: وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [المائدة/ 18]، وَ لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [الفتح/ 7]. و ملك التّصرّف كقولك لمن يأخذ معك خشبا: خذ طرفك لآخذ طرفي، و قولهم: للّه كذا. نحو: للّه درّك، فقد قيل: إن القصد أنّ هذا الشي‏ء لشرفه لا يستحقّ ملكه غير اللّه، و قيل: القصد به أن ينسب إليه إيجاده. أي: هو الذي أوجده إبداعا، لأنّ الموجودات ضربان:
ضرب أوجده بسبب طبيعيّ أو صنعة آدميّ.
و ضرب أوجده إبداعا كالفلك و السماء و نحو ذلك، و هذا الضرب أشرف و أعلى فيما قيل.
و لَامُ الاستحقاق نحو قوله: لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ* [الرعد/ 25]، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [المطففين/ 1] و هذا كالأول لكن الأول لما قد حصل في الملك و ثبت، و هذا لما لم يحصل بعد و لكن هو في حكم الحاصل من حيثما قد استحقّ. و قال بعض النحويين: اللَّامُ في قوله:
لَهُمُ اللَّعْنَةُ* [الرعد/ 25] بمعنى «على» «1» أي: عليهم اللّعنة، و في قوله: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ [النور/ 11] و ليس ذلك بشي‏ء، و قيل: قد تكون اللَّامُ بمعنى «إلى» في قوله: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى‏ لَها [الزلزلة/ 5] و ليس كذلك، لأنّ الوحي للنّحل جعل ذلك له بالتّسخير و الإلهام، و ليس ذلك كالوحي الموحى إلى الأنبياء، فنبّه باللام على جعل ذلك الشي‏ء له بالتّسخير. و قوله: وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النساء/ 105] معناه: لا تخاصم الناس لأجل الخائنين، و معناه كمعنى قوله:
وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ [النساء/ 107] و ليست اللام هاهنا كاللام في قولك: لا تكن للّه خصيما، لأنّ اللام هاهنا داخل على المفعول، و معناه: لا تكن خصيم اللّه.
الثالث: لَامُ الابتداء. نحو: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى‏ [التوبة/ 108]، لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى‏ أَبِينا مِنَّا [يوسف/ 8]، لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً [الحشر/ 13].
الرابع: الداخل في باب إنّ، إما في اسمه إذا تأخّر. نحو: إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً* [آل عمران/ 13] أو في خبره. نحو: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ
__________________________________________________
 (1) انظر: كتاب اللامات للهروي ص 42.

755
مفردات ألفاظ القرآن

لام ص 754

 [الفجر/ 14]، إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود/ 75] أو فيما يتّصل بالخبر إذا تقدّم على الخبر. نحو: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر/ 72] فإنّ تقديره: ليعمهون في سكرتهم.
الخامس: الداخل في إن المخفّفة فرقا بينه و بين إن النافية نحو: وَ إِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا [الزخرف/ 35].
السادس: لَامُ القسم، و ذلك يدخل على الاسم. نحو قوله: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ [الحج/ 13] و يدخل على الفعل الماضي. نحو: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف/ 111] و في المستقبل يلزمه إحدى النّونين نحو: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران/ 81] و قوله: وَ إِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ [هود/ 111] فَاللَّامُ في «لَمَّا» جواب «إِنَّ» و في «لَيُوَفِّيَنَّهُمْ» للقسم.
السابع: اللَّامُ في خبر لو: نحو: وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ [البقرة/ 103]، لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ [الفتح/ 25]، وَ لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا إلى قوله لَكانَ خَيْراً لَهُمْ [النساء/ 46] «1»، و ربما حذفت هذه اللام نحو:
لو جئتني أكرمتك أي: لأكرمتك.
الثامن: لَامُ المدعوّ، و يكون مفتوحا، نحو:
يا لزيد. و لام المدعوّ إليه يكون مكسورا، نحو يا لزيد.
التاسع: لَامُ الأمر، و تكون مكسورة إذا ابتدئ به نحو: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النور/ 58]، لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ [الزخرف/ 77]، و يسكّن إذا دخله واو أو فاء نحو: وَ لِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [العنكبوت/ 66]، و فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف/ 29]، و قوله: فَلْيَفْرَحُوا [يونس/ 58]، و قرئ:
 (فلتفرحوا) «2» و إذا دخله ثم، فقد يسكّن و يحرّك نحو: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج/ 29].
تمّ كتاب اللام‏
__________________________________________________
 (1) الآية: و لو أنّهم قالوا: سمعنا و أطعنا و اسمع و انظرنا لكان خيرا لهم.
 (2) و بها قرأ رويس عن يعقوب. انظر: الإتحاف ص 252.

756
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الميم

كتاب الميم‏
متع‏
الْمُتُوعُ: الامتداد و الارتفاع. يقال: مَتَعَ النهار و مَتَعَ النّبات: إذا ارتفع في أول النّبات، و الْمَتَاعُ: انتفاعٌ ممتدُّ الوقت، يقال: مَتَّعَهُ اللّهُ بكذا، و أَمْتَعَهُ، و تَمَتَّعَ به. قال تعالى:
وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى‏ حِينٍ‏ [يونس/ 98]، نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا [لقمان/ 24]، فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا [البقرة/ 126]، سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ‏ [هود/ 48].
و كلّ موضع ذكر فيه «تَمَتَّعُوا»* في الدّنيا فعلى طريق التّهديد، و ذلك لما فيه من معنى التّوسّع، و اسْتَمْتَعَ: طلب التّمتّع. رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ‏ [الأنعام/ 128]، فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ‏ [التوبة/ 69]، فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ‏ [التوبة/ 69] «1» و قوله: وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى‏ حِينٍ* [البقرة/ 36] تنبيها أنّ لكلّ إنسان في الدّنيا تَمَتُّعاً مدّة معلومة.
و قوله: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ‏ [النساء/ 77] تنبيها أن ذلك في جنب الآخرة غير معتدّ به، و على ذلك: فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ‏ [التوبة/ 38] أي: في جنب الآخرة، و قال تعالى: وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ‏ [الرعد/ 26] و يقال لما ينتفع به في البيت: متاع. قال: ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ‏ [الرعد/ 17]. و كلّ ما ينتفع به على وجه ما فهو مَتَاعٌ و مُتْعَةٌ، و على هذا قوله: وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ‏ [يوسف/ 65] أي: طعامهم، فسمّاه مَتَاعاً، و قيل: وعاءهم، و كلاهما متاع، و هما متلازمان، فإنّ الطّعام كان في الوعاء.
و قوله تعالى: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏ [البقرة/ 241] فَالْمَتَاعُ و الْمُتْعَةُ: ما يعطى‏
__________________________________________________
 (1) الآية: فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الّذين من قبلكم بخلاقهم و خضتم كالّذي خاضوا.

757
مفردات ألفاظ القرآن

متع ص 757

المطلّقة لتنتفع به مدّة عدّتها. يقال: أَمْتَعْتُهَا و مَتَّعْتُهَا، و القرآن ورد بالثاني. نحو:
فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَ‏ [الأحزاب/ 49]، و قال: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ‏ [البقرة/ 236]. و مُتْعَةُ النّكاح هي: أنّ الرجل كان يشارط المرأة بمال معلوم يعطيها إلى أجل معلوم، فإذا انقضى الأجل فارقها من غير طلاق، و مُتْعَةُ الْحَجِّ: ضمّ العمرة إليه. قال تعالى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏ [البقرة/ 196] و شراب مَاتِعٌ. قيل: أحمر، و إنما هو الذي يمتع بجودته، و ليست الحمرة بخاصّيّة للماتع و إن كانت أحد أوصاف جودته، و جمل مَاتِعٌ: قويّ قيل:
419-
         و ميزانه في سورة البرّ مَاتِعٌ «1»


أي: راجح زائد.
متن‏
الْمَتْنَانِ: مكتنفا الصّلب، و به شبّه الْمَتْنُ من الأرض، و مَتَنْتُهُ: ضربت متنه، و مَتُنَ: قَوِيَ متنُهُ، فصار متينا، و منه قيل: حبل مَتِينٌ، و قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ‏ [الذاريات/ 58].
متى‏
مَتَى: سؤال عن الوقت. قال تعالى: مَتى‏ هذَا الْوَعْدُ* [يونس/ 48]، و مَتى‏ هذَا الْفَتْحُ‏ [السجدة/ 28] و حكي أنّ هذيلا تقول:
جعلته مَتَى كمّي «2». أي: وسط كمي، و أنشدوا لأبي ذؤيب:
420-
         شربن بماء البحر ثمّ ترفّعت             مَتَى لجج خضر لهنّ نئيج «3»

مثل‏
أصل الْمُثُولِ: الانتصاب، و الْمُمَثَّلُ:
المصوّر على مثال غيره، يقال: مَثُلَ الشي‏ءُ.
أي: انتصب و تصوّر، و منه‏
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ الرِّجَالُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» «4».
و التِّمْثَالُ: الشي‏ء المصوّر، و تَمَثَّلَ كذا: تصوّر.
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت للنابغة الذبياني، و صدره:
         إلى خير دين نسكه قد علمته‏

و ليس في ديوانه طبع دار صادر، و إنما هو في ديوانه صنعة ابن السكيت- تحقيق د. شكري فيصل ص 52، و هو في المجمل 3/ 822، و اللسان (متع).
 (2) قال ابن هشام: و اختلف في قول بعضهم: «وضعته متى كمي» فقال ابن سيده: بمعنى في، و قال غيره: بمعنى وسط. انظر: مغني اللبيب ص 441، و الجنى الداني ص 468، و المجمل 3/ 823.
 (3) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، و هو في ديوان الهذليين 1/ 51، و مغني اللبيب ص 142، و المجمل 3/ 823.
 (4) عن ابن الزبير قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من أحبّ أن يمثل له عباد اللّه قياما فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه أحمد 4/ 91، و أبو داود برقم (5229)، و الترمذي، و قال: حديث حسن (انظر: عارضة الأحوذي 10/ 213).

758
مفردات ألفاظ القرآن

مثل ص 758

قال تعالى: فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا [مريم/ 17] و الْمَثَلُ عبارة عن قول في شي‏ء يشبه قولا في شي‏ء آخر بينهما مشابهة، ليبيّن أحدهما الآخر و يصوّره. نحو قولهم: الصّيف ضيّعت اللّبن «1»
 فإن هذا القول يشبه قولك: أهملت وقت الإمكان أمرك. و على هذا الوجه ما ضرب اللّه تعالى من الأمثال، فقال: وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏ [الحشر/ 21]، و في أخرى: وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ [العنكبوت/ 43]. و الْمَثَلُ يقال على وجهين:
أحدهما: بمعنى المثل. نحو: شبه و شبه، و نقض و نقض. قال بعضهم: و قد يعبّر بهما عن وصف الشي‏ء «2». نحو قوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ* [الرعد/ 35]. و الثاني: عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أيّ معنى كان، و هو أعمّ الألفاظ الموضوعة للمشابهة، و ذلك أنّ النّدّ يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، و الشّبه يقال فيما يشارك في الكيفيّة فقط، و المساوي يقال فيما يشارك في الكمّيّة فقط، و الشّكل يقال فيما يشاركه في القدر و المساحة فقط، و الْمِثْلَ عامّ في جميع ذلك، و لهذا لمّا أراد اللّه تعالى نفي التّشبيه من كلّ وجه خصّه بالذّكر فقال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ [الشورى/ 11] و أما الجمع بين الكاف و المثل فقد قيل: ذلك لتأكيد النّفي تنبيها على أنه لا يصحّ استعمال المثل و لا الكاف، فنفى ب (ليس) الأمرين جميعا. و قيل: الْمِثْلُ هاهنا هو بمعنى الصّفة، و معناه: ليس كصفته صفة، تنبيها على أنه و إن وصف بكثير ممّا يوصف به البشر فليس تلك الصّفات له على حسب ما يستعمل في البشر، و قوله تعالى: لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَ لِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏ [النحل/ 60] أي: لهم الصّفات الذّميمة و له الصّفات العلى. و قد منع اللّه تعالى عن ضرب الأمثال بقوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ‏ [النحل/ 74] ثم نبّه أنه قد يضرب لنفسه المثل، و لا يجوز لنا أن نقتدي به، فقال: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل/ 74] ثمّ ضرب لنفسه مثلا فقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً الآية [النحل/ 75]، و في هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما وصف به نفسه، و قوله: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ الآية [الجمعة/ 5]، أي: هم في جهلهم بمضمون حقائق التّوراة كالحمار في جهله بما
__________________________________________________
 (1) المثل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوّته على نفسه.
و قال المبرد: أصل المثل كان لامرأة، و إنما يضرب لكل واحد على ما جرى في الأصل، فإذا قلته للرجل فإنما معناه: أنت عندي بمنزلة التي قيل لها هذا. انظر: مجمع الأمثال 2/ 68، و المقتضب 2/ 143.
 (2) انظر ص 732 في الحاشية.

759
مفردات ألفاظ القرآن

مثل ص 758

على ظهره من الأسفار، و قوله: وَ اتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ‏ [الأعراف/ 176] فإنه شبّهه بملازمته و اتّباعه هواه و قلّة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللّهث على جميع الأحوال. و قوله:
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة/ 17]، فإنه شبّه من آتاه اللّه تعالى ضربا من الهداية و المعارف، فأضاعه و لم يتوصّل به إلى ما رشّح له من نعيم الأبد بمن استوقد نارا في ظلمة، فلمّا أضاءت له ضيّعها و نكس فعاد في الظّلمة، و قوله تعالى: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً [البقرة/ 171] فإنه قصد تشبيه المدعوّ بالغنم، فأجمل و راعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ، و بسط الكلام: مثل راعي الذين كفروا و الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق بالغنم، و مثل الغنم التي لا تسمع إلّا دعاء و نداء. و على هذا النحو قوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ [البقرة/ 261] و مثله قوله:
مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ [آل عمران/ 117] و على هذا النحو ما جاء من أمثاله. و الْمِثَالُ: مقابلة شي‏ء بشي‏ء هو نظيره، أو وضع شي‏ء ما ليحتذى به فيما يفعل، و الْمُثْلَةُ: نقمة تنزل بالإنسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره، و ذلك كالنّكال، و جمعه مُثُلَاتٌ و مَثُلَاتٌ، و قد قرئ: مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ [الرعد/ 6]، و (الْمَثْلَاتُ) «1» بإسكان الثّاء على التّخفيف. نحو: عَضُدٍ و عَضْدٍ، و قد أَمْثَلَ السّلطان فلانا: إذا نكّل به، و الْأَمْثَلُ يعبّر به عن الأشبه بالأفاضل، و الأقرب إلى الخير، و أَمَاثِلُ القومِ: كناية عن خيارهم، و على هذا قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً [طه/ 104]، و قال:
وَ يَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى‏ [طه/ 63] أي:
الأشبه بالفضيلة، و هي تأنيث الأمثل.
مجد
الْمَجْدُ: السّعة في الكرم و الجلال، و قد تقدّم الكلام في الكرم. يقال: مَجَدَ يَمْجُدُ مَجْداً و مَجَادَةً، و أصل المجد من قولهم: مَجَدَتِ الإبلُ «2»: إذا حَصَلَتْ في مرعًى كثيرٍ واسعٍ، و قد أَمْجَدَهَا الرّاعي، و تقول العرب: في كلّ شجر نارٌ، و اسْتَمْجَدَ المرْخُ و العَفَارُ «3»
، و قولهم في صفة اللّه تعالى: الْمَجِيدُ. أي: يجري السّعة في‏
__________________________________________________
 (1) و هي لغة بني تميم. و هي قراءة شاذة قرأ بها الأعمش.
انظر: تفسير القرطبي 9/ 285، و إعراب القرآن للنحاس 2/ 166، و معاني الفراء 2/ 59.
 (2) انظر: الأفعال 4/ 154.
 (3) المثل يضرب في تفضيل الرجال بعضهم على بعض. انظر: مجمع الأمثال 2/ 74، و المستقصى 2/ 183،.

760
مفردات ألفاظ القرآن

مجد ص 760

بذل الفضل المختصّ به «1». و قوله في صفة القرآن: ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق/ 1] «2» فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمّن من المكارم الدّنيويّة و الأخرويّة، و على هذا وصفه بالكريم بقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ [الواقعة/ 77]، و على نحوه: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ [البروج/ 21]، و قوله: ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج/ 15] فوصفه بذلك لسعة فيضه و كثرة جوده، و قرئ: الْمَجِيدِ «3» بالكسر فلجلالته و عظم قدره، و ما
أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَا الْكُرْسِيُّ فِي جَنْبِ الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ مُلْقَاةٍ فِي أَرْضٍ فَلَاةٍ» «4».
و على هذا قوله: لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل/ 26] و التَّمْجِيدُ من العبد للّه بالقول، و ذكر الصّفات الحسنة، و من اللّه للعبد بإعطائه الفضل.
محص‏
أصل الْمَحْصِ: تخليص الشي‏ء مما فيه من عيب كالفحص، لكن الْفَحْصُ يقال في إبراز شي‏ء من أثناء ما يختلط به، و هو منفصل عنه، و الْمَحْصُ يقال في إبرازه عمّا هو متّصل به، يقال: مَحَصْتُ الذّهب و مَحَّصْتُهُ: إذا أزلت عنه ما يشوبه من خبث. قال تعالى: وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [آل عمران/ 141]، وَ لِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ‏ [آل عمران/ 154]، فَالتَّمْحِيصُ هاهنا كالتّزكية و التّطهير و نحو ذلك من الألفاظ.
و
يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: (اللَّهُمَّ مَحِّصْ عَنَّا ذُنُوبَنَا) «5».
أي: أزل ما علق بنا من الذّنوب. و مَحَصَ الثّوبُ «6»: إذا ذهب زِئبِرُهُ «7»، و مَحَصَ الحبل يَمْحَصُ: أخلق حتى يذهب عنه وبره، و مَحَصَ الصّبيُّ: إذا عدا.
محق‏
الْمَحْقُ: النّقصان، و منه: الْمِحَاقُ، لآخر الشهر إذا انْمَحَقَ الهلال، و امْتَحَقَ، و انْمَحَقَ، يقال: مَحَقَهُ: إذا نقصه و أذهب بركته. قال اللّه تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ‏ [البقرة/ 276]، و قال: وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ‏ [آل عمران/ 141].
__________________________________________________
و جمهرة الأمثال 2/ 292، و مجمل اللغة 3/ 823، و ديوان الأدب 1/ 101، و فصل المقال ص 202.
 (1) انظر: الأسماء و الصفات للبيهقي ص 57، و المنهاج في شعب الإيمان للحليمي 1/ 197.
 (2) و قال البيهقي: قيل في تفسيرها: إنّ معناه الكريم، و قيل: الشريف. الأسماء و الصفات ص 57.
 (3) و بها قرأ حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 436.
 (4) الحديث تقدّم في مادة (عرش).
 (5) انظر: البصائر 4/ 486.
 (6) انظر: اللسان (محص)، و المجمل 3/ 824.
 (7) الزّئبر بالكسر: ما يعلو الثوب الجديد مثل ما يعلو الخز. و قال أبو زيد: زئبر الثوب و زغبره. اللسان (زأبر).

761
مفردات ألفاظ القرآن

محل ص 762

محل‏
قوله تعالى: وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ‏ [الرعد/ 13] أي: الأخذ بالعقوبة، قال بعضهم: هو من قولهم مَحَلَ به مَحْلًا و مِحَالًا:
إذا أراده بسوء، قال أبو زيد: مَحَلَ الزّمانُ:
قحط «1»، و مكان مَاحِلٌ و مُتَمَاحِلٌ، و أَمْحَلَتِ الأرض، و الْمَحَالَةُ: فقارة الظّهر، و الجمع:
الْمَحَالُّ، و لَبَنٌ مُمْحِلٌ: قد فسد، و يقال: مَاحَلَ عنه. أي: جادل عنه، و مَحَلَ به إلى السّلطانِ:
إذا سعى به، و
فِي الْحَدِيثِ: «لَا تَجْعَلِ الْقُرْآنَ مَاحِلًا بِنَا» «2».
أي: يظهر عندك معايبنا، و قيل:
بل المِحَال من الحول و الحيلة، و الميم فيه زائدة.
محن‏
الْمَحْنُ و الِامْتِحَانُ نحو الابتلاء، نحو قوله تعالى: فَامْتَحِنُوهُنَ‏ [الممتحنة/ 10] و قد تقدّم الكلام في الابتلاء. قال تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى‏ [الحجرات/ 3]، و ذلك نحو: وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً [الأنفال/ 17] و ذلك نحو قوله: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ الآية [الأحزاب/ 33].
محو
الْمَحْوُ: إزالة الأثر، و منه قيل للشّمال:
مَحْوَةٌ، لأنها تَمْحُو السّحاب و الأثر. قال تعالى:
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ‏ [الرعد/ 39].
مخر
مَخْرُ الماءِ للأرض: استقبالها بالدّور فيها.
يقال: مَخَرَتِ السّفينةُ مَخْراً و مُخُوراً: إذا شقّت الماء بجؤجئها «3» مستقبلة له، و سفينة مَاخِرَةٌ، و الجمع: الْمَوَاخِرُ. قال: وَ تَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ‏ [النحل/ 14] و يقال: اسْتَمْخَرْتُ الرّيحَ، و امْتَخَرْتُهَا: إذا استقبلتها بأنفك، و
فِي الْحَدِيثِ: «اسْتَمْخِرُوا الرِّيحَ وَ أَعِدُّوا النَّبْلَ» «4».
أي:
في الاستنجاء، و الْمَاخُورُ: الموضع الذي يباع فيه الخمر، و بناتُ مَخْرٍ سحائب تنشأ صيفا «5».
__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 4/ 149.
 (2) انظر: النهاية 4/ 303، و غريب القرآن لليزيدي ص 193. قال ابن حجر بعد ذكر هذا الحديث: قلت: الذي في الحديث: «القرآن شافع مشفع و ماحل مصدّق» أخرجه ابن حبان. انظر: تخريج أحاديث الكشاف ص 91.
 (3) الجؤجؤ: الصدر.
 (4) قال ابن الأثير: و منه حديث سراقة: «إذا أتى أحدكم الغائط فليفعل كذا و كذا، و استمخروا الريح». و رواه الزمخشري، فقال: سراقة بن جعشم قال لقومه: إذا أتى أحدكم الغائط فليكرم قبلة اللّه و لا يستدبرها، و ليتق مجالس اللعن: الطريق و الظل و النهر، و استمخروا الريح، و استشبوا على أسوقكم، و أعدوا النبل. انظر: النهاية 4/ 305، و الفائق 3/ 350، و مجمع الزوائد 1/ 209، و أخرجه ابن أبي حاتم في علله 1/ 36، و كنز العمال 9/ 361، و عزاه لحرب بن إسماعيل في مسائله.
 (5) انظر: اللسان (مخر)، و المجمل 3/ 825، و راجع مادة (بحر) و تعليقنا على ذلك.

762
مفردات ألفاظ القرآن

مد ص 763

مد
أصل الْمَدِّ: الجرّ، و منه: الْمُدَّةُ للوقت الْمُمْتَدِّ، و مِدَّةُ الجرحِ، و مَدَّ النّهرُ، و مَدَّهُ نهرٌ آخر، و مَدَدْتُ عيني إلى كذا. قال تعالى: وَ لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ‏ الآية [طه/ 131]. و مَدَدْتُهُ في غيّه، و مَدَدْتُ الإبلَ: سقيتها الْمَدِيدَ، و هو بزر و دقيق يخلطان بماء، و أَمْدَدْتُ الجيشَ بِمَدَدٍ، و الإنسانَ بطعامٍ. قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلى‏ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ‏ [الفرقان/ 45].
و أكثر ما جاء الْإمْدَادُ في المحبوب و الْمَدُّ في المكروه نحو: وَ أَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَ لَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ‏ [الطور/ 22] أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ‏ [المؤمنون/ 55]، وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ‏ [نوح/ 12]، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ‏ الآية [آل عمران/ 125]، أَ تُمِدُّونَنِ بِمالٍ‏ [النمل/ 36]، وَ نَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا [مريم/ 79]، وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ [البقرة/ 15]، وَ إِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ‏ [الأعراف/ 202]، وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ [لقمان/ 27] فمن قولهم: مَدَّهُ نهرٌ آخرُ، و ليس هو مما ذكرناه من الإمدادِ و المدِّ المحبوبِ و المكروهِ، و إنما هو من قولهم:
مَدَدْتُ الدّواةَ أَمُدُّهَا «1»، و قوله: وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف/ 109] و الْمُدُّ من المكاييل معروف.
مدن‏
الْمَدِينَةُ فَعِيلَةٌ عند قوم، و جمعها مُدُنٌ، و قد مَدَنَتْ مَدِينةٌ، و ناس يجعلون الميم زائدة، قال تعالى: وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ‏ [التوبة/ 101] قال: وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى‏ [يس/ 20]، وَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى‏ حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها [القصص/ 15].
مرر
الْمُرُورُ: المضيّ و الاجتياز بالشي‏ء. قال تعالى: وَ إِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ‏ [المطففين/ 30]، وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان/ 72] تنبيها أنّهم إذا دفعوا إلى التّفوّه باللغو كنّوا عنه، و إذا سمعوه تصامموا عنه، و إذا شاهدوه أعرضوا عنه، و قوله: فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا [يونس/ 12] فقوله: مَرَّ هاهنا كقوله: وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى‏ بِجانِبِهِ* [الإسراء/ 83] و أَمْرَرْتُ الحبلَ: إذا فتلته، و الْمَرِيرُ و الْمُمَرُّ:
المفتولُ، و منه: فلان ذو مِرَّةٍ، كأنه محكم الفتل. قال: ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏
 [النجم/ 6].
و يقال: مَرَّ الشي‏ءُ، و أَمَرَّ: إذا صار مُرّاً، و منه‏
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: مددت الدّواة مدّا، و أمددتها: جعلت فيها المداد. الأفعال 4/ 138.

763
مفردات ألفاظ القرآن

مرر ص 763

يقال: فلان ما يُمِرُّ و ما يحلي «1»، و قوله تعالى:
حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ‏ [الأعراف/ 189] قيل: اسْتَمَرَّتْ. و قولهم: مَرَّةً و مَرَّتَيْنِ، كفَعْلَة و فَعْلَتين، و ذلك لجزء من الزمان. قال:
يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ [الأنفال/ 56]، وَ هُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [التوبة/ 13]، إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً [التوبة/ 80]، إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ [التوبة/ 83]، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ‏ [التوبة/ 101]، و قوله: ثَلاثَ مَرَّاتٍ‏ [النور/ 58].
مرج‏
أصل الْمَرْجِ: الخلط، و الْمَرَجُ الاختلاط، يقال: مَرِجَ أمرُهم «2»: اختلط، و مَرِجَ الخاتَمُ في إصبعي، فهو مَارِجٌ، و يقال: أمرٌ مَرِيجٌ. أي:
مختلط، و منه غصنٌ مَرِيجٌ: مختلط، قال تعالى:
فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ‏ [ق/ 5] و الْمَرْجَانُ:
صغار اللّؤلؤ. قال: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَ الْمَرْجانُ‏ [الرحمن/ 19] من قولهم: مَرَجَ.
و يقال للأرض التي يكثر فيها النّبات فتمرح فيه الدّواب: مَرْجٌ، و قوله: مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ [الرحمن/ 15] أي: لهيب مختلط، و أَمْرَجْتُ الدّابّةَ في المرعى: أرسلتها فيه فَمَرَجَتْ.
مرح‏
الْمَرَحُ: شدّة الفرح و التّوسّع فيه، قال تعالى:
وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً* [الإسراء/ 37] و قرئ: (مَرِحاً) «3» أي: فَرِحاً، و مَرْحَى:
كلمة تعجّب.
مرد
قال اللّه تعالى: وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ [الصافات/ 7] و الْمَارِدُ و الْمَرِيدُ من شياطين الجنّ و الإنس: المتعرّي من الخيرات.
من قولهم: شجرٌ أَمْرَدُ: إذا تعرّى من الورق، و منه قيل: رملةٌ مَرْدَاءُ: لم تنبت شيئا، و منه:
الْأَمْرَدُ لتجرّده عن الشّعر. و
رُوِيَ: «أَهْلُ الْجَنَّةِ مُرْدٌ» «4».
فقيل: حمل على ظاهره، و قيل: معناه:
معرون من الشّوائب و القبائح، و منه قيل: مَرَدَ فلانٌ عن القبائح، و مَرَدَ عن المحاسن و عن الطاعة. قال تعالى: وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ‏ [التوبة/ 101] أي: ارتكسوا عن الخير و هم على النّفاق، و قوله: مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ [النمل/ 44] أي: مملّس. من قولهم:
__________________________________________________
 (1) في اللسان: و فلان ما يمرّ و ما يحلي. أي: ما يضرّ و لا ينفع. اللسان (مرر).
 (2) انظر: الأفعال 4/ 159، و اللسان (مرج).
 (3) و هي قراءة شاذة قرأ بها يعقوب من غير طريق الطيبة. انظر: إعراب القرآن للنحاس 2/ 241.
 (4) عن معاذ بن جبل أنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «يدخل أهل الجنّة الجنّة جردا مردا مكحلين، أبناء ثلاثين أو ثلاث و ثلاثين سنة» أخرجه الترمذي و قال: حسن غريب (انظر: عارضة الأحوذي 20/ 14 و أحمد 2/ 295.

764
مفردات ألفاظ القرآن

مرد ص 764

شجرةٌ مَرْدَاءُ: إذا لم يكن عليها ورق، و كأنّ المُمَرَّدَ إشارة إلى قول الشاعر:
421-
         في مجدل شيّد بنيانه             يزلّ عنه ظفر الظّافر «1»

و مَارِدٌ: حصن معروف «2»، و في الأمثال:
تَمَرَّدَ مَارِدٌ و عزّ الأبلق «3»
، قاله ملك امتنع عليه هذان الحصنان.
مرض‏
الْمَرَضُ: الخروج عن الاعتدال الخاصّ بالإنسان، و ذلك ضربان:
الأوّل: مَرَضٌ جسميٌّ، و هو المذكور في قوله تعالى: وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ* [النور/ 61]، وَ لا عَلَى الْمَرْضى‏ [التوبة/ 91].
و الثاني: عبارة عن الرّذائل كالجهل، و الجبن، و البخل، و النّفاق، و غيرها من الرّذائل الخلقيّة.
نحو قوله: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً [البقرة/ 10]، أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا [النور/ 50]، وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ‏ [التوبة/ 125]. و ذلك نحو قوله: وَ لَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَ كُفْراً* [المائدة/ 64] و يشبّه النّفاق و الكفر و نحوهما من الرذائل بالمرض، إما لكونها مانعة عن إدراك الفضائل كالمرض المانع للبدن عن التصرف الكامل، و إما لكونها مانعة عن تحصيل الحياة الأخرويّة المذكورة في قوله: وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت/ 64]، و إمّا لميل النّفس بها إلى الاعتقادات الرّديئة ميل البدن المريض إلى الأشياء المضرّة، و لكون هذه الأشياء متصوّرة بصورة المرض قيل: دوي صدر فلان، و نغل قلبه.
وَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ:
 «وَ أَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ؟» «4».
و يقال: شمسٌ مَرِيضَةٌ: إذا لم تكن مضيئة لعارض عرض لها، و أَمْرَضَ فلان في قوله: إذا عرّض، و التَّمْرِيضُ القيام على المريض، و تحقيقه: إزالة المرض عن المريض كَالتَّقْذِيَةِ في إزالة القذى عن العين.
__________________________________________________
 (1) البيت للأعشى من قصيدة مطلعها:
         شاقتك من قتلة أطلالها             بالشط فالوتر إلى حاجر
و هو في ديوانه ص 96، و المساعد شرح تسهيل الفوائد 1/ 526.
 (2) هو حصن بدومة الجندل.
 (3) في مارد و الأبلق قالت الزّباء- و قد غزتهما فامتنعا عليها: تمرّد مارد، و عزّ الأبلق.
فصارت مثلا لكل عزيز ممتنع. انظر: معجم البلدان 5/ 38، و اللسان (مرد)، و تهذيب اللغة 14/ 119.
 (4) قال أبو هريرة: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «من سيدكم يا بني سلمة؟» قالوا: سيدنا جدّ بن قيس إلا أنّه رجل فيه بخل، فقال صلّى اللّه عليه و سلم: «و أيّ داء أدوأ من البخل!؟ بل سيدكم بشر بن البراء» أخرجه الحاكم في المستدرك 3/ 219، و قال:
صحيح على شرط مسلم، و أقرّه الذهبي.

765
مفردات ألفاظ القرآن

مرأ ص 766

مرأ
يقال: مَرْءٌ، و مَرْأَةٌ، و امْرُؤٌ، و امْرَأَةٌ. قال تعالى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ‏ [النساء/ 176]، وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً* [مريم/ 5].
و الْمُرُوءَةُ: كمال المرء، كما أنّ الرّجوليّة كمال الرّجل، و الْمَرِي‏ءُ: رأس المعدة و الكرش اللّاصق بالحلقوم، و مَرُؤَ الطعامُ و أَمْرَأَ: إذا تخصّص بالمري‏ء لموافقة الطّبع، قال تعالى:
فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء/ 4].
مرى‏
الْمِرْيَةُ: التّردّد في الأمر، و هو أخصّ من الشّكّ. قال تعالى: وَ لا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ‏ [الحج/ 55]، فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ [هود/ 109]، فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ‏ [السجدة/ 23]، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ‏ [فصلت/ 54] و الِامْتِرَاءُ و الْمُمَارَاةُ: المحاجّة فيما فيه مرية. قال تعالى:
قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ‏ [مريم/ 34]، بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ‏ [الحجر/ 63]، أَ فَتُمارُونَهُ عَلى‏ ما يَرى‏ [النجم/ 12]، فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً [الكهف/ 22] و أصله من: مَرَيْتُ النّاقةَ: إذا مسحت ضرعها للحلب.
مريم‏
مَرْيَمُ: اسم أعجميّ، اسم أمّ عيسى عليه السلام «1».
مزن‏
الْمُزْنُ: السّحاب المضي‏ء، و القطعة منه:
مُزْنَةٌ. قال تعالى: أَ أَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ‏ [الواقعة/ 69] و يقال للهلال الذي يظهر من خلال السّحاب: ابن مزنة، و فلان يَتَمَزَّنُ، أي: يتسخّى و يتشبّه بالمزن، و مَزَّنْتُ فلاناً: شبّهته بالمزن، و قيل: الْمَازِنُ:
بيض النمل.
مزج‏
مَزَجَ الشّرابَ: خلطه، و الْمِزَاجُ: ما يمزج به.
قال تعالى: كانَ مِزاجُها كافُوراً [الإنسان/ 5]، وَ مِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ‏ [المطففين/ 27]، كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلًا [الإنسان/ 17].
مسس‏
الْمَسُّ كاللّمس لكن اللَّمْسُ قد يقال لطلب الشي‏ء و إن لم يوجد، كما قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) فائدة: قال التلمساني: لم يذكر اللّه امرأة في القرآن باسمها إلا مريم، ذكرها في نحو ثلاثين موضعا. و الحكمة فيه:
أنّ الملوك و الأشراف لا يذكرون حرائر زوجاتهم بأسمائهن، بل يكنّون عنهم بالأهل و العيال و نحوه، فإذا ذكروا الإماء لم يكنّوا، و لم يحتشموا عن التصريح، فلذا صرّح باسمها إشارة إلى أنها أمة من إماء اللّه، و ابنها عبد من عبيد اللّه، ردّا على اليهود الذين قالوا في عيسى عليه السلام و أمه ما قالوا. انظر: شرح الشفاء للخفاجي 1/ 136.

766
مفردات ألفاظ القرآن

مسس ص 766

422-
         و ألمسه فلا أجده «1»
و الْمَسُّ يقال فيما يكون معه إدراك بحاسّة اللّمس، و كنّي به عن النكاح، فقيل: مَسَّهَا و مَاسَّهَا، قال تعالى: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ‏
 [البقرة/ 237]، و قال: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَ‏
 [البقرة/ 236]، و قرئ: ما لم تُمَاسُّوهُنَّ «2»، و قال: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ
 [آل عمران/ 47] و الْمَسِيسُ كناية عن النّكاح، و كنّي بالمسّ عن الجنون.
قال تعالى: الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ‏ [البقرة/ 275] و الْمَسُّ يقال في كلّ ما ينال الإنسان من أذى. نحو قوله: وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [البقرة/ 80]، و قال: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ [البقرة/ 214]، و قال: ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ [القمر/ 48]، مَسَّنِيَ الضُّرُّ [الأنبياء/ 83]، مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ‏ [ص/ 41]، مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا [يونس/ 21]، وَ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ‏ [الإسراء/ 67].
مسح‏
الْمَسْحُ: إمرار اليد على الشي‏ء، و إزالة الأثر عنه، و قد يستعمل في كلّ واحد منهما. يقال:
مَسَحْتُ يدي بالمنديل، و قيل للدّرهم الأطلس:
مَسِيحٌ، و للمكان الأملس: أَمْسَحُ، و مَسَحَ الأرضَ: ذرعها، و عبّر عن السّير بِالْمَسْحِ كما عبّر عنه بالذّرع، فقيل: مَسَحَ البعيرُ المفازةَ و ذرعها، و الْمَسْحُ في تعارف الشرع: إمرار الماء على الأعضاء. يقال: مَسَحْتُ للصلاة و تَمَسَّحْتُ، قال تعالى: وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ‏ [المائدة/ 6]. و مَسَحْتُهُ بالسيف: كناية عن الضرب، كما يقال: مسست، قال تعالى:
فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ‏ [ص/ 33]، و قيل سمّي الدّجّال مَسِيحاً، لأنّه مَمْسُوحٌ أحد شقّي وجهه، و هو أنه‏
رُوِيَ «أَنَّهُ لَا عَيْنَ لَهُ وَ لَا حَاجِبَ» «3».
و
قِيلَ: سُمِّيَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسِيحاً لِكَوْنِهِ مَاسِحاً فِي الْأَرْضِ.
أي: ذاهبا فيها، و ذلك أنه كان في زمانه قوم يسمّون المشّاءين و السّيّاحين لسيرهم في الأرض، و قيل: سمّي به لأنه كان يَمْسَحُ ذا العاهة فيبرأ، و قيل: سمّي بذلك لأنه خرج من بطن أمّه مَمْسُوحاً بالدّهن. و قال بعضهم «4»: إنما كان مشوحا بالعبرانيّة، فعرّب فقيل المسيح و كذا موسى كان موشى «5». و قال بعضهم: الْمَسِيحُ: هو
__________________________________________________
 (1) الشطر تقدّم في مادة (لمس).
 (2) و هي قراءة حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 159.
 (3) لم أجده في كتب الحديث، و ذكره الزمخشري في الفائق 3/ 366، و السمين في العمدة: مسح.
 (4) و هذا قول أبي عبيد، نقله عنه الأزهري في تهذيب اللغة 4/ 348.
 (5) انظر المنتخب من غريب كلام العرب 2/ 603.

767
مفردات ألفاظ القرآن

مسح ص 767

الذي مُسِحَتْ إحدى عينيه، و
قَدْ رُوِيَ: «أَنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْيُمْنَى» «1».
و
 «عِيسَى مَمْسُوحُ الْيُسْرَى» «2».
قال: و يعني بأنّ الدّجّال قد مسحت عنه القوّة المحمودة من العلم و العقل و الحلم و الأخلاق الجميلة، و أنّ عيسى مسحت عنه القوّة الذّميمة من الجهل و الشّره و الحرص و سائر الأخلاق الذّميمة. و كنّي عن الجماع بِالْمَسْحِ، كما كنّي عنه بالمسّ و اللّمس، و سمّي العرق القليل مَسِيحاً، و الْمَسْحُ: البِلَاسُ. جمعه:
مُسُوحٌ و أَمْسَاحٌ، و التِّمْسَاحُ معروف، و به شبّه المارد من الإنسان.
مسخ‏
الْمَسْخُ: تشويه الخلق و الخلق و تحويلهما من صورة إلى صورة. قال بعض الحكماء: المسخ ضربان: مسخ خاصّ يحصل في الفينة بعد الفينة و هو مسخ الخَلْقِ، و مسخ قد يحصل في كلّ زمان و هو مسخ الخُلُقِ، و ذلك أن يصير الإنسان متخلقا بخلق ذميم من أخلاق بعض الحيوانات. نحو أن يصير في شدّة الحرص كالكلب، و في الشّره كالخنزير، و في الغمارة كالثّور، قال: و على هذا أحد الوجهين في قوله تعالى: وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ [المائدة/ 60]، و قوله:
لَمَسَخْناهُمْ عَلى‏ مَكانَتِهِمْ‏ [يس/ 67]، يتضمّن الأمرين و إن كان في الأوّل أظهر، و الْمَسِيخُ من الطعام ما لا طعم له. قال الشاعر:
423-
         و أنت مَسِيخٌ كلحم الحوار «3»
و مَسَخْتُ الناقة: أنضيتها و أزلتها حتى أزلت خلقتها عن حالها، و الْمَاسِخِيُّ: القوّاس، و أصله كان قوّاس منسوبا إلى مَاسِخَةٍ، و هي قبيلة فسمّي كلّ قوّاس به، كما سمّي كلّ حدّاد بالهالكيّ.
مسد
الْمَسَدُ: ليف يتّخذ من جريد النخل، أي:
من غصنه فَيُمْسَدُ، أي: يفتل. قال تعالى:
حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ [المسد/ 5]، و امرأةٌ مَمْسُودَةٌ: مطويّة الخلق كالحبل الممسود.
مسك‏
إِمْسَاكُ الشي‏ء: التعلّق به و حفظه. قال تعالى: فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ‏ [البقرة/ 229]، و قال: وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ‏ [الحج/ 65]، أي: يحفظها،
__________________________________________________
 (1) عن ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أنّه سئل عن الدجال فقال: «ألا إنّ ربكم ليس بأعور، ألا و إنّه أعور، عينه اليمنى كأنها عنبة طافية» أخرجه الترمذي، و قال: حديث صحيح غريب. (انظر: عارضة الأحوذي 9/ 96).
 (2) و هذا من الأباطيل التي لا تصح، فإنّ الأنبياء من شروطهم سلامة الحواس، و كمال الخلقة، و البعد عن الأمور المنفّرة، و لو كان عيسى كذلك لكان مشوّها، حاشاه عن ذلك.
 (3) الشطر للأشعر الرقباني، و عجزه:
         فلا أنت حلو و لا أنت مر

و هو في المجمل 3/ 831، و اللسان (مسخ)، و البصائر 4/ 506.

768
مفردات ألفاظ القرآن

مسك ص 768

و اسْتَمْسَكْتُ بالشي‏ء: إذا تحرّيت الإمساك. قال تعالى: فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ‏ [الزخرف/ 43]، و قال: أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ‏ [الزخرف/ 21]، و يقال: تمَسَّكْتُ به و مَسَكْتُ به، قال تعالى:
وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة/ 10].
يقال: أَمْسَكْتُ عنه كذا، أي: منعته. قال:
هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ‏ [الزمر/ 38]، و كنّي عن البخل بالإمساك. و الْمُسْكَةُ من الطعام و الشراب: ما يُمْسِكُ الرّمقَ، و الْمَسَكُ: الذَّبْلُ المشدود على المعصم، و الْمَسْكُ: الجِلْدُ الممسكُ للبدن.
مشج‏
قال تعالى: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ‏ [الإنسان/ 2]. أي: أخلاط من الدّم، و ذلك عبارة عمّا جعله اللّه تعالى بالنّطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ إلى قوله خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون/ 12- 14] «1».
مشى‏
الْمَشْيُ: الانتقال من مكان إلى مكان بإرادة. قال اللّه تعالى: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ‏ [البقرة/ 20]، و قال: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى‏ بَطْنِهِ‏ [النور/ 45]، إلى آخر الآية. يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان/ 63]، فَامْشُوا فِي مَناكِبِها [الملك/ 15]، و يكنّى بِالْمَشْيِ عن النّميمة. قال تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‏ [القلم/ 11]، و يكنّى به عن شرب المسهل، فقيل: شربت مَشْياً و مَشْواً، و الْمَاشِيَةُ: الأغنام، و قيل: امرأة مَاشِيَةٌ: كثر أولادها.
مصر
الْمِصْرُ اسم لكلّ بلد مَمْصُورٍ، أي: محدود، يقال: مَصَرْتُ مَصْراً. أي: بنيته، و الْمِصْرُ:
الحدُّ، و كان من شروط هجر: اشترى فلان الدّار بِمُصُورِهَا. أي: حدودها «2». قال الشاعر:
424-
         و جاعل الشمس مِصْراً لا خفاء به             بين النهار و بين الليل قد فصلا «3»

و قوله تعالى: اهْبِطُوا مِصْراً [البقرة/ 61] فهو البلد المعروف، و صرفه لخفّته، و قيل:
بل عنى بلدا من البلدان. و الْمَاصِرُ: الحاجز بين الماءين، و مَصَرْتُ الناقةَ: إذا جمعت أطراف الأصابع على ضرعها فحلبتها، و منه قيل: لهم‏
__________________________________________________
 (1) الآية: و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين* ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين* ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين (سورة المؤمنون: آيات 12- 14).
 (2) قال ابن فارس: و يقال: إنّ أهل هجر يكتبون في شروطهم: اشترى فلان الدار بمصورها، أي: بحدودها. انظر:
المجمل 3/ 833.
 (3) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص 159، و البصائر 4/ 509، و المجمل 3/ 833، و اللسان (مصر)، و نسبه لأميّة.

769
مفردات ألفاظ القرآن

مصر ص 769

غلة يَمْتَصِرُونَهَا «1». أي: يحتلبون منها قليلا قليلا، و ثوب مُمَصَّرٌ: مُشَبَّع الصَّبْغ، و ناقة مَصُورٌ: مانع للّبن لا تسمح به، و
قَالَ الْحَسَنُ: لَا بَأْسَ بِكَسْبِ التَّيَّاسِ مَا لَمْ يَمْصُرْ وَ لَمْ يَبْسِرْ «2».
أي: يحتلب بإصبعيه، و يبسر على الشاة قبل وقتها. و الْمَصِيرُ: المِعَى، و جمعه مُصْرَانٌ، و قيل:
بل هو مفعل من صار، لأنه مستقرّ الطعام.
مضغ‏
الْمُضْغَةُ: القطعة من اللّحم قدر ما يُمْضَغُ و لم ينضج. قال الشاعر:
425-
         يلجلج مُضْغَةً فيها أنيض «3»


أي: غير منضج، و جعل اسما للحالة التي ينتهي إليها الجنين بعد العلقة. قال تعالى:
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً [المؤمنون/ 14]، و قال: مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ [الحج/ 5]. و الْمُضَاغَةُ: ما يبقى عن المَضْغ في الفم، و الْمَاضِغَانِ: الشّدقان لمضغهما الطّعام، و الْمَضَائِغُ: العقبات اللّواتي على طرفي هيئة القوس الواحدة مَضِيغَةٌ.
مضى‏
الْمُضِيُّ و الْمَضَاءُ: النّفاذ، و يقال ذلك في الأعيان و الأحداث. قال تعالى: وَ مَضى‏ مَثَلُ الْأَوَّلِينَ‏ [الزخرف/ 8]، فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ‏ [الأنفال/ 38].
مطر
الْمَطَرُ: الماء المنسكب، و يومٌ مَطِيرٌ و مَاطِرٌ، و مُمْطِرٌ، و وادٍ مَطِيرٌ. أي: مَمْطُورٌ، يقال: مَطَرَتْنَا السماءُ و أَمْطَرَتْنَا، و ما مُطِرَتْ منه بخير، و قيل: إنّ «مَطَرَ» يقال في الخير، و «أَمْطَرَ» في العذاب، قال تعالى: وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ* [الشعراء/ 173]، وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ‏ [الأعراف/ 84]، وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً [الحجر/ 74]، فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ [الأنفال/ 32]، و مَطَّرَ، و تَمَطَّرَ: ذهب في الأرض ذهاب المطر، و فرسٌ مُتَمَطِّرٌ. أي: سريع كالمطر، و الْمُسْتَمْطِرُ: طالب المطر و المكان الظاهر للمطر، و يعبّر به عن طالب الخير، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) قال في اللسان: و التمصر: حلب بقايا اللبن في الضرع بعد الدّر، و صار مستعملا في تتبع القلّة. يقولون:
يمتصرونها. اللسان (مصر).
و قال الزمخشري: و منه قولهم: لبني فلان غلّة يمتصرونها، أي: لا تجدي عليه تلك الكلمة، و هو يهلك إن نشرت عنه. انظر: الفائق 3/ 370.
 (2) راجع: النهاية لابن الأثير 1/ 126، 4/ 336.
 (3) الشطر لزهير في ديوانه ص 14، و عجزه:
         أصلّت فهي تحت الكشح داء

و قد تقدم في مادة (لج).

770
مفردات ألفاظ القرآن

مطر ص 770

426-
         فؤاد خطاء و واد مَطِرٍ «1»
مطى‏
قال تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى‏ أَهْلِهِ يَتَمَطَّى‏
 [القيامة/ 33] أي: يمدّ مَطَاهُ، أي: ظهرَه، و الْمَطِيَّةُ: ما يركب مطاه من البعير، و قد امْتَطَيْتُهُ ركبت مطاه، و الْمِطْوُ: الصاحبُ المعتمد عليه، و تسميته بذلك كتسميته بالظّهر.
مع‏
 «2» «مَعَ» يقتضي الاجتماع إمّا في المكان: نحو:
هما مَعاً في الدار، أو في الزمان. نحو: ولدا معا، أو في المعنى كالمتضايفين نحو: الأخ و الأب، فإن أحدهما صار أخا للآخر في حال ما صار الآخر أخاه، و إما في الشّرف و الرّتبة. نحو:
نحوهما معا في العلوّ، و يقتضي معنى النّصرة [و أنّ المضاف إليه لفظ «مع» هو المنصور] «3» نحو قوله تعالى: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة/ 40] أي: الذي مع يضاف إليه في قوله: اللّه معنا هو منصور. أي: ناصرنا، و قوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا [النحل/ 128]، وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ‏ [الحديد/ 4]، و إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ* [البقرة/ 153]، و أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ* [البقرة/ 194] و قوله عن موسى:
إِنَّ مَعِي رَبِّي‏ [الشعراء/ 62]. و رجلٌ إِمَّعَةٌ: من شأنه أن يقول لكلّ واحد: أنا معك.
و الْمَعْمَعَةُ: صوت الحريق و الشّجعان في الحرب، و الْمَعْمَعَانُ: شدّة الحرب.
معز
قال تعالى: وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ‏ [الأنعام/ 143] و الْمَعِيزُ: جماعة المعز، كما يقال: ضَئِينٌ لجماعة الضّأن، و رجل مَاعِزٌ: معصوب الخلق، و الْأَمْعَزُ و الْمِعْزَاءُ: المكان الغليظ، و اسْتَمْعَزَ في أمره: جدّ «4».
معن‏
مَاءٌ مَعِينٌ. هو من قولهم: مَعَنَ الماءُ: جرى، فهو معين، و مجاري الماء مُعْنَانٌ، و أَمْعَنَ الفرسُ: تباعد في عدوه، و أَمْعَنَ بحقّي: ذهب، و فلان مَعَنَ في حاجته، و قيل: ماء معين «5» هو من العين، و الميم زائدة فيه.
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت لامرئ القيس، و صدره:
         لها و ثبات كوثب الظباء

و هو من قصيدة مطلعها:
         أحار بن عمرو كأني خمر             و يعدو على المرء ما يأتمر
و هو في ديوانه ص 72.
 (2) نقل الزركشي هذا الباب في البرهان 4/ 428.
 (3) ما بين [] نقله السيوطي في معترك الأقران 2/ 555.
 (4) انظر: الجمهرة 3/ 34، و المجمل 3/ 835.
 (5) انظر اللسان: عين.

771
مفردات ألفاظ القرآن

مقت ص 772

مقت‏
الْمَقْتُ: البغض الشديد لمن تراه تعاطى القبيح. يقال: مَقَتَ مَقَاتَةً فهو مَقِيتٌ، و مَقَّتَهُ فهو مَقِيتٌ و مَمْقُوتٌ. قال تعالى: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ مَقْتاً وَ ساءَ سَبِيلًا [النساء/ 22] و كان يسمّى تزوّج الرّجل امرأة أبيه نكاح المقت، و أما المقيت فمفعل من القوت، و قد تقدّم «1».
مكك‏
اشتقاق مَكَّةَ من: تَمَكَّكْتُ العظم: أخرجت مخّه، و امْتَكَّ الفصيل ما في ضرع أمّه، و عبّر عن الاستقصاء بِالتَّمَكُّكِ و
رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَمُكُّوا عَلَى غُرَمَائِكُمْ» «2».
و تسميتها بذلك لأنها كانت تمكّ من ظلم بها. أي: تدقّه و تهلكه «3». قال الخليل «4»: سمّيت بذلك لأنها وسط الأرض كالمخّ الذي هو أصل ما في العظم، و الْمَكُّوكُ: طاس يشرب به و يكال كالصّواع.
مكث‏
الْمُكْثُ: ثبات مع انتظار، يقال: مَكَثَ مكثا.
قال تعالى: فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ [النمل‏] [22]، و قرئ: مَكُثَ «5»، قال: إِنَّكُمْ ماكِثُونَ‏ [الزخرف/ 77]، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا* [القصص/ 29].
مكر
الْمَكْرُ: صرف الغير عمّا يقصده بحيلة، و ذلك ضربان: مكر محمود، و ذلك أن يتحرّى بذلك فعل جميل، و على ذلك قال: وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ* [آل عمران/ 54]. و مذموم، و هو أن يتحرّى به فعل قبيح، قال تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ [فاطر/ 43]، وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال/ 30]، فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ‏ [النمل/ 51]. و قال في الأمرين: وَ مَكَرُوا مَكْراً وَ مَكَرْنا مَكْراً [النمل/ 50] و قال بعضهم: من مكر اللّه إمهال العبد و تمكينه من أعراض الدّنيا، و لذلك‏
قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ وُسِّعَ عَلَيْهِ دُنْيَاهُ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُكِرَ بِهِ فَهُوَ مَخْدُوعٌ عَنْ عَقْلِهِ «6».
مكن‏
الْمَكَانُ عند أهل اللّغة: الموضع الحاوي‏
__________________________________________________
 (1) راجع: مادة (قوت).
 (2) الحديث أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث 3/ 122، و الفائق 3/ 42.
 (3) قال ابن منظور: سميت مكة لأنها كانت تمك من ظلم فيها و ألحد. أي: تهلكه. قال الراجز:
         يا مكة، الفاجر مكّي مكّا             و لا تمكّي مذحجا و عكّا.
 (4) العين 2/ 287.
 (5) و هي قراءة جميع القرّاء إلا عاصما و روحا. الإتحاف ص 335.
 (6) انظر: البصائر 4/ 516، و تفسير الراغب ورقة 139.

772
مفردات ألفاظ القرآن

مكن ص 772

للشي‏ء، و عند بعض المتكلّمين أنّه عرض، و هو اجتماع جسمين حاو و محويّ، و ذلك أن يكون سطح الجسم الحاوي محيطا بالمحويّ، فالمكان عندهم هو المناسبة بين هذين الجسمين. قال: مَكاناً سُوىً‏ [طه/ 58]، وَ إِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً [الفرقان/ 13] و يقال: مَكَّنْتُهُ و مَكَّنْتُ له فَتَمَكَّنَ، قال: وَ لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ‏ [الأعراف/ 10]، وَ لَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ‏ [الأحقاف/ 26]، أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ‏ [القصص/ 57]، وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ‏ [القصص/ 6]، وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ‏ [النور/ 55]، و قال: فِي قَرارٍ مَكِينٍ* [المؤمنون/ 13]. و أَمْكَنْتُ فلانا من فلان، و يقال: مكان و مَكَانَةٌ. قال تعالى:
اعْمَلُوا عَلى‏ مَكانَتِكُمْ* [هود/ 93] و قرئ:
على مَكَانَاتِكُمْ «1»، و قوله: ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ‏ [التكوير/ 20] أي:
مُتَمَكِّنٌ ذي قدر و منزلة. و مَكَنَاتُ الطّيرِ و مَكُنَاتُهَا:
مقارّه، و الْمَكْنُ: بيض الضّبّ، و بَيْضٌ مَكْنُونٌ‏ [الصافات/ 49]. قال الخليل «2»:
المكان مفعل من الكون، و لكثرته في الكلام أجري مجرى فعال «3»، فقيل: تمكّن و تمسكن، نحو: تمنزل.
مكا
مَكَا الطّير يَمْكُو مُكَاءً: صفر، قال تعالى:
وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَ تَصْدِيَةً [الأنفال/ 35] تنبيها أن ذلك منهم جار مجرى مكاء الطّير في قلّة الغناء، و الْمُكَّاءُ:
طائر، و مَكَتِ استه: صوّتت.
ملل‏
الْمِلَّةُ كالدّين، و هو اسم لما شرع اللّه تعالى لعباده على لسان الأنبياء ليتوصّلوا به إلى جوار اللّه، و الفرق بينها و بين الدّين أنّ الملّة لا تضاف إلّا إلى النّبيّ عليه الصلاة و السلام الذي تسند إليه.
نحو: فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ‏ [آل عمران/ 95]، وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي‏ [يوسف/ 38] و لا تكاد توجد مضافة إلى اللّه، و لا إلى آحاد أمّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم، و لا تستعمل إلّا في حملة الشّرائع دون آحادها، لا يقال: ملّة اللّه، و لا يقال: ملّتي و ملّة زيد كما يقال: دين اللّه و دين زيد، و لا يقال: الصلاة ملّة اللّه. و أصل الملّة من: أَمْلَلْتُ الكتاب، قال تعالى: وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ‏ [البقرة/ 282]، فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ‏
__________________________________________________
 (1) و بها قرأ شعبة عن عاصم. انظر: الإتحاف ص 260.
 (2) العين 5/ 387.
 (3) و هذا النقل عن التهذيب 10/ 294.
و قال ثعلب: يبطل أن يكون مكان فعالا، لأنّ العرب تقول: كن مكانك، و قم مكانك، و اقعد مقعدك. فقد دلّ هذا على أنه مصدر من «كان» أو موضع منه. انظر: اللسان (مكن).

773
مفردات ألفاظ القرآن

ملل ص 773

الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ‏ [البقرة/ 282] و تقال الْمِلَّةُ اعتبارا بالشي‏ء الذي شرعه اللّه. و الدّين يقال اعتبارا بمن يقيمه إذ كان معناه الطاعة. و يقال: خبزُ مَلَّةٍ، و مَلَّ خبزَه يَمَلُّهُ مَلًّا، و الْمَلِيلُ: ما طرح في النار، و الْمَلِيلَةُ: حرارة يجدها الإنسان، و مَلِلْتُ الشي‏ءَ أَمَلُّهُ «1»: أعرضت عنه. أي: ضجرت، و أَمْلَلْتُهُ من كذا: حملته على أن ملّ. من‏
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «تَكَلَّفُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» «2».
فإنه لم يثبت للّه مَلَالًا بل القصد أنّكم تملّون و اللّه لا يملّ.
ملح‏
الْمِلْحُ: الماء الذي تغيّر طعمه التّغيّرَ المعروفَ و تجمّد، و يقال له مِلْحٌ إذا تغيّر طعمه، و إن لم يتجمّد، فيقال: ماءٌ مِلْحٌ. و قلّما تقول العرب: ماءٌ مَالِحٌ «3». قال اللّه تعالى: وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ* [الفرقان/ 53] و مَلَّحْتُ القدرَ:
ألقيت فيها الملح، و أَمْلَحْتُهَا: أفسدتها بالملح، و سمكٌ مَلِيحٌ، ثم استعير من لفظ الملح الْمَلَاحَةُ، فقيل: رجل مليح، و ذلك راجع إلى حسن يغمض إدراكه.
ملك‏
الْمَلِكُ: هو المتصرّف بالأمر و النّهي في الجمهور، و ذلك يختصّ بسياسة الناطقين، و لهذا يقال: مَلِكُ الناسِ، و لا يقال: مَلِك الأشياءِ، و قوله: مَلِكِ يومِ الدّين [الفاتحة/ 3] فتقديره: الملك في يوم الدين، و ذلك لقوله:
لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر/ 16]. وَ الْمِلْكُ ضربان: مِلْك هو التملك و التّولّي، و مِلْك هو القوّة على ذلك، تولّى أو لم يتولّ. فمن الأوّل قوله: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها [النمل/ 34]، و من الثاني قوله: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً

__________________________________________________
 (1) انظر: الأفعال 4/ 144.
 (2) الحديث عن عائشة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم دخل عليها، و عندها امرأة. قال: من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها. قال:
 «مه، عليكم بما تطيقون، فو اللّه لا يملّ اللّه حتى تملوا» أخرجه البخاري في الإيمان (فتح الباري 1/ 101)، و مسلم برقم (1158).
 (3) و استعمل هذا اللفظ الإمام الشافعي كما حكاه المزني عنه حيث قال: (فكلّ ماء من بحر عذب أو مالح) انظر:
مختصر المزني 1/ 2.
و أنكر بعض اللغويين هذا على الشافعي، و قالوا: تقول العرب: ماء ملح و سمك ملح، و لا تقول: ماء مالح.
و ردّهم مردود بما حكاه أبو عمر الزاهد غلام ثعلب قال: سمعت ثعلبا يقول: كلام العرب: ماء ملح و سمك ملح، و قد جاء عن العرب: ماء مالح، و سمك مالح، و أنشد:
         بصرية تزوجت بصريا             يطعمها المالح و الطريا

انظر: الرد على الانتقاد على الشافعي ص 35، و تهذيب اللغة 5/ 99.

774
مفردات ألفاظ القرآن

ملك ص 774

[المائدة/ 20] فجعل النّبوّة مخصوصة و المِلْكَ عامّا، فإن معنى الملك هاهنا هو القوّة التي بها يترشّح للسياسة، لا أنه جعلهم كلّهم متولّين للأمر، فذلك مناف للحكمة كما قيل: لا خير في كثرة الرّؤساء. قال بعضهم: الْمَلِكُ اسم لكلّ من يملك السياسة، إما في نفسه و ذلك بالتّمكين من زمام قواه و صرفها عن هواها، و إما في غيره سواء تولّى ذلك أو لم يتولّ على ما تقدّم، و قوله:
فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [النساء/ 54]. و الْمُلْكُ: الحقّ الدّائم للّه، فلذلك قال: لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ [التغابن/ 1]، و قال: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [آل عمران/ 26] فَالْمُلْكُ ضبط الشي‏ء المتصرّف فيه بالحكم، و الْمِلْكُ كالجنس للمُلْكِ، فكلّ مُلْك مِلْك، و ليس كلّ مِلْك مُلْكا. قال: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ [آل عمران/ 26]، وَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً [الفرقان/ 3]، و قال:
أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ [يونس/ 31]، قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا [الأعراف/ 188] و في غيرها من الآيات. و الْمَلَكُوتُ: مختصّ بملك اللّه تعالى، و هو مصدر مَلَكَ أدخلت فيه التاء. نحو: رحموت و رهبوت، قال: وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأنعام/ 75]، و قال:
أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأعراف/ 185] و الْمَمْلَكَةُ: سلطان المَلِك و بقاعه التي يَتَمَلَّكُهَا، و الْمَمْلُوكُ يختصّ في التّعارف بالرقيق من الأملاك، قال: عَبْداً مَمْلُوكاً [النحل/ 75] و قد يقال: فلان جواد بمملوكه. أي: بما يتملّكه، و الْمِلْكَةُ تختصّ بمِلْك العبيد، و يقال: فلان حسن الْمِلْكَةِ. أي:
الصّنع إلى مَمَالِيكِهِ، و خصّ ملك العبيد في القرآن باليمين، فقال: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ‏ [النور/ 58]، و قوله: أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ‏ [النساء/ 3]، أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ‏ [النور/ 31] و مملوك مقرّ بِالْمُلُوكَةِ و المِلْكَةِ و المِلْكِ، و مِلَاكُ الأمرِ: ما يعتمد عليه منه. و قيل: القلب ملاك الجسد، و الْمِلَاكُ:
التّزويج، و أَمْلَكُوهُ: زوّجوه، شبّه الزّوج بِمَلِكٍ عليها في سياستها، و بهذا النظر قيل: كاد العروس أن يكون مَلِكاً «1»
. و مَلِكُ الإبل و الشاء ما يتقدّم و يتّبعه سائره تشبيها بالملك، و يقال: ما لأحد في هذا مَلْكٌ و مِلْكٌ غيري. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) انظر: مجمع الأمثال 2/ 158، و العين 5/ 380.

775
مفردات ألفاظ القرآن

ملك ص 774

ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا [طه/ 87] «1» و قرئ بكسر الميم «2»، و مَلَكْتُ العجينَ: شددت عجنه، و حائط ليس له مِلَاكٌ. أي: تماسك و أما الْمَلَكُ فالنحويون جعلوه من لفظ الملائكة، و جعل الميم فيه زائدة. و قال بعض المحقّقين:
هو من المِلك، قال: و المتولّي من الملائكة شيئا من السّياسات يقال له: مَلَكٌ بالفتح، و من البشر يقال له: مَلِكٌ بالكسر، فكلّ مَلَكٍ ملائكة و ليس كلّ ملائكة ملكا، بل الملك هو المشار إليه بقوله: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات/ 5]، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً [الذاريات/ 4]، وَ النَّازِعاتِ [النازعات/ 1] و نحو ذلك، و منه: ملك الموت، قال: وَ الْمَلَكُ عَلى‏ أَرْجائِها [الحاقة/ 17]، عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ‏ [البقرة/ 102]، قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ‏ [السجدة/ 11].
ملأ
الْمَلَأُ: جماعة يجتمعون على رأي، فيملئون العيون رواء و منظرا، و النّفوس بهاء و جلالا. قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ‏ [البقرة/ 246]، و قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ* [الأعراف/ 60]، إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ‏ [القصص/ 20]، قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ‏ [النمل/ 29]، و غير ذلك من الآيات. يقال: فلان مِلْ‏ءُ العيونِ. أي: معظّم عند من رآه، كأنه ملأ عينه من رؤيته، و منه: قيل شابّ مَالِئُ العينِ «3»، و الْمَلَأُ: الخلق الْمَمْلُوءُ جمالا، قال الشاعر:
427-
         فقلنا أحسني مَلَأً جهينا «4»
و مَالَأْتُهُ: عاونته و صرت من ملئه. أي:
جمعه. نحو: شايعته. أي: صرت من شيعته، و يقال: هو مَلِي‏ءٌ بكذا. و الْمُلَاءَةُ: الزّكام الذي يملأ الدّماغ، يقال: مُلِئَ فلانٌ و أُمْلِئَ، و الْمِلْ‏ءُ:
مقدار ما يأخذه الإناء الْمُمْتَلِئُ، يقال: أعطني ملأه و مِلْأَيْهِ و ثلاثة أَمْلَائِهِ.
ملا
الْإِمْلَاءُ: الإمداد، و منه قيل للمدّة الطويلة مَلَاوَةٌ من الدّهر، و مَلِيٌّ من الدّهر، قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة نافع و عاصم و أبي جعفر.
 (2) و هي قراءة ابن كثير و ابن عامر و أبي عمرو و يعقوب، و قرأ حمزة و الكسائي و خلف بضم الميم.
انظر: الإتحاف ص 306.
 (3) قال ابن منظور: و شاب مالئ العين: إذا كان فخما حسنا. اللسان (ملأ).
 (4) هذا عجز بيت، و صدره:
         تنادوا: يا لبهثة إذ رأونا

و هو لعبد الشارق بن عبد العزى الجهني، و هو في شرح الحماسة 2/ 20، و اللسان (ملأ)، و المجمل 3/ 838، و شرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 308، و تفسير الراغب ورقة 165.

776
مفردات ألفاظ القرآن

ملا ص 776

وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم/ 46] و تَمَلَّيْتَ دهراً:
أبقيت، و تَمَلَّيْتُ الثَّوبَ: تمتّعت به طويلا، و تَمَلَّى بكذا: تمتّع به بملاوة من الدّهر، و مَلَاكَ اللّهُ غير مهموز: عمّرك، و يقال: عشت مَلِيّاً.
أي: طويلا، و الْمَلَا مقصور: المفازة الممتدّة «1»، و الْمَلَوَانِ قيل: الليل و النهار، و حقيقة ذلك تكرّرهما و امتدادهما، بدلالة أنهما أضيفا إليهما في قول الشاعر:
428-
         نهار و ليل دائم مَلَوَاهُمَا             على كلّ حال المرء يختلفان «2»

فلو كانا الليل و النهار لما أضيفا إليهما. قال تعالى: وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ* [الأعراف/ 183] أي: أمهلهم، و قوله:
الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلى‏ لَهُمْ‏ [محمد/ 25] أي: أمهل، و من قرأ: أُمْلِي لهم «3» فمن قولهم: أَمْلَيْتُ الكتابَ أُمْلِيهِ إملاءً. قال تعالى: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ‏ [آل عمران/ 178]. و أصل أمليت: أمللت، فقلب تخفيفا قال تعالى: فَهِيَ تُمْلى‏ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَ أَصِيلًا [الفرقان/ 5]، و في موضع آخر: فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة/ 282].
منن‏
الْمَنُّ: ما يوزن به، يقال: مَنٌّ، و مَنَّانِ، و أَمْنَانٌ، و ربّما أبدل من إحدى النّونين ألف فقيل: مَناً و أَمْنَاءٌ، و يقال لما يقدّر: مَمْنُونٌ كما يقال: موزون، و الْمِنَّةُ: النّعمة الثّقيلة، و يقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: مَنَّ فلان على فلان: إذا أثقله بالنّعمة، و على ذلك قوله: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ‏ [آل عمران/ 164]، كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ‏ [النساء/ 94]، وَ لَقَدْ مَنَنَّا عَلى‏ مُوسى‏ وَ هارُونَ‏ [الصافات/ 114]، يَمُنُّ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ [إبراهيم/ 11]، وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا [القصص/ 5]، و ذلك على الحقيقة لا يكون إلّا للّه تعالى. و الثاني: أن يكون ذلك بالقول، و ذلك مستقبح فيما بين الناس إلّا عند كفران النّعمة، و لقبح ذلك قيل: الْمِنَّةُ تهدم الصّنيعة «4»
، و لحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النّعمة حسنت المنّة. و قوله: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ‏

__________________________________________________
 (1) انظر: المقصور و الممدود للفراء ص 48.
 (2) البيت في اللسان (ملا) دون نسبة. و هو لابن مقبل من قصيدة مطلعها:
         ألا يا دار الحيّ بالسّبعان             أملّ عليها بالبلى الملوان‏
و هو في ديوانه ص 336، و جنى الجنتين ص 108.
 (3) و هي قراءة يعقوب، بضم الهمزة و كسر اللام، و سكون الياء، و قرأ أبو عمرو كذلك إلا أنّه فتح الياء. الإتحاف ص 394.
 (4) انظر أمثال أبي عبيد ص 66، و مجمع الأمثال 2/ 287، و المستقصى 1/ 350.

777
مفردات ألفاظ القرآن

منن ص 777

أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ‏ [الحجرات/ 17] فالمنّة منهم بالقول، و منّة اللّه عليهم بالفعل، و هو هدايته إيّاهم كما ذكر، و قوله: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً [محمد/ 4] فَالْمَنُّ إشارة إلى الإطلاق بلا عوض. و قوله:
هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ [ص/ 39] أي: أنفقه، و قوله: وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ [المدثر/ 6] فقد قيل: هو المنّة بالقول، و ذلك أن يَمْتَنَّ به و يستكثره، و قيل معناه: لا تعط مبتغيا به أكثر منه، و قوله: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ* [الانشقاق/ 25] قيل: غير معدود كما قال: بِغَيْرِ حِسابٍ* «1» [الزمر/ 10] و قيل: غير مقطوع «2» و لا منقوص. و منه قيل:
الْمَنُونُ لِلْمَنِيَّةِ، لأنها تنقص العدد و تقطع المدد.
و قيل: إنّ المنّة التي بالقول هي من هذا، لأنها تقطع النّعمة و تقتضي قطع الشّكر، و أمّا المنّ في قوله: وَ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى‏ [البقرة/ 57] فقد قيل: المنّ شي‏ء كالطّلّ فيه حلاوة يسقط على الشجر، و السّلوى: طائر، و قيل:
المنّ و السّلوى، كلاهما إشارة إلى ما أنعم اللّه به عليهم، و هما بالذّات شي‏ء واحد لكن سماه منّا بحيث إنه امْتَنَّ به عليهم، و سماه سلوى من حيث إنّه كان لهم به التّسلّي. و مَنْ عبارة عن النّاطقين، و لا يعبّر به عن غير النّاطقين إلا إذا جمع بينهم و بين غيرهم، كقولك: رأيت مَنْ في الدّار من النّاس و البهائم، أو يكون تفصيلا لجملة يدخل فيهم النّاطقون، كقوله تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي‏ الآية [النور/ 45]. و لا يعبّر به عن غير النّاطقين إذا انفرد، و لهذا قال بعض المحدثين «3» في صفة أغتام نفى عنهم الإنسانية:
         تخطئ إذا جئت في استفهامه بِمَنْ‏

تنبيها أنّهم حيوان أو دون الحيوان. و يعبّر به عن الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث. قال تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ* [الأنعام/ 25]، و في أخرى: مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ‏ [يونس/ 42] و قال: وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً [الأحزاب/ 31]. و:
مِنْ لابتداء الغاية، و للتّبعيض، و للتّبيين، و تكون لاستغراق الجنس في النّفي و الاستفهام. نحو:
فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ [الحاقة/ 47].
و للبدل. نحو: خذ هذا من ذلك. أي: بدله، قال تعالى: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ

__________________________________________________
 (1) الآية: إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب.
 (2) مجاز القرآن 2/ 292.
 (3) عجز بيت نسبه المؤلف في الذريعة ص 24 للمتنبّي، و لم أجده في ديوانه، و صدره:
          [حولي بكلّ مكان منهم خلق‏].

778
مفردات ألفاظ القرآن

منن ص 777

 [إبراهيم/ 37]، (فمن) اقتضى التّبعيض، فإنه كان نزل فيه بعض ذرّيته، و قوله: مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ [النور/ 43] قال: تقديره أنه ينزّل من السّماء جبالا، فمن الأولى ظرف، و الثانية في موضع المفعول، و الثالثة للتّبيين كقولك: عنده جبال من مال. و قيل: يحتمل أن يكون قوله:
 «من جبال» نصبا على الظّرف على أنه ينزّل منه، و قوله: مِنْ بَرَدٍ نصب. أي: ينزّل من السماء من جبال فيها بردا، و قيل: يصحّ أن يكون موضع من في قوله: مِنْ بَرَدٍ رفعا، و مِنْ جِبالٍ نصبا على أنه مفعول به، كأنه في التّقدير: و ينزّل من السّماء جبالا فيها برد، و يكون الجبال على هذا تعظيما و تكثيرا لما نزل من السّماء. و قوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ [المائدة/ 4]، قال أبو الحسن: من زائدة «1»، و الصّحيح أنّ تلك ليست بزائدة، لأن بعض ما يمسكن لا يجوز أكله كالدّم و الغدد و ما فيها من القاذورات المنهيّ عن تناولها.
منع‏
الْمَنْعُ يقال في ضدّ العطيّة، يقال: رجل مَانِعٌ و مَنَّاعٌ. أي: بخيل. قال اللّه تعالى: وَ يَمْنَعُونَ‏ الْماعُونَ [الماعون/ 7]، و قال: مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ* [ق/ 25]، و يقال في الحماية، و منه:
مكان مَنِيعٌ، و قد مَنَعَ و فلان ذو مَنَعَةٍ. أي: عزيز مُمْتَنِعٌ على من يرومه. قال تعالى: أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ [النساء/ 141]، وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ‏ [البقرة/ 114]، ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ‏ [الأعراف/ 12] أي: ما حملك؟
و قيل: ما الذي صدّك و حملك على ترك ذلك؟
يقال: امرأة مَنِيعَةٌ كناية عن العفيفة. و قيل:
مَنَاعِ. أي: امنع، كقولهم: نَزَالِ. أي: انْزِلْ.
منى‏
الْمَنَى: التّقدير. يقال: مَنَى لك الْمَانِي، أي: قدّر لك المقدّر، و منه: الْمَنَا الذي يوزن به فيما قيل، و الْمَنِيُّ للذي قدّر به الحيوانات. قال تعالى: أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى‏ [القيامة/ 37]، مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى‏ [النجم/ 46] أي: تقدّر بالعزّة الإلهية ما لم يكن منه، و منه: الْمَنِيَّةُ، و هو الأجل المقدّر للحيوان، و جمعه: مَنَايَا، و التَّمَنِّي: تقدير شي‏ء في النّفس و تصويره فيها، و ذلك قد يكون عن تخمين و ظنّ، و يكون عن رويّة و بناء على أصل، لكن لمّا كان‏
__________________________________________________
 (1) و عبارته: أدخل «من» كما أدخله في قوله: كان من حديث، و قد كان من مطر، و قوله: و يكفّر عنكم من سيّئاتكم و ينزّل من السّماء من جبال فيها من برد و هو فيما فسّر: ينزّل من السماء جبالا فيها برد. انظر:
معاني القرآن لأبي الحسن الأخفش 1/ 254.

779
مفردات ألفاظ القرآن

منى ص 779

أكثره عن تخمين صار الكذب له أملك، فأكثر التَّمَنِّي تصوّر ما لا حقيقة له. قال تعالى: أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى‏ [النجم/ 24]، فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ* [البقرة/ 94]، وَ لا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً [الجمعة/ 7] و الْأُمْنِيَّةُ: الصّورة الحاصلة في النّفس من تمنّي الشي‏ء، و لمّا كان الكذب تصوّر ما لا حقيقة له و إيراده باللفظ صار التّمنّي كالمبدإ للكذب، فصحّ أن يعبّر عن الكذب بالتّمنّي، و على ذلك ما
رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
 (مَا تَغَنَّيْتُ وَ لَا تَمَنَّيْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ) «1».
و قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَ‏ [البقرة/ 78]
قَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ: إِلَّا كَذِباً «2»، وَ قَالَ غَيْرُهُ إِلَّا تِلَاوَةً مُجَرَّدَةً عَنِ الْمَعْرِفَةِ.
من حيث إنّ التّلاوة بلا معرفة المعنى تجري عند صاحبها مجرى أمنيّة تمنيتها على التّخمين، و قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَ لا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ‏ [الحج/ 52] أي: في تلاوته، فقد تقدم أنّ التّمنّي كما يكون عن تخمين و ظنّ فقد يكون عن رويّة و بناء على أصل، و لمّا كان النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم كثيرا ما كان يبادر إلى ما نزل به الرّوح الأمين على قلبه حتى قيل له: لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ [طه/ 114]، و لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة/ 16] سمّى تلاوته على ذلك تمنّيا، و نبّه أنّ للشيطان تسلّطا على مثله في أمنيّته، و ذلك من حيث بيّن أنّ «العجلة من الشّيطان» «3». وَ مَنَّيْتَنِي كذا: جعلت لي أُمْنِيَّةً بما شبّهت لي، قال تعالى مخبرا عنه: وَ لَأُضِلَّنَّهُمْ وَ لَأُمَنِّيَنَّهُمْ‏ [النساء/ 119].
مهد
الْمَهْدُ: ما يُهَيَّأُ للصَّبيِّ. قال تعالى:
كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا [مريم/ 29] و الْمَهْدُ و الْمِهَادُ: المكان الْمُمَهَّدُ الموطَّأ.
قال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً* [طه/ 53]، و مِهاداً [النبأ/ 6] «4» و ذلك مثل قوله: الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة/ 22] و مَهَّدْتُ لك كذا: هيّأته و سوّيته، قال تعالى: وَ مَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً [المدثر/ 14] و امْتَهَدَ السَّنامُ. أي:
تَسَوَّى، فصار كمِهَادٍ أو مَهْدٍ.
مهل‏
الْمَهْلُ: التُّؤَدَةُ و السُّكونُ، يقال: مَهَلَ في فعله، و عمل في مُهْلَةٍ، و يقال: مَهْلًا. نحو:
__________________________________________________
 (1) في النهاية: و في حديث عثمان: ما تغنّيت و لا تمنّيت، و لا شربت خمرا في جاهلية و لا إسلام.
و في رواية: ما تمنيت منذ أسلمت. أي: ما كذبت. التمني: التكذّب. انظر: النهاية لابن الأثير 4/ 367.
 (2) انظر: الدر المنثور 1/ 201، و غريب القرآن لليزيدي ص 74.
 (3) راجع: مادة (عجل).
 (4) الآية: أ لم نجعل الأرض مهادا.

780
مفردات ألفاظ القرآن

مهل ص 780

رفقا، و قد مَهَّلْتُهُ: إذا قُلْتَ له مَهْلًا، و أَمْهَلْتُهُ:
رَفَقْتُ به، قال: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق/ 17] و الْمُهْلُ: دُرْدِيُّ الزَّيْت، قال: كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ‏ [الدخان/ 45].
موت‏
أنواع الْمَوْتِ بحسب أنواع الحياة:
فالأوّل: ما هو بإزاء القوَّة النامية الموجودة في الإنسان و الحيوانات و النّبات. نحو قوله تعالى:
يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها* [الروم/ 19]، وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [ق/ 11].
الثاني: زوال القوّة الحاسَّة. قال: يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا [مريم/ 23]، أَ إِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم/ 66].
الثالث: زوال القوَّة العاقلة، و هي الجهالة.
نحو: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ‏ [الأنعام/ 122]، و إيّاه قصد بقوله: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى‏* [النمل/ 80].
الرابع: الحزن المكدِّر للحياة، و إيّاه قصد بقوله: وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ‏ [إبراهيم/ 17].
الخامس: المنامُ، فقيل: النّوم مَوْتٌ خفيف، و الموت نوم ثقيل، و على هذا النحو سمّاهما اللّه تعالى توفِّيا. فقال: وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الأنعام/ 60]، اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها [الزمر/ 42]، و قوله: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ [آل عمران/ 169] فقد قيل: نفي الموت هو عن أرواحهم فإنه نبّه على تنعّمهم، و قيل: نفى عنهم الحزن المذكور في قوله: وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ‏ [إبراهيم/ 17]، و قوله: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ* [آل عمران/ 185] فعبارة عن زوال القوّة الحيوانيَّة و إبانة الرُّوح عن الجسد، و قوله:
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ إِنَّهُمْ مَيِّتُونَ‏ [الزمر/ 30] فقد قيل: معناه: ستموت، تنبيها أن لا بدّ لأحد من الموت كما قيل:
429-
         و الْمَوْتُ حتم في رقاب العباد «1»
و قيل: بل الميّت هاهنا ليس بإشارة إلى إبانة الرُّوح عن الجسد، بل هو إشارة إلى ما يعتري‏
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و قبله:
             شرّده الخوف و أزرى به             كذاك من يكره حرّ الجلاد
             منخرق الكفين يشكو الوجى             تنكبه أطراف مرو حداد
             قد كان في الموت له راحة             و الموت حتم في رقاب العباد

و هذه الأبيات كان زيد بن علي يتمثل بها، و هي في البيان و التبيين 4/ 58- 59، و الشطر في عمدة الحفاظ (موت)، و هي لمحمد بن عبد اللّه في زهر الآداب 1/ 39.

781
مفردات ألفاظ القرآن

موت ص 781

الإنسان في كلّ حال من التّحلُّل و النَّقص، فإن البشر ما دام في الدّنيا يَمُوتُ جزءا فجزءا، كما قال الشاعر:
430-
         يَمُوتُ جزءا فجزءا «1»
و قد عَبَّرَ قوم عن هذا المعنى بِالْمَائِتِ، و فصلوا بين الميّت و المائت، فقالوا: المائت هو المتحلّل، قال القاضي عليّ بن عبد العزيز «2»:
ليس في لغتنا مائت على حسب ما قالوه، و الْمَيْتُ: مخفَّف عن الميِّت، و إنما يقال: موتٌ مائتٌ، كقولك: شِعْرٌ شَاعِرٌ، و سَيْلٌ سَائِلٌ، و يقال: بَلَدٌ مَيِّتٌ و مَيْتٌ، قال تعالى: فَسُقْناهُ إِلى‏ بَلَدٍ مَيِّتٍ‏ [فاطر/ 9]، بَلْدَةً مَيْتاً* [الزخرف/ 11] وَ الْمَيْتَةُ من الحَيوان: ما زال روحه بغير تذكية، قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة/ 3]، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً [الأنعام/ 145] و الْمَوَتَانُ بإزاء الحيوان، و هي الأرض التي لم تَحْيَ للزَّرع، و أرض مَوَاتٌ. و وقع في الإبل مَوَتَانٌ كثير، و ناقة مُمِيتَةٌ، و مُمِيتٌ:
مات ولدها، و إِمَاتَةُ الخمر: كناية عن طَبْخها، و الْمُسْتَمِيتُ المتعرِّض للموت، قال الشاعر:
431-
         فأعطيت الجعالة مُسْتَمِيتاً «3»
و الْمُوتَةُ: شِبه الجنون، كأنه من موْتِ العلم و العقل، و منه: رجل مَوْتَانُ القلب، و امرأة مَوْتَانَةٌ.
موج‏
الْمَوْجُ في البحر: ما يعلو من غَوارب الماء.
قال تعالى: فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ‏ [هود/ 42]، يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ‏ [النور/ 40] و مَاجَ كذا يَمُوجُ، و تَمَوَّجَ تَمَوُّجاً: اضطرب اضطرابَ الموج. قال تعالى: وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ‏ [الكهف/ 99].
ميد
الْمَيْدُ: اضطرابُ الشي‏ء العظيم كاضطراب الأرض. قال تعالى: أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ* [النحل/ 15]،
__________________________________________________
 (1) لم أجده.
 (2) القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني، كان قاضي القضاة بالري، و هو من الفقهاء الشافعية. و صاحب القصيدة الشهيرة التي يقول فيها:
         يقولون لي: فيك انقباض و إنما             رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما


توفي سنة 366 ه. انظر: أخباره في وفيات الأعيان 3/ 278، و طبقات الشافعية 3/ 459، و معجم الأدباء 14/ 14.
 (3) هذا شطر بيت لشقيق بن سليك الأسدي، و عجزه:
         خفيف الحاذ من فتيان جرم‏

و هو في شرح الحماسة للتبريزي 2/ 142، و قد تقدّم في مادة (جعل).

782
مفردات ألفاظ القرآن

ميد ص 782

أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ‏ [الأنبياء/ 31]. و مَادَتِ الأغصان تميد، و قيل الْمَيَدَانُ في قول الشاعر:
432-
         نعيما و مَيَدَاناً من العيش أخضرا «1»


و قيل: هو الممتدُّ من العيش، و مَيْدَانُ الدَّابة منه، و الْمَائِدَةُ: الطَّبَق الذي عليه الطّعام، و يقال لكلّ واحدة منها [مائدة] «2»، و يقال: مَادَنِي يَمِيدُنِي، أي: أَطْعَمِني، و قيل: يُعَشِّينى، و قوله تعالى: أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة/ 114] قيل: استدعوا طعاما، و قيل:
استدعوا علما، و سمّاه مائدة من حيث إنّ العلم غذاء القلوب كما أنّ الطّعام غذاء الأبدان.
مور
الْمَوْرُ: الجَرَيان السَّريع. يقال: مَارَ يَمُورُ مَوْراً. قال تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً [الطور/ 9] و مَارَ الدم على وجهه، و الْمَوْرُ:
التُّراب المتردِّد به الرّيح، و ناقة تَمُورُ في سيرها، فهي مَوَّارَةٌ.
مير
الْمِيرَةُ: الطّعام يَمْتَارُهُ الإنسان، يقال: مَارَ أهلَهُ يَمِيرُهُمْ. قال تعالى: وَ نَمِيرُ أَهْلَنا [يوسف/ 65]. و الغِيرَة و المِيرَة يتقاربان «3».
ميز
الْمَيْزُ و التَّمْيِيزُ: الفصل بين المتشابهات، يقال: مَازَهُ يَمِيزُهُ مَيْزاً، و مَيَّزَهُ تَمْيِيزاً، قال تعالى:
لِيَمِيزَ اللَّهُ‏ [الأنفال/ 37]، و قرئ: لِيُمَيِّزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ «4». و التَّمْيِيزُ يقال تارة للفصل، و تارة للقوّة التي في الدّماغ، و بها تستنبط المعاني، و منه يقال: فلان لا تمييز له، و يقال: انْمَازَ و امْتَازَ، قال: وَ امْتازُوا الْيَوْمَ‏ [يس/ 59] و تَمَيَّزَ كذا مطاوعُ مَازَ. أي: انْفَصَلَ و انْقَطَعَ، قال تعالى: تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ [الملك/ 8].
ميل‏
الْمَيْلُ: العدول عن الوسَط إلى أَحَد الجانبين، و يُستعمَلُ في الجَوْر، و إذا استُعمِلَ في الأجسام فإنه يقال فيما كان خِلْقَةً مَيَلٌ، و فيما كان عَرَضاً مَيْلٌ، يقال: مِلْتُ إلى فلان: إذا عاوَنْتُهُ.
قال تعالى: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ‏ [النساء/ 129] وَ مِلْتُ عليهِ: تحاملْتُ عليه. قال تعالى:
فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً [النساء/ 102]،
__________________________________________________
 (1) العجز لابن أحمر، و قال الصاغاني في التكملة: ميد: ذكره الجوهري، و هو غلط و تحريف، و الرواية [أغيدا]، و البيت: [
         و إن خضمت ريق الشباب و صادفت             نعيما و ميدانا من العيش أغيدا
]. (2) ما بين قوسين نقله السمين في الدر المصون 4/ 502، قال: و المائدة: الخوان عليه طعام، فإن لم يكن عليه طعام فليست بمائدة. هذا هو المشهور، إلا أنّ الراغب قال: (و المائدة: الطبق الذي عليه طعام، و يقال لكل واحد منها مائدة) و هو مخالف لما عليه المعظم.
 (3) قال ابن منظور: و الغيرة، بالكسر و الغيار: الميرة. اللسان (غير).
 (4) و هي قراءة حمزة و الكسائي و يعقوب و خلف. انظر: الإتحاف ص 183.

783
مفردات ألفاظ القرآن

ميل ص 783

و الْمَالُ سُمِّي بذلك لكونه مائِلًا أبدا و زَائلا، و لذلك سُمِّي عَرَضاً، و على هذا دلَّ قولُ مَنْ قال: المَالُ قَحْبَةٌ تكون يوماً في بيت عطَّار، و يوماً في بيت بَيْطَارٌ «1».
مائة
الْمِائَةُ: الثالثةُ من أصول الأَعداد، و ذلك أنّ أصول الأعداد أربعةٌ: آحادٌ، و عَشَرَاتٌ، و مِئَاتٌ، و أُلُوفٌ. قال تعالى: فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ‏ [الأنفال/ 66]، وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال/ 65] و مائة آخِرُها محذوفٌ، يقال:
أَمْأَيْتُ الدَّراهِمَ فَأَمْأَتْ هي، أي: صارتْ ذاتَ مِائَةٍ.
ماء
قال تعالى: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍ‏ [الأنبياء/ 30]، و قال: وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً [الفرقان/ 48]، و يقال مَاهُ بني فلان، و أصل ماء مَوَهٌ، بدلالة قولهم في جمعه:
أَمْوَاهٌ، و مِيَاهٌ. في تصغيره مُوَيْهٌ، فحذف الهاء و قلب الواو، و رجل مَاهِي القلب: كثُر ماءُ قلبه «2»، فماه هو مقلوب من مَوَهٍ أي: فيه ماء، و قيل: هو نحو رجل قَاهٍ «3»، و مَاهَتِ الرَّكِيَّةُ تَمِيهُ و تَمَاهُ، و بئر مَيِّهَةٌ و مَاهَةٌ، و قيل: مَيْهَةٌ، و أَمَاهَ الرَّجُلُ، و أَمْهَى: بَلَغَ المَاءَ. و:
ما
مَا في كلامهم عشرةٌ: خمسة أسماء، و خمسة حروف. فإذا كان اسما فيقال للواحد و الجمع و المؤنَّث على حدّ واحد، و يصحّ أن يعتبر في الضّمير لفظُه مفردا، و أن يعتبر معناه للجمع.
فالأوّل من الأسماء بمعنى الذي نحو:
وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَضُرُّهُمْ‏ [يونس/ 18] «4» ثمّ قال: هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ [يونس/ 18] لمّا أراد الجمع، و قوله:
وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً ...الآية [النحل/ 73]، فجمع أيضا، و قوله: بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ [البقرة/ 93].
الثاني: نكرة. نحو: نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ‏ [النساء/ 58] أي: نعم شيئا يعظكم به، و قوله:
فَنِعِمَّا هِيَ [البقرة/ 271] فقد أجيز أن يكون ما نكرة في قوله: ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها

__________________________________________________
 (1) انظر: بصائر ذوي التمييز 4/ 540. و هذا من كلام الصاحب بن عباد، و هو في التمثيل و المحاضرة ص 250.
 (2) حكاه كراع النمل في المنتخب 1/ 171.
 (3) ألقاه: الجاه، و قيل: الطاعة. و ما له عليّ قاه، أي: سلطان.
و اختلف في ألفه، فذكره الزمخشري في القاف و الياء، و جعل عينه منقلبة عن ياء، و كذا ابن بري.
و ذكره الجوهري في القاف و الواو، و كذا تابعه ابن الأثير. راجع: اللسان (قيه).
 (4) و الآية بتمامها: و يعبدون من دون اللّه ما لا يضرّهم و لا ينفعهم و يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، قل: أ تنبّئون اللّه بما لا يعلم في السّماوات و لا في الأرض سبحانه و تعالى عمّا يشركون.

784
مفردات ألفاظ القرآن

ما ص 784

[البقرة/ 26]، و قد أجيز أن يكون صلة، فما بعده يكون مفعولا. تقديره: أن يضرب مثلا بعوضة «1».
الثالث: الاستفهام، و يسأل به عن جنس ذات الشي‏ء، و نوعه، و عن جنس صفات الشي‏ء، و نوعه، و قد يسأل به عن الأشخاص، و الأعيان في غير الناطقين. و قال بعض النحويين: و قد يعبّر به عن الأشخاص الناطقين «2»، كقوله تعالى: إِلَّا عَلى‏ أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ* [المؤمنون/ 6]، إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْ‏ءٍ [العنكبوت/ 42] و قال الخليل: ما استفهام. أي:
أيّ شي‏ء تدعون من دون اللّه؟ و إنما جعله كذلك، لأنّ «ما» هذه لا تدخل إلّا في المبتدإ و الاستفهام الواقع آخرا. الرّابع: الجزاء نحو:
ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها، وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ‏ الآية [فاطر/ 2]. و نحو: ما تضرب أضرب.
الخامس: التّعجّب نحو: فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ [البقرة/ 175]. و أمّا الحروف:
فالأوّل: أن يكون ما بعده بمنزلة المصدر كأن الناصبة للفعل المستقبَل. نحو: وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* [البقرة/ 3] فإنّ «مَا» مع رَزَقَ في تقدير الرِّزْق، و الدّلالة على أنه مثل «أن» أنه لا يعود إليه ضمير لا ملفوظ به و لا مقدّر فيه، و على هذا حمل قوله: بِما كانُوا يَكْذِبُونَ* [البقرة/ 10]، و على هذا قولهم: أتاني القوم ما عدا زيدا، و على هذا إذا كان في تقدير ظرف نحو: كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [البقرة/ 20]، كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ [المائدة/ 64]، كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً[الإسراء/ 97]. و أما قوله: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر/ 94] فيصحّ أن يكون مصدرا، و أن يكون بمعنى الذي «3». و اعلم أنّ «ما» إذا كان مع ما بعدها في تقدير المصدر لم يكن إلّا حرفا، لأنه لو كان اسما لعاد إليه ضمير، و كذلك قولك: أريد أن أخرج، فإنه لا عائد من الضمير إلى أن، و لا ضمير لها بعده.
الثاني: للنّفي و أهل الحجاز يعملونه بشرط
__________________________________________________
 (1) انظر: الأقوال في هذه المسألة في الدر المصون 1/ 223.
 (2) قال الزركشي: و جوّز بعض النحويين أن يسأل بها عن أعيان من يعقل أيضا، حكاه الراغب. فإن كان مأخذه قوله تعالى عن فرعون: و مَا ربّ العالمين‏
 فإنما هو سؤال عن الصفة، لأنّ الرب هو المالك، و الملك صفة، و لهذا أجابه موسى بالصفات، و يحتمل أنّ «ما» سؤال عن ماهية الشي‏ء، و لا يمكن ذلك في حق اللّه تعالى، فأجابه موسى تنبيها على صواب السؤال. راجع: البرهان في علوم القرآن 4/ 403.
 (3) انظر: مغني اللبيب ص 736.

785
مفردات ألفاظ القرآن

ما ص 784

نحو: ما هذا بَشَراً [يوسف/ 31] «1».
الثالث: الكافّة، و هي الدّاخلة على «أنّ» و أخواتها و «ربّ» و نحو ذلك، و الفعل. نحو:
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر/ 28]، إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آل عمران/ 178]، كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ‏ [الأنفال/ 6] و على ذلك «ما» في قوله: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحجر/ 2]، و على ذلك:
قَلَّمَا و طَالَمَا فيما حكي.
الرابع: المُسَلِّطَة، و هي التي تجعل اللفظ متسلِّطا بالعمل، بعد أن لم يكن عاملا. نحو:
 «ما» في إِذْمَا، و حَيْثُمَا، لأنّك تقول: إذ ما تفعل أفعل، و حيثما تقعد أقعد، فإذ و حيث لا يعملان بمجرَّدهما في الشّرط، و يعملان عند دخول «ما» عليهما.
الخامس: الزائدة لتوكيد اللفظ في قولهم: إذا مَا فعلت كذا، و قولهم: إمّا تخرج أخرج. قال:
فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً [مريم/ 26]، و قوله: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما [الإسراء/ 23].
تمّ كتاب الميم‏
__________________________________________________
 (1) و شرط عملها ما ذكره ابن مالك في ألفيته:
            إعمال «ليس» أعملت «ما» دون «إن»             مع بقا النفي، و ترتيب زكن‏
             و سبق حرف جرّ أو ظرف ك ما             بي أنت معنيا أجاز العلما.

 

786
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب النون

كتاب النّون‏
نبت‏
النَّبْتُ و النَّبَاتُ: ما يخرج من الأرض من النَّامِيات، سواء كان له ساق كالشجر، أو لم يكن له ساق كالنَّجْم، لكن اختَصَّ في التَّعارُف بما لا ساقَ له، بل قد اختصَّ عند العامَّة بما يأكله الحيوان، و على هذا قوله تعالى: لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً [النبأ/ 15] و متى اعتبرت الحقائق فإنّه يستعمل في كلّ نام، نباتا كان، أو حيوانا، أو إنسانا، و الْإِنْبَاتُ يستعمل في كلّ ذلك. قال تعالى: فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلًا* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا [عبس/ 27- 31]، فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها [النمل/ 60]، يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَ الزَّيْتُونَ‏ [النحل/ 11]، و قوله: وَ اللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نوح/ 17] فقال النّحويّون: قوله: «نَباتاً» موضوع موضع الإنبات «1»، و هو مصدر. و قال غيرهم: قوله: «نَباتاً» حال لا مصدر، و نبّه بذلك أنّ الإنسان هو من وجه نبات من حيث إنّ بدأه و نشأه من التّراب، و إنه ينمو نموّه، و إن كان له وصف زائد على النّبات، و على هذا نبّه بقوله:
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ [غافر/ 67]، على ذلك قوله: وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً [آل عمران/ 37]، و قوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ‏ [المؤمنون/ 20] الباء للحال لا للتّعدية، لأنّ «نبت» متعدّ تقديره: تَنْبُتُ حاملةً للدُّهْن. أي:
تنبت و الدّهن موجود فيها بالقوّة «2»، و يقال: إنّ بني فلان لَنَابِتَةُ شَرّ «3»، و نبتت فيهم نَابِتَةٌ أي: نشأ
__________________________________________________
 (1) انظر: المدخل لعلم تفسير كتاب اللّه بتحقيقنا ص 290.
 (2) تقدّم للمؤلف الكلام على هذه الآية في مادة (الباء).
 (3) انظر: المجمل 3/ 850.

787
مفردات ألفاظ القرآن

نبت ص 787

فيهم نش‏ء صغار.
نبذ
النَّبْذُ: إلقاء الشي‏ء و طرحه لقلّة الاعتداد به، و لذلك يقال: نَبَذْتُهُ نَبْذَ النَّعْل الخَلِق، قال تعالى: لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة/ 4]، فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ‏ [آل عمران/ 187] لقلّة اعتدادهم به، و قال: نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ‏ [البقرة/ 100] أي: طرحوه لقلّة اعتدادهم به، و قال: فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ* [القصص/ 40]، فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ [الصافات/ 145]، لَنُبِذَ بِالْعَراءِ [القلم/ 49]، و قوله: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى‏ سَواءٍ [الأنفال/ 58] فمعناه: ألق إليهم السّلم، و استعمال النّبذ في ذلك كاستعمال الإلقاء كقوله: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ [النحل/ 86]، وَ أَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ [النحل/ 87] تنبيها أن لا يؤكّد العقد معهم بل حقّهم أن يطرح ذلك إليهم طرحا مستحثّا به على سبيل المجاملة، و أن يراعيهم حسب مراعاتهم له، و يعاهدهم على قدر ما عاهدوه، وَ انْتَبَذَ فلان: اعتزل اعتزال من لا يقلّ مبالاته بنفسه فيما بين الناس. قال تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا [مريم/ 22] و قعد نَبْذَةً و نُبْذَةً.
أي: ناحية معتزلة، و صبيّ مَنْبُوذٌ و نَبِيذٌ كقولك: ملقوط و لقيط، لكن يقال: منبوذ اعتبارا بمن طرحه، و ملقوط و لقيط اعتبارا بمن تناوله، و النَّبِيذُ: التّمرُ و الزّبيبُ الملقَى مع الماء في الإناء، ثمّ صار اسما للشّراب المخصوص.
نبز
النَّبْزُ: التَّلْقِيب. قال اللّه تعالى: وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ‏ [الحجرات/ 11].
نبط
قال تعالى: وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى‏ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ‏ [النساء/ 83] أي: يستخرجونه منهم «1»، و هو استفعال من: أَنْبَطْتُ كذا، و النَّبَطُ: الماء الْمُسْتَنْبَطُ، و فرس أَنْبَطُ: أبيض تحت الإبط، و منه النَّبَطُ «2» المعروفون.
نبع‏
النَّبْعُ: خروج الماء من العين. يقال: نَبَعَ الماءُ يَنْبَعُ نُبُوعاً و نَبْعاً، و الْيَنْبُوعُ: العينُ الذي يَخْرُجُ منه الماءُ، و جمعه: يَنَابِيعُ. قال تعالى:
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ‏ [الزمر/ 21] و النَّبْعُ: شجر يُتَّخَذُ منه القِسِيُّ.
نبأ
 [النَّبَأُ]: خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غَلَبَة ظنّ، و لا يقال للخبر في الأصل نَبَأٌ حتى‏
__________________________________________________
 (1) مجاز القرآن 1/ 134.
 (2) النّبط و النبيط: جيل ينزلون سواد العراق، و النسبة إليهم نبطي. اللسان (نبط).

788
مفردات ألفاظ القرآن

نبأ ص 788

يتضمّن هذه الأشياء الثّلاثة، و حقّ الخبر الذي يقال فيه نَبَأٌ أن يتعرّى عن الكذب، كالتّواتر، و خبر اللّه تعالى، و خبر النبيّ عليه الصلاة و السلام، و لتضمُّن النَّبَإِ معنى الخبر يقال: أَنْبَأْتُهُ بكذا كقولك: أخبرته بكذا، و لتضمّنه معنى العلم قيل: أَنْبَأْتُهُ كذا، كقولك: أعلمته كذا «1». قال اللّه تعالى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ‏ [ص/ 67 68]، و قال: عَمَّ يَتَساءَلُونَ* عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ‏ [النبأ/ 1- 2]، أَ لَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ‏ [التغابن/ 5]، و قال: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ‏ [هود/ 49]، و قال:
تِلْكَ الْقُرى‏ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها [الأعراف/ 101]، و قال: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى‏ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ‏ [هود/ 100]، و قوله:
إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات/ 6] فتنبيه أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر فحقّه أن يتوقّف فيه، و إن علم و غلب صحّته على الظّنّ حتى يعاد النّظر فيه، و يتبين فضل تبيّن، يقال:
نَبَّأْتُهُ و أَنْبَأْتُهُ. قال تعالى: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ [البقرة/ 31]، و قال:
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ‏ [البقرة/ 33]، و قال: نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ‏ [يوسف/ 37]، وَ نَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ‏ [الحجر/ 51]، و قال: أَ تُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ‏ [يونس/ 18]، قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ‏ [الرعد/ 33]، و قال: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‏ [الأنعام/ 143]، قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ‏ [التوبة/ 94]. و نَبَّأْتُهُ أبلغ من أَنْبَأْتُهُ، فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [فصلت/ 50]، يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ [القيامة/ 13] و يدلّ على ذلك قوله: فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم/ 3] و لم يقل: أَنْبَأَنِي، بل عَدَلَ إلى «نَبَّأَ» الّذي هو أبلغُ تنبيهاً على تحقيقه و كونه من قِبَلِ اللّه. و كذا قوله: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ‏ [التوبة/ 94]، فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* [المائدة/ 105] و النُّبُوَّةُ: سِفَارَةٌ بين اللّه و بين ذوي العقول من عباده لإزاحة عللهم في أمر مَعادِهم و مَعاشِهم. و النَّبِيُّ لكونه منبِّئا بما تسكن إليه العقول الذَّكيَّة، و هو يصحُّ أن يكون فعيلا بمعنى فاعل لقوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي‏ [الحجر/ 49]، قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ‏ [آل عمران/ 15]، و أن يكون بمعنى المفعول لقوله: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم/ 3]. و تَنَبَّأَ فلان: ادَّعى النُّبوَّة، و كان من حقّ لفظه في وضع اللّغة أن يصحّ استعماله في النبيِّ إذ هو مُطاوِعُ نَبَّأَ،
__________________________________________________
 (1) ما بين [] نقله البغدادي في الخزانة حرفيا 1/ 270.

789
مفردات ألفاظ القرآن

نبأ ص 788

كقوله: زَيَّنَهُ فَتَزَيَّنَ، و حَلَّاهُ فَتَحَلَّى، و جَمَّلَهُ فَتَجَمَّلَ، لكن لمَّا تُعُورِفَ فيمن يدَّعِي النُّبوَّةَ كَذِبا جُنِّبَ استعمالُه في المُحقِّ، و لم يُستعمَل إلّا في المُتقوِّل في دَعْواه. كقولك: تَنَبَّأَ مُسَيْلِمَةُ، و يقال في تصغير نَبي‏ء: مُسَيْلِمَة نُبَيِّئُ سَوْءٍ، تنبيهاً أنَّ أخباره ليست من أخبار اللّه تعالى، كما قال رجل سمع كلامه: و اللّه ما خرج هذا الكلام من إلٍّ «1» أي: اللّهِ. و النَّبْأَةُ الصَّوْتُ الخَفِيُّ.
نبى‏
النَبِيُّ بغير همْز، فقد قال النحويُّون: أصله الهمْزُ فتُرِكَ همزُه، و استدلُّوا بقولهم: مُسَيْلِمَةُ نُبَيِّئُ سَوْءٍ. و قال بعضُ العلماء: هو من النَّبْوَةِ، أي: الرِّفعة «2»، و سمّي نَبِيّاً لرِفْعة محلِّه عن سائر الناس المدلول عليه بقوله: وَ رَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا [مريم/ 57]. فَالنَّبِيُّ بغير الهمْز أبلغُ من النَّبِي‏ء بالهمْز، لأنه ليس كلّ مُنَبَّإ رفيعَ القَدْر و المحلِّ، و لذلك‏
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ لِمَنْ قَالَ: يَا نَبِي‏ءَ اللَّهِ فَقَالَ: «لَسْتُ بِنَبِي‏ءِ اللَّهِ وَ لَكِنْ نَبِيُّ اللَّهِ» «3».
لمّا رأى أنّ الرّجل خاطبه بالهمز ليَغُضَّ منه. و النَّبْوَةُ و النَّبَاوَةُ: الارتفاع، و منه قيل: نَبَا بفلان مكانُهُ، كقولهم: قَضَّ عليه مضجعه، و نَبَا السيفُ عن الضَّرِيبة: إذا ارتدَّ عنه و لم يمض فيه، و نَبَا بصرُهُ عن كذا تشبيهاً بذلك.
نتق‏
نَتَقَ الشي‏ءَ: جَذَبَهُ و نَزَعَهُ حتى يسترخِيَ، كنَتْقِ عُرَى الحِمْل. قال تعالى: وَ إِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ‏ [الأعراف/ 171]، و منه استعير: امرأة نَاتِقٌ: إذا كثُر ولدُها، و قيل: زِنْدٌ نَاتِقٌ: وَارٍ، تشبيهاً بالمرأة النَّاتِق.
نثر
نَثْرُ الشي‏ء: نشره و تفريقه. يقال: نَثَرْتُهُ فَانْتَثَرَ.
قال تعالى: وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ‏ [الانفطار/ 2] و يسمَّى الدِّرْع إذا لُبِسَ نَثْرَةً، و نَثَرَتِ الشاةُ: طَرَحَتْ من أنفها الأَذَى، و النَّثْرَةُ:
ما يَسِيلُ من الأنف، و قد تسمَّى الأنفُ نَثْرَةً، و منه: النَّثْرَةُ لنجم يقال له أنْفُ الأسد، و طَعَنَهُ‏
__________________________________________________
 (1) ذكر أبو بكر الباقلاني أنّ أبا بكر الصديق سأل أقواما قدموا عليه من بني حنيفة عن هذه الألفاظ- أي: ألفاظ مسيلمة- فحكوا بعضها، فقال أبو بكر: سبحان اللّه! ويحكم، إنّ هذا الكلام لم يخرج عن إلّ، فأين كان يذهب بكم.
راجع: إعجاز القرآن ص 157.
 (2) انظر: اللسان (نبأ)، و الحجة في القراءات للفارسي 2/ 90، و القول البديع ص 29.
 (3) الحديث عن أبي ذر قال: جاء أعرابي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم فقال: يا نبي‏ء اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لست بنبي‏ء اللّه، و لكني نبيّ اللّه» أخرجه الحاكم، و قال: صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه، و تعقّبه الذهبي و قال: بل منكر لم يصح، و فيه حمران بن أعين ليس بثقة، و هو واه. انظر: المستدرك 2/ 231.
و قال ابن عمر: ما همز رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و لا أبو بكر و لا عمر و لا الخلفاء، و إنما الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم.

790
مفردات ألفاظ القرآن

نثر ص 790

فَأَنْثَرَهُ: أَلْقَاه على أنفه، و الاسْتِنْثَارُ: جعل الماء في النَّثْرة.
نجد
النَّجْدُ: المكانُ الغليظُ الرّفيعُ، و قوله تعالى:
وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [البلد/ 10] فذلك مثلٌ لطريقَيِ الحقِّ و الباطلِ في الاعتقاد، و الصّدق و الكذب في المقال، و الجميل و القبيح في الفعال، و بيَّن أنه عرَّفهما كقوله: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ الآية [الإنسان/ 3]، و النَّجْدُ: اسم صقع، و أَنْجَدَهُ: قَصَدَهُ، و رجل نَجِدٌ و نَجِيدٌ و نَجْدٌ. أي:
قويٌّ شديدٌ بَيِّنُ النَّجدة، و اسْتَنْجَدْتُهُ: طلبت نَجْدَتَهُ فَأَنْجَدَنِي. أي: أعانني بنَجْدَتِهِ. أي:
شَجَاعته و قوّته، و ربما قيل اسْتَنْجَدَ فلانٌ. أي:
قَوِيَ، و قيل للمكروب و المغلوب: مَنْجُودٌ، كأنه ناله نَجْدَةٌ. أي: شِدَّة، و النَّجْدُ: العَرَق، و نَجَدَهُ الدَّهر «1». أي: قَوَّاه و شدَّده، و ذلك بما رأى فيه من التّجرِبَة، و منه قيل: فلان ابنُ نَجْدَةِ كَذَا «2»، و النِّجَادُ: ما يُرْفَعُ به البيت، و النَّجَّادُ: مُتَّخِذُهُ، و نِجَادُ السَّيْف: ما يُرْفَع به من السَّيْر، و النَّاجُودُ: الرَّاوُوقُ، و هو شي‏ءٌ يُعَلَّقُ فيُصَفَّى به الشَّرَابُ.
نجس‏
النَّجَاسَةُ: القَذَارة، و ذلك ضرْبان: ضرْب يُدْرَك بالحاسّة، و ضرْب يُدْرَك بالبصيرة، و الثاني وصف اللّهُ تعالى به المشركين فقال: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ‏ [التوبة/ 28] و يقال:
نَجَّسَهُ. أي: جعله نَجِساً، و نَجَّسَهُ أيضا: أَزَالَ نَجَسَهُ، و منه تَنْجِيسُ العَرَب، و هو شي‏ءٌ كانوا يفعلونه من تعليق عَوَذَةٍ على الصَّبيِّ ليدفعوا عنه نجاسةَ الشَّيطان، و النَّاجِسُ و النَّجِيسُ: داءٌ خبيثٌ لا دواءَ له.
نجم‏
أصل النَّجْمِ: الكوكب الطالع، و جمعه:
نُجُومٌ، و نَجَمَ: طَلَعَ، نُجُوماً و نَجْماً، فصار النَّجْمُ مرّة اسما، و مرّة مصدرا، فَالنُّجُومُ مرّة اسما كالقُلُوب و الجُيُوب، و مرّة مصدرا كالطُّلوع و الغُروب، و منه شُبِّهَ به طلوعُ النّبات، و الرّأي، فقيل: نَجَمَ النَّبْت و القَرْن، و نَجَمَ لي رأي نَجْماً و نُجُوماً، و نَجَمَ فلانٌ على السّلطان: صار
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: و نجّده الدهر: عجمه و علّمه، و الذال المعجمة أعلى. اللسان: (نجد).
و قال قدامة بن جعفر: رجل مجرّب، و منجّذ، و مجذّع، و محنّك، و مجرّس، و مضرّس، و مدرّب، و موقّر، و ممرّس، و معجّم. جواهر الألفاظ ص 333.
 (2) قال ابن فارس: و يقال للدليل الحاذق: هو ابن بجدتها، أي: عالم بالأرض كأنه نشأ بها.
و قال ابن منظور: يقال: هو ابن بجدتها للعالم بالشي‏ء المتقن له المميّز له، و كذلك يقال للدليل الهادي.
و قيل: هو الذي لا يبرح، من قوله: بجد بالمكان: إذا أقام، و هو عالم ببجدة أمرك، و بجدة أمرك، و بجدة أمرك. أي: بدخيلته و بطانته. انظر: المجمل 1/ 116، و اللسان (بجد).
و على هذا فقول الراغب: فلان ابن نجدة كذا تصحيف، و الصواب: ابن بجدة، كما أسلفنا. [استدراك‏].

791
مفردات ألفاظ القرآن

نجم ص 791

عاصيا، و نَجَّمْتُ المالَ عليه: إذا وَزَّعْتُهُ، كأنّك فرضت أن يدفع عند طلوع كلّ نَجْمٍ نصيباً، ثم صار متعارفا في تقدير دفعه بأيّ شي‏ء قَدَّرْتَ ذلك. قال تعالى: وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ‏ [النحل/ 16]، و قال: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ‏ [الصافات/ 88] أي: في علم النُّجُوم، و قوله: وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏ [النجم/ 1]، قيل: أراد به الكوكب، و إنما خصّ الهُوِيَّ دون الطّلوع، فإنّ لفظة النَّجْم تدلّ على طلوعه، و قيل: أراد بِالنَّجْم الثُّرَيَّا، و العرب إذا أطلقتْ لفظَ النَّجم قصدتْ به الثُّرَيَّا. نحو:
         طلع النَّجْمُ غُدَيَّه             و ابْتَغَى الرَّاعِي شُكَيَّه «1»

و قيل: أراد بذلك القرآن الْمُنَجَّمَ المنزَّل قَدْراً فَقَدْراً، و يعني بقوله: هَوى‏ نزولَهُ، و على هذا قوله:
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ‏ [الواقعة/ 75] فقد فُسِّرَ على الوجهين، و التَّنَجُّمُ: الحكم بالنّجوم، و قوله تعالى: وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ‏ [الرحمن/ 6] فَالنَّجْمُ: ما لا ساقَ له من النّبات، و قيل: أراد الكواكبَ.
نجو
أصل النَّجَاءِ: الانفصالُ من الشي‏ء، و منه: نَجَا فلان من فلان و أَنْجَيْتُهُ و نَجَّيْتُهُ. قال تعالى:
وَ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا [النمل/ 53] و قال:
إِنَّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ‏ [العنكبوت/ 33]، وَ إِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ‏ [البقرة/ 49]، فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ‏ [يونس/ 23]، فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ* [الأعراف/ 83]، فَأَنْجَيْناهُ وَ الَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا [الأعراف/ 72]، وَ نَجَّيْناهُما وَ قَوْمَهُما [الصافات/ 115]، نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ* نِعْمَةً [القمر/ 34- 35]، وَ نَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا [فصلت/ 18]، وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ [هود/ 58]، ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا [مريم/ 72]، ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا [يونس/ 103] و النَّجْوَةُ و النَّجَاةُ: المكان المُرتفِع المنفصل بارتفاعه عمّا حوله، و قيل: سمّي لكونه نَاجِياً من السَّيْل، وَ نَجَّيْتُهُ: تركته بنَجْوة، و على هذا: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ‏ [يونس/ 92] و نَجَوْتُ قِشْرَ الشجرةِ، و جِلْدَ الشاةِ، و لاشتراكهما في ذلك قال الشاعر:
433-
         فقلت انْجُوَا عنها نَجَا الجلد إنه             سيرضيكما منها سنام و غاربه «2»

__________________________________________________
 (1) الشّكيّة: تصغير الشكوة، و ذلك أنّ الثريا إذا طلعت هذا الوقت هبّت البوارح، و رمضت الأرض، و عطشت الرّعيان، فاحتاجوا إلى شكاء يستقون فيها لشفاههم. انظر: للسان (شكا)، و البصائر 5/ 20، و نقائض جرير و الأخطل ص 51.
 (2) البيت لأبي الغمر الكلابي، و هو في شرح مقصورة ابن دريد لابن خالويه ص 433، و المجمل 3/ 857، و خزانة [استدراك‏] الأدب 4/ 358، و المقصور و الممدود للفراء ص 23، و غريب الحديث للخطابي 2/ 374، و لم يعرفه المحقق و قيل: هو لعبد الرحمن بن حسان يخاطب ضيفين طرقاه.

792
مفردات ألفاظ القرآن

نجو ص 792

و نَاجَيْتُهُ. أي: سارَرْتُه، و أصله أن تخلو به في نَجْوة من الأرض. و قيل: أصله من النّجاة، و هو أن تعاونه على ما فيه خلاصه. أو أن تَنْجُوَ بسرِّك من أن يطلع عليك، و تَنَاجَى القومُ، قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ [المجادلة/ 9]، إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً [المجادلة/ 12] و النَّجْوَى أصله المصدر، قال:
إِنَّمَا النَّجْوى‏ مِنَ الشَّيْطانِ‏ [المجادلة/ 10] و قال: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى‏ [المجادلة/ 8]، و قوله: وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبياء/ 3] تنبيها أنهم لم يظهروا بوجه، لأنّ النّجوى ربّما تظهر بعد. و قال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى‏ ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ‏ [المجادلة/ 7] و قد يوصف بالنّجوى، فيقال: هو نَجْوَى، و هم نَجْوَى. قال تعالى: وَ إِذْ هُمْ نَجْوى‏ [الإسراء/ 47] و النَّجِيُّ: الْمُنَاجِي، و يقال للواحد و الجمع. قال تعالى: وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا [مريم/ 52]، و قال: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف/ 80] و انْتَجَيْتُ فلانا: استخلصته لسرِّي، و أَنْجَى فُلانٌ: أتى نَجْوَةً، و هم في أرض نَجَاةٍ: أي: في أرض يُسْتَنْجَى من شَجَرِها العِصِيُّ و القِسِيُّ. أي: يتّخذ و يستخلص، و النَّجَا: عِيدانٌ قد قُشِرَتْ، قال بعضهم: يقال: نَجَوْتُ فلانا: استنكهته «1»، و احتجَّ بقول الشاعر:
434-
         نَجَوْتُ مجالدا فوجدت منه             كريح الكلب مات حديث عهد «2»

فإن يكن حمل نجوت على هذا المعنى من أجل هذا البيت فليس في البيت حجّة له، و إنما أراد أنّي سارَرْتُهُ، فَوَجَدْتُ من بَخَره ريحَ الكلب الميِّت. و كُنِّي عمّا يخرج من الإنسان بِالنَّجْوِ، و قيل: شرب دواءً فما أَنْجَاهُ. أي: ما أقامه، و الِاسْتِنْجَاءُ: تحرِّي إزالةِ النَّجْوِ، أو طلب نَجْوَةٍ لإلقاء الأَذَى. كقولهم: تَغَوَّطَ: إذا طلب غائطاً من الأرض، أو طلب نَجْوَةً. أي: قِطْعَةَ مَدَرٍ لإزالة الأذى. كقولهم: اسْتَجْمَرَ إذا طلب جِمَاراً. أي: حجرا، و النَّجْأَةُ بالهمز: الإصابة بالعين. و
فِي الْحَدِيثِ: «ادْفَعُوا نَجْأَةَ السَّائِلِ بِاللُّقْمَةِ» «3».
نحب‏
النَّحْبُ: النَّذْر المحكوم بوجوبه، يقال:
قضى فلان نَحْبَهُ. أي: وَفَى بنذره. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) و قائل هذا هو ابن فارس في المجمل 3/ 858.
 (2) البيت للحكم بن عبدل، و هو في المجمل 3/ 858، و شرح المقصورة لابن خالويه ص 433، و اللسان (نجا).
 (3) الحديث ذكره ابن الأثير في النهاية بلفظ: «ردّوا نجأة السّائل باللّقمة».
قال: النّجأة: شدة النظر. يقال للرجل الشديد الإصابة بالعين: إنه لنجوء. النهاية 5/ 17.

793
مفردات ألفاظ القرآن

نحب ص 793

فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب/ 23] و يعبّر بذلك عمّن مات، كقولهم: قضى أجله «1»، و استوفى أكله، و قضى من الدّنيا حاجته، و النَّحِيبُ: البكاء الذي معه صوت، و النُّحَابُ السُّعَال.
نحت‏
نَحَتَ الخَشَبَ و الحَجَرَ و نحوهما من الأجسام الصَّلْبَة. قال تعالى: وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ‏ [الشعراء/ 149] و النُّحَاتَةُ: ما يسقط من الْمَنْحُوتِ، و النَّحِيتَةُ: الطّبيعة التي نُحِتَ عليها الإنسان كما أنّ الغريزة ما غُرِزَ عليها الإنسانُ.
نحر
النَّحْرُ: موضِع القِلَادةِ من الصَّدر. و نَحَرْتُهُ:
أَصَبْتُ نَحْرَهُ، و منه: نَحْرُ البعير، و قيل في حرف عبد اللّه: فَنَحَرُوهَا و ما كادوا يفعلون [البقرة/ 71] «2» و انْتَحَرُوا على كذا: تَقَاتَلُوا تشبيهاً بنَحْر البعير، و نَحْرَةُ الشَّهر و نَحِيرُهُ: أوَّله، و قيل: آخر يوم من الشَّهر «3»، كأنه ينحر الذي قبله، و قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ [الكوثر/ 2] هو حثٌّ على مراعاة هذين الرُّكْنين، و هما الصلاة، و نَحْرُ الهَدْي، و أنه لا بدّ من تعاطيهما، فذلك واجب في كلّ دِين و في كلّ مِلَّة، و قيل:
أَمْرٌ بوَضْع اليد على النَّحْر «4» و قيل: حثٌّ على قتل النَّفس بقَمْع الشَّهوة. و النِّحْرِيرُ: العالِمُ بالشي‏ء و الحاذِقُ به.
نحس‏
قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ‏ [الرحمن/ 35] فَالنُّحَاسُ: اللَّهِيبُ بلا دُخانٍ، و ذلك تشبيه في اللَّون بالنُّحاس، و النَّحْسُ: ضدّ السَّعْد، قال اللّه تعالى: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر/ 19]، فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ‏ [فصلت/ 16] و قُرئ (نَحَسَاتٍ) «5» بالفتح.
قيل: مشئوماتٍ «6»، و قيل: شديداتِ البَرْد «7».
و أصل النَّحْسِ أن يحمرَّ الأفق فيصير كالنُّحاس. أي: لَهَبٍ بلا دُخان، فصار ذلك مثلا للشُّؤْم.
__________________________________________________
 (1) يقال في ذلك: قضى نحبه، و فات أمره، و زهقت نفسه، و حمّ حمامه، و قرب أجله، و انقضى أكله، و حان حينه و دنت منيّته. انظر: جواهر الألفاظ ص 384.
 (2) و هي قراءة شاذة.
 (3) انظر: المجمل 3/ 858، و اللسان (نحر).
 (4) قال ابن عباس: إنّ اللّه أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبّرت للصلاة، فذاك النحر. الدر المنثور 8/ 650.
 (5) و هي قراءة شاذة.
 (6) و هذا قول الضحاك، حكاه عنه أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن 3/ 33، و كذا قال به قتادة و مجاهد. انظر: الدر المنثور 7/ 317.
 (7) و هذا القول حكاه النقاش. انظر: تفسير القرطبي 15/ 348.

794
مفردات ألفاظ القرآن

نحل ص 795

نحل‏
النَّحْلُ: الحَيَوانُ المخصوصُ. قال تعالى:
وَ أَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏ [النحل/ 68] و النَّحْلَةُ و النِّحْلَةُ: عَطِيَّة على سبيل التّبرُّع، و هو أخصُّ من الهِبَة، إذ كلُّ هِبَةٍ نِحْلَةٌ، و ليس كلُّ نِحْلَةٍ هِبَةً، و اشتقاقه فيما أرى «1» أنه من النَّحْل نظرا منه إلى فعله، فكأنَّ نَحَلْتُهُ: أعطيته عطيّةَ النَّحْلِ، و ذلك ما نبّه عليه قوله: وَ أَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏ الآية [النحل/ 68]. و بيَّن الحكماء أنّ النّحل يقع على الأشياء كلّها فلا يضرّها بوجه، و ينفع أعظْمَ نفعٍ، فإنه يعطي ما فيه الشِّفاء كما وصفه اللّهُ تعالى، و سُمِّيَ الصَّدَاقُ بها من حيثُ إنه لا يجب في مقابلته أكثرُ من تمتُّع دون عِوَضِ ماليٍّ، و كذلك عطيَّةُ الرَّجُل ابْنَهُ. يقال: نَحَلَ ابنَه كذا، و أَنْحَلَهُ، و منه:
نَحَلْتُ المرأةَ، قال تعالى: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء/ 4] و الِانْتِحَالُ: ادِّعَاءُ الشي‏ءِ و تناوُلُه، و منه يقال: فلان يَنْتَحِلُ الشِّعْرَ.
و نَحِلَ جِسْمُهُ نُحُولًا: صار في الدّقّة كالنَّحْل، و منه: النَّوَاحِلُ للسُّيُوف أي: الرِّقَاق الظُّبَات تصوُّراً لنُحُولِهَا، و يصحُّ أن يُجْعَل النِّحْلَةُ أصلا، فيُسَمَّى النَّحْل بذلك اعتبارا بفعله. و اللّه أعلم.
نحن‏
نَحْنُ عبارة عن المتكلِّم إذا أَخْبَرَ عن نفسه مع غيره، و ما وَرَدَ في القرآن من إِخبار اللّه تعالى عن نفسه بقوله: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ‏ [يوسف/ 3] فقد قيل: هو إخبار عن نفسه وحده، لكن يُخَرَّجُ ذلك مَخْرَجَ الإِخبار المُلوكيّ.
و قال بعضُ العلماء: إنّ اللّه تعالى يذكر مثلَ هذه الألفاظ إذا كان الفعل المذكور بعده يفعله بواسطة بعضِ ملائكته، أو بعض أوليائه، فيكون «نَحْنُ» عبارة عنه تعالى و عنهم، و ذلك كالوحي، و نُصْرة المؤمنين، و إِهلاك الكافرين، و نحو ذلك مما يتولّاه الملائكةُ المذكورونَ بقوله:
فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً [النازعات/ 5] و على هذا قوله: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ‏ [الواقعة/ 85] يعني: وَقْتَ المُحْتَضَرِ حين يَشْهَدُهُ الرُّسُلُ المذكورون في قوله: تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ* [النحل/ 28] و قوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر/ 9] لمّا كان بوِساطة القلم و اللَّوح و جبريل.
نخر
قال تعالى: أَ إِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً [النازعات/ 11] من قولهم: نَخِرَتِ الشَّجَرةُ.
أي: بَلِيَتْ، فهَبَّتْ بها نُخْرَةُ الرِّيح. أي: هُبُوبُهَا و النَّخِيرُ: صوْتٌ من الأَنْف، و يسمَّى حرْفا الأَنْف‏
__________________________________________________
 (1) و وافقه في هذا الفيروزآبادي في البصائر 5/ 27، و السمين في عمدة الحفاظ: نحل.

795
مفردات ألفاظ القرآن

نخر ص 795

اللّذان يخرج منهما النَّخِيرُ نُخْرَتَاهُ، و مِنْخَرَاهُ، و النَّخُورُ: النّاقَةُ التي لا تَدِرُّ أو يُدْخَل الإصبعُ في مِنْخَرِهَا، و النَّاخِرُ: من يَخْرُجُ منه النَّخِيرُ، و منه:
ما بِالدَّارِ نَاخِرٌ «1».
نخل‏
النَّخْلُ معروف، و قد يُستعمَل في الواحد و الجمع. قال تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ [القمر/ 20] و قال: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الحاقة/ 7]، وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ‏ [الشعراء/ 148]، وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق/ 10] و جمعه: نَخِيلٌ، قال: وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ‏ [النحل/ 67] و النَّخْلُ نَخْل الدّقيق بِالْمُنْخُلِ، و انْتَخَلْتُ الشي‏ءَ: انتقيتُه فأخذْتُ خِيارَهُ.
ندد
نَدِيدُ الشي‏ءِ: مُشارِكه في جَوْهَره، و ذلك ضربٌ من المُماثلة، فإنّ المِثْل يقال في أيِّ مشاركةٍ كانتْ، فكلّ نِدٍّ مثلٌ، و ليس كلّ مثلٍ نِدّاً، و يقال: نِدُّهُ و نَدِيدُهُ و نَدِيدَتُهُ، قال تعالى:
فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً [البقرة/ 22]، وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً [البقرة/ 165]، وَ تَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً [فصلت/ 9] و قرئ: (يوم التَّنَادِّ) [غافر/ 32] «2» أي: يَنِدُّ بعضُهم من بعض. نحو: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ [عبس/ 34].
ندم‏
النَّدَمُ و النَّدَامَةُ: التَّحَسُّر من تغيُّر رأي في أمر فَائِتٍ. قال تعالى: فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ‏ [المائدة/ 31] و قال: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ‏ [المؤمنون/ 40] و أصله من مُنَادَمَةِ الحزن له. و النَّدِيمُ و النَّدْمَانُ و الْمُنَادِمُ يَتَقَارَبُ.
قال بعضهم: الْمُنَادَمَةُ و المُدَاوَمَةُ يتقاربان. و قال بعضهم: الشَّرِيبَانِ سُمِّيَا نَدِيمَيْنِ لما يتعقّبُ أحوالَهما من النَّدَامَةِ على فعليهما.
ندا
النِّدَاءُ: رفْعُ الصَّوت و ظُهُورُهُ، و قد يقال ذلك للصَّوْت المجرَّد، و إيّاه قَصَدَ بقوله: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً [البقرة/ 171] أي: لا يعرف إلّا الصَّوْت المجرَّد دون المعنى الذي يقتضيه تركيبُ الكلام. و يقال للمركَّب الذي يُفْهَم منه المعنى ذلك، قال تعالى: وَ إِذْ نادى‏ رَبُّكَ مُوسى‏ [الشعراء/ 10] و قوله: وَ إِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة/ 58]، أي: دَعَوْتُمْ، و كذلك: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ [الجمعة/ 9] و نِدَاءُ الصلاة مخصوصٌ في‏
__________________________________________________
 (1) أي: ما بها أحد. انظر: المجمل 3/ 860، و البصائر 5/ 30.
 (2) و هي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس و الضحاك و الأعرج و أبو صالح بتشديد الدال. انظر: البصائر 5/ 31.

796
مفردات ألفاظ القرآن

ندا ص 796

الشَّرع بالألفاظ المعروفة، و قوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ [فصلت/ 44] فاستعمال النّداء فيهم تنبيها على بُعْدهم عن الحقّ في قوله: وَ اسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ‏ [ق/ 41]، وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ‏ [مريم/ 52]، و قال: فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ‏ [النمل/ 8]، و قوله: إِذْ نادى‏ رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا [مريم/ 3] فإنه أشار بِالنِّدَاءِ إلى اللّه تعالى، لأنّه تَصَوَّرَ نفسَهُ بعيدا منه بذنوبه، و أحواله السَّيِّئة كما يكون حال من يَخاف عذابَه، و قوله: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ‏ [آل عمران/ 193] فالإشارة بالمنادي إلى العقل، و الكتاب المنزَّل، و الرّسول المُرْسَل، و سائر الآيات الدَّالَّة على وجوب الإيمان باللّه تعالى. و جعله مناديا إلى الإيمان لظهوره ظهورَ النّداء، و حثّه على ذلك كحثّ المنادي. و أصل النِّدَاء من النَّدَى. أي: الرُّطُوبة، يقال: صوت نَدِيٌّ رفيع، و استعارة النِّداء للصَّوْت من حيث إنّ من يَكْثُرُ رطوبةُ فَمِهِ حَسُنَ كلامُه، و لهذا يُوصَفُ الفصيح بكثرة الرِّيق، و يقال: نَدًى و أَنْدَاءٌ و أَنْدِيَةٌ، و يسمّى الشَّجَر نَدًى لكونه منه، و ذلك لتسمية المسبَّب باسم سببِهِ و قول الشاعر:
435-
         كَالْكَرْمِ إذ نَادَى مِنَ الكَافُورِ «1»
أي: ظهر ظهورَ صوتِ المُنادي، و عُبِّرَ عن المجالسة بِالنِّدَاءِ حتى قيل للمجلس: النَّادِي، و الْمُنْتَدَى، و النَّدِيُّ، و قيل ذلك للجليس، قال تعالى: فَلْيَدْعُ نادِيَهُ‏ [العلق/ 17] و منه سمّيت دار النَّدْوَةِ بمكَّةَ، و هو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه. و يُعَبَّر عن السَّخاء بِالنَّدَى، فيقال:
فلان أَنْدَى كفّاً من فلان، و هو يَتَنَدَّى على أصحابه. أي: يَتَسَخَّى، و ما نَدِيتُ بشي‏ءٍ من فلان أي: ما نِلْتُ منه نَدًى، و مُنْدِيَاتُ الكَلِم:
المُخْزِيَات التي تُعْرَف.
نذر
النَّذْرُ: أن تُوجِب على نفسك ما ليس بواجب لحدوثِ أمر، يقال: نَذَرْتُ للّه أمراً، قال تعالى:
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [مريم/ 26]، و قال: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ [البقرة/ 270]، وَ الْإِنْذَارُ: إخبارٌ فيه تخويف، كما أنّ التّبشير إخبار فيه سرور. قال تعالى:
فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى‏ [الليل/ 14]، أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَ ثَمُودَ [فصلت/ 13]، وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ‏ [الأحقاف/ 21]، وَ الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ‏ [الأحقاف/ 3]، لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى‏ وَ مَنْ حَوْلَها وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ‏

__________________________________________________
 (1) الشطر تقدّم، و هو للعجاج في ديوانه ص 25.
و هو في مبادئ اللغة ص 150، و البصائر 5/ 23، و اللسان (كفر)، و قد تقدّم في مادة (كفر).

797
مفردات ألفاظ القرآن

نذر ص 797

 [الشورى/ 7]، لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ‏ [يس/ 6]، و النَّذِيرُ: المنذر، و يقع على كلّ شي‏ء فيه إنذار، إنسانا كان أو غيره. إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ* [نوح/ 2]، إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ‏ [الحجر/ 89]، وَ ما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ‏ [الأحقاف/ 9]، وَ جاءَكُمُ النَّذِيرُ [فاطر/ 37]، نَذِيراً لِلْبَشَرِ [المدثر/ 36]. و النُّذُرُ:
جمعه. قال تعالى: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى‏ [النجم/ 56] أي: من جنس ما أُنْذِرَ به الذين تقدَّموا. قال تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ [القمر/ 23]، وَ لَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ [القمر/ 41]، فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَ نُذُرِ* [القمر/ 18]، و قد نَذِرْتُ. أي: عَلِمْتُ ذلك و حَذِرْتُ.
نزع‏
نَزَعَ الشي‏ء: جَذَبَهُ من مقرِّه كنَزْعِ القَوْس عن كبده، و يُستعمَل ذلك في الأعراض، و منه:
نَزْعُ العَداوة و المَحبّة من القلب. قال تعالى:
وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ* [الأعراف/ 43]. وَ انْتَزَعْتُ آيةً من القرآن في كذا، و نَزَعَ فلان كذا، أي: سَلَبَ. قال تعالى: تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [آل عمران/ 26]، و قوله:
وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً [النازعات/ 1] قيل: هي الملائكة التي تَنْزِعُ الأرواح عن الأَشْباح، و قوله:
إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ [القمر/ 19] و قوله: تَنْزِعُ النَّاسَ‏ [القمر/ 20] قيل: تقلع الناس من مقرّهم لشدَّة هبوبها. و قيل: تنزع أرواحهم من أبدانهم، و التَّنَازُعُ و الْمُنَازَعَةُ: المُجَاذَبَة، و يُعَبَّرُ بهما عن المُخاصَمة و المُجادَلة، قال: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ‏ءٍ فَرُدُّوهُ‏ [النساء/ 59]، فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ‏ [طه/ 62]، و النَّزْعُ عن الشي‏ء: الكَفُّ عنه. و النُّزُوعُ: الاشتياق الشّديد، و ذلك هو المُعَبَّر عنه بإِمحَال النَّفْس مع الحبيب، و نَازَعَتْنِي نفسي إلى كذا، و أَنْزَعَ القومُ:
نَزَعَتْ إِبِلُهم إلى مَوَاطِنِهِمْ. أي: حَنَّتْ، و رجل أَنْزَعُ «1»: زَالَ عنه شَعَرُ رَأْسِهِ كأنه نُزِعَ عنه ففارَقَ، و النَّزْعَةُ: المَوْضِعُ من رأسِ الْأَنْزَعِ، و يقال:
امرَأَةٌ زَعْرَاء، و لا يقال نَزْعَاءُ، و بئر نَزُوعٌ: قريبةُ القَعْرِ يُنْزَعُ منها باليد، و شرابٌ طَيِّبُ الْمَنْزَعَةِ.
أي: المقطَع إذا شُرِبَ كما قال تعالى: خِتامُهُ مِسْكٌ [المطففين/ 26].
نزغ‏
النَّزْغُ: دخولٌ في أمرٍ لإفساده. قال تعالى:
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَ بَيْنَ إِخْوَتِي‏ [يوسف/ 100].
نزف‏
نَزَفَ الماء: نَزَحَهُ كلَّه من البئر شيئا بعدَ شي‏ء، و بئر نَزُوفٌ: نُزِفَ ماؤه، و النُّزْفَةُ: الغَرْفة،
__________________________________________________
 (1) القاموس: نزع.

798
مفردات ألفاظ القرآن

نزف ص 798

و الجمع النُّزَفُ، و نُزِفَ دَمُهُ، أو دَمْعُهُ. أي: نُزِعَ كلّه، و منه قيل: سَكْران نَزِيفٌ: نُزِفَ فَهْمُهُ بسُكْره. قال تعالى: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَ لا يَنْزِفُونَ [الواقعة/ 19] «1» و قرئ:
يُنْزِفُونَ‏ «2» من قولهم: أَنْزَفُوا: إذا نَزَفَ شرابُهم، أو نُزِعَتْ عقولُهم. و أصله من قولهم:
أَنْزَفُوا. أي: نَزَفَ ماءُ بئرهم، و أَنْزَفْتُ الشي‏ءَ:
أبلغُ من نَزَفْتُهُ، و نَزَفَ الرجلُ في الخصومةِ:
انقطعت حُجَّتُه، و في مَثَلٍ: هو أَجْبَنُ مِنَ الْمَنْزُوفِ ضَرِطاً «3»
.
نزل‏
النُّزُولُ في الأصل هو انحِطَاطٌ من عُلْوّ.
يقال: نَزَلَ عن دابَّته، و نَزَلَ في مكان كذا: حَطَّ رَحْلَهُ فيه، و أَنْزَلَهُ غيرُهُ. قال تعالى: أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ‏ [المؤمنون/ 29] و نَزَلَ بكذا، و أَنْزَلَهُ بمعنًى، و إِنْزَالُ اللّه تعالى نِعَمَهُ و نِقَمَهُ على الخَلْق، و إعطاؤُهُم إيّاها، و ذلك إمّا بإنزال الشي‏ء نفسه كإنزال القرآن، و إمّا بإنزال أسبابه و الهداية إليه، كإنزال الحديد و اللّباس، و نحو ذلك، قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ الْكِتابَ‏ [الكهف/ 1]، اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ‏ [الشورى/ 17]، وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ [الحديد/ 25]، وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ‏ [الحديد/ 25]، وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ‏ [الزمر/ 6]، وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً [الفرقان/ 48]، وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً [النبأ/ 14]، و أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ‏ [الأعراف/ 26]، أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ [المائدة/ 114]، أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ‏ [البقرة/ 90] و من إنزال العذاب قوله: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى‏ أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ‏ [العنكبوت/ 34]. و الفَرْقُ بَيْنَ الْإِنْزَالِ و التَّنْزِيلِ في وَصْفِ القُرآنِ و الملائكةِ أنّ التَّنْزِيلَ يختصّ بالموضع الذي يُشِيرُ إليه إنزالُهُ مفرَّقاً، و مرَّةً بعد أُخْرَى، و الإنزالُ عَامٌّ، فممَّا ذُكِرَ فيه التَّنزيلُ قولُه: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ‏ [الشعراء/ 193] و قرئ: نَزَّلَ «4» وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا [الإسراء/ 106]، إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [الحجر/ 9]، لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ‏ [الزخرف/ 31]، وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ‏ [الشعراء/ 198]، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ‏ [التوبة/ 26]، وَ أَنْزَلَ*

__________________________________________________
 (1) و هي قراءة نافع و ابن كثير و ابن عامر و أبي عمرو، و أبي جعفر و يعقوب.
 (2) و هي قراءة عاصم و حمزة و الكسائي و خلف. انظر: الإتحاف ص 407.
 (3) انظر: مجمع الأمثال 1/ 180، و الأمثال ص 367.
 (4) و هي قراءة ابن عامر و شعبة و حمزة و الكسائي و يعقوب و خلف. الإتحاف ص 334.

799
مفردات ألفاظ القرآن

نزف ص 798

جُنُوداً لَمْ تَرَوْها* [التوبة/ 26]، لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ [محمد/ 20]، فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ [محمد/ 20] فإنَّما ذَكَرَ في الأوّلِ «نُزِّلَ»، و في الثاني «أُنْزِلَ» تنبيهاً أنّ المنافقين يَقْتَرِحُونَ أن يَنْزِلَ شَيْ‏ءٌ فَشَيْ‏ءٌ من الحثِّ على القِتَال لِيَتَوَلَّوْهُ، و إذا أُمِرُوا بذلك مَرَّةً واحدةً تَحَاشَوْا منه فلم يفعلوه، فهم يَقْتَرِحُونَ الكثيرَ و لا يَفُونَ منه بالقليل. و قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدخان/ 3]، شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏ [البقرة/ 185]، إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القدر/ 1] و إنّما خُصَّ لفظُ الإنزالِ دُونَ التَّنزيلِ، لما
رُوِيَ: (أَنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ دَفْعَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ نَجْماً فَنَجْماً) «1».
و قوله تعالى: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى‏ رَسُولِهِ‏ [التوبة/ 97] فَخَصَّ لفظَ الإنزالِ ليكونَ أعمَّ، فقد تقدَّم أنّ الإنزال أعمُّ من التَّنزيلِ، قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ‏ [الحشر/ 21]، و لم يقل: لو نَزَّلْنَا، تنبيهاً أنَّا لو خَوَّلْنَاهُ مَرَّةً ما خَوَّلْنَاكَ مِرَاراً لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً [الحشر/ 21]. و قوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ‏
 ذِكْراً* رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ [الطلاق/ 10- 11] فقد قيل: أراد بإنزالِ الذِّكْرِ هاهنا بِعْثَةَ النبيِّ عليه الصلاة و السلام، و سمَّاه ذكراً كما سُمِّيَ عيسى عليه السلام كلمةً، فعَلَى هذا يكون قوله: «رَسُولًا» بدلا من قوله: «ذِكْراً»، و قيل: بل أراد إنزالَ ذِكْرِهِ، فيكونُ «رَسُولًا» مفعولًا لقوله:
ذِكْراً. أي: ذِكْراً رَسُولًا. و أمّا التَّنَزُّلُ فهو كالنُّزُولِ به، يقال: نَزَلَ المَلَكُ بكذا، و تَنَزَّلَ، و لا يقال:
نَزَلَ اللّه بكذا و لا تَنَزَّلَ، قال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ‏ [الشعراء/ 193] و قال: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ [القدر/ 4]، وَ ما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ‏ [مريم/ 64]، يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَ‏ [الطلاق/ 12] و لا يقال في المفتَرَى و الكَذِبِ و ما كان من الشَّيطان إلَّا التَّنَزُّلُ: وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ‏ [الشعراء/ 210]، عَلى‏ مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ‏ الآية [الشعراء/ 221- 222].
و النُّزُلُ: ما يُعَدُّ للنَّازل من الزَّاد، قال: فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى‏ نُزُلًا [السجدة/ 19] و قال:
نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 198] و قال في صفة أهل النار: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ إلى قوله: هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ‏

__________________________________________________
 (1) أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: إنّا أنزلناه في ليلة مباركة قال: أنزل القرآن في ليلة القدر، ثم نزل به جبريل على رسول اللّه نجوما بجواب كلام الناس.
و أخرج سعيد بن منصور عن إبراهيم النخعي في الآية قال: نزل القرآن جملة على جبريل، و كان جبريل يجي‏ء بعد إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلم. الدر المنثور 7/ 398.

800
مفردات ألفاظ القرآن

نزل ص 799

الدِّينِ «1»، فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ‏ [الواقعة/ 93]. و أَنْزَلْتُ فلانا: أَضَفْتُهُ. و يُعَبَّرُ بِالنَّازِلَةِ عن الشِّدَّة، و جَمْعُهَا نَوَازِلُ، و النِّزَالُ في الحرْبِ:
الْمُنَازَلَةُ، و نَزَلَ فلانٌ: إذا أتى مِنًى، قال الشاعر:
436-
         أَ نَازِلَةٌ أَسْمَاءُ أَمْ غَيْرُ نَازِلَةٍ «2»
و النُّزَالَةُ و النُّزْلُ يُكَنَّى بهما عن ماءِ الرَّجُل إذا خَرَجَ عنه، و طعامٌ نُزُلٌ، و ذو نُزُلٍ: له رَيْعٌ، وَ حَظٌّ نَزِلٌ: مُجْتَمَعٌ، تشبيهاً بالطَّعامِ النُّزُلِ.
نسب‏
النَّسَبُ و النِّسْبَةُ: اشتراك من جهة أحد الأبوين، و ذلك ضربان:
نَسَبٌ بالطُّول كالاشتراك من الآباء و الأبناء.
و نَسَبٌ بالعَرْض كالنِّسْبة بين بني الإِخْوة، و بني الأَعْمام. قال تعالى: فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً [الفرقان/ 54]. و قيل: فلان نَسِيبُ فلان. أي: قريبه، و تُستعمَل النّسبةُ في مقدارَيْنِ مُتجانِسَيْنِ بَعْضَ التَّجَانُسِ يختصُّ كلّ واحد منهما بالآخر، و منه: النَّسِيبُ، و هو الِانْتِسَابُ في الشِّعْر إلى المرأة بذِكْر العشق، يقال: نَسَبَ الشاعر بالمرأة نَسَباً و نَسِيباً.
نسخ‏
النَّسْخُ: إزالةُ شَيْ‏ءٍ بِشَيْ‏ءٍ يَتَعَقَّبُهُ، كنَسْخِ الشَّمْسِ الظِّلَّ، و الظِّلِّ الشمسَ، و الشَّيْبِ الشَّبَابَ. فَتَارَةً يُفْهَمُ منه الإزالة، و تَارَةً يُفْهَمُ منه الإثباتُ، و تَارَةً يُفْهَم منه الأَمْرَانِ. و نَسْخُ الكتاب: إزالة الحُكْمِ بحكم يَتَعَقَّبُهُ. قال تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها [البقرة/ 106] قيل: معناه ما نُزيل العملَ بها، أو نحْذِفها عن قلوبِ العباد، و قيل: معناه:
ما نُوجِده و ننزِّله. من قولهم: نَسَخْتُ الكتابَ، و ما نَنْسَأُهُ. أي: نُؤَخِّرُهُ فلَمْ نُنَزِّلْهُ، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ‏ [الحج/ 52]. وَ نَسْخُ الكتابِ: نَقْلُ صُورته المجرَّدة إلى كتابٍ آخرَ، و ذلك لا يقتضي إزالةَ الصُّورَةِ الأُولى بل يقتضي إثباتَ مثلها في مادَّةٍ أُخْرَى، كاتِّخَاذِ نَقْشِ الخَاتم في شُمُوعٍ كثيرة، و الِاسْتِنْسَاخُ: التَّقَدُّمُ بنَسْخِ الشي‏ءِ، و التَّرَشُّح، للنَّسْخ. و قد يُعَبَّر بالنَّسْخِ عن الاستنساخِ. قال تعالى: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏ [الجاثية/ 29]. و الْمُنَاسَخَةُ في الميراث: هو أن يموت ورثةٌ بعد ورثةٍ و الميراثُ قائمٌ لم يُقْسَمْ، و تَنَاسُخُ الأزمنةِ و القرونِ: مُضِيُ‏
__________________________________________________
 (1) الآيات: لآكلون من شجر من زقّوم* فمالؤن منها البطون* فشاربون عليه من الحميم* فشاربون شرب الهيم* هذا نزلهم يوم الدّين [الواقعة/ 52- 56].
 (2) الشطر لعامر بن الطفيل، و عجزه:
         أبيني لنا يا أسم ما أنت فاعله‏

و هو في ديوانه ص 104، و شرح المقصورة لابن هشام اللخمي ص 262، و المجمل 3/ 864.

801
مفردات ألفاظ القرآن

نسخ ص 801

قَوْمٍ بعدَ قَوْمٍ يَخْلُفُهُمْ. و القائلون بِالتَّنَاسُخِ قومٌ يُنْكِرُونَ البعثَ على ما أَثْبَتَتْهُ الشَّرِيعةُ، و يزعُمون أنّ الأرواحَ تنتقلُ إلى الأجسام عَلَى التَّأبِيدِ «1».
نسر
نَسْرٌ: اسمُ صَنَمٍ في قوله تعالى:
وَ نَسْراً [نوح/ 23] «2» و النَّسْرُ: طائر، و مصدر: نَسَرَ الطَّائرُ الشي‏ءَ بِمِنْسَرِهِ. أي: نَقَرَهُ، و نَسْرُ الحافر: لحمةٌ ناتِئَةٌ تشبيهاً به، و النَّسْرَانِ:
نَجْمَانِ طائرٌ و واقعٌ «3»، و نَسَرْتُ كذا: تَنَاوَلْتُهُ قليلًا قليلًا، تَنَاوُلَ الطَّائرِ الشي‏ءَ بمِنْسَرِهِ.
نسف‏
نَسَفَتِ الرِّيحُ الشَّيْ‏ءَ: اقتلعتْه و أزالَتْهُ. يقال نَسَفْتَهُ و انْتَسَفْتَهُ. قال تعالى: يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً [طه/ 105] و نَسَفَ البعيرُ الأرضَ بمُقَدَّمِ رِجْلِهِ: إذا رَمَى بترابه. يقال: ناقة نَسُوفٌ. قال تعالى: ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً [طه/ 97] أي: نطرحه فيه طَرْحَ النُّسَافَةِ، و هي ما تثُورُ من غُبارِ الأَرْض. و تسمّى الرُّغْوة نُسَافَةً تشبيهاً بذلك، و إناء نَسْفَانٌ: امْتَلأ فعَلَاهُ نُسَافَةٌ، و انْتُسِفَ لَوْنُهُ. أي: تغيَّر عمّا كان عليه نسافُه، كما يقال: اغبرَّ وجهُه. و النَّسْفَةُ:
حجارة يُنْسَفُ بها الوسخُ عن القدَم، و كلام نَسِيفٌ. أي: متغيِّر ضَئِيلٌ.
نسك‏
النُّسُكُ: العبادةُ، و النَّاسِكُ: العابدُ و اختُصَّ بأَعمالِ الحجِّ، و الْمَنَاسِكُ: مواقفُ النُّسُك و أعمالُها، و النَّسِيكَةُ: مُخْتَصَّةٌ بِالذَّبِيحَةِ، قال:
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏ [البقرة/ 196]، فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ‏ [البقرة/ 200]، مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ‏ [الحج/ 67].
نسل‏
النَّسْلُ: الانفصالُ عن الشي‏ءِ. يقال: نَسَلَ الوَبَرُ عن البَعيرِ، و القَمِيصُ عن الإنسان، قال الشاعر:
437-
         فَسُلِّي ثِيَابِي عَنْ ثِيَابِكِ تَنْسِلِي «4»
و النُّسَالَةُ: ما سَقَط من الشَّعر، و ما يتحاتُّ من‏
__________________________________________________
 (1) قال عبد القاهر البغدادي: القائلون بالتناسخ أصناف: صنف من الفلاسفة و صنف من السمنية، و هذان الصنفان كانا قبل الإسلام. و صنفان آخران ظهرا في دولة الإسلام: أحدهما: من جملة القدرية، و الآخر من جملة الرافضة الغالية.
و أول من قال بهذه الضلالة السبئية من الرافضة، لدعواهم أنّ عليا صار إلها حين حلّ روح الإله فيه. راجع تفصيل ذلك في الفرق بين الفرق ص 270- 276.
 (2) الآية: و لا تذرنّ ودّا و لا سواعا و لا يغوث و يعوق و نسرا.
 (3) انظر: المجمل 3/ 867، و جنى الجنتين ص 111.
 (4) هذا عجز بيت لامرئ القيس و شطره:
         و إن كنت قد ساءتك مني خليقة

و هو من معلقته. انظر: ديوانه ص 113.

802
مفردات ألفاظ القرآن

نسل ص 802

الريش، و قد أَنْسَلَتِ الإبلُ: حَانَ أن يَنْسِلَ وَبَرُهَا، و منه: نَسَلَ: إذا عَدَا، يَنْسِلُ نَسَلَاناً: إذا أسْرَعَ.
قال تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ‏ [الأنبياء/ 96]. و النَّسْلُ: الولدُ، لكونه نَاسِلًا عن أبيه. قال تعالى: وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ‏ [البقرة/ 205] و تَنَاسَلُوا: تَوَالَدُوا، و يقال أيضا إذا طَلَبْتَ فَضْلَ إنسانٍ: فَخُذْ ما نَسَلَ لك منه عفواً.
نسى‏
النِّسْيَانُ: تَرْكُ الإنسانِ ضبطَ ما استُودِعَ، إمَّا لضَعْفِ قلبِهِ، و إمَّا عن غفْلةٍ، و إمَّا عن قصْدٍ حتى يَنْحَذِفَ عن القلبِ ذِكْرُهُ، يقال: نَسِيتُهُ نِسْيَاناً.
قال تعالى: وَ لَقَدْ عَهِدْنا إِلى‏ آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه/ 115]، فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ‏ [السجدة/ 14]، فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ‏ [الكهف/ 63]، لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ‏ [الكهف/ 73]، فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ‏ [المائدة/ 14]، ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ‏ [الزمر/ 8]، سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى‏ [الأعلى/ 6] إِخبارٌ و ضَمَانٌ من اللّهِ تعالى أنه يجعله بحيث لا يَنْسَى ما يسمعه من الحقّ، و كلّ نسْيانٍ من الإنسان ذَمَّه اللّهُ تعالى به فهو ما كان أصلُه عن تعمُّدٍ. و ما عُذِرَ فيه نحو ما
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَ النِّسْيَانُ» «1».
فهو ما لم يكنْ سَبَبُهُ منه. و قوله تعالى: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ‏ [السجدة/ 14] هو ما كان سببُهُ عن تَعَمُّدٍ منهم، و ترْكُهُ على طريقِ الإِهَانةِ، و إذا نُسِبَ ذلك إلى اللّه فهو تَرْكُهُ إيّاهم استِهَانَةً بهم، و مُجازاة لِما تركوه. قال تعالى: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا [الأعراف/ 51]، نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ‏ [التوبة/ 67] و قوله:
وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ‏ [الحشر/ 19] فتنبيه أن الإنسان بمعرفته بنفسه يعرف اللَّهَ، فنسيانُهُ للّه هو من نسيانه نَفْسَهُ. و قوله تعالى: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ‏ [الكهف/ 24].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِذَا قُلْتَ شَيْئاً وَ لَمْ تَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهِ فَقُلْهُ إِذَا تَذَكَّرْتَهُ «2».
و بهذا أجاز الاستثناءَ بعد مُدَّة،
قَالَ عِكْرِمَةُ «3»
: مَعْنَى «نَسِيتَ»: ارْتَكَبْتَ ذَنْباً، وَ مَعْنَاهُ، اذْكُرِ اللَّهَ إِذَا أَرَدْتَ وَ قَصَدْتَ ارْتِكَابَ ذَنْبٍ يَكُنْ ذَلِكَ دَافِعاً لَكَ.
فَالنِّسْيُ أصله ما يُنْسَى كالنِّقْضِ لما يُنْقَض، و صار في التّعارف اسما لما يَقِلُ‏
__________________________________________________
 (1) الحديث تقدّم في مادة (خطأ).
 (2) قال القرطبي في تفسيره: حكي عن ابن عباس أنّه إن نسي الاستثناء ثم ذكر و لو بعد سنة لم يحنث إن كان حالفا.
تفسير القرطبي 9/ 386.
 (3) عكرمة مولى ابن عباس.

803
مفردات ألفاظ القرآن

نسى ص 803

الاعْتِدَادُ به، و من هذا تقول العرب: احفظوا أَنْسَاءَكُمْ «1». أي: ما من شأنه أن يُنْسَى، قال الشاعر:
438-
         كَأَنَّ لَهَا فِي الأَرْضِ نِسْياً تَقُصُّهُ «2»
و قوله تعالى: نِسْياً مَنْسِيًّا [مريم/ 23]، أي: جارياً مَجْرَى النَّسْيِ القليلِ الاعْتِدَاد به و إن لم يُنْسَ، و لهذا عقبه بقوله: «مَنْسِيًّا»، لأنّ النَّسْيَ قد يقال لما يَقِلُّ الاعتِدادُ به و إن لم يُنْسَ، و قرئ: نَسْياً «3» و هو مصدرٌ موضوعٌ مَوْضِعَ المفعولِ. نحو: عَصَى عِصِيّاً و عِصْيَاناً. و قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها [البقرة/ 106] فَإِنْسَاؤُهَا حَذْفُ ذِكْرِهَا عَنِ القلوبِ بقُوَّةٍ إلهيَّةٍ. و النِّسَاءُ و النِّسْوَانُ و النِّسْوَةُ جمعُ المرأةِ من غير لفظها، كالقومِ في جمعِ المَرْءِ، قال تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ إلى قوله:
وَ لا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ [الحجرات/ 11] «4»، نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ‏ [البقرة/ 223]، يا نِساءَ النَّبِيِّ* [الأحزاب/ 32]، وَ قالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ [يوسف/ 30]، ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ‏ [يوسف/ 50] و النَّسَا:
عِرْقٌ، و تَثْنِيَتُهُ: نَسَيَانِ، و جمعه: أَنْسَاءٌ.
نسأ
النَّسْ‏ءُ: تأخيرٌ في الوقتِ، و منه: نُسِئَتْ المرأةُ: إذا تأخَّرَ وقتُ حَيْضِهَا، فرُجِيَ حَمْلُهَا، و هي نَسُوءٌ، يقال: نَسَأَ اللَّهُ في أَجَلِكَ، و نَسَأَ اللّهُ أَجَلَكَ. و النَّسِيئَةُ: بَيْعُ الشي‏ء بالتَّأْخيرِ، و منها النَّسِي‏ءُ الذي كانت العَرَبُ تفعلُهُ، و هو تأخير بعض الأشهر الحُرُم إلى شهرٍ آخَرَ. قال تعالى:
إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ [التوبة/ 37]، و قرئ: ما ننسخ من آية أو نَنْسَأْهَا «5» أي:
نُؤَخِّرْهَا، إمَّا بإنْسَائِهَا، و إمّا بإبْطالِ حُكْمِهَا.
وَ الْمِنْسَأُ: عصًا يُنْسَأُ به الشي‏ءُ، أي: يُؤَخَّرُ. قال تعالى: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ‏ [سبأ/ 14] و نَسَأَتِ الإبلُ في ظَمَئِهَا يوماً أو يومين. أي: أَخَّرَتْ. قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) قال ابن منظور: تقول العرب إذا ارتحلوا من المنزل: انظروا أنساءكم، تريد الأشياء الحقيرة التي ليست عندهم ببال، مثل العصا و القدح و الشظاظ. أي: اعتبروها لئلا تنسوها في المنزل. اللسان (نسا).
 (2) الشطر للشنفرى، و عجزه:
         على أمّها، و إن تخاطبك تبلت‏

و هو في المفضليات ص 109، و اللسان: نسأ، و العباب: نسأ.
 (3) و هي قراءة حفص و حمزة. الإتحاف ص 298.
 (4) الآية: يا أيّها الّذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم، و لا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيرا منهنّ ....
 (5) و هي قراءة ابن كثير و أبي عمرو. الإتحاف ص 145.

804
مفردات ألفاظ القرآن

نسأ ص 804

439-
         أمون كألواحِ الإران نَسَأْتُهَا             عَلَى لاحب كأنه ظهر برجد «1»

و النَّسُوءُ: الحَلِيبُ إذا أُخِّرَ تَنَاوُلُه فَحَمِضَ فَمُدَّ بِمَاءٍ.
نشر
النَّشْرُ، نَشَرَ الثوبَ، و الصَّحِيفَةَ، و السَّحَابَ، و النِّعْمَةَ، و الحَدِيثَ: بَسَطَهَا. قال تعالى: وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ‏ [التكوير/ 10]، و قال: و هو الّذي يرسل الرّياح نُشْراً بين يدي رحمته [الأعراف/ 57] «2»، وَ يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ‏ [الشورى/ 28]، و قوله: وَ النَّاشِراتِ نَشْراً [المرسلات/ 3] أي: الملائكة التي تَنْشُرُ الرياح، أو الرياح التي تنشر السَّحابَ، و يقال في جمع النَّاشِرِ:
نُشُرٌ، و قرئ: نُشُراً «3» فيكون كقوله:
 «وَ النَّاشِراتِ»
 و منه: سمعت نَشْراً حَسَناً. أي:
حَدِيثاً يُنْشَرُ مِنْ مَدْحٍ و غيره، و نَشِرَ المَيِّتُ نُشُوراً.
قال تعالى: وَ إِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك/ 15]، بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً [الفرقان/ 40]، وَ لا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَ لا حَياةً وَ لا نُشُوراً [الفرقان/ 3]، و أَنْشَرَ اللَّهُ المَيِّتَ فَنُشِرَ. قال تعالى: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ‏ [عبس/ 22]، فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً [الزخرف/ 11] و قيل:
نَشَرَ اللَّهُ المَيِّتَ و أَنْشَرَهُ بمعنًى، و الحقيقة أنّ نَشَرَ اللَّهُ الميِّت مستعارٌ من نَشْرِ الثَّوْبِ. كما قال الشاعر:
440-
         طوتك خطوب دهرك بعد نَشْرٍ             كذاك خطوبه طيا و نَشْراً «4»

و قوله تعالى: وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً [الفرقان/ 47]، أي: جعل فيه الِانْتِشَارَ و ابتغاء الرزقِ كما قال: وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ الآية [القصص/ 73]، و انْتِشَارُ الناس: تصرُّفهم في الحاجاتِ. قال تعالى:
ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ‏ [الروم/ 20]، فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا [الأحزاب/ 53]،
__________________________________________________
 (1) البيت هكذا روايته في جميع المخطوطات، و هو لطرفة في ديوانه ص 22، و اللسان: أرن، و شرح المعلقات للنحاس 1/ 60. و الإران: خشب يحمل فيه الميت، و الأمون: النشيطة، و البرجد: كساء فيه خطوط. أمّا في المطبوعة فالبيت هو:
         و عنس كألوان الإران نسأتها             إذا قيل للمشبوبتين هما هما
و هو في غريب القرآن لابن قتيبة ص 355، و اللسان: نسأ. [و هو للشماخ في ديوانه ص 313].
 (2) و هي قراءة ابن عامر الشامي.
 (3) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و أبي جعفر و يعقوب. الإتحاف ص 226.
 (4) البيت لدعبل الخزاعي، و قد تقدّم.
و نسبه الجاحظ لأبي العتاهية في البيان و التبيين 3/ 208، و هو في عمدة الحفاظ: نشر، و الجليس الصالح 1/ 317، و أمالي الزجاجي: ص 92.

805
مفردات ألفاظ القرآن

نشر ص 805

فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ‏ [الجمعة/ 10] و قيل: نَشَرُوا في معنى انْتَشَرُوا، و قرئ: (و إذا قيل انْشُرُوا فَانْشُرُوا) [المجادلة/ 11] «1» أي: تفرّقوا. و الِانْتِشَارُ:
انتفاخُ عَصَبِ الدَّابَّةِ، و النَّوَاشِرُ: عُرُوقُ باطِنِ الذِّرَاعِ، و ذلك لانتشارها، و النَّشَرُ: الغَنَم المُنْتَشِر، و هو لِلْمَنْشُورِ كالنِّقْضِ للمَنْقوض، و منه قيل: اكتسى البازي ريشا نَشْراً. أي:
مُنْتَشِراً واسعاً طويلًا، و النَّشْرُ: الكَلَأ اليابسُ، إذا أصابه مطرٌ فَيُنْشَرُ. أي: يَحْيَا، فيخرج منه شي‏ء كهيئة الحَلَمَةِ، و ذلك داءٌ للغَنَم، يقال منه:
نَشَرَتِ الأرضُ فهي نَاشِرَةٌ. و نَشَرْتُ الخَشَبَ بِالْمِنْشَارِ نَشْراً اعتبارا بما يُنْشَرُ منه عند النَّحْتِ، و النُّشْرَةُ: رُقْيَةٌ يُعَالَجُ المريضُ بها.
نشز
النَّشْزُ: المُرْتَفِعُ من الأرضِ، و نَشَزَ فلانٌ: إذا قصد نَشْزاً، و منه: نَشَزَ فلان عن مقرِّه: نَبا، و كلُّ نابٍ نَاشِزٌ. قال تعالى: وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا [المجادلة/ 11] و يعبّر عن الإحياء بِالنَّشْزِ و الْإِنْشَازِ، لكونه ارتفاعا بعد اتِّضاع. قال تعالى: وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [البقرة/ 259]، و قُرِئَ بضَمِّ النون و فَتْحِهَا «2».
و قوله تعالى: وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَ‏ [النساء/ 34] و نُشُوزُ المرأة: بُغْضُها لزَوْجها و رفْعُ نفسِها عن طاعتِه، و عَيْنِها عنه إلى غيره، و بهذا النَّظر قال الشاعر:
441-
         إِذَا جَلَسَتْ عِنْدَ الإمامِ كأَنَّهَا             تَرَى رُفْقَةً من ساعةٍ تَسْتَحِيلُهَا «3»

و عِرْقٌ نَاشِزٌ. أيْ: نَاتِئٌ.
نشط
قال اللّه تعالى: وَ النَّاشِطاتِ نَشْطاً [النازعات/ 2] قيل: أراد بها النّجوم الخارجات من الشَّرْق إلى الغَرْب بسَيْرِ الفَلَك «4»، أو السّائِرَاتِ من المغرب إلى المشرق بسَيْرِ أنفسها.
من قولهم: ثور نَاشِطٌ: خارجٌ من أرض إلى أرض، و قيل: الملائكة التي تَنْشِطُ أرواحَ‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة شاذة.
 (2) و قراءة ننشزها بفتح النون و ضم الشين قراءة شاذة قرأ بها الحسن. انظر: الإتحاف ص 162.
 (3) البيت للفرزدق يخاطب زوجته النوار، و هو من قصيدة مطلعها:
         لعمري لقد أردى نوار و ساقها             إلى الغور أحلام قليل عقولها


و هو في ديوانه ص 416، و الكامل للمبرد 2/ 43، و تفسير الراغب ورقة 176.
 (4) هذا قول أبي عبيد، حيث قال: هي النجوم تطلع ثم تغيب.
و قيل: يعني النجوم تنشط من برج إلى برج، كالثور الناشط من بلد إلى البلد.
و المشهور في تفسير الآية أنها الملائكة، و هو مروي عن ابن عباس و ابن مسعود و مجاهد و السدي. انظر:
الدر المنثور 8/ 404، و اللسان (نشط).

806
مفردات ألفاظ القرآن

نشط ص 806

النَّاسِ، أي: تَنْزِعُ. و قيل: الملائكةُ التي تَعْقِدُ الأمورَ. من قولهم: نَشَطْتُ العُقْدَةَ، و تَخْصِيصُ النَّشْطِ، و هو العَقْدُ الذي يَسْهُلُ حَلُّه تنبيهاً على سهولةِ الأَمْر عليهم، و بئر أَنْشَاطٌ: قريبةُ القَعْرِ يخرُجُ دَلْوُهَا بجَذْبةٍ واحدةٍ، و النَّشِيطَةُ: ما يَنْشَطُ الرئيسُ لِأَخْذِهِ قبلَ القِسْمَة. و قيل: النَّشِيطَةُ مِن الإبلِ: أن يَجِدَها الجيشُ فتساقُ من غير أن يُحْدَى لها، و يقال: نَشَطَتْهُ الحَيَّةُ: نَهَشَتْهُ.
نشأ
النَّشْ‏ءُ و النَّشْأَةُ: إِحداثُ الشي‏ءِ و تربيتُهُ. قال تعالى: وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى‏ [الواقعة/ 62]. يقال: نَشَأَ فلان، و النَّاشِئُ يراد به الشَّابُّ، و قوله: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً [المزمل/ 6] يريد القيامَ و الانتصابَ للصلاة، و منه: نَشَأَ السَّحابُ لحدوثه في الهواء، و تربيته شيئا فشيئا. قال تعالى: وَ يُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ‏ [الرعد/ 12] و الْإنْشَاءُ: إيجادُ الشي‏ءِ و تربيتُهُ، و أكثرُ ما يقال ذلك في الحَيَوانِ.
قال تعالى: قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ [الملك/ 23]، و قال: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ‏ [النجم/ 32]، و قال: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ‏ [المؤمنون/ 31]، و قال: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون/ 14]، وَ نُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ‏ [الواقعة/ 61]، و يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [العنكبوت/ 20] فهذه كلُّها في الإيجاد المختصِّ باللّه، و قوله تعالى: أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ* أَ أَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ‏ [الواقعة/ 71- 72] فَلِتشبيه إيجادِ النَّارِ المستخرَجة بإيجادِ الإنسانِ، و قوله: أَ وَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ [الزخرف/ 18] أي: يُرَبَّى تربيةً كتربيةِ النِّسَاء، و قرئ: يَنْشَأُ «1» أي:
يَتَرَبَّى.
نصب‏
نَصْبُ الشي‏ءِ: وَضْعُهُ وضعاً ناتئاً كنَصْبِ الرُّمْحِ، و البِنَاء و الحَجَرِ، و النَّصِيبُ: الحجارة تُنْصَبُ على الشي‏ءِ، و جمْعُه: نَصَائِبُ و نُصُبٌ، و كان للعَرَبِ حِجَارةٌ تعْبُدُها و تَذْبَحُ عليها. قال تعالى: كَأَنَّهُمْ إِلى‏ نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏ [المعارج/ 43]، قال: وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏ [المائدة/ 3] و قد يقال في جمعه: أَنْصَابٌ، قال: وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ‏ [المائدة/ 90] و النُّصْبُ و النَّصَبُ: التَّعَبُ، و قرئ: بِنُصْبٍ وَ عَذابٍ‏ [ص/ 41] و (نَصَبٍ) «2» و ذلك‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة نافع و ابن كثير و أبي عمرو و ابن عامر و أبي جعفر و يعقوب. الإتحاف ص 385.
 (2) و هي قراءة يعقوب. الإتحاف ص 372.

807
مفردات ألفاظ القرآن

نصب ص 807

مثل: بُخْلٍ و بَخَلٍ. قال تعالى: لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ‏ [فاطر/ 35] و أَنْصَبَنِي كذا. أي:
أَتْعَبَنِي و أَزْعَجَنِي، قال الشاعرُ:
442-
         تَأَوَّبَنِي هَمٌّ مَعَ اللَّيْلِ مُنْصِبٌ «1»
و هَمٌّ نَاصِبٌ قيل: هو مثل: عِيشَةٍ راضِيَةٍ «2»، و النَّصَبُ: التَّعَبُ. قال تعالى: لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً [الكهف/ 62]. و قد نَصِبَ «3» فهو نَصِبٌ و نَاصِبٌ، قال تعالى:
عامِلَةٌ ناصِبَةٌ [الغاشية/ 3]. و النَّصِيبُ:
الحَظُّ الْمَنْصُوبُ. أي: المُعَيَّنُ. قال تعالى:
أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ‏ [النساء/ 53]، أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ* [آل عمران/ 23]، فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ‏ [الشرح/ 7] و يقال: نَاصَبَهُ الحربَ و العَداوةَ، و نَصَبَ له، و إن لم يُذْكَر الحربُ جَازَ، و تَيْسٌ أَنْصَبُ، و شَاةٌ أو عَنْزَةٌ نَصْبَاءُ: مُنْتَصِبُ القَرْنِ، و ناقةٌ نَصْبَاءُ: مُنْتَصِبَةُ الصَّدْرِ، و نِصَابُ السِّكِّين و نَصَبُهُ، و منه: نِصَابُ الشي‏ءِ: أَصْلُه، و رَجَعَ فلانٌ إلى مَنْصِبِهِ. أي: أَصْلِه، و تَنَصَّبَ الغُبارُ:
ارتَفَع، و نَصَبَ السِّتْرَ: رَفَعَهُ، و النَّصْبُ في الإِعراب معروفٌ، و في الغِنَاءِ ضَرْبٌ منه.
نصح‏
النُّصْحُ: تَحَرِّي فِعْلٍ أو قَوْلٍ فيه صلاحُ صاحبِهِ. قال تعالى: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ‏ [الأعراف/ 79]، و قال: وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ‏ [الأعراف/ 21]، وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ‏ [هود/ 34] و هو من قولهم: نَصَحْتُ له الوُدَّ.
أي: أَخْلَصْتُهُ، و نَاصِحُ العَسَلِ: خَالِصُهُ، أو من قولهم: نَصَحْتُ الجِلْدَ: خِطْتُه، و النَّاصِحُ:
الخَيَّاطُ، و النِّصَاحُ: الخَيْطُ، و قوله: تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم/ 8] فمِنْ أَحَدِ هذين، إِمَّا الإخلاصُ، و إِمَّا الإِحكامُ، و يقال:
نَصُوحٌ و نَصَاحٌ نحو ذَهُوب و ذَهَاب، قال:
443-
         أَحْبَبْتُ حُبّاً خَالَطَتْهُ نَصَاحَةٌ «4»
نصر
النَّصْرُ و النُّصْرَةُ: العَوْنُ. قال تعالى: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ‏ [الصف/ 13]، إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ‏ [النصر/ 1]، وَ انْصُرُوا

__________________________________________________
 (1) شطر بيت لطفيل الغنوي، و عجزه:
         و جاء من الأخبار ما لا أكذب.

و الشطر في عمدة الحفاظ (نصب)، دون نسبة، و البيت في الأغاني 14/ 87.
 (2) قال الأصمعي: همّ ناصب. أي: ذو نصب، مثل: ليل نائم: ذو نوم ينام فيه. و رجل دارع: ذو درع. اللسان (نصب).
 (3) قال أبو عثمان: نصب نصبا: أعيا من التعب. الأفعال: 3/ 152.
 (4) الشطر في عمدة الحفاظ (نصح)، دون نسبة.

808
مفردات ألفاظ القرآن

نصر ص 808

آلِهَتَكُمْ [الأنبياء/ 68]، إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ‏ [آل عمران/ 160]، وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ* [البقرة/ 250]، وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ‏ [الروم/ 47]، إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا [غافر/ 51]، وَ ما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ [التوبة/ 74]، وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَلِيًّا وَ كَفى‏ بِاللَّهِ نَصِيراً [النساء/ 45]، ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا نَصِيرٍ* [التوبة/ 116]، فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [الأحقاف/ 28] إلى غير ذلك من الآيات، و نُصْرَةُ اللّه للعبد ظاهرة، و نُصْرَةُ العبد للّه هو نصرته لعباده، و القيام بحفظ حدوده، و رعاية عهوده، و اعتناق أحكامه، و اجتناب نهيه. قال: وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ‏ [الحديد/ 25]، إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ‏ [محمد/ 7]، كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ‏ [الصف/ 14] وَ الِانْتِصَارُ و الِاسْتِنْصَارُ: طلب النُّصْرَة وَ الَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ‏ [الشورى/ 39]، وَ إِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال/ 72]، وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ‏ [الشورى/ 41]، فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر/ 10] و إنما قال:
 «فَانْتَصِرْ» و لم يقل: انْصُرْ تنبيهاً أنّ ما يلحقني يلحقك من حيث إنّي جئتهم بأمرك، فإذا نَصَرْتَنِي فقد انْتَصَرْتَ لنفسك، وَ التَّنَاصُرُ: التَّعاوُن. قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ‏ [الصافات/ 25]، وَ النَّصَارَى قيل: سُمُّوا بذلك لقوله: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ‏ [الصف/ 14]، و قيل: سُمُّوا بذلك انتسابا إلى قرية يقال لها: نَصْرَانَةُ، فيقال: نَصْرَانِيٌّ، و جمْعُه نَصَارَى، قال: وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى‏
 الآية [البقرة/ 113]، و نُصِرَ أرضُ بني فلان. أي: مُطِرَ «1»، و ذلك أنَّ المطَرَ هو نصرةُ الأرضِ، و نَصَرْتُ فلاناً: أعطيتُه، إمّا مُسْتعارٌ من نَصْرِ الأرض، أو من العَوْن.
نصف‏
نِصْفُ الشي‏ءِ: شطْرُه. قال تعالى: وَ لَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء/ 12]، وَ إِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ‏ [النساء/ 11]، فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ‏ [النساء/ 176]، و إِنَاءٌ نَصْفَانُ: بلغ ما فيه نِصْفَهُ، و نَصَفَ النّهارُ و انْتَصَفَ: بلغ نصْفَهُ، و نَصَفَ الإزارُ ساقَهُ، و النَّصِيفُ: مِكْيالٌ، كأنه نِصْفُ المكيالِ الأكبرِ، و مِقْنَعَةُ النِّساء كأنها نِصْفٌ من المِقْنَعَةِ الكبيرةِ، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) مجاز القرآن 2/ 46.

809
مفردات ألفاظ القرآن

نصف ص 809

444-
         سَقَطَ النَّصِيفُ وَ لَمْ تُرِدْ إِسْقَاطَهُ             فَتَنَاوَلَتْهُ وَ اتَّقَتْنَا بِالْيَدِ «1»

و بلغْنا مَنْصَفَ الطريقِ. و النَّصَفُ: المرأةُ التي بيْنَ الصغيرةِ و الكبيرةِ، و الْمُنَصَّفُ من الشراب:
ما طُبِخَ فذهب منه نِصْفُهُ، و الْإِنْصَافُ في المُعامَلة: العدالةُ، و ذلك أن لا يأخُذَ من صاحبه من المنافع إِلَّا مثْلَ ما يعطيه، و لا يُنِيلُهُ من المَضارِّ إلَّا مثْلَ ما يَنالُهُ منه، و استُعْمِل النَّصَفَةُ في الخدمة، فقيل للخادم: نَاصِفٌ، و جمعه:
نُصُفٌ، و هو أن يعطي صاحبَه ما عليه بإِزاء ما يأخذ من النَّفع. و الِانْتِصَافُ و الِاسْتِنْصَافُ:
طَلَبُ النَّصَفَةِ.
نصا
النَّاصِيَةُ: قُصَاصُ الشَّعْر، و نَصَوْتُ فُلاناً و انْتَصَيْتُهُ، و نَاصَيْتُهُ: أخذْتُ بِنَاصِيَتِهِ، و قوله تعالى: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها [هود/ 56]. أي: متمكِّنٌ منها. قال تعالى:
لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ* ناصِيَةٍ [العلق/ 15- 16]. و
حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (مَا لَكُمْ تَنْصُونَ مَيِّتَكُمْ؟) «2».
أي: تَمُدُّونَ ناصيته. و فلان نَاصِيَةُ قومه. كقولهم: رأسُهُمْ و عَيْنُهُمْ، و انْتَصَى الشَّعْرُ: طَالَ، و النَّصْيُ: مَرْعًى مِنْ أفضل المَرَاعِي. و فلانٌ نَصِيَّةُ قومٍ. أي: خِيارُهُمْ تشبيهاً بذلك المَرْعَى.
نضج‏
يقال: نَضَجَ اللَّحْمُ نُضْجاً و نَضْجاً: إذا أدْرَكَ شَيّه. قال تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها [النساء/ 56]، و منه قيل:
ناقة مُنَضِّجَةٌ: إذا جاوزتْ بحَمْلها وقتَ وِلادَتِهَا، و قد نَضَّجَتْ، و فلان نَضِيجُ الرَّأْي: مُحْكَمُهُ.
نضد
يقال: نَضَدْتُ المتاعَ بعضه على بعض:
أَلْقَيْتُهُ، فهو مَنْضُودٌ و نَضِيدٌ، و النَّضَدُ: السَّريرُ الذي يُنَضِّدُ عليه المتاعُ، و منه اسْتُعِيرَ: طَلْعٌ نَضِيدٌ [ق/ 10]، و قال تعالى: وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة/ 29]، و به شُبِّهَ السَّحابُ المتراكم فقيل له: النَّضَدُ، و أَنْضَادُ القومِ:
جماعاتُهم، و نَضَدُ الرَّجُلِ: مَنْ يَتَقَوَّى به من أَعْمامِهِ و أَخْوالِهِ.
نضر
النَّضْرَةُ: الحُسْنُ كَالنَّضَارَةِ، قال تعالى:
نَضْرَةَ النَّعِيمِ‏ [المطففين/ 24] أي:
__________________________________________________
 (1) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة مطلعها:
         أ من آل ميّة رائح أو مغتد             عجلان ذا زاد و غير مزوّد
و هو في ديوانه ص 40، و اللسان (نصف).
 (2) قال ابن الأثير: في حديث عائشة: سئلت عن الميّت يسرّح رأسه، فقالت: (علام تنصون ميتكم؟). النهاية 5/ 68.

810
مفردات ألفاظ القرآن

نضر ص 810

رَوْنَقَهُ. قال تعالى: وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً [الإنسان/ 11] و نَضَرَ وجْهُه يَنْضُرُ فهو نَاضِرٌ، و قيل: نَضِرَ يَنْضَرُ. قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة/ 22- 23] و نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ. و أَخْضَرُ نَاضِرٌ: غُصْنٌ حَسَنٌ.
و النَّضَرُ و النَّضِيرُ: الذَّهَبُ لِنَضَارَتِهِ، و قَدَحٌ نُضَارٌ:
خَالِصٌ كالتِّبْرِ، و قَدَحُ نُضَارٍ بِالإِضَافَةِ: مُتَّخَذٌ مِنَ الشَّجَرِ.
نطح‏
النَّطِيحَةُ: ما نُطِحَ من الأَغْنام فماتَ، قال تعالى: وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ [المائدة/ 3] و النَّطِيحُ و النَّاطِحُ: الظّبْيُ و الطائرُ الذي يَسْتَقْبِلُكَ بوجهه، كأنه يَنْطَحُكَ و يُتَشَاءَمُ به، و رجلٌ نَطِيحٌ:
مشْئُومٌ، و منه نَوَاطِحُ الدَّهْر. أي: شدائِدُهُ، و فرسٌ نَطِيحٌ: يأخُذ فَوْدَى رأسِهِ بَياضٌ.
نطف‏
النُّطْفَةُ: الماءُ الصافي، و يُعَبَّرُ بها عن ماء الرَّجُل. قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ‏ [المؤمنون/ 13]، و قال: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ‏ [الإنسان/ 2]، أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى‏ [القيامة/ 37] و يُكَنَّى عن اللُّؤْلُؤَةِ بِالنَّطَفَةِ، و منه: صَبِيٌّ مُنَطَّفٌ: إذا كان في أُذُنِهِ لُؤْلُؤَةٌ، و النَّطَفُ: اللُّؤْلُؤ. الواحدةُ: نَطَفَةٌ، و ليلة نَطُوفٌ: يجي‏ء فيها المطرُ حتى الصباح، و النَّاطِفُ: السائلُ من المائعات، و منه: النَّاطِفُ المعروفُ، و فلانٌ مَنْطِفُ المعروف، و فلان يَنْطِفُ بسُوء كذلك كقولك: يُنَدِّي به.
نطق‏
 [النُّطْقُ في التّعارُف: الأصواتُ المُقَطّعة التي يُظْهِرُها اللّسانُ و تَعِيهَا الآذَانُ‏]. قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ‏ [الصافات/ 92] و لا يكاد يقال إلّا للإنسان، و لا يقال لغيره إلّا على سبيل التَّبَع.
نحو: النَّاطِقُ و الصَّامِتُ، فيراد بالناطق ما له صوت، و بالصامت ما ليس له صوت، [و لا يقال للحيوانات ناطق إلّا مقيَّداً، و على طريق التشبيه كقول الشاعر:
445-
         عَجِبْتُ لَهَا أَنَّى يَكُونُ غِنَاؤُهَا             فَصِيحاً وَ لَمْ تَفْغَرْ لِمَنْطِقِهَا فَماً] «1»

و الْمَنْطِقِيُّونَ يُسَمُّون القوَّةَ التي منها النّطقُ نُطْقاً، و إِيَّاهَا عَنَوْا حيث حَدُّوا الإنسانَ، فقالوا:
هُوَ الحيُّ النَّاطِقُ المَائِتُ «2»، فالنّطقُ لفظٌ مشتركٌ عندهم بين القوَّة الإنسانيَّة التي يكون بها الكلامُ، و بين الكلامِ المُبْرَزِ بالصَّوْت، و قد يقال النَّاطِقُ لما يدلُّ على شي‏ء، و على هذا قيل لحكيم: ما الناطقُ الصامتُ؟ فقال: الدَّلائلُ المُخْبِرَةُ و العِبَرُ الواعظةُ. و قوله تعالى: لَقَدْ
__________________________________________________
 (1) البيت لحميد بن ثور، و هو في أمالي القالي 1/ 139، و الكامل 2/ 85، و ديوانه ص 27.
و ما بين [] نقله البغدادي في الخزانة 1/ 37.
 (2) انظر شرح السّلم ص 7.

811
مفردات ألفاظ القرآن

نطق ص 811

عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ‏ [الأنبياء/ 65] إشارة إلى أنّهم ليسوا من جِنْس النَّاطِقِينَ ذوي العقول، و قوله: قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ [فصلت/ 21] فقد قيل: أراد الاعتبارَ، فمعلومٌ أنَّ الأشياءَ كلّها ليستْ تَنْطِقُ إلّا من حيثُ العِبْرَةُ، و قوله: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ [النمل/ 16] فإنه سَمَّى أصواتَ الطَّيْر نُطْقاً اعتباراً بسليمان الذي كان يَفْهَمُهُ، فمن فَهِمَ من شي‏ء معنًى فذلك الشي‏ء بالإضافة إليه نَاطِقٌ و إن كان صامتاً، و بالإضافة إلى من لا يَفْهَمُ عنه صامتٌ و إن كان ناطقاً. و قوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ‏ [الجاثية/ 29] فإن الكتابَ ناطقٌ لكن نُطْقُهُ تُدْرِكُهُ العَيْنُ كما أنّ الكلام كتابٌ لكن يُدْرِكُهُ السَّمْعُ. و قوله: وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ [فصلت/ 21] فقد قيل: إن ذلك يكونُ بالصَّوْت المسموعِ، و قيل: يكونُ بالاعتبار، و اللّهُ أعلمُ بما يكون في النَّشْأَةِ الآخرةِ. و قيل:
حقيقةُ النُّطْقِ اللَّفْظُ الّذي هو كَالنِّطَاقِ للمعنى في ضَمِّهِ و حصْرِهِ. وَ الْمِنْطَقُ و الْمِنْطَقَةُ: ما يُشَدُّ به الوَسَطُ و قول الشاعر:
446-
         وَ أَبْرَحُ مَا أَدَامَ اللَّهُ قَوْمِي             بِحَمْدِ اللَّهِ مُنْتَطِقاً مُجِيداً «1»

فقد قيل: مُنْتَطِقاً: جَانِباً. أي: قَائِداً فَرَساً لم يَرْكَبْهُ، فإن لم يكن في هذا المعنى غيرُ هذا البيت فإنه يحتمل أن يكون أراد بِالمُنْتَطِقِ الذي شَدَّ النِّطَاقَ،
كَقَوْلِهِ: مَنْ يَطُلْ ذَيْلُ أَبِيهِ يَنْتَطِقْ بِهِ «2».
و قيل: معنى الْمُنْتَطِقِ المُجِيدِ: هو الذي يقول قولا فَيُجِيدُ فيه.
نظر
النَّظَرُ: تَقْلِيبُ البَصَرِ و البصيرةِ لإدرَاكِ الشي‏ءِ و رؤيَتِهِ، و قد يُرادُ به التَّأَمُّلُ و الفَحْصُ، و قد يراد به المعرفةُ الحاصلةُ بعد الفَحْصِ، و هو الرَّوِيَّةُ.
يقال: نَظَرْتَ فلم تَنْظُرْ. أي: لم تَتَأَمَّلْ و لم تَتَرَوَّ، و قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ‏ [يونس/ 101] أي: تَأَمَّلُوا. و استعمال النَّظَرِ في البَصَرِ أكثرُ عند العامَّةِ، و في البصيرةِ أكثرُ عند الخاصَّةِ، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى‏ رَبِّها ناظِرَةٌ [القيامة/ 22- 23] و يقال:
نَظَرْتُ إلى كذا: إذا مَدَدْتَ طَرْفَكَ إليه رَأَيْتَهُ أو لم تَرَهُ، و نَظَرْتُ فِيهِ: إذا رَأَيْتَهُ و تَدَبَّرْتَهُ، قال: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ‏ [الغاشية/
__________________________________________________
 (1) البيت لخداش بن زهير العامري، من قصيدة مطلعها:
         صبا قلبي و كلّفني كنودا             و عاود داءه منها التليدا

و هو في ديوانه ص 42، و المجمل 3/ 872، و اللسان (نطق)، و مجاز القرآن 1/ 316 و رواية الديوان:
         فأبرح ما أدام اللّه رهطي             رخيّ البال منتطقا مجيدا.
 (2) و هو من كلام عليّ بن أبي طالب في الفائق 1/ 68، و المجمل 3/ 872، و الأمثال ص 198، و مجمع الأمثال 2/ 300.

812
مفردات ألفاظ القرآن

نظر ص 812

17] نَظَرْتَ في كذا: تَأَمَّلْتَهُ. قال تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ* فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ‏ [الصافات/ 88- 89]، و قوله: تعالى: أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [الأعراف/ 185] فذلك حَثٌّ على تَأَمُّلِ حِكْمَتِهِ في خَلْقِهَا. و نَظَرُ اللَّهِ تعالى إلى عِبَادِهِ: هو إحسانُهُ إليهم و إفاضَةُ نِعَمِهِ عليهم. قال تعالى: وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران/ 77]، و على ذلك قوله: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطففين/ 15]، و النَّظَرُ: الانْتِظَارُ. يقال: نَظَرْتُهُ و انْتَظَرْتُهُ و أَنْظَرْتُهُ. أي: أَخَّرْتُهُ. قال تعالى:
وَ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ‏ [هود/ 122]، و قال:
فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ‏ [يونس/ 102]، و قال: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ‏ [الحديد/ 13]، وَ ما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ‏ [الحجر/ 8]، قالَ أَنْظِرْنِي إِلى‏ يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ‏ [الأعراف/ 15- 16]، و قال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ‏ [هود/ 55]، و قال: لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ‏ [السجدة/ 29]، و قال: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ‏ [الدخان/ 29]، فنفى الْإِنْظَارَ عنهم إشارةً إلى ما نبَّه عليه بقوله: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ* [الأعراف/ 34]، و قال: إِلى‏ طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ‏ [الأحزاب/ 53] أي:
منتظرين، و قال: فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ‏ [النمل/ 35]، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ [البقرة/ 210]، و قال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ‏ [الزخرف/ 66] و قال: ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً [ص/ 15]، و أما قوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ‏ [الأعراف/ 143]، فَشَرْحُهُ و بَحْثُ حَقَائِقِهِ يَخْتَصُّ بغير هذا الكتابِ. و يُستعمَل النَّظَرُ في التَّحَيُّرِ في الأمور. نحو قوله: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ‏ [البقرة/ 55]، و قال: وَ تَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لا يُبْصِرُونَ‏ [الأعراف/ 198]، و قال: وَ تَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ‏ [الشورى/ 45]، وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ‏ [يونس/ 43]، فكلّ ذلك نظر عن تحيُّر دالٍّ على قِلَّة الغِنَاءِ. و قوله:
وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ‏ [البقرة/ 50]، قيل: مُشَاهِدُونَ، و قيل: تَعْتَبِرُونَ، و قول الشاعر:
447-
         نَظَرَ الدَّهْرُ إِلَيْهِمْ فَابْتَهَل «1»
__________________________________________________
 (1) الشطر للبيد، و قد تقدّم في مادة (بهل).

813
مفردات ألفاظ القرآن

نظر ص 812

فتنبيهٌ أنه خانَهُمْ فَأَهْلَكَهُمْ. و حَيٌّ نَظَرٌ. أي:
مُتَجَاوِرُونَ يَرَى بعضُهم بعضاً،
كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ:
 «لَا يَتَرَاءَى نَارَاهُمَا» «1».
و النَّظِيرُ: المَثِيلُ، و أصلُه الْمُنَاظِرُ، و كأنه يَنْظُرُ كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحبِهِ فيُبَارِيهِ، و به نَظْرَةٌ. إشارةٌ إلى قول الشاعر:
448-
         و قَالُوا بِهِ مِنْ أَعْيُنِ الْجِنِّ نَظْرَةٌ «2»


و الْمُنَاظَرَةُ: المُبَاحَثَةُ و المُبَارَاةُ فِي النَّظَرِ، و اسْتِحْضَارُ كلِّ ما يَرَاهُ بِبَصِيرَتِهِ، و النَّظَرُ:
البَحْثُ، و هو أَعَمُّ مِنَ القِيَاسِ، لأنَّ كلَّ قياسٍ نَظَرٌ، و لَيْسَ كُلُّ نَظَرٍ قِيَاساً.
نعج‏
النَّعْجَةُ: الأُنْثَى من الضَّأْنِ، و البَقَر الوَحْش، و الشَّاةِ الجَبَلِيِّ، و جمْعها: نِعَاجٌ. قال تعالى:
إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً وَ لِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ [ص/ 23]، و نَعَجَ الرَّجُلُ: إذا أَكَلَ لَحْمَ ضَأْنٍ فَأَتْخَمَ منه، و أَنْعَجَ الرَّجُلُ: سَمِنَتْ نِعَاجُهُ، و النَّعْجُ: الابْيِضَاضُ، و أَرْضٌ نَاعِجَةٌ:
سَهْلَةٌ.
نعس‏
النُّعَاسُ: النَّوْمُ القليلُ. قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً [الأنفال/ 11]، نُعاساً [آل عمران/ 154] و قيل: النُّعَاسُ هاهنا عبارةٌ عن السُّكُونِ و الهُدُوِّ، و إشارةٌ إلى‏
قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «طُوبَى لِكُلِّ عَبْدٍ نُوَمَةٍ» «3».
نعق‏
نَعَقَ الرَّاعي بصَوْتِهِ. قال تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً [البقرة/ 171].
نعل‏
النَّعْلُ معروفةٌ. قال تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ‏ [طه/ 12] و به شُبِّهَ نَعْلُ الفَرَس، و نَعْلُ السَّيْف، و فَرَسٌ مُنْعَلٌ: في أسفَلِ رُسْغِهِ بَيَاضٌ عَلَى شَعَرِهِ، و رجل نَاعِلٌ و مُنْعَلٌ، و يُعَبَّرُ به عن الغَنِيِّ، كما يُعَبَّرُ بِالْحَافِي عَنِ الفَقِيرِ.
نعم‏
النِّعْمَةُ: الحالةُ الحسنةُ، و بِنَاء النِّعْمَة بِناء الحالةِ التي يكون عليها الإنسان كالجِلْسَة و الرِّكْبَة، و النَّعْمَةُ: التَّنَعُّمُ، و بِنَاؤُها بِنَاءُ المَرَّة من الفِعْلِ كالضَّرْبَة و الشَّتْمَة، و النِّعْمَةُ للجِنْسِ تقال للقليلِ و الكثيرِ. قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ

__________________________________________________
 (1) الحديث تقدّم في مادة (رأى).
 (2) شطر بيت، و عجزه:
          [و لو صدقوا قالوا به نظرة الإنس‏]

و هو في الغيث المسجم 1/ 263 دون نسبة.
 (3) هذا من حديث عليّ رضي اللّه عنه لا من حديث النبي صلّى اللّه عليه و سلم، فإنه قال: (تعلموا العلم تعرفوا به، و اعملوا به تكونوا من أهله، فإنه سيأتي بعد هذا زمان لا يعرف فيه تسعة عشرائهم المعروف، و لا ينجو منه إلا كلّ نومة، فأولئك أئمة الهدى، و مصابيح العلم، ليسوا بالمصابيح و لا المذاييع البذر) راجع الفائق 3/ 135، و غريب الحديث 3/ 463، و مسند علي رقم 1609، و نهج البلاغة ص 248.

814
مفردات ألفاظ القرآن

نعم ص 814

اللَّهِ لا تُحْصُوها [النحل/ 18]، اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ* [البقرة/ 40]، وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏ [المائدة/ 3]، فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ‏ [آل عمران/ 174] إلى غير ذلك من الآيات. و  الْإِنْعَامُ : إيصالُ الإحسانِ إلى الغَيْرِ، و لا يقال إلّا إذا كان  المُوصَلُ إليه من جِنْسِ النَّاطِقِينَ، فإنه لا يقال أَنْعَمَ فلانٌ على فَرَسِهِ. قال تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏  [الفاتحة/ 7]، وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ‏ [الأحزاب/ 37] و  النَّعْمَاءُ  بإِزَاءِ الضَّرَّاءِ. قال تعالى: وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ‏ [هود/ 10] و  النُّعْمَى  نقيضُ البُؤْسَى، قال: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ‏ [الزخرف/ 59] و  النَّعِيمُ : النِّعْمَةُ الكثيرةُ، قال:
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* [يونس/ 9]، و قال:
جَنَّاتُ النَّعِيمِ‏ [لقمان/ 8] وَ  تَنَعَّمَ : تَنَاوَلَ ما فيه النِّعْمَةُ  و طِيبُ العَيْشِ، يقال: نَعَّمَهُ تَنْعِيماً فَتَنَعَّمَ. أي: جَعَلَهُ في نِعْمَ ةٍ. أي: لِينِ عَيْشٍ و خَصْبٍ، قال: فَأَكْرَمَهُ وَ نَعَّمَهُ‏ [الفجر/ 15] و طعامٌ  نَاعِمٌ ، و جارية نَاعِمَةٌ. [و النَّعَمُ مختصٌّ بالإبل ‏]، و جمْعُه: أَنْعَامٌ، [و تسميتُهُ بذلك لكون الإبل عندهم أَعْظَمَ نِعْمةٍ، لكِنِ الْأَنْعَامُ تقال للإبل و البقر و الغنم، و لا يقال لها أَنْعَامٌ حتى يكون في جملتها الإبل‏] «1». قال: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَ الْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ‏ [الزخرف/ 12]، وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً [الأنعام/ 142]، و قوله: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَ الْأَنْعامُ‏ [يونس/ 24] فَالْأَنْعَامُ هاهنا عامٌّ في الإبل و غيرها. و النُّعَامَى: الرِّيحُ الجَنُوبُ النَّاعِمَةُ الهبُوبِ، و النَّعَامَةُ: سُمِّيَتْ تشبيها بِالنَّعَمِ في الخِلْقة، و النَّعَامَةُ: المَظَلَّةُ في الجَبَلِ، و على رأس البئر تشبيهاً بالنَّعَامَةِ في الهَيْئَة مِنَ البُعْدِ، و النَّعَائِمُ: من مَنَازِلِ القَمَرِ تشبيهاً بِالنَّعَامَةِ و قول الشاعر:
449-
         و ابْنُ النَّعَامَةِ عِنْدَ ذَلِكَ مَرْكَبِي «2»
فقد قيل: أراد رِجْلَهُ، و جعلها ابنَ النَّعَامَةِ تشبيهاً بها في السُّرْعَة. و قيل: النَّعَامَةُ بَاطِنُ القَدَمِ، و ما أرَى قال ذلك من قال إلّا من قولهم:
ابْنُ النَّعَامَةِ. و قولهم تَنَعَّمَ فُلَانٌ: إذا مَشَى مشياً خَفِيفاً فَمِنَ النِّعْمَةِ.
و «نِعْمَ» كلمةٌ تُسْتَعْمَلُ في المَدْحِ بإِزَاءِ بِئْسَ في‏
__________________________________________________
 (1) ما بين [] نقله البغدادي في الخزانة 1/ 408.
 (2) هذا عجز بيت، و شطره:
         و يكون مركبك القعود و رحله‏

و هو لعنترة في ديوانه ص 33، و المجمل 3/ 874. و قيل: هو لخزز بن لوذان.

815
مفردات ألفاظ القرآن

نعم ص 814

الذَّمّ، قال تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ* [ص/ 44]، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ‏ [الزمر/ 74]، نِعْمَ الْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ* [الأنفال/ 40]، وَ الْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ‏ [الذاريات/ 48]، إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ‏ [البقرة/ 271] و تقول: إن فَعَلْتَ كَذَا فَبِهَا وَ نِعْمَتْ. أي: نِعْمَتِ الخَصْلَةُ هِيَ، و غَسَّلْتُهُ غَسْلًا نِعِمَّا، يقال: فَعَلَ كذا و أَنْعَمَ. أي: زَادَ، و أصله من الإِنْعَامِ، و نَعَّمَ اللَّهُ بِكَ عَيْناً.
و «نَعَمْ» كلمةٌ للإيجابِ من لفظ النِّعْمَة، تقول: نَعَمْ و نُعْمَةُ عَيْنٍ و نُعْمَى عَيْنٍ و نُعَامُ عَيْنٍ، و يصحُّ أن يكون من لفظ أَنْعَمَ منه، أي: أَلْيَنَ و أَسْهَلَ.
نغض‏
الْإِنْغَاضُ: تَحْرِيكُ الرَّأْسِ نَحْوَ الغَيْر كالمتعجِّب منه. قال تعالى: فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ‏ [الإسراء/ 51] يقال: نَغَضَ نَغَضَاناً:
إذا حَرَّكَ رأسَه، و نَغَضَ أسنانَهُ في ارْتِجَافٍ، و النَّغْضُ: الظَّلِيمُ الّذي يَنْغِضُ رأسَه كثيراً، و النُّغْضُ: غُضْرُوفُ الكَتِفِ.
نفث‏
النَّفْثُ: قَذْفُ الرِّيقِ القليلِ، و هو أَقَلُّ من التَّفْلِ، و نَفْثُ الرَّاقِي و الساحرِ أن يَنْفُثَ في عُقَدِهِ، قال تعالى: وَ مِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق/ 4] و منه الحيَّةُ تَنْفُثُ السّمَّ، و قيل: لو سَأَلْتَهُ نُفَاثَةَ سواكٍ ما أعْطَاكَ «1». أي: ما بَقِيَ في أَسنانك فنَفَثْتَ به، و دمٌ نَفِيثٌ: نَفَثَهُ الجُرْحُ، و في المثل: لَا بُدَّ لِلْمَصْدُورِ أَنْ يَنْفُثَ «2».
نفح‏
نَفَحَ الرِّيحُ يَنْفُحُ نَفْحاً، و له نَفْحَةٌ طَيِّبة. أي:
هُبُوبٌ مِنَ الخيرِ، و قد يُسْتَعارُ ذلك للشرِّ. قال تعالى: وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ‏ [الأنبياء/ 46] و نَفَحَتِ الدَّابَّةُ: رَمَتْ بحافرها، و نَفَحَهُ بالسَّيْفِ: ضَرَبَهُ به، و النَّفُوحُ من النُّوق:
التي يخرُج لَبَنُهَا من غير حَلْبٍ، و قَوْسٌ نَفُوحٌ:
بعيدةُ الدَّفْعِ للسَّهْم، و إِنْفِحَةُ الجَدْيِ معروفةٌ.
نفخ‏
النَّفْخُ: نَفْخُ الرِّيحِ في الشي‏ءِ. قال تعالى:
يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ* [طه/ 102]، وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ* [الكهف/ 99]، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى‏ [الزمر/ 68]، و ذلك نحو قوله: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر/ 8] و منه نَفْخُ الرُّوح في النَّشْأَة الأُولى، قال: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي* [الحجر/ 29] يقال: انْتَفَخَ بطْنُه، و منه استُعِيرَ: انْتَفَخَ النّهارُ: إذا ارتْفَعَ، و نَفْخَةُ الرَّبيع‏
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 878، و اللسان (نفث).
 (2) انظر: البصائر 5/ 93، و المجمل 3/ 878، و مجمع الأمثال 2/ 241.

816
مفردات ألفاظ القرآن

نفخ ص 816

حِينَ أَعْشَبَ، و رجل مَنْفُوخٌ. أي: سَمِينٌ.
نفد
النَّفَادُ: الفَناءُ. قال تعالى: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ [ص/ 54] يقال: نَفِدَ يَنْفَدُ «1» قال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ [الكهف/ 109]، ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ‏ [لقمان/ 27]. و أَنْفَدُوا: فَنِيَ زادُهم، و خَصْمٌ مُنَافِدٌ: إذا خَاصَمَ لِيُنْفِدَ حُجَّةَ صاحبِهِ، يقال: نَافَدْتُهُ فَنَفَدْتُهُ.
نفذ
نَفَذَ السَّهْمُ في الرَّمِيَّة نُفُوذاً و نَفَاذاً، و المِثْقَبُ في الخَشَبِ: إذا خَرِقَ إلى الجهة الأُخرى، و نَفَذَ فلانٌ في الأمرِ نَفَاذاً و أَنْفَذْتُهُ. قال تعالى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ‏ [الرحمن/ 33] و نَفَّذْتُ الأمرَ تَنْفِيذاً، و الجيش في غَزْوِهِ، و
فِي الْحَدِيثِ: «نَفِّذُوا جَيْشَ أُسَامَةَ» «2».
و الْمَنْفَذُ المَمَرُّ النَّافِذُ.
نفر
النَّفْرُ: الانْزِعَاجُ عن الشي‏ءِ و إلى الشي‏ء، كالفَزَعِ إلى الشي‏ء و عن الشي‏ء. يقال: نَفَرَ عن الشي‏ء نُفُوراً. قال تعالى: ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً [فاطر/ 42]، وَ ما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً [الإسراء/ 41] و نَفَرَ إلى الحربِ يَنْفُرُ و يَنْفِرُ نَفْراً، و منه: يَوْمُ النَّفْرِ. قال تعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالًا [التوبة/ 41]، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً [التوبة/ 39]، ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ [التوبة/ 38]، وَ ما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [التوبة/ 122]. و الِاسْتِنْفَارُ:
حَثُّ القومِ على النَّفْرِ إلى الحربِ، و الِاسْتِنْفَارُ:
حَمْلُ القومِ على أن يَنْفِرُوا. أي: من الحربِ، و الِاسْتِنْفَارُ أيضا: طَلَبُ النِّفَارِ، و قوله تعالى:
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ [المدثر/ 50] قُرِئَ:
بفَتْحِ الفاء و كسرِها «3»، فإذا كُسِرَ الفاءُ فمعناه:
نَافِرَةٌ، و إذا فُتِحَ فمعناه: مُنَفَّرَةٌ. و النَّفَرُ و النَّفِيرُ و النَّفَرَةُ: عِدَّةُ رجالٍ يُمْكِنُهُم النَّفْرُ. و الْمُنَافَرَةُ:
المُحَاكَمَةُ في المُفَاخَرَةِ، و قد أُنْفِرَ فلانٌ: إذا فُضِّلَ في المُنافرةِ، و تقول العَرَبُ: نُفِّرَ فلانٌ إذا سُمِّيَ باسمٍ يَزْعُمُون أنّ الشّيطانَ يَنْفِرُ عنه، قال أعرابيٌّ: قيل لأبي لَمَّا وُلِدْتُ: نَفِّرْ عنه، فسَمَّانِي‏
__________________________________________________
 (1) راجع: الأفعال 3/ 163.
 (2) ذكر الخبر ابن حجر في الفتح، و فيه: ثم اشتد برسول اللّه وجعه، فقال: أنفذوا بعث أسامة، فجهّزه أبو بكر بعد أن استخلف، فسار إلى الجهة التي أمر بها، و قتل قاتل أبيه، و رجع بالجيش سالما، و قد غنموا. انظر: فتح الباري 8/ 152.
 (3) قرأ نافع و ابن عامر و أبو جعفر بفتح الفاء، و الباقون بكسرها. الإتحاف ص 427.

817
مفردات ألفاظ القرآن

نفر ص 817

قُنْفُذاً و كَنَّانِي أبا العَدَّاء «1». و نَفَرَ الجِلْدُ: وَرِمَ.
قال أبو عبيدة: هو من نِفَارِ الشي‏ءِ عن الشي‏ء.
أي: تَبَاعُدِهِ عنه و تَجَافِيهِ «2».
نفس‏
النَّفْسُ: الرُّوحُ في قوله تعالى: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ‏ [الأنعام/ 93] قال: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ‏ [البقرة/ 235]، و قوله: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ‏ [المائدة/ 116]، و قوله:
وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ* [آل عمران/ 30] فَنَفْسُهُ: ذَاتُهُ، و هذا- و إن كان قد حَصَلَ من حَيْثُ اللَّفْظُ مضافٌ و مضافٌ إليه يقتضي المغايرةَ، و إثباتَ شيئين من حيث العبارةُ- فلا شي‏ءَ من حيث المعنى سِوَاهُ تعالى عن الاثْنَوِيَّة من كلِّ وجهٍ. و قال بعض الناس: إن إضافَةَ النَّفْسِ إليه تعالى إضافةُ المِلْك، و يعني بنفسه نُفُوسَنا الأَمَّارَةَ بالسُّوء، و أضاف إليه على سبيل المِلْك. و الْمُنَافَسَةُ: مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ للتشبه بالأفاضلِ، و اللُّحُوقِ بهم من غير إِدْخال ضَرَرٍ على غيرِه. قال تعالى: وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ‏ [المطففين/ 26] و هذا كقوله:
سابِقُوا إِلى‏ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [الحديد/ 21] و النَّفَسُ: الرِّيحُ الداخلُ و الخارجُ في البدن من الفَمِ و المِنْخَر، و هو كالغِذاء للنَّفْسِ، و بانْقِطَاعِهِ بُطْلانُها و يقال للفَرَجِ: نَفَسٌ، و منه ما
رُوِيَ: «إِنِّي لَأَجِدُ نَفَسَ رَبِّكُمْ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ» «3».
و
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مِنْ نَفَسِ الرَّحْمَنِ» «4».
أي: ممَّا يُفَرَّجُ بها الكَرْبُ. يقال: اللَّهُمَّ نَفِّسْ عَنِّي، أي: فَرِّجْ عَنِّي. و تَنَفَّسَتِ الرِّيحُ: إذا هَبَّتْ طيِّبةً، قال الشاعر:
450-
         فَإِنَّ الصَّبَا رِيحٌ إِذَا مَا تَنَفَّسَتْ             عَلَى نَفْسِ مَحْزُونٍ تَجَلَّتْ هُمُومُهَا «5»

و النِّفَاسُ: وِلَادَةُ المَرْأَةِ، تقول: هي نُفَسَاءُ، و جمْعُها نُفَاسٌ «6»، و صَبيٌّ مَنْفُوسٌ، و تَنَفُّسُ النهار عبارةٌ عن توسُّعِه. قال تعالى: وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ‏

__________________________________________________
 (1) انظر: الخبر في المجمل 3/ 879، و اللسان (نفر).
 (2) انظر: مجاز القرآن 2/ 276 و 1/ 381.
 (3) الحديث عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «ألا إنّ الإيمان يمان، و الحكمة يمانية، و أجد نفس ربّكم من قبل اليمن» أخرجه أحمد 2/ 541، و رجاله رجال الصحيح غير شبيب و هو ثقة. راجع مجمع الزوائد 10/ 59.
 (4) الحديث عن أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لا تسبّوا الريح، فإنّها من روح اللّه تبارك و تعالى، و سلوا اللّه خيرها و خير ما فيها، و خير ما أرسلت به، و تعوّذوا باللّه من شرها و شرّ ما فيها و شرّ ما أرسلت به» أخرجه أحمد 5/ 123.
 (5) البيت لمجنون ليلى، و هو في ديوانه ص 252، و أمالي القالي 2/ 181، و غريب الحديث لابن قتيبة 1/ 291، و شرح الفصيح لابن درستويه 1/ 170.
 (6) النّفساء جمعها: نفساوات، و نفاس، و نفاس، و نفّس. اللسان (نفس).

818
مفردات ألفاظ القرآن

نفس ص 818

 [التكوير/ 18] و نَفِسْتُ بِكَذَا: ضَنَّتْ نَفْسِي بِهِ، و شَيْ‏ءٌ نَفِيسٌ، و مَنْفُوسٌ بِهِ، و مُنْفِسٌ.
نفش‏
النَّفْشُ نَشْرُ الصُّوفِ. قال تعالى: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ‏ [القارعة/ 5] و نَفْشُ الغَنَمِ:
انْتِشَارُهَا، و النَّفَشُ بالفتح: الغَنَمُ المُنْتَشِرَةُ. قال تعالى: إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ‏ [الأنبياء/ 78] و الإِبِلُ النَّوَافِشُ: المُتَرَدِّدَةُ لَيْلًا فِي المَرْعَى بِلَا رَاعٍ.
نفع‏
النَّفْعُ: ما يُسْتَعَانُ به في الوُصُولِ إلى الخَيْرَاتِ، و ما يُتَوَصَّلُ به إلى الخَيْرِ فهو خَيْرٌ، فَالنَّفْعُ خَيْرٌ، و ضِدُّهُ الضُّرُّ. قال تعالى: وَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً [الفرقان/ 3]، و قال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَ لا ضَرًّا [الأعراف/ 188]، و قال: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ‏ [الممتحنة/ 3]، وَ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ [سبأ/ 23]، وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي‏ [هود/ 34] إلى غير ذلك من الآيات.
نفق‏
نَفَقَ الشَّيْ‏ءُ: مَضَى و نَفِدَ، يَنْفُقُ، إِمَّا بالبيع نحو: نَفَقَ البَيْعُ نَفَاقاً، و منه: نَفَاقُ الأَيِّم، و نَفَقَ القَوْمُ: إذا نَفَقَ سُوقُهُمْ، و إمّا بالمَوْتِ نحو:
نَفَقَتِ الدَّابَّةُ نُفُوقاً، و إمّا بالفَنَاءِ نحو: نَفِقَتِ الدَّرَاهِمُ تَنْفَقُ و أَنْفَقْتُهَا. و الْإِنْفَاقُ قد يكون في المَالِ، و في غَيْرِهِ، و قد يكون واجباً و تطوُّعاً، قال تعالى: وَ أَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 195]، و أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ‏ [البقرة/ 254] و قال: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‏ءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ‏ [آل عمران/ 92]، وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ‏ [سبأ/ 39]، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ‏ [الحديد/ 10] إلى غير ذلك من الآيات. و قوله: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ‏ [الإسراء/ 100] أي: خَشْيَةَ الإِقْتَارِ، يقال: أَنْفَقَ فلانٌ: إذا نَفِقَ مالُهُ فافْتَقَرَ، فَالْإِنْفَاقُ هاهنا كالإِمْلَاقِ في قوله: وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ [الإسراء/ 31] و النَّفَقَةُ اسمٌ لما يُنْفَقُ، قال:
وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ [البقرة/ 270]، وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً [التوبة/ 121]، و النَّفَقُ:
الطريقُ النَّافِذُ، و السَّرَبُ في الأَرْض النَّافِذُ فيه.
قال: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ‏ [الأنعام/ 35] و منه: نَافِقَاءُ اليَرْبُوعِ، و قد نَافَقَ اليَرْبُوعُ، و نَفَقَ، و منه: النِّفَاقُ، و هو الدّخولُ في الشَّرْعِ من بابٍ و الخروجُ عنه من بابٍ، و على ذلك نبَّه بقوله: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ‏ [التوبة/ 67] أي: الخارجون من الشَّرْعِ، و جعل اللَّهُ المنافقين شرّاً من الكافرين.
فقال: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِن‏

819
مفردات ألفاظ القرآن

نفق ص 819

النَّارِ [النساء/ 145] و نَيْفَقُ السَّرَاوِيلِ معروفٌ «1».
نفل‏
النَّفَلُ قيل: هو الغَنِيمَةُ بعَيْنِهَا لكن اختلفتِ العبارةُ عنه لاختلافِ الاعْتِبَارِ، فإنه إذا اعتُبِر بكونه مظفوراً به يقال له: غَنِيمَةٌ، و إذا اعْتُبِرَ بكونه مِنْحَةً من اللّه ابتداءً من غير وجوبٍ يقال له: نَفَلٌ، و منهم من فَرَقَ بينهما من حيثُ العمومُ و الخصوصُ، فقال: الغَنِيمَةُ ما حَصَلَ مسْتَغْنَماً بِتَعَبٍ كان أو غَيْرِ تَعَبٍ، و باستحقاقٍ كان أو غيرِ استحقاقٍ، و قبل الظَّفَرِ كان أو بَعْدَهُ. و النَّفَلُ: ما يَحْصُلُ للإنسانِ قبْلَ القِسْمَةِ من جُمْلَةِ الغَنِيمَةِ، و قيل: هو ما يَحْصُلُ للمسلمين بغير قتالٍ، و هو الفَيْ‏ءُ «2»، و قيل هو ما يُفْصَلُ من المَتَاعِ و نحوه بَعْدَ ما تُقْسَمُ الغنائمُ، و على ذلك حُمِلَ قولُه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ‏ الآية [الأنفال/ 1]، و أصل ذلك من النَّفْلِ. أي: الزيادةِ على الواجبِ، و يقال له: النَّافِلَةُ. قال تعالى: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ‏ [الإسراء/ 79]، و على هذا قوله: وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً [الأنبياء/ 72] و هو وَلَدُ الوَلَدِ، و يقال:
نَفَلْتُهُ كذا. أي: أعطيْتُهُ نَفْلًا، و نَفَلَهُ السّلطانُ:
أعطاه سَلَبَ قَتِيلِهِ نَفْلًا. أي: تَفَضُّلًا و تبرُّعاً، و النَّوْفَلُ: الكثيرُ العَطَاءِ، و انْتَفَلْتُ من كذا:
انْتَقَيْتُ منه.
نقب‏
النَّقْبُ في الحائِطِ و الجِلْدِ كالثَّقْبِ في الخَشَبِ، يقال: نَقَبَ البَيْطَارُ سُرَّةَ الدَّابَّةِ بِالْمِنْقَبِ، و هو الذي يُنْقَبُ به، و الْمَنْقَبُ: المكانُ الذي يُنْقَبُ، و نَقْبُ الحائط، و نَقَّبَ القومُ:
سَارُوا. قال تعالى: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ‏ [ق/ 36] و كلب نَقِيبٌ: نُقِبَتْ غَلْصَمَتُهُ لِيَضْعُفَ صَوْتُه. و النَّقْبَةُ: أوَّلُ الجَرَبِ يَبْدُو، و جمْعُها: نُقَبٌ، و النَّاقِبَةُ: قُرْحَةٌ، و النُّقْبَةُ:
ثَوْبٌ كالإِزَارِ سُمِّيَ بذلك لِنُقْبَةٍ تُجْعَلُ فيها تِكَّةٌ، و الْمَنْقَبَةُ: طريقٌ مُنْفِذٌ في الجِبَالِ، و استُعِيرَ لفعل الكريمِ، إما لكونه تأثيراً له، أو لكونه مَنْهَجاً في رَفْعِهِ، و النَّقِيبُ: الباحثُ عن القوم و عن أحوالهم، و جمْعه: نُقَبَاءُ، قال: وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة/ 12].
نقذ
الْإِنْقَاذُ: التَّخْلِيصُ من وَرْطَةٍ. قال تعالى:
وَ كُنْتُمْ عَلى‏ شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها

__________________________________________________
 (1) نيفق السراويل هو الموضع المتسع منه. و هو فارسي معرّب. اللسان (نفق).
 (2) قال أحمد البدوي الشنقيطي في نظم مغازي النبي صلّى اللّه عليه و سلم:
         و فيئهم، و الفي‏ء في الأنفال             ما لم يكن أخذ عن قتال‏
             أمّا الغنيمة ففي الزحاف             و القتل عنوة لدى الزحاف.

 

820
مفردات ألفاظ القرآن

نقذ ص 820

 [آل عمران/ 103] و النَّقَذُ: ما أَنْقَذْتَهُ، و فَرَسٌ نَقِيذٌ: مأخوذٌ من قومٍ آخرين كأنه أُنْقِذَ منهم، و جمْعُه نَقَائِذُ.
نقر
النَّقْرُ: قَرْعُ الشَّيْ‏ءِ المُفْضِي إِلَى النَّقْبِ، و الْمِنْقَارُ: ما يُنْقَرُ به كمِنْقَارِ الطَّائرِ، و الحَدِيدَةِ التي يُنْقَرُ بها الرَّحَى، و عُبِّرَ به عن البَحْثِ، فقيل: نَقَرْتُ عَنِ الأَمْرِ، و استُعِيرَ للاغْتِيَابِ، فقيل: نَقَرْتُهُ، و قالتْ امرأةٌ لِزَوْجِهَا: مُرَّ بِي عَلَى بَنِي نَظْرَى و لا تَمُرَّ بي عَلَى بَنَاتِ نَقْرَى «1»، أي:
على الرجال الذين ينظُرون إليَّ لا على النِّساء اللَّواتِي يَغْتَبْنَنِي. و النُّقْرَةُ: وَقْبَةٌ يَبْقَى فيها ماءُ السَّيْلِ، و نُقْرَةُ القَفَا: وَقْبَتُهُ، و النَّقِيرُ: وَقْبَةٌ في ظَهْرِ النَّوَاةِ، و يُضْرَبُ به المَثَلُ في الشي‏ء الطَّفِيفِ، قال تعالى: وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً [النساء/ 124] و النَّقِيرُ أيضا: خَشَبٌ يُنْقَرُ و يُنْبَذُ فيه، و هو كَرِيمُ النَّقِيرِ. أي: كَرِيمٌ إذا نُقِرَ عنه. أي:
بُحِثَ، و النَّاقُورُ: الصُّورُ، قال تعالى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر/ 8] و نَقَرْتُ الرَّجُلَ: إذا صَوَّتَّ له بلسانِكَ، و ذلك بأن تُلْصِقَ لسانَك بنُقْرَةِ حَنَكِكَ، و نَقَرْتُ الرَّجُلَ: إذا خَصَصْتَهُ بالدَّعْوَةِ، كأَنَّك نَقَّرْتَ له بلسانِكَ مُشِيراً إليه، و يقال لتلك الدَّعْوَةِ: النَّقَرَى.
نقص‏
النَّقْصُ: الخُسْرَانُ في الحَظِّ، و النُّقْصَانُ المَصْدَرُ، و نَقَصْتُهُ فهو مَنْقُوصٌ. قال تعالى:
وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ‏ [البقرة/ 155]، و قال: وَ إِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ‏ [هود/ 109]، ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً [التوبة/ 4].
نقض‏
النَّقْضُ: انْتِثَارُ العَقْدِ مِنَ البِنَاءِ و الحَبْلِ، و العِقْدِ، و هو ضِدُّ الإِبْرَامِ، يقال: نَقَضْتُ البِنَاءَ و الحَبْلَ و العِقْدَ، و قد انْتَقَضَ انْتِقَاضاً، و النِّقْضُ الْمَنْقُوضُ، و ذلك في الشِّعْر أكثرُ، و النَّقْضُ كَذَلِكَ، و ذلك في البِنَاء أكثرُ «2»، و منه قيل للبعير المهزول: نِقْضٌ، و مُنْتَقِض الأَرْضِ من الكَمْأَةِ نِقْضٌ، و من نَقْضِ الحَبْل و العِقْد استُعِيرَ نَقْضُ العَهْدِ. قال تعالى: الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ‏ [الأنفال/ 56]، الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ* [البقرة/ 27]، وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النحل/ 91] و منه الْمُنَاقَضَةُ في الكلام، و في الشِّعْرِ كنَقَائِضِ جَرِيرٍ و الفرزدقِ «3»، و النَّقِيضَانِ مِنَ الكلامِ: ما لا يصحُّ أحدُهما مَعَ الآخَرِ. نحو: هو كذا، و ليس بكذا في شي‏ءٍ واحدٍ و حالٍ واحدةٍ، و منه:
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 3/ 881، و اللسان (نقر).
 (2) قال التبريزي: و النّقض: مصدر نقضت الحبل و العهد، و البناء أنقضه نقضا. تهذيب إصلاح المنطق 1/ 82.
 (3) و قد جمعها أبو عبيدة في كتاب، و هو مطبوع.

821
مفردات ألفاظ القرآن

نقض ص 821

انْتَقَضَتِ القُرْحَةُ، و انْتَقَضَتِ الدَّجَاجَةُ: صَوَّتَتْ عند وَقْتِ البَيْضِ، و حقيقةُ الِانْتِقَاضِ ليس الصَّوتَ إنما هو انْتِقَاضُهَا في نَفْسِهَا لِكَيْ يكونَ منها الصَّوْتُ في ذلك الوَقْتِ، فَعُبِّرَ عن الصَّوْتِ بِهِ، و قوله: الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ‏
 [الشرح/ 3] أي: كَسَرَهُ حتى صار له نَقِيضٌ، و الْإِنْقَاضُ.
صَوْتٌ لزَجْرِ القَعُودِ، قال الشاعر:
451-
         أَعْلَمْتُهَا الْإِنْقَاضَ بَعْدَ القَرْقَرَة «1»
و نَقِيضُ المَفَاصِلِ: صَوْتُهَا.
نقم‏
نَقِمْتُ الشَّيْ‏ءَ و نَقَمْتُهُ «2»: إذا أَنْكَرْتُهُ، إِمَّا باللِّسانِ، و إِمَّا بالعُقُوبةِ. قال تعالى: وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ‏ [التوبة/ 74]، وَ ما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ‏ [البروج/ 8]، هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا الآية [المائدة/ 59].
و النِّقْمَةُ: العقوبةُ. قال: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِ‏ [الأعراف/ 136]، فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا [الروم/ 47]، فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ‏ [الزخرف/ 25].
نكب‏
نَكَبَ عن كذا. أي: مَالَ. قال تعالى: عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ‏ [المؤمنون/ 74] و الْمَنْكِبُ:
مُجْتَمَعُ ما بين العَضُدِ و الكَتِفِ، و جمْعُه:
مَنَاكِبُ، و منه استُعِيرَ للأَرْضِ. قال تعالى:
فَامْشُوا فِي مَناكِبِها [الملك/ 15] و اسْتِعَارَةُ المَنْكِبِ لها كاسْتِعَارَةُ الظَّهْرِ لها في قوله: ما تَرَكَ عَلى‏ ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ [فاطر/ 45].
و مَنْكِبُ القومِ: رَأْسُ العُرَفَاءِ «3». مُسْتَعَارٌ مِنَ الجَارِحَةِ اسْتِعَارَةَ الرَّأْسِ للرَّئِيسِ، و الْيَدِ لِلنَّاصِرِ، و لِفُلَانٍ النِّكَابَةُ في قَوْمِهِ، كقولهم: النِّقَابَةُ.
و الْأَنْكَبُ: المَائِلُ المَنْكِبِ، و من الإبل الذي يَمْشِي في شِقٍّ. و النَّكَبُ: داءٌ يأْخُذُ في المَنْكِبِ. و النَّكْبَاءُ: رِيحٌ نَاكِبَةٌ عَنِ المَهَبِّ، و نَكَبَتْهُ حَوَادِثُ الدَّهْرِ. أي: هَبَّتْ عليه هُبُوبَ النَّكْبَاءِ.
نكث‏
النَّكْثُ: نَكْثُ الأَكْسِيَةِ و الغَزْلِ قَرِيبٌ مِنَ النَّقْضِ، و استُعِيرَ لِنَقْضِ العَهْدِ قال تعالى:
وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ‏ [التوبة/ 12]، إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ* [الأعراف/ 135] و النِّكْثُ‏
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و شطره:
         ربّ عجوز من أناس شهبرة

و هو لشظّاظ لص من بني ضبة، و الرجز في اللسان (نقض)، و المجمل 3/ 882.
 (2) انظر: الأفعال 3/ 220.
 (3) قال الجاحظ: و هم ثلاثة: منكب، و نقيب، و عريف. انظر: الحيوان 6/ 158.

822
مفردات ألفاظ القرآن

نكث ص 822

كالنِّقْضِ «1»، و النَّكِيثَةُ كالنَّقِيضَةُ، و كلُّ خَصْلة يَنْكُثُ فيها القومُ يقال لها: نَكِيثَةٌ. قال الشاعر:
452-
         مَتَى يَكُ أَمْرٌ لِلنَّكِيثَةِ أَشْهَد «2»
نكح‏
أصل النِّكَاحِ للعَقْدِ، ثم استُعِيرَ للجِماع، و مُحالٌ أن يكونَ في الأصلِ للجِمَاعِ، ثمّ استعير للعَقْد، لأَنَّ أسماءَ الجِمَاعِ كلَّهَا كِنَايَاتٌ لاسْتِقْبَاحِهِمْ ذكرَهُ كاسْتِقْبَاحِ تَعَاطِيهِ، و محال أن يَسْتَعِيرَ مَن لا يَقْصِدُ فحْشاً اسمَ ما يَسْتَفْظِعُونَهُ لما يَسْتَحْسِنُونَهُ. قال تعالى: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى‏ [النور/ 32]، إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ‏ [الأحزاب/ 49]، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ‏ [النساء/ 25] إلى غير ذلك من الآيات.
نكد
النَكَدُ: كُلُّ شي‏ءٍ خَرَجَ إلى طالبِهِ بتعسُّر، يقال: رَجُلٌ نَكَدٌ و نَكِدٌ، و نَاقَةٌ نَكْدَاءُ: طَفِيفَةُ الدَّرِّ صَعْبَةُ الحَلْبِ. قال تعالى: وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً [الأعراف/ 58].
نكر
الْإِنْكَارُ: ضِدُّ العِرْفَانِ. يقال: أَنْكَرْتُ كذا، و نَكِرْتُ، و أصلُه أن يَرِدَ على القَلْبِ ما لا يتصوَّره، و ذلك ضَرْبٌ من الجَهْلِ. قال تعالى: فَلَمَّا رَأى‏ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ‏ [هود/ 70]، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ‏ [يوسف/ 58] و قد يُستعمَلُ ذلك فيما يُنْكَرُ باللّسانِ، و سَبَبُ الإِنْكَارِ باللّسانِ هو الإِنْكَارُ بالقلبِ لكن ربّما يُنْكِرُ اللّسانُ الشي‏ءَ و صورتُه في القلب حاصلةٌ، و يكون في ذلك كاذباً. و على ذلك قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها [النحل/ 83]، فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ‏ [المؤمنون/ 69]، فَأَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ‏ [غافر/ 81] و الْمُنْكَرُ: كلُّ فِعْلٍ تحكُم العقولُ الصحيحةُ بقُبْحِهِ، أو تتوقَّفُ في استقباحِهِ و استحسانه العقولُ، فتحكم بقبحه الشّريعة، و إلى ذلك قصد بقوله: الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ [التوبة/ 112]، كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ‏ [المائدة/ 79]، وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ* [آل عمران/ 104]، وَ تَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ [العنكبوت/ 29] و تَنْكِيرُ الشَّيْ‏ءِ من حيثُ المعنى جعْلُه بحيث لا يُعْرَفُ. قال تعالى: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها [النمل/ 41] و تعريفُه جعْلُه بحيث يُعْرَفُ.
__________________________________________________
 (1) قال التبريزي: و النّقض: مثل النّكث. و النّكث: أن تنقض أخلاق الأخبية و الأكسية، فتغزل ثانية. تهذيب إصلاح المنطق 1/ 82.
 (2) هذا عجز بيت لطرفة بن العبد، و شطره:
         و قرّبت بالقربى و جدّك إنني‏

و هو في ديوانه ص 55، و المجمل 3/ 884.

823
مفردات ألفاظ القرآن

نكر ص 823

و استعمال ذلك في عبارة النحويِّين هو أن يُجْعَلَ الاسم على صِيغَةٍ مخصوصةٍ، و نَكَّرْتُ على فُلَانٍ و أَنْكَرْتُ: إذا فَعَلْتُ به فِعْلًا يَرْدَعُهُ. قال تعالى:
فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ* [الملك/ 18] أي:
إِنْكَارِي. و النُّكْرُ: الدّهاءُ و الأمْرُ الصَّعْبُ الذي لا يُعْرَفُ، و قد نَكِرَ نَكَارَةً «1»، قال تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى‏ شَيْ‏ءٍ نُكُرٍ [القمر/ 6]. و
فِي الْحَدِيثِ: «إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ أَتَاهُ مَلَكَانِ مُنْكَرٌ وَ نَكِيرٌ» «2».
و استُعِيرَتِ الْمُنَاكَرَةُ للمُحَارَبَةِ.
نكس‏
النَّكْسُ: قَلْبُ الشي‏ءِ عَلَى رَأْسِهِ، و منه:
نُكِسَ الوَلَدُ: إذا خَرَجَ رِجْلُهُ قَبْلَ رَأْسِهِ، قال تعالى: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى‏ رُؤُسِهِمْ‏ [الأنبياء/ 65] و النُّكْسُ في المَرَضِ أن يَعُودَ في مَرَضِهِ بعد إِفَاقَتِهِ، و من النَّكْسِ في العُمُرِ قال تعالى:
وَ مَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ‏ [يس/ 68] و ذلك مثل قوله: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى‏ أَرْذَلِ الْعُمُرِ* [النحل/ 70] و قرئ: نَنْكُسُهُ «3»، قال الأخفش: لا يكاد يقال نَكَّسْتُهُ بالتَّشْدِيدِ إلّا لما يُقْلَبُ فيُجْعَلُ رأسُهُ أسْفَلَهُ «4». و النِّكْسُ:
السَّهْمُ الذي انكَسَرَ فوقُه، فجُعِلَ أَعْلَاهُ أسْفَلُه فيكون رديئاً، و لِرَدَاءَتِهِ يُشَبَّهُ به الرَّجُلُ الدَّنِي‏ءُ.
نكص‏
النُّكُوصُ: الإِحْجَامُ عن الشي‏ء. قال تعالى:
نَكَصَ عَلى‏ عَقِبَيْهِ‏ [الأنفال/ 48].
نكف‏
يقال: نَكَفْتُ من كذا، و اسْتَنْكَفْتُ منه:
أَنِفْتُ. قال تعالى: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ‏ [النساء/ 172]، وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا [النساء/ 173] و أصله من: نَكَفْتُ الشيْ‏ءَ: نَحَّيْتُهُ، و من النَّكْفِ، و هو تَنْحِيَةُ الدَّمْعِ عن الخَدِّ بِالإِصْبَعِ، و بَحْرٌ لا يُنْكَفُ. أي: لا يُنْزَحُ، و الِانْتِكَافُ: الخُرُوجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَى أَرْضٍ.
نكل‏
يقال: نَكَلَ عَنِ الشَّيْ‏ءِ: ضَعُفَ و عَجَزَ،
__________________________________________________
 (1) قال السرقسطي: و نكر نكارة و نكرا، و أنكر فهو نكر و منكر: إذا صار داهيا. و نكرت: لا يتصرّف تصرف الأفعال.
الأفعال 3/ 124- 125.
 (2) الحديث عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه قال: «إنّ العبد إذا وضع في قبره و تولّى عنه أصحابه- و إنّه ليسمع قرع نعالهم- أتاه ملكان فيقعدانه ...» الحديث أخرجه البخاري 3/ 232 باب في عذاب القبر، و مسلم برقم (2870). و للترمذي- و هي رواية المؤلف-: «إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال أحدهما: المنكر، و الآخر: النكير ...» الحديث بطوله أخرجه في عذاب القبر، و قال: حديث حسن غريب (انظر عارضة الأحوذي 4/ 291)، و ابن حبان برقم (780).
 (3) و هي قراءة الجميع إلا عاصما و حمزة. الإتحاف ص 366.
 (4) ليس هذا النقل في معاني القرآن.

824
مفردات ألفاظ القرآن

نكل ص 824

و نَكَلْتُهُ: قَيَّدْتُهُ، و النِّكْلُ: قَيْدُ الدَّابَّةِ، و حديدةُ اللِّجَامِ، لكونهما مانِعَيْنِ، و الجمْعُ: الْأَنْكَالُ.
قال تعالى: إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَ جَحِيماً [المزمل/ 12] و نَكَّلْتُ به: إذا فَعَلْتُ به ما يُنَكَّلُ به غيرُه، و اسم ذلك الفعل نَكَالٌ. قال تعالى:
فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَ ما خَلْفَها [البقرة/ 66]، و قال: جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ‏ [المائدة/ 38] و
فِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ النَّكَلَ عَلَى النَّكَلِ» «1».
أي: الرَّجُلَ القَوِيَّ عَلَى الفَرَسِ القَوِيِّ.
نم‏
النَّمُّ: إِظْهَارُ الحَدِيثِ بِالوِشَايَةِ، و النَّمِيمَةُ الوِشَايَةُ، و رَجُلٌ نَمَّامٌ. قال تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‏ [القلم/ 11] و أصل النَّمِيمَةِ: الهَمْسُ و الحَرَكَةُ الخَفِيفَةُ، و منه: أَسْكَتَ اللَّهُ نَامَّتَهُ «2».
أي: ما يَنِمُّ عليه مِنْ حَرَكَتِهِ، و النَّمَّامُ: نَبْتٌ يَنِمُّ عليه رَائِحَتُهُ، و النَّمْنَمَةُ: خُطُوطٌ مُتَقَارِبَةٌ، و ذلك لقِلَّةِ الحَرَكَةِ من كاتِبِهَا في كِتَابَتِهِ.
نمل‏
قال تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ‏ [النمل/ 18] و طَعَامٌ مَنْمُولٌ: فيه النَّمْلُ، و النَّمْلَةُ: قُرْحَةٌ تَخْرُجُ بالجَنْبِ تشبيهاً بالنَّمْلِ في الهَيْئَةِ، و شَقٌّ في الحافِر، و منه: فَرَسٌ نَمِلُ القَوَائِمِ: خَفِيفُهَا. و يُستعارُ النَّمْلُ للنَّمِيمَةِ تَصَوُّراً لدَبِيبِهِ، فيقال: هو نَمِلٌ، و ذُو نَمْلَةٍ، و نَمَّالٌ. أي:
نَمَّامٌ، و تَنَمَّلَ القَوْمُ: تَفَرَّقُوا للجَمْعِ تَفَرُّقَ النَّمْلِ، و لذلك يقال: هُوَ أَجْمَعُ مِنْ نَمْلَةٍ «3»
، و الْأَنْمُلَةُ: طَرَفُ الأَصَابِعِ، و جمْعُه: أَنَامِلُ.
نهج‏
النَّهْجُ: الطريقُ الوَاضِحُ، و نَهَجَ الأمْرُ و أَنْهَجَ:
وَضَحَ، و مَنْهَجُ الطَّرِيقِ و مِنْهَاجُهُ. قال تعالى:
لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً [المائدة/ 48] و منه قولهم: نَهَجَ الثَّوْبُ و أَنْهَجَ: بَانَ فِيهِ أَثَرُ البِلَى، و قد أَنْهَجَهُ البِلَى.
نهر
النَّهْرُ: مَجْرَى الماءِ الفَائِضِ، و جمْعُه: أَنْهَارٌ، قال تعالى: وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً [الكهف/ 33]، وَ أَلْقى‏ فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَ أَنْهاراً وَ سُبُلًا [النحل/ 15] و جعل اللّهُ تعالى ذلك مثلا لما يَدِرُّ من فَيْضِهِ و فَضْلِهِ في الجنَّة على‏
__________________________________________________
 (1) عن أبي هريرة قال: إنّ اللّه يحب النّكل على النّكل. قيل: و ما النّكل على النّكل؟ قال: الرجل المجرّب القوي المبدئ المعيد على الفرس القوي المجرّب.
قال ابن كثير: أكثر ظنّي أنه رفعه، و قال غير ابن كثير: عن أبي هريرة، و لا يرفعه. راجع: غريب الحديث 3/ 44، و الفائق 3/ 127.
 (2) النّأمة: الصوت، و يقال: أسكت اللّه نأمته، أي: نغمته و صوته، و يقال: نامّته، بتشديد الميم، فيجعل من المضاعف، و هو ما ينمّ عليه من حركته. اللسان (نأم)، و المنتخب لكراع 1/ 46.
 (3) مجمع الأمثال 1/ 188.

825
مفردات ألفاظ القرآن

نهر ص 825

الناس. قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ [القمر/ 54]، وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً [نوح/ 12]، جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ* [المائدة/ 119].
و النَّهَرُ: السّعة تشبيها بنهر الماء، و منه: أَنْهَرْتُ الدَّمَ. أي: أسلته إسالة، و أَنْهَرَ الماء: جرى، و نَهْرٌ نَهِرٌ: كثير الماء، قال أبو ذؤيب:
453-
         أقامت به فابتنت خيمة             على قصب و فرات نَهِرٍ «1»

و النَّهَارُ: الوقت الذي ينتشر فيه الضّوء، و هو في الشرع: ما بين طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس، و في الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها. قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً [الفرقان/ 62] و قال:
أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً [يونس/ 24] و قابل به البيات في قوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً [يونس/ 50] و رجل نَهِرٌ:
صاحب نهار، و النَّهَارُ: فرخ الحبارى، و الْمَنْهَرَةُ:
فضاء بين البيوت كالموضع الذي تلقى فيه الكناسة، و النَّهْرُ و الِانْتِهَارُ: الزّجر بمغالظة، يقال: نَهَرَهُ و انْتَهَرَهُ، قال: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَ لا تَنْهَرْهُما [الإسراء/ 23]، وَ أَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [الضحى/ 10].
نهى‏
النَّهْيُ: الزّجر عن الشي‏ء. قال تعالى:
أَ رَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى‏* عَبْداً إِذا صَلَّى‏ [العلق/ 9- 10] و هو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره، و ما كان بالقول فلا فرق بين أن يكون بلفظة افعل نحو: اجتنب كذا، أو بلفظة لا تفعل. و من حيث اللفظ هو قولهم: لا تفعل كذا، فإذا قيل: لا تفعل كذا فنهي من حيث اللفظ و المعنى جميعا. نحو قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ* [البقرة/ 35]، و لهذا قال:
ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ [الأعراف/ 20] و قوله: وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ [النازعات/ 40] فإنه لم يعن أن يقول لنفسه: لا تفعل كذا، بل أراد قمعها عن شهوتها و دفعها عمّا نزعت إليه و همّت به، و كذا النهي عن المنكر يكون تارة باليد، و تارة باللّسان، و تارة بالقلب. قال تعالى:
أَ تَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا [هود/ 62] و قوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ إلى قوله: وَ يَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ [النحل/ 90] «2»، أي: يحثّ على فعل الخير و يزجر عن الشّرّ، و ذلك بعضه بالعقل الذي ركّبه فينا، و بعضه بالشّرع الذي شرعه لنا، و الِانْتِهَاءُ: الانزجار عمّا نهى عنه، قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) البيت في ديوان الهذليين 1/ 146، و شرح أشعار الهذليين 1/ 112، و تهذيب إصلاح المنطق 1/ 130.
 (2) الآية: إنّ اللّه يأمر بالعدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغي.

826
مفردات ألفاظ القرآن

نهى ص 826

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ‏ [الأنفال/ 38] و قال: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم/ 46] و قال:
لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ‏ [الشعراء/ 116]، فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ‏ [المائدة/ 91]، فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى‏ فَلَهُ ما سَلَفَ‏ [البقرة/ 275] أي: بلغ به نهايته. و الْإِنْهَاءُ في الأصل: إبلاغ النهي، ثم صار متعارفا في كلّ إبلاغ، فقيل: أَنْهَيْتُ إلى فلان خبر كذا. أي: بلّغت إليه النهاية، و نَاهِيكَ من رجل كقولك: حسبك، و معناه: أنه غاية فيما تطلبه، و ينهاك عن تطلّب غيره، و ناقة نِهْيَةٌ:
تناهت سمنا، و النُّهْيَةُ: العقل الناهي عن القبائح. جمعها: نُهًى. قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى‏* [طه/ 54] و تَنْهِيَةُ الوادي حيث ينتهي إليه السّيل، و نَهَاءُ النّهار:
ارتفاعه، و طلب الحاجة حتى نُهِيَ عنها. أي:
انتهى عن طلبها، ظفر بها أو لم يظفر.
نوب‏
النَّوْبُ: رجوع الشي‏ء مرّة بعد أخرى. يقال:
نَابَ نَوْباً و نَوْبَةً، و سمّي النّحل نَوْباً لرجوعها إلى مقارّها، و نَابَتْهُ نَائِبَةٌ. أي: حادثة من شأنها أن تَنُوبَ دائبا، و الْإِنَابَةُ إلى اللّه تعالى: الرّجوع إليه بالتّوبة و إخلاص العمل. قال تعالى: وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ‏ [ص/ 24]، وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا [الممتحنة/ 4]، وَ أَنِيبُوا إِلى‏ رَبِّكُمْ‏ [الزمر/ 54]، مُنِيبِينَ إِلَيْهِ* [الروم/ 31] و فلان يَنْتَابُ فلانا. أي: يقصده مرّة بعد أخرى.
نوح‏
نُوحٌ اسم نبيّ، و النَّوْحُ: مصدر نَاحَ أي: صاح بعويل، يقال: نَاحَتِ الحمامة نَوْحاً و أصل النَّوْحِ: اجتماع النّساء في الْمَنَاحَةِ، و هو من التَّنَاوُحِ. أي: التّقابل، يقال: جبلان يَتَنَاوَحَانِ، و ريحان يتناوحان، و هذه الرّيح نَيْحَةُ تلك. أي:
مقابلتها، و النَّوَائِحُ: النّساء، و الْمَنُوحُ: المجلس.
نور
النُّورُ: الضّوء المنتشر الذي يعين على الإبصار، و ذلك ضربان دنيويّ، و أخرويّ، فالدّنيويّ ضربان: ضرب معقول بعين البصيرة، و هو ما انتشر من الأمور الإلهية كنور العقل و نور القرآن. و محسوس بعين البصر، و هو ما انتشر من الأجسام النَّيِّرَةِ كالقمرين و النّجوم و النّيّرات.
فمن النّور الإلهي قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ‏ [المائدة/ 15]، و قال:
وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها [الأنعام/ 122]، و قال: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشورى/ 52] و قال: أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى‏ نُورٍ مِنْ رَبِّه‏

827
مفردات ألفاظ القرآن

نور ص 827

 [الزمر/ 22]، و قال: نُورٌ عَلى‏ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ [النور/ 35]، و من المحسوس الذي بعين البصر نحو قوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً [يونس/ 5] و تخصيص الشّمس بالضّوء، و القمر بالنّور من حيث إنّ الضّوء أخصّ من النّور، قال: وَ قَمَراً مُنِيراً [الفرقان/ 61] أي: ذا نور. و مما هو عامّ فيهما قوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ [الأنعام/ 1]، و قوله: وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ‏ [الحديد/ 28]، وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها [الزمر/ 69] و من النّور الأخرويّ قوله: يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ‏ [الحديد/ 12]، وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا [التحريم/ 8] انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ‏ [الحديد/ 13]، فَالْتَمِسُوا نُوراً [الحديد/ 13]، و يقال: أَنَارَ اللّه كذا، و نَوَّرَهُ، و سمّى اللّه تعالى نفسه نورا من حيث إنه هو الْمُنَوِّرُ، قال: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ‏ [النور/ 35] و تسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله. و النَّارُ تقال للّهيب الذي يبدو للحاسّة، قال: أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ‏ [الواقعة/ 71]، و قال: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة/ 17]، و للحرارة المجرّدة، و لنار جهنّم المذكورة في قوله: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحج/ 72]، وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ* [البقرة/ 24]، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة/ 6] و قد ذكر ذلك في غير موضع. و لنار الحرب المذكورة في قوله:
كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ‏ [المائدة/ 64]، و قال بعضهم: النّار و النّور من أصل واحد، و كثيرا ما يتلازمان لكن النار متاع للمقوين في الدّنيا، و النّور متاع لهم في الآخرة، و لأجل ذلك استعمل في النّور الاقتباس، فقال: نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ‏ [الحديد/ 13] و تَنَوَّرْتُ نارا: أبصرتها، و الْمَنَارَةُ «1»: مفعلة من النّور، أو من النار كمنارة السّراج، أو ما يؤذّن عليه، و مَنَارُ الأرض:
أعلامها، و النَّوَارُ: النّفور من الرّيبة، و قد نَارَتِ المرأة تَنُورُ نَوْراً و نَوَاراً، و نَوْرُ الشّجر و نُوَّارُهُ تشبيها بالنّور، و النَّوْرُ: ما يتّخذ للوشم. يقال: نَوَّرَتِ المرأة يدها، و تسميته بذلك لكونه مظهرا لنور العضو.
نوس‏
النَّاسُ قيل: أصله أُنَاس، فحذف فاؤه لمّا أدخل عليه الألف و اللام، و قيل: قلب من نسي، و أصله إنسيان على افعلان، و قيل: أصله من: نَاسَ يَنُوسُ: إذا اضطرب، و نِسْتُ الإبل:
سقتها، و قيل: ذو نُوَاسٍ: ملك كان ينوس على ظهره ذؤابة فسمّي بذلك، و تصغيره على هذا
__________________________________________________
 (1) انظر العين 8/ 276.

828
مفردات ألفاظ القرآن

نوس ص 828

نُوَيْسٌ. قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ‏ [الناس/ 1] [و الناس قد يذكر و يراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوّزا، و ذلك إذا اعتبر معنى الإنسانيّة، و هو وجود العقل، و الذّكر، و سائر الأخلاق الحميدة، و المعاني المختصّة به، فإنّ كلّ شي‏ء عدم فعله المختصّ به لا يكاد يستحقّ اسمه كاليد، فإنّها إذا عدمت فعلها الخاصّ بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقها على يد السّرير و رجله، فقوله: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ‏ [البقرة/ 13] أي: كما يفعل من وجد فيه معنى الإنسانيّة، و لم يقصد بالإنسان عينا واحدا بل قصد المعنى، و كذا قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ‏ [النساء/ 54] أي: من وجد فيه معنى الإنسانيّة أيّ إنسان كان، و ربّما قصد به النّوع كما هو، و على هذا قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ‏
 «1» «2».
نوش‏
النَّوْشُ: التّناول. قال الشاعر:
454-
         تَنُوشُ البرير حيث طاب اهتصارها «3»

البرير: ثمر الطّلح، و الِاهْتِصَارُ: الإمالة، يقال: هصرت الغصن: إذا أملته، و تَنَاوَشَ القوم كذا: تناولوه. قال تعالى: وَ أَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ‏ [سبأ/ 52] أي: كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد، و لم يكونوا يتناولونه عن قريب في حين الاختيار و الانتفاع بالإيمان.
إشارة إلى قوله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها الآية [الأنعام/ 158]. و من همز «4»، فإما أنه أبدل من الواو همزة. نحو:
أقّتت في وقّتت، و أدؤر في أدور، و إمّا أن يكون من النَّأْشِ، و هو الطّلب.
نوص‏
نَاصَ إلى كذا: التجأ إليه، و نَاصَ عنه: ارتدّ، يَنُوصُ نَوْصاً، و الْمَنَاصُ: الملجأ. قال تعالى:
وَ لاتَ حِينَ مَناصٍ‏ [ص/ 3].
نيل‏
النَّيْلُ: ما يَنَالُهُ الإنسان بيده، نِلْتُهُ أَنَالُهُ نَيْلًا.
قال تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ [آل عمران/ 92]، وَ لا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا [التوبة/ 120]، لَمْ يَنالُوا خَيْراً [الأحزاب/ 25]
 [نول‏]
و النَّوْلُ: التّناول. يقال: نِلْتُ كذا أَنُولُ نَوْلًا، و أَنَلْتُهُ: أوليته، و ذلك مثل: عطوت كذا:
تَنَاوَلْتُ، و أعطيته: أَنَلْتُهُ. و نِلْتُ: أصله نَوِلْتُ‏
__________________________________________________
 (1) قيل في الآية إنّ المراد بالناس هو النبي صلّى اللّه عليه و سلم، و قيل: العرب. انظر: الدر المنثور 2/ 566.
 (2) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 2/ 227.
 (3) هذا عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي، و صدره:
         فما أمّ خشف بالعلاية شادن‏

و هو في شرح ديوان الهذليين 1/ 71، و اللسان (نوش).
 (4) و بها قرأ أبو عمرو و شعبة و حمزة و الكسائي و خلف. الإتحاف ص 360.

829
مفردات ألفاظ القرآن

نول ص 829

على فعلت، ثم نقل إلى فلت. و يقال: ما كان نَوْلُكَ أن تفعل كذا. أي: ما فيه نَوَالُ صلاحك، قال الشاعر:
455-
         جزعت و ليس ذلك بِالنَّوَالِ «1»
قيل: معناه بصواب. و حقيقة النَّوَالِ: ما يناله الإنسان من الصلة، و تحقيقه ليس ذلك مما تنال منه مرادا، و قال تعالى: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى‏ مِنْكُمْ‏ [الحج/ 37].
نوم‏
النَّوْمُ: فسّر على أوجه كلّها صحيح بنظرات مختلفة، قيل: هو استرخاء أعصاب الدّماغ برطوبات البخار الصاعد إليه، و قيل: هو أن يتوفّى اللّه النّفس من غير موت. قال تعالى:
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية [الزمر/ 42].
و قيل: النَّوْمُ موت خفيف، و الموت نوم ثقيل، و رجل نَئُومٌ و نُوَمَةٌ: كثير النّوم، و الْمَنَامُ: النّوم.
قال تعالى: وَ مِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ‏ [الروم/ 23]، وَ جَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً [النبأ/ 9]، لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ [البقرة/ 255] و النُّوَمَةُ أيضا: خامل الذّكر، و اسْتَنَامَ فلان إلى كذا: اطمأنّ إليه، و الْمَنَامَةُ: الثّوب الذي ينام فيه، و نَامَتِ السّوق: كسدت، و نَامَ الثّوب:
أخلق، أو خلق معا، و استعمال النّوم فيهما على التّشبيه.
نون‏
النُّونُ: الحرف المعروف. قال تعالى: ن وَ الْقَلَمِ [القلم/ 1] و النُّونُ: الحوت العظيم، و سمّي يونس ذا النّون في قوله: وَ ذَا النُّونِ‏ [الأنبياء/ 87] لأنّ النّون كان قد التقمه، و سمّي سيف الحارث ابن ظالم ذا النُّونِ «2».
ناء
يقال: نَاءَ بجانبه يَنُوءُ و يَنَاءُ. قال أبو عبيدة «3»:
نَاءَ مثل ناع. أي: نهض، و أَنَأْتُهُ: أنهضته. قال تعالى: ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ [القصص/ 76].
نأى‏
يقال: نَأَى بجانبه. قال أبو عمرو: نَأَى يَنْأَى‏
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت للبيد، و صدره:
         وقفت بهنّ حتى قال صحبي‏

: و هو من قصيدة مطلعها:
         أ لم تلمم على الدّمن الخوالي             لسلمى بالمذانب فالقفال‏
و هو في ديوانه ص 104، و المجمل 3/ 849.
 (2) انظر: اللسان (نون)، و المجمل 3/ 849.
 (3) ليس في مجاز القرآن.

830
مفردات ألفاظ القرآن

نأى ص 830

نَأْياً، مثل: نعى: أعرض، و قال أبو عبيدة:
تباعد «1». و قرئ: نَأى‏ بِجانِبِهِ* [الإسراء/ 83] «2» مثل: نعى. أي: نهض به، عبارة عن التكبر كقولك: شمخ بأنفه، و ازورّ بجانبه «3».
و انْتَأَى افتعل منه، و الْمُنْتَأَى: الموضع البعيد، و قرئ: ناء بجانبه [الإسراء/ 83] «4» أي:
تباعد. و منه: النُّؤْيُ: لحفيرة حول الخباء تباعد الماء عنه.
و النِّيَّةُ تكون مصدرا، و اسما من: نويت، و هي توجّه القلب نحو العمل، و ليس من ذلك بشي‏ء.
تمّ كتاب النون‏
__________________________________________________
 (1) انظر: مجاز القرآن 1/ 389.
 (2) و هي قراءة الجميع إلا ابن ذكوان و أبا جعفر.
 (3) و في معناه: صدّ و صدف، و ازورّ و جنف، و نبا عنه و جفاه، و نفر عنه و قلاه، و ثنى عطفه، و طوى كشحه. انظر:
جواهر الألفاظ ص 255.
 (4) و «ناء» قراءة ابن ذكوان و أبي جعفر. الإتحاف ص 286.

831
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الهاء

كتاب الهاء
هبط
الْهُبُوطُ: الانحدار على سبيل القهر كهبوط الحجر، و الْهَبُوطُ بالفتح: المنحدر. يقال:
هَبَطْتُ أنا، و هَبَطْتُ غيري، يكون اللازم و المتعدّي على لفظ واحد. قال تعالى: وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 74] يقال: هَبَطْتُ و هَبَطْتُهُ هَبْطاً، و إذا استعمل في الإنسان الْهُبُوطُ فعلى سبيل الاستخفاف بخلاف الإنزال، فإنّ الإنزال ذكره تعالى في الأشياء التي نبّه على شرفها، كإنزال الملائكة و القرآن و المطر و غير ذلك. و الهبوطُ ذكر حيث نبّه على الغضّ نحو: وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة/ 36]، فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها [الأعراف/ 13]، اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ‏ [البقرة/ 61] و ليس في قوله: فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ [البقرة/ 61] تعظيم و تشريف، أ لا ترى أنه تعالى قال:
وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة/ 61]، و قال جلّ ذكره: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً [البقرة/ 38] و يقال: هَبَطَ المَرَضُ لحم العليل: حطّه عنه، و الْهَبِيطُ:
الضّامر من النّوق و غيرها إذا كان ضمره من سوء غذاء، و قلّة تفقّد.
هبا
هَبَا الغبار يَهْبُو: ثار و سطع، و الْهَبْوَةُ كالغبرة، و الْهَبَاءُ: دقاق التّراب و ما نبت في الهواء فلا يبدو إلّا في أثنا ضوء الشمس في الكوّة. قال تعالى:
فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان/ 23]، فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا. [الواقعة/ 6].
هجد
الْهُجُودُ: النّوم، و الْهَاجِدُ: النّائم، و هَجَّدْتُهُ فَتَهَجَّدَ: أزلت هجوده نحو: مرّضته. و معناه:
أيقظته فتيقّظ، و قوله: وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ‏ [الإسراء/ 79] أي: تيقّظ بالقرآن، و ذلك حثّ على إقامة الصلاة في الليل المذكور في قوله:

832
مفردات ألفاظ القرآن

هجد ص 832

قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِصْفَهُ [المزمل/ 2- 3] و الْمُتَهَجِّدُ: المصلّي ليلا، و أَهْجَدَ البعير: ألقى جرانه على الأرض متحرّيا للهجود.
هجر
الْهَجْرُ و الْهِجْرَانُ: مفارقة الإنسان غيره، إمّا بالبدن، أو باللّسان، أو بالقلب. قال تعالى:
وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ‏ [النساء/ 34] كناية عن عدم قربهنّ، و قوله تعالى: إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً [الفرقان/ 30] فهذا هَجْر بالقلب، أو بالقلب و اللّسان. و قوله:
وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلًا [المزمل/ 10] يحتمل الثلاثة، و مدعوّ إلى أن يتحرّى أيّ الثلاثة إن أمكنه مع تحرّي المجاملة، و كذا قوله تعالى:
وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا [مريم/ 46]، و قوله تعالى:
وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر/ 5]، فحثّ على المفارقة بالوجوه كلّها. و الْمُهَاجَرَةُ في الأصل:
مصارمة الغير و متاركته، من قوله عزّ و جلّ:
وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا [الأنفال/ 74]، و قوله: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ‏ [الحشر/ 8]، و قوله:
وَ مَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ‏ [النساء/ 100]، فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏ [النساء/ 89] فالظاهر منه الخروج من دار الكفر إلى دار الإيمان كمن هاجر من مكّة إلى المدينة، و قيل: مقتضى ذلك هجران الشّهوات و الأخلاق الذّميمة و الخطايا و تركها و رفضها، و قوله: إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى‏ رَبِّي‏ [العنكبوت/ 26] أي: تارك لقومي و ذاهب إليه. و قوله: أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [النساء/ 97]، و كذا المجاهدة تقتضي مع العدى مجاهدة النّفس كما
رُوِيَ فِي الْخَبَرِ: «رَجَعْتُمْ مِنَ الْجِهَادِ الْأَصْغَرِ إِلَى الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ» «1».
و هو مجاهدة النّفس. و
رُوِيَ:
 (هَاجِرُوا وَ لَا تَهَجَّرُوا) «2».
أي: كونوا من المهاجرين، و لا تتشبّهوا بهم في القول دون الفعل، و الْهُجْرُ: الكلام القبيح المهجور لقبحه.
و
فِي الْحَدِيثِ: «وَ لَا تَقُولُوا هُجْراً» «3».
و أَهْجَرَ فلان: إذا أتى بهجر من الكلام عن قصد،
__________________________________________________
 (1) عن جابر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» قال العراقي: رواه البيهقي في الزهد، و فيه ضعف. انظر: تخريج أحاديث الإحياء 4/ 1537 و الزهد للبيهقي ص 165.
 (2) هذا من حديث عمر فإنه قال: (هاجروا و لا تهجّروا، و اتقوا الأرنب أن يحذفها أحدكم بالعصا، و لكن ليذك لكم الأسل الرماح و النبل). انظر: غريب الحديث 3/ 310، و النهاية 5/ 245.
 (3) شطر الحديث: عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم قال: «نهيتكم عن لحوم الأضحى بعد ثلاث، فكلوا و تصدّقوا و ادّخروا، و نهيتكم عن الانتباذ، فانتبذوا، و كلّ مسكر حرام، و نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، و لا تقولوا هجرا» أخرجه مالك في الموطأ، باب ادخار لحوم الأضاحي. انظر: شرح الزرقاني 3/ 76. و أخرجه الطبراني في الأوسط 3/ 343.

833
مفردات ألفاظ القرآن

هجر ص 833

و هَجَرَ المريض: إذا أتى ذلك من غير قصد، و قرئ: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تُهْجِرُونَ [المؤمنون/ 67] «1»، و قد يشبّه المبالغ في الهجر بِالْمُهْجِرِ، فيقال: أَهْجَرَ: إذا قصد ذلك، قال الشاعر:
456-
         كما جدة الأعراق قال ابن ضرّة             عليها كلاما جار فيه و أَهْجَرَا «2»

و رماه بِهَاجِرَاتِ فمه أي: فضائح كلامه، و قوله: فلان هِجِّيرَاهُ كذا: إذا أولع بذكره، و هذي به هذيان المريض المهجر، و لا يكاد يستعمل الْهِجِّيرُ إلّا في العادة الذّميمة اللّهمّ إلّا أن يستعمله في ضدّه من لا يراعي مورد هذه الكلمة عن العرب. و الْهَجِيرُ و الْهَاجِرَةُ: الساعة التي يمتنع فيها من السّير كالحرّ، كأنها هجرت النّاس و هجرت لذلك، و الْهِجَارُ: حبل يشدّ به الفحل، فيصير سببا لهجرانه الإبل، و جعل على بناء العقال و الزّمام، و فحل مَهْجُورٌ، أي: مشدود به، و هِجَارُ القوس: وترها، و ذلك تشبيه بهجار الفحل.
هجع‏
الْهُجُوعُ: النّوم ليلا. قال تعالى: كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ‏ [الذاريات/ 17] و ذلك يصحّ أن يكون معناه: كان هُجُوعهم قليلا من أوقات الليل، و يجوز أن يكون معناه: لم يكونوا يهجعون. و القليل يعبّر به عن النّفي و المشارف لنفيه لقلّته، و لقيته بعد هَجْعَةٍ. أي:
بعد نومة، و قولهم: رجل هُجَعٌ كقولك: نوم للمستنيم إلى كل شي‏ء.
هدد
الْهَدُّ: هدم له وقع، و سقوط شي‏ء ثقيل، و الْهَدَّةُ: صوت وقعه. قال تعالى: وَ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا [مريم/ 90] و هَدَّدْتُ البقرة: إذا أوقعتها للذّبح، و الْهِدُّ:
الْمَهْدُودُ كالذّبح للمذبوح، و يعبّر به عن الضّعيف و الجبان، و قيل: مررت برجل هَدَّكَ من رجل «3»، كقولك: حسبك، و تحقيقه: يَهُدُّكَ و يزعجك وجود مثله، و هَدَّدْتُ فلانا و تَهَدَّدْتُهُ: إذا زعزعته بالوعيد، و الْهَدْهَدَةُ: تحريك الصّبيّ لينام، و الْهُدْهُدُ: طائر معروف. قال تعالى:
ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ [النمل/ 20] و جمعه:
هَدَاهِدُ، و الْهُدَاهِدُ بالضّمّ واحد، قال الشاعر:
__________________________________________________
 (1) و بها قرأ نافع.
 (2) البيت للشماخ من قصيدة مطلعها:
         أ تعرف رسما دارسا قد تغيّرا             بذروة أقوى بعد ليلى و أقفرا

و هو في ديوانه ص 135، و المجمل 4/ 899، و فصل المقال ص 24.
 (3) انظر المجمل 4/ 890.

834
مفردات ألفاظ القرآن

هدد ص 834

457-
         كَهُدَاهِدٍ كسر الرّماة جناحه             يدعو بقارعة الطريق هديلا «1»

هدم‏
الْهَدْمُ: إسقاط البناء. يقال: هَدَمْتُهُ هَدْماً.
و الْهَدَمُ: ما يهدم، و منه استعير: دم هَدْمٌ. أي:
هدر، و الْهِدْمُ بالكسر كذلك لكن اختصّ بالثّوب البالي، و جمعه: أَهْدَامٌ، و هَدَّمْتُ البناء على التّكثير. قال تعالى: لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ‏ [الحج/ 40].
هدى‏
الْهِدَايَةُ دلالة بلطف، و منه: الْهَدِيَّةُ، و هَوَادِي الوحش. أي: متقدّماتها الهادية لغيرها، و خصّ ما كان دلالة بِهَدَيْتُ، و ما كان إعطاء بِأَهْدَيْتُ.
نحو: أهديت الهديّة، و هديت إلى البيت. إن قيل: كيف جعلت الهداية دلالة بلطف و قد قال اللّه تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ [الصافات/ 23]، وَ يَهْدِيهِ إِلى‏ عَذابِ السَّعِيرِ [الحج/ 4]. قيل: ذلك استعمل فيه استعمال اللّفظ على التّهكّم مبالغة في المعنى كقوله: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران/ 21] و قول الشاعر:
457-
         تحيّة بينهم ضرب وجيع «2»

و هِدَايَةُ اللّه تعالى للإنسان على أربعة أوجه:
الأوّل: الهداية التي عمّ بجنسها كلّ مكلّف من العقل، و الفطنة، و المعارف الضّروريّة التي أعمّ منها كلّ شي‏ء بقدر فيه حسب احتماله كما قال: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ [طه/ 50].
الثاني: الهداية التي جعل للناس بدعائه إيّاهم على ألسنة الأنبياء، و إنزال القرآن و نحو ذلك، و هو المقصود بقوله تعالى: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الأنبياء/ 73].
الثالث: التّوفيق الذي يختصّ به من اهتدى، و هو المعنيّ بقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً‏ [محمد/ 17]، و قوله: وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏ [التغابن/ 11]، و قوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ [يونس/ 9]، و قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت/ 69]، وَ يَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً‏ [مريم/ 76]، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة/ 213]، وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏

__________________________________________________
 (1) البيت للراعي من قصيدة عدّتها اثنان و تسعون بيتا، و مطلعها:
         ما بال دفّك بالفراش مذيلا             أقذى بعينك أم أردت رحيلا
و هو في ديوانه ص 238، و الجمهرة 3/ 394، و المعاني الكبير 1/ 297، و اللسان (هدد).
 (2) العجز لعمرو بن معديكرب، و شطره:
          [و خيل قد دلفت لها بخيل‏].

و هو في ديوانه ص 149، و شرح أبيات سيبويه 2/ 200، و المقتضب 2/ 20، و تفسير الطبري 1/ 310.

835
مفردات ألفاظ القرآن

هدى ص 835

[البقرة/ 213].
الرّابع: الهداية في الآخرة إلى الجنّة المعنيّ بقوله: سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ‏ [محمد/ 5]، وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ [الأعراف/ 43] إلى قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا «1».
و هذه الهدايات الأربع مترتّبة، فإنّ من لم تحصل له الأولى لا تحصل له الثّانية بل لا يصحّ تكليفه، و من لم تحصل له الثّانية لا تحصل له الثّالثة و الرّابعة، و من حصل له الرّابع فقد حصل له الثلاث التي قبلها، و من حصل له الثالث فقد حصل له اللّذان قبله «2». ثمّ ينعكس، فقد تحصل الأولى و لا يحصل له الثاني و لا يحصل الثالث، و الإنسان لا يقدر أن يهدي أحدا إلّا بالدّعاء و تعريف الطّرق دون سائر أنواع الهدايات، و إلى الأوّل أشار بقوله: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [الشورى/ 52]، يَهْدُونَ بِأَمْرِنا* [السجدة/ 24]، وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد/ 7] أي: داع، و إلى سائر الهدايات أشار بقوله تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ‏ [القصص/ 56] و كلّ هداية ذكر اللّه عزّ و جلّ أنه منع الظالمين و الكافرين فهي الهداية الثالثة، و هي التّوفيق الذي يختصّ به المهتدون، و الرّابعة التي هي الثّواب في الآخرة، و إدخال الجنّة. نحو قوله عزّ و جلّ: كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً إلى قوله: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*
 «3» [آل عمران/ 86] و كقوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ‏ [النحل/ 107] و كلّ هداية نفاها اللّه عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم و عن البشر، و ذكر أنهم غير قادرين عليها فهي ما عدا المختصّ من الدّعاء و تعريف الطريق، و ذلك كإعطاء العقل، و التّوفيق، و إدخال الجنة، كقوله عزّ ذكره:
لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [البقرة/ 272]، وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى‏ [الأنعام/ 35]، وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ‏ [النمل/ 81]، إِنْ تَحْرِصْ عَلى‏ هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ‏ [النحل/ 37]، وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ* [الزمر/ 36]، وَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ‏ [الزمر/ 37]، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص/ 56] و إلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا
__________________________________________________
 (1) الآية: و نزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار، و قالوا: الحمد للّه الّذي هدانا لهذا.
 (2) قد نقل ابن القيم هذه الهدايات الأربع في عدة مواضع من كتبه. انظر مثلا: بدائع الفوائد 2/ 35- 37.
 (3) الآية: كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد إيمانهم و شهدوا أنّ الرّسول حقّ و جاءهم البيّنات و اللّه لا يهدي القوم الظّالمين.

836
مفردات ألفاظ القرآن

هدى ص 835

مُؤْمِنِينَ [يونس/ 99]، و قوله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ* [الإسراء/ 97]، أي: طالب الهدى و متحرّيه هو الذي يوفّقه و يَهْدِيهِ إلى طريق الجنّة لا من ضادّه، فيتحرّى طريق الضّلال و الكفر كقوله: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ* [التوبة/ 37]، و في أخرى الظَّالِمِينَ* [التوبة/ 109]، و قوله: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر/ 3] الكاذب الكفّار: هو الذي لا يقبل هدايته، فإنّ ذلك راجع إلى هذا و إن لم يكن لفظه موضوعا لذلك، و من لم يقبل هِدَايَتَهُ لم يهده، كقولك: من لم يقبل هَدِيَّتِي لم أهد له، و من لم يقبل عطيّتي لم أعطه، و من رغب عنّي لم أرغب فيه، و على هذا النحو:
وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* [التوبة/ 109] و في أخرى: الْفاسِقِينَ* [التوبة/ 80] و قوله: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‏ [يونس/ 35]، و قد قرئ: يَهْدِي إِلَّا أَنْ يُهْدى‏ «1» أي: لا يهدي غيره و لكن يهدى. أي: لا يعلم شيئا و لا يعرف أي لا هداية له، و لو هدي أيضا لم يهتد، لأنها موات من حجارة و نحوها، و ظاهر اللّفظ أنه إذا هدي اهْتَدَى لإخراج الكلام أنها أمثالكم كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ [الأعراف/ 194] و إنّما هي أموات، و قال في موضع آخر:
وَ يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ شَيْئاً وَ لا يَسْتَطِيعُونَ [النحل/ 73]، و قوله عزّ و جلّ: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ‏ [الإنسان/ 3]، وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ‏ [البلد/ 10]، وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الصافات/ 118] فذلك إشارة إلى ما عرّف من طريق الخير و الشّرّ «2»، و طريق الثواب و العقاب بالعقل و الشرع و كذا قوله: فَرِيقاً هَدى‏ وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الأعراف/ 30]، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص/ 56]، وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ‏ [التغابن/ 11] فهو إشارة إلى التّوفيق الملقى في الرّوع فيما يتحرّاه الإنسان و إياه عنى بقوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً‏ [محمد/ 17] و عدّي الهِدَايَةُ في مواضع بنفسه، و في مواضع باللام، و في مواضع بإلى، قال تعالى:
وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [آل عمران/ 101]، وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [الأنعام/ 87] و قال: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ‏ [يونس/ 35] و قال: هَلْ لَكَ إِلى‏ أَنْ تَزَكَّى* وَ أَهْدِيَكَ إِلى‏ رَبِّكَ فَتَخْشى‏ [النازعات/ 18- 19].
و ما عدّي بنفسه نحو: وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً

__________________________________________________
 (1) قرأ حمزة و الكسائي و خلف يهدي.
 (2) مجاز القرآن 2/ 299.

837
مفردات ألفاظ القرآن

هدى ص 835

مُسْتَقِيماً [النساء/ 68]، وَ هَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الصافات/ 118]، اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الفاتحة/ 6]، أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ‏ [النساء/ 88]، وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً [النساء/ 168]، أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ‏ [يونس/ 43]، وَ يَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء/ 175].
و لمّا كانت الهِدَايَةُ و التّعليم يقتضي شيئين:
تعريفا من المعرّف، و تعرّفا من المعرّف، و بهما تمّ الهداية و التّعليم فإنه متى حصل البذل من الْهَادِي و المعلم و لم يحصل القبول صحّ أن يقال: لم يَهْدِ و لم يعلّم اعتبارا بعدم القبول، و صحّ أن يقال: هَدَى و علّم اعتبارا ببذله، فإذا كان كذلك صحّ أن يقال: إنّ اللّه تعالى لم يهد الكافرين و الفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية و التّعليم، و صحّ أن يقال: هَدَاهُمْ و علّمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الْهِدَايَةِ. فعلى الاعتبار بالأول يصحّ أن يحمل قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* [التوبة/ 109]، وَ الْكافِرِينَ [التوبة/ 37] و على الثاني قوله عزّ و جلّ: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى‏ عَلَى الْهُدى‏ [فصلت/ 17] و الأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال: هداه اللّه فلم يهتد، كقوله: وَ أَمَّا ثَمُودُ الآية، و قوله: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ
 إلى قوله: وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ‏
 «1» [البقرة/ 142- 143] فهم الّذين قبلوا هداه و اهتدوا به، و قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الفاتحة/ 6]، وَ لَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً [النساء/ 68] فقد قيل: عني به الْهِدَايَةُ العامّة التي هي العقل، و سنّة الأنبياء، و أمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا و إن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول: اللّهمّ صلّ على محمد و إن كان قد صلّى عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب/ 56] و قيل: إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة و استهواء الشّهوات، و قيل: هو سؤال للتّوفيق الموعود به في قوله: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً‏ [محمد/ 17] و قيل: سؤال للهداية إلى الجنّة في الآخرة، و قوله عزّ و جلّ: وَ إِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ‏ [البقرة/ 143] فإنه يعني به من هداه بالتّوفيق المذكور في قوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً‏.
و الْهُدَى و الْهِدَايَةُ في موضوع اللّغة واحد لكن قد خصّ اللّه عزّ و جلّ لفظة الهدى بما تولّاه‏
__________________________________________________
 (1) الآيتان: للّه المشرق و المغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم* و كذلك جعلناكم أمّة وسطا لتكونوا شهداء على النّاس و يكون الرّسول عليكم شهيدا و ما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه و إن كانت لكبيرة إلّا على الّذين هدى اللّه.

838
مفردات ألفاظ القرآن

هدى ص 835

و أعطاه، و اختصّ هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ‏ [البقرة/ 2]، أُولئِكَ عَلى‏ هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ* [البقرة/ 5]، هُدىً لِلنَّاسِ* [البقرة/ 185]، فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ‏ [البقرة/ 38]، قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى‏* [الأنعام/ 71]، وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ* [آل عمران/ 138]، وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى‏ [الأنعام/ 35]، إِنْ تَحْرِصْ عَلى‏ هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ‏ [النحل/ 37]، أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى‏* [البقرة/ 16].
و الِاهْتِدَاءُ يختصّ بما يتحرّاه الإنسان على طريق الاختيار، إمّا في الأمور الدّنيويّة، أو الأخرويّة قال تعالى: وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها [الأنعام/ 97]، و قال: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَ لا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا [النساء/ 98] و يقال ذلك لطلب الهداية نحو: وَ إِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَ الْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ [البقرة/ 53]، و قال: فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي وَ لِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ‏ [البقرة/ 150]، فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا [آل عمران/ 20]، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا [البقرة/ 137].
و يقال الْمُهْتَدِي لمن يقتدي بعالم نحو:
أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ‏ [المائدة/ 104] تنبيها أنهم لا يعلمون بأنفسهم و لا يقتدون بعالم، و قوله: فَمَنِ اهْتَدى‏ فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَ مَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ‏ [النمل/ 92] فإن الِاهْتِدَاءَ هاهنا يتناول وجوه الاهتداء من طلب الهداية، و من الاقتداء، و من تحرّيها، و كذا قوله: وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ‏ [النمل/ 24] و قوله: وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏ [طه/ 82] فمعناه: ثم أدام طلب الهداية، و لم يفترّ عن تحرّيه، و لم يرجع إلى المعصية. و قوله:
الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ إلى قوله:
وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‏ «1» [البقرة/ 157] أي:
الذين تحرّوا هدايته و قبلوها و عملوا بها، و قال مخبرا عنهم: وَ قالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ‏ [الزخرف/ 49].
و الْهَدْيُ مختصّ بما يُهْدَى إلى البيت. قال الأخفش «2»: و الواحدة هَدِيَّةٌ، قال: و يقال للأنثى هَدْيٌ كأنه مصدر وصف به، قال اللّه تعالى:
فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏

__________________________________________________
 (1) الآيتان: الّذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا: إنّا للّه و إنّا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربّهم و رحمة و أولئك هم المهتدون.
 (2) ليس هذا النقل في معاني القرآن له.

839
مفردات ألفاظ القرآن

هدى ص 835

 [البقرة/ 196]، هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة/ 95]، وَ لَا الْهَدْيَ وَ لَا الْقَلائِدَ [المائدة/ 2]، وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً [الفتح/ 25].
و الْهَدِيَّةُ مختصّة باللُّطَف الذي يُهْدِي بعضنا إلى بعضٍ. قال تعالى: وَ إِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ [النمل/ 35]، بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ‏ [النمل/ 36] و الْمِهْدَى الطّبق الذي يهدى عليه، و الْمِهْدَاءُ: من يكثر إِهْدَاءَ الهديّة، قال الشاعر:
467-
         و إنّك مِهْدَاءُ الخنا نطف الحشا «1»


و الْهَدِيُّ يقال في الهدي، و في العروس يقال:
هَدَيْتُ العروسَ إلى زوجها، و ما أحسن هَدِيَّةَ فلان و هَدْيَهُ، أي: طريقته، و فلان يُهَادِي بين اثنين: إذا مشى بينهما معتمدا عليهما، و تَهَادَتِ المرأة: إذا مشت مشي الهدي.
هرع‏
يقال هَرِعَ و أَهْرَعَ: ساقه سوقا بعنف و تخويف. قال اللّه تعالى: وَ جاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ‏ [هود/ 78] و هَرَعَ برمحه فَتَهَرَّعَ:
إذا أشرعه سريعا، و الْهَرِعُ: السّريع المشي و البكاء، قيل: و الْهَرِيعُ و الْهَرْعَةُ: القملة الصّغيرة.
هرت‏
قال تعالى: وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَ مارُوتَ‏ [البقرة/ 102] قيل: هما الملكان. و قال بعض المفسّرين: هما اسما شيطانين «2» من الإنس أو الجنّ، و جعلهما نصبا بدلا من قوله تعالى: وَ لكِنَّ الشَّياطِينَ بدل البعض من الكلّ كقولك: القوم قالوا إنّ كذا زيد و عمرو. و الْهَرْتُ: سعة الشِّدْق، يقال: فرس هَرِيتُ الشِّدْق، و أصله من: هَرِتَ ثوبه: إذا مزّقه، و يقال: الْهَرِيتُ: المرأة المفضاة.
هرن‏
هَارُونُ اسم أعجميّ، و لم يرد في شي‏ء من كلام العرب.
هزز
الْهَزُّ: التّحريك الشّديد، يقال: هَزَزْتُ الرّمح فَاهْتَزَّ و هَزَزْتُ فلانا للعطاء. قال تعالى: وَ هُزِّي‏

__________________________________________________
 (1) البيت يروى:
         و إنّك مهداء الخنا نطف النثا             شديد السباب رافع الصوت غالبه‏
و هو للحسيل بن عرفطة في البيان و التبيين 3/ 202، و الحيوان 3/ 494.
 (2) و بهذا قال أبو مسلم الأصفهاني، و كذا القرطبي، حيث قال: و ذلك أنّ اليهود قالوا: إنّ اللّه أنزل جبريل و ميكائيل بالسحر، فنفى اللّه ذلك، و في الكلام تقديم و تأخير. التقدير: و ما كفر سليمان، و ما أنزل على الملكين، و لكنّ الشياطين كفروا يعلّمون الناس السحر ببابل هاروت و ماروت، فهاروت و ماروت بدل من الشياطين. و هذا أولى ما حملت عليه الآية.
و لم يرتض الألوسي هذا، فقال: و ممّا يقضي منه العجب ما قاله القرطبي: إنّ هاروت و ماروت بدل من الشياطين. و أعجب من هذا قوله: و هذا أولى ما حملت عليه الآية. انظر: تفسير الرازي 3/ 230، و تفسير القرطبي 2/ 50، و روح المعاني 1/ 342.

840
مفردات ألفاظ القرآن

هزز ص 840

إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم/ 25]، فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ* [النمل/ 10]، و اهْتَزَّ النّبات: إذا تحرّك لنضارته، قال تعالى: فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ* [الحج/ 5] و اهْتَزَّ الكوكب في انقضاضه، و سيف هَزْهَازٌ، و ماء هُزَهِزٌ و رجل هُزَهِزٌ: خفيف.
هزل‏
قال تعالى: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ* وَ ما هُوَ بِالْهَزْلِ‏ [الطارق/ 13- 14] الْهَزْلُ: كلّ كلام لا تحصيل له، و لا ريع تشبيها بِالهُزَالِ.
هزؤ
الْهُزْءُ: مزح في خفية، و قد يقال لما هو كالمزح، فممّا قصد به المزح قوله: اتَّخَذُوها هُزُواً وَ لَعِباً [المائدة/ 58]، وَ إِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً [الجاثية/ 9]، وَ إِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً [الفرقان/ 41]، وَ إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً [الأنبياء/ 36]، أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً [البقرة/ 67]، وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللَّهِ هُزُواً [البقرة/ 231]، فقد عظّم تبكيتهم، و نبّه على خبثهم من حيث إنه وصفهم بعد العلم بها، و الوقوف على صحّتها بأنهم يَهْزَءُونَ بها، يقال: هَزِئْتُ به، و اسْتَهْزَأْتُ، و الِاسْتِهْزَاءُ: ارتياد الْهُزُؤِ و إن كان قد يعبّر به عن تعاطي الهزؤ، كالاستجابة في كونها ارتيادا للإجابة، و إن كان قد يجري مجرى الإجابة. قال تعالى: قُلْ أَ بِاللَّهِ وَ آياتِهِ وَ رَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ‏ [التوبة/ 65]، وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* [هود/ 8]، ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* [الحجر/ 11]، إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها [النساء/ 140]، وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ* [الأنعام/ 10] و الِاسْتِهْزَاءُ من اللّه في الحقيقة لا يصحّ، كما لا يصحّ من اللّه اللّهو و اللّعب، تعالى اللّه عنه. و قوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ يَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ [البقرة/ 15] أي: يجازيهم جزاء الهزؤ.
و معناه: أنه أمهلهم مدّة ثمّ أخذهم مغافصة «1»، فسمّى إمهاله إيّاهم استهزاء من حيث إنهم اغترّوا به اغترارهم بالهزؤ، فيكون ذلك كالاستدراج مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*، أو لأنهم استهزءوا فعرف ذلك منهم، فصار كأنه يهزأ بهم كما قيل: من خدعك و فطنت له و لم تعرّفه فاحترزت منه فقد خدعته. و
قَدْ رُوِيَ: [أَنَّ الْمُسْتَهْزِءِينَ فِي الدُّنْيَا يُفْتَحُ لَهُمْ بَابٌ مِنَ الْجَنَّةِ فَيُسْرِعُونَ نَحْوَهُ فَإِذَا انْتَهَوْا إِلَيْهِ سُدَّ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ قَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ. [المطففين/ 34] «2» و على هذه‏
__________________________________________________
 (1) غافص الرجل مغافصة و غفاصا: أخذه على غرّة بمساءة. اللسان (غفص).
 (2) عن ابن عباس في قوله تعالى: اللّه يستهزئ بهم في الآخرة، يفتح لهم باب في جهنم من الجنة، ثم يقال.

841
مفردات ألفاظ القرآن

هزؤ ص 841

الوجوه قوله عزّ و جلّ: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [التوبة/ 79].
هزم‏
أصل الْهَزْمِ: غمز الشي‏ء اليابس حتى ينحطم، كَهَزْمِ الشّنّ، و هَزْمِ القثّاء و البطّيخ، و منه: الْهَزِيمَةُ لأنه كما يعبّر عنه بذلك يعبّر عنه بالحطم و الكسر. قال تعالى: فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ‏ [البقرة/ 251]، جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ‏ [ص/ 11] و أصابته هَازِمَةُ الدّهر. أي: كاسرة كقولهم: فاقرة، و هَزَمَ الرّعد: تكسّر صوته، و الْمِهْزَامُ: عود يجعل الصّبيان في رأسه نارا فيلعبون به، كأنّهم يَهْزِمُونَ به الصّبيان. و يقولون للرّجل الطّبع: هَزَمَ و اهْتَزَمَ.
هشش‏
الْهَشُّ: يقارب الهزّ في التّحريك، و يقع على الشي‏ء اللّيّن كَهَشِّ الورق، أي: خبطه بالعصا.
قال تعالى: وَ أَهُشُّ بِها عَلى‏ غَنَمِي‏ [طه/ 18] و هَشَّ الرّغيف في التّنّور يَهِشُّ، و ناقة هَشُوشٌ: ليّنة غزيرة اللّبن، و فرس هَشُوشٌ «1»:
ضدّ الصّلود، و الصّلود: الذي لا يكاد يعرق.
و رجل هَشُّ الوجه: طلق المحيّا، و قد هَشَشْتُ، و هَشَّ للمعروف يَهِشُّ، و فلان ذو هَشَاشٍ.
هشم‏
الْهَشْمُ: كسر الشي‏ء الرّخو كالنّبات. قال تعالى: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ‏ [الكهف/ 45]، فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ [القمر/ 31] يقال: هَشَمَ عظمه، و منه:
هَشَمْتُ الخبز، قال الشاعر:
468-
         عمرو العلاء هَشَمَ الثّريد لقومه             و رجال مكّة مسنتون عجاف «2»

و الْهَاشِمَةُ: الشّجّة تَهْشِمُ عظم الرأس، و اهْتَشَمَ كلّ ما في ضرع الناقة: إذا احتلبه و يقال: تَهَشَّمَ فلان على فلان: تعطّف.
هضم‏
الْهَضْمُ: شدخ ما فيه رخاوة، يقال: هَضَمْتُهُ فَانْهَضَمَ، و ذلك كالقصبة الْمَهْضُومَةِ التي يزمّر بها، و مزمار مُهْضَمٌ. قال تعالى: وَ نَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ‏ [الشعراء/ 148] أي: داخل بعضه في بعض كأنما شدخ، و الْهَاضُومُ: ما يَهْضِمُ الطّعام و بطن هَضُومٌ، و كشح مِهْضَمٌ و امرأة هَضِيمَةٌ الكشحين، و استعير الْهَضْمُ للظّلم. قال تعالى: فَلا يَخافُ ظُلْماً وَ لا هَضْماً [طه/ 112].
__________________________________________________
لهم: تعالوا، فيقبلون يسبحون في النار، و المؤمنون على الأرائك ينظرون إليهم، فإذا انتهوا إلى الباب سدّ عنهم فيضحك المؤمنون منهم. أخرجه البيهقي في الأسماء و الصفات ص 616.
 (1) الفرس الهش: خلاف الصّلود، و فرس هش: كثير العرق. الصحاح (هش).
 (2) البيت لابنة هاشم بن عبد مناف، و قيل: للمطرود الخزاعي. و هو في اللسان (هشم)، و تهذيب اللغة 6/ 95.

842
مفردات ألفاظ القرآن

هطع ص 843

هطع‏
هَطَعَ الرجل ببصره: إذا صوّبه، و بعير مُهْطِعٌ:
إذا صوّب عنقه. قال تعالى: مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ‏ [إبراهيم/ 43]، مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ‏ [القمر/ 8].
هلل‏
الْهِلَالُ: القمر في أوّل ليلة و الثّانية، ثم يقال له القمر، و لا يقال: له هِلَالٌ، و جمعه: أَهِلَّةٌ، قال اللّه تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِ‏ [البقرة/ 189] و قد كانوا سألوه عن علّة تَهَلُّلِهِ و تغيّره. و شبّه به في الهيئة السّنان الذي يصاد به و له شعبتان كرمي الهلال، و ضرب من الحيّات، و الماء المستدير القليل في أسفل الرّكيّ، و طرف الرّحى، فيقال لكلّ واحد منهما: هِلَالٌ، و أَهَلَّ الهلال: رؤي، و اسْتَهَلَّ: طلب رؤيته. ثم قد يعبّر عن الْإِهْلَالِ بِالاسْتِهْلَالِ نحو: الإجابة و الاستجابة، و الْإِهْلَالُ: رفع الصّوت عند رؤية الهلال، ثم استعمل لكلّ صوت، و به شبّه إِهْلَالُ الصّبيّ، و قوله: وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ‏
 [البقرة/ 173] أي: ما ذكر عليه غير اسم اللّه، و هو ما كان يذبح لأجل الأصنام، و قيل: الْإِهْلَالُ و التَّهَلُّلُ: أن يقول لا إله إلّا اللّه، و من هذه الجملة ركّبت هذه اللّفظة كقولهم: التّبسمل و البسملة «1»، و التّحولق و الحوقلة إذا قال بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*، و لا حول و لا قوّة إلّا باللّه، و منه الْإِهْلَالُ بالحجّ، و تَهَلَّلَ السّحاب ببرقه: تلألأ، و يشبّه في ذلك بالهلال، و ثوب مُهَلَّلٌ: سخيف النّسج، و منه شعر مُهَلْهَلٌ.
هَلْ: حرف استخبار، إما على سبيل الاستفهام، و ذلك لا يكون من اللّه عزّ و جلّ: قال تعالى: قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا [الأنعام/ 148] و إمّا على التّقرير تنبيها، أو تبكيتا، أو نفيا. نحو: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً [مريم/ 98]. و قوله:
هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم/ 65]، فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى‏ مِنْ فُطُورٍ [الملك/ 3] كلّ ذلك تنبيه على النّفي. و قوله تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ [البقرة/ 210]، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ [النحل/ 33]، هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ* [الزخرف/ 66]، هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ* [سبأ/ 33]، هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ‏ [الأنبياء/ 3] قيل:
ذلك تنبيه على قدرة اللّه، و تخويف من سطوته.
هلك‏
الْهَلَاكُ على ثلاثة «2» أوجه:
__________________________________________________
 (1) و هذا يسمّى في اللغة النحت. انظر الصاحبي ص 461، و المزهر 1/ 482.
 (2) في المطبوعة: ذكر أن الهلاك على ثلاثة أوجه، ثم عدّها أربعة، و تبعه في ذلك الفيروزآبادي في البصائر. لكن.

843
مفردات ألفاظ القرآن

هلك ص 843

افتقاد الشي‏ء عنك، و هو عند غيرك موجود كقوله تعالى: هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ‏ [الحاقة/ 29].
- و هَلَاكِ الشي‏ء باستحالة و فساد كقوله:
وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ‏ [البقرة/ 205] و يقال: هَلَكَ الطعام.
و الثالث: الموت كقوله: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ‏ [النساء/ 176] و قال تعالى مخبرا عن الكفّار:
وَ ما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية/ 24].
و لم يذكر اللّه الموت بلفظ الهلاك حيث لم يقصد الذّمّ إلّا في هذا الموضع، و في قوله:
وَ لَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا [غافر/ 34]، و ذلك لفائدة يختصّ ذكرها بما بعد هذا الكتاب.
و الرابع: بطلان الشي‏ء من العالم و عدمه رأسا، و ذلك المسمّى فناء المشار إليه بقوله:
كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ‏ [القصص/ 88] و يقال للعذاب و الخوف و الفقر: الْهَلَاكُ، و على هذا قوله: وَ إِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ‏ [الأنعام/ 26]، وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ* [مريم/ 74]، وَ كَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الأعراف/ 4]، فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها [الحج/ 45]، أَ فَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ‏ [الأعراف/ 173]، أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا [الأعراف/ 155]. و قوله:
فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ‏ [الأحقاف/ 35] هو الهلاك الأكبر الذي دلّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم‏
بِقَوْلِهِ:
 «لَا شَرَّ كَشرٍّ بَعْدَهُ النَّارُ» «1».
و قوله تعالى: ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ‏ [النمل/ 49]. و الْهُلْكُ بالضّمّ: الْإِهْلَاكُ، وَ التَّهْلُكَةُ: ما يؤدّي إلى الهلاك، قال تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة/ 195] و امرأة هَلُوكٌ: كأنها تَتَهَالَكُ في مشيها كما قال الشاعر:
469-
         مريضات أو بات التّهادي كأنّما             تخاف على أحشائها أن تقطّعا «2»

و كنّي بِالْهَلُوكِ عن الفاجرة لتمايلها، و الْهَالِكِيُّ: كان حدّادا من قبيلة هَالِكٍ، فسمّي كلّ حدّاد هَالِكِيّاً، و الْهُلْكُ: الشي‏ء الهالك.
هلم‏
هَلُمَّ دعاء إلى الشي‏ء، و فيه قولان:
__________________________________________________
نجد أن السمين قال: الهلاك على أربعة أوجه، و ذكرها. انظر: عمدة الحفاظ (هلك).
 (1) لم أجده، و قد تقدّم ص 300.
 (2) البيت لمسلم بن الوليد في الحماسة البصرية 2/ 220، و الحيوان 4/ 259.
البيت نسبه المؤلف في المحاضرات للسعيد، و بعده:
         تسيب انسياب الأيم أخضره الندى             يرفّع من أطرافه ما ترفعا
انظر: محاضرات الأدباء 2/ 139، و الحيوان للجاحظ 4/ 259، و عمدة الحفاظ (هلك)، و تفسير الراغب ورقة 129.

844
مفردات ألفاظ القرآن

هلم ص 844

أحدهما: أنّ أصله هَا لُمَّ «1». من: قولهم:
لممت الشي‏ء. أي: أصلحته، فحذف ألفها فقيل: هلمّ.
و قيل أصله هل أمّ «2»، كأنه قيل: هل لك في كذا أمّه. أي: قصده، فركّبا. قال عزّ و جلّ:
وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا [الأحزاب/ 18]، فمنهم من تركه على حالته في التّثنية و الجمع، و به ورد القرآن، و منهم من قال: هَلُمَّا، و هَلُمُّوا، و هَلُمِّي، و هَلْمُمْنَ «3».
همم‏
الْهَمُّ الحَزَنُ الذي يذيب الإنسان. يقال:
هَمَمْتُ الشّحم فَانْهَمَّ، و الْهَمُّ: ما هممت به في نفسك، و هو الأصل، و لذا قال الشاعر:
470-
         و هَمُّكَ ما لم تمضه لك منصب «4»
قال اللّه تعالى: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا [المائدة/ 11]، وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها [يوسف/ 24]، إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ‏ [آل عمران/ 122]، لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ‏ [النساء/ 113]، وَ هَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا [التوبة/ 74]، وَ هَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ‏ [التوبة/ 13]، وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ‏ [غافر/ 5] و أَهَمَّنِي كذا. أي: حملني على أن أَهِمَّ به. قال اللّه تعالى: وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ‏ [آل عمران/ 154] و يقال: هذا رجل هَمُّكَ من رجل «5»، و هِمَّتُكَ من رجل، كما تقول: ناهيك من رجل. و الْهَوَامُّ: حشرات الأرض، و رجل هِمٌّ، و امرأة هِمَّةٌ. أي: كبير، قد هَمَّهُ العمر. أي: أذابه.
همد
يقال: هَمَدَتِ النّارُ: طفئت، و منه: أرض هَامِدَةٌ: لا نبات فيها، و نبات هَامِدٌ: يابس. قال تعالى: وَ تَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً [الحج/ 5] و الْإِهْمَادُ: الإقامة بالمكان كأنّه صار ذا هَمَدٍ، و قيل:
الْإِهْمَادُ السّرعة، فإن يكن ذلك صحيحا فهو كالإشكاء في كونه تارة لإزالة الشكوى، و تارة لإثبات الشّكوى.
همر
الْهَمْرُ: صبّ الدّمع و الماء، يقال: هَمَرَهُ فَانْهَمَرَ. قال تعالى: فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ [القمر/ 11] و هَمَرَ ما في الضّرع:
حلبه كلّه، و هَمَرَ الرجل في الكلام، و فلان يُهَامِرُ
__________________________________________________
 (1) و هذا قول الخليل.
 (2) و هذا مذهب الفراء. انظر: اللسان (هلم).
 (3) قال سيبويه: هلمّ في لغة أهل الحجاز يكون للواحد، و الاثنين، و الجمع، و الذكر، و الأنثى بلفظ واحد. و أهل نجد يصرّفونها. اللسان: هلم، و العين 4/ 56.
 (4) العجز في الدر المصون 3/ 382، و عمدة الحفاظ (همّ) دون نسبة، و هو لحذيفة بن أنس الهذلي، و شطره:
          [و كان لهم في أهل نعمان بغية]

و قيل: هو لساعدة بن جؤية الهذلي. انظر شرح أشعار الهذليين 2/ 559.
 (5) انظر: المجمل 4/ 892.

845
مفردات ألفاظ القرآن

همر ص 845

الشي‏ء أي: يجرفه، و منه: هَمَرَ له من ماله:
أعطاه، و الْهَمِيرَةُ: العجوز.
همز
الْهَمْزُ كالعصر. يقال: هَمَزْتُ الشي‏ء في كفّي، و منه: الْهَمْزُ في الحرف، و هَمْزُ الإنسان:
اغتيابه. قال تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ‏ [القلم/ 11] يقال: رجل هَامِزٌ، و هَمَّازٌ، و هُمَزَةٌ.
قال تعالى: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ [الهمزة/ 1] و قال الشّاعر:
471-
         و إن اغتيب فأنت الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ «1»

و قال تعالى: وَ قُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ‏ [المؤمنون/ 97].
همس‏
الْهَمْسُ: الصوت الخفيّ، و هَمْسُ الأقدام:
أخفى ما يكون من صوتها. قال تعالى: فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه/ 108].
هنا
هُنَا يقع إشارة إلى الزمان، و المكان القريب، و المكان أملك به، يقال: هُنَا، و هُنَاكَ، و هُنَالِكَ، كقولك: ذا، و ذاك، و ذلك. قال اللّه تعالى:
جُنْدٌ ما هُنالِكَ‏ [ص/ 11]، إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ‏ [المائدة/ 24]، هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ‏ [يونس/ 30]، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ‏ [الأحزاب/ 11]، هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ‏ [الكهف/ 44]، فَغُلِبُوا هُنالِكَ‏ [الأعراف/ 119].
هن‏
هَنٌ: كناية عن الفرج و غيره مما يستقبح ذكره، و في فلان هَنَاتٌ. أي: خصال سوء، و على هذا ما
رُوِيَ: «سَيَكُونُ هَنَاتٌ» «2».
قال تعالى: إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة/ 24].
هنأ
الْهَنِي‏ءُ: كلّ ما لا يلحق فيه مشقّة، و لا يعقب و خامة. و أصله في الطّعام يقال: هَنِئَ الطّعامُ فهو هَنِي‏ءٌ. قال عزّ و جلّ: فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً [النساء/ 4]، كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ‏ [الحاقة/ 24]، كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* [المرسلات/ 43]، و الْهِنَاءُ:
ضرب من القطران، يقال: هَنَأْتُ الإبلَ، فهي مَهْنُوءَةٌ.
هود
الْهَوْدُ: الرّجوع برفق، و منه: التَّهْوِيدُ، و هو
__________________________________________________
 (1) العجز لزيادة الأعجم، و صدره:
         تدلي بودّي إذا لاقيتني كذبا

و هو في مجاز القرآن 2/ 311، و تفسير الطبري 30/ 161، و تفسير القرطبي 20/ 182، و اللسان (همز).
 (2) عن عرفجة بن أسعد أنه قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «إنّه ستكون هنات و هنات، فمن أراد أن يفرّق أمر هذه الأمة و هم جميع فاضربوه بالسيف، كائنا من كان» أخرجه أحمد 2/ 24، و مسلم في الإمارة رقم 59.

846
مفردات ألفاظ القرآن

هود ص 846

مشي كالدّبيب، و صار الْهَوْدُ في التّعارف التّوبة.
قال تعالى: إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ‏ [الأعراف/ 156] أي: تبنا، قال بعضهم: يَهُودُ في الأصل من قولهم: هُدْنَا إليك، و كان اسم مدح، ثم صار بعد نسخ شريعتهم لازما لهم و إن لم يكن فيه معنى المدح، كما أنّ النصارى في الأصل من قوله: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ* [الصف/ 14] ثم صار لازما لهم بعد نسخ شريعتهم. و يقال:
هَادَ فلان: إذا تحرّى طريقة الْيَهُودِ في الدّين، قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا* [البقرة/ 62] و الاسم العلم قد يتصوّر منه معنى ما يتعاطاه المسمّى به. أي: المنسوب إليه، ثم يشتقّ منه. نحو: قولهم تفرعن فلان، و تطفّل: إذا فعل فعل فرعون في الجور، و فعل طفيل في إتيان الدّعوات من غير استدعاء، و تَهَوَّدَ في مشيه: إذا مشى مشيا رفيقا تشبيها باليهود في حركتهم عند القراءة، و كذا: هَوَّدَ الرّائض الدابّة: سيّرها برفق، و هُودٌ في الأصل جمع هَائِدٍ. أي: تائب و هو اسم نبيّ عليه السلام.
هار
يقال: هَارَ البناء، و تَهَوَّرَ: إذا سقط نحو:
انْهَارَ. قال تعالى: عَلى‏ شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ‏ [التوبة/ 109] و قرئ:
 (هَائِرٌ) «1». يقال: بئر هَائِرٌ، و هَارٌ، و هَارٍ، و مُهَارٌ، و يقال: انْهَارَ فلان: إذا سقط من مكان عال، و رجل هَارٍ و هَائِرٌ: ضعيف في أمره تشبيها بالبئر الْهَائِرِ، و تَهَوَّرَ الليل: اشتدّ ظلامه، و تَهَوَّرَ الشّتاءُ: ذهب أكثره، و قيل: تَهَيَّرَ، و قيل: تَهَيَّرَهُ فهذا من الياء، و لو كان من الواو لقيل تهوّره.
هيت‏
هَيْتَ: قريب من هلمّ، و قرئ: هَيْتُ لَكَ «2»: أي: تهيّأت لك، و يقال: هَيْتَ به و تَهَيَّتْ: إذا قالت: هَيْتَ لك. قال اللّه تعالى:
وَ قالَتْ هَيْتَ لَكَ‏ [يوسف/ 23].
يقال: هَاتِ، و هَاتِيَا، و هَاتُوا. قال تعالى:
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ* [البقرة/ 111] قال الفرّاء: ليس في كلامهم هاتيت، و إنما ذلك في ألسن الحيرة «3»، قال: و لا يقال لا تهات. و قال الخليل «4»: الْمُهَاتَاةُ و الْهِتَاءُ مصدر هات.
هيهات‏
هَيْهَاتَ كلمة تستعمل لتبعيد الشي‏ء، يقال:
هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، و هَيْهَاتاً، و منه قوله عزّ و جلّ:
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة شاذة.
 (2) و بها قرأ ابن كثير. الإتحاف ص 263.
 (3) انظر: اللسان (هيت).
 (4) العين 4/ 80.

847
مفردات ألفاظ القرآن

هيهات ص 847

هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ‏ [المؤمنون/ 36] قال الزجاج: البعد لما توعدون «1»، و قال غيره: غلط الزجاج و استهواه اللام، فإن تقديره بعد الأمر و الوعد لما توعدون. أي: لأجله، و في ذلك لغات: هَيْهَاتَ و هَيْهَاتِ و هَيْهَاتاً و هَيْهَا، و قال الفسويّ «2»: هَيْهَاتِ بالكسر، جمع هَيْهَاتَ بالفتح.
هاج‏
يقال: هَاجَ البقل يَهِيجُ: اصفرّ و طاب، قال عزّ و جلّ: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا* [الزمر/ 21] و أَهْيَجَتِ الأرضُ: صار فيها كذلك، و هَاجَ الدّم و الفحل هَيْجاً و هَيَاجاً، و هَيَّجْتُ الشّرّ و الحرب، و الْهَيْجَاءُ: الحرب و قد يقصر، و هَيَّجْتُ البعيرَ: أَثَرْتُهُ.
هيم‏
يقال: رجل هَيْمَانُ، و هَائِمٌ: شديد العطش، و هَامَ على وجهه: ذهب، و جمعه: هِيمٌ، قال تعالى: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏
 [الواقعة/ 55] و الْهُيَامُ: داء يأخذ الإبل من العطش، و يضرب به المثل فيمن اشتدّ به العشق، قال:
أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ‏ [الشعراء/ 225] أي: في كلّ نوع من الكلام يغلون في المدح و الذّمّ، و سائر الأنواع المختلفات، و منه: الْهَائِمُ على وجهه المخالف للقصد الذاهب على وجهه، و هَامَ: ذهب في الأرض، و اشتدّ عشقه، و عطش، و الْهِيمُ: الإبل العطاش، و كذلك الرّمال تبتلع الماء، و الْهِيَامُ من الرمل:
اليابس، كأنّ به عطشا.
هان‏
الْهَوَانُ على وجهين:
أحدهما: تذلّل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة، فيمدح به نحو قوله: وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً [الفرقان/ 63] و نحو ما
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ:
 «الْمُؤْمِنُ هَيِّنٌ لَيِّنٌ» «3».
الثاني: أن يكون من جهة متسلّط مستخفّ به‏
__________________________________________________
 (1) عبارة الزّجاج: فمن قال: هيهات ما قلت، فمعناه: البعد ما قلت، و من قال: هيهات لما قلت، فمعناه: البعد لقولك. و بذا يظهر تصرف المؤلف بالعبارة. انظر: معاني القرآني للزجاج 4/ 13.
 (2) هو أبو علي الفارسي، و عبارته: أ لا ترى أنّ من فتح هيهات في الواحد قال في جمعه: هيهات فكسر، فجعله في كسر التاء في جمعه بمنزلة ما كان الواحد منه منصوبا. المسائل الحلبيات ص 309.
 (3) عن مكحول مرسلا قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «المؤمنون هينون لينون كالجمل الأنف، إن قيد انقاد، و إن أنيخ على صخرة استناخ». أخرجه ابن المبارك في الزهد ص 130، و البغوي في شرح السنة 13/ 86، و أحمد في الزهد ص 463 من قول مكحول، و مثله أبو نعيم في الحلية 5/ 180.
و قال العجلوني: أخرجه البيهقي و القضاعي و العسكري عن ابن عمر مرفوعا. انظر: كشف الخفاء 2/ 290.

848
مفردات ألفاظ القرآن

هان ص 848

فيذمّ به. و على الثاني قوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ* [الأنعام/ 93]، فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ‏ [فصلت/ 17]، وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ* [البقرة/ 90]، وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏ [آل عمران/ 178]، فَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏ [الحج/ 57]، وَ مَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ‏ [الحج/ 18] و يقال: هَانَ الأمْرُ على فلان:
سهل. قال اللّه تعالى: هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ* [مريم/ 21]، وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ‏ [الروم/ 27]، وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً [النور/ 15] و الْهَاوُونَ: فاعول من الهون، و لا يقال هاون، لأنه ليس في كلامهم فاعل.
هوى‏
الْهَوَى: ميل النفس إلى الشهوة. و يقال ذلك للنّفس المائلة إلى الشّهوة، و قيل: سمّي بذلك لأنّه يَهْوِي بصاحبه في الدّنيا إلى كلّ داهية، و في الآخرة إلى الْهَاوِيَةِ، وَ الْهُوِيُّ: سقوط من علو إلى سفل، و قوله عزّ و جلّ: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ [القارعة/ 9] قيل: هو مثل قولهم: هَوَتْ أمّه أي: ثكلت. و قيل: معناه مقرّه النار، و الْهَاوِيَةُ:
هي النار، و قيل: وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم/ 43] أي: خالية كقوله: وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى‏ فارِغاً [القصص/ 10] و قد عظّم اللّه تعالى ذمّ اتّباع الهوى، فقال تعالى: أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ‏ [الجاثية/ 23]، وَ لا تَتَّبِعِ الْهَوى‏ [ص/ 26]، وَ اتَّبَعَ هَواهُ* [الأعراف/ 176] و قوله: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ* [البقرة/ 120] فإنما قاله بلفظ الجمع تنبيها على أنّ لكلّ واحد هوى غير هوى الآخر، ثم هوى كلّ واحد لا يتناهى، فإذا اتّباع أهوائهم نهاية الضّلال و الحيرة، و قال عزّ و جلّ:
وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ‏ [الجاثية/ 18]، كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ‏ [الأنعام/ 71] أي: حملته على اتّباع الهوى. وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا [المائدة/ 77]، قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ‏ [الأنعام/ 56]، وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ‏ [الشورى/ 15]، وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ‏ [القصص/ 50] و الْهُوِيُّ:
ذهاب في انحدار، و الْهَوِيُّ: ذهاب في ارتفاع، قال الشاعر:
472-
         يَهْوِي محارمها هَوِيَّ الأجدل «1»
و الْهَوَاءُ: ما بين الأرض و السماء، و قد حمل‏
__________________________________________________
 (1) العجز في البصائر 5/ 360 دون نسبة من المحقق، و أساس البلاغة (هوى)، دون نسبة أيضا. و شطره الأول:
         و إذا رميت به الفجاج رأيته‏

و هو لأبي كبير الهذلي، في ديوان الهذليين 2/ 94، و المجمل 4/ 893. [استدراك‏].

849
مفردات ألفاظ القرآن

هوى ص 849

على ذلك قوله: وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم/ 43] إذ هي بمنزلة الهواء في الخلاء. و رأيتهم يَتَهَاوَوْنَ في الْمَهْوَاةِ أي: يتساقطون بعضهم في أثر بعض، وَ أَهْوَاهُ، أي: رفعه في الهواء و أسقطه، قال تعالى: وَ الْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى‏ [النجم/ 53].
هيأ
الْهَيْئَةُ: الحالة التي يكون عليها الشي‏ء، محسوسة كانت أو معقولة، لكن في المحسوس أكثر. قال تعالى: أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [آل عمران/ 49]، وَ الْمُهَايَأَةُ:
ما يَتَهَيَّأُ القوم له فيتراضون عليه على وجه التّخمين، قال تعالى: وَ هَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً [الكهف/ 10]، وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً [الكهف/ 16] و قيل: هَيَّاكَ أن تفعل كذا. بمعنى: إيّاك، قال الشاعر:
473-
         هَيَّاكَ هَيَّاكَ و حنواء العنق «1»
ها
هَا للتنبيه في قولهم: هذا و هذه، و قد ركّب مع ذا و ذه و أولاء حتى صار معها بمنزلة حرف منها، و (هَا) في قوله تعالى: ها أَنْتُمْ* [آل عمران/ 66] استفهام، قال تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ‏ [آل عمران/ 66]، ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ‏ [آل عمران/ 119]، هؤُلاءِ جادَلْتُمْ‏ [النساء/ 109]، ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ‏ [البقرة/ 85]، لا إِلى‏ هؤُلاءِ وَ لا إِلى‏ هؤُلاءِ [النساء/ 143].
و «هَا» كلمة «2» في معنى الأخذ، و هو نقيض:
هات. أي: أعط، يقال: هَاؤُمُ، و هَاؤُمَا، و هَاؤُمُوا، و فيه لغة أخرى: هَاءِ، و هَاءَا، و هَاءُوا، و هَائِي، و هَأْنَ، نحو: خَفْنَ و قيل: هَاكَ، ثمّ يثنّى الكاف و يجمع و يؤنّث قال تعالى: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ‏ [الحاقة/ 19] و قيل: هذه أسماء الأفعال، يقال: هَاءَ يَهَاءُ نحو: خاف يخاف «3»، و قيل:
__________________________________________________
 (1) في اللسان:
         يا خال هلّا قلت إذا أعطيتها             هيّاك هيّاك و حنواء العنق‏
             أعطيتنيها فانيا أضراسها             لو تعلف البيض به لم ينفلق‏

و لم ينسبهما.
 (2) قال الأزهري: و العرب تقول أيضا: ها، إذا أجابوا داعيا، يصلون الهاء بألف تطويلا للصوت. انظر: تهذيب اللغة 6/ 485.
 (3) قال ابن جني: و فيها لغة رابعة، و هي قولك للرجل: هأ بوزن هع، و للمرأة هائي، بوزن هاعي، و للاثنين و الاثنتين:
هاءا، بوزن هاعا، و للمذكّرين: هاءوا، بوزن: هاعوا، و للنساء: هأن، بوزن هعن، فهذه اللغة تتصرف تصرف خف، و خافي، و خافا، و خافوا، و خفن، و هي لغة مع ما ذكرناه قليلة. انظر: سر صناعة الإعراب 1/ 319.

850
مفردات ألفاظ القرآن

ها ص 850

هَاءَى يُهَائِي، مثل: نادى ينادي، و قيل: إِهَاءُ نحو: إخالُ.
هُوَ «1»: كناية عن اسم مذكّر، و الأصل: الهاء، و الواو زائدة صلة للضمير، و تقوية له، لأنها الهاء التي في: ضربته، و منهم من يقول: هُوَّ مثقّل، و من العرب من يخفّف و يسكّن، فيقال: هُو.
تمّ كتاب الهاء
__________________________________________________
 (1) هذا الفصل زيادة في نسخة المحمودية رقم (218).

851
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الواو

كتاب الواو
وبل‏
الْوَبْلُ و الْوَابِلُ: المطر الثّقيل القطار. قال تعالى: فَأَصابَهُ وابِلٌ‏ [البقرة/ 264]، كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ‏ [البقرة/ 265] و لمراعاة الثّقل قيل للأمر الذي يخاف ضرره: وَبَالٌ. قال تعالى: فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ‏ [التغابن/ 5]، و يقال طعام وَبِيلٌ، و كلأ وَبِيلٌ: يخاف وباله. قال تعالى: فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلًا [المزمل/ 16].
وبر
الْوَبَرُ معروف، و جمعه: أَوْبَارٌ. قال تعالى:
وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها [النحل/ 80] و قيل:
سكّان الوبر لمن بيوتهم من الوبر، و بنات أَوْبَرَ للكم‏ء الصّغار التي عليها مثل الوبر، و وَبَّرَتِ الأرنبُ: غطّت بالوبر الذي على زمعاتها «1» أثرها، و وَبَّرَ الرّجل في منزله: أقام فيه تشبيها بالوبر الملقى، نحو: تلبّد بمكان كذا: ثبت فيه ثبوت اللّبد، و وَبَارِ قيل: أرض كانت لعاد.
وبق‏
وَبَقَ: إذا تثبّط فهلك، وَبَقاً و مَوْبِقاً. قال تعالى: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً [الكهف/ 52] و أَوْبَقَهُ كذا. قال تعالى: أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا [الشورى/ 34].
وتن‏
الْوَتِينُ: عرق يسقي الكبد، و إذا انقطع مات صاحبه. قال تعالى: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ‏ [الحاقة/ 46] و الْمَوْتُونُ: المقطوع الوتين، و الْمُوَاتَنَةُ: أن يقرب منه قربا كقرب الوتين، و كأنه أشار إلى نحو ما دلّ عليه قوله تعالى: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق/ 16] و اسْتَوْتَنَ الإبلُ: إذا غلُظ وتينُها من السِّمن.
__________________________________________________
 (1) الزمعة: الشعرة المدلّاة في مؤخر رجل الشاة و الظبي و الأرنب، و الجمع: زمع و زماع، مثل: ثمرة و ثمر و ثمار.
اللسان (زمع).

852
مفردات ألفاظ القرآن

وتد ص 853

وتد
الْوَتِدُ و الْوَتَدُ، و قد وَتَدْتُهُ أَتِدُهُ وَتْداً. قال تعالى: وَ الْجِبالَ أَوْتاداً [النبأ/ 7] و كيفية كون الجبال أوتادا يختصّ بما بعد هذا الباب، و قد يسكّن التاء و يدغم في الدال فيصير ودّا، و الْوَتِدَانِ من الأذن تشبيها بالوتد للنّتوّ فيهما.
وتر
الْوَتْرُ في العدد خلاف الشّفع، و قد تقدّم الكلام فيه في قوله: وَ الشَّفْعِ وَ الْوَتْرِ [الفجر/ 3] «1» و أَوْتَرَ في الصلاة. و الْوِتْرُ و الْوَتَرُ، و التِّرَةُ: الذّحل، و قد وَتَرْتُهُ: إذا أصبته بمكروه.
قال تعالى: وَ لَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ‏ [محمد/ 35]. و التَّوَاتُرُ: تتابع الشي‏ء وترا و فرادى، و جاءوا تَتْرَى قال تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [المؤمنون/ 44] و لا وَتِيرَةَ في كذا، و لا غميزة، و لا غير، و الْوَتِيرَةُ: السّجيّة من التّواتر، و قيل للحلقة التي يتعلم عليها الرّمي: الْوَتِيرَةُ، و كذلك للأرض المنقادة، و الْوَتِيرَةُ: الحاجز بين المنخرين.
وثق‏
وَثِقْتُ به أَثِقُ ثِقَةً: سكنت إليه و اعتمدت عليه، و أَوْثَقْتُهُ: شددته، و الْوَثَاقُ و الْوِثَاقُ: اسمان لما يُوثَقُ به الشي‏ء، و الْوُثْقَى: تأنيث الْأَوْثَقِ. قال تعالى: وَ لا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ [الفجر/ 26]، حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ‏ [محمد/ 4] و الْمِيثَاقُ: عقد مؤكّد بيمين و عهد، قال:
وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ‏ [آل عمران/ 81]، وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ‏ [الأحزاب/ 7]، وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً* [النساء/ 154] و الْمَوْثِقُ الاسم منه. قال:
حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ‏ إلى قوله:
مَوْثِقَهُمْ‏ [يوسف/ 66] «2». و الْوُثْقَى قريبة من الموثق، قال: فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‏* [البقرة/ 256] و قالوا رجل ثِقَةٌ، و قوم ثِقَةٌ، و يستعار للموثوق به، و ناقة مُوثَقَةُ الخلق:
محكمته.
وثن‏
الْوَثَنُ: واحد الْأَوْثَانِ، و هو حجارة كانت تعبد. قال تعالى: إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً [العنكبوت/ 25] و قيل: أَوْثَنْتُ فلانا:
أجزلت عطيّته، و أَوْثَنْتُ من كذا: أكثرت منه.
وجب‏
الْوُجُوبُ: الثّبوت. و الْوَاجِبُ يقال على أوجه:
__________________________________________________
 (1) و انظر: مادة (شفع).
 (2) الآية: قال: لن أرسله معكم حتّى تؤتون موثقا من اللّه لتأتنّني به إلّا أن يحاط بكم، فلمّا آتوه موثقهم قال: اللّه على ما نقول وكيل.

853
مفردات ألفاظ القرآن

وجب ص 853

الأوّل: في مقابلة الممكن، و هو الحاصل الذي إذا قدّر كونه مرتفعا حصل منه محال. نحو:
وجود الواحد مع وجود الاثنين، فإنه محال أن يرتفع الواحد مع حصول الاثنين.
الثاني: يقال في الذي إذا لم يفعل يستحقّ به اللّوم، و ذلك ضربان:
واجب من جهة العقل، كوجوب معرفة الوحدانيّة، و معرفة النّبوّة.
و واجب من جهة الشّرع كوجوب العبادات الموظّفة. و وَجَبَتِ الشمس: إذا غابت، كقولهم:
سقطت و وقعت، و منه قوله تعالى: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها [الحج/ 36] و وَجَبَ القلب وَجِيباً.
كلّ ذلك اعتبار بتصوّر الوقوع فيه، و يقال في كلّه: أَوْجَبَ. و عبّر بِالْمُوجِبَاتِ عن الكبائر التي أوجب اللّه عليها النار. و قال بعضهم: الواجب يقال على وجهين:
أحدهما: أن يراد به اللازم الوجوب، فإنه لا يصحّ أن لا يكون موجودا، كقولنا في اللّه جلّ جلاله: واجب وجوده.
و الثاني: الواجب بمعنى أنّ حقّه أن يوجد.
و قول الفقهاء: الواجب: ما إذا لم يفعله يستحقّ العقاب «1»، و ذلك وصف له بشي‏ء عارض له لا بصفة لازمة له، و يجري مجرى من يقول:
الإنسان الذي إذا مشى مشى برجلين منتصب القامة.
وجد
الْوُجُودُ أضرب: وجود بإحدى الحواسّ الخمس. نحو: وَجَدْتُ زيدا، و وَجَدْتُ طعمه.
و وجدت صوته، و وجدت خشونته. و وجود بقوّة الشّهوة نحو: وَجَدْتُ الشّبع. و وجود بقوّة الغضب كوجود الحزن و السّخط. و وجود بالعقل، أو بواسطة العقل كمعرفة اللّه تعالى، و معرفة النّبوّة، و ما ينسب إلى اللّه تعالى من الوجود فبمعنى العلم المجرّد، إذ كان اللّه منزّها عن الوصف بالجوارح و الآلات. نحو: وَ ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَ إِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ‏ [الأعراف/ 102]. و كذلك المعدوم يقال على هذه الأوجه. فأمّا وُجُودُ اللّه تعالى للأشياء فبوجه أعلى من كلّ هذا. و يعبّر عن التّمكّن من الشي‏ء بِالْوُجُودِ. نحو: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏ [التوبة/ 5]، أي:
حيث رأيتموهم، و قوله تعالى: فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ‏ [القصص/ 15] أي: تمكّن منهما، و كانا يقتتلان، و قوله: وَجَدْتُ امْرَأَةً إلى قوله: يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ [النمل/ 23-
__________________________________________________
 (1) انظر: الإبهاج في شرح المنهاج 1/ 51، و البرهان للجويني 1/ 217، و روضة الناظر ص 17.

854
مفردات ألفاظ القرآن

وجد ص 854

24] «1» فوجود بالبصر و البصيرة، فقد كان منه مشاهدة بالبصر، و اعتبار لحالها بالبصيرة، و لو لا ذلك لم يكن له أن يحكم بقوله: وَجَدْتُها وَ قَوْمَها الآية، و قوله: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً* [النساء/ 43]، فمعناه: فلم تقدروا على الماء، و قوله: مِنْ وُجْدِكُمْ‏ [الطلاق/ 6]، أي:
تمكّنكم و قدر غناكم و قد يعبّر عن الغنى بِالْوِجْدَانِ و الْجِدَةِ، و قد حكي فيه الْوَجْدُ و الْوِجْدُ و الْوُجْدُ «2»، و يعبّر عن الحزن و الحبّ بِالْوَجْدِ، و عن الغضب بِالْمَوْجِدَةِ، و عن الضالّة بِالْوُجُودِ.
و قال بعضهم: الموجودات ثلاثة أضرب: موجود لا مبدأ له و لا منتهى، و ليس ذلك إلا الباري تعالى، و موجود له مبدأ و منتهى كالنّاس في النّشأة الأولى، و كالجواهر الدّنيويّة، و موجود له مبدأ، و ليس له منتهى، كالنّاس في النّشأة الآخرة.
وجس‏
الْوَجْسُ: الصّوت الخفيّ، و التَّوَجُّسُ:
التّسمّع، و الْإِيجَاسُ: وجود ذلك في النّفس.
قال تعالى: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [الذاريات/ 28] فَالْوَجْسُ قالوا: هو حالة تحصل من النّفس بعد الهاجس، لأنّ الهاجس مبتدأ التّفكير «3»، ثم يكون الْوَاجِسُ الخاطر.
وجل‏
الْوَجَلُ: استشعار الخوف. يقال: وَجِلَ يَوْجَلُ وَجَلًا، فهو وَجِلٌ. قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ‏ [الأنفال/ 2]، إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ* قالُوا لا تَوْجَلْ‏ [الحجر/ 52- 53]، وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ [المؤمنون/ 60].
وجه‏
أصل الْوَجْهِ الجارحة. قال تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ‏ [المائدة/ 6]، وَ تَغْشى‏ وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم/ 50] و لمّا كان الْوَجْهُ أوّل ما يستقبلك، و أشرف ما في ظاهر البدن استعمل في مستقبل كلّ شي‏ء، و في أشرفه و مبدئه، فقيل: وجه كذا، و وجه النهار. و ربّما
__________________________________________________
 (1) الآيتان: إنّي وجدت امرأة تملكهم و أوتيت من كلّ شي‏ء و لها عرش عظيم* وجدتها و قومها يسجدون للشّمس من دون اللّه.
 (2) انظر اللسان: وجد.
 (3) مبادئ التفكير و القصد خمس، جمعها بعضهم فقال:
         مراتب القصد خمس: هاجس ذكروا             فخاطر فحديث النّفس فاستمعا
             يليه همّ فعزم، كلّها رفعت             سوى الأخير، ففيه الأخذ قد وقعا
فالخاطر هو الهاجس، و المراتب الأربعة الأولى لا يؤاخذ بها الإنسان، فقد وقع في العزم استحق الثواب أو العقاب.

855
مفردات ألفاظ القرآن

وجه ص 855

عبّر عن الذّات بِالْوَجْهِ في قول اللّه: وَ يَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ‏ [الرحمن/ 27] قيل: ذاته. و قيل: أراد بِالْوَجْهِ هاهنا التّوجّه إلى اللّه تعالى بالأعمال الصالحة، و قال:
فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ‏ [البقرة/ 115]، كُلُّ شَيْ‏ءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ‏ [القصص/ 88]، يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏ [الروم/ 38]، إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ‏ [الإنسان/ 9] قيل: إنّ الوجه في كلّ هذا زائد، و يعنى بذلك: كلّ شي‏ء هالك إلّا هو، و كذا في أخواته. و
رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الرِّضَا «1»، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لَقَدْ قَالُوا قَوْلًا عَظِيماً، إِنَّمَا عُنِيَ الْوَجْهُ الَّذِي يُؤْتَى مِنْهُ «2».
و معناه: كلّ شي‏ء من أعمال العباد هالك و باطل إلا ما أريد به اللّه، و على هذا الآيات الأخر، و على هذا قوله: يُرِيدُونَ وَجْهَهُ* [الكهف/ 28]، تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ‏ [الروم/ 39]، و قوله: وَ أَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف/ 29] فقد قيل: أراد به الجارحة، و استعارها كقولك: فعلت كذا بيدي، و قيل: أراد بالإقامة تحرّي الاستقامة، و بالوجه التّوجّه «3»، و المعنى: أخلصوا العبادة للّه في الصلاة. و على هذا النحو قوله تعالى: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ‏ [آل عمران/ 20]، و قوله: وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى‏ [لقمان/ 22]، وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ‏ [النساء/ 125]، و قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً [الروم/ 30] فالوجه في كلّ هذا كما تقدّم، أو على الاستعارة للمذهب و الطريق.
و فلان وجه القوم، كقولهم: عينهم و رأسهم و نحو ذلك. و قال: وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى‏* إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى‏ [الأعلى/ 19- 20]، و قوله: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ [آل عمران/ 72] أي: صدر النهار. و يقال: وَاجَهْتُ فلانا: جعلت وجهي تلقاء وجهه، و يقال للقصد: وَجْهٌ، و للمقصد جِهَةٌ و وِجْهَةٌ، و هي حيثما نتوجّه للشي‏ء، قال:
وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها [البقرة/ 148] إشارة إلى الشّريعة، كقوله: شِرْعَةً [المائدة/ 48] و قال بعضهم: الْجَاهُ مقلوب عن الوجه لكن الوجه يقال في العضو و الحظوة، و الجاه لا يقال إلّا في الحظوة. و وَجَّهْتُ الشي‏ء: أرسلته في جهة واحدة فَتَوَجَّهَ، و فلان وَجِيهٌ: ذو جاه. قال تعالى:
وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ [آل عمران/ 45]
__________________________________________________
 (1) تقدّم ص 75.
 (2) انظر: البصائر 5/ 166.
 (3) قال القرطبي: أي: توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة. تفسير القرطبي 7/ 188.

856
مفردات ألفاظ القرآن

وجه ص 855

و أحمق ما يتوجّه به: كناية عن الجهل بالتّفرّط، و أحمق ما يتوجّه «1»، بفتح الياء و حذف به عنه، أي: لا يستقيم في أمر من الأمور لحمقه، و التَّوْجِيهُ في الشّعر: الحرف الذي بين ألف التأسيس و حرف الرّويّ «2».
وجف‏
الْوَجِيفُ: سرعة السّير، و أَوْجَفْتُ البعير:
أسرعته. قال تعالى: فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ‏ [الحشر/ 6] و قيل: أدلّ فأمّل، و أَوْجَفَ فَأَعْجَفَ، أي: حمل الفرس على الإسراع فهزله بذلك، قال تعالى: قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ [النازعات/ 8] أي: مضطربة كقولك: طائرة و خافقة، و نحو ذلك من الاستعارات لها.
وحد
الْوَحْدَةُ: الانفراد، و الْوَاحِدُ في الحقيقة هو الشي‏ء الذي لا جزء له البتّة، ثمّ يطلق على كلّ موجود حتى إنه ما من عدد إلّا و يصحّ أن يوصف به، فيقال: عشرة واحدة، و مائة واحدة، و ألف واحد، فَالْوَاحِدُ لفظ مشترك يستعمل على ستّة أوجه:
الأوّل ما كان واحدا في الجنس، أو في النّوع كقولنا: الإنسان و الفرس واحد في الجنس، و زيد و عمرو واحد في النّوع.
الثاني: ما كان واحدا بالاتّصال، إمّا من حيث الخلقة كقولك: شخص واحد، و إمّا من حيث الصّناعة، كقولك: حرفة واحدة.
الثالث: ما كان واحدا لعدم نظيره، إمّا في الخلقة كقولك: الشّمس واحدة، و إمّا في دعوى الفضيلة كقولك: فلان واحد دهره، و كقولك:
نسيج وَحْدِهِ.
الرابع: ما كان واحدا لامتناع التّجزّي فيه، إمّا لصغره كالهباء، و إمّا لصلابته كالألماس.
الخامس: للمبدإ، إمّا لمبدإ العدد كقولك:
واحد اثنان، و إمّا لمبدإ الخطّ كقولك: النّقطة الواحدة. و الوحدة في كلّها عارضة، و إذا وصف اللّه تعالى بِالْوَاحِدِ فمعناه: هو الذي لا يصحّ عليه التّجزّي و لا التكثّر «3»، و لصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ [الزمر/ 45]،
__________________________________________________
 (1) قال ابن فارس: و يقولون: أحمق ما يتوجه. أي: ما يحسن أن يأتي الغائط. المجمل 3/ 917.
 (2) انظر: المجمل 3/ 917.
 (3) انظر: الأسماء و الصفات ص 29، و المنهاج في شعب الإيمان 1/ 189.
ذكر المؤلف أنّ الواحد يستعمل على ستة أوجه، ثم ذكر منها خمسة فقط، و كذا نقله عنه الفيروزآبادي في البصائر 5/ 170، و لم يذكر السادس، و كذا السمين في العمدة.

857
مفردات ألفاظ القرآن

وحد ص 857

و الوحد المفرد، و يوصف به غير اللّه تعالى، كقول الشاعر:
456-
         على مستأنس وَحَدٍ «1»
و أَحَدٌ مطلقا لا يوصف به غير اللّه تعالى، و قد تقدّم فيما مضى «2»، و يقال: فلان لا وَاحِدَ له، كقولك: هو نسيج وحده، و في الذّمّ يقال: هو عيير وَحْدِهِ، و جحيش وَحْدِهِ، و إذا أريد ذمّ أقلّ من ذلك قيل: رجيل وَحْدِهِ.
وحش‏
الْوَحْشُ: خلاف الإنس، و تسمّى الحيوانات التي لا أنس لها بالإنس وَحْشاً، و جمعه:
وُحُوشٌ. قال تعالى: وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ‏ [التكوير/ 5]، و المكان الذي لا أنس فيه:
وَحْشٌ، يقال: لقيته بِوَحْشِ إصمت «3». أي:
ببلد قفر، و بات فلان وَحْشاً: إذا لم يكن في جوفه طعام، و جمعه أَوْحَاشٌ، و أرض مُوحِشَةٌ:
من الوحش، و يسمّى المنسوب إلى المكان الوَحِش وَحْشِيّاً، و عبّر بِالْوَحْشِيِّ عن الجانب الذي يضادّ الإنسيّ، و الإنسيّ هو ما يقبل منهما على الإنسان، و على هذا وحشيّ القوس و إنسيّه.
وحى‏
أصل الْوَحْيِ: الإشارة السّريعة، و لتضمّن السّرعة قيل: أمر وَحْيٌ، و ذلك يكون بالكلام على سبيل الرّمز و التّعريض، و قد يكون بصوت مجرّد عن التّركيب، و بإشارة ببعض الجوارح، و بالكتابة، و قد حمل على ذلك قوله تعالى عن زكريّا: فَخَرَجَ عَلى‏ قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى‏ إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا [مريم/ 11] فقد قيل: رمز. و قيل: أشار، و قيل: كتب، و على هذه الوجوه قوله: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام/ 112]، و قوله: وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى‏ أَوْلِيائِهِمْ‏ [الأنعام/ 121] فذلك بالوسواس المشار إليه بقوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ [الناس/ 4]، و
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «وَ إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً» «4».
و يقال للكلمة الإلهيّة التي تلقى إلى أنبيائه و أوليائه: وَحْيٌ، و ذلك أضرب حسبما دلّ‏
__________________________________________________
 (1) تمام البيت:
         كأنّ رحلي و قد زال النهار بنا             يوم الجليل على مستأنس وحد
و هو للنابغة في ديوانه ص 31.
 (2) انظر: مادة (أحد).
 (3) انظر: المجمل 3/ 918، و البصائر 5/ 175، و معجم البلدان 1/ 212، و اللسان (وحش).
 (4) الحديث تقدّم في مادة (لهم).

858
مفردات ألفاظ القرآن

وحى ص 858

عليه قوله تعالى: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً إلى قوله بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى/ 51] «1» و ذلك إمّا برسول مشاهد ترى ذاته و يسمع كلامه، كتبليغ جبريل عليه السلام للنّبيّ في صورة معيّنة، و إمّا بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام اللّه، و إمّا بإلقاء في الرّوع كما
ذَكَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي» «2».
و إمّا بإلهام نحو: وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ‏ [القصص/ 7]، و إمّا بتسخير نحو قوله:
وَ أَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ‏ [النحل/ 68] أو بمنام كما
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «انْقَطَعَ الْوَحْيُ وَ بَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ» «3».
فالإلهام و التّسخير و المنام دلّ عليه قوله: إِلَّا وَحْياً [الشورى/ 51] و سماع الكلام معاينة دلّ عليه قوله: أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ [الشورى/ 51]، و تبليغ جبريل في صورة معيّنة دلّ عليه قوله: أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ‏ [الشورى/ 51]، و قوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى‏ عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْ‏ءٌ [الأنعام/ 93] فذلك لمن يدّعي شيئا من أنواع ما ذكرناه من الوحي أيّ نوع ادّعاه من غير أن حصل له، و قوله: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ‏ الآية [الأنبياء/ 25]. فهذا الْوَحْيُ هو عامّ في جميع أنواعه، و ذلك أنّ معرفة وحدانيّة اللّه تعالى، و معرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختصّ بأولي العزم من الرّسل، بل يعرف ذلك بالعقل و الإلهام كما يعرف بالسّمع. فإذا القصد من الآية تنبيه أنه من المحال أن يكون رسول لا يعرف وحدانيّة اللّه و وجوب عبادته، و قوله تعالى: وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ‏ [المائدة/ 111] فذلك وحي بوساطة عيسى عليه السلام، و قوله: وَ أَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ‏ [الأنبياء/ 73] فذلك وحي إلى الأمم بوساطة الأنبياء. و من الوحي المختصّ بالنّبيّ عليه الصلاة و السلام: اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ [يونس/ 109]، إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ إِلَيَّ* [يونس/ 15]، قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‏ إِلَيَّ* [الكهف/ 110].
و قوله: وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ مُوسى‏ وَ أَخِيهِ‏ [يونس/ 87] فوحيه إلى موسى بوساطة جبريل، و وحيه تعالى إلى هارون بوساطة جبريل و موسى، و قوله:
إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ‏

__________________________________________________
 (1) و ما كان لبشر أن يكلّمه اللّه إلّا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء.
 (2) الحديث تقدّم في مادة (لهم).
 (3) الحديث تقدّم في مادة (بشر).

859
مفردات ألفاظ القرآن

وحى ص 858

 [الأنفال/ 12] فذلك وحي إليهم بوساطة اللّوح و القلم فيما قيل، و قوله: وَ أَوْحى‏ فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها [فصلت/ 12] فإن كان الوحي إلى أهل السماء فقط فَالْمُوحَى إليهم محذوف ذكره، كأنه قال: أوحى إلى الملائكة، لأنّ أهل السّماء هم الملائكة، و يكون كقوله: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ [الأنفال/ 12] و إن كان الموحى إليه هي السموات فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حيّ، و نطق عند من جعله حيّا، و قوله: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى‏ لَها [الزلزلة/ 5]، فقريب من الأوّل و قوله: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ‏ [طه/ 114] فحثّ على التّثبّت في السّماع، و على ترك الاستعجال في تلقّيه و تلقّنه.
ودد
الْوُدُّ: محبّة الشي‏ء، و تمنّي كونه، و يستعمل في كلّ واحد من المعنيين على أن التّمنّي يتضمّن معنى الودّ، لأنّ التّمنّي هو تشهّي حصول ما تَوَدُّهُ، و قوله تعالى: وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً [الروم/ 21]، و قوله: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا [مريم/ 96]، فإشارة إلى ما أوقع بينهم من الألفة المذكورة في قوله: لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ الآية [الأنفال/ 63]. و في الْمَوَدَّةِ التي تقتضي المحبّة المجرّدة في قوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ [الشورى/ 23]، و قوله:
وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ [البروج/ 14]، إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود/ 90]، فَالْوَدُودُ يتضمّن ما دخل في قوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ [المائدة/ 54] و تقدّم معنى محبّة اللّه لعباده و محبّة العباد له «1»، قال بعضهم: مَوَدَّةُ اللّه لعباده هي مراعاته لهم.
رُوِيَ: (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى: أَنَا لَا أَغْفَلُ عَنِ الصَّغِيرِ لِصِغَرِهِ وَ لَا عَنِ الْكَبِيرِ لِكِبَرِهِ، وَ أَنَا الْوَدُودُ الشَّكُورُ) «2».
فيصح أن يكون معنى: سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا [مريم/ 96] معنى قوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ [المائدة/ 54].
و من الْمَوَدَّةِ الّتي تقتضي معنى التّمنّي: وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ‏ [آل عمران/ 69] و قال: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ‏ [الحجر/ 2]، و قال: وَدُّوا ما عَنِتُّمْ‏ [آل عمران/ 118]، وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ‏ [البقرة/ 109]، وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ‏ [الأنفال/ 7]، وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا [النساء/ 89]، يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ‏ [المعارج/ 11]،
__________________________________________________
 (1) راجع مادة (حبّ).
 (2) لم أجده.

860
مفردات ألفاظ القرآن

ودد ص 860

و قوله: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ [المجادلة/ 22] فنهي عن موالاة الكفّار و عن مظاهرتهم، كقوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ إلى قوله: بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة/ 1] «1» أي:
بأسباب المحبّة من النّصيحة و نحوها، كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ [النساء/ 73] و فلان وَدِيدُ فلان: مُوَادُّهُ، و الْوَدُّ: صنم سمّي بذلك، إمّا لمودّتهم له، أو لاعتقادهم أنّ بينه و بين الباري مودّة تعالى اللّه عن القبائح. و الْوَدُّ: الوتد، و أصله يصحّ أن يكون وتد فأدغم، و أن يكون لتعلّق ما يشدّ به، أو لثبوته في مكانه فتصوّر منه معنى المودّة و الملازمة.
ودع‏
الدَّعَةُ: الخفض. يقال: وَدَعْتُ كذا أَدَعُهُ وَدْعاً. نحو: تركته، وَادِعاً و قال بعض العلماء:
لا يستعمل ماضيه و اسم فاعله و إنما يقال: يَدَعُ و دَعْ «2»، و قد قرئ: (ما وَدَعَكَ ربّك) [الضحى/ 3] «3»، و قال الشاعر:
457-
         ليت شعري عن خليلي ما الذي             غاله في الحبّ حتى وَدَعَهُ «4»

و التَّوَدُّعُ: ترك النّفس عن المجاهدة، و فلان مُتَّدِعٌ و مُتَوَدِّعٌ، و في دَعَةٍ: إذا كان في خفض عيش، و أصله من التّرك. أي: بحيث ترك السّعي لطلب معاشه لعناء، و التَّوْدِيعُ أصله من الدّعة، و هو أن تدعو للمسافر بأن يتحمّل اللّه عنه كآبة السّفر، و أن يبلّغه الدّعة، كما أنّ التّسليم دعاء له بالسّلامة فصار ذلك متعارفا في تشييع المسافر و تركه، و عبّر عن التّرك به في قوله: ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ‏ [الضحى/ 3]، كقولك: وَدَّعْتُ فلانا نحو: خلّيته، و يكنّى بِالْمُودَعِ عن الميّت، و منه قيل: اسْتَوْدَعْتُكَ غير مودع، و منه قول الشاعر:
458-
         وَدَّعْتُ نفسي ساعة التَّوْدِيعِ «5»
ودق‏
الْوَدْقُ قيل: ما يكون من خلال المطر كأنه غبار، و قد يعبّر به عن المطر. قال تعالى:
فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ* [النور/ 43] و يقال لما يبدو في الهواء عند شدّة الحرّ وَدِيقَةٌ،
__________________________________________________
 (1) الآية: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي و عدوّكم أولياء، تلقون إليهم بالمودّة.
 (2) انظر: اللسان (ودع)، و كتاب سيبويه 2/ 256، و البصائر 5/ 187.
 (3) و هي قراءة شاذة قرأ بها ابن عباس و عروة بن الزبير.
 (4) البيت لأبي الأسود الديلي، و قيل: لأنس بن زنيم.
و هو في الأفعال 4/ 243، و تهذيب اللغة 3/ 136، و المجمل 3/ 920، و البصائر 5/ 187، و اللسان (ودع).
 (5) الشطر في عمدة الحفاظ مادة (ودع) دون نسبة.

861
مفردات ألفاظ القرآن

ودق ص 861

و قيل: وَدَقَتِ الدّابّةُ و اسْتَوْدَقَتْ، و أتانٌ وَدِيقٌ و وَدُوقٌ: إذا أَظْهَرَتْ رطوبةً عند إرادة الفحل، و الْمَوْدِقُ: المكان الذي يَحْصُلُ فيه الْوَدقُ، و قول الشاعر:
459-
         تعفّي بذيل المرط إذ جئت مَوْدِقِي «1»
تُعَفِّي أي: تزيل الأثر، و الْمِرْطُ: لباس النّساء فاستعارة، و تشبيه لأثر موطئ القدم بأثر موطئ المطر.
وادي‏
قال تعالى: إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ‏ [طه/ 12] أصل الْوَادِي: الموضع الذي يسيل فيه الماء، و منه سُمِّيَ المَفْرَجُ بين الجبلين وَادِياً، و جمعه: أَوْدِيَةٌ، نحو: ناد و أندية، و ناج و أنجية، و يستعار الْوَادِي للطّريقة كالمذهب و الأسلوب، فيقال: فلان في وَادٍ غير وَادِيكَ. قال تعالى:
أَ لَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ‏ [الشعراء/ 225] فإنه يعني أساليب الكلام من المدح و الهجاء، و الجدل و الغزل «2»، و غير ذلك من الأنواع. قال الشاعر: 460-
         إذا ما قطعنا وَادِياً من حديثنا             إلى غيره زدنا الأحاديث وَادِياً «3»

و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى إِلَيْهِمَا ثَالِثاً» «4».
و قال تعالى: فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها [الرعد/ 17] أي: بقَدْرِ مياهها. و يقال: وَدِيَ يَدِي، و كنّي بِالْوَدْي عن ماء الفحل عند الملاعبة، و بعد البول فيقال فيه: أَوْدَى نحو: أَمْذَى، و أَمْنَى. و يقال:
وَدَى و أَوْدَى، و مَنَى و أَمْنَى، و الْوَدِيُّ: صغار الفسيل اعتبارا بسيلانه في الطّول، و أَوْدَاهُ:
أهلكه كأنه أسال دمه، و وَدَيْتُ القتيلَ: أعطيت دِيَتَهُ، و يقال لما يعطى في الدّم: دِيَةٌ. قال تعالى: فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى‏ أَهْلِهِ‏ [النساء/ 92].
وذر
 [يقال: فلان يَذَرُ الشي‏ءَ. أي: يقذفه لقلّة اعتداده به‏]، و لم يستعمل ماضيه. قال تعالى:
قالُوا أَ جِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ نَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا [الأعراف/ 70]، وَ يَذَرَكَ وَ آلِهَتَكَ‏

__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت لامرئ القيس، و صدره:
         دخلت على بيضاء جمّ عظامها

و هو في ديوانه ص 105، و المجمل 3/ 921.
 (2) انظر: البصائر 5/ 192.
 (3) لم أجده.
 (4) عن ابن عباس يقول: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلم يقول: «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا، و لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، و يتوب اللّه على من تاب» أخرجه البخاري 11/ 253 باب ما يتقى من فتنة المال، و مسلم برقم (1046).

862
مفردات ألفاظ القرآن

وذر ص 862

 [الأعراف/ 127]، فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ* [الأنعام/ 112]، وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة/ 278] إلى أمثاله و تخصيصه في قوله:
وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً* [البقرة/ 234]، و لم يقل:
يتركون و يخلّفون، فإنه يذكر فيما بعد هذا الكتاب إن شاء اللّه. [و الْوَذَرَةُ: قطعة من اللّحم، و تسميتها بذلك لقلة الاعتداد بها نحو قولهم فيما لا يعتدّ به: هو لحم على وضم‏] «1».
ورث‏
الْوِرَاثَةُ و الْإِرْثُ: انتقال قنية إليك عن غيرك من غير عقد، و لا ما يجري مجرى العقد، و سمّي بذلك المنتقل عن الميّت فيقال للقنيةِ الْمَوْرُوثَةِ:
مِيرَاثٌ و إِرْثٌ. و تُرَاثٌ أصله وُرَاثٌ، فقلبت الواو ألفا و تاء، قال تعالى: وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ‏ [الفجر/ 19] و
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اثْبُتُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثِ أَبِيكُمْ» «2».
أي:
أصله و بقيّته، قال الشاعر:
461-
         فينظر في صحف كالرّيا             ط فيهنّ إِرْثُ كتاب محيّ «3»

و يقال: وَرِثْتُ مالًا عن زيد، و وَرِثْتُ زيداً:
قال تعالى: وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ [النمل/ 16]، وَ وَرِثَهُ أَبَواهُ‏ [النساء/ 11]، وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ‏ [البقرة/ 233] و يقال:
أَوْرَثَنِي الميّتُ كذا، و قال: وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء/ 12] و أَوْرَثَنِي اللّهُ كذا، قال: وَ أَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ‏ [الشعراء/ 59]، وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ‏ [الدخان/ 28]، وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ‏ [الأحزاب/ 27]، وَ أَوْرَثْنَا الْقَوْمَ‏ الآية [الأعراف/ 137]، و قال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [النساء/ 19] و يقال لكلّ من حصل له شي‏ء من غير تعب: قد وَرِثَ كذا، و يقال لمن خُوِّلَ شيئا مهنّئا: أُورِثَ، قال تعالى: وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها [الزخرف/ 72]، أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ‏ [المؤمنون/ 10- 11] و قوله: وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ‏ [مريم/ 6] فإنه يعني وِرَاثَةَ النّبوّةِ و العلمِ، و الفضيلةِ دون المال، فالمال لا قدر له عند الأنبياء حتى يتنافسوا فيه، بل قلّما يقتنون المال و يملكونه، أ لا ترى أنه‏
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
__________________________________________________
 (1) ما بين [] نقله الزركشي في البرهان 3/ 453.
 (2) الحديث عن يزيد بن شيبان قال: كنّا وقوفا من وراء الموقف موقفا تباعده عمرو من الإمام. قال: فأتانا ابن مربع الأنصاريّ فقال: إنى رسول اللّه إليكم يقول: كونوا على مشاعركم هذه، فإنّكم على إرث من إرث إبراهيم.
أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 462 و قال: صحيح الإسناد، و أقرّه الذهبي، و أبو داود (انظر معالم السّنن 2/ 202)، و التّرمذيّ، و قال: حسن صحيح (عارضة الأحوذي 4/ 115)، و النّسائيّ 5/ 255.
 (3) البيت في عمدة الحفاظ (ورث) دون نسبة، و هو لأبي ذؤيب الهذليّ. انظر شرح أشعار الهذليين 1/ 99.

863
مفردات ألفاظ القرآن

ورث ص 863

وَ السَّلَامُ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ» «1».
نصب على الاختصاص، فقد قيل:
ما تركناه هو العلم، و هو صدقة تشترك فيها الأمّة، و ما
رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ:
 «الْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ» «2».
فإشارة إلى ما وَرِثُوهُ من العلم. و استُعْمِلَ لفظُ الْوَرَثَةِ لكون ذلك بغير ثمن و لا منّة، و
قَالَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنْتَ أَخِي وَ وَارِثِي. قَالَ: وَ مَا أَرِثُكَ؟ قَالَ: مَا وَرَّثَتِ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي، كِتَابَ اللَّهِ وَ سُنَّتِي» «3».
و وصف اللّه تعالى نفسه بأنه الْوَارِثُ «4» من حيث إنّ الأشياء كلّها صائرة إلى اللّه تعالى. قال اللّه تعالى:
وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [آل عمران/ 180]، و قال: وَ نَحْنُ الْوارِثُونَ‏ [الحجر/ 23] و كونه تعالى وَارِثاً لما روي «أنه» ينادي لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟ فيقال لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ» «5» و يقال: وَرِثْتُ علماً من فلان. أي:
استفدت منه، قال تعالى: وَرِثُوا الْكِتابَ* [الأعراف/ 169]، أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ‏ [الشورى/ 14]، ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ‏ [فاطر/ 32]، يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ‏ [الأنبياء/ 105] فإنّ الْوِرَاثَةَ الحقيقيةَ هي أن يحصل للإنسان شي‏ء لا يكون عليه فيه تبعة، و لا عليه محاسبة، و عباد اللّه الصالحون لا يتناولون شيئا من الدّنيا إلا بقدر ما يجب، و في وقت ما يجب، و على الوجه الذي يجب، و من تناول الدّنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليها و لا يعاقب بل يكون ذلك له عفوا صفوا كما
رُوِيَ أَنَّهُ «مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا
__________________________________________________
 (1) شطر حديث أخرجه البخاريّ، قال عمر: أ تعلمون أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة» و لأحمد:
 «إنّا لا نورث، ما تركنا صدقة» راجع: فتح الباري 6/ 144 فرض الخمس، و مسلم (1757)، و المسند 1/ 164.
 (2) جزء من حديث و فيه: «و إنّ العلماء ورثة الأنبياء، إنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا و لا درهما، إنّما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظّ وافر» أخرجه التّرمذيّ، و قال: و ليس هو عندي بمتصل هكذا، و ذكر له سندا آخر، و قال: هذا أصحّ (انظر: عارضة الأحوذي 10/ 155)، و أبو داود، و أخرجه ابن ماجة 1/ 81.
قال السّيوطيّ: سئل الشّيخ محيي الدّين النووي عن هذا الحديث فقال: إنّه ضعيف، أيّ: سندا، و إن كان صحيحا، أيّ: معنى. و قال المزي: هذا الحديث روي من طرق تبلغ رتبة الحسن. و هو كما قال، فإنّي رأيت له خمسين طريقا، و قد جمعتها في جزء. انتهى كلام السّيوطيّ.
 (3) قال السّيوطيّ في اللآلئ المصنوعة 1/ 324: إنّه موضوع، و كذا ابن الجوزيّ في الموضوعات 1/ 346.
 (4) انظر: الأسماء و الصّفات للبيهقي ص 28، و المنهاج للحليمي 1/ 189.
قال البيهقيّ: و معناه: الباقي بعد ذهاب غيره، و ربّنا جلّ ثناؤه بهذه الصّفة، لأنّه يبقى بعد ذهاب الملاك الّذين أمتعهم في هذه الدّنيا بما آتاهم.
 (5) أخرجه الحاكم و صحّحه و أبو نعيم في الحلية عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال:
ينادي مناد بين يدي السّاعة: يا أيّها النّاس، أتتكم السّاعة، فيسمعها الأحياء و الأموات، و ينزل اللّه إلى السّماء الدّنيا فيقول: لمن الملك اليوم؟ للّه الواحد القهّار. انظر: المستدرك 2/ 437، و الدّرّ المنثور 7/ 279.

864
مفردات ألفاظ القرآن

ورث ص 863

لَمْ يُحَاسِبْهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ» «1».
ورد
الْوُرُودُ أصله: قصد الماء، ثمّ يستعمل في غيره. يقال: وَرَدْتُ الماءَ أَرِدُ وُرُوداً، فأنا وَارِدٌ، و الماءُ مَوْرُودٌ، و قد أَوْرَدْتُ الإبلَ الماءَ. قال تعالى: وَ لَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ‏ [القصص/ 23] و الْوِرْدُ: الماءُ المرشّحُ للوُرُودِ، و الْوِرْدُ: خلافُ الصّدر، و الْوِرْدُ. يومُ الحمّى إذا وَرَدَتْ، و استعمل في النار على سبيل الفظاعة. قال تعالى: فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَ بِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود/ 98]، إِلى‏ جَهَنَّمَ وِرْداً [مريم/ 86]، أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ‏ [الأنبياء/ 98]، ما وَرَدُوها [الأنبياء/ 99]. و الْوَارِدُ: الذي يتقدّم القوم فيسقي لهم. قال تعالى: فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ‏ [يوسف/ 19] أي: ساقيهم من الماء المَوْرُودِ، و يقال لكلّ من يَرِدُ الماءَ وَارِدٌ، و قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم/ 71] فقد قيل منه: وَرَدْتُ ماءَ كذا: إذا حضرته، و إن لم تشرع فيه، و قيل: بل يقتضي ذلك الشّروع و لكن من كان من أولياء اللّه و الصالحين لا يؤثّر فيهم بل يكون حاله فيها كحال إبراهيم عليه السلام حيث قال: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى‏ إِبْراهِيمَ [الأنبياء/ 69] و الكلام في هذا الفصل إنما هو لغير هذا النحو الذي نحن بصدده الآن. و يعبّر عن المحموم بِالْمَوْرُودِ، و عن إتيان الحُمَّى بِالْوِرْدِ، و شعرٌ وَارِدٌ: قد وَرَدَ العَجُزَ أو المتنَ، و الْوَرِيدُ: عرقٌ يتّصل بالكبد و القلب، و فيه مجاري الدّم و الرّوح. قال تعالى: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق/ 16] أي: من روحه. و الْوَرْدُ: قيل: هو من الْوَارِدِ، و هو الذي يتقدم إلى الماء، و تسميته بذلك لكونه أوّل ما يَرِدُ من ثمار السّنة، و يقال لنَوْرِ كلِّ شجرٍ: وَرْدٌ، و يقال: وَرَّدَ الشّجرُ: خرج نَوْرُهُ، و شبّه به لون الفرس، فقيل: فرسٌ وَرْدٌ، و قيل في صفة السماء إذا احمرّت احمراراً كالوَرْدِ أمارةً للقيامة. قال تعالى: فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ‏ [الرحمن/ 37].
ورق‏
وَرَقُ الشّجرِ. جمعه: أَوْرَاقٌ، الواحدة:
وَرَقَةٌ. قال تعالى: وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها [الأنعام/ 59]، و وَرَّقْتُ الشّجرةَ:
أخذت وَرَقَهَا، و الْوَارِقَةُ: الشّجرةُ الخضراءُ الوَرَقِ الحسنةُ، و عامٌ أَوْرَقُ: لا مطر له، و أَوْرَقَ فلانٌ:
إذا أخفق و لم ينل الحاجة، كأنه صار ذا وَرَقٍ بلا ثمر، أ لا ترى أنه عبّر عن المال بالثّمر في قوله:
وَ كانَ لَهُ ثَمَرٌ [الكهف/ 34]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏
__________________________________________________
 (1) الخبر تقدّم في مادّة (حسب).

865
مفردات ألفاظ القرآن

ورق ص 865

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ الْمَالُ «1».
و باعتبار لونه في حال نضارته قيل: بَعِيرٌ أَوْرَقُ: إذا صار على لونه، و بعيرٌ أَوْرَقُ: لونه لون الرّماد، و حمامةٌ وَرْقَاءُ. و عبّر به عن المال الكثير تشبيها في الكثرة بالوَرَقِ، كما عبّر عنه بالثّرى، و كما شبّه بالتّراب و بالسّيل كما يقال: له مال كالتّراب و السّيل و الثرى، قال الشاعر:
         و اغفر خطاياي و ثمّر وَرَقِي «2»
و الْوَرِقُ بالكسر: الدّراهم. قال تعالى:
فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ‏ [الكهف/ 19] و قرئ: بِوَرْقِكُمْ «3» و (بِوِرْقِكُمْ) «4»، و يقال: وَرْقٌ و وَرِقٌ و وِرْقٌ، نحو كَبْد و كَبِد، و كِبْد.
ورى‏
يقال: وَارَيْتُ كذا: إذا سترته. قال تعالى:
قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ‏ [الأعراف/ 26] و تَوَارَى: استتر. قال تعالى:
حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ‏ [ص/ 32] و
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ «كَانَ إِذَا أَرَادَ غَزْواً وَرَّى بِغَيْرِهِ» «5».
و ذلك إذا ستر خبرا و أظهر غيره.
و الْوَرَى، قال الخليل «6»: الْوَرَى: الأنامُ الذين على وجه الأرض في الوقت، ليس من مضى، و لا من يتناسل بعدهم، فكأنّهم الذين يسترون الأرض بأشخاصهم، و (وَرَاءُ) إذا قيل: وَرَاءَ زيدٍ كذا، فإنه يقال لمن خلفه. نحو قوله تعالى: وَ مِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ‏ [هود/ 71]، ارْجِعُوا وَراءَكُمْ‏ [الحديد/ 13]، فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ‏ [النساء/ 102]، و يقال لما كان قدّامه نحو: وَ كانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ‏ [الكهف/ 79]، و قوله: أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ [الحشر/ 14]، فإن ذلك يقال في أيّ جانب من الجدار، فهو وَرَاءَهُ باعتبار الذي في الجانب الآخر. و قوله: وَراءَ ظُهُورِكُمْ‏ [الأنعام/ 94]، أي: خلّفتموه بعد موتكم، و ذلك تبكيت لهم في أن لم يتوصّلوا بمالهم إلى اكتساب ثواب اللّه تعالى به و قوله فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ‏ [آل عمران/ 187]، فتبكيت لهم. أي: لم يعملوا به و لم يتدبّروا آياته، و قوله: فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ* [المؤمنون/ 7]، أي: من ابتغى أكثر مما بيّناه، و شرعناه من تعرّض لمن يحرم التّعرّض له فقد
__________________________________________________
 (1) عن قتادة قال: قرأها ابن عباس: «و كان له ثمر» بالضم، يعني: أنواع المال. الدر المنثور 5/ 390.
 (2) الرجز للعجاج في ديوانه ص 118، و البصائر 5/ 199.
 (3) قرأ بإسكان الراء أبو عمرو و شعبة و حمزة و خلف و يعقوب. الإتحاف ص 289.
 (4) و هي قراءة شاذة.
 (5) قال كعب بن مالك: و لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يريد غزوة إلا ورّى بغيرها، حتى كانت تلك الغزوة غزاها رسول اللّه في حرّ شديد. يريد غزوة تبوك. انظر: فتح الباري 8/ 113، باب: حديث كعب بن مالك، و أخرجه أبو داود برقم 2637.
 (6) العين 8/ 305.
                       

866
مفردات ألفاظ القرآن

ورى ص 866

تعدّى طوره، و خرق ستره، وَ يَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ‏ [البقرة/ 91]، اقتضى معنى ما بعده، و يقال: وَرِيَ الزَّنْدُ يَرِي وَرْياً: خرجت ناره، و أصله أن يخرج النّار من وَرَاءِ المقدح، كأنما تصوّر كمونها فيه كما قال:
462-
         ككمون النار في حجره «1»
يقال: وَرِيَ يَرِي مثل: وَلِيَ يَلِي. قال تعالى:
أَ فَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ‏ [الواقعة/ 71] و يقال: فلان وَارِي الزّندِ: إذا كان منجحا، و كابي الزّند: إذا كان مخفقا، و اللّحمُ الْوَارِي:
السّمينُ. و الْوَرَاءُ: ولدُ الولدِ، و قولهم:
 (وَرَاءَكَ) «2»، للإغراء و معناه: تأخّر. يقال: وَرَاءَكَ أوسع لك، نصب بفعل مضمر. أي: ائت.
و قيل تقديره: يكن أوسع لك. أي: تنحّ، و ائت مكانا أوسع لك. و التَّوْرَاةُ: الكتابُ الذي ورثوه عن موسى، و قد قيل: هو فَوْعَلَةٌ، و لم يجعل تَفْعَلَة لقلة وجود ذلك، و التاء بدل من الواو نحو:
تَيْقُورٍ، لأنّ أصله وَيْقُورٌ، التاء بدل عن الواو من الوقار، و قد تقدّم «3».
وزر
الْوَزَرُ: الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل.
قال تعالى: كَلَّا لا وَزَرَ إِلى‏ رَبِّكَ‏ [القيامة/ 11] و الْوِزْرُ: الثّقلُ تشبيها بِوَزْرِ الجبلِ، و يعبّر بذلك عن الإثم كما يعبّر عنه بالثقل. قال تعالى:
لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً (يَوْمَ الْقِيامَةِ) وَ مِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ‏ [النحل/ 25]، كقوله: وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [العنكبوت/ 13] و حمل وِزْر الغيرِ في الحقيقة هو على نحو ما
أَشَارَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْ‏ءٌ، وَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ لَهُ وِزْرُهَا وَ وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا» «4».
أي: مثل وِزْرِ مَن عمل بها. و قوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى‏* [الأنعام/ 164] أي: لا يحمل وِزْرَهُ من حيث يتعرّى المحمول عنه، و قوله: وَ وَضَعْنا عَنْكَ‏
__________________________________________________
 (1) العجز لأبي نواس، و صدره:
         كمن الشّنان فيه لنا

و هو من قصيدة مطلعها:
         أيها المنتاب عن عفره             لست من ليلي و لا سمرة
             لا أذود الطير عن شجر             قد بلوت المرّ من ثمره‏

و هو في ديوانه ص 427، و ما يجوز للشاعر في الضرورة ص 24، و الموشح ص 273.
 (2) قال سيبويه: تنحّ و وراءك: إذا قلت: افطن لما خلفك.
انظر: الكتاب 1/ 249، و أصول النحو 1/ 141، و المسائل الحلبيات ص 106.
 (3) تقدّم في مادة (توراة) في كتاب التاء.
 (4) الحديث تقدّم في مادة (شفع).

867
مفردات ألفاظ القرآن

وزر ص 867

وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ‏ [الشرح/ 2- 3]، أي:
ما كنت فيه من أمر الجاهليّة، فأعفيت بما خصصت به عن تعاطي ما كان عليه قومك، و الْوَزِيرُ: المتحمِّلُ ثقل أميره و شغله، و الْوِزَارَةُ على بناء الصّناعة.
و أَوْزَارُ الحربِ واحدها وِزْرٌ: آلتُها من السّلاح، و الْمُوَازَرَةُ: المعاونةُ. يقال: وَازَرْتُ فلاناً مُوَازَرَةً: أعنته على أمره. قال تعالى: وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي‏ [طه/ 29]، وَ لكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ‏ [طه/ 87].
وزع‏
يقال: وَزَعْتُهُ عن كذا: كففته عنه. قال تعالى: وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ إلى قوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ‏
 [النمل/ 17] «1» فقوله:
يُوزَعُونَ [النمل/ 17] إشارةٌ إلى أنهم مع كثرتهم و تفاوتهم لم يكونوا مهملين و مبعدين، كما يكون الجيش الكثير المتأذّى بمعرّتهم بل كانوا مسوسين و مقموعين. و قيل في قوله:
يُوزَعُونَ‏ أي: حبس أولهم على آخرهم، و قوله: وَ يَوْمَ يُحْشَرُ إلى قوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ‏ [فصلت/ 19] فهذا وَزْعٌ على سبيل العقوبة، كقوله: وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج/ 21] و قيل: لا بدّ للسّلطان من وَزَعَةٍ «2»، و قيل: الْوُزُوعُ الولوعُ بالشي‏ء «3». يقال: أَوْزَعَ اللّهُ فلاناً: إذا ألهمه الشّكر، و قيل: هو من أُوْزِعَ بالشي‏ء: إذا أُولِعَ به، كأن اللّه تعالى يُوزِعُهُ بشكره، و رجلٌ وَزُوعٌ، و قوله: رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ* [النمل/ 19] قيل: معناه:
ألهمني «4»، و تحقيقه: أولعني ذلك، و اجعلني بحيث أَزِعُ نفسي عن الكفران.
وزن‏
الْوَزْنُ: معرفة قدر الشي‏ء. يقال: وَزَنْتُهُ وَزْناً و زِنَةً، و المتعارف في الْوَزْنِ عند العامّة: ما يقدّر بالقسط و القبّان. و قوله: وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ* [الشعراء/ 182]، وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ [الرحمن/ 9] إشارة إلى مراعاة المعدلة في جميع ما يتحرّاه الإنسان من الأفعال و الأقوال. و قوله تعالى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً [الكهف/ 105] و قوله: وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْزُونٍ‏ [الحجر/ 19] فقد قيل: هو المعادن كالفضّة و الذّهب، و قيل: بل ذلك إشارة إلى كلّ ما أوجده اللّه تعالى، و أنه خلقه باعتدال كما قال: إِنَّا كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ [القمر/ 49]، و قوله: وَ الْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُ‏ [الأعراف/ 8] فإشارة إلى العدل في محاسبة الناس كما قال: وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ [الأنبياء/ 47] و ذكر في‏
__________________________________________________
 (1) الآية: و حشر لسليمان جنوده من الجنّ و الإنس و الطّير فهم يوزعون.
 (2) الفائق 3/ 160، و البصائر 5/ 205.
 (3) انظر العين 2/ 207.
 (4) انظر العين 2/ 207.

868
مفردات ألفاظ القرآن

وزن ص 868

مواضع الْمِيزَانَ بلفظ الواحد اعتبارا بالمحاسب، و في مواضع بالجمع اعتبارا بالمحاسبين، و يقال:
وَزَنْتُ لفلان و وَزَنْتُهُ كذا. قال تعالى: وَ إِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ‏ [المطففين/ 3]، و يقال: قام مِيزَانُ النهارِ: إذا انتصف.
وسوس‏
الْوَسْوَسَةُ: الخطرةُ الرّديئة، و أصله من الْوَسْوَاسِ، و هو صوت الحلي، و الهمس الخفيّ. قال اللّه تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ‏ [طه/ 120]، و قال: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ‏ [الناس/ 4] و يقال لهمس الصّائد وَسْوَاسٌ.
وسط
وَسَطُ الشي‏ءِ: ما له طرفان متساويا القدر، و يقال ذلك في الكمّيّة المتّصلة كالجسم الواحد إذا قلت: وَسَطُهُ صلبٌ، و ضربت وَسَطَ رأسِهِ بفتح السين.
و وَسْطٌ بالسّكون. يقال في الكمّيّة المنفصلة كشي‏ء يفصل بين جسمين. نحو: وَسْطِ القومِ كذا. و الْوَسَطُ تارة يقال فيما له طرفان مذمومان.
يقال: هذا أَوْسَطُهُمْ حسبا: إذا كان في وَاسِطَةِ قومه، و أرفعهم محلّا، و كالجود الذي هو بين البخل و السّرف، فيستعمل استعمال القصد المصون عن الإفراط و التّفريط، فيمدح به نحو السّواء و العدل و النّصفة، نحو: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة/ 143] و على ذلك قوله تعالى: قالَ أَوْسَطُهُمْ‏ [القلم/ 48] و تارة يقال فيما له طرف محمود، و طرف مذموم كالخير و الشّرّ، و يكنّى به عن الرّذل. نحو قولهم: فلان وَسَطٌ من الرجال تنبيها أنه قد خرج من حدّ الخير. و قوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى‏ [البقرة/ 238]، فمن قال: الظّهر «1»، فاعتبارا بالنهار، و من قال: المغرب «2»، فلكونها بين الرّكعتين و بين الأربع اللّتين بني عليهما عدد الرّكعات، و من قال: الصّبح «3» فلكونها بين صلاة اللّيل و النهار.
قال: و لهذا قال: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى‏ غَسَقِ اللَّيْلِ الآية [الإسراء/ 78]. أي:
صلاته. و تخصيصها بالذّكر لكثرة الكسل عنها إذ
__________________________________________________
 (1) و به قال ابن عمر، فقد أخرج الطبراني في الأوسط بسند رجاله ثقات عن ابن عمر أنه سئل عن الصلاة الوسطى؟
فقال: كنا نتحدث أنها الصلاة التي وجّه فيها رسول اللّه إلى القبلة: الظهر. الدر المنثور 1/ 719.
و به قال زيد بن ثابت كما أخرجه عنه مالك في الموطأ. الزرقاني على الموطأ 1/ 285.
 (2) روى ذلك ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس و ابن جرير عن قبيصة بن ذؤيب. الزرقاني على الموطأ 1/ 286.
 (3) أخرج مالك أنّ عليّ بن أبي طالب و عبد اللّه بن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح. و قال مالك:
و قول عليّ و ابن عباس أحبّ ما سمعت إليّ في ذلك. الزرقاني على الموطأ 1/ 285.
و هذا القول محكيّ عن ابن عمر أيضا و عطاء و طاوس و عكرمة. انظر: الدر المنثور 1/ 917.

869
مفردات ألفاظ القرآن

وسط ص 869

قد يحتاج إلى القيام إليها من لذيذ النّوم، و لهذا زيد في أذانه: (الصّلاة خير من النّوم) «1»، و من قال: صلاة العصر «2» فقد روي ذلك عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم «3»، فلكون وقتها في أثناء الأشغال لعامّة الناس بخلاف سائر الصلوات التي لها فراغ، إمّا قبلها، و إمّا بعدها، و لذلك توعّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم‏
فَقَالَ: «مَنْ فَاتَهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَ مَالَهُ» «4».
وسع‏
السَّعَةُ تقال في الأمكنة، و في الحال، و في الفعل كالقدرة و الجود و نحو ذلك. ففي المكان نحو قوله: إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ [العنكبوت/ 56]، أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً [النساء/ 97]، وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ [الزمر/ 10] و في الحال قوله تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ‏ [الطلاق/ 7] و قوله: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ‏ [البقرة/ 236] و الْوُسْعُ من القدرة: ما يفضل عن قدر المكلّف. قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة/ 286] تنبيها أنه يكلّف عبده دوين ما ينوء به قدرته، و قيل: معناه يكلّفه ما يثمر له السَّعَة. أي: جنّة عرضها السّماوات و الأرض كما قال: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة/ 185] و قوله: وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً [الأعراف/ 89] فوصف له نحو: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً [الطلاق/ 12] و قوله: وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ* [البقرة/ 268]، وَ كانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً [النساء/ 130] فعبارة عن سَعَةِ قدرته و علمه و رحمته و إفضاله كقوله: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْ‏ءٍ عِلْماً [الأنعام/ 80] وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ [الأعراف/ 156]، و قوله: وَ إِنَّا لَمُوسِعُونَ‏ [الذاريات/ 47] فإشارة إلى نحو
__________________________________________________
 (1) قال الترمذي: فسّر ابن المبارك و أحمد أنّ التثويب أن يقول المؤذّن في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم، و هو قول صحيح، و يقال لها: التثؤّب أيضا، و هو الذي اختاره أهل العلم و رأوه، روي عن عبد اللّه بن عمر أنه كان يقول في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم. راجع: عارضة الأحوذي 1/ 215، و شرح الموطأ للزرقاني 1/ 144، و معالم السنن 1/ 155.
 (2) و هو قول أكثر العلماء. و قاله من المالكية ابن حبيب و ابن العربي و ابن عطية، و هو الصحيح عند الحنفية و الحنابلة، و ذهب إليه أكثر الشافعية.
انظر: الزرقاني 1/ 286، و فتح الباري 8/ 194.
 (3) ففي الحديث أنه صلّى اللّه عليه و سلم قال يوم الأحزاب: «شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ اللّه قبورهم و أجوافهم نارا».
انظر: فتح الباري في التفسير 8/ 195، و مسلم في المساجد رقم 627.
 (4) أخرجه الشيخان عن ابن عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم قال: «إنّ الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله و ماله». انظر: فتح الباري في المواقيت 2/ 24، و مسلم في المساجد رقم 626، و مالك في الموطأ 1/ 11، و غيرهم.

870
مفردات ألفاظ القرآن

وسع ص 870

قوله: الَّذِي أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى‏ [طه/ 50] و وَسِعَ الشّي‏ءُ: اتَّسَعَ. و الْوُسْعُ:
الجدةُ و الطّاقةُ، و يقال: ينفق على قدر وُسْعِهِ.
و أَوْسَعَ فلانٌ: إذا كان له الغنى، و صار ذا سَعَةٍ، و فرس وَسَاعُ الخطوِ: شديد العدو.
وسق‏
الْوَسْقُ: جمع المتفرّق. يقال: وَسَقْتُ الشي‏ءَ: إذا جمعته، و سمّي قدر معلوم من الحمل كحمل البعير وَسْقاً، و قيل: هو ستّون صاعا «1»، و أَوْسَقْتُ البعيرَ: حمّلته حِمله، و ناقة وَاسِقٌ، و نوق مَوَاسِيقُ. إذا حملت. و وَسَّقْتُ الحنطةَ: جعلتها وَسْقاً، و وَسَقَتِ العينُ الماءَ:
حملته، و يقولون: لا أفعله ما وَسَقَتْ عيني الماءَ «2». و قوله: وَ اللَّيْلِ وَ ما وَسَقَ‏ [الانشقاق/ 17] قيل: و ما جمع من الظّلام، و قيل: عبارة عن طوارق اللّيل، و وَسَقْتُ الشي‏ءَ: جمعته، و الْوَسِيقَةُ الإبلُ المجموعةُ كالرُّفْقة من الناس، و الِاتِّسَاقُ: الاجتماع و الاطّراد. قال اللّه تعالى: وَ الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ‏ [الانشقاق/ 18].
وسل‏
الْوَسِيلَةُ: التّوصّل إلى الشي‏ء برغبة و هي أخصّ من الوصيلة، لتضمّنها لمعنى الرّغبة. قال تعالى: وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المائدة/ 35] و حقيقةُ الْوَسِيلَةِ إلى اللّه تعالى: مراعاة سبيله بالعلم و العبادة، و تحرّي مكارم الشّريعة، و هي كالقربة، و الْوَاسِلُ: الرّاغب إلى اللّه تعالى، و يقال إنّ التَّوَسُّلَ في غير هذا: السّرقة، يقال:
أخذ فلان إبل فلان تَوَسُّلًا. أي: سرقة.
وسم‏
الْوَسْمُ: التأثير، و السِّمَةُ: الأثرُ. يقال:
وَسَمْتُ الشي‏ءَ وَسْماً: إذا أثّرت فيه بِسِمَةٍ، قال تعالى: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ [الفتح/ 29]، و قال: تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ [البقرة/ 273]، و قوله: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ‏ [الحجر/ 75]، أي:
للمعتبرين العارفين المتّعظين، و هذا التَّوَسُّمُ هو الذي سمّاه قوم الزَّكانةَ، و قوم الفراسة، و قوم الفطنة.
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَ السَّلَامُ: «اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ» «3».
و قال تعالى:
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ‏ [القلم/ 16]، أي:
نعلّمه بعلامة يعرف بها كقوله: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين/ 24]، و الْوَسْمِيُّ: ما يَسِمُ من المطر الأوّل بالنّبات.
__________________________________________________
 (1) و هو المتعارف عليه عند الفقهاء.
 (2) انظر: المجمل 5/ 925، و اللسان (وسق).
 (3) الحديث عن أبي أمامة عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم قال: «اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور اللّه» أخرجه الطبراني، و إسناده حسن. انظر: مجمع الزوائد 10/ 271.

871
مفردات ألفاظ القرآن

وسم ص 871

و تَوَسَّمْتُ: تعرّفت بِالسِّمَةِ، و يقال ذلك إذا طلبت الْوَسْمِيَّ، و فلان وَسِيمُ الوجه: حسنه، و هو ذو وَسَامَةٍ عبارة عن الجمال، و فلانة ذات مِيسَمٍ:
إذا كان عليها أثر الجمال، و فلان مَوْسُومٌ بالخير، و قوم وَسَامٌ، و مَوْسِمُ الحاجِّ: معلمهم الذي يجتمعون فيه، و الجمع: الْمَوَاسِمُ، و وَسَّمُوا:
شهدوا الْمَوْسِمَ كقولهم: عَرَّفُوا، و حَصَّبُوا و عيّدوا: إذا شهدوا عرفة، و المحصّب، و هو الموضع الذي يرمى فيه الحصباء.
وسن‏
الْوَسَنُ و السِّنَةُ: الغفلة و الغفوة. قال تعالى:
لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ‏ [البقرة/ 255] و رجلٌ وَسْنَانُ، و تَوَسَّنَهَا: غشيها نائمة، و قيل: وَسِنَ و أَسِنَ: إذا غشي عليه من ريح البئر، و أرى أنّ وَسِنَ يقال لتصوّر النّوم منه لا لتصوّر الغشيان.
وسى‏
مُوسَى من جعله عربيّا «1» فمنقول عن مُوسَى الحديد، يقال: أَوْسَيْتُ رأسه: حلقته.
وشى‏
وَشَيْتُ الشي‏ءَ وَشْياً: جعلت فيه أثرا يخالف معظم لونه، و استعمل الْوَشْيُ في الكلام تشبيها بالمنسوج، و الشِّيَةُ فِعَلَة «2» من الوَشْيِ. قال تعالى: مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها [البقرة/ 71] و ثورٌ مُوَشَّى القوائمِ. و الْوَاشِي يكنّى به عن النّمّام، و وَشَى فلانٌ كلامَه عبارة عن الكذب نحو: موّهه و زخرفه.
وصب‏
الْوَصَبُ: السّقمُ اللّازم، و قد وَصِبَ فلانٌ فهو وَصِبٌ، و أَوْصَبَهُ كذا فهو يَتَوَصَّبُ نحو: يتوجّع.
قال تعالى: وَ لَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ‏ [الصافات/ 9]، وَ لَهُ الدِّينُ واصِباً [النحل/ 52].
فتوعّد لمن اتّخذ إلهين، و تنبيه أنّ جزاء من فعل ذلك عذاب لازم شديد، و يكون الدّين هاهنا الطّاعة، و معنى الْوَاصِبِ الدّائم. أي: حقّ الإنسان أن يطيعه دائما في جميع أحواله، كما وصف به الملائكة حيث قال: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم/ 6] و يقال: وَصَبَ وُصُوباً: دام، و وَصَبَ الدّينُ:
وجب، و مفازةٌ وَاصِبَةٌ: بعيدة لا غاية لها.
وصد
الْوَصِيدَةُ: حُجْرَةٌ تجعل للمال في الجبل، يقال: أَوْصَدْتُ البابَ و آصَدْتُهُ. أي: أطبقته و أحكمته، و قال تعالى: عَلَيْهِمْ نارٌ مُوصَدَةٌ [البلد/ 20] و قرئ بالهمز «3»: مطبقة، و الْوَصِيدُ المتقارب الأصول.
__________________________________________________
 (1) قال السمين: و هو بعيد جدا. انظر عمدة الحفاظ: وسى.
 (2) أصلها: وشية، فحذفت الفاء، نحو عدة وزنة.
 (3) و هي قراءة أبي عمرو و حفص و حمزة و يعقوب و خلف. الإتحاف ص 439.

872
مفردات ألفاظ القرآن

وصف ص 873

وصف‏
الْوَصْفُ: ذكرُ الشي‏ءِ بحليته و نعته، و الصِّفَةُ:
الحالة التي عليها الشي‏ء من حليته و نعته، كالزِّنَةِ التي هي قدر الشي‏ء، و الوَصْفُ قد يكون حقّا و باطلا. قال تعالى: وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ‏ [النحل/ 116] تنبيها على كون ما يذكرونه كذبا، و قوله عزّ و جلّ: رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ‏ [الصافات/ 180] تنبيه على أنّ أكثر صِفَاتِهِ ليس على حسب ما يعتقده كثير من النّاس لم يتصوّر عنه تمثيل و تشبيه، و أنه يتعالى عمّا يقول الكفّار، و لهذا قال عزّ و جلّ:
وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى‏ [النحل/ 60].
و يقال: اتَّصَفَ الشي‏ءُ في عين الناظر: إذا احتمل الوَصْفَ، و وَصَفَ البعيرُ وُصُوفاً: إذا أجاد السّير، و الْوَصِيفُ: الخادم، و الْوَصِيفَةُ: الخادمة، و يقال: أَوْصَفَتِ الجاريةُ «1».
وصل‏
الِاتِّصَالُ: اتّحادُ الأشياء بعضها ببعض كاتّحاد طرفي الدائرة، و يضادّ الانفصال، و يستعمل الْوَصْلُ في الأعيان، و في المعاني.
يقال: وَصَلْتُ فلاناً. قال اللّه تعالى:
وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ* [البقرة/ 27]، و قوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى‏ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ‏ [النساء/ 90] أي:
ينسبون. يقال: فلان مُتَّصِلٌ بفلان: إذا كان بينهما نسبة، أو مصاهرة، و قوله عزّ و جلّ:
وَ لَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ‏ [القصص/ 51] أي: أكثرنا لهم القول مَوْصُولًا بعضُهُ ببعض، و مَوْصِلُ البعيرِ: كلّ موضعين حصل بينهما وُصْلَةٌ نحو: ما بين العجز و الفخذ، و قوله: ما جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ‏ [المائدة/ 103] و هو أنّ أحدهم كان إذا ولدت له شاته ذكرا و أنثى قالوا: وَصَلَتْ أخاها، فلا يذبحون أخاها من أجلها، و قيل: الْوَصِيلَةُ:
العمارة و الخصب، و الْوَصِيلَةُ: الأرضُ الواسعة، و يقال: هذا وَصْلُ هذا. أي صِلَتُهُ.
وصى‏
الْوَصِيَّةُ: التّقدّمُ إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم: أرض وَاصِيَةٌ: متّصلة النّبات، و يقال: أَوْصَاهُ و وَصَّاهُ. قال تعالى: وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ‏ [البقرة/ 132] و قرئ:
و أَوْصَى «2» قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ‏ [النساء/ 131]، وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ* [العنكبوت/ 8]، يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ‏ [النساء/ 11]، مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها* [النساء/ 12] حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ‏

__________________________________________________
 (1) أوصف الوصيف: إذا تمّ قدّه، و أوصفت الجارية. اللسان (وصف).
 (2) و هي قراءة نافع و ابن عامر و أبي جعفر. الإتحاف ص 148.

873
مفردات ألفاظ القرآن

وصى ص 873

 [المائدة/ 106]، و وَصَّى: أنشأ فضله، و تَوَاصَى القومُ: إذا أَوْصَى بعضُهم إلى بعض. قال تعالى: وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر/ 3] أَ تَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ‏ [الذاريات/ 53].
وضع‏
الْوَضْعُ أعمّ من الحطّ، و منه: الْمَوْضِعُ. قال تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ* [النساء/ 46] و يقال ذلك في الحمل و الحمل، و يقال: وَضَعَتِ الحملَ فهو مَوْضُوعٌ. قال تعالى:
وَ أَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ [الغاشية/ 14]، وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ‏ [الرحمن/ 10] فهذا الْوَضْعُ عبارة عن الإيجاد و الخلق، و وَضَعَتِ المرأةُ الحمل وَضْعاً. قال تعالى: فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى‏ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ‏ [آل عمران/ 36] فأما الْوُضْعُ و التُّضْعُ فإن تحمل في آخر طهرها في مقبل الحيض. و وَضْعُ البيتِ: بناؤُهُ. قال اللّه تعالى:
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ‏ [آل عمران/ 96]، وَ وُضِعَ الْكِتابُ* [الكهف/ 49] هو إبراز أعمال العباد نحو قوله: وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً [الإسراء/ 13] و وَضَعَتِ الدابَّةُ تَضَعُ في سيرها وَضْعاً: أسرعت، و دابّة حسنةُ الْمَوْضُوعِ، و أَوْضَعْتُهَا: حملتها على الإسراع. قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ‏ [التوبة/ 47] و الْوَضْعُ في السير استعارة كقولهم: ألقى باعه و ثقله، و نحو ذلك، و الْوَضِيعَةُ: الحطيطةُ من رأس المال، و قد وُضِعَ الرّجلُ في تجارته يُوضَعُ: إذا خسر، و رجل وَضِيعٌ بيّن الضَّعَةِ في مقابلة رفيع بيّن الرّفعة.
وضن‏
الْوَضْنُ: نسج الدّرع، و يستعار لكلّ نسج محكم. قال تعالى: عَلى‏ سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ [الواقعة/ 15] و منه: الْوَضِينُ، و هو حزام الرّحل، و جمعه: وُضُنٌ.
وطر
الْوَطَرُ: النّهمة و الحاجة المهمّة. قال اللّه عزّ و جلّ: فَلَمَّا قَضى‏ زَيْدٌ مِنْها وَطَراً [الأحزاب/ 37].
وطأ
وَطُؤَ الشي‏ءُ فهو وَطِي‏ءٌ بيّن الْوَطَاءَةِ، و الطَّأَةِ و الطِّئَةِ، و الْوِطَاءُ: ما تَوَطَّأْتَ به، و وَطَّأْتُ له بفراشه. و وَطِئْتُهُ برجلي أَطَؤُهُ وَطْءاً و وَطَاءَةً، و تَوَطَّأْتُهُ. قال اللّه تعالى: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً [المزمل/ 6] و قرئ: وِطَاءً «1» و
فِي الْحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى‏
__________________________________________________
 (1) و هي قراءة أبي عمرو و ابن عامر. الإتحاف ص 426.

874
مفردات ألفاظ القرآن

وطأ ص 874

مُضَرَ» «1».
أي: ذلّلهم. و وَطِئَ امرأتَهُ كناية عن الجماع، صار كالتّصريح للعرف فيه، و الْمُوَاطَأَةُ: الموافقة، و أصله أن يَطَأَ الرجل برجله مَوْطِئَ صاحبه. قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّمَا النَّسِي‏ءُ إلى قوله: لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ‏ [التوبة/ 37] «2».
وعد
الْوَعْدُ يكون في الخير و الشّرّ. يقال وَعَدْتُهُ بنفع و ضرّ وَعْداً و مَوْعِداً و مِيعَاداً، و الْوَعِيدُ في الشّرّ خاصّة. يقال منه: أَوْعَدْتُهُ، و يقال: وَاعَدْتُهُ و تَوَاعَدْنَا. قال اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِ‏ [إبراهيم/ 22]، أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ‏ [القصص/ 61]، وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها [الفتح/ 20]، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا* [المائدة/ 9] إلى غير ذلك. و من الوَعْدِ بالشّرّ:
وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ لَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ‏ [الحج/ 47] و كانوا إنّما يستعجلونه بالعذاب، و ذلك وَعِيدٌ، و قال: قُلْ أَ فَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [الحج/ 72]، إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ‏ [هود/ 81]، فَأْتِنا بِما تَعِدُنا* [الأعراف/ 70]، وَ إِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ‏ [الرعد/ 40]، فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ‏ [إبراهيم/ 47]، الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [البقرة/ 268].
و مما يتضمّن الأمرين قول اللّه عزّ و جلّ:
أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌ‏ [يونس/ 55]، فهذا وَعْدٌ بالقيامة، و جزاء العباد إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ. و الْمَوْعِدُ و الْمِيعَادُ يكونان مصدرا و اسما.
قال تعالى: فَاجْعَلْ بَيْنَنا وَ بَيْنَكَ مَوْعِداً [طه/ 58]، بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً [الكهف/ 48]، مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ [طه/ 59]، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ [الكهف/ 58]، قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ‏ [سبأ/ 30]، وَ لَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ [الأنفال/ 42]، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ* [لقمان/ 33] أي: البعث إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ‏ [الأنعام/ 134]، بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا [الكهف/ 58]. و مِنَ الْمُوَاعَدَةِ قوله: وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا [البقرة/ 235]، وَ واعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثِينَ لَيْلَةً [الأعراف/ 142]، وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى‏

__________________________________________________
 (1) الحديث عن أبي هريرة قال: كان النبي يدعو في القنوت: «اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف» أخرجه البخاري في الجهاد، باب الدعاء على المشركين 6/ 105، و مسلم برقم (675).
 (2) الآية: إنّما النّسي‏ء زيادة في الكفر يضلّ به الّذين كفروا يحلّونه عاما و يحرّمونه عاما ليواطؤا عدّة ما حرّم اللّه.

875
مفردات ألفاظ القرآن

وعد ص 875

أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [البقرة/ 51] و أربعين و ثلاثين مفعول لا ظرف. أي: انقضاء ثلاثين و أربعين، و على هذا قوله: وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ‏ [طه/ 80]، وَ الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ [البروج/ 2] و إشارة إلى القيامة كقوله عزّ و جلّ:
مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ [الواقعة/ 50]. و من الْإِيعَادِ قوله: وَ لا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏ [الأعراف/ 86]، و قال: ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَ خافَ وَعِيدِ [إبراهيم/ 14]، فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ [ق/ 45]، لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ [ق/ 28] و رأيت أرضهم وَاعِدَةً: إذا رجي خيرها من النّبت، و يومٌ وَاعِدٌ:
حرّ أو برد، و وَعِيدُ الفحلِ: هديره، و قوله عزّ و جلّ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
 إلى قوله:
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ [النور/ 55] «1» و قوله:
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ تفسير لوَعَدَ كما أنّ قوله عزّ و جلّ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ* «2» [النساء/ 11] تفسير الوصيّة. و قوله: وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ‏ [الأنفال/ 7] فقوله:
أَنَّها لَكُمْ بدل من قوله: إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، تقديره: وَعَدَكُمُ اللّهُ أنّ إحدى الطائفتين لكم، إما طائفة العير، و إما طائفة النّفير. و الْعِدَةُ من الوَعْدِ، و يجمع على عِدَاتٍ، و الْوَعْدُ مصدر لا يجمع. و وَعَدْتُ يقتضي مفعولين الثاني منهما مكان، أو زمان، أو أمر من الأمور. نحو: وَعَدْتُ زيداً يوم الجمعة، و مكان كذا، و أن أفعل كذا، فقوله: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لا يجوز أن يكون المفعول الثاني من: واعَدْنا مُوسى‏ أَرْبَعِينَ‏ [البقرة/ 51] لأنّ الوَعْدَ لم يقع في الأربعين بل انقضاء الأربعين و تمامها: لا يصحّ الكلام إلا بهذا.
وعظ
الْوَعْظُ: زجر مقترن بتخويف. قال الخليل «3»:
هو التّذكير بالخير فيما يرقّ له القلب، و الْعِظَةُ و الْمَوْعِظَةُ: الاسم. قال تعالى: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏ [النحل/ 90]، قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ [سبأ/ 46]، ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ‏ [المجادلة/ 3]، قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ‏ [يونس/ 57]، وَ جاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَ مَوْعِظَةٌ وَ ذِكْرى‏ [هود/ 120]، وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ* [آل عمران/ 138]، وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وَ تَفْصِيلًا [الأعراف/ 145]، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَ عِظْهُمْ‏ [النساء/ 63].
__________________________________________________
 (1) الآية: وعد اللّه الّذين آمنوا منكم و عملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض.
 (2) الآية: يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين.
 (3) العين 2/ 228.

876
مفردات ألفاظ القرآن

وعى ص 877

وعى‏
الْوَعْيُ: حفظ الحديث و نحوه. يقال: وَعَيْتُهُ في نفسه. قال تعالى: لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ [الحاقة/ 12].
و الْإِيعَاءُ: حفظ الأمتعة في الْوِعَاءِ. قال تعالى: وَ جَمَعَ فَأَوْعى‏ [المعارج/ 18] قال الشاعر:
463-
         و الشّرّ أخبث ما أَوْعَيْتَ من زاد «1»
و قال تعالى: فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ‏ [يوسف/ 76] و لا وَعْيَ عن كذا. أي: لا تماسك للنّفس دونه، و منه: ما لي عنه وَعْيٌ. أي: بدّ، و وَعَى الجرحُ يَعِي وَعْياً: جَمَعَ المِدَّةَ «2»، و وَعَى العظمُ: اشتدّ و جمع القوّةَ، و الْوَاعِيَةُ: الصّارخةُ، و سمعت وَعْيَ القومِ. أي: صراخهم.
وفد
يقال: وَفَدَ القومُ تَفِدُ وِفَادَةً، و هم وَفْدٌ و وُفُودٌ، و هم الذين يقدمون على الملوك مستنجزين الحوائج، و منه: الْوَافِدُ من الإبل، و هو السابق لغيره. قال تعالى: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً [مريم/ 85].
وفر
الْوَفْرُ: المال التّامّ. يقال: وَفَرْتُ كذا: تمّمته و كمّلته، أَفِرُهُ وَفْراً و وُفُوراً و فِرَةً و وَفَّرْتُهُ على التّكثير. قال تعالى: فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً [الإسراء/ 63] و وَفَرْتُ عرضَهُ: إذا لم تنتقصه، و أرضٌ في نبتها وَفْرَةٌ: إذا كان تامّا، و رأيت فلانا ذا وَفَارَةٍ. أي: تامّ المروءة و العقل، و الْوَافِرُ: ضربٌ من الشِّعْر.
وفض‏
الْإِيفَاضُ: الإسراعُ، و أصله أن يعدو من عليه الْوَفْضَةُ، و هي الكنانة تتخشخش عليه، و جمعها: الْوِفَاضُ. قال تعالى: كَأَنَّهُمْ إِلى‏ نُصُبٍ يُوفِضُونَ‏ [المعارج/ 43] أي:
يسرعون، و قيل: الْأَوْفَاضُ الفرق من الناس المستعجلة. يقال: لقيته على أَوْفَاضٍ «3». أي:
على عجلة، الواحد: وَفَضٌ.
وفق‏
الْوِفْقُ: المطابقة بين الشّيئين. قال تعالى:
جَزاءً وِفاقاً [النبأ/ 26] يقال: وَافَقْتُ فلاناً، و وَافَقْتُ الأمرَ: صادفته، و الِاتِّفَاقُ: مطابقة فعل الإنسان القدر، و يقال ذلك في الخير و الشّرّ، يقال:
__________________________________________________
 (1) عجز بيت، صدره:
         الخير يبقى و إن طال الزمان به‏

و هو في البصائر 5/ 241، و تاج العروس (وعى) دون نسبة فيهما، و البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه تحقيق حسين نصار ص 49، و ليس في ديوانه طبع دار صادر، و هو في المجمل 4/ 930.
 (2) الوعي: القيح و المدّة.
 (3) انظر المجمل 4/ 932.

877
مفردات ألفاظ القرآن

وفق ص 877

اتَّفَقَ لفلان خير، و اتَّفَقَ له شرٌّ. و التَّوْفِيقُ نحوه لكنه يختصّ في التّعارف بالخير دون الشّرّ. قال تعالى: وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ‏ [هود/ 88]، و يقال: أتانا لِتِيفَاقِ الهلالِ و مِيفَاقِهِ «1». أي: حين اتَّفَقَ إهلالُهُ.
وفى‏
الْوَافِي: الذي بلغ التّمام. يقال: درهم وَافٍ، و كيل وَافٍ، و أَوْفَيْتُ الكيلَ و الوزنَ. قال تعالى:
وَ أَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ‏ [الإسراء/ 35]، وَفَى بعهده يَفِي وَفَاءً، و أَوْفَى: إذا تمّم العهد و لم ينقض حفظه، و اشتقاق ضدّه، و هو الغدر يدلّ على ذلك و هو التّرك، و القرآن جاء بِأَوْفَى. قال تعالى: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ‏ [البقرة/ 40]، وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ‏ [النحل/ 91]، بَلى‏ مَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ وَ اتَّقى‏ [آل عمران/ 76]، وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا [البقرة/ 177]، يُوفُونَ بِالنَّذْرِ [الإنسان/ 7]، وَ مَنْ أَوْفى‏ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ‏ [التوبة/ 111]، و قوله: وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى‏ [النجم/ 37]، فَتَوْفِيَتُهُ أنه بذل المجهود في جميع ما طولب به، مما أشار إليه في قوله:
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ [التوبة/ 111]، من بذله ماله بالإنفاق في طاعته، و بذل ولده الذي هو أعزّ من نفسه للقربان، و إلى ما نبّه عليه بقوله: وَفَّى‏
 أشار بقوله تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ [البقرة/ 124]، و تَوْفِيَةُ الشي‏ءِ:
بذله وَافِياً، و اسْتِيفَاؤُهُ: تناوله وَافِياً. قال تعالى:
وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ‏ [آل عمران/ 25]، و قال: وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ‏ [آل عمران/ 185]، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ* [البقرة/ 281]، إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ [الزمر/ 10]، مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها [هود/ 15]، وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْ‏ءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ‏ [الأنفال/ 60]، فَوَفَّاهُ حِسابَهُ‏ [النور/ 39]، و قد عبّر عن الموت و النوم بالتَّوَفِّي، قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها [الزمر/ 42]، وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ‏ [الأنعام/ 60]، قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ‏ [السجدة/ 11]، اللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ‏ [النحل/ 70]، الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ* [النحل/ 28]، تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا [الأنعام/ 61]، أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ* [يونس/ 46]، وَ تَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ [آل عمران/ 193]، وَ تَوَفَّنا مُسْلِمِينَ‏ [الأعراف/ 126]، تَوَفَّنِي مُسْلِماً [يوسف/ 101]، يا عِيسى‏ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَ رافِعُكَ إِلَيَ‏ [آل عمران/ 55]، و قد
__________________________________________________
 (1) انظر المجمل 4/ 932، و عمدة الحفاظ: وفق.

878
مفردات ألفاظ القرآن

وفى ص 878

قيل: تَوَفِّيَ رفعةٍ و اختصاص لا تَوَفِّيَ موتٍ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَوَفِّي مَوْتٍ، لِأَنَّهُ أَمَاتَهُ ثُمَّ أَحْيَاهُ «1».
وقب‏
الْوَقْبُ كالنّقرة في الشي‏ء، و وَقَبَ: إذا دخل في وَقْبٍ و منه وَقَبَتِ الشمسُ: غابت. قال تعالى: وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ‏ [الفلق/ 3] و الْإِيقَابُ: تغييبُهُ، و الْوَقِيبُ: صوتُ قُنْبِ «2» الدّابّةِ، و قبّبه، و قبّه «3».
وقت‏
الْوَقْتُ: نهاية الزمان المفروض للعمل، و لهذا لا يكاد يقال إلّا مقدّرا نحو قولهم: وَقَّتُّ كذا: جعلت له وَقْتاً. قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً [النساء/ 103]. و قوله: وَ إِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ‏ [المرسلات/ 11]. و الْمِيقَاتُ: الوقتُ المضروبُ للشي‏ء، و الوعد الذي جعل له وَقْتٌ.
قال عزّ و جلّ: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ‏ [الدخان/ 40]، إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً [النبأ/ 17]، إِلى‏ مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏ [الواقعة/ 50]، و قد يقال الْمِيقَاتُ للمكان الذي يجعل وَقْتاً للشي‏ء، كمِيقَاتِ الحجّ.
وقد
يقال: وَقَدَتِ النارُ تَقِدُ وُقُوداً و وَقْداً، و الْوَقُودُ يقال للحطب المجعول للوقُودِ، و لما حصل من اللّهب. قال تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجارَةُ* [البقرة/ 24]، أُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ [آل عمران/ 10]، النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ [البروج/ 5] و اسْتَوْقَدْتُ النارَ: إذا ترشّحتُ لِإِيقَادِهَا، و أَوْقَدْتُهَا. قال تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً [البقرة/ 17]، وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ [الرعد/ 17]، فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ‏ [القصص/ 38]، نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ [الهمزة/ 6] و منه: وَقْدَةُ الصّيفِ أشدُّ حرّاً «4»، و اتَّقَدَ فلانٌ غضبا. و يستعار وَقَدَ و اتَّقَدَ للحرب كاستعارة النّار و الاشتعال، و نحو ذلك لها. قال تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ‏ [المائدة/ 64] و قد يستعار ذلك للتّلألؤ، فيقال: اتَّقَدَ الجوهرُ و الذّهبُ.
وقذ
قال اللّه تعالى: وَ الْمَوْقُوذَةُ [المائدة/ 3] أي: المقتولة بالضّرب «5».
__________________________________________________
 (1) أخرج ذلك ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم عنه. و عن ابن عباس أيضا قال: رافعك ثم متوفيك في آخر الزمان. الدر المنثور 2/ 225- 226، و تفسير الطبري 3/ 290.
 (2) قنب الفرس: وعاء قضيبه.
 (3) يقال قبّه يقبّه قبّا، و اقتبّه: قطعه. اللسان (قبب).
 (4) وقدة الحر: أشدّه. اللسان: (وقد).
 (5) انظر مجاز القرآن 2/ 151.

879
مفردات ألفاظ القرآن

وقر ص 880

وقر
الْوَقْرُ: الثِّقلُ في الأُذُن. يقال: وَقَرَتْ أُذُنُهُ تَقِرُ و تَوْقَرُ. قال أبو زيد «1»: وَقِرَتْ تَوْقَرُ فهي مَوْقُورَةٌ.
قال تعالى: وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ [فصلت/ 5]، وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً* [الأنعام/ 25] و الْوَقْرُ:
الحِمْل للحمار و للبغل كالوسق للبعير، و قد أَوْقَرْتُهُ، و نخلةٌ مُوقِرَةٌ و مُوقَرَةٌ، و الْوَقَارُ: السّكونُ و الحلمُ. يقال: هو وَقُورٌ، و وَقَارٌ و مُتَوَقِّرٌ. قال تعالى: ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً [نوح/ 13] و فلان ذو وَقْرَةٍ، و قوله: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ‏ [الأحزاب/ 33] قيل: هو من الوَقَارِ.
و قال بعضهم «2»: هو من قولهم: وَقَرْتُ أَقِرُ وَقْراً.
أي: جلست، و الْوَقِيرُ: القطيعُ العظيمُ من الضأن، كأنّ فيها وَقَاراً لكثرتها و بطء سيرها.
وقع‏
الْوُقُوعُ: ثبوتُ الشي‏ءِ و سقوطُهُ. يقال: وَقَعَ الطائرُ وُقُوعاً، و الْوَاقِعَةُ لا تقال إلّا في الشّدّة و المكروه، و أكثر ما جاء في القرآن من لفظ «وَقَعَ» جاء في العذاب و الشّدائد نحو: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ* لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ [الواقعة/ 1- 2]، و قال: سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ‏ [المعارج/ 1]، فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ [الحاقة/ 15] و وُقُوعُ القولِ: حصول متضمّنه، قال تعالى: وَ وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا [النمل/ 85] أي: وجب العذاب الذي وعدوا لظلمهم، فقال عزّ و جلّ: وَ إِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ‏ [النمل/ 82] أي: إذا ظهرت أمارات القيامة التي تقدّم القول فيها. قال تعالى: قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ‏ [الأعراف/ 71] و قال:
أَ ثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ‏ [يونس/ 51]، و قال: فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ‏ [النساء/ 100] و استعمال لفظة الوُقُوعِ هاهنا تأكيد للوجوب كاستعمال قوله تعالى: وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم/ 47]، كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس/ 103] و قوله عزّ و جلّ: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* [الحجر/ 29] فعبارة عن مبادرتهم إلى السّجود، و وَقَعَ المطرُ نحو: سقط، و مَوَاقِعُ الغيثِ: مَساقِطُهُ، و الْمُوَاقَعَةُ في الحرب، و يكنّى بِالْمُوَاقَعَةِ عن الجماع، و الْإِيقَاعُ يقال في الإسقاط، و في شنّ الحرب بِالْوَقْعَةِ. و وَقْعُ الحديدِ: صوتُهُ، يقال:
وَقَعْتُ الحَدِيدَةَ أَقَعُهَا وَقْعاً: إذا حددتها بِالْمِيقَعَةِ، و كلّ سقوط شديد يعبّر عنه بذلك، و عنه استعير:
الْوَقِيعَةُ في الإنسان. و الحَافِرُ الْوَقِعُ: الشّديدُ الأثرِ، و يقال للمكان الذي يستقرّ الماء فيه:
الْوَقِيعَةُ، و الجمع: الْوَقَائِعُ، و الموضع الذي يستقرّ فيه الطّير: مَوْقِعٌ، و التَّوْقِيعُ: أثرُ الدَّبَرِ بِظَهْرِ
__________________________________________________
 (1) انظر تهذيب اللغة 9/ 280.
 (2) هو الفرّاء في معاني القرآن 2/ 342.

880
مفردات ألفاظ القرآن

وقع ص 880

البعيرِ، و أثرُ الكتابةِ في الكتاب، و منه استعير التَّوْقِيعُ في القصص.
وقف‏
يقال: وَقَفْتُ القومَ أَقِفُهُمْ وَقْفاً، و وَاقَفُوهُمْ وُقُوفاً. قال تعالى: وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ‏ [الصافات/ 24] و منه استعير: وَقَفْتُ الدّارَ: إذا سبّلتها، و الْوَقْفُ: سوارٌ من عاج، و حمارٌ مُوَقَّفٌ بأرساغه مثلُ الوَقْفِ من البياض، كقولهم: فرس مُحَجَّلٌ: إذا كان به مثلُ الحَجَل، و مَوْقِفُ الإنسانِ حيث يَقِفُ، و الْمُوَاقَفَةُ: أن يَقِفَ كلُّ واحد أمره على ما يَقِفُهُ عليه صاحبه، و الْوَقِيفَةُ:
الوحشيّة التي يلجئها الصائد إلى أن تَقِفَ حتى تصاد.
وقى‏
الْوِقَايَةُ: حفظُ الشي‏ءِ ممّا يؤذيه و يضرّه.
يقال: وَقَيْتُ الشي‏ءَ أَقِيهِ وِقَايَةً و وِقَاءً. قال تعالى:
فَوَقاهُمُ اللَّهُ‏ [الإنسان/ 11]، وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ‏ [الدخان/ 56]، وَ ما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ‏ [الرعد/ 34]، ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا واقٍ‏ [الرعد/ 37]، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم/ 6] و التَّقْوَى جعل النّفس في وِقَايَةٍ مما يخاف، هذا تحقيقه، ثمّ يسمّى الخوف تارة تَقْوًى، و التَّقْوَى خوفاً حسب تسمية مقتضى الشي‏ء بمقتضيه و المقتضي بمقتضاه، و صار التَّقْوَى في تعارف الشّرع حفظ النّفس عمّا يؤثم، و ذلك بترك المحظور، و يتمّ ذلك بترك بعض المباحات لما
رُوِيَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَ الْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَ مَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحُمَّى فَحَقِيقٌ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» «1».
قال اللّه تعالى: فَمَنِ اتَّقى‏ وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ‏ [الأعراف/ 35]، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا [النحل/ 128]، وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً [الزمر/ 73] و لجعل التَّقْوَى منازل قال: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ‏ [البقرة/ 281]، و اتَّقُوا رَبَّكُمُ* [النساء/ 1]، وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللَّهَ وَ يَتَّقْهِ‏ [النور/ 52]، وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ‏ [النساء/ 1]، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ‏ [آل عمران/ 102]. و تخصيص كلّ واحد من هذه الألفاظ له ما بعد هذا الكتاب.
و يقال: اتَّقَى فلانٌ بكذا: إذا جعله وِقَايَةً لنفسه، و قوله: أَ فَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر/ 24] تنبيه على شدّة ما ينالهم، و أنّ أجدر شي‏ء يَتَّقُونَ به من العذاب يوم القيامة هو وجوههم، فصار ذلك كقوله: وَ تَغْشى‏ وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم/ 50]، يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى‏ وُجُوهِهِمْ [القمر/ 48].
__________________________________________________
 (1) الحديث تقدّم في مادة (بغى).

881
مفردات ألفاظ القرآن

وكد ص 882

وكد
وَكَّدْتُ القولَ و الفعلَ، و أَكَّدْتُهُ: أحكمته. قال تعالى: وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها [النحل/ 91] و السّير الذي يشدّ به القربوس «1» يسمّى التَّأْكِيدَ، و يقال: تَوْكِيدٌ، و الْوَكَادُ: حبل يشدّ به البقر عند الحلب، قال الخليل «2»: أَكَّدْتُ في عقد الأيمان أجود، و وَكَّدْتُ في القول أجود، تقول إذا عقدت: أَكَّدْتُ، و إذا حلفت وَكَّدْتُ و وَكَّدَ وَكْدَهُ: إذا قصد قصده و تخلّق بخلقه.
وكز
الْوَكْزُ: الطّعن، و الدّفع، و الضّرب بجميع الكفّ. قال تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسى‏ [القصص/ 15].
وكل‏
التَّوْكِيلُ: أن تعتمد على غيرك و تجعله نائبا عنك، و الْوَكِيلُ فعيلٌ بمعنى المفعول. قال تعالى: وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا* [النساء/ 81] أي: اكتف به أن يتولّى أمرك، و يَتَوَكَّلَ لك، و على هذا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ‏ [آل عمران/ 173]، وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ* [الأنعام/ 107]، أي: بِمُوَكَّلٍ عليهم و حافظ لهم، كقوله: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ* إِلَّا مَنْ تَوَلَّى [الغاشية/ 22- 23] فعلى هذا قوله تعالى: قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ‏ [الأنعام/ 66]، و قوله: أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا [الفرقان/ 43]، أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا [النساء/ 109] أي: من يَتَوَكَّلُ عنهم؟ و التَّوَكُّلُ يقال على وجهين، يقال:
تَوَكَّلْتُ لفلان بمعنى: تولّيت له، و يقال: وَكَّلْتُهُ فَتَوَكَّلَ لي، و تَوَكَّلْتُ عليه بمعنى: اعتمدته قال عزّ و جلّ: فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ* [التوبة/ 51]، وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ‏ [الطلاق/ 3]، رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا [الممتحنة/ 4]، وَ عَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا [المائدة/ 23]، وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا* [النساء/ 81]، وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ‏ [هود/ 123]، وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ‏ [الفرقان/ 58]. و وَاكَلَ فلانٌ: إذا ضيّع أمره مُتَّكِلًا على غيره، و تَوَاكَلَ القومُ: إذا اتَّكَلَ كلٌّ على الآخر، و رجلٌ وُكَلَةٌ تُكَلَةٌ: إذا اعتمد غيرَهُ في أمره، و الْوَكَالُ في الدابّة: أن لا يمشي إلّا بمشي غيره، و ربّما فسّر الْوَكِيلُ بالكفيل، و الْوَكِيلُ أعمّ، لأنّ كلّ كفيل وَكِيلٌ، و ليس كلّ وَكِيلٍ كفيلا.
ولج‏
الْوُلُوجُ: الدّخول في مضيق. قال تعالى:
__________________________________________________
 (1) القربوس: حنو السّرج، و جمعه قرابيس. اللسان (قربس).
 (2) انظر: العين 5/ 395.

882
مفردات ألفاظ القرآن

ولج ص 882

حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف/ 40]، و قوله: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ* [الحج/ 61] فتنبيه على ما ركّب اللّه عزّ و جلّ عليه العالم من زيادة الليل في النهار، و زيادة النهار في الليل، و ذلك بحسب مطالع الشمس و مغاربها. و الْوَلِيجَةُ:
كلّ ما يتّخذه الإنسان معتمدا عليه، و ليس من أهله، من قولهم: فلان وَلِيجَةٌ في القوم: إذا لحق بهم و ليس منهم، إنسانا كان أو غيره. قال تعالى: وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً [التوبة/ 16] و ذلك مثل قوله:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَ النَّصارى‏ أَوْلِياءَ [المائدة/ 51] و رجل خُرَجَةٌ وُلَجَةٌ «1»: كثير الخروج و الوُلُوجِ.
وكأ
الْوِكَاءُ: رباط الشي‏ء، و قد يجعل الْوِكَاءُ اسما لما يجعل فيه الشي‏ء فيشدّ به، و منه أَوْكَأْتُ فلاناً: جعلت له مُتَّكَأً، و تَوَكَّأَ على العصا: اعتمد بها و تشدّد بها. قال تعالى: هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها [طه/ 18]، و
فِي الْحَدِيثِ: «كَانَ يُوكِي بَيْنَ الصَّفَا وَ الْمَرْوَةِ» «2».
قال معناه: يملأ ما بينهما سعيا كما يُوكَى السِّقَاءُ بعد المل‏ء، و يقال:
أَوْكَيْتُ السِّقَاءَ و لا يقال أَوْكَأْتُ.
ولد
الْوَلَدُ: الْمَوْلُودُ. يقال للواحد و الجمع و الصّغير و الكبير. قال اللّه تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ [النساء/ 11]، أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ [الأنعام/ 101] و يقال للمتبنّى وَلَدٌ، قال: أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً* [القصص/ 9] و قال: وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ [البلد/ 3] قال أبو الحسن: الْوَلَدُ: الابن و الابنة، و الْوُلْدُ هُمُ الأهلُ و الوَلَدُ. و يقال: وُلِدَ فلانٌ. قال تعالى: وَ السَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ‏ [مريم/ 33]، وَ سَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ [مريم/ 15] و الأب يقال له وَالِدٌ، و الأمّ وَالِدَةٌ، و يقال لهما وَالِدَانِ، قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَ‏ [نوح/ 28] و الْوَلِيدُ يقال لمن قرب عهده بِالْوِلَادَةِ و إن كان في الأصل يصحّ لمن قرب عهده أو بعد، كما يقال لمن قرب عهده بالاجتناء: جَنِيٌّ، فإذا كبر الوَلَدُ سقط عنه هذا الاسم، و جمعه:
وِلْدَانٌ، قال: يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً [المزمل/ 17] و الْوَلِيدَةُ مختصّة بالإماء في عامّة كلامهم، و اللِّدَةُ مختصّةٌ بالتِّرْبِ، يقال: فلانٌ لِدَةُ فلانٍ، و تِرْبُهُ، و نقصانه الواو، لأنّ أصله وِلْدَةٌ.
__________________________________________________
 (1) انظر: المجمل 4/ 937، و اللسان (ولج).
 (2) هذا في حديث الزبير أنه كان يوكي بين الصفا و المروة سعيا.
فسّره المؤلف بتفسير، و له تفسير آخر: أنه لا يتكلم، كأنه أوكى فاه فلم ينطق. انظر: النهاية 5/ 223، و غريب الحديث 4/ 8.

883
مفردات ألفاظ القرآن

ولد ص 883

و تَوَلُّدُ الشي‏ءِ من الشي‏ء: حصوله عنه بسبب من الأسباب، و جمعُ الوَلَدِ أَوْلادٌ. قال تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ* [التغابن/ 15]، إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ‏ [التغابن/ 14] فجعل كلّهم فتنة و بعضهم عدوّا. و قيل:
الْوُلْدُ جمعُ وَلَدٍ نحو: أُسْدٍ و أَسَدٍ، و يجوز أن يكون واحدا نحو: بُخْلٍ و بَخَلٍ، و عُرْبٍ و عَرَبٍ، و
رُوِيَ: (وُلْدُكِ مَنْ دَمَّى عَقِبَيْكِ) «1».
و قرئ: مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَ وُلْدُهُ [نوح/ 21] «2».
ولق‏
الْوَلْقُ: الإسراع، و يقال: وَلَقَ الرجلُ يَلِقُ كذب، و قرئ: إِذْ تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ [النور/ 15] «3» أي: تسرعون الكذب، من قولهم:
جاءت الإبل تَلِقُ، و الْأَوْلَقُ: من فيه جنون و هَوَجٌ، و رجلٌ مَأْلُوقٌ و مُؤْلَقٌ [مُؤَوْلَقٌ‏]، و ناقةٌ وَلْقَى:
سريعة، و الْوَلِيقَةُ: طعامٌ يتّخذ من السَّمْن، و الْوَلَقُ: أَخَفُّ الطّعنِ.
وهب‏
الْهِبَةُ: أن تجعل ملكك لغيرك بغير عوض.
يقال: وَهَبْتُهُ هِبَةً و مَوْهِبَةً و مَوْهِباً. قال تعالى:
وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ* [الأنعام/ 84]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ‏ [إبراهيم/ 39]، إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا [مريم/ 19]، فنَسَبَ المَلَكُ إلى نفسه الهِبَةَ لمّا كان سببا في إيصاله إليها، و قد قرئ: لِيَهَبَ لَكِ «4» فنسب إلى اللّه تعالى، فهذا على الحقيقة، و الأوّل على التّوسّع. و قال تعالى: فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً [الشعراء/ 21]، وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ‏ [ص/ 30]، وَ وَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ‏ [ص/ 43]، وَ وَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا [مريم/ 53]، فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي‏ [مريم/ 5]، رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ‏ [الفرقان/ 74]، هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً [آل عمران/ 8]، هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي‏ [ص/ 35]، و يوصف اللّه تعالى بِالْوَاهِبِ و الْوَهَّابِ «5» بمعنى:
أنه يعطي كلًّا على استحقاقه، و قوله: إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها [الأحزاب/ 50]. و الِاتِّهَابُ:
__________________________________________________
 (1) و هذا من أمثال العرب. انظر: مجمع الأمثال 2/ 363، و البصائر 5/ 278، و تهذيب إصلاح المنطق 1/ 125 يعني: من ولدته، و ليس هو حديثا كما ظنّه المؤلف.
 (2) و بها قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر و حمزة و الكسائي و يعقوب و خلف. الإتحاف ص 424.
 (3) و هي قراءة شاذة قرأت بها عائشة.
 (4) و بها قرأ قالون بخلف عنه، و ورش و أبو عمرو و يعقوب. الإتحاف ص 298.
 (5) انظر: الأسماء و الصفات ص 97.

884
مفردات ألفاظ القرآن

وهب ص 884

قبولُ الهبةِ، و
فِي الْحَدِيثِ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ لَا أَتَّهِبُ إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ أَوْ أَنْصَارِيٌّ أَوْ ثَقَفِيٍّ» «1».
وهج‏
الْوَهَجُ: حصولُ الضّوءِ و الحرِّ من النّار، و الْوَهَجَانُ كذلك و قوله: وَ جَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً [النبأ/ 13] أي: مضيئا، و قد وَهَجَتِ النارُ تَوْهَجُ، و وَهَجَ يَهِجُ و يَوْهَجُ، و تَوَهَّجَ الجوهر: تلألأ.
ولي‏
الْوَلَاءُ و التَّوَالِي: أن يَحْصُلَ شيئان فصاعدا حصولا ليس بينهما ما ليس منهما، و يستعار ذلك للقرب من حيث المكان، و من حيث النّسبة، و من حيث الدّين، و من حيث الصّداقة و النّصرة و الاعتقاد، و الْوَلَايَةُ النُّصْرةُ «2»، و الْوِلَايَةُ: تَوَلِّي الأمرِ، و قيل: الْوِلَايَةُ و الْوَلَايَةُ نحو: الدِّلَالة و الدَّلَالة، و حقيقته: تَوَلِّي الأمرِ. و الْوَلِيُّ و الْمَوْلَى يستعملان في ذلك كلُّ واحدٍ منهما يقال في معنى الفاعل. أي: الْمُوَالِي، و في معنى المفعول. أي: الْمُوَالَى، يقال للمؤمن: هو وَلِيُّ اللّهِ عزّ و جلّ و لم يرد مَوْلَاهُ، و قد يقال: اللّهُ تعالى وَلِيُّ المؤمنين و مَوْلَاهُمْ، فمِنَ الأوَّل قال اللّه تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة/ 257]، إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ‏ [الأعراف/ 196]، وَ اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ‏ [آل عمران/ 68]، ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا [محمد/ 11]، نِعْمَ الْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ* [الأنفال/ 40]، وَ اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى‏ [الحج/ 78]، قال عزّ و جلّ: قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ‏ [الجمعة/ 6]، وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ‏ [التحريم/ 4]، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِ‏ [الأنعام/ 62] و الْوَالِي الذي في قوله: وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ‏ [الرعد/ 11] بمعنى الوَلِيِّ، و نفى اللّه تعالى الْوَلَايَةَ بين المؤمنين و الكافرين في غير آية، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ إلى قوله: وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏ [المائدة/ 51] «3»، لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ‏
__________________________________________________
 (1) الحديث عن ابن عباس أنّ أعرابيا وهب للنبي صلّى اللّه عليه و سلم هبة فأثابه عليها، قال: رضيت؟ قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟
قال: لا، فزاده، قال: رضيت؟ قال: نعم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم: «لقد هممت أن لا أتهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي». أخرجه أحمد في المسند 1/ 295، و أبو داود مختصرا 3/ 290، و النسائي 6/ 280.
 (2) قال الفراء: و كسر الواو في الولاية أعجب إليّ من فتحها، لأنها إنما تفتح أكثر من ذلك إذا كانت في معنى النصرة، و كان الكسائي يفتحها و يذهب بها إلى النصرة. انظر: معاني القرآن 1/ 418.
 (3) الآية: يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا اليهود و النّصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض، و من يتولّهم منكم فإنّه منهم.

885
مفردات ألفاظ القرآن

ولي ص 885

وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ [التوبة/ 23]، وَ لا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ [الأعراف/ 3]، ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ [الأنفال/ 72]، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ [الممتحنة/ 1]، تَرى‏ كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى قوله: وَ لَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ النَّبِيِّ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ [المائدة/ 80- 81] «1» و جعل بين الكافرين و الشّياطين مُوَالاةً في الدّنيا، و نفى بينهم المُوَالاةَ في الآخرة، قال اللّه تعالى في المُوَالاةُ بينهم في الدّنيا: الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ [التوبة/ 67] و قال: إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ‏ [الأعراف/ 30]، إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ‏ [الأعراف/ 27]، فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ‏ [النساء/ 76] فكما جعل بينهم و بين الشّيطان مُوَالاةً جعل للشّيطان في الدّنيا عليهم سلطانا فقال: إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ‏ [النحل/ 100] و نفى المُوَالاةَ بينهم في الآخرة، فقال في مُوَالاةِ الكفارِ بعضهم بعضا: يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً [الدخان/ 41]، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ [العنكبوت/ 25]، قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا الآية [القصص/ 63]، و قولهم تَوَلَّى إذا عدّي بنفسه اقتضى معنى الوَلَايَةِ، و حصوله في أقرب المواضع منه يقال: وَلَّيْتُ سمعي كذا، و وَلَّيْتُ عيني كذا، و وَلَّيْتُ وجهي كذا: أقبلت به عليه، قال اللّه عزّ و جلّ: فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها [البقرة/ 144]، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ* [البقرة/ 144] و إذا عدّي ب (عن) لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض و ترك قربه. فمن الأوّل قوله: وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ‏ [المائدة/ 51]، وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ‏ [المائدة/ 56]. و من الثاني قوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ‏ [آل عمران/ 63]، إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَ كَفَرَ [الغاشية/ 23]، فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا [آل عمران/ 64]، وَ إِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ‏ [محمد/ 38]، فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى‏ رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ‏ [التغابن/ 12]، وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ‏ [الأنفال/ 40]، فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ‏ [آل عمران/ 82] و التَّوَلِّي قد يكون بالجسم، و قد يكون بترك الإصغاء و الائتمار، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لا
__________________________________________________
 (1) الآية: ترى كثيرا منهم يتولّون الّذين كفروا لبئس ما قدّمت لهم أنفسهم أن سخط اللّه عليهم و في العذاب هم خالدون* و لو كانوا يؤمنون باللّه ....

886
مفردات ألفاظ القرآن

ولي ص 885

تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ‏ [الأنفال/ 20] أي:
لا تفعلوا ما فعل الموصوفون بقوله: وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً [نوح/ 7] و لا ترتسموا قولَ من ذُكِرَ عنهم: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَ الْغَوْا فِيهِ [فصلت/ 26] و يقال: وَلَّاهُ دُبُرَهُ: إذا انهزم.
و قال تعالى: وَ إِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ [آل عمران/ 111]، وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ‏ [الأنفال/ 16]، و قوله: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا [مريم/ 5] أي: ابنا يكون من أَوْلِيَائِكَ، و قوله: خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي‏ [مريم/ 5] قيل: ابن العمّ، و قيل مَوَالِيهِ. و قوله: وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ‏ [الإسراء/ 111]، فيه نفي الوَلِيِّ بقوله عزّ و جلّ: مِنَ الذُّلِّ إذ كان صالحو عباده هم أَوْلِيَاءُ اللّهِ كما تقدم لكن مُوَالاتُهُمْ ليستولي هو تعالى بهم، و قوله: وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا [الكهف/ 17]، و الْوَلْيُ:
المطرُ الذي يَلِي الوَسْمِيَّ، و الْمَوْلَى يقال للمعتِقِ، و المعتَقِ، و الحليفِ، و ابنِ العمِّ، و الجارِ، و كلِّ من وَلِيَ أمرَ الآخرِ فهو وَلِيُّهُ، و يقال: فلان أَوْلَى بكذا. أي أحرى، قال تعالى:
النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ‏ [الأحزاب/ 6]، إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ‏ [آل عمران/ 68]، فَاللَّهُ أَوْلى‏ بِهِما [النساء/ 135]، وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ* [الأنفال/ 75] و قيل:
أَوْلى‏ لَكَ فَأَوْلى‏* [القيامة/ 34] من هذا، معناه: العقاب أَوْلَى لك و بك، و قيل: هذا فعل المتعدّي بمعنى القرب، و قيل: معناه انزجر.
و يقال: وَلِيَ الشي‏ءُ الشي‏ءَ، و أَوْلَيْتُ الشي‏ءَ شيئا آخرَ أي: جعلته يَلِيهِ، و الْوَلَاءُ في العتق: هو ما يورث به، و
 «نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَ عَنْ هِبَتِهِ» «1».
و الْمُوَالاةُ بين الشيئين: المتابعة.
وهن‏
الْوَهْنُ: ضعف من حيث الخلق، أو الخلق.
قال تعالى: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي‏ [مريم/ 4]، فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ‏ [آل عمران/ 146]، وَهْناً عَلى‏ وَهْنٍ‏ [لقمان/ 14] أي: كلّما عظم في بطنها: زادها ضعفا على ضعف: وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ‏ [النساء/ 104]، وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا [آل عمران/ 139]، ذلِكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ‏ [الأنفال/ 18].
وهى‏
الْوَهْيُ: شقّ في الأديم و الثّوب و نحوهما،
__________________________________________________
 (1) عبد اللّه بن عمر يقول: نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن بيع الولاء و عن هبته. أخرجه البخاري في العتق، باب بيع الولاء وهبته 5/ 167، و مسلم برقم (1506).

887
مفردات ألفاظ القرآن

وهى ص 887

و منه يقال: وَهَتْ عَزَالَيِ السّحابِ بمائها «1»، قال تعالى: وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ [الحاقة/ 16] و كلُّ شي‏ءٍ استرخى رباطه فقد وَهِيَ.
وي‏
وَيْ كلمةٌ تُذْكَرُ للتَّحَسُّر، و التَّنَدُّم، و التَّعَجُّب، تقول: وَيْ لعبد اللّه، قال تعالى:
وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ [القصص/ 82] وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ‏ [القصص/ 82]، و قيل: وَيْ لِزيدٍ، و قيل: وَيْكَ، كان وَيْلَكَ فحذف منه اللام.
ويل‏
قال الأصمعيّ: وَيْلٌ قُبْحٌ، و قد يستعمل على التَّحَسُّر.
و وَيْسَ استصغارٌ. و وَيْحَ ترحُّمٌ. و من قال: وَيْلٌ وادٍ «2» في جهنّم، فإنه لم يرد أنّ وَيْلًا في اللّغة هو موضوع لهذا، و إنما أراد من قال اللّه تعالى ذلك فيه فقد استحقّ مقرّا من النّار، و ثبت ذلك له. قال عزّ و جل: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَ وَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ‏ [البقرة/ 79]، وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ‏ [إبراهيم/ 2]، وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ‏ [الجاثية/ 7]، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا* [مريم/ 37]، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا [الزخرف/ 65]، وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ‏ [المطففين/ 1]، وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ [الهمزة/ 1]، يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا [يس/ 52]، يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ* [الأنبياء/ 46]، يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ‏ [القلم/ 31].
و اللّه سبحانه و تعالى أعلم بمراده.
تمّ كتاب الواو
__________________________________________________
 (1) يقال للشي‏ء إذا استرخى. اللسان: (و هي)، و المجمل 4/ 938.
 (2) روي في ذلك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: «الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره» أخرجه أحمد 3/ 75، و الترمذي (انظر: عارضة الأحوذي 12/ 21 كتاب التفسير، تفسير سورة الأنبياء) و إسناده ضعيف.
و قال الترمذي: حديث غريب.

888
مفردات ألفاظ القرآن

كتاب الياء

كتاب الياء
يبس‏
يَبِسَ الشي‏ءُ يَيْبَسُ، و الْيَبْسُ: يَابِسُ النّباتِ، و هو ما كان فيه رطوبة فذهبت، و الْيَبَسُ: المكانُ يكون فيه ماء فيذهب. قال تعالى: فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً [طه/ 77] و الْأَيْبَسَانِ «1»: ما لا لحم عليه من الساقين إلى الكعبين.
يتم‏
الْيُتْمُ: انقطاع الصَّبيِّ عن أبيه قبل بلوغه، و في سائر الحيوانات من قِبَلِ أمّه. قال تعالى:
أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى‏ [الضحى/ 6]، وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً [الإنسان/ 8] و جمعه:
يَتَامَى. قال تعالى: وَ آتُوا الْيَتامى‏ أَمْوالَهُمْ‏ [النساء/ 2]، إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى‏ [النساء/ 10]، وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى‏ [البقرة/ 220] و كلُّ منفردٍ يَتِيمٌ، يقال: دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ، تنبيها على أنّه انقطع مادّتها التي خرجت منها، و قيل: بَيْتٌ يَتِيمٌ تشبيها بالدّرّة اليَتِيمَةِ.
يد
الْيَدُ: الجارحة، أصله: يَدْيٌ لقولهم في جمعه: أَيْدٍ و يَدِيٌّ «2». و أَفعُلٌ في جمع فَعْلٍ أكثرُ. نحو: أفلُس و أكلُب، و قيل: يَدِيٌّ نحو:
عَبْدٍ و عَبِيدٍ، و قد جاء في جمع فَعَلٍ نحو: أَزمُن و أَجبُل. قال تعالى: إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ‏ [المائدة/ 11]، أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها [الأعراف/ 195] و قولهم: يَدَيَانِ على أنّ أصله يَدْيٌ على وزن فَعْلٍ، و يَدَيْتُهُ: ضربت يَدَهُ، و استعير الْيَدُ للنّعمة، فقيل: يَدَيْتُ إليه. أي: أسديت إليه،
__________________________________________________
 (1) انظر: جنى الجنتين ص 24.
 (2) انظر: سر صناعة الإعراب 2/ 729، و المسائل الحلبيات ص 163.

889
مفردات ألفاظ القرآن

يد ص 889

و تجمع على أَيَادٍ، و قيل: يَدِيٌّ. قال الشاعر:
474-
         فإنّ له عندي يَدِيّاً و أَنْعُماً «1»
و للحوز و الملك مرّة يقال: هذا في يَدِ فلانٍ.
أي: في حوزه و ملكه. قال تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ‏ [البقرة/ 237] و قولهم: وقع في يَدَيْ عَدْلٍ.
و للقوّة مرّةً، يقال: لفلان يَدٌ على كذا، و ما لي بكذا يَدٌ، و ما لي به يَدَانِ. قال الشاعر:
475-
         فاعمد لما تعلو فما لك بالّذي             لا تستطيع من الأمور يَدَانِ «2»

و شبّه الدّهر فجعل له يَدٌ في قولهم: يَدُ الدّهرِ، و يَدُ المِسْنَدِ، و كذلك الريح في قول الشاعر:
476-
         بِيَدِ الشّمال زمامها «3»
لما له من القوّة و منه، قيل: أنا يَدُكَ، و يقال:
وضع يَدَهُ في كذا: إذا شرع فيه. و يَدُهُ مطلقة:
عبارة عن إيتاء النّعيم، و يَدٌ مَغْلُولَةٌ: عبارة عن إمساكها. و على ذلك قيل: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ‏ [المائدة/ 64]، و يقال: نفضت يَدِي عن كذا. أي: خلّيت و قوله عزّ و جلّ: إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ‏ [المائدة/ 110]، أي:
قوّيت يَدَكَ، و قوله: فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ‏ [البقرة/ 79]، فنسبته إلى أَيْدِيهِمْ تنبيه على أنهم اختلقوه، و ذلك كنسبة القول إلى أفواههم في قوله عزّ و جلّ: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ [التوبة/ 30]، تنبيها على اختلافهم.
و قوله: أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِها [الأعراف/ 195]، و قوله: أُولِي الْأَيْدِي وَ الْأَبْصارِ [ص/ 45]، إشارة إلى القوّة الموجودة لهم. و قوله: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [ص/ 17]، أي: القوّة. و قوله: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ‏ [التوبة/ 29]، أي: يعطون ما يعطون عن مقابلة نعمة عليهم في مقارّتهم. و موضع قوله: عَنْ‏
__________________________________________________
 (1) هذا عجز بيت، و صدره:
         فلن أذكر النعمان إلا بصالح‏

و هو لضمرة بن ضمرة النهشلي، و البيت في نوادر أبي زيد ص 250، و المسائل الحلبيات ص 30، و سر صناعة الإعراب 1/ 240، و اللسان (يدي)، و نسبه للأعشى، و هو وهم.
 (2) البيت لعلي بن الغدير الغنوي، و هو في المسائل الحلبيات ص 28، و اللسان (يدي)، و أمالي القالي 2/ 181، و أضداد الأصمعي ص 7.
 (3) البيت بتمامه:
         و غداة ريح قد وزعت و قرّة             إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
و هو للبيد من معلقته. انظر: ديوانه ص 176.

890
مفردات ألفاظ القرآن

يد ص 889

يَدٍ في الإعراب. حال «1». و قيل: بل اعتراف بأنّ أَيْدِيَكُمْ فوق أَيْدِيهِمْ. أي: يلتزمون الذّلّ.
و خذ كذا أثر ذي يَدَيْنِ «2»، و يقال: فلانٌ يَدُ فلانٍ أي: وَلِيُّهُ و ناصرُهُ، و يقال لأولياء اللّه: هم أَيْدِي اللّهِ، و على هذا الوجه قال عزّ و جلّ: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏ [الفتح/ 10]، فإذا يَدُهُ عليه الصلاة و السلام يَدُ اللّهِ، و إذا كان يَدُهُ فوق أيديهم فيَدُ اللّهِ فوق أيديهم، و يؤيّد ذلك ما
رُوِيَ: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَ بَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَ يَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» «3».
و قوله تعالى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا [يس/ 71]، و قوله: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ‏ [ص/ 75]، فعبارة عن تولّيه لخلقه باختراعه الذي ليس إلا له عزّ و جلّ. و خصّ لفظ اليَدِ ليتصوّر لنا المعنى، إذ هو أجلّ الجوارح التي يتولّى بها الفعل فيما بيننا ليتصوّر لنا اختصاص المعنى لا لنتصوّر منه تشبيها، و قيل معناه: بنعمتي التي رشّحتها لهم، و الباء فيه ليس كالباء في قولهم: قطعته بالسكّين، بل هو كقولهم: خرج بسيفه. أي: معه سيفه، معناه:
خلقته و معه نعمتاي الدّنيويّة و الأخرويّة اللّتان إذا رعاهما بلغ بهما السّعادة الكبرى. و قوله: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ‏ [الفتح/ 10]، أي: نصرته و نعمته و قوّته، و يقال: رجل يَدِيٌّ، و امرأةٌ يَدِيَّةٌ.
أي: صناع، و أما قوله تعالى: وَ لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ‏ [الأعراف/ 149]، أي: ندموا، يقال:
سقط في يَدِهِ و أسقط: عبارة عن المتحسّر، أي:
عمّن يقلّب كفّيه كما قال عزّ و جلّ: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى‏ ما أَنْفَقَ فِيها [الكهف/ 42]، و قوله: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ‏ [إبراهيم/ 9]، أي: كفّوا عمّا أمروا بقبوله من الحقّ، يقال: ردّ يَدَهُ في فمه. أي: أمسك و لم يجب «4»، و قيل: ردّوا أَيْدِيَ الأنبياءِ في أفواههم.
أي: قالوا ضعوا أناملكم على أفواهكم و اسكتوا، و قيل: ردّوا نعم اللّه بأفواههم بتكذيبهم.
يسر
الْيُسْرُ: ضدّ العسر. قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة/ 185]، سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً [الطلاق/ 7]، وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً [الكهف/ 88]، فَالْجارِياتِ يُسْراً [الذاريات/ 3] و تَيَسَّرَ كذا و اسْتَيْسَرَ أي:
__________________________________________________
 (1) انظر: البصائر 5/ 383.
 (2) يقال: افعل هذا أثر ذات يدين، و ذي يدين. اللسان (أثر).
 (3) الحديث تقدم في مادة (قرب).
 (4) مجاز القرآن 1/ 336.

891
مفردات ألفاظ القرآن

يسر ص 891

تسهّل، قال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ‏ [البقرة/ 196]، فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ‏ [المزمل/ 20] أي: تسهّل و تهيّأ، و منه:
أَيْسَرَتِ المرأةُ، و تَيَسَّرَتْ في كذا. أي: سهَّلته و هيّأته، قال تعالى: وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ* [القمر/ 17]، فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ* [مريم/ 97] و الْيُسْرَى: السّهل، و قوله: فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى‏ [الليل/ 7]، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى‏ [الليل/ 10] فهذا- و إن كان قد أعاره لفظ التَّيْسِيرِ- فهو على حسب ما قال عزّ و جلّ: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران/ 21]. و الْيَسِيرُ و الْمَيْسُورُ: السّهلُ، قال تعالى: فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً [الإسراء/ 28] و الْيَسِيرُ يقال في الشي‏ء القليل، فعلى الأوّل يحمل قوله: يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً [الأحزاب/ 30]، و قوله: إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* [الحج/ 70]. و على الثاني يحمل قوله: وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً [الأحزاب/ 14] و الْمَيْسَرَةُ و الْيَسَارُ عبارةٌ عن الغنى. قال تعالى: فَنَظِرَةٌ إِلى‏ مَيْسَرَةٍ [البقرة/ 280] و الْيَسَارُ أختُ اليمين، و قيل: الْيِسَارُ بالكسر، و الْيَسَرَاتُ: القوائمُ الخِفافُ، و من الْيُسْرِ الْمَيْسِرُ.
يأس‏
الْيَأْسُ: انتفاءُ الطّمعِ، يقال: يَئِسَ و اسْتَيْأَسَ مثل: عجب و استعجب، و سخر و استسخر. قال تعالى: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا [يوسف/ 80]، حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ‏ [يوسف/ 110]، قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ [الممتحنة/ 13]، إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ [هود/ 9] و قوله: أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا [الرعد/ 31] قيل: معناه: أ فلم يعلموا «1»، و لم يرد أنّ اليَأْسَ موضوع في كلامهم للعلم، و إنما قصد أنَّ يَأْسَ الذين آمنوا من ذلك يقتضي أن يحصل بعد العلم بانتفاء ذلك، فإذا ثبوت يَأْسِهِمْ يقتضي ثبوت حصول علمهم.
يقن‏
الْيَقِينُ من صفة العلم فوق المعرفة و الدّراية و أخواتها، يقال: علم يَقِينٍ، و لا يقال: معرفة يَقِينٍ، و هو سكون الفهم مع ثبات الحكم، و قال: عِلْمَ الْيَقِينِ‏ [التكاثر/ 5] «2»، و عَيْنَ الْيَقِينِ‏ [التكاثر/ 7] «3» و حَقُّ الْيَقِينِ* [الواقعة/ 95] «4» و بينها فروق مذكورة
__________________________________________________
 (1) مجاز القرآن 1/ 332.
 (2) الآية: لو تعلمون علم اليقين.
 (3) الآية: ثمّ لترونّها عين اليقين.
 (4) الآية: إنّ هذا لهو حقّ اليقين. فعلم اليقين كعلمنا بدخول الجنة، فإذا رأيناها فهو عين اليقين، فإذا دخلناها فهو حق اليقين.

892
مفردات ألفاظ القرآن

يقن ص 892

في غير هذا الكتاب، يقال: اسْتَيْقَنَ و أَيْقَنَ، قال تعالى: إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَ ما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ‏ [الجاثية/ 32]، وَ فِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ‏ [الذاريات/ 20]، لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ* [البقرة/ 118] و قوله عزّ و جلّ: وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً [النساء/ 157] أي: ما قتلوه قتلا تَيَقَّنُوهُ، بل إنما حكموا تخمينا و وهما.
اليم‏
الْيَمُّ: البحر. قال تعالى: فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ‏ [القصص/ 7] و يَمَّمْتُ كذا، و تَيَمَّمْتُهُ:
قصدته، قال تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً* [النساء/ 43] و تَيَمَّمْتُهُ برمحي: قصدته دون غيره. و الْيَمَامُ: طيرٌ أصغرُ من الورشان، و يَمَامَةُ:
اسمُ امرأةٍ، و بها سمّيت مدينةُ الْيَمَامَةِ.
يمن‏
الْيَمِينُ: أصله الجارحة، و استعماله في وصف اللّه تعالى في قوله: وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‏ [الزمر/ 67] على حدّ استعمال اليد فيه، و تخصيص الْيَمِينِ في هذا المكان، و الأرض بالقبضة حيث قال جلّ ذكره:
وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر/ 67] «1» يختصّ بما بعد هذا الكتاب. و قوله:
إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ‏ [الصافات/ 28] أي: عن الناحية التي كان منها الحقّ، فتصرفوننا عنها، و قوله: لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ‏ [الحاقة/ 45] أي: منعناه و دفعناه. فعبّر عن ذلك الأخذ باليَمِينِ كقولك: خذ بِيَمِينِ فلانٍ عن تعاطي الهجاء، و قيل: معناه بأشرف جوارحه و أشرف أحواله، و قوله جلّ ذكره: وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ‏ [الواقعة/ 27] أي: أصحاب السّعادات و الْمَيَامِنِ، و ذلك على حسب تعارف الناس في العبارة عن المَيَامِنِ باليَمِينِ، و عن المشائم بالشّمال. و استعير الْيَمِينُ لِلتَّيَمُّنِ و السعادة، و على ذلك وَ أَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ* فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ‏ [الواقعة/ 90- 91]، و على هذا حمل:
477-
         إذا ما راية رفعت لمجد             تلقّاها عرابة بِالْيَمِينِ «2»

و الْيَمِينُ في الحلف مستعار من اليد اعتبارا بما يفعله المعاهد و المحالف و غيره. قال تعالى:
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى‏ يَوْمِ الْقِيامَةِ [القلم/ 39]، وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ*

__________________________________________________
 (1) الآية: و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة، و السّماوات مطويّات بيمينه.
 (2) البيت للشماخ من قصيدة يمدح بها عرابة الأوسي صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و سلم، و مطلعها:
         كلا يومي طوالة وصل أروى             ظنون آن مطّرح الظنون‏
و هو في ديوانه ص 336، و الأغاني 8/ 97، و محاضرات الأدباء 1/ 142.

893
مفردات ألفاظ القرآن

يمن ص 893

 [النور/ 53]، لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ* [البقرة/ 225]، وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ‏ [التوبة/ 12]، إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ‏ [التوبة/ 12] و قولهم: يَمِينُ اللّهِ، فإضافته إليه عزّ و جلّ هو إذا كان الحلف به.
و مولى اليَمِينِ: هو من بينك و بينه معاهدة، و قولهم: ملك يَمِينِي أنفذ و أبلغ من قولهم: في يدي، و لهذا قال تعالى: مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ‏ [النور/ 33] و
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ: «الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ» «1».
أي: به يتوصّل إلى السّعادة المقرّبة إليه. و من اليَمِينِ: تُنُووِلَ الْيُمْنُ، يقال:
هو مَيْمُونُ النّقيبة. أي: مبارك، و الْمَيْمَنَةُ: ناحيةُ اليَمِينِ.
ينع‏
يَنَعَتِ الثمرةُ تَيْنَعُ يَنْعاً و يُنْعاً، و أَيْنَعَتْ إِينَاعاً، و هي يَانِعَةٌ و مُونِعَةٌ. قال: انْظُرُوا إِلى‏ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ يَنْعِهِ‏ [الأنعام/ 99] و قرأ ابن أبي إسحاق «2» يُنْعِهِ) «3»، و هو جمع يَانِعٍ، و هو المدرك البالغ.
يوم‏
الْيَوْمُ يعبّر به عن وقت طلوع الشمس إلى غروبها. و قد يعبّر به عن مدّة من الزمان أيّ مدّة كانت، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ‏ [آل عمران/ 155]، وَ أَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ‏ [النحل/ 87]، و قال:
أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ‏ [البقرة/ 254]، و غير ذلك، و قوله عزّ و جلّ:
وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ‏ [إبراهيم/ 5] فإضافة الأَيَّامِ إلى اللّه تعالى تشريف لأمرها لما أفاض اللّه عليهم من نعمه فيها. و قوله عزّ و جلّ: قُلْ أَ إِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ‏ الآية [فصلت/ 9]، فالكلام في تحقيقه يختصّ بغير هذا الكتاب. و يركّب يَوْمٌ مع «إذ»، فيقال:
يَوْمَئِذٍ نحو قوله عزّ و جلّ: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ [المدثر/ 9] و ربّما يعرب و يبنى، و إذا بني فللإضافة إلى إذ.
__________________________________________________
 (1) عن جرير عن النبي صلى الله عليه و سلم: «الحجر يمين اللّه في الأرض يصافح بها عباده» أخرجه الخطيب و ابن عساكر. قال ابن الجوزي: في سنده إسحاق بن بشير، كذّبه ابن شيبة و غيره. و قال العراقي: أخرجه الحاكم و صححه من حديث عبد اللّه بن عمرو، بلفظ: الحجر يمين اللّه في الأرض. انظر: الفتح الكبير 2/ 79، و شفاء الغرام 1/ 172، و تخريج أحاديث الإحياء 1/ 253، و المستدرك 1/ 457.
 (2) هو يعقوب بن إسحاق بن زيد بن عبد اللّه بن أبي إسحاق الحضرمي، أحد القراء العشر، كان أعلم زمانه بالقراءات و العربية، و كلام العرب و الفقه. توفي سنة 205 ه. انظر: بغية الوعاة 2/ 348.
 (3) و هي قراءة شاذة، قرأ بها يعقوب من غير طريق الطيبة، و قرأ بها ابن محيصن.

894
مفردات ألفاظ القرآن

يس ص 895

يس‏
يس‏ قيل معناه يا إنسان «1»، و الصحيح أنّ يس‏
 هو من حروف التّهجّي كسائر أوائل السّور،
يا
: يَا حرفُ النّداءِ «2»، و يستعمل في البعيد و إذا استعمل في اللّه نحو: (يَا ربِّ) فتنبيه للدّاعي أنه بعيد من عون اللّه و توفيقه‏
تمّ ما كتبناه بحمد اللّه و توفيقه و آخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏
__________________________________________________
 (1) و هو مروي عن ابن عباس و الحسن و عكرمة و الضحاك أنه يا إنسان بالحبشية. الدر المنثور 7/ 41.
 (2) قال ابن منظور: «يا» حرف نداء، و هي عاملة في الاسم الصحيح، و إن كانت حرفا.

895
مفردات ألفاظ القرآن

الفهارس الفنية

الفهارس الفنيّة

897
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة للفهارس الفنية ص 899

مقدّمة للفهارس الفنيّة
و فيها زيادة على ما تقدّم في ترجمة المؤلف بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، و الصّلاة و السّلام على أشرف المرسلين، و على آله و صحبه أجمعين، و بعد:
فإنّ كتاب «المفردات» للراغب الأصفهاني مع صغر حجمه جمّ الفوائد، كثير المسائل، غزير المنافع، و هو مرجع عظيم الأهميّة لجميع الباحثين و الدّارسين الذين يشتغلون في علوم اللّغة العربية و التّفسير، فلذلك أحببت أن أسهّل على الباحثين مهمّة الرّجوع إليه لمراجعة أيّ كلمة، أو آية، أو مثل، أو حكمة، أو بيت من الشعر، أو مسألة عملية من مسائل العلم المختلفة، فعملت له فهارس علمية شاملة، جامعة وافية، لتحقّق المقصود، فكان مجموعها/ 24/ فهرسا.
و أحببت هاهنا أن أذكر بعض الزّيادات و التوضيحات التي تتعلّق بالمؤلف و حياته و عصره، فأقول:
قد بيّنت في مقدمة الكتاب بطلان القول المشهور أنّ الراغب توفي سنة 502 ه، و قد ظهر لنا من خلال كتبه أنّ الراغب الأصفهاني أدرك عصر الصاحب بن عباد الوزير المشهور، لكنّه كان شابا يافعا، و لم يجالسه، و الصاحب توفي سنة 385 ه، و تولّى بعده الوزارة أبو العباس الضّبي «1»، و اسمه أحمد بن ابراهيم و كان رجلا يحبّ العلم و العلماء، و أدركه الراغب، و حضر مجالسه، و تناظر و تباحث مع العلماء في مجلسه، و مع الوزير أيضا، كما مرّ الكلام في صفحة 29 و الذي يؤكّد ما قلته، ما ذكره الراغب نفسه في كتابه محاضرات الأدباء «2»، حيث قال: و تكلّم بعض أهل زماننا عند الصّاحب، فسأله عن شي‏ء، فقال: لا، أطال اللّه بقاءك.
فقال: قل: لا، و أطال اللّه بقاءك.
فهذه دلالة يقينية أنّه أدرك العلماء الذين عاصروا الصاحب بن عبّاد و جالسوه، و أيضا فإنّ‏
__________________________________________________
 (1) انظر ترجمته في معجم الأدباء 2/ 105.
 (2) المحاضرات 1/ 68.

899
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة للفهارس الفنية ص 899

عبد الصّمد بن بابك الشّاعر المفلق كما وصفه بذلك الفيروزآبادي «1»، كان من مجالسي الصاحب بن عبّاد، و أحد الذين مدحوه، ثمّ رثوه لما توفي «2»، فقد أدركه الراغب و لكنه لم يجتمع به و إنما أدرك من اجتمع به، و هو أبو سعيد ابن مرداس الأصفهاني، و في ذلك يقول الراغب «3»:
حدّثني أبو سعيد ابن مرداس أنّه قعد مع جماعة فيهم ابن بابك تحت عريش كرم يشربون، فأصابهم مطر، فقال ابن بابك:
            وشى بريّا إليّ             طيف ألم فحيّا
             و نبّهتني شمول             تموت فيّ و أحيا
             يا صخرة الرعد رشّي             دمع الغمام عليّ‏
             فحبذا الرّوح وردا             و منحني النور فيّا
             هذي سماء مدام             لم تمش فيها الحميّا
             فكلّ كرم سماء             و كلّ نجم ثريّا

و أبو منصور الثعالبي و هو من معاصري الراغب الأصفهاني كان قد اجتمع مع ابن بابك، كما ذكر هو فقال «4»: سمعت أبا القاسم عبد الصمد بن بابك يقول: كان أبو الحسن محمد بن عبد اللّه السلامي المخزومي أشعر شعراء أهل العراق بعد ابن نباته السّعدي.
و إنما لم يذكر الثعالبي الراغب في اليتيمة، لأنه لم تصله أخباره، و لأنّ الراغب لم يكن من الشعراء المبرّزين.
و كان الرّاغب يحضر المجالس الأدبية، كما يحضر المجالس العلمية، و كان يجالس كبار أدباء عصره، و منهم أبو القاسم ابن أبي العلاء، و اسمه غانم، كان من الذين جالسوا الصاحب ابن عبّاد و مدحه بقصائد عديدة، و لمّا توفي الصّاحب رثاه أبو القاسم بعدّة قصائد «5»، و فيه يقول الثعالبي «6»:
شاعر مل‏ء ثوبه، محسن مل‏ء فمه، مرغوب في ديباجة كلامه، متنافس في سحر شعره.
فقد ذكر الراغب «7» أنّ أبا القاسم بن أبي العلاء أنشد يوما شعرا كاتب به رئيسا، و كنّا سمعناه‏
__________________________________________________
 (1) القاموس المحيط: باب.
 (2) انظر يتيمة الدهر 3/ 270.
 (3) المحاضرات 2/ 706، و عبد الصمد بن بابك توفي سنة 410 ه.
 (4) انظر تحسين القبيح ص 39.
 (5) انظر يتيمة الدهر 3/ 256، و 3/ 329.
 (6) يتيمة الدهر 3/ 377.
 (7) محاضرات الأدباء 1/ 86.

900
مفردات ألفاظ القرآن

مقدمة للفهارس الفنية ص 899

منه قبل، فعوتب في ذلك، فقال: أنا نظمته، أقلّد به من أشاء، فقوله: كنا سمعناه يدل على مجالسته له في مجالس أدبية.
و أقول: لعلّ قوله فعوتب يفهم منه أنّ المعاتب هو الرّاغب، لأنّه كان قد سمع الشعر سابقا.
فكلّ ما سبق يؤكد لنا أنه أدرك عصر الصاحب، و أنه بقوله في عدد من كتبه «1»: عملت ذلك للأستاذ الكريم أدام اللّه تأييده، أو إطلاقه عليه لفظ الشيخ الفاضل، كما قال «2»: طال تعجّبي من ذلك الشيخ الفاضل حرسه اللّه لأمور رأيتها منه طريفة، و أيضا في محل آخر «3»: بلغني ما جرى بحضرة الشيخ أطال اللّه بقاءه من ذكر مخالطة الناس و مجانبتهم و أنّ الحاضرين عنده اختلفوا.
فالمراد به الوزير أبو العباس الضبي يقينا، لأنه كان الوزير بعد الصاحب، و توفي سنة 399 ه، و قد ذكر الراغب بعض أشعاره في كتابه المحاضرات «4»، و مجمع البلاغة «5».
كلّ هذه الأمور تدلّ على عدم انطواء الراغب على نفسه، و انعزاله عن المجتمع، بل تؤكد أنّه كان مشاركا لأهل العلم و الأدب في مجالسهم، مراجعا لهم في أقوالهم، و أمّا عدم شهرته فلأنّه كان مع الحكماء، و للعامة نظرة معادية للحكماء، و لكن أبى اللّه إلّا أن يرفع ذكره، و يخلد أثره عن طريق كتبه و مؤلفاته، رحمه اللّه و أجزل مثوبته.
__________________________________________________
 (1) انظر تفصيل النشأتين ص 50.
 (2) رسالة مراتب العلوم ورقة 2.
 (3) رسالة أدب مخالفة الناس ورقة 1.
 (4) المحاضرات 1/ 302، 2/ 487.
 (5) مجمع البلاغة 2/ 681.

901