×
☰ فهرست و مشخصات
الخصال (مقدمة)

مقدمة المحقق ص : 3

الجزء الأول‏

 [مقدمة المحقق‏]

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

الحمد للّه الّذي جعل العلم كلّه في كتابه العزيز، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

و الصّلاة و السّلام على رسوله محمّد سيّد الصفوة من البشر، و على آله قرناء القرآن كما صحّ بذلك الخبر.

3
الخصال (مقدمة)

المؤلف و الثناء عليه ص : 4

المؤلّف و الثناء عليه‏

غرّة جبهة الزّمان، إنسان العين و عين الإنسان، المتفاني في ترويج الحقّ و إذاعته و نشر حقائق الدّين و إعلاء كلمته. صاحب التصانيف الّتي طبّقت ذيوع صيتها الآفاق و لا يعتريها في مرور الشهور محاق. أحد الأعلام الّذين تناقلوا الخبر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الأئمّة الاثنى عشر، و نوّروا مناهج الأقطار بأنوار المآثر و الآثار. البحر المتلاطم الزّخّار، شيخ مشايخ الحديث و الأخبار. أمّا الفقه فهو حامل رايته، و أمّا الحديث فهو إمام درايته، و أمّا الكلام فهو ابن بجدته: مولانا الأجل «أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ» المشهور بالصدوق.

كان- قدّس سرّه- في الرّعيل الأوّل من حملة العلم و مروّجي المذهب و الدّاعين إلى الحنيفيّة البيضاء بهمّة عالية قعساء. دأب في كسب العلم فتى و كهلا، و عكف على سماعه ليلا و نهارا، و سافر في أخذه حزنا و سهلا، بعزم لا يكهمه الفشل، و نشاط لا يفلّه الكلل.

نشأ بقم، فرحل إلى الرّيّ‏ «1»، و استرآباد و جرجان و نيشابور و مشهد الرّضا عليه السّلام و مرو الرّوذ و سرخس و إيلاق و سمرقند و فرغانة و بلخ من بلاد ما وراء النهر و همدان و بغداد و الكوفة و فيد و مكّة و المدينة حتّى ارتقى في الفضائل ذراها و تمسّك في المحامد بأوثق عراها، و بلغ من العلم مقاما شدّت الجوزاء له نطاقا، تمشي على ضوء فتاويه فقهاء الأيّام، و تخضع لآرائه و أنظاره علماء الأعصار و الأعوام له من الكتب و الرّسائل بخطّه ما يكلّ لسان القلم عن ضبطه. و الأعلام كلّهم قد أطبقوا على إكبار قدره، و المسير على ضياء بدره.

عنونه الشيخ الطوسيّ- رحمه اللّه- في كتابيه و قال: «كان محمّد بن عليّ بن الحسين‏

______________________________

 (1). راجع تفصيل رحلاته مقدّمة معاني الأخبار طبع مكتبتنا.

4
الخصال (مقدمة)

المؤلف و الثناء عليه ص : 4

حافظا للأحاديث، بصيرا بالفقه و الرّجال، ناقدا للأخبار، لم ير في القميّين مثله في حفظه و كثرة علمه، له نحو من ثلاثمائة مصنّف».

و قال الرّجاليّ الكبير أبو العباس النجاشيّ: «أبو جعفر، نزيل الرّيّ، شيخنا و فقيهنا، و وجه الطائفة بخراسان، كان ورد بغداد و سمع منه شيوخ الطائفة و هو حدث السنّ».

و أطراه ابن إدريس في السرائر، و ابن شهرآشوب في المعالم، و المحقّق الحلّيّ في المعتبر، و ابن طاوس في الإقبال و غيره، و العلّامة في الخلاصة، و ابن داود في رجاله، و زمرة كبيرة من رجالات العلم‏ «1» زيّنوا بتبجيله و تجليله كتبهم، و لو لا خوف الملال لسردنا ذكرهم.

غير أنّي سمعت أنّ أحدا ممّن له الدّعاية، و جاوز الحدّ فوق الغاية جاء بالسّقر و البقر و بيّنات غير، و لم يفرق بين الإنسان و البقر، فطفق يقع في الشيخ بتافه قوله و أساء الأدب و قال في كلام له: «الصدوق كذوب» كبرت كلمة تخرج من فيه، بل هو الكاذب فيما يفتريه. و لا حاجة بنا في هذا المقام إلى ردّ هذا القائل لأنّه عند العلماء ضالّ وهّابيّ مضلّ، و الصدوق في مقام يعثر في مداه مقتفيه، و محلّ يتمنّى البدر لو أشرق فيه.

من كان فوق محلّ الشمس موضعه‏

 

 فليس يرفعه شي‏ء و لا يضع‏

 

 و من سبر غور الكتب و معاجم التراجم يجده إماما من أئمّة المحدّثين و علما من أعلام الدّين، مجمعا على شيخوخيّته و تقدّمه بحيث يستغنى عن تزكيته.

كان والده عليّ بن الحسين- رحمهما اللّه- شيخ القميّين و ثقتهم في عصره، و فقيههم و متقدّمهم في مصره مع أنّ بلدة قمّ يومئذ تعجّ بالفطاحل من العلماء و الأماثل. و هو رضوان اللّه عليه- مع سموّ مقامه في العلم و مرجعيّته في الفتيا كان تاجرا، له دكّان في السوق، يتّجر فيه بزهد و عفاف و قناعة بكفاف، فيعتاش من تجارته و يعبد ربّه حقّ عبادته. و كان عالما، زاهدا، تقيّا، ورعا، ثقة، صدوقا عند الأنام، و شيخا

______________________________

 (1). راجع الاعلام للزركلى و دائرة المعارف الإسلامية ج 1 ص 94، و تاريخ بغداد ج 3 ص 89.

5
الخصال (مقدمة)

المؤلف و الثناء عليه ص : 4

فقيها معتمدا عند الإمام كما نصّ عليه العسكريّ عليه السّلام في التوقيع الّذي صدر منه إليه.

له كتب و رسائل في فنون علوم الدّين، ذكر الطوسيّ و النجاشيّ منها نحوا من عشرين: في الفقه و الأخلاق و التوحيد، و الطبّ و المنطق و التفسير، و غيرها ممّا يطيل الكلام بذكره.

و قال أبو الفرج محمّد بن إسحاق النديم: قرأت بخطّ ابنه (محمّد بن عليّ) على ظهر جزء: «قد أجزت لفلان بن فلان كتب أبي (عليّ بن الحسين) و هي مائتا كتاب، و كتبي و هي ثمانية عشر». (الفهرست ص 277).

و هو كما ترى يدلّ على تبحّره و تضلّعه و مكانته في العلم و الفقه و الأصول و الفروع.

فبيته في قمّ أعظم بيوتات الشيعة، بيت معمور بالعلم و الفضيلة، معرق بالمجد و الشرف، مغدق بالزّهد و الصلاح، معروف بالسؤدد و النجاح. و شيخنا المترجم له «أبو جعفر الصدوق» وليد هذا البيت، و نسيب ذلك الشرف، و عقيد ذاك العزّ، و غصن تلك الدّوحة. و ناشئة أحضان تلك الفضائل، مع ما حباه اللّه سبحانه من جودة الفهم، و حسن الذّكاء، و قدرة الحفظ، و كمال العقل.

عاش- رحمه اللّه مع أبيه عشرين سنة، قرأ عليه و أخذ عنه ثمّ عن غيره من علماء قمّ بعناية تامّة من أبيه، فلم يمض من عمره إلّا أيّام قلائل حتّى صار من جملة العلماء و الأفاضل، فبرع في العلم و فاق الأقران فاختلف إلى مجالس الشيوخ و الأعيان، و تزوّد من العلم ما استطاع فسمع منهم و روى عنهم ما شاء.

فلمّا اشتدّ من فنون العلوم كاهله و صفت له مناهله سافر إلى بلدة الرّيّ بالتماس من أهلها، فسطع بها بدره، و علا صيته، و نشر علمه، و أقام فيها مدّة. ثمّ استأذن الملك ركن الدّولة البويهيّ في زيارة المشهد الرّضويّ عليه السّلام، فنزل بعد منصرفه نيسابور، و اجتمع عليه العلماء و الفحول، فأكبروا شأنه و رفعوا قدره و أقبلوا على استيضاح غرّة فضله، و الاستصباح بأنواره، فوجدهم حائرين في أمر الحجّة عليه السّلام مائلين عن المحجّة فبذل مجهوده في ردّهم إلى الصواب، و أزال عنهم الشكّ و الارتياب، فأفاد بأثارة

6
الخصال (مقدمة)

المؤلف و الثناء عليه ص : 4

من علمه و انموذج من فضله، فبهر النواظر و الأسماع، و انعقد على تقدّمه و شيخوخيّته الإجماع، فجعل شيخ مشايخ خراسان مع ما فيها من الأفاضل و الأماثل و الأعيان، و هو في حداثة من سنّه، و باكورة من عمره.

و لا غرو لأنّه ولد بدعاء الحجّة عليه السّلام‏ «1». فإن قال العلّامة المجلسيّ- رحمه اللّه-: «هو ركن من أركان الدّين» فليس بعجيب. و إن كان الفقهاء نزّلوا كلامه منزلة النصّ المنقول و الخبر المأثور «2» فما كان بغريب.

قال صاحب مقابس الأنوار (ره): «الصدوق: رئيس المحدّثين و محيي معالم الدّين، الحاوي لمجامع الفضائل و المكارم، المولود كأخيه بدعاء الامام العسكريّ‏ «3» أو دعاء القائم عليهما السّلام بعد سؤال والده له بالمكاتبة أو غيرها أو بدعائهما صلوات اللّه عليهما، الشيخ الحفظة، و وجه الطائفة المستحفظة، عماد الدّين أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين» القمّيّ الخراسانيّ الرّازيّ طيّب اللّه ثراه و رفع في الجنان مثواه- الخ».

______________________________

 (1). قال المصنّف في كمال الدين: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن على الأسود: قال: سألنى على بن الحسين بن موسى بن بابويه رحمه اللّه بعد موت محمّد بن عثمان العمرى رضي اللّه عنه- أن أسأل ابا القاسم الروحى (قده) أن يسأل مولانا صاحب الزّمان عليه السّلام أن يدعو اللّه عزّ و جلّ أن يرزقه ولدا ذكرا، قال: فسألته فأنهى ذلك فأخبرنى بعد ذلك بثلاثة أيّام أنّه قد دعا لعلى بن الحسين و أنّه سيولد له ولد مبارك ينفعه اللّه به، و بعده أولاد قال أبو جعفر محمّد بن على الأسود: و سألته في أمر نفسى أن يدعو لي أن أرزق ولدا ذكرا فلم يجبنى إليه، و قال:

ليس الى هذا سبيل. قال: فولد لعلى بن الحسين محمّد بن على و بعده أولاد، و لم يولد لى شي‏ء».

و اخرج شيخ الطائفة في كتاب الغيبة مسندا عن ابن الدلال و غيره من مشايخ أهل قم «أنّ عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمّه محمّد بن موسى فلم يرزق منها ولدا فكتب الى الشيخ أبى القاسم الحسين بن روح رضي اللّه عنه أن يسأل الحضرة أن يدعو اللّه أن يرزقه أولادا فقهاء، فجاء الجواب أنك لا ترزق من هذه، و ستملك جارية ديلمية و ترزق منها ولدين فقيهين قال: و قال لي أبو عبد اللّه ابن سورة حفظه اللّه: و لابى الحسن بن بابويه ثلاثة أولاد: محمّد و الحسين فقيهان ماهران في الحفظ يحفظان ما لا يحفظ غيرهما .. الخ».

 (2). البحار ج 9 الباب التاسع و الخمسون.

 (3). كذا.

7
الخصال (مقدمة)

(وفاته و مدفنه) ص : 8

 

و قال السيّد الطباطبائيّ- رضوان اللّه عليه- في فوائده: «شيخ مشايخ الشيعة و ركن من أركان الشريعة، رئيس المحدّثين و الصدوق فيما يرويه عن الأئمّة عليهم السّلام، ولد بدعاء صاحب الأمر صلوات اللّه عليه، و نال بذلك عظيم الفضل و الفخر، وصفه الامام عليه السّلام في التوقيع الخارج من ناحيته المقدّسة بأنّه فقيه، خير، مبارك، ينفع اللّه به، فعمّت بركته الأنام، و انتفع به الخاصّ و العام، و بقيت آثاره و مصنّفاته مدى الأيّام، و عمّ الانتفاع بفقهه و حديثه فقهاء الأصحاب و من لا يحضره الفقيه من العوام ...».

 (وفاته و مدفنه)

توفّي- رحمه اللّه- بالرّي سنة 381 الهجريّ القمريّ في العشر الثامن من عمره.

و قبره بالرّي في بستان عظيم، بالقرب من قبر سيّدنا عبد العظيم بن عبد اللّه الحسنيّ- رضي اللّه عنه- و هو اليوم مشهور يزار.

 (شيوخه و تلامذته)

روى قدّس سرّه- عن جمّ غفير من أعلام المحدّثين تناهز عددهم 250، راجع مقدّمة معاني الأخبار، تخبرك بأسمائهم و أخبارهم.

و يروي عنه زرافات من روّاد العلم و الفضل يبلغ عدد من ذكر منهم العشرين، راجع مقدّمة من لا يحضره الفقيه توقفك على من لم تعلم من أعيانهم.

ثمّ اعلم أنّ هذين المقدّمتين من أحسن ما كتب في ترجمة المؤلّف- رحمه اللّه- و الأولى بقلم العالم البارع المحقّق الشيخ عبد الرّحيم الرّبانيّ نزيل قم المشرّفة أبقاه اللّه تعالى و سدّده. و الثانية سطرها يراع الحجّة سيّدنا و مولانا السيّد حسن الموسوي الخرسان حفظه اللّه سبحانه من الآفات و العاهات و الحدثان، فلقد أجاد و قرى، و تتبّع و استقرى.

 

8
الخصال (مقدمة)

أما الخصال ص : 9

أما الخصال‏

فهو كتاب مبتكر في موضوعه، فريد في بابه، مفعم بالحقائق، مل‏ء غضونه رقائق، جؤنة حافلة بنفيس الأعلاق من طرائف الحكم و محاسن الأخلاق، و فرائض الأحكام و ملاحم الأيّام، و عظات و عبر و بيّنات من صحيح الأثر ممّا لم يجمع مثله في كتاب.

و لم تر عيناي من قبله‏

 

 كتابا حوى بعض ما قد حوى‏

 

 و هو بما في طيّه من الدّروس العالية و الأبحاث القيّمة من نفائس الأخبار منهل عذب أظمأت إليه علماء الأعصار، فلو اطّلع على نفائسه الفقيه يقتصد في قوته ليقتنيه، و تبيع العذراء عقدها لتشتريه.

و القارئ جدّ عليم بأنّ قيمة الكتاب بلباب المعارف لا بتكثير الصحائف، و بفخامة الأسرار، لا بضخامة الأسفار، و بجلالة ما وعى من الفوائد لا بكثرة ما حوى من الزّوائد، و بدقّة حواشيه لا بفرط غواشيه.

و الخصال مع صغر حجمه دائرة معارف تحتوي علوما جمّة من معارف الإسلام و أحكام الحلال و الحرام، و غيرها ممّا لا غنى عنه لأيّ فقيه أو أديب أو مؤرّخ أو مفسّر أو واعظ ناطق، أو خطيب مصقع، أو حكيم متألّه، أو سياسيّ أو نطاسيّ.

فالباحث مهما سبح في أجواء بحره الطّامي و خاض غمراته و اغتمس في أمواجه يجده بحرا زاخرا جيّاش العباب، فيه اللّؤلؤ و المرجان و الدّرّ الوضي‏ء، و إذا ورد مناهله الرّويّة و اغترف من مائه أو ارتشف من عذبه يجده غير آسن أصفى من المزن و أطيب من المسك.

جواهر فرائده للعقول بواهر، و أزاهر أنجمه في أفق المقال زواهر.

كلام كالجواهر حين يبدو

 

 و كالنّد المعنبر إذ يفوح‏

له في ظاهر الألفاظ جسم‏

 

 و لكنّ المعاني فيه روح‏

 

 و لا يسع الإنسان حين يناوله و يصفّح أوراقه إلّا أن تأخذه الدّهشة و تعتريه‏

9
الخصال (مقدمة)

أما الخصال ص : 9

الحيرة لما يرى من كثرة اطّلاع مؤلّفه العبقريّ و جهوده الجبّارة في اقتناء غرائب درره، و لمّ شوارد غرره، و ما كابده و عاناه في أسفاره و رحلاته لجمعه و تنسيقه.

ثمّ اعلم أنّا مع ما بالغنا في أهميّة الكتاب و عظمة مؤلّفه لم نقل بصحّة صدور جميع أخباره، و لا نلتزم بذلك في الخصال و لا غيره من كتب الأخبار، من أيّ مؤلّف في أيّ مقام. بل غاية ما نقول إنّ الخصال أحد الكتب الّتي عليها المدار في جميع الأعصار، و لم يقل أحد من الأكابر و لا المصنّف نفسه بقطعيّة صدور ما بين دفّتيه، فالكلام فيه كالكلام في غيره.

و للعلماء في معرفة الحديث الصّحاح منه و الزّياف و الحسان و الضعاف قواعد معلومة، مدعومة عندهم بالبرهان، و نحن لا نمشي فيها إلّا بضياء نورهم، و لا نكتل إلّا بمكيالهم، و لا نزن إلّا بموازين قسطهم. نصحّح ما صحّحوا و نضعّف ما ضعّفوا و نطرح ما طرحوا، و لا نحوم حوم الفضول، مع أنّا لا نقول بقول حشوية أهل الحديث و السذج منهم فنعتقد بكلّ باطل ينسب إلى المعصوم عليه السّلام.

كما أنّا لا نجعل عقولنا القاصرة «الحكم التّرضى حكومته» في معرفة مقبول الحديث و مردوده.

ثمّ اعلم أيضا أنّا لا نجوّز لأحد أن يلعب بالرّوايات يصحّح منها ما وافق هواه و إن كان موضوعا مكذوبا و يكذّب منها ما خالف رأيه و إن كان صحيحا ثابتا.

و كم في عصرنا هذا من أناس غلب المستشرقون على عقولهم، و استولوا على قلوبهم، فمالوا معهم حيثما مالوا و ذهبوا معهم أينما ذهبوا، فلا يمشون إلّا على ضوء نارهم يزعمون أنّها نور لجهلهم، يتأوّلون القرآن بآرائهم، و يفسّرونه بأوهامهم، و لا يقبلون من الأحاديث ما يخالف أهواءهم، و يدّعون أنّهم علموا ما فات أسلافهم. فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا، ألا إنّهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون.

10
الخصال (مقدمة)

طبعاته ص : 11

طبعاته‏

طبع الكتاب مرّتين بالطبع الحجريّ بجزئيه في مجلد واحد. الأولى سنة 1302 الهجريّ القمري و الأخرى 1374. و مرّة جزؤه الأوّل فقط بالطبع الحروفيّ مصحّحا مزيّنا بالتعاليق بعناية شقيقنا المفضال السيّد فضل اللّه الطباطبائيّ اليزديّ نزيل قم المشرّفة. و كما في تقدمته راجع تصحيحه خمس نسخ مخطوطة عنده أدام اللّه تأييده.

و طبع مرّات بالطبع الحروفي أيضا مغلوطا مترجما بحذف الاسناد.

اما المطبوع المصحّح بعناية السيّد الطباطبائي فهو في غاية الدّقّة و نهاية الصحّة بالنظر إلى لفظ الحديث لكن بقيت فيه أخطاء و بخاصّة في الأسانيد فقد صحّف فيه كما في أصوله يعلى بمعلّى. و المخرّميّ بالمحرميّ. و رشدين بن سعد المصريّ برشيد بن سعد البصري.

و مزيد بيزيد. و محمّد بن سنان العوقيّ بمحمّد بن سيّار العوفيّ. و عبد الرحمن بن الأسود بعبد اللّه بن الأسود. و أبي ظبيان بابن ظبيان. و السختيانيّ بسجستانيّ. و أميّ الصيرفي بأخي الصيرفيّ. و قزعة بقرعة. و إسماعيل بن اميّة باسماعيل بن أسيد. و أبو سفيان بابو سنان. و الميثميّ بالمثنى. و سليمان بن حفص البصريّ بسليمان بن جعفر البصريّ.

و هدبة بن خالد القيسيّ بهديّة بن خالد العبسيّ. و أبو بشر المرّيّ بأبي بشير المزنيّ.

و عبيد اللّه بن عبد الرّحمن بعبد اللّه بن عبد الرّحمن. و أبو عمر سهل بعمر بن سهل.

و الصدائي بالصيداويّ. و ابن الهيثم بابراهيم. و ميمون البان بميمون اللّبان. و كثيرا ما صحّف «عن» ب- «بن» مثلا عوف عن ميمون صحّف بعوف بن ميمون فصار الرجلان المعلومان مهملين أو مجهولين. و ربما صحّف عمرو بعمر، و بالعكس، و حفص بجعفر و بالعكس.

و هذه الأخطاء كلّها موجودة في الطبع الحجري الأسبق بل بأضعاف مضاعفة.

و لم يكن إبقاء تلك الأغلاط لتسامح المصحّح في التحقيق كلّا، نحن نجلّ ساحته عن التسامح في أمثال هذه الأمور، بل ذلك لكثرة ما في الأسانيد من رجال العامّة أو الخاصّة المترجمين في كتبهم الرّجاليّة و لم يكن عند السيّد المعظّم منها إلّا قليل فلم يتمكّن‏

11
الخصال (مقدمة)

أما عملى في التصحيح ص : 12

من استقراء البحث و التنقيب حول كلّ واحد منهم فسعيه وراء تصحيح الكتاب عند العلماء مشكور، و تحمّله المشاقّ في تعليقه و تحقيقه عند اللّه مأجور.

أمّا النسخ المطبوعة سواه فأغلاطه في لفظ الأحاديث و أخطاؤه في الأسانيد و سقطاته في الصفحات كادت من الكثرة أن لا تحصى. و ربما يكون الساقط منها في الصفحة سطرا أو سطرين، أو جملة أو جملتين.

أما عملى في التصحيح‏

فاعلم أنّي راجعت نصوصه في الجزء الأوّل النسخة المطبوعة المصحّحة المذكورة ثمّ قابلته بنسخة مخطوطة متوسّطة في الصحّة لمكتبة مسجد شاه بطهران أهداها إليها زميلنا العالم السيّد محمود المحرميّ الزّرنديّ لا زال مؤيّدا و مسدّدا. و كانت النسخة في جزءين تاريخ الجزء الأوّل 1011 القمري، بدون ذكر الكاتب، و الجزء الثاني بخطّ آخر تاريخها 1064 كاتبها بهاء الدّين محمّد بن عبد اللّه بن محمّد بن الحسين البشروي و في خلال الجزءين أوراق خطّها مغاير لخطّ الكاتب المزبور و كاتب الجزء الأوّل.

و أمّا الجزء الثاني فراجعت أوّلا النسخة المخطوطة المذكورة، ثمّ نسخة نفيسة ثمينة لمكتبة الدكتور «السيّد محمود حجّت» الهمدانيّ المحترم، تاريخها محرّم الحرام سنة 1104- القمري. كاتبها محمّد جان ابن حاج الحرمين الشريفين الحاجّ محبّ عليّ الهمداني. و هي نسخة نفيسة جدّا إلّا أنّ في أواخرها حذف الكاتب الأسانيد برمّتها.

فبعد المقابلة مع هذين النسختين راجعت إلى المنقول منه المبثوت في مجلّدات البحار و الوسائل و غيرهما من الأصول المعتبرة الّتي صحّحها المشايخ و ذلك على ما تيسّر لي منها.

و تخيّرت في موارد الاختلاف ما يرجّح لي نصّه، و اجتهدت في إخراجه صحيحا كاملا على ما في الأصول الّتي تقدّم ذكرها. و لم يكن عندي نسخة مقروءة على الشيوخ أو يكون قريبة من عصر المؤلّف حتّى أجعلها أصلا.

و أمّا النسخ المطبوعة على الحجر فلم ابالها بالي، و ما جعلتها من أدوات أعمالي لكثرة ما فيها من الأغلاط و التحريفات، و إن أردت أن تحيط بذلك خبرا فإنّي أذكر لك‏

12
الخصال (مقدمة)

أما عملى في التصحيح ص : 12

منها زائدا على ما مرّ نزرا يسيرا ممّا ظهر لي من أخطائها في الجزء الثاني في الأسانيد فحسب فقد صحّف فيه:

شيبان بن فرّوخ بسنان بن فرّوخ. و قطن بن نسير بقطن بن بشير. و سهل بن زنجلة بسهل بن نحرة أو بحرة. و جعفر بن برقان بجعفر بن عرفان. و عيسى بن موسى غنجار بعيسى بن موسى بمنجار. و رقبة برقيّة. و أشوع بأشرع. و عبد اللّه بن رزين بعبد اللّه بن زيد و الحسين بن الكميت بالحسين بن المكتّب. و بشّار بن يسار ببشار بن بشار. و حميد بن زنجويه بسعيد بن زنجويه. و عليّ بن الحسن بعليّ بن الحسين. و سفيان عن سعد بسفيان بن سعد. و أبي بجير بأبي عتبة. و غرزة بعروة. و خصيف بمضيف.

و القادريّ بالقارئ. و شدّاد بن الهاد بشدّاد الهادي و في موضع أبي الهاديّ. و موسى ابن إبراهيم بإبراهيم بن موسى. و عبد اللّه بن محمّد بن رمح المهاجر التجيبى بعبد اللّه ابن المهاجرين الربيح النجيبى. و حفص بن ميسرة بجعفر بن ميسرة. و إسحاق بن نجيح بسعيد بن نجيح. و عبد اللّه بن حرام بعبد الرّحمن بن حمام. و الحكم بن مسكين غير مرّة بحسن بن مسكين. و الفضل بمفضّل. و محمّد بن عبيد اللّه بمحمّد بن عبد اللّه.

و سليمان بن بريدة بسليمان بن يزيد. و يونس عن صبّاح بيونس بن صبّاح. و محمّد بن الفضل بن محمّد بن إسحاق بمحمّد بن الفضل عن محمّد بن إسحاق. و كثيرا ما سقط واحد من رجال السند أو صحّف ابن بأبي و هكذا أبي بابن إلى غير ذلك، و أصبحت هذه النسخة المغلوطة مصدرا للأخطاء و توارثته الكتب الّتي طبعت بعدها بالنقل عنها.

و لأجل هذه الأخطاء كم من حديث صحيح صار ضعيفا و كم من رجل ثقة معلوم صار مجهولا أو مهملا.

13
الخصال (مقدمة)

أما عملى في التحقيق ص : 14

أما عملى في التحقيق‏

فبعد ما فرغت من تصحيح الكتاب سندا و متنا على أوسع مدى مستطاع اهتممت بترجمة رجاله الّذين لم يذكروا في كتب الخاصّة و كثيرا ما يحتاج القارئ إلى الوقوف على حالهم فراجعت فيها تقريب التهذيب لابن حجر العسقلانيّ، و تهذيب التهذيب له، و ميزان الاعتدال للذّهبي، و الاكمال في أسماء الرّجال لمحمّد بن عبد اللّه الخطيب، و الاستيعاب لابن عبد البرّ، و حلية الأولياء لأبي نعيم الأصبهانيّ، و الإصابة لتمييز الصحابة لابن حجر. و اللّباب في تهذيب الأنساب للجزري، و المعارف لابن قتيبة الدّينوريّ، و المحبّر لحبيب بن اميّة البغداديّ، و تاريخ بغداد للخطيب، و الجواهر المضيئة لعبد القادر بن أبي الوفاء الحنفي المصريّ.

و كانت ترجمتي لهم وجيزة للتعريف فحسب، و غالبا ذكرت المصدر الّذي أخذت عنه ليكون القارئ على بصيرة من أمره أو راجعه إذا أراد التفصيل.

و لقد لقيت في تنفيذ هذا الأمر تعبا شديدا لم أصادفه في غيره من الكتب الّتي تصدّيت لتحقيقها و تصحيحها.

ثمّ إرشادا للمستفيدين و تسهيلا للباحثين فسّرت ما لعلّه يحتاج إلى البيان من غريب اللّفظ و مشكل اللّغة، و جعلت له فهرسا عامّا لجميع الأحاديث و في كلّ ذلك رائدي الإخلاص و صواي صدق النيّة، و للّه الحمد و المنّة.

و من المؤسف عليه و بالرّغم من جدّنا في التصحيح وقع في الكتاب حين الطبع أغلاط أو اغيلاط جلّها بسبب إهمال المطبعة و سهو النظر و يهون الخطب و لا ينزل بالكتاب عن درجة الاعتبار.

فالمرجوّ من الكرام تصويب الأخطاء، ثمّ صالح الدّعاء. فانّي أتيت بالمقدور و ما هفوت فيه فمن القصور، و العمل خطير، و بضاعتي مزجاة، فمثلي من الإنصاف بمنجاة، إن أريد إلّا الإصلاح، و ما توفيقي إلّا باللّه.

خادم العلم و الدين على أكبر الغفاري‏

14